كتاب : الشريعة للآجري

المؤلف : الآجري

- وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثني القاسم بن دينار قال : ثنا مصعب بن المقدام ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي سعيد ، وأبي هريرة قال : شهدا به على نبيهما أنهما سمعاه يقول أو قال : سمعتهما يشهدان به على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا فقال : » هل من مستغفر ؟ هل من سائل ؟ هل من داع ؟ «

703 - أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن بشار بندار قال : حدثنا محمد بن جعفر غندر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر قال : أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما : شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل يمهل حتى إذا كان ثلث الليل فيقول : هل من سائل ؟ هل من تائب ؟ هل من مستغفر من ذنب ؟ » قال : فقال له رجل : حتى يطلع الفجر ؟ قال : « نعم »

704 - وأخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا مصعب بن محمد بن مصعب قال : نا يزيد يعني ابن هارون قال : أنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة : أنهما شهدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أشهد به عليهما : « إن الله عز وجل يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا ، فقال : هل من مستغفر فيغفر له ؟ هل من تائب يتاب عليه ؟ هل من سائل يعطى » ؟ أخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن أبي إسحاق وذكر الحديث إلى آخره نحوه وأخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عثمان العجلي قال : نا عبيد الله يعني ابن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق وذكر الحديث إلى آخره نحوه

705 - وحدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : نا عبد الحميد بن أبي العشرين قال : نا الأوزاعي قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير قال : حدثني هلال بن أبي ميمونة قال : حدثني عطاء بن يسار قال : حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال : صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا مضى شطر (1) الليل أو قال : ثلثاه ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيقول : لا أسأل عن عبادي غيري ، من ذا الذي يسألني أعطيه ؟ من ذا الذي يدعوني أستجيب له ؟ من ذا يستغفرني فأغفر له ؟ حتى ينفجر الصبح »

__________

(1) الشطر : النصف

706 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال : نا إسماعيل بن علية ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن رفاعة الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا مضى نصف الليل الأول أو قال : ثلثاه ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا يقول : لا أسأل عن عبادي أحدا غيري ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ، من ذا الذي يسألني فأعطيه ، حتى ينفجر الفجر وقال مرة : حتى ينفجر الصبح »

707 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : نا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنا عبد الله بن المبارك قال : حدثنا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن رفاعة الجهني قال ابن صاعد : هكذا قال لنا : عن عبد الله بن المبارك ويقصر من الإسناد عطاء بن يسار فحدثناه الحسين بن الحسن ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وزياد بن أيوب قالوا : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا هشام الدستوائي قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن رفاعة الجهني واللفظ لابن المبارك قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد أو قال : بقديد جعل رجال منا يستأذنون على أهليهم فيأذن لهم ، فحمد الله عز وجل وقال خيرا ، وقال : « إذا مضى نصف الليل أو قال : ثلثه ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا ، فيقول : لا أسأل عن عبادي غيري ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ حتى ينفجر الصبح » وأخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا رواد بن الجراح قال : حدثنا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن رفاعة الجهني قال رواد : ابن عرابة وذكر الحديث نحوه

708 - وأخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا هارون بن إسحاق ، وعلي بن المنذر الطريقي قالا : حدثنا محمد بن فضيل ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل يفتح أبواب السماء ثلث الليل الباقي ، ثم يهبط إلى السماء الدنيا ثم يبسط يديه » ، وقال علي بن المنذر يده : ألا عبد يسألني أعطيه ؟ قال : فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر «

709 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : نا زهير بن محمد المروزي قال : أنا معاوية بن عمرو قال : حدثنا زائدة قال : حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله يعني ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل يفتح أبواب السماء ثلث الليل الباقي ، ثم يهبط إلى السماء الدنيا ، فيبسط يده عز وجل فيقول : ألا عبد يسألني فأعطيه ؟ حتى يطلع الفجر »

710 - أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا هشام بن عبد الملك قال : أنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن نافع بن جبير ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا ، فيقول : هل من سائل فأعطيه سؤله ؟ هل من مستغفر فأغفر له » ؟ وحدثنا جعفر الصندلي قال : نا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا إسحاق بن عمر بن سليط ، وعبيد الله بن محمد بن حفص قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مثل الحديث إلى آخره

711 - وأخبرنا ابن أبي داود أبو بكر قال : حدثنا يعقوب بن سفيان ، وعبد الله بن محمد بن النعمان قالا : حدثنا عبد الرحمن بن المبارك قال : حدثنا فضيل بن سليمان قال : حدثنا موسى بن عقبة ، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له ؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له ؟ ألا مقتر عليه رزقه يدعوني فأرزقه ؟ ألا مظلوم يدعوني فأنصره ؟ ألا عان (1) يدعوني فأفك عنه » ؟ قال : فيكون كذلك حتى يصبح « وذكر الحديث

__________

(1) العاني : الأسير أو صاحب الدين أو المريض

712 - أخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني عبد الرحمن بن البيلماني قال : « ما من ليلة إلا ينزل ربكم عز وجل إلى السماء ، فما من سماء إلا وله فيها كرسي ، فإذا نزل إلى السماء خر أهلها سجدا حتى يرجع ، فإذا أتى السماء الدنيا : أطت (1) وترعدت من خشية الله عز وجل ، وهو باسط يديه يدعو عباده : يا عبادي من يدعني أجبه ؟ ومن يتب إلي أتب عليه ؟ ومن يستغفرني أغفر له ؟ ومن يسألني أعطه ؟ من يقرض غير معدم ولا ظلوم ، أو كما قال » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فيما ذكرته كفاية لمن أخذ بالسنن ، وتلقاها بأحسن قبول ، فلم يعارضها بكيف ولم ؟ واتبع ولم يبتدع

__________

(1) الأطيط : أصوات الإبل والمراد وجود أصوات شديدة دلالة على كثرة الملائكة وازدحامها

713 - حدثنا ابن صاعد أبو محمد قال : نا الحسين بن حسن المروزي قال : أنا ابن مبارك قال : أنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : بلغنا عن رجال من أهل العلم أنهم كانوا يقولون : « الاعتصام بالسنن نجاة »

714 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد قال : نا أبو حفص عمر بن مدرك القاص قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : نا الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي ، والثوري ، ومالك بن أنس ، والليث بن سعد : عن الأحاديث التي فيها الصفات ؟ فكلهم قال : « أمروها كما جاءت بلا تفسير »

باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم على صورته بلا كيف

715 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : نا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته »

716 - وأخبرنا إبراهيم بن الهيثم الناقد قال : نا أبو معمر القطيعي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقبحوا الوجه ، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته »

717 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن ميمون الخياط المكي قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عجلان ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال أبو الزناد في حديثه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا ضربتم فاجتنبوا الوجه ، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته »

718 - وقال ابن عجلان : عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : « لا تقل : قبح الله وجهك ، ولا وجه من أشبه وجهك ، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته »

719 - وحدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : نا محمد بن المثنى أبو موسى قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن عجلان ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته »

720 - وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : نا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال : نا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقبحوا الوجه ، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن عز وجل » قال محمد بن الحسين رحمه الله : هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ، ولا يقال فيها : كيف ؟ ولم ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق ، وترك النظر ، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين

721 - حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال : نا أبو بكر المروزي قال : سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي يردها الجهمية في الصفات والإسراء والرؤية وقصة العرش ؟ فصححها وقال : « قد تلقتها العلماء بالقبول ، تسلم الأخبار كما جاءت » قال أبو بكر المروزي : وأرسل أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة إلى أبي عبد الله يستأذنانه أن يحدثا بهذه الأحاديث التي تردها الجهمية فقال أبو عبد الله : حدثوا بها ، قد تلقتها العلماء بالقبول ، وقال أبو عبد الله : تسلم الأخبار كما جاءت قال محمد بن الحسين رحمه الله : سمعت أبا عبد الله الزبيري رحمه الله وقد سئل عن معنى هذا الحديث ، فذكر مثل ما قيل فيه ، ثم قال أبو عبد الله : نؤمن بهذه الأخبار التي جاءت ، كما جاءت ، ونؤمن بها إيمانا ، ولا نقول : كيف ؟ ولكن ننتهي في ذلك إلى حيث انتهي لنا ، فنقول من ذلك ما جاءت به الأخبار كما جاءت

باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب عزوجل بلا كيف

722 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح قال : حدثنا أبو هانئ الخولاني ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي ، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن جل وعز ، كقلب واحد ، يصرف كيف شاء » ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم مصرف القلوب اصرف قلبي لطاعتك » حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال : حدثنا يحيى بن عبدك القزويني قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ وذكر الحديث مثله إلى آخره

723 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال : حدثنا حاجب بن الوليد قال : حدثنا بقية ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن مقاتل بن حيان ، عن شهر بن حوشب قال : قلت لأم سلمة : ما كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان عندك ؟ قالت : كان يقول : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » قلت : أتخشى علينا ؟ فقال : « إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، ما شاء أزاغ (1) ، وما شاء أقام »

__________

(1) أزاغ : أمال عن الحق

724 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : نا زهير بن محمد المروزي ، قال : نا محمد بن سعيد الأصبهاني قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت سالما الخياط ، يقول : سمعت الحسن ما لا أحصيه يذكر عن أمه قالت : سمعت أم سلمة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع رب العالمين ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه (1) أزاغه (2) »

__________

(1) يزيغه : يميله عن الحق

(2) أزاغ : أمال عن الحق

725 - أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : نا محمد بن زنبور المكي قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : « يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك » ، فيقال له : يا رسول الله أتخشى علينا وقد آمنا بك ، وآمنا بما جئت به ؟ فقال : « إن قلوب الخلائق بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، إن شاء هكذا ، وإن شاء هكذا »

726 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا الهيثم بن جناد الجهني قال : حدثنا إبراهيم بن عيينة ، عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : « اللهم ثبت قلبي على دينك » ، فقال له بعض أصحابه : تخاف علينا يا رسول الله وقد أجبناك ، وصدقناك فيما جئت به ؟ فقال : « نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها »

727 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أم محمد القرشية ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » ، قلت : يا رسول الله أو تخاف ؟ قال : « وما يؤمنني ، وإنما قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، إذا شاء أن يقلب قلب عبد قلبه »

728 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أخبرنا المؤمل بن الفضل ، ومحمد بن سعيد الأصبهاني قالا : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يقول : حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ، أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت النواس بن سمعان يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع رب العالمين ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه (1) أزاغه (2) » قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك »

__________

(1) يزيغه : يميله عن الحق

(2) أزاغ : أمال عن الحق

729 - وحدثنا الصندلي جعفر قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : أما سمعت ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » ؟ وقال صلى الله عليه وسلم : « قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الله عز وجل » ثم قال بشر : هؤلاء الجهمية يتعاظمون هذا

باب الإيمان بأن الله عز وجل يمسك السماوات على إصبع والأرضين
على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والخلائق كلها على إصبع ، والماء والثرى على إصبع

730 - أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال : حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إذا كان يوم القيامة جعل الله تبارك وتعالى السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، والخلائق كلها على إصبع ، ثم يهزهن ، ثم يقول : أنا الملك قال : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه ، تصديقا له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه (1)

__________

(1) سورة : الزمر آية رقم : 67

731 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا عبد الوهاب الوراق قال : أنا هاشم بن القاسم ، عن أبي معاوية شيبان بن عبد الرحمن ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : جاء حبر (1) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أو يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يوم القيامة يجعل السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى (2) على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول : أنا الملك قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، تصديقا لقول الحبر

__________

(1) الحبر : العالم المتبحر في العلم

(2) الثرى : التراب النَّدِيٌّ، وقيل : هو التراب الذي إِذا بُلَّ يصير طينا

732 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن الوليد البسري قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن سفيان يعني الثوري قال : نا منصور ، وسليمان يعني الأعمش عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله : أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله عز وجل يمسك السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر على إصبع ، والخلائق على إصبع ثم يقول : « أنا الملك » قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : « وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه (1) » قال يحيى بن سعيد القطان : زاد فيه فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقا

__________

(1) سورة : الزمر آية رقم : 67

733 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أنا الضحاك بن مخلد ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : جاء رجل من أهل الكتاب قال : أراه قال : يهوديا أو نصرانيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله جل ثناؤه يضع يوم القيامة السموات والأرض على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، فيقول : أنا الملك أراه قال مرتين قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه (1) ، ثم قرأ هذه الآية : وما قدروا الله حق قدره (2)

__________

(1) النواجذ : هي أواخُر الأسنان. وقيل : التي بعد الأنياب.

(2) سورة : الزمر آية رقم : 67

باب ما روي أن الله عز وجل يقبض الأرض بيده ،
ويطوي السماوات بيمينه

734 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي قال : حدثنا الحكم بن نافع قال : حدثنا شعيب يعني ابن أبي حمزة عن الزهري قال : أنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يقبض الله عز وجل الأرض ، ويطوي السماوات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ »

735 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا الحسن بن عيسى بن ماسرجس ، قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا يونس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب حدثه عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يقبض الله عز وجل الأرضين يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض » ؟

باب الإيمان بأن الله عز وجل يأخذ الصدقات بيمينه ، فيربيها
للمؤمن

736 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن عز وجل بيمينه ، وإن كانت تمرة ، فتربو في كف الرحمن عز وجل حتى تكون أعظم من الجبل ، كما يربي أحدكم فلوه (1) ، أو فصيله »

__________

(1) الفلو : المُهْرُ الصَّغير ، وقيل : هو الفَطِيم من أوْلاد ذَواتِ الحِافِر

737 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عيسى بن حماد زغبة قال : أخبرنا الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن عز وجل بيمينه وإن كانت تمرة ، فتربو في كف الرحمن عز وجل ، حتى تكون أعظم من الجبل ، فيربيها كما يربي أحدكم فلوه (1) أو فصيله »

__________

(1) الفلو : المُهْرُ الصَّغير ، وقيل : هو الفَطِيم من أوْلاد ذَواتِ الحِافِر

738 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : أنا عبيد الله بن عمر ، عن سعيد المقبري ، عن أبي الحباب ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا إلا كان الله عز وجل يأخذها بيمينه ، فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه (1) أو فصيله حتى تبلغ التمرة مثل أحد »

__________

(1) الفلو : المُهْرُ الصَّغير ، وقيل : هو الفَطِيم من أوْلاد ذَواتِ الحِافِر

باب الإيمان بأن لله عز وجل يدين وكلتا يديه يمين

739 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري ، قال : حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال : نا أبو توبة الربيع بن نافع ، عن بقية بن الوليد قال : حدثنا أرطاة بن المنذر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أول شيء خلقه الله القلم ، فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين قال : فكتب الدنيا وما يكون فيها من عمل معمول ، بر أو فجور ، رطب أو يابس ، فأحصاه في الذكر ، ثم قال : اقرءوا إن شئتم : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون (1) فهل تكون النسخة إلا من أمر قد فرغ منه ؟

__________

(1) سورة : الجاثية آية رقم : 29

740 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو أنس مالك بن سليمان الحمصي قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن أرطاة بن المنذر ، عن مجاهد بن جبر ، : أنه بلغه عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أول شيء خلقه الله عز وجل القلم ، فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين وذكر الحديث مثله إلى آخره

741 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، سمع عمرو بن أوس الثقفي ، يحدث عن عبد الله بن عمرو وبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم : « المقسطون عند الله عز وجل يوم القيامة على منابر من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون بحكمهم وأهليهم وما ولوا »

742 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : نا الليث بن سعد ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن عبد الله بن سلام أنه قال في حديث طويل قال : « ثم خلق آدم عليه السلام قال : ثم مسح ظهره بيديه فأخرج فيهما من هو خالق من ذريته إلى أن تقوم الساعة ، ثم قبض يديه عز وجل ثم قال : اختر يا آدم قال : اخترت يمينك يا رب ، وكلتا يديك يمين فبسطها فإذا فيها ذريته من أهل الجنة فقال : من هؤلاء يا رب ؟ قال : هم من قضيت أن أخلق من ذريتك من أهل الجنة ، إلى أن تقوم الساعة » وذكر الحديث

باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام بيده
وخط التوراة لموسى بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وقد قيل : العرش ، والقلم ، وقال لسائر الخلق : كن فكان ، فسبحانه

743 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب اللحجي قال : حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن بن حكيم بن حزام القرشي عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله عز وجل آدم عليه السلام بيده يوم الجمعة ، ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة أن يسجدوا له ، فسجدوا له إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه (1) قال محمد بن الحسين : يقال للجهمي الذي ينكر أن الله خلق آدم بيده كفرت بالقرآن ، ورددت السنة ، وخالفت الأمة ، فأما القرآن : فإن الله عز وجل لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال الله عز وجل : ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين (2) وقال عز وجل في صورة الحجر : وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين (3) فحسد إبليس آدم لأن الله عز وجل خلقه بيده ، ولم يخلق إبليس بيده ، ولما التقى موسى عليه السلام مع آدم عليه السلام فاحتجا ، فكان من حجة موسى لآدم أنه قال له : أنت أبونا آدم خلقك الله تعالى بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ؟ فاحتج موسى على آدم بالكرامة التي خص الله عز وجل بها آدم مما لم يخص غيره بها من أن الله عز وجل خلقه بيده وأمر ملائكته فسجدوا له ، فمن أنكر هذا فقد كفر ثم احتج آدم على موسى : فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك التوراة بيده وذكر الحديث

__________

(1) سورة : الكهف آية رقم : 50

(2) سورة : ص آية رقم : 75

(3) سورة : الحجر آية رقم : 28

744 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « احتج آدم وموسى ، فقال له موسى : يا آدم ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وأمرك أن تسكن الجنة » وذكر الحديث بطوله

745 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا وهب بن بقية قال : أخبرنا خالد يعني ابن عبد الله الواسطي عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « احتج آدم وموسى فقال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله عز وجل بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسكنك الجنة ، وأمر الملائكة فسجدوا لك » ؟ وذكر الحديث

746 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : حدثنا أنس وهو ابن عياض قال : حدثني محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « احتج آدم وموسى عليهما السلام ، فقال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله عز وجل بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسكنك الجنة ، وأمر الملائكة فسجدوا لك » وذكر الحديث فهذا حجة موسى على آدم : أن الله عز وجل خلقه بيده ، وأما حجة آدم على موسى بأن الله عز وجل خط له التوراة بيده

747 - فحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا محمد بن الصباح الدولابي قال : نا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « احتج آدم وموسى عليهما السلام ، فقال موسى : يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة فقال آدم : يا موسى ، اصطفاك الله عز وجل بكلامه ، وخط لك التوراة بيده ، تلومني على أمر قدره الله عز وجل علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال : فحج آدم موسى فحج آدم موسى »

748 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن عبدة ، ويعقوب بن حميد بن كاسب ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « احتج آدم وموسى فقال موسى : يا آدم : أنت أبونا خيبتنا ، وأخرجتنا من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك التوراة بيده ، وقرأت التوراة فهل تجد فيها أنه قضى علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ قال : نعم ، قال : فحج آدم موسى » قال ابن عبدة : وقال سفيان مرة : وخط لك التوراة بيده ؟ أتلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة «

749 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال : حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي قال : حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدثنا قيس يعني ابن الربيع عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه (1) قال : « أي رب ، ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى قال : أي رب ، ألم تنفخ في من روحك ؟ قال : بلى قال : أي رب ألم تسبق رحمتك إلي قبل غضبك ؟ قال : بلى ، قال أى رب ، ألم تسكني جنتك ؟ قال : بلى قال : أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت ، أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : نعم »

__________

(1) سورة : البقرة آية رقم : 37

750 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أخبرنا معاوية بن عمرو وأبو صالح قالا : حدثنا أبو إسحاق يعني الفزاري ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « خلق الله عز وجل أربعة أشياء بيده : آدم عليه السلام ، والعرش ، والقلم ، وجنات عدن ، ثم قال لسائر الخلق : كن فكان »

751 - وحدثنا جعفر الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا يعلى بن عبيد قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر قال : « أخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس إلا ثلاثة أشياء : غرس الجنة بيده ، وجعل ترابها الورس (1) والزعفران ، وجبالها المسك ، وخلق آدم عليه السلام ، وكتب التوراة لموسى عليه السلام »

__________

(1) الورس : نبت أصفر يُصبغ به

752 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عباد بن آدم قال : حدثنا بكر بن سليمان الأسواري ، عن محمد بن إسحاق قال : سمعت محمد بن كعب ، يحدث : « أن الله عز وجل لم يمس بيده شيئا إلا ثلاثة : آدم عليه السلام ، والتوراة فإنه كتبها لموسى بيده ، وطوبى (1) شجرة في الجنة غرسها الله بيده ، ليس في الجنة غرفة إلا فيها منها فنن (2) ، وهى التي قال الله عز وجل : الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (3) »

__________

(1) طوبى لهم : قيل إن معناه فرح وقرة عين أو غبطة لهم أو حسنى لهم أو خير لهم وكرامة أو دوام الخير وقيل الجنة وقيل شجرة في الجنة

(2) الفنن : الغصن من الشجر

(3) سورة : الرعد آية رقم : 29

753 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، : أن كعب الأحبار قال : إن الله عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة : خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس الجنة بيده ، ثم قال : تكلمي : فقالت : قد أفلح المؤمنون (1)

__________

(1) سورة : المؤمنون آية رقم : 1

باب الإيمان بأن الله عز وجل لا ينام
قال الله عز وجل : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم (1) الآيةوأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام »

__________

(1) سورة : البقرة آية رقم : 255

754 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال : « إن الله عز وجل لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، ولكنه يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، ويرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النار أو قال النور لو كشفها لأحرقت سبحات (1) وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه »

__________

(1) السبحات : جمع سبحة وهي النور والضياء والبهاء

755 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا الفضل بن سهل الأعرج قال : أخبرنا أبو عاصم ، عن سفيان يعني الثوري ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع قال : « إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يرفع القسط ، ويخفض به ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل ، حجابه النور ، أو النار ، لو كشفها لأحرقت سبحات (1) وجهه كل من أدركه بصره »

__________

(1) السبحات : جمع سبحة وهي النور والضياء والبهاء

756 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا المقرئ يعني عبد الله بن يزيد قال : حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع فقال : « إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام » وذكر الحديث

757 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن سفيان ، عن حكيم بن الديلم ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع فقال : « إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام » وذكر الحديث

758 - وحدثنا جعفر الصندلي قال : نا زهير قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن خرشة بن الحر قال : دخلت على عبد الله بن سلام فانقبض مني ، حتى انتسبت له فعرفني فقال : والله لا أحدث بشيء إلا وهو في كتاب الله عز وجل : « إن موسى عليه السلام دنا من ربه عز وجل حتى سمع صريف (1) الأقلام ، فقال : يا جبريل ، هل ينام ربك ؟ قال جبريل : يا رب يسألك هل تنام ؟ ، فقال يا جبريل أعطه قارورتين فليمسكهما الليلة ولاينام ، فأعطاه فنام ، فاصطفقت القارورتان فانكسرتا فقال يا رب قد انكسرت القارورتان فقال يا جبريل إنه لا ينبغي لي أن أنام ، ولو نمت لزالت السماوات والأرض » قال محمد بن الحسين : نعوذ بالله ممن لا يؤمن بجميع ما ذكرنا ، وإنما لا يؤمن بما ذكرناه الجهمية الذين خالفوا الكتاب والسنة ، وسنة الصحابة رضي الله تعالى عنهم وخالفوا أئمة المسلمين ، فينبغي لكل مسلم عقل عن الله عز وجل أن يحذرهم على دينه قال ابن المبارك : « إنا لنستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى ، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية

__________

(1) الصريف : الصوت

باب التحذير من مذاهب أقوام يكذبون بشرائع مما يجب على المسلمين
التصديق بها

759 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسين الحراني قال : نا علي بن الجعد قال : أخبرنا مبارك بن فضالة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران قال : خطبنا ابن عباس بالبصرة فقال : قام فينا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال : « أيها الناس إنه سيكون في هذه الأمة أقوام يكذبون بالرجم (1) ، ويكذبون بالدجال ويكذبون بالحوض ، ويكذبون بالشفاعة ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا (2) »

__________

(1) الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة

(2) امتحش : احترق

760 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : نا عبد الله بن إدريس ، وجرير بن عبد الحميد ، عن أشعث ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : سيكون بعدنا قوم يكذبون بالرجم (1) : ويكذبون بالحوض ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار

__________

(1) الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة

761 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : أنا يوسف بن موسى القطان قال : نا جرير ، عن أشعث بن سوار ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : رجم (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجم أبو بكر ، ورجمت أنا ، وسيجيء قوم يكذبون بالرجم وبالحوض وبالشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار

__________

(1) الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة

762 - وحدثنا ابن أبي داود قال : نا إسحاق بن منصور الكوسج قال : أخبرنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : أيها الناس ، إن الرجم (1) حق فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ، وأن أبا بكر رضي الله عنه رجم ، وأنا قد رجمنا ، وإنه سيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا (2) قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد ظهر في هذه الأمة جميع ما قاله عمر رضي الله عنه فينبغي للعقلاء من الناس أن يحذروا ممن مذهبه التكذيب بما قاله عمر رضي الله عنه ، وسنذكر في كل خصلة مما ذكرها عمر رضي الله عنه سننا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن الإيمان بها واجب ، فمن لم يؤمن بها ، ويصدق بها ضل عن طريق الحق ، وقد صان الله عز وجل المؤمنين العقلاء العلماء عن التكذيب بما ذكرناه ، فأما الرجم : فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يختلف أهل العلم في ذلك ، أنه رجم ماعز بن مالك حين اعترف عنده بالزنا وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم امرأة غامدية اعترفت عنده بالزنا فرجمها ، وقال صلى الله عليه وسلم لأنيس رجل من أصحابه ، وقد ذكر له رجل : أن امرأته زنت في قصة له طويلة ، فقال : يا أنيس ، اغد على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ، فاعترفت فرجمها ، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم يهوديين زنيا . وقد رجم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وقد رجم عمر رضي الله عنه ، وقد رجم علي بن أبي طالب رضي الله عنه شراحة ، وكانت قد زنت وهي ثيب ، فجلدها يوم الجمعة ، ورجمها يوم السبت وقال : جلدتها بكتاب الله عز وجل ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا حكم ثابت عند فقهاء المسلمين لا يختلفون أن على الثيب الزاني ، إذا شهد عليه ، أو اعترف بالزنا : الرجم رجلا كان أو امرأة وعلى البكر الجلد ، لا يختلف في هذا العلماء فاعلموا ذلك

__________

(1) الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة

(2) امتحش : احترق

باب وجوب الإيمان بالشفاعة
قال محمد بن الحسين : اعلموا رحمكم الله ، أن المنكر للشفاعة يزعم أن من دخل النار فليس بخارج منها ، وهذا مذهب المعتزلة يكذبون بها ، وبأشياء سنذكرها إن شاء الله تعالى ، مما لها أصل في كتاب الله عز وجل ، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان ، وقول فقهاء المسلمين فالمعتزلة يخالفون هذا كله ، لا يلتفتون إلى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا إلى سنن أصحابه رضي الله عنهم وإنما يعارضون بمتشابه القرآن ، وبما أراهم العقل عندهم ، وليس هذا طريق المسلمين وإنما هذا طريق من قد زاغ عن طريق الحق وقد لعب به الشيطان ، وقد حذرنا الله عز وجل ممن هذه صفته ، وحذرناهم النبي صلى الله عليه وسلم وحذرناهم أئمة المسلمين قديما وحديثا ، فأما ما حذرناهم الله عز وجل وأنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وحذرناهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب وأخر متشابهات (1) إلى قوله : وما يذكر إلا أولو الألباب (2)

__________

(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

(2) سورة : البقرة آية رقم : 269

763 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد قال : حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : أنا عبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب (1) الآية فقال : « إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى (2) الله عز وجل فاحذروهم »

__________

(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

(2) عنى : أراد وقصد

764 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : نا يونس بن حبيب الأصبهاني قال : نا أبو داود الطيالسي قال : أنبأنا حماد يعني ابن سلمة عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم ، عن عائشة رحمها الله تعالى قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات (1) إلى قوله عز وجل : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قد سماهم الله عز وجل لكم ، فإذا رأيتموهم فاحذروهم » قالها ثلاثا

__________

(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

765 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا علي بن سهل الرملي قال : نا الوليد بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية فيتبعون ما تشابه منه (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » قد حذركم الله عز وجل فإذا رأيتموهم فاحذروهم «

__________

(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7

766 - حدثنا أبو محمد الحسن ابن علويه القطان قال : نا عاصم بن علي قال : نا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « إن ناسا يجادلونكم بشبه القرآن ، فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل »

767 - وأخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : نا الحسن بن محمد الزعفراني قال : نا سعيد بن سليمان قال : نا عبد الواحد بن سليم قال : نا يزيد الفقير قال : كنا بمكة من قطانها ، وكان معي أخ لي يقال له : طلق بن حبيب ، وكنا نرى رأي الحرورية ، فبلغنا أن جابر بن عبد الله الأنصاري قدم ، وكان يلزم في كل موسم ، فأتيناه فقلنا له : بلغنا عنك قول في الشفاعة ، وقول الله عز وجل يخالفك ، فنظر في وجوهنا ، وقال : من أهل العراق أنتم ؟ فقلنا : نعم ، قال : فتبسم أو ضحك ، وقال : أين تجدون في كتاب الله عز وجل ؟ قلنا : حيث يقول ربنا عز وجل في كتابه : ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته (1) وقال عز وجل : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها (2) وقوله عز وجل كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها (3) ، وأشباه هذا من القرآن ، فقال : أنتم أعلم بكتاب الله عز وجل أم أنا ؟ فقلنا : بل أنت أعلم به منا ، قال : فوالله لقد شهدت تنزيل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد شهدت تأويله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الشفاعة في كتاب الله عز وجل لمن عقل قال : قلنا : وأين الشفاعة ؟ قال : في سورة المدثر قال : فقرأ علينا ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين (4) ثم قال : ألا ترونها حلت لمن لم يشرك بالله عز وجل شيئا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله عز وجل خلق الخلق ولم يستعن على ذلك أحدا ، ولم يشاور فيه أحدا ثم أماتهم ، ولم يستعن على ذلك أحدا ، ولم يشاور فيه أحدا ، ثم أحياهم ، ولم يستعن على ذلك أحدا ، ولم يشاور فيه أحدا ، فأدخل من شاء الجنة برحمته ، وأدخل من شاء النار بذنبه ، ثم إن الله عز وجل تحنن على الموحدين فبعث بملك من قبله بماء ونور : فدخل النار فلم يصب إلا من شاء الله ولم يصب إلا من خرج من الدنيا ولم يشرك بالله شيئا ، فأخرجهم حتى جعلهم بفناء الجنة ، ثم رجع إلى ربه عز وجل : فأمده بماء ونور فنضح ولم يصب إلا من شاء الله ولم يصب إلا من خرج من الدنيا ولم يشرك بالله شيئا ، إلا أصابه ذلك النضح (5) ، فأخرجهم حتى جعلهم بفناء الجنة ، ثم أذن للشفعاء فشفعوا لهم فأدخلهم الجنة برحمته وشفاعة الشافعين »

__________

(1) سورة : آل عمران آية رقم : 192

(2) سورة : المائدة آية رقم : 37

(3) سورة : الحج آية رقم : 22

(4) سورة : المدثر آية رقم : 42

(5) النضح : الرشّ

768 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : نا شيبان بن فروخ قال : نا مبارك بن فضالة قال : نا يزيد بن صهيب قال : مررت بجابر بن عبد الله ، وهو في حلقة يحدث أناسا ، فجلست إليه ، فسمعته يذكر أناسا يخرجون من النار قال : وكنت يومئذ أنكر ذلك قال : فقلت : والله ما أعجب من الناس ، ولكن أعجب منكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله عز وجل : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ، ولهم عذاب مقيم (1) فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم ، فقال : دعوا الرجل ، ثم قال : إنما قال الله عز وجل : إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم (2) قال : وما تقرأ القرآن : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (3) قال : فإن الله عز وجل عذب قوما بخطاياهم وإن شاء أن يخرجهم أخرجهم قال : فلم أكذب به بعد ذلك قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : إن المكذب بالشفاعة أخطأ في تأويله خطأ فاحشا خرج به عن الكتاب والسنة ، وذلك أنه عمد إلى آيات من القرآن نزلت في أهل الكفر ، أخبر الله عز وجل : أنهم إذا دخلوا النار أنهم غير خارجين منها ، فجعلها المكذب بالشفاعة في الموحدين ، ولم يلتفت إلى أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات الشفاعة أنها إنما هي لأهل الكبائر ، والقرآن يدل على هذا ، فخرج بقوله السوء عن جملة ما عليه أهل الأيمان ، واتبع غير سبيلهم قال الله عز وجل : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (4) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فكل من رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنن أصحابه فهو ممن شاقق الرسول وعصاه ، وعصى الله تعالى بتركه قبول السنن ، ولو عقل هذا الملحد وأنصف من نفسه ، علم أن أحكام الله عز وجل وجميع ما تعبد به خلقه إنما تؤخذ من الكتاب والسنة ، وقد أمر الله عز وجل نبيه عليه السلام : أن يبين لخلقه ما أنزله عليه مما تعبدهم به ، فقال جل ذكره : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (5) وقد بين صلى الله عليه وسلم لأمته جميع ما فرض الله عز وجل عليهم من جميع الأحكام وبين لهم أمر الدنيا وأمر الآخرة وجميع ما ينبغي أن يؤمنوا به ولم يدعهم جهلة لا يعلمون حتى أعلمهم أمر الموت والقبر وما يلقى المؤمن ، وما يلقى الكافر ، وأمر المحشر والوقوف وأمر الجنة والنار حالا بعد حال يعرفه أهل الحق ، وسنذكر كل باب في موضعه إن شاء الله تعالى ، اعلموا يا معشر المسلمين : أن أهل الكفر إذا دخلوا النار ورأوا العذاب الأليم وأصابهم الهوان الشديد نظروا إلى قوم من الموحدين معهم في النار فعيروهم بذلك وقالوا : ما أغنى عنكم إسلامكم في الدنيا وأنتم معنا في النار ؟ فزاد أهل التوحيد من المسلمين حزنا وغما ، فاطلع الله عز وجل على ما نالهم من الغم بتعيير أهل الكفر لهم فأذن في الشفاعة فيشفع الأنبياء والملائكة والشهداء والعلماء والمؤمنون فيمن دخل النار من المسلمين فأخرجوا منها على حسب ما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طبقات شتى فدخلوا الجنة ، فلما فقدهم أهل الكفر ودوا حينئذ لو كان مسلمين وأيقنوا أنه ليس شافع يشفع لهم ، ولا صديق حميم يغني عنهم من عذابهم شيئا قال الله عز وجل في أهل الكفر لما نضجوا بالعذاب وعلموا أن الشفاعة لغيرهم قالوا : فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل (6) الآية ، وقال عز وجل : فكبكبوا فيها هم والغاوون (7) ، وجنود إبليس أجمعون (8) ، قالوا وهم فيها يختصمون (9) ، تالله إن كنا لفي ضلال مبين (10) ، إذ نسويكم برب العالمين (11) ، وما أضلنا إلا المجرمون (12) ، فما لنا من شافعين (13) ، ولا صديق حميم (14) وقال عز وجل في سورة المدثر وقد أخبر أن الملائكة قالت لأهل الكفر : ما سلككم في سقر (15) ، قالوا : لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين (16) ، وكنا نخوض مع الخائضين (17) ، وكنا نكذب بيوم الدين (18) ، حتى أتانا اليقين (19) ، فما تنفعهم شفاعة الشافعين (20) قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : هذه كلها أخلاق الكفار فقال عز وجل : فما تنفعهم شفاعة الشافعين فدل على أن لابد من شفاعة وأن الشفاعة لغيرهم لأهل التوحيد خاصة ، وقال الله عز وجل : الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين (21) ، ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (22) قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وإنما يود الكفار أن لو كانوا مسلمين عندما رأوا معهم في النار قوما من الموحدين فعيروهم وقالوا : ما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار فحزنوا من ذلك فأمر الله عز وجل الملائكة والأنبياء ومن سائر المؤمنين أن يشفعوا فيهم فشفعوا فأخرج من في النار من أهل التوحيد ففقدهم أهل الكفر فسألوا عنهم فقيل : شفع فيهم الشافعون لأنهم كانوا مسلمين ، فعندها ودوا لو كانوا مسلمين حتى تلحقهم الشفاعة

__________

(1) سورة : المائدة آية رقم : 37

(2) سورة : المائدة آية رقم : 36

(3) سورة : الإسراء آية رقم : 79

(4) سورة : النساء آية رقم : 115

(5) سورة : النحل آية رقم : 44

(6) سورة : الأعراف آية رقم : 53

(7) سورة : الشعراء آية رقم : 94

(8) سورة : الشعراء آية رقم : 95

(9) سورة : الشعراء آية رقم : 96

(10) سورة : الشعراء آية رقم : 97

(11) سورة : الشعراء آية رقم : 98

(12) سورة : الشعراء آية رقم : 99

(13) سورة : الشعراء آية رقم : 100

(14) سورة : الشعراء آية رقم : 101

(15) سورة : المدثر آية رقم : 42

(16) سورة : المدثر آية رقم : 43

(17) سورة : المدثر آية رقم : 45

(18) سورة : المدثر آية رقم : 46

(19) سورة : المدثر آية رقم : 47

(20) سورة : المدثر آية رقم : 48

(21) سورة : الحجر آية رقم : 1

(22) سورة : الحجر آية رقم : 2

769 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا هشام الدستوائي قال : حدثنا حماد قال : سألت إبراهيم : عن هذه الآية : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (1) قال : حدثت أن المشركين قالوا لمن دخل النار : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ؟ فيغضب الله عز وجل لهم ، فيقول للملائكة والنبيين : اشفعوا ، فيشفعون فيخرجون من النار ، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم ، فعند ذلك ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين

__________

(1) سورة : الحجر آية رقم : 2

770 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (1) قال : « لا تزال الرحمة والشفاعة حتى يقال : ليدخلن الجنة كل مسلم قال : فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين » قال محمد بن الحسين : بطلت حجة من كذب بالشفاعة ، الويل له إن لم يتب ، وقد روي عن أنس بن مالك قال : من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب

__________

(1) سورة : الحجر آية رقم : 2

771 - أنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن أنس بن مالك قال : « من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب »

باب ما روي أن الشفاعة إنما هي لأهل الكبائر

772 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : نا عمر بن علي قال : نا أبو داود يعني الطيالسي قال : نا محمد بن ثابت البناني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي »

773 - وحدثنا أبو بكر محمد بن إسماعيل البندار قال : نا محمد بن بشار بندار قال : نا أبو داود قال : نا محمد بن ثابت البناني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » قال لي جابر : يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة ؟

774 - وحدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي قال : نا محمد بن بكار قال : حدثنا عنبسة بن عبد الواحد القرشي ، عن واصل ، عن أمي ، عن أبي عبد الرحمن ، عن الشعبي ، عن كعب بن عجرة قال : قلت : يا رسول الله الشفاعة ؟ فقال : « الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي »

775 - حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن شعبة الأنصاري قال : نا محمد بن إسحاق المسوحي ، قال : نا سليمان بن حرب ، عن أشعث الحداني ، عن أنس بن مالك : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي »

776 - أخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما الشفاعة لأهل الكبائر »

777 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا زياد بن أيوب قال : نا أبو المغيرة النضر بن إسماعيل قال : نا الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما جعلت الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي »

778 - أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال : نا شيبان بن فروخ قال : حدثنا أبو أمية الحبطي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي »

779 - أنبأنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : نا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا الفضيل بن سليمان قال : حدثنا أبو مالك الأشجعي قال : حدثنا ربعي بن حراش أنه سمع حذيفة بن اليمان وسمع رجلا يقول : اللهم اجعلني ممن تصيبه شفاعة محمد فقال : إن الله عز وجل يغني المؤمنين عن شفاعة محمد ، ولكن الشفاعة للمذنبين من المؤمنين والمسلمين

باب ما روي أن الشفاعة لمن لم يشرك بالله تعالى

780 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال : حدثنا أبو معاوية قال المطرز : وحدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا جرير جميعا عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي إلى يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا » لفظ أبي معاوية

781 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أخبرنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وأخرت دعوتي شفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا »

782 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا يحيى بن أيوب قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قلت : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ، لما رأيت من حرصك ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصا من نفسه »

باب ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم « لكل نبي دعوة يدعو بها ، واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي »

783 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا يزيد بن خالد بن موهب قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، أن عمرو بن سفيان الثقفي أخبره أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : « لكل نبي دعوة يدعو بها فأنا أريد إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة »

784 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنا الحجاج بن أبي منيع ، عن جده ، عن الزهري قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لكل نبي دعوة وأنا أريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة »

785 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة يعني ابن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لكل نبي دعوة دعا بها ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة »

786 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا يعقوب الدورقي قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي »

باب ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم « إن الله خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة أو الشفاعة فاخترت الشفاعة »

787 - أنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة يعني ابن سليمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فذكر حديثا طويلا قال فيه : وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم جاءنا فقال : « أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فخيرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة » فقلنا : يا رسول الله ، اجعلنا في شفاعتك فقال : « إنكم أهل شفاعتي » ، ثم أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال : « إنه أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فخيرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة » فقالوا : يا رسول الله ، اجعلنا من أهل شفاعتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أشهد من حضرني أن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا »

788 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي قال : حدثنا بشر بن بكر التنيسي ، قال ابن صاعد : وحدثنا يوسف بن سعيد المصيصي قال : حدثنا عمارة بن بشير واللفظ لبشر بن بكر قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : سمعت سليم بن عامر يقول : سمعت عوف بن مالك الأشجعي ، يقول : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « أتدرون ما خيرني ربي عز وجل ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم قال : « خيرني أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة ، فاخترت الشفاعة » قلنا : يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها قال : « هي لكل مسلم »

789 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سألت الله عز وجل الشفاعة لأمتي » ، فقال : « لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب » قال : قلت : « ربي زدني » قال : « فإن لك مع كل ألف سبعين ألفا » قال : قلت : « ربي زدني » قال : فحثى بين يديه وعن يمينه وعن شماله قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه : حسبنا يا رسول الله ، فقال عمر رضي الله عنه : يا أبا بكر دع رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر لنا كما أكثر الله عز وجل قال : فقال أبو بكر : إنما نحن حفنة من حفنات الله عز وجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صدق أبو بكر »

790 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان يوم القيامة أوتيت الشفاعة ، فأشفع لمن كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ، ثم أشفع لمن كان في قلبه ذرة ، حتى لا يبقى أحد في قلبه من الإيمان هذا » وحرك الإبهام والمسبحة

791 - أنبأنا ابن ذريح قال : حدثنا هناد بن السري قال : أنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن أبي فزارة ، عن يزيد بن الأصم ، عن ابن عباس في قوله تعالى : مثقال ذرة (1) فقال : أدخل ابن عباس يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها ثم قال : « كل واحدة من هؤلاء مثقال (2) ذرة (3) »

__________

(1) سورة : النساء آية رقم : 40

(2) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ شيء كان من قَلِيل أو كثير.

(3) الذرة : قدر نملة صغيرة

باب الإيمان بأن أقواما يخرجون من النار فيدخلون الجنة بشفاعة النبي
صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين

792 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا حماد بن زيد قال : قلت لعمرو بن دينار : يا أبا محمد ، أسمعت جابر بن عبد الله يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل يخرج من النار قوما بالشفاعة ؟ قال : » نعم «

793 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار أنه سمع جابرا يشير إلى أذنيه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله عز وجل يخرج يوم القيامة ناسا من النار فيدخلهم الجنة »

794 - وأنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا الحسن بن ذكوان قال : حدثنا أبو رجاء قال : حدثنا عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يخرج الله من النار قوما بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة ، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين »

795 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا محمد بن الصباح الدولابي قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما أهل النار الذين هم أهل النار فإنهم لا يموتون فيها ، وأما ناس من الناس فإن النار تأخذهم على قدر ذنوبهم فيحترقون فيها فيصيرون فحما ، ثم يأذن الله عز وجل لهم في الشفاعة فيخرجون من النار ضبائر (1) فيبثون أو ينثرون على أنهار الجنة فيؤمر أهل الجنة فيفيضون عليهم الماء ، فتنبت لحومهم كما تنبت الحبة في حميل (2) السيل »

__________

(1) ضبائر : جماعات متفرقة

(2) الحميل : هو ما يجيء به السَّيْل من طين أو غُثَاء وغيره

796 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا وهب بن بقية الواسطي قال : أنبأنا خالد يعني ابن عبد الله الواسطي عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال الله عز وجل برحمته : » انظروا من كان في قلبه حبة من خردل (1) من إيمان فأخرجوه من النار قال : فأخرجوا ، وقد عادوا حمما (2) فيلقون في نهر يسمى نهر الحياة ، فينبتون كما ينبت الغثاء (3) في حميل (4) السيل ، أو إلى جانب السيل ، ألم تروا أنها تأتي صفراء ملتوية «

__________

(1) الخردل : نبات عشبي ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق تستعمل بذوره في الطب وله بذور يتبل بها الطعام

(2) الحُمَم : جمع الحُمَمَة وهي الفحمة

(3) الغثاء : ما يحمله السيل من رغوة ومن فتات الأشياء التي على وجه الأرض

(4) الحميل : هو ما يجيء به السَّيْل من طين أو غُثَاء وغيره

797 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان يوم القيامة أوتيت الشفاعة فأشفع لمن كان في قلبه مثقال (1) حبة من إيمان ، ثم أشفع لمن كان في قلبه مثقال ذرة حتى لا يبقى أحد في قلبه من الإيمان مثل هذا » وحرك الإبهام والمسبحة «

__________

(1) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ شيء كان من قَلِيل أو كثير.

798 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا هدبة بن خالد قال : حدثنا همام بن يحيى قال : حدثنا قتادة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ويخرج من النار قوم بعد ما يصيبهم منها سفع (1) فيدخلون الجنة ، يسميهم أهل الجنة الجهنميين »

__________

(1) السفعة : لفحة تغير لون الوجه إلى السواد

799 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يحيى بن النضر قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليخرجن قوم من النار قد محشتهم (1) النار فيدخلون الجنة بشفاعة الشافعين ، يسمون الجهنميين »

__________

(1) محشته النار : أحرقته

800 - أنبأنا ابن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن ابن عمر قال : « لقد بلغت الشفاعة يوم القيامة حتى إن الله عز وجل يقول للملائكة أخرجوا برحمتي من كان في قلبه مثقال (1) حبة من خردل (2) من إيمان قال : ثم يخرجهم حفنات بيده بعد ذلك »

__________

(1) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ شيء كان من قَلِيل أو كثير.

(2) الخردل : نبات عشبي ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق تستعمل بذوره في الطب وله بذور يتبل بها الطعام

801 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا علي بن مهران قال : حدثنا عبد الله يعني ابن أبي رشيد قال : حدثنا عثمان بن مطر قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما مجادلة (1) أحدكم يكون له الحق على صاحبه أشد من المؤمنين لربهم عز وجل في إخوانهم الذين دخلوا النار يقولون : ربنا ، إخواننا الذين كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون ؟ أدخلوا النار ؟ قال الله عز وجل : اذهبوا فأخرجوا من عرفتم ، فيخرجونهم ، ثم يقول الله عز وجل : أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان ، حتى يقول : نصف مثقال (2) حتى يقول : خردلة (3) حتى يقول : ذرة ثم يقول الله عز وجل : » شفعت الأخيار من المؤمنين ، وبقي أرحم الراحمين ، ثم يقبض قبضة أو قبضتين من النار فيدخلون الجنة «

__________

(1) المجادلة : المخاصمة والمنازعة

(2) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ شيء كان من قَلِيل أو كثير.

(3) الخردل : نبات عشبي ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق تستعمل بذوره في الطب وله بذور يتبل بها الطعام

802 - أنبأنا ابن ذريح قال : حدثنا هناد بن السري ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن سفيان بن زياد العصفري ، عن سعيد بن جبير في قول الله عز وجل : قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين (1) قال : « لما أمر بإخراج من دخل النار من أهل التوحيد فقال من بها من المشركين : تعالوا : فلنقل : لا إله إلا الله لعلنا أن نخرج مع هؤلاء ، فقالوا فلم يصدقوا قال : فحلفوا ، والله ربنا ما كنا مشركين » قال : فقال عز وجل : انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (2) قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي من غير وجه : أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع يوم القيامة لجميع ذرية آدم عليه السلام من الموحدين بأن يخرج من النار كل موحد ثم يشفع آدم عليه الصلاة والسلام ، ثم الأنبياء ، ثم الملائكة ، ثم المؤمنون فنعوذ بالله ممن يكذب بهذا ، لقد ضل ضلالا بعيدا ، وخسر خسرانا مبينا

__________

(1) سورة : الأنعام آية رقم : 23

(2) سورة : الأنعام آية رقم : 24

803 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن أنس بن مالك : أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « والذي نفسي بيده ، إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر ، وإن بيدي لواء الحمد ، وإن تحته آدم عليه السلام ومن دونه ولا فخر قال : ينادي الله عز وجل يومئذ آدم ، فيقول آدم : لبيك رب وسعديك ، فيقول : » أخرج من ذريتك بعث النار « فيقول : وما بعث النار ؟ فيقول : » من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فيخرج مالا يعلم عدده إلا الله عز وجل ، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون : أنت آدم أكرمك الله ، وخلقك بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسكنك جنته ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، فاشفع لذريتك ، لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إلي اليوم ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بعبد اتخذه الله خليلا وأنا معكم ، فيأتون إبراهيم عليه السلام ، فيقولون : يا إبراهيم ، أنت عبد اتخذك الله خليلا ، فاشفع لذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إلي ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بعبد اصطفاه الله عز وجل بكلامه ورسالاته ، وألقى عليه محبة منه : موسى ، وأنا معكم ، فيأتون موسى ، فيقولون : يا موسى أنت عبد اصطفاك الله عز وجل برسالاته وكلامه ، وألقى عليك محبة منه ، اشفع لذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار قال : ليس ذلك اليوم إلي ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بروح الله وكلمته : عيسى ابن مريم ، فيأتون عيسى ابن مريم عليه السلام ، فيقولون يا عيسى ، أنت روح الله وكلمته ، اشفع لذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار قال : ليس ذلك اليوم إلي ، عليكم بعبد جعله الله عز وجل رحمة للعالمين : أحمد صلى الله عليه وسلم ، وأنا معكم ، فيأتون فيقولون : يا أحمد ، جعلك الله رحمة للعالمين ، فاشفع لذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : « نعم ، أنا صاحبها » فآتي حتى آخذ بحلقة باب الجنة ، فيقال : من هذا ؟ فأقول : « أنا أحمد فيفتح لي ، فإذا نظرت إلى الجبار تبارك وتعالى خررت ساجدا ، ثم يفتح لي من التحميد والثناء على الرب عز وجل شيء لا يحسن الخلق » ثم يقال : « سل تعطه ، واشفع تشفع » ، فيقول : « يا رب ، ذرية آدم لا تحرق اليوم في النار » فيقول : « اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ، ثم يعودون إلي فيقولون : ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار » قال : فآتي حتى آخذ بحلقة باب الجنة ، فيقال : من هذا ؟ فأقول : « أحمد فيفتح لي ، فإذا نظرت إلى الجبار تبارك وتعالى خررت ساجدا فأسجد مثل سجودي أول مرة ومثله معي ، فيفتح لي من الثناء على الرب عز وجل من التحميد مثل ما فتح لي أول مرة » فيقال : « ارفع رأسك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع » فأقول : « يا رب ، ذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار » فيقول : « أخرجوا له من كان في قلبه مثقال (1) قيراط من إيمان » ثم يعودون إلي ، فآتي حتى أصنع كما صنعت ، فإذا نظرت إلى الجبار عز وجل خررت ساجدا ، فأسجد كسجودي أول مرة ومثله معي ، ويفتح لي من الثناء والتحميد مثل ذلك ، ثم يقال : « سل تعطه ، واشفع تشفع » فأقول : « يا رب ، ذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار » ، فيقول : « اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه ، فيخرجون ما لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل ، ويبقى أكثرهم ، ثم يؤذن لآدم بالشفاعة ، فيشفع لعشرة آلاف ألف ، ثم يؤذن للملائكة والنبيين ، فيشفعون ، حتى إن المؤمن ليشفع لأكثر من ربيعة ومضر » وأنبأنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة ، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يأتي المؤمنون آدم يوم القيامة 00000 » وذكر الحديث بطوله نحوا من حديث الفريابي ولهذا الحديث طرق

__________

(1) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ شيء كان من قَلِيل أو كثير.

باب ذكر شفاعة العلماء والشهداء يوم القيامة

804 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، وهشام بن عمار الدمشقي قالا : حدثنا إسماعيل بن عياش قال : حدثنا بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن المقدام بن معدي كرب : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « للشهيد عند الله عز وجل تسع خصال (1) ، يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه » وأنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن كثير بن مرة ، عن عبادة بن الصامت : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « للشهيد عند الله عز وجل تسع خصال . . . فذكر الحديث مثله إلى قوله : » ويشفع في سبعين من أقاربه «

__________

(1) الخصال : جمع خصلة وهي خلق في الإنسان يكون فضيلة أو رزيلة

805 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح المصري ، وجعفر بن محمد بن مسافر قالا : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا وليد بن رباح الذماري قال : حدثنا عمي نمران بن عتبة الذماري ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يشفع الشهيد في سبعين من أقاربه »

806 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي قال : حدثنا يحيى بن حسان التنيسي قال : حدثنا الوليد بن رباح الذماري قال : حدثني نمران الذماري قال : « دخلنا على أم الدرداء ، ونحن أيتام صغار ، فمسحت رءوسنا وقالت : أبشروا يا بني ، فإني أرجو أن تكونوا من شفاعة أبيكم ، فإني سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته «

807 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن ، عن علاقة بن أبي مسلم ، عن أبان بن عثمان ، عن أبيه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء »

808 - حدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا محمد بن بكار قال : حدثنا حفص بن سليمان المقرئ قال : حدثنا كثير بن زاذان ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قرأ القرآن وحفظه واستظهره أدخله الله عز وجل الجنة ، وشفعه في عشرة من أهل بيته ، كلهم قد وجبت لهم النار »

809 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال : حدثنا شبابة بن سوار قال : حدثنا حريز بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن ميسرة قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل أحد الحيين ربيعة ومضر » قال : وكان المشيخة يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان رضي الله عنه

810 - حدثنا أبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن يزيد قال : حدثنا يحيى بن يمان قال : حدثنا جسر أبو جعفر ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يشفع عثمان بن عفان يوم القيامة لمثل ربيعة ومضر » قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي أنه : « ما من أهل بيت نبي إلا وله شفاعة »

811 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي قال : حدثنا محمد بن فضيل قال : حدثنا زكرياء بن أبي زائدة ، عن عطية العوفي أن كعب الأحبار ، أخذ بيد العباس رضي الله عنه فقال : « إني أدخر هذا للشفاعة » فقال : وهل شفاعة إلا للأنبياء « ؟ أو قال : » وهل لي شفاعة « ؟ قال : » نعم ، ليس من أهل بيت نبي إلا كانت له الشفاعة «

812 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : نا محمد بن يزيد ، أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا محمد بن فضيل قال : حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن عطية بن سعد قال : أخذ كعب الأحبار بيد العباس فقال : إنى أختبيها للشفاعة عندك ، فقال العباس : وهل لي شفاعة ؟ قال : « نعم ، ليس أحد من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا كانت له شفاعة يوم القيامة »

813 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن يحيى بن فياض قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا زكريا بن أبي زائدة ، عن عطية قال : أخذ كعب بيد العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فقال : « احفظها لي عندك ، تشفع لي بها يوم القيامة » ، فقال العباس : وهل لي من شفاعة ؟ قال : « نعم ، إنه ليس أحد من أهل بيت نبي يسلم إلا كانت له شفاعة » قال محمد بن حسين رحمه الله تعالى : فأنا أرجو لمن آمن بما ذكرنا من الشفاعة وبقوم يخرجون من النار من الموحدين ، وبجميع ما تقدم ذكرنا له ، وبجميع ما سنذكره إن شاء الله من المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته وذريته وصحابته وأزواجه رضي الله عنهم أجمعين : أن يرحمنا مولانا الكريم ، ولا يحرمنا وإياكم من تفضله ورحمته ، وأن يدخلنا وإياكم في شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وشفاعة من ذكرنا من الصحابة وأهل بيته ، وأزواجه رضي الله عنهم أجمعين ، ومن كذب بالشفاعة ، فليس له فيها نصيب ، كما قال أنس بن مالك

كتاب الإيمان بالحوض الذي أعطي النبي صلى الله عليه وسلم

814 - أنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة يعني ابن سليمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله : « أنا عند حوضي يوم القيامة » قال : فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن سعة الحوض ؟ فقال : « مثل ما بين مقامي هذا إلى عمان » قال سعيد : ما بينهما شهر أو نحوه ، وسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن شرابه ؟ فقال : « أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يعب فيه ميزابان (1) من الجنة أو مداده (2) من الجنة ، أحدهما من ورق ، والآخر من ذهب »

__________

(1) الميزاب : قناة أو أنبوب يسيل منه الماء وينقل من مكان إلى مكان

(2) المداد : النبع والزيادة

815 - حدثنا أبو بكر محمد بن الليث الجوهري قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

تردون على الحوض ، وأنا أرد عنه الناس بعصاي
» قلنا : يا رسول الله ما عرضه ؟ قال : « كما بين مقامي إلى عمان » قلنا : ما آنيته ؟ قال : « عدد النجوم ، فيه ميزابان (1) من الجنة ، أحدهما من ذهب ، والآخر من ورق (2) ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا » قال ثوبان : فادعو الله عز وجل أن يجعلكم وارديه

__________

(1) الميزاب : قناة يجري فيها الماء

(2) الورق : الفضة. والأورق : الأسمر.

816 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا صفوان بن صالح قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا يحيى بن الحارث الذماري ، وشيبة بن الأحنف الأوزاعي قالا : سمعنا أبا سلام الأسود ، يحدث عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حوضه فقالوا له : يا رسول الله : من أول الناس ورودا له ؟ قال : « فقراء المهاجرين ، الشعثة (1) رءوسهم ، الدنسة ثيابهم الذين لا تفتح لهم السدد ، ولا ينكحون المتنعمات »

__________

(1) الشعثة : المتغيرة المتلبدة من قلة تعهدها بالدهن

817 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا حسين المعلم ، عن عبد الله بن بريدة قال : ذكر أن أبا سبرة بن سلمة سمع ، ابن زياد يسأل عن الحوض ، ؟ فقال : ما أراه حقا بعد ما سأل أبا برزة الأسلمي ، والبراء بن عازب ، وعائذ بن عمرو المزني فقال : ما أصدق ، فقال أبو سبرة : ألا أحدثك في هذا الحديث شفاء ؟ بعثني أبوك إلى معاوية في مال فلقيت عبد الله بن عمرو ، فحدثني عبد الله بن عمرو بفيه ، وكتبته بيدي ، ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم أزد حرفا ولم أنقص حرفا ، حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل قال فيه : «

موعدكم حوضي ، عرضه مثل طوله ، وهو أبعد ما
بين أيلة إلى مكة ، وذلك مسيرة شهر ، فيه أباريق (1) أمثال الكواكب ، ماؤه أشد بياضا من الفضة ، من ورد فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا » فقال ابن زياد : ما حدثت عن الحوض حديثا هو أثبت من هذا ، أشهد أن الحوض حق ، وأخذ الصحيفة التي جاء بها أبو سبرة

__________

(1) الأباريق : جمع إبريق وهو الإناء

818 - وحدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا يحيى بن أيوب العابد قال : حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : حلف رجل عند ابن زياد فقال : لاسقاه الله من حوض محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال له ابن زياد : ولمحمد حوض ؟ قال : نعم ، هذا أنس بن مالك يحدث أن له حوضا فجاء أنس فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لي حوضا وأنا فرطكم (1) عليه »

__________

(1) فرطكم : متقدمكم

819 - وحدثنا الفريابي قال : نا يزيد بن خالد بن موهب الرملي قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «

والذي نفسي بيده ليردن الحوض علي رجال حتى إذا عرفتهم
ورفعوا إلي اختلجوا (1) دوني »

__________

(1) اختُلِجوا : اقتُطِعوا وانتُزِعوا واجتُذِبُوا وأُبْعِدُوا

820 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا محمد بن الصباح الدولابي قال : حدثنا أبو قطن ، عن هشام ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

ما بين ناحيتي حوضي : كما بين صنعاء إلى المدينة
، وكما بين المدينة وعمان »

821 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا أبو عبد الصمد العمي ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ما آنية الحوض ؟ قال : « والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المضحية من آنية الجنة ، يشخب (1) فيه ميزابان (2) من الجنة من شرب منه لم يظمأ ، عرضه مثل طوله ، ما بين عمان إلى أيلة ، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل »

__________

(1) شخب : سال

(2) الميزاب : قناة أو أنبوب يجري فيها الماء ويسيل وينقل من مكان إلى مكان

822 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ما آنية الحوض ؟ قال : « والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة الظلماء المضحية ، من آنية الجنة ، من شرب فيها لم يظمأ ، يشخب (1) فيه ميزابان (2) من الجنة ، عرضه مثل طوله ، ما بين عمان إلى أيلة ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل »

__________

(1) شخب : سال

(2) الميزاب : قناة أو أنبوب يجري فيها الماء ويسيل وينقل من مكان إلى مكان

823 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا يعقوب هو ابن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : سمعت سهلا يعني سهل بن سعد الساعدي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أنا فرطكم (1) على الحوض ، من ورد شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا »

__________

(1) فرطكم : متقدمكم

824 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا فرطكم (1) على الحوض ، فلأنازعن رجالا منكم ، ولأغلبن عليهم ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك »

__________

(1) فرطكم : متقدمكم

825 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : قيل : يا رسول الله ، كيف تعرف من يأتي من بعد من أمتك ؟ قال : « أرأيت لو كان لرجل خيل غر (1) محجلة (2) في خيل دهم (3) بهم (4) ، ألا يعرف خيله ؟ » قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين (5) من الوضوء ، وأنا فرطهم (6) على الحوض ، فليذادن (7) رجال عن حوضي كما يذاد (8) البعير الضال »

__________

(1) الغر : جمع الأغر من الغرة وبياض الوجه

(2) المحجل : الخيل التي في أرجلها بياض عند الحافر ولا يبلغ الركبتين

(3) الأدهم : الأسود

(4) البهم : جمع بهيم وهو الأسود الخالص

(5) المحجلون : الذين يسطع النور في أيديهم وأرجلهم من أثر الوضوء كأنه تحجيل فرس

(6) فرطهم : سابقهم لأهيئ لهم طيب المنزل والمقام

(7) يذاد : يصد ويمنع

(8) يذاد : يمنع ويطرد

826 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، : أن بكير بن عبد الله حدثه ، عن القاسم بن عباس الهاشمي ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أم سلمة قالت : كنت أسمع يذكرون الحوض ، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان يوما من ذلك والجارية تمشطني ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيها الناس ، فقلت للجارية : استأخري عني ، فقالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء ، فقلت : إني من الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني فرط (1) لكم على الحوض فإياي لا يأتي أحدكم فيذب (2) عنه كما يذب عنه البعير الضال (3) » وذكر الحديث

__________

(1) فرط لكم : سابقكم لأهيئ لكم طيب المنزل والمقام

(2) الذب : الدفع والمنع

(3) الضال : الضائع

827 - وحدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن بكيرا ، حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أنها قالت : كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان يوما من ذلك والجارية تمشطني فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أيها الناس » فقلت للجارية : استأخري عني فقالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء ، فقلت : إني من الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنى لكم فرط (1) على الحوض ، فإياي لا يأت أحدكم فيذب (2) عني كما يذب البعير الضال (3) ، فأقول : فيم هذا ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول سحقا (4) » . قال أبو بكر النيسابوري : ذكرت هذا الحديث لإبراهيم الأصبهاني فقال : هذا حديث غريب ، كتب به إلينا يونس قال أبو بكر النيسابوري : وسمعت أبا إبراهيم الزهري وذكر هذا الحديث فقال : هذا في أهل الردة

__________

(1) فرط لكم : سابقكم لأهيئ لكم طيب المنزل والمقام

(2) الذب : الدفع والمنع

(3) الضال : الضائع

(4) سحقا : تعبير عن الغضب والمراد بعدا وهلاكا

828 - وحدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا حماد بن الحسن الوراق قال : أنبأنا أبو عاصم قال : أنا ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « أنا فرطكم (1) بين أيديكم ، فإن لم تجدوني فأنا على الحوض ، وحوضي : قدر ما بين أيلة إلى مكة » وذكر الحديث

__________

(1) فرطكم : متقدمكم

829 - وحدثنا أبو بكر النيسابوري أيضا قال : حدثنا أحمد بن منصور قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الزبير قال : أخبرني جابر بن عبد الله ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « أنا فرطكم (1) بين أيديكم ، فإذا لم تروني فأنا على الحوض ، وحوضي : قدر ما بين أيلة ومكة » وذكر الحديث

__________

(1) فرطكم : متقدمكم

830 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا حميد ، عن أنس قال : دخلت على ابن زياد ، وهم يتذاكرون الحوض ، فلما رأوني طلعت عليهم ، قالوا : قد جاءكم أنس فقالوا : يا أنس ما تقول في الحوض ؟ فقلت : « والله ما شعرت أني أعيش حتى أرى أمثالكم تشكون في الحوض ،

لقد تركت عجائز بالمدينة ، ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا
سألت ربها عز وجل أن يوردها حوض محمد صلى الله عليه وسلم » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : ألا ترون إلى أنس بن مالك رحمه الله يتعجب ممن يشك في الحوض إذ كان عنده أن الحوض مما يؤمن به الخاصة والعامة حتى إن العجائز يسألن الله عز وجل أن يسقيهن من حوضه صلى الله عليه وسلم فنعوذ بالله ممن لا يؤمن بالحوض ، ويكذب به ، وفيما ذكرناه من التصديق بالحوض الذي أعطاه الله عز وجل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم كفاية عن الإكثار
باب التصديق والإيمان بعذاب القبر

831 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : أنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان يعني ابن سعيد الثوري عن أبيه ، عن خيثمة ، عن البراء بن عازب : في قول الله عز وجل : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة (1) قال : « نزلت في عذاب القبر »

__________

(1) سورة : إبراهيم آية رقم : 27

832 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن عيسى المصري قال حدثنا عبد الله بن وهب قال : أنبأنا عمرو بن الحارث ، أن أبا السمح دراجا حدثه ، عن ابن حجيرة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتدرون فيما أنزلت هذه الآية : فإن له معيشة ضنكا (1) ؟ أتدرون ما الضنك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : » عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا ، أتدرون ما التنين ؟ تسع وتسعون حية ، لكل حية سبعة أرؤس ، ينفخون جسمه ، ويلسعونه ، ويخدشونه إلى يوم القيامة «

__________

(1) سورة : طه آية رقم : 124

833 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر ، وعثمان ابنا أبي شيبة قالا : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، عن سعيد بن أبي أيوب قال : سمعت دراجا أبا السمح يقول : سمعت أبا الهيثم يقول : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلدغه ، حتى تقوم الساعة ، ولو أن تنينا منها ينفخ في الأرض ما أنبتت خضراء »

834 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن مسروق ، عن عائشة رحمها الله تعالى قالت : دخلت يهودية علي فقالت : سمعتيه يذكر في عذاب القبر شيئا ؟ فقالت لها : وما عذاب القبر ؟ قالت : فسليه ، فلما أتاها النبي صلى الله عليه وسلم سألته عن عذاب القبر ؟ فقال : « عذاب القبر حق » قالت : فما صلى صلاة بليل إلا سمعته يتعوذ من عذاب القبر «

835 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت علي عجوز ، أو عجوزان من عجائز يهود المدينة ، فقالتا : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم ، قالت : فكذبتهما فخرجتا ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : يا رسول الله إن عجوزين من عجائز يهود المدينة دخلتا علي ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم فقال : « صدقتا ، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها » قالت : فما رأيته بعد ذلك في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر

836 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها : أن يهودية دخلت عليها ، فأمرت لها بشيء ، فقالت : أعاذك الله من عذاب القبر ، أو أعاذكم الله من عذاب القبر فذكرت حديث الكسوف وقالت في آخره : فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : « إني أريتكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة الدجال »

837 - قالت : وسمعته يقول : « اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من عذاب النار »

838 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد بن أبي حميد الطويل قال قتيبة : وهو حميد بن طرخان عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا (1) من حوائط بني النجار فسمع صوتا من قبر فقال : « متى دفن صاحب هذا القبر ؟ » فقالوا : في الجاهلية ، فسر بذلك فقال : « لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر »

__________

(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار

839 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : أنبأنا المؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حائط لبني النجار ، وهو على بغلة شهباء (1) ، فسمع أصوات أقوام يعذبون في قبورهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لولا أن لا تدافنوا لسألت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر »

__________

(1) الشهباء : البيضاء التي يخالطها قليل سواد

840 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، عن شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، عن البراء ، عن أبي أيوب : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتا حين غربت الشمس فقال : « هذه أصوات اليهود تعذب في قبورهم »

841 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط (1) من حيطان مكة أو المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يعذبان وما يعذبان في كبير » ثم قال : « بلى كان أحدهما لا يستنزه من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة » ثم دعا بجريدة ، فكسرها كسرتين ، ووضع على قبر كل منهما كسرة ، فقيل : يا رسول الله ، لم فعلت هذا ؟ قال : « لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ، أو إلى أن ييبسا »

__________

(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار

842 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا زياد بن أيوب الطوسي قال : حدثنا زياد بن عبد الله البكائي قال : حدثنا منصور ، والأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط (1) من حيطان المدينة أو مكة ، فإذا هو بقبرين فيهما رجلان يعذبان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « يعذبان في غير كبير » ثم قال : « بلى ، إن أحدهما كان لا يستنزه من بوله ، وكان الآخر يمشى بالنميمة » ثم قال : « أروني عسيبا (2) » ففته باثنين ، فجعل على كل قبر واحدا ، فقال الناس : لم فعلت هذا يا رسول الله ؟ قال : « لعله يخفف من عذابهما ما داما هكذا أو ما لم ييبسا »

__________

(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار

(2) العسيب : جريدَة من النَّخْلِ. وهي السَّعَفة ممَّا لا يَنْبُتُ عليه الخُوصُ

843 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع بن الجراح قال : حدثنا الأعمش قال : سمعت مجاهدا ، يحدث عن طاوس ، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : « إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله » ثم دعا بعسيب رطب وذكر الحديث

844 - وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وزياد بن أيوب ، قالوا : أنبأنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش قال ابن صاعد : وحدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا جرير ، وأبو معاوية ووكيع ، واللفظ لوكيع قال : حدثنا الأعمش قال : سمعت مجاهدا ، يحدث عن طاوس ، عن ابن عباس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : « إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير » وذكر الحديث بطوله

845 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أكثر عذاب القبر في البول »

846 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر ، وعثمان ، ابنا أبي شيبة قالا : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أكثر عذاب القبر في البول »

847 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء أو عن أبي عبيدة في قول الله عز وجل : ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر (1) قال : « عذاب القبر »

__________

(1) سورة : السجدة آية رقم : 21

848 - وحدثنا ابن ذريح أيضا قال : حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن العلاء بن عبد الكريم ، عن أبي كريمة ، عن زاذان في قوله عز وجل : وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك (1) قال : « عذاب القبر »

__________

(1) سورة : الطور آية رقم : 47

849 - أنبأنا ابن ذريح قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في حائط (1) من حوائط بني النجار ، فيه قبور منهم قد ماتوا في الجاهلية : قالت : فخرج ، وهو يقول : « استعيذوا بالله من عذاب القبر » قالت : فقلت : يا رسول الله وإنهم ليعذبون في قبورهم قال : « نعم ، عذابا تسمعه البهائم »

__________

(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار

850 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا صفوان بن صالح قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا خليد بن دعلج ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم نخلا لبني النجار ، فخرج مذعورا فقال : « لمن هذه القبور ؟ » فقالوا : لقوم مشركين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سلوا ربكم عز وجل أن يجيركم من عذاب القبر ، فوالذي نفسي بيده لولا أني أتخوف أن لا تدافنوا لسألت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر ، وإن الرجل إذا دخل حفرته ، وتفرق عنه أصحابه ، دخل عليه ملك شديد الانتهار ، فيجلسه في قبره ، ويقول له : ما كنت تعبد ؟ فأما المؤمن فيقول : كنت أعبد الله وحده لا شريك له ، فيقول : ما تقول في محمد ؟ فيقول : عبد الله ورسوله ، فما يسأله عن شيء غيرهما ، فينطلق به إلى مقعده من النار ، فيقول : هذا كان لك ، فأطعت ربك وعصيت عدوك ، ثم ينطلق به إلى منزله من الجنة فيقول : هذا لك ، فيقول : دعوني أبشر أهلي ، ويوسع له في قبره سبعون ذراعا ، وأما الكافر فيدخل عليه ملك شديد الانتهار ، فيجلسه فيقول له : من ربك ؟ ومن كنت تعبد ؟ فيقول : لا أدري ، فيقول : لا دريت ولا تليت ، فيقول له : فما تقول في محمد ؟ فيقول : كنت أسمع الناس يقولون ، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه ، فيصيح صيحة يسمع صوته من في الأرض إلا الثقلين ، ثم ينطلق به إلى منزله من الجنة ، فيقال له : كان هذا منزلك ، فعصيت ربك ، وأطعت عدوك ، فيزداد حسرة وندامة ، وينطلق به إلى منزله من النار ، فيراهما كلاهما فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه من وراء صلبه » قال محمد بن الحسين رحمه الله : ما أسوأ حال من كذب بهذه الأحاديث ، لقد ضل ضلالا بعيدا ، وخسر خسرانا مبينا

باب ذكر الإيمان والتصديق بمسألة منكر ونكير

851 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا قبر أحدكم أو الإنسان ، أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما : المنكر ، وللآخر : النكير فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فهو قائل ما كان يقول ، فإن كان مؤمنا قال : هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله فيقولان : إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ذراعا ، وينور له فيه ، ثم يقال له : نم ، فيقول : دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم ، فيقال له : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ، حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك ، وإن كان منافقا قال : لا أدري ، كنت أسمع الناس يقولون شيئا ، وكنت أقوله ، فيقولان : إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ، ثم يقال للأرض : التئمي (1) عليه فتلتئم (2) عليه ، حتى تختلف فيها أضلاعه ، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك »

__________

(1) التئم : انضم واجتمع

(2) التأم : اجتمع وانضم

852 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا العباس بن الوليد النرسي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد يعني ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع (1) نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ في محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، قال : فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار ، قد أبدلك الله عز وجل به مقعدا من الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيراهما كلاهما » أو قال : جميعا قال قتادة : وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ، ويملأ عليه خضرا إلى يوم القيامة ثم رجع إلى حديث أنس قال : وأما الكافر ، أو المنافق فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال له : لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطراق (2) من حديد ضربة بين أذنيه ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين «

__________

(1) قرع النعال : صوتها عند المشي

(2) المطراق : المطرقة أو المِرْزبة

853 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن سنان قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا مستلم بن سعيد قال : أنبأنا يعلى بن عطاء قال : جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال له : إنك معلم ، وإنك على جناح فراق الدنيا ، فعلمني خيرا ينفعني الله به ، فقال أبو الدرداء : « إما لا ، فاعقل ، كيف أنت إذا لم يكن لك من الأرض إلا موضع أربعة أذرع في ذراعين جاء بك أهلك الذين كانوا يكرهون فراقك ، وإخوانك الذين كانوا يتحزبون بأمرك فتلوك في ذلك المتل ، ثم سدوا عليك من اللبن ، وأكثروا عليك من التراب ، وخلوا بينك وبين متلك ذلك ، فجاءك ملكان أزرقان جعدان ، يقال لهما : منكر ونكير فقالا : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فإن قلت : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد والله هديت ونجوت ، وإن قلت : لا أدري فقد والله هويت ورديت »

854 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن عطاء بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : « يا عمر كيف أنت إذا أعد لك من الأرض ثلاثة أذرع وشبر في عرض ذراع وشبر ؟ ثم قام إليك أهلك ، فغسلوك وكفنوك وحنطوك (1) ثم حملوك حتى يغيبوك فيه ، ثم يهيلوا عليك التراب ، ثم انصرفوا عنك ، وأتاك مسائل القبر : منكر ونكير ، أصواتهما مثل الرعد القاصف ، وأبصارهما مثل البرق الخاطف ، قد سدلا (2) شعورهما ، فتلتلاك وتهولاك وقالا : من ربك ؟ وما دينك ؟ » قال : يا نبي الله ويكون معي قلبي الذي هو معي اليوم ؟ قال : « نعم » قال : إذن أكفيكهما بإذن الله عز وجل «

__________

(1) التحنط : استعمال الحَنُوط في الثياب وهو ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة

(2) سدل الثوب أو الشعر أو الستر : أرخاه وأرسله

855 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن عيسى المصري قال حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثني حيي بن عبد الله المعافري ، أن أبا عبد الرحمن الحبلي ، حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ذكر فتاني القبر ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : » أو ترد علينا عقولنا ؟ « قال : » نعم كهيئتكم اليوم « قال عمر : » في فيه الحجر «

856 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : « إذا توفي العبد بعث الله عز وجل إليه ملائكة فيقبضون روحه في أكفانه ، فإذا وضع في قبره بعث الله عز وجل إليه ملكين ينتهرانه ، فيقولان : من ربك ؟ قال : ربي الله ، قالا : ما دينك ؟ قال : ديني الإسلام ، قالا : من نبيك ؟ قال : محمد قالا : صدقت ، كذلك كنت ، أفرشوه من الجنة ، وألبسوه منها ، وأروه مقعده منها ، وأما الكافر فيضرب ضربة يلتهب قبره نارا منها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، أو تماس ، ويبعث عليه حيات من حيات القبر كأعناق الإبل ، فإذا خرج قمع بمقمع من نار أو حديد »

857 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال يعني ابن عمرو عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد (1) فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله ، كأنما على رءوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به ، فرفع رأسه ، فقال : « استعيذوا بالله من عذاب القبر » ثلاث مرات أو مرتين ثم قال : « إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه ، كأنما وجوههم الشمس ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط (2) من حنوط الجنة ، ثم يجيء ملك الموت ، فيجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ، فيجعلوها في تلك الأكفان وفي ذلك الحنوط ، فيخرج منه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون على ملإ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : هذا فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى يصعدوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح ، فيفتح له ، فيستقبله من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، في السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى قال : فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له : ما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله ، وآمنت به ، وصدقت به ، فينادي مناد من السماء : صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، فيأتيه من طيبها وروحها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، يأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : يا رب أقم الساعة ، حتى أرجع إلى أهلي ومالي ، وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح ، يجلسون منه مد البصر قال : ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : يا أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، فتفرق في جسده قال : فيخرجها تتقطع معها العروق والعصب ، كما ينزع السفود (3) من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في تلك المسوح ، فيخرج منه ريح كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة : إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون ، فلا يفتح لهم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفتح لهم أبواب السماء ، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (4) قال : فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى قال : فتطرح روحه طرحا قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ، فتخطفه الطير ، أو تهوي به الريح في مكان سحيق (5) ، فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان ، فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، ويقولان له : وما دينك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فينادي مناد من السماء : أفرشوا له من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها قال : ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب لا تقم الساعة ، رب لا تقم الساعة » أنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار وذكر الحديث بطوله . حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا أبو معاوية الضرير قال : حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث بطوله

__________

(1) اللحد : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت ، وقيل الذي يحفر في عرض القبر

(2) الحنوط : ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة

(3) السفود : عود من حديد ينظم فيه اللحم ليشوى

(4) سورة : الأعراف آية رقم : 40

(5) سورة : الحج آية رقم : 31

858 - حدثنا ابن صاعد قال : حدثنا الحسين قال : أنبأنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب : في قول الله عز وجل : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة (1) قال : التثبيت في الحياة الدنيا : إذا جاءه ملكان في القبر فقالا له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، قالا له : فما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، قالا له : فمن نبيك ؟ فيقول : نبي محمد صلى الله عليه وسلم فهذا التثبيت في الحياة الدنيا

__________

(1) سورة : إبراهيم آية رقم : 27

كتاب التصديق بالدجال ، وأنه خارج في هذه الأمة
باب استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الدجال
وتعليمه لأمته أن يستعيذوا بالله من فتنة الدجال

859 - أنبأنا الفريابي أبو بكر جعفر بن محمد قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو : « اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ، ومن عذاب النار ، ومن فتنة القبر ، ومن عذاب القبر ، ومن شر فتنة الغنى ، ومن شر فتنة الفقر ، ومن شر المسيح الدجال »

860 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا منجاب بن الحارث قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : « اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ، وعذاب النار ، أعوذ بك من فتنة القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من الكسل والهرم (1) ، والمأثم (2) والمغرم (3) »

__________

(1) الهرم : كِبر السّن وضعفه

(2) المأثم : ما يسبب الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة

(3) المغرم : المراد مغرم الذنوب والمعاصي ، وقيل المغرم هو الدين الذي لله أو للعباد

861 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو الطاهر قال : أنبأنا ابن وهب قال : أخبرني عبد العزيز بن محمد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات ، ذكر فيهن : « وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال » وذكر الحديث ، وله طرق جماعة

862 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا : إسحاق بن راهويه قال : أنبأنا أبو عامر العقدي قال : حدثنا شعبة ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم « يتعوذ من عذاب جهنم ، وعذاب القبر ، والمسيح الدجال »

863 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : « اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر وعذاب القبر ، وشر فتنة المحيا والممات ، وشر فتنة المسيح الدجال »

864 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن حسن الحراني قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال : حدثنا عيسى يعني ابن يونس ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن محمد بن أبي عائشة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا تشهد أحدكم ، فليتعوذ من أربع : من عذاب جهنم ، وعذاب القبر ، وفتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيح الدجال »

865 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال : حدثنا الهقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن محمد بن أبي عائشة قال : سمعت أبا هريرة ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا فرغ أحدكم من التشهد ، فليتعوذ بالله من أربع : من عذاب القبر ، وعذاب جهنم ، وفتنة المحيا والممات ، وشر المسيح الدجال ، ثم ليدع لنفسه بعد بما شاء » ولهذا الحديث طرق جماعة

866 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن أبي الزبير ، عن طاوس ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان يعلمهم هذا الدعاء ، كما يعلمهم السورة من القرآن ويقول : « قولوا اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات » وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو قال : أنبأنا ابن وهب قال : حدثني مالك وذكر الحديث مثله .

867 - وأنبأنا الفريابي قال : أنبأنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن يحيى بن أبي سلمة ، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات : « اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار ، وعذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الدجال ، وعلم أمته أن يستعيذوا بالله من فتنة الدجال فينبغي للمسلمين أن يستعيذوا بالله العظيم منه وقد حذر أمته في غير حديث الدجال ، ووصفه لهم فينبغي للمسلمين أن يحذروه ويستعيذوا بالله من زمان يخرج فيه الدجال ، فينبغي للمسلمين أن يحذروه ويستعيذوا بالله من زمان يخرج فيه الدجال ، فإنه زمان صعب ، أعاذنا الله وإياكم منه وقد روي أنه قد خلق ، وهو في الدنيا موثق بالحديد إلى الوقت الذي يأذن الله عز وجل بخروجه

868 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا أبو موسى الهروي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أما إنه قد أكل الطعام ، ومشى في الأسواق » يعني الدجال

869 - وحدثنا أيضا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جدعان ، عن الحسن ، عن أبي معقل ، : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لقد أكل الطعام ، ومشى في الأسواق » يعني الدجال

870 - وحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الدجال ممسوح (1) العين ، عليها ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه كافر »

__________

(1) الممسوح : الأعور

871 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عمرو بن عثمان ، وكثير بن عبيد قالا : حدثنا بقية ، عن بحير يعني ابن سعد عن خالد يعني ابن معدان عن عمرو بن الأسود ، عن جنادة بن أبي أمية ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا ، إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج دعج مطموس (1) العين ، ليس بناتئة (2) ولا جحراء فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم عز وجل ليس بأعور ، واعلموا أنكم لن تروا ربكم عز وجل حتى تموتوا »

__________

(1) مطموس العين : ممسوح العين أعور لا يرى بها

(2) النتوء : البروز

872 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يحيى بن عثمان قال : حدثنا ضمرة يعني ابن ربيعة قال : حدثنا السيباني يعني أبا عمرو عن عمرو بن عبد الله الحضرمي ، عن أبي أمامة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان في آخر خطبته ما يحدثنا عن الدجال ، ويحذرناه ، وكان من قوله صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس ، إنه لم تكن على وجه الأرض أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذره أمته ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم ، وهو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج وأنا فيكم ، فأنا حجيج كل مسلم ، وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم »

873 - وحدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم : ذكر الدجال يوما ، فقال : « إنه أعور عين اليمنى ، كأنها عنبة طافية »

874 - أنبأنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال : حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : أنبأنا الوليد بن مسلم قال : حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثني يحيى بن جابر الطائي قال : حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي : أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة (1) ، فخفض فيه ورفع ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، فما رحنا إليه عرف ذلك فينا ، فسألنا فقلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدجال الغداة (2) ، فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، فقال : « غير الدجال أخوفني عليكم ، فإن يخرج ، وأنا فيكم ، فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم ، فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم » وذكر الحديث

__________

(1) الغداة : الصباح وما بين الفجر وطلوع الشمس

(2) الغداة : ما بين الفجر وطلوع الشمس

875 - وحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا خلف بن هشام البزار قال : حدثنا أبو شهاب الحناط ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس قالت : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر وكان لا يصعد قبل يومئذ إلا يوم جمعة ، أو كما قالت ، فاستنكر الناس ذلك ، فبين قائم وجالس فأومأ (1) إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده : « أن اجلسوا ، فإني لم أقم مقامي هذا لأمر ينغصكم لرهبة ولا لرغبة ، ولكن تميما الداري أتاني ، فأخبرني خبرا منعني القيلولة (2) من الفرح وقرة العين ، ألا إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر ، أخذتهم عاصف في البحر ، فألجأتهم إلى جزيرة من جزائر البحر لا يعرفونها ، فقعدوا ، وقال خلف مرة أخرى : فركبوا في قوارب السفينة ، ثم خرجوا فصعدوا إلى الجزيرة ، فإذا هم بشيء أسود أهدب ، كثير الشعر ، فقالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة (3) ، فقالوا لها : أخبرينا عن الناس ، فقالت : ما أنا بمخبرتكم شيئا ، ولا سائلتكم عنه ، ولكن عليكم بهذا الدير فأتوه ، فإن فيه رجلا بالأشواق إلى أن يخابركم وتخابروه ، فأتوه فاستأذنوا عليه ، فدخلوا ، فإذا هم بشيخ موثق شديد الوثاق ، شديد التشكي ، مظهر للحزن ، فقال : من أين نبأتم ؟ فقالوا : من الشام قال : فما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب عم تسأل ؟ قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج ؟ فقالوا : خيرا ناوأه (4) قومه ، فأظهره الله عز وجل عليهم ، فأمرهم جميع ، ودينهم واحد ، ونبيهم واحد ، وإلههم واحد قال : ذلك خير لهم ، فقال : ما فعلت عين زغر ؟ فقالوا : يشربون منها لشفتهم ، ويسقون منها زروعهم قال : ما فعل نخل ما بين عمان وبيسان ؟ فقالوا : يطعم جناه كل حين قال : ما فعلت بحيرة الطبرية ؟ فقالوا : يدفق جانباها من كثرة الماء قال : فزفر (5) عند ذلك ثلاث زفرات (6) ، ثم قال : إن انفلت من وثاقي هذا : لم أدع أرضا إلا وطئتها برجلي هاتين ، إلا طيبة ليس لي عليها سلطان » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إلى هذا انتهى فرحي ، هذه طيبة يعني : المدينة والذي نفس محمد بيده ما فيها طريق واحد ، ضيق ولا واسع ، سهل ولا جبل إلا وعليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة »

__________

(1) الإيماء : الإشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين ونحوه

(2) القيلولة : الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم

(3) الجساسة : الدابة التي تتجسس وتجمع الأخبار للدجال

(4) ناوأه : حاربه وعاداه

(5) الزفير : إخراج النفس مع مده

(6) زفر : أخرج نفسه بعْد مدِّه إياه

876 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس قال : حدثنا معتمر قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن مجالد ، عن عامر قال : حدثتني فاطمة بنت قيس : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ، ثم صعد المنبر ، وكان لا يصعد عليه إلا يوم جمعة قبل ذاك اليوم ، فاستنكر الناس ذلك ، فمن بين قائم وجالس ، فأشار إليهم بيده : أن اجلسوا فقال : « إني والله ما قمت مقامي هذا بأمر ينهمكم رغبة ورهبة ، ولكن تميما الداري أتاني فأخبرني خبرا منع مني القيلولة (1) من الفرح ، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم ، إن بني عم لتميم الداري أخذتهم عاصفة في البحر ، فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها فقعدوا على قوارب السفينة ، فصعدوا إليها فإذا هم بشيء أهدب أسود ، كثير الشعر فقالوا : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة (2) ، فقالوا : أخبرينا ، قالت : ما أنا بمخبرتكم ولا سائلتكم ، ولكن هذا الدير قد رهقتموه ، وفيه رجل هو بالأشواق إلى أن تخبروه ويخبركم ، فعمدوا حتى أتوه ، فاستأذنوا ، فإذا هم بشيخ موثق ، شديد الوثاق ، مظهر الحزن ، شديد التشكي ، فقال لهم : من أين نشأتم ؟ قالوا من الشام قال : ما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب ، عم تسأل ؟ قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خيرا ، ناوأه (3) قوم ، وصدقه قوم ، فأظهره الله عز وجل عليهم قال : فدينهم واحد وإلههم واحد ؟ قالوا : نعم قال : ذاك خير لهم قال : ما فعلت عين زغر ؟ قالوا : خيرا ، يشربون ، ويسقون منها زروعهم قال : فما فعل نخل بين عمان وبيسان ؟ قالوا : يطعم جناه كل عام قال : ما فعلت بحيرة الطبرية ؟ فقالوا : يدفق جنباها ، كثيرة الماء قال : فزفر (4) عند ذلك ، ثم زفر (5) ، ثم زفر ، ثم قال : لو قد انفلت من وثاقي هذا لم أترك أرضا إلا وطئتها برجلي هاتين ، إلا أن تكون طيبة فليس لي عليها سلطان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » والذي نفسي بيده ما فيها طريق ضيق ولا واسع ، ولا سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة « قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولهذا الحديث طرق جماعة ، حدثناه ابن أبي داود ، في كتاب » المصابيح «

__________

(1) القيلولة : الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم

(2) الجساسة : الدابة التي تتجسس وتجمع الأخبار للدجال

(3) ناوأه : حاربه وعاداه

(4) الزفير : إخراج النفس مع مده

(5) زفر : أخرج نفسه بعْد مدِّه إياه

باب الإيمان بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام حكما عدلا فيقيم
الحق ويقتل الدجال

877 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن عطاء بن ميناء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لينزلن ابن مريم حكما عدلا ، فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية ، ولتتركن القلاص (1) فلا يسعى عليها ، وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعو إلى المال فلا يقبله أحد »

__________

(1) القلاص : جمع القلوص وهي الفتية من الإبل

878 - وحدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن يزيد أخو كرخويه قال : أنبأنا وهب بن جرير قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الأنبياء أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد ، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، وإنه يدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ويفيض المال ، ويقاتل الناس على الإسلام ، حتى يهلك الله عز وجل في إمارته الملل كلها غير الإسلام ، وحتى يهلك الله عز وجل في إمارته مسيح الضلالة الأعور الكذاب ، وتقع الأمنة في الأرض ، حتى يرعى الأسد مع الإبل ، والنمر مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضا ، يلبث أربعين سنة ، ثم يتوفى صلى الله عليه وسلم ، ويصلي عليه المسلمون »

879 - حدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن يوسف بن زياد قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يوشك أن ينزل ابن مريم حكما عدلا ، وإماما مقسطا ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد » قال محمد بن الحسين رحمه الله : والذين يقاتلون مع عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والذين يقاتلون عيسى : اليهود مع الدجال ، فيقتل عيسى الدجال ، ويقتل المسلمون اليهود ، ثم يموت عيسى عليه السلام ، ويصلي عليه المسلمون ، ويدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

880 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لتقاتلن اليهود ولتقتلنهم حتى إن الحجر ليقول : يا مسلم هذا يهودي ، فتعال فاقتله »

881 - وحدثنا أبو العباس عبد الله بن الصقر السكري قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا عبد الله بن نافع الصائغ ، عن الضحاك بن عثمان ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه قال : « الأقبر الثلاثة : قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبر أبي بكر ، وقبر عمر رضي الله عنهما ، وقبر رابع يدفن فيه عيسى ابن مريم عليه السلام »

882 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زياد بن أيوب الطوسي قال : حدثنا هشيم قال : أنبأنا حصين ، عن أبي مالك ، في قول الله عز وجل وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته (1) قال : « ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به »

__________

(1) سورة : النساء آية رقم : 159

883 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد بن سعيد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : في قول الله عز وجل وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته (1) يعني « أنه سيدرك أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى ابن مريم فيؤمنوا به ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا »

__________

(1) سورة : النساء آية رقم : 159

كتاب الإيمان بالميزان : أنه حق توزن به الحسنات والسيئات

884 - أنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ قال : حدثنا أبي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان قال : «

يوضع الصراط يوم القيامة وله حد كحد الموسى قال :
ويوضع الميزان ، ولو وضعت في كفته السماوات والأرض وما فيهن لوسعتهم ، فتقول الملائكة : ربنا لمن تزن بهذا ؟ فيقول : لمن شئت من خلقي ، فيقولون : ربنا ما عبدناك حق عبادتك »

885 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان قال : «

يوضع الميزان يوم القيامة ، فلو أن فيه السماوات والأرض
لوسعت ، فتقول الملائكة : يا رب ، لمن تزن بهذا ؟ فيقول لمن شئت من خلقي ، فيقولون : سبحانك ، ما عبدناك حق عبادتك »

886 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : أنبأنا النضر بن شميل قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، قال : سمعت رجلا يقال له : عطاء يحدث عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن من الخلق الحسن
»

887 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا بندار محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر يعني غندرا قال : حدثنا شعبة قال : سمعت القاسم بن أبي بزة يحدث عن عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق
»

888 - وحدثنا ابن صاعد قال حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق
»

889 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف التاجر قال : حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

ما من شيء أفضل في ميزان المؤمن يوم القيامة من
خلق حسن »

890 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين وإبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

أثقل شيء يوضع في الميزان : الخلق الحسن
»

891 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال : حدثنا شريك ، عن خلف بن حوشب ، عن ميمون بن مهران قال : قلت لأم الدرداء : هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ قالت : نعم ، سمعته يقول : «

إن أول ما يدخل في الميزان الخلق الحسن
»

892 - حدثني أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي ، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

يؤتى يوم القيامة برجل إلى الميزان ، ويؤتى بتسعة وتسعين
سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، فيها خطاياه وذنوبه ، فتوضع في كفة الميزان ، ثم يخرج بطاقة بقدر أنملة فيها : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فتوضع في الكفة الأخرى ، فترجح بخطاياه وذنوبه »

893 - أنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو هو ابن دينار عن عبيد بن عمير قال :

يؤتى بالرجل الطويل العظيم يوم القيامة ، فيوضع في الميزان
، فلا يزن عند الله جناح بعوضة وقرأ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (1)

__________

(1) سورة : الكهف آية رقم : 105

894 - أنا الفريابي قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الله بن إدريس قال : أنبأنا ليث ، عن أبي الزبير ، عن عبيد بن عمير ، في « العتل » قال : « هو القوي الشديد الأكول الشروب ، يوضع في الميزان ، فلا يزن شعيرة ، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفا دفعة واحدة في النار »

895 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن سنان قال : حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني قال : أنبأنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة ؟ قال : « أما عند ثلاث فلا ، أما عند الميزان حتى يميل أو يخف فلا ، وأما عند الكتب حتى يعطى الكتاب بيمينه أو بشماله فلا ، وأما حين يخرج عنق من النار ، فيقول ذلك العنق : وكلت بثلاثة ، وكلت بالذي ادعى مع الله إلها آخر ، ووكلت بكل جبار عنيد ، وبكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب »

896 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا حميد بن عياش الرملي قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن قال : قالت : عائشة رضي الله عنها : بينا رسول الله في حجري ، فذكرت قربه مني في الدنيا ، وتباعد الناس بأعمالهم في الآخرة ، فبكيت ، فقال لي : « ما يبكيك يا عائشة ؟ » فقلت : ذكرت قربك مني في الدنيا ، وتباعد الناس بأعمالهم في الآخرة ،

هل تذكرون أهليكم يوم القيامة يا رسول الله ؟ قال :
« أما في ثلاثة مواطن ، إذا تطايرت الصحف ، وقيل هاؤم اقرءوا كتابيه (1) لم يذكر أحد أحدا حتى يعلم : أبيمينه يعطى أم بشماله ؟ وإذا وضعت الأعمال في الميزان لم يذكر أحد أحدا ، حتى يعلم : أيثقل ميزانه أم يخف ؟ وإذا حمل الناس على الصراط لم يذكر أحد أحدا ، حتى يعلم : ينجو أم لا ؟ »

__________

(1) سورة : الحاقة آية رقم : 19

897 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا صدقة بن خالد قال : حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين (1) الآية جمع النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم ، فأجلسهم على الباب ، وجمع نساءه وأهله ، فأجلسهم في البيت ، ثم اطلع فقال : يا بني هاشم ،

اشتروا أنفسكم من الله عز وجل ، لا يغرنكم قرابتكم مني
، فإني لا أملك لكم من الله شيئا ، ثم أقبل على أهل بيته فقال : يا عائشة بنت أبي بكر ، ويا حفصة بنت عمر ، ويا أم سلمة ، ويا فاطمة بنت محمد ، يا أم الزبير يا عمة النبي : اشتروا أنفسكم من الله عز وجل ، واسعوا في فكاك رقابكم ، فإني لا أملك لكم من الله عز وجل شيئا ، فبكت عائشة ، ثم قالت : أي حبي ، وهل يكون ذلك يوم لا تغني عني شيئا ؟ فقال : نعم ، في ثلاثة مواطن : يقول الله عز وجل ونضع الموازين القسط ليوم القيامة (2) وقال عز وجل فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون (3) فعند ذلك لا أغني عنكم من الله شيئا ، وعند النور : من شاء الله عز وجل أتم نوره ، ومن شاء تركه في الظلمة يعمه فيها ، فلا أملك لكم من الله عز وجل شيئا ، وعند الصراط ، من شاء الله عز وجل سلمه وأنجاه ، ومن شاء كبكبه (4) في النار « قالت عائشة رضي الله عنها : أي حبي ، قد علمنا أن الموازين هي الكفتان يوضع في هذا الشيء ، وفى هذا الشيء فترجح إحداهما ، وتخف إحداهما ، وقد علمنا النور والظلمة ، فما الصراط ؟ قال : » طريق بين الجنة والنار ، يجاز الناس عليها ، وهى مثل حد الموسى ، والملائكة صافون يمينا وشمالا يتخطفونهم بالكلاليب ، مثل شوك السعدان ، وهم يقولون : رب سلم سلم ، وأفئدتهم هواء ، فمن شاء الله سلمه ، ومن شاء كبكبه فيها «

__________

(1) سورة : الشعراء آية رقم : 214

(2) سورة : الأنبياء آية رقم : 47

(3) سورة : المؤمنون آية رقم : 102

(4) الكبكبة : الإلقاء على الوجه

898 - حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا معاوية بن يحيى الأطرابلسي قال : حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي ، عن جبير بن نفير ، عن سبرة بن فاتك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

الميزان بيد الله عز وجل يرفع قوما ويضع قوما
» وذكر الحديث

899 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا المؤمل بن الفضل ، ومحمد بن سعيد الأصبهاني قالا : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يقول : حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ، أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت النواس بن سمعان يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «

الميزان بيد الرحمن تبارك وتعالى ، يرفع أقواما ، ويخفض
آخرين إلى يوم القيامة » وقال ابن الأصبهاني : « والميزان بيد رب العالمين » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « رأيتني دخلت الجنة ، فأوتيت بكفة ميزان ، فوضعت فيها ، وجيء بأمتي ، فوضعت في الكفة الأخرى ، فرجحت بأمتي » وذكر الحديث فنعوذ بالله ممن يكذب بالميزان
كتاب الإيمان والتصديق بأن الجنة والنار مخلوقتان
وأن نعيم الجنة لا ينقطع عن أهلها أبدا وأن عذاب النار لا ينقطع عن أهلها أبدا قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن القرآن شاهد أن الله عز وجل خلق الجنة والنار قبل أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام ، وخلق للجنة أهلا ، وللنار أهلا ، قبل أن يخرجهم إلى الدنيا ، لا يختلف في هذا من شمله الإسلام ، وذاق حلاوة طعم الإيمان ، دل على ذلك القرآن والسنة ، فنعوذ بالله ممن يكذب بهذا ، فإن قال قائل : بين لنا ذلك ، قيل له : أليس خلق الله عز وجل آدم وحواء عليهما السلام ، وأسكنهما الجنة ؟ وقال عز وجل في سورة البقرة وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة ، فتكونا من الظالمين (1) وقال عز وجل في سورة الأعراف يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما (2) الآية ، وقال عز وجل في سورة طه وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وقال عز وجل في سورة ص لإبليس فاخرج منها فإنك رجيم (3) الآية فأخرج الله عز وجل آدم وحواء من الجنة ، ثم تاب عليهما ، ووعدهما أن يردهما إلى الجنة ، ولعن إبليس وأخرجه من الجنة ، وأيسه من الرجوع إلى الجنة

__________

(1) سورة : البقرة آية رقم : 35

(2) سورة : الأعراف آية رقم : 27

(3) سورة : الحجر آية رقم : 34

900 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال : حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي ، قال : حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدثنا قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله عز وجل فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه (1) قال : أي رب ألم تخلقني بيدك ؟ قال بلى قال : أي رب : ألم تنفخ في من روحك ؟ قال : بلى قال : أي رب ألم تسبق رحمتك إلي قبل غضبك ؟ قال : بلى قال : أي رب ألم تسكني جنتك ؟ قال : بلى قال : أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : نعم

__________

(1) سورة : البقرة آية رقم : 37

901 - أنبأنا الفريابي قال : أنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : قال أبو عمرو الأوزاعي ، عن حسان بن عطية قال : «

بكى آدم عليه السلام على الجنة ستين عاما ، وعلى
ابنه حين قتل أربعين عاما »

902 - حدثنا أبو بكر محمد بن هارون العسكري قال : حدثنا إبراهيم بن الجنيد الختلي قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثني يحيى بن إسحاق قال : حدثنا عمارة بن زاذان الصيدلاني ، عن يزيد الرقاشي قال :

لما طال بكاء آدم عليه السلام على الجنة ، قيل
له في ذلك ، فقال : أبكي على جوار ربي عز وجل في دار تربتها طيبة ، أسمع فيها أصوات الملائكة قال محمد بن الحسين رحمه الله : وسنذكر من السنن الثابتة في أن الله عز وجل قد خلق الجنة والنار ، وأعد في كل واحدة لأهلها ما شاء ، مما لا يدفعها العلماء ، والحمد لله على ذلك

903 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه وقال : أخبرنا الفضل بن موسى قال : حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

لما خلق الله تبارك وتعالى الجنة والنار ، أرسل جبريل
عليه السلام إلى الجنة فقال : انظر إليها ، وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فنظر إليها ، فرجع إليه عز وجل ، فقال : وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها ، فأمر بها فحجبت بالمكاره ، فقال اذهب فانظر إليها ، فنظر إليها فإذا هي قد حجبت بالمكاره ، فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ، ثم قال : اذهب فانظر إلى النار وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فنظر إليها ، فإذا هي يركب بعضها بعضا ، فرجع فقال : وعزتك لا يدخلها أحد فأمر بها فحفت بالشهوات ، فقال : ارجع إليها فرجع فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها » وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا وهب بن بقية قال : أنبأنا خالد بن عبد الله الواسطي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . . . فذكر مثله

904 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد الحراني قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات
»

905 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا أبو نصر التمار ، وعبيد الله بن محمد العيشي قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

حفت النار بالشهوات ، وحفت الجنة بالمكاره
»

906 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، وأحمد بن الوليد بن أبان قالوا : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني مالك بن أنس ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «

حجبت النار بالشهوات ، وحجبت الجنة بالمكاره
»

907 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا علي بن الجعد قال : أخبرني صخر بن جويرية قال : سمعت أبا رجاء قال : حدثنا ابن عباس قال : قال محمد صلى الله عليه وسلم : «

اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء والمساكين ، وإلى
النار أو في النار فرأيت أكثر أهلها النساء »

908 - وأنبأنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا أبو الأشعث قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا أيوب ، عن أبي رجاء قال : سمعت ابن عباس يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

اطلعت في النار ، فرأيت أكثر أهلها النساء ، واطلعت
في الجنة ، فإذا أكثر أهلها الفقراء »

909 - أنا أبو علي الحسن بن محمد بن شعبة الأنصاري قال : حدثنا أحمد بن بديل اليامي قال : حدثنا ابن فضيل قال حدثنا عطاء بن السائب ، عن عون بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

اختصمت الجنة والنار ، فقالت النار : مالي يدخلني المتكبرون
وأصحاب الأموال ؟ وقالت : الجنة : مالي لا يدخلوني إلا الضعفاء والمساكين ؟ فقال الله عز وجل للجنة : أنت رحمتي ، أدخلك من شئت ، وقال للنار : أنت عذابي ، أعذب بك من شئت ، كلاكما سأملأ »

910 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

احتجت النار والجنة ، فقالت هذه : يدخلني الجبارون والمتكبرون
، وقالت هذه : يدخلني الضعفاء والمساكين ، فقال الله عز وجل لهذه : أنت عذابي أصيب بك من أشاء وربما قال : أعذب بك من أشاء وقال لهذه : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ، ولكل واحدة مني منهما ملؤها »

911 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أحدكم إذا مات عرض على مقعده بالغداة (1) والعشي (2) ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل إليه يوم القيامة »

__________

(1) الغداة : ما بين الفجر وطلوع الشمس

(2) العشي : ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها

912 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «

إن الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا
: اخرجي أيتها النفس الطيبة ، كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح ، وريحان ورب غير غضبان قال : فيقولون ذلك حتى تخرج وذكر الحديث بطوله قال : فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ثم يقال : فيم كنت ؟ فيقول : في الإسلام قال : فيقال : ما هذا الرجل ؟ فيقول : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من قبل الله عز وجل ، فآمنا وصدقنا ، فيفرج له فرجة من قبل النار ، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال : انظر إلى ما وقاك الله عز وجل ثم يفرج له فرجة إلى الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال : هذا مقعدك » وذكر الحديث

913 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله قال : «

إنما نسم المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى
يرجعه الله عز وجل في جسده يوم يبعثه »

914 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في
أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم (1) ، قالوا : من يبلغ إخواننا عنا : أنا أحياء في الجنة نرزق ، لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا (2) عند الحرب ؟ قال فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم فأنزل الله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ، بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله (3) الآية

__________

(1) المقيل : المستقر والمأوى والمنزل ، وأصله المكان الذي يُستراح فيه عند الظهيرة

(2) نكل : جبن ورجع عن الأمر وانصرف عنه

(3) سورة : آل عمران آية رقم : 169

915 - حدثنا أبو بكر محمد بن الليث الجوهري قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن بريد بن أبي مريم ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

من سأل الله عز وجل الجنة ثلاث مرات ، قالت
الجنة : اللهم أدخله الجنة ، ومن استجار الله تعالى من النار ثلاث مرات ، قالت النار : اللهم أجره من النار » وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين وذكر الحديث مثله

916 - وحدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا عباد بن عباد المهلبي ، عن هشام بن زياد ، عن يحيى بن عبد الرحمن ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

إن الله عز وجل خلق الجنة بيضاء ، وإن أحب
الزي إلى الله عز وجل البياض ، فليلبسه أحدكم وكفنوا فيه موتاكم »

917 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت (1) الشياطين ، ومردة (2) الجن ، وغلقت أبواب النار ، فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنان ، فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ولله تعالى عتقاء من النار في كل ليلة »

__________

(1) صفدت : قيدت بالسلاسل والأغلال

(2) المردة : جمع مارد ، وهو العاتي الشديد

918 - أنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : بينا نحن يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعنا وجبة (1) فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : « أتدرون ما هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال :

هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفا الآن حين انتهى
إلى قعرها »

__________

(1) الوجبة : السقطة مع هدة وصدمة، وتطلق على وقوع الشيء أو الحدث بغتة

919 - وأنبأنا الفريابي قال : أنبأنا إسحاق بن راهويه قال : أنبأنا أبو معاوية ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع دويا (1) فقال لجبريل : « ما هذا ؟ » فقال : « حجر ألقي من شفير (2) جهنم منذ سبعين خريفا ، الآن حين استقر قرارها » قال أبو بكر : هكذا أصبته في الأصل قال الشيخ : هكذا أصبته في الأصل عن يزيد الرقاشي فلا أدري سقط على ، أم هو مرسل وأكثر الأحاديث : أبو معاوية عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي والله أعلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع دويا فقال لجبريل عليه السلام : « ما هذا ؟ » قال : « حجر ألقي في شفير جهنم من سبعين خريفا الآن حين استقر قرارها » قال محمد بن الحسين رحمه الله : هذه السنن وغيرها مما يطول ذكرها تدل العقلاء ، وغيرهم ممن لم يكتب العلم على أن الله عز وجل قد خلق الجنة والنار وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أنه قال : » دخلت الجنة « في غير حديث ، سنذكر منها ما ينبغي ذكره ، كل ذلك ليعرف الناس : أن الله عز وجل قد خلق الجنة والنار

__________

(1) الدوي : صوت ليس بالعالي كصوت النحل وغيره

(2) الشفير : الحرف والجانب والناحية

920 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمارة بن غزية : أنه سمع حميد بن عبيد مولى بني المعلى يقول : سمعت ثابتا البناني يحدث عن أنس بن مالك : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل عليه السلام : « مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط ؟ » فقال : « ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار »

921 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عوف قال : حدثنا أبو اليمان قال أنبأنا شعيب ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «

ناركم هذه التي توقد بنو آدم جزء واحد من سبعين
جزءا من نار جهنم » فقيل : والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال : « فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا ، كلهن مثل حرها » ولهذا الحديث طرق والله أعلم
باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم الجنة
قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد تقدم ذكرنا في الباب الذي مضى مثل قوله صلى الله عليه وسلم : « اطلعت في الجنة ، فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار ، فرأيت أكثر أهلها النساء » وسنذكر في هذا الباب مالا يجهله العلماء بالحديث أنه الحق

922 - أنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، أن أنس بن مالك أنبأهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقال الملك : أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، وضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه المسك »

923 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : ثنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا حميد الطويل ، عن أنس قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دخلت الجنة ، فرأيت فيها نهرا ، حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر ، فقلت : يا جبريل : ما هذا ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل »

924 - وأنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبيدة بن حميد ، عن حميد الطويل ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي في مجرى مائه ، فإذا مسك أذفر (1) ، فقلت : يا جبريل : ما هذا ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل »

__________

(1) أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة

925 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أدخلت الجنة ، فرفع لي فيها قصر ، فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا : لرجل من قريش فظننت أني أنا هو ، فقلت : من هو ؟ فقالوا : عمر بن الخطاب » وذكر باقي الحديث . قال أبو بكر بن عياش : قلت لحميد : في النوم أو في اليقظة ؟ قال : « لا » ، بل في اليقظة «

926 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : حدثني الحسين بن واقد قال : حدثني عبد الله بن بريدة الأسلمي قال : سمعت أبي يقول : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : « إني دخلت الجنة البارحة (1) ، فرأيت فيها قصرا مربعا من ذهب ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ فقيل : لرجل من العرب ، فقلت : فأنا من العرب ، فلمن هو ؟ فقيل : لرجل من المسلمين ، ومن أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقلت : فأنا محمد ، فلمن هذا القصر ؟ فقيل : لعمر بن الخطاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » فلولا غيرتك يا عمر لدخلت القصر فقال له عمر : يا رسول الله ، ما كنت لأغار عليك «

__________

(1) البارحة : أقرب ليلة مضت

927 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا كامل بن طلحة الجحدري قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، : أن أبا هريرة قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « بينا أنا نائم رأيتني في الجنة ، فإذا أنا بامرأة شوهاء يعني : حسناء إلى جانب قصر ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر ، فذكرت غيرتك ، فوليت مدبرا قال أبو هريرة : فبكى عمر فقال : » بأبي وأمي ، أعليك أغار ؟ «

928 - حدثنا ابن صاعد أبو محمد قال : حدثنا بحر بن نصر الخولاني قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثني زمعة بن صالح ، عن عيسى بن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن أنس بن مالك قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، فبينا هو في الصلاة مد يده ثم أخرها ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله ، صنعت في صلاتك هذه ، ما لم تصنعه في صلاة قبلها ؟ قال : « إني أريت الجنة عرضت علي ورأيت فيها دالية قطوفها دانية ، حبها كالدبا فأردت أن أتناول منها ، فأوحي إلي : أن استأخر ، فاستأخرت ، ثم عرضت علي النار بيني وبينكم ، حتى رأيت ظلي وظلكم ، فأومأت إليكم أن استأخروا » وذكر الحديث والله أعلم

باب ذكر الإيمان بأن أهل الجنة خالدون فيها أبدا
وأن أهل النار من الكفار والمنافقين خالدون فيها أبدا قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : بيان هذا في كتاب الله عز وجل ، وفى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى في سورة النساء : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها أبدا ، لهم فيها أزواج مطهرة ، وندخلهم ظلا ظليلا (1) وقال عز وجل : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها أبدا ، وعد الله حقا ، ومن أصدق من الله قيلا (2) وقال عز وجل في سورة المائدة : هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه (3) الآية . وقال عز وجل في سورة براءة : الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، أعظم درجة عند الله ، وأولئك هم الفائزون (4) إلى قوله عز وجل أجر عظيم (5) وقال عز وجل : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا (6) الآية . وقال عز وجل في سورة الحجر : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ، لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين (7) وقال عز وجل في سورة الكهف : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا (8) وقال عز وجل في سورة الواقعة : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين (9) إلى آخر الآية ، وقال عز وجل في سورة التغابن : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (10) وقال عز وجل في سورة لم يكن : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا (11) إلى آخر السورة قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولهذا في القرآن نظائر كثيرة تخبر أن المتقين في الجنة خالدين آمنين لا يذوقون فيها الموت أبدا ، ولا يخرجون من الجنة أبدا ، قال الله عز وجل إن المتقين في مقام أمين ، في جنات وعيون ، يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين (12) إلى قوله ووقاهم عذاب الجحيم (13) قال محمد بن الحسين : وقد ذكر الله تعالى في كتابه أن أهل النار الذين هم أهلها ، يخلدون فيها أبدا ، قال الله عز وجل في سورة النساء : إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ، ولا ليهديهم طريقا ، إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا (14) وقال عز وجل في سورة الأحزاب : إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا (15) إلى أخر الآية ، وقال عز وجل : ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال : إنكم ماكثون (16) وقال عز وجل : لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور (17) وقال عز وجل في سورة الجاثية : وأما الذين كفروا : أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين (18) إلى قوله وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا (19) إلى قوله منها ولا هم يستعتبون (20) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فالقرآن شاهد : أن أهل الجنة خالدون فيها أبدا في جوار الله عز وجل ، في النعيم يتقلبون ، قال الله عز وجل : وفاكهة كثيرة ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وفرش مرفوعة (21) الآية . وأهل النار الذين هم أهلها في العذاب الشديد أبدا لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون (22)

__________

(1) سورة : النساء آية رقم : 57

(2) سورة : النساء آية رقم : 122

(3) سورة : المائدة آية رقم : 119

(4) سورة : التوبة آية رقم : 20

(5) سورة : آل عمران آية رقم : 172

(6) سورة : التوبة آية رقم : 100

(7) سورة : الحجر آية رقم : 47

(8) سورة : الكهف آية رقم : 107

(9) سورة : الواقعة آية رقم : 27

(10) سورة : التغابن آية رقم : 9

(11) سورة : البينة آية رقم : 7

(12) سورة : الدخان آية رقم : 51

(13) سورة : الدخان آية رقم : 56

(14) سورة : النساء آية رقم : 168

(15) سورة : الأحزاب آية رقم : 64

(16) سورة : الزخرف آية رقم : 77

(17) سورة : فاطر آية رقم : 36

(18) سورة : الجاثية آية رقم : 31

(19) سورة : الجاثية آية رقم : 34

(20) سورة : الجاثية آية رقم : 35

(21) سورة : الواقعة آية رقم : 32

(22) سورة : الزخرف آية رقم : 75

929 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : أنبأنا النضر بن شميل ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يجاء بالموت يوم القيامة ، كأنه كبش أملح أعفر فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، فيشرئبون (1) فينظرون ، ثم يقال : يا أهل النار ، فيشرئبون فينظرون ، فيرون أن الفرج قد جاء ، فيدعى ، فيذبح بين الجنة والنار ويقال : يا أهل الجنة ، خلود لا موت فيه ، ويا أهل النار خلود لا موت فيه » قال إسحاق : قال النضر : معنى أعفر : الذي منه بياض وسواد

__________

(1) اشرأب : رفع رأسه ومد عنقه وتطاول

930 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعلي بن المديني ، قالا : حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يؤتى بالموت يوم القيامة ، كأنه كبش أملح (1) فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، تعرفون هذا : فيشرئبون (2) وينظرون ويقولون هذا الموت ، ويقال يا أهل النار تعرفون هذا : فيشرئبون وينظرون ويقولون هذا الموت فيؤمر به فيذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت » ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ، وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (3) ولهذين الحديثين طرق جماعة

__________

(1) الأملح : الذي بياضه أكثر من سواده ، وقيل هو النقي البياض

(2) اشرأب : رفع رأسه ومد عنقه وتطاول

(3) سورة : مريم آية رقم : 39

باب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والحمد لله على كل حال ، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم أما بعد فإنه مما ينبغي لنا أن نبينه للمسلمين من شريعة الحق التي ندبهم الله عز وجل إليها وأمرهم بالتمسك بها وحذرهم الفرقة في دينهم ، وأمرهم بلزوم الجماعة ، وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإني أبين لهم فضل نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ليعلموا قدر ما خصهم الله عز وجل به إذ جعلهم من أمته ليشكروا الله على ذلك . قال الله عز وجل : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ، ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم ، واشكروا لي ولا تكفرون (1) قال محمد بن الحسين رحمه الله : قبيح بالمسلمين أن يجهلوا معرفة فضائل نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وما خصه الله عز وجل به من الكرامات والشرف في الدنيا والآخرة ، وقد رسمت في هذه أربعة أجزاء مختصرة حسنة جميلة ، مما خص الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم حالا بعد حال ، وقد أحببت أن أذكر في هذا الكتاب الذي وسمته بكتاب الشريعة من فضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ما لا ينبغي للمسلمين جهله ، بل يزيدهم علما وفضلا وشكرا لمولاهم الكريم ، والله الموفق لما قصدت له ، والمعين عليه إن شاء الله

__________

(1) سورة : البقرة آية رقم : 151

باب ذكر ما نعت الله عز وجل به نبيه محمدا صلى
الله عليه وسلم في كتابه من الشرف العظيم مما تقر به أعين المؤمنين قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الله جل ذكره شرف نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأعلى الشرف ، ونعته بأحسن النعت ، ووصفه بأجمل الصفة ، وأقامه في أعلى الرتب ، أخبرنا مولانا الكريم : أنه بعثه بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فقال الله عز وجل : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا (1) وقال عز وجل : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (2) قال محمد بن الحسين : فقد حذر صلى الله عليه وسلم ، وأنذر وبشر وما قصر ثم أخبرنا مولانا الكريم : أن محمدا صلى الله عليه وسلم دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام ، ودعوة ابنه إسماعيل عليه السلام ، وبشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، قال الله عز وجل : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم (3) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فاستجاب الله عز وجل لإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام واختص من ذريتهما من أحب وهو محمد صلى الله عليه وسلم من أشرف قريش نسبا ، وأعلاها قدرا ، وأكرمها بيتا وأفضلها عنده ، فبعثه بشيرا ونذيرا ، وقال عز وجل : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ، مصدقا لما بين يدي من التوراة ، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد (4) فأثبت الله عز وجل على النصارى الحجة ببشارة عيسى عليه الصلاة والسلام لهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم إن الله عز ، وجل ذكره : أخبر عن أهل الكتابين اليهود والنصارى أنهم يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ، وأنه نبي ، وأوجب عليهم اتباعه ونصرته ، فقال جل ذكره : عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء ، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم (5) إلى قوله المفلحون (6) وقال عز وجل : يا أهل الكتاب ، قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير ، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (7) إلى قوله صراط مستقيم (8) وقال عز وجل : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير (9) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فقطع الله عز وجل حجج أهل الكتابين بما أخبر من صفته في كتبهم ، وأن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو النور ، وهو الحق وإنه يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وأنه يهديهم إلى صراط مستقيم ، ثم أخبر الله عز وجل : أن الذي يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وهو الصراط المستقيم ، فأوجب على الخلق : الإنس والجن قبوله ، وأخبر عن الجن لما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمره الله عز وجل أن يبلغهم ، عرفوا أنه الحق ، فأمنوا وصدقوا واتبعوه ، فقال جل ذكره : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به الآية ثم قال عز وجل : وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم (10) ، ثم أخبر عز وجل : أنه يظهر نبيه صلى الله عليه وسلم على كل دين خالفه ، فقال جل وعز : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (11) ، ثم أخبر الله عز وجل : أنه لا يتم لأحد الإيمان بالله عز وجل وحده ، حتى يؤمن بالله ورسوله ، ثم أخبر أنه من لم يؤمن بالله ورسوله : لم يصح له الإيمان ، فقال جل ذكره : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله (12) الآية ، وقال عز وجل : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ، ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون (13) ، وقال عز وجل : ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا (14) وقال عز وجل : فآمنوا بالله ورسوله ، والنور الذي أنزلنا ، والله بما تعملون خبير (15) ، وقال عز وجل : آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه (16) إلى قوله وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين (17) وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا (18) ثم أعلمنا مولانا الكريم : أن علامة صحة من ادعى محبة الله تعالى : أن يكون محبا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم متبعا له ، وإلا لم تصح له المحبة لله عز وجل قال الله عز وجل : قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ، وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين (19) وقال عز وجل : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ، والله غفور رحيم (20) ، فجعل الله عز وجل محبة رسوله واتباعه علما ودليلا لصحة محبتهم له ، مع اتباعهم رسوله فيما جاء به وأمر به ، ونهى عنه ثم أخبر عز وجل أنه من كفر برسوله كمن كفر بالله ، ومن كذب رسوله فقد كذب الله عز وجل فقال الله عز وجل في قصة المنافقين : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره ، إنهم كفروا بالله ورسوله ، وماتوا وهم فاسقون (21) ، وقال عز وجل : وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ، وقعد الذين كذبوا الله ورسوله (22) إلى آخر الآية ، ثم إن الله عز وجل أمر المؤمنين أن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه ، والصبر معه على كل مكروه يلحقهم ، فقال الله عز وجل : ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين (23) ثم إن الله عز وجل أقام نبيه صلى الله عليه وسلم مقام البيان عنه ، فقال عز وجل : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (24) فكان مما بينه لأمته : أن الله عز وجل أوجب عليهم الطهارة والصلاة في كتابه ، ولم يخبره بأوقات الصلاة ، ولا بعدد الركوع ، ولا بعدد السجود ، ولا بما يجوز من القراءة فيها وما تحريمها ؟ وما تحليلها ؟ ولا كثير من أحكامها ، فبين صلى الله عليه وسلم مراد الله عز وجل من ذلك ، وكذلك أوجب الزكاة في كتابه ، ولم يبين : كم في الورق ؟ ولا كم في الذهب ؟ ولا كم في الغنم ؟ ولا كم في الإبل ؟ ولا كم في البقر ؟ ولا كم في الزرع والثمر ؟ فبين النبي صلى الله عليه وسلم مراد الله عز وجل من ذلك ، وكذلك الصيام بين ما يحل فيه للصائم ، وما يحرم عليه فيه ، وكذلك فرض الله عز وجل الحج على عباده على من استطاع إليه سبيلا ، ولم يخبر عز وجل كيف الإهلال بالحج ؟ ولا ما يلزم المحرم من كثير من الأحكام ؟ فبينه صلى الله عليه وسلم حالا بعد حال ، وكذلك أحكام الجهاد ، وكذلك أحكام البيع والشراء وكذلك حرم الله عز وجل الربا على المسلمين وتوعدهم عليه بعظيم من العقاب ولم يبين لهم في الكتاب : كيف الربا ؟ فبينه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا في كثير من الأحكام ، مما يطول شرحه ، لم يعقل ما في الكتاب إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، زيادة من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فيما أعطاه من الفضائل التي شرفه بها ، ثم فرض على جميع الخلق طاعته ، وحرم عليهم معصيته ، وذلك في غير موضع من كتابه ، قرن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى طاعته عز وجل ، وأعلمهم أنه من عصى رسولي فقد عصاني ، قال الله عز وجل : قل أطيعوا الله والرسول ، فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (25) وقال عز وجل : واتقوا النار التي أعدت للكافرين ، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون (26) وقال عز وجل : تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ، وله عذاب مهين وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (27) وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (28) وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (29) ، ثم قال عز وجل : من يطع الرسول فقد أطاع الله (30) قال محمد بن الحسين رحمه الله : وهذا في القرآن كثير في نيف وثلاثين موضعا أوجب طاعة رسوله ، وقرنها مع طاعته عز وجل ، ثم حذر خلقه مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن لا يجعلوا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء ، أو نهاهم عن شيء كسائر الخلق ، وأعلمهم عظيم ما يلحق من خالفه من الفتنة التي تلحقه ، فقال عز وجل : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا (31) إلى آخر الآية ، ثم إن الله عز وجل أوجب على من حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم حكما أن لا يكون في نفسه حرج أو ضيق لما حكم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل يسلم لحكمه ويرضى ، فقال جل ذكره : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، ويسلموا تسليما (32) والحرج هاهنا : أن لا يشك ، ثم إن الله عز وجل أثنى على من رضي بما حكم له النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكم عليه ورضي بما أعطاه من الغنيمة من قليل أو كثير ، وذم من لم يرض ، فقال عز وجل : ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ، وقالوا : حسبنا الله ، سيؤتينا الله من فضله ورسوله ، إنا إلى الله راغبون (33) ثم إن الله عز وجل أخبرنا عن أهل النار إذا هم دخلوها كيف يتأسفون على ترك طاعتهم لله ولرسوله لم لم يطيعوا الله ورسوله ؟ ، فندموا حيث لم ينفعهم الندم وأسفوا حيث لم ينفعهم الأسف فقال جل ذكره : يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا (34) الآية قال محمد بن الحسين رحمه الله : ألا ترون رحمكم الله كيف شرف الله عز وجل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم في كل حال ؟ يزيده شرفا إلى شرف في الدنيا والآخرة ثم اعلموا يا أمة محمد يا مؤمنين أن الله عز وجل أوجب على جميع الخلق أن يعظموا قدر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتوقير له والتعظيم ، ولا يرفعوا أصواتهم فوق صوته ، ولا يجهروا عليه في المخاطبة ، كجهر بعضهم لبعض ، بل يخفضوا أصواتهم عند صوته ، كل ذلك إجلالا له ، وأعلمهم أنه من خالف ما أمر الله به من التعظيم لرسولي : أنى أحبط عمله وهو لا يشعر فقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ، ثم وعد جل وعز من قبل من الله عز وجل ما أمره به في رسوله : من خفض الصوت والوقار له : المغفرة مع الأجر العظيم ، فقال جل ذكره : إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم (35) ثم قال عز وجل : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم (36) الآية . كل ذلك يحذر عباده مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم يعظم به قدره عندهم ، ثم أمر جل ذكره خلقه إذا هم أرادوا أن يناجوا النبي صلى الله عليه وسلم بشيء مما لهم فيه حظ أن لا يناجوه حتى يقدموا بين يدي نجواهم صدقة ، فكان الرجل إذا أراد أن يناجيه بشيء تصدق بصدقة ، كل ذلك تعظيم للرسول ، وشرف له صلى الله عليه وسلم فلما فعلوا ذلك ضاق على بعضهم الصدقة واحتاج إلى مناجاته ، فتوقف عن مناجاته فخفف الله عز وجل ذلك على المؤمنين رأفة منه بهم ، فقال جل وعز في ابتداء الأمر : يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ، ذلك خير لكم وأطهر (37) هذا لمن قدر على الصدقة ، ثم قال تفضلا على الجميع على من قدر على الصدقة وعلى من لم يقدر ، فقال جل وعز : أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون (38) فخفف عنهم الصدقة ، وأمرهم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم إن الله عز وجل أعلم جميع خلقه ، وأعلم نبيه صلى الله عليه وسلم : أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأنه قد تمت نعمة الله عز وجل على نبيه بأن هداه إلى الصراط المستقيم ، وأعلمه أنه ينصره نصرا عزيزا ، فقال عز وجل : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما ، وينصرك الله نصرا عزيزا ثم أخبر الله عز وجل أن الذين يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما يبايعون الله عز وجل لعظيم قدر محمد صلى الله عليه وسلم عند ربه تعالى فقال جل ذكره : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (39) ثم أخبرنا جل ذكره برضاه عنهم ، إذ بايعوا نبيه صلى الله عليه وسلم وصدقوا في بيعته بقلوبهم فقال عز وجل : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحا قريبا (40) ثم أمر الله جل ذكره المؤمنين أن يتأسوا في أمورهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، وذكر الله كثيرا (41) ثم أوجب الله عز وجل على المؤمنين أن ينصحوا لله عز وجل ولرسوله ، ثم أعلمهم أنه من نصح لله فلينصح لرسوله ، وقرنهما جميعا ، ولم يفرق بينهما ، فقال عز وجل : ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم (42) ثم أخبرنا الله عز وجل أنه من خان رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن خان الله عز وجل فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (43) ثم حذر الخلق عن أذى رسوله ، لا يؤذوه في حياته ولا بعد موته ، وأخبر أن المؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمن آذى الله عز وجل ، وأخبر أن المؤذي لله ولرسوله مستحق اللعنة في الدنيا والآخرة ، فقال عز وجل : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ، إن ذلكم كان عند الله عظيما (44) وقال عز وجل : والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم (45) وقال عز وجل : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ، وأعد لهم عذابا مهينا (46) ثم أخبرنا الله عز وجل أنه من حاد الرسول بالعداوة فقد حاد الله عز وجل فقال عز وجل : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله (47) الآية ، وقال عز وجل : ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله ، فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم (48) ثم أعلمنا مولانا الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأنه إذا أمر فيهم بأمر فعليهم قبول ما أمر به ، ولا اختيار لهم إلا ما اختاره رسوله صلى الله عليه وسلم لهم في أهليهم ، وفي أموالهم ، وفى أولادهم ، فقال جل وعز : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجه أمهاتهم وقال عز وجل : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (49) إلى آخر الآية ، ثم إن الله عز وجل رفع قدر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وزاده شرفا إلى شرفه ، وفضله على سائر الخلق ، بأن حرم أزواجه على جميع العالمين أن يتزوجوهن بعد موته ، وهكذا إذا طلق امرأة من نسائه دخل بها أو لم يدخل بها فقد حرم على كل أحد أن يتزوجها ، لأنهن أمهات المؤمنين ، فقد خصه مولاه الكريم بكل خلق شريف عظيم ، ثم فرض على خلقه أن يصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أنه يصلي عليه هو وملائكته تشريفا له فقال جل ذكره : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (50) ف صلى الله عليه وسلم وعلى أهله أجمعين في الليل والنهار صلاة له فيها رضى ، ولنا بها مغفرة من الله ، ورحمة إن شاء الله ، وعلى آله الطيبين ، ولا حرمنا الله النظر إليه ، وحشرنا على سنته والاتباع لما أمر والانتهاء عما نهى ، واعلموا رحمنا الله وإياكم : لو أن مصليا صلى صلاة فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها في تشهده الأخير وجب عليه إعادة الصلاة ، واعلموا رحمكم الله : أن جميع ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فحرام على الناس مخالفته ، والنهي على التحريم حتى يأتي عنه دلالة على أنه نهى عنه لمعنى دون معنى التحريم ، وإلا فنهيه على التحريم لجميع ما نهى عنه قال الله عز وجل : وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا (51) قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : فهذا الذي حضرني ذكره مما شرفه الله عز وجل به في القرآن ، قد ذكرت منه ما فيه بلاغ لمن عقل وأنا أذكر بعد هذه مما شرفه الله عز وجل به مما جاءت به السنن عنه والآثار عن صحابته حالا بعد حال ، مما يقر الله به عز وجل أعين المؤمنين ، ويزدادون بها إيمانا إلى إيمانهم ، ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ، والله الموفق لذلك ، والمعين عليه

__________

(1) سورة : الأحزاب آية رقم : 45

(2) سورة : فاطر آية رقم : 24

(3) سورة : البقرة آية رقم : 127

(4) سورة : الصف آية رقم : 6

(5) سورة : الأعراف آية رقم : 156

(6) سورة : البقرة آية رقم : 5

(7) سورة : المائدة آية رقم : 15

(8) سورة : البقرة آية رقم : 142

(9) سورة : المائدة آية رقم : 19

(10) سورة : المؤمنون آية رقم : 73

(11) سورة : التوبة آية رقم : 33

(12) سورة : النور آية رقم : 62

(13) سورة : الحجرات آية رقم : 15

(14) سورة : الفتح آية رقم : 13

(15) سورة : التغابن آية رقم : 8

(16) سورة : الحديد آية رقم : 7

(17) سورة : الحديد آية رقم : 8

(18) سورة : النساء آية رقم : 136

(19) سورة : التوبة آية رقم : 24

(20) سورة : آل عمران آية رقم : 31

(21) سورة : التوبة آية رقم : 84

(22) سورة : التوبة آية رقم : 90

(23) سورة : التوبة آية رقم : 120

(24) سورة : النحل آية رقم : 44

(25) سورة : آل عمران آية رقم : 32

(26) سورة : آل عمران آية رقم : 131

(27) سورة : النساء آية رقم : 59

(28) سورة : الأنفال آية رقم : 20

(29) سورة : محمد آية رقم : 33

(30) سورة : النساء آية رقم : 80

(31) سورة : النور آية رقم : 63

(32) سورة : النساء آية رقم : 65

(33) سورة : التوبة آية رقم : 59

(34) سورة : الأحزاب آية رقم : 66

(35) سورة : الحجرات آية رقم : 3

(36) سورة : الأنفال آية رقم : 24

(37) سورة : المجادلة آية رقم : 12

(38) سورة : المجادلة آية رقم : 13

(39) سورة : الفتح آية رقم : 10

(40) سورة : الفتح آية رقم : 18

(41) سورة : الأحزاب آية رقم : 21

(42) سورة : التوبة آية رقم : 91

(43) سورة : الأنفال آية رقم : 27

(44) سورة : الأحزاب آية رقم : 53

(45) سورة : التوبة آية رقم : 61

(46) سورة : الأحزاب آية رقم : 57

(47) سورة : المجادلة آية رقم : 22

(48) سورة : التوبة آية رقم : 63

(49) سورة : الأحزاب آية رقم : 36

(50) سورة : الأحزاب آية رقم : 56

(51) سورة : الحشر آية رقم : 7

باب ذكر متى وجبت النبوة للنبي صلى الله عليه وسلم

931 - أنبأنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا منصور بن سعد ، عن بديل يعني ابن ميسرة العقيلي ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ميسرة الفجر قال : قلت : يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : « وآدم بين الروح والجسد »

932 - حدثنا أبو بكر بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زيد بن أخزم قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن منصور بن سعد ، عن بديل ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ميسرة الفجر قال : قلت : يا رسول الله : متى كنت نبيا ؟ قال : « وآدم بين الروح والجسد »

933 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا هارون بن عبد الله البزاز قال : حدثنا شعيب بن حرب قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان قال : حدثنا بديل بن ميسرة العقيلي ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ميسرة الفجر قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا ؟ قال : « كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد »

934 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا عمر بن حفص بن يزيد الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى وجبت لك النبوة ؟ قال : « بين خلق آدم ونفخ الروح فيه »

935 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متى وجبت لك النبوة ؟ فقال : « بين خلق آدم ونفخ الروح فيه »

936 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح قال : حدثني سعيد بن سويد ، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي ، عن العرباض بن سارية السلمي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إني عبد الله وخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل (1) في طينته »

__________

(1) منجدل : ملقى على الجدالة وهي الأرض

937 - حدثنا أبو عبد الله بن شاهين قال : حدثنا أبو بكر محمد بن حماد المقرئ قال : حدثنا خلف قال : حدثنا سعيد بن راشد قال : سألت عطاء : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم نبيا من قبل أن يخلق ؟ قال : « إي والله ، وقبل أن تخلق الدنيا بألفي عام مكتوبا أحمد »

938 - أنبأنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد التاجر قال : حدثنا أبو مروان العثماني قال : حدثني أبي عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : « من الكلمات التي تاب الله بها على آدم عليه السلام قال : اللهم إنى أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم عليك قال الله عز وجل : يا آدم ، وما يدريك بمحمد ؟ قال : يا رب ، رفعت رأسي ، فرأيت مكتوبا على عرشك لا إله إلا الله محمد رسول الله » فعلمت أنه أكرم خلقك عليك «

باب في قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم
: ورفعنا لك ذكرك (1)

__________

(1) سورة : الشرح آية رقم : 4

939 - أنبأنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال : حدثنا الحسن بن موسى الأشيب ، قال ابن صاعد : وحدثنا محمد بن إسحاق يعني الصاغاني قال حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قالا : حدثنا ابن لهيعة قال : حدثنا دراج أبو السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتاني جبريل عليه السلام فقال : إن ربي عز وجل يقول : كيف رفعت ذكرك ؟ قلت : الله أعلم قال : » إذا ذكرت ذكرت معي «

940 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال : حدثنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الرقي السراج قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المصري قال : حدثني ابن لهيعة قال : حدثني دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال لي جبريل عليه السلام : إن ربك عز وجل يقول لك : أتدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت : الله أعلم قال : قال الله عز وجل : إذا ذكرت ذكرت معي »

941 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا أبو عبيد الله المخزومي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : في قول الله تعالى ورفعنا لك ذكرك (1) قال : « لا أذكر إلا ذكرت معي ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله »

__________

(1) سورة : الشرح آية رقم : 4

942 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن ميمون الخياط قال : حدثنا سفيان قال : سمعته أذناي ووعاه قلبي هاتين الآيتين من ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ورفعنا لك ذكرك (1) قال : « لا أذكر إلا ذكرت معي ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله » وفي قول الله عز وجل : وإنه لذكر لك ولقومك (2) قال : يقال : ممن هذا الرجل ؟ فيقال : من العرب ، فيقال من أي العرب ؟ فيقال : من قريش

__________

(1) سورة : الشرح آية رقم : 4

(2) سورة : الزخرف آية رقم : 44

943 - وأنبأنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال : حدثنا طالوت بن عباد قال : حدثنا أبو حمزة ، عن الحسن في قول الله عز وجل : ورفعنا لك ذكرك (1) قال : « ألا ترى أن الله عز وجل لا يذكر في موطن إلا ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم معه »

__________

(1) سورة : الشرح آية رقم : 4

944 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو الحارث الفهري قال : حدثني سعيد بن عمرو قال : حدثنا أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن إسماعيل ابن بنت أبي مريم قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « لما أذنب آدم عليه السلام الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد إلا غفرت لي ، فأوحى الله عز وجل إليه : وما محمد ؟ ومن محمد ؟ قال : تبارك اسمك ، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك وإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدرا عندك ممن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله عز وجل إليه : يا آدم ، وعزتي وجلالي ، إنه لآخر النبيين من ذريتك ، ولولاه ما خلقتك قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي عن ابن عباس أنه قال : » ما خلق الله ولا برأ ولا ذرأ أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وما سمعت الله عز وجل أقسم بحياة أحد إلا بحياته صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (1) قال : وحياتك يا محمد ، إنهم لفي سكرتهم يعمهون والله أعلم

__________

(1) سورة : الحجر آية رقم : 72

باب ذكر قول الله عز وجل وتقلبك في الساجدين
(1) قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن النكاح كان في الجاهلية على أنواع غير محمودة إلا نكاحا واحدا نكاح صحيح : وهو هذا النكاح الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيزوجه على الصداق وبالشهود ، فرفع الله عز وجل قدر نبينا صلى الله عليه وسلم ، وصانه عن نكاح الجاهلية ، ونقله في الأصلاب الطاهرات بالنكاح الصحيح ، من لدن آدم ، بنقله في أصلاب الأنبياء ، وأولاد الأنبياء ، حتى أخرجه بالنكاح الصحيح صلى الله عليه وسلم

__________

(1) سورة : الشعراء آية رقم : 219

945 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم قال : أشهد على أبي يحدث عن أبيه ، عن جده ، عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء »

946 - أنبأنا أبو سعيد أحمد بن محمد الشاهد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري قال : أنا عبد الرزاق قال : أنبأنا ابن جريج قال : أخبرني جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح »

947 - حدثنا أبو سعيد أيضا قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري قال : حدثنا الحسن بن بشر الهمداني قال : حدثنا سعدان بن الوليد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس : في قول الله عز وجل : وتقلبك في الساجدين (1) قال : « ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه »

__________

(1) سورة : الشعراء آية رقم : 219

948 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : ثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثني عمر بن خالد قال : حدثنا أبو عبد الله محمد الحلبي ، عن عبد الله بن الفرات ، عن عثمان بن الضحاك ، عن ابن عباس : « أن قريشا كانت نورا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بألفي عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه ، فلما خلق الله عز وجل آدم ألقى ذلك النور في صلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » فأهبطني الله عز وجل إلى الأرض في صلب آدم ، وجعلني في صلب نوح في سفينته ، وقذف بي في النار في صلب إبراهيم عليه السلام ، ثم لم يزل ينقلني في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ، حتى أخرجني من بين أبوي ، ولم يلتقيا على سفاح قط «

949 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن سنان القزاز أبو الحسن قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال : حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن أبيه ، عن ابن المسور بن مخرمة ، عن أبيه ، عن العباس بن عبد المطلب قال : قال : عبد المطلب : قدمت اليمن ، فنزلت على أسقف بها ، وكان حبر من اليهود يمر بي ، فقال لي يوما : يا عبد المطلب : ألا تكشف لي عن جسدك ، لأنظر إليه ؟ فقلت : أكشف لك عن جسدي ما خلا عورتي ، فكشفت عن جسدي ، فتشممني ثم تشمم منخري الأيمن ، ثم تشمم منخري الأيسر ، فقال : أرى يا عبد المطلب في منخرك الأيمن نبوة ، وفى الأيسر ملكا ، ألك شاعة ؟ قلت : وما الشاعة ؟ قال : امرأة ، قلت : أما اليوم فلا قال : فتزوج في بني زهرة قال : فقدمت فتزوجت في بني زهرة ، فقالت قريش : أفلح عبد الله على أبيه عبد المطلب

باب : ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاعه
ومنشئه إلى الوقت الذي جاءه الوحي

950 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو علي الحسين بن علي الصدائي قال : حدثنا محمد بن عبيد السلمي قال : حدثنا عمر بن صبح التميمي ، عن ثور بن يزيد ، عن مكحول ، عن شداد بن أوس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا على باب الحجرة ، إذ أقبل شيخ من بني عامر ، وهو مدرة قومه ، وسيدهم من شيخ كبير يتوكأ على عصا ، فتمثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قائما ، ونسبه إلى جده ، فقال : يا ابن عبد المطلب ، إنى نبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس بما أرسل به موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، ألا وإنك تفوهت بعظيم ، إنما كانت الخلفاء والأنبياء في بيتين من بيوت بني إسرائيل ، فلا أنت من أهل هذا البيت ، ولا من أهل هذا البيت ، إنما أنت رجل من العرب ، ممن كانت تعبد هذه الحجارة والأوثان ، فما لك وللنبوة ؟ ولكن لكل قول حقيقة ، فأنبئني بحقيقة قولك ، وبدء شأنك قال : فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بمساءلته وقال : « يا أخا بني عامر ، إن للحديث الذي تسأل عنه نبأ ومجلسا ، فاجلس » فثنى رجله ، ثم برك كما يبرك البعير ، واستقبله النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث ، فقال : « يا أخا بني عامر ، إن حقيقة قولي ، بدء شأني : إني دعوة أبي إبراهيم ، وبشر بي أخي عيسى ابن مريم ، وإن أمي حملتني ، وإني كنت بكر أمي ، حملتني كأثقل ما تحمل النساء ، حتى جعلت تشتكي إلى صواحباتها ثقل ما تجد ، ثم إن أمي رأت في المنام : أن الذي في بطنها نور قالت : فجعلت أتبع النور بصري ، فجعل النور يسبق بصري ، حتى أضاءت لي مشارق الأرض ومغاربها ، ثم إنها ولدتني فنشأت ، فلما نشأت بغضت إلي أوثان قريش ، وبغض إلي الشعر ، وكنت مسترضعا في بني ليث بن بكر ، فبينا أنا ذات يوم منتبذ (1) من أهلي ، مع أتراب لي من الصبيان ، في بطن واد ، نتقاذف بيننا بالجلة إذ أقبل إلي رهط (2) ثلاثة ، معهم طست من ذهب ملآن ثلجا ، فأخذوني فانطلقوا بي من بين أصحابي ، وانطلق أصحابي هرابا ، حتى انتهوا إلى شفير (3) الوادي ، ثم أقبلوا على الرهط ، فقالوا : ما رابكم (4) إلى هذا الغلام ؟ إنه ليس منا ، هذا من سيد قريش ، وهو مسترضع فينا ، من غلام يتيم ، ليس له أب ولا أم ، فماذا يرد عليكم قتله ؟ وماذا تصيبون من ذلك ؟ إن كنتم لابد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فليأتكم مكانه فاقتلوه ، ودعوا هذا الغلام ، فإنه يتيم ، فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون إليهم جوابا ، انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم ويستصرخونهم على القوم ، فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ، ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي ، وأنا أنظر إليه ، فلم أجد لذلك مسا ، ثم أخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج ، فأنعم غسلها ثم أعادها مكانه ، ثم قال الثاني منهم لصاحبه : تنح (5) ، فأدخل يده في جوفي فأخرج قلبي فصدعه ، وأنا أنظر إليه ، فأخرج منه مضغة (6) سوداء ، فألقاها ، ثم قال بيده كأنه يتناول شيئا فإذا بيده خاتم من نور تحار أبصار الناظرين دونه ، فختم به قلبي ، ثم أعاده إلى مكانه ، فامتلأ قلبي نورا ، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ، ثم قال الثالث منهم لصاحبه : تنح ، فتنحى عني ، ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ، ثم أكبوا علي وضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي وما بين عيني ، ثم قالوا : يا حبيب ، لن تراع ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك ، ثم قال الأول الذي شق بطني : زنوه بعشرة من أمته ، فوزنوني بهم فرجحتهم ، ثم قال : زنوه بمائة من أمته ، فوزنوني ، فرجحتهم ، ثم قال : زنوه بألف من أمته ، فوزنوني ، فرجحتهم فقال : دعوه ، فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم ، فبينا نحن كذلك ، إذ أنا بالحي قد جاءوا بحذافيرهم ، وإذا بأمي وهى ظئري (7) أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول : يا ضعيفاه ، استضعفت من بين أصحابك ، وقتلت لضعفك ، فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي ، وما بين عيني ، وقالوا : حبذا أنت من ضعيف ، وما أكرمك على الله ، ثم قالت : يا وحيداه ، فأكبوا علي ، وضموني إلى صدورهم ، وقالوا : حبذا أنت من وحيد ، وما أنت بوحيد ، إن الله معك وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض ، ثم قالت ظئري : يا يتيماه ، فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي وما بين عيني ، وقالوا : حبذا أنت من يتيم ، ما أكرمك على الله فلما نظرت بي أمي وهى ظئري قالت : يا بني ألا أراك حيا بعد ، وضمتني إلى حجرها ، فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها ، وإن يدي لفي يد بعضهم ، وظننت أن القوم يبصرونهم ، فإذا هم لا يبصرونهم ، فقال بعض القوم : قد أصاب هذا الغلام طائف الجن ، فاذهبوا به إلى كاهن ، حتى ينظر إليه ويداويه فقلت : يا هناه ، إنى أجد نفسي سليمة وفؤادي صحيحا ليس بي قلبة ، فقال أبي : وهو زوج ظئري أما ترون كلامه كلام صحيح ؟ إنى أرجو أن لا يكون على ابني بأس ، فاتفق رأيهم على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ، فاحتملوني ، فذهبوا بي إليه ، فقصوا عليه قصتي فقال : اسكتوا ، حتى أسأل الغلام ، فإنه أعلم بأمره منكم ، فسألني فقصصت عليه قصتي من أولها إلى آخرها ، فضمني إليه ، وقال : يا للعرب ، يا للعرب ، اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه ، واللات والعزى ، لئن تركتموه وأدرك ، ليخالفن دينكم ودين آبائكم ، وليخالفن أمركم ، وليأتينكم بدين لم تروا مثله ، فانتزعتني أمي من حجره ، وقالت : أنت أعته وأجن من ابني هذا ، ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيت به ، فاطلب لنفسك من يقتلك ، فإنا غير قاتلي هذا الغلام ، واحتملوني وأدوني إلى أهلي ، فأصبحت معرا كما فعل بي ، وأصبح أثر الشق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك ، فذلك يا أخا بني عامر : حقيقة قولي وبدوء شأني » فقال العامري : أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أن أمرك لحق وذكر الحديث

__________

(1) منتبذ : منفرد بعيد

(2) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة

(3) الشفير : الحرف والجانب والناحية

(4) الريب : الشَّكُّ وقيل هو الشِّك مع التُّهمة

(5) تنحى : مال جانبا وتباعد

(6) المضغة : القطعة من اللحم

(7) الظئر : المرضعة لغير ولدها ، ويطلق على زوجها أيضا

951 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا عبد الله بن شبيب المكي قال : حدثني أحمد بن محمد قال : وجدت في كتاب أبي ، عن الزهري ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف قال : كنت تربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن : فأخبرتني أمي قالت : لما ولد محمد صلى الله عليه وسلم وقع على يدي استهل ، فسمعت قائلا من ناحية البيت يقول : يرحمك ربك قالت : فلما لينته وأضجعته أضاء لي نور ، حتى رأيت قصور الروم ، ثم غشيتني (1) ظلمة ورعدة ، ثم نظرت عن يميني فلم أر شيئا ، فسمعت قائلا يقول : أين ذهبت به ؟ قال : ذهبت به إلى المغرب قالت : ثم أصابتني رعدة وظلمة قالت : ثم نظرت عن يساري ، فلم أر شيئا ، فسمعت قائلا يقول : أين ذهبت به ؟ قال : ذهبت به إلى المشرق قال عبد الرحمن : فكان الحديث من شأني ، حتى بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم فكان أول قومه إسلاما قال محمد بن الحسين رحمه الله : في هذا الباب أحاديث قد ذكرتها في كتاب فضائله صلى الله عليه وسلم

__________

(1) غشيني : أصابتني

952 - حدثنا أبو علي الحسين بن زكريا السكري قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني ابن أبي جهم ، مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب ، وكان يقال : مولى الحارث بن حاطب قال : حدثني من ، سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول : حدثت عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته : أنها قالت : قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر ، نلتمس بها الرضعان في سنة شهباء (1) فقدمت على أتان (2) لي قمراء ، كانت أذمة الركب ، ومعي صبي لنا ، وشارف لنا ، والله ما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذلك ، ما يجد في ثديي ما يغنيه ، ولا في شارفنا (3) ما يغذيه ، فقدمنا مكة ، فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قيل : إنه يتيم ، تركناه ، وقلنا : ما عسى أن تصنع إلينا أمه ؟ إنما نرجو المعروف من أب الولد ، فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا ؟ فوالله ما بقي من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما لم أجد غيره ، قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى : والله إنى لأكره أن أرجع من بين صواحباتي ليس معي رضيع ، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه ، فقال : لا عليك ، فذهبت فأخذته ، فوالله ما أخذته : إلا أنى لم أجد غيره ، فما هو إلا أن أخذته ، فجئت به رحلي ، فأقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن ، فشرب حتى روي ، وشرب أخوه حتى روي ، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك ، فإذا إنها لحافل ، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا ، فبتنا بخير ليلة ، فقال صاحبي : يا حليمة ، والله إنى لأراك قد أخذت نسمة مباركة ، ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير حين أخذناه فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا ، ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا ، فوالله لقطعت أتاني الركب حتى ما يتعلق بها حمار ، حتى إن صواحباتي ليقلن : ويحك يا بنت أبي ذؤيب ، أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا ؟ فأقول : نعم ، والله إنها هي ، فيقلن : والله إن لها لشأنا ، حتى قدمنا أرض بني سعد ، وما أعلم أرضا من أرض الله عز وجل أجدب منها ، فإن كانت غنمي لتسرح ، ثم تروح شباعا لبنا ، فنحلب ما شئنا وما حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن ، وإن أغنامهم لتروح جياعا ، حتى إنهم ليقولون لرعاتهم : انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب ، فاسرحوا معهم ، فيسرحون مع غنمي حيث تسرح ، فيريحون أغنامهم جياعا ، وما فيها قطرة لبن ، وتروح غنمي شباعا لبنا ، فنحلب ما شئنا ، فلم يزل الله عز وجل يرينا البركة ، ونتعرفها حتى بلغ سنتين ، فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا (4) ، فقدمنا به على أمه ، ونحن أضن شيء به ، مما رأينا فيه من البركة ، فلما رأته أمه ، قلنا لها : يا ظئر ، دعينا بابننا هذه السنة الأخرى ، فإنا نخشى عليه أوباء مكة ، فوالله مازلنا بها حتى قالت : فنعم ، فسرحته معنا ، فأقمنا به شهرين أو ثلاثة ، فبينا هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم (5) لنا ، فجاءنا أخوه يشتد ، فقال : أخي ذلك القرشي ، قد جاءه رجلان عليهما بياض ، فأضجعاه فشقا بطنه ، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائما منتقعا (6) لونه فاعتنقه أبوه ، وقال : أي بني ، ما شأنك ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاني فشقا بطني ، ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ، ثم رداه كما كان ، فرجعنا به معنا ، فقال أبوه : يا حليمة ، لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب ، انطلقي بنا فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف قالت : فاحتملناه ، فلم ترع أمه إلا به ، قد قدمنا به عليها ، فقالت : ما ردكما به فقد كنتما عليه حريصين ؟ فقلنا : لا والله يا ظئر (7) ، إلا أن الله عز وجل قد أدى عنا ، وقضينا الذي علينا ، وقلنا : نخشى الإتلاف والأحداث ، فقلنا : نرده على أهله ، فقالت : ما ذاك بكما ؟ فاصدقاني شأنكما ، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره فقالت : أخشيتما عليه الشيطان ؟ كلا ، والله ، ما للشيطان عليه سبيل ، وإنه لكائن لابني هذا شأن ، ألا أخبركما خبره ؟ قلنا : بلى قالت : حملت به ، فما حملت حمل قط أخف منه فأريت في النوم حين حملت به : كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ، ثم وقع حيث ولدته وقوعا ما يقعه المولود معتمدا على يديه ، رافعا رأسه إلى السماء ، فدعاه عنكما

__________

(1) سنة شهباء : ذات قحط وجدب ، والشهباء الأرض البيضاء التي لا خضرة فيها لقلة المطر من الشهبة ، وهي البياض فسُمِّيت سنة الجدب بها

(2) الأتان : الحمار يقع على الذكر والأنثى ، والأتَانُ الحمارَةُ الأنثى خاصَّةً

(3) الشارف : الناقة المسنة التي ارتفع لبنها

(4) الجفر : الصبي يقرب البلوغ

(5) البَهْم : جمع بَهْمَة وهي ولد الضأن الذكر والأنثى

(6) انتقع لونه : تغير من خوف أو ألم

(7) الظئر : المرضعة لغير ولدها ، ويطلق على زوجها أيضا

953 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي أبو بكر ، وعثمان بن أبي شيبة قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاه جبريل عليه السلام ، وهو يلعب مع الصبيان ، فصرعه ، فشق عن قلبه فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقة (1) ثم قال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه (2) ، ثم أعاده في مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره (3) فقالوا : إن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه وهو منتقع (4) اللون قال أنس : كنت أرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم »

__________

(1) العلقة : القطعة من الدم الغليظ الجامد

(2) لأمه : ضم بعضه إلى بعض

(3) الظئر : المرضعة لغير ولدها ، ويطلق على زوجها أيضا

(4) انتقع لونه : تغير من خوف أو ألم

باب ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يزل نبيا من قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام يتقلب في أصلاب الأنبياء ، وأبناء الأنبياء بالنكاح الصحيح حتى أخرجه الله تعالى من بطن أمه ، يحفظه مولاه الكريم ويكلؤه ويحوطه إلى أن بلغ ، وبغض الله عز وجل إليه أوثان قريش ، وما كانوا عليه من الكفر ، ولم يعلمه مولاه الشعر ، ولا شيئا من أخلاق الجاهلية بل ألهمه مولاه عبادته وحده لا شريك له ، ليس للشيطان عليه سبيل ، يتعبد لمولاه الكريم خالصا ، حتى نزل عليه الوحي ، وأمر بالرسالة ، وبعث إلى الخلق كافة ، إلى الإنس والجن ، بعث على رأس أربعين سنة من مولده ، أقام بمكة عشرا يدعوهم إلى الله عز وجل ، يؤذونه فيصبر ، ويجهلون عليه فيحلم ، ثم أذن الله عز وجل له في الهجرة إلى المدينة ، فهاجر إليها ، فأقام بها عشرا ، وتوفي بعد الستين صلى الله عليه وسلم

954 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا محمد بن يوسف المصيصي قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن قرة بن عبد الرحمن ، أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثه قال : سمعت أنس بن مالك قال : بعث نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة ، فمكث بمكة عشرا ، وبالمدينة عشرا ، وتوفي وهو ابن ستين سنة

955 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال : حدثنا سليمان بن بلال المدني ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، أنه سمع أنس بن مالك يقول : « بعث النبي صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة ، فكان بمكة عشر سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الستين ، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء »

باب كيف نزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم

956 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يونس بن حبيب الأصبهاني قال : حدثنا أبو داود يعني الطيالسي قال : حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رحمها الله قالت : « أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوحي الرؤيا الصادقة قالت : وحبب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلاء ، فكان يمكث الأيام في غار حراء يتعبد ، حتى جاءه الوحي ، صلى الله عليه وسلم »

957 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا محمد بن سهيل بن عسكر ، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه ، والحسن بن أبي الربيع ، وأحمد بن منصور ، واللفظ لابن عسكر قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الزهري قال : حدثني عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق (1) الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء ، فيتحنث فيه : وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود (2) لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها ، فتزوده لمثلها حتى فجأه الوحي ، وهو في غار حراء ، وجاء الملك فيه ، فقال : اقرأ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت : » إنى لست بقارئ ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فغطني الثالثة ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق (3) حتى بلغ علم الإنسان ما لم يعلم (4) فرجع ترجف بوادره حتى دخل على خديجة ، فقال : « زملوني (5) زملوني » فزملوه (6) ، حتى ذهب عنه الروع (7) ، فقال : « يا خديجة مالي ؟ » وأخبرها الخبر وقال : « قد خشيت علي قالت : كلا ، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل (8) ، وتقري (9) الضيف ، وتعين على نوائب الحق »

__________

(1) فلق الصبح : ضياء الصبح ونوره

(2) تزود : اتخذ زادا وهو طعام يتخذه المسافر

(3) سورة : العلق آية رقم : 1

(4) سورة : العلق آية رقم : 5

(5) زملوني : غطوني ولفوني

(6) زمل : لفَّ وغطى

(7) الروع : الخوف الشديد والفزع

(8) الكَل : الثِّقَل مِن كل ما يُتَكلَّف ، وقيل : العيال ومن يحتاج إلى رعاية ونفقة

(9) القِرَى : ما يقدم إلى الضيف

958 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، وخشيش بن أصرم قالا : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : « فبينا أنا أمشي ، فسمعت صوتا ، من السماء ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بالملك الذي ، جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت (1) منه رعبا ، فرجعت فقلت : زملوني (2) ، زملوني ، دثروني (3) دثروني » فأنزل الله عز وجل : يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر (4) وهى الأوثان قبل أن تفرض الصلاة «

__________

(1) جثثت : فزعت ورعبت

(2) زمَّله : غطاه ولفَّه

(3) دثروني : غَطُّوني بِما أدْفَأُ به

(4) سورة : المدثر آية رقم : 1

959 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا بكر بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني وهب بن كيسان مولى الزبير قال : سمعت عبد الله بن الزبير ، يقول لعبيد بن عمير : حدثنا يا عبيد كيف كان بدء ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين جاءه جبريل عليه السلام فذكر بدء ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « فخرجت ، حتى إذا كنت في وسط الجبل فسمعت صوتا من السماء يقول : يا محمد ، أنت رسول الله ، وأنا جبريل ، فرفعت رأسي إلى السماء لأنظر ، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول : يا محمد أنت رسول الله ، وأنا جبريل ، فوقفت أنظر إليه ، فما أتقدم ولا أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي في آفاق السماء ، ولا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت كذلك واقفا حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ، ثم انصرفوا عني ، وانصرفت راجعا إلى أهلي ، حتى أتيت خديجة ، فقالت لي : أين كنت ؟ فقلت : » إن الأبعد لشاعر أو مجنون « ، فقالت : أعيذك بالله من ذلك ، وماذا يا ابن عم ؟ لعلك رأيت شيئا ؟ قلت : » نعم « : ثم حدثتها بالحديث ، فقالت : أبشر يا ابن عم ، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة »

960 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو أمية عبد الله بن محمد بن خلاد قال : حدثنا يعقوب بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال ورقة لما ذكرت له خديجة رحمها الله أنه ذكر لها جبريل عليه السلام ، فقال : سبوحا سبوحا ، وما لجبريل يذكر في هذه الأرض التي تعبد فيها الأوثان ؟ جبريل أمين الله عز وجل بينه وبين رسله ؟ اذهبي به إلى المكان الذي رأى فيه ما رأى ، فإذا رآه فتحسري فإن يك من عند الله ، لا يراه ، ففعلت قال : فلما تحسرت تغيب جبريل عليه السلام فلم يره فرجعت فأخبرت ورقة ، فقال : إنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبنائهم إلا بثمن ثم أقام ورقة ينتظر إظهار الدعوة ، وقال في ذلك : لججت وكنت في النكرى لجوجا لهم طال ما بعث النشيجا ووصف من خديجة بعد وصف لقد طال انتظاري يا خديجا ببطن المكتين على رجائي حديثك ، لو أرى منه خروجا بأن محمدا سيسود يوما ويخصم من يكون له حجيجا (1) ويظهر في البلاد ضياء نور تقام به البرية أن تعوجا فياليتي إذا ما كان ذاكم شهدت ، فكنت أولهم ولوجا ولوجا للذي كرهت قريش ولو عجت بمكتها عجيجا

__________

(1) الحجيج : المجادل والمخاصم والمناقش بالحجة والبرهان

961 - وحدثنا أبو علي الحسين بن زكريا السكري قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن يونس بن عمرو ، عن أبيه ، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة رضي الله عنها : « إنى إذا خلوت سمعت نداء ، وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا » ، فقالت : معاذ الله ، ما كان الله ليفعل بك ذلك فوالله إنك لتؤدي الأمانة ، وتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، فلما دخل أبو بكر رضي الله عنه وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت خديجة حديثه له ، وقالت : يا عتيق ، اذهب مع محمد إلى ورقة ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده ، فقال : انطلق بنا إلى ورقة ، فقال : « ومن أخبرك » ؟ قال : خديجة ، فانطلقا إليه ، فقصا عليه ، فقال : « إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي : يا محمد ، وأنطلق هاربا في الأرض » ، فقال له : لا تفعل ، إذا أتاك فاثبت ، حتى تسمع ما يقول ، ثم ائتني فأخبرني ، فلما خلا ناداه يا محمد ، قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين (1) حتى بلغ ولا الضالين (2) قل : لا إله إلا الله ، فأتى ورقة ، فذكر ذلك له ، فقال له ورقة : أبشر ، ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم ، وأنك على مثل ناموس موسى ، وأنك لنبي مرسل وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك ، فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لقد رأيت القس في الجنة عليه الثياب الحرير ، لأنه آمن بي وصدقني يعني ورقة

__________

(1) سورة : الفاتحة آية رقم : 1

(2) سورة : الفاتحة آية رقم : 7

962 - وحدثنا أبو علي قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : وقد قال ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي فيما كانت ذكرت له خديجة رضي الله عنها من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون : فإن يك حقا ، يا خديجة ، فاعلمي حديثك إيانا فأحمد مرسل وجبريل يأتيه ، وميكال ، معهما من الله وحي يشرح الصدر منزل يفوز به من كان فيها بتوبة ويشقى به العات الغوي المضلل فريقان : منهم فرقة في جنانه وأخرى بألوان الجحيم تغلل إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت مقامع (1) في هاماتهم (2) ثم من عل فسبحان من تهوى الرياح بأمره ومن هو في الأيام ماشاء يفعل ومن عرشه فوق السماوات كلها وأقضاؤه في خلقه لا تبدل وقال ورقة بن نوفل في ذلك أيضا : يا للرجال لصرف الدهر والقدر وما لشيء قضاه الله من غير حتى خديجة تدعوني لأخبرها وما لها بخفي الغيب من خبر جاءت لتسألني عنه لأخبرها أمرا ، أراه سيأتي الناس من أخر فخبرتني بأمر قد سمعت به فيما مضى من قديم الدهر والعصر بأن أحمد يأتيه فيخبره جبريل : أنك مبعوث إلى البشر فقلت : عل الذي ترجين منجزه لك الإله ، فرجي الخير وانتظر وأرسليه إلينا ، كي نسائله عن أمره ، ما يرى في النوم والسهر ؟ فقال حين أتانا : منطقا عجبا يقف منه أعالي الجلد والشعر إنى رأيت أمين الله واجهني في صورة أكملت في أهيب الصور ثم استمر فكاد الخوف يذعرني مما يسلم ما حولي من الشجر فقلت : ظني ، وما أدري أيصدقني أن سوف يبعث يتلو منزل السور وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم مني الجهاد بلا من ولا كدر

__________

(1) المقامع : سياط من حديد أو مطارق

(2) الهامة : الرأس

باب ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته في الكتب
السالفة من قبله

963 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا عبد الله بن سعد بن إبراهيم قال : حدثنا عمي يعقوب قال : حدثنا أبي ، عن الوليد بن كثير ، عن ابن حلحلة ، عن طلحة بن عبيد الله الخزاعي ، أنه سمع أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : « إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب : ليس بفظ (1) ولا غليظ ، ولا سخاب (2) في الأسواق ، ولا يوقد بالسيئة إذا سمعها ، ولكن يطفئها بعينه ، أعطيته مفاتيح ، ليفتح بها عيونا عميا ، ويسمع آذانا وقرا ، ويقيم ألسنة معوجة ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله »

__________

(1) الفَظ : سَيِّء الخُلُق

(2) السَّخَب والصَّخَب : الصِياح واختلاط الأصوات

964 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثني أبي ، عن الوليد بن كثير المدني ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة أن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، أخبره أنه ، سمع أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : « إنا نجد صفة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب اسمه المتوكل ، ليس بفظ (1) ولا غليظ ولا سخاب (2) في الأسواق ، ولا يوقد بالسيئة إذا سمعها ، ولكن يطفئها بعينه ، وأعطيته المفاتيح ، ليفتح الله عز وجل به عيونا عورا ، ويسمع به آذانا وقرا ويحيي به قلوبا غلفا (3) ، ويقيم به الألسن المعوجة حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله »

__________

(1) الفَظ : سَيِّء الخُلُق

(2) السَّخَب والصَّخَب : الصِياح واختلاط الأصوات

(3) غلف : مغشاة مغطاة لا تعي شيئا

965 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي الحمصي قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني ، عن أبي سلام الدمشقي ، وعمرو بن عبد الله السيباني ، أنهما سمعا أبا أمامة الباهلي : يحدث عن حديث عمرو بن عبسة السلمي قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها آلهة باطلة ، يعبدون الحجارة ورأيت الحجارة لا تضر ولا تنفع قال : فلقيت رجلا من أهل الكتاب ، فسألته عن أفضل الدين ؟ فقال : يخرج رجل من مكة ، ويرغب عن آلهة قومه ، ويدعو إلى غيرها ، وهو يأتي بأفضل الدين ، فإذا سمعت به فاتبعه ، فلم يكن لي هم إلا مكة ، آتيها أسأل : هل حدث فيها أمر ؟ فيقولون : لا ، فأنصرف إلى أهلي وأهلي من الطريق غير جد بعيد فأعترض الركبان خارجين من مكة ، فأسألهم : هل حدث فيها خبر أو أمر ؟ فيقولون : لا ، فإني لقاعد على الطريق ، إذ مر بي راكب فقلت : من أين جئت ؟ قال : من مكة ، قلت : هل حدث فيها خبر ؟ قال : نعم ، رجل رغب عن آلهة قومه ، ودعا إلى غيرها ، قلت : صاحبي الذي أريد ، فشددت راحلتي ، فجئت منزلي الذي كنت أنزل فيه ، فسألت عنه ؟ فوجدت مستخفيا شأنه ، ووجدت قريشا عليه جرآء ، فتلطفت له حتى دخلت عليه ، فسلمت عليه ، ثم قلت : ما أنت ؟ قال : « نبي » قلت : وما النبي ؟ قال : « رسول الله صلى الله عليه وسلم » قلت : من أرسلك ؟ قال : « الله » قلت : بماذا أرسلك ؟ قال : « أن توصل الأرحام ، وتحقن الدماء ، وتؤمن السبل (1) ، وتكسر الأوثان (2) ، ويعبد الله وحده لا يشرك به شيئا » قال : قلت : نعم ما أرسلك به ، أشهدك أنى قد آمنت بك وصدقت ، أفأمكث معك ؟ أو ما ترى ؟ قال : « قد ترى كراهية الناس لما جئت به ، فامكث في أهلك ، فإذا سمعت بي خرجت مخرجا فاتبعني » فلما خرج إلى المدينة سرت حتى قدمت عليه ، ثم قلت : يا نبي الله ، أتعرفني ؟ قال : « نعم أنت السلمي الذي جئتني بمكة ، فقلت لك : كذا وكذا ، وقلت لي : كذا وكذا » وذكر الحديث

__________

(1) السبل : الطرق

(2) الأوثان : جمع وَثَن وهو الصنم، وقيل : الوَثَن كلُّ ما لَه جُثَّة مَعْمولة من جَواهِر الأرض أو من الخَشَب والحِجارة، كصُورة الآدَميّ تُعْمَل وتُنْصَب فتُعْبَد وقد يُطْلَق الوَثَن على غير الصُّورة، والصَّنَم : الصُّورة بِلا جُثَّة

باب صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل
وقد أمروا باتباعه في كتبهم قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد تقدم ذكرنا لقول الله عز وجل : عذابي أصيب به من أشاء ، ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ، والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (1) الآية ، وقال عز وجل : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (2) قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد علمت اليهود : أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي ، وأنه مرسل ، وأنه واجب عليهم اتباعه ، وترك دينهم لدينه ، وأوجب عليهم بيان نبوته لمن لا كتاب عنده من المشركين ، وكانوا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم يقاتلون العرب ، فكانت العرب تهزم اليهود ، فقالت اليهود بعضهم لبعض : تعالوا حتى نستفتح قتالنا للعرب بمحمد ، الذي نجده مكتوبا عندنا أنه يخرج نبيا من العرب ، وكانوا إذا التقوا قالوا : اللهم بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أنك تخرجه إلا نصرتنا عليهم ، فأجابهم الله عز وجل فنصر اليهود على العرب ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به حسدا منهم له على علم منهم أنه نبي حق ، لا شك فيه عندهم ، فلعنهم الله عز وجل ، فأنزل الله عز وجل : وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (3)

__________

(1) سورة : الأعراف آية رقم : 156

(2) سورة : الصف آية رقم : 6

(3) سورة : البقرة آية رقم : 89

966 - أنبأنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس قال : « كانت يهود خيبر تقاتل غطفان ، فكلما التقوا هزمت اليهود فعاد اليهود يوما في الدنيا ، فقالوا : اللهم نسألك بحق محمد النبي الأمي ، الذي وعدتنا أنك تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء ، فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، كفروا به ، فأنزل الله عز وجل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (1) »

__________

(1) سورة : البقرة آية رقم : 89

967 - وأنبأنا أبو عبيد الله علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام ، حدثنا وهب بن جرير قال : حدثني أبي قال : سمعت محمد بن إسحاق قال : حدثني صالح بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمود بن لبيد ، عن سلمة بن سلامة بن وقش قال : كان بين أبياتنا رجل يهودي ، فخرج علينا ذات غداة (1) ضحى ، حتى جلس إلى بني عبد الأشهل في ناديهم ، وأنا يومئذ غلام شاب ، على بردة لي ، مضطجع بفناء أهلي ، فأقبل اليهودي فذكر البعث والقيامة ، والجنة والنار ، وكان القوم أصحاب وثن (2) لا يرون حياة تكون بعد الموت ، فقالوا : ويحك يا فلان ، أترى هذا كائنا : أن الله عز وجل يبعث العباد بعد موتهم ، إذا صاروا ترابا وعظاما ؟ وأن غير هذه الدار يجزون فيها بحسن أعمالهم ، ثم يصيرون إلى جنة ونار ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده ، وايم الله لوددت أن حظي من تلك النار أن أنجو منها : أن يسجر لي تنور في داركم ، ثم أجعل فيه ، ثم يطبق علي ، قالوا له : وما علامة ذلك ؟ قال : نبي يبعث الآن قد أظلكم زمانه ويخرج من هذه البلاد وأشار إلى مكة ، قالوا : ومتى يكون ذلك الزمان ؟ قال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة : فما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن اليهودي لحي بين أظهرنا ، فآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدقناه ، وكفر به اليهودي وكذبه ، فكنا نقول له : ويلك يا فلان أين ما كنت تقول ؟ فيقول : إنه « ليس به ، بغيا وحسدا » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فأكثر اليهود كفروا ، والقليل منهم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل عبد الله بن سلام ، وبعده كعب الأحبار

__________

(1) الغداة : ما بين الفجر وطلوع الشمس

(2) الوَثَن : كلُّ ما لَه جُثَّة مَعْمولة من جَواهِر الأرض أو من الخَشَب والحِجارة، كصُورة الآدَميّ تُعْمَل وتُنْصَب فتُعْبَد. والصَّنَم : الصُّورة بِلا جُثَّة. ومنهم من لم يَفْرُق بَيْنَهما.

968 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال : حدثني أبي ، عن جدي ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن سعيد بن أبي هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن سلام ، أنه كان يقول : إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي ، سميته المتوكل ، ليس بفظ (1) ولا غليظ ولا سخاب (2) في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويتجاوز ، لن أقبضه حتى يقيم الله الألسنة المتعوجة ، بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، يفتح الله به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا قال عطاء بن يسار : وأخبرني أبو واقد الليثي : أنه سمع كعب الأحبار يقول : ما قال ابن سلام قال : محمد بن الحسين رحمه الله : وأما النصارى ، فقد أثنى الله عز وجل على من آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه مكتوب عندهم في الإنجيل ، فأثنى عليهم عز وجل بأحسن ما يكون من الثناء

__________

(1) الفَظ : سَيِّء الخُلُق

(2) السَّخَب والصَّخَب : الصِياح واختلاط الأصوات

969 - حدثنا أبو بكر عمر بن سعد القراطيسي قال : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال : حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : في قول الله عز وجل ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا : إنا نصارى (1) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بمكة ، يخاف على أصحابه من المشركين فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود ، وعثمان بن مظعون في رهط (2) من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة ، فلما بلغ ذلك المشركين ، بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم ، ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ، فقالوا له : إنه قد خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامها ، زعم أنه نبي ، وأنه بعث إليك رهطا ليفسدوا عليك قومك ، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم ، فقال : إن جاءوني نظرت فيما يقولون ، فقدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتوا إلى باب النجاشي فقالوا : استأذن لأولياء الله ، فقال : ائذن لهم ، فمرحبا بأولياء الله ، فلما دخلوا عليه سلموا ، فقال له الرهط من المشركين : ألا ترى أيها الملك أنا صدقناك ، وأنهم لم يحيوك بتحيتك التي تحيى بها ؟ فقال لهم : ما منعكم أن تحيوني بتحيتي ؟ فقالوا : حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة ، فقال لهم : ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه ؟ قالوا : يقول : هو عبد الله وكلمة من الله وروح منه ، ألقاها إلى مريم ، ويقول في مريم إنها العذراء الطيبة البتول (3) قال : فأخذ عودا من الأرض فقال : ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم فوق هذا العود فكره المشركون قوله ، وتغيرت له وجوههم ، فقال : هل تعرفون شيئا مما أنزل عليكم ؟ قالوا : نعم قال : اقرءوا ، فقرءوا وحوله القسيسون والرهبان كلما قرءوا انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق قال الله عز وجل ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ، وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون : ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته

__________

(1) سورة : المائدة آية رقم : 82

(2) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة

(3) البتول : أصل البتل القطع وسميت البتول قيل : لانقطاعها عن نساء زمانها فضْلا ودِينا وحَسَبا. وقيل : لانقطاعها عن الدُّنيَا إلى اللّه تعالى. وقيل : المُنْقَطِعة عن الرجال لا شهوةَ لها فيهم.

970 - وأنبأنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا عمرو بن حمران ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قول الله عز وجل : ولتجدن أقربهم (1) إلى قوله عز وجل : فاكتبنا مع الشاهدين (2) قال : أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام ، يؤمنون به ، وينتهون إليه ، فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم ، صدقوه وآمنوا به ، وعرفوا أن الذي جاء به الحق من الله عز وجل ، فأثنى الله عز وجل عليهم بما تسمعون

__________

(1) سورة : المائدة آية رقم : 82

(2) سورة : المائدة آية رقم : 83

971 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن شبيب البصري قال : حدثنا محمد بن عمر الجبيري من ولد جبير بن مطعم قال : حدثتني أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيها ، عن أبيه قال : سمعت جبير بن مطعم يقول : لما بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ، وظهر أمره بمكة خرجت إلى الشام ، فلما كنت ببصرى أتانا جماعة من النصارى فقالوا : أمن أهل الحرم أنت ؟ قلت : نعم ، قالوا : أتعرف هذا الرجل الذي تنبأ قبلكم ؟ قلت : نعم ، فأدخلوني ديرا لهم ، وفيه تماثيل وصور فقالوا : انظر ، هل ترى صورة هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فقلت : لا أرى صورته ، فأدخلوني ديرا لهم هو أعظم من ذلك الدير ، فقالوا : هل ترى صورته ؟ فرأيت ، فقلت : لا أخبركم حتى تخبروني ، فإذا أنا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته ، وصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : هل ترى صورته ؟ فقلت : نعم ، قلت : لا أخبركم حتى أعرف ما تقولون ، قالوا : أهو هذا ؟ قلت : نعم ، قالوا : أتعرف هذا الذي قد أخذ بعقبه ؟ قلت : نعم قالوا : نشهد أن هذا صاحبك وأن هذا الخليفة من بعده قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد ذكرت قصة هرقل ملك الروم ، ومساءلته لأبي سفيان رحمه الله ، عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلم أنه حق ، وقصة دحية الكلبي لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى قيصر صاحب الروم ، ثم أحضر له أسقف من عظماء النصارى ، فلما وصفه دحية : آمن به القس ، وعلم أنه النبي ، الذي يجدونه في الإنجيل ، فقتلته النصارى ، وعلم قيصر أنه النبي فجشعت نفسه من القتل ، فقال لدحية : أبلغ صاحبك أنه نبي ، ولكن لا أترك ملكي وقد ذكرت قصة سلمان الفارسي ، رحمه الله وخدمته للرهبان ، وقصة الراهب الذي عرفه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه يبعث من مكة وأمره أن يتبعه ، فكان كذلك ثم أسلم سلمان رحمه الله وقد ذكرت جميع ذلك في فضائله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرت تصديق الجن والشياطين ، وإخبارهم لأوليائهم من الإنس بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمن جماعة من العرب ، وهجروا الأصنام ، وحسن إسلامهم

باب ذكر كيف كان ينزل الوحي على الأنبياء وعلى محمد نبينا
صلى الله عليه وسلم ، وعليهم أجمعين

972 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن المثنى أبو موسى الزمن قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا عبد الله بن عمر النميري ، عن يونس بن يزيد الأيلي قال : سمعت الزهري وسئل عن هذه الآية عن قول الله عز وجل : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا ، فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم (1) قال : « نزلت هذه الآية تعم من أوحي إليه من النبيين ، والكلام كلام الله عز وجل الذي كلم به موسى ، من وراء حجاب والوحي : ما يوحي الله عز وجل إلى النبي من أنبيائه ، فيثبت الله عز وجل ما أراد من وحيه في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، يتكلم به النبي ويثبته ، وهو كلام الله عز وجل ووحيه ، ومنه ما يكون بين الله ورسوله ، لا يكلم به أحد من الأنبياء أحدا من الناس ، ولكنه سر غيب بين الله عز وجل وبين رسله ، ومنه ما تتكلم به الأنبياء ، ولا يكتبونه لأحد ، ولا يأمرون بكتابته ، ولكنهم يحدثون به الناس حديثا ويبينون لهم أن الله عز وجل أمرهم أن يبينوه للناس ويبلغوهم ، ومن الوحي ما يرسل الله تعالى من يشاء ممن اصطفاه من ملائكته ، فيكلمون أنبياءه من الناس ، ومن الوحي ما يرسل به من يشاء فيوحون به وحيا في قلوب من شاء من رسله ، وقد بين الله عز وجل أنه يرسل جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل في كتابه : قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (2) وذكر أنه الروح الأمين قال الله تعالى : وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين (3) قال محمد بن الحسين : هذا قول الزهري في معنى الآية ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أبين مما قاله الزهري قال صلى الله عليه وسلم : وقد سأله الحارث بن هشام ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : » أحيانا في مثل صلصلة الجرس ، فيفصم عني ، وقد فهمت ووعيت ما قال ، وأحيانا يأتيني في مثل صورة الرجل فيكلمني ، فأعي ما يقول « وعن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيه بهذا

__________

(1) سورة : الشورى آية رقم : 51

(2) سورة : البقرة آية رقم : 97

(3) سورة : الشعراء آية رقم : 192

973 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رحمها الله قالت : سأل الحارث بن هشام النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : « أحيانا في مثل صلصلة الجرس فيفصم (1) عني وقد فهمت ووعيت ما قال ، وأحيانا في مثل صورة الرجل ، فيكلمني فأعي (2) ما يقول »

__________

(1) يفصم : يقلع

(2) وعى : حفظ وفهم وأدرك وحوى

974 - حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك نبيا ، وكان منهم من ينفث في أذنه وقلبه فيكون بذلك نبيا ، وإن جبريل عليه السلام يأتيني فيكلمني كما يكلم أحدكم صاحبه »

975 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده على معرفة فرس قائما يكلم دحية الكلبي قالت : فقلت : يا رسول الله رأيتك واضعا يدك على معرفة فرس قائما تكلم دحية الكلبي قال : « وقد رأيتيه ؟ قلت : نعم قال : » فذلك جبريل عليه السلام ، وهو يقرئك السلام « ، فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، جزاه الله خيرا من صاحب ودخيل ، فنعم الصاحب ونعم الدخيل

976 - وحدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني عبد الله بن عمر ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : رأيت رجلا يوم الخندق على صورة دحية الكلبي على دابة ، يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه عمامة سوداء قد أسدلها خلفه ، فسألت رسول الله عليه وسلم فقال : « ذاك جبريل أمرني أن أخرج إلى بني قريظة »

977 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عباس العنبري قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عامر ، عن حارثة بن النعمان قال : مررت على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه رجل جالس يحدثه في المقام ، فسلمت عليه ثم جزت ، فلما رجعت انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هل رأيت الرجل الذي كان معي ؟ قلت : نعم يا رسول الله قال : « فإنه جبريل وقد رد عليك السلام »

978 - وحدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال : حدثنا عبيد الله يعني ابن عمرو ، عن إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله ، كلهم عن عائشة قصة حديث الإفك بطوله إلى قولها : فاضطجعت على فراشي ، والله يعلم أني بريئة ، والله يبرئني ببراءتي ، ولكن لم أكن أرجو أن ينزل الله عز وجل في شأني وحيا يتلى ، لشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يري الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في منامه رؤيا يبرئني الله عز وجل بها قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عز وجل فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (1) حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان (2) من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي ينزل عليه قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : « أما الله عز وجل فقد برأك » وذكر قصة نزول الآيات في الرد على أهل الإفك وذكر الحديث إلى آخره «

__________

(1) البرحاء : الشدة

(2) الجمان : اللؤلؤ ، والمراد العرق

باب ذكر ما ختم الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه
وسلم الأنبياء وجعله خاتم النبيين

979 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا إسماعيل ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأكمله ، إلا موضع لبنة (1) من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين »

__________

(1) اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار

980 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو مسعود أحمد بن أبي الفرات قال : أنبأنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل قصر أحسن بنيانه ، وترك منه موضع لبنة (1) ، فيطوف الناظرون ويعجبون من حسن بنائه ، إلا موضع اللبنة ، لا يعيبون غيرها ، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ، فتم البنيان ، وختم بي الرسل » وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب أن أبا سلمة أخبره أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « مثلي ومثل الأنبياء ، كمثل قصر . . . . . » وذكر الحديث نحوا منه

__________

(1) اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار

981 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثني ابن أبي الزناد ، ومالك بن أنس ، عن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مثلي ومثل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل ابتنى بنيانا فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة (1) من زواياه ، فجعل الناس يطيفون به ويتعجبون منه ويقولون : ما رأينا بنيانا أحسن من هذا إلا موضع هذه اللبنة ، فكنت أنا اللبنة »

__________

(1) اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار

982 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الله بن مطيع قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون »

983 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف الناجي التاجر قال : حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرجس قال : « رأيت الذي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه جمع قال سفيان : مثل المحجمة الضخمة يعني : الخاتم الذي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم »

984 - وحدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن بن أوس قال : سمعت السائب بن يزيد يقول : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن ابن أختي وجع ، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ، ثم توضأ فشربت من وضوئه ، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

باب ذكر ما استنقذ الله عز وجل الخلق بالنبي صلى الله
عليه وسلم وجعله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم

985 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال : حدثنا مسكين بن بكير ، عن المسعودي ، عن سعيد بن المرزبان وهو أبو سعد البقال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (1) قال : « من آمن بالله ورسوله ، تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ولا رسوله ، عوفي مما كان يصيب الأمم الماضية ، من العذاب في عاجل الدنيا »

__________

(1) سورة : الأنبياء آية رقم : 107

986 - وحدثنا أبو محمد بنان بن أحمد القطان قال : حدثنا داود بن رشيد قال : حدثنا إبراهيم بن بكر أبو إسحاق الشيباني قال : حدثني المسعودي ، عن سلمة بن كهيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (1) قال : « من آمن به وصدقه تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن به ولم يصدقه لم يصبه ما أصاب الأمم من الخسف (2) والقذف (3) والمسخ »

__________

(1) سورة : الأنبياء آية رقم : 107

(2) الخسف : ذهاب الشيء في الأرض والغور به فيها

(3) القذف : الرمي والمراد أن تمطر السماء حجارة

987 - وحدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال : حدثنا مؤمل بن إهاب قال : حدثنا مالك بن سعير قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما أنا رحمة مهداة »

988 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت جعل الذباب وربما قال الذباب والبعوض يتقحمون فيها ، فأنا آخذ بحجزكم (1) عن النار وأنتم تقتحمون فيها »

__________

(1) الحجزة : مكان عقد الإزار والسراويل

989 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن عيسى قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال : « لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذا عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت ، فإذا فيها جبريل عليه السلام ، فناداني ، فقال : إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر فيهم بما شئت ، فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك بما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (1) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله وحده ، لا يشرك به شيئا « قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد قال الله عز وجل وهو الذي كف أيديهم عنكم ، وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم (2) وفي هذه الآية تفضل النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة من أهل مكة ، ظفر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد أن كانوا قد مكروا به ، فلم يبلغهم الله عز وجل ما أرادوا من المكر ، فظفر بهم ، فعفا عنهم رأفة منه ورحمة بهم

__________

(1) الأخشبان : الجبلان المُطِيفان بمكة ، وهما أبو قُبَيْس والأحمر ، سُمِّيا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما

(2) سورة : الفتح آية رقم : 24

990 - وأنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال : حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال : حدثني علي بن الحسين بن واقد قال : حدثني أبي قال : حدثني ثابت قال : حدثني عبد الله بن مغفل المزني قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله عز وجل في القرآن ، وكأني بغصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفعته عن ظهره ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وسهيل بن عمرو جالسان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : « اكتب بسم الله الرحمن الرحيم » فأخذ سهيل بن عمرو بيده وقال : ما نعرف الرحمن الرحيم ، اكتب في قضيتنا ما نعرف ، فقال : « اكتب باسمك اللهم ، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة ، فأمسك سهيل بيده وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله ، اكتب في قضيتك ما نعرف قال : » اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وأنا رسول الله « ، فبينما نحن كذلك ، إذا خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح ، فثاروا في وجوهنا ، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذهم الله تعالى بأبصارهم ، فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : » هل جئتم في عهد أحد ؟ وهل جعل لكم أحد أمانا ؟ فقالوا : اللهم لا ، فخلى سبيلهم ، فأنزل الله عز وجل وهو الذي كف أيديهم عنكم ، وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ، وكان الله بما تعملون بصيرا (1)

__________

(1) سورة : الفتح آية رقم : 24

991 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا هارون بن موسى الفروي قال : حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : قال سهل بن سعد الساعدي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم اغفر لقومي ، فإنهم لايعلمون » يعني يوم أحد

باب ما روي أن نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء
تبعا يوم القيامة

992 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال : حدثنا المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر عنده الأنبياء فقال : « أنا أكثر الأنبياء يوم القيامة تبعا ، إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة وما معه مصدق غير رجل واحد »

993 - وحدثنا موسى بن هارون أيضا قال : حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثني القاسم بن مالك المزني ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ، إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة وما معه مصدق غير واحد » وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن المختار بن فلفل وذكر الحديث نحوه

994 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن عطية ، عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إنى أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة »

995 - وحدثنا أبو القاسم أيضا قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل الليل والسيل ، يحطم الناس حطمة واحدة ، تقول الملائكة : لما جاء مع محمد من أمته أكثر مما جاء مع سائر الأنبياء »

باب ذكر عدد أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم التي
خصه الله عز وجل بها

996 - حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال : حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا محمد وأنا أحمد ، وأنا نبي الرحمة ، وأنا نبي الملاحم ، وأنا المقفى »

997 - وحدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي قال : سمعت أبا بكر بن عياش يحدث عن عاصم ، عن زر ، عن حذيفة قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، في سكك المدينة فسمعته يقول : « أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا نبي الرحمة ، وأنا نبي التوبة ، وأنا نبي الملحمة ، وأنا المقفى ، وأنا الحاشر »

998 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب ، وخشيش بن أصرم قالا : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله عز وجل بي الكفر ، وأنا الحاشر ، الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب » وحدثنا معمر ، قلت للزهري : فما العاقب ؟ قال : الذي ليس بعده نبي

999 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا ابن المقرئ قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الحاشر : الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا الماحي : الذي محي بي الكفر ، وأنا العاقب : الذي ليس بعده نبي »

1000 - حدثنا ابن أبي داود أبو بكر قال : حدثنا يعقوب بن سفيان قال : حدثنا آدم ، وأبو صالح ، وابن بكير قالوا : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عتبة بن مسلم ، عن نافع بن جبير بن مطعم أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك : أتحصي أسماء رسول الله التي كان جبير بن مطعم يعدها ؟ وقال نافع : هي ست : « محمد ، وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماح ، فأما حاشر : فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد ، وأما العاقب : فإنه عقب الأنبياء ، وأما ماح : فإن الله عز وجل محا به السيئات : سيئات من اتبعه »

1001 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الله بن عمر الكوفي قال : حدثنا أبو يحيى التيمي قال : حدثنا سيف بن وهب ، عن أبي الطفيل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لي عند ربي عز وجل عشرة أسماء » قال : أبو الطفيل : قد حفظت منها ثمانية : محمد ، وأحمد ، وأبو القاسم ، والفاتح ، والخاتم ، والماحي ، والعاقب ، والحاشر قال أبو يحيى التيمي : وزعم سيف أن أبا جعفر قال له : إن الاسمين الباقيين : طه ، وياسين «

باب صفة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخلاقه الحميدة الجميلة التي خصه الله تعالى بها

1002 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا نصر بن علي قال : أنبأنا نوح بن قيس الحداني قال : حدثنا خالد بن خالد ، عن يوسف بن مازن ، أن رجلا سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم ، صفه لنا قال : « كان ليس بالذاهب طولا ، وفوق الربعة (1) ، إذا جاء مع القوم غمرهم (2) ، أبيض شديد الوضح ، ضخم الهامة ، أغر أبلج ، أهدب الأشفار شثن (3) الكفين والقدمين ، وإذا مشى يتقلع (4) كأنما ينحدر في صبب (5) ، كأن العرق في وجهه اللؤلؤ ، لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم »

__________

(1) الربعة : ليس بالطويل ولا بالقصير

(2) غمرهم : علاهم ، أي : كان فوق كل من معه

(3) الشثن : الغليظ الخشن

(4) التقلع : القوة في المشي مع تتابع الخطى

(5) الصبب : المنحدر من الأرض

1003 - وحدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، عن عبد الملك بن عمير ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن علي رضي الله عنه أنه وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كان عظيم الهامة أبيض مشربا حمرة ، عظيم اللحية ، ضخم الكراديس (1) ، شثن (2) الكفين ، طويل المسربة (3) ، كثير شعر الرأس رجله ، يتكفأ (4) في مشيته كأنما ينحدر في صبب ، لا طويل ولا قصير ، لم أر مثله قبله ولا بعده صلى الله عليه وسلم

__________

(1) الكراديس : جمع كردوس ، وهي رءوس العظام

(2) الشثن : الغليظ الخشن

(3) المسربة : شعر دقيق من الصدر إلى السرة

(4) تكفأ : مال صدره إلى الأمام

1004 - وحدثنا قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا يعقوب الدورقي ، وسلم بن جنادة قالا : حدثنا وكيع بن الجراح ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق قال : قال البراء بن عازب : « ما رأيت من ذي لمة أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في حلة (1) حمراء ، له شعر يضرب منكبيه ، بعيد ما بين المنكبين ، ليس بالقصير ولا بالطويل صلى الله عليه وسلم »

__________

(1) الحُلَّة : ثوبَان من جنس واحد

1005 - حدثني أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : المعتمر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس بن مالك قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس قواما ، وأحسن الناس وجها ، وأحسن الناس لونا ، وأطيب الناس ريحا ، وألين الناس كفا ، ما شممت رائحة قط مسكة ولا عنبرة أطيب منه ، ولا مسست خزة (1) ولا حريرة ، ألين من كفه ، وكان ربعة ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، ولا الجعد (2) ولا السبط (3) ، إذا مشى أظنه قال : يتكفأ (4) صلى الله عليه وسلم »

__________

(1) الخز : ثياب تنسج من صوف وحرير

(2) الجَعْد : في صِفات الرجال يكون مَدْحا وَذَمّا : فالمدْح مَعْناه أن يكون شَدِيد الأسْرِ والخَلْق، أو يكون جَعْدَ الشَّعَر أي خشنه، وأما الذَّم فهو القَصير المُتَردّد الخَلْق. وقد يُطْلق على البخِيل أيضا

(3) الشعر السبط : المنبسط المسترسل

(4) تكفأ : مال صدره إلى الأمام

1006 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد التاجر قال : حدثنا مكرم بن محرز بن المهدي نسبته إلى الأزد ويكنى مكرم : بأبي القاسم ، حدثنا بهذا الحديث في سوق قديد قال مكرم : حدثني أبي ، عن حزام بن هشام بن حبيش صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتيل البطحاء يوم الفتح ، حزام المحدث ، عن حبيش بن خالد وهو أخو عاتكة بنت خالد التي كنيتها أم معبد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين أخرج من مكة : خرج منها مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر رضي الله عنه ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ، ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط ، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية ، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وكان القوم مرملين مسنتين ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة في كسر الخيمة ، فقال : « ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم قال : » هل بها من لبن ؟ قالت : هي أجهد من ذلك قال : أتأذنين لي أن أحلبها ؟ قالت : بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها لبنا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمسح بيده ضرعها ، وسمى الله عز وجل ودعا لها في شاتها ، فتفاجت عليه ، ودرت ، واجترت ، ودعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ، ثم سقاها حتى رويت ، وسقى أصحابه ، حتى رووا ، ثم شرب آخرهم صلى الله عليه وسلم ، ثم أراضوا ، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء ، حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ، تابعها وارتحلوا عنها ، فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد ، يسوق أعنزا عجافا يتشاركن هزلى مخهن قليل ، فلما رأى أبو معبد ، اللبن عجب ، وقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد ، والشاء عازب حيال ولا حلوب في البيت ؟ قالت : لا والله ، إلا أنه مر بنا رجل مبارك ، من حاله كذا وكذا قال : صفيه لي يا أم معبد قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج (1) الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه نحلة ، ولم يزره صقلة ، وسيما قسيما ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره غطف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس من بعيد ، وأحلاه وأحسنه من قريب ، حلو المنطق ، فصل ، لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات (2) نظم ينحدرن ، ربعة ، لا بايس من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفونه ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا معتد قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ، ولقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا فأصبح صوت بمكة عاليا ، يسمعون ولا يدرون من صاحبه ؟ وهو يقول : جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى ، فاهتدت به فقد فاز من أمسى رفيق محمد صلى الله عليه وسلم فيا لقصي ، ما زوى الله عنكم به من فعال لا يجازى وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت عليها صريحا ضرة الشاة مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب يرددها في مصدر ثم مورد قال : فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه شاعر النبي صلى الله عليه وسلم ، بهتف الهاتف ، شبب بجواب الهاتف ، وهو يقول : لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم وقدس من يسري إليهم ويعتد ترحل عن قوم ، فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد هداهم به بعد الضلالة ربهم وأرشدهم ، من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عمايتهم هاد به كل مهتدي وقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى ، حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مسجد وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته ، من يسعد الله يسعد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد قال مكرم : معنى قولها : يربض الرهط : يرويهم ، والعازب : الغائب عن أهله ، والحيال : التي قد مر لها حول وليس بها لبن ولم يقربها فحل ، وقوله : ثم أراضوا : أراحوا ، والصقل : هو اللون الحسن ، والوسيم الصبيح ، والقسيم النصف ، الصحل : صحة الصوت وصلابته ، والسطع : طول العنق ، والكثاثة : الغلظ ، أزج : طويل الحاجبين ، والأقرن : المستجمع شعر الحاجبين ، والنزر : القليل ، والهذر : الذي يهذر بالكلام كثرة

__________

(1) أبلج الوجه : مشرق الوجه مضيئه

(2) الخرز : حبات تنظم في عقد تضعه المرأة في رقبتها لتتزين به

1007 - وحدثنا أبو أحمد أيضا قال : حدثنا مكرم قال : حدثني يحيى بن قرة الخزاعي ثم الكعبي قال يحيى : لما أن هتف الهاتف بمكة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يبق بيت من بيوت المشركين ، إلا انتبه بهتف الهاتف واستيقظوا ، فلما أن أصبحوا اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعضهم : سمعتم ما كان البارحة ؟ قالوا : نعم ، سمعنا ، قالوا : قد بان لكم مخرج صاحبكم على طريق الشام من حيث تأتيكم الميرة على خيمتي أم معبد ، بقديد واطلبوه ، فردوه من قبل أن يستعين عليكم بكلبان العرب ، فجمعوا سرية من خيل ضخمة ، فخرجت في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلوا بأم معبد ، وقد أسلمت وحسن إسلامها فسألوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشفقت عليه منهم وتعاجمت وقالت : إنكم لتسألون عن أمر ما سمعت به قبل عامي هذا ، وهي صادقة لم تسمعه إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تخبروني أن رجلا يخبركم بما في السماء ؟ إنى لأستوحش منكم ، ولإن لم تنصرفوا عني لأصيحن في قومي عليكم ، فانصرفوا ، ولم يعلموا أين رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه ، ولو قضى الله الكريم : أن يسألوا الشاة من حلبك ؟ لقالت : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنها جعلت شاهدة ، فعمى الله الكريم عليهم مساءلة الشاة ، وسألوا أم معبد ، فكتمتهم قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد حدثنا بهذا الحديث ابن صاعد في كتاب دلائل النبوة ، عن مكرم وغيره ، من طرف مختصر في باب دلائل النبوة قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد تكلم أبو عبيد ، وغيره في غريب حديث أم معبد ، فأنا أذكره فإنه حسن يزيد الناظر فيه علما ومعرفة قوله في أول الحديث : وكان القوم مرملين مشتين يعني مرملين : قد نفد زادهم وقوله مشتين : يعني دائبين في الشتاء وهو الوقت الذي يكون فيه الجدب وضيق الأمر على الأعراب وقوله في الشاة : فتفاجت عليه : يعني فتحت ما بين رجليها للحلب ، وقوله : دعا بإناء يربض الرهط : أي يرويهم ، حتى يثقلوا فيربضوا والرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقوله : فحلب فيه ثجا : الثج : السيلان قال الله عز وجل : وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (1) أي سيالا وقوله : حتى علاه البهاء : تريد علا الإناء بهاء اللبن ، وهو وبيص رغوته : تريد أنه ملأه ، وقوله : فسقى أصحابه حتى أراضوا : يعني حتى رووا ، حتى تقعوا بالري ، وقوله في الأعنز : يتشاركن هزلا : يعني قد عمهن الهزال فليس فيهن منفعة ولا ذات طرق وهو من الاشتراك يعني أنهن اشتركن : فصار لكل واحدة منهن حظ ، وقوله : والشاء عازب : أي بعيد في المرعى ، يقال عزب عنا : إذا بعد ويقال للشىء إذا انفرد : عزب ، ثم وصفت النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها أبي معبد قال : صفيه لي ، فقالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه نحلة ولم تزريه صقلة ، وسيما قسيما ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره غطف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأحلاه من قريب ، حلو المنطق ، لا نزر ولا هذر ، كأنما منطقه خرزات نظم ينحدرن ، ربعة ، لا بايس من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفونه ، إن قال أنصتوا ، وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود ، لا عابس ، ولا معتد . قولها : أبلج الوجه : تريد مشرق الوجه ، وقولها : لم تعبه نحلة : والنحلة : الدقة ، وقولها : لم تزريه صقلة ، والصقل : أي ولا تأخذ الخاصرة ، وقولها : وسيم الحسن الوضيء : يقال : وسيم بين الوسامة وعليه ميسم الحسن ، والقسيم : الحسن ، والقسامة : الحسن ، والدعج : السواد في العين ، وقولها : وفي أشفاره عطف بالعين عندهم أشبه وهو أن تطول الأشفار ثم تنعطف إذا كان بالغين كأنه يقال : غطف ومن قال : بالعين قال : هو في الأذن وهو أن يدبر إلى الرأس وينكسر طرفها ، وقولها : وفي صوته صحل : تريد في صوته كالبحة وهو أن لا يكون حادا وروي عن ابن عمر أنه كان يرفع صوته بالتلبية حتى يصحل صوته بالتلبية يعني بح صوته ، قال الشاعر : وقد صحلت من النوح الحلوق قولها : في عنقه سطع : أي طول : يقال : في الفرس عنق سطعاء إذا طالت عنقها وانتصبت وقولها : أقرن : يعني أزج الحواجب ، والزجج طول الحاجبين ودقتهما ، والقرن : أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما ويقال : الأبلج هو أن ينقطع الحاجبان فيكون بينهما نقيا ، وقولها إذا تكلم سما : تريد علا برأسه أو يده ، وقولها في وصف منطقه : فصل ، لا نزر ولا هذر : أي إنه وسط ، ليس بقليل ولا كثير ، وقولها : معتدل القامة : كأنها تقول : معتدل القامة كما روى أنس بن مالك ، ليس بالقصير ، ولا بالطويل ، قولها : ولا تقتحمه عين من قصر : أي لا تحتقره ولا تزدريه ، قولها : محفود : أي مخدود ، يقال : الحفدة : الأعوان يخدمونه ، قولها : محشود : هو من قولك : حشدت لفلان في كذا ، إذا أردت أنك اعتددت له ، وصنعت له ، وقولها : لا عابس : يعني : لا عابس الوجه من العبوس ، ولا معتد : يعني بالمعتدي الظالم ، ليس بظالم صلى الله عليه وسلم

__________

(1) سورة : النبأ آية رقم : 14

1008 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح أبو محمد قال : حدثنا جميع بن عمير بن عبد الرحمن أبو جعفر العجلي ، أملاه علينا من كتابه قال : حدثني : رجل من بني تميم ، من ولد أبي هالة زوج أخت خديجة يكنى أبا عبد الله عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا عن حلية صلى الله عليه وسلم ، وأنا اشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، « فخما فخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه ، إذا هو وفرة ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب ، سوابغ في غير قرن بينهم ، عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية ، سهل الخدين ، ضليع الفم ، أشنب مفلج الأسنان ، دقيق المسربة (1) ، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا متماسكا ، سواء البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس (2) ، أنور المتجرد ، موصول ما بين اللبة (3) والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين ، والمنكبين وأعالي الصدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، شثن (4) الكفين والقدمين ، سائر أو سائل يعني الأطراف سفيان بن وكيع ، يشك خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ، إذا زال قلعا ، يخطو تكفؤا (5) ويمشي هونا إذا مشى كأنما ينحط من صبب (6) وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ، يبدر من لقي بالسلام » قال : قلت : صف لي منطقه ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، « متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، ليست له راحة ، طويل السكت ، لا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلم ، فضول ، لا فصول ولا تقصير ، دمث ، ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة ، وإن دقت ، لايذم منها شيئا ، غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه ، لا تغضبه الدنيا ، ولا ما كان لها ، فإذا تعدي الحق ، لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء ، حتى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها يضرب براحته اليمنى باطن كفه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض ، جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام صلى الله عليه وسلم » ، قال الحسن بن علي رضي الله عنهما : فكتمتها الحسين زمانا ، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه ، فسأله عما سألته عنه ، ووجدته قد سأل أباه رضي الله عنه ، عن مدخله ومخرجه وشكله ، فلم يدع منه شيئا قال الحسين رضي الله عنه : فسألت أبي عن دخول رسول الله صلى عليه وسلم ؟ فقال : « كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزءا لله عز وجل وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئا ، وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة كذا من مسألته عنهم وإيثاره بالذي ينبغي لهم ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة ، يعني على الخير » ، قال : وسألته عن مخرجه ، كيف كان يصنع فيه ؟ فقال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخزن لسانه إلا مما يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ، ولا خلقه ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده نصيحة وأعظمهم عنده منزلة وأحسنهم مواساة ومؤازرة » ، قال : وسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه ؟ قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر ، ولا يوطن (7) الأماكن ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ، يعطي كل جلسائه بنصيب ، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطه وخلقه ، فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ، ولا تثنى فلتاته ، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى متواضعين ، يوقرون الكبير ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب » ، قال : وسألته عن سيرته في جلسائه ؟ فقال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دائم البشر ، سهل الخلق لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب (8) ، ولا عياب ، ولا مداح يتغافل عن ما لا يشتهى فلا يؤس منه ولا يخيب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولايعيره ، ولا يطلب عورته ، لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، إذا تكلم أطرق (9) جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ، حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم ويقول : » إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه « ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجول ، فيقطعه بنهي أو قيام » ، وسألته كيف كان سكوت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكير ، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأما تفكره ففيما يفنى ويبقى ، وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه أحد ، جمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته ، والقيام فيها ، وجمع لهم الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم ، تسليما كثيرا « قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد ذكرت من صفة خلق رسول الله صلىالله عليه وسلم ، وحسن صورته التي أكرمه الله عز وجل بها وصفة أخلاقه الشريفة التي خصه الله الكريم بها ما فيه كفاية لمن تعلق من أمته بطرف منها ، ونسأل الله مولانا الكريم المعونة على الاقتداء بشرائع نبيه ، ولن يستطيع أحد من الناس أن يتخلق بأخلاقه إلا من اختصه الله الكريم ممن أحب من أهله وولده وصحابته ، وإلا فمن دونهم يعجز عن ذلك ، ولكن من كانت نيته ومراده في طلب التعلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجوت له من الله الكريم أن يثيبه على قدر نيته ومراده وإن ضعف عنها عمله ، كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه وصف المؤمن بأخلاق كريمة شريفة ، فقال فيما وصفه به : إن سكت تفكر ، وإن تكلم ذكر ، وإذا نظر اعتبر ، وإذا استغنى شكر ، وإذا ابتلي صبر ، نيته تبلغ ، وقوته تضعف ، ينوي كثيرا من العمل ، يعمل بطاقته منه قال محمد بن الحسين رحمه الله : ألم تسمعوا رحمكم الله إلى قول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنك لعلى خلق عظيم (10) يقال : على أدب القرآن ، فمن كان الله عز وجل متوليه بالأخلاق الشريفة ، فليس بعده ولا قبله مثله في شرف الأخلاق

__________

(1) المسربة : شعر دقيق من الصدر إلى السرة

(2) الكراديس : جمع كردوس ، وهي رءوس العظام

(3) اللبة : موضع الذبح واللهزمة التي فوق الصدر

(4) الشثن : الغليظ الخشن

(5) تكفأ : مال صدره إلى الأمام

(6) الصبب : المنحدر من الأرض

(7) يوطن : يعتاد ويألف موضعا واحدا

(8) السَّخَب والصَّخَب : الصِياح واختلاط الأصوات

(9) أطرق : أمال رأسه إلى صدره وسكت فلم يتكلم

(10) سورة : القلم آية رقم : 4

أقسام الكتاب

1 2 3 4 5 6