كتاب : جمهرة أشعار العرب
المؤلف : أبو زيد القرشي

وَإنّي لَبَاكِيهِ، وإنّي لَصَادِقٌ ... عَلَيْهِ، وَبَعْضُ القَائِلِينَ كَذُوبُ
فَتَى الحَربِ إنْ جَارَتْ تَرَاهُ سِمَامَهاوَفي السِّلْمِ مفْضَالُ اليَدَيْنِ وَهُوبُ
وَحَدَّثْتُمَاني إنَّمَا المَوْتُ في القُرَى، ... فَكَيْفَ؟ وَهذَا رَوْضَةٌ وَقَلَيْبُ
وَمَاءُ سَماءٍ، كَانَ غَيْرَ مَحَمَّةٍ ... بِدَاوِيّةٍ تَجْرِي عَلَيْهِ جَنُوبُ
وَمَنْزِلِهِ في دَارِ صِدْقٍ وَغِبْطَةٍ، ... وَمَا اقْتَالَ مِنْ حكمٍ عَلَيْهِ طَبِيبُ
فَلَوْ كَانَتِ الدّنْيا تُبَاعُ اشْتَرَيْتُهُ،بِمَا لَمْ تَكُنْ عَنْهُ النّفوسُ تَطِيبُ
بِعَيْنّي أَوْ يُمَنَى يَدَيّ، وقيلَ لي: ... هُوَ الغَانِمُ الجَذْلاَنُ يَوْمَ يَؤُوبُ
لَعَمْرُكُمَا إنَّ البَعِيدَ لَمَا مَضَى، ... وإنّ الذي يَأْتي غَداً لَقَرِيبُ
وَإنّي وَتَأْمِيلي لِقَاءَ مُؤمَّلٍ، ... وَقَدْ شَعَبَتْهُ عن لِقَايَ شَعُوبُ
كَدَاِعي هُذَيلٍ لا يَزَالُ مُكَلَّفاً، ... وَلَيْسَ لَهُ، حتى المَمَاتِ، مُجيبُ
سَقَى كلَّ ذِكرٍ جَاءَنَا مِنْ مُؤمَّلٍ، ... على النّأيِ، زَحّافُ السّحَابِ سَكُوبُ

أعشى باهلة البسيط
يرثي بهذه القصيدة أخاً له يقال له المنتشر، قتله بنو الحرث بن كعب:
إنّي أَتَتني لِسانٌ مَا أُسَرُّ بها، ... من عُلوَ لا عَجَبق فِيهَا ولا سَخَرُ
جَاءَتْ مُرَجِّمَةً قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُها، ... لو كانَ يَنْفَعُني الإِشْفَاقُ والحَذَرُ
تَأْتِي على النّاسِ لا تُلوي على أَحَدٍ، ... حتى أَتَتْنَا، وَكَانَتْ دُونَنَا مُضَرُ
إذا يُعَادُ لها ذِكْرٌ أُكَذِّبُهُ، ... حتى أتَتْني بِهَا الأنْبَاءُ وَالخَبَرُ
فَبِتُّ مُكْتَئِباً حَيْرَانَ أَنْدُبُهُ، ... وَلَسْتُ أَدْفَعُ ما يَأْتِي بِهِ القدَرُ
فَجَاشَتِ النّفْسُ لَمّا جَاءَ جَمْعُهُمُ، ... وَرَاكبٌ جَاءَ مِنْ تَثْلِيثَ، مُعْتَمِرُ
إنَّ الذي جِئْتَ، مْنْ تَثْلِيثَ، تَنْدُبُهُمِنْهُ السّمَاحُ وَمِنْهُ الجودُ وَالغِيَرُ
تَنَعَى امرأً لاَ تَغُبَّ الحيَّ جَفْنَتُهُ، ... إذا الكَوَاكِبُ خَوّى نَوْأَها المَطَرُ
وَرَاحَتِ الشَّوْلُ مُغْبَرّاً مَنَاكِبُها،شُعْثاً تَغَيّرَ مِنْهَا النَّيُّ وَالوَبَرُ
وَأَجْحَرَ الكَلْبَ مُبْيَضُّ الصَّقِيعِ بِهِ، ... وَضَمّت الحيَّ مِنْ صُرّادِهِ الحُجَرُ
عَلَيْهِ أَوّلُ زَادِ القَوْمِ، قَدْ عَلِموا،ثُمَّ المَطيَّ، إذا ما أَرْمَلوا، جَزَرُوا
لا تَأْمَنُ البازلُ الكوماءُ ضَرْبَتَهُ ... بِالمَشْرَفيّ، إذا ما اخْرَوّطَ السّفَرُ
قَدْ تَكْظِمُ البُزْلُ مِنْهُ حِينَ يَفْجؤها ... حَتّى تَقَطَّعَ في أَعْنَاقِها الجِرَرُ
أَخُو رَغَائِبَ يُعْطِيهَا وَيَسْأَلُها،يَخْشَى الظُّلامَةَ مِنْهُ النَّوْفَلُ الزَّفَرُ
مَنْ لَيْسَ في خَيْرِهِ مَنٌّ يُكَدّرُهُ ... عَلَى الصَّدِيقِ، وَلاَ في صَفْوِهِ كَدَرُ
يَمْشي بِبَيْدَاءَ لا يَمْشي بِهَا أَحَدٌ، ... وَلاَ يُحَسُّ، خَلاَ الخافي بِهَا أَثَرُ
كَأَنّهُ، بَعْدَ صِدْقِ القَوْمِ أَنْفُسَهم،بِالبأسِ يَلْمَعُ، مِنْ أَقْدَامِهِ، الشّرَرُ
وَلَيْسَ فِيهِ إذا اسْتَنْظَرْتَهُ عَجَلٌ؛ ... وَلَيْسَ فيهِ إذا ياسَرْتَهُ عُسُرُ
إمّا يُصِبْهُ عَدوٌّ في مُنَاوَأةٍ ... يَوْماً، فَقَدْ كَانَ يَسْتَعلي، وَيَنْتَصِرُ
أَخُو حُروبٍ، وَمِكْسَابٌ، إذا عَدَمُوا، ... وفي المَخَافَةِ مِنْهُ الجِدُّ والحَذَرُ
مِردَى حُروبٍ، شِهابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ، ... كَمَا أَضَاءَ سَوَادَ الصَّخْيَةِ القَمَرُ
مُهَفْهَفٌ، أَهْضَمُ الكَشْحَينِ، مُنْخَرِقٌعَنْهُ القَمِيصُ، لِسَيْرِ اللّيْلِ مُحْتَقِرُ

ضَخْمُ الدّسِيعَةِ، متلافٌ، أَخُو ثِقةٍ، ... حَامِي الحَقِيقةِ، مِنْهُ الجُودُ والفَخَرُ
طاوي المَصِيرِ على العَزّاءِ مُنْجَرِدٌ ... بِالقَوْمِ لَيْلَةَ لا ماءٌ ولا شَجَرُ
لاَ يَتَأرّى لِمَأ في القِدْرِ يَرْقبُهُ، ... ولا يَعَضّ على شُرسُوفِهِ الصَّفَرُ
تَكْفِيهِ فِلْذَةُ لَحْمٍ إنْ أَلمّ بِهَا ... مِنَ الشِّواءِ، وَيَروي شُرْبَهُ الغَمَرُ
لاَ يَأْمَن النّاسُ مُمْسَاهُ وَمُصْبَحَهُ، ... في كلّ فَجٍ، وإنْ لَمْ يَغزُ يُنْتَظَرُ
المُعَجّلُ القَوْمِ أَنْ تَغلي مَرَاجِلُهُمْقَبْلَ الصَّبَاحِ، وَلَمّا يُمْسَحِ البَصَرُ
لاَ يَغْمِزُ السّاقَ مِنْ أَيْنٍ ولا نَصَبٍ،وَلاَ يَزَالُ أَمَامَ القَوْمِ يَغْتَفِرُ
عِشْنَا بِهِ بُرْهَةً دَهْراً، فَوَدّعَنا،كَذَلِكَ الرِّمْحُ ذُو النّصْلَيْنِ يَنْكَسِرُ
فَنِعْمَ مَا أَنْتَ عِنْدَ الخَيْرِ تَسْأَلُهُ،وَنِعْمَ مَا أَنْتَ عِنْدَ البأسِ تَحْتَضِرُ
أَصَبْتَ في حُرُمٍ مِنّا أَخَأ ثِقَةٍ،هِنْدَ بْنَ سَلْمَى، فَلاَ يَهْنَا لَكَ الظَّفَرُ
فإنْ جَزَعْنَا، فإنّ الشّرّ أَجْزَعَنَا؛ ... وَإنْ صَبَرْنَا، فَإنَّا مَعْشَرٌ صُبُرُ
لَوْ لَمْ يخُنْهُ نَفِيلٌ لاسْتَمَرّ بِهِ ... وِردٌ يُلِمَ بِهَذَا النّاسِ، أَوْ صَدَرُ
إنْ تَقْتُلُوهُ، فَقَدْ تُسْبَى نِسَاؤُكُمُوَقَدْ تَكُونُ لَهُ المُعْلاَةُ، وَالخَطَرُ
فإنْ سَلَكْتَ سَبيلاً كُنْتَ سَالِكَها،فَاذْهَبْ، فَلاَ يُبْعِدَنْكَ اللَّهُ مُنْتَشِرُ

علقمة ذو جدن الحميري السريع
لِكُلّ جَنْبٍ، اجْتَنَى، مُضْطَجَعْ، ... وَالمَوْتُ لاَ يَنْفَعُ مِنْهُ الجَزَعْ
وَالنّفْسُ لاَ يُحْزِنْكَ إتْلاَفُها، ... لَيْسَ لَهَا مِنْ يَوْمِهَا مُرْتَجَعْ
وَالمَوتُ مَا لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ، ... إذا حَمِيمٌ عَنْ حَمِيمٍ دَفَعْ
لو كان شيءٌ مُفلِتاً حَينَهُ، ... أَفْلَتَ مِنْهُ في الجِبِالِ الصَّدَعْ
أَوْ مَالِكُ الأقْوَالِ ذُو فَائِشٍ، ... كَانَ مَهيباً جَائِزاً ما صَنَعْ
أَوْ تُبّعٌ أَسْعَدُ في مُلْكِهِ، ... لا يَتْبَعُ العالَمَ بَلْ يُتّبَعْ
وَقَبْلَهُ يَهْتَزّ ذُو مَأْوَرٍ، ... طَارَتْ بِهِ الأيّامُ حَتّى وَقَعْ
وَذُو جَليلٍ كَانَ في قَوْمِهِ ... يَبْني بناءَ الحَازِمِ المُضطَلِعْ
مَا مِثْلُهُمْ في حِمْيَرٍ لم يَكُنْ ... كَمِثْلِهِم والٍ، ولا مُتّبَعْ
فَسَلْ جَميعَ النّاسِ عَنْ حِمْيَرٍ ... مَنْ أَبْصَرَ الأقْوَالَ أَوْ مَنْ سَمَعْ
يُخْبِرْكَ ذو العِلْم بِأَنْ لَمْ يَزَلْ ... لَهُمْ مِنَ الأيّامِ يَوْمٌ شَنَعْ
لَهُمْ سَماءٌ، وَلَهُمْ أَرْضُهُ، ... مَن ذا يُعالي ذا الجَلالِ اتّضَعْ
أليِوْمَ يُجْزَونَ بِأَعْمَالِهِمْ، ... كلُّ امرىءٍ يَحْصُدُ ما قد زَرَعْ
صَارُوا إلى اللَّهِ بِأَعْمَالِهِمْ، ... يُجْزيءُ مَنْ خَانَ وَمَنِ ارْتَدَعْ
أَوْ مِثْلُ صَرواحٍ وما دونَها، ... مِمّا بَنَتْ بِلقيسُ أو ذو تَبَعْ
فَكَيْفَ لا أَبْكِيهِمُ دَائِباً، ... وَكَيْفَ لاَ يُذْهِبُ نَفْسي الهَلَعْ
مِنْ نَكْبَةٍ حَلّ بنا فَقْدُهَا، ... جَرعنا ذاتَ المَوْتِ مِنْهَا جَرَعْ
إذا ذَكَرْنَا مَنْ مَضىَ قَبْلَنَا ... من مَلِكٍ نَرْفَعُ ما قد َفَعْ
فَانْقَرَضَتْ أَملاَكُنَا كُلّهُمْ، ... وَزَايَلُوا مُلْكَهُمْ فَانْقَطَعْ
بَنَوا لِمَنْ خُلِّفَ، من بَعْدِهِمْ ... مَجْداً، لَعَمْرُ اللَّهِ، مَا يُقْتَلَعْ
إنْ خَرّقَ الدّهْرُ لَنَا جَانِباً، ... سَدّوا الذي خَرّقَهُ، أَو رَقَعْ

نَنْظُرُ آثَارَهُمْ، كُلّما ... يَنْظُرُها النّاظِرُ مِنّا خَشَعْ
يُعْرَفُ في آثَارِهِمْ أَنّهُمْ ... أَرْبَابُ مُلْكٍ لَيْسَ بِالمُبْتَدَعْ
تَشْهَدُ للماضِينَ مِنّا بما ... نَالوا مِنَ المُلْكِ وَنَقْبِ القَلَعْ
هَلْ لأُناسٍ مِثْلُ آثارِهِمْ، ... بِمِأرِبٍ ذاتِ البِناءِ اليَفَعْ
لاَ ما لِحَيٍ مِثلَهُمْ مَفْخَرٌ، ... هَيْهَاتَ فازُوا بِالعُلاَ والرِّفَعْ

أبو زبيد الطائي الخفيف
إنّ طُولَ الحياةِ غَيْرُ سُعودِ، ... وَضَلالٌ تأميلُ طُولِ الخلودِ
عُلِّلَ المَرْءُ بِالرّجاءِ، وَيُضْحي ... غَرَضاً للمَنُونِ، نَصْبَ العُودِ
كلَّ يَوْمٍ تَرْمِيهِ مِنْهَا بِسَهْمٍ، ... فَمُصِيبٌ، أَوْ صَافَ غَيْرَ بَعِيدِ
مِنْ حَميمٍ يُنْسي الحَيَاةَ جَلِيدَ ال ... قوم، حتّى تَرَاهُ كَالمَلْبودِ
كُلَّ ميتٍ قد اغْتَفَرْتُ، فَلا أَج ... زعُ مِنْ والدٍ وَلا مَوْلودِ
غَيْرَ أَنّ الجُلاَحَ هَدّ جَنَاحي، ... يَوْمَ فَارَقْتُهُ بِأَعْلى الصّعيد
في ضَرِيحٍ عَلَيْهِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ ... مِنْ تُرَابٍ، وَجَنْدَلٍ مَنْضُود
عَنْ يَمينِ الطّريقِ عِنْدَ صَدَى حَرّ ... ان، يدعو بالوَيل، غَيْرَ مَعُود
صَادياً يَسْتَغِيثُ، غَيْرَ مُغاثٍ، ... وَلَقَدْ كَانَ عَصْرَة المَنْجُود
رُبّ مُسْتَلْحِمٍ، عَلَيْهِ ظِلالُ ال ... موتِ، لَهْفَانَ، جَاهِدٍ، مَجْهُود
خَارِجٍ نَاجِذَاهُ قَدْ بَرَدَ المَوْ ... تُ على مُصْطَلاهُ أيَّ بُرُودِ
غَابَ عَنْهُ الأدْنَى، وقد وَرَدتْ سَمْ ... رُ العَوَالي إليه أيَّ وُرُود
فَدَعَا دَعْوَةَ المُحْنَقِ وَالتّلْبي ... بِ مِنْهُ في عَامِلٍ مَقْصُود
ثُمّ أَنْقَذْتَهُ، وَنَفّسْتَ عَنْهُ ... بِغَمُوسٍ أَوْ ضَرْبَةٍ أُخْدُود
بِحُسامٍ أَوْ رزَّةٍ مِنْ نَحِيضٍ ... ذَاتِ رَيْبٍ على الشُّجاعِ النجيد
يَشْتَكِيها بِقَدْكَ إذ بَاشَرَ المَوْ ... تَ جَدِيداً، وَالمَوْتُ شَرُّ جديد
فَلَوَتْ خَيْلُه عَلَيْهِ، وَهَابوا ... لَيْثَ غَابٍ مُقَنَّعاً في الحَدِيد
غَيْرَ ما ناكلٍ يَسِير رُوَيداً، ... سَيْرَ لا مُرْهَقٍ، وَلا مَهْدُود
سَاحِباً للْجَامِ، يُقْصِرُ مِنْهُ، ... عَرِكاً في المَضِيقِ، غَيْرَ شُرُود
مُسْتَعِدّاً لِمِثْلِها إنْ دَنَوْا مِنْهُ، ... وَفي صَدْرِ مُهْرِهِ كَالصّديد
نَظَراً للّيْثِ هَمُّه في فَرِيسٍ، ... أَقْصَدَتْهُ يدا مَجِيدٍ مُفيد
سانَدُوهُ، حتّى إذا لم يَرَوْهُ ... شَدّ أَجْلاَدَهُ عَلَى التسنيد
يَئِسوا، ثم غَادَرُوهُ لِطَيْرٍ ... عُكَّفٍ حَوْلَهُ عُكُوفَ الوُفُودِ
وَهُمْ يَنْظُرُونَ لَوْ طَلَبُوا الوِتْ ... رَ إلى واتِرٍ شَمُوْسٍ، حَقُودِ
قُحْمَةٌ، لَوْ دَنَوْا لِثأرٍ إلَيْهِم، ... حَرْشَفٌ، قَدْ ثَنَاهُمُ لِعَدِيدِ
يا ابنَ خَنْسَاء، يا شُقّيقَ نَفْسي، ... يا جُلاحٌ، خَلّيْتَني لِشَديدِ
يَبْلُغُ الجُهْدُ ذا الحَصَأةِ من القو ... م، ومن يُلفَ لاهياً، فَهُوَ مودي
كلَّ عامٍ أرمي وَيَرمْي أمامي ... بِسهامٍ من مُخطيءٍ أَوْ سَدِيدِ
ثُمَّ أَوْحَدْتَني وَأَثْلَلْتَ عَرْشي، ... عِنْدَ فِقْدَانِ سَيّدٍ وَمَسودِ

مِنْ رِجَالٍ كَانوا جَمَالاً نُجُوماً، ... فهُمُ اليَوْمَ صَحْبُ آلِ ثَمُود
خَانَ دَهْرٌ بهم، وكانوا هُمُ أَهْ ... لَ عَظيِيمِ الفِعَالِ والتّمْجِيدِ
مانحي باحةِ العِراقِ، مِنَ النّا ... سِ، بِجُردٍ تَعْدُو بِمِثْلِ الأسُودِ
كلَّ عامٍ يَلْثِمْنَ قَوْماً بِكَفِ ... الدَّهْرِ جَمْعاً، وَأَخَذِ فيءٍ مَزِيدِ
جَازِعاتٌ إلَيْهِمُ خُشَّعُ الأو ... داةِ، تُسقى، قُوتاً، ضَياحَ المَديدِ
مُسْنِفاتٌ كَأَنّهُنّ قَنَا الهِن ... دِ، وَنَسْيُ الوَجِيفِ شَغْبَ المُرُودِ
مُسْتَحيراً بِهَا الهُدَاةَ، إذا يَقْ ... طَعنَ نجداًن وَصَلْنَهُ بِنُجود
فَأَنَا اليَوْمَ قَرْنُ أَعْضَبَ منهم، ... لا أرَى غيرَ كائِدٍ وَمَكُود
غَيْرَ ما خاضِعٍ لِقَوْمٍ جَنَاحي، ... حِينَ لاحَ إلوُجُوهَ سَفْعُ الخُدُود
كَانَ عني يَرُدّ دَرْؤُكَ بعدَ ا ... للَّهِ، شَغَبَ المُسْتَصْعَبِ المِرِّيدِ
مَنْ يُرِدْني بسيءٍ كُنْتَ مِنْهُ ... كَالشَّجا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالوريد
أُسُدٌ، غَيْرُ حَيْدَرٍ، ومُلِثٌّ ... يُطلِعُ الخَصْمَ، عُنْوَةً، في كَؤود
وَخَطِيباً، إذا تَمَغّرت الأو ... جه، يَوْماً في مَأْزِقٍ مَشْهودِ
وَمَطيرُ اليَدَيْنِ بالخَيْرِ لِلْحَمْ ... دِ، إذا ضَنّ كُلُّ جِبسٍ صَلُود
أَصْلَتِيّاً تَسْمُو العُيُونُ إليهِ، ... مُسْتَنيراً كَالبَدْرِ عَامَ العُهُود
مُعْمِلُ القِدْرِ بارزُ النّارِ للضّيْ ... فِ إذا هَمَّ بَعْضُهُمْ بِجُمُود
يَعْتَلي الدهْرَ، إذْ عَلا عاجزُ القَوْ ... م، فَصِيداً مِنْهُ، وَغَيْرَ فَصِيد
وَسَعَوْا بِالمَطِيّ والذُّبَّلِ السُّمْ ... رِ، لَعَمياءَ، في مَفَارِطَ بيد
مُسْتَحِيراً بها الرّياحُ، فلا يجْ ... ليها في الظّلامِ كلُّ هَجُود
وَتَخالُ القَرِيضَ فِيهَا غَناءً ... للنّدامَى مِنْ شَارِبٍ غِرّيد
قال: سيروا إنّ السُّرَى نُهْزةُ الأك ... ياسِ، والغزوَ لَيْسَ بالتّهْمِيدِ
وإذا ما اللَّبُونُ سافَتْ رمادَ ال ... حيِّ يوماً بالسَّمْلَقِ الأُملُودِ
بَدّلَ الغَزْوُ أَوْجُهَ القَوْمِ سُوداً، ... وَلَقَد أَبْدأُوا، وَلَيْستْ بِسُود
نَاطَ أَمْرَ الضِّعافِ، واحْتَفَلَ اللّي ... لُ كَحَبْلِ العادِيّة المَمْدُودِ
في ثِيابٍ عِمَادُهُنّ رِمَاحٌ، ... عِنْدَ جُوعٍ يَسْمو سُمُوَّ الكبود
كَالبَلايَا رُؤُوسُها في الوَلاَيَا ... مَانِحَاتِ السَّمُومِ سُفَعِ الخُدُودِ
إنْ تَفُتْني، فلَمْ أَطِبْ عَنْكَ نَفْساً، ... غير أَنِّي أُمْنَى بِدَهْرٍ كَيُود
كلُّ عَامٍ كَأَنّهُ طَالِبٌ وِتْراً ... إلَيْنَا، كَالثّائِرِ المُسْتَقِيد

متمم بن نويرة اليربوعي الطويل
لَعَمْري، وما دهري بتأبِينِ مَالكٍ، ... وَلاَ جَزِعاً مِمّا أَصَابَ، فَأوْجَعَا
لَقَدْ غَيَّبَ المِنْهَالُ تَحْتَ رِدَائِهِ،فَتىً كَانَ مِبْطَانَ العَشِيّاتِ أَرْوَعَا
وَلاَ بَرَماً تُهْدي النّساءُ لِعِرْسِهِ، ... إذا القَشْعُ منْ رِيحِ الشتاءِ تَقَعْقَعَا
لَبِيباً أَعَانَ اللُّبَّ مِنْهُ سَمَاحَةٌ؛ ... خَصيباً، إذا ما راكَبَ الجَدْبَ أَوْضَعَا
أَغَرَّ كَنَصْلِ السّيْفِ يَهْتَزّ للنّدى،إذا لم يَجِدْ عِنْدَ امْرِىء السَّوْءِ مَطْمعا
إذا اجتزَأَ القَوْمُ القِدَاحَ، وَأُوقِدَتْ ... لَهُمْ نَارُ أَيْسَارٍ كَفَى مِنْ تَضجّعا

وَيَوْماً إذا ما كظّكَ الخَصْمُ إن يَكُنْنَصِيرَكَ مِنْهُمْ، لا تَكُنْ أَنْتَ أَضْرَعَا
بِمَثْني الأيادي ثُمّ لَمْ تُلْفِ مَالِكاًلَدَى القُرْبِ يَحْمِي لَحْمَهُ أَن يُمَزَّعَا
فَعَيَنيَ جُودِي بالدّموعِ لمالكٍ، ... إذا أَرْدَتْ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعا
وللشَّربِ، فابْكي مالكاً ولبُهمةٍ، ... شديدٍ نواحيهِ على مَنْ تَشَجّعَا
وَللضّيْفِ إنْ أَزْجَى طُرُوقاً بَعِيرَهُ، ... وعانٍ ثَوَى في القِدّ حتى تَكَنّعَا
وَأَرْمَلَةٍ تُسْعى بِأَشْعَثَ مُحْثَلٍ، ... كَفَرْخ الحُبارَى رَأْسُه قد تَصَوّعا
فَتىً كَانَ مِخْذاماً إلى الرَّوعِ ركضُهُ، ... سريعاً إلى الدّاعي إذا هُوَ أَفزَعا
وَمَا كان وَقَّافاً، إذا الخَيْلُ أَحجَمَتْ، ... وَلاَ طائِشاً عِنْدَ اللّقاءِ مُرَوَّعا
وَلاَ بكَهامٍ ناكلٍ عَنْ عَدُوّه، ... إذا هُوَ لاقَى حاسراً ومُقَنَّعا
إذا ضَرّسَ الغَزْوُ الرّجالَ، وَجَدْتُهُ ... أَخا الحَرْبِ صَدْقاً في اللّقاء سَمَيْذعا
وَإنْ تَلْقَهُ في الشَّرْبِ لا تَلْقَ فاحشاً ... على الشُّرب، ذا قاذورةٍ متزبعا
أَبَى الصَّبرَ آياتٌ أَرَاها، وإنّني ... أَرى كلَّ حَبْلٍ بعدَ حَبْلِكَ أقطعا
وإني مَتَى ما أَدْعُ باسمِكَ لا تُجِبْ ... وَكُنْتَ حَرِيّاً أن تُجيبَ، وَتَسْمَعَا
أَقُولُ، وقد طارَ السنا في رَبابه، ... بِجَوْنٍ تَسُحّ الماءَ حتى تريَّعا
سَقَى اللَّهُ أرضاً حلّها قبرُ مالكٍ ... ذِهابَ الغَوادي المُدْجِناتِ فَأمْرَعا
فمُخْتَلفَ الأجْزاع من حَول شارعٍ ... فروّى جِبالَ القرْيَتينِ، فضلفعا
وآثَرَ سَيْلَ الوادِيَيْنِ بِديمةٍ، ... تُرَشِّحُ وَسْمِيّاً منَ النَبْتِ خِروَعا
تَحِيّتُهُ مِنّي، وإنْ كَانَ نَائِياً، ... وَأَمْسى تُراباً فَوْقَهُ الأرضُ بلْقَعا
فإنْ تَكُنِ الأيامُ فَرّقْنَ بَيْنَنا، ... لقدْ بانَ مَحْمُوداً أخي، يومَ وَدّعا
وعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ، وقبلَنا ... أصَابَ المَنَايا رَهْطَ كِسْرى، وَتُبّعَا
وَكُنّا كَنَدْمَانيَ جَذِيمَةَ حِقْبَةً ... من الدّهْرِ، حتى قيلَ لن يَتَصَدّعا
فَلَمّا تَفرّقْنا كأنيّ ومالِكاً، ... لطول اجتماعٍ، لم نَبِتْ ليلةً مَعَا
فتىً كانَ أَحْيَا من فَتاةٍ حَييّةٍ ... وأشجَعَ منْ لَيْثٍ إذا ما تمنّعا
تَقُولُ ابْنَةُ العَمرِيّ: مَا لَكَ بَعْدَما ... أَرَاكَ قديماً ناعمَ الوَجْهِ أَفرعا
فقلت لها: طولُ الأسى، إذ سألتِني، ... ولوعةُ حُزْنٍ تترك الوجةَ أسفعا
وفقدُ بني أمٍّ تولَّوا، فلم أكُن ... خِلافَهُم أن أَسْتَكِيْنَ، فأخضَعا
ولكنّني أمضي على ذاكَ مُقدِماً، ... إذا بَعضُ مَن يلقى الخطوبَ تضعضعا
قَعِيدَكِ أن لا تُسمعيني مَلامَةً، ... ولا تَنكَئي قَرح الفؤادِ فييجعا
وَحَسْبُكِ أني قد جَهِدْتُ، فلم أجِد ... بكفِّيَ عنه للمَنيّةِ مدفَعا
وَمَا وَجْدُ آظْآرٍ ثلاثٍ روائمٍ ... رَأَيْنَ مَجَرّاً من حُوارٍ ومصرعا
فَذَكّرْنَ ذا البَثّ الحَزِينِ بشَجْوِه، ... إذا حنّتِ الأولى، سجَعْنَ لها مَعَا
إذا شَارِفٌ مِنْهُنّ حَنّتْ فَرَجّعَتْ ... مِنَ الليل أبكَى شجْوُها البَرْكَ أجمعَا
بِأَوْجَد مِنّي، يَوْمَ فَارَقْتُ مالِكاً، ... وَقَامَ بِهِ النّاعي الرّفيعُ، فأسْمعا
وإنّي وإنْ هَأزَلْتِني قدْ أَصَابَني ... مِنَ الرُّزْءِ ما يُبكي الحزينَ المُفجَّعا

وَلَسْتُ إذا ما الدهرُ أَحدَثَ نَكْبَةً، ... بِأَلْوَثَ زِوّارِ القرائبِ، أخضَعا
وَلاَ فَرِحاً، إن كُنْتُ يَوْماً بِغِبْطةٍ، ... ولا جَزِعاً، إن نابَ دَهرٌ، فأضْلعا
وَقَدْ غَالَني ما غَال قيْساً ومالِكاً، ... وعمراً وجَزءاً بالمشقَّرِ أجمعا
ولَوْ أَنّ ما ألقَى أصابَ مُتالعاً، ... أو الرُّكنَ مِنْ سلمى إذن لَتَضعضَعا

مالك بن الريب التميمي الطويل
أَلاَ لَيْتَ شِعري هَلْ أبيتَنّ ليلةً ... بجَنبِ الغَضَا، أُزجي القِلاص النّواجِيا
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ، ... وليتَ الغَضَا مَاشىَ الركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا، لو دنا الغضا، ... مزارٌ، ولكنّ الغضا ليْسَ دانيا
أَلمْ تَرَني بِعءتُ الضّلالةَ بالهُدى، ... وَأَصْبَحْتُ في جيشِ ابنِ عفّان غازيا
دَعاني الهَوى من أهل وُدّي وصُحبتي، ... بِذِي الطَّبَسَين، فالتفتُّ وَرَائِيا
أَجَبْتُ الهَوَى لَمّا دَعَاني بِزَفْرَةٍ، ... تَقَنّعْتُ مِنْهَا، أنّ أُلامَ، ردائيا
لَعَمْري لئن غالتْ خُراسانُ هامَتي ... لقد كُنْتُ عن بابَيْ خراسان نائيا
فللّه درّي يَوْمَ أَتْرُكُ طائعاً ... بَنيّ بأَعْلى الرّقمَتَيْنِ، وماليا
ودَرُّ الظّباءِ السّانِحاتِ عَشِيّةً، ... يُخَبّرْنَ أني هالِكٌ مِن وَرَائِيا
وَدَرُّ كَبيرَيَّ اللّذين كِلاهُمَا ... عَليّ شَفيقٌ، ناصِحٌ، قد نَهانِيا
وَدرُّ الهَوَى من حَيْثُ يدعو صِحَابَهُ، ... وَدَرُّ لَجاجاتي، ودَرُّ انتِهائيا
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ، فلمْ أَجِدْ ... سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيّ باكيا
وَأَشْقَرَ خِنْذِيذٍ يَجُرّ عِنَانَهُ ... إلى الماء، لم يتْرُكْ لَهُ الدهْرُ ساقيا
ولَكِنْ بِأَطْرَافِ السُّمَيْنَة نِسْوَةٌ، ... عَزيزٌ عَلَيْهِنّ، العشيّةَ، ما بيا
صَرِيعٌ على أيْدِي الرّجَالِ بِقَفْرَةٍ ... يُسَوَّوْنَ قَبْري، حَيْثُ حُمّ قضائيا
وَلَمّا تَرَاءَتْ عِنْدَ مَرْوٍ مَنيّتي، ... وَحَلَّ بِهَا جِسْمي، وَحَانَتْ وَفَاتِيا
أَقُولُ لأصْحابي ارْفعوني لأنّني ... يَقِرّ بِعَيْني أن سهَيلٌ بَدَا لِيا
فيا صاحبَي رحلي! دنا المَوْتُ، فَأنزلا ... بِرابِيَةٍ، إنّي مُقِيمٌ لَياليِا
أَقيما عليّ اليَوْمَ، أو بَعْضَ ليلةٍ، ... ولا تُعْجِلاني قد تبيّنَ ما بِيا
وَقوما، إذا ما استُلّ روحي، فهيّئا ... ليَ القبرَ والأكفانَ، ثُمّ ابكيا ليا
وخُطّا بأطْرَافِ الأسِنّةِ مضجعي، ... ورُدّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا
ولا تحسُداني، باركَ اللَّهُ فيكما، ... من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعاليا
خُذَاني، فجُرّاني بِبُردي إليكما، ... فقد كُنْتُ، قبل اليوم، صَعباً قياديا
فقد كنتُ عطّافاً، إذا الخيلُ أدْبَرَتْ، ... سَريعاً لدى الهَيْجا، إلى مَن دعانِيا
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى، ... وعنْ شَتْمِ إبنِ العَمّ وَالجارِ وانِيا
وَقد كُنْتُ صَبّاراً على القِرْن في الوَغى، ... ثَقِيلاً على الأعداء، عَضْباً لسانيا
وَطَوْراً تراني في ظِلالٍ وَمَجْمعٍ، ... وَطَوْراً تَراني، والعِتَاقُ ركابيا
وَقُوما على بِئْرِ الشُّبَيكِ، فأسمِعا ... بها الوَحْشَ والبِيضَ الحسانَ الروانيا

بِأَنّكُما خَلّفْتُمَاني بِقَفْرَةٍ، ... تُهيلُ عليّ الرّيحُ فيها السَّوافيا
ولا تَنْسَيا عَهْدي، خَليليّ، إنّني ... تَقَطَّعُ أوصالي، وَتَبْلى عِظامِيَا
فلنْ يَعْدَم الوِلْدَانُ بيتاً يَجُنُّني، ... وَلَنْ يَعْدَمَ الميراثَ منّي الموالِيا
يقولون: لا تُبْعَدْ، وهُم يدفِنونني، ... وأيْنَ مَكانُ البُعْدِ إلاّ مَكانِيا؟
غَدَاةَ غَدٍ، يا لَهْفَ نَفْسي على غدٍ، ... إذا أَدْلجوا عني، وخُلّفتُ ثاويا
وَأَصْبَحَ مالي، من طَريفٍ، وتالدٍ، ... لِغَيْري وكان المالُ بالأمسِ ماليا
فيا ليْتَ شعري، هل تغيّرَتِ الرّحى، ... رحى الحْرب، أو أضْحت بفَلج كماهيا
إذا القْومُ حلّوها جميعاً، وأَنْزَلوا ... لها بَقراً حُمَّ العيونِ، سواجِيا
وَعِينٌ وَقَدْ كان الظّلامُ يَجُنّها، ... يَسُفْنَ الخُزامي نَورَها والأقاحيا
وَهَلْ تَرَكَ العيسُ المَرَاقيلُ بالضّحى ... تَعَالِيَهَا تَعلو المُتونَ القَياقيا
إذا عَصِبَ الرُّكْبَانُ بَيْنَ عُنيزةٍ ... وبُولانَ، عاجُوا المُنْقِياتِ المَهَاريا
ويا لَيْتَ شعري هل بَكَتْ أُمُّ مالكٍ، ... كما كُنْتُ لَوْ عَالَوا نَعِيَّكَ باكيا
إذا مُتُّ فاعْتَادي القُبُورَ، وسلّمي ... على الرَّيمِ، أُسقيتِ الغَمامَ الغَواديا
تَرَيْ جَدَثاً قد جَرّتِ الرّيحُ فوقَه ... غُباراً كلونِ القسْطَلانيّ هَابِيا
رَهِينة أَحْجَارٍ وتُرْبٍ تَضَمّنَتْ ... قَرارَتُها منّي العِظَامَ البَوالِيا
فيا راكِباً إمّا عَرَضتَ فبلّغَنْ ... بني مالكٍ والرَّيْبِ أنْ لا تلاقِيا
وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري؛ ... وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تدانيا
وَسَلّمْ على شيخيّ مِنيّ كِلَيْهِما، ... وبلِّغ كَثيراً وابْنَ عمّي وخَاليا
وعطِّل قَلوصي في الرِّكاب، فإنّها ... ستُبرِدُ أكباداً وتُبكي بَواكِيا
أُقَلبُ طَرْفي فَوْقَ رَحْلي، فلا أرَى ... بِهِ من عُيُونِ المُؤْنِساتِ مراعِيا
وبالرَّملِ منّي نِسْوَةٌ لو شَهِدنَني، ... بَكَيْنَ وَفَدّيْنَ الطّبيبَ المُداويا
فمِنْهُنّ أُمّي، وابْنتاها، وخالتي، ... وباكِيَةٌ أُخرى تَهِيجُ البَواكِيا
وما كانَ عَهْدُ الرّمْل منّي وأهلِه ... ذميماً، ولا بالرّمْل ودّعْتُ قَاليا

المشوبات
نابغة بني جعدة كعب بن زهير بن أبي سلمى القطامي الحطيئة الشماخ بن ضرار عمرو بن أحمر تميم بن مقبل العامري
نابغة بني جعدة الطويل
خليليّ عُوجا ساعَةً، وَتَهَجَّرا ... ولُوما على ما أَحْدثَ الدهرُ، أَوْ ذَرَا
ولا تَجْزَعا إنّ الحياةَ دَميمةٌ، ... فَخِفّا لِرَوْعاتِ الحوادثِ، أو قرا
وإنْ جاءَ أَمْرٌ لا تُطيقان دَفْعَهُ، ... فَلاَ تَجْزَعا ممّا قضىَ اللَّهُ، وَاصْبِرا
أَلمْ تَرَيا أَنّ المَلامَةَ نَفْعُها ... قَليلٌ، إذا ما الشيْءُ وَلّى وَأَدْبَرا
تَهيجُ البُكَاءَ والنّدَامَةَ ثُمّ لا ... تُغيّر شَيئاً، غَيْرَ ما كان قُدّرا
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، إذ جاءَ بِالهُدى، ... وَيَتْلو كِتاباً كالمجرّةِ نيِّرا
خَليليّ قد لاقَيْتُ ما لمْ تُلاقِيِا، ... وَسيّرتُ في الأحياءِ ما لم تُسيِّرا
تذكرْتُ، والذكرى تَهيجُ لذي الهَوَى، ... ومن حاجةِ المَحْزونِ أن يتذكّرا

نَدامايَ عِنْدَ المُنْذِرِ بْن مُحرِّقٍ، ... أرى اليَوْمَ مِنْهُم ظاهر الأرض مقفرا
كُهُولاً وشُبّاناً، كأَنّ وجوهَهُم ... دَنَانيرُ ممّا شِيفَ في أرضِ قَيْصَرَا
وما زِلْتُ أَسْعى بَيْنَ بابٍ ودارِهِ، ... بِنَجْرَانَ، حتى خِفْتُ أن أَتَنَصّرا
لدى مَلِكٍ مِنْ آل جَفْنَةَ، خَالُه ... وَجَدّاهُ منْ آل امرِيء القيسِ أزهرَا
يُدِيرُ عَلَيْنَا كأسَهُ وشِواءَهُ ... مَناصِفُهُ والحَضْرَميَّ المُحَبَّر
رحيقاً عِراقيّاً، وَرَيطاً شآمياً، ... ومُعتصَراً من مِسكِ دارِينَ أذْفَرا
وتيهٍ عَلَيْها نَسْجُ ريحٍ مَريضَةٍ ... قطعْتُ بِحَرْجوجٍ مسانَدَةِ القَرا
خَنُوفٍ مَرُوحٍ تُعجِلُ الوُرْقَ، بَعْدَما ... تُعَرِّسُ تشكُو آهَةً وَتَذَمُّرا
وتُعْبِرُ يَعْفُورَ الصّرِيمِ كِناسَه ... وتُخرِجُهُ طوراً، وإن كان مَظهَرَا
كَمُرْقِدَةٍ فَردٍ مِنَ الوحشِ حُرّةٍ ... أَنَامَتْ بِذي الذئبين بالصّيفِ جُوذُرا
فَأَمْسَى عَلَيْهِ أَطْلَسَ اللْوِنِ شَاحِياً، ... شَحيحاً تُسمّيهِ النّباطيَّ، نَهسرَا
طَويلُ القَرَا، عاري الأشاجع، مارِدٌ، ... كشَقّ العصا فُوه، إذا ما تضَوّرا
فَبَاتَ يُذكّيهِ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، ... أَخُو قَنَصٍ يُمسي وَيُصْبِحُ مُقفِرا
فَلاقَتْ بَياناً عِندَ أَوّل مَرْبَضٍ ... إهاباً، وَمَعبوطاً من الجَوْفِ أَحْمَرَا
وَوَجْهاً كَبُرْقوعِ الفَتاة مُلمَّعاً، ... وَرَوقَين لَمّا يعدوَا أن تقمّرا
فَلَمّا سَقاها اليأَسَ وَارتَدّ همُّها ... إليها، ولمْ يترُكْ لها مُتأخِّرا
أُتيحَ لها فَرْدٌ خَلا بَيْنَ عالجٍ ... وَبَيْنَ حِبالِ الرَّمْلِ في الصَّيْفِ أَشْهُرا
كسا دَفْعُ رِجْلَيْها صَفِيحَةَ وَجْهِهِ، ... إذا انجرَدَتْ، نَبْتَ الخزامى المُنوَّرا
وَوَلَّتْ بِهِ رُوحٌ خِفافٌ، كأنّها ... خَداريفُ تُزجي ساطعَ اللّونِ أَغبرا
كأصداف هِنديَّين صُهبٍ لِحاؤها، ... يَبيعونَ في دَارِينَ مِسْكاً وعَنْبَرا
فَبَاتَتْ ثَلاثاً بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ... بَكَرّ البكور أنْ يُضاف وَيُجْبَرَا
وباتَتْ كأنْ كَشْحٌ لها طيَّ رِيطةٍ، ... إلى راجحٍ من ظاهرِ الرمل أَعْفَرا
تلألأُ كالشِّعري العَبورِ، تَوَقّدَتْ، ... وكانَ عماءً دونَها فَتَحَسّرا
وَعَاديةٍ سَوم الجرادِ شَهِدتُها ... فكفّلْتُها سِيداً أَزلَّ مُصدَّرا
شَدِيدُ قِلاتِ المَرْفِقَينِ، كَأنّما ... به نَفَسٌ، أَوْ قَدْ أَرَادَ لِيزفِرا
ويُعلي وَجيفُ الأرْبَعِ السّود لحمَهُ، ... كما بنيَ التّابُوتُ أحزَمَ مُجْفَرا
فلمّا أتى لا يُنقِصُ القَوْدُ لَحمَه ... نَقَصْتُ المَدِيدَ والشّعِيرَ لِيَضْمُرا
وكانَ أَمَامَ القَوْمِ مِنْهُمْ طَليعةٌ، ... فأربَى يَفاعاً من بعيد، فبشّرا
ونهْنَهْتُه حَتّى لَبست مَفاضَةً ... مُضاعَفةً كالنَّهي رِيحَ، وأمطرا
وَجمّعْتُ بَزّي فوْقَهُ، وَدَفَعْتُه، ... ونأنأتُ مِنْهُ خشيَةً أن يُكسَّرا
وَعَرّفْتُهُ في شِدّةِ الجَرْيِ باسمِهِ، ... وأشْلَيْتُهُ حتى أرَاخَ وَأَبْصَرَا
فَظَلّ يُجاريهم كأنّ هُوِيَّهُ ... هُوِيُّ قَطاميً مِنَ الطيرِ أَمْعَرَا
أَزُجُّ بِذَلْقِ الرّمْحِ لَحْيَيْهِ، سابقاً ... نَزَائعَ ما ضمّ الخميسُ وضَمّرا

لَهُ عُنُقٌ في كاهِلٍ غيرِ جَانِبٍ، ... ولَجّ بِلَحْيَيْهِ ونَحّى مُدْبِرا
وبَطنٌ كَظَهْرِ الترْسِ لو شُلَّ أرْبعاً ... لأصبَحَ صِفْراً بَطْنُهُ ما تَجَرْجَرا
فأُرْسِلَ في دُهمٍ كأنَّ حَنِينَها ... فَحيحُ الأفاعي أُعْجِلتْ أن تَحَجّرا
لَهَا حَجَلٌ قُرْعُ الرّؤُوسِ، تَحَلَّبَتْ ... على هَامِهِ، بالصّيْفِ، حتى تموّرا
إذا هِيَ سِيقَتْ دَافَعَتْ ثَفِناتِها ... إلى شَرَرٍ تري مِراراً مُقترا
وَتغمِسُ في الماءِ الذي باتَ آجناً، ... إذا وَرَدَ الرّاعي نَضِيحاً مُحَبَّرا
حَنَاجِرُ كَالأقْمَاعِ فَحّ حَنينُها، ... كما نَفَخَ الزَّمّارُ، في الصّبح، زَمخَرا
وَمَهْمَا يَقُلْ فِينَا العدُوّ، فإنّهُم ... يقولون مَعْرُوفاً، وآخرَ مُنكرا
فما وَجَدَتْ مِنْ فِرْقَةٍ عَرَبِيّةٍ ... كَفيلاً، دَنَا مِنّا، أعَزَّ وأَنْصَرَا
وَأَكْثَرَ مِنّا ناكِحاً لِغَريبةٍ، ... أُصِيبَتْ سِباءً، أو أرادَتْ تخَيُّرا
وَأَسْرَعَ مِنّا إن أَرَدْنَا انْصِرَافَهُ، ... وَأَكْثَرَ مِنّا دَارِعِينَ وَحُسَّرَا
وَأَجْدَرَ أَنْ لا يَتْرِكوا عَانِياً لَهُم، ... فَيَغْبُرَ حَوْلاً في الحديد مكفَّرا
وقد آنَسَتْ مِنّا قُضاعةُ كالئاً، ... فأضْحَوا بِبَصري يَعصُرونَ الصّنوْبرا
وكِندةُ كانت بالعقيقِ مُقِيمةً، ... ونَهدٌ، فكُلاً قد طَحَرناه مَطحَرا
كِنانةٌ بينَ الصّخْرِ والبَحْرُ دَارُهم، ... فأحجرَها إذ لم تجِدْ متأخَّرا
ونحنُ ضربنا بالصَّفا آل دارِمٍ، ... وحسّانَ وابْنَ الجَوْنِ ضَرْباً مُنَكَّرا
وعلقمةَ الجعفيّ أَدْرَكَ رَكْضُنَا ... بِذي النّخْل، إذ صَامَ النهارُ وَهَجّرا
ضَرَبْنا بطونَ الخَيْل حتى تَنَاوَلَتْ ... عَمِيدَي بَني شَيْبَان: عمراً ومُنْذِرا
أَرحنَا مَعَدّاً من شَرَاحيلَ، بَعْدَما ... رَوِينَ نَجيعاً من دمِ الجَوْفِ أحْمَرَا
وَمِنْ أَسَدٍ أَغْوَى كُهولاً كَثيرةً ... بنَهَي غُرَاب، يَوْم ما عُوّجَ الذَّرا
وَتُنْكِرُ يَوْمَ الرّوْعِ لَوْ أَنّ خَيْلَنا، ... مِنَ الطعنِ، حتى تَحْسِبَ الجَون أشقرا
وَنَحْنُ أُناسٌ لاَ نُعَوّدُ خَيْلَنا، ... إذا ما التقينا، أن تَحيدَ وَتَنفُرا
وما كانَ مَعْرُوفاً لَنَا أَنّ نَرُدّهَا ... صِحاحاً، ولا مُسْتَنْكَراً أن تُعقَّرا
بَلَغْنَا السّما مَجْداً وَجُوداً وَسُودَداً، ... وإنّا لَنَرْجو، فَوْقَ ذَلِكَ، مَظهرا
وكلُّ مَعَدّ قَد أَحَلّتْ سُيُوفَنَا ... جَوَانِبَ بَحْرٍ، ذي غَوَارِبَ، أَخْضَرا
لَعَمْرِي لَقَدْ أَنْذَرْتُ أَزْداً أُناتَها، ... لَتَنْظُرَ في أَحْلامها وَتُفَكِّرا
وأعرَضْتُ عَنْها حِقبةً، وَتَرَكْتُها، ... لأبْلغَ عُذْراً عِنْدَ رَبيّ، فأُعذرا
وما قُلْتُ حتّى نالَ شَتْمٌ عَشيرَتي ... نُفَيْلَ بن عَمْرو والوَحِيدَ وَجَعْفَرا
وَحَيّ أبي بَكْرٍ، وَلاَ حَيَّ مِثْلُهُم، ... إذا بَلَغَ الأمْرُ العَمَاسَ المُدَمِّرا
وَلاَ خَيْرَ في حِلْم، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادرُ تَحْمي صَفْوَهُ أن يُكدَّرا
وَلاَ خَيْرَ في جَهْلٍ، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ، إذا ما أَوْرَدَ الأمْرَ أصدرا
إذا افْتَخَرَ الأزديُّ يَوْماً، فَقُلْ لَهُتَأَخّرْ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَكَ اللَّهُ مَفْخَرا
فإنْ تَرِدِ العُلْيا، فَلَسْتَ بِأَهْلِها، ... وإنْ تَبْسُط الكفّيْنِ بالمجدِ تَقْصُرا

إذا أدلجَ الأزديُّ أدلجَ سارِقاً، ... فأصْبَحَ مخطوماً بلومٍ مُعَزَّرا

كعب بن زهير بن أبي سلمى البسيط
بَانَتْ سُعَادُ، فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبُولُ، ... مُتيَّمٌ إثرَها، لَمْ يُفْدَ، مَكْبولُ
وما سُعَادُ، غَدَاةَ البَيْنِ، إذ رَحلوا، ... إلاّ أغنُّ غضِيضُ الطَّرْفِ، مَكحول
هَيْفَاءُ مُقْبِلةٌ، عَجْزَاءُ مُدْبِرَةٌ، ... لا يشتكي قِصَرٌ مِنْهَا، ولاَ طُولُ
تجلو عوارِضَ ذي ظَلْمٍِ إذا ابتسَمَتْ ... كأنّه مُنْهَلٌ بالرّاحِ مَعْلُول
شُجّتْ بِذِي شَبَمٍ مِن مَاء مَحْنِيةٍ، ... صافٍ بِأَبْطَحَ، أضْحى، وهْوَ مشمول
تَنْفي الرّياحُ القَذَى عنه، وأفرطَه ... مِن صَوْبِ سارِيةٍ بِيضٌ يَعاليل
أكرِمْ بِهَا خُلّةً، لو أَنّها صَدَقَتْ ... مَوْعُودَها أو لو انّ النصْحَ مَقْبُول
لَكِنّها خُلّةٌ قد سِيطَ مِنْ دَمِهَا ... فَجْعٌ، وَوَلْعٌ، وإخلافٌ، وَتَبْدِيل
فَمَا تَدُوم على حَالٍ تَكُونُ بها، ... كما تَلَوّنُ في أثْوابِها الغُولُ
وَلاَ تَمَسّكُ بالعَهد الذي زَعَمَتْ، ... إلاّ كما يَمسِكُ الماءَ الغَرَابِيلُ
فَلا يغُرّنْكَ مَا مَنّتْ، وما وَعَدَتْ، ... إنّ الأمَانيَّ والأحْلامَ تَضْليلُ
كانتْ مَواعِيدُ عرقوبٍ لها مَثَلاً، ... وما مَواعِيدُها إلاّ الأباطيل
أَرْجو وآمُلُ أنْ تَدْنُو مَوَدّتُها، ... وما إخالُ لدينا منكِ تَنْوِيلُ
أَمْسَتْ سُعادُ بِأْرضٍ لا يُبَلِّغُها ... إلاّ العِتاقُ، النّجيباتُ، المراسِيلُ
وَلَنْ يُبَلّغَها إلاّ عُذافِرَةٌ، ... لها على الأينِ إرْقالٌ وتَبْغِيل
مِنْ كلّ نضَّاخَة الذفْري إذا عَرِقَتْ ... عُرْضَتُها طَامِسُ الأعْلامِ مَجْهُولُ
تَرْمِي الغُيُوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرِدٍ لَهِقٍ ... إذا تَوقّدَتِ الحُزَّانُ والمِيلُ
ضَخْمٌ مُقَلَّدُها، فعْمٌ مُقَيَّدُها، ... في خَلْقِها، عن بَناتِ الفَحْل، تفضِل
غَلباءُ، وجْناءُ، عُلكومٌ، مُذكَّرَةٌ، ... في دَفّها سَعَةٌ، قُدّامُها مِيلُ
وَجِلْدُها مِنْ أَطُومِ لا يُؤيِّسُهُ ... طِلْحٌ، بضحِيَةِ المَتْنَينِ، مَهزُول
حَرْفٌ أبوها أَخُوهَا من مُهَجَّنَةٍ، ... وَعَمُّها خَالُها، قَوداءُ، شِمليل
يمشي القُرادُ عَلَيْها، ثُمّ يُزلِقُهُ ... مِنْهَا لَبانٌ، وأَقرابٌ زَهالِيلُ
عيرانةٌ قُذِفَتْ بالنحض عن عُرُضٍ ... مِرْفَقُها عن ضُلوعِ الزَّور مَفتول
كأنّما فَاتَ عينيْها وَمَذْبَحَها، ... مِنْ خَطْمها وَمِنَ اللَّحْيَينِ بِرْطيل
تُمِرّ مِثْلَ عَسِيبِ النّخْلِ، ذا خُصَلٍ، ... في غارزٍ لَمْ تَخَوَّنْهُ الأحَالِيلُ
قَنْواءُ في حُرّتَيْها، للبَصِير بها ... عِتْقٌ مُبينٌ، وفي الخَدّين تَسْهِيلُ
تَخْدي على يَسَراتٍ، وهي لاهيةٌ، ... ذَوَابلٍ، وَقَعُهُنّ الأرضَ تَحْلِيل
سُمْرُ العَجَايَاتِ يتركنَ الحصىَ زِيَماً، ... وَلاَ يقِيها رُؤوسَ الأكم تَنْعِيل
يَوْماً تظلّ حِدابُ الأرْضِ تَرْفعُها، ... مِنَ اللّوامِعِ، تخلِيطٌ وَتزْييل
كأنّ أوبَ ذِراعَيْها، إذا عَرِقَتْ، ... وَقَدْ تَلَفّعَ بالقُورِ العَسَاقِيلُ

وقالَ للقَومِ حاديهم، وقد جَعَلَتْ ... وُرْقُ الجَنَادِبِ يركُضْنَ الحَصَى: قيلوا
شَدَّ النهارِ، ذراعا عيطَلٍ نَصَفٍ، ... قامت فجاوبَها نُكْدٌ مَثَاكِيلُ
نَوّاحةٍ، رِخْوةِ الضَّبْعينِ، ليس لَها، ... لما نَعَى بَكْرَها النّاعون، معقول
تَفري اللَّبانَ بِكَفّيها، ومِدرعُها ... مُشَقَّقٌ عن تَراقِيها، رَعابيل
يَسْعَى الوُشاةُ بِجَنْبَيْها، وَقَوْلُهُمُ: ... إنّك يا ابنَ أبي سلمى لَمَقْتُول
وقالَ كلّ خليلٍ كُنْتُ آمُله: ... لا ألهينّكَ، إنّي عنكَ مَشْغُولُ
فقلتُ: خَلّوا سَبيلي، لا أبا لَكُمُ، ... فكلّ ما قدّرَ الرّحمنُ مفعولُ
كلُّ ابنِ أُنثى، وإن طالتْ سَلامَتُه، ... يَوْماً على آلةٍ حَدْباءَ مَحمولُ
أُنْبِئْتُ أنّ رسولَ اللَّهِ أَوْعَدَني، ... والعَفْوُ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ مأمولُ
مَهْلاً! هداك اللَّه الذي أَعْطَاكَ نافلةَ ال ... قُرْآن فيها مَوَاعِيظٌ، وَتَفْصيل
لا تأخُذَنّي بأقْوَالِ الوُشاةِ، وَلم ... أُذْنِبْ، وإن كَثُرَتْ فيّ الأقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَاماً لَوْ يَقُومُ بِهِ، ... أَرَى وَأَسْمَعُ ما لَوْ يَسْمَعُ الفِيلُ
لَظَلّ يُرْعَدُ، إلاّ أنْ يَكُونَ لَهُ ... مِنَ النّبيّ، بإذنِ اللَّهِ، تَنْويل
حَتّى وَضَعْتُ يمين، لا أُنازِعُهُ، ... في كَفّ ذي نَقماتٍ قِيلُهُ القِيلُ
وَلَهْوَ أهيبُ عِنْدي إذ أُكلّمُه، ... وَقِيلَ: إنّك مَنْسُوبٌ وَمَسْؤول
من ضَيْغمٍ من ضِرَاءِ الأسُد مَخدَرُهُ ... ببطنِ عثَّرَ، غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
يَغْدو، فَيَلحَمُ ضِرْغامَيْنِ، عيشهما ... لَحْمٌ مِنَ القَوْمِ مَعفور، خَرَاذيل
إذا يُساوِرُ قِرْناً لا يَحِلُّ لَهُ ... أن يتْرُكَ القِرْنَ إلاّ وَهُوَ مَفلول
مِنْهُ تَظَلّ حَميرُ الوَحشِ ضَامِزَةً، ... ولاَ تُمَشَّى بِواديهِ الأراجِيل
وَلاَ يَزَالُ بِوَادِيهِ أَخو ثِقَةٍ، ... مُطرَّحُ اللحمِ، والدِّرْسانِ، مأكول
إنّ الرّسولَ لَنُورٌ يُسْتضَاءُ بهِ، ... وَصَارِمٌ من سيوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
في عُصْبةٍ من قَريشٍ قال قائلُهم، ... بِبَطْنِ مكّة، لما أسلموا: زُولوا
زَالوا، فما زال أنكاسٌ، ولا كُشُفٌ، ... عِنْدَ اللّقاءِ، ولا مِيلٌ مَعازيل
شُمُّ العَرانين، أبْطالٌ، لَبوسُهمُ ... من نَسْجِ داودَ، في الهَيْجا، سَرَابِيل
بِيضٌ سَوابغُ قدْ شُكّتْ لها حَلَقٌ، ... كأنّها حَلَقُ القَفعاءِ، مَجْدول
لاَ يَفْرَحُونَ، إذا نَالَتْ رِمَاحُهُمُ ... قَوْماً، وَلَيْسوا مَجَازيعاً، إذا نِيلوا
يَمْشُونَ مَشْيَ الجِمَال الزُّهر، يعصِمهم ... ضَربٌ، إذا عَردّ السُّودُ التّنابِيل
لا يَقَعُ الطّعْنُ إلاّ في نُحُورِهِمُ، ... وما لَهُمْ عنْ حِياضِ المَوْتِ تَهْلِيل

القطامي البسيط
إنّا مُحيّوكَ، فاسلَم أَيُّها الطَّلَلُ، ... وإن بَلِيتَ، وإن طالتْ بكَ الطِّوَلُ
أنّى اهتَدَيْتَ لتسليمٍ على دِمَنٍ، ... بالغَمر، غيّرهُنّ الأعْصُرُ الأُوَلُ
صافَت، تُمَعَّجُ أَعْناقُ السيول بها، ... من باكِرٍ سَبَطٍ، أو رائحٍ يِئلُ

فَهُنّ كالحُلَلِ الموشيّ ظاهِرُها، ... أو الكتابِ الذي قَدْ مَسَهُ بَلَلُ
كانت مَنَازِلَ مِنّا قد نَحُلّ بها، ... حتى تغيّر دَهرٌ خائنٌ، خَبِلُ
لَيسَ الجديدُ به تَبقَى بَشاشَتُه، ... إلاّ قليلاً، ولا ذو خُلّةٍ يَصِلُ
والعَيشُن لا عَيشَ إلا ما تَقَرُّ بِهِ ... عينٌ، ولا حالةٌ إلاّ سَتَنْتَقِلُ
والنّاسُ، من يَلْقَ خيراً قائلونَ لَهُ ... ما يشتهي، ولأمِّ المُخطىءِ الهَبَلُ
قَدْ يُدْرِكُ المتأنّي بعضَ حاجتِهِ، ... وقد يكونُ المُسْتعجِلِ الزَّلَلُ
أضحَتْ عُليّةُ يَهْتَاجُ الفؤادُ لها، ... وللرّواسم فيما دونَها عَمَلُ
بِكُلّ مُخْتَرَقٍ يجري السّرابُ بِهِ ... يُمسي، وراكبُه من خوفِهِ وَجِلُ
يُنضي الهِجَانَ التي كانت تكون بِهِ، ... عِرْضَنَةٌ وهِبابٌ، حِينَ تَرْتَحِلُ
حَتى تَرَى الحُرّةَ الوَجْنَاءَ لاغِبةً، ... والأرحبيَّ الذي في خَطوه خَطَلُ
خُوصاً تُديرُ عُيوناً ماؤها سَرِبٌ ... على الخدود، إذا ما اغروْرَقَ المُقَل
لَواغِبَ الطَّرفِ، مَنقوباً محاجرُها، ... كَأَنّها قُلُبٌ عادِيّةٌ مُكُلُ
تَرمي الفجَاجَ بها الرُّكْبَانُ مُعترِضاً ... أعْناقَ بُزَّلِها، مُرخىً لها الجُدُلُ
يمشين رَهْواً فلا الأعْجَازُ خاذلةً ... ولا الصّدورُ على الأعجازِ تتّكِلُ
فَهُنّ معترَضاتٌ، والحصى رَمِضٌ، ... والرّيحُ ساكنةٌ، والظِّلُّ مُعْتَدِلُ
يَتبَعْنَ ساميَةَ العَيْنَينِ تَحْسَبُها ... مَجْنُونَةً، أَوْ تَرَى ما لا تَرَى الإِبل
لَما وَرَدْنَ نبيّاً، واستَتَبّ بنا ... مُسحَنفِرٌ، كخطوطِ السَّيح مُنسحِل
على مكانٍ غِشاشٍ لا يُنيخُ بِهِ ... إلاّ مُغَيِّرُنَا، وَالمُستَقِي العَجِلُ
ثمّ اسْتَمَرّ بِهَا الحادي، وَجَنّبَها ... بطنَ التي نبتُها الحَوذان والنَّفَلُ
حتى وردْنَ رَكِيّاتِ الغُوَيرِ، وَقَدْ ... كادَ المُلاءُ منَ الكتّان يشْتَعِلُ
وقد تَعَرّجْتُ، لما أرَّكَتْ أَرِكاً، ... ذَاتَ الشّمالِ وعن أيْمانِنَا الرِّجلُ
على مُنادٍ دَعانا دَعْوَةً كشَفَتْ ... عَنّا النُّعاسَ، وفي أعناقِنا مَيَلُ
سمعتُها ورِعانُ الطَّوْدِ مُعْرِضَةٌ ... مِنْ دُونَنا وكثيبُ الغَينة السَّهَلُ
فقُلتُ للركبِ، لما أنْ عَلاَ بِهِمُ ... مِنْ عنْ يمين الحُبَيّا نظرةٌ قَبَل:
ألمحَةٌ منْ سَنا بَرْقٍ رأى بصري، ... أَمْ وَجْهُ عاليَةَ اختالَتْ بِهِ الكِلَلُ
تُهْدِي لَنَا كلَّ ما كانَتْ عُلاوتُنَا ... رِيحَ الخُزامي جرى فيها النّدَى الخَضِل
وقَدْ أًبِيتُ، إذا ما شِئْتُ بَاتَ مَعي ... على الفِراشِ الضّجيعُ الأغْيدُ الرَّتِلُ
وقدْ تُباكِرني الصّهْبَاءَ تَرْفَعُهَا ... إليّ لَيِّنَةٌ أَطْرَافُها، ثَمِلُ
أَقَولُ للحَرْفِ، لما أنْ شَكَت أُصُلاً ... متَّ السِّفارِ، فأفنى نَيِهَّا الرَّحَلُ
إن ترجِعي من أبي عثمان مُنجَحَةً، ... فَقَدْ يَهُونُ على المُسْتَنْجِحِ العَمَلُ
أَهْلُ المَدِينَةِ لا يُحْزِنْكَ شَأْنُهُمُ، ... إذا تَخَطّأ عَبْدَ الوَاحِدِ الأجَلُ
أَمّا قُرْيُشٌ فَلَنْ تَلْقَاهُمُ أَبَداً، ... إلاّ وهُمْ خَيرُ مِنْ يَحْفى وينْتَعِلُ
قومٌ، همُ ثبّتُوا الإِسلامَ، وامتَنَعُوا ... قَوْمَ الرّسولِ الذي ما بَعْدَهُ رُسُلُ
مَن صالحوهُ رَاى في عَيْشِهِ سَعَةً، ... ولا يُرى مَنْ أَرادوا ضَرَّه يَئِلُ

كم نَالَني مِنْهُمُ فضلٌ على عَدَمٍ، ... إذ لا أكاد من الإِقتار أحْتَمِلُ
وكم من الدّهر ما قد ثبّتُوا قَدَمي، ... إذْ لا أَزَالُ مع الأعداءِ أنتضِلُ
فلا هُمُ صالحوا مَنْ يَبْتَغي عَنَتي، ... ولا هُمُ كدْروا الخيرَ الذي فَعَلوا
هُمُ المُلُوك، وأبناءُ الملوك لهم، ... والآخذُونَ بِهِ، والسّادَةُ الأُوَلُ

الحطيئة المتقارب
نَأَتْك أُمَامَةُ، إلاّ سُؤالا، ... وَأَبْصَرْتَ مِنْهَا بِعَيْنٍ خَيالا
خَيَالاً يَرُوعُكَ عِنْدَ المَنَامِ، ... ويَأْبَى مَعَ الصُّبْحِ إلاّ زَوَالا
كِنَانِيّةٌ دَارُها غُرْبَةٌ، ... تُجِدّ وِصالاً، وَتُبْلي وِصالا
كَعَاطِيَةٍ مِنْ ظِبَاءِ السَلي ... لِ حُسَّانَةِ الجِيد تَرْعَى غَزَالا
تَعَاطَى العِضَهَ، إذا طَالَها، ... وَتَقْرُو مِنَ النّبْتِ أَرْطَى وَضَالا
تُصَيِّفُ ذُرْوَةَ مَكنُونَةٍ، ... وَتَبْدُو مَصِيفَ الخَرِيفِ الجِبَالا
مُجَاوِرَةً مُسْتَحِيرَ السّرا ... ةِ، أَفْرَغَتْالغُرُّ فِيهِ السِّجالا
كَأَنَّ بِحَافَاتِهِ وَالطِّرَافِ، ... رِجالاً لِحِمْيَرَ لاقَتْ رِجالا
فَهَلْ تُبْلِغَنَّكَهَا عِرْمِسٌ، ... صَمُوتُ السُّرَى، لاَ تَشْكَّى الكَلاَلاَ
مُفَرِّجَةُ الضَّبْعِ، مَوّارَةٌ، ... تَخُدّ الإِكامَ، وَتَنْفي النِّقالا
إذَا مَا النّوَاعِجُ وَاكَبْنَهَا، ... جَشَمْنَ مِنَ السّيْرِ رَبْواً عُضَالاَ
وَإنْ غَضِبَتْ خِلْتَ بِالمِشْفَرَيْنِ ... سَبَائِخَ قُطْنٍ وَبُرساً نِسالا
وَتَحْدُو يَدَيْهَا، زَحُولَ الخُطَا، ... أَمَرَّهُمَا العَصَبُ مَرّاً شِمَالا
وَتُحْصِفُ بَعْدَ اضْطرابِ النُّسوعِ ... كَمَا أَحْصَفَ العِلْجُ يَحْدُو الحِيَالاَ
تُطِيرُ الحَصَى بِعُرى المَنْسِمَين، ... إذا الحاقِفَاتُ أَلِفْنَ الظِّلالا
وَتَرْمِي الغُيُوبَ بِمَاوِيّتَي ... نِ أَحْدَثَتا بعد صَقْلٍ صِقالا
وَلَيْلٍ تَخَطّيْتُ أَهْوَالَهُ، ... إلى عُمَرٍ أَرْتَجيهِ ثِمالا
طَوَيْتُ مَهَالِكَ مَخْشِيّةً ... إليكَ، لِتُكْذِبَ عَني المَقَالا
بِمِثْلِ الحَنيّ طَوَاهَا الكَلاَلُ، ... فَيَنْضُونَ آلاً وَيَرْكَبْنَ آلا
إلى حاكمٍ عَادِلٍ حُكْمُهُ، ... فَلَمّا وَضَعْنَا لَدَيْهِ الرِّحالا
صرى قَوْلَ مَنْ كَان ذَا مِئْرَةٍ، ... وَمَنْ كَانَ يَأْمُلُ فِيَّ الضَّلالا
أَمينُ الخَلِيفَةِ، بَعْدَ الرّسُولِ، ... وَأَوْفَى قُرَيْشٍ جَمِيعاً حِبالا
وَأَطْوَلُهم في النّدى بَسْطَةً، ... وَأَفْضَلُهُمْ حِينَ عُدُّوا فَعَالا
أَتَتْنيِ لِسَانٌ، فَكَذّبْتُها، ... وَمَا كُنْتُ أَحْذَرُها أن تُقَالا
بِأَنّ الوشاةَ، بلا عِذْرَةٍ، ... أَتُوكَ فَقالوا لَدَيْكَ المِحَالا
فَجِئْتُكَ مُعْتَذِراً رَاجِياً ... لِعَفْوِكَ أَرْهَبُ مِنْكَ النَّكالا
فَلاَ تَسْمَعَنْ بِيَ قَوْلَ الوُشَاةِ، ... ولاَ تُؤكِلَنّي، هُدَيْتَ، الرّجالا
فَإنّكَ خَيْرٌ مِنَ الزِّبرِقَانِ، ... أَشَدُّ نَكالاً، وَخَيْرٌ نَوَالا
الشماخ بن ضرار الطويل
عَفَا بَطْنُ قَوٍ مِنْ سُلَيْمى فَعَالِزُ، ... فَذَاتُ الصَّفا فالمُشْرِفَاتُ النّواشِزُ
وَمَرْقَبَةٌ لاَ يُسْتَقَالُ بِهَا الرَّدى،تَلاَفَى بِهَا حِلْمي، عن الجَهْلِ، حَاجِزُ
وَكُلُّ خَلِيلٍ، غَيْرَها، ضمّ نَفْسَهُ، ... لِوَصْلِ خَليلٍ، صَارِمٌ أَوْ مَعَارِزُ

وَعَوءجَاءَ مِجْذَامٍ، وَأَمْرِ صَرِيمةٍ، ... تَرَكْتُ بِهَا الشَّكَّ الذي هُوَ عَاجِزُ
كَأَنّ قَتُودي فَوْقَ جَأْبٍ مُطرَّدٍ؛ ... مِنَ الحَقْبِ، لاَحَتْه الجِدادُ الغَوَارِزُ
طَوَى ظَمْأَهَأ في بَيْضَةِ الصّيْفِ، بَعْدَمَاجَرَى في عَنَانِ الشِّعْرَيَينِ الأماعِزُ
وَظَلّتْ بِأَعْرَافٍ كَأَنّ عُيُونَها ... إلى الشَمْسِ، هل تدْنو رَكيَّ النّواكِز
لَهُنّ صَلِيلٌ يَنْتَظِرْنَ قَضَاءَهُ، ... بِضَاحِي عَذاةٍ أَمْرُهُ، فهو ضامِزُ
فَلَمّا رأَيْنَ الوِرْدَ مِنْه صَريمةً، ... قَصَيْنَ، وَلاَقَاهُنّ خَلٌّ مُحَاوَزُ
فَلَمّا رأَى الإِظْلامَ بَادَرَها بِهِ، ... كَمَا بَادَرَ الخَصْمُ اللَّجُوجُ المُحَافِزُ
وَيَمّمَها في بَطْنِ غَابٍ وَحَائِرٍ، ... وَمِنْ دُونِهَا مِنْ رَحْرَحَانَ المفاوزُ
عَلَيْهَا الدُّجَى المُسْتَنْشَآتُ كَأَنّها ... هَوَادِجُ مَشْدُودٌ عَلَيْهَا الجزائز
تُعَادِي إذا اسْتَذْكَى عَلَيْهَا، وَتَتَّقيكَما تَتَّقي الفَحْلَ المخاضُ الجَوَامِزُ
فَمَرَّ بِهَا فَوْقَ الجُبَيْلِ، فَجَاوَزَتْ ... عِشاءً، وَمَا كَانَتْ بِشَرْجٍ تُجَاوزُ
وَهَمّتْ بِوِرْدِ القِنَّتَيْنِ، فَصَدَّهَا ... مَضِيقُ الكُرَاعِ، وَالقِنَانُ اللّواهِزُ
وَصَدَّتْ صُدُوداً عَنْ شَرِيعةِ عَثْلَبٍ، ... وَلابْنَيْ عِياذٍ في الصّدُورِ حَزائِزُ
وَلَوْ ثَقِفَاهَا ضَرَّجَتْ بِدِمَائِها،كَمَا جُلِّلتْ، نِضْوَ القِرَامِ، الرَّجائِزُ
وَحَلأَّهَا عَن ذي الأراكَةِ عَامِرٌ،أَخُو الحُضْرِ يَرْمي حَيْثُ تُكْوَى النَّواحِزُ
مُطِلاًّ بِزُرْقٍ مَا يُدَأوَى رَمِيُّهَا،وَصَفْرَاءَ مِنْ نَبْعٍ عَلَيْهَا الجلاَئِزُ
تَخَيَّرَهَا القَوَّاسُ مِنْ فَرْعِ ضَالَةٍ، ... لَهَا شَذَبٌ مِنْ دُونِهَا، وَحَزائِزُ
نَمَتْ في مَكَأنٍ كَنَّها، فاستَوَتْ بِهِ، ... وَمَا دُونَهَا مِنْ غِيلِهَا مُتَلاَحِزُ
فَمَا زَالَ يَنْحُو كلَّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، ... وَيُنْغِلُ حَتّى نَالَها، وهو بَارِزُ
فَأَنْحى عَلَيْهَا ذَأتَ حَدٍّ غُرَابُها، ... عَدُوٌّ لأوْسَاطِ العِضاهِ مُشَارِزُ
فَلَمَّا اطْمَأَنَّتْ في يَدَيْهِ رأَى غَمىًأَحَاطَ بِهِ، وَازْوَرَّ عَمَّنْ يُحَاوِزُ
فَأَمْسَكَهَا عَامَيْنِ يَطلُب دَرْأَها، ... وَيَنْظُرُ مِنْهَا ما الّذِي هُوَ غَامِزُ
أَقَامَ الثِّقَافُ وَالطّرِيدَةُ مَتْنَهَا،كَمَأ أَخْرَجَتْ ضِغنَ الشَّمُوسِ المَهَامِزُ
فَوافَى بِهَا أَهْلَ المَوَاسِمِ، فَانْبَرَىلها بَيِّعٌ يُغلي بِهَا السَّوْمَ رَائِزُ
فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَشْتَرِيها، فَإنَّها ... تُباعُ، إذا بِيعَ التِّلادُ الحَرائِزُ
فَقَال لَهُ: بَايِعْ أَخَاكَ، وَلا يَكُنْلَكَ اليَوْمَ، عَنْ بَيْعِ مِن الربح، لاَهِزُ
فَقَال: إزَارٌ شَرْعَبِيٌّ، وَأَرْبَعُ ... مِنَ السِّيَراءِ، أَوْ أَواقٍ نَواجِزُ
ثَمَانٍ مِنَ الكُوريّ حُمْرٌ، كَأَنَّها ... مِنَ التِّبر ما أذكى عَنِ النَّارِ خَابِزُ
وَبُرْدَانِ مِنْ خَالٍ وَتِسْعُونَ دِرْهَماً،على ذَاكَ مَقْرُوظٌ مِنَ الجِلْدِ مَاعِزُ
فَظَلّ يُنَاجي نَفْسَهُ وَأَمِيرَها، ... أَيَأْبَى الذي يُعْطَى بها، أو يُجَاوِزُ
فَلَمّا شَرَاهَا فَاضَتِ العَيْنُ عَبْرَةً،وَفي الصَّدْرِ حُزَّازٌ مِنَ الوَجْدِ حَامِزُ
فَذَاقَ، فَأَعْطَتْهُ مِنَ اللِّينِ جَانِباًكَفَى وَلَهاً أن يُغْرِقَ السَّهْمَ حَاجِزُ
إذَا أَنْبَضَ الرّامُونَ فِيهَا تَرَنَّمَتْ ... تَرَنُّمَ ثَكْلى أَوْجَعَتْها الجَنَائِزُ
هَتُوفٌ، إذا ما خَالَطَ الظبيَ سَهْمُهَا، ... وَإنْ رِيعَ مِنْهَا أَسْلَمَتْهُ النّوافِزُ

كَأَنَّ عَلَيْهَا زَعْفَراناً تُمِيرُهُ ... خَوَازِنُ عَطَّارٍ يَمَانٍ، كَوَانِزُ
إذا سَقَطَ الأنْدَاءُ صِينَتْ وَأُشْعِرَتْحَبيراً وَلَمْ تُدْرَجْ عَلَيْهَا المَعَاوِزُ
فَلَمّا رأَيْنَ الماءَ قَدْ حَالَ دُونَهُ ... ذُعافٌ على جَنْبِ الشَرِيعَةِ كَارِزُ
رَكِبْنَ الذُّنَابَى، فَاتَّبَعْنَ بِهِ الهَوَى،كَمَاتَابَعَتْ شَدَّ العِنَانِ الخَوَارِزُ
فَلَمّا دَعَاهَا مِنْ أَبَاطِحِ وَاسِطٍ ... دَوَائِرُ لم تِضْرَبْ عَلَيْهَا الجَرَامِزُ
حَذَاهَا مِنَ الصَّيْدَاءِ نَعْلاً طِرَاقُها ... حَوَامِي الكُرَاعِ المُؤَيداتُ العشاوز
تَوَجّسْنَ، واسْتيْقَنَّ أَنَّ لَيْسَ حَاضِرٌعلى الماءِ إلاَّ المُقْعَدَاتُ القَوَافِزُ
يَلِهْنَ بِمِدْرَانٍ مِنَ اللَّيْلِ مَوْهِناً، ... عَلَى عَجَلٍن ولِلْفَرِيصِ هَزَاهِزُ
وَرَوّحَهَا في المُورِ مُورِ حَمَامَةٍ، ... على كلِّ إجْرِيَّائِها، وَهُوَ آبِزُ
يُكَلِّفُهَا أَقْصَى مَدَاهُ، إذا الْتَوَىبِهَا الوِرْدُ وَاعْوَجَّتْ عليها المَفَاوِزُ
حَدَاهَا بِرَجْعٍ مِنْ نَهيقٍ، كَأَنَّهُ ... لَمَّا رَدَّ لحيَيه مِنَ الجَوْفِ رَاجِزُ
مُحَامٍ على رَوْعَاتِها، لا يَرُوعُها، ... خِمالٌ، ولا ساعي الرُّماةِ المُنَاهِز
وَقَابَلَها مِنْ بَطْنِ ذُرْةَةَ مُصْعِداً، ... على طُرُقٍ كَأنَّهُنّ نَحَائِزُ
فَأَصْبَحَ فَوْقَ الحِقْفِ حِقْفِ تُبالةٍ، ... له مَرْكَضٌ في مُسْتَوَى الأرضِ بَارِزُ
وَأَضْحَتْ تُغَالي بِالسِتَارِ، كَأَنَّها ... رِمَاحٌ نَحَاهَا وُجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ

عمرو بن أحمر البسيط
بَانَ الشَّبَابُ وَأَفْنَى ضُعْفَهُ العُمُرُ،للَّهِ دَرُّكَ أَيَّ العَيْشِ تَنْتَظِرُ
هَلْ أَنْتَ طَالِبُ وِتْرٍ لَسْتَ مُدْرِكَهُ،أَمْ هَلْ لِقَلْبِكَ عن أُلاَّفِهِ وَطَرُ
أَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ آياتٍ، فَقَدْ جَعَلَتْ ... آياتُ إلْفِكَ بِالوَدْكَاءِ تَدَّثِرُ
أَمْ لاَ نَزَالُ نُرَجّي عِيْشَاً أُنُفاً،لَمْ تُرْجَ قَبْلُ وَلَمْ يُكْتَبْ بِها زُبُرُ
يلحَى على ذَاكَ أَصْحَابي، فقلتُ لَهُمْ: ... ذَاكُمْ زَمَانٌ وَهَذا بَعْدَه عُصُرُ
مَنْ لِنَّوَاعِجِ تَنْزُو في أَزِمَّتِها، ... أَمْ للتَّنائي حُمُولُ الحَيِّ قَدْ بَكَروا
كَأَنَّها بِنَقَا العَزَّافِ قاربُهُ، ... لَمَّا انْطوَى نَيُّها واخْرَوَّطَ الشَّفَرُ
مَارِيَةٌ لُؤلُؤانُ اللَّونِ، أَوَّدَهَا ... طَلٌّ، وبَنَّسَ عَنْهَا فَرْقَدٌ خَصِرُ
ظَلّتْ تُمَاحِل عَنْهُ عَسْعساً لَحِماً، ... يَمشي الضَّراء، خَفِيّاً، دُونَهُ النَّظَرُ
يَرَى لَهَا وَهُوَ مَسْرُورٌ بِغَفْلَتِها،طَوْراً، وَطَوْراً تَسَنَّاهُ، فَتَعْتَكِرُ
في يَوْمِ ظِلٍّ وَأَشْبَاهٍ، وَصَافِيَةٍ ... شَهْبَا، وثَلْجٍ وَقَطْرٍ، وَقْعُه دِرَرُ
حَتّى تَنَاهَى بِهِ غَيْثٌ وَلَجّ بِهَا ... بَهْوٌ تَلاَقَتْ بِهِ الآرامُ وَالبَقَرُ
طَافَتْ، وَسَافَتْ قَلِيلاً حَوْلَ مَرْتَعِهِ،حَتَّى انْقَضَى مِنْ تَوَالي إلْفِهَا الوَطَرُ
فَلَمْ تَجِدْ في سَوَادِ اللَّيْلِ رَائِحَةً،إلاَّ سَمَاحِيقَ مِمّا أَحْرَزَ العَفَرُ
ثُمَّ ارْعَوتْ في سَوَادِ اللَّيلِ وادَّكَرَتْ ... وَقَدْ تَمزَّع صَادٍ لَحْمُهُ دَفِرُ
ثُمَّ اسْتَمَرّتْ كَبَرْقِ اللَّيْلِ، وانْحَسَرَتْعَنْها الشَّقَائِقُ من نَبْهَانَ، والظُّفُرُ
تَطَايَحَ الطَّلُّ عَنْ أَرْدَافِهَا صُعُداً،كَمَا تَطَايَحَ عَنْ مَامُوسَةَ الشَّرَرُ
كَأنّمَا تِلْكَ لَمّا أَنْ دَنَتْ أُصُلاً، مِنْ رَحْرحانٍ، وفي أعطافِها زَوَرُ
حَى إذا كَرِبَتْ، واللَّيلُ يَطْلُبُها،أَيْدِي الرَّكَايا عَن اللَّعْبَاءِ تَنْحَدِرُ

حَطَّتْ وَلَوْ عَلِمَتْ عِلْمِي لما عَزَفَتْ ... حَتَّى تَلَيَّنَ، وَاهٍ كَرُّهَا بَسَرُ
شَيْخٌ شَمُوسٌ إذا مَا عَزَّ صَاحِبُهُ، ... شَهْمٌ، وَأَسْمَرُ مَحْبُوكٌ لَهُ عُذُر
كَأنَّ وَقْعَتَهُ، لَوْ دَانَ مَرْفِقُها، ... وَقْعُ الصَّفَا بِأَديمٍ، وَقْعُهُ تَئِرُ
حَنَّتْ قَلوصي إلى بَابُوسِها جَزَعاً، ... فَما حَنِينُكَ أم ما أَنْتَ والذِّكَرُ
إخَالُها سَمِعَتْ عَزْفَاً فَتَحْسِبُهُ ... إهَابَةَ القَسْرِ لَيْلاً حِينَ يَنْتَشِرُ
خُبّي فَلَيْسَ إلى عُثْمَانَ مُرْتَجَعٌ، ... إلاّ العَداءُ، وإلاّ مُكْنَعٌ ضَرَر
وَانجي، فإني إخالُ النَّاسَ في نَكَصٍ، ... وَأَنَّ يَحْيَى غَيَاثُ النَّاسِ وَالعَصَرُ
يا يحيَ، يا ابنَ إمَأمِ النَّاس أَهْلَكَنا ... ضَرْبُ الجُلُود، وعُسرُ المالِ وَالحَسَرُ
إنْ قُمْتَ يا ابنَ أبي العاصي بِحَاجَتِنا، ... فَما لِحَاجَتِنَا وِرْدٌ ولا صَدَرُ
مَا تَرْضَ نَرْضَ وإن كَلَّفْتَنَا شَطَطاً، ... وما كَرِهْتَ فَكُرهٌ عندنا قَذَرُ
نَحْنُ الَّذينَ، إذا ما شِئْتَ أَسْمَعَنَا ... دَاعٍ، فَجِئْنَا لأيَّ الأمْرِ نَأْتَمِرُ
إنّي أعُوذُ بِمَا عَاذَ النَّبيُّ بِهِ، ... وَبِالخَلِيفَةِ أن لا تُقْبَلَ العِذَرُ
من مُترفيكم وَأَصْحَابٍ لَنَا مَعَهُمْ، ... لاَ يَعْدلُونَ، ولا نَأْبَى، فَنَنْتَصِرُ
فإنْ تُقِرّ عَلينا جَوْرَ مَظْلَمَةٍ، ... لَم تَبْنِ بيتاً على أَمثالها مُضَرُ
لا تَنْسَ يَوْمَ أبي الدَّرْدَاءِ مَشْهَدَنا، ... وَقَبْلَ ذلكَ أيّامٌ لَنَا أُخَرُ
من يُمْسِ من آلِ يحيَى يمسِ مُغْتَبِطاً ... في عِصْمَةِ الأمْرِ ما لم يَغْلِبِ القَدَرُ
وَرَّدَةٌ يَوْمَ نَعْتِ المَوْتِ رَايتُهُم ... حتَّى يَفيء إليها النَّصْرُ والظَّفَرُ
مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ هُمُ للَّهِ خَالصةٌ، ... قَدْ صَعّدوا بِزِمامِ الأمْرِ، وَانْحَدَرُوا
كَأَنَّهُ، صُبْحَ يَسري القَوْمُ لَيْلَهُمُ، ... ماضٍ من الهِنْدِوانيّاتِ مُنْسَدِرُ
يعلو مَعَدّاً، ويسْتَسْقي الغمامَ بِهِ، ... بَدْرٌ تضاءَل فيهِ الشمسُ والقمر
هل في الثماني من التّسعين مَظلمةٌ، ... وَرَبُّها لكتابِ اللَّهِ مُسْتَطِر
يكسُونَهُم أصبحيّاتٍ مُحدرَجَةً، ... إنَّ الشيوخَ إذا ما أَوجعوا ضجِرُوا
حتى يَطِيبُوا لهمْ نفساً علانيةً ... عَن القِلاصِ التي من دونِها مَكَرُوا
لَسْنا بِأَجْسَادِ عادٍ في طبائِعنا، ... لا نَأْلَمُ الشرَّ حتى يَأْلَمَ الحَجَرُ
ولا نصارَآ، عَلَيْنَا جِزْيَةٌ نُسُكٌ، ... ولا يهوداً طَغَاماً دِينُهم هَدَرُ
إنْ نَحْنُ إلاّ أُناسٌ أهلُ سائمةٍ، ... ما إن لنا دُونَها حرثٌ، ولا غُرَرُ
مَلّوا البلادَ، وَمَلّتْهم، وأَحزَقَهم ... ظُلمُ السُّعاةِ، وبادَ الماءُ والشَّجرُ
إن لا تُدارِكْهُمُ تُصْبِحْ ديارُهُمُ ... قَفراً، تصيحُ على أَرْجَائِها الحُمَرُ
أدرِكْ نساءً وشِيباًن لا قرارَ لهم ... إن لم يَكُنْ لك فيما قد لقُوا غِيَرُ
إن العِيابَ التي يُخْفونَ مُشرَجَةٌ ... فِيهَا البيانُ، ويُلوى دُونَكَ الخِبَرُ
فابْعَثْ إليهم، فحاسِبْهُم مُحاسَبَةً، ... لا تُخفَ عَيْنٌ على عَيْنٍ ولا أَثَرُ

ولا تَقُولَنّ: زهواً ما تُخبِّرُني، ... لم يَتْركِ الشَيْبُ لي زهواً ولا العَوَرُ
سائلهُمُ حَيْثُ يَبْدي اللَّهُ عَوْرَتَهُمْ: ... هلْ في قلوبهمُ من خَوْفِنا وَحَرُ؟

تميم بن مقبل العامري البسيط
طَافَ الخَيالُ بِنَا رَكْباً يَمَانِينا، ... وَدُونَ ليلى عَوادٍ لو تُعَدّينا
مِنْهُنّ مَعْرُوفُ آياتِ الكِتَابِ، وقد ... تَعْتَادُ تَكْذِبُ ليلى ما تُمَنّينا
لمْ تَسْرِ ليلى، ولم تَطْرُقْ لِحَاجَتِها، ... مِنْ أَهْلِ رَيْمَان، إلاّ حاجةً فينا
مِنْ سَرْوِ حِمْيرَ أَبْوَالُ البِغَالِ بِهِ،أَنَّى تَسَدَّيْتُ وَهْناً ذَلِكَ البينَا
أَمْسَتْ بِأَذْرُعِ أكْبَادٍ فَحُمَّ لها ... ركبٌ بِلِينَةَ أو ركْبٌ بِسَاوِينَا
يا دَارَ ليلى خَلاءً لا أُكَلِّفُها ... إلاّ المَرَانَةَ حتى تَعْرِفَ الدِّينا
تهدي الزَّنَانِيرُ أَرْوَاحَ المَصيفِ لَنَا ... وَمِن ثَنَايا فُرُوج الكُورِ تُهْدِيْنَا
هَيْفٌ هَزُوجُ الضُّحى سَهْوٌ مَنَاكِبُها ... يَكْسُونَهَا بالعَشِيَّاتِ العَثَانِينا
عَرَّجْتُ فِيهَا أُحَيّيهَا وَأَسْأَلُها ... فَكِدْنَ يُبْكِينَني شَوْقاً وَيَبْكِينَا
فَقُلْتُ لِلْقَوْمِ: سِيرُوا لا أَبَا لَكُمُ، ... أَرَى مَنَازِلَ ليلى لا تُحَيِّينَا
وَطَاسِمٍ، دعسُ آثارِ المَطْيّ بِهِ، ... نائي المَخَارِم عِرنيناً فَعِرنينا
قَدْ غَيَّرَته رِياحٌ وَاخْتَرَقْنَ به ... مِن كلِّ مَأتىً سَبِيلُ الرِّيحِ يَأْتِينَا
يُصْبِحْنَ دَعْساً مَرَاسِيلُ المطيّ به، ... حتّى يغيّرْنَ مِنْهُ، أَوْ يُسَوّينَا
في ظَهْرِ مَرْتٍ عَسَاقِيْلُ السَّرابِ بهِ، ... كَأَنَّ وَغْرَ قَطَاهُ وَغْرُ حَادِينَا
كَأَنَّ أَصْوَاتَ أَبْكَارِ الحَمَامِ بِهِ، ... في كلِّ محنِيَةٍ مِنْهُ يُغَنِّينَا
أَصْوَاتُ نِسْوانِ أَنْباطٍ بِمَصْنَعَةٍ، ... يُجدْنَ للنَّوحِ، وَاجْتَبْنَ التّبابِينَا
مِنْ مُشْرِفٍ لِيطَ البَلاَطُ بِهِ، ... كَانَتْ لَسَاسَتِهش تُهْدِي قَرَابِينَا
صَوْتُ النواقِيسِ فِيهِ، ما يفرِّطهُ، ... أَيْدي الجُلاَذي، وجُونٌ ما يغفّينا
كَأَنَّ أَصْوَاتَها، منْ حَيْثُ تَسْمعُها، ... صَوْتُ المحابِضِ يَخْلُجْنَ المحارينا
وَاطأْتُهُ بالسُّرَى حتى ترَكْتُ بِهِ ... لَيْلَ التَّمامِ تَرَى أَسْدَافَهُ جُونَا
حتَّى اسْتَبَنْتُ الهُدى وَالبِيدُ هَاجِمَةٌ ... يَخْشَعْنَ في الآل غُلْفاً، أَوْ يصلّينا
وَاسْتَحْمَلَ الشَوْقَ مني عِرْمِسٌ سُرُحٌ ... تَخَالُ باغزَها باللَّيْلِ مجنْونا
تَرْمي الفجاجَ بِحِيدارِ الحَصَى قُمَزاً، ... في مِشيةٍ سُرُحٍ خِلْطٍ أَفانينا
تَرْمي به، وهي كَِالحَرداءِ خَائِفَةٌ، ... قَذْفَ البَ،َانِ الحصى بين المَخَاسِينَا
كَانَتْ تُدَوِّمُ إرْقالاً، فتجمعه ... إلى مَنَاكِبَ يَدْفَعْنَ المذاعينا
وَعَأتِقٍ شَوحَطٍ صُمٍّ مَقَاطِعُها، ... مَكْسُوّةٍ منْ خِيارِ الوَشي تلوينا
عَارَضْتُها بعَنودٍ غَيْرِ مُعْتَلَثٍ، ... يزينُ مِنْها مُتوناً حين يَجرينَا
حَسَرْتُ عن كفّيَ السّربالَ آخُذُهُ ... فَرداً يُجرّ على أَيْدي المُفَدِّينَا
ثُمَّ انْصَرَفْتُ به جَذْلاَنَ مُبْتَهِجاً، ... كَأَنَّهُ وَقْفُ عاجٍ باتَ مَكْنُونَا
وَمَأْتَمٍ كَالدُّمَى حُورٍ مَدَامِعُها، ... لَمْ تَيْأَسِ العَيْشَ أَبكاراً ولا عُونَا
شَمٌّ مُخَصَّرَةٌ، صينتْ منعَّمةً، ... منْ كلّ داءٍ بإذن اللَّهِ يشْفِينَا

كَأَنَّ أَعْيُنَ غزْلانٍ، إذا اكْتَحَلَتْ، ... بالإِثْمِدِ الجَوْنِ قَد قَرّضْنَهُ حِينا
كَأَنَّهُنَّ الظِّباءُ الأُدمُ أَسْكَنَها ... ضَالٌ بِغُرّةَ أَمْ ضالٌ بِدارينا
يمشينَ مِثْلَ النّقا مَالَتْ جوانِبُهُ، ... يَنْهَالُ حِيناً وَيَنْهَاهُ الثّرى حِينَا
مِنْ رَمَلِ عِرْنَانَ أَوْ مِنْ رملِ أَسْنِمة،جَعدَ الثَرَى باتَ في الأمْطَارِ مَدجونَا
أَوْ كَاهْتِزَازِ رُدَينّيٍ تَداولُهُ ... أَيْدي الرّجال، فزادوا مَسَّهُ لِينَا
نازَعْتُ أَلْبَابَها لُبّي بِمُخْتَزَنٍ ... مِنَ الأحاديثِ حتى ازْدَدنَ لي لِينَا
أَبْلِغْ خديجاً بأنّي قَدْ كرهْتُ لَهُ ... بَعْضَ المَقَالَةِ يَهْذينا، فَتَأْتِينَا
أَرَاكَ تَجْري إلَيْنَا غَيْرَ ذي رَسَنٍ، ... وَقَدْ تَكُونُ إذا نُجريكَ تُعْيِينَا
وَقَدْ بَريتُ قِدَاحاً أَنْتَ مُرْسِلُها،وَنَحْنُ رَامُوكَ، فانظُرْ كَيْفَ تَرْمِينَا
فَاقْصِدْ بِزَرْعِكَ واعْلَمْ لو تُجامِعُنَاأَنّا بَنُو الحربِ نَسْقِيها وَتَسْقِينَا
مَرَّ السّهامِ بِخُرْصانٍ مُسَوَّمَةٍ، ... وَالمشْرِفَيّةُ نُهْدِيها بِأَيْدينَا
أَيّامُنا شِيَمٌ، إنْ كُنْتَ جَاهِلَهَا، ... يَوْمَ الطِّانِ، وَتَلْقَانَا مَيَامِينَا
وَعَاقِدُ التّاجِ، أَوْ سامٍ لَهُ شَرَفٌ، ... مِنْ سُوقةِ النّاسِ، نَالَتْهُ عَوَالِينَا
فَاسْتَبهِلِ الحَرْبَ مِنْ حَرّانَ مُطَّرِدٍ ... حتَّى تَظَلّ على الكَفّينِ مَرْهُونَا
وَإنّ فينا صَبُوحاً إن أَرِبْتَ بِهِ ... جَمْعاً بهيّاً، وآلافاً ثَمَانِينَا
وَرَجْلَةً يَضْرِبُونَ البِيضَ عن عُرُضٍ ... ضرباً تَواصَآ بِهِ الأبْطَالُ سِجّينَا
وَمقرباتٍ عناجيجاً مُطهَّمةً، ... مِن آلِ أَعْوَجَ مَلْحوفاً وملْبونَا
إذا تجَاوبنَ صَعَّدنَ الصَّهيْلَ إلى ... صلبِ الشؤون ولم تصهلْ بَرَاذِينَا
فلا تكُونَّن كالنّازي بِبِطْنَتِهِ، ... بَيْنَ القَرِينَينِ حتى ظَلَّ مَقْرُونَا

الملحمات
الفرزدق جرير بن بلال الأخطل التغلبي عبيد الراعي ذو الرمة الكميت بن زيد الأسدي الطرماح بن حكيم الطائي
الفرزدق الطويل
عَزَفْتَ بِأَعشاشٍ وَمَا كِدْتَ تَعزِفُ ... وَأَنْكَرْتَ مِنْ حدراءَ ما كُنْتَ تَعْرِفُ
وَلجّ بِكَ الهجْرانُ، حتَّى كَأنّما ... تَرَى المَوْتَ في البَيْتِ الذي كُنْتَ تَأْلَفُ
لَجَاجَةَ صَرْمٍ، ليسَ بِالوَصْل إنَّما ... أَخُو الوَصْلِ مَنْ يَدْنُو ومن يَتَلَطَّفُ
وَمُسْتَنْفِرَاتٍ لِلْقُلُوبِ كَأَنّها ... مَهاً حَوْلَ مَنْسُوجَاتِهِ تَتَصَرّفُ
تَرَاهُنّ مِن فَرْطِ الحياءِ، كَأَنّها ... مراضُ سُلالٍ، أو هوالكُ نُزَّفُ
وَيَبْذُلْنَ بَعْدَ اليأسِ مِن غَيرِ رِيبَةٍ ... أَحاديثَ تَشْفي المُدْنَفِينَ وَتَشْغَفُ
إذا هُنّ ساقطنَ الحديثَ حَسِبْتَهُ ... جَنَى النحل، أو أَبكَارَ كرْمٍ تُقَطَّفُ
مَوَانِعُ لِلأسْرارِ، إلاّ لأهْلِها، ... وَيُخلِفنَ مَا ظَنَّ الغَيُورُ المُشَفْشِفُ
إذا القُنبُضاتُ السودُ طوّفنَ بالضّحَى ... رَقدْنَ عليهِنّ الحِجَالُ المسجَّفُ
وإنْ نَبّهَتْهُنّ الولائدُ، بَعْدما ... تَصَعَّدَ يَوْمُ الصّيْفِ، أو كادَ يَنْصُفُ
دعونَ بِقُضْبَانِ الأرَاكِ التي جَنَى ... لها الرَّكْبُ من نَعْمَانَ أيّامَ عَرّفُوا
فَمِحْنَ بِهِ عَذْبَ الثَنَايَا رُضَابُهُ ... رِقاقٌ، وأعلى حَيْثُ رُكّبنَ أَعجفُ
وإنْ نُبِّهتْ حَدراءُ من نَوْمَةِ الضحى ... دَعَتْ وَعليها مِرطُ خَزّ وَمِطْرَفُ

بِأَخْضَرَ مِنْ نَعْمَانَ ثمّ جَلَتْ بِهِ ... عِذاَبَ الثّنَايا طَيّباً يَتَرَشَّفُ
لَبِسْنَ الفَرِيدَ الخُسْرُوَانيّ تَحْتَهُ ... مَشَاعِرُ خَزّيّ العِرَاقِ المُفَوَّفُ
فَكَيْفَ بِمَحْبُوسٍ دَعَاني، وَدُونَهُ ... دُرُوبٌ وَأَبْوَابٌ وَقصرٌ مُشرَّفُ
وَصُهْبٌ لِحَاهُمْ رَاكِزُونَ رِمَاحَهُم، ... لَهُمْ دَرَقٌ تَحْتَ العَوَاليّ مُضَعَفُ
وَضَاريةٌ ما مَرّ إلاّ اقْتَسَمْنَهُ، ... عَلَيْهِنّ خَوّاضٌ إلى الظّبي مُخْشِفُ
يُبَلِّغُنَا عَنْهَا، بِغَيْرِ كَلاَمِها، ... إلينا، مِنَ القَصرِ البَنَانُ المُطرَّفُ
دَعَوْتُ الذي سَوّى السماءَ بِأَيْدِهِ، ... وَلَلَّهُ أَدْنَى مِنْ وَرِيدِي وَأَلْطَفُ
لَيَشغَلَ عَنّي بَعْلَها، بِزَمَانَةٍ، ... تَدَلّهُهُ عَنّي، وَعَنْهَأ، فَتُسْعِفُ
بِمَا في فُؤَدَينا من الشَوْقِ والهَوَى، ... فَيجْبُرُ مُنْهَاضُ الفُؤادِ المشقَّفُ
فَأَرْسَلَ في عَيْنَيْهِ ماءً عَلاَهُما، ... وَقَدْ عَلِموا أني أَطِبُّ وَأَعْرَفُ
فَدَاوَيْتُهُ حَوْلَينِ، وَهِي قَرِيبَةٌ، ... أَرَاها، وَتَدْنُو لي مِراراً، فَأَرْشُفُ
سُلاَفَةَ دَجْنٍ خَالَطَتْهَا تَرِيكَةٌ ... على شَفَتيْها، والذكيُّ المسوَّفُ
أَلا لَيْتَنَا كُنّا لا نُرى ... على مَنْهَلٍ إلاّ نُشَلّ، ونُقْذَفُ
كِلاَنَا بِهِ عَرٌّ يُخَافُ قِرافُه ... على الناسِ مطليُّ المَسَاعِرِ أَخْشَفُ
بِأَرْضِ خَلاءٍ وَحْدَنَا، وَثِيابُنا ... مِنَ الرَّيْطِ والديباجِ دِرعٌ وَمِلْحَفُ
وَلاَ زَادَ إلاّ فَضْلَتَانِ: سُلافَةٌ ... وَأَبْيَضُ مِنْ ماءِ الْغَمَامَةِ قَرْقَفُ
وَأَشْلاَءُ لَحْمٍ مِنْ حُبارى يَصِيدُها ... إذا نَحْنُ شِئْنا صَاحِبٌ مُتَأَلِّفُ
لَنَا ما تَمَنّيْنا منَ العيشِ، ما دَعَا ... هَدِيلاً حَمَامَاتٌ بِنَعْمَانَ وُقّفُ
إليكَ، أَميرَ المؤمِنينَ، رَمَتْ بنا ... هُمُومُ المُنى، وَالهَوْجَلُ المُتَعَسِّفُ
وَعَضُّ زَمَانٍ، يا ابنَ مروانَ، لم يدع ... مِنَ المالِ إلا مُسحَتاً، أَو مُجَلَّفُ
وَمَائِرَةُ الأعضادِ صُهْبٌ، كَأَنّها ... عليها مِنَ الأيْنِ الجِسَادُ المدوَّفُ
نَهَضْنَ بِنَا منْ سِيفِ رَمْل كُهَيْلَةٍ، ... وَفِيهَا بَقَايا من مِراحٍ، وَعَجْرَفُ
فَمَا وَصَلَتْ حَتّى تَوَاكَلَ نَهْزُهَا، ... وَبَادَتْ ذُرَاها، والمناسِمُ رُعَّفُ
وَحَتّى مَشَى الحَادِي البَطِيءُ يَسُوقُها ... لَهَا نَحَضٌ دَامٍ وَدَأيٌ مُجَنَّفُ
وَحَتى قَتَلْنَا الجَهْلَ عَنْهَا، وَغُودِرَتْ، ... إذا ما أُنِيخَتْ، والمدامع ذُرَّفُ
إذا ما أُنِيخَتْ قَاتَلَتْ عن ظُهُورِها، ... حَرَاجِيجُ أَمْثالُ الأسِنّةِ شُسَّفُ
وَحَتى بَعَثْنَاها، وَمَا في يَدٍ لها، ... إذا حُلّ عَنْهَا رِمّةُ القيد، مَرْسَفُ
إذَا ما رَأَيْنَاها الأزمّةَ أَقْبَلَتْ ... إلَيْهَا بِحُرّاتِ الوُجوهِ، تَصَرَّفُ
ذَرَعْنَ بِنَا مَا بَيْنَ يَبرينَ عَرْضَه، ... إلى الشّامِ يَلْقاها رِعانٌ، وَصَفْصَفُ
فَأَفْنَى مِرَاحَ الذّاعِريّة خَوْضُها ... بِنَا اللّيْلَ، إذ نامَ الدَّثُورُ المُلَفَّفُ
إذَا احْمَرَ آفَاقُ السّماءِ، وَهَتَّكَتْ ... كُسُورَ بُيوتِ الحَيّ نَكْبَاءُ حَرْجَفُ
وَجَاءَ قريعُ الشَّوْلِ قَبْلَ إفالِها، ... يَزِفّ، وَجَاءَتْ خَلْفَه، وَهِيَ زُفَّفُ

وَهَتّكَتِ الأطْنَابَ كلُّ ذِفِرّةٍ، ... لَهَا تَامِكٌ مِنْ عَاتِقِ النَّيِّ أَعْرَفُ
وَبَاشَرَ رَاعِيهَا الصَّلَى بلَبَانِهِ، ... وَكَفّيه، حَرَّ النَّارِ ما يَتَحَرَّفُ
وَقَاتَلَ كَلْبُ القَوْمِ عَنْ نَارِ أَهْلِهِ، ... لِيَرْبِضَ فيها، والصَّلى مُتَكَنَّفُ
وَأَصْبَحَ مُبْيَضُّ الصَّقِيعِ، كأنّهُ ... على سَرَواتِ النِّيبِ قُطنٌ مُنَدَّفُ
وَأَوْقَدَتِ الشِّعرى، مع اللل، نارَها، ... وَأَمْسَتْ مُحَولاً جَلْدُها يَتَوَسّفُ
لَنَا العِزّةُ القَعْسَاءُ، وَالعَدَدُ الذي ... عَلَيْهِ، إذا عُدّ الحصى، يُتَحَلّفُ
وَلَوْ تَشْرَبُ الكلبَى المِراضُ دِماءنا، ... شَفَتْها، وذَوُ الدّاءِ هُوَ أَدْنَفُ
لَنَا، حَيْثُ آفاقُ البرِيّةِ تَلْتَقي، ... عَدِيدُ الحَصَى وَالقَسْوَريُّ المُخَنْدِفُ
وَمِنّا الذي لا يَنْطِقُ النّاسُ عِنْدَهُ، ... وَلَكِنْ هُوَ المُسْتَأْذَنُ المُتَنَصَّفُ
تَرَاهُمْ قُعُوداً حَوْلَهُ، وَعُيونُهم ... مُكَسّرَةٌ أَبْصَارُهَا، ما تَصَرَّفُ
وَبَيْتَانِ: بَيْتُ اللَّهِ نَحْنُ وُلاَتُهُ، ... وَبَيْتٌ، بِأَعْلى إيلياءَ، مُشرَّفُ
تَرَى النّاسَ ما سِرْنا يَسِيرُونَ خَلْفَنَا،وَإنْ نَحْنُ أَوْمَأنا إلى النّاسِ وَقّفُوا
أُلُوفُ أُلُوفٍ من رجالٍ وَمِنْ قَناً، ... وَخَيْلٌ كَرَيْعَانِ الجَراد، وَحَرْشَفُ
وَلاَ عِزّ إلاّ عِزُّنَا قَاهِرٌ لَهُ، ... وَيَسْأَلُنا النَّصْفَ الذّلِيلُ فَنُنْصِفُ
وَإنْ فَتَنُوا يَوْماً ضَرَبْنَا رُؤوسَهُم، ... عَلى الدِّينِ حتى يُقْبِلَ المُتَأَلِّفُ
إذا ما احْتَبَتْ لي دَارمٌ عِنْدَ غَايَةٍ، ... جَرَيْتُ إليها جَرْيَ مَنْ يَتَغَطْرَفُ
كِلاَنَا لَهُ قَوْمٌ، فَهُم يَجْلِبُونَهُ ... بِأَحْسَابِهِمْ حَتّى يُرى مَنْ يُخَلَّفُ
إلى أمَدٍ، حتى يُفَرِّقَ بَيْنَنَا، ... وَيُرْجِعُ مِنّا النحسَ مَن هُوَ مُقْرِفُ
فَإنّكَ، إنْ تَسْعَى لِتَدركَ دارماً، ... لأنْتَ المُعنّى، يا جريرُ، المُكَلَّفُ
أَتَطْلُبُ مَنْ عِنْدَ النُّجُومِ وَفَوْقَها ... بِرِبْقٍ وَعَيرٍ ظَهْرُهُ يَتَقَرَّفُ
وَشَيْخَيْنِ قَدْ نَاكَا ثَمَانينَ حَجَّةً ... أَتَانَيهما هذا كبيرٌ وَأَعْجَفُ
عَطَفْتُ عَلَيْكَ الحَرْبَ، إنّي إذا وَنَى ... أخو الحَرْبِ كَرّارٌ على القِرْنِ مِعْطَفُ
أَبَى لِجُرَيرٍ رَهْطُ سُوءٍ أذِلّةٍ، ... وَعِرضٌ لَئيمٌ للمَخَازي موقَّفُ
وَجَدْتُ الثرى فينا، إذِ التُمسَ الثرى، ... وَمَنْ هُوَ يرجو فضْلَهُ المُتَضَيِّفُ
وَيُمْنَعُ مَوْلاَنَا، وَإنْ كان نَائِياً ... بِنَا دَارُه، مِمّا يَخافُ، وَيأْنَفُ
تَرَى جارَنَا فينا يُجِيرُ، وَإنْ جَنَى، ... وَلاَ هُوَ مِمّا يُنَظِفُ الجارَ يُنْظَفُ
وَكُنّا إذا نَامَتْ كُلَيبٌ عن القِرى، ... إلى الضّيْفِ نَمْشي مُسْرِعينَ وَنُلْحِفُ
وَقَدْ عَلِمَ الجِيرانُ أَنْ قُدورَنَا ... ضَوَامِنُ للأرْزَاقِ وَالرّيحُ زَفْزَفُ
تُفَرَّغُ في شِيزى كأَنّ جِفَانَها ... حَيَاضُ جِبىً مِنْهَا مِلاءٌ وَنُصَّفُ
تَرَى حَوْلَهُنّ المُعْتَفِينَ، كَأَنّهُمْ ... على صَنَمٍ في الجاهِليّةِ عُكَّفُ
قُعُوداً وَحَوْلَ القاعِدينَ سطورُهم ... جُنوحٌ وأَيديهم جُموسٌ وَنُظَّفُ
وَمَا حلّ، من جهلٍ، حُبَى حُلمائنا، ... وَلاَ قَائِلُ المَعْرُوفِ فِينَا يُعَنَّفُ

وَمَا قَامَ مِنّا قَائِمٌ في نَدِيّنا، ... فَينطِقُ إلاّ بالتي هيَ أَعْرَفُ
وإنّا لَمِنْ قَوْمٍ بِهِمْ يُتَّقَى الرّدى، ... ورأْبُ الّأى، والجانبُ
وَأَضْيَافِ ليلٍ قد نَقَلْنا قِراهُم، ... إلَيْهِمْ، فَأَتْلفنا المَنايا وَأَتْلفوا
قَرَيناهُمُ المأثورَةَ البِيضَ قَبْلَها ... يُثِجّ العُرُوقَ الأزأنيُّ المُثَقَّفُ
ومسروحةٍ مِثْل الجَرَاد يسوُقُها ... مُمَرٌّ قُوَاهُ والسَّراءُ المعطَّفُ
فَأَصْبح في حيث التَقَيْنا شريدُهم ... قَتِيلٌ، ومكتُوفُ اليَدَيْنِ، وَمُزْعَفُ
وَكُنّا إذا ما اسْتَكرَه الضّيْفُ بالقِرى ... أَتَتْهُ العَوالي وهيَ بالسُّمّ رُعَّفُ
وَلاَ تَستجِمُّ الخَيْلُ حتى نُجِمّها، ... فَيَعْرِفَها أَعْدَاؤنا، وهي عُطَّفُ
لِذَلِكَ كَانَتْ خَيْلُنا مرّةً تُرَى ... حِساناً، وَأَحْيَاناً تُقادُ، فَتعجَفُ
عَلَيهِنّ مِنّا الناقِمونَ ذُحُولَهُمْ، ... فَهُنّ بِأَعْبَاءِ المَنِيّةِ كُتَّفُ
وَقِدرس فَثَأْنَا غَلَيَها، بَعْدَما غَلَتْ، ... وَأُخرى حَشَشنا بالعوالي تؤنَّفُ
وَكُلُّ قِرَى الأضْيَافِ نقري من القنا، ... ومُعْتَبَطٌ مِنْهُ السّنامُ المُسَدَّفُ
وجدنا أعزّ النّاسِ أَكْثَرَهُم حَصىً، ... وأَكْرَمَهُمْ مَنْ بالمكارِمِ يُعْرَفُ
وكلتاهما فينَا، لنا حينَ تلتقي ... عصائبُ لاقى بينهُنّ المُعَرَّفُ
مَنَازِيلُ عَنْ ظَهْرِ الكَثِيرِ قليلُنا، ... إذا ما دَعا ذو الثّؤرَةِ المُتَرَدِّفُ
قلفنا الحصىَ عَنْهُ الذي فَوْقَ ظَهْرِهِ، ... بأَحْلاَمِ جُهّالٍ، إذا ما تغضّفوا
وجهلٍ بحِلمٍ قد دَفعنا جُنُونَهُ، ... وما كادَ لولا عزّنا يتزحْلَفُ
رَجَحنا بهم حتى استَبانوا حَلومَهم، ... بِنَا بَعْدَما كادَ القَنَا يَتَقَصّفُ
وَمَدّتْ بِأَيديها النّساءُ، فلم يكُنْ ... لذي حَسَبٍ عَن قَوْمِهِ مُتَخلَّفُ
فَمَا أَحَدٌ في النّاسِ يَعْدِلُ دارِماً ... بِعِزّ، ولا عزٌّ لَهُ حين يُخنِفُ
تَثَاقَلَ أَرْكَانٌ عليه ثقيلةٌ، ... كَأَرْكَانِ سلْمى، أَوْ أَعزُّ، وَأَكْثَفُ
وَأُمٍ أَفَرّتْ عَنْ عَطِيّةِ رَحْمِهَا ... بِأَلأمِ ما كانَتْ لَهُ الرّحمُ تنشفُ
إذا وَضَعَتْ عَنْها أَمَامَةُ دَرْعَهَا ... وَأَعْجَبَها رابٍ إلى البَطنِ مهدفُ
قصيرٌ كَأَنّ التّرْكَ فيه وُجُوهُهُمْ، ... خَنُوفٌ كَأَعْنَاقِ الحرادينِ أَكْشَفُ
تَقُولُ وَصَكّتْ حُرّ وَجْهِ مغيظَةٍ ... على الزّوْجِ حَرّى ما تزالُ تَلَهَّفُ
أَما مِنْ كليبيّ إذا لم يَكُنْ لَهُ ... أَتَانانِ يَسْتَغني وَلاَ يَتَعَفّفُ
إذا ذَهَبَتْ مِنّي بِزَوْجي حِمارَةٌ ... فَلَيْسَ على رِيحِ الكليبيّ مَأْلَفُ
عَلى رِيحِ عَبْدٍ ما أَتَى مِثْلَ ما أَتَى ... مصلٍّ وَلاَ من أَهْلِ مَيْسَانَ أَقْلَفُ
تَبْكّي على سعدٍ، وسعدٌ مقيمةٌ ... بيبرين، قَدْ كَادَتْ على الناس تَضْعَفُ
وَلَوْ أَنَّ سَعْداً أَقْبَلَتْ من بِلاَدِهَا ... لجاءت بيبرينَ اللّيالي تَزَحَّفُ
وَسَعْدٌ كَأَهْل الرّدم لو فُضّ عَنْهُمُ، ... لَمَاجوا كما ماجَ الجَرَادُ، وَطَوّفُوا
هُمُ يعدلون الأرْضَ، لولاهمُ التقت ... على النّاسِ، أَوْ كادت تَمِيلُ وَتُنْسَفُ

جرير بن بلال الكامل

حَيِّ الغَدَاةَ، برامةَن الأطْلالا، ... رَسماً تَقَادَمَ عَهْدُهُ فَأَحالا
إنّ الغَوَادِيَ وَالسّواريَ غَادَرَتْ ... للرّيحِ مُخْتَرَقاً بِهِ وَمَجالا
أَصْبَحْتَ بَعْدَ جَميعِ أَهْلَكَ دِمْنَةً ... قَفراً، وَكُنْتَ مَحَلّةً مِحْلالا
لَمْ يُلْفَ مِثْلَكَ بعدَ أَهْلِكَ مَنْزِلاً، ... فَسُقِيتَ مِنْ نَوءِ السِّماكِ سِجَالا
وَلَقَدْ عَجِبْتُ من الدّيَارِ وأَهْلِها، ... وَالدّهْرِ، كَيْفَ يبدِّلُ الأبْدالا
وَرَأَيْتُ راحلةَ الصِّبا قَدْ أَقْصَرَتْ، ... بَعْدَ الذّمِيلِ، وَمَلّتِ التَّرحالا
إنّ الظّعائنَ يَوْمَ بُرْقَةِ عاقِلٍ ... قَدْ هِجنَ ذا خَبَلٍ، فزِدْنَ خَبَالا
هَامَ الفُؤادُ بِذِكْرِهِنّ، وقد مَضَتْ ... بِاللّيْلِ أَجْنِحَةُ النجومِ، فَمَالا
فَجَعَلْنَ بُرْقَةَ عاقِلٍ أَيْمَانَها، ... وَجَعَلْنَ أَمْعَزَ رَامَتَينْ شِمالا
يَا لَيْتَ شِعري يَوْمَ دارةِ صُلْصُلٍ، ... أَيُرِدْنَ قَتْلي أم يُرِدْنَ دَلالا
فَلَوْ انّ عُصْمَ عَمَايَتَينِ، فَيَذْبُلٍ ... سمعا حَنيني أَنزَلا الأَوعالا
لا يَتّصِلْنَ، إذا افتَخَرْنَ بِتَغْلبٍ ... وَلَبِسْنَ زُخْرُفَ زِينَةٍ وَجَمالا
طَرَق الخيالُ، وَأيُّ سَاعةِ مَطرَقٍ، ... والحبّ، بالطيفِن الملمّ خَيالا
حُيِّيتَ لَسْتَ غداً لَهُنّ بِصَاحِبٍ، ... بِحزيزِ وجرةَ إذ يَخِدنَ عِجالا
أَجْهَضْن مُعْجَلَةً لِسِتّةِ أَشْهُرٍ، ... وَحُذينَ بَعْدَ نِعالِهِنّ نِعالا
وإذا النّهارُ تَقَاصَرَتْ أَظْلاَلُهُ، ... وَوَنَى المطيُّ سآمةً وكَلالا
دَفَعَ المَطيُّ بِكُلّ أَبْيَضَ شاحبٍ ... خَلَقِ القميص تَخَالُهُ مُختالا
إنّي حَلَفْتُ، فَلَنْ أُعَافيَ تَغْلِباً ... للظّالِمِينَ عُقُوبَةً، وَنَكالا
قَبَحَ الإلهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ، إنّها ... هَانَتْ عليّ مَعَاطِساً وَسِبالا
المُعْرِسُونَ إذا انْتَشَوْا بِبِنَاتِهِمْ ... وَالدّائِبِينَ إجَارَةً وَسُؤالا
وَالتّغْلِبيّ إذا تَنَحْنحَ للقِرَى ... حَكّ اسْتَهُ وَتَمَثّلَ الأمْثَالا
عَبَدوا الصّليبَ، وَكَذّبوا بِمُحَمّدٍ، ... وَبِجِبرِئيلَ، وَكذّبوا مِيكالا
لا تَطْلُبَنّ خُؤولَةً مِنْ تَغْلِبٍ، ... فَالزّنْج أَكْرَمُ مِنْهُمُ أَخْوالا
خَلِّ الطّرِيقَ لَقَدْ لَقيتُ قُرُومَنا، ... تنفي القرومَ تخمّطاً وصِيالا
أَنِسيتَ قَوْمَك بالجَزِيَرةِ بَعْدَمَا ... كَانَتْ عُقُوبَتُهُ عَلَيْكَ نَكَالا
أَلاَ سَأَلْتَ غُثاءَ دِجْلَةَ عَنْكُمُ، ... وَالخامِعَاتُ تُجَرِّرُ الأوْصالا
حَمَلَتْ عَلَيْكَ حُماةُ قيس خَيلَهم، ... شُعْثاً عَوَابِسَ، تَحْمُلُ الأبطالا
ما زِلْتَ تَحْسِبُ كلَّ شَيْءٍ بعدَها ... خَيْلاً تَشُدّ عَلَيْكُمُ وَرِجالا
زُفَرُ الرّئِيسُ، أَبو الهُذَيلِ، أَتَاكُمُ، ... فسبى النّساءَ، وأَحْرَزَ الأمْوالا
قَالَ الأُخَيْطِلُ، إذْ رأَى رَاياتِهمْ: ... يا مَارَ سَرْجِسَ لا أُريدُ قِتالا
ترَكَ الأُخَيْطِلُ أُمَّهُ، وَكَأَنّها ... مَنحاةُ سانيةٍ تُريد عِجالا
وَرَجَا الأُخيطِلُ من سَفَاهَةِ رَأْيِهِ، ... مَا لم يَكُنْ وأبٌ لَهُ لِيُنالا
تَمّتْ تميمي، يا أُخيطلُ، فاحْتَجِزْ، ... خَزِيَ الأُخَيْطِلُ حِينَ قُلْتُ وقالا

وَرَمَيْتَ هَضْبَتَنَا بِأَفْوَقَ ناصِلٍ، ... تَبْغي النّضال، فقد لَقِيتَ نِضالا
وَلَقِيتَ دوني من خُزَيمةَ باذخاً، ... وَشقاشقاً، بَذخَتْ عَلَيْكَ طِوالا
وَلَوْ أَنّ خِنْدِفَ زَاحَمَتْ أَرْكَانُها ... جَبَلاً أَشَمَّ مِنَ الجِبالِ لَزالا
إنَّ القوافيَ قدْ أُمِرّ مَريرُها ... لبني فَدَوكسَ إذْ جَدَعْنَ عِقالا
قَيسٌ وَخِنْدَفُ، إنْ عَدَدْتَ فِعَالَهم، ... خَيْرٌ وَأَكْرَمُ من أَبِيكَ فَعالا
رَاحت خُزيمةُ بالجياد، كأَنّها ... عِقْبَانُ عاديةٍ يَصِدْنَ صِلالا
هَلْ تَمْلِكُونَ مِنَ المشاعر مَشعراً، ... أَوْ تَنْزِلُونَ من الأرَاكِ ظِلالا
فَلَنَحْنُ أَكْرَمُ في المنازل مِنْكُم ... خَيلاً، وأَطْوَلُ في الحِبالِ حِبالا
ما كان يُوجَدُ في اللّقاءِ فوارسي ... مِيلاً، إذا فزعوا، ولا أَكْفَالا
قُدنا خُزيمَةَ، قد علمتم، عَنْوةً، ... وشتا الهُذَيْلُ يُمَارِسُ الأغلالا
وَرَأَتْ حُسَيْنَةُ في الغداة فَوارسي ... تحمي النّساء، وَتَقْسِمُ الأنفالا
فَصَبِحْنَ نُسْوَةَ تغلبٍ فَسَبَيْنَهُم، ... وَرَأَى الهُذَيْلُ لِوَرْدِهنّ رِعالا
إنّا كذاك لمثلِ ذاكَ نُعِدّها ... تُسقَى الحَلِيبَ وَتُلْبَسُ الأجلالا
لولا الجزِى قُسِمَ السوادُ وَتَغلِبٌ ... للمُسلِمِينَ، فَأَصْبَحُوا أَنْفالا
لَوْ أَنّ تَغْلِبَ جَمّعَتْ أَحْسَابَها، ... يَوْمَ التّفاضُلِ، لم تَزِنْ مِثْقَالا
أَوْجَدْتَ فِينَا غَيْرَ عُذْرِ مُجاشعٍ ... وَمَجَرّ جِعْثِنَ والزّبَيرِ مَقالا

الأخطل التغلبي البسيط
تَغَيّرَ الرّسْمُ من سَلمى بِأَحْفَارِ، ... وَأَقْفَرَتْ من سُليمى دِمْنَةُ الدّارِ
وَقَدْ تكونُ بها سَلمى تُحدّثُني، ... تَسَاقُطَ الحَلْي، حاجاتي وأَسْراري
ثُمّ اسْتَبَدّ بِسَلْمَ نِيّةٌ قُذُفٌ، ... وسيرُ مُنْقَضِبِ الأقْران مِغْوَارِ
كَأَنّ قلبي، غداةَ البينِ، مُنْقَسِمٌ ... طَارَتْ به عُصَبٌ شتّى لأمصارِ
وَلَوْ تَلُفّ النّوَى ما قد تعلَّقني، ... إذا قضَيْتُ لُباناتي وَأَوْطاري
ظَلّتْ ظِباءُ بني البَكّار راتعةً، ... حتى اقْتُنِصْنَ على بُعدٍ، وإضرارِ
ومَهْمَهٍ طاسمٍ تُخْشَى غَوائلُهُ، ... قطعته بكَلوِء العين مِسهَارِ
بِحُرّةٍ كَأَتَانِ الضَّحْلِ، أَضْمَرَها، ... بعد الرَّبالةِ، تَرْحالي، وَتَسْياري
أُخْتُ الفلاةِ إذا اشْتَدّتْ مَعَاقِدُهَا ... زَلّتْ قِوَى النِّسعِ عن كبداء مِسْيار
كَأَنّها بُرجُ رُومّيٍ يُشَيّدُهُ ... لُزَّ بِجَصٍ وَآجُرٍ وَأَحْجَارِ
أَوْ مُقْفِرٌ خَاضِبُ الأظْلاَفِ جَادَ لَهُ ... غَيْثٌ تَظَاهَرَ في مَيْثَاءَ مِبْكَار
قَدْ بَاتَ في ظِلّ أَرْطاةٍ تُكَفِّئُهُ ... رِيحٌ شَآميّةٌ، هَبّتْ بِأَمْطار
يَجُولُ لَيْلَتَهُ وَالعَيْنُ تَضْرِبُهُ ... مِنْها بِغَيْثٍ أَجَشِّ الرعدِ تَيّار
إذا أَرَادَ بِهَا التغميضَ، أَرّقَهُ ... سَيْلٌ يَدِبّ بِهابي التُّرب مَوّار
كَأَنّهُ، إذ أَضاءَ البَرْقُ بَهْجَتَهُ، ... في أَصبهانيّةٍ أَوْ مُصطلي نار
أَمّا السَّراة، فمنْ دِيباجَةٍ لَهَقٍ، ... وَفي القَوَائِمِ مثلُ الوشم بالقار
حتى إذا غابَ عَنْهُ الليلُ وَانكشَفَتْ ... سَمَاؤُهْ عَنْ أَدِيْمِ مُصْحِرٍ عَارِ
أَحسَّ حسَّ قَنِيصٍ قَدْ تَوجّسَهُ، ... كَالجِنّ يَهْفُونَ من جَرْم وأَنمار

فَانْصَاعَ كَالكَوْكَبِ الدُّرّيّ مَيْعَتُهُ،غَضْبَانَ يَخْلِطُ مِنْ مَعْفجٍ وَإحْضَار
فَأَرْسَلُوهُنّ يُذْرِين التُرابَ كَمَا ... يُذري سَبَائِخَ قُطْنٍ نَدْفُ أَوْتَارِ
حَتّى إذا قُلْتُ: نَالَتْهُ سَوَابِقُهَا، ... وَأَرْهَقَتْهُ بِأَنْيَابٍ وَأَظْفَارِ
أَنْحَى إلَيْهِنّ عَيْناً غَيْرَ غَافِلَةٍ، ... وَطَعْنَ مُحْتَقِرِ الأُقْرانِ كَرّارِ
فَعَفّرَ الضّارِيَاتِ اللاّحِقَاتِ بِهِ، ... عَفْرَ الغريبِ قِداحاً بَيْنَ أَيْسَار
يَلُذْنَ مِنْهُ بِحِزَّانِ المِتَانِ وَقَدْ ... فُرّقْنَ مِنْهُ بِذِ وَقْعٍ وَآثارِ
حَتّى شَتَا وَهُوَ مَحْبُورٌ بِغَائِطِهِ، ... يَرْعى ذُكُوراً أَطَاعَتْ بَعْدَ أَحْرار
فَرْدٌ تُغنَّيه ذِبَّانُ الرّياضِ كَمَا ... غَنَى الغُواةُ بِصَنْجٍ عِنْدَ إسوارِ
كَأَنّهُ مِنْ نَدَى القُرّاص مُغْتَسِلٌ ... بِالوَرس، أَوْ خارجٌ مِنْ بَيْتِ عَطّارِ
وشَارِبٍ مُرْبِحٍ بِالكَأْسِ نَادَمَني، ... لاَ بِالحَصُورِ، ولا فيها بِسَوَّار
نَازَعَتْهُ طيّبَ الراح الشَّمُولِ، وَقَدْ ... صَاحَ الدجاجُ وَحَانَتْ وَقْفَةُ السّاري
مِنْ خَمْرِ عَانَةَ يَنْصَاعُ الفُراتُ لَهَا ... بِجَدْوَلٍ صَخِبِ الأذيّ مَرّارِ
كُمّتْ ثلاثةَ أَحْوَالٍ بِطِينَتها، ... حتى إذا صرّحَتْ مِنْ بَعْدِ تَهْدَارِ
آلَتْ إلى النّصْفِ من كلفاءَ أَتْرَعَها ... عِلجٌ، ولثّمها بالجَفْنِ وَالغارِ
لَيْسَتْ بِسَوْدَاءَ مِنْ مَيْثاء مُظْلَمَةٍ، ... ولَمْ تُعذَّبْ بِإدْنَاءٍ مِنَ النّارِ
لَهَا رِداءانِ: نَسْجُ العنكوبتِ، وَقَدْ ... لُفّت بِآخَرَ مِنْ لِيفٍ وَمِنْ قَارِ
صَهْبَاءُ قَدْ كلِفَت من طولِ ما خُبِّئَتْ ... في مُخْدَعٍ، بَيْنَ جَنّاتٍ وَأَنْهَارِ
عَذراءُ لم يَجْتَلِ الخُطَّابُ بَهجَتَها، ... حتّى اجْتَلاَهَا عِباديٌّ بِدِينَارِ
في بَيْتِ مُنْخَرِقِ السّربالِ مُعتَملٍ، ... ما إنْ عليهِ ثيابٌ غَيْرَ أَطْمَارِ
إذا أَقُولُ تَرَاضَيْنَا على ثَمَنٍ، ... ضَنّتْ بِهَا نَفْسُ خَبّ البيعِ مكّارِ
كأَنّما العِلْجُ، إذ أوجَبْتُ صَفْقَتَها، ... خَليِعُ خصل نكيبٌ بَيْنَ أَقْمَارِ
كَأَنّهُ حِينَ جاوزْنا بصفقتِها، ... مسلوبُ بَيْعٍ ثَخِينٌ بَيْنَ تُجّار
لما أَتَوها بِمِصْبَاحٍ وَمَبْزلِهِم ... سَارَتْ إليهم سؤر الأبجل الضاري
تدمَى إذا طَعنوا فيها بجائفةٍ، ... فَوْقَ الزُّجاجِ عتيقٌ غير مِسطار
كَأنّما المِسك نُهْبَى بَيْنَ أَرْحُلِنا ... مِمّا تَضَوّعَ مِنْ ناجودها الجاري
إني حَلَفْتُ بِرَبِّ الراقصاتِ، وما ... أضْحى بِمَكّةَ من حُجْب وَأَسْتَارِ
وَبِالهدايا، إذا احمرّتْ مَدَارِعُها، ... في يوم ذَبْحٍ وَتَشريقٍ وَتَنْحارِ
وَمَا بِزَمْزَمَ مِنْ شَمطا مُحَلِّقةٍ، ... وَمَا بِيَثْرِبَ مِن عُونٍ وَأَبكارِ
لألجأتني قُرَيشٌ خَائِفاً وجِلاً، ... وَمَوّلَتني قُريشٌ بَعْدَ إقْتَارِ
ألمنعمونَ بَنُو حَربٍ، وقد حَدَقَتْ ... بيَ المنيّةُ، واسْتَبْطأَتُ أنصاري
قَومٌ يُجَلّونَ عن أحيائِها ظُلَماً، ... حَتى تَكِشّفَ عَنْ سَمْعٍ وَأَبْصارِ
قَومٌ إذا حَارَبوا شَدّوا مَآزِرَهُم ... عَنْ النِّساءِ، وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ

عبيد الراعي الكامل
مَابَالُ دَفِّكَ بالفِراشِ مَذِيلا، ... أَقَذىً بِعَيْنِكَ أَمْ أَرَدْتَ رَحيلا

لَمّا رأَتْ أَرَقِي، وَطُولَ تَلَدُّدي، ذاتَ العِشاء، وَلَيْليَ الموصولا
قَالَتْ خُلَيْدَةُ: ما عرَاكَ، وَلَمْ تَكُنْ ... أَبَداً، إذا عَرَتِ الشؤونُ سَؤُولا
أَخُلَيْدُ إنّ أَبَاكَ ضَافَ وِسَادَه ... هَمّانِ، باتا جَنْبَهُ، وَدَخِيلا
طرقا، فتِلْكَ هَمَاهِمٌ، أَقْرِيهِما ... قُلُصاً لَواقِحَ كالقسيِّ، وَحُولا
شُمَّ الحوارك جُنّحاً أَعْضادُها ... صُهْباً تُنَاسِبُ شَدْقماً وَجَديلا
جَوّابَةً طُوِيَتْ عَلَى زَفَراتِها ... طَيَّ القناطِرِ، قد بَزَلْنَ بُزولا
بُنِيَتْ مَرافِقُهُنّ فَوْقَ مَزِلّة، ... لا يَسْتَطيعُ بِهَا القُرَادُ مَقِيلا
كَانَتْ هَجَائِنَ مُنْذِرٍ وَمُحرِّقٍ ... أُماتهُنّ، وَطَرقهُنّ فَحِيلا
فَكَأَنّ رَيِّضَها، إذا بَاشَرْتَها، ... كَانَتْ مُعَاوِدَةَ الرَّحِيلِ ذَلولا
قَذَفَ الغُدوِّ، إذا غَدَوْتَ لحاجةٍ، ... دُلُفَ الرَّواح، إذا أَرَدْتَ قُفُولا
قُوداً تَذَارَعُ غَولَ كُلِّ تَنوفةٍ، ... ذَرْعَ المُوشَّح مُبرماً وَسحيلا
في مَهْمَهٍ قَلِقَتْ بِهِ هَامَاتُها ... قَلَقَ الفُؤوس، إذا أَرَدْنَ نُصولا
وإذا تَعَارَضَتِ المَفَاوزُ عَارَضَتْ ... رَبِذاً تَبَغّلَ خَلْفَها تَبْغيلا
زَجِلَ الحُداءِ، كَأَنَّ في حَيْزُومِهِ، ... قَصَباً، وَمُقْنِعَةَ الحَنين عَجولا
وإذا تَراحَلَتِ الضُّحى قَذَفَتْ به، ... فَشَأَوْنَ غايتَهُ، فظَلّ ذَمِيلا
يَتْبَعْنَ مَائِرَةَ اليَدَيْنِ شِمِلّةً، ... أَلْقَتْ بِمُنْخَرِق الرّياحِ سَليلا
جَاءَتْ بذي رَمَقٍ لِسِتّةِ أَشْهُرٍ ... قَدْ مَاتَ أَوْ حَبّ الحَياةَ قَليلا
لاَ يَتّخِذْنَ إذا عَلَوْنَ مَفَازَةً ... إلاّ بَيَاضَ الفَرْقَدَينِ دَليلا
حَتّى وَرَدْنَ لِتمّ خمسٍ بائصٍ ... جُدّاً تُقارِضُهُ السُّقاةُ وَبيلا
سَدَماً، إذا التمسَ الدِّلاءُ نِطاقَه، ... صَادَفْنَ مُشْرِفَةَ المِتَانِ، زَحولا
جَمَعُوا قُوىً مما تَضُمّ رِحَالُهم، ... شَتّى النِّجار، ترى بِهِنّ وُصولا
فَسَقَوا صَواديَ، يسمعونَ عشِيّةً ... للمْاءِ في أَجْوَافِهِنّ صَليِلا
حتى إذا بَرَدَ السِّجالُ لُهَابَها ... وَجَعَلْنَ خَلْفَ غُروضهنّ ثميلا
وَأَفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنّ بِجِرّةٍ ... مِنْ ذي الأبارِقِ إذْ رَعَيْنَ حَقيلا
جَلَسوا على أَكْوارِها، فَتَرَادَفَتْ، ... صُخْبَ الصّدى، جُرعَ الرعانِ رحيلا
مُلسَ الحصىَ بَاتَتْ تَوَجَّسُ فَوْقَهُ ... لَغَطَ القَطا، بالجَلهتين نُزولا
حدب السراة وأَلْحَقَتْ أَعْجازَها ... رُوحٌ يَكُونُ وُقُوعُها تحليلا
وَجَرى على حَدْبِ الصُّوَى فَطَرَدْنَه ... طَرْدَ الوَسِيقةِ بالسَّماوةِ طُولا
أَبْلِغْ أَمِيرَ المُؤمِنينَ رِسالةً، ... تَشْكو إلَيْكَ مَضَلّةً وَعَويلا
طَالَ التقلّبُ والزّمانُ، وَرَابَهُ ... كَسَلٌ وَيَكرهُ أن يَكُونَ كَسولا
ضافَ الهُمُومُ وِسادَهُ، وَتَجنّبَت ... رَيّانَ يُصْبِحُ في المَنامِ ثَقيلا
فَطَوى البلادَ على قَضاء صَريمةٍ، ... بِالجَدّ، واتّخَذَ الزِّماعَ خَلِيلا
وَعَلا المَشِيبُ لذاته، وخَلَتْ لَهُ ... حُقَبٌ نَقَضْنَ مَرِيرَهُ المَفْتُولا
فَكَأَنّ أَعْظُمَهُ مَحَاجِنُ نَبْعةٍ ... عُوجٌ قَدمن، فَقَدْ أَرَدْنَ نُجولا

كَحَديدةِ الهِنْديّ أَمْسىَ جَفْنُهُ ... خَلَقاًن وَلَمْ يَكُ في العِظَامِ نَكولا
تَعْلُو حَديدَتَهُ وَتَنْكُرُ لَوْنَهُ، ... عَيْنٌ رأَتْهُ في الشبابِ صَقيلا
إنّي حَلَفْتُ على يَمينٍ بَرّةٍ ... لا أَكْذُبُ اليَوْمَ الخَلِيفَةَ قيلا
مَا زُرْتُ آلَ أبي خُبَيْبٍ طَائِعاً، ... يَوْماً أُرِيدُ لِبَيْعَتي تَبْديلا
وَلَمّا أَتيْتُ نُجَيْدَةَ بْنَ عُوَيْمرٍ ... أَبْغي الهُدى، فَيَزِيدني تَضْليلا
مِنَ نِعْمَةِ الرحمنِ لا مِن حِيلتي ... أني أَعُدّ لَهُ عليّ فُضولا
وَشَنِئْتُ كلَّ منافقٍ متقلِّبٍ، ... تَرَكَ الزّلازلُ قَلْبَهُ مَدْخُولا
واهي الأمانَةِ لا تزالُ قَلوصُه ... بَينَ الخوارج، نَهزةً وذَميلا
مِن كلّهمْ أمسى يَهِمّ بِبَيْعَةٍ، ... مَسحَ الأكفّ تُعاودُ المِنديلا
أَخَليِفَةَ الرّحْمَنِ! إنّا مَعْشَرٌ ... حُنَفَاءُ، نَسْجُد بُكْرَةً وأصيلا
عَرَبٌ، نَرَى للَّهِ في أَمْوالِنا ... حَقَّ الزّكَاةِ مُنَزَّلاً تَنْزِيلا
إنّ السُّعاةَ عَصَوْكَ يَوْمَ أَمَرْتَهُم، ... وَأَتَوا دَواهيَ، لو عَلِمتَ، وَغُولا
كَتَبُوا الدُّهَيْمَ من العِدا بمُشَرَّفٍ، ... عَادٍ، يُرِيدُ خِيانةً وَغُلولا
ذُخْرَ الخليفةِ، لو أَحَطْتَ بِخُبرِه، ... لَتَركْتَ مِنْهُ طَابقاً مَفْصُولا
أَخَذُوا العريفَ، فَقَطّعوا حَيْزُومَه ... بِالأصْبَحيّة، قائماً مَغْلولا
حَتّى إذا لَمْ يَتْرُكوا لِعِظامِهِ ... لَحْماً، ولا لِفُؤادِهِ مَعْقُولا
جَاؤوا بِصَكِّهِمُ، وَأَحْدَبَ أَسْأَرَتْ ... مِنْهُ السِّياطُ يَرَاعةً إجفيلا
نسيَ الأمانَةَ مِنْ مَخافَةِ لُقّحٍ ... شُمسٍ، تركنَ بَضِيعَةُ مَجْدولا
أَخَذُوا حُمُولَتَهُ، وَأَصْبَحَ قَاعِداً، ... لا يَسْتَطِيعُ عن الدّيَارِ حَويلا
يَدْعُو أَميرَ المؤمنينَ، وَدُونَهُ ... خِرْقٌ تَجُرّ به الرّياحُ ذُيُولا
كَهُداهِدٍ كَسَرَ الرّماةُ جَنَاحَه، ... يَدْعو بِقارِعَةِ الطّريقِ هَديلا
وَقَعَ الرّبيعُ، وَقَد تَقَاربَ خَطْوُهُ، ... وَرأى بِعَقْوَتِهِ أزلّ نَسُولا
مُتَوَشِّحَ الأقْرَابِ فِيهِ نَهْمَةٌ، ... نَهِشَ اليدَين، تَخَالُهُ مَشْكولا
كدُخانِ مُرْتَجِلٍ بِأَعْلى تَلعَةٍ، ... غَرْثَانَ ضَرّمَ عَرْفَجاً مَبْلولا
أَخَليِفَةَ الرّحْمَنِ! إنّ عَشِيرَتي، ... أمسى سوامُهُمُ عُرِينَ فُلولا
قَوْمٌ على الإسْلاَمِ لَمْا يَتركوا ... ما عونَهُم، وَيُضَيِّعوا التهليلا
قَطَعُوا اليمامَةَ يُطْرَدونَ، كَأَنّهم ... قَوْمٌ أصابوا، ظالمين، قَتِيلا
يَحْدُونَ حُدْباً مَائِلاً أَشْرَافُها، ... في كلّ مَقْرَبَةٍ يَدَعْنَ رَعيلا
حَتّى إذا احتبسَتْ تبقّى طُرْقُها، ... وثَنى الرُّعاةُ شكيرها المَنْجولا
شَهْرَي رَبِيعٍ ما تَذُوقُ لَبُونُهُمْ ... إلاّ حُمُوضاً وَخمةً، وذَبيلا
وَأَتَاهُمُ يحيَى، فَشَدّ عَلَيْهِمُ ... عِقداً، يَرَاهُ المُسْلِمُونَ ثَقيلا
كُتُباً تَرَكْنَ غنيَّهم ذا عِيلةٍ، ... بَعْدَ الغِنَى، وَفَقيرَهم مَهْزولا
فَتَركْتُ قَوْمي يِقْسِمُونَ أُمورَهم ... أَإِلَيْكَ أَمْ يَتَرَبّصُونَ قَليلا
أَنْتَ الخليفةُ عَدْلُهُ وَنَوالُهُ، ... وإذا أَرَدْتَ لِظَالِمٍ تَنْكِيلا

فَارْفَعْ مَظَالِمَ عَيّلَتْ أَبْناءنا ... عَنّا، وَأَنْقِذْ شِلْوَنا المأكولا
فَنَرى عطيّة ذاكَ، إنْ أَعْطَيْتَهُ، ... من ربّنا فَضْلاً، وَمِنْكَ جزيلا
إنّ الّذينَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعْدِلُوا ... لَمْ يَفْعَلُوا مِمّا أَمَرْتَ فَتِيلا
أَخَذُوا الكرامَ مِنَ العِشارِ ظُلامةً ... مِنّا، ويُكْتَبُ للأمير أفيلا
فَلَئِنْ سَلِمْتُ لأدْعُونّ بِطَعْنَةٍ ... تَدَعُ الفَرَائصَ بِالسّديفِ فليلا
وإذا قُرَيشٌ أُوقِدَتْ نِيرانُها، ... وَبَلَتْ ضَغَائِنَ بَيْنَها وَذُحُولا
فأَبُوكَ سَيّدُها، وَأَنْتَ أَشدُّها ... وَمِنَ الزّلازِلِ في البلابلِ حولا
وَأَبُوكَ ضَارَبَ في المدينَةِ وَحْدَهُ ... ضَرْباً ترى مِنْهُ الجُمُوعَ شُلولا
قَتَلوا ابنَ عَفّانٍ إماماً مُحْرِماً، ... وَدَعا، فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولا
فَتَصَدّعَتْ من يَوْم ذاكَ عصاهمُ ... شُقَقاً، وَأَصْبَحَ سَيْفَهُ مَفْلُولا
حتّى إذا نَزَلَتْ عَمَايَةُ فِتْنَةٍ ... عَمْيَاءَ، كان كِتَابُها مَفْعُولا
وَزَنَتْ أُميّةُ أَمْرَها، فَدَعَتْ لَهُ ... مَنْ لَمْ يَكُنْ غِمراً ولا مَجْهُولا
مَرْوَانُ أَحْزَمُهُم، إذا حَلّتْ بِهِ ... حَدَثُ الأمورِ، وَخَيْرُها مسؤولا
أَيّامَ رَفّعَ في المدينَةِ ذَيْلَهُ ... وَلَقَدْ يرى زرعاً بها ونخيلا
وَدِيَارُ مَلْكٍ خَرّبَتْها فِتنَةٌ ... وَمَشيَّداً فيها الحَمَامُ ظليلا
أَيَأمَ قَوْمي، والجماعَةُ كَالّذي ... لَزِمَ الرَّحالَةَ أَنْ تَمِيلَ مُميلا

ذو الرمة
ما بالُ عَينِكَ مِنها الماءُ يَنْسَكِبُ ... كَأَنّه من كُلى مَفْرِيّةٍ سَرَبُ
وَفَراءُ غَرفيّةٌ أَثَأى خَوَارِزُهَا ... مُشَلشَلٌ ضَيّعَته بَيْنَها الكُتَبُ
أَستحدثَ الركبُ عَنْ أشياعِهِمْ خبراً، ... أَمْ رَاجَعَ القلْبَ من أَطْرَابِهِ طَرَبُ
مِن دِمْنَةٍ نَسَفت عَنْهَأ الصَّبا سُفَعاً، ... كما يُنَشَّرُ بَعْدَ الطِيَّةِ الكُتُبُ
سَيْلاً مِنَ الدعْصِ أَغْشَته مَعَارِفَها ... نَكْبَاءُ تَسْحَبُ أَعْلاَهُ فَيَنْسَحِبُ
لاَ بَلْ هُوَ الشّوْقُ مِنْ دارٍ تَخَوّنَها ... مَرّاً سَحابٌُ، ومَرّاً بَارِحٌ تَرِبُ
بِبُرْقَةِ الثّوْرُ لم تَطْمِسْ معالِمَها ... دَوارِجُ المُور والأمطارُ والحِقَبُ
يَبْدُو لِعَيْنَيْكَ منها، وَهِيَ مُزمِنةٌ، ... نُؤيٌ، ومُسْتَوْقَدٌ بالٍن ومُحْتَطَبُ
إلى لوائحَ من أَطلالِ أَحْوِيةٍ، ... كَأَنّها خِلَلٌ مَوْشِيّةٌ قُشُبُ
دَارٌ لِمَيّةَ إذْ مَيٌّ تُسَاعِفُنَا، ... ولا يَرَى مِثْلَها عُجْمٌ ولا عَرَبُ
عَجْزَاءُ، مَمْكُورَةٌ، خُمْصَانةٌ، قَلِقٌ ... منها الوِشَاحُ، وَتَمّ الجِسْمُ وَالقَصَبُ
زَينُ الثّيَابِ، وَإنْ أَثْوَابُها اسْتُلِبَتْ ... على الحَشيّةِ يوماً، زانَها السّلَبُ
بَرّاقَهُ الجِيدِ، وَاللَّبّاتُ واضِحَةٌ، ... كَأَنّها ظَبْيَةٌ أَفْضَى بِهَا لَبَبُ
بَيْنَ النهار وبينَ اللّيلِ من عَقَدٍ، ... على جوانِبِهِ الأسباطُ والهَدَبُ
لَمْيَاءُ في شَفَتَيْها حُوّةٌ لَعَسٌ، ... وَفي اللِّثاتِ، وفي أنيابها شَنَبُ
كحْلاءُ في دَعَجٍ، صَفْراءُ في بَرَجٍ، ... كَأَنّها فِضّةٌ قد شَابَها ذَهَبُ
تُريكَ سُنّةَ وَجْهٍ غَيرَ مُقرِفةٍ، ... مَلْساءَ لَيْسَ بها خالٌ ولا نَدَبُ

تَزْدَادُ في العينِ إبهاجاً إذا سَفَرَتْ، ... وَتَحْرَجُ العينُ فيها حِينَ تَنْتَقِب
والقِرْطُ في حُرّةِ الذِّفرَى مُعَلَّقَةٌ ... تَبَاعَدَ الحبل فيه، فهو يضْطَرِبُ
إذا أخو لَذّةِ الدّنْيا تَبَطّنَهَا ... وَالبَيْتُ فَوْقهما باللّيلِ مُحْتَجَبُ
سافَتْ بطيّبَةِ العِرْنِينِ مارِنُهَا ... بالمِسْكِ وَالعَنْبَرِ الهِنْدِيّ مُخْتَضَبُ
تِلْكَ الفتاةُ التي عُلّقْتُها عَرَضاً، ... إنّ الكريمَ، وذا الإِسلامِ يُخْتَلَبُ
لَياليَ الدّهْرُ يَطْبِيني، فأَتْبَعُه، ... كأنّني ضاربٌ في غَمْرَةٍ لَعِبُ
لا أَحْسَبُ الدهْرَ يُبلي جِدّةً أَبَداً، ... ولا تُقَسِّمُ شَعْباً واحِداً شُعَبُ
زارَ الخيالُ لِمَيٍّ هاجعاً لَعِبَتْ ... به المَفاوِزُ، والمَهرِيّةُ النُّجُبُ
مُعرِّساً في بَيَاضِ الصّبْحِ وَقْعَتُهُ ... وَسَائِرُ اللّيْلِ إلاّ ذَاكَ مُنْجَذِبُ
أَخَا تَنَائِفَ أَغْفى عِنْدَ سَاهِمَةٍ، ... بِأَحْلَقَ الدّفّ من تَصْدِيرِهَا جَلَبُ
تشكو الخَشاشَ ومجْرى النّسعتَينِ كما ... أنّ المريضَ إلى عُوّادِهِ الوَصَبُ
كَأَنّها جَمَلٌ وَهْمٌ، وما بَقِيَتْ ... إلاّ النّحيزَةُ والألواحُ والعَصَبُ
لاَ يَشْتَكي سقطةً منها، وإن رَقَصَتْ ... بِهَا المعاطسُ، حتى ظهْرُها حَدِبُ
كَأَنّ راكِبَها يَهْوي بِمُنْخَرِقٍ ... مِنَ الجَنُوبِ، إذا ما صَحَبُه شَحَبوا
تُصْغي إذا شدّهَا بالكُور جانِحَةً، ... حتى إذا ما اسْتَوى في غَرْزِهَا تَثِبُ
وَثْبَ المُسَحَّجِ، مِنَ عَانَاتِ مَعْقَلةٍ، ... كأنّه مستبانُ الشّكّ، أَوْ جُنُبُ
يَتْلو نَحَائِصَ أَشْبَاهاً مُحَمْلَجةً، ... وُرْقَ السّرابيلِ في أحشائها قَبَبُ
لَهُ عَلَيْهِنّ، بِالخَلصاءِ مَرْتَعِهِ، ... فَالفُودجاتِ فَجَنْبَيْ واحِفٍ صَخَبُ
حتى إذا مَعْمَعانُ الصّيْفِ هَبّ لَهُ ... بِنَأجةٍ نَشّ عَنْهُ الماءُ وَالرُّطُبُ
وَأَدْرَكَ المُتَبَقّى من ثَمِيلَتِهِ، ... وَمِن ثَمائِلشها، وَاستُنشيء الغَرَب
وَصَوَّحَ البَقْلَ نَأآجٌ تجيءُ بِهِ، ... هَيْفٌ يمانيةٌ في سيرها نَكَبُ
تَنَصّبَتْ حَوْلَهُ يوماً تُرَاقِبُهُ ... قَوْدٌ سماحِيجُ، في أَلوانها خَطَبُ
حتّى إذا اصْفَرّ قَرْنُ الشمس أو كَرَبَتْ، ... أمسى، وقد جدّ في حَوبائهِ القَرَبُ
والهمُّ عَيْنُ أُثَالٍ ما يُنَازِعُهُ ... في نَفْسِهِ لِسِواها، مورداً، أَرَبُ
فَرَأحَ مُنْصَلِتاً يَحْدو حَلاَئِلَهُ، ... أَدْنَى تَقَاذُفِه التّقريبُ والخَبَبُ
كَأَنّهُ مُعَوِلٌ يَشْكو بِلابلَهُ، ... إذا تَنَكّبَ عن أَجْوَازِهَا نَكَبُ
يغشى الحَزُونَ بها عمداً، وَيَتْبعها ... شِبْهَ الضَّرَاءِ، فَمَا يُزْري بها التَّعبُ
كَأَنّها إِبلٌ يَنْجو بِهَا نَفَرٌ ... من آخرينَ أغاروا غارةً جَلَبوا
كَأَنّهُ، كُلّما ارفضّتْ حَزيقتُها، ... بالصُّلْبِ، مِنْ نَهْشِهِ أَكْفَالَها، كَلِبُ
فَغَلّستْ وعَمُودُ الصّبْحِ مُنْصَدِعٌ ... عَنْهَا، وسائرُهُ باللّيلِ مُحْتَجِبُ
عَيْناً مُطَحلِبةَ الأرجاءِ، طَاميةً، ... فِيها الضّفَادعُ والحيتانُ تَصْطَخِبُ
يَسْتَلُّها جَدْوَلٌ كالسّيفِ مُنْصَلِتٌ، ... وسطَ الأشاءِ تَسَامَى فَوْقَه العُسُبُ

وَبِالشَمَائِلِ من جَلاَّنَ مُقْتنِصٌ ... رثُّ الثيابِ، خَفِيُّالشخص، مُنْزَرِبُ
يَسْعَى بِزُرْقٍ هَدَتْ قُضْباً مُصَدَّرةً ... مُلسَ البطونِ حَدَاها الرّيشُ والعَقَبُ
كَانَتْ، إذا وَدَقَتْ أَمْثَالُهنّ له، ... فَبَعْضُهُنّ عَنِ الآلاف مُنْشَعِبُ
حَتّى إذا لَحِقَتْ أَهْضَامَ مَوْرِدِهَا، ... تَغَيّبَتْ، رَابَها منْ خِيفَةٍ رِيَبُ
فَعَرّضَتْ طَلَقاً أَعْنَاقَها فَرَقاً، ... ثُمّ اطَّبَاها خَرِيرُ الماءِ يَنْسَكِبُ
فَأَقْبَلَ الحُقْبُ، والأكبادُ ناشِزَةٌ، ... فَوقَ الشّراسيفِ من أَحشائها تَجبُ
حَتّى إذا زَلَجَتْ عن كلّ حَنْجَرةٍ ... إلى الغَلِيلِ، وَلَمْ يَقْصَعْنَه، نُغَبُ
رَمى، فأَخطَأَ، والأقْدَارُ غَالِبَةٌ، ... فَأنْصَعْنَ، والوَيْلُ هِجّيراهُ، والحَرَبُ
يَقَعْنَ بِالسّفْحِ، مما قد رَأَيْنَ بهِ، ... وَقعاً يَكادُ من الإِلهابِ يَلْتَهِبُ
كأَنّهُنّ خَوافي أَجْدَلٍ قَرمٍ، ... وَلّى ليسبقَهُ بالأمعَزِ الخَرَبُ
أَذَاكَ، أَمْ نَمِشٌ بِالوَشي أَكْرُعُهُ، ... مُسَفَّعُ الخدِّ، عارٍ، ناشطٌ، شَبَبُ
تَقَيّظَ الرّمْلَ، حَتّى هَزَّ خِلْفَتَهُ، ... تَرَوَّحُ البردِ ما في عَيْشِهِ رَتَبُ
رَبْلاً وَأَرطَى نَفَتْ عَنْهُ ذَوَائِبُهُ ... كَواكِبَ القَيْظِ حتى ماتَتِ الشُّهُبُ
أَمْسىَ بِوَهْبِينَ مجتازاً لِمَرْتَعِهِ ... مِنْ ذي الفوارِسِ تَدْعُو أَنْفَهُ الرِّبَبُ
حتى إذا جَعَلْتَهْ بين أَظْهُرِها، ... مِنْ عُجْمةِ الرملِ، أَثْباجٌ لها خِبَبُ
ضَمّ الظَّلامُ على الوحشيّ شَمْلَتَهُ، ... ورائحٌ من نِشاصِ الدّلوِ مُنْسَكِبُ
وَبَاتَ ضَيْفاً إلى أرطاةِ مُرتَكِمٍ ... مِنَ الكَثيبِ لها دَفٌّ، وَمُرْتَقَبُ
مَيْلاَءَ مِنْ مَعْدِنِ الصِّيرانِ قَاصِيَةٍ ... أَبْعَارُهُنّ على أَهْدافِها كُثَبُ
وحَائِلٌ مِنْ سَفِيرِ الحَوْلَ حَائِلةٌ، ... حَوْلَ الجراثِيم في أَلْوَانِهِ شَهَبُ
كَأَنّما نَفَضُ الأحْمَالِ ذَاوِيةٌ ... عَلَى جَوَانِبِها الفِرْصَادُ والعِنَبُ
كَأَنّها بَيْتُ عَطّارٍ تضَمّنَهُ ... لَطَائِمَ المِسْكِ، يَحْويها، وَيَنْتَهِبُ
إذا اسْتَهَلّتْ عليهِ غَبيةً أَرِجَتْ ... مرابضُ العين، حتى تَأَرَجَ الخَشَبُ
وَالوَدَقُ يَسْتَنُّ في أَعْلَى طَرِيقَتِهِ، ... حولَ الجُمَانِ جَرَى في سِلكه النُّقَبُ
يغشى الكِناسَ بِرَوْقَيْهِ وَيَهْدِمُه ... من هائلِ الرّملِ مُنْقَاضٌ وَمُنْكَثِبُ
إذا أراد انْكِراساً فيه عَنَّ له ... دونَ الأرومةِ من أَطْنَابِها طُنُبُ
وَقَدْ تَوَجّسَ رِكزاً مُقْفِرٌ نَدِسٌ، ... بَنَبْأةِ الصّوتِن ما في سَمَعِهِ كَذِبُ
فَبَاتَ يَشئِزُهُ ثأدٌ، ويُسْهِرُهُ ... تَذَؤُّبُ الرِّيحِ والوَسواسُ وَالهِضَبُ
حَتى إذا ما انجلى عن وَجْهِهِ فَرَقٌ ... هَادِيهِ في أُخْرياتِ اللّيلِ مُنْتَصِبُ
أَغْبَاشُ ليلٍ تمامٍ كان طَارِقَه ... تَطخْطُخُ الغَيْبِ حتى ما لَهُ جُوَبُ
غدا كَأَنّ به جنّاً، تذاؤُبُهُ ... مِنْ كلّ أَقْطَارِهش يُخْشى وَيُرتَقَبُ
حتى إذا ما لها بالجَدْرِ، واتّخَذَتْ ... شمس الذُّرورِ شُعاعاً بَيْنَهُ قُبَبُ
وَلاَحَ أَزْهَرُ مَعْروفٌ بِنُقْبَتِهِ، ... كَأَنّه، حين يعلو عاقراً، لَهَبُ
هَاجَتْ بِهِ جُوَّعٌ زُرْقٌ مُخَصَّةٌ ... شَوازِبُ لاحَها التّقرِيبُ والخَبَبُ

غُضْفٌ مُهْرّتهُ الأشْدَاقِ ضَارِيَةٌ، ... مِثْلُ السّراحِينِ في أَعْنَاقها العَذَبُ
وَمُطْعَمُ الصّيدِ هَبّالٌ لبُغْيَتِهِ، ... ألفى أباه لذاكَ الكَسْبِ يكتسب
مُقَزَّعٌ، أطْلسُ الأمطارِ، ليسَ لَهُ ... إلا الضِّراء، وإلاّ صَيْدَها نَشَبُ
فانْصَاعَ جَانِبَه الوحشيّ، وانكدَرَتْ ... يَلْحَبنَ، لا يأتلي المطلوبُ والطّلَبُ
حتى إذا دَوّمَتْ في الأرض راجَعَهُ ... كِبْرٌ، ولو شاءَ نَجّى نَفْسَه الهَرَبُ
خَزَايَةً أَدْرَكَتْهُ بَعْدَ جَوْلَتِهِ ... مِنَ جانبِ الحَبل، مَخْلوَطاً بِهَا غَضَبُ
فَكَفّ مِنْ غَرْبِهِ والغُضْفُ يَسْمَعُها، ... خَلفَ السَّبيبِ، من الإِجهاد تَنْتَحِبُ
حتى إذا أَدْركَته، وهو مُنْخَرِقٌ ... أو كادَ يُمكِنُهَا العُرقوبُ والذّنَبُ
فَكَرّ يَمْشُقُ طَعناً في جَواشِنِها، ... كَأَنَّّه الأجرَ في الأقتالِ يُحْتَسِبُ
بَلَّتْ بِهِ غَيْرَ طيّاشٍ، ولا رَعِشٍ، ... إذ جُلْنَ في مَعْرَكٍ يُخشى بِهِ العَطَبُ
فَتَارَةً يَخِضُ الأعْنَاقَ عن عُرُضٍ، ... وَخْضاً وتنتظِمُ الأسْحارُ والحُجُبُ
يُنْحِي لها حَدَّ مَدْرِيًّ يَجُوفُ بِهِ ... حالاً وَيُصْرُدُ حالاً لَهْذَمٌ سَلِبُ
حتى إذا كُنَّ مَحْجوزاً بنافذَةٍ، ... وَزَاهِقاً وَكِلا رَوْقَيهِ مُخْتَضِبُ
ولّى يَهُزُّ انْهِزاماً وَسْطَها، زَعِلاً،جَذْلاَنَ، قد أَفْرَخَتْ عن رُوعِهِ الكُرَبُ
كَأنّهُ كَوْكَبٌ في إثرِ عِفْريَةٍ، ... مُسَوَّمٌ في سَوَادِ الليلِ مُنْقَضِبُ
فَهُنّ مِنْ واطيءٍ ثِنْيَي حَوِيَّتِهِ، ... وَنَاشِجٍ وَعَواصي الجَوْفِ تَنْشَخِبُ
أذاك أَمْ خاضِبٌ بالسِّيّ مَرْتَعُهُ، ... أَبو ثلاثينَ أمسى وهو مُنْقَلِبُ
شَخْتُ الجُزارةِ مِثْلُ البيتِ سائرهُ، ... مِنْ المُسُوحِ خِدَبٌّ شَوْقَبٌ خَشِبُ
كَأَنَّ رِجْلَيْهِ مِسماكانِ من عُشَرٍ، ... صَقْبَانِ، لم يتقشّرْ عَنْهُما النَّجَبُ
أَلْهَاهُ آءٌ وَتَنُّومٌ، وَعُقْبَتُهُ ... من لائحِ المَروِ والمرعى له عُقَبُ
فَظَلّ مُخْتَضِعاً يَبْدو، فَنُنْكِره ... حيناً وَيَزْمُرُ أحياناً فَيُنْتَسَبُ
كَأَنّهُ حَبَشيٌّ في خَمَائِلِهِ، ... أَوْ مِنْ مَعَاشِرَ في آذانها الخُرَبُ
هَجَنّعٌ، راح في سَوداء مُخْمَلَةٍ ... مِنَ القطائِفِ، أَعْلى ثَوْبِهِ الهُدَبُ
أَوْ مُقْحَمٌ أَضْعَفَ الإِبطانَ حَادِجُهُ ... بِالأمْسِ، واستأَخَرَ العِدلانِ والقَتَبُ
عَلَيْهِ زادٌ، وَأَهْدامٌ، وأَخْفِيةٌ، ... قَدْ كَادَ يَجْتَرّهَا عَنْ ظَهْرِهِ الحَقَبُ
أَضَلَّهُ راعيا كَلْبِيّةٍ، غَفَلا ... عَنْ صادرٍ مُطلِبٍ قُطْعَانُهُ عُصَبُ
فَأَصْبَحَ البَكْرُ فرداً من صَواحِبِهِ، ... يَرْتادُ أَحليِةً، أَعْجَازُها شَذَبُ
كلٌّ منَ المَنْظَرِ الأعلى لَهُ شَبَهٌ، ... هذا وهذانِ قَدُّ الجِسْمِ وَالنُّقَبُ
حَتّى إذا الهِيقُ أَمْسى سامَ أَفْرُخَهُ، ... وَهُنّ لا مُؤيِسٌ منه، ولا كَثَبُ
يَرْقَدُّ في ظلّ عَرَّاصٍ، ويلفحُهُ ... حَفِيفُ نَافِحَةٍ، عُثْنُونُها حَصَبُ
تبري لَهُ صَعْلَةٌ أَدْماءُ، خَاضِعَةٌ، ... فَالخَرْقُ، بَيْنَ بناتِ القَفْرِ، مُنْتَهَبُ
كَأَنّه دَلْوُ بِئْرٍ جَدّ مَائِحُها، ... حتى إذا ما رآها، خانَهُ الكَرَبُ
فَرَوَّحا رَوْحَةً، وَالرِيحُ عَاصِفَةٌ، ... والغَيْثُ مُرْتَجزٌ، واللّيلُ مُرْتَقَبُ
لاَ يَذْخَران من الإِيغالِ باقيةً، ... حَتى تكادُ تَفَرّى منهما الأَهَبُ

فَكلّما هَبَطا، في شأوِ شوطِهما، ... مِنَ الأماكنِ مفْعولٌ بِهِ العَجَبُ
لا يَأمَنانِ سِباعَ اللّيل، أو يَرِدا، ... إن أهبَطا، دون أطلاءٍ لَهَا لَجَبُ
كَأَنّما فُلِقَتْ عَنْهَا بِبَلْقَعَةٍ ... جَمَاجِمٌ يُبَّسٌ، أَو حَنْظَلٌ خَرِبُ
مِمّا تَقَيَّضَ عَنْ عُوجٍ مُعَطَّفَةٍ ... كَأَنّها شَامِلٌ أَبْشَارَها جَرَبُ
جَاءَتْ مِنَ البَيْضِ زُعراً لا لِبَاسَ لها ... إلاّ الدَّهاسُ، وَأُمٌّ بَرَّةٌ وأَبُ
أَشْدَاقُهَا كَصُدُوع النّبْعِ في قُلَلٍ ... مِثْلِ الدَّحارِيجِ لَمْ يَنْبُتْ لها زَغَبُ
كَأَنّ أَعْنَاقَها كُرَّاثُ سَائِفَةٍ ... طَارَتْ لَفَائِفُهُ، أَوْ هَيشَرٌ سُلُبُ

الكميت بن زيد الأسدي الطويل
أَلاَ لا أَرى الأيّامَ يُقضَى عَجِيبُها ... بِطولٍ، وَلاَ الأحداثَ تُفْنى خُطُوبُها
وَلاَ عِبَرَ الأيّامِ يَعْرِفُ بَعْضَها ... بِبَعْضٍ مِنَ الأقْوَامِ إلاّ لَبِيبُها
وَلَمْ أَرَ قَوْلَ المرءِ إلاّ كَنَبْلِهِ ... بهِ وَلَهُ مَحْرُومُهَا وَمُصِيبِها
وَمَا غَبَنَ الأُقْوَامَ مِثْلُ عُقُولُهمْ، ... ولا مِثْلُها كَسْباً أفَادَ كَسُوبُها
وَمَا غُبِنَ الأقْوَامُ عن مِثْلِ خُطّةٍ ... تَغَيّبَ عَنْهَا يَوْمَ قِيلَتْ أَرِيبُها
وَلا عَنْ صَفَاةِ النِّيقِ زَلّتْ بِنَاعِلٍ، ... تَرَامى بِهِ أَطْوَادُها وَلُهُوبُها
وَتَفْنِيدُ قَوْلِ المَرءِ شَيْنٌ لِرأْيِهِ، ... وَزِينَةُ أَخْلاَقِ الرّجَالِ وَظُوبُها
وَأَجْهَلُ جَهْلِ القَوْمِ ما في عَدوّهمْ، ... وَأَقْبَحُ أَخْلاَقِ الرّجالِ غَرِيبُها
رَأَيْتُ ثِيابَ الحِلْمِ وهي مُكِنّةٌ ... لذي الحُلْمِ يَعْرَى وَهُو كاسٍ سَلِيبُها
وَلَمْ أَرَ بابَ الشّرّ سَهْلاً لأهْلِهِ ... وَلاَ طُرُقَ المَعْرُوفِ وَعثاً كَثيبُها
وَأَكْثَرُ مأتى المْرءِ مِنْ مُطْمَأَنّهِ، ... وَأَكْثَرُ أَسْبابِ الرّجَالِ ضُرُوبُها
وَلَمْ أجِدْ العِيدانَ أَذاءَ أَعينٍ، ... وَلَكِنّما أَقذاؤهَا ما يَنُوبُها
مِنَ الضّيم أَوْ أَن يركبَ القَوْمُ قَوْمَهم ... رِدافاً مَعَ الأعداءِ، إلباً أُلوبُها
رَمَتني قُرَيشٌ عن قِسيِّ عداوَةٍ، ... وَحِقْدٍ كَأَنْ لم تَدْرِ أنّي قريبُها
تُوقِّعُ حَوْلي تَارَةً وَتُصيبُني ... بِنَبْلِ الأذى عَفْواً، جَزَاها حَسيبُها
وَكَانَتْ سِواغاً إن عَثرت بِغُصّةٍ، ... يَضيقُ بها ذَرْعاً سواها طَبِيبُها
فَلم أَسْعَ مِمّا كَانَ بيني وَبَيْنَها، ... وَلَمْ تَكُ عِنْدَي كَالدَّبُورِ جَنُوبُها
ولَمْ أجْهلِ الغَيْثَ الذي نَشَأْت بِهِ، ... وَلَمْ أَتَضرّعْ أن يجيءَ غُضُوبُها
وَأَصْبَحْتُ من أبوابِهم في خَطيطةٍ، ... ولا ذَنْبَ للأبوابِ مَرْتٌ جديبُها
وللأبعَدِ الأقصى تِلاعٌ مَريعةٌ، ... أَقَامَ بِها مثلَ السّنامِ عَسِيبُها
رَمتْني بالآفاتِ من كلّ جانبٍ، ... وَبالّرْبياءِ مُرْدُ فِهْرٍ وشِيبُها
بلا ثَبَتٍ إلاّ أُقاويلُ كاذبٍ ... يُحرِّبُ أُسدَ الغابِ كَفْتاً وُثُوبُها
لَعَمْرِ أبي الأعداءِ بيني وَبَيْنَها ... لَقَدْ صادفوا آذانَ سَمْعٍ تَجيبُها
فَلَنْ تَجِدَ الآذانَ إلاّ مُطيعَةً ... لها في الرِّضا، أو ساخطاتٍ قُلُوبُها
أفي كلّ أرضٍ جئتُها أنا كائنٌ ... لِخَوْفِ بني فِهْرٍ، كأَنّي غريبُها

وَإنْ كُنْتُ في جِذم العشيرةِ أَقْبَلَتْ ... عليّ وجوهُ القَوْمِ كُرْهاً قُطوبُها
بَني ابنةِ مُرّ! أينَ مُرَّةُ عنكمُ ... وعنَّا التي شَعباً تصيرُ شُعوبُها
وأينَ ابنْهُا عنّا وعنكم، وبعلُها ... خُزَيمةُ، والأرحامُ وعثاً جؤوبُها
إذا نَحْنُ منكم لم نَنَلْ حقَّ إخوَةٍ ... على إخوةٍ، لم يخْشَ غِشّاً جُيوبُها
فأيّةُ أرحامٍ يُعاذُ بفضْلِها، ... وأيّةُ أرحامٍ يُؤدَّى نصِيبُها
لنا الرّحِمُ الدُّنيا وللنّاسِ عِنْدكُمْ ... سِجالُ رغِيبَاتِ اللُّهَى وَذَنُوبُها
مَلأتُم حِياض المُلحِمينَ عَليكُمُ، ... وآثاركُم فِينَا تَصُبّ نُدُوبُها
سَتَلْقَوْنَ ما أحبَبْتُمُ في عدوّكُمْ ... عليكم، إذا ما الخيل ثار عصوبُها
فَلَمْ أَرَ فيكم سيرةً غيرَ هذِهِ ... ولا طُعْمَةً إلاّ التي لا أعيبُها
مَلأتم فِجاجَ الأرْضِ عدلاً ورأفةً ... ويَعْجِزُ عني، غَيْرَ عَجزٍ، رحيبُها
قَطعْتُم لساني عَن عدوّتِنا، لكُم ... عَقارِبُه تَلداغُها وَدبِيبُها
فأصْبحتُ فَدْماً مُفحَماً، وضَريبَتي ... مُحالِفُ إفحامٍ وعِيٍ ضَريبُها
فأرْحامُنا لا تطْلبنْكم، فإنّها ... عَوَائِمُ لم يهْجَعْ بليلٍ طَليبُها
إذا نَبَتَتْ ساقٌ من الشّرّ بينَنَا، ... قَصَدتُم لها حتى يُجَزّ قَضيبُها
لَتَتركُنا قُربَى لُؤيّ بن غالبٍ، ... كسامةَ إذ أودَتْ وأودَى عتيبُها
فأيْنَ بَلاءُ الدّينِ عنّا وعنكمُ ... لكلّ أكفٍ حاقِناتٍ ضريبُها
ولكنكم لا تستثيبون نِعْمةً، ... وغيرُكمُ من ذي يدٍ يستثيبها
وإنّ لكم للْفَضْلِ فضْلاً مُبرِّزاً، ... يُقصِّرُ عنكم بالسُّعاة لُغوبُها
جمعنا نفوساً صادياتٍ إليكمُ، ... وأفْئِدَةً منّا طويلاً وَجِيبُها
فقائِبَةٌ ما نحنُ يَوْماً، وَأنْتُمُ ... بني عبد شمس، أن تفيئوا، وقُوبُها
وهل يَعْدُونْ بينَ الحبيبِ فِراقُهُ، ... نَعم، داءُ نفسٍ أن يَبينَ حبيبُها
ولكنّ صبراً عن أخٍ لكَ ضَائِرٍ، ... عَزاء إذا ما النفسُ حَنّ طَرُوبُها
رأيْتُ عذابَ الماءِ إن حِيلَ دونَهُ ... كفاكَ لما لا بُدَّ منه شَريبُها
وَإنْ لم يَكُنْ إلاّ الأسنّةُ مَركبٌ، ... فلا رأيَ للمَحْمولِ إلا رُكوبُها
يشوبونَ للأقصَين مَعسولَ شِيمةٍ، ... فأَنَّى لَنَا بالصّابِ أنّى مَشوبُها
كُلوا ما لديكُمْ من سَنامٍ وغَارِبٍ، ... إذا غيَّبتْ دُودانُ عنكم غُيُوبُها
سَتَذْكرُنا منكُم نُفوسٌ وأَعْيُنْ ... ذَوَارفُ، لم تَضنَن بدمعٍ غروبُها
إذا وأدَتنا الأرضُ إن هي وأدت ... وأَفْرخَ من بَيْنِ الأمورِ مقُوبُها
وأُسكِتَ دَرُّ الفحلِ واسترعَفَتْ بِهِ ... حَرَاجِيجُ، لم تَلْقَح كِشافاً سَلُوبُها
وبادرها دِفْءُ الكنيفِ، ولمْ يُعِنْ ... على الضّيْفِ ذي الصّحن المُسِنّ حَلوبُها

الطرماح بن حكيم الطائي الخفيف
قلّ في شَطّ نَهروانَ اغْتماضي،
فَتَطَرّبْتُ للصِّبا ثم أَوْقَف
وأراني المَلِيكُ رُشْدي، وقد كُنْ
غيرَ ما رِيبةٍ سِوى رِيِّقِ الغُ
لا تأيّا ذِكري بُلَهْنِيَةُ الدّهْ
فاذْهبوا ما إليْكُم خَفَض الدّه
وَأَهَلْتُ الصّبا، وأرشَدني اللّ
وَجَرَى بالّذي أَخَافُ من البَي
صَيدحيُّ الضّحى، كأنّ نَساهُ
سوْفَ تُدْنِيكَ مِنْ لَمِيسَ سَبَتنْتا
أضْمرَته عشرين يَوْماً، ونِيلَتْ

فَهْيَ قَوداءُ أنفَجَتْ عَضُدَاهَأ
عَوسَرانيّةٌ، إذا انتفضَ الخِم
وَأَوَتْ ثلّة الكَظومِ إلى الفَ
مثلُ غَيرِ الفَلاةِ شاخَسَ فاهُ
صُنْتُعُ الحَاجِبَينِ خَرَّطَهُ البَقْ
فَهُوَ خِلْوُ الأغْصانِ إلاّ منَ الما
ويَظَلّ المَليءُ يُوفي على القَر
يَرْقُبُ الشمسَ إذْ تميل، بمثل ال
وَمَخارِيجَ مِنْ شِفَارٍ وَمِنْ غِي
مُلبضساتِ الفِئامِ يُضْحي عَليها
قد تَجَاوَزْتُها بِهَضّاءَ كالجِنّ
وحِواءٌ منها تَبَيّنُ للعْيْ
وقِلاصٌ لم يَعْدُهُنّ غَبوقٌ،
وَتَرى الكُدْرَ في مَنَاكِبها الغُب
كبقايَا الثُّوَى يَلُذْنَ منَ الصّيْ
أو كمجْلوحِ جِعْثِنٍ بَلّهُ القَط
إنّنا مَعْشَرٌ شمائلُنا الصّب
نُصَّرٌ للذلّيل في نَدوةِ الح
لم يفُتْنَا بالوِتْرِ قومٌ، وللضّيْ
فَسَلي النّاسَ إن جَوِلْتِ وإنْ شئْ
هل عَدَتْنا ضَعِينَةٌ تَبتغي العِ
كم عَدُوّ لنا قراسيةِ العِ
وَجَلَبْنَا إليهِمُ الخَيْلَ، فاقِتي
بجلادٍ يَفْري الشؤونَ، وطَعْنٍ
ذي فُروغٍ يظَلّ من زَبَد الجَو
نَقّبَتْ عَنْهُمُ الحُرُوبُ، فذاقوا
كلُّ مُستأنِس إلى الموتِ قدْ خا
لا يَني يُحمِضُ العدوَّ، وذو الخُ
حينَ طَابَتْ شَرائعُ الموْتِ فيهم،
باللّواتي لم يَتَّرِكْنَ عِقاقاً،
تِلْكَ أحْسابُنا إذا احتتن الخصْ

أقسام الكتاب
1 2