كتاب : مفاكهة الخلان في حوادث الزمان
المؤلف : ابن طولون
وفي هذه الأيام ورد كتاب من مصر بطلب جماعة من حاشية القاضي الشافعي، نحو عشره .
وفي بكرة يوم السبت ثامن عشره سافر وفد الله من دمشق، وأميرهم يلباي. وفي يوم السبت خامس عشريه سافر الشيخ علاء الدين البصروي مطلوباً إلى مصر، لتحقيق ما كتبه من التصنيف في القاضي الشافعي، وكاتب معه الأمير الكبير للبدري كاتب سر السلطان، وقيل إن السلطان أوقف على المصنف، فطلب ليحاققه ويجد به، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأربعاء سادس ذي القعدة منها، رجع الجماعة الذين طلبوا إلى مصر، من جماعة القاضي الشافعي، بعد أن تمادوا في السفر ليأتي جواب القاضي، فلم يأت إلا وهو قد سافروا، ثم رجعوا مع صبي كمال الدين ابن خطيب حمام الورد، القاصد إلبهم بعدم السفر.
وفي بكرة يوم الاثنين حادي عشره دخل مملوك النائب، دواداره قطج، من مصر وصحبته خلعة بطراز لأستاذه، وأخرى له، وتلقاه أرباب الدولة على العادة، بعد أن نصب خيمة بالقبق، قرب مسجد القدم، ولم يخرج نائب القلعة إليه وإنما خرج غوغاء الزعر إنكاء لنائب القلعة، وكان الحاجب الكبير ضعيفاً، فلم يلبس الخلعة المذكورة لنائب القلعة، إذ العادة أن الحاجب إذا غاب يلبس له حنقاً عليه .
وفي يوم الاثنين خامس عشريه ورد مرسوم في شيخنا المحيوي النعيمي، بسبب وظيفة ابنه التقي، أخذها خاله لابن حمدان، فطلب إلى دار العدل، ثم دفع إلى الشرع فظهر الحق بيده .
وفي يوم الاثنين مستهل ذي الحجة وصل الخبر من مصر إلى دمشق، بأن الدوادار الكبير آقبردي دخل من سفره من البلاد القبلية إلى مصر أواخر ذي القعدة، وأن الأمير قانصوه الألفي، والشامي، وخمسمائة، تحاملوا ودخلوا على الأمير الكبير أزبك الظاهري، وأقاموا للركوب على آقبرداي، فركب معهم، فرفع السلطان علمه عند باب القصر ونادى مناديه: من كان يطيع الله ورسوله، فليأت إلى علم السلطان، فانحاز غالب الجماعة إليه، وهرب القراصنة، فوضع أزبك منديلاً في رقبته، وكذلك يشبك الجمالي، ودخلا إلى السلطان طائعين، فوضعا في الحديد بالقاعة؛ ورسم السلطان بأن من مر عليه من المذكورين الهاربين ولم يمسكه فهو غريم المقام الشريف، وأرسل بذلك إلى جميع النواب، فالله يحسن العاقبة .
وفي يوم الجمعة رابع عشره، بعد الصلاة، صلوا غائبة على الشيخ الصالح علي الجبرتي، توفي بمصر .
وفي يوم الجمعة حادي عشريه صلوا غائبة بالجامع الأموي على رجلين، أحدهما الشيخ شهاب الدين أحمد بن أحمد بن الأقيطع البرلسي، وترجم بالعلم والدين، والثاني الشيخ الصالح الولي المجذوب نعمة، توفي بصفد .
وفي هذه الأيام خرجت سرية من عند النائب إلى قرية الأشرفية وبلاسر، شكا عليهم الديارنة، فقتل منهم خلق كثير، ونهبت أموالهم، وهتكت حريمهم، وكانت فتنة عظيمة، وقبض على أهل قرية صحنايا، ثم أطلقوا .
وفي هذه الأيام أيضاً نفي أتابك العساكر المصرية، أزبك، إلى مكة المشرفة بطالاً، بعد أن وقع له بمصر خبطة كبيرة، وقام عليه مماليك السلطان؛ واستقر مكانه بالأمرة الكبرى تمراز الشمسي ... .
سنة إحدى وتسعمائة... ليعلم السلطان من يرفع رأسه للسلطنة، وأنه مختف لم يمت.
وفي يوم العيد الكبير، يوم الجمعة عاشره، صلى النائب الجمعة تحت الخطيب بمقصورة الجامع الأموي، وهو خلاف العادة فإن العادة لا يصلي فيها إلا السلطان .
وفي ليلة الأحد ثاني عشره قدم بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي من الدورة في بلاد عمه، وبشر بأن عمه ولي نظر الجيش بدمشق .
وفي اليوم المذكور وصلت الهجانة إلى دمشق، بأن محمد ابن السلطان قاتباي تسلطن ولقب بالناصر، وأن قانصوه خمسمائة تولى الأمرة الكبرى، وأن جان بلاط دوادار كبيراً، فدقت البشائر، ونودي بالزينة على العادة، فلم يزينوا سوى القلعة لخوف الناس على أموالهم .
وفي بكرة يوم الاثنين ثالث عشره قرئت المراسيم بحضرة أرباب الدولة بدمشق، بأن كل أحد على عادته في ولايته.
وفي ليلة الأربعاء خامس عشره أصبح الأمير عساف نائب بيروت وصيدا وتلك المعاملة، مقطوع الرأس مرمياً على مصطبة بمحلة العنابة، وكان النائب على ما قيل حاملاً منه في الباطن، واستأذن منه مراراً في الرجوع إلى بلده فلم يأذن له، وتأسف الناس عليه لحرمته على المناحيس ببلاده .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه بعد أن كان أطلق قانصوه الألفي من قلعة صفد، ثم سافر إلى دمشق، ثم القاهرة، احتال نائب صفد على نائب قلعتها وعلى الخاصكي الذي أتى إليهما من مصر، وقال: أنا طائع غير عاص، حتى اجتمعوا في مكانه وقتلهما، وكانا قد جمعا عليه العشير لقبضه، ثم خرج منها على حمية عاصياً .
وفي هذه الأيام كثر القتل في دمشق، سيما في البلاصية، وأهل الزعارة، وقلت حرمة النائب .
وفيها وردت الأخبار من مصر بتولية للسيد عبد الرحيم العباسي كتابة سر دمشق، وأنه أعطى الأمير ماماي قاعتين له يساويان جملة مستكثرة بمصر، حتى سعى له في هذه الوظيفة .
قال شيخنا المحدث جمال الدين بن المبرد الصالحي في تاريخه : وفي هذه السنة أشيع الخبر بتحريك بني الأصفر، وأنهم في مراكب كثيرة نحو الأربعين، وأن ملكهم شاب، فسألني السيد نور الدين بن نقيب الأشراف أن أخرج له الأحاديث الواردة فيهم، فخرجت له جزءاً في ذكرهم، وخيف من ظهورهم على طرابلس، فأرسل نائب الشام قانصوه اليحياوي سألني عن مكان خروجهم، فقلت له في الحديث بين عكا وصور .
سنة اثنتين وتسعمائةاستلهت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباي؛ ونائبه بدمشق قانصوه اليحياوي؛ والقضاة: الحنفي محب الدين بن القصيف، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، وهو بمصر إلى الآن، والمالكي شمس الدين الأندلسي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير الأتابك يلباي؛ والحاجب الكبير قرقماس التنمي؛ والحاجب الثاني تنم؛ ودوادار النائب قطج؛ وسلطان مكة محمد بن بركات؛ وملك الروم أبا يزيد بن عثمان؛ وصاحب العجم يعقوب بن حسن بك، وهو على بغداد وغيرها .
وفي يوم الأربعاء سادس المحرم منها، قبض على الأمير تمربغا الفرنجي مملوك قجماس، ناظر الجيش، أدخل البرج في القلعة .
وفي بكرة يوم السبت تاسعه خرج من دمشق الأمير برد بك، دوادار السلطان بها، نائباً لصفد .
وفي يوم الخميس حادي عشرينه لبس النائب من القبة خلعة السلطان الجديد، ثم خرج عقب خلعها إلى القبة وأرسل جماعة لتلقي الحاج، ثم رجع آخر النهار .
وفيه ورد توقيع شريف بعزل محب الدين بن القصيف من قضاء الحنفية، وتولية بدر الدين بن أخي القاضي الشافعي؛ وفوض للعلاي الحنفي قاضي طرابلس كان، وحكم له في شراء بيت الخواجا شمس الدين بن النحاس مبيعاً حكيماً، لكونه كان وقفاً باعه له ولده بدر الدين حسن بثلاثين ألفاً، قبل غرامته أضعاف ذلك، وأول شيء حكم به هذه القاذورة القبيحة. وفي يوم السبت رابع عشريه، وهو أول تشرين الأول، سافر الأمير تمربغا المتقدم ذكره من القلعة إلى مصر.
وفي يوم الاثنين ثالث صفر منها، دخل من مصر إلى دمشق نقيب قلعتها الأمير .... وفي يوم الخميس سادسه دخل من مصر إلى دمشق الأمير يخشباي المعزول عن نيابة القلعة، وقد ليّ أمره الميسرة بدمشق، وتلقاه أرباب الدولة، النائب فمن دونه.
وفي بكرة يوم الاثنين عاشره دخل من مصر إلى دمشق أركماس، الذي كان دوادار السلطان بدمشق، وقد فوّض إليه نيابة حماة، وصحبته القاضي زين الدين عبد الرحيم بن الموفق العباسي، وصحبتهما خلعة لابن أخي القاضي الشافعي بقضاء الحنفية، وتلقاهما النائب وأرباب الدولة على العادة. ثم في يوم الخميس ثالث عشره لبس بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي خلعته بقضاء الحنفية، وقريء توقيعه بالجامع على العادة، وتاريخه خامس عشر المحرم منها، قرأه الشريف الجعفري الموقّع نائب كاتب السرّ، وصحف فيه كثيراً.
وفي صبحة يوم الجمعة خامس ربيع الأول منها، احترق حوانيت الأخصاصيين والطباق فوقها، خرجت النار من حانوت إخصاصي. وفي بكرة يوم الاثنين ثامنه دخل من مصر إلى دمشق قاضي المالكية شمس الدين الطولقي، عوضا عن شمس الدين الأندلسي، وتلقاه، وناظر الجيش الذي أتى صحبته من مصر، الخواجا زين الدين بن النيربي، أرباب الدولة، النائب فمن دونه، في اليوم المذكور، ولكن دخل النائب مهما إلى دمشق عجلاً، ومع إبطال القلعة، ثم ذهب الحاجب والأمراء والطولقي المذكور مع ناظر الجيش إلى بيته، ثم رجع الناس مع الطولقي إلى الجامع، وقرأ توقيعه القاضي بهاء الدين الحجيني نائب الحنفي، وتاريخه في خامس عشرين المحرم.
وفي يوم السبت ثالث عشره احترقت الطبقة وما حولها بسوق الدهيناتية .
وفي يوم السبت العشرين منه، دخل من مصر إلى دمشق خاصكي لكشف القلاع، وتلقاه النائب فمن دونه .
وفي بكرة الاثين ثاني عشريه وصل مشد النائب أزدمر، الذي كان نائباً عنه في القلعة، ثم أرسله إلى مصر بمائة ألف دينار مما في الصندوق بالقلعة بطلب السلطان الجديد، فأوصلها إلى السلطان، فخلع عليه، وأرسل صحبته خلعة حمراء سمور خاص لأستاذه النائب؛ وقيل إنه أرسل يطلب من السلطان عجلون وصيدا والصلت والرملة، حسبما كانت العادة بذلك، فأجابه إلى ذلك .
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الحاجب الكبير بدمشق، قرقماس، عزل عنها ووليها عنه الأمير تمربغا الفرنجي الذي كان ناظر الجيش بدمشق، وحبس وأطلق، بعد أن أشيع عنه أن ولي دوادارية السلطان بدمشق، فلم يصح .
وشاع أن السلطان فوض الدوادارية المذكورة إلى أمير ميسرة بحلب، جان بلاط، فأتى إلى دمشق في هذه الأيام .
وفي يوم الجمعة سادس عشريه فوض المالكي لنقيبه الجاهل المتحرك، شهاب الدين بن أخي القاضي شعيب، لكونه له عليه مال أقرضه إياه، فاتفق معه على البراءة من الدين وتوليته، ثم اتفق معه على أن يأتي بأحد من الأكابر يشفع فيه، فذهب إلى شخص لا عقل له اسمه برسباي المجنون ناظر الجوالي، فشفع فيه، ففوض إليه ليقول لمن يعاتبه في ذلك إلى غصبت، ولا قوة إلا بالله .
وفي بكرة يوم الخميس ثاني ربيع الآخر منها، دخل من مصر إلى دمشق نائب قلعتها، وهو شيخ اسمه قاني بك، وتلقاه أرباب الدولة، النائب فمن دونه، على العادة .
وفي بكرة يوم الاثنين ثالث عشره دخل من مصر إلى دمشق حاجباً كبيراً بها الأمير تمربغا الفرنجي، وتلقاه النائب فمن دونه على العادة، مخلوعاً عليه بأحمر بسمور، وكان مدخلاً حافلاً .
وفي ليلة الخميس خامس عشر جمادى الأولى منها، خسف القمر شيئاً يسيراً قبل العشاء، ثم تكامل خسفه بعدها، واستمر إلى قرب ربع الليل .
وأصبح الناس في شدة من قطع طريق مصر، من شدة الخوف من آقبردي الدوادار الكبير المعزول، فإنه ظهر من نحو شهر في غزة بعد اختفائه من حين وفاة السلطان قايتباي، وشاع في دمشق أن نائب غزة آقباي أتي به محمولاً مختفياً من مصر، فلما ظهر قيل إن السلطان الجديد بعث له الأمان، فاجتمع عليه مماليكه وجماعته وغيرهم من العصاة، وبقي له شوكة، ثم تسحب في أواخر جمادى الأولى ومر على صفد ثم على البلاد الغربية، فقيل إن نائب طرابلس عصي وأنه قاصده، وكذا شاع بدمشق عصيان أينال الفقيه نائب حلب، فأرسل نائب الشام دواداره وجماعة من الأمراء للوقوف في وجهه، فخرجوا إليه على بعلبك في سلخ جمادى الأولى المذكور .
وفي يم الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة منها، ورد مرسوم سلطاني، مضمونه: أنه في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة حصل بالرميلة وقعة بين جماعة السلطان وجماعة قانصوه خمسمائة وتاني بك الجمالي، وحصل لقانصوه بندقة وجرح تاني بك، ثم ولي الاثنان وولي أحد عشر أميراً معهما، ولم يعلم خبر قانصوه، هل مات أو لا؛ وطلب فيه من نائب الشام بأن يبعث له جميع المماليك المنفية بسرعة، وأن يبعث وراء الدوادار آقبردي الهارب، فحصل لآقبردي السعد حينئذٍ، وما أظن يسلم له ذلك لكثرة مبغضيه ومحبي قانصوه .
وفي ثا... عشرينه شاع بدمشق أن قانصوه خمسمائة كان تسلطن ستة أيام بباب السلطة، ولقب بالملك الأشرف، ثم طرد بعد أن أصابته بندقة، وأن الدوادار آقبردي رجع من البلاد الشمالية ووصل إلى غزة، وأن قانصوه المذكور كبسه بغتة بأرض الزعقاء، ثم حصره بخان يونس، وقتل من الفريقين خلق كثير .
ثم استهل رجب بالأحد، وفيه توترات الأخبار بدمشق بأن قانصوه خمسمائة انكسر ورجع مختفياً ولم يبق معه أحد، وقيل قتل؛ ثم سارى آقبردي إلى مصر منصوراً .
ثم ورد مرسوم بالقبض على نائب قلعة دمشق ونقيبها اللذين هما من عصبية قانصوه خمسمائة، وهو كان السبب في ولايتهما، فطلبهما النائب إلى دار السعادة في حجة شيء، ثم غمز جماعته بالقبض عليهما وتسلم القلعة، ففعلوا .
وفي ليلة الخميس تاسع عشره تحلق جماعة من مماليك الحاجب الكبير تمربغاً، ولبسوا لبس النساء وتلقوا بسريتي قاضي القضاة كان، شمس الدين بن البدري المزلقي، من باب الحمام الذي شرقي داره، الذي هو جوار قناة الشنباشي، وأتوا معهما ودخل الجميع بعد المغرب إلى بيتهما، واختفوا في جانب من البيت، فلما كان أواخر الليل أشارتا إلى سيدهما ومكنوهم من قتله، فضربوه بالسكاكين في جانبه الأيمن والأيسر وفي رأسه، ومكنوهم من أخذ المال ألفين، وخرجتا معهما على البوابين فأرادوا قتلهما، ففتحا وخرجوا جميعاً بالمال؛ وظن الناس في النائب أنه أشار لجماعة جيران المقتول، منهم والي البر المخصي، ودواداره قطج، ولغط الناس في ذلك، وغضب لذلك، فأراد الله براءته، فجاء نصراني من حارة النصارى من جيران الحاجب الكبير تمربغا، الذي يقال عنه إن أصله فرنجياً، وأخبر لخال الأسياد، أن أمير آخور الحاجب المذكور وأستاداره دخلوا إلى مكان كذا ومعهم نساء صفتهم كذا وكذا، ففي الحال أعلم النائب، فبعث قطج دواداره إليهم، فكبسوا، فأتى بإحدى الجاريتين وهي السرية الكبرى الخاص، وأمير آخور المذكور، والدوادار أيضاً، ماشيين، ومعهم بعض المال، وهرب الخازندار بالسرية الأخرى ببعض المال .
فلما كان بكرة يوم الثلاثاء سابع يوم من القتلة، رابع عشرين رجب، أمر النائب بأن يؤتى بهم من بيت قطج القريب إلى دار المقتول مزنجرين، على الهيئة التي دخلوا بها الجابية والسرية بلبسها الخاص، وهي طاقية بلؤلؤ، وحلق خاص مذهب، وقمجون أحمر، فوقه كبر خاص أبيض، ثم أخذت الطاقية وألبست طرطور المساخر. فأغمى عليها قرب دار السعادة، فأدخلوا على النائب وهو في الاصطبل، ففي الحال أمر بتخوزقهم على أوتاد ممدودة بجانب الخندق تجاه الاصطبل المذكور، فمات الرجلان، واستمرت السرية حية وهي مخوزقة، تحادث الناس ويحادثونها إلى وقت العصر، فأمر النائب بتخزيقها ثانياً فماتت، وكان يوماً مهولاً .
ثم في يوم الأربعاء خامس عشرينه قبض على السرية الأخرى، وهي الصغرى، فرئيت حبلى فأمر النائب لأجله بتغريقها لا بتخزيقها، فعريت بالوادي الأخضر قبلي الوراقة العزية، وثقلت بحجارة وألقيت في ذاك الماء العميق ببردى، عند جسر طوغان، من فوقه .
وفي يوم الأربعاء ثاني شعبان منها، سافر قاضي الحنفية بدر الدين بن أخي القاضي الشافعي إلى جزين وبلادها، وخرج في أبهة هائلة .
وفي بكرة يوم الأحد سادسه أرسل النائب جماعة من مماليكه إلى بيت ناظر الجيش، وكيل السلطان الجديد، ابن النيربي، فهرب من بيته إلى بيت جاره عبد النبي، فقبضوه وأتوا به ماشياً حافياً، وأدخلوه إلى القلعة .
وفي هذه الأيام نادى النائب بتدريب الجارات، وتواترت الأخبار بأن الدوادار الكبير آقبردي دخل مصر؛ وأن قرقماس الذي كان حاجباً بدمشق ولي نيابة غزة؛ وأن أركماس الذي ولي نيابة حماة عزل عنها؛ وأن قانصوه خمسمائة هو الآن بدمشق مختفياً يعلم به النائب، ولأجله أمر بتدريب الحارات، وقيل لأجل التضييق على الحرامية لكثرتهم حينئذٍ .
وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه وصل من مصر جماعة القاضي الشافعي، وهم: عماد الدين الموقع، وعز الدين، وابن عم قاضي القضاة، وعلى أيديهم كتب لابن أخيه قاضي الحنفية، وشاع أن فيها عزل نائبه شهاب الدين الرملي لكونه يتراجع ويطلق هجوه .
وفيه شاع بدمشق أن الدوادار الكبير آقبردي لما دخل مصر، زينت له ولآقباي، مصر، عشرين يوماً، وأن الدوادار مستمر على وظيفته، وآقباي تولى رأس نوبة النوب، وأنه قد تعين لقلعة دمشق نائب من جهة الدوادار، وجهزوا معه جماعة معه الخاصكية ليأخذوها من النائب ويسلموها لنائبها الآتي معهم، وقلق النائب من ذلك، ولكنه رجل فيه عقل وثبات، وأكد ذلك أن الأمير الكبير تمراز أرسل يقول للنائب، إن آقبردي وجماعته ساعون في هلاك القراصنة، أنا وأنت وتاني بك الجمالي، وقد دفع بعض الأمراء في نيابة الشام مبلغ تسعين ألف دينار، فبهذا الاعتبار زاد وقوف حال الناس وظنوا أن هذه التداريب التي نادى النائب بعمارتها على الحارات ما هي إلا لأمر كمنه منهم .
وفي يوم الأربعاء ثامن رمضان منها، وصل الخبر من حلب بأن نائبها نهب فيها وحرق، وحصل خبطة عظيمة .
وفي يوم الخميس تاسعه شاع بدمشق أن السلطان عزل قضاة مصر الأربعة، وبعث إلى القدس لأخذ كمال الدين بن أبي شريف، ليوليه مكان الشيخ زكريا؛ وأنه ولي كتابة السر لابن الجيعان .
وفي ليلة الأربعاء خامس عشره ورد من مصر الخبر بأن الدوادار آقبردي وجماعته، كآقباي، تآمروا على السلطان وأرادوا سقيه أو مسكه، فأخبره بذلك نائب طرابلس الأعور، الذي كان من حزبهم، وكذلك نائب صفد برد بك، فركب الجلبان عليهم وكانت وقعة عظيمة، ونصب آقبردي وجماعته المكاحل على القلعة، وحاصروا السلطان وجماعته .
ثم في خامس يوم من رمضان المذكور تسحب آقبردي وجماعته، ولم يعلم خبرهم، وخربت بيوتهم ونهبت، ودقت البشائر بذلك في دمشق .
وفي يوم الأحد سابع عشرينه لبس قاضي الحنابلة نجم الدين بن مفلح خلعة العود، بعد تولية ابن قدامة مكانه بمصر.
وفي بكرة يوم الخميس سلخه، وهو آخر حزيران، خرج القلعيون بغير أمر، لتلقي نائب القلعة ونقيبها الآتيين من مصر، فورد مرسوم باستمرار النقيب المعزول، فعوق الجديد بتربة تنم ليراجع السلطان، فامتنع نائب القلعة لأجله من الدخول إلى دمشق، ورجع القلعية، ثم ورجع نائب القلعة ورجع القلعية وأدخلوه، وبقي النقيب الجديد بالتربة .
وفيه لبس القاضي شمس الدين بن يوسف الأندلسي المعزول، قضاء المالكية، وعزل شمس الدين الطولقي .
وفي يوم الجمعة كان عيد أهل دمشق وهم في وجل من فصل الطاعون، وقد مات جماعة، فالله يلطف .
وفي هذه الأيام وقع القاضي المالكي الجديد بابن أخي شعيب، وضربه وأركبه حماراً مقلوباً، وكشف رأسه وجرسه .
وفي الاثنين حادي عشر شوال منها، ورد خاصكي من مصر صحبته خلعة للنائب، فلم يخرج إليه لوجع رجله وضعفه، فدخل والخلعة بين يديه مطوية على جنيب، وشاع بين الناس أنه أتى على تركة ابن المزلق المقتول، وعلى تركة ابن المعتمد، وعلى كشف الأوقاف .
وفي هذه الأيام هرب الشيخ محمد بن الحصني ليلة الثلاثاء إلى قرية الحنارة من الوباء؛ ثم هرب السيد علاء الدين بن نقيب الأشراف على عادته إلى البر منه، فضعف في قرية غرابة، ثم اختار الانتقال إلى المزة شرقيها فمات بها، ودفن جوار الشيخ علاء الدين البخاري، فلم يغنه الحذر، وكان عمره في عشر الأربعين، كذا أخبر شهاب الدين بن بري .
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره سافر وفد الله إلى الحجاز، وأميرهم دوادار السلطان بدمشق جان بلاط الذي أتى من حلب .
وفي يوم السبت ثالث عشرينه توفي النائب وكان الوفد بالمزيريب؛ وكان قد تولى جديداً عامر بن مقلد، وولده، وولد عدوه جانباي، بقلعة دمشق، كما أشار به النائب قبل وفاته، فحصل بدمشق خبطة من زعرها على النقباء ومن استضعفوه، فتصدى الحاجب الكبير تمربغا لهم، وقتل جماعة وقطع أيدي آخرين، فسكنوا، ونادى بالأمان، فاطمأن الناس، وخرج وظهر عن شجاعة وخيولية؛ أعانه الله على الخير .
وفي يوم الأحد رابع عشرينه رجع بعض المزيريبية، وأخبروا بوقوف الحال من كثرة الخوف والوباء.
وفيه فقد الشيخ الأمرد خضر بن علاء الدين المعري، الشاهد بسويقة المصلاة، ففتش على من عاشره، فوجدوه ولد محمود بن دكر، من ميدان الحصى، جوار الشيخ شهاب الدين بن المحوجب، فأرادوا سؤاله عنه فاختبأ عند النساء، ووجدوه مجروحاً في يده وغيرها، فحرر عليه، فأقر سراً، فقال للشيخ شهاب الدين المذكور: إنا كنا ذهبنا إلى الغيضة قرب الربوة، فبينما أنا وهو إذ ولج علينا مغربيان ورجل أزعر، يقال له ابن النيات من الشاغور، فأرادوا يجرحوني فهربت منهم، ولم أعلم ما فعلوا مع رفيقي خضر المذكور .
فذهب أبو خضر، وجماعة أخر معه، إلى الغيضة المذكورة، فوجدوه مقتولاً مذبوحاً ومضروباً ومفعولاً فيه الفاحشة، قد أكل ابن آوى إحدى رجليه، وعليه ثيابه الحسان المثمنة لم يؤخذ منها شيء، ومعه دراهم نحو ستين درهماً باقية، وآلة الشرب باقية، فحمل، وأتي به إلى محلته وهو في أسوأ حال من المثلة والانتفاخ والنتن، فأمر نائب الغيبة بدفنه، وقبض على رفيقه وعلى والده محمود وحبساً .
وفي هذه الأيام وجدت أعيان حرام قد سرقها رجل قوال وقارئ الأعشار تحت الكراسي الواعظية، وهو مؤذن بمأذنة الشامية، أصله من طرابلس، وكان ضيفاً، لكن الإجرام ظاهر بخلوته بالشامية، من سكر نبات وثياب حرير وغير ذلك، وغالبه من زوج أخت امرأته مجاورة السكري، فوضع في زنجير، وحملوا على رأسه طبلية فيها من ذلك، وحمل قدامه عدة طبالي، وخرج على أسوأ حال؛ وشاع عند العوام أن الحرام قد وجد عند الفقهاء، الذين يعرفون ما قال الله ورسوله، فكاد بعضهم يستحل ذلك، وبعضهم يبالغ في ذلك، ويقول إمام الشامية الرجل الصالح شهاب الدين البقاعي، ولا قوة إلا بالله .
وفيها ورد كتاب من القاضي الشافعي بعزل شعيب من القضاء، فلم يسلم هو العزل وأعاده شهاب الدين الرملي إليه ولم يصح .
وفي يوم الاربعاء رابع ذي القعدة منها، كبر الناس بدمشق، على مآذن الجامع وغيره، على الخاصكي الذي جاء من مصر، وعلى يديه خلعة النائب المتوفي، وجاء على كشف الأوقاف، واسمه تنم الجردون، وإنما صار خاصكياً بمصر قريباُ لأجل ظلمه للناس وأخذ أموال الأوقاف بلصاً؛ وهذا أول ظلم وقع في زمن هذا السلطان الجديد.
وفي يوم الخميس ثاني عشره دخل من مصر يلباي الأمير الكبير بدمشق، كان سافر إلى الداودار الكبير لما رجع من جفلته إلى غزة، ثم إلى مصر، فلما جفل الجفلة الثانية إلى الصعيد، رجع هذا إلى دمشق على عادته، وكان عاداه النائب المتوفى لكونه سافر لنصرة الداودار الكبير، وأخذه له على ما قيل حاصلاً شعيراًَ، فشكاه إلى السلطان، فلم يفده إلى طلب قطج وجماعته، فأنعم عليهم إكراماً للنائب أستاذهم، فرجعوا بخلعة سنية للنائب، فلم يصلوا دمشق حتى مات النائب، فعادوا بها إلى مصر، فاطمأن هذا الأمير يلباي، وأتى إلى دمشق يومئذٍ.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره صلي غائبة، عقيب صلاتها بالجامع الأموي، على ثلاثة أنفس منهم المحدث العلامة شمس الدين السخاوي، توفي بمكة، وفي ليلة الاثنين سادس عشره شاع بدمشق أن المنجمين قالوا إن الوباء يرتفع حينئذٍ، فرجع الشيخ محمد بن الحصني، الذي قد كان هرب منه بولده وأهله إلى قرية الخيارة، فتوعك ولده واسمه عبد الوهاب، ثم توفي ليلة الخميس تاسع عشره عن نحو عشرين سنة، ووضعوا الجثة في القبر طراحة.
وفي يوم السبت حادي عشريه وردت الأخبار من مصر إلى دمشق، بأن أبا البقاء بن الجيعان، قصده رجل ملتف في برنس حال خروجه من الحمام، وطعنه بسكين فقتله، واتفق الناس أنه مسلط عليه، وقال بعضهم سلطه كاتب السر ابن مزهر.
وفي يوم الأحد ثاني عشريه رجع إلى دمشق دوادار النائب المتوفى قطج، ومعه الوالي المخصي وغيرهما، ردهم الخاصكي الذي أتى على الحوطة على مال أستاذهم، وهو الآن بائت على قبة يلبغا، وقيل أنه من أقارب السلطان، ثم دخل بكرة يوم الاثنين ثالث عشرينه وخرج لتلقيه نقيب القلعة، والقضاة، وجماعة النائب المتوفى. وأما نائب الغيبة الحاجب الكبير فلم يخرج، لأن زوجته توفيت، وخرج في رقبته خراج، بل شيع بدمشق موته، وكان على الحواط خلعة خضراء بطراز. وفي هذا اليوم طاشت الزعر وطغى الحرامية، وعرى جماعة عند دخول الليل، وكثر ظلم المحتسب.
وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه ختم حضور الدرس بالشامية الكبيرة. وبعد ظهر يوم الخميس سادس عشريه ثار الشريرين، غوغاء ميدان الحصى وغوغاء الشاغور، بمحلة قبور الباب الصغير ومسجد الذبان، وقتل جماعة وجرح آخرون، وغلقت الأسواق خوفاً من النهب، ثم ركب الأمير الكبير ففرق بين من تأخر منهم في القتال.
وفي عشية هذا اليوم ثار السحاب من شرقي دمشق، ومشى إلى جهة الغرب إلى أن أظلمت الدنيا، وخشى الناس المطر لكثرة الوخم والسموم، واستمر إلى آخر الليل، فكثر الرجم بالنجوم، فتكشطت السماء من السحاب، ورجم بنحو عشرين نجماً في نحو ساعة .... وفي يوم الجمعة سابع عشريه صلوا بالجامع الأموي غائبة على أبي البقاء بن الجيعان المقتول وعلى القاضي الحنبلي بمصر، السعدي.
وفي بكرة يوم الأحد تاسع عشريه، وهو الثلاثون من تموز، وجد أحمد بن محمد البرهان، المعروف بابن المغني، بنهر بانياس من قبل القربيين، قرب باب سر القلعة، مقتولاً؛ كان بالمرجة يتفرج، فقتل ثم طرح في النهر المذكور، فحمله إلى هذا المكان، فرأوه أهل هذه المحلة، فأخرجوه عند باب السر، فعرف، فحمل إلى بيته، بحارة البقارة، فغسل ودفن؛ وخلف ثياباً عاتكية مقصورة مدقوقة فوق المائة. وفي هذا اليوم اجتمع الأمير يلبابي، الأتابكي بدمشق، وقضاتها، بمدرسة ابن المزلق، وأصلحوا بين أهل الشاغور وميدان الحصى، وشرطوا عليهم شروطاً، ومن قتل بينهم هدر دمه.
وفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجة منها، دخل من مصر إلى دمشق الخواجا ابن النيربي، الذي كان ناظر الجيش بدمشق، وأهانه النائب المتوفى، فسافر إلى مصر، فتولى نظر الجيش والقلعة ووكالة بيت المال عن الصلاح العدوي، ثم دخل في هذا اليوم.
وفي يوم السبت، آخر أيام التشريق، اجتمع غوغاء أهل دمشق بمحلة القطائع؛ غربي ميدان الحصى، وفي وليمة عملها زعر الميدان المذكور لزعر الشاغور، والمزابل وغيرها، وقام فيها من أكابرهم، على ما قيل، الشهاب بن المحوجب، والسيد إبراهيم، والقاضي تقي الدين بن قاضي زرع، وكانت بمال كبير، وغالبة أخذ من المحاجين والمستورين على وجه الحياء والقهر، فلأجل إذا لم يحصل لهم سعد في مرادهم من إظهار العظمة والأبهة عند عملها، فنهبت ثم تفرق الجميع، وقد ضحك على الجميع.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره عقب صلاتها بالجامع الأموي، اجتمع القضاة والخاصكي الحواط، واسمه آقباي، عند باب الخطابة، والجم الغفير من الناس، وقرأوا ربعات وختموها وأهدوها في صحائف السلطان، لأجل إعفائه عنهم عما رسم به أولاً على يد الخاصكي، الذي جاء بخلعة النائب المتوفى، من الكشف على الأوقاف ومصادرة أهلها، حتى المارستان، وكثر الدعاء له بسبب ذلك .
وفي هذه الأيام قام أهل ميدان الحصى، من رجل من أهل الشويكة، اسمه عبد القادر التاجر الأجرود، في توسعة المسجد الذي قد كان عمر ووسع سنة، فأتوا بالقاضي نور الدين بن منعة الحنفي، وحكم بهدم الخلاء والسلخ اللذين كانا في عمرها شمس الدين بن كامل في السنة المذكورة، وأذن الحنفي في أن يجعل مكانهما مضافاً إلى المسجد المذكور، فهدما، وشرع عبد القادر في عمارة ذلك، وجعل المحراب على أساس جدار الخلاء، فدخل السلخ في المسجد زيادة وما سامته من الغرب، قدام الحمام البيدمري، وقيل الخان الشرمري، فأضافوا هذه القسمة إلى هذه الزيادة المذكورة.
قال شيخنا المحدث جمال الدين بن المبرد الصالحي: وفي هذه السنة، عقب موت النائب قانصوه اليحايوي، أغرى بعض الفقهاء للزعر بأنه يجوز قتل أعوان الظلمة، فصار من قلبه من أحد شيء إما يقتله أو يغريهم ويعطيهم دراهم فيقتلونه، ويحتجون بأنه عواني، حصل بذلك فساد كثير؛ وقتل في هذه الأيام عندنا في الصالحية نحو الثلاثين، منهم: عبد الرحمن بن زريعة، وأبو بكر بن قبيعة، والشكمي الحمصاني، وأحمد بن كديش، وأحمد الكفروري، ووالي الصالحية بشير الطواشي عتيق الشمسي بن القونصي، وفي المدينة نحو المائة منهم: قاضي حمص كان، قدم دمشق فبرطل عليه أعداؤه للشواغرة فقتلوه بسوق البزوريين؛ فسئلت عن هذه المسألة مرتين فأجبت في الأولى بجواب مختصر نحو الكراسة، وفي الثانية بمطول نحو الثلاثين كراساً وسيمته: الذعر في أحوال الزعر، ومحطمهما عدم الجواز، وأنه لا يجوز لأحد إغراؤهم.
سنة ثلاث وتسعمائة
استهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب العباسي وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباي، وهو شاب أمرد، قيل بالغ، محصور من شدة الاختلاف بمصر؛ ونائبه بدمشق فكان قانصوه اليحياوي، والآن لم نتحرر من هو أيضاً: والحاجب الثاني ... وهو غائب بمصر؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، وهو غائب بمصر أيضاً، والمالكي شمس الدين الأندلسي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، وكاتب السر عبد الرحيم بن الموفق العباسي؛ وناظر الجيش زين الدين عمر بن النيربي، وهو ناظر القلعة، ووكيل السلطان وناظر الأسرى، ووقف السلطان، والترجمة، أخذ الوكالة ونظر القلعة عن صلاح الدين العدوي، والباقي عن تمربغا القجماسي؛ ونائب القلعة جاني بك؛ وصاحب مكة السيد محمد بن عجلان؛ وصاحب الروم محمد بن بايزيد؛ وصاحب العرب محمد ين يوسف، وقد اتفق في هذه الأعوام أربعة سلاطين، كل منهم اسمه محمد كما ذكرنا .
وفي يوم الثلاثاء مستهلها، لم يكن بدمشق من يحكم غير آقباي الحواط، دوادار خال السلطان، وهو غر بقواعد الأمور، وطريق مصر مخيف، ولذا قل المخبر عن أهلها؛ وثارت زعر دمشق، وزحف زعر القبيبات على أهل ميدان الحصى ولم يحصل للوليمة التي تقدم ذكرها نتيجة.
وفي ليلة الأربعاء تاسعه ورد من مصر نجاب صحبته كتب ومراسيم، واشتهر بدمشق أن الدوادار آقبردي حصر في بيته بعد ما جاء من البلاد القبلية، وقتل من جماعته وجماعة السلطان جماعات، وأن مماليك النائب اليحياوي الذي مات لما دخلوا مصر أنعم عليهم، فقاتلوا قتالاً شديداً، ثم اتفق قانصوه الألفي، وكرتباي الأحمر، وخال السلطان يخشى، واليحياوية، وطلبوا الدوادار فهرب منهم، وتبعوه إلى خان يونس، الذي كان قد حصل له به النصرة في تلك المرة كما تقدم؛ ثم أرسلوا إلى مشائخ اليلدان بالتحريض على قتاله.
وورد مرسوم إلى الخراط آقباي بأن يقبض على نائب القلعة الجديد ونقيبها، الذي كان شفيع اليحياوي قبل موته في استمراره بها، ورد النقيب الذي كان أتى صحبة نائبها الجديد، فلما قرأ الحواط المرسوم أرسل إلى نائب القلعة بأن يدق البشائر عشية، فلم يفعل، ولعله لم يسهل به ما وقع في حق الدوادار، ثم دقت البشائر صبحة يوم الأربعاء ثم أتى نائب القلعة ليسلم على الحواط، فأمر بالترسيم عليه، وأخبره بالمرسوم، ثم أرسل طلب نقيبها أيضاً، فامتنع، فأكد الطلب عليه، فلما حضر قرأ عليهما المرسوم، قامتثلا، فرسم عليهما وأخرجهما من القلعة، ووضع في القلعة نائب البيرة دولات باي، قيل وطلب أيضاً الأمير الكبير ليرسم عليه لكونه من جهة الدوادار، وتحقق الناس أن أمر الدوادار آل أمره إلى الهوان به لقلة محبيه في جميع البلاد، لكثرة ظلمه أيام حكمه.
وفي ليلة السبت ثاني عشره ثارت زعر ميدان الحصى، وزحفت على أهل الشاغور، وكان الوقعة بمحلة مسجد الذبان، وارتجف الناس فوق ما هم فيه من الخوف من الوباء، وقلة الحكام، وكثرة الظلم، وقوة الأخبار المخوفة، واستمر الهواش بينهم إلى قريب ثلث الليل، ثم أصبحوا كذلك، والبشائر التي تقدم ذكرها تدق، ثم كثر الشر بينهم وزحف أهل الشاغور على السويقة المحروقة بالنشاب والهدم إلى قريب الظهر، فجاءت خيل الترك الذين بدمشق، كالحواط وأمير كبير، فحالوا بينهم، وبعد ثلاثة أيام صالحوا بينهم وسكن الشر بعض سكون.
وفي هذه الأيام احتاج الناس إلى تتميم البوابات والتدريبات التي كان النائب المتوفى أمر برسمها، فلما مات بطل الاهتمام بها، والآن شرع الناس في إتمام أمرها، سيما لما جاء الخبر بقتل أتابك العساكر المصرية تمراز، وهروب نائب غزة قرقماس، الذي كان حاجباً بدمشق، إلى الرملة، وأخذ نائب صفد برد بك، الذي كان دوادار السلطان بدمشق، قلعة صفد من نائبها بالحيلة، ليتقوى بها على قتال الدوادار.
واجتمع شيخ بلاد نابلس ابن إسماعيل عدو الدوادار، وجميع العشير الطائع للسلطان، على مكان يخرج منه الدوادار من غزة ليحصروه للقتال، وقد اجتمع على الدوادار بغزة العصاة وقطعوا طريق مصر، وكان أول دخوله غزة ضعيفاً، ولو ثبت نائبها كان ظفر به، وكفى الناس شره وتحدث الناس أنه على عدم ثباته وفيها رجع إلى بيته بدمشق حان بلاط، الذي كان أمير الحاج بدمشق، وهو مجروح، ونم عليه أن كان حاملاً صنجق الدوادار، فطلب ورفع إلى القلعة.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره ورد مرسوم شريف على الحواط بالقبض على الخاصكي، الذي كان أتى بالقلعة للنائب في حال ضعفه وأظهر أنه كاشف الأوقاف، فمسك ورفع إلى القلعة. وفيه شاع أنه رسم بأن يبعث وراء أركماس نائب حماة، والسواري نائب حمص، ليحضروا إلى دمشق ليقفو افي وجه الدوادار .
وفي يوم الأحد عشرينه نودي بدمشق بالحجوبية الكبرى لتنم، الذي كان أرسل نائباً للكرك في أيام السلطان المتوفى، ثم رجع إلى دمشق واستنابه جان بلاط دوادار السلطان بدمشق فيها، بعد أن كان عزل عنها وخرج أميراً للحاج؛ وهو رجل فاجر عدو نائب حماة، وهما من حزب الدوادار، فعجب الناس من ذلك، فإنه قد اشتهر في دمشق وغيرها، أن كل من كان من حزب الدوادار ممقوت عند جماعة السلطان .
وفي يوم الأربعاء ثالث عشريه اشتهر بدمشق أن كاشف الرملة أتى إلى دمشق بغتة، وأخبر أن الدوادار نادى يوم الاثنين الحادي والعشرين بالرحيل من غزة، وأن العشران لم يقفوا في وجهه لعدم المرسوم السلطاني .
وفيه ركب الحواط، والأمير الكبير، وتنم الذي نودي له بالحجوبية، والخاصكي الذي كان رفع إلى القلعة في يوم الجمعة المار، وذهبوا إلى أهل ميدان الحصى ليحضوا عرض الزعر والخيالة بها، فعرضوا عليهم مجاراتهم تخويفاً للدوادار المتقدم، فإن الحواط قد خاف من عاقبته، ولأجل هذا ذهب إلى عندهم استجلاباً لهم، وكان القياس أن يمكث في الأصطبل السلطاني أو غيره ويأتون إليه، ثم منح مشائخهم خلعاً .
وفي يوم الخميس رابع عشرينه دخل إلى دمشق نائب حماة ونائب حمص، المطلوبان ليقفا في وجه الدوادار .
وفيه ضرب أخو أحمد بن شدود امرأة بسكين عدة ضربات، وقتل الزعر شخصاً في سطح مسجد القصب .
وفي يوم الأحد سابع عشرينه تواترت الأخبار بأن نائب حلب أينال الفقيه، استقر في نيابة الشام، وأنه يستمر بحلب حتى يأتي متسلمها .
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشريه دخلت كتب الحاج؛ ووقع بدمشق مطر وهو أول مطر وقع بها، وذلك بعد مضي عيد الزبيب باثني عشر يوماً .
وفي بكرة يوم الخميس مستهل صفر، أو ثانية منها، دخل دمشق متسلم النائب الجديد أينال، وفرح به الناس لكثرة فساد الزعر وبغيهم، وقلة حرمة الحواط وغيره. وفي يوم الجمعة ثانيه أو ثالثه دخل غالب الوفد. وفي ثانيه دخل المحمل إلى دمشق .
وفي عشية هذا اليوم تواترت الأخبار بأن الدوادار المطرود من مصر، ومعه جماعة من الأمراء، كجانم نائب قلعتها، وكالظريف واليها، وكتنبك قرا أحد المقدمين بها، وكآقباي نائب غزة كان، وصلوا إلى بلاد الغور، وصحبتهم كريم الدين بن عجلان، ومحمود الأذرعي، ثم إلى أربد في نحو ثلثمائة، خيال ملبسين، وقلعة دمشق حينئذٍ محصنة بالرجال وآلة الحرب، فماج الناس بعضهم في بعض، ولم ينمم غالب أهل دمشق من الليل إلا قليلاً، لشدة رفع أصواتهم على جوانب القلعة، ثم نقل غالب الأكابر إنائهم وأموالهم إلى داخل المدينة، خوفاً من عشير يأتي، ومن منافقي غوغاء الحارات .
وفي يوم الأحد خامسه رجع الكشاف الذين أرسلوا من دمشق، وأخبروا بأن أمر الدوادار المذكور وجماعته متراخ، لم يلتف العشير عليهم، لكونهم مظهرين الطاعة للسلطان، فقوي قلوب ترك دمشق كالحواط، وأركماس نائب حماة، وإبراهيم بك نائب حمص، اللذين طلبا إلى دمشق خوفاً عليهما، وكذا متسلم النائب الجديد أينال الفقيه الذي أتى من حلب؛ ونودي في اليوم بأن لا ينتقل أحد من منزله، وإن خالف ينهب، فكف الناس عن النقلة .
وفيه هجم والي دمشق وجماعة المتسلم على. .. وقبضوا على صبي ابن. .. أحمد بن شدود، وهو من أهل الريب، وذهبوا به إلى المتسلم، فأمر بتوسيطه، فوسط تجاه اصطبل دار السعادة، ثم إن أهله أخذوه وبيتوه عندهم إلى وقت الغداء من يوم الاثنين سادسه، فحمل إلى خان جقمق وغسل وصلي عليه ودفن عند أبيه.
وفي هذه الساعة خرج الحواط في جماعة إلى قبة يلبغا، واستعوض جيش دمشق هناك، ثم رجع الجميع.
ثم في بكرة يوم الثلاثاء فعل ذلك، فاطمأن الناس قليلاً.
وفي بكرة يوم الخميس تاسعه نادى الحاط بأن المرسوم الشريف ورد، بأن الدوادار آقبردي عاص، وروحه للسلطان وماله لغيره.
وفي يوم الجمعة عاشره قيل إن الدوادار والعاصين معه ترحلوا إلى حوالي قرية الصنمين .
وفي يوم الأحد ثاني عشره تحقق نزوله بها - وفي هذه الأيام أمر بسد أبواب المدينة إلا باب النصر والفرج الصغير، وشرعوا في تجديد باب آخر خارج باب الصغير .
وفي يوم الثلاثاء رابع عشره شاع بدمشق وصول النائب أينال الفقيه من حلب إلى بعض بلاد دمشق، وأتت عشران البلاد مطلوبين إلى دمشق.
وفي صبحة يوم الأربعاء خامس عشره تحقق نزول العصاة بمرج دمشق حوالي قرية الغزلانية.
وفي يوم الخميس سادس عشره دخل برد بك نائب صفد إلى دمشق بجماعته، ومعه عشير كثير، بحيث أن الناس استكبروا ذلك على العصاة، وظنوا أن النائب الجديد يخامر مع العصاة ثم تحقق وصوله إلى حمص، فزاد ظنهم أنه مخامر.
وفي صبحة يوم الأحد سادس عشيره هرب المتسلم إلى عند أستاذه النائب الجديد أينال، وظهر عصيانهما ومخامرتهما مع العصاة، ونودي عليهما ذلك بدمشق في يوم المذكور، والتقى النائب الجديد والعصاة على قرية عذراً، وقيل إن الدوادار تنازل وتواضع مع النائب المذكور، وقيل إنه بشره بالسلطنة سراً وأخفيا العصيان، وأظهر الطاعة مكراً وتقية بقولهما: نحن طائعون الله ورسوله والسلطان، فانتقل الناس ورحل غالبهم إلى داخل المدينة، وخالفوا المنادى المتقدمة لشدة الخوف، فامتلأت المدينة من الخلق.
وفي يوم الاثنين سابع عشريه نصب الصنجق السلطاني على طارمة القلعة، واجتمع الطائعون تحته فتعدى مملوك على آخر مثله، فهرب منه، فقلد كل من العسكر الآخر ولم يعلموا الأمر، فهرب العسكر جميعه وظنوا أن العصاة قد أتو بغتة، ثم تبين الأمر فتعجب الناس لذلك.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه قيل اجتمع الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، وشهاب الدين المحوجب، بالعصاة على المصطبة، فأجاب النائب بالطاعة وأنه مع الدوادار، وأن الدوادار أمير سلاح السلطان بمصر، وأنه أتى المرسوم الشريف بذلك، وأما المرسوم الذي أظهره الحواط إنما أتى من خال السلطان دواداره، لا منه، وأنا نائب الشام ولا بد من دخولها، والدوادار معي وأنزله بالقصر، وأراجع السلطان في أمره، فمهما رسم امتثلت أمره.
وفي بكرة يوم الأربعاء تاسع عشريه تصافى العصاة والطائعون، وذهب النائب من المصطبة إلى الصالحية، فخرج عليه جماعة منها، فقتل منهم نحو الخميس رجلاً، وقتل من جماعته بعضهم، وأسر جماعة ملبسين، وكان الطائعون من أهل الصالحية، فلما ركب أينال الظريف من المصطبة نجدة للنائب، هرب الطائعون إلى دمشق، وأهل الصالحية إلى داخل التداريب المحدثة بها، ورجع العاصون إلى المصطبة.
وفي يوم الخميس سلخه قيل ورد مرسوم شريف بعزل النائب المذكور، وتولية جان بلاط، الذي كان عين لنيابة حلب بدل أينال الفقيه، في نيابة الشام؛ وأن يلباي الأمير الكبير بدمشق فوض إليه نيابة طرابلس؛ وأن نائبها نقل إلى نيابة حلب، ونودي بذلك في دمشق؛ وأن من أحب من مماليك السلطان الذين هم من العصاة أن يأتي إلى تحت علم السلطان ويأخذ له جامكية، فليفعل، وأن من أراد من الأمراء، العصاة أن يأتي إلى عندنا وله الأمان، فليفعل، أو أراد الذهاب إلى القدس، فليفعل، ويشاور عليه السلطان، وأن نائب القلعة يومئذٍ، الذي كان نائب البيرة، جعل رأس العسكر الطائعين، وأن الحواط جلس مكانه في نيابة القلعة، وعرض العسكر الطائع عليه بالميدان يوم الخميس المذكور، وأن الركوب على العصاة غداً، يوم الجمعة، مستهل الشهر الجديد .
وفي بكرة يوم الجمعة مستهل ربيع الأول منها، أراد الباش المذكور أن يركب بالعسكر ويهجم على العصاة بالمصطبة، فوقع المطر، فعوقوا عن ذلك .
وفي بكرة يوم السبت ثانيه ركب جيش دمشق كله، والعشير جميعة، ووقفوا، ثم تفرقوا من المطر أيضاً، ثم أتاهم رجل من السعادة وأظهر لهم أنه أتى من مصر بمراسيم شريفة، فظهر أنه من عند العصاة مزور، فقطع لسانه ويده، نودي عليه بذلك .
وفي يوم الثلاثاء خامسه، وهو أول تشرين الثاني، ورد الخبر من طرابلس بوفاة نائبها أينال، الذي قيل عنه إنه استقر في نيابة حلب، كما تقدم ذكره، وإنه لو عاش كان يخامر مع العصاة .
وفي بكرة يوم الخميس سابعه حمل العصاة من المصطبة أثقالهم وموجودهم، فشاع ذلك في دمشق، فظن أهلها أنهم يريدون الذهاب إلى طرابلس لأخذ مال نائبها أينال المتوفى، أو أنهم ينزلون إلى البحر منها، فساروا نحو الغوطة، وأتوا على قرية بيت الآبار، ثم على قرية البويظة، فخرج جماعة من جند دمشق وكشفوا قبليها ورجعوا بعد العصر، ومعمار السلطان وجماعة المعمارية يومئذٍ يعمرون في أساس سور برأس القبيبات القبلي، كما فعلوا في محلة العنابة، ومقابر باب الصغير، وغيرها من الأماكن التي يخاف منها، فهم كذلك وإذا بأوائل العصاة قد أقبل بغتة عجلاً، فوقف جماعة من أهل القبيبات في وجوههم، فقتلوا سريعاً، ثم تلاحق العصاة وهرب المعمارية، وملك العصاة أوائل العمران، ثم تلاحقوا حتى وصلوا إلى عند رأس محلة قصر حجاج، فخرب جماعة من الطائعين إلى داخل المدينة، وآخرون إلى القلعة، وازداد خوف الناس، وأرادوا العوام البطش فاستأمنهم العصاة، وقالوا لهم: لكم الأمان منا ولا تدخلوا بيننا .
ثم دخل الليل ونزل العصاة بميدان الحصى، فالدوادار عند السيد إبراهيم، والنائب المعزول في زاوية ابن عجلان، وتنبك قرا عند الشهاب بن المحوجب، ووالي مصر بتربة تنم .
وفي بكرة يوم الجمعة ثامنه ركب الدوادار وأينال المعزول من نيابة دمشق، وتنبك قرا، وولده، وآقباي نائب غزة كان، وجانم مصبغة، وقنبك نائب إسكندرية، ومعهم جماعة من مشائخ العشير، ومشاة كثيرة، ومماليك أجلاب ملبسة، وطبل الحرب تدق ووقع القتال من محلة مسجد الذبان، إلى محلة الجامع الصابوني، واستمروا .
ولم تصل الجمعة في غالب الجوامع، ثم تفرقوا قبل العصر بعد قتل جماعة من الفريقين، وظهرت الذلة على العصاة من المكحلة التي ركبت على السور تجاه تربة العجمي، وأرادوا العصاة أن يحرقوا التدريب الذي عمل عن خان الهجانة، قرب تربة اليحياوي، من طريق قصر حجاج، فلم يقدروا على ذلك من كثرة الرمى عليهم من المكاحل البندقية، والكفية، والنشاب وغير ذلك، فذهب العصاة المذكورون إلى ناحية الشاغور وحرقوا مكاناً قريب زاوية المغاربة، وقتل جماعة من الفريقين ومن غيرهم، وجرح آخرون، واستمر شاليش العصاة إلى آخر نهار الجمعة بغير صلاة .
وفي يوم السبت تاسعه أتى شاليشهم كذلك ومعهم مكحلة بندقية مهولة، أصاب يومئذٍ منها دي دوشن ابن ... بنتا لبنت عمر الحبال ابن عمر ابن ... فماتت .
وفيه شرع العصاة في عمل مكاحل كبار، وجنويات كثيرة .
وفي يوم الأحد عاشره رتب نائب صفد برد بك على باب شرقي، وأركماس نائب حماة على باب الصغير، وعلى كل جانب منه أمير يحرسونه، فباتوا يصوتون ويطلقون المكاحل، حتى أسهروا الناس، وبعضهم يفحش في حق الدوادار وغيره من العصاة بصوت عالٍ، في مكان عالٍ، في هدوء الليل .
وفيه احترق جانب من سشوق المزار بالشاغور، ومقشر القنب، ونهبت المدرسة الترابية الحصنية، وأخذت الكتب التي بها، بخط الشيخ تقي الدين الحصني، وخط غيره، حتى قيل أنها نحو ألف مجلدة .
وفي يوم الاثنين حادي عشره رمى رجل من غوغاء مشاة الطائعين عودي حطب، فيهما نار، على بارية شمالي أول جملون السويقة جوار بيت شيخنا المحيوي النعيمي، فاستغاث بعض الناس وعارضه، فانطلق الرامي ونهب ميزان فلوس ليحيى التواتي المغربي، وهرب به إلى المعصرة، تجاه خان السبيل، فتتبعه رجل إلى أن دخل مقبرة الأشراف، جوار مسجد الذبان، فقبض عليه وقطع رأسه، فأصبح يوم الثلاثاء مقطوع الرأس، فأعلم به أهله فأتوا وأخذوه .
وفيه ألجأ شيخنا المذكور أن يأتي أكابر الطائعين ويشفع في عدم الأمر بإحراق سوق محلته، ففعل، وقبلوا شفاعته، ونودي بدمشق: إنما نحرق بدمشق: إنما نحرق بيوت من نعرف عصيانه، يعنون السيد إبراهيم ونحوه .
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره تزايد الخوف من الحريق من غوغاء الزعر النهاب، فانتقل شيخنا المذكور من منزله إلى بيت حسين البغدادي بجواره، لإمكان الهروب منه إلى حارة قناة البريدي، ثم انتقل منه إلى بيت الخواجا ابن عرب بمحلة القناة المذكورة، ونام فيه ليلة الأربعاء ثالث عشره، وقد أيس من سلاتمة منزله ومحلته .
وفي يوم الخميس رابع عشره أتى إلى دمشق رجل هجان، من جماعة نائب حمص إبراهيم باك، وظاخبر بخروج جيش من مصر لكثرة طلب ذلك من الطائعين بدمشق، فخلع عليه .
وفيه بنى باب النصر من تربة بهادر آص، إلى تربة فرج بن منجك بحجارة مكينة، ومرام، فاشتد خوف الناس، وتقطعت الأسباب، وفصل بين الحارات بتداريب مسدودة، وبعضها بخوخة يدخل منها بمشقة شديدة، واستمر العصاة بميدان الحصى، وشاليشهم بالبندقيات عند باب المصلى، وشاليش الطائعين عند الجامع الصابوني، حتىانزعج من ذلك الخلق والطير في السماء من شدة صوت المكاحل، وكل أهل حارة خائفون من الحريق أو النهب أو منهما جميعاً، وطمع في ذلك أهل الزعارة .
وفي يوم السبت سادس عشره أتى عشير كثير من الروافض إلى عند العصاة، فلم يجدوا لهم موضعاً بميدان الحصى لكثرة الترك فيه، وسكناهم في دور الناس بخيلهم وغلمانهم وجواريهم، فتوزع العشير المذكور في أطراف الميدان المذكرور، وإلى محلة باب المصلى .
وفي هذه الأيام شرع العصاة في عمل سلالم كبار طوال، وجنويات، زحافات، وفي زعمهم أخذ المدينة والقلعة، ويظهرون للناس أن السلطان من جهتهم، وإنما يميله خاله وجماعته، ويخرجون مراسيم على مرادهم، عليهم علائم السلطان؛ والطائعون يظهرون أنه قد خرج من مصر جيش كثير من نائب الشام جان بلاط، وأن العشير كان أتى إليهم ثم رجع إلى بلاده ينتظر قدوم الجيش وجان بلاط المذكور ليدخل معهما .
وفي يوم الأحد سابع عشره قطع لعصاوة يد شاب مغربي ولسانه وأذنه، لما قيل عنه أنه ساع أتى إلى الطائعين، كما فعل الطائعون بذلك المغربي الذي تقدم ذكره.
وفي عشية يوم الثلاثاء تاسع عشره ركب العصاة واستمروا في القتال عند مسجد الذبان مع الطائعين، وحرقوا جانباً من قرب قصر حجاج، قرب باب الجابية، ليدخلوا بغتة إلى أذى الطائعين، فعجزوا ورجعوا، ونادوا بأن يستمر الجيش والمشاة إلى ثاني يوم، ورجوا أن يدخلوا المدينة، فأتاهم مطر شديد، واستمر إلى ليلة الخميس حادي عشريه، فلم ينالوا خيراً، وقتل جماعة وجرح آخرون، ونهب المشاة في الحريق أموال الناس .
فإن في ليلة الأربعاء عشرينه حرق العصاة أيضاً الترب والبيوت التي شرقي الطريق، غربي المقبرة، شرقي الجامع الصابوني، وبيوتاً كثيرة أيضاً غربيه .
وفيها أخذ مشاعلية العصاة أبواب حوانيت السويقة المحروقة، وجعلوا جملونه كناً لهم من المطر، وقام الدوادار قبليها، والنائب أينال الفقيه شرقيها، وجعلوا تلك الأبواب حطباً للمشاعل ولدفايهم، واستمروا إلى أن طلع الفجر، فهموا بالقتال أيضاً في يوم الأربعاء المذكورة ليأخذوا المدينة كما رجوا، فقوي المطر عليهم فكبتوا خامر منهم جماعة إلى الطائعين: دوادار نائب حماة كان، واستادار الغوركان، ودخلا إلى القلعة؛ واستمر شاليش الفريقين بالبندقيات والكفيات ليلاً ونهاراً عند الجامع الصابوني .
سمع الطائعون أن النائب المعزول يريد أن يسكن في بيت فارس بالسويقة المحروقة، ولم يعلم نائب القلعة أنه تحت نظره، فأمر بإحراقه، فحرق الحوش والداير والاصطبل، وكان فيه للأمير علي باك، خازندار النائب اليحياوي المتوفى، تبن وشعير كثير، فنهبه العصاة.
وفي يوم السبت ثالث عشريه سدت الخوخات التي بقيت إلى باب الجابية، ولم يتركوا خوخة نافذة .
وفي صبحة يوم الأحد رابع عشرينه ركب العصاة، وذهب الدوادار بجماعته إلى الباب الشرقي من أبواب المدينة، ومعهم السلالم، وحاصروه، وأتى النائب بجماعته إلى محلة مسجد الذبان، واستمروا في القتال والمكاحل ترمى إلى المغرب، وجاع العسكر في اليوم المذكور أشد جوع، وشرع بعضهم ينهب البيوت، وقتل جماعة وجرح آخرون، سيما من جماعة الدوادار، عند الباب الشرقي، من جماعة نائب صفد الموكل به، وكان يوماً مهولاً لم ير مثله .
وفي هذه الأيام سمعنا أن الأمير الكبير بمصر أزبك الظاهري المنفي إلى مكة، طلب إلى مصر ودخلها، وفوض إليه الأمرية الكبرى على عادته .
وفي صبحة يوم الاثنين خامس عشرينه ركب العصاة أيضاً وأتوا إلى الطائعين من جهة قصر حجاج، فخرج أهل المدينة والطائعون عليهم، فردوهم على أعقابهم، وقتل منهم وجرح جماعات كثيرة، فعادوا إلى جهة ميدان الجامع الصابوني، فلم ينالوا أيضاً مراداً، ثم عادوا، أو غالبهم إلى جهة قصر حجاج أيضاً، فعاينوا القهر البليغ، ثم أشاع بعضهم عن بعض اليحياوية الطائعين أنه طلب الصلح، فطمع العصاة، سيما الدوادار، وأسمعه الطائعون من السور كلاماً سيئاً، ثم رجعوا إلى القتال بعد المغرب، ثم تفرقوا .
وفي صبحة يوم الثلاثاء سادس عشريه أتت الطبلخاناه إلى قبالة الطائعين، ثم رجعت وترك القتال وأمن بعض الناس، ثم أرسل العصاة إلى القلعة رسولاً للصلح بشرط أن يرسل إليهم برد بك نائب صفد، وأركماس نائب حماة، فقتله الطائعون قتلاً شنيعاً .
وفي صبحة يوم الأربعاء سابع عشريه ركب العصاة أيضاً، وأتوا في أمر شنيع مهلك، وداوروا الطائعين من جهات عديدة، ومن جهة قصر حجاج، ومن الميدان، وغير ذلك، فكبت منهم خلق كثير قتلاً وجرحاً، ونزل نائب القلعة منها بنفسه واستوحى العوام، وقاتلوا قتالاً شديداً حتى ظهرت النصرة للطائعين، ثم رجع العصاة بعد المغرب مكبوتين مغلوبين.
وفي يوم الخميس ثامن عشريه ركب الطائعون، وقد ألبس الأمير الكبير يلباي نيابة الغيبة، وحضر الجميع واستعدوا للقتال، فلم يحضر من العصاة أحد؛ وشاع بدمشق أن الدوادار شرع في عمل مكحلة كبيرة تحمل على عجلة تجرها البغال، ونادى الطائعون بالأمن والأمان للناس كافة، سيما أهل ميدان الحصى، والقبيبات، وأن من أتى منهم إلى عندنا أكرم، ولم يؤاخذ بما مضى، ومن تأخر عن ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
وفي يوم الجمعة تاسع عشريه استعد الطائعون أيضاً للقتال، فلم يحضر أحد من العصاة .
وفي يوم السبت سلخه كذلك.
وفيه أرسل الطائعون على لسان القضاة والعلماء، مع قاصدين لهم، مراسيم شريفة سلطانية بتولية نيابة الشام لكرتباي الأحمر، وأنك يا أينال الفقيه إن كنت طائعاً فلا تقاتل فقد عزلت، وإن كنت عاصياً فأعلمنا حتى ننظر، كذا قيل .
وفي يوم الأحد مستهل ربيع الآخر منها، دقت البشائر لعزل أينال الفقيه، وتولية كرتباي الأحمر، فأشاع العصاة بأن السلطان رضي على أينال الفقيه المعزول، وأن خلعته واصلة، وأن كرتباي عزل عنها، والله أعلم بصحة ذلك .
وقد جرت عادة العصاة أنهم يناقضون ما أشاعه الطائعون، حتى لا يذهب عنهم غوغاء الزعر، ومشائخ العشير، ويظهرون القوة وشدة البأس حتى أشاع بعضهم أنهم أرسلوا يطلبون علي دولات أخا سوار ليستعينوا به في القتال، تحنيقاً وإرهاباً وزوراً، وقد كثر الكذب منهم وعنهم، وهو دليل الإكبات .
وفي يوم السبت سابعه حرق الطائعون مكتب ومسجد المدرسة المزلقية بمحلة مسجد الذبان .
وفي يوم الاثنين تاسعه اتقع الفريقان بالنشاب والبندق الرصاص وغير ذلك، وتزايد الحرب، واشتد القتال، وقتل جماعة وجرح آخرون، ثم ولوا بعد المغرب .
وفي يوم الأربعاء حادي عشره وصلت النار إلى المئذنة البصية، بمحلة مسجد الذبان، فسقطت بعد العصر وتباشرت الناس يومئذ بقرب دخول العسكر المصري إلى دمشق، مع شدة الخوف في كل حارة بدمشق من الحريق والنهب، وتعاظم الأوباش من الزعر وغيرهم، لميل الترك إليهم لجعلهم مشاة لهم .
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن العصاة عملوا لأنفسهم بقسماطا كثيراً، وحزموه في زواملة، وحزموا حطباً كثيراً، وهم ينقلون الخيل على هيئة المتأهبين للرحيل .
وفي ليلة يوم الأحد خامس عشره رحل غالب أهل ميدان الحصى، والقبيبات، إلى محلة قبر عاتكة، والشويكة وغيرهما .
وشاع أن العصاة مولون وكان طلب منهم أهل الميدان، والقبيبات، أن يتلبثوا لهم حتى ينقلوا حوائجهم ويوزعوها، خوفاً من النهب من الطائعين، والعشير الذي عندهم، وأهل الشاغور وغيرهم.
وفيه حرق الطائعون من أهل القلعة والشاغور بيت المنوفي الطباخ، وبيت زقزوق بجواره، وأرادوا إحراق السويقة المحروقة، فلطف الله وتركوها .
ثم في آخر هذا اليوم ركب العصاة من أواخر مقابر باب الصغير، وبعضهم من الطريق السلطاني، وهموا بإحراق محلة قصر حجاج، من عند بيت فارس، فطفيت النار، واستمروا في القتال إلى بعد العشاء، ثم ولوا.
وفي بكرة يوم الاثنين سادس عشره نادي العصاة بلبس العدة الكاملة، وأن أحداً لا يخرج من بيته، وأن اليوم يوم الزحف على المدينة، وركب معهم ابن القواس، وكانت ركبة مهولة لم يركبوا مثلها، وأتو بمكاحل كبار وصغار، ونصبوها بمقابر باب الصغير، ووطئوا على مقابر الأولياء، واستمروا إلى قرب ثلث الليل، ثم كبتوا وانقلبوا خائبين بسلالمهم الطوال، بعد أن حرقوا جامع جراح ليلتئذ، ليلة الثلاثاء سابع عشره، ثم اختفى أمرهم في اليوم المذكور، وأخبرهم الكشاف بقرب العسكر المصري، مع نائب الشام كرتباي الأحمر، ومع جان بلاط نائب حلب، ومعهم مشايخ البلدان، كابن إسماعيل، وابن الجبوسي، وغيرهم، ونائب غزة قراجا، فهرب العصاة في الثلث الأول من ليلة الخميس تاسع عشره، وتركوا غالب أثقالهم، وبعض حوائجهم، ومواعينهم فيها الطعام، واللحم الضأن معلق لم يطبخ وتركوا كوساتهم. .. . .
.. .. إلى المرج، ثم رجع وقطع يد صهر الشريف قريش كبير الزعر بالشاغور، لكونه تآمر على جماعة من المشاة، فهرب من حلب .
وفي بكرة يوم الاثنين ثاني عشريه خرج وفد الله من دمشق، وأميرهم دولتباي .
وفي ظهر يوم الأحد سابع عشريه رجع المزيريبة، وأخبروا بالرخص وقلة الحاج، وأن العرب كثير، وأن ابن ساعد له يد بيضاء في عمل الخير مع الوفد .
وفي يوم الخميس مستهل ذي القعدة منها، وسط النائب رجلين من زعر دمشق، أحدهما من زقاق البركة، يعرف بابن الفكيك، لقتله رجلاً مغربياً، والثاني من محلة الشاغور، يعرف ببركات، لكونه من المراقي الدماء، ولله الحمد .
وفي هذه الأيام صالح النائب بين أميري آل مري، مهنا بن عامر بن مقلد، وجانباي، وقسم البلاد بينهما، وأشهد عليهما القضاة، وكتب بذلك ثلاث نسخ: مع النائب واحدة، ومع مهنا واحدة، ومع جانباي واحدة، وخلع عليهما .
وفي يوم الخميس ثامنه خرج النائب إلى المرج، ومعه أهبة السفر، وأمر أمراء دمشق وجندها باتباعه، وتضجر جماعة منهم من إقطاعهم لأجل الخسائر الكثيرة، وضرب النائب جماعة من الجوامعة، وصادرهم، وهرب بعضهم، وطلب أن يخرج معه إلى مقصده من كل نوع من الصنائع صناع، كالمعمارية والنجارين والخراطين والحجارين والفامية والأساكفة، ولم يعلم أحد بمقصده .
ثم في ليلة السبت عاشره انتقل من المرج إلى قريب عقبة شحرور، قبلي دمشق، وليس معه من المماليك إلا نحو السبعين، وإنما استخدم مشاة كثيرة بجامكية.
وفي يوم الأحد حادي عشره شاع بدمشق أن الوفد أخذ العرب منه جانباً باللجون وهو محاصر، وأن الدوادار مقيم بجماعة قليلة بالبيرة لم يقطع رأسه، وأن السلطان الملك الناصر وخاله، دواداره، مختلفان، وإلى الآن لم تأت خلعة النائب كرتباي، بل أرسلوا من مصر نائباً لقلعة دمشق فرده النائب من تربة تنم بباب دمشق، ولم يمكنه من الدخول، والناس في هرب من وقوع فتنة، فالله يحسن العاقبة .
وفي بكرة يوم الخميس خامس عشره سافر النائب إلى الكسوة، وخلع نيابة الغيبة على تمرباي القجماسي المشهور بأبي قورة، دواداره يومئذ عوض دولتباي الذي سافر أميراً للوفد، ودخل أبو قورة المذكور بخلعة حمراء بين القضاة الأربعة في أبهة .
وفي يوم الجمعة سادس عشره نادى نائب الغيبة بالأمان وإبطال المناكر مطلقاً على اختلاف أنواعها، وأن لا يحمل أحد سكيناً ولا ما يعتاده أهل الزعارة، وقد أصاب في ذلك، أيده الله تعالى .
وشاع هذه الأيام أن السيد إبراهيم نقيب الأشراف قد أهانه جان بلاط نائب حلب، وضربة بالمقارع مراراً، وأشاع بعضهم موته، وموت محمود الأردعي، رفيقي كريم الدين بن عجلان في تمكين العصاة وإطماعهم في دمشق، حتى خرب غالبها، ونهب الأموال التي لا يمكن وصفها، وقتل خلق كثير، ولا قوة إلا بالله .
وفي هذه الأيام رجع شهاب الدين بن المحوجب إلى مسجد قرب منزله، فسكنه ليعمر منزله، وشاع بدمشق أن النائب قد أغار على طائفة الأمير مشلب، أحد أمراء بني لام، الذين أخذوا الحاج مراراً، وأخذ منهم مالاً كثيراً .
وفي يوم الاثنين ثالث ذي الحجة منها، أعيد الشهاب الرملي إلى نيابة القضاء، بعد جهد جهيد، وترامٍ على جماعة منهم السيد علاء الدين بن نقيب الأشراف، وخلع عليه القاضي الشافعي لحلف الشهاب بن بري عليه أن يخلع عليه، وأن يفوض إليه، فأبر قسمه.
وفي يوم الثلاثاء، رابعه دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، وتلقاه القضاة الكبار على العادة، بمراسيم شريفه بأن لا يجحف على اليهود في أخذ الجزية بل بالمعروف .
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن النائب ببلاد صخرة، وأنه يريد يبني هناك قلعة وأن ابن ساعد شيخ تلك البلاد لم يحضر عليه، وإنما أرسل له ابنه ومالاً كثيراً، فلم يرض النائب إلا بحضوره؛ وبعث إلى دمشق يطلب زيادة معمارية ونجارين وفامية وغير ذلك، فهرب غالب الصنايعية، وزاد وقوف الحال من ظلم نائب الغيبة، وهرب الحاجب الكبير من عند النائب وأتى إلى دمشق متضعفاً، وأخبر بكثرة الضيق في البر من النائب، وإخلاء غالب القرى هرباً منه .
وفيها وصل قصاد علي دولات ونائب حلب وغيرهما، ومعهم هدايا للسلطان لأجل الدوادار والشفاعية منه والصلح، ونزلوا بالقصر، وهم منتظرون رجوع النائب إلى دمشق ليستأذنوه في السفر إلى مصر .
وفيها كملت العمارة الزيادة الثانية في المسجد غربي مصلى العيدين، لضيق خان الشومر والخلاء المحدث شرقية في طريق المسلمين، بناهما عبد القادر الحريري الأجرود من الشويكة .
وفيها توفي الخليفة عبد العزيز وولي ولده مكانه بمصر .
وأحد المعدلين نور الدين بن أحمد الإربلي بمكة مجاوراً؛ والقاضي الوزيري المالكي بمصر أيضاً، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي عقب صلاة الجمعة تاسع عشريه قال شيخنا المحدث جمال الدين بن المبرد الصالحي : " وقد أرسل الدوادار آقبري وهو بميدان الحصى يحاصر دمشق في هذه السنة، بعد أن كسر الأنهر التي تدخل إلى المدينة، من بانياس والقنوات وشبههما إلى أهل الصالحية، يتوعدهم مرات بالكبس والقتل والحرق والنهب، وهم في أراجيف منه، ثم كتب كتاباً يقول فيه: إلى كل واقف عليه من أهل الصالحية، من قضاتها وعلمائها ومشائخها وأكابرها، الذي نعلمكم به أنكم قد نزلتم إلينا وقاتلتمونا، فإن كنتم تريدون أن نكف عنكم فلينزل إلينا منكم مائة نفس يقاتلون معنا كما قاتلتمونا، وإلا فلا تلومون إلا أنفسكم، على أنا طلبنا منكم وضع ما معنا من النساء والنقل عندكم، ونحن بالمصطبة لما وقع الحصار من جهة العنابة أولاً، فأبيتم وعفونا عنكم تلك المرة " .
" فسألوني أهل الصالحية في الذهاب إليه فامتنعت، وقال كل من ندب لذلك إن ذهب ذهبنا معه؛ ثم سألني بعضهم أن أكتب له جواب ما أرسل به، فكتبت جواباً مطولاً ذكرته في كتابي: صبر الخمول على من بلغ أذاه إلى الصالحين من أولياء الله، وأرسلته مع قاصد إلى عند أينال الفقيه نائب حلب، فقال له: أنتم منكم أكثر من مائتين يقاتلونا، فقال له القاصد: لا والله، فقال: وإن أقمت بينة أن أكثر من مائة منكم يقاتلوننا أضربك، فقال: وأنتم في عسكركم أكثر من مائة منا يقاتلون معكم، فسكت " .
" وكان نائب حلب في الحصار وهذه الفتن من أجود الناس وأقلهم شراً، ويبلغنا عنه الكلام الجيد والأمر الطيب والكف عن الشر جهده، بخلاف الدوادار آقبردي ومن معه من المصريين، وكان أشد الناس عليهم نائب القلعة فإنه بذل نفسه وجميع أموال القلعة وعددها؛ وكان غيره من الأتراك لا يغنون شيئاً، إنما يلبسون ويدورون داخل البلد، ولا يخرج أحد منهم إلى الدوادار وجماعته، وهو يقول: هؤلاء العلوق المخابثة، ما أحد منهم يقدر يواجهني أو يفتح عينه في عيني " .
" ولم يسعف نائب القلعة غير العوام، خصوصاً أهل الشاغور، فإنهم برزوا للدوادار عن شر كثير وأذاقوه البلاء الزائد، وعضدتهم مماليك نائب الشام المتوفى قانصوه اليحياوي، حتى بلغني عن الدوادار أنه قال؛ ما كنت أظن أن أحداً من العوام يقدر على القتال هكذا، وكانوا يظهرون على سور دمشق ويسبونه ويوبخونه وينادون عليه، يا غراب، لكونه أسمر، ما فاعل ما صانع، وهو يتألم من ذلك، وينكبت منه " .
" ولم يتمكن من البلد بشيء، مع أنه التف عليه من المقدمين شيخ بلاد نابلس حسن بن إسماعيل، ونائب بعلبك ابن الحرفوش، ومقدم الزبداني، وغيره ابن باكلوا، وكبير المرج خالد الغزلاني، ومقدم التيامنة ابن بشارة، وبالجملة فكان أكثر من معه طائفة اليمينة وكان هؤلاء الذين معه يفسدون ويقطعون الطرقات، وأكثر منهم فساداً وقطعاً للطرقات نائب غزة آقباي، فكانوا يأخذون أموال الناس ودوابهم وحصل منهم الأذى العام، وخصوصاً ابن باكلوا منهم، حتى قتل بقرية دمر رئيسها وكبيرها ابن مرجوح، وكان يطعم الطعام على الطريق وهو رجل جيد غير أنه من حزب القيسة " .
" قيل وبالحصار قتل تنم الحاجب الثاني بدمشق مع أنه كان يتهم أنه في الباطن من حلف الدوادارية، والأصح أنه لم يعلم قاتله، ثم إني رأيت في ليلة الاثنين رؤيا تدل على ذهاب هذه الشدة، وحكيتها للطلبة في الدرس، وقلت: لا يأتي يوم الجمعة إلا وأمره قد انفصل .
ففي يوم الخميس أصبح الناس وقد ذهبوا وخلوا غالب ما لهم، وحتى الطعام في القدور، فتغنم الناس من ذلك، ولا سيما نائب حماة والصوالحة،، ونهب ميدان الحصى، وأحرقت أماكن منه، وأظهروا خبايا لأهله، حتى يقال إن خبايا كانت من زمن اللنك ما عرف أحد مكانها، ظهرت في هذه النهبة من كثرة فحص الناس .
ثم بعد أربعة أيام قدم كرتباي الأحمر على نيابة دمشق، وجان بلاط على نيابة حلب، ومعهما جماعة من مماليك السلطان، فأقاموا بدمشق مدة ثم توجه جان بلاط إلى جهة حلب، وتأخر بعده كرتباي قليلاً. واستخدم خلائق وذهب خلفه " انتهى كلام محدثنا .
سنة أربع وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباي؛ ونائبه بدمشق كرتباي الأحمر؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شمس الدين الطولقي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، وأشيع عزله بابن قدامة ولم يصح لمساعدة النائب له؛ والأمير الكبير قانصوه اليحياوي؛ والحاجب الثاني. ..؛ ونائب القلعة الأيدكي، ولاه النائب في السنة الماضية؛ ونقيبها. .. وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛ وناظر الجيش الخواجا زين الدين محمد النيربي، وهو ناظر الجوالي؛ وناظر القلعة ووكيل السلطان والمحتسب ابن الحنبلية؛ ودوادار السلطان جان بلاط؛ وصاحب مكة الشريف بركات بن محمد بن عجلان؛ وصاحب الروم محمد بن بايزيد بن عثمان وصاحب المغرب محمد بن يوسف .
وفي يوم الاثنين ثاني محرمها، عاد النائب من بلاد ابن ساعد عجلاً إلى دمشق، وتريب بعض الناس من عجلته، ثم شرع في مصادرة الناس في أموالهم وفي عبيدهم، وجمع عبيداً كثيرة، وعلمهم الرمي بالمبندقيات والكفيات والسبقيات بالبارود، وجعلهم طبقات، لكل طبقة كبير، وألبسهم الأقباع والجوخ الحمر، وصاروا يشار إليهم بدمشق، وبطل غالب النقباء وأهل الزعارة .
وفي يوم الثلاثاء، يوم عاشوراء، لبس النائب خلعة خضراء بطراز خاص، وكان يوماً حافلاً بعد أن استبطأ الناس .
وفي يوم الاثنين سادس عشره دخل من مصر إلى دمشق خاصكي من خشداشين النائب، جاء ليتسلم منه قلعة دمشق ليولوا فيها بعد ذلك نائباً، وتلقاه النائب والقضاة، فدخل على العادة بخلعة بطراز خاص، ثم لم يسلمه القلعة وفي يوم الأربعاء خامس عشريه، وهو عيد الزبيب، جمع النائب بالاسطبل جميع من له وظيفة بالجامع الأموي، وآخر ما انتهى الأمر عليه أن لا يستنيب أحد في وظيفته، وأن يباشرهم بنفسه، وأن يسوّي بين المؤذنين والمباشرين في المعلوم، - وفيه أطلق المقبوض عليهم من أكابر الصالحية من المناحيس " كفر فجة " .
وفي يوم الخميس سادس عشريه وصلت كتب الحاج إلى دمشق، وأخبروا بالأمور. - وفي عشيّة يوم السبت ثامن عشريه، بعد العشاء، بعث النائب وراء الشيخ شهاب الدين بن المحوجب، والي البرّ، وأستداره ابن الخياطة، ومشاة كثيرة نحو الثلاثين، فأخرجوه من داره قرب ثلث الليل وأركبوه، والمشاة حوله، فكاد ينقطع خوفاً، فلما وصل هدّده وأضمر له شرّاً لأجل مكاتبته ابن ساعد، ثم أودعه في القجماسية مرسّماً عليه، فبات ليلتأذ، فلما حضر القضاة والفقهاء والمستحقون في الجامع الأموي، لأجل تحرير أرباب وظائفه، وفرغوا من ذلك، شفع فيه القاضي الشافعي، فشفعه فيه بالجهد، وأتى به إلى بيته، ثم تحدثا وانصرفا.
وفي يوم الأحد تاسع عشريه حضر القاضي الشافعي تدريس الغزالية بالجامع الأموي عند باب الخطابة، وشرع في شرع " المنهاج " للمحلّي .
وفي آخر ليلة الثلاثاء تاسع صفر منها، وهو خامس عشرين أيلول، أرعدت السماء وأبرقت، ثم وقع المطر الجديد، ثم انقطع واستمر البرق. - وفي يوم الأربعاء عاشره كبس النائب أهل كرك نوح، وأتى بمشائخه وقتل منهم جماعة. - وفي يوم الإثنين خامس عشره خرج النائب إلى بلاد ابن ساعد أيضاً.
وفي يوم الجمعة ثالث ربيع الأول منها، رجع من سفره بعد أن نهب غور هديم، عند قصر شبيب بالقرب من الزرقاء، وأخذ منهم غنماً كثيراً وجواراً، وأتى بحريمهم، ثم أطلقهم بالقبيبات، ثم حصل له توعك عقب سفره هذا. - وفي أثنائه قدمت خلعة القاضي الحنبلي نجم الدين بن مفلح، على يد صبيّة عثمان من مصر، بعد عزل من أخذ منه وهو بهاء الدين بن قدامة بمصر، فأذن النائب في إلباسها بكرة يوم الإثنين رابعه، فلبسها، وعنده الأطباء، وقيل إنه قصد.
وفي يوم الأربعاء ثامنه أمر خزنداره وجماعته بتفرقة ألفي دينار على الفقراء والمساكين، فأتوا إلى الجامع الأموي، فارتج الجامع من كثرة الأصوات. - وزاد ألمه يوم الخميس تاسعه، واستمر إلى أواخر ليلة الجمعة عاشره، فأفصد فشاع موته سريعاً بدمشق، فسافر مشائخ العشران كابن إسماعيل، والجيوشي، وغيرهما في الحال إلى بلادهم؛ وخاف الناس بدمشق من الغوغاء، وكان قبل موته قد قمعهم، وهرب غالب الزعر منه إلى البلدان واختفوا؛ وكان قد عزل قبل موته الحاجب الكبير واستمر معزولاً؛ ولم يكن بدمشق حينئذٍ حاكم إلا دوادار السلطان، فركب ووقف على باب الحبس، وضبط دمشق بعض الضبط، واطمأن الناس.
وفي بكرة يوم الأحد، صح أن أول الشهر المذكور الثلاثاء، فيكون يوم الأحد هذا ثالث عشره؛ ودخل من مصر إلى دمشق الحاجب الكبير الجديد قانصوه بن سلطان شركس، وهو شاب، سعى في توليته الحجوبية وهو بمصر نائب الشام المتوفى، بعد أن عزل الحاجب قانصوه اليحياوي، وتلقاه القضاة ودوادار السلطان الذي ضبط بدمشق؛ وختم على موجود النائب؛ فلما أن قرئ توقيع الحاجب المذكور، زعم أنه هو نائب الغيبة على عادة الحجاب، فنازعه دوادار السلطان، ووقع بينهما، ثم جلس دوادار السلطان للحكم ونادى لنفسه بنيابة الغيبة في اليوم المذكور .
وفي عشاء ليلة الأربعاء سادس عشره، وهو سلخ تشرين الأول، وقع ثلاثة من الزعر الغوغاء: ابن الطيان عبد الوهاب، وابن كسار الخطيب، والمعبيوي، بالشريف محمد بن أحمد بن محمد الكلزي الوهراني، فقتلوه بالسويقة المحروقة، ثم تحامل بنفسه إلى باب زاوية ابن الحصني، فلحقوه فأفصلوه عنده، قيل كان اتهمهم في نهب بيته مع أحمد بن شدود الذي وسط في العام الماضي، وشكى عليهم دونه؛ فوضع هذا المقتول بقية الليلة المذكورة في المسجد بباب خان السبيل، ثم أتى نائب الغيبة وقبض على ابن شرباش أخي زوجة الأمير أحمد بن شاهين الحاجب الثالث، لكونه كان يستخدمهم عنده، وعلى آخرين، ثم أتى إليه أيضاً شيخا المغاربة بجماعة المغاربة، وحملوه، بعد أن كتبوا له محضراً، إلى زاوية المغاربة، وغسلوه بها ودفن عند صفة الشهداء، كل ذلك بحضرة ولده أحمد البالغ، لكنه غير رشيد .
وفي هذا اليوم وجد رجل مذبوح بحارة العجالنة .
وفي ليلة الخميس سابع عشره شنق نائب الغيبة رجلاً من المجرمين الزعر، بمحلة جامع حسان، يعرف ببركات بن أبي الخير، دلال الجوار، ومعه آخر .
وفي بكرة يوم الخميس رابع عشريه لبس دوادار السلطان بدمشق، الذي نادى لنفسه بنيابة الغيبة وباشرها، خلعة جاءته بنيابة الغيبة من نائب حلب جان بلاط، فلبسها من المصطبة، ودخل بها دمشق مدخلاً حسناً؛ وتواترت الأخبار بأن نائب حماة دولتباي ذهب إلى حلب، نصرة لنائب حلب، وخوفاً من الدوادار آقبردي، وأنه قرب من حلب، أتى من البيرة إلى عينتاب، ثم منها إلى حيلان، ومعه علي دولات وبقية العصاة.
وفي عشية يوم الثلاثاء تاسع عشريه دقت البشائر بدمشق، ونودي بالزينة بها أسبوعاً؛ وشاع أن السلطان الملك الناصر محمد بن قايتباي قد قتله الدوادار الثاني طومان باي، بإشارة خال السلطان المذكور قانصوه، وهم في الصيد، يوم الاثنين رابع ربيع الأول المذكور؛ وأن قانصوه المذكور تسلطن يوم السبت تاسع عشره، ولقب بالظاهر؛ وأن طومان باي دواداره الكبير، وأنه عين لنيابة حلب قصروه؛ وأن نائب حلب جان بلاط، الذي هو الآن محصور من الدوادار آقبردي وعلي دولات ومن معهم، يأتي إلى الشام نائباً.
وفي صبحة يوم الأربعاء سابع ربيع الآخر منها، احترق سوق الشيخي، بشرقي خان الليمون، إلى شمالي سوق الخضر، وقبلي حارة السعاة، غربي حارة البغيل، ولم ينهب ما فيه من القماش وغيره شيء، بل احترق الجميع، وافتقر من سكانه جماعات من الأغنياء، أما الفقراء فكادوا أن يهلكوا .
وكان أمس هذا اليوم آخر أيام الزينة التي حصل فيها من الفساد شيء كثير سيما في النساء والمردان، مع الخمر والحشيش وغير ذلك .
وفيه شاع أن مصر مخبطة، وأن السلطان الجديد، الملقب بالظاهر، متزلزل؛ وأن نائب حلب ومن معه محصورون بحلب من الدوادار آقبردي وعلي دولات .
وفي هذه الأيام أخبر القاضي الشافعي، أن السلطان الملك الأشرف قايتباي، وجد له مال عين، مبلغ ثلاثة آلاف ألف وأربعمائة ألف دينار، وأن ولده الملك الناصر محمد أذهبها .
وفي يوم السبت عشره دخل من مصر إلى دمشق متسلم نائب قلعتها، وهو حاجب ثاني أيضاً، عوض الحاجب الثاني الذي سافر إلى مصر بسيف كرتباي، وولى هناك بمصر أمرة أربعين، وأتى هذا بدله، ودخل في أبهة حافلة .
وفيه شاع بدمشق أن أهل حلب في ضيق من محاصرة الدوادار آقبردي ومن معه، وأنه غر بهم لما سمع بقتل السلطان محمد بن عمه، فأظهر لهم الهروب وترك غالب ثقله ليغريهم بالنهب، فلما سمعوا برحيله بغتة ظنوا أنه فعل كما فعل في ميدان الحصى بدمشق، لما سمع بمجيء كرتباي والعشران معه، فزحفوا خلفه، واشتغل غالبهم بالنهب فرد عليهم بغتة، فقتل خلق كثير، وقبض على آخرين .
وفي يوم الأحد ثامن عشره دخل من مصر إلى دمشق الحواط على تركة كرتباي، وصحبته أستادار السلطان، وصحبتهما أخو كرتباي، مدخلاً حافلاً .
وفي يوم الثلاثاء عشريه قتل في الصالحية رجلان .
وفي هذه الأيام رد القاضي شعيب من حماة إلى دمشق، وأعاده القاضي الشافعي قاضياً .
وفي يوم الأربعاء حادي عشريه وصل من طرابلس إلى المصطبة بغتة نائبها أركماس، وصحبته أمراؤها، والمنفيون بها، بمرسوم شريف، ليقيمون بدمشق إلى أن يأتيهم ما يعتمدون عليه .
وفي بكرة يوم الخميس شاع بدمشق، وتواترت الأخبار المحاصرة الدوادار آقبردي لأهل حلب، وأنهم في مشقة شديدة منه مع الغلاء، وأنه يخشى عليهم من تسليم حلب له .
وفي بكرة يوم الجمعة ثالث عشريه دخل من صفد نائبها برد بك، بمرسوم شريف، وأراد أن ينزل بدار السعادة واصطبلها والقصر، فلم يمكن، فنزل في بيته .
وفيه رجع قاضي الحنفية بدر الدين بن الفرفوري من كفرجون إلى دمشق .
وفي بكرة يوم الأحد خامس عشريه دخل من مصر إلى دمشق نائب قلعتها الجديد آقباي، وهو كان الحواط على تركة اليحياوي، وأحد من قام في منع الدوادار آقبردي من دخول دمشق، ثم سافر إلى مصر بعد هروب الدوادار؛ وفي دخوله لبس أركماس خلعة أتت إليه بالاستمرار على نيابته بطرابلس، فلبسها من قبة يلبغا مع دخول نائب القلعة المذكور، إلى أن وصلا إلى دار السعادة؛ فلم ينزل نائب طرابلس ووقف إلى أن لبس نائب القلعة خلعته من حضرة نائب الغيبة، وهو حاجب الحجاب ابن سلطان شركس، الذي أعيد إلى نيابة الغيبة، بعدما منعه منها دوادار السلطن بدمشق جان بلاط، بإتيان خلعة من مصر إلى الحاجب المذكور بها، فجلس يومئذٍ بدار السعادة على عادة نواب الغيبة، ثم خرج نائب القلعة بخلعته من دار السعادة، والقضاة والأمراء معه، ثم سار نائب طرابلس معهم إلى عند باب الفرج، ففارقهم نائب طرابلس إلى بيته، ودخل الجماعة مع نائب القلعة .
ثم في هذه الساعة هرب محب الدين الأسلمي كاتب سر دمشق، وعدا خلفه الزعر بإشارة الحاجب فلم يلحقوه ونجا بنفسه، وكان قد عرس جديداً على بنت ابن المزلق البكر، من نحو عشرة أيام، ولم يقدر على أخذ وجهها .
وفي بكرة بوم الخميس تاسع عشريه دخل مصر إلى دمشق قصروه نائب حلب الجديد، عوضاً عن جان بلاط، الذي هو الآن بحلب محاصر من الدوادار آقبردي، وصحبته أمير ميسرة بدمشق، مخلوعاً عليهما، وتلقاهما أرباب الدولة، والقضاة، ونائب طرابلس، ونائب صفد، وكاتب السر محب الدين الأسلمي الهارب كما تقدم، ونزل الإصطبل، بعد أن انتقل الحواط منه إلى دار السعادة .
وفي هذه الايام غضب القاضي الشافعي على نائبه شهاب الدين الرملي، فعزله مرة ثانية .
وفي يوم السبت سادس عشر جمادى الأولى منها، دخل إلى دمشق نائب غزة قراجا، ونزل على المصطبة، وأرباب الدولة جميعهم بها؛ قصروه نائب حلب، وأركماس نائب طرابلس، وبرد بك نائب صفد، والحاجب الكبير بدمشق، وقد استناب في نيابة الغيبة لأبي قورة القجماسي، ولم يبق بدمشق، من الترك إلا هو، ونائب القلعة، وقد قيل إن الحيرة دخلت عليهم لكثرة الخلق من الدوادار آقبردي، الذي هو محاصر حلب من مدة، وإلى الآن .
وفي يوم الخميس حادي عشريه فوض القاضي الشافعي نيابة القضاة لمحمد ولد الشيخ التقي بن قاضي عجلون، وخلع عليه خلعة خضراء، صوف بفرو سمور .
وفي يوم الحمعة، بعد صلاتها، تاسع عشريه، دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، ماراً إلى البلاد الحلبية، قيل معه خلعة للأمير علي دولات، الذي هو الآن صحبة الدوادار أقبردي، وإنه يقول له: إن كان الأمير علي طائعاً يلبس هذه الخلعة ويقبض على الدوادار المذكور، وإن كان عاصياً يظهر عصيانه، وتلقاه يومئذٍ بدمشق من أرباب الدولة، والقلعية، والحرافيش على غير العادة .
وفي يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة منها، دخل من مصر إلى دمشق باش العساكر تنبك الجمالي، وصحبته الأمير آخور بباب السلسلة قنبك الرماح باش المماليك .
وفي هذه الأيام قد امتلأت دمشق من المماليك المصرية، وكثر فسادهم، وامتنع أرباب الدواب من إخراجها من البيوت، وانقطع الجلب من دمشق، وهجموا على بيوت كثيرة .
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الدودار آقبردي والهعصاة معه قد هربوا من محاصرة حلب وولوا، وأن الأمير علي دولات قد انقلب عليهم لعلمه بأن السلطان الجديد أشد عداوة للدوادار المذكور، ظاهراً وباطناً، بخلاف السلطان المقتول، وأن تنبك قرا خامر عليهم، وقرر في نيابة البيرة بشفاعة أتابك العساكر أزبك .
وفي بكرة يوم الجمعة ثالث عشره ركب المماليك المصرية السلطانية على باشهم الصغير أمير آخور، وهم بدمشق، لأجل أخذ الجامكية .
وفي عقب صلاة الجمعة شاع بدمشق أن متسلم جان بلاط أتى من حلب، ليتسلم لأستاذه دمشق، حسب ما رسم له بها السلطان الملك الناصر محمد المقتول، بعد عزله من حلب وتوليتها لقصروه ومسافرته لنيابتها، ونزل بالمصطبة، وأن المماليك المصرية عارضوه في تسليم دمشق لأستاذه جان بلاط، إلا بمرسوم شريف من السلطان الجديد لملك الظاهر قانصوه وكادوا أن يقتلوه، فهرب منهم وتحصن في مكان، وسبب ذلك على كما قيل أن المتسلم المذكور تعرض في طريقه لبعض من ينتسب إلى باشهم قنبك الرماح، فأتوا إلى أستاذهم وشكوا إليه، فأرسل المماليك يعارضونه، ثم دخل القاضي الشافعي في الصلح بينهم خوفاً من فتنة تقع، فخرج إلى المصطبة ومعه بقية القضاة الأربعة، عشية السبت رابع عشره ولاطف الجميع حتى اصطلحوا .
وفي بكرة الأحد خامس عشره دخل المتسلم المذكور إلى دمشق ومعه القضاة، وقنبك الرماح والمماليك، على العادة خبراً لما وقع .
وفي بكرة يوم الثلاثاء سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق الحاجب الثاني بمصر، وصحبته عدة سبع بغال، وقيل ثمان، عليها مالا في صناديق صغار طوال، قيل في كل حمل عشرون ألف دينار، وقيل في كل صندوق، أرسله السلطان ليصرف على العساكر المرسلين إلى الدوادار الهارب ومن معه، وقيل إن هذا المال اطلع عليه السلطان الجديد في مخبأة في بيت قايتباي، كان ادخره لابنه الناصر محمد، وقيل إنما مال الدوادار آقبرديب ظفر به في بيته، وكان أرساله لطفاً من الله بأهل دمشق، وإلا كان غالب أكابرهم في المصادرة؛ وتلقاه القضاة المصريون على العادة .
وفي عشية هذا اليوم وصل النائب الجديد جان بلاط من حلب، إلى مصطبة السلطان بدمشق .
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره كان الأمير خير الرملي، ابن عم قاضي القضاة الخيضري، جالساً بسوق جقمق، وأتاه رجل أصله مملوك، كان أجيراًَ للشويخاتي، بقرب سوق البزورية، ثم خدم في فتنةالدوادار إلى أن صار على هيئة المماليك السلطانية، فضرب خيراً المذكور، فظن أنه يلعب معه، فإذا هو سكران، فحاضنه، فأخرج المملوك سكيناً فضرقه بها في بطنه، فقتله، فمسك ووضع بالقلعة، ثم شكىعليه لباش المماليك قنبك الرماح، فأخر أمره ليحكم فيه ملك الأمراء الجديد .
ثم استمر النائب الجديد ليدخل أول رجب، وقيل ليراجع السلطان الجديد ويخرج له تقليده بدمشق، وقيل ليتوجه العسكر المصري الذي بدمشق إلى حلب .
وفي بعض هذه الأيام ركب النائب المذكور من المصطبة وأتى على الصالحية، ثم نزل منها إلى أن أتى إلى زيارة تنبك الجمالي الباش الكبير، وهو نازل ببيت برد بك نائب صفد، الذي جوار بيت شاد بك، الجلباني، فسلم عليه لكونه كان خرج إليه للسلام عليه إلى المصطبة، مع بقية العسكر المصري وغيره .
وفي يوم الخميس سادس عشريه وقع ثلج، ثم كثر في ليلة الجمعة، واستمر والنالئب الجديد بالمصطبة إلى يوم الاثنين سلخه .
وفي هذه الأيام وقع النائب المذكور في المصطبة، بالأمير أبي يزيد، من خواص النائب كرتباي المتوفى، وضربه وصادره .
وفي صبحة يوم الثلاثاء مستهل رجب منها، خرج الباشان المصريان، والأمراء، والقضاة، إلى النائب بالمصطبة، واستمالوه في دخول دمشق، إلى أن يأتي له التقليد والخلعة من مصر، من السلطان الجديد، فدخل إلى دمشق في اليوم المذكور، بتخفيفة من غير تطليب .
وفي عقيب صلاة الجمعة ثامن عشره صلى النائب جان بلاط بجامع يلبغا، وأرباب الدولة معه، والخاصكي خير بك، الذي كان الملك الناصر سيره لسلطان الروم أبي يزيد بن عثمان بأرمغان وهدايا سنية، ليخطب له بنته كما مر، والآن قد رجع وأراد السفر إلى مصر، فخلع عليه النائب، وكرب لوداعه في اليوم المذكور.
وسافرت صحبته زوجة النائب كرتباي المتوفى، راجعة إلى مصر، قيل وأخو كرتباي معهم أيضاً راجعاً، وأخرج كرتباي من الفسقية بتربة قجماس، ووضع في سحلية، وكذلك ولده الذي توفى في غيبة والده في بلاد ابن ساعد، وكذبلك أخته، التي كانت زوجة من أقامه هو نائب قلعة دمشق، المتوفاة، كل منهما في سحلية أيضاً، وأخذوا صحبة خير بك المذكور، مع قفل كبير إلى مصر، ليدفنوا في ترب هناك أنشأها كرتباي المذكور - وفي هذه الأيام فشت المعاصي والخمور ولا قوة إلا بالله .
وفي ليلة الأحد عشريه ختم والي البر على حوانيت خارج باب الجابية، واحتج بوضع قناديل، على كل حانووت قنديل، وأخذ على ذلك كله، فشكى عليه إلى النائب، فرسم يعود المال إلى أربابه، وفك الختوم، ونودي بوضع القناديل المذكورة، وأن لا يحمل أحد سلاحاً، ولا منكراً، بالليل .
وفي ليلة يوم الخميس رابع عشريه سافر الباش الثاني المصري، قنبك الرماح، من دمشق إلى حلب، بعد أن تقدمه جماعة من الغز، وفرح أهل دمشق بسفرهم منها لكثرة فسادهم وشرهم؛ وتأخر الباش الكبير تنبك الجمالي بجماعته، ثم لحقه .
وفي يوم الجمعة خامس عشريه ظهرت المعايش، وكثير من البضائع، وتيسر اللحم، فظهرت الخرفان التي أخفيت خوفاً من الغز الذين سافروا .
وفي يوم الأحد والاثنين سابع وثامن عشريه شاع بدمشق أن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم قد تحرك، وهم بالمجيء والمشي على هذه البلاد، لأجل من قتل الملك الناصر محمد بن قايتباي، قيل لكوهه صاهره وأراد تزويجه بابنته، وقيل بابنة أخيه الجمجمة، التي هي من مدة سنين بمصر، مع أم الجمجمة التي توفيت، كابنها الجمجمة، وإن ابن عثمان استفتى على من قتله، وتولى مكانه، وما أظن هذا الشيوع صحيحاً، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشربه جاء مبشر من مصرلا بخروج خلعة النائب الجديد، فطاف على القضاة، والأمراء، وأخذ من بشارته مالاً كثيراً .
ودقت البشائر إلى صبحة يوم الخميس متسهل أو ثاني شعبان منها، فخرج أرباب الدولة، والقضاة الأربعة، والنائب، والعبيد البارودية مشاة بين يديه، والقلعية قبلهم، والحرافيش قبلهم، ولبس من قبة يلبغا على العادة، ودخل في أبهة حافلة، وعليه خلعة خضراء بسمور خاص، بشاش بطراز خاص، وقدامه خاصكي بخلعة بطراز .
وفي عشية يوم الجمعة ثانيه أو ثالثه سافر من دمشق إلى بلده بيت المقدس، الشيخ برهان الدين، أخوا العلامة كمال الدين بن أبي شريف، وقد أتى إلى دمشق مراراً، ثم إلى حلب، ثم إلى مصر، ثم إلى بلده، وأكرمه في هذه المرة القاضي الشافعي قولاً وفعلاً، وأنزله ببيت السيد تاج الدين قاضي حلب، بعد أن كان نزل بخلوة بالخانقاة السيمساطية، وأراد البرهان المذكور أن يتزوج من بنات دمشق، فلم يتيسر له، فأرتاد التسري فلم يتيسر له إلا بسمراء، وهو منور الوجه، كثير الفضيلة، وسافر صحبته العلامة علاء الدين البصروي الدمشقي، وجماعة.
وفي هذا اليوم صلى النائب في الجامع الأموي، وأقد له بباب البريد الشموع والسرج الكثيرة.
وفي يوم الاثنين سادسه لبس النائب خلعة، وذلك بعد أن ودع الحواط إلى قبة يلبغا، وخرج أرباب الدولة على العادة، ثم رجع من وداعه وهو لابسها، وقيل أن الحواط خلعها عليه، كما خلع هو عليه، وقيل خلع نظر الاقطاعات، وقيل خلعة الاستمرار.
وفي هذه الأيام اتفق موت اثنين من أكابر القلعية، أحدهما ديوانها عبد القادر، والثاني أحد مقدميها ابن سكر.
وفي يوم الخميس ثالث عشريه سافر النائب إلى حوران، وانحاز على العرب، وكسب منهم إبلا كثير، ثم عاد إلى دمشق يوم الأحد سادس عشريه، وكان القاضي الشافغي حينئذ بالخانقاه الكججانية بالشرف الأعلى.
وفي ليلة السبت خامس عشريه فقد الرجل المجرم الأزعر المشهور بابن الطيبي الحوراني الأصل الحصوي، قرب العشاء بدمشق، ثم وجد مطروحاً في نهر الأنباط، شرقي جامع نصر الدين محمد بن منجك، بميدان الحصى، وأراح الله منه العباد والبلاد، والله الحمد.
ثم في يوم الاثنين سابع عشريه قبض على غرمائه وهم ثلاثة، فشنقوا، بعد أن تبين أنهم قاتلون لغيره أيضاً.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه دخل إلى دمشق وزير الملك المرحوم محمد بن عثمان، وصحبته ملكة في ثقل كبير، قاصداً الحج، وتلقاه أرباب الدولة: النائب، فمن دونه، ومشاة دمشق، وزعرها، بإشارةالنائب، إرهاباً للعدو، ودخل من المصطبة في أبهة حافلة.
وفي هذه الأيام قبض النائب على مقدم البقاع ناصر الدين بن الحنش، وكان حضر معه إليه أيضاً مقدم نابلس خليل بن إسماعيل، وخليل بن شبانة، وابن الجيوسي، وغيرهم من مقدمي البلاد ثم قبض على خليل بن إسماعيل وبقية المقدمين وجماعاتهم، وطلب من كل واحد من المقدمين وجماعته وبلاده، ومائة ألف دينار.
وفي يوم الخميس سلخه شكا جماعة من القبيبات للنائب، في رجوعه عليهم في الموكب، الفقر والعجز عن القيام بثمن الجمال، التي طرحها عليهم من كسب عرب آل مرى، فوقف في موكبه واستدعى منهم جماعة، واستعدى بالمشاعلية وغيرهم، وأمر بضربهم ضرباً مبرحاً، وهو حاضر قابض على فرسه إلى أن فرغ منهم، ثم ألزمهم بمال كثير عن الجمال التي طرحها عليهم، ولا قوة إلا بالله.
ثم عزل النائب لسودون شيخ القبيبات وولي مكانه ابن الدشاري، وطرح بقية الجمال والنوق وأولادهم على أهل دمشق، فالكبار على أهل الحارات كل واحد بأضعاف ثمنه، والصغار على الطباخين ونحوهم، وهي تجأر إلى الله من الجوع والعطش والفراق، وعدتها كثيرة، قيل ألفين، وهذا شيء لم يعهد مثله، فالله يريح المسلمين منه ومن أمثاله.
وفي عشية اليوم المذكور تراءى الناس الهلال على العادة، فرأوه خفيفاً جداً، فعلموا أن أول رمضان الجمعة، وتبين كذب من شهد، وردت شهادته، فأصبح الناس صياماً.
وفي يوم الأحد ثالث رمضان منها، أتى المقدم ناصر الدين بن الحنش إلى القاضي الشافعي، وقد أفلته النائب على نحو عشرين ألف دينار، فسلم على القاضي، ثم خرج وركب، ثم غاب بجماعته ساعة، ثم أتى ودخل إلى القاضي المذكور، وفي وجهه حديث كثير كالمتحير، فأخربه أن النائب ولي على بلاده أخاه حسنا، وخرج حسن المذكور، ومعه مماليك النائب ليسلم البلاد، ثم خرج المقدم ناصر الدين من عند القاضي المذكور، وهرب، ثم خرج على المماليك بجماعته وعشيره، وكادوا يزحفون إلى دمشق، على ما قيل، فرجع المماليك خائبين آيسين من تسليم البلاد، فلما بلغ النائب ذلك غضب.
وفي يوم الأربعاء سادسه قبض جان بلاط، دوادار السلطان بدمشق، على المجرم إبراهيم بن عطا، أحد زعر الصالحية المفسدين،، وز عليه امرأة من القبيبات، وكان مختفياً هناك، وأتى به إلى النائب، فأمر بأن يشنكل ليقر بما نهب في وقعة الدوادار من القبيبات، فوعد، وهو معلق بشجرة قرب دار السعادة، بمبلغ مائة دينار ويطلق، فلما أراد النائب السفر في آخر النهار المذكور، إلى حصار بلاد ابن الحنش، وهو راكب تجاه دار السعادة، قال له جان بلاط دوادار السلطان المذكور: يخشى من أهل الصالحية في هذه الهرجة أن يأتوا وينزلوا هذا المشنكل من الشجرة وتذهب الحرمة، فأمر بإنزاله وتقريعه وشنقه، ففعل معه ذلك، فشنق مكانه والنائب راكب على فرسه .
ثم قال له جان بلاط المذكور: إن سافرت وتركت المقدمين ابن إسماعيل،، وابن شبانة، وابن الجيوسي في غير القلعة يخشى عليهم من الهروب، أو فتنة تقع بسببهم، فأمر بنقلهم إلى القلعة، لأجل المال المرتب عليهم، وأكد الاحتراس على ابن معن، لكون بلاده مجاورة لبلاد ابن الحنش، فرفعوا إلى القلعة، ورفع معهم ناظر الجيش الخواجا ابن النيربي، ثم سافر النائب إلى بلاد ابن الحنش، وأهل دمشق يومئذ في ضيق ووقوف حال بسبب ذلك وغيره .
وفي حال سفره عدا مملوك له ليلحقه، فصدمت فرسه صبياً مميزاً كان مع أبيه على الجسر الناصري، غربي التغرورمشية، فسقط في نهر بردى في قوة حمله، فلم يدركه أحد، ولا ميتاً، ولم يعلم أين ذهب، وكأنه لم يكن في ساعة واحدة ولا قوة إلا بالله .
وفي عشية يوم الخميس سابعه شاع بدمشق أن النائب حرق بيت ابن الحنش بقرية قبر إلياس، ونهب العسكر جميع ما وجدوه بالبقاع، ثم شاع بها بعد ذلك أن النائب دخل بيروت، وأخذ من الفرنج عدة أحجار فضة، تزيد على خمسين حجراً، وعدة خمسة عشر جوخ رفيع، وختم على بضائعهم، يعد تقويمها بأضعاف ثمنها، ليأخذ عشرها بأزيد من العادة، وأن الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون ذهب إلى عنده ببيروت، وجالسه وحادثه، ولا قوة إلا بالله، ثم شاع بها بعد ذلك أنه دخل صيدا وشوش على قاضيها، وأمره أن يضبط له جهات ابن الحنش الهارب، ثم شاع بعد ذلك بها أنه أتى إلى دير زيتون وهو مفطر لم يصم، بل قيل ويشرب الخمر .
وفي يوم الأربعاء عشرينه، وهو أول أيام شهر الورد، بعث القاضي الشافعي دوادار الناصري بعدة أحمال بغالية هدايا، من قراصيا وسكر وتحف سنية إلى دير زينون للنائب .
وفي هذه الأيام خلع بأمرة الحاج على أبي قورة القجماسي .
وفي السبت ثالث عشريه أتى مهمندار النائب إلى بيت القاضي الشافعي، ومعه عدة نقباء من جماعته، واجتمع بالشافعي، ثم خرج ليركب، وإذا بالشهاب بن بري قد أتى من شرقي بيت الشافعي داخل البوابة، فقبض جماعة المهمندار عليه قبضاً منيعاً شنيعاً، ونزل المهمندار وساعد على قبضه، وذهبوا إلى باب المدرسة البادرائية، وأوصلوه إلى دوادار النائب، واحتفظوا عليه، قيل ووضع في زنجير وسيخ وضيق عليه، وأظهروا أن ذلك بمرسوم؛ وظن الناس أن النائب يريد مصادرته في ماله، بإشارة بعض السعادة كابن مصطى .
وفي بكرة يوم الأحد رابع عشريه وصل النائب إلى دمشق، ودخل دار السعادة على حين غفلة، فركب القضاة الكبار، وذهبوا للسلام عليه والتهنئه بالسلامة من سفره، وظن الناس أن القاضي الشافعي لا يرحع إلى بيته إلا بابن بري المذكور، وأنه يخصه مما هو فيه، فكلم الناس فيه، فأظهر له مرسوماً بالشكوى عليه، وأنه يقبض ويحرز فرجع الشافعي والقضاة، ولم يفلت .
وفي هذا اليوم شاع أن مهتارا دخل مع جماعة النائب إلى دمشق، ووعاء الخمر قدامه ظاهراً، وفيه الخمر؛ وأن ابن قاضي القضاة ابن المزلق المحبوس بمسجد الملك الأشرف، بدار السعادة، حبس الفرنح عنده في المسجد المذكور من مدة، وهم يشربون الخمر في رمضان بالقرب منه، وتأوه له الناس لأمور، منها عجزه عما صودر به .
وفي هذه الأيام شرع النائب في عمارة واسعة، إيوان وغيره، باصطبل دارالسعادة، وأضاف إليها أملاك الناس التي حوله، كحارة المغاني وغيرها .
وفيها أخرج ابن إسماعيل، وابن شبانة، وغيرهما من المقدمين، من القلعة، وأعيدوا إلى الاصطبل في جنازير .
وفي عقب الجمعة تاسع عشريه، وهو ثاني عشر أيار، حضر القاضي الشافعي بولده ولي الدين محمد، وبدر الدين الحنفي ابن أخيه بولديه، والقاضي الحنبلي بأولاده الثلاثة، وأطفال كثيرة، منهم ولدا شيخنا محيي الدين النعيمي، ومحيي الدين يحيى، ومحب الدين عبد الله، وخلق كثير، بدار الحديث الأشرفية الدمشقية، للإسماع على عدة مشائخ، منهم العلامة أبو الفضل ابن الإمام، والعلامة أبو الفتح المقرئ، والمحدث جمال الدين بن عبد الهادي، وأصعد ولي الدين المذكور وقرأ الحديث المسلسل بالأولية، وأول ثلاثي في البخاري، ثم خمسة أحاديث من تتم الكتب الستة، من كل منها حديث، ثم أنزل، وأحضر عدة كتب نحو السبعين .
وكنت عينت لقراءة أبعاض منها، ففي المجلس اعتراني حمى مثلثة، وكان له نحو السنتين تأتي إلي، وكان يوم الجمعة هذا نوبتها، فأصعد عوضي الشيخ جمال الدين العسكري الحنبلي، فمسك عليه القاضي نجم الدين بن الخيضري بعض لحن فأنزل؛ ثم أمرني القاضي الشافعي بالصعود على الكرسي وأقرأ ما قصد من الكتب، وقال لي: لعل ببركة الحديث تذهب عنك هذه الحمى، فكان الأمر كما قال: فامتثلت ما أمرني به، ثم أنزلت، وصعد الشيخ شمس الدين الخطيب المصري الحنفي فدعا، ثم أنشد الريس ابن النحاس قصيدة، مدحاً في القاضي الشافعي وأهل الحديث، وكتب مسودة المجلس الشيخ شمس الدين الخطيب المذكور وبعض الشهود .
وفي ليلة السبت سلخه حضر الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، من بيروت إلى دمشق، والناس في قلاقل من جهة رؤية الهلال، وشاع بدمشق أن بعض الغوغاء رآه ليلة السبت هذه، وأقبل جماعات، مع قوم المؤقتين لأنه لا يمكن رؤيته ليلتئذ؛ ثم رئي ليلة الأحد على عادة ابن ليلة، فصلى الناس العيد يوم الأحد بدمشق ومصر وغالب البلاد؛ وصلى النائب العيد بمقصورة الجامع الأموي، وخطب القاضي الشافعي المشهور بالخليفتي خطبة جامعة وجيزة، ولما فرغ من صلاتها خلع عليه النائب بالمقصورة خلعة خضراء بسمور، وخرج معه إلى باب البريد، ثم رجع إلى بيت الخطابة .
وحينئذ أخبر بأن بهاء الدين بن قدامة الدمشقي، الذي كان قد سعى على نجم الدين بن مفلح الحنبلي في قضاء الحنابلة بدمشق، وتولاها، ثم عزل عنها، قبل إتيانه إلى دمشق، قد تولى قضاء الحنابلة بمصر، عوضاً عن القاضي نجم الدين المذكور؛ ثم أصر النائب، عند ذهابه، للحنفي والمالكي الحاضرين فيها، والحنبلي الغائب عنه ببيته، أن يذهبوا إلى دار السعادة ليلبسوا خلعهم، فذهبوا .
وفي يوم الثلاثاء ثالث شوال منها، نادى منادٍ من قبل النائب، بإبطال المحرمات، وحرض على ذلك .
وفيه أفرج عن المقدمين خليل بن إسماعيل، وخليل بن شبانة، وابن الجيوسي، وغيرهم، على مال كثير .
وفي هذه الأيام أفلت شهاب الدين بن بري من النائب على مال، بعد أن ضربه مبرحاً .
وفي يوم الخميس ثاني عشره رجع علاء الدين البصروي من القدس إلى دمشق، وصحبته جماعة من أهل دمشق .
وفي هذه الأيام أخبر جماعة من حلب، أتوا، بأن الباش الكبير تنبك الجمالي، وباش المماليك الرماح، وآقبردي الدوادار العاصي، وجماعته، كل منهم طلب الصلح، وأنهم ساعون في أن يعطى طرابلس بتعلقاتها طرخانا، ويعزل عنها نائبها الجديد بها، الذي كان نائب حماة، دولتباي .
وفي بكرة يوم الخميس تاسع عشره، وهو الثلاثون من أيار، خرج الوفد من دمشق إلى قبة يلبغا، متوجهاً إلى الحجاز، وأمير الركب تمرباي القجماسي، الشهير بأبي قورة، وهو حج ثقيل من الأروام والحلبيين والشاميين .
وفي هذا اليوم اتفق خروج الوفد من مصر، كما نقل .
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الدوادار آقبردي دخل إلى ميدان حلب، قبل يوم الاثنين تاسعه، وهو مفكك أزرار قماشه على هيئة المسلم نفسه طائعاً، وقيل إن الباش الرماح وهبه غالب موجوده، خياماً وخيلاً وجمالاً ومماليكاً وذهباً عيناً، ووافقه على ذلك نائب حلب قصروه وغيره، ثم انتقل وسكن ببيت أزدمر، قيل من فمه، وقيل غير ذلك، وهذا من العجب الذي هو عمل على غير القياس، والله يحسن عواقب الأمور .
وفي يوم الخميس سابع عشريه دخل المزيريبة، وقد أخذت العرب جماعة منهم؛ ووصل إلى النائب كتاب من أمير الحاج، بإن لم تدركونا إلا أخذنا من كثرة العرب، فخرج النائب بعسكره في اليوم المذكور إليهم .
وفي يوم الأحد تاسع عشريه لحق النائب جماعة، منهم نائب طرابلس المعزول دولتباي، الذي كان نائب حماة، ومن قبل ذلك كان نائب قلعة دمشق في حصار الدوادار لها، ومنهم جان بلاط دوادار السلطان بدمشق، ومنهم الحاجب الكبير ابن سلطان شركس، وأخذوا معهم بنت أمير بني لام مسلم، التي كانت استؤمرت لتسلم لأبيها ويتسلم الحاج .
وفيه ورد الخبر أن الحاج سار من المزيريبة، ولم ينله أذى، وأن النائب لم يدركه، ثم إن النائب تطلب العرب، التي أخذت السرقة، الراجعين إلى دمشق.
وفي ليلة الثلاثاء ثامن ذي القعدة منها، رجع النائب إلى دمشق .
وفي يوم الخميس عاشره وصل الخبر من حلب إلى دمشق، بوفاة الدوادار آقبري العاصي بحلب، توفي يوم الخميس ثالثه، وخلع النائب على المبشر، ودقت البشائر، وذلك بعد أن دخل متسلمه إلى طرابلس، وجعلت له طرخانا، فسبحان القاهر فوق عباده؛ وبذلك كمل سعد السلطان وفقه الله تعالى للخير .
وفيه أخبر رجل مصري أن السلطان كان في أوائل رمضان ندب الأمير الكير الأتابك أزبك، للخروج إلى البلاد الحلبية لقتال العصاة، الدوادار آقبردي وجماعته، فادعى الفقر، وأنه إن خرج ما يخرج إلا للصلح، فخلع عليه بذلك، وفرح الناس؛ ثم بعد أيام يسيرة توعك، فظن الناس أن ابنه يحيى سحره، واستمر إلى أن توفي .
وفي يوم الأربعاء ثالث عشريه وقعت فتنة بالشاغور من المماليك السلطانية، وعضدهم دوادار السلطان بدمشق، بسبب أنهم قبضوا على السيد قريش كبير الزعر بها، فخلصه منهم بقية زعر الشاغور، فأرسلوا إلى دوادار السلطان، جان بلاط المذكور، أن يمدهم بمماليكه، ففعل ثم حضر هو بنفسه وأراد إحراق الشاغور، فأخليت وما حولها .
وفيه مرض نائب القلعة يومئذ وهو الأمير آقباي الحواط على تركة اليحياوي، وهو من أكبر من قام على الدوادار آقبردي وجماعته وحاصرهم ومنعهم دمشق .
وفي بكرة يوم الخميس رابع عشريه لبس النائب لجان بلاط دوادار السلطان بدمشق، خلعة حمراء بمقلب سمور خاص، من القبة، ودخل دمشق ومعه القضاة وأرباب الدولة على العادة، وهي خلعة استمرار .
وفيه رجع من حلب إلى دمشق الباش الثاني أمير آخور الرماح؛ ثم تبعه الباش الكبير تنبك الجمالي، وبقية جماعته .
وفي ليلة يوم الجمعة خامس عشريه توفي الأمير آقباي الحواط على تركة اليحياوي، الذي كان من أكبر القائمين على الدوادار آقبردي، ثم تولى نيابة قلعة دمشق، قيل مسقياً، فما متع بعد موت عدوه بسوى عشرين يوماً؛ فلما بلغ الباش الثاني وفاته بادر ودخل القلعة وخاف عليها أن تؤخذ، وجهز آقباي، ثم أخرج قبل الصلاة إلى الجامع الأموي، فصلى عليه خطيبه سراج الدين بن الصيرفي بعد صلاتها، وذهب الباش الثاني مع المذكور إلى تربته، ولم يحضره النائب وشاع أن النائب مطلوب إلى مصر، قيل ليولى الأمرة الكبرى، فلم يرض بذلك.
وفي عشية يوم الثلاثاء تاسع عشريه خرج من دمشق إلى مصر غالب العسكر المصري، صحبته الباش الثاني الرماح، ولم يتأخر منهم إلا الباش الكبير تنبك الجمالي وجماعته، وحطوا على داريا، قيل فوصل الخبر حينئذ من صفد بوفاة نائبها المولى جديداً يلباي الأينالي؛ وشاع أن علي دولات الغادري مات ببلاده .
وفي بكرة يوم الخميس ثاني الحجة منها، سافر من دمشق، راجعاً إلى مصر، الباش الكبير تنبك الجمالي، وخرج النائب لوداعه على العادة.
وشاع في هذه الأيام عزل قاضي المالكية شمس الدين الطولقي، وأن المنفصل عنه قد أعيد إليها، وهو الآن بمصر، ولم يمتنع عن الحكم، بخلاف قاضي الحنابلة نجم الدين بن مفلح، فإنه أشيع عزله بالقاضي بهاء الدين بن قدامة، الذي تولى قضاء الحنابلة بمصر قريباً، فإنه امتنع من الحكم .
وفي يوم الجمعة ثالثه أشيع بدمشق أن متسلم نائب حلب قصروه، واصل عن قريب، ليتسلم له دمشق، وأن نائبها يسافر إلى دمشق .
وفي هذه الأيام قل ركوب النائب واجتماعه بالناس، قيل لضعف حصل له، وقيل غير ذلك .
وفي يوم الخميس سادس عشره ظهر النائب للناس، وحكم في رجل أزعر من الصالحية بأن يخوزق وكذا في بنت خطا جارية بيضاء، اسمها جان سوار بأن تخوزق .
ثم في يوم الأحد تاسع عشره ضرب جماعة، منهم رجلاً يعرف بابن بيدمر. ضرباً مبرحاً، ثم دخل من فر مارتزفر .
وفيه اغتاض القاضي الشافعي على نائبه فخر الدين الحموي وعزله، قيل وعزل نائبه شعبياً أيضاً .
وفي يوم الأربعاء سادس عشريه مد القاضي الشافعي مدةً للنائب في الكججانية بالشرف الأعلى، مدة مفتخرة، وقدم له أشياء وأقام. .. .
سنة خمس وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الظاهر أبو سعيد قانصوه خال الملك الناصر كان، المعرف بيخشى؛ ونائبه بدمشق جان بلاط، وهو على طريقة غير مرضية، وتكلم الناس بعزله؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين بن أخي القاضي الشافعي، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي وظيفته شاغرة، ولكن يتعاطى الحكم بإشارة النائب شمس الدين الطولقي، والحنبلي وظيفته شاغرة أيضاً من نجم الدين مفلح، ثم وليها في أثناء السنة كما يأتي على عادته؛ والحاجب الكبير. ..؛ ودوادار السلطان جان بلاط .
وفي يوم الخميس مستهلها وصل من مصر إلى قبة يلبغا خاصكيان، أحدهما تمراز الزردكاش، والآخر تنم النجمي، الأول أتى لتسفير جان بلاط النائب، وإخباره بعزله من كفالة دمشق، وتوليته الأتابكية بمصر؛ والثاني أتى لتقليد قصروه نائب حلب كفالة دمشق؛ وفرح الناس بعزل النائب فرحاً شديداً لكثرة ظلمه وجرأته وقلة مبالاته بالأكابر .
وفيه قتل رجل أزعر بلاصيا، من رؤوس النوب بخان السلطان، قرب باب السريجة .
وفي يوم السبت ثالثه دخل الخاصكيان، المذكوران إلى دمشق، مخلوعاً عليهما بأخضر وطراز خاص، وتلقاها النائب المعزول، وأرباب الدولة على العادة، ثم لما نزلا باصطبل قرئت المراسيم الشريفة بما تقدم ذكره، والإنكار على أركماس المعزول من نيابة طرابلس، وعلى نائب صفد المعزول منها برد بك، وعلى قرقماش اليحياوي المعزول من حجوبية دمشق، لعدم سفرهم، لما عزلوا، إلى الأبواب الشريفة، وتطلبهم أيضاً؛ ولما قرئت المراسيم المذكورة امتنع المالكي شمس الدين الطولقي المعزول، لأنه إنما كان يحكم بإذن النائب له بالحكم، وأنه يراجع له وللقاضي الحنبلي نجم الدين بن مفلح، وعزم المالكي على السفر مع النائب المعزول إلى مصر .
وفي ليلة الأحد رابعه تسلم حاجب دمشق نيابة الغيبة، وطافها بالعسس ليلاً، وبطل حكم النائب .
وفي يوم الجمعة تاسعه، بعد صلاتها، بشباك الكاملية، أخبر القاضي الشافعي، أن الخاصكي تنم المتقدم ذكره سافر إلى حلب لتقليد قصروه كفالة دمشق، وترك ثقله بها، وكلفته كل يوم مبلغ أشرفياً على السادة القضاة، فتعجب الحاضرون من ذلك، ومنهم مؤقت النائب المعزول عبد العال، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره خرج النائب المعزول من دمشق، ومعه خلق كثيرة، وصحبته شمس الدين الطولقي المالكي المعزول، وخلق كثير، واستخدم عبيداً كثيرة، وهو خائف من السلطان، وقيل إنه وصل له بالأمس من مصر قاصدان بالاستعجال، وخرج القضاة للسلام عليه آخر النهار، ورجعوا فوافق وودعوه، ثم رجعوا إلى دمشق، وتكلم الناس أن الزردكاش إنما تبعه كالمرسم عليه ليمسكه بوادي عارة مع نائب غزة ومشائخ تلك البلاد، سيما وقد قتل أحد مشائخها خليل بن إسماعيل وغيره، ثم إن النائب ومن معه رحلوا ثاني يوم بعد العصر، بعد أن خربوا ونهبوا شيئاً كثيراً .
وفي بكرة الأربعاء حادي عشره وصل متسلم النائب الجديد قصروه، واسمه مسيد، إلى دمشق؛ أتى على بعلبك، ثم على دمر، وبها صلى الصبح يومئذٍ، ثم مر على الصالحية إلى مصطبة السلطان، وفصل له القاضي الشافعي قماشاً، وركب لتلقيه بعد عصر اليوم المذكور، ومعه ابن أخيه الحنفي، وابن مفلح الحنبلي، وأما المالكي ابن يوسف الأندلسي فإنه سافر لتلقي النائب .
وفي يوم الخميس ثاني عشريه دخل المتسلم المذكور إلى دمشق، بخلعة من أستاذه، وأمر بالمناداة بالأمان وإبطال المحرمات على العادة، وخلع عليه القاضي الشافعي خلعة بفوى بفرو سمور وسلارى، بنحو مائة دينار جميعهم، ثم القاضي الحنفي أخرى، ثم نائب القلعة أخرى، ثم الحاجب أخرى، وعدتهم أربع خلع، وبهذا جرت العادة، وأتى صحبته من حلب إلى دمشق نقيب الأشراف بدمشق قبل الفتنة الدوادارية، السيد إبراهيم بن السيد محمد .
وفي يوم الجمعة ثالث عشريه صلى المتسلم بمقصورة الجامع الأموي، والعادة أنه لا يدخلها حاكم سياسي لصلاة إلا السلطان كما أخبر بذلك العلامة بدر الدين الأسدي .
وفي يوم الأحد خامس عشريه، وهو أول السنة الرومية أخبر القاضي الشافعي بعزل القاضي ناظر الخاص والكسوة الشريفة، نور الدين علي بن أحمد بن الصابوني الدمشقي ثم المصري، وبتولية ذلك الرملي، وأن قانصوه الذي كان حاجباً بدمشق، تولى نيابة صفد، وأن نائبها يلباي، الذي كان قد أشيع بدمشق موته ولم يصح، تولى نيابة طرابلس، وأن نائبها دولتباي، الذي كان نائب البيرة، ثم نائب قلعة دمشق، ثم نائب حماة، تولى نيابة حلب - وفي يوم الخميس ثامن عشريه دخلت كتب الوفد الشريف إلى دمشق، وأخبروا أن الوقفة كانت في يومي الخميس والجمعة، وأنها كانت حجة مشقة .
وفي يوم الاثنين رابع صفر منها، دخل الوفد الشريف إلى دمشق، وحط النائب الجديد قصروه، الذي أتى من نيابة حلب، على المصطبة.
وفي يوم الثلاثاء خامسه دخل النائب المذكور دخولاً حافلاً، وصحبته جماعة من الأمراء الذين كانوا مع آقبردي الدودار، الذي مات بحلب ودفن بها بتربة النائب أزدمر، ثم خشى عليه من نائب حلب الجديد دولتباي عدوه أن ينبشه من قبره ويحرقه، فأتى به صحبته من سحلية، ثم سير النائب تحت قلعة دمشق سبع مرات على العادة، وصحبته الحاجب، وخواص نفسه، ووقف العصاة قدام تربة تغري ورمش، ودخل من جسر من باب الجديد، وأتى إلى باب السر، ونزل فصلى على العادة، ثم ركب ودخل دار العدل.
وفي بكرة يوم الخميس سابعه ركب القضاة الأربعة إلى دار السعادة، ليلبسوا، خلعهم على العادة، فإن العادة أن كل نائب جديد يخلع عليهم عقب دخوله كفالته، فلم يخرج من مبيته لأحد، وقيل إنه ما هو طيب، وقيل ليقبض الهدايا ثم يفضل منها الخلع.
وفي هذه الأيام أمر النائب بشنق ابن الخنش؛ الذي قد كان سعى على ابن عمه ناصر الدين عند النائب المعزول، وأخذ منه البلاد، وكان السبب في نهبها، وهتك حريمها، وحريق زرعها وقتل كثير من أهلها؛ فلما شنق عاد ناصر الدين بن عمه، وفي يوم الجمعة ثامنه لبس القضاة خلعهم المذكورة. وفي عقب الصلاة بالجامع الأموي صلي غائبة على ثلاثة أنفس ماتوا بمكة، منهم الشيخ عبد المعطي.
وفي بعد العشاء ليلة الاثنين حادي عشره خرجت النار من دكان بالحصرية، خارج باب الفرج، فاحترق جميع الحوانيت التي حدها من الزقاق قبلي صفة الخضر حتى حاصل الخشابين، حتى وصلت النار إلى نهر بردى، وامتدت إلى جهة الغرب إلى قدام خان الليمون، ونهبت الأسواق التي بقربها، وهي حوانيت التجار شرقي الخان وغربيه، وحوانيت الخضريين شرقي الحريق، وقيسارية الدهانين غربيه، وما سلم من من الحوانيت بقية الصف القبلي من النقلية، وذهب للناس فيه مال كثير لا يمكن حصره.
وفي صبحة يوم الاثنين المذكور أوكب النائب وطلب زعر أهل الشاغور وأنه يمر في موكبه على حارتهم، فأخذوا أموال خلق، وشعلوا له، وزينوا من عند زاوية المغاربة، إلى حارة القراونة، وعتا هؤلاء الزعر عتواً كثيراً، وكبيرهم رجل يزعم أنه شريف يعرف بقريش مسك بعد أيام بالأمان، وقام في جانبه الحاجب الكبير، فأوصله دودار النائب إلى النائب، فضربه بالسياط، ثم المفارق، ثم شنقه عند سوق الخيل، إنكاء للحاجب لكونه من جهته. وفي هذا اليوم سافروا بالسحلية التي بها الدودار آقبردي إلى مصر.
وفيه لبس شمس الدين بن يوسف المالكي خلعته، التي أتت له من مصر، بعزل الطولقي.
وفي يوم الخميس رابع عشره لبس نجم الدين بن مفلح الحنبلي خلعته، التي أتت له من مصر، بعزل بهاء الدين بن قدامة، وولي قضاء الحنابلة بمصر، كما جرى له في ما تقدم، فهو كالمستجد المستعار .
وفي يوم الاثنين ثامن عشره لبس القاضي الشافعي خلعة جاءته من مصر على يد الرسول بدر الدين بن عدوس، وهي أول خلعة خلعها عليه هذا السلطان، ولونها أخضر بسمور خاص .
وفيه عقب خروج القضاة أمر النائب بتوسيط الشاب ابن الشيرازي المزي، لكونه أقر، بأنه أقر، أنه قتل أخا شعبان، الذي كان قد أعان على قتل أبيه عبد القادر بن الشيرازي كما تقدم، وكان قد أخذ دية والده منه ومن غيره .
وفي صبح ليلة الجمعة ثاني عشريه احترق الطباخ بجيرون شرقي الشادر، وأنه خرجت النار من حاصل خشب الجامع، فأخلى الذهبية والدهشة خوفاً من النهب، وكان ذلك لطفاً من الله، لكونه نهاراً، وكان أول الليل هواء، فلو كان فيه حال الهواء، لاحترق الجامع وما حوله .
وفي ليلة الخميس سادسه خرج النائب من دمشق بعسكر كثير إلى بني صخر، حتى جاوز أربد، فقتل منهم نحو العشرين، وقبض جماعة، وأخذ منهم كسباً، دواب كثيرة، غنماً، وإبلاً، وبقراً، ثم رجع إلى أربد يوم الأحد ثاني عشره، ثم أرسل مبشراً، فدقت البشائر بدمشق يوم الثلاثاء سابع عشره .
وفي عشية يوم الأربعاء خامس عشريه، رجع النائب إلى دمشق .
وفي يوم السبت ثامن عشريه جاء خاصكي من مصر وكان يوماً مطيراً، ثم قرئت المراسيم السلطانية؛ قيل بأن يعطى النائب ما أخذه قرضاً من النائب المتوفى كرتباي، وما أخذه من مال المتوفى آقبردي الدوادار بحلب؛ وبأن يذهب تنبك قرا، وبقية جماعة الدوادار إلى القدس؛ فصعب على النائب ذلك، حتى أنه لم يركب يوم الاثنين، وكذب الخاصكي في كون المراسيم من السلطان، قيل فأقر بأنها من طوماي باي الدوادار، فأمره بالرجوع إلى مصر ومراجعة السلطان في ذلك.
وفي ليلة الجمعة رابع ربيع الثاني سافر الخاصكي المذكور على الهجن عجلاً، قيل غضباً على النائب، وقيل ليراجع السلطان في المراسيم .
وفي يوم السبت خامسه تعدى مماليك حلب على الناس، مارين إلى مصر، وخطفوا أموالهم، وقطعوا عصب محمود مملوك محمد بن الحصني، وكادوا يقتلوا أستاذه .
وفي يوم الاثنين سابعه دخل كاتب السر مجد الدين سلامة من مصر إلى دمشق بالوظيفة المذكورة، وصحبته ولده بوظيفة نظر الأسوار، وتلقاه النائب من تربة تنم الحسيني، ودخل على العادة .
وفي بكرة الخميس رابع عشريه رجع إلى دمشق الخاصكي، الذي سافر على الهجن لمراجعة السلطان في أمر المراسيم، التي أنكرها النائب، وألبسه خلعة الشتاء، ودخل بها دمشق على العادة .
وفي يوم الجمعة ثاني جمادى الأولى منها، بعد صلاتها، صلي بالجامع لأموي غائبة على الشيخ الشرابي، مات بحلب .
وفي ليلتي الاثنين والثلاثاء خامس وسادس جمادى هذه، خرج من دمشق جماعة من العصاة، الذين قاموا مع النائب من حلب، منفيين إلى القدس الشريف، منهم تنبك قرا، وولده، ومنهم آقباي نائب غزة كان؛ وأما جانم مصبغة فقيل أمر بلزوم بيته بدمشق، وأما قنبك نائب إسكندرية، فقد قيل إنه رسم له بالعود إلى حلب، فامتنع خوفاً من نائبها دولتباي عدو الدوادارية، فاستشفع بالمراجعة ليؤمر به إلى المرقب أو غيره .
وفي يوم الخميس ثاني عشريه دخل من مصر خاصكي كبير، للكشف على الأوقاف .
وفي يوم الأربعاء سادس جمادى الآخرة منها، اجتمع أهل محلة مسجد القصب، وكبروا على بعض حاشية النائب، لكونهم رموا عليهم رمية كثيرة، لأجل قتيل وجد بتلك المحلة، فلما بلغ النائب ذلك أخرج لهم جماعة ملبسين، وأمر بتوسيط رجل من تلك المحلة كان ممسوكاً عنده فوسط مظلوماً، وكان حصول فتنة، ولم يكن الحاجب الكبير ودوادار السلطان حاضرين، بل مسافرين، فذهب القاضي الشافعي، ومعه الحنبلي، فاجتمعا بالنائب، وحفظاه، فنادى بالأمان، فسكن الخوف .
والناس يومئذٍ في ضيق كثير من أمر الخاصكي، وانتصب لأخذ أموال الأوقاف، بحجة هذا الخاصكي، الدوادار الثاني للنائب، وعبد الله بن أحمد القرعوني، وزادا على ظلم من تقدم، وضوعف المأخوذ بسبب خط بعض من مات، فإنه أضاف الكلفة إلى المأخوذ ولم يفردها، فأفردوا كلفة ثانة، على كل خمسة أشرفية أشرفي، ومن أمر الرمية على أهل محلة مصلى العيدين، لكونه رجل من الزعر ضرب رجلاً شريراً، يعرف بخدا الفيلة اللبان ... .
...إلى نائب الشام، فربما ينعم عليه بها أيضاً، فدخل معهم في اليوم لمذكور في أبهة حافلة، ولم تخرج الناس والصبيان في هذا اليوم، خوفاً من المناداة التي أمر النائب بها؛ ونزل الباش بقصر السلطان الملك الظاتهر بالمرجة .
وفي عشية اليوم المذكور ضرب النائب مهمندار، الذي كان حبسه عقيب خلعة أتت على يديه من مصر، ضرباً مبرحاً، قيل اتهم بشيء من الأشياء المضرة نقلت إليه عنه؛ ثم أمر بقلبه فصلب وقت الغروب، وله حريم وأولاد صغار، ولكن قيل عنه إنه جريء، قليل الحساب للعواقب .
وفي يوم الأحد مستهل ذي الحجة منها، أخبر الموقع جمال الدين بن كريم الدين، أن سامري النائب أخبره، أن النائب قصروه نفقته كل يوم ألف دينار، ومن الشعير ثلاثون غرارة، ومن اللحم عشرون قنطاراً، ومن الدجاج عدة مائة، ومن الأوز عشرون، ومن الخرفان الهميس عشره، وأنه على كرمٍ كثير .
وفي يوم الاثنين ثانيه أوكب النائب في الميدان الأخضر، ومعه الباش بعسكره المصري على العادة؛ ثم أتوا إلى المقعد الجديد بالاصطبل وحضر القضاة، وأحضر كتاباً، وأظهر أنه من السلطان الملك الأشرف قانصوه خمسائة، وأنه حي باق، ونودي له بالسلطنة، وفرح الحاضرون وتخلقوا، ودقت البشائر لذلك، وسيأتي أن السلطان جان بلاط تسلطن بمصر في هذا اليوم، وربما يكون في هذه الساعة، وهو من العجائب؛ وخلع النائب قصروه في هذه الساعة على قانصوه اليحياوي نائب صفد، وعلى خير بك بنيابة غزة .
وفي يوم الجمعة سادسه حضر النائب خطبة الجمعة، وقد أخليت له المقصورة، وعين في الخطبة مولانا السلطان الملك الأشرف، يعني قانصوه خمسمائة، والنائب يسمع، فلما فرغ من الصلاة، بلغني أن بعض المماليك المصرية هدد الخطيب، وقال له: أنت شيخ يقتدى بك في الدين، وتقلد في الكذب .
ثم عقيب الصلاة بعد وصول النائب منزله، شاع بدمشق أنه أتى من مصر أمير له ستة أيام عنها، وأخبر أن طومان باي الدودار الكبير دخل من الصعيد إلى مصر بعسكر كثير، وتلقاه منها خلق كثير، فحاصر قلعة مصر، وقبض على قنبك الرماح ، وعلى ططر الذي ولي الدوادارية مكانه، وعلى جماعة أخر، وأن الأمير الكبير جان بلاط نزل إليه طائعاً؛ وأرسل يستحث النائب في الحضور إلى مصر، وأنه قتل خلق كثير .
وفي يوم الأحد ثامنه شاع بدمشق أن السلطان الملك الظاهر المنتصب، اختفى من قلعة مصر، قيل خرج منها في زي امرأة وتسحب، فالله يحسن العاقبة .
وفيه سافر خير بك نائب غزة الذي خلع عليه النائب، مع نائب صفد، وخرج الناس لوداعه، وأخرج معه جماعة من المماليك إعانة له
وفي يوم الثلاثاء عاشره، وهو عالشر تموز، عيد الناس؛ وخرج النائب إلى المصلى في أبهة حفلة على العادة، وخطب على منبر المصلى القاضي الشافعي، وخطب للملك الأشرف، فلما فرغ من الخطبة خلع عليه خلعة حمراء بمقلب سمور خاص، وعلى المرقي خلعة أخرى حمراء صوف؛ ثم خرج النائب على العادة إلى المنحر، ونحو أضحية كثيرة، ثم ركب والقضاة والباش والأمراء المصرية ورجع على العادة .
وفي ليلة الأربعاء حادي عشره رجع إلى دمشق دوادار النائب، الذي كان خرج بالعسكر إلى غزة، وقد تفرق جماعته عنه بغير صنجق، ولا أبهة، بل خفية ليلاً .
وفي هذه الأربعاء شاع أيضاً بدمشق، أن السلطان قانصوه الظاهر خلع نفسه بحضرة تنبك الجمالي وغيره، لما سمع بأن طومان باي الدوادار الكبير قبض على قنبك الرماح، وعلى ثلاثة أخر معه، ثم دخل الحريم وخرج معه الحريم في زي امرأة، واستمر الملك شاغراً عدة أيام؛ وأن جان بلاط، الأمير الكبير بمصر، تسلطن ولقب بالأشرف، كما قد خطب بذلك على منابر دمشق لقانصوه خمسمائة، وأن تسلطنه كان يوم الاثنين ثاني ذي الحجة هذه .
ثم اختلفوا بدمشق فيمن تولى الأمرة الكبرى بمصر، فقيل الدوادار الكبير طومان باي، وقيل بل بعثوا يخيروا نائب الشام قصروه، في أن يستمر في نيابة الشام، ويلبس خلعة بعثت له، وبين أن يسافر إلى مصر ويتولى الأمرة الكبرى؛ وقيل بل ولوا الأمرة الكبرى تنبك الجمالي، وأن طومان باي أبقى على الدوادارية على عادته، وأضيف إليه وظائف أخر؛ ثم إن أرباب التقويم أخبروا بأن جان بلاط لا يقيم في الملك كثيراً، بل إن طالت مدته فإلى نصف سنة؛ ولما بلغ نائب الشام توليته، لم يرض به سلطاناً، وأنه لا يطيعه بل يسافر إلى مصر لخلعه .
وفي أواخر ليلة الثلاثاء رابع عشريه دخل الأمير قصروه الصغير من مصر إلى دمشق خفية، بخلعة نائب الشام قصروه، فلم يلبسها، فرجع بها .
وفي يوم الجمعة سادس عشريه دخل من حماة نائبها يخشباي إلى دمشق .
وفي يوم الجمعة سابع عشريه، عقيب الصلاة، سافر من دمشق إلى مصر الأمير سيباي، الباش الذي أتى من غزة إلى دمشق، وقد أنعم عليه السلطان الجديد جان بلاط بالحجوبية الكبرى بمصر، فسافر إليها يومئذٍ، وخرج النائب لوداعه، وقد خلع عليه خلعة حمراء بسمور خاص، وسافر معه خلق كثير من المصريين وغيرهم، وكان قد سبقه غالب المماليك المصرية .
سنة ست وتسعمائة... في الحديد، وذلك في يوم السبت تاسع عشر جمادى الآخرة .
وفيه، بعد عصره، طلع السلطان الملك العادل إلى قصر القلعة، وأحضر القضاة والخليفة أمير المؤمنين، وقرئت عليهم مبايعته بدمشق، فأمضاها له الجميع، ودقت لبشائر وقبلت له الأرض؛ فلما علم أهل دمشق ذلك دقت بشائرها أيضاً، وفرحوا بذلك فرحاً كثيراً وكثر الدعاء له، لبغضهم لجان بلاط، لخبث طويته، ورجاءً لعدل الملك العادل، ثم نودي بالزينة بدمشق، واستمرت البشائر والزينة بدمشق، سبعة أيام، ثم رفعا بكرة يوم الأحد رابع رجب منها .
وفي مستهله يوم الخميس، نودي بدمشق عند نائب الغيبة الحاجب الكبير مغلباي، عن دودار النائب تمرباي، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإبطال الخمارات والمناكر، ففرح الناس بذلك، إلا أن السوقة أمروا بالزينة، وهم مشغولون بالمبيت بالأسواق، مع البرد الشديد، وطول اليل، وكثرة الحرامية بدمشق، لغيبة نائبها .
وفي يوم الاثنين خامسه وصل من مصر إلى دمشق دوادار الأتابكي قصروه لأخذ الحريم، وخلع عليه النائب مغلباي، بعد أن أخبره بالأمور التي وقعت بمصر، ثم شرع الدودار في أسباب السفر بالحريم، وجمع الأموال المتعلقة بهم، وحزم الأحمال، وقد تعاظم الأتابكي يومئذٍ بمصر، واستخدم خلقاً كثيراً، وحدثته نفسه بالقبض على السلطان العادل، وضبط عليه كلام يفهم ذلك .
ونقل إلى السلطان على ما قيل عنه، وبلغه أنه بعث جماعة خفية إلى دمشق بالتوصية بضبط القلعة؛ فأرسل السلطان أيضاً خفية نائباً لها، وهو الأمير دولتباي اليحياوي، المعروف بخال الأسياد، وبقبض جماعة قصروه التي بدمشق، وأمر قاصده بالسفر سريعاً قبل وصول قاصد قصروه، فستر ووصل إلى دمشق في ليلة الأحد حادي عشره، وهو سلخ كانون الثاني، وعلى يديه مراسيم شريفة بالقبض على مغلباي الحاجب الذي ولاه قصروه، واستمر فيها وفي نيابة الغيبة إلى يومئذٍ وعلى دوادار قصروه الذي أتى من مصر لأخذ الحريم، وعلى عبد القادر الحموي، والمعروف بأبي النائب، وعلى ابن حسن، المعروف بأبي النائب، الذي هو الآن بمصر، فلما قبض عليهم كثر الكلام بدمشق، فمن قائل مات قصروه من جرح أصابه في محاصرة قلعة مصر مع العادل، ومن قائل سقياً، ومن قائل قبض عليه السلطان، وفرح أهل دمشق وكثر الدعاء للعادل .
وفي يوم الأربعاء رابع عشره وصل من مصر إلى دمشق القاصد الذي أرسله قصروه بالمطالعات بضبط القلعة، وفد سبقه قاصد السلطان، فقبض جماعته .
وفي يوم الأحد ثامن عشره وردت المطالعات والمراسيم الشريفة إلى دمشق، بأن تقرأ على الأمراء المقبوض عليهم بالقلعة، بأنا قد رسمنا بعد القبض على الأمير قصروه، بتسفيره إلى مكة المشرفة بطالاً، مرسماً عليه، وصحبته جماعة منهم يخشباي نائب حماة كان، ومنهم مغلباي السمين، وفلان وفلان، وعد نحو عشرة أمراء، وأنكم تكون صدوركم منشرحة لما يأتي عليكم إن شاء الله تعالى .
وفي يوم الثلاثاء عشرينه ورد الخبر إلى دمشق بأن الأتابكي قصروه خنق، بعد إخراج الأشرف جان بلاط إلى الإسكندرية بثلاثة أيام، وأنه غسل وكفن وصلية عليه، ودفن في تربة قجماس، وأقام حريم قصروه بدمشق عراة، فكان كما يقال: جاء قصروه إلى وروه؛ ثم أرسل إلى الإسكندرية أيضاً، فخنق الأشرف أيضاً، ولم يصدق بذلك حتى أتي إليه برأسه، فرآه؛ فتذكرت ما أنطق الله به لسان شيخي محيي الدين النعيمي يوم خروج جماعة العسكر " كأنهما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " .
وفي يوم الأحد خامس عشريه شاع بدمشق أنه ورد نجاب من مصر، له عنها مدة أحد عشر يوماً، وأخبر بأن نائب الشام دولتباي، أخا العادل، قد عزم علي المجيء إلى كفالته.
وفي بكرة يوم الثلاثاء سابع عشريه دخل من مصر إلى دمشق الأمير أزدمر اليحاوي، وقد ولي أمرة المسيرة.
وفي بكرة يوم الأربعاء سادس شعبان منها، ورد الخبر من مصر إلى دمشق بعزل قاضي المالكية الشمسي بن يوسف، وإعادة الشمسيى الطولقي بتاريخ خامس عشري رجب، الشهر الماضي.
وفي بكرة يوم الخميس سابعه دخل من مصر إلى دمشق الأمير برسباي المجنون، وهو لابس خلعة الحجوبية الثانية بدمشق، وتلقاه ناس قلائل؛ ثم خلع خلعة على أحمد بن شاهين الحاجب الثالث.
وفي بكرة يوم الاثنين حادي عاشره، وهو أول آذار، دخل من مصر إلى دمشق، الأمير دوادار سكين بمصر، مارا إلى البلاد الشمالية ليكشف على قلاعها، وتقليد نواحيها، وخرج لتلقيه أرباب الوظائف على العادة، منهم دوادار النائب أبي قورة، وخرج معه زعر الشاغور، وأظهروا لأهل ميدان الحصى عناداً كثيراً، فاقتتلوا وقتل من أهل الشاغور رجل يقال له الكساوي، فهاشوا بسبب ذلك، ومنعوا أهل الميدان من الانتشار في أسبابهم، وظهر قلة حرمة الدوادار، وطمع أهل الزعارة لرذالته، وغيبة النائب.
وفي يوم الأحد سابع عشره سافر إلى مصر الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، وصحبته ولده النجمي، بعد أن انقلب عليهم القاضي الشافعي.
وفيه قبض على أحد المجرمين بمحلة قبر عاتكة، يقال له المزاوي، ووعد بمال، فلم يفده وشنق في عشيته، وأراح الله منه العباد والبلاد.
وفي يوم الأحد رابع عشريه وصل إلى دمشق من الرملة مبشر، بأن نائب الشام دولتباي وصل من مصر إلى الرملة، فتهيأ أهل الولايات بدمشق لتلقيه بالفواكه والحلاوات والمعمول غير ذلك .
وفي هذه الأيام سافر الشمسي بن يوسف، المعزول عن قضاء المالكية بدمشق، إلى مصر ليسعى على غريمه الشمسي الطولقي .
وفي يوم الاثنين خامس عشريه رجع من مصر إلى دمشق العلامة السيد كمال الدين بن حمزة، وصحب معه زوجته المصرية، وأولاده منها، وهم خمس بنات، وله ولد ذكر من زوجته بنت الصلاح العدوي، وأما زوجته الثالثة، فليس له منها ولد.
وفي يوم الخميس سادس رمضان منها، دخل نائب الشام إلى دمشق بعسكر قليل، وقد شاع بدمشق أنه قد أنعم عليه بالأتابكية بمصر مضافة لنيابة الشام، وأنه استناب فيها، وعما قليل يرجع إلى مصر؛ وكان قبل دخوله قد هجم عرب طريق الحاج على بعض جمالة وأخذوا منها شيئاً، فرجع عليهم وتبعهم على ما قيل إلى بلاد الحسا، ودخل إلى القدس، ثم أتى ودخل دمشق في اليوم المذكور؛ ودخل صحبته الأمير برد بك الذي عزله عن نيابة طرابلس قبل ذهابه إليها، وقد أنعم عليه بأتابكية دمشق، بعد عزل القرناص قرقماس منها .
ولما كان النائب بقبة يلبغا، وخرج دوادار السلطان قانصوه الفاجر لتلقيه والسلام عليه، جلس فوق أمير ميسرة، فنهاه النائب، فقلل أدبه، فأمر باعتقاله، فأخرج من القبة مرسماً عليه إلى القلعة، ورسم باعتقال المعلم أحمد الأقرع، الذي له بعض تكلم في المارستان النوري، بعد أن كان هو اعتقل على جماعة من أرباب وظائفه، منها القاضي الرضي الغزي، والنجم، الخيضري، والزيني عبد القادر العدوي، فأمر النائب بفكهم من الاعتقال، وأكرم النجم الخيضري، وهو دليل على قلة دينه .
ولما دخل دمشق لم يطلب، وعليه خلعة خضراء بطراز حافل، وعلى يمينه الشافعي بخلعة صفراء بمقلب سمور خاص، كان قد بعث إلى دوادار ليعملها لنفسه، فآثر بها الشافعي، وهي بكمين صغيرين، فلما استقر بدار السعادة، أمر المناداة حسب المرسوم الشريف من المقام الشريف وبالأمان والاطمئنان، وإبطال المشاة من بيوت الحكام، وأن لا يحمل أحد سكينا .
وفي يوم الجمعة سابعه صلي صلاتها بجامع تربة العجمي بالحدرة الذي هو محل الحشرية .
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره ذهب رجل دين بفرس له إلى فسيل له ببستان، جوار ضريح الشيخ سراج، بمحلة المزاز، من أرض بثنية، فتبعه عدو له ومعه جماعة، فضربوه بالسكاكين وقتلوه، وأخذوا فرسه، وأرادوا دفنه بخشخاشة هناك، فلم يمكنهم ذلك من الخوف؛ ثم بعد أيام رمى استادار النائب عبد العزيز الحلبي على أهل تلك المحلة، وأهل كفر سوسيا مالاً كثيراً، وأخذ من بعض التجار، الذي له بستان هناك، نحو مائة دينار، ولم يلتفت إلى ما رسم به السلطان، حينئذ العادل، لأهل دمشق، من أنه إذا قتل قتيل بمحلة لا يغرم أهلها بسببه، بل يتبع الغريم؛ ونقش ذلك في جميع حارات دمشق على الحيطان الحجر؛ ثم بعد أيام قبض على اثنين من غرماء القتيل، وهرب الثالث بالفرس، وهو عدوه الكبير منهم .
وفي بكرة يوم الاثنين سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق الأمير يلباي العادلي، نقيباً لقلعة دمشق، في أبهة حافلة، لم يدخلها نائب الشام .
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره أمر النائب بإشهار النداء للحاج، بأن ما لكم أمير إلى الحجاز إلا ملك الأمراء، وأظهر النفقة على خروجه لذلك، وصادر الخواجا ناظر الجيش بدمشق ابن النيربي، الذي كان في العام الماضي أمير الحج، وكان قد عين أيضاً لهذه السنة، وأخذ بركه، ونهب مال زوجه قصروه بجوار منزل ابن النيربي المذكور، وصار أيضاً المجرم، الذي كان قد أقامه قصروه في حال عصيانه ديواناً لضبط أموال المصريين بدمشق، ابن شنتمر، وغيره.
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن مصر مخبطة، وأن الغوري اختفى، ومعه تنبك الجمالي، وقنبك الرماح، وأن السلطان قد أهلك خلقاً كثيراً تغريقاً وخنقاً، وهو يتبع الجماعة الجانبلاطية من جميع البلاد، وأن نائب حلب أركماس عزل منها، لأنه ظهر منه بعض مخالفة للسلطان .
وفي ليلة الجمعة حادي عشريه ختم الطفل، الثماني السن، زين العابدين، ابن أحد عدول دمشق، شيخنا شمس الدين الخطيب المصري، وخطب على باب مقصورة الجامع الأموي، تحت نسره، وخلع عليه جماعة، ولم يحضر أحد من القضاة الأربعة، بل أرسلوا بعض جماعتهم، ثم مشيت أنا والشيخ محب الدين بن هشام، وجماعات كثيرة من الأفاضل، قدامه، وطفنا دورة دمشق ليلاً، خرجنا من الباب الصغير بالشاغور، ودخلنا من باب الفراديس، وكان مرورنا على دار السعادة، وذكر لنا والده أن هذه عادة المصريين إذا ختم الولد عندهم، ولم يصل هذا الولد بجميع القرآن، وإنما صلى بربعه، وعاد أولاد الشاميين أن يصلوا بالقرآن كله .
وفي يوم الخميس عشريه، وهو خميس البيض، قبض فيه على مملوك أصله افرنجي من بلاد طرابلس، كان خدم مع أينال الفقيه نائب الشام، الممنوع من دخولها، وهو سائر داخل بأبي الفرج والفراديس، ضبط عليه أنه قتل جماعة وأخفاهم، وأخذ أموالهم، وعرّى جماعة من النساء، وأخذ الأساور من أيديهن مجاهرة عند باب المرستان النوري، وأنه كان يأكل بقائم فجوره، فأمر النائب بقطع يده ورجله، ففعل به ذلك عند باب المارستان المذكورة، فهجم العوام عليه وضربوه بالخناجر، وسحبوه حياً بدمائه الكثيرة على الطرقات إلى عند المشنقة بالخراب وحرقوه بالنار؛ فبلغ النائب ذلك، فأمر بالركوب على العوام، فركبت مماليكه وبطشوا في كل من رأوه في طريقهم، وعرّى جماعات وذهب مال كثير للناس، وغلقت الأسواق، ورفع جماعات إلى النائب، فصادر بعضهم، وصفح عن آخرين، وكان يوماً مهولاً .
وفي يوم السبت ثاني عشريه شاع بدمشق عزل نائب حلب أركماس، بنائب غزة الأمير قانصوه رحله .
وفيه نودي بدمشق أن الأمير يلباي الأينالي، الذي كان نائب طرابلس، وصادره قصروه في حال عصيانه، وأخذ موجوده، الذي هو الآن بمصر بعد وصوله من دمشق، قد ولاه السلطان دوادارية السلطان بدمشق، عوضاً عن قانصوه الفاجر، وولاه أيضاً وظيفة نظر الجيش، عوضاً عن الخواجا بن النيربي، وولاه أيضاً وظيفة عداد الغنم، ووظيفة النظر على وقف الملك الأشرف قايتباي بالشام، فهن أربع وظائف؛ ثم في آخر النهار المذكور نودي بأن وظيفة نظر الجيش لمحب الدين الأسلمي، لا للأمير يلباي المذكور، وهذا من العجائب.
وفي يوم الأحد ثالث عشريه اشتهر بدمشق وفاة نور الدين بن الصابوني، ناظر الخواص الشريفة بمصر، في أوائل رمضان، وأنه تولى مكانه فيها علاء الدين ابن الإمام، وأن السلطان عزل صلاح الدين بن الجعيان من كتابة السر التي وليها قريباً عن ابن مزهر زين الدين، وتولاها ابن أجا الحنفي الحلبي؛ وأن وظيفة كتابة الخزانة الشريفة، التي هي من قديم مع بيت الجيعان إلى الآن، عزل عنها صلاح الدين المذكور، وتولاها أبو المنصور ديوان آقبردي كان، ثم ديوان هذا السلطان .
وأن ابن يوسف قاضي المالكية بدمشق، الذي كان قد عزل عنها في خامس عشري رجب منها، بشمس الدين الطولقي، قد أعيد إليها، وعزل الطولقي منها، وذلك في تاسع عشر رمضان، وأنه لم يعط للسلطان شيئاً غير قراءة الفاتحة على قاعدة قراء المغاربة، وأن السلطان قال لكاتب السر: ونختصر الفاتحة أيضاً، وأنه أرسل ليستناب في الحكم عنه الشهاب الطرابلسي، وأنه تصالح مع شيخ المالكية عبد النبي، الذي كان سافر للشكوى عليه .
وفي يوم الاثنين ثامن شوال منها، دخل من مصر إلى دمشق الأمير يلباي الأينالي المؤيدي، بالأربعة وظائف المتقدم ذكرها، وتلقاه النائب وأرباب الدولة على العادة .
وفي صبحة يوم الجمعة ثاني عشره، وهو آخر نيسان، دخل جماعة من مصر بغتة، بسرعة إلى دمشق، وصحبتهم مملوك بمراسيم شريفة، ومطالعات بالأخبار، بأن السلطان العادل حوصر يوم سابع عشري رمضان، ثم طلع الأمير الدوادار الكبير قانصوه الغوري، وأن العادل فقد، وأنه يوم العيد بويع بالسلطنة بعده لفقده، وأنه لقب بالسلطان الملك الأشرف .
وصحبتهم أيضاً مرسومان شريفان، أحدهما لأهل القلعة بالحرص عليها، وتحصينها، وإطلاق الأمراء المقبوض عليهم بها، وأن يستمروا بدمشق حتى يرد عليهم ما يعتمدونه؛ والمرسوم الثاني لملك الأمراء دولتباي، ففي الحال أظهر الذلة، ولا قوة إلا بالله، وطلبوا منه الحضور إلى القلعة، فوعدهم إلى غد، فلما انتصف الليل ركب في جماعة وذهب، فلم يعلم حقيقة خبره؛ وقيل إن نائب القلعة دولتباي اليحياوي، والحاجب الكبير برد بك تفاح، أرادا الهجم على دار السعادة لضبط موجوده، فلم يمكنا، والناس الآن في حيرة وتأسف على العادل لعدم العلم بحقيقة حاله.
وورد مرسوم شريف أيضاً بإبقاء أركماس نائب حلب بها، وعزل قانصوه رحله الذاهب إليها؛ ثم ورد الخبر من حماة بأن نائبها سيباي قبض على قانصوه رحله بمرسوم شريف .
وفي هذه الأيام قبض الأمراء، الذين أطلقوا من حبس القلعة، على نقيبها يلباي، الذي تقدم ذكر دخوله إلى دمشق قريباً، وصادروه وأخرجوه منها .
وفيها وجد الرجل الصالح خطاب بن عمر الشويكي الأسمر الحنبلي المقرئ بخلوته بالضيائية، جوار الجامع المظفري، بسفح قاسيون، مشنوقاً في حبل قد اشتراه من حانوت بالصالحية بنصف درهم، ولم يعلم حاله في ذلك، هل هو لأجل شيء فاته، أو عرض له يبسٌ في دماغه، وقد كان من شهور عرض له ضعف بدن، وذهب إلى مرستان الصالحية القيمري، وعوفي وقد كان أظهر لرجل بالضيائية، أن معه مالاً، عدده من الذهب الأشرفية أربعمائة وثلاثة عشر أشرفياً، وأنها تكون عنده وديعة إلى أن تأتي زوجته من المجاورة. وأن له ابن عم وأخا، فأبى الرجل قبول الوديعة بغير شهود، وهذا الرجل يعرف بابن مكنا، وهو رجل صالح .
فاختار القاضي محيي الدين الرجيحي وأوصى إليه ولزاويته بعشرين أشرفيا، وأن يحج عنه بثلاثين أشرفيا، ولشهود الوصية بعشرة أشرفية، ولختمات شريفة بكذا، والباقي يرصد لقدوم الغائبين، فأرصدت تحت يد الشافعي، ثم طلب الأمير يلباي دوادار السلطان بدمشق القاضي الرجيحي، ورسم عليه وعلى شهود الوصية، وطلب المال منهم أياماً وزين الدين خطاب هذا كمان يقرئ الأطفال بالمدرسة السعدية، المشهورة بمدرسة الخواجا إبراهيم، بالجسر الأبيض، وكان على خير، يقرأ في بعض الأيام ختمتين، ويلزم حضور درس الشيخ شهاب الدين بن سلم يوم السبت والثلاثاء، ولكن الأعمال بالخواتيم .
وفي ليلة يوم السبت عشرينه ثار محمد النجار الأزعر، في محلة رأس قصر حجاج، وضرب يوسف بن عبد الوهاب الطيان، أحد الثلاثة الذين قتلوا الشريف الوهراني الشاهد بالمحلة المذكورة، فتحامل إلى بيته بالشويكة، ومات بعد ساعة ثم في غدوة اليوم أتى رفيقه يوسف بن الكسار بالحطب، وأراد إحراق حانوت النجارة التي للضارب، فمنعه أهل السوق، فهاش بخنجره وأتى إلى علي بن الحبال اللحام بالسويقة المحروقة، ولم يكن له يد في قتل رفيقه، فضربه بخنجره في رقبته، فهرب ومات بعد ساعة .
ثم أتى الوالي وختم على حوانيت السويقة المحروقة، ثم ذهب إلى المضروب أولا فمر على أحد زعر الشويكة، فهرب إلى زقاق ينفذ إلى بستان، وفي الزقاق بيت الخواجا ابن الماجوري، فدخل الوالي بجماعته إلى الزقاق، وهجموا على حريم ابن الماجوري، ونهبوا له غالب موجوده، وخرجوا وختموا على باب البستان عجزاً عن تحصيل الهارب، وأمر بدفن المقتولين في اليوم المذكور .
ويوسف بن الطيان هو الذي عارض شيخنا محيي الدين النعميي ومعه رفيقه أحمد المعتوه، وفي صبحة يوم الجمعة حادي عشر رمضان من السنة الماضية، وأخذا شاشه، وأرادا إعدامه، فسلمه الله منهما، وهما ورفيقهما الهارب اللحام من حين قتلوا الشريف المذكور قد تجبروا على السرقة والتجني في البساتين، ونهب دواب الناس، والسفر إلى صفد وطرابلس وغيرهما في بيع ما أخذوه، وعرف ذلك أهل الحارات بحيث أنهم صاروا في غنية بعد فقر، وهم في هيئة مجرمة من لبس الأبشات بالكمام الكبار، لتستر البولاد الذي حاملوه خوفاً من أعدائهم .
وفي هذه الأيام كثر الكلام عن السلطان الجديد قانصوه الغوري، وأشاعوا عجزه، وكان قد عزم كثير من الناس على الحج، ثم أراد بعضهم ترك ذلك، وتردد بعضهم، وقوي عزم بعضهم، بواسطة قيام نائب الغيبة برد بك تفاح، وإقامته تمرباي القجماسي المشهور بأبي قوره في أمرة الحج، في ثالث عشر شوال .
وفيها غلا القمح إلى قريب كل كيل بثلاثين درهماً، والدبس بأكثر من ثلثمائة القنطار؛ وبلغني أن الزرع غير المسقي تلف في جميع البلاد الحورانية .
وفي يوم الاثنين ثاني عشريه خرج الوفد من دمشق إلى الحجاز، وأميرهم تمرباي القجماسي، وخرج معه حج كثير من الأروام والحلبيين والدمشقيين وغيرهم .
وفي يوم الثلاثاء مستهل ذي القعدة منها، ورد مرسوم شريف إلى دمشق، بأن الأمراء الذين أطلقوا من حبس القلعة يأتون إلى مصر، وكان قد انضم إليهم جماعة أخر من المنفيين، وقد سالموا وعاطوا بدمشق، وجميعهم بالقلعة؛ وبلغ ما يحتاجون إليه من الشعير في كل يوم ثمانية عشر غرارة، وبقي لهم كلمة وسلطة لاجتماعهم، سيما الأمير آزدمر، وقرقماس الذي كان تولى نيابة حلب .
وفي يوم السبت ثاني عشره سافر إلى مصر هذه الجماعة بعد أن حصل منهم شر كثير، من أخذ الدواب، وتسخيرها، وغير ذلك .
وفي هذه الأيام شاع بدمشق استقرار الأمير قانصوه البرجي، لأنه كان نائب البرج الذي بناه قايتباي بالإسكندرية، وكان قد نفاه الملك العادل إلى مكة، والحال أنه كان السبب في تسليم قلعة مصر له؛ ولقانصوه هذا ثلاثة أخوة خضر بك الذي ولي نيابة القدس، وخير بك الذي حبسه العادل بقلعة دمشق، وجان بلاط الذين كان دوادارا للسلطان بدمشق، ثم هرب من قصروه إلى حلب واستمر معزولاً .
وفي بكرة يوم الاثنين رابع عشره نودي بدمشق أن الأمير جان بلاط المذكور يكون نائب الغيبة بها، عن أخيه قانصوه البرجي .
وفي هذه الأيام قطعت الطرق من كثرة العرب من المفارجة .
وفي بكرة يوم الخميس سابع عشره أمر نائب الغيبة بإشهار المناداة بدمشق للأجناد والأمراء وأهل الجهاد، أن تأهبوا للجهاد في سبيل الله، وذلك لأجل العرب الذين خارج دمشق، وفي أطرافها، وتقطعت الطرق بسببهم، ووقف حال الناس من كثرة الظلم، ثم بعد أيام رحل العرب عن الطرق، وقل شرهم .
وفي يوم الأربعاء ثالث عشريه ورد الخبر إلى دمشق بأن جماعة كبسوا بيت العادل طومان باي، الذي كان يسكنه قديماً، فقبضوه، وقطع رأسه، وعلق على قلعة مصر .
وفي ليلة الخميس رابع عشريه قبضت امرأة من محلة الشويكة على خصيان حرامي، فقبض ورفع إلى نائب الغيبة، فعذب بالكلس والماء والضرب، إلى أن مات، ولم يقر، وأصله من بيت إيما .
وفي اليوم المذكور دخل من مصر إلى دمشق خاصكي صحبته خلعة لجان بلاط المذكور، بنيابة الغيبة بدمشق، إلى أن يأتي أخوه قانصوه البرجي من مكة؛ وقد أنعم السلطان بمماليك دولتباي المنفصل على النائب الآتي المذكور، فردوا قبل وصولهم إلى مصر .
وفيه شاع بدمشق أن النائب المنفصل قد ظهر في بلاد حمص، وأنه كان قد أرسل إلى السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري يسأل من صدقاته، أن يكون بمكة أو بالقدس بطالاً، فأجيب إلى ذلك؛ وكان لما جاءه الخبر بفقد السلطان العادل أخيه، تأهب للهروب، فأعتق مماليكه، وأخذ ما يقدر على أخذه، وأودع ما لا يقدر على أخذه عند خواصه بدمشق، ثم لما ورد المرسوم إليه وأمر أن يقرأه في القلعة، ضيعه إلى الليل، وتسحب، ولم يظهر أمره إلى هذه الأيام .
وفيها عزل الحاجب الكبير بدمشق؛ برد بك تفاح، الذي ولاه العادل .
وفي ليلة الجمعة خامس عشربه احترق سوق النحاسين، تحت قلعة دمشق، والربع فوقه من شرقي المدرسة التغرورمشية، إلى آخر جسر الزلابية ولم يصل لعمارة القاضي الشافعي .
وفي بكر يوم الاثنين ثامن عشره دخل من مصر إلى دمشق نقيب قلعتها الجديد، عوضاً عن يلباي، الذي كان أرسله العادل .
وفي يوم الأحد رابع ذي الحجة منها، وصل خاصكي من مصر إلى دمشق، بالبشارة بقطع رأس الملك العادل طومان باي، في يوم الاثنين رابع عشر ذي القعدة، وصحبته مرسوم شريف بتصديق بشارته، وأخبر بعض الحجازيين الآتين من مصر صحبة الخاصكي المذكور، أن الذي ألجأ طومان باي على هربه من القلعة في رمضان، أن بعض الناس أظهر بمصر، أن قانصوه خمسمائة ظهر، وكبروا لذلك فرحاً وقت المغرب، فنزل من القلعة جميع من يأكل السماط، ولم يبق مع العادل أحد، فهرب خوفاً من باب آخر للقلعة، واختفى، فتحيل عليه جماعة وتوصلوا إليه، وحسنوا له أن يعود إلى الملك، فظهر لبعضهم، فهجم عليه جماعة، منهم الأمير أرزمك خازندار جان بلاط، وبيده السيف مصلتا، فقال له: أين جان بلاط ؟ فعلم أنه مقتول، فهرب إلى فوق جدار ورمى بنفسه، فنزل إليه المذكور وقطع رأسه، وأتوا به إلى الأشرف الغوري فعلقه على قلعة مصر .
وأخبر هذا البعض من الحجازيين أن الملك الظاهر قانصوه، خال الناصر، حي باق، وهو مقيم ببرج يسبك الدوادار بالإسكندرية، وقد كان أشيع أن العادل أرسل قتله؛ وقبل هذا الخاصكي بخمسة أيام، دخل من مصر إلى دمشق، الأمير قانصوه الفاجر، الذي كان نائب صفد، حاجباً كبيراً بدمشق، عوضاً عن برد بك تفاح، الذي كان العادل ولاه .
وفي هذه الأيام وصل كتاب من مصر إلى دمشق من ابن الخشاب الطرابلسي، المعروف بمصر بصبي تمراز، يخبر فيه بأن القاضي علاء الدين بن موسى الحموي الحنفي، الذي سافر إلى مصر بعد عزله من نيابة الحنفي بدمشق، قد ولي قضاء طرابلس مستقلاً، وأن نقيب الأشراف بدمشق كان، المعروف بها بالزهري، وبمصر بان حسبي الله؛ استقر في قضاء الشافعية بطرابلس أيضاً، وفي كتابة سرها أيضاً، والحالة أنه رجل جاهل، فلا قوة إلا بالله .
ثم بعد ثلاثة أيام أظهر السيد إبراهيم، الذي كان نقيب الأشراف قبله، مرسوماً شريفاً من هذا السلطان الأشرف، بأنه قد أنهى إليه أن معه مستندات شرعية، تشهد له بأنه من ذرية ابن جني، وأنه الناظر على وقفه، ووقف غيره من الأشراف، وأن الزهري المذكور، الحاضر يومئذٍ بدمشق، وضع يده على ذلك بغير طريق شرعي، والسؤال في عزله، والاستقرار في ذلك على مقتضى شرط الواقف، فأجيب إلى ذلك، والمرسوم لكل واقف عليه .
وفي هذه الأيام رجع من مصر إلى دمشق النجمي ابن الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، واستقر والده بمصر، وقد سعى عند السلطان في قضاء الشافعية في دمشق، فلم يسمع له .
وفي بكرة يوم الخميس ثامنه دخل من مصر إلى دمشق، قاضي المالكية الشمسي الأندلسي، الشهير بابن يوسف، عوضاً عن خصمه الطولقي، وصحبته خلعة للقاضي الشافعي، وتلقاه نائب الغيبة والحاجب الكبير إلى تربة تنبك الحسني بميدان الحصى، قبل طلوع الشمس، ودخلوا به قبل طلوعها سرعة؛ وقد مر أنه تولى يوم تاسع عشر رمضان .
وفي يوم الاثنين ثاني عشره خرج من دمشق الأمير سودون الدواداري، نائباً لصفد، وخرج لوداعه نائب الغيبة، والحاجب الكبير .
وفي بكرة يوم الخميس لبس القاضي الشافعي خلعته، التي أتت على يد القاضي المالكي ابن يوسف، ثم لما نزل بيته خلعها على ابن يوسف .
وفي هذه الأيام ورد مرسوم من مصر إلى دمشق بطلب الأمير جانم مصبغة، الذي عصى مع آقبردي الدوادار، وله مدة منفي بدمشق، ليولى وظيفة رأس نوبة النوب بمصر .
وفي يوم الاثنين سادس عشريه لبس الأمير دولتباي، نائب قلعة دمشق، المشهور بخال الأسياد، خلعة للاستمرار .
وفيه وصل الخبر من مصر بعزل قاضي الشافعية الشيخ زكريا في تاسع هذا الشهر، وأعيد إليها عبد القادر بن النقيب .
وفي هذه السنة ابتدئ بحمامين جديدين في دمشق، أحدهما للقاضي الشافعي شرقي المدرسة المسمارية، والآخر لزوجة تقي الدين بن قاضي عجلون، تجاه المدرسة الطيبة، وفرغ منها سريعاً، ودخل إليهما .
سنة سبع وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق، الآتي إلى كفالته من مكة مع الحاج، قانصوه البرجي، ونائب عنه أخوه جان بلاط؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شمس الدين بن يوسف الأندلسي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، وهو منقطع في بيته، من بقايا توعك حصل له في السنة الماضية في شوالها، من طلوع في نقرة قفاه؛ والأمير الكبير الأتابك برد بك نائب صفد؛ والحاجب الكبير قانصوه الفاجر؛ والحاجب الثاني برسباي، وهو شيخ كبير؛ والحاجب الثالث شهاب الدين أحمد بن شاهين؛ ودوادار السلطان يلباي الأينالي، وهو ناظر الجيش، ووكيل السلطان، وأمير التركمان، وناظر الأسرى، ومتكلم على وقف السلطان قايتباي، وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛ ونائب القلعة دولتباي اليحياوي، خال الأسياد؛ ونقيبها، وأمير ميسرة أزدمر الأشقر اليحياوي؛ وأستادار السلطان تمراز القجماسي .
وفي يوم السبت ثامن محرمها، وهو آخر تموز، لبس الأمير يلباي الأينالي، وهو الآن دوادار السلطان بدمشق، خلعة بالاستمرار، وبنظر وقف قايتباي، وكان قد تحدث بعزله عنه.
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن للبرهان بن أبي شريف، تولى قضاء الشافعية بمصر، في تاسع عشر ذي الحجة، عوض عبد القادر بن النقيب، الذي أعيد إليها يوم عرفة، عوض الشيخ زكريا، بعد أن شاع بدمشق طلب القاضي الشافعي لأجل توليتها، وأن عبد القادر المذكور نفي إلى الواح، وكبست خلوته، فوجد فيها من المال مبلغ ثمانية وعشرين ألف دينار، وأن كاتب الخزانة أبو المنصور، الذي تولاها قريباً عن صلاح الدين بن الجعيان أنزل عن فرسه وذبح جهرة، لكونه من جهة عبد القادر المذكور، وقد يكون حمية لابن الجيعان المذكور.
وفيها أرسل نائب الغيبة إلى زوق الأمير ابن القواس، فنهبه جمالاً وغنماً وأثاثاً وغير ذلك، بحيث أنه أفقرهم.
وفي يوم عاشوراء اجتمع جماعة من أوباش الأعجام والقلندرية، وأظهروا قاعدة الروافض من إدماء الوجوه وغير ذلك، فقام عليهم بعض الناس، وترافعوا إلى نائب الغيبة فنظر: هل البدعة على من قام عليهم ؟ ووقع به، ولا قوة إلا بالله.
وفي هذه الأيام هجم العرب على أطراف دمشق فنهبت مغلاً كثيرة، وخربت بلاداً كثيرة، فقيل إن ابن القواس أغراهم، لكون نائب الغيبة نهب رزقه، وقبض على أخيه ووضعه بقلعة دمشق؛ وقيل إن ابن القواس، لما هرب وسكن ببلاد صفد، أعداؤه من العرب الذي كان في وجههم، وأخذوا ما أخذوا، وخربوا ما خربوا.
وفي يوم الخميس ثلاث عشره خرج من دمشق سرية كثيرة، ومعهم نائب الغيبة، وابن الحنش، وجندهما، وكبسوا على العرب قرب الهيجانة، وقتلوا منهم خلقاً، ونهبوا منهم شيئاً كثيراً، نساءً وأولاداً وجمالاً وغنماً غير ذلك، ورجعوا إلى دمشق، وفي يوم السبت خامس عشره أمر نائب الغيبة بالتأهب لملاقاة الحاج، ولملاقاة أخيه نائب دمشق، ورسم بأن يؤخذ من كل حارة جماعة من المشاة، أن تأخذ جامكيتهم من حاراتهم على أملاك الناس، فصادر غوغاء الحارات الناس على حسب أغراضهم، فتضرر أهل الحارات من ذلك، وشكوا إلى نائب الغيبة، فوضع على كل حارة خمسين أشرفياً، فصرفت للمشاة نحو الأربعين، فاحتاجوا فوقها نحو مثلها، وتضرر جماعات.
وفي يوم السبت ثاني عشريه خرج من دمشق نائب الغيبة وأرباب الدولة، وابن الحنش، وجنده، والزعر، لملاقاة النائب الجديد الآتي على طريق الحاج الغزاوي، وفرقت منهم فرقة، قيل لملاقاة الحاج، وقيل لكبس من بقي من العرب الذين هربوا، ومكثوا بقرية الصنمين .
وفي هذا اليوم ورد بدوي من الحاج يبشر بسلامته، وقد فارقه من الأخيضر .
وفي هذه الأيام وصل الخبر إلى دمشق بأن تقي الدين بن قاضي عجلون، الذي سافر إلى مصر، تزوج بها قريباً، ثم سافر منها ثم وصل إلى صفد، وصحبته خاصكي على يديه خلعة لنائب صفد، وأن يصل معه إلى بيروت، لينظر إلى البرج الذي جدده بها، ليرسم له السلطان بوقف وعدد .
وفي يوم الأحد ثالث عشريه ورد الخبر من مصر، بأن السلطان أراد أن يقبض على أتابك العساكر قيت الرجبي، فهرب، فقبض عى الدوادار الكبير، وعلى أرزمك، وجماعته الذين قتلوا العادل، وعلى مملوك آقبردي، الذي كان أقامه قصروه على حسبة دمشق في أيامه، وهو رجل فاجر، ثم أمر بتغريقهم جميعهم، وأنه ولي في الدوادارية الأمير أزدمر، الذي أطلق قريباً من قلعة دمشق، وفي الحجوبية الأمير خاير بك أخو نائب الشام، واستمرت الأتابكية شاغرة لهروب قيت منها، ثم ورد الخبر بأنه أعيد، وخلع عليه .
وفي يوم الثلاثاء خامس عشريه وصل تقي الدين، قاضي عجلون إلى دمشق، راجعاً من مصر .
وفي هذه الأيام قد استبطئوا كتب الحاج .
وفي بكرة يوم الأربعاء ثاثل صفر منها، دخل إلى دمشق وفد الله، وأثنوا، على أميرهم ثناءً حسناً، وأنهم عوقوا قريب الزرقاء أربعة أيام في الرجعة، وأن الوقفة كانت الجمعة، وأن أمراء الحرمين مختلفون، وأنها كانت حجة طيبة .
وفيه بعث نائب الغيبة من الكسوة، عقب مفارقة الحاج، بشنق أخي الأمير ابن القواس، الممسوك بالقلعة، نكاية لأخيه، لكونه لم يطعه، فأخرج وشنق بالمشنقة التي نقلت من الخراب إلى محلة بين النهرين، وقد كانوا أرادوا نقلها إلى المرجة، فمنعهم القاضي الشافعي لكونها تبقى قدام الكججانية، التي تحت نظره، وهي منزهه؛ فعلم الناس حينئذٍ بخراب وادي العجم وغيره من كثرة العرب، الذي كانوا محجوبين عن هذه البلاد من ابن القواس، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الأبعاء حادي عشره كان أول أيلول .
وفي يوم الثلاثاء مستهل ربيع الأول منها، دخل نائب الشام الجديد، قانصوه البرجي، إلى دمشق، بعد أن نكث، عقب مجيئه من مكة، بغزة ثم استمر مدة بالرملة، ثم لما وصل إلى قرب دمشق عرج وذهب إلى قلعة الصبيبة، ليقبض عل الأمير ابن القواس، الذي جعله نائبي الغيبة عاصياً، فحاصر القلعة عدة أيام، فلم يقدر عليهم، وتيقن أن ابن القواس ليس بها، وإنما بها حريمه، فلم يزل إلى أن أخذها بالأمان، ووضع بها نائباً، وأرسل ابن القواس إليه من يرضيه عنه بالمال .
فرجع النائب وخيم على قبة يلبغا عدة أيام، ليدخل في أول هذا الشهر، فدخل في اليوم المذكور، وتلقاه الناس على العادة، وخرج لتلقيه أيضاً زعر الصلحية، بكبيرهم المجرم الذي يدعى بالجاموس، راكباً، وبقية زعر الصالحية حوله بالعدة الكاملة، فمروا على ميدان الحصى وتعدوا على أهلها وجرحوا جماعة، فلما رجعوا قدام النائب، ونزل إلى منزلة طلبهم وقال: من أمركم بالخروج إلى ملاقاتي ؟ فسكتوا، فأمر بتوسيط كبيرهم الجاموس المذكور، فوسط في الحال، وأخذت العدد التي مع جماعته، وذهب إلى بيته فنهب، واطلع عندها على حوائج، يكون وما يكون سرقها، وأراح الله منه العباد والبلاد، وقيل إن جماعة نائب الغيبة تحيلوا على قبضه باستدعائه مع جماعة زعر الصالحية للخروج لملاقاة النائب، فلما فرغوا غمزوا عليه النائب .
وفي صبحة يوم الأربعاء ثانية أوكب النائب إلى قبة يلبغا لتلقي الخاصكي المبشر بالنيل، ودخل به إلى دمشق؛ ثم ولي عبد العزيز الاستادارية، وشرط عليه كل يوم مالاً كبيراً، فرمى على أهل ميدان الحصى قريب ألف دينار، وعلى أهل الصالحية نحو خمسمائة؛ ونادى منادٍ من قبله بأن البلاصية والزعر بطالة .
وفي يوم الجمعة رابعة صلى النائب الجمعة بمقصورة الجامع الأموي، وخلع على القاضي الشافعي خلعة بعد الصلاة، فخرج معه إلى باب الجامع .
وفي ثلث ليلة الأحد الأول، سادسه، أرسل النائب سرية لنهب أهل بيت إيما، لأجل ما بلغه أن ابن القواس وقع في يد جانباي، فخلصوه منه، فنهبوها ونهبوا معها بلد كفر حور، حتى عروا على النساء، وقبضوا على جماعة .
وفي يوم الخمس عاشره وصل من مصر إلى دمشق خاصكي لكشف الأوقاف، وتلقاه النائب وأرباب الدولة على العادة، ونزل بالقصر .
وفي يوم الأحد ثالث عشره حضر بالاصطبل عند النائب، وحضرت القضاة وراجعوه، فلم يرض إلا بالعمل بالقائمة التي بخط الشارعي، وحضرت القضاة وراجعوه فلم يرض إلا بالعمل بالقائمة التي بخط الشارعي، وفيها خمسة آلاف دينار، وافترقوا على ذلك .
وفي هذه الأيام شاع أن أركماس نائب حلب عصي، حمية لصهره دولتباي المنفصل من دمشق، وأن إبراهيم باك المنفصل عن حمص قد انضم إليهما، وأنه يخشى على السلطان منهم، ثم لم يصح ذلك، وإنما صح عزله، وأنه أتى إلى حمص مكث بها أياماً يضرب الطبلخاناة بها، وكأنه غير معزول .
وفي يوم السبت ثالث ربيع الآخر منها، وهو ثالث عشرين تشرين الأول، ختمت سنن أبي داود عل الشيخ سراج الدين بن الصيرفي بمحل المجاورة الحنفية، قرب مقصورة الخضر، بالجامع الأموي، وحضر شيخنا محيي الدين النعيمي، وشيخنا شمس الدين الخطيب المصري الحنفي، وفرق المسمع علينا علباً كثيرة فوق العشره، حلاوة صابونية ودراهم في قراطيس، وأعطاني منهم واحدة، وذلك في عدة أربعة وعشرين مجلساً، كعدد سماعة له مع والده، بقراءة القطب الخيضري على السند زين الدين بن الطحان كاتب الجرايد بسوق جقمق كان، بالجامع أيضاً .
وفي هذه الأيام دخل من مصر إلى دمشق الخواجا زين الدين بن النيربي على نظر الأسوار، ووكالة السلطان، ووظائف أخرى، قيل وصحبته مرسوم بمصادرة أهل دمشق، على مال كبير التزمه للمقام الشريف .
وفيها وقع الشر بين عبد الرحيم بن الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، وبين أخيه النجمي محمد، فجاء عبد الرحيم إلى بيت القاضي الشافعي وأخبر عن أخيه بأمور قبيحة، منها أنه يركب إلى بعض المواضع وكراز الخمر مع غلامه خلفه، فلما يعطش يقول له: استقيني، فيسقيه من الكراز، ومنه أن النائب أينال الفقيه، الذي لم يمكن من الدخول إلى دمشق، أودع عنده مالاً ذهباً قدره عشرة آلاف دينار؛ وقام معه عدو أخيه القاضي المالكي ابن يوسف، وولده، وأراد إثبات قوله في حق أخيه، واتصل ذلك بمسمع النائب؛ وسيأتي في شوال منها أنه ورد مرسوم شريف بأن يكتب ما تكلم به بحضرتهم، ثم يطلبا، ولا يمكن أبوهما من السفر معهما .
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره اجتمع النجمي محمد، والقاضي المالكي ابن يوسف، في بيت شهاب الدين المحوجب وأصلح بينهما، ثم شرع النجمي في عمل وليمة، وجاء في اليوم المذكور إلى القاضي الشافعي وترقرق له في العفو عنه، وفي أن يحضر عنده في الوليمة .
وفي بكرة يوم الأربعاء رابع عشره ركب القضاة للسلام على أركماس الواصل إلى بيته من حلب معزولاً منها؛ ثم لما قاموا من عنده أتوا إلى بيت النجمي لحضور الوليمة .
وفي ليلة الخميس خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق حريم النائب وأمه، في أبهة حافلة .
وحينئذٍ توفي محمد الضعيف، بالتصغير، الخولي، وكان حريصاً على الخير ويذكر بالصلاة على باب المساجد، ويركب في الغنم على حمارة .
وفي يوم السبت سابع عشره كبر جماعة على مملوك أراد أن يأخذ حمل تبن من رجل تجاه خان الحصني، فذهب وشكى إلى النائب ودواداره، فرمى على الحارة مائتي دينار .
وفي هذه الأيام جعل على حرة باب المصلى مثلها، وعلى ميدان الحصى نحو ألف دينار، وعلى القراونة والشاغور مثلها، وهو من حين دخل إلى يومئذٍ لم تخل حارة من رمية أو رميتين، على أنه نهب معز بعض البلاد، فطرحت بأضعاف أثمانها؛ ولا قوة إلا بالله .
وفيه شاع بدمشق أن دوادار السلطان كان بمصر، مصرباي، الذي غضب عليه السلطان، وأشيع تغريقه، أنه لم يغرق وسجن بالإسكندرية، وقد برد قيده، والشباك الذي على البحر وهرب إلى مصر، وهو مختف بها نهاراً، ويظهر ليلاً، ويدور على أحبابه، وأن السلطان خائف منهم؛ وشاع أن السلطان صادر جماعات في أموالهم بسبب مساكنهم، وأنه أوقع ببعض نواب القاضي الشافعي ضرباً مبرحاً .
وفي يوم الاثنين تاسع عشره شكا للنائب بعض عمال بيت ابن منجك، ببعض بلادهم، على قاسم بن إبراهيم بن منجك، وهو أرشدهم الآن، والمتكلم على أوقافهم، فطلبه النائب فرئي ضعيفاً، فطلب خصمه إلى النائب إحضاره، وأكد عليه في ذلك، فأحضر، وحادثه النائب فسقط ميتاً، فأخرج إلى بيته وغسل وكفن وحمل إلى تربتهم، بمحلة جسر الفجل، فدفن عند أبيه وجده؛ وخلف أخاً اسمه أحمد، وابن أخٍ اسمه عبد القادر، وهو أرشد منهما، يشتغل بالعلم، لكنه ينسب إلى البخل .
وفي هذه الأيام وصل الخبر إلى دمشق، بأن دولتباي، المنفصل عن نيابتها، المطرد في البلاد، قد أنعم عليه بنيابة طرابلس، وأن النجمي الخيضري، والرضي الغزي شكا عليهما أحمد، الجابي بسوق المارستان النوري، في مصر، وساعده شمس الدين الصفدي هناك؛ وبأن يعتقل بدر الدين بن الباسوفي بمرسوم شريف، لكونه كتب وصية لبعضهم .
وفي يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى منها، رضي النائب على الأمير ابن القواس، وخلع عليه .
في يوم السبت ثانيه نهب جماعة النائب بلد دمر، وأخذوا موجودهم .
وفي يوم الخميس رابع عشره اجتمع أهل حارة ميدان الحصى، وأهل حارة الشاغور، بمصلى العيدين، واصطلحوا، وتحالفوا على نائب الشام وجماعته، لكثرة ظلمهم .
وفيه وقع أهل الشاغور ببعض جماعته، وأرادوا قتله فبلغه، فأخرج إليهم جماعة من المماليك، فأرادوا الوقوع بهم، فخرج إليهم قاضي المالكية ابن يوسف، وجماعة من الأعيان، فأسمعوهم القبيح وهموا بالوقوع بهم ثم وقعوا ببعض المماليك، ثم علت كلمة الزعر والعوام، وطمعوا في النائب، فأرسل إليهم نائب القلعة يخفضهم، فلم يلتفتوا إليه، وقالوا: لم نرجع عنه إلا أن يدفع إلينا الأستادار عبد العزيز، وابن الفقهاعي، وأخا جوهر نقيب المحتسب؛ وباتوا على ذلك، وكان جان بلاط أخو النائب غائبا في نهب بعض البلاد، فبلغه الخبر، فأتى ليلاً وأراد الانتقام، فبلغه علوّ كلمة الزعر والعوام، وأنهم قتلوا جماعة من المماليك، وأصبحوا يوم الجمعة وقد اجتمعوا بالعدد، ثم لم يصلّ غالبهم الجمعة، وطلبوا شر الترك، ودربوا الحارات ورجعوا على الترك، فلبسوا وخرجوا إليهم، فوقع الطعن بينهم، إلى أن جرح من الترك جماعات، وقتل كثير منهم.
ثم في يوم السبت اجتمعوا أيضاً، فتبيّن خوف النائب منهم، وظهر عجزه، فخرج أخوه جان بلاط من غربي دمشق، وأتى إلى القبيبات من طريق قينية، وظنّ خلوّها، وأنهم حاضرون الوقعة، وأنه ينهبها، فخرج إليه جماعات منها وأرادوا قبضه، فهرب، وقد زاد شرّ العوام من كثرة ما حصل عليهم من الظلم، فأرادوا الهجم على النائب وعلى أخيه، ففرّق الليل بينهم؛ فأرسل النائب إليهم جماعة، منهم نائب القلعة، والحجّاب الثلاثة، والقضاة الأربعة، وشيخ الإسلام تقي الدين، إلى مصلّى العيدين، فاجتمعوا بأكابرهم وأجابوهم إلى ما سألوا من ترك المشاهرة، والرمي على المساكين، وترك الظلم، وقتل البلاصية، فرضوا بذلك، ثم ركبوا من المصلّى، ووقع حينئذٍ بعض العوام ببعض البلاصية، فقتله وحرقه، وعلت شوكتهم.
وفي ليلة يوم الاثنين خامس عشريه أمر النائب نائب بعلبك ابن بيدمر، فأصبح مشنوقاً، وكان الناس فيه صنفان. - وفي هذا اليوم أمر النائب بإشهار المناداة بتقوى الله تعالى، ولا ظلم ولا عدوان، والمحتسب ومعه نحو عشرين مملوكاً خلف المنادي راكبين.
وفي يوم الأربعاء رابع جمادى الآخرة منها، بعث النائب وراء كبير زعر الشاغور، المشهور بابن الطباخ، وطايبه وعاتبه، وخلع عليه قشر جوخ، وشرط على نفسه أنه لم يبق يرمي دية مقتول على غير من لا تجب عليه، ووقع الصلح على ذلك، واطمأن الناس بعد أن كانوا تريّبوا من النائب وغدره، وتريّب هو أيضاً منهم بأن يبطشوا في أخيه جان بلاط، أو نحوه من الظلمة، وأيضاً فإنه تعطل عليهم أمور البلص، ولم يبق بلاصيّ يذهب إلى شغل لهم، فما وسعهم إلا المداراة.
وفي يوم الجمعة سادسه، بعد صلاتها، سافر أخو النائب، جان بلاط، إلى مصر، قيل مطلوباً، وقيل غير ذلك، قابله الله، فكم خرب من بلد ونهب من أموال، وما كان سبب هذه سواه، فلما رجع دوادار النائب من توديعه، أضافه زعر مصلّى العيدين به في آخر النهار المذكور.
وفي يوم الاثنين سادس عشره كتب النائب على تجّار القسي والنشاب والسيوف والسيور، أن لا يبيعوا منها شيئاً إلا للتّرك فقط، وأخذ القسامة ووضعها في جيبه، فتريّب الناس من ذلك، سيما وقد أعاد البلاصي ابن الفقهاعي على عادته، وهو أحد من كانت الفتنة بسببه، وطلب العوام من النائب قتله.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره أولم أهل الصالحية لدوادار النائب وليمة حافلة، حضرها غالب أهل دمشق، بحيث غلقت أسواق كثيرة، كما أولم له زعر ميدان الحصى، ثم القبيبات، ثم الشاغور، ثم باب المصلّى. - وفي يوم الأربعاء خامس عشريه نهبت قرية المزّة، بسبب كلب طلبه بعض أعوان أستاذها دوادار السلطان، فامتنع صاحب الكلب من إعطائه وتخاصما، فأمر أستاذها بطلبه، فإن امتنع فاقطعوا رأسه وأتوا به، فذهبوا وأتوا برأسه إلى الدوادار المذكور، بعد أن قتل واحد عن جماعته، فاستعان بالنائب في نهبها، فأعانه وبعث جماعة فنهبوا وفسدوا. - وفيه شاع بدمشق أن رجلاً، يقال له إسماعيل بن حيدر الصوفي، استولى على بلاد تمرلنك وغيرها، وهو ماش على البلاد، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الاثنين مستهل رجب منها، لبس النائب خلعة الشتاء خضراء بفاوى، أئته من مصر. - وفي هذه الأيام شاع بدمشق عزل قاضي الحنفية بدر الدين بن الفرفور، وإعادة محبّ الدين بن القصيف. - وفي ليلة الأربعاء ثالثه جاء جماعة من عشير ابن الحنش إلى الميدان الأخضر، فتريّب أهل الحارات من غدر النائب لهم وتهيّئوا لقتاله.
وفي بكرة يوم الخميس رابعه لبس النائب خلعة أيضاً، حمراء بسمّور على العادة، جاءته على يدي أزبك النصراني، وهذه الخلعة كانت قد أخرجت له قبل تلك الخضراء، لكن تأخر النصراني بها، حتى ألبس نائب صفد خلعته، ثم أتى إلى دمشق فألبسها للنائب من قبّة يلبغا على العادة، ولم يخرج الناس للفرجة عليه على العادة، وبلغه أنهم تريبوا من العشير، وأنهم قد سمعوا أيضاً بأنه قد خرج من مصر خاصكي لطرح مال على أهل دمشق، فإن سمعوا وإلا أمر بالركوب عليهم بالعشران، فلما سمع ذلك أمر بإشهار النداء: بأنه لا ظلم ولا عدوان، والماضي لا يعاد، واطمأن الناس بذلك.
وفي بكرة يوم الاثنين ثامنه لبس محبّ الدين بن القصيف خلعة قضاء الحنفية، وقريء توقيعه بالجامع على العادة، وتاريخه رابع عشر جمادى الآخرة منها.
وفي يوم الثلاثاء تاسعه أتى النائب إلى حمّام القاضي الشافعي الجديد، وعمارته جوار المسمارية، وأضافه هناك ضيافة هائلة.
وفي هذه الأيام سقط قاضي الحنفية الآن، محبّ الدين بن القصيف، عن قبقابه فأنقلت رجله، ولم يكمل عشرين يوماً من توليته، ثم فوّض لإمام النائب الشريف شهاب الدين بن البخاري المكي الأشقر، إمام الحنفي بالحرم المكي، وقد أتى إلى دمشق صحبة النائب منها.
وفي بكرة يوم الاثنين ثاني عشريه، وهو آخر كانون الثاني، لبس النائب خلعة أخرى، جاء بها خاصكي، اسمه سيباي دوادار سكين، من مصر، وفي حال مروره بها شكا محمد الخباز، المشهور بالشاطر، على قاتل ولده محمد بالمسجد وهو جالس بجنبه معه سكين، فقبض عليه دوادار النائب في الحال، وظن الناس أن النائب يأمر بتوسيطه، فما كان إلا أنه دفعه إلى الشرع، فعلم الشاكي العجز، فصفح عن القاتل .
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه قرئ المرسوم الذي أتى على يد الخاصكي المذكور، فإذا فيه رمية على أهل دمشق ظلماً، نحو مائة ألف دينار، فنفر الناس من ذلك، فلم يزالوا إلى جعلت ثالثين ألف دينار، فلم يلتفت الناس إلى ذلك، وامتنعوا عن الطاعة .
وفي صبحة الاثنين تاسع عشريه خرج ابن الفقهاعي برددار النائب، الذي ألهب الخلق ظلماً، إلى الحمام، فخرج جماعة فقتلوه عدماً، وسر الناس بقتله لكثرة ظلمه، ولله الحمد .
وفي هذه الأيام كثرت مراحعة الناس للنائب فصمم على الثلاثين ألف دينار، فأخلى الناس منازلهم، وعزلت حوانيت دمشق، وغلقت الأسواق، فحط الأمر على عشرين ألف دينار على جميع دمشق، وحاراتها، وأهل الذمة .
وفي يوم الأربعاء مستهل شعبان منها، سافر قاضي المالكية شمس الدين بن يوسف، إلى دمشق .
وفيه ورد مرسوم شريف بأن يحضر الأمير أركماس، المنفصل عن نيابة حلب، ويسمع المرسوم؛ إن شاء بالقلعة، وإن شاء عن نائب الشام، فأبى إلا أن يرى المرسوم لإشارة بينه وبين السلطان، فأمر النائب بالقبض عليه، فهرب من بيته، فأرسل الحاجب الكبير ونائب القلعة ودوادار السلطان إلى بيته في صبحة يوم الخميس تاسعه، فلم يصلوا إلى بيته إلا بحريق الباب الغربي، ودخلوا بيته، فأخذوا الخيل والسلاح والأثاث؛ وذلك مع غلق الأسواق وتكالب الناس على النائب وأكثروا الدعاء عليه .
ثم في يوم السبت والأحد ثاني عشره رجع غالب الناس، أو بعضهم، إلى منازلهم وحوانيتهم على تخوف من النائب، وظنوا أنه ترك طلب المال الذي كان رماه عليهم .
وفي يوم الخميس سادس عشره ابتدئ في جبي المال المذكور، الذي رمي على الحارات .
وفي يوم السبت خامس عشريه هجم والي البر، ابن الحنبلية بجماعة النائب على بيت السيد إبراهيم، وقبضوه، فعراه النائب للضرب بالمقارع فرأى أثر ضرب مقارع، فسأله، فقال: قد علمت ما فعل معي جان بلاط، يعني السلطان الأشرف، لما كان نائب حلب، ثم دخل ولده، فأمر بأن يلبس ويضرب ابنه، فضرب بحضرته وهو ينظر والوالي يقرره على الحرامية السحيمية، ثم أخرجا من دار العدل إلى حبس الدم في الجديد بكشف الطاقية فقط، حافيين، قد أخذ قماشهما وأخذ عليهما من السجان ثلاثمائة درهم، بعد أن نهب بيته، وهتكت حريمه .
ثم في ثاني يوم طلب إلى دارالعدل، وأحضرت الحرامية، فبرأوها، وانزعج له الناس خوفاً من تجرئ النائب على غيره، وفرح جماعات من إطلاق لسانهما فيهم .
وذكروا أن الساعي في ذلك كريم الدين بن عجلان، ويظهر أنه يشفع فيه عند النائبي، ثم شفع في الكبير قاضي القضاة الشافعي، فأطلق في آخر يوم الاثنين سابع عشريه، واستمر ولده أياماً، ثم أطلق .
وفي بعد العصر بثلاث درج، يوم الجمعة ثاني رمضان منها، وهو حادي عشر آذار، نقلت الشمس إلى برج الحمل؛ وشاع بدمشق أن السلطان على قبض الأمير مصر باي الذي تسرب من الإسكندرية، وأظهر جماعة لهم أنهم سلطنوه، فظهر لهم بالأزبكية وأظهر الصنجق، ولعبوا به إلى أن قبض، وقتل معه ولأجله جماعة .
وفي هذه الأيام فوض قاضي الحنفية محب الدين بن القصيف لشيخنا العلامة شمس الدين بن رمضان، شيخ القجماسية، جوار دار العدل، وما كنت أظنه يقبل، ولا قوة إلا بالله .
وفي عشية يوم الجمعة تاسع عشريه رئي الهلال بدمشق، فشهدوا به، فكبر الناس قريب ثلث الليل، فأصبح العيد، وصلى النائب بالجامع الأموي، وخلع على القاضي الشافعي خلعة بيضاء .
وفي يوم الأربعاء والخميس، السادس والسابع من شوال منها، وهو الثالث عشر والرابع عشر من نيسان، حصل برد شديد صقع منه اللوز والمشمش والتفاح والجوز والسفرجل والدراقن والخوخ والعنب، قيل والشعير وبعض القمح، وذلك عقب الظلم الذي حصل بمصادرة الناس في استخراج المال على أنفسهم وأملاكهم، ووقوف الحال .
وفي يوم الخميس المذكور اجتمع الفقهاء من المذاهب على حكم القاضي شمس الدين الخيوطي المالكي بدار العدل، بحضرة النائب، لكونه استند فيه إلى إبقاء أحفاد يهودية أسلمت على الكفر، اعتماداً على مؤلف ألفه الشهاب التلمساني وسماه الحسام في الرد على عالمي الشام، عني بدر الدين بن قاضي شهبة وزين الدين خطاب وأقرانهما، والحال أنه رد عليه ابن قاضي شهبة المذكور في ورقات سماها الانتقام، ثم نقضوا الحكم المذكور .
ولما فرغ من المجلس أعطى النائب مرسوم شريف يتضمن طلب ولدي الشيخ التقوى بن قاضي عجلون، وهما النجمي محمد والزيني عبد الرحيم، لأخذ الكلام الذي أخذ تكلم به عبد الرحيم، وبلغه قاضي المالكية ابن يوسف للسلطان، وأن يكتب بذلك محضر ويرسل صحبتهما .
وفي يوم الاثنين حادي عشره خرج النائب إلى بلاد حوران، فنزل عند قبة يلبغا وصحبته ابن جان باي أمير آل مري، واستمر بها، ومعه العسكر والعشير، إلى عشية يوم الأربعاء ثالث عشره، ثم بدا له فسافر إلى المرجة ليجلس هناك .
ثم في صبيحة يوم الخميس رابع عشره رجع ثقله إلى دمشق .
وفي يوم الاثنين المذكور سافر النجمي بن تقي الدين بن قاضي عجلون إلى مصر مطوباً .
وفي يوم الخميس رابع عشره دخل إلى دمشق من مصر جماعة من الخاصكية، منفيين مقبوض عليهم، وسجنوا بالقلعة، وأخبروا أن السلطان قتل جماعة ونفى آخرين .
وفي يوم السبت سادس عشره أرسل النائب من المرج سرية من عسكره نهبوا قرية جرود، بعد أن اجتاحتكهم الصقعة فأصبحوا فقراء، لا مالاً ولا أثاثاً ولا مغلاً .
وفي يوم الاثنين ثامن عشره سافر عبد الرحيم بن تقي الدين ابن قاضي عجلون إلى مصر، تابعاً لأخيه .
وفيه بلغ النائب أن جان باي كسره أعداؤه، فأرسل النائب من المرج إلى دمشق، بأن جميع العسكر يلاقيه إلى الكسوة، غداة يوم الثلاثاء تاسع عشره، وأن يعرضوا عليه هناك، وكان شاع خروج الحاج يوم الثلاثاء المذكور؛ فلما كان بعد آذان الصبح، أرعدت شديداً من جهة الغرب، ثم أرسل المطر شديداً بحيث أن الشخص قطع بأن لا عرض ولا خروج حجاج، ثم تسحب السحاب إلى جهة الشمال، وطلعت الشمس، ففرح الناس، والحمد لله، وكان يوماً عجباً، فسبحان من هذه قدرته؛ لكن النائب لم يتغير من المرج، ولم يفعل ما نادى له .
وفي يوم السبت ثالث عشريه انتقل النائب من المرج إلى أرض شقحب .
وفي يوم الثلاثاء سادس عشريه دخل من مصر إلى دمشق الأمير خير بك، حاجب ثاني، عوضاً عن برسباي المجنون، وتلقاه القضاة الثلاثة، فإن المالكي يومئذٍ بمصر، ودوادار النائب أبو قورة، وهذا الأمير كان متسلماً لنائب الشام أينال الفقيه، الذي لم يمكن من دخول دمشق، لكون الدوادار آقبردي انضم إليه، وكان هذا الرجل بعد أن تسلم دمشق له وحكم بها أياماً هرب، وهو الذي أمر بتوسيط الفاسق أحمد بن شدود صبي محمد بن الحصني، ثم رجع هذا الأمير إلى القلعة في أوائل ذي الحجة بمرسوم شريف .
وفي يوم الأحد مستهل ذي القعدة منها، جاء جناعة من الحجاج وأخبروا بأن رحل من أذرعات، وأن الخير كثير وهم داعون لأمير العرب جانباي، وأنه على الدلي، والنائب على الفوار .
وفي يوم السبت سابعه قبل الله أحد أكابر البلاصية المتجبرين، أمين الدين بن الخياطة .
وفي صبيحة الاثنين سادس عشره دخل النائب من غيبته بالبلاد القبلية .
وفي ليلة الأحد ثاني عشريه اجتمع المجرمون الأربعة: كريم الدين بن عجلان، وأخوه، وعمر الطيرة، والقباني، عند الحاجب الثاني خير بك على المعصية، فقبض النائب عليهم ووسط الطيرة نصفين، ثم علق برجليه، وسبقه الآخر، وكذلك فعل بالقباني، وشنق ابني عجلان، وفرح الناس بذلك لكثرة شرهم .
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه، فرض النائب على غالب حارات دمشق مالاً لنفسه، بعد أن بعد أن فرغ من مال السلطان المفترض عليها .
وفي يوم الأحد تاسع عشريه دخل من حوران إلى دمشق رجل يعرف بابن رزيق، مسمرا .
وفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجة منها، سافر سيباي الخاصكي، الذي جاء باستخلاص المال الذي رماه السلطان على أهل دمشق .
وفي يوم الخميس حادي عشره ذهب محمد بن خروب العديمي، أخو عامر، بجماعته، ومعهم أعلام، ومنادٍ من قبل النائب، أنه المتكلم على زاوية الرفاعية، بميدان الحصى، مسموع الكلمة فبمجرد وصوله قام عليه نساء المتوفي، وأتوا إلى المدينة، فلم يؤخذ لهم بيد، وقال الشافعي: إنما وليته نائباً عن الطفل الصغير، ولد كريم الدين بن عجلان، في حياته، ومستقلاً بعد وفاته .
وفي هذه الأيام أتى قاضي المالكية الشمس الطولقي المعزول، الذي كان بمصر، منها إلى دمشق، وأخبر أنه اصطلح مع خصمه الشمس الأندلسي، وأنه قد ولاه نائباً له، فلم يسمح له بالحكم حتى ولاه القاضي الشافعي، لكونه ولاه في غير محل ولايته، واستمر الشمس الأندلسي بمصر .
وفيها وصل الخبر من مصر بوفاة ناظر الخاص الجديد الذي ولي النوري، الصابوني، وهو المشهور بمصر والشام بالصفدي، وإنما هو ولد المرحوم القاضي جمال الدين المرداوي النابلسي، أحد محدثي طلبة الحنابلة، وكان من الدين على جانبٍ كبير، وأفتى وكان يحفظ الفروع لابن المفلح، ثم فوض له القاضي شهاب الدين بن عبادة، وقد تعلق ولده على الظلم، بعد أن كان لا يعبأ به، فتولى جابياً على بعض الأوقاف، ثم قضاء صفد، ثم ترقى إلى أن ولي نظر الخاص، ثم توفي فجأة بالوهج، في رابع ذي الحجة المذكور .
وفي نصفه يوم السبت سافر النائب، ونهب في مروره قرية يعفور، وقتل جماعة، وهي للقاضي الشافعي .
وفي عشية يوم الثلاثاء ثالث عشريه قبض دوادار النائب تمرباي القجماسي، على كبير زعر ميدان الحصى، ابن الأستاذ، ومعه ... عند باب خوخة الخاتونية، جوار جامع تنكز، وأتى بهم إلى عند باب الاصطبل، تجاه دار العدل، فوسطهم، فهرع زعر الحارات إليه، وحصل بين الفريقين كر وفر، وأخلى جماعات من ميدان الحصى .
وفي هذه الأيام اشتد خوف زعر الحارات الأكابر كإسماعيل القرواني وأبي بكر. .. فدربوا الحارات، خوفاً من النائب، الغائب يومئذٍ بجسر زينون، أنه إذا جاء يعمل معهم كما عمل دواداره مع ابن الاستاذ، سيما وأنه سمع أنهم قد هاشوا على دواداره بسببه .
في ليلة الأحد ثامن عشريه مات محمد الطباخ، المعروف بالجريمة، فجأة، وكان من المجرمين العتاة. .. النصيري الطباخ، الذي ضربه الجان بالخلاء حين بال قائماً، ولم ينطق بعدها إلى أن مات يوم الأربعاء سابع عشري جمادى الأولى منها. .. لمحمد هذا، فاستأجر محمد هذا دكان علي، وكأنه فرح بذلك، فما أهمل عشرين يوماً حتى لحقه، والله على كل شيء قدير .
وفي هذه السنة جدد بحمام الذهب الصغير إيوان غربي، حصل به سعة، وبشرقي داخله خلاء، وبيض وزخرف فازدادت محاسنه .
سنة ثمان وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق قانصوه البرجي، وهو الآن غائب بجسر زينزن من البقاع؛ ونائب الغيبة عنه دواداره تمرباي القجماسي، المشهور بأبي قورة؛ والقضاة بها: الحنفي محب الدين القصيف، والشافعي محب الدين بن الفرفور، والمالكي شمس الدين بن يوسف الأندلسي، وهو الآن غائب بمصر، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير الأتابكي يلباي الأينالي؛ وكاتب السر محب الدين الأسلمي، وهو مقيم بالقاهرة؛ والوكيل عن السلطان، وأستادار السلطان، سعد الديار الذكري، وليها عن تمرباي القجماسي؛ ونائب القلعة دولتباي اليحياوي، خال الأسياد؛ ونقيبها. .. .
وفي يوم الأربعاء مستهل محرمها، سافر نائب قلعة دمشق، دولتباي خال الأسياد، مطلوباً إلى مصر، وصحبته التقي ابن قاضي عجلون، نجدة لولديه النجمي والزيني، اللذين رسم عليهما لأجل ما وقع منهما، بإغراء المالكي شمس الدين بن يوسف الأندلسي .
وفي يوم الثلاثاء حادي عشريه، وهو أول آب، بط بطن الصغير، ولد محمد الحامض، بالشاغور بسكين .
ووصل من النجمي بن الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، كتاب إلى أبيه إلى دمشق، ولم يعلم بسفره إليه، فوقع في يد النائب، فرأى فيه الحط على غالب المصريين والشاميين، منهم النائب وأخوه الذي بمصر، والشافعي بدمشق قاضي القضاة، فأوصله إليه، فأخذه وتأمله، فرأى عجائب وغرائب .
وفي عشية يوم الأحد سادس عشريه قبض جماعة النائب على أحد زعر الشاغور، فثار الغوغاء عليهم؛ والحال أن النائب كان رجع إلى دمشق، فذهب إليهم بعض مماليكه فرموه بعدة، فحمل إلى أستاذه، فخرج جماعة من العبيد السودان والمماليك إلى قرب الشاغور، وأطلقوا النار فيما قدروا عليه، فهرب زعر الشاغور، فقصدهم جماعات من زعر الحارات، فخرج عليهم الحاجب الكبير وتبعهم بجماعة أخر إلى حارة مسجد الذبان، فهربوا منهم، فشرع المماليك الأجلاب في كسر أبواب الدور والحوانيت ونهب ما فيها، وأطلقت النار في زرب القصب، في السويقة المحروقة، ونهبت بيوت كثيرة هناك أيضاً، من حينئذٍ إلى بعد المغرب، ثم نودي للناس بالأمان، ما عدا الشاغور وما حوله، وأطفئت النار من الزرب المذكور، واستمرت توقد في شرق الشاغور وما حوله، حتى مات في بائكة خان هناك سبع جمال بالحريق، ونهب ما في السوق وغالب الشاغور .
ثم في صبيحة يوم الاثنين سابع عشريه ركب جماعة النائب وغيره، وأكملوا حريق ما لم يحترق من الشاغور، واتسع أمر النهب، ثم نودي برد ما أخذ، وهيهات، لكن عورض جماعة فيما معهم من الحوائج الظاهرة، وأخذ منهم ووضع في أماكن ليرد على أربابه، فرد البعض.
وفيه أرسل النائب وراء أبي بكر بن المبارك، وطيب قلبه، ثم رجع .
وفي يوم الأحد رابع صفر منها، ورد الخبر إلى دمشق بأن جازان، أخا بركات سلطان مكة، خادعه أمير الحاج المصري إلى أن دخل مكة، فلم ينله مراده، فرجع إلى الحاج الشامي وطلب منهم مالاً كثيراً، فلم يقدروا عليهم، فنهبهم قبل وصولهم إلى مكة؛ وأن المصري ماكث بمكة ينتظر نصر السلطان؛ وأن السلطان عين جماعات من العسكر إلى ثلاث جهات: إلى مكة، وإلى نابلس، وإلى الشام؛ فتأهبوا ونهبوا ما وجدوه من دابة بمصر وغيرها مما يحتاجونه، ثم أبوا أن يسافروا إلا بالسلطان معهم، فأبى ذلك، وتوقف الحال في التجريدة إلى الشام؛ وأن الركب الشامي أزدمر قصد السلطان إعدامه، فشفع فيه .
وفي يوم الخميس تاسع عشريه دخل من مصر إلى دمشق الأمير برد بك دوادار الغوري بعد السلطنة، وقبله أتى، قيل نائباً لقلعة دمشق، لكونه من خواصه، وصحبته خلعة للنائب حمراء بسمور خاص، ودخلا مخلوعاً عليهما في موكب حافل .
وفي هذه الأيام رمى النائب على الناس مالاً، لأجل مشاة تخرج معه إلى حلب، تجريدة للبلاد، لأجل ما قيل من أمر الخارجي إسماعيل شاه الصوفي، مع وقوف الحال وقلة معاشهم من كثرة الظلم.
وفيها تزايدت همة القاضي الشافعي في السفر إلى مصر، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً .
وفي يوم الخميس سابع عشريه ربيع الأول دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، وصحبته خلعة لنائب القلعة برد بك، الذي دخل من مصر قريباً، وتلقاه الحاجب وبقية أرباب الدولة، ولم يركب النائب لكونه شرب شربة.
وقبلها في يوم الأحد ثاني عشريه احتقن.
وفي يوم الخميس هذا خرج خام القاضي الشافعي من دمشق إلى القبيبات.
وفي هذه الأيام توجه النائب للعافية، ونودي بدمشق ونودي بدمشق بالزينة لذلك؛ ولما قيل إن السلطان جاءه ولد، وسيأتي أن هذا الولد خطب له والده ابنة النائب سيباي؛ واستمرت الزينة، مع تضجر الناس لها، سبعة أيام، لمبيتهم عن حريمهم في الأسواق.
وفي يوم الجمعة ثامن عشريه قبض النائب على أزعر شريف من أهل الشاغور، فقطع رأسه .
وفي يوم الاثنين مستهل ربيع الآخر منها، خرج القاضي الشافعي بخلعة السفر إلى خان المنصور، عند القبق، خارج القبيبات، واستمر إلى ليلة الأربعاء ثالثه ثم سافر.
وفي يوم الجمعة بعد صلاتها ولد للقاضي هذا من سرية حبشية ولد، سمي محب الدين يوسف، باسم جد أبيه، وكان لقب أولاً جمال الدين، ثم غير. وفي يوم الأحد سابعه وصل من مصر إلى دمشق الأمير دولتباي اليحياوي، خال الأسياد، متولياً أمرة المسيرة، منفصلاً من نيابة القلعة، ومعه خلق من الحجاج الشاميين المتخلفين بمصر، وغيرهم .
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه شاع بدمشق أن الأمير قاسم بك بن حسن بك العجمي، قتل الخارجي إسماعيل شاه الصوفي، وكتب بذلك، وأرسل إلى السلطان بمصر، ولم يصح ذلك.
وفي بكرة يوم السبت سابع عشريه دخل إلى دمشق قاصد سلطان الروم بايزيد بن عثمان، وتلقاه أرباب الدولة، وزعر الحارات، ونزل بالقصر الأبلق بالميدان.
وفي يوم الجمعة رابع جمادى الأولى منها، رجع من مصر إلى دمشق الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، وصحبته ولداه اللذان تقدم ذكرهما.
وفي يوم الاثنين سابعه أتى من مصر إلى دمشق بصبي صغير، قريب التمييز، من أولاد النائب فخرج لملاقاته أخ له من أبيه بلغ التمييز، وخرج معه لذلك الحاجب الكبير، ودوادار النائب، وبقية أرباب الدولة، وكادت عمامته أن تسقط عند مصلى العيدين، فأصلحها له أخوه بعد أن وقف، ووقف عسكر أبيه بحضور الحاجب وبقية الأمراء؛ وإلى الآن لم يركب النائب، لوجع رجليه، بعد أن أدهن بالضبع الذي قلي له في الزيت، ثم أطلق النائب المحابيس، ونادي بالأمان، وترك الظلم، وأصرف جماعة من العبيد، والغريب، وغيرهم الذين كان لهم عليه جامكية للركوب معه .
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه وردت مطالعات القاضي الشافعي، بأنه دخل مصر يوم الجمعة سادس عشري ربيع الآخر، وكان يوماً مشهوداً، وأنه اجتمع بالسلطان بالقلعة يوم الاثنين تاسع عشريه، وأكرمه إكراماً زائداً، وخلع عليه خلعة بيضاء بسمور طرش، بمقلب ديالي ، وأنه رسم له بأن ينزل بمنزل المقر الشهابي سيدي أحمد بن العيني، بالقرب من الجامع الأزهر.
وفي بكرة يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة منها، دخل من مصر إلى دمشق دوادار السلطان، طراباي، وانفصل من قبله منها.
وفي يوم السبت، وهو سلخ الأمرد، ومستهل رجب منها، نودي بدمشق بإتمام عمارة البوابات التي لم تتم، والاهتمام بذلك.
وفي يوم الجمعة عقب صلاتها بالجامع الأموي، سابعه، صلى الناس غائبة على الشيخ الإمام العلامة المحدث شيخ السنة، عثما، الديمي المصري الضرير، وأكثر الناس الترحم عليه.
وفيه شاع موت الكذاب على الأكابر كثيراً، علاء الدين بن الوجيه.
وفي يوم الجمعة حادي عشريه ركب النائب وزار الشيخ رسلان وغيره من الأولياء والصالحين.
وفي يوم الخميس تاسع عشر شعبان منها، وردت المراسيم الشريفة بأن يجبى على السكاكر دراهم، لأجل ضرر العرب بأرض الحجاز.
وفي بكرة يوم الاثنين ثالث عشريه دخل من مصر إلى دمشق قاصد سلطان الروم، وتلقاه النائب إلى تربة تنم، وبقية أرباب الدولة معه، ودخل دخولاً حافلاً على يسار النائب، بخلعة بطراز ذهب، والنائب لابس خلعة حمراء بسمور خاص.
وفي ليلة الأربعاء خامس عشريه أرسل النائب دواداره، أباقورة، لمراجعة السلطان في المال المطلوب من السكاكر، لأجل ضرر العرب بأرض الحجاز .
وفي يوم الاثنين النصف من رمضان منها، خرج من دمشق أمير ميسرة، المشهور بخال الأسياد، دولتباي اليحياوي، ومعه جماعة ابن عمته نائب الشام، قانصوه البرجي، بأمره، وأن يأخذوا معهم ابن القواس بجماعته إلى أوائل الغور، ليأتي بأغنام وخيل طائفة العرب بني صخر، فذهبوا بعد أن سخروا دواب الناس، فنهبوا بني صخر وأخذوا شيئاً كثيراً؛ ثم أرادوا الذهاب إلى طائفة أخرى منهم بأرض أربد، ولم يرجعوا من الطريق التي أتوا منها، فانقلب عليهم المنهزمون بالنشاب، فأصيب جماعات كثيرة، وهرب الأتباع، وأصيب دولتباي المذكور، وذلك مع وجع النائب وشغل باله، من جهة مراجعة السلطان في أمر التجريدة إلى مكة.
وفي يوم الأحد حادي عشريه أدخل دولتباي، ابن أخي أم النائب، الذي تعدى على مال بني صخر وقتلوه، مصبرا في سحلية، قد أنتن، ودفن، من غير غسل ولا صلاة عليه، في تربة اليحاوي خارج باب الجابية، شمالي جامع حسان.
وفيه اشتهر أن الأمير أبو قورة أرسل من مصر قاصده، بأن السلطان رسم بأن تخرج من دمشق تجريدة إلى مكة من أموال النائب والأمراء، لا من مال الناس، فشرع بعض المباشرين يرسل وراء من ذكر له أن عنده بعض غنى ليقترض منه، فانحفل جماعات من المتسترين عن أهلهم .
وفي يوم الجمعة سادس عشريه وصل إلى دمشق الأمير أبو قورة المذكور .
وفي يوم السبت سابع عشريه قبض النائب على الظالم الغاشم جانبك خازنداره، ثم أطلقه يوم الاثنين .
وفي هذه الأيام اشتهر بدمشق أن بقرية قطنا عين ماء تبرئ من العاهات، فهرع الناس من الغوغاء إلى السفر إليها، رجالاً ونساءً، يغتسلون في مائها البارد، عراة وغير ذلك، وحصل بذلك لجماعات كثيرة منهم ضرر كثير، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم السبت خامس عشرين شوال منها، برز خام النائب إلى خارج دمشق، للسفر إلى عرب الحجاز .
وفيه فرغ الحمام، الذي شرع قاضي الحنفية يومئذ، محب الدين بن القصيف، في بنائه .
وفي عشية يوم الأحد سادس عشريه توفي الأمير نائب القلعة برد بك، وظن غالب الناس بدمشق أنه مسقي، فلما حضر النائب ثاني يوم بالجامع الأموي للصلاة عليه، أرسل بعض الأطباء للكشف عليه، أمسقي هو أم لا ؟ مع شاهدين، فأخبر الأطباء أنه غير مسقي، فكتب ذلك، وأرسل يخبر المقام الشريف؛ ثم صلي عليه بالجامع، ودفن بتربة النائب، جوار الشيخ رسلان .
وفيه رجع الشيخ تقي الدين بن عجلون، من عجلون إلى دمشق .
وفي يوم الأحد عاشر ذي القعدة، حضر الشيخ التقي، المذكور، بالشامية الكبيرة، بعد أن كان أعلم بالحضور يوم الأربعاء سادسه، ولما حضر جاء خبر ابنته، أنها توفيت .
وفي بكرة يوم االخميس رابع عشره خرج النائب فمن دونه من الأمراء بالعدة الكاملة، وقد فرح الناس بذلك عسى الله أن يلهمه التوبة وأقام بقبة يلبغا إلى الخميس الآتي، وقد أفسدوا زروعاً كثيرةً .
وفي هذه الأيام تواترت الأخبار بأن الدودار الكبير أزدمر خرج من مصر، وأنه وصل إلى الرملة، وأن غالب الأمراء وزعها السلطان، ليصفى له وقته ويأمن روعه .
وفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة منها، وصل قانصوه اليحياوي، الذي كان حاجباً بدمشق، ثم نائباً بصفد، وقد فوض إليه نيابة حماة، وصحبته جماعة، منهم شيخنا القاضي بهاء الدين بن الباعوني، والعلامة أبو الفتح بن أبي الفتح المصري المؤقت؛ وشيخنا القاضي بهاء الدين بن محفة، موجوعاً بالحب الفارسي، الذي خرج بعد هذه الأزمان بغالب الناس، وقد حصل له قهر بسبب أخذ السلطان منه نظر المدرسة العادلية الصغرى، لأخذ بعض وقفها، وهو بلد برقوم بلاد حلب؛ وابن أبي الفتح في محارة، ومعه آلاته الكثيرة؛ ومنه بهاء الدين بن سالم، وابن شهلا، وناصر الدين أستادار القاضي الشافعي، والكوكاجي الحنبلي .
وفي هذه الأيام رجع ثقل أمراء الذين سافروا مع النائب.
وفي بكرة يوم السبت سادس عشره دقت البشائر بدمشق وشاع أن الدوادار بمصر أزدمر وصل إلى بيسان، وأن النائب اجتمع به وخلع عليه .
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره، وهوأول فصل الصيف، حصل اختلاف شديد. .. .
سنة تسع وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق قانصوه البرجي المحمدي، وهو غائب عند الدوادار الكبير أزدمر بالغور؛ ونائب الغيبة عنه بها دواداره جانبك؛ والقضاة بها: الحنفي محب الدين بن القصيف، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، وهو مقيم بمصر، والمالكي شمس الدين بن يوسف الأندلسي، وهو مقيم بمصر أيضاً، ونائب عنه بدمشق غريمه شمس الدين الطولقي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، والأمير الكبير أتابك برد بك؛ ودوادار السلطان طراباي .
وفي يوم الاثنين ثاني المحرم منها، دخل النائب إلى دمشق راجعاً من سفرته، وهو لابس خلعته التي خلعها عليه الدوادار ببيسان كما تقدم؛ ولم يلاقه الحاجب الكبير ولا دوادار السلطان بدمشق، بل تمارضا؛ وكان قبل دخوله بيوم نودي بدمشق بالزينة، بعد دق البشائر أياماً، ثم بعد دخوله نودي بزيادة الحرص على دوام الزينة، ثم روجع النائب فيها، فرفعت .
وفيه توفي الأمير أبو طبر جوار حمام الراهب، جوار جامع التوبة .
وفي يوم عاشوراء ورد من مصر إلى دمشق مبشر، له عن مصر ثمانية أيام، بأن الأمير الكبير قيت الرجبي قبض على سلطان مكة بركات، وأتى به إلى مصر في الحديد، وصحبته الأمير سبع كبير الينبع؛ ونودي بدمشق بالبشارة، ودقت البشائر، ونودي بالزينة وفرح الناس .
وفيه توفيت زوجة القاضي نجم الدين بن مفلح الحنبلي، أم أولاده الخمسة، فحضرها النائب فمن دونه .
وفي يوم الجمعة ثالث عشره قبض النائب على جماعة من أمراء دمشق، منهم طراباي دوادار السلطان، وبرد بك أتابك دمشق، لكونهم خرجوا معه، ثم رجعوا .
وفي هذه الأيام سقط صبي صغير في جرف قناة الخواجا الموحوم ابن كامل، بمحلة السوايلة، ووضع على تلك المحلة وما جاورها نحو مائتي دينار .
وفي عشية الخميس تاسع عشره نودي عن النائب بدمشق بأن الخبز الخاص الرطل بدرهمين إلا ربعاً، وما دونه بذرة بدرهم وربع، وما دونه بدرهم، ثم أصبح الخبازون على عادة بيعهم، ولم يلتفتوا إلى المناداة، والحال أن الغرارة القمح بنحو المائتين، وبرطلوا المحتسب فسكت عنهم، ولا قوة إلا بالله .
وفي هذه الأيام عزل النائب دواداره جانبك الفرنجي، وولي فيها المحتسب، ونودي بدمشق أن الزعارة بطالة، وأن أحداً لا يحمل سلاحاً، ويلف قرعانياً، ولا يقلب ثيابه على كتفه فلم يلتفتوا لذلك .
وفي ليلة الجمعة سابع عشره خنق بن السورين، قرب باب الجابية، الشاب الملتحي محمد بن القاضي الشمسي بن الوعظ، الشهير بابن الشويحة بمخزن عصيانه، وكذلك كانت وفاة أبيه مهولة، نسأل الله السلامة في الدارين .
وفي بكرة يوم الاثنين سلخه لبس النائب خلعة حمراء بسمور، جاءته من مصر، وأتى بزعر الحارات ليمشوا بالسلاح قدامه، وقد نادى قريباً بأن أحداً لا يتعانى الزعارة ولا يحمل سلاحاً، ولا قوة إلا بالله؛ وصحبة هذه الخلعة جاءت خلعة لقاضي الحنفية بدر الدين بن أخي القاضي الشافعي، مع عبد القادر بن الشبق .
وفي يوم الثلاثاء ثامن صفر خرج النائب من دمشق بغتة بغلس بالعدة الكاملة، ونودي بعده بدمشق بأن يلحقه كل من ياكل من إقطاع السلطان، وخرج إلى جهة القبلة .
ويومئذ وصل من مصر إلى قبة يلبغا جماعة من الخاصكية، صحبة الأمير أزبك الخازندار، مارين في الرسلية إلى ملك الروم ابن عثمان؛ ثم رجع النائب .
وفي بكرة يوم الأربعاء تاسعه دخل إلى دمشق الأمير أزبك المذكور، والخاصكية معه، وعدتهم عشرة؛ وصحبته خلق من التجار المصريين، وغيرهم، ومعهم بضائع كثيرة، ولم يكلفهم أي شيء من الغرائم، ومعه أربعة رؤوس من الخيل الحاص، صحبتهم أحمال زرع البرسيم لعلفهم، لابن عثمان .
وفي يوم الخميس عاشره دخل من مصر إلى دمشق ولد النائب، مخلوعاً عليه أمرة الأربعين، وصحبته خلعة بطراز مذهب لوالده، فلبسها، ودخلا مخلوعاً عليهما دخولاً حافلاً، ولما استقرا بدار العدل، ألبس القاضي الحنفي بدر الدين بن أخي القاضي الفرفوري، خلعته التي جاءت من مصر، وانفصل المحبي من القصيف، وقرئ توقيعه بالجامع على العادة، وتاريخه عاشر محرم الماضي .
وفي هذه الأيام اتصل شيخنا القاضي محيي الدين النعيمي محضر قديم، بأن القبة والمصنع المعروفين بإنشاء السيفي طقز دمر الناصري، كافل المملكة الشامية، والمقر المحتفر في الجبل، داخلين في الحدود المعروفة بالسبع قاعات بسطح المزة؛ ورأيت في التاريخ أنه تولى دمشق بعد علاء الدين أيدغمش الناصري، نقلاً من حلب، ودخلها في نصف رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، ثم جهزه الملك الكامل إلى مصر، وتولى بعده يلبغا اليحياوي، نقلاً من حلب أيضاً، ودخل دمشق بكرة يوم السبت ثاني عشر جمادى الأولى سنة ست وأربعين وسبعمائة .
وفي هذه الأيام وضع النائب دواداره جانبك الفرنجي في الحديد، وأرسله إلى قلعة بانياس، بعد أن أخذ ماله الكثير المودع عند الرجل المغربي في حال اختفائه، فلما ظهر خاف المغربي منه، فمات خوفاً، فما أمهل حتى لحق به موتاً .
وفي يوم السبت ثالث ربيع الأول منها، توفي الدوادار الثاني للنائب وكان عنده عدة من مجرمي الوعر؛ وهكذا قبله بأيام توفي صدقة السامري، وكان عنده أيضاُ عدة من مجرمي الزعر؛ وكا منهما أراد أن يتولى مكان جانبك الفرنجي، فأراح الله البلاد والعباد منهما .
وفي يوم الأحد رابعه حضر الدرس بالشامية البرانية حضور إعلام .
وفي هذه الأيام سافر النائب وجماعته وأقام على عذرا وضمير وحرستا ومنين .
وفي يوم الثلاثاء حادي عشريه رجع النائب من منين إلى دمشق، وقد نقه ولده من مرض عرض له .
وفي يوم الخميس ثالث عشريه أمر النائب بجمع الفقراء والقراء ليقرأوا القرآن وصحيح البخاري، تحت قبة النسر بالجامع الأموي، وحضر هناك، وعن يمينه الشيخ تقي الدين قاضي عجلون، وعن يساره قاضي الحنفية البدري الفرفوري، وتحته قاضي الحنابلة نجم الدين بن مفلح، ولم يحضر أحد من نواب الشافعي، ثم مد لهم بصحن الجامع مدة هائلة نحو ألفي صحن أخذت من القاشانيين ظلماً .
وفي هذه الأيام توجه بعض حفاري مقبرة الباب الصغير للأمير نائب القلعة، في حفر مقابر جماعات لصيق القلندرية، ونقل عظامهم وجعلها بتربة له .
وفي يوم الأحد رابع عشرين ربيع الآخر دعا المدرس بالشامية البرانية .
وفيه مات أحد المجرمين الأقدمين من زعر دمشق بباب الجابية، المشهور بالغزال، ولله الحمد .
وفي هذه الأيام ذهب رجل بعشائه إلى بيته، فأغمي عليه، فأسند ظهره إلى جدار وجلس، فخرجت روحه فجاة، فحمل إلى بيته فشرع ولده في تجهيزه، فدخل إلى بيت ليأتي له بطبيب فمات فجأة، فأخرجا للصلاة عليهما معاً، وهو اتفاق غريب .
وفيها توفي الأستاذ إبراهيم بن صلاح القواس بمحلة ميدان الحصى فجأة، وكان أخوه قد توفي قبله من سنين، فجأة أيضاً .
وفيها مر جماعة بالبرية فخرج عليهم العرب فقال بعضهم لبعض: اجعلو أحدنا كالميت، وغطوه بشيء، فإذا وصولوا إلينا نقول هذا ميت ونحن نريد غسله وتكفينه ودفنه؛ فلما وصل العرب إليهم قالوا ذلك لهم، فهربوا وتركوهم تفاؤلاً، فلما أبعدوا وجدوا عنه رفقته فوجدوه ميتاً حقيقية، وهو أمر عجيب .
وفيها حسن بعض المجرمين للأمير يخشباي بأن يعمر التربة التي شمالي جامع جراح، لصيق تربة يزيد بن معاوية، التي بها قبر الإمام الخرقي، صاحب المختصر المشهور عند الحنابلة، وأن يجعلها لتربة له ولجماعته .
وفي ليلة الأربعاء رابع جمادى الأولى منها، توفي الطفل الكيس، المرافق سيدي منصور بن النائب، مطعوناً، وكان يوم الجمعة أتى صحبته والده إلى الجامع الأموي وصليا بالشباك الكمالي، وقد استحلاه الناس وحسن في أعينهم؛ وأخرج به من العمارة بالاصطبل، وصلى عليه بباب دار السعادة، ولم يدخلوا به إلى دار السور، لأنه فأل على السلطان، وذهبوا على باب الجابية، على الشاغور، إلى تربة النائب، قرب الشيخ رسلان؛ وفد خطف على جميع ما على رؤوس الحمالين من الخبز والزبيب والملح من عند باب الحابية، وحزن الناس عليه؛ فلما رجع النائب من جنازته نادى بإبطال المحرمات، على باب البريد، وأطراف الطرق، وكانت الأسواق مغلقة لأجل موت الولد المذكور، وحمده الناس على ذلك .
وفي هذه الأيام تواترت الأخبار بأن أزدمر دوادار السلطان، الذي وصل من مصر إلى مدينة أربد، وأقام خارج مصر مدة، قد دخل إلى مصر دخولاً حافلاً، وخلع عليه .
وفي عقب صلاة الجمعة ثالث عشره صلى الناس بالجامع الأموي غائبة على الشيخ العالم الزاهد شهاب لدين بن إمام الكاملية، توفي بالقدس؛ ثم صلي بعده على حاضرة خارج المقصورة .
وفي ليلة الأحد خامس عشره وقع الحريق في سوق الفراء الخشنة، واتصل إلى سوق الخلعيين، اللذين جددا بباب الحديد، أحد أبواب القلعة، ونهب ما سلم من الحريق، وذهب مال كثير وأثاث .
وفي يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة منها، أدخل مسمراً إلى دمشق، سليمان بن حافظ، العاق الذي الذي قتل الأمير دولتباي، خال أسياد، المتقدم ذكره في الماضية، ثم سلخ وحشي تبناً وطيف به .
وفي هذه الأيام اشتهر بأن النائب أمر بالمناداة بدمشق، بأن يتهيأ الناس لأمر الحج، وأن المائب هو الذي يسفرهم بنفسه .
وفيها تزايد الطاعون .
وفيها كثر المطر والبرد، واستمر إلى ليلة السبت حادي عشريه، ثم جاءت زيادات كثيرة حتى غرق طواحين كثيرة، وذهب ما فيها، وكذلك حوانيت كثيرة، من تحت القلعة إلى قرب دار الفراديس، وفاضت عين دار البطيخ، وخربت بيوت وطباق كثيرة، وفقد الخبز وغلا لقلة الطحن، والجملة فلم ير في هذه الأيام مثلها قط .
وفيها ورد الخبر من مصر إلى دمشق بأن القاضي الشافعي عزل تقي الدين بن زهير ، الشهير بابن قاضي زرع، عن نيابة القضاء لأمر أوجب ذلك عنده .
وفي يوم الثلاثاء مستهل رجب منها، حصل بين السيد إبراهيم نقيب الأشراف، وبين شهاب الدين الرملي، قلقلة، فشكا عليه إلى النائب، فغضب عليه وأسمعه كلاماً غليظاَ، لما رأى من تحبره، ووضع في الترسيم إلى أن شفع فيه قاضي الحنابلة نجم الدين بن مفلح، ومفتي دار العدل كمال الدين بن حمزة .
واستمر المطر من هذا اليوم إلى ثاني عشره، حتى تهدمت بيوت كثيرة، وانقطعت الأسباب .
وفي يوم الخميس سادس عشره دخل من مصر إلى دمشق عدة خاصكية، صحبة أحدهم خلعة الشتاء للنائب، فلبسها من المصطبة، التي مقابل مسجد القدم .
وفي أواخر هذا الشهر أخبر شخص أن ريحاً أتت بقرية سخنين، فقلعت زيتوناً كثياً نحو ألفين أصل، واقتلعت فارساً من سرج فرسه، ورمت به إلى الأرض، فتعلق بأصل شجرة مقطوعة، ورمت رفيقاَ له ماشياً فمات، وأنها أخذت الكلب معهما وطارت بذلك كله في السماء، قيل حتى ألقته في بحيرة طبرية، وأن جماعة رأوا ذلك .
وفي ليلة يوم الخميس مستهل شعبان منها، هرب جماعة أمراء من حبس القلعة بحبال دليت، فلما تعالى النهار دل عليهم، فأتي بهم .
وفي هذه الأيام صودر البرددار ابن الأقفالي، ونائبه البعني، وغيرهما من جماعة النائب .
في صبحة يوم الخميس ثاني عشريه دخل من مصر إلى دشمق الخواجا زين الدين بن النيربي، مخلوعاًَ عليه بأمرة الحاج؛ وصحبته مشد النائب، وعلى يديه خلعة للنائب بنفسجية بمقلب سمور، فدخل الثلاثة بخلعهم إلى دمشق على العادة .
وفي يوم السبت مستهل رمضان منها، أدير لمحمل على العادة القديمة، خارج سور دمشق .
وفي يوم الأربعاء ثاني عشريه فجع شيخنا محيي الدين النعيمي بولده بدر الدين، وميلاده رابع صفر سنة خمس وتسعمائة؛ وفي يوم الجمعة ثامن عشريه بابنته حليمة، وكان عمرها أربع سنين .
وفي يوم الخميس رابع شوال منها، أدير المحمل بدمشق مرة ثانية .
وفي يوم السبت عشريه نودي بدمشق بالحجوبية الكبرى لقانصوه الجمل المصري .
وفي يوم الاثنين ثاني عشريه خرج وفد الله من دمشق، وأميرهم الخواجا زين الدين بن النيبري .
وفي هذه الأيام وردت الأخبار من مصر بعزل القاضي شمس الدين الطولقي المالكي، ومنعه من الحكم والشهادة؛ وأن خصمه في القضاء شمس الدين بن يوسف الأندلسي لم يعلم أين هو، واشتهر بدمشق أنه غرق، وبعضهم يقول خنق، وقد مر أن الطولقي هذا إنما أذن له القاضي الشافعي في الحكم بدمشق، وأما نائب المالكي شمس الدين بن الخيوطي فإنما كان أذن له الحنبلي، وهو مستمر في الحكم، والقاضي الحنبلي شاع بدمشق عزله ببهاء الدين بن قدامة، واستمر ممتنعا إلى الآن .
وفي هذه الأيام غضب النائب على سراج اليدن بن الصيرفي فتراضاه، ثم منع شمس الدين ابن الخيوطي، فالمذهبان الحنبلي والمالكي شاغران، والشافعي غائب بمصر، وعوضه سراج الدين المذكور، والحنفي سيتعين في بيع الأوقاف بعز الدين بن حمدان، وبتاج الدين محمد بن القصيف، ولأجل ذلك فوض إليهما بخلاف عمي جمال الدين بن طولون .
وفي يوم الثلاثاء أول ذي القعدة منها، عرض على السلطان ولي الدين بن قاضي القضاة المنهاج وغيره، وخلع عليه .
وفي بكرة يوم الأربعاء ثانيه سافر النائب بعسكر دمشق، وصحبتهم جميع آلة الحرب والحصار، وحطوا بالمرج، ثم بعد يوميات سافر إلى أرض البقاع، ولم يبق بدمشق غير دوادار النائب .
وفي هذه الأيام ولي النائب جماعات في كثير من بلدان ناصر الدين بن الحنش، بعد أن حرق بيته في قرية مشغرا، وهرب من النائب ولم يلقه، وبسبب ذلك خربت بلدان كثيرة .
وفي يوم الجمعة، يوم العيد، عاشر ذي الحجة منها، اتفق جماعة من أهل المزة على أحد عرفائها، يوسف بن الداراني، فأوقعوا فيه ضرباً بالسكاكين في بعض البساتين، ثم سحب على وجهه ورمي قرب مزار قصيبان، الذي يفتل عليه الصوف، قبلي المزة؛ ورمي بسببه على أهلها مال .
وفي ليلة الجمعة سابع عشره دخل ملك الأمراء إلى دمشق، راجعاً من البقاع، وإخراج ناصر الدين بن الحنش منها .
وفي يوم الاثنين عشرينه جاء الخبر أن الزيني عبد القادر ابن شيخ الإسلام بدر الدين بن قاضي شهبة، خرج عليه جماعة بين المنينة وسيدي شعيب عليه السلام، وقتلوه وأخذوا ما معه، ودفن عند سيدي شعيب .
وفي يوم الثلاثاء حادي عشريه ثبت على شيخنا المحيوي النعيمي تقرير السراج بن الصيرفي، لشهاب الدين بن السويدي، في نظر وقف الحافظ بن عساكر، عن الزيني المقتول، لكونه مزوجاً بامرأة من ذرية الواقف المذكور .
وفيه ثبت عليه نزول الرضي عبد الرحمن بن محمد، للسراج بن الصيرفي المذكور، عن قراءة صحيح البخاري، وقف الحاج علي بن فطيس، الكائن داخل باب الجابية .
وفي هذه الأيام نودي بدمشق على أعلام الناس بالسفر إلى تلقي الحاج، الذي أشيع عنه بدمشق أخبار مختلفة، ورمي على الحارات مال لأجل مشاة، والناس في قلق، ووقوف حال، من كثرة الخوف في غالب الطرقات، وكثرة الظلم، ومن ارتفاع سعر القمح وغلو الخبز .
وفيها ورد المرسوم السلطاني إلى دمشق بعزل الأمير قايتباي، الذي ولي أمير ميسرة، لتحريه على الأمير طراباي دوادار السلطان بدمشق، وكان قايتباي المذكور أحد المنفيين من مصر .
سنة عشر وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق قانصوه البرجي المحمدي، وقد كان عين لنيابتها سودون العجمي ولم يتم ذلك؛ والقضاة بها: الحنفي البدري الفرفوري، والشافعي عمه شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي كان الشمس بن يوسف الأندلسي، وهو مفقود بالديار المصرية، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، انفصل بالقاضي بهاء الدين بن قدامة، وهو بتربة تنم بميدان الحصى، بعد توعك حصل له في سفره؛ والحاجب الكبير قانصوه الجمل؛ والحاجب الثاني. .. وكاتب السر محب الدين الأسلمي.
وفي بكرة يوم الاثنين رابع المحرم منها، خرج النائب إلى الموكب، وتلقى قاضي الحنابلة الجديد بهاء الدين بن عز الدين قدامة، ثم دخل معه إلى الاصطبل، ونزل، وقرئت مطالعاته، ثم لبس خلعته وركب إلى الجامع وقرئ توقيعه، وتاريخه في مستهل جمادى الأولى من الماضية.
وفيه شغر غالب وظائف الحنابلة، وعزل من فيها، وقد حصل له وهم وخور من حين دخل الاصطبل، فلم يستطع الخروج من الجامع، ودخل بيت الخطابة وهو ضعيف؛ ثم دخل عليه جماعات منهم الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون.
ثم فوض لشيخ الحنابلة يومئذ شهاب الدين العسكري، بعد بعض تمنع من العسكري، وأن يعمل بعرض وبغيره، فأجابه إلى ذلك؛ ثم فوض لابن أخيه كمال الدين بعد تمنع منه، ثم دخل عليه فولاه، وهو شاب عار من العلم، ثم ذهب قاضي القضاة المذكور من الجامع إلى الصالحية، وهو ضعيف، وسكن ببيت علاء الدين المرداوي قرب بيت ابن أخيه، والمدرسة العمرية.
وفي يوم الخميس سابعه فوض الحنبلي الجديد للشيخ برهان الدين بن قاضي القضاة نظام الدين بن مفلح، وهو من أهل العلم في مذهبه، أذن له العسكري المذكور بالإفتاء، لكن علم بعلامة تدل على قلة بضاعته في العلم، حيث كتب: الحمد لله الذي ببرهانه أفلح.
وفي عقب صلاة الجمعة ثامنه نودي على سدة الأموي في الصلاة غائبة على العلامة شهاب الدين أحمد الشهير بشقير المغربي المالكي النحوي، توفي بالقاهرة من نحو شهر.
وفي بكرة يوم السبت تاسوعاء خرج من دمشق كافلها قانصوه المحمدي، بعسكر دمشق، بالعدة الكاملة والسلاح اللبوس، إلى تلقي الوفد، من أجل الخوف عليهم من العرب، ولم ير قدامه من القضاة غير قاضي الحنفية البدري الفرفوري.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره اتقع مشائخ البقاع، وقتل منهم خلق كثير، وقتل الأمير جانبك الفرنجي الأصل، الذي كان دواداراً للنائب، قتله المقدم ناصر الدين بن الحنش.
وفي يوم الأحد سابع عشره، وهو سلخ حزيران، توفي الخاصكي، الذي أتى قريباً لأجل مصادرة الأوقاف، بعد أن أخذ غالبها، ثم شرع نائب القلعة في استخراج الباقي .
وفي يوم الثانين ثاني صفر الخير منها، وصلت كتب الحاج إلى دمشق، وأخبروا بأن الوقفة كانت الجمعة؛ وأن سلطان مكة بركات منع أولاً الوفد المصري من وقوف عرفة، ثم سمح لهم بشرط ألا يمكثوا في مكة إلا إلى اليوم الثالث، وأنه كان معه عرب كثير، فاشتروا مقايضة من تجار الوقد شيئاً كثيراً .
وفي يوم الأحد ثامنه دخل إلى دمشق المحمل، والنائب، وعن يمينه أمير الوفد، وعن يساره الحاجب الكبير؛ وأخبر الحاجب أن نائب القدس كانت له بيضاء في تلقي الوفد، ووصل عسكره وعسكر النائب إلى قريب معان، وحصل للوفد بذلك فرح عظيم، وأن النائب أقام بالحسا إلى أن وصل إليه الوفد .
وفي هذه الأيام ضرب المحب الأسلمي كاتب السر، ويوسف ناظر الجوالي، ضربهما خاصكي جاء من مصر، اسمه تمراز الجوشن، على مال للسلطان، وهما محبوسان بالقلعة .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره أتى من مصر خلعة للنائب حمراء بسمور خاص، فلبسها ودخل بها على العادة، ثم أحس بألم في بدنه، فتفي ليلة اليوم العاشر من لبسها .
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره توفي الحنبلي ابن عم ابن ظهيرة المكي، ببيت خطابة الجامع الأموي، أتى صحبته جماعة من علماء المدينة، النبوية ليعرض محفوظاته على الحنابلة، وغيرهم .
وفيه توفي رجلان مجرمان فاسقان: يوسف ناظر الجوالي، وأحد الدونة ابن سنتمر .
وفي هذه الأيام هم النائب بالتجريدة إلى ناصر الدين بن الحنش، الذي قتل جانبك الفرنجي دوادار النائب؛ ثم أحس النائب بتأثير السقم، فبعث مملوكه دواداره، وخرج صحبته الحاجب، وخرج معهما مشاة من كل حارة، كل واحد معلومة خمسون درهماً، وسافروا ليلة الاثنين ثالث عشريه، ثم أخذ النائب في الضعف، فحق ومنع الناس من الدخول إليه .
وفي هذه الأيام فوض قاضي الحنفية لعلاء الدين بن المحب بن القصيف، بعد أن نزل له عن نظر القصاعين وتدريسها، اللذين تلقاهما عن أبيه قاضي القضاة المحب .
وفي أواخر ليلة الخميس سادس عشريه، وهو ثامن آب، توفي النائب وهو في عشره الخمسين، فأصبح الناس وقل الترحم عليه، لإظهاره الديانة لهم، وإغراء حاشيته على أخذ أموالهم، ولا قوة إلا بالله .
وفي بكرة اليوم المذكور جهز وصلى عليه، وخرج ابنه ووالدته في جنازته، ودفن قبر الشيخ رسلان في تربته .
وفي يوم الجمعة سابع عشريه رجع الحاجب الكبير، ودوادار النائب، والمشاة، ونودي للحاجب بنيابة الغيبة .
وفي يوم السبت ثامن عشريه توفي الخاصكي تمراز الجوشن، الذي عذب ناظر الجوالي يوسف، وكاتب السر الأسلمي، بعد أن كاتب إلى مصر يسأل أن يستقر حواطاً على تركة النائب، فلم يمهل بعدها مدة يومين .
وفيه قتل العواني بمحلة ميدان الحصى، محمد شاه بن قاسم الحلاق، واشتهر ببيت السنجاري .
وفي هذه الأيام خلع نائب الغيبة على جماعة من مشائخ الحارات .
وفي ليلة الأربعاء، بعد عشائها، ثالث ربيع الأول منها، أتى جماعة من الغوغاء إلى زاوية الخوارزمية، تحت كهف جبريل بالجبل، فأخذ اثنان منهم في طعن شيخنا محمد العجمي، الشهير بالطواقي، بالسكاكين في مواضع كثيرة، ثم ذبح، فقامت الأصوات، فذهبوا عنه خوفاً، فضمته زوجته وابنتاه إلى جانب من الزاوية، وذهبوا عنه إلى أقرب بيت إلى الزاوية، فعاد الغوغاء إليه فأخذوا رأسه، قيل وقلبه أيضاً، ورموا جثته بالبئر بالزاوية؛ فلما طلع النهار جاء الناس إليه، فلم يجدوه، ثم رأوه بالبئر فأخرج وغسل وكفن ودفن بالزاوية .
فكثر الأمر والكلام فيه، فنودي من قبل دوادار السلطان، بالأمان، وأن لا يتكلم أحد فيما لا يعنيه، فغلب على ظن الناس أن قتله كان بإشارة الدوادار المذكور، فإن المقتول كان النائب يكرهه، وكان يتكلم في المظلومين وينصرهم، ويراجع الدوادار وغيره، فلما مات النائب طمع فيه وسلط عليه هذه الغوغاء من الزعر، وخرج الحشدية إلى موجوده من مؤن بيته، فأخذوه وتركوا زوجته وابنتيه؛ وقرر السراج بن الصيرفي نائب الشافعي في نظر الزوية لابن البقاعي، ووقفها حمام العين، شرقي الشامية البرانية .
وفي يوم الخميس رابعه كان عيد الجوزة .
وفي مات الظالم السمسار الشهير بأخي جوهر، تنقب للمحتسب، وتعاون للظلمة مراراً .
وفي يوم السبت سادسه سافر قاضي الحنابلة المنفصل نجم الدين بن مفلح .
وفي عشية الخميس حادي عشره ذهب أكبر أعوان الظلمة، محد بن الأقفالي، إلى ميدان الحصى، ليسعى في ترتيب مال على أهل المحلة، لكونهم قتلوا أحد العوانية، محمد شاه بن قاسم الحلاق المتقدم، فلما رجع وصار قرب المزار المشهور بصهيب الرومي، خرج عليه وعلى من معه جماعة، فضربوه بالسكاكين ثم السيف فأعدموه، ومشاة أخر ممن معه، ثم سحب إلى قرب باب المصلى، ثم حمل في نعش إلى قرب نصف المصلى فانخرق النعش به، فسقط، ثم سحب وأدخل به من أحد أبواب المصلى إلى أن وضع بنهير قليط شرقي المصلى، ثم سحب ووضع بين المقابر بعد العشاء، ثم أتى جماعة من أعوانه فحملوه ليلاً في نعش وأتوا به بيته .
فلما أصبح يوم الجمعة ثاني عشره غسل وكفن وحمل على أعناق الحمالين، فرجمه العوام، وكانت ساعة مهولة، وقيل إنه سقط، ورجعوا به ودفن في مقبرة مرج الدحداح، في قبر يدخل فيه ماء قليط، ولا قوة إلا بالله؛ ثم حصل بين الناس وبين نائب الغيب قلاقل كثيرة، وهم أن يكبس على أهل الميدان، وتحصل أهل الزعارة للشر والنهب، ثم خفض على نائب الغيبة نائب قلعة دمشق .
وفي يوم الأحد رابع عشره وقع نائب الغيبة برجلين تاجرين بسوق جقمق، أحدهما ابن الموقع، وضربهما مبرحاً بالمقارع، لكونهما دعوا لأهل الزعارة؛ ثم في عشيته نودي من قبل نائب قلعة دمشق بالأمان، وأن المقتول محمد بن الأقفالي من بعض الكلاب .
وفي يوم الأربعاء سابع عشره وقع نائب الغيبة بشاب شريف، وهو ابن السيد أحمد الصواف، من حارة العبسيين، فوسطه من غير جرم، فثار عليه الغوغاء وهجموا على حارة العبيد، الذين كانوا تسلطوا على الناس بالبلص والنهب، ويمشون قدام النائب وغيره، فقتلوا جماعة منهم، ونهبوا ما في بيوتهم، وبيوت من حولهم، قرب بيت نائب الغيبة الحاجب، وكادوا أن يقعوا به، فنادى نائب القلعة للناس بالأمان، وأن الحاجب بطال، وأن دوادار السلطان يتكلم في نيابة الغيبة، إلى أن يأتي من مصر أمر يعتمد عليه، فهمد الغوغاء ورجعوا .
وفي بكرة يوم الخميس ثامن عشره أتى من مصر هجان صحبته مراسيم ومكاتبات، قرئت بقلعة دمشق، وفيها الإنكار على أفعال النائب المتوفى، فيما كان بلغنا عنه من الأجحاف بالناس، وأن فلان بمصر هو الحواط يأتي قريباً، أنه لم يتعين إلى الآن نائب، والوصية بالناس .
وفيه جاء الخبر أن القاضي الشافعي، شهاب الدين بن الفرفور، تولى قضاء مصر أيضاً في رابع شهر ربيع، مضافاًَ لقضاء الشام .
ثم في عشيته مر مرج دوادار الحاجب بأطراف البلد، فثار أهل الزعارة، وهجموا بالزحف على الحاجب .
وفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر منها، ثارت الغوغاء وقفلوا المدينة وما حولها، وأرادوا إبطال الجمعات من الجوامع .
وفي هذه الأيام توفي الرجل الشريف الشمسي محمد بن سرار الشاغوري، ثم العاتكي، بصالحية دمشق .
وفي يوم الجمعة سابع عشره بعد صلاتها، صلى غائبة بالجامع الأموي على الشيخ الصالح الخاشع الناسك محمد الغزاوي، بمدينة الرملة، كان نفعه متعدياً، وكان كثير القرى بزاويته بجلجولية للغراباء .
وفي يوم الخميس ثالث عشريه نودي بدمشق بإبطال المفارد القرمانية والعثمانية لكثرتها، وقلة الأنصاف، والمفارد الدمشقية .
وفي يوم السبت خامس عشريه، وهو خامس تشرين لأول، وقع بعض مطر دمشق، وهو أول مطر هذه السنة .
وفي يوم الخميس مستهل جمادى الأولى منها، نبش النائب المتوفى من نحو شهرين، قانصوه البرجي، من قبره وأولاده المتوفين، وصبروا، وسافر حريمه وأمه معهم إلى مصر في قفل كبير .
وفي قبيل عشاء الآخرة من ليلة الثلاثاء سادسه قتل إبراهيم بن أحمد بن الأريحي على باب داره، وهو آت من السوق تبعه جماعة من الزعر ...
وفي ليلة الاثنين هجم جماعة من الحرامية على قيسارية القواسين، وقتلوا بوابها عثمن بن الصغيرة، وأخذوا من حانوت واحد نحو ثلاثين قوساً .
وفي يوم الاثنين المذكور دخل من مصر إلى دمشق الأمير قلج، متسلم دمشق للنائب الجديد سودون العجمي المصري، وهو من أنيته، وصحبته قاضي المالكية الشمسي الطولقي، بعد شغور الوظيفة عن نائب له مدة .
وفي ليلة السبت سابع عشره احترق جانبا الطريق، الحوانيت والطباق، من قبلي مسجد الرأس، إلى عند الدخلة، التي يدخل منها إلى المقدسة .
وشاع في هذه الأيام بدمشق أن سيباي نائب حلب عرض عراضة عريضة، وأراد استخدام مشاة بمال كبير من الناس، ووافقه بعض مشائخ الحارات، ولم يوافق باقيهم، وأظهر أنه يجرد على ابن رمضان، وفي الباطن خلاف ذلك، لما سمع أنه عزل وطلب إلى مصر ليكون أمير مجلس، عوض سودون العجمي، الذي عين لنيابة الشام، وأن نائب حلب هو خير بك حاجب الحجاب بمصر، وذهب متسلمه بحلب، حتى شاع بدمشق عصيان سيباي المذكور، وأنه لم يسلم حلب للمتسلم المذكور، وشاع أيضاً عصيان نائب طرابلس دولتباي، الذي عاد إليها قريباً، وكذلك جانم نائب حماة، والله أعلم .
وفي يوم الخميس ثامن عشريه ورد مرسوم شريف بتحليف الأمراء بقلعة دمشق، بأن يكونوا على جهة السلطان وعمده، فأطاع جماعة ودخلوا القلعة وحلفوا، وتخلف جماعة، منهم أركماس، الذي كان غائباً عن دمشق مدة، وكان النائب المتوفى حرق بيته، ثم لما توفي النائب شاع بدمشق بأنه سعى في النيابة، ثم لما شاع تولية سودون العجمي دخل هو دمشق وتضاعف؛ وممن تخلف عن دخول القلعة والحلف أيضاً الأمير جانم مصبغة، والأمير قايتباي، والأمير يخشباي، فتريب غالب الناس، وانتقل جماعة من الأمراء من خاج المدينة وسكن داخلها، فازداد تريبهم .
وفي يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة منها، نودي بدمشق من قبل المتسلم بأن الأمراء والمستقطعين، في يوم الأربعاء الآتي، يعرضون بآلة الحرب الكاملة؛ وشاع بأن نائب القلعة ودوادار السلطان بدمشق، وكذا بقية المباشرين، شرعوا في بناء سور بأبواب بأواخر العمائر، آخر القبيبات، فوقف حال الناس زيادة عل ما هم فيه، ولم يصح إلا الآن أن النائب الجديد خرج من مصر لأجل الاختلاف بيت الترك، فالله يحسن العواقب .
وفيه حض قاضي الحنفية والمالكية والمتسلم وغيرهم بالمصلى، وحلفوا الغوغاء من أكابر الزعر بأنهم من جماعة السلطان، بشرط أن يوضع في كل حارة أمين .
وفيه نودي بأن أحداً لا ينتقل من بيته .
وفيه نودي أيضاً ان المعمارية النجارين والحجارين، كلهم يبيتون بالقلعة .
وفيه شاع بأن المخذول دولتباي نائب طرابلس، وصل إلى حمص وأنه قبض على صهره نائبها، وأنه توجه بعسكر نحو ألف نفس إلى حماة، وإلى الآن لم يصح خروج نائب الشام من مصر، والناس في شدة .
وفي ليلة الخميس سادسه وصل من حماة نائبها جانم، هارباً بنفسه إلى دمشق، وهو يبكي على بناته بكاءً شديداً، قال: لعلمي بفسق دولتباي؛ ثم رفع إلى قلعة دمشق .
وفي اليوم المذكور وسط بالسيف أحد المجرمين صيور بن محمود، وأراح الله منه العباد والبلاد، وكان له مدة مستخفياً، فوقع في يد بعض الغوغاء فحصروه وجرحوه وأرادوا قتله، فقبض عليه الأمير قلج متسلم دمشق، فكثرت الشكاوى عليه، فأمر بتوسيطه فوسط .
وفي يوم الاثنين عاشره اتفق رأي المباشرين أن تعرض المشاة من كل حارة، وكذلك الجند، إرهاباً للعدو، فعرض عليهم غوغاء ميدان الحصى والقبيبات بالميدان الأخضر، وازداد طغيان زعرهم، وعلموا العجز من أرباب الدولة .
وفي يوم الخميس ثالث عشره قام بالشاغور أزعرهم أبو طاقية، وجمع زعر الغوغاء وما حولها من القرى، وزعر بقية حارات دمشق، وأخذوا من أموال الناس شيئاً كثيراً، وأولموا لهم الطعام، وساعده الأمير أركماس الذي أتى إلى دمشق قريباً، معزولاً، لم يعط مناه من تولية نيابة الشام، وأعاره شيئاً كثيراً من آلة الحرب، ثم خرجوا أطلاباً أطلاباً، بترتيب يعجز عنه أرباب الدولة، حتى عرضوا بالميدان الأخضر، فاستقل الترك بأنفسهم، وخلع على أبي طاقية وجماع أخر، ثم رجعوا وقد شاطوا وعاطوا في طلب نفقاتهم من الناس، ولم يبق للترك عندهم حرمة، فلا قوة إلا بالله .
وفي يوم الأحد سادس عشره ركب الأمير قلج متسلم دمشق وألبس جماعته، وخرج معه مشاة أرسلهم له ابن الحنش، ودار بهم حول دمشق، وبين يديه مناد ينادي بالأمان، وترك حمل السلاح، وأن لا يتعدى أحد على أحد، وتهدد أهل دمشق بأن العدل لا يعجبهم، وتوعد المجرمين لما رأى من أكابرهم الغوغاء في العرض، وأخذ أموال الناس بالصدم تارة، والقهر أخرى، فخافوا حينئذ، واطمأن الناس بعض الشيء، سيما وشاع بدمشق خروج النائب من مصر، والله أعلم بصحة ذلك .
وفي يوم الاحد ثالث عشريه، وهو أول كانون الأول، تواترت الأخبار بأن نائب حلب سيباي المعزول منها، يحاصر قلعتها، وأن دولتباي بحماة قد استخدم خلقاً كثيراً، فوجل أهل دمشق ووقف حالهم .
وفي يوم الاثنين رابع عشريه أشاع نائب القلعة والمتسلم وغيرهما، بأن نواب السلطان لدمشق وحلب وطرابلس، وعسكر السلطان بمصر، خرج الجميع منها قاصدين كفالاتهم، ودقت البشائر بذلك بدمشق، وكبست الخمامير .
وفي ليلة الثلاثاء خامس عشريه هجم الحرامية على سوق المارستان الخلعيين، وأخذوا من حانوت واحد مالاً عيناً وقماشاً بنحو ألف دينار .
وفيها احترق حانوت بسوق قصر حجاج، قبلي النخلة، شمالي خان ابن الحارة، وتدارك الناس النار فلم يحترق غيره .
وفي يوم الخميس سادس عشريه ورد مرسوم شريف بعزل المتسلم المتقدم ذكره، وأن يرجع إلى مصر؛ وشاع تولية سيباي المنفصل عن حلف كفالة دمشق، وقيل أن السلطان كان قد انعم عليه بها، فلما بلغه محاصرة قلعة حلب عزله؛ وأن قيت الرجبي اختفى من مصر؛ وأن الأتابكية الكبرى عينت لسودون العجمي، المنفصل متسلمه عن دمشق .
وفيه نودي بنيابة الغيبة للحاجب بدمشق، قانصوه الجمل .
وفي يوم الثلاثاء تالسع رجب منها، وصل من مصر شهاب الدين بن أحمد بن بري، وأخبر أن القاضي الشافعي فوض لتقي الدين بن قاضي زرع .
وفي ليلة السبت ثالث عشره سافر المتسلم المذكور إلى مصر .
وفي يوم السبت ثالث عشره دخل من مصر إلى دمشق خير بك، أخو قانصوه البرجي، واشتخر بأنه نائب حلب؛ ودخل صحبته نائب القدس بجماعته، ونائب غزة بجماعته؛ وخل صحبتهز قاضي الحنابلة بدمشق النجمي بن مفلح .
وكان متسلم سيباي، المنفصل عن نيابة حلب، قد وصل إلى مصطبة السلطان، فأصبح يوم الأحد رابع عشره دخل دمشق عل عادة أمثاله، فلما استقر باصطبل السلطان، وذهب عنه الحاجب الكبير قانصوه الجمل وغيره، وذهبوا إلى قصر السلطان، إلى عند خير بك، هاش مماليكه الحاضرون، وحضرت طائفة من عند خير بك وسلوا السيوف، وضربوا في حاشية المتسلم، ونهبوا ثقلهم، ودخل طائفة منها إلى المتسلم عقب جلوسه بحضرة القضاة، وخرجوا به إلى قصر السلطان إلى عند خير بك .
كان ذلك والقلعة محصنة بآلة الحرب، ونائبها طومان باي بالشباك ناظر له؛ ثم بعد ساعة، وقد أتى به جماعة من الترك وهو راكب على هيبته، فدخلوا إلى القلعة من باب الفرج بإشارة نائبها لهم بذلك، ثم نودي بالأمان، وأن أي من ظلم أو قهر فعليه بملك الأمراء خير بك .
وفي يوم الجمعة رابع عشريه، عقب صلاتها بالجامع الأموي، صلي غائبة على قاضي المالكية بصفد، الشيخ العالم جمال الدين عبد الله السبتي، وأخبر أحد ولديه الزيني عبد القادر، الحاضر بدمشق، وأن ميلاده سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وأن وفاته بصفد يوم الأربعاء ثامن عشره .
وفي هذه الأيام صح أن أول رجب الأحد لا الاثنين .
وفي يوم الأربعاء خامس عشريه وردت الأخبار بمصر بالقبض على أتابك العساكر قيت الرجبي، وحبس بالإسكندرية، ومعه ابن سلطان جركس، وبالقبض على أخيه طراباي دوادار السلطان بدمشق، العامل على قتل الشيخ الطواقي، فرفع إلى قلعة دمشق؛ فنودي له بذلك؛ كل ذلك وخير بك نائب حلب نازل بقصر السلطان، وحوله نائبا القدس وغزة، ومعهما نائب صفد، ونائب حماة الهارب من دولتباي، وطرابلس شاغرة .
وفي هذه الأيام اشتهر تولية قانصوه روح لو نائب غزة، الذي أتى صحبة خير بك نائب حلب، نيابة طرابلس؛ وتولية يخشباي المعزول بدمشق نيابة صفد، وسودون الدوادراي نيابة حلب .
وفي بكرة يوم الاثنين سلخه لبس الأمير أركماس، من قبلي خارج دمشق، خلعة خضراء، بكمين مذهب خاص، وكلوتة بطرفين خاص، على كنبوش خاص، بتقليد كفالة الشام، بعد عزل سودون العجمي، أرسلت الخلعة إليه من مصر، وهو حاضر بدمشق. بحضور نائب حلب الأمير خير بك، أخي النائب المتوفى بدمشق قنصوه البرجي، وركب معه عن يمينه، ودخل دمشق على العادة، لكنه كان بوماً بارداً بنزول بعض مطر مخلوط ببعض ثلج، وسير تحت قلعة دمشق على العادة، ثم أتى باب السر وصلى على جسره على العادة، ثم دخل الاصطبل، ثم نادى حسب المرسوم الشريف بإبطال المحرمات، ولو كانت لأي أمير كان، بتهديد شديد، وأن لا يحمل أحد سلاحاً، وفرح الناس بهذه المناداة .
وفي يوم الجمعة رابع شعبان منه، سافر من دمشق خير بك نائب حلب إليها، ومعه جماعة من زعر الحارات .
وكان في مستهله، يوم الثلاثاء، نادى بإبطال القرابيص النحاس من الفلوس، ثم أكذ المناداة في هذا اليوم .
وفي يوم الاثنين سابعه ضرب المائب الجديد جماعة من زعر الحارات بالمقارع وأشهرهم بدمشق .
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره دخل إلى دمشق عدة رؤوس جماعة من المحاربين، كانوا مكروا بجماعة قلعة الصبيبة، وسبوا حريمهم، فقبض عليهم الأمير يونس بن القواس، وأرسلهم إلى دمشق .
وفي يوم الجمعة خامس عشريه نودي بدمشق بإبطال مشاهرة المحتسب، وفرح بذلك الناس، ودعوا للنائب .
وفي ليلة الأربعاء مستهل رمضان منها، خنق رجل صالح، د جعل بواباً للقيسارية، التي من أيام قريبة أخذ منهما مال كثير، وضرب بوابها، وصودر ناظرها قطب الدين بن سلطان، وهي قيسارية الخواجا ابن الرسام جوار الطبرية، فأصبح ميتاً، والقيسارية المذكورة مفتوحة، وقد أخذ منها أيضاً مال كثير، ولم يسلم منها إلا مخازن يسيرة، وصودر أهل المحلة بمال كثير أيضاً .
وفي بكرة يوم الجمعة ثالثه، عقب صلاتها، صلي غائبة بالجامع الأموي، على الشيخ العالم العلامة الأوزاعي، توفي بمصر .
وفي بكرة يوم الاثنين سادسه لبس أركماس نائب الشام خلعة، كاملية حمراء بسمور خاص، ولبس معه أيضاً نائب قلعة دمشق كومان باي، ودخلا دمشق جميعاً على العادة .
وفي هذه الأيام رمى النائب مالاً كثيراً على أهل الحارات، من أول حوانيت بياعين لحم البقر، وحمام الانسر، خارج باب الجابية، إلى زقاق المعاصرة، وقناة البريدي، إلى جامع الصابوني، ثم إلى خان خلق، ثم إل مزار سيدي ركب، ثم من المنجكية، قبلي مسجد الذبان، غربي خان الجواميس عرضاً، إلى آخر محلة باب المصلى، لأجل رجلين مراقي الدم شرعاً قتلاً قبل ولايته .
وفي يوم الخميس ثالث عشريه أمر النائب برجلين أزعرين مجرمين قاتلين، مع جماعة أخر، كلهم من الصالحية، قتلوا ابن الجاموس القباقبي من ايام، ثم أتنوا إلى أبيه الذي توعدهم، وهو على باب دكانه يبيع القباقيب بعمارة السلطان، وبقية أولاده عنده، فهرب من قاتلي ولده المذكورين، فتبعوه بحضرة الجم الغفير من أهل السوق فدقوه بالسيوف؛ فلم يزل النائب يتتبعهم إلى أن وقع بهذين دون رفاقهما، فأمر بتخوزقهما في أدبارهما بخوازيق غلاظ في اليوم المذكور .
وفي أواخر هذا الشهر قل اللحم والقمح، وكان النائب قد أمر بإشهار المناداة، أن من كان عنده قمح فليبعه، وإلا نهب بعد ثلاثة أيام، فمسك الناس أيديهم وتوهموا الغلاء، ثم أرسل الله رحمته بالمطر، فكثر إلى يوم الجمعة يوم العيد .
ثم في صبحة السبت مستهل شوال منها، سقط مطر وثلج، وسعرها على حاله .
وفيه نادى النائب بإبطال الخمارات، وأن أهل الذمة لا يتجاهرون بالخمر، وأنهم يحفرون لهم حفراً في حوانيتهم يجلسون فيها .
وفي يوم الخميس سابعه أدير المحمل بدمشق، على العادة .
وفي بكرة يم الأحد عاشره سلم شيخنا محيي الدين النعيمي على دولتباي، الدوادار للسلطان الجديد بدمشق، ووعظه على عادته .
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره عرفت قطعة قماش مع رجل، فسئل، فقال: أهداها لي فلان، فقبض، فاعترف بأخذ شيء من الحرام، فهدد، فأقر على جماعات وسرقات كثيرة، وأن كبيرهم رجل يدعى بالعطيمة الأقباعي، يسكن عند البادرائية، وهو متزوج ببعض جوار النائب، ويمشي قدامه، فأمر النائب بنشر القماش على حبال الخيام بحوش الاصطبل، وأمر بإشهار المناداة بأن أياً ممن سرق له شيء وعرفه يقم من يشهد ويأخذ، فعرف جماعات بعض قماشهم، فسلمه له النائب .
وفي يوم الخميس رابع عشره كان خميس البيض .
وفيه ورد إلى دمشق من البلاد الشمالية طوائف كثيرة، على قصد الحج، من كثرة الظلم في بلاهم .
وفي يوم السبت سادس عشره ورد مرسوم شريف بعزل أبي قورة من أمرة الحج الشامي بعد أن تولى قريباً فيها، بعد أن عزل الأمير قايتباي الخاصكي، أمير ميسرة كان، لأنه كان قد عين لأمرة الحج من أول رجب، فورد هذا المرسوم في هذا اليوم بإعادته ... .
سنة إحدى عشرة وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الأشرف أو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق أركماس؛ والقضاة بها: الحنفي البدري الفرفوري، والشافعي عمه شهاب الدين بن الفرفور، وهو قاضي مصر أيضاً، ومقيم بها، والمالكي الشمسي الطولقي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير الأتابكي برد بك؛ والحاجب الكبير قانصوه الجمل؛ والحاجب الثاني طقطباي.
وفي بعد صلاة الجمعة ثالث من محرم منها، صلي بالحامع الأموي ائبة على الشيخ إبراهيم القبي، توفي بالرملة، وترجم بالصلاح؛ وصلى معه على حاضرين. وفي عشية هذا اليوم أمر النائب بتوسط أحد المجرمين، شيخ حارة باب الجابية السمكري، فأراح الله منه العباد والبلاد. وفي هذه الأيام كثر الضرر على المسلمين بدمشق، بسب دائرة رجل يدعى الشرف، وحضرها ابن الكاتب الترجمان؛ وبسبب رمى مالٍ أملاك المسلمين بأجرة شهرين على كل ملك، بسب مشاة يخرجون يذبون عن الحجاج، حتى أن بعض المسلمين دعا على الحجاج بأن لا يرجعوا من كثرة ما حصل عليهم من الظلم، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الجمعة عاشوراء، فوض قاضي الحنابلة لولده، شرف الدين أبي محمد عبد الله، نيابة القضاء. وفي يوم الثلاثاء حادي عشريه خرج النائب بالعساكر والمشاة البارودية على أبهة عجيبة، ونزل قرب قبة يلبغا. وفي يوم الخميس ثالث عشريه أمر بالمناداة بأن لا يتأخر أحد، وأن من لم يخرج، يخرج إقطاعه عنه. وخرج إليه الحاجب الكبير، فخلع عليه بنيابة الغيبة، فرجع ودخل دمشق.
وفي يوم الجمعة رابع عشريه دخل إلى دمشق من البلاد السوارية مطلوباً إلى مصر، بعد أن شفع فيه، الأمير سيباي المنفصل عن نيابة حلب، قيل بعد عصيانه فيها، ثم الإنعام عليه بنيابة دمشق، وبعث متسلمه فتسلمها، ثم وصل من مصر إلى دمشق الأمير خير بك، أخو قانصوه البرجي المتوفى، مارأً، فقبض على المتسلم المذكور، فلما سمع سيباي المذكور هرب إلى البلاد السوارية، وهرب معه جماعة أمراء من حلب، فاستمروا إلى أن شفع فيها جماعة من أمراء مصر وغيرهم، فأنعم عليه بوظيفة أمرة مجلس، فأرسل متسلمه إلى مصر، ثم دخل إلى دمشق في اليوم المذكور، ومعه جماعات ونزل بالميدان، ثم ركب وأتى إلى قلعة دمشق طائعاً، وصحبته اثنان فقط، فسلم على جماعة، ثم نزل.
وفي يوم الجمعة بعد صلاتها، ثاني صفر منها، أنكر شيخنا المحيوي النعيمي على شمس الدين محمد بن المبيض القدسي، وأصله حمصي، رفع الصوت في المساجد، فاستند إلى بعض الأحاديث، وأوله شيخنا. وفي يوم الأحد رابعه سافر الأمير سيباي، المنفصل عن نيابة حلب، ثم نيابة دمشق قبل دخولها، وودعه في سفره إلى مصر نائب الغيبة وجماعة.
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن النائب والمشاة بمحلة الفوار انتصروا على عرب مهنا بن مقلد، ثم أنكسروا وعلا عليهم العرب، وقتل جماعات من الفريقين. ولم يصح عن الوفد خبر، ولم يعلم أين هم، إلا أنه شاع أنهم مقيمون بالفلاء، ثم شاع أن نائب القدس أخذهم على طريق وادي ابن سالم.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره وصلت كتب الوفد بأنهم في مشقات كثيرة، وأنهم أقاموا بمكة ستة عشر يوماً، وبالمدينة سبعة أيام، وبالفلاء ثلاثة عشر يوماً، وأنهم هبت عليهم ريح شديدة بوداي الغنائم، مات في خلق كثير، وكذا بخليص. وفيه ورد مرسوم شريف على يد بعض أعوان الظلمة، بمصادرة جماعات من الفقهاء والقضاة وغير ذلك.
وفي يوم السبت رابع عشريه دخل الوفد إلى دمشق، وأخبروا أن أمير بني لام، مسلم، وأمراء أخر، جعلوا لهم جعلاً إلى أن وصلوهم إلى الحسا فتلقاهم نائب القدس وجانباي، فأوصلوهم إلى عند نائب الشام. وفي يوم الجمعة سلخة، كان أول آب.
وفي يوم الأحد ثاني ربيع الأول منها، سافر قانصوه الجمل، المنفصل من الحجوبية الكبرى بدمشق، إلى نيابة صفد بعد عزل يخشباي منها، من غير تطويل فيها، فإنه أقام ثمة نحو أربعة أشهر. وفي هذه الأيام قبض دوادار النائب على عبد القادر بن قرنبع البلاصي، ومن جهة خازن الحارة، الذي لا مرأة من جهته فيه استحقاق، وكان وكان أخذ للجباية منه شيئاً فشكا عليه له، فصادره وأخذ منه نحو مائة وثلاثين ديناراً، وباع في ذلك حانوتيه وطبقيته بخمسة وسبعين ديناراً .
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره توفي الرجل الشرير محب الدين بن شهلا، عن ولدين رجلين، أحدهما أسود من جارية سوداء، وكان هو وولداه المذكوران قد شاطرا زائداً من حين ولي هذا النائب، ولم أدخله في نظر الجامع عامل الناس بضغائن قلبه، وفوت معاليم كثيرة فيما لا فائدة فيه، بتحسين ذلك للنائب.
وفيه ختن النائب ابنه النحو العشاري السن، وابن ابنته ابن دولتباي النحو السباعي السن، وأشهرهما بدمشق وفرح بهما. وفي ليلة الجمعة رابع عشره انخسف القمر بعد عشائها، واستمر لى نحو نصف الليل، فانجلى. وفي هذا اليوم كان عيد الجوزة.
وفي هذه الأيام قد غلا سعر القمح لانقطاع الجلب من بلاد حوران، بسب تخريب النائب لبلاد كثيرة، ونهب مغلها، ومعاداة شيوخها، لما خرج ليلقى الوفد، وصل الرطل الخبز من ثلاثة إلى درهمين، ولا قوة إلا بالله.
وفي هذه الأيام رئي مطروح في محلة القيمرية الكبيرة، فطرح على جميع الخراب مال، فضج الناس. وفيها شنق رجل نفسه قرب قناة العوني، فطرح على الأهل المحلة أيضاً مال، فضج الناس أيضاً.
وفي ليلة الأحد مستهل ربيع الثاني منها، أصبح رجل مقتولاً بزقاق المزرعة الزويزانية، فعرفه أهله، وأن رجلين أتيا إليه ليبيعاه قمحاً، فلما وصلا إلى المكان المذكور قتلاه، وأخذا ماله. وفي هذا اليوم شنق النائب شاباً من ميدان الحصى، رئي معه سكين وهو سكران. وفي يوم الأربعاء رابعه حضرت الشامية البرانية.
وفي هذه الأيام خرج النائب بعسكره، وجلس بسطح المزة، ليسافر إلى نجدة ناصر الدين بن الحنش، غير عدوه، نائب بيروت، بعد أن أرسل للنائب نهب موجوده، حتى الصابون الذي في مصابنه، وطرحه على أهل الأسواق بدمشق. ثم في يوم الجمعة سادسه أتى النائب من المزة وصلى بالأموي، ثم رجع. وفي هذه الأيام دقت البشائر بدمشق، وأشهر بأن السلطان قد عين لنائب الشام خلعة، وقيل إن ذلك حيلة في إقامة الحرمة على من زعم أن السلطان أكرم سيباي الواصل إلى مصر، وأنه يريد إعادته إلى نيابة دمشق.
وفي يوم الخميس ثاني عشره سافر النائب إلى بلاد ابن الحنش. وورد الخبر من مصر بأن سيباي ولاه السلطان أمير سلاح بمصر؛ وأن قانصوه روح لو تولى الأمرة الكبرى بدمشق، عوض برد بك المتوفى؛ وأن قايتباي الخاصكي، الذي كان بدمشق أمير ميسرة، وقد ولاه السلطان نيابة الكرك.
وفي هذه الأيام قد كثرت الرميات والمصادرات على الناس في كل محلة، بحيث ضجوا من ذلك، ووقف حال الناس، وشاط الزعر، ولم يشاركوا في رمية على الأسواف، التي قد صار غالبها من تحت أيديهم يباع لهم فيها، وهم في أكل وشرب ونهب وفساد، وفي نساء المسلمين ودمائهم وأموالهم، حتى أن فيهم جماعة قد سمنوا، ولا يمشون إلا وعلى أوساطهم الخناجر الطوال المذهبة.
وفي ليلة الأحد رابع عشره، وهو عيد الجوزة، سرق اثنان من حانوت لحمام بقصر حجاج، رأسين من اللحم وغيرهما، فرئي ذلك معهما قرب باب الجابية، فقبض عليهما، فضربهما دوادار لنائب ضرباً مبرحاً، وأشهرهما بدمشق، ثم شنقهما على باب الحانوت الذي سرقا منه. وفي يوم الخميس سادس عشريه دخل من مصر إلى دمشق قلعتها، في أبهة، وركب مع دوادار النائب، ومفتي دار العدل السيد كمال الدين بن حمزة، وقاضي المالكية، وقاضي الحنابلة.
وفي هذا اليوم أرصد العواني المجرم، الذي كان السبب في مصادرة جماعة من دمشق، المغربل، وأتبع إلى زقاق الجاورخية فقتل. وفي يوم الجمعة سابع عشريه وصل الحاجب الجديد، جان بردي الغزالي، من حلب إلى دمشق، ثم سافر إلى النائب وهو على الجسر بالبقاع، وسلم عليه، وأتى معه إلى المزة ليلبس خلعته بالحجوبية الكبرى، مكان قانصوه الجمل.
وفي يوم الخميس ثالث جمادى الأولى منها، لبس النائب خلعة الاستمرار من قبة يلبغا ودخل دمشق راجعاً من البقاع. وفي يوم الثلاثاء سادس عشره، وهو رابع عشر تشرين الأول، وقع بدمشق المطر الجديد، جعله الله مباركاً. وفي هذه الأيام شاع بدمشق عزل شمس الدين الطولقي، قاضي المالكية، وتولية خير الدين الغزي مكانه، وهو يكابر ويحكم مع كثرة ارتشائه على الأحكام الباطلة، ولا قوة إلا بالله.
وفيها وصل قطب الدين أبو اليمن محمد، حفيد قاض القضاة قطب الدين الخيضري، إلى دمشق راجعاً، وقد فوض إليه نيابة القضاة من القاضي الشافعي بمصر. وفي يوم الاثنين ثاني عشريه دخل من غزة إلى دمشق، قاضي المالكية الجديد، خير الدين أبو الخير محمد بن جبريل الغزي، بغير خلعة، وتلقاه النائب، والقاضي الحنفي، والقاضي الحنبلي، ومفتي دار العدل السيد كمال الدين بن السيد حمزة، وأرباب الوظائف، على العادة، ودخل دار العدل، وقرئ مرسومه، ثم لبس تشريفه. ثم ركب وركب الجماعة معه على العادة، وقرئ تقليده بالجامع على العادة، وفيه تجمل كثير وتاريخه ثتامن عشر ربيع الآخر منها.
وفي يوم الاثنين سادس جمادى الآخرة منها، شنق النائب الرجل المجرم أحد أعوان الظلمة، ابن المقصاتي الحمامي، شكت عليه زوجته الشريفة، وأظهرت عنده عدة الحرب والسرقة. وفي يوم الخميس سلخه شاع بدمشق أن القاضي الشافعي بمصر توفي، فظن الناس أنه العلامة زكريا، الذي تولاها ثم عمي وعزل عنها؛ وبعضهم ظن أنه البرهان بن أبي شريف، الذي تولاها بعده.
ثم في ليلة السبت ثاني رجب منها، صح أنه شهاب الدبن بن الفرفور، الذي تولاها عن البرهاني المذكور، جميعاً بينها وبين قضاء الشام، وكان قد نقد من مرضه، وجع الكبد، ثم انعكس ومات، ودفن في تربة كاتب السر ابن أجا بالقرافة، ثم وصلت كتب لده ولي الدين محمد أن والده توفي يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة، وأن في يوم الخميس تاسعه لبس التشريف المبارك بقضاء الشافعية بدمشق.
وأخبر القاصد أنه خرج من مصر يوم الخميس خامس عشره، وأن نواب والده على حالهم؛ ومسك عن الحكم شيخنا المحيوي النعيمي لكن ولي الدين فوض في غير محل ولايته، وأما بقية النواب فاستمروا على الأحكام الباطلة. وفيه شاع وفاة صاحب التصانيف الكثيرة جلال الدين السيوطي بمصر، وفي يوم الأربعاء سادسه مات أحد الشهود المتهمين بباب الجابية، ابن رمضان وترك ولدا يشهد مثله.
وفي هذه الأيام اعتقل قاضي الحنفية البدري ابن أخي اللقاضي الشافعي المتوفى؛ على مال وجد عليه في دفتر عمه، بمرسوم شريف، ووضع بجامع القلعة .
وفي يوم الجمعة ثامنه، عقب صلاتها بالجامع، وبعد الدعاء، نودي بالصلاة غائبة على القاضي الشافعي بن الفرفور وكثر الترحم عليه .
وفي عقب صلاة الجمعة بالجامع الأموي، خامس عشره، صلي غائبة على شيخ الإسلام جلال الدين السيوطي، توفي بمصر، وله مصنفات كثيرة، وهو ممن بورك له في علمه، مع شدة الدين وصلابته، وميلاده في رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، أخذ العلم عن علم الدين صالح البلقيني، والكافيجي، والشمني .
وفي يوم الجمعة ثاني عشره شعبان منها، أفرج عن قاضي الحنفية البدري الفرفوري .
وفي هذه الأيام دخل من مصر إلى دمشق الحاجب الثاني عوض طقطباي .
وفيها عزل النائب لابن الدمشقية من الأستادرية، وولاها لدواداره الكبير .
وفيها أرسل النائب سرية، فنهبوا قرية بيت سابر .
وفيها أعيد القاضي الحنفي البدري الفرفوري إلى الترسيم بالقلعة .
وفي يوم الاثنين رابع عشره، سلخ الأربعين، حصل بدار السعادة بين الحاجب جانبردي، ودوادار السلطان دولتباي، وبين النائب كلمات، توبيخاً له على تسليطه أربعة أشخاص على الناس في الظلم، وعلى تطعيمه أهل الزعارة، منهم أبو طاقية أزعر الشاغور؛ وقد شرع في هذه الأيام في بناء بوابتين قرب جامع جراح؛ وتفرق الحاجب ومن معه عن النائب، وقد أعلموه أنهم كاتبوا إلى مصر يعلمون السلطان، فخاف من ذلك، ثم سعى القضاة وغيرهم في الصلح، فأصبح يوم الثلاثاء خامس عشريه فخلع على الحاجب المذكور، وعلى نائب القلعة طومان باي، فسكنت الفتنة ثم بطل عمل البوابتين المذكورتين. وفي هذا اليوم وصل إلى القاضي نجم الدين بن الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، من سفره إلى حلب ثم إلى طرابلس .
وفيه وصل من حلب إلى دمشق محيي الدين عبد القادر بن يونس قاضي الحنفية بحلب وقد سعى في قضاء الحنفية بدمشق، وسكن في بيت المسلماني ابن زباطة بالجرن الأسود، ووضع يده على جهات الحنفية، واستخرج منها جملة .
ثم في يوم الخميس ثامن عشريه وردت مطالعات بأن خلعة البدري الفرفوري واصلة، فادعى ابن يونس المذكور أنها واصلة لنفسه لا للبدري، وأن ابن عمه الذي بصفد سعى في قضاء الشافعية بدمشق .
وفي هذه الأيام عزل النائب للشريف الذي كان ولاه الحسبة، وولاها للأشقر بن محب الدين بن شهلا .
وفي يوم الأحد أتى جماعة من محلة قصر عاتكة، ومعهم رجلان يشهدان برؤية الهلال، إلى القاضي سراج الدين بن الصيرفي، فأثبت أن اليوم المذكور أول رمضان، فنودي بالإمساك. وفي هذه الأيام أمر النائب بعمل درابزين خشب طوال، في يمنة الداخل من باب الزيارة، أحد أبواب الجامع الأموي، ومن لصيقه إلى آخر المجاز الموصل إلى الصحن، ونقر في العواميد، وجعل في الداربزين ثلاثة أبواب يدخل منها، ولم يرض بها أحد ممن يرجع إليه في الدين، ولم يكن الجامع محتاجاً إليه بل تضيق الناس به، وليس له أبهة في القلوب، وذلك من مال وقف الجامع.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره توفي الرجل المتمصلح النساج في القطن قرب المقابر الحميرية، الشيخ علي بن الخبازة البغدادي، وكان كل جمعة يجمع جماعة عليه قرب ضريح زكريا بالجامع الأموي، ويذكر بهم برفع الصوت، والله أعلم بنيته في ذلك. وفيه توفي الخواجا بميدان الحصى علاء الدين علي بن قربان الحوارني، وكان قد صدور بثلاثة آلاف دينار فحصل له قهر. وفي يوم الخميس ثاني عشره توفي أحد المولهين المجذوبين، المشهور بعويدات، كان غالب إقامته بمحلة ميدان الحصى.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره وصل من مصر دوادار القاضي الشافعي محمد، وفوض إلى شيخنا المحيوي النعيمي نيابة القضاء، في يوم الجمعة عشريه، بمقتضى مرسوم شريف، فيه الإذن من السلطان للقاضي اللؤلؤي، الفرفوري أن يفوض لنوابه بدمشق وهو بمصر، وتاريخه حادي عشري شعبان منها؛ وقد كان شيخنا امتنع من الحكم من وقت أن بلغه وفاة والد القاضي المذكور، لكنه فوض لنوابه بمصر من غير إذن السلطان، ولم يمتنع أحد من النواب غيره، وكاتب بعضهم فيه، فعذره القاضي المذكور، والعلماء عنده، وأرسل يقول له إنه سيأتيك ما يسرك .
وفي يوم الثلاثاء مستهل شوال منها، وكان العيد، شاع بدمشق أن وقع بمصر أمر عجيب، وهو أن شاباً متصوفاً متمصلحاً، اسمه محمد بن سلامة النابلسي الدمشقي، من ميدان الحصى، الذي سافر من سنين إلى بلاد الروم، ثم أتى إلى دمشق فتمصلح وأشهر نفسه، ثم سافر إلى مصر، وصحب جماعة من المتمصلحين وأشهر نفسه بالتمصلح، وشاع ذكره، إلى أن أراد الله إظهار ما هو عليه، فصحب بعض المردان كعادته بدمشق وغيرها .
فلما قرب شهر رمضان الماضي، أتي به في زي بنت، في نقاب وجلباب مدلوك ومخطوط، إلى بعض مراكز الشهود بمصر، ويطلب أن يعقد نكاحه عليها، فأجيب إلى ذلك؛ ثم بعد أيام نم عليه بعض الجيران، فخاف الشهود، فأعلموا الأمير طراباي رأس نوبة النوب، فطلبه وتفقد أمره، فوجدوه صبياً في زي بنت، فادعى أنه خنثى، فكشف عليه النساء، فلم يروه إلا ذكراً، ولم يفحصوا بأمره، فجرح تحت مخرج الذكر وزعم أنه حيض، فكشف. .. فرأوه زوراً .
فأمر الأمير المذكور بضربه بالمقارع، وإشهاره بمصر على ثور، ثم أعيد عليه الضرب، وبعث به إلى المقشرة إلى أن مات، وهذا. .. مثله، فإنا لله وأنا إليه راجعون؛ فزاد الناس في قلة اعتقادهم في المتمصلحين، وقد صرح المحققون من أهل الطريقة، أنه يجب على الولي كتمان سره، إذا كان صادقاً، فإنه أظهره سلب، فالله يصلح لنا سرنا وعلانيتنا .
وفي ليلة الجمعة حادي عشره احترق جانب عظيم من السوق المعروف بعمارة الإخنائي، غربي شمال باب الفراديس، وقف مدرسة أبي عمر وغيرها .
وفي يوم الأربعاء سادس عشره، وحادي عشره آذار، نقلت الشمس إلى برج الحمل، وهو أول فصل الربيع .
وفي يوم الجمعة ثامن عشره صادر النائب لشمس الدين الطولقي، قاضي المالكية المعزول، على أخذ مال .
وفي يوم السبت ثاني عشره سافر الوفد الشريف إلى الحجاز، وأميرهم أزدمر اليحياوي .
وفي بكرة يوم الأربعاء سلخه نودي بدمشق، من قبل جان بردي الغزالي، الحاجب الكبير بدمشق، ومن قبل نائب قلعتها طومان باي، بأن ما لكم نائب إلا الأمير سيباي أمير سلاح بمصر، الذي كان تولى نيابة دمشق، ثم عزل وطرد، ثم رضي عليه وطلب إلى مصر وولي أمرة السلاح؛ وحين المناداة ظن الناس في النائب أركماس المعزول أنه مغضوب عليه من كثرة بغضهم له، بل أشاع بعضهم أنه أخذ في زنجير إلى القلعة؛ ثم نودي بالأمان، وأن لا يحمل أحد سلاحاً؛ ثم تباشر الناس بالرخاء بعد الغلاء؛ ثم بعد ثلاثة أيام أبيع الكيل القمح بأربعين، ووجد اللحم بعد أن كان عزيزاً .
وفي يوم الأربعاء سابع ذي القعدة منها، وردت الأخبار بأنه خلع على الأمير سيباي بنيابة الشام، يوم الخميس سابع عشر شوال، قبل وصول القود والزردخانة التي أرسلها النائب المعزول .
وفي يوم الاثنين ثاني عشره دخل من مصر إلى دمشق الأمير أردبش متسلم دمشق لنائب الشام سيباي، فتلقاه أرباب الوظائف على العادة، وعليه خلعة بطراز خاص، وأبى أن يحكم: إلا أن يخرج أركماس النائب المعزول من دمشق، وإن لم يخرج وإلا دخلت إلى القلعة، وأرسل أعرف أستاذي، والمقام الشريف .
فذهب إليه جماعة فترقرق لهم في أن يصبر عليه مدة، فأبى ذلك، فذهب إليه وعرف بذلك، فامتثل خوفاً من الرمي عليه من القلعة، وركب في الحال من بيته في جماعة يسيرة على جرائد الخيل، ومر على دار السعادة في الشارع الأعظم، والناس ينظرون إليه، وقلوب غالبهم تلعنه، ونزل قريب قبة يلبغا؛ فلما علم المتسلم ذلك أمر بإشهار المنادات بالأمان، وأن لا ظلم و لاعدوان، وأن لا يحمل أحد من الزعر سلاحاً، ففرح الناس بذلك .
وكان القياس أن يختفي أركماس في خروجه من دمشق قبل وصول المتسلم، أو في يومئذ في طريق آخر، والذي يظهر ذلك عناداً منه لأعدائه، فإنه لم يصدق أن السلطان عزله، أو أنه إذا وصلت زردخانته إليه يعيده، وقيل عنه إنه مترقب ذلك، وقد استخدم خدامة كثيرة .
وفي ليلة الأحد ثالث ذي الحجة منها، توفي رئيس المتعممين الأديب الصيداوي .
وفي بكرة يوم عرفة اجتمع جماعات من القبيباي وغيرها، وأتوا بأعلام، وهم يذكرون الله، إلى الجامع الأموي، وصعدوا المئذنة، وكبروا على المتسلم الغائب يومئذ كالحاجب، عن دمشق، وذلك لأجل الرميات والغرامات على الحارات من جهة القتلى، وقصدهم أن يقابل ذوو الجرائم بجرائمهم، فأخرج لهم نائب القلعة والحاجب الثاني من حبس من أهل الحارات، ونودي بترك هذه العادة، وأنها بطالة، وفرح الناس بذلك .
وفي يوم الأربعاء، آخر أيام التشريق، ورد الخبر من مصر بأن قاضي الحنفية البدري الفرفوري على عادته، لم يعزله السلطان، ونودي له بدمشق، واستمر هو في القلعة لم يخرج، وكان ابتداء سجنه فيها في شهر رجب من هذا السنة؛ وأما خصمه ابن يونس، الذي أتى من حلب، وحكم، وفوض لجماعة، واستولى على الجهات، وتسلف منها، فله مدة أيام قد سافر صحبة تاج الدين بن ديوان قلعة دمشق، وقد آن وقت وصولهما إلى القاهرة يومئذٍ؛ وأما النائب المعزول، فقد دخلها من أيام، ولم يأت له خبر .
وفي هذه الأيام قبض على جماعة قاضي الشافعية ولي الدين، منهم دواداره، ودوادار أبيه من قبله، ناصر الدين محمد، وهدد بالقلعة، ووضع ليضرب على مال لبعض الناس، بمرسوم شريف؛ وأما أستادار أبيه القدسي ناصر الدين محمد، فصودر على مال بمصر؛ وأما الشهاب بن بري، فهرب من مصر، كما هرب من دمشق خوفاً من المصادرة؛ وأما الشريف البرهاني الصلتي، فصودر أيضاً على مال بمصر، بعد أن تخاصم مع الشهاب بن بري قبل هروبه؛ وأما الشهاب أحمد بن الشرايحي والزيني خضر شاهد وقف الحرمين، فورد فيهما مرسوم شريف من مصر بالقبض عليهما، فسجنا بالقلعة، وطلب منهما مال، قيل طلب من الأول خمسة آلاف دينار ومن الثاني ألف دينار، ولا قوة إلا بالله .
وفيها ورد الخبر بأن قاضي الشافعية ولي الدين فوض للبرهاني الصلتي نيابة الحكم بدمشق، فكملت النواب عشرة، ولا قوة إلا بالله .
وفي ليلة الجمعة ثامن عشريه فتحت أبواب السيد كمال الدين بن حمزة، وأخذ له أثاث وغيره بمال كثير، على ما قيل، مع حصانة منزله، وظن الناس أن ذلك بمعاملة أحد من المنزل، ثم قبض على جماعة، ورد عليه بعض ذلك .
وفي هذه الأيام وردت الأخبار بأن أركماس النائب المعزول وصل إلى مصر، وأن السلطان خلع عليه وأكرمه، وأن سيباي النائب الجديد خرج من مصر، وأنه واصل إلى كفالته، وصحبته قفل كبير، وأنه أخذ من كل جمل في القفل أشرفين، وعشرة لجماعته .
وفيها قبض المتسلم جماعة من الزعر، من أهل الصالحية، وأراح منهم العباد والبلاد، وشكر على ذلك .
وفي هذا العام وقعت نادرة لطيفة، وهو أن الشيخ جمال الدين السلموني الشاعر، هجا القاضي معين الدين بن شمس، وكيل بيت المال بمصر هجواً فاحشاً، من جملة ذلك هذا البيت .
وحرفته فاقت على كل حرفة ... يركب ياقوتاً على فص خاتمه
فلما بلغ معين الدين ذلك، شكا السلموني إلى السلطان، يعني الغوري، فقال له إن وجب عليه شيء بالشرع أدبه، فنزل شك السلموني في الحديد، وأتى به إلى بيت قاضي القضاة الحنفي عبد البر بن الشحنة، وادعى عليه، فضربه عبد البر وعزره، وأشهره على حمار، وهو مكشوف الرأس؛ وقد ورد في بعض الأخبار أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أول من عاقب على الهجاء؛ وقد قال بعض شعراء العصر في واقعة السلموني بيتين هما :
وشاعر قد هجا شخصاً فحل به ... من حاكم الشرع توبيخ وتعزيز
فأشهروه وجازوه بفعلته ... تباً له شاعر بالهجو مشهور
فلما بلغ السلطان ما فعله معين الدين بن شمس بالسلموني، شق ذلك عليه، ووكل به، وأمر بقطع لسان، فإنه قال: السلطان رسم لي بأن أشهر السلموني؛ ولم يكن السلطان رسم بذلك، واستمر ابن شمس في الترسيم مدة طويلة حتى أرضى السلطان بمال له صورة، حتى رضي عليه وألبسه خلعة .
ثم إن السلموني هجا عبد البر بقصيدة مطلعها :
فشا الزور في مصر وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البر قاضي قضاتها
وهي مطولة .
والذي حكى لي هذه النادرة أخبرني بوفاة العلامة جلال الدين السيوطي، بأنها يوم الخميس تاسع جمادى الأولى من هذه السنة، وقال هو عبد الرحمن بن أبي بكر الأسيوطي، وكان بارعاً في الحديث وغيره من العلوم، بلغت عدة مصنفاته نحو الستمائة، وكان في درجة المجتهدين في العلم والعمل، وكان مولده في جمادى الآخرة سنة 849، ولما مات دفن بجوار خانقاه قوصون، خارج باب القرافة، قيل لما غسل أخذ الغاسل قميصه وقبعه، فاشترى بعض الناس قميصه من الغاسل بخمسة دنانير للتبرك به، وابتاع قبعه الذي كان على رأسه بثلاثة دنانير لذلك؛ ورثاه عبد الباسط بن خليل الحنفي بقوله :
مات جلال الدين غيث الورى ... مجتده العصر إمام الوجود
وحافظ السنة مهدي الهدى ... ومرشد الضال لنفع يعود
فيا عيون أنهملي بعده ... ويا قلوب انفطري بالوقود
واظلمي دنياي إذ حق ذا ... بل حق أن ترعد فيك الرعود
وحق للضوء بأن ينطفي ... وحق للقائم فيك القعود
وحق للنور بأن يختفي ... ولليالي البيض أن تبقى سود
وحق للناس بأن يحزنوا ... بل حق أن كلا بنفس يجود
وحق للأجيال خراً وأن ... تطوى السماء طياً كيوم الوعود
وأن يغور الماء والأرض أن ... تميد إذ عم المصاب الوجود
مصيبته جلت فحلت بنا ... وأورثت نار اشتعال الكبود
صبرنا الله عليها وأولاه ... نعيماً حل دار الخلود
وعمه منه بوبل الرضى ... والغيث بالرحمة بن اللحود
وأخبرني في سابع عشري شعبان منها، خرج خارجي في الصعيد، زعم أنه من خلفاء الصوفي، وتكلم بكفريات، وطعن في القرآن والحديث، فطلب إلى مصر، وحكم شيخنا الشيخ شمس الدين الخطيب المصري الحنفي بسفك دمه، فجر، ورميت رقبته، ثم أتبعه باثنين من جماعته .
سنة اثنتي عشرة وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق سيباي، ولم يدخل الشام بل هو في الطريق؛ والقضاة بها: الحنفي البدري الفرفوري، وهو بقلعة دمشق على إكمال ما عليه من المال، والشافعي ولي الدين بن الفرفور، ابن عمه، وهو بمصر إلى الآن، والمالكي خير الدين الغزي، وقد اشترى حصة من بيت المرحوم شهاد الدين بن حجي وسكن به في هذه الأيام، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والحاجب الكبير جان بردي الغزالي؛ ودوادار السلطان دولتباي اليلبابي، وقد سافر ليلقى النائب الجديد؛ ونائب القلعة طومان باي.
وفي يوم الاثنين تاسوعاء، وهو أول حزيران، وصل من مصر النائب الجديد سيباي، ونزل تجاه قبة من جهة الغرب، ونودي بالزينة بدمشق وحاراتها، وهرع الأكابر للسلام عليه؛ واستمر هناك إلى يوم الخميس ثاني عشره فلبس على مصطبة القبق خلعته؛ وهي بطراز مذهب، ودخل دمشق، وتلقاه أرباب الوظائف على العادة، ودخل مدخلاً حسناً.
وفي يوم الجمعة أخليت له مقصورة الجامع الأموي فصلى الجمعة بها، وخلع على الخطيب سراج الدين بن الصيرفي، ونائب المرقي برهان الدين السوبيني، وهرع الناس للتفرج عليه، وشكا بعض الناس إليه كثرة الخمر، وقلة الخبز، فلم يلتفت إلى ذلك.
وفي يوم الاثنين سادس عشر محرمها أوكب النائب بناعورة كبيرة، على غير العادة، ومر على باب كيسان وزينت له الشاغور، وشكا إليه بدار العدل رجل من زوجته التي طلقها وله منها ابنتان، وأنها لم ترده إلا بعشره أشرفية، فأمر خازنداره بأن يعطيه خمسة، وأن يعطيه بعض الأغوات تتمة الخمسة عشر، ثم قال له: هذه العشره لها، والخمسة انفقها على عيالك، وكلما احتجت نعطيك؛ فاستحسن الناس ذلك منه. وفي هذا اليوم رفعت الزينة من دمشق.
وفي يوم الجمعة سابع عشريه سافر النائب الكبير إلى البقاع، للقبض على مقدمها ناصر الدين بن الحنش. وفي يوم السبت ثامن عريه وصل قاضي القضاة الشافعي ولي الدين بن الفرفور، ونزل قرب قرية في مسجد القدم، كما نزل والده هنا في هذا اليوم، لما وصل من مصر في سنة ثلاث وتسعمائة، ثامن عشري رمضان منها، وكان النائب كرتباي غائباً عن دمشق، والآن النائب سيباي غائباً عنها.
وفي يوم الثلاثاء مستهل صفر الخير، دخل قاضي القضاة الشافعي ولي الدين أبو السعد محمد بن الفرفور، وميلاده سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وفي ربيعها الأول، وتلقاه القاضي المالكي، والقاضبي الحنبلي، وأما ابن عمه الحنفي فإلى الآن بقلعة دمشق، وتلقاه أيضاً نائب القلعة، وخازندار النائب.
وفي يوم الأربعاء ثانية رتب القاضي الشافعي نوابه في الحضور عنده في الأيام، فجعل الأحد لشهاب الدين العزازي، والاثنين لشهاب الدين الرملي، والثلاثاء لأبي اليمن بن الخيضري، والأربعاء لمحيي الدين النعيمي، والخميس لتقي الدين أبن قاضي زرع والجمعة لرضي الدين الغزي، والسبت لبرهان الدين الصلتي؛ وأما النجمي ابن الشبيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، ومحيي الدين الإخنائي، وكمال الدين ابن خطيب حمام الورد، وسراج الدين بن الصيرفي فبغير نوبة، فجعله لنواب أحد عشر، وسييأتي غيرهم له.
وفي يوم الجمعة رابعه دخل الجامع، وصحبته القاضي المالكي، ونواب الحكم العزيز، وصلى الجمعة تجاه باب الخطابة، والمالكي عن يمينه والشيخ شهاب الدين بن المحوجب عن يساره، ثم حضر القاضي الحنبلي.
وفي يوم الجمعة حادي عشره دخل القاضي الشافعي إلى باب الجامع، ثم بيت الخطابة، ولبس السواد، ثم خرج فخطب للجمعة خطبة بليغة وجيزة، ثم صلى الجمعة وقرأ قراءة حسنة، فلما فرغ دخل بيت الخطابة، وخلع على المرقي، وقلع السواد، ثم خرج إلى الخانقاه السميساطية بالجماعة المذكورين، وقرئ بين يديه في تفسير القرآن، في قوله تعالى: " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله " إلى قوله " عزيزٌ حكيمٌ " ثم خلع على القارئ ثم عاد إلى بيت الخطابة، ثم في الحال رجع إلى منزله، ومر على الخانقاه المذكورة، وظهرت فصاحته وجسارته، وقوة جأشه.
وفي بكرة يوم السبت ثاني عشره زار قبر أمه بالتربة الخيضرية، قبلي مسج البص، شرقي التربة الركنية المنجكية، بمحلة مسجد الذبان. وفي هذه الأيام دخل الأمراء بين النائب وبين مقدم البقاع ناصر الدين بن الحنش في الصلح، على مال معين للنائب عليه، مع عدم حضوره عليه؛ ثم عزم على الرجوع، وسبقة الحاجب الكبير، ودوادار السلطان، وبقية الأمراء إلى دمشق، ليتجهزوا إلى قتال عرب حوران ومن معهم، ونصر طائفة منهم على الأخرى.
ونودي بذلك في يوم الاثنين خامس ربيع الأول منها، وضربت القلعية بأطراف القلعة بالبارود، فخرج العسكر بالعدة الكاملة، وهم فرق، جماعات وأفراد. وفي عشية يوم الثلاثاء سادسه رجع النائب إلى دمشق؛ ورحل عقبه من بيروت إلى دمشق الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، ثم ركب قضاة القضاة وسلموا على النائب قبيل العشاء، ثم ركب النائب من دار السعادة في النصف الأول من هذه الليلة، وهي ليلة الأربعاء سابعه، ومعه بقية العسكر، ومر على باب الجابية، ثم مصلى العيدين، والطبل الحربي بين يديه، ولما سمع العرب المطوبون ذلك، هربوا عن الطائفة الطائعة.
وفي يوم الأربعاء المذكور سلم القاضي الشافعي على الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون في بيته، وصالح بين ابنه وبين شهاب الدين الرملي، وفي ليلة الجمعة وقت العشاء عاشره، وهو سلخ تموز، رجع النائب إلى دمشق والمشاعل قدامه تضيء.
وفي عشية يوم الأحد حادي عشره خرج القضاة للسلام على كرتباي الخاصكي، الذي أتى من مصر لقبض ما على القاضي الحنفي البدري الفرفوري، وابن عمه القاضي الشافعي، والكشف على نائب القلعة، ونقيبها؛ ثم رجعوا فدخلوا على الشهاب بن المحوجب في منزله، فشفع الجميع في جلال الدين محمد بن البصروي عند القاضي الشافعي، ففوض إليه حينئذ بعد الامتناع الكلي.
وفي بكرة يوم الاثنين ثاني عشره دخل من مصر إلى دمشق، الخاصكي المتقدم ذكره، وخرج النائب لتلقيه إلى جهة قبة يلبغا، وخرج القضاة الثلاثة، ونواب الشافعي، اهتماماً لقاضيهم ولي الدين ليلبس تشريفه، الذي جاء صحبته، وليقرأ توقيعه، فلبسه بدار السعادة على العادة، وأتى على باب سر القلعة، ثم باب الحديد، ثم دخل من باب الفراديس، إلى الجامع، وصحبته نائب القلعة، والحجاب، وجلس بمحراب الحنفية على العادة، وقرأ توقيعه السراج الصيرفي، وهو توقيع مهم فيه وصايا عديدة، منها الاهتمام بأمر الشهود، وضبط أمورهم، والأوقاف وغير ذلك، وتاريخه سابع جمادى الآخرة من السنة الماضية؛ وأما قاضي الحنفية البدري الفرفوري، فهو على وظيفته، لكنه مستمر بالقلعة.
وفيه نودي بدمشق بالأمان والاطمئنان، وأن لا يشوش أحد على جلاب، وأن البلاصية المجددين بطالة، ومن كان له صناعة فليذهب إليها.
وفي يوم الأربعاء رابع عشره هاش نقيب القلعة على جماعة بها، من جهة نائبها، بسيف، وأراد قتل نائبها.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره رجع الأمير ابن علي دولة من مصر إلى دمشق، بشاش وقماش مخلوعاً عليه، قاصاً بلاده. وفي هذه الأيام تبين أن القاضي الحنفي البدري الفرفوري معزول، وأن المنفصل عنها ابن يونس هو قاضي الحنفية، وأنه عن قريب يأتي من مصر إلى دمشق.
وفي يوم الأربعاء حادي عشريه وقع شر بين القاضي المالكي، وبين كبير الشهود شهاب الدين الحمراوي، فأغلظ عليه المالكي، ثم جاء المالكي إلى عند القاضي الشافعي وأظهر المحبة له، فأمر القاضي الشافعي الحمراوي ان يقوم ويقبل بيد المالكي فأبى، ثم جاء السيد كمال الدين بن حمزة وخفض القضية، ثمر رجع المالكي إلى بيته وأمر بالمناداة على الحمراوي، بأنه ممنوع من الشهادة، ومن التكلم بين الناس، فبلغ القاضي الشافعي، ففي الحال فوض نيابة الحكم الحمراوي، كالإنكاء للمالكي، لكونه أغلظ للحمراوي حتى في حضرته، ولكونه فارقهم على ضغين، فشاط المالكي وكاد أن يسافر، فركب الحمراوي إلى الشهاب المحوجب وقاضي الحنابلة النجم بن مفلح، وهم ساعون في الصلح.
وفي يوم الجمعة مستهل ربيع الآخر منها أتى رجل أعجمي من بلاده، وقد أثبت أنه شريف، وأنه من ذرية سيدي أحمد الرفاعي، فدل على زاوية السيوفية بالصالحية الموقوف عليها، وعلى ذرية السيوفي شيخها، قرية الفيجة وقرية دير مقرن، لإتنهى للسلطانت أنها شاغر، ليس لها ناظر، فأخرج له مربعة باستقراره في النظر والمشيخة بها، وأتى بذلك إلى النائب بحضرة القضاة ومفتية دار العدل، فقال الشافعي: يرجع إلى كتاب الوقف فيعمل بما تضمنه.
والحال أن سيدي أحمد بن الرفاعي ولم يكن له عقب، ولم يكن شريفاً، وليست بشاغرة، بل أحد نظارها عمي العلامة جمال الدين بن طولون الحنفي الصالحي، مفتي دار العدل الشريف، وهو حاضر وعنده كتاب الوقف؛ فلم يساعد القاضي الشافعي أحد من الحاضرين، بل اتفق الحال على أن النائب يأتي إلى الزاوية وينظر في أحوالها، فأتى وحده إليها، ولم يعلم أحداً، فأكرمه هذا الرجل الأعجمي وجماعته، وأظهروا أن ناظرها مقصر، وأنه قد خرب ما بجوارها من العمارة، وأنه من جملتها.
والحال أنها عامرة والخراب إلى جانبها بتربة بناها الملك الناصر يوسف، بنيت قبلها بدهر وأما هذه الزاوية فبنيت في أيام ابن قلاوون، ومساعد على ذلك، مراعاة لخاطر النائب، العواني عبد الله بن القوعوني، واستمر هذا الأعجمي فيها واستولى على الوقف المذكور باليد، وأظهر الانتصار، وأراد أن يغتصب كتاب الوقف من عمي ابن طولون المذكور، فلم يطلع من يده.
وفي ليلة السبت سادس عشره فوض القاضي الشافعي لبرهان الدين إبراهيم بن محيي الدين بن يحيى بن أحمد بن ماط الزرعي، الذي اشتهر بالإخنائي، وهو شاب عار من الفضل، ولا قوة إلا بالله، وصارت جملة نواب الشافعي به أربعة عشر نائباً. وفي يوم الأحد رابع عشريه توفي البرهاني الأكتع أحد الشهود بباب مسجد البوق، كان يكتب بشماله.
وفي يوم الأربعاء سابع عشريه، وهو آخر حضور الشامية البرانية، قرأ أخونا الشاب الصالح نجم الدين بن شكم الصالحي، ما كتبه بالأمس، عند ضريح الواقفة، على الأربعين مسألة التي سأله عنها مدرسها الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، فظهر عن استحضار حسن، وفضيلة تامة، فالله يجعله من العلماء العاملين.
وفي يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى منها، دخل من مصر إلى دمشق قاضي الحنفية بها زين الدين بن يونس، عوضاً عن البدري الفرفوري؛ وقرأ توقيعه بعض الجهلة محيي الدبن بن شعبان الغزاوي، فلم يفهم غالب الحاضرين ما فيه، ولا علم تاريخه؛ وحصل له عقيب ذلك قلبه، واستمر البدري المنفصل وقد تقدم أنه فيها من رجب من الماضية.
وفي ليلة الأربعاء خامسه سافر القاضي الشافعي إلى قسم بيت سراً، ثم أتى في ثاني عشره. وفي هذه الأيام توكأ مؤذن مئذنة مسجد قناة الشنباشي، داخل باب الصغير، على الدرابزين، فسقط بها إلى أسفل، فمات.
وفي يوم الاثنين سابع عشره دخل من مصر، راجعاً، تاج الدين، ديوان القلعة، وابن ديوانها، وتلقاه أرباب الوظائف على العادة، بعد أن صودر بمال كبير، وكان سبب ذلك محب الدين الأسلمي؛ ولما كان في الطريق قبل وصوله دمشق بلغه عن زوجته، بنت العلامة زين الدين بن العيني، أنها أحدثت فاحشة في غيبته، مع الأمير طومان باي نائب القلعة، طلقها ثلاثاً، وردت إلى أهلها، ولا قوة إلا بالله؛ وهي كانت قبله زوجة عمي القاضي جمال الدين بن طولون، وتعاديا لأجلها، ثم خطبت عند تاج الدين، فلما غاب خانته.
وفيه نودي من قبل النائب أن على كل حارة عشرين ماشياً، يسافرون صحبة النائب إلى كرك الشوبك، حسبما رسم به المقام الشريف؛ فشرع عرفاء الحارات في جباية مال لهم، وتوقف حال الناس.
ثم قرئت المراسيم بعزل نائب القلعة طومانباي، ونقيبها، اللذين تخاصما فيما مضى؛ وكان أتى خاصكي بالكشف عليهما، فرسم له بأن يستمر بالقلعة يحرسها عوضهما، حتى يأتي إليه ما يعتمده، فانتقلا من القلعة.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره وقع المطر الجديد بدمشق قليلاً، وبنواحي سنين كثيراً، جعله الله مباركاً. وفي يوم الخميس عشريه فوض القاضي الشافعي إلى صدر الدين بن أحمد بن الموصلي نيابة القضاء، ولا قوة إلا بالله.
وفي بكرة يوم السبت ثاني عشريه خرج النائب بجماعة من دمشق، فسافر إلى بلاد حوران، ونزل عند قبة يلبغا. وفيه فوض القاضي الشافعي نيابة القضاة لشهاب الدين بن الحداد، الشهير بابن الملاح، فصارت عدة نوابه ستة عشر نائباً، ثم سافر القاضي الشافعي إلى بعلبك.
وفي يوم الأحد ثالث عشريه استناب النائب دواداره الكبير أردبش في نيابة الغيبة، وخلع عليه هناك، وعلى أستاداره، ودخلا دمشق، ثم سافر النائب.
وفي اليوم المذكور وصل إلى دمشق الأمير دولتباي، أخو السلطان العادل طومان باي، الذي ولي دمشق وهرب منها، ثم ولي بعدها طرابلس، وهرب منها إلى الروم، ثم شفع فيه ملكها ورجع إليها، ثم رحل منها إلى حماة ونهب نائبها، ثم رحل منها إلى مرعش إلى علي دولات وشفع فيه، ثم نزل الآن منزلة القصير.
وفي ليلة الاثنين رابع عشريه نزل بالميدان الأخضر، ثم سافر في اليوم المذكور من دمشق الأمير دولتباي دوادار السلطان، ثم الحاجب الكبير جان بردي الغزالي. ثم في بكرة يوم الثلاثاء خامس عشريه سافر الأمير الكبير برد بك تفاح، بطلب لم ير مثله للأمراء. وفي يوم الخميس سابع عشريه فوض القاضي الحنفي الزيني بن يونس، لشمس الدين بن رجب البهنسي، الذي كان نقيب الحكم، نيابة القضاء، ولا قوة إلا بالله.
وفي بكرة يوم الأحد سابع أو الاثنين ثامن جمادى الآخرة منها، سافر من دمشق الأمير دولتابي، أخو السلطان العادل طومانباي، إلى مصر، وصحبته خلق كثير، منهم طومان باي نائب القلعة، وقيبها، مطلوبين، والنائب مقيم حينئذٍ قرب مدينة أربد من حوران، ثم ذهب إلى صرخد.
وفي هذه الأيام توفي الرجل الصالح، خادم ضريح سيدي سعد بن عبادة. وفي يوم الاثنين ثاني عشريه دخل النائب راجعاً من بلاد حوران، وتلقاه الناس على العادة، وذهب المال الذي جبي لأجل المشاة، وهو مال كبير، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الاثنين سابع رجب منها، لبس الأمير دولتباي دوادار السلطان بدمشق، خلعة الاستمرار، من بين يدي النائب بدرا العدل إلى منزلة، وركب أرباب الدولة معه إلى منزله على العادة.
وفي ليلة الأحد ثالث عشره قبض الوالي على المجرم ابن خريص الحرامي، ثم أراد عبد الوهاب وابن المسحر والأصفر أن يشفعواً فيه، فذهبوا إلى دار السعادة لذلك، فقبض عليهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. ثم بعد أيام شرط عليهم مالاً نحو أربعمائة دينار، ثم أطلقهم وأمر أن ينادي لهم باستماع الكلمة وعدم المعارضة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم السبت حادي عشر شعبان منها، رجع القاضي الشافعي من البقاع وغيرها. وفيه سافر حريم النائب أركماس، المنفصل المطلوب إلى مصر، وسافر معهم النائب الجديد شهاب الدين بن الملاح، بحريمه معه، لكونه إمام أركماس المذكور؛ وكان سفر ابنه عوضه، واستمر هو بدمشق نائباً للقاضي الشافعي فلما رأى أنه غير نافق بدمشق، وعلى غير فائدة، اختار اللحوق بولده ليكونا بمصر، ولاحتمال ترقي أركماس المذكور.
وفي بكرة يوم الأربعاء سادس رمضان منها، قيل فوض القاضي الشافعي لمحيي الدبن بن محمد بن الإمام، والده بجامع المزاز بأواخر الشاغور، نيابة القضاء، ثم لم يصح ذلك؛ وكان يحيى يكتب في رسم شهادته يحيى بن الإمام، حتى يوهم أن أباه كان إماماً في العلم، اللؤلؤي، كما قرأ ولده منه أيضاً على السراج بن الصيرفي؛ وقد نسب هو وولده إلى الزور مراراً، هما من شهود باب الصغير.
وفي هذه الأيام منع القاضي الشافعي نوابه أن يسمعوا دعوى أحداً، أو يثبتوا مكتوباً، أو يحكموا فيه إلا ببابه، ولم يعلم مراده بذلك، واستمر الأمر على ذلك؛ ثم طلب منهم أن يستقرضوا له مالاً إلى البيدر، ثم أذن لهم في الحكم في بيوتهم في كل واقعة، وكان السبب في هذا الإذن نائب القلعة طومانباي.
وفي يوم الاثنين ثامن عشر، لبس النائب خلعة جاءته من مصر، وخرج الناس للبسها على العادة، وفي يوم الخميس حادي عشريه دخل من مصر، راجعاً إلى دمشق، نائب القلعة طومان باي المنفصل عنها، ثم أعيد إليها الآن، وصحبته نقيبها، وتلقاه النائب والقضاة على العادة.
وفي يوم الجمعة تاسع عشريه تكلم النائب في أمر العيد، ورأى الناس أن له الغرض في أن أوله الخميس لا الجمعة، فرتبوا رجلاً شهد أن أوله الخميس، وأن العدة قد كملت، وثبت على الإخنائي بحضرة القاضي الشافعي، ونودي بذلك في دمشق؛ ثم إن جماعة تراءوا الهلال ليلة السبت فلم ير، وعيد الناس ولم يكن عيداً، ثم رئي ليلة الأحد رفيعاً ولم يثبت إلى العشاء الآخرة، فلا قوة إلا بالله.
وفي يوم الثلاثاء رابع شوال منها، خرج النائب على اللحم، وجعل على كل رأس يخرج من السلخ درهمين، روبع درهم لمن يختم عليه بالختم؛ فزاد وقوف الحال الكائن من كثرة الظلم، فألهم الله الحاجب الكبير، جان بردي الغزالي، مراجعة النائب في ذلك فراجعه النائب في ذلك، فراجعه وبطل ذلك.
وفي يوم الأحد حادي عشريه أمر النائب بفتح قبة عائشة، غربي صحن الجامع الأموي، ففتحت وصعد إليها بنفسه، ونائبه في النظر على الجامع المذكور، ولم يوجد فيها سوى مصاحف عتيقة. وفي يوم الاثنين رابع عشريه قبض على أحد المجرمين، ابن الدمشقي، أستادار النائب أركماس، لكونه رأس الزغلية، وضرب ووضع بقلعة دمشق، ومعه جماعة؛ وقد كثر الزغل في هذه الأيام، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشريه سافر النائب إلى نحو القصير، وأراد القضاة والأربعة اللحوق به لأجل الوقوف على قسمة ما هناك. وفي آخر الربع الأول من ليلة الجعة ثامن عشريه، وهو ثاني عشر آذار، نقلت الشمس إلى برج الحمل، وهو أول السنة الشمسية الرومية، تكمله ألف سنة وثمانمائة عشر سنة. وفي صحبته وصل الشيخ تقي الدين من صفد إلى دمشق.
وفي يوم الاثنين مستهل ذي القعدة منها، أفرج عن قاضي الحنفية البدري الفرفوري المنفصل، من السجن بالقلعة، بعد مدة نحو السنة وأربعة شهور، لسفر أمه إلى مصر وشفاعة الأمير الكبير بمصر فيه لأجلها، على سبعة آلاف دينار، أوفى منها أربعة وضمن عليه على ثلاثة. وفي صبيحة يوم الخميس رابعه رئي الشاب ولي الدين محمد ابن القاضي شعيب، مشنوقاً بدهليز سكنهم، وهو ابن أخت محمد بن الحصني.
وفيه سافر الخاصكي، الذي كان أتى لأجل قضيتي نائب القلعة ونقيبها، وتسلم القلعة بعدها إلى أن أتيا من مصر على عادتهما، وكان أتى أيضاً لأجل استيقاء مال على القاضي الشافعي وتكلف عليه نحو سبعة آلاف دينار، منها ثلثمائة تسفيره وغير ذلك. وفي هذه الأيام شرع في عمارة الحمام داخل باب توما، وكان خراباً، وأظنه الذي ذكره الحافظ ابن كثير في تاريخه.
وفيها ورد من حماة إلى صالحية دمشق، صوفي شرقي مغربي، يقال له علي بن ميمون، فهرع الناس إليه للتبرك به، ونزل بحارة السكة، وصار يعمل بها ميعاداً ويرشد، وممن صعد إليه شيخنا عبد النبي شيخ المالكية، وشيخنا شمس الدين بن رمضان شيخ الحنفية، وتسلكا على يديه وخلق من الفضلاء، وتنقل من أماكن، إلى أن توفي في حادي عشره جمادى الآخرة سنة سبع عشره وتسعمائة بقرية تل معوشي، من معلملة بيروت. وفي يوم الأحد ثامن عشره ختم الدرس بالشامية البرانية.
وفي يوم الأربعاء مستهل ذي الحجة منها، فوض القاضي الحنفي لعلاء الدين بن الفيقي، وهو رجل أسمر جاهل لكن قيل عنه إنه كثير المال، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الاثنين حادي عشريه شاع بدمشق أن قاضي الحنفية البدري الفرفوري، الذي كان معتقلاً بقلعة دمشق، بشر بعوده إلى الوظيفة، وعزل الزيني بن يونس، وقد اشمأزت النفوس من تجاهره بأخذ الرشوة، ورضوا بالبدري المذكور، ولستخاروه عليه.
وفي ليلة الأربعاء سلخه دخلت زوجة المتوفى شهاب الدين بن المحوجب، على موقع النائب الآن، محب الدين محمد بن الرضي الشويكي، وهو رجل أقر حسناً وجاهاً من زوجها، ولكنه أصغر سناً، وهذا وجه ميلها إليه، والحال أنها لم تبلغ ثمان شهور في الرملة، وهي في عينه من النعمة، وأدخلته على ولديها، وفي منزله، وغيرت لأجله محل كتبية المتوفى، وفرحت به وفرقت على جماعته مالاً، وخرجت بسببه عن حيز العقل لأجل شهرتها، ولا قوة إلا بالله.
سنة ثلاث عشرة وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي، وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق سيباي؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي، وهو إلى الآن لم يلبس خلعته، والشافعي ولي الدين بن الفرفور، والمالكي خير الدين بن الغزي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والحاجب الكبير جان بدري الغزالي؛ ونائب القلعة دولتباي.
وفي يوم الثلاثاء سادس المحرم منها، هجم الحرامية على قيسارية القواسين، وأخذوا شيئاً كثيراً؛ وعلى حانوت بالخلعيين وانتقوا خاص قماشه - وفيه سبق من القفل المصري جماعة، نحو مائة بغل وأكديش، وعليها أربابها، من جب يوسف، فلما وصلوا إلى مرج برغوث، خرج عليهم جماهة من العرب، فأخذوهم وما معهم من البضائع والمال والنساء؛ وقد اشتهر عند المجرمين وقطاع الطريق وغيرهم، طمع النائب في المال منهم فقط، من غير مقابلة، وهذا الذي جرأ هؤلاء الفعال، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره دخل من مصر إلى دمشق أمير ميسرة أصلان، وتلقاه النائب والقضاة على العادة، ثم قرئت مطالعاته .
وفيه لبس قاضي الحنفية البدري الفرفوري خلعته، التي جاءت إليه من مصر، وخرج إلى الجامع على العادة، وجلس بمحراب الحنفية، وبقية الأربعة، وقرأ توقيعه أحد العدول محب الدين بركات بن سقط، وتاريخه مستهل ذي الحجة من الماضية .
وفي هذه الأيام وصل أزدمر الدوادار الكبير من مصر إلى القدس، وهرب أهلها منه لكثرة جماعته، وصادر بعضهم .
وفي يوم الاثنين تاسع عشره ركب النائب والحاجب الكبير، وأراقوا الخمور، وأبطلوا الخمارات؛ ونودي بدمشق بأن لا يحمل أحد سكيناً، وفرح الناس بذلك لكثرة الزعر وحملهم الخناجر المهولة، ولله الحمد .
وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه عرض عسكر دمشق من المقطعين، ورمي على الحارات مال لأجل التجريدة لعرب كرك الشوبك .
وفي يوم الثلاثاء رابع صفر منها، خرج النائب بجماعته من دمشق، لأجل التجريدة المذكورة .
وفي هذه الأيام تواترت الأخبار أن مركباً في البحر بالأباحة، غرق بأهله، وهم نحو المائتين، ولم ينج منهم إلا القليل .
وفي عشية يوم الاثنين مستهل ربيع الأول منها، اختلفوا في صفر هل هو ناقص أم تام، وحط الأمر على ما ذكرنا .
وفي ليلة الأحد سابعه قطعت رأس الأزعر ابن الأستاذ .
وفي صبيحة يوم السبت بعث القاضي الشافعي لنائبه، شيخنا محيي الدين النعيمي، وأن يلزم بيته، فأجابه بالسمع والطاعة، وحمد الله؛ وقد كان القاضي الشافعي أرسل إليه في وقت العشاء من ليلة الأحد سادس شوال من الماضية مشرفته، في أن يقترض له مائة أشرفي من أصحابه، حيلة عليه، مع علمه أنه لم يحصل له بالقضاء فائدة من نحو توليته، نظر ولا استئجار بلد، ولم يقبل لأحد هيئة، ففي الحال أنكر ذلك، وأعلمه بعدم قدرته على الاقتراض، فلما رأى الجد، سكت إلى هذه الأيام، عزله .
وفي يوم الأحد حادي عشريه، وهو أول آب، وصل الخبر من مصر إلى دمشق، أن السيد إبراهيم بن السيد محمد، وهو يومئذٍ نقيب الأشراف بدمشق، توفي في خامس الشهر، وأنه جعل النظر على أولاده للقاضي كاتب السر بدمشق ابن أجا، وتقلد أموراً في حياته، وبعد موته، وهو من بيت بني الجن، وميلاده سنة ثمان وأربعين وثمانمائة .
وفي هذه الأيام أراد جماعة النائب أن يطرحوا على الحارات شعيراً للنائب، زيادة على ما رموا على الحارات من المصادرات، فسعى نائب القلعة في إبطال ذلك، كل ذلك والنائب وأزدمر الدوادر الكبير بمصر، وبقية أمراء دمشق، مقيمون بأرض حوران، بعد أن نهب أهل البر وصودروا وعمل فيهم ما لا يحل .
ثم نودي بدمشق بالزينة، قيل وسببها أن جند السلطان، الذي بعثه إلى الحجاز، انتصر على عدوه .
وفي يوم الأحد ثامن عشريه سافر القاضي الشافعي، وابن عمه القاضي الحنفي، للسلام على الدوادار أزدمر والنائب .
وفي يوم الثلاثاء سابع ربيع الآخر منها، راجعاً إلى دمشق .
وفي يوم الخميس تاسعه رجع النائب ومن معه إلى دمشق .
وفي بكرة يوم السبت حادي عشره خرج النائب وأرباب الوظائف وغيرهم، إلى قرب قبة يلبغا، وألبس النائب خلعته التي جاءت في غيبته من مصر، وكذلك القاضي ولي الدين الشافعي، ثم دخل على العادة .
وفي يوم الاثنين ثالث عشره رفعت الزينة، بعد فساد كثير، وتعب شديد لأرباب الأسواق، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الجمعة سابع عشره، عقب الصلاة، صلي بالجامع الأموي غائبة على العالم العلامة، على ما قيل، عبد الرحيم الوردي، من محلة الوردة .
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الخارجي الصوفي قد خرج على الأمير علي دولات وقاتله، وأنه قرب من حلب، فزاد وقوف الحال من الرميات على الحارات، ومما يرميه المحتسب على أرباب المعاشات، ومن كثرة ما يأخذ زعر كل حارة من حوانيت الناس، ويقيمون فيها من تحت أيديهم من يبيع لهم، ويحمونه من هذه الرميات .
وفي يوم الخميس مستهل جمادى الأولى منها، رمى النائب على أهل الحارات، مشاة لأجل التجريدة للصوفي .
وفي يوم السبت ثالثه أمر النائب بأن تعرض مشاة القبيبات وميدان الحصى والمصلى والسويقة المحروقة، فعرضوا عليه بالمرجة؛ ثم في ثاني يوم عرض الشواغرة والصوالحة .
وفي هذه الايام شاع بدمشق أن الله قد أهلك من أهلك الحرث والنسل، دوادار السلطان بمصر أزدمر .
وفي ليلة الجمعة أول جمادى الآخر منها، نزل جماعة على الناصري محمد بن جان بقرية بابيلا وقتلوه، وسمى القاتل نفسه بهميل، فعرف حينئذٍ، وهو من جماعته قديماً، ثم تغير عليه .
وفي برز النائب إلى مصطبة السلطان، وخرج معه القضاة ودوادار السلطان بدمشق، على نية السفر والتجريدة للخارجي الصوفي، ثم سافر يوم الخميس سابعه .
وفي يوم الجمعة سلخه رجع القاضي الشافعي من سفره إلى دمشق، وقد كان توجه مع النائب .
وفي يوم الاثنين ثالث رجب منها، أتى الشهاب بن بري إلى شيخنا المحيوي النعيمي، وبشره بأن القاضي الشافعي فوض إليه، وأشار عليه بالاجتماع به من كل بد بقدومه، فاجتمع به يوم الثلاثاء، فسلم عليه، وبعده ألزمه بحضور النوبة يوم الأربعاء غداً، فتأخر عن المجيء يوم الأربعاء، فأرسل قاصده إليه، فأتى إليه وعنده دواداره تقي اليدن بن طالوا، وأخوه علاء الدين، واستاداره، ناصر الدين القدسي، فتلقوه بالترحيب، وسأله القاضي الشافعي عن سبب الإبطاء، فأظهر أن السبب عدم إرادته لذلك، فألزمه بالمباشرة، وفوض إليه، وباشر .
وفي أواخر هذا الشهر قد كثر قتل الأنفس، لغيبة نائب دمشق عنها، ورميات الأموال من دوادراه نائب الغيبة على الناس بسبب ذلك، وقد ضاع الأمر، ولم يتكلم أحد من الأكابر .
وفي ليلة الثلاثاء حادي عشر رجب منها، أتى جماعة إلى الشاب علي بن عبد القادر بن قرنبع، أحد العرفاء، وضربوه بالسكاكين، وتركوه ميتاً على باب أبيه، بمحلة قصر حجاج .
وفي هذه الأيام رجع من عند النائب بحلب جماعة من أرباب الدولة، منهم الأمير الكبير، ودوادار السلطان .
وفي يوم الخميس عشريه دخل من مصر إلى دمشق محب الدين الأسلمي، لموت ولده الرجل، ومعه عدة وظائف، منها كتابة السر، ونظر الجيش، وعداد التركمان، ونظر القلعة .
وفي هذه الأيام كثر جلب المماليك الجراكسة من بلادهم إلى مصر، وكلما مروا بدمشق نهبوا ما قدروا، فتغلق الأسواق، فيقفون في الطرق يأخذون عمائم وشدود، وغالبهم كبار بذقون .
وفي يوم الخميس سابع عشريه فوض القاضي الشافعي نيابة إمامة الجامع الأموي، بعد عزل القاضي شهاب الدين أحمد الرملي السبعي الشافعي، للغريب شهاب الدين أحمد الرملي السبعي الشافعي المعروف بابن الملاح، وقد وافق للمعزول في لقبه واسمه وبلده وفضيلته ومذهبه؛ وهنا نكتة، وهي أن الشيخ غرس الدين اللدي، الذي أخذ عنه المعزول لما توفي كان سنه قريباً من سن هذين .
وفي يوم السبت تاسع عشريه جمع طومانباي، نائب قلعة دمشق، جميع المعمارية، وأشرف على البرج الشمالي الشرقي جوار الطاحون وباب الفرج، فحضره القضاة الأربعة فرأوه قد قرب سقوطه، فأمرهم بالحضور في يوم الجمعة الآتي.
وفي عصر يوم الثلاثاء ثاني شعبان منها، دخل النائب سيباي إلى دمشق، من بلاد بعلبك والبقاع، وبعد رجوعه من تجريدة الصوفي، التي وصل فيها إلى حلب. - وفي يوم الأحد حادي عشريه أعيد القاضي الحنفي البدري الفرفوري إلى الاعتقال بالقلعة، على ثلاثة آلاف دينار، وخصمه ابن يونس بمصر.
وفي يوم الخميس خامس عشريه أصلح النائب بين القاضي الشافعي والقاضي المالكي، لأجل الوقفة والقلقلة، التي كان سببها تقي الدين بن قاضي زرع، لما حكم في حوالةٍ بشهادة بعض الفسقة، والحال أنها لا تسمى حوالة، لكون المحال به غير مستقرّ، لأنه غرامة في مظلمة، وشرع يماري ويجادل بالباطل، وخالفه كل الجماعة إلا القاضي الشافعي، لأجل الفائدة الدنيوية، فدافع عنه؛ فلم يرجع النائب ولا القضاة إلى قوله، بل أيّد المالكي، وأصلح النائب بينهما، فما وسعه إلا أن أخذه معه من دار العدل إلى بيته، وخلع عليه، وعلى نائبه الشمسي الموصلي، وشرع يلوم ابن قاضي زرع.
وفي يوم السبت سابع عشريه توفي الأبله المبارك ابن الخطاب الشويكي، كان أول أمره حائكاً مجيداً، ثم حصل له تولّه وتزايد عليه، ودفن بالحميرية، وجعل على قبره إشارة. - وفي يوم الأحد تاسع عشريه أعاد القاضي الشافعي، القاضي شهاب الدين الرملي إلى إمامة الجامع الأموي، بعد عزل شهاب الدين بن الملاح منها، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأربعاء ثاني رمضان منها، ذهب القضاة الثلاثة، خلا الحنفي، فإنه بالقلعة كما مرّ ذكره، إلى دار العدل، ومعهم السيد كمال الدين مفتيها من الشافعية، فرسم النائب لهم بهدم ما بناه كاتم السرّ محب الدين الأسلمي، قبلي قبّة الشيخ رسلان، من حيطان، على مقابر المسلمين، ونبش قبور جماعة، فرجع القضاة ومعهم جماعات أخر إلى المكان المذكور، وهدموه، وقد غرم عليه جملة، وحصل عنده قهر، وهو ناوٍ للشرّ لمن كان السبب في ذلك.
وفي يوم الجمعة رابعه أتى النائب إلى الجامع، وصلّى بالشباك الكمالي على العادة، فذهب القضاة الثلاثة، والسيد كمال الدين، إلى عنده، فأخرج النائب لهم من جيبه بسلارية، درجاً طويلاً، مكتوباً بخط هذا الشريف المغربي، الذي أتى إلى الصالحية، وفيه آيات من القرآن، وأحاديث من السنة، في التحذير من الظلم، وللترك ونحوهم.
ثم انتقل إلى الفقهاء والقضاة، فحذّرهم من أكل مال الأوقاف، ثم حرّض على الاستسقاء وذكر ما يتعلّق بذلك، ومن نقل ذلك من السلف بحيث أن النائب ذرف دمعه؛ فهم في أثناء قراءة ذلك وقع المطر، لكون النائب يرى الإقلاع عن الظلم، وكذلك بعض الحاضرين، فاعتقد الناس صلاح الكاتب المذكور، وزاد فيه من كان يعتقد، بحيث يخشى على الكاتب العجب بنفسه.
والحال أن جلّ قصده وبيت قصيده هو شيخ الأسلام تقي الدين بن قاضي علجون، بل قيل لي إنه صرّح به في الكتابة المذكورة، وحطّ عليه كعادته، لكنهم لم يقرأوه احتراماً وخوفاً من عاقبة ذلك، وبلغني ممن أثق به أنه صرّح بأنه فاسق، ولا خلاف أنه حطّ عليه بكلمات لا ينبغي أن يقولها وليّ الله، إذ شرطه أن يكون محفوظاً من الزلل، كما أن شرط النبي أن يكون معصوماً من الخلل، وحجّة الكاتب المذكور أن تقي الدين هذا لا ينهى عن المنكر، وأنه يأكل الأوقاف الحرام، منها مكان في الصالحية يعرف بالسيفية.
وبلغني من جمّ غفير أن شمس الدين الكفرسوسي ذهب إليه إلى الصالحية بجمّ غفير، فكان المجلس جميعه في غيبته، ويقول عنه إنه شقي الدين بحضرة الجمّ الغفير، قيل إنهم نحو المائتين؛ ثم ذهب إليه مرة ثانية بجمّ كثير، أكثر من المرة الأولى، فكان مجلسه معه كذلك، وكان الكفرسوسي هو السبب في هذين المجلسين، وكان بحضور محمد بن عراق؛ قال شيخنا محيي الدين النعيمي عنه إنه رجل متذوكر، يعتقد مذهب ابن عربي، وإنه يعلم ذلك منه لأمور يطول ذكرها، انتهى.
وفي يوم الاثنين رابع عشره اتّفق جماعة من أوباش الشويكة، ومحلّة، قبر عاتكة، على فتح حوانيت سوقها، فغار منهم فقتلوه، ثم بعد يومين عرفوا، فمسكوا.
وفي يوم الجمعة ثاني شوال منها، سافر السيد كمال الدين إلى مصر، خوفاً من مرسوم يأتي فيه، بسبب محبّ الدين الدين كاتب السرّ، حيث هدم ما بناه على ولده عند الشيخ رسلان.
وفي يوم السبت عاشره حضر القاضي الشافعي العادلية الكبرى، وجرّح على شهود المراكز؛ وكان السبب في ذلك المفتي المصري، وخصمه عبد القادر بن شعبان، حيث تنازعا على مركز مسجد العجمي.
وفي يوم السبت سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق .... وتلقّاهم النائب، وأرباب الوظائف، وغيرهم، وهم نحو الخمسين نفراً، والمتعيّن فيهم اثنان، وجميعهم بعمائم بيض بوسطها طناطير حمر بارزة طويلة، نحو الذراع.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه قطع ماء نهر المنيقبة، وحضره النائب، وهرع الناس إلى ذلك، بحيث خلت أسواق دمشق. - وفي يوم الاثنين سادس عشريه، وهو أول آذار، لبس النائب خلعة حمراء بسمّور خاص، جاءته من مصر، وكان يوماً مطيراً.
وفي يوم الأربعاء سادس ذي القعدة منها، أتى ساع من مصر، ومعه كتب في بعضها وفاة أبي الطيب بن البادرائي السيوفي، من جماعة شاد بك الجلباني كان؛ وبوفاة شهاب الدين بن كركي الصالحي الحنفي.
وفي يوم الخميس سابعه بلغ نائب قلعة دمشق أن بموضع من نهر بانياس، شمالي الطريق الآخذ إلى المزّة، وشرقي القلندرية، رئي تراب فيه بعض زئبق، إذا معك به النحاس صار ظاهره كالفضة البيضاء؛ فركب إليه وصحبته جماعة من جهة النائب، فأزيح التراب المذكور من مكانه ليروا مطلباً، فلم يروا شيئاً فأخذ كثير من الناس من التراب، ومعكوا به خواتم من نحاس فصارت كالفضة، وكذلك في الفلوس والدراهم الزغل، كما شاهدنا ذلك.
وفي يوم الأحد عاشره ورد مرسوم سلطاني، بطلب محبّ الدين الأسلمي، ومن تعصّب عليه في نبش المقبرة، التي هدم ما بناه فيها عند الشيخ رسلان؛ فقبض جماعة منهم؛ نجم الدين ابن الشيخ تقي الدين وشهاب الدين الرملي، وبرهان الدين الصلتي القصير، لأوجل ابن عمّه القاضي برهان الدين الذي هرب، ونور الدين بن القباقبي، أحد خدّام الشيخ رسلان، قيل إنه هو الذي ألجأ محبّ الدين المذكور إلى فعل ما فعله؛ وبات الجميع بالقلعة.
ثم في ثاني يوم، يوم الاثنين، ضمنهم محب الدين، وأطلقوا للتأهب إلى السفر إلى مصر، ثم كتب نائب القلعة يعلم بهروب برهان الدين المذكور، والظاهر أنه إنما هرب إلى مصر خوفاً من الترسيم والخسارة، وأن الباقين واصلون إلى الأبواب الشريفة، استحثهم في ذلك .