كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
من حمرة وصفرة وغير ذلك والأول أبين
وقوله سبحانه وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون البحر الماء الكثير ملحا كان أو عذبا قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى وتستخرجوا منه حلية تلبسونها يعني به اللؤلؤ والمرجان وهذا امتنان عام للرجال والنساء فلا يحرم عليهم شيء من ذلك انتهى ومواخر جمع ماخرة والمخر في اللغة الصوت الذي يكون من هبوب الريح على شيء يشق أو يصحب في الجملة الماء فيترتب منه أن يكن المخر من الريح وأن يكون من السفينة ونحوها وهو في هذه الآية من السفن وقال بعض النحاة المخر في كلام العرب الشق يقال مخر الماء الأرض وهذا أيضا بين أن يقال فيه للفلك مواخر
وقوله وسبلا لعلكم تهتدون يحتمل تهتدون في مشيكم وتصرفكم في السبل ويحتمل تهتدون بالنظر في دلالة هذه المصنوعات على صانعها
وعلامات وبالنجم هم يهتدون قال ابن عباس العلامات معالم الطرق بالنهار والنجوم هداية الليل وهذا قول حسن فإنه عموم بالمعنى واللفظة عامة وهذا إن كان ما دل على شيء وأعلم به فهو علامة والنجم هنا اسم جنس وهذا هو الصواب وقوله سبحانه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها الآية وبحسب العجز عن عد نعم الله تعال يلزم أن يكون الشاكر لها مقصرا عن بعضها فلذلك قال عز و جل لغفور رحيم أي عن تقصيركم في السكر عن جميعها نحا هذا المنحى الطبري ويرد عليه أن نعمة الله في قول العبد الحمد لله رب العالمين مع شرطها من النية والطاعة يوازي جميع النعم ولكن أين قولها بشروطها والمخاطبة بقوله وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها عامة لجمع الناس
والذين تدعون من دون الله أي تدعونهم آلهة
وأموات يراد به الذين يدعون من دون الله ورفع أموات على أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره
هم أموات
وقوله غير أحياء أي لم يقبلوا حياة قط ولا اتصفوا بها
وقوله سبحانه وما يشعرون أيان يبعثون أي وما يشعر الكفار متى يبعثون إلى التعذيب
وقوله سبحانه الهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة أي منكرة اتحاد الاله ت وهذا كما حكى عنهم سبحانه في قولهم أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب
وقوله لأجرم عبرت فرقة من اللغويين عن معناها بلا بد ولا محالة وقالت فرقة معناها حق إن الله ومذهب سبيويه أن لا نفي لما تقدم من الكلام وجرم معناه وجب أو حق ونحو هذا مذهب الزجاج ولكن مع مذهبهما لا ملازمة لجرم لا تنفك هذه من هذه
وقوله سبحانه إنه لا يحب المستكبرين عام في الكافرين والمؤمنين يأخذ كل أحد منهم بقسطه قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله موت النفوس حياتها من أحب أن يحي يموت ببذل أهل التوفيق نفوسهم وهوانها عليهم نالوا ما نالوا وبجب أهل الدنيا نفوسهم هانوا وطرأ عليهم الهوان هنا وهناك وقد ورد في الحديث أنه ما من عبد إلا وفي رأسه حكمه بيد ملك فإن تعاظم وارتفع ضرب الملك رأسه وقال له أتضع وضعك الله وإن تواضع رفعه الملك وقال له ارتفع رفعك الله من الله علينا بما به يقربنا إليه بمنه انتهى
وقوله سبحانه وإذا قيل لهم يعني كفار قريش ماذا أنزل ربكم الآية يقال أن سببها النضر بن الحارث واللام في قوله ليحملوا يحتمل أن تكون لام العاقبة ويحتمل أن تكون لام كي ويحتلم أن تون لام الأمر على معنى الحتم عليهم والصغار الموجب لهم
وقوله سبحانه ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم من للتبعيض وذلك أن هذا الرأس المضل يحمل وزر نفسه ووزرا من وزر كل من ضل بسببه ولا ينقص من أوزار أولئك شي والأوزار هي الأثقال
وقوله سبحانه قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم
الآية قال ابن عباس وغيره من المفسرين الإشارة بالذين من قبلهم إلى نمرود الذي بنى صرحا ليصعد فيه إلى السماء بزعمه فلما أفرط في علوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش بعث الله عليه ريحا فهدمته وخر سقفه عليه وعلى أتباعه وقي أن جبريل هدمه بجناحه وألقى أعلاه في البحر وانجعف من أسفله وقالت فرقة المراد بالذين من قبلهم جميع من كفر من الأمم المتقدمة ومكر ونزلت به عقوبة وقوله على هذا فأتى الله نبيانهم من القواعد إلى آخر الآية تمثيل وتشبيه أي حالهم كحال من فعل به هذا
وقوله يخزيهم لفظ يعم جميع المكاره التي تنزل بهم وذلك كله راجع إلى إدخالهم النار ودخولهم فيها
وتشاقون معناه تحاربون أي تكونون في شق والحق في شق
والذين أوتوا العلم هم الملائكة فيما قال بعض المفسرين وقال يحي بن سلام هو المؤمنون قال ع والصواب أن يعم جميع من آتاه الله علم ذلك من ملائكة وأنبياء وغيرهم وقد تقدم تفسير الخزي وأنه الفضيحة المخجلة وفي الحديث أن العار والتخزية لتبلغ من العبد في المقام بين يدي الله تعالى ما أن يتمنى أن ينطلق به إلى النار وينجو من ذلك المقام أخرجه البغوي في المسند المنتخب له انتهى من الكوكب الدري
وقوله سبحانه الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الذين نعت للكافرين في قول أكثر المتأولين والملائكة يريد القابضين لأرواحهم
والسلم هنا الاستسلام واللام في قوله فلبيس لام تأكيد والمثوى موضع الإقامة
وقوله سبحانه وقيل للذين اتقوا ماذا انزل ربكم الآية لما وصف سبحانه مقالة الكفار الذين قالوا أساطير الأولين عادل ذلك بذكر مقالة المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وأوجب لكل فريق ما يستحق وقولهم خيرا جواب بحسب السؤال واختلف في قوله تعالى للذين أحسنوا إلى آخر لآاية هل هو ابتداء كلام أو هو تفسير للخير الذي أنزل
الله في الوحي على نبينا خبرا أن من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة
وقوله سبحانه جنات عدن يدخلونها الآية تقدم تفسير نظيرها وطيبين عبارة عن صالح حالهم واستعدادهم للموت والطيب الذي لا خبث معه وقول الملائكة سلام عليكم بشارة من الله تعالى وفي هذا المعنى احاديث صحاح يطول ذكرها وروى ابن المبارك في رقائقه عن محمد بن كعب القرظي قال إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال السلام عليك ولي الله الله يقرئى عليك السلام ثم نزع بهذه الآية الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم انتهى وقوله سبحانه بما كنتم تعملون علق سبحانه دخولهم الجنة باعمالهم من حيث جعل الأعمال أمارة لادخال العبد الجنة ولا معارضة بين الآية وقوله صلى الله عليه و سلم لا يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة فإن الآية ترد بالتأويل إلى معنى الحديث قال ع ومن الرحمة والتغمد أن يوفق الله العبد إلى أعمال برة ومقصد الحديث نفي وجوب ذلك على الله تعالى بالعقل كما ذهب إليه فريق من المعتزلة
وقوله سبحانه هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم ينظرون معناه ينتظرون ونظرمتى كانت من رؤية العين فإنما تعديها العرب بالى ومتى لم تتعد بالى فهي بمعنى انتظر ومنها انظرونا نقتبس من نوركم ومعنى الكلام أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ظالمي أنفسهم
وقوله أو يأتي أمر ربك وعيد يتضمن قيام الساعة أو عذاب الدنيا ثم ذكر تعالى أن هذا كان فعل الأمم قبلهم فعوقبوا
وقوله سبحانه فأصابهم سيئات ما عملوا أي جزاء ذلك في الدنيا والآخرة
وحاق معناه نزل وأحاط
وقوله سبحانه وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء الآية تقدم تفسير نظيرها في الأنعام وقولهم ولا حرمنا يريد من البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك
وقوله سبحانه ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله الآية إلى قوله فإن الله لا يهدي من يضل وقرأ حمزة والكساءي وعاصم لا يهدي بفتح الياء وكسر الدال وذلك على معنيين أي أن الله لا يهدي من قضى باضلاله والمعنى الثاني أن العرب تقول هدى الرجل بمعنى اهتدى
وقوله سبحانه واقسموا بالله جهد إيمانهم لا يبعث الله من يموت الضمير في اقسموا لكفار قريش ثم رد الله تعالى عليهم بقوله بلى فاوجب بذلك البعث وأكثر الناس في هذه الآية الكفار المكذبون بالبعث
وقوله سبحانه ليبين التقدير بلى يبعثه ليبين لهم الذي يختلفون فيه وقوله سبحانه إنما قولنا لشيء إذا اردناه الآية المقصد بهذه الآية أعلام منكرى البعث بهوان أمره على الله تعالى وقربه في قدرته لا رب غيره
وقوله سبحانه والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا هؤلاء هم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة هذا قول الجمهور وهو الصحيح في سبب نزول الآية لان هجرة المدينة لم تكن وقت نزول الآية والآية تتناول كل من هاجر أولا وآخرا وقرأ جماعة خارج السبع لنثوينهم وأختلف في معنى الحسنة هنا فقالت فرقة الحسنة عدة ببقعة شريفة وهي المدينة وذهبت فرقة إلى أن الحسنة عامة في كل أمر مستحسن يناله ابن أدم وفي هذا القول يدخل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يعطي المال وقت القسمة الرجل من المهاجرين ويقول له خذ ما وعدك الله في الدنيا ولأجر الآخرة اكبر ثم يتلو هذه الآية ويدخل في هذا القول النصر على العدو وفتح البلاد وكل أمل بلغه المهاجرون والضمير في يعلمون عائد على كفار
قريش وقوله الذين صبروا من صفة المهاجرين
وقوله تعالى وما ارسلنا من قبلك إلا رجالا يوحي اليهم هذه الآية رد على كفار قريش الذين استبعدوا أن يبعث الله بشرا رسولا ثم قال تعالى فسئلوا أي قل لهم فسألوا واهل الذكر هنا أحبار اليهود والنصارى قاله ابن عباس وغيره وهو اظهر الأقوال وهم في هذه النازلة خاصة إنما يخبرون بأن الرسل من البشر وأخبارهم حجة على هؤلاء وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألونهم ويسندون إليهم
وقوله بالبينات متعلق بفعل مضمر تقديره أرسلناهم بالبينات وقالت فرقة الباء متعلقة بارسلنا في أول الآية والتقدير على هذا وما أرسلنا مت قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا ففي الآية تقديم وتاخير والزبر الكتب المزبورة
وقوله سبحانه لتبين للناس ما نزل اليهم الآية ت وقد فعل صلى الله عليه و سلم ذلك فبين عن الله واوضح وقد أوتي صلى الله عليه و سلم جوامع الكلم فأعرب عن دين الله وافصح ولنذكر الآن طرفا من حكمه وفصيح كلامه بحذف اسانيده قال عياض في شفاه وأما كلامه صلى الله عليه و سلم المعتاد وفصاحته المعلومه وجوامع كلمه وحكمه الماثورة فمنها ما لا يوازي فصاحة ولا يبارى بلاغة كقوله المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم وقوله الناس كأسنان المشط والمرء مع من احب ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له والناس معادن وما هلك امرء عرف قدره والمستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم ورحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن شر فسلم وقوله أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين وأن احبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة احاسنكم أخلاقا الوطئون اكنافا الذين يالفون ويولفون وقوله لعله كان يتكلم بما لا يعنيه
ويبخل بما لا يغنيه
وقوله ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها ونهيه عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع
وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات وقوله اتق الله حيث كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن وخير الأمور أوساطها وقوله أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وقوله الظلم ظلمات يوم القيامة وقوله في بعض دعائه اللهم أني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري وتلم بها شعثى وتصلح بها غائبى وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتلهمني بها رشدي وترد بها ألفتي وتعصمنى بها من كل سوء اللهم أني أسألك الفوز في القضاء ونزل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء إلى غير ذلك من بيانه وحسن كلامه مما روته الكافة عن الكافة مما لا يقاس به غيره وحاز فيه سبقا لا يقدر قدره كقوله السعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه في أخواتها مما يدرك الناظر العجب في مضمنها ويذهب به الفكر في أدانى حكمها وقال صلى الله عليه و سلم بيد أني من قريش ونشأت في بنى سعد فجمع الله له بذلك قوة عارضة البادية وجزالتها ونصاعة الفاظ الحاضرة ورونق كلامها إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي الذي لا يحيط بعلمه بشري انتهى وبالجملة فليس بعد بيان الله ورسوله بيان لمن عمر الله قلبه بالإيمان
وقوله سبحانه افأمن الذين مكروا السيئات الآية تهديد لكفار مكة ونصب السيئات بمكروا وعدى مكروا لأنه في معنى عملوا قال البخاري قال ابن عباس في تقلبهم أي في اختلافهم انتهى وقال المهدوي قال قتادة في تقلبهم في أسفارهم الضحاك في تقلبهم بالليل انتهى
وقوله على تخوف أي على جهة التخوف والتخوف التنقص وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خفي عليه معنى التخوف في هذه الآية وأراد الكتب إلى الأمصار يسأل عن ذلك فيروي أنه جاءه فتى من العرب فقال يا أمير المؤمنين أن أبي يتخوفنى مالي فقال عمر الله اكبر أو يأخذهم على تخوف ومنه قول النابغة
تخوفهم حتى اذل سراتهم ... بطعن ضرار بعد فتح الصفائح ...
وهذا التنقص يتجه به الوعيد على معنيين أحدهما أن يهلكهم ويخرج أرواحهم على تخوف أي افذاذا يتنقصهم بذلك الشيء بعد الشيء ويصيرهم إلى ما اعد لهم من العذاب وفي هذه الرتبة الثالهة من الوعيد رأفة ورحمة وأمهال ليتوب التائب ويرجع الراجع والثاني ما قاله الضحاك أن يأخذ بالعذاب طائفة أو قرية ويترك أخرى ثم كذلك حتى يهلك الكل وقالت فرقة التخوف هنا من الخوف أي فيأخذهم بعد تخوف ينالهم يعذبهم به وقوله سبحانه أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء الآية قوله من شيء
لفظ عام في كل شخص وجرم له ظل كالجبال والشجر وغير ذلك وفاء الظل رجع ولا يقال الفيء إلا من بعد الزوال في مشهور كلام العرب لكن هذه الآية الاعتبار فيها من أول النهار إلى آخره فكأن الآية جارية في بعض على تجوز كلام العرب واقتضائه والرؤية هنا رؤية القلب ولكن الاعتبار برؤية القلب هنا إنما تكون في مرءيات بالعين وعن اليمين والشمائل هنا فيه تجوز واتساع وذكر الطبري عن الضحاك قال إذا زالت الشمس سجد كل شيء قبل القبلة من نبت أو شجر ولذلك كان الصالحون يستحبون الصلاة في ذلك الوقت قال الداودي وعن النبي صلى الله عليه و سلم قال أربع قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلهن في صلاة السحر قال وليس شيء إلا يسبح لله تلك الساعة وقرأ يتفيؤا ظلاله الآية كلها انتهى والداخر المتصاغر المتواضع
وقوله سبحانه يخافون ربهم عام لجميع الحيوان ومن فوقهم يريد فوقية القدر والعظمة والقهر
وقوله سبحانه وله ما في السموات والأرض السموات هنا كل ما أرتفع من الخلق من جهة فوق فيدخل في ذلك العرش والكرسي وغيرهما والدين الطاعة والملك والواصب الدائم قاله ابن عباس ثم ذكر سبحانه بنعمه ثم ذكر
بأوقات المرض والتجاء العباد إليه سبحانه والضر وأن كان يعم كل مكروه فأكثر ما يجىء عن أرزاء البدن وتجئرون معناه ترفعون أصواتكم باستغاثة
وتضرع ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون الفريق هنا يراد به المشركون الذين يرون أن للأصنام أفعالا من شفاء المرضى وجلب النفع ودفع الضر فهم إذا شفاهم الله عظموا أصنامهم وأضافوا ذلك الشفاء إليها
وقوله سبحانه وليكفروا يجوز أن تكون اللام لام الصيرورة ويجوز أن تكون لام أمر على معنى التهديد
وقوله بما أتيناهم أي بما أنعمنا عليهم
وقوله سبحانه ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم أي لما لا يعلمون له حجة ولا برهانا ويحتمل أن يريد بنفى العلم الأصنام أي لجمادات لا تعلم شيأ نصيبا والنصيب المشار إليه هو ما كانت العرب سنته من الذبح لأصنامها والقسم من الغلات وغيره
وقوله سبحانه ويجعلون لله البنات سبحانه الآية تعديد لقبائح الكفرة في قولهم الملائكة بنات الله تعالى الله عن قولهم والمراد بقوله ولهم ما يشتهون الذكران من الأولاد
وقوله ظل وجهه مسودا عبارة عما يعلو وجه المغموم قال ص ظل تكون بمعنى صار وبمعنى أقام نهارا على الصفة المسندة إلى أسمها وتحتمل هنا الوجهين انتهى وكظيم بمعنى كاظم والمعنى أنه يخفى وجده وهمه بالانثى ومعنى يتوارى يتغيب من القوم وقرأ الجحدري ايمسكها أم يدسها وقرأ الجمهور على هون وقرأ عاصم الجحدري على هوان ومعنى الآية يدبر ايمسك هذه الآنثى على هوان يتحمله وهم يتجلد له أم يئدها فيدفنها حية وهو الدس في التراب
وقوله سبحانه للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء قالت فرقة مثل في هذه الآية بمعنى صفة أي لهؤلاء صفة السوء
ولله المثل الأعلى قال ع وهذا لا يضطر إليه لأنه خروج عن اللفظ بل قوله مثل على بابه فلهم على الاطلاق مثل السوء في كل سوء
ولا غاية أخزى من عذاب النار ولله سبحانه المثل الأعلى على الإطلاق أيضا أي الكمال المستغنى
وقوله سبحانه ولو يواخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة الضمير في عليها عائد على الأرض وتمكن ذلك مع أنه لم يجر لها ذكر لشهرتها وتمكن الإشارة إليها وسمع أبو هريرة رجلا يقول إن الظالم لا يهلك إلا نفسه فقال أبو هريرة بلى إن الله ليهلك الحبارى في وكرها هزلا بذبوب الظلمة والأجل المسمى في هذه الآية هو بحسب شخص شخص
وقوله ما يكرهون يريد البنات
وقوله سبحانه وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى قال مجاهد وقتادة الحسنى الذكور من الأولاد وقالت فرقة يريد الجنة قال ع ويؤيده قوله لاجرم أن لهم النار وقرأ السبعة سوى نافع مفرطون بفتح الراء وخفتها أي مقدمون إلى النار وقرأ نافع مفرطون بكسر الراء المخففة أي متجاوزون الحد في معاصي الله
وقوله سبحانه تالله لقد ارسلنا إلى امم من قبلك الآية هذه آية ضرب مثل لهم بمن سلف في ضمنها وعيد لهم وتأنيس للنبي صلى الله عليه و سلم
وقوله فهو وليهم اليوم يحتمل أن يريد باليوم يوم الأخبار ويحتم أن يريد يوم القيامة أي وليهم في اليوم المشهور وقوله سبحانه الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه لتبين في موضع المفعول من أجله إي إلا لأجل البيان والذي اختلفوا فيه لفظ عام لأنواع كفر الكفرة لكن الإشارة هنا إلى تشريكهم الأصنام في الالهية ثم أخذ سبحانه ينص العبر المؤدية إلى بيان وحدانيته وعظيم قدرته فبدأ بنعمة المطر التي هي أبين العبر المؤدية إلى بيان وحدانيته وعظيم قدرته فبدأ بنعمة المطر التي هي أبين العبر وهي ملاك الحياة وهي في غاية الظهور لا يخالف فيها عاقل
وقوله مما في بطونه الضمير عائد على الجنس وعلى المذكور وهذا كثير
وقوله سبحانه سائغا للشاربين السائغ السهل في الشرب اللذيذ ت وعن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك
لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس شيء يجزئى مكان الطعام والشراب غر اللبن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي واللفظ له هذا حديث حسن انتهى من السلاح
وقوله سبحانه ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا الآية السكر ما يسكر هذا هوا لمشهور في اللغة قال ابن عباس نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر وأراد بالسكر الخمر وبالرزق الحسن جميع ما يشرب ويؤكل حلالا من هاتين الشجرتين فالحسن هنا الحلال وقال بهذا القول ابن جبير وجماعة وصحح ابن العربي هذا القول ولفظه والصحيح أن ذلك كان قبل تحريم الخمر فإن هذه الآية مكية باتفاق العلماء وتحريم الخمر مدني انتهى من أحكام القرآن وقال مجاهد وغيره السكر المائع من هاتين الشجرتين كالخل والرب والنبيذ والرزق الحسن العنب والتمر قال الطبري والسكر أيضا في كلام العرب ما يطعم ورجح الطبري هذا القول ولا مدخل للخمر فيه ولا نسخ في الآية
وقوله تعالى واوحى ربك إلى النحل الآية الوحي في كلام العرب القاء المعنى من الموحى إلى الموحى إليه في خفاء فمنه الوحي إلى الأنبياء برسالة الملك ومنه وحي الرؤيا ومنه وحي الإلهام وهو الذي في آيتنا باتفاق من المتأولين والوحي أيضا بمعنى الأمر كما قال تعالى بأن ربك أوحى لها وقد جعل الله بيوت النحل في هذه الثلاثة الأنواع أما في الجبال وكواها وأما في متجوف الأشجار وأما في يعرش ابن آدم من الاجباح والحيطان ونحوها وعرش معناه هيأ والسبل الطرق وهي مسالكها في الطيران وغيره وذللا يحتمل أن يكون حالا من النحل أي مطيعة منقادة قاله قتادة قال ابن زيد فهم يخرجون بالنحل ينتجعون وهي تتبعهم وقرا أولم يروا انا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما الآية ويحتمل أن يكون حالا من السبل أي
مسهلة مستقيمة قاله مجاهد لا يتوعر عليها سبيل تسلكه ثم ذكر تعالى على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبر أمر العسل في قوله يخرج من بطونها شراب وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل واختلاف الألوان في العسل بحسب اختلاف النحل والمراعي أي والفصول ت قال الهروي قوله تعالى يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه وذلك أنه يستحيل في بطونها ثم تمجه من أفواهها انتهى وقوله فيه شفاء للناس الضمير للعسل قاله الجمهور قال ابن العربي في أحكامه وقد روى الأئمة واللفظ للبخاري عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب الحلواء والعسل وروى أبو سعيد الخدري أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن أخي يشتكي بطنه فقال اسقه عسلا ثم أتاه الثانية فقال اسقه عسلا ثم أتاه فقال فعلت فما زاده ذلك إلا استطلاقا قال عليه السلام صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه فبرأ وروي أن عوف ابن مالك الأشجعي مرض فقيل له غلا نعالجك فقال ائتنوني بماء سماء فإن الله تعالى يقول ونزلنا من السماء ماء مباركا وائتنوني بعسل فإن الله تعالى يقول فيه شفاء للناس وائتوني بزيت فإن الله تعالى يقول من شجرة مباركة فجاءوه بذلك كله فخلطه جميعا ثم شربه فبرأ انتهى
وقوله سبحانه ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وأرذل العمر الذي تفسد فيه الحواس ويختل العقل وخص ذلك بالرذيلة وإن كانت حالة الطفولة كذلك من حيث كانت هذه لارجاء معها وقال بعض الناس أول أرذل العمر خمس وسبعون سنة روي ذلك عن علي رضي الله عنه قال ع وهذا في الأغلب وهذا لا ينحصر إلى مدة معينة وإنما هو بحسب إنسان إنسان ورب من يكون ابن خمسين سنة وهو في أرذل عمره ورب ابن تسعين ليس في أرذل عمره واللام في لكي يشبه أن تكون لام الصيرورة والمعنى ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئا وهذه
عبارة عن قلة علمه لا أنه لا يعلم شيئا البتة
وقوله سبحانه والله فضل بعضكم على بعض في الرزق أخبار يراد به العبرة وإنما هي قاعدة بني المثل عليها والمثل هو أن المفضلين لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم فإذا كان هذا في البشر فكيف تنسبون أيها الكفرة إلى الله أنه يسمح بأن يشرك في الألوهية الأوثان والأصنام وغيرها مما عبد من دونه وهم خلقه وملكه هذا تأويل الطبري وحكاه عن أبن عباس قال المفسرون هذه الآية كقوله تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت إيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء الآية ثم وقفهم سبحانه على جحدهم بنعمته في تنبيهه لهم على مثل هذا من مواضع النظر المؤدية إلى الإيمان
وقوله سبحانه والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا هذه أيضا آية تعديد نعم والأزواج هنا الزوجات وقوله من أنفسكم يحتمل أن يريد خلقة حواء من نفس آدم وهذا قول قتادة والأظهر عندي أن يريد بقوله من أنفسكم أي من نوعكم كقوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم والحفدة قال ابن عباس هم أولاد البنين وقال الحسن هم بنوك وبنو بنيك وقال مجاهد الحفدة الأنصار والأعوان وقيل غير هذا ولا خلاف إن معنى الحفد الخدمة والبر المشي مسرعا في الطاعة ومنه في القنوت وإليك نسعى ونحفد والحفدان أيضا خبب فوق المشي
وقوله سبحانه فلا تضربوا لله الأمثال الآية أي لا تمثلوا لله الأمثال وهو مأخوذ من قولك هذا ضريب هذا أي ميله والضرب النوع
وقوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا الآية الذي هو مثال في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك لا يقدر على شيء من المال ولا أمر نفسه وإنما هو مسخر بإرادة سيده مدبر وبازاء العبد في المثال رجل موسع عليه في المال فهو يتصرف فيه بإرادته واختلف الناس في الذي له المثل فقال
ابن عباس وقتادة هو مثل الكفار والمؤمن وقال مجاهد والضحاك هذا المثال والمثال والآخر الذي بعده إنما هو مثال لله تعالى والأصنام فتلك كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء والله تعالى تتصرف قدرته دون معقب وكذلك فسر الزجاج على نحو قول مجاهد وهذا التأويل أصوب لأن الآية تكون من معنى ما قبلها ومدارها في تبيين أمر الله والرد على أمر الأصنام
وقوله الحمد لله أي على ظهور الحجة
وقوله سبحانه وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم الآية هذا مثل لله عز و جل والأصنام فهي كالأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء
والكل الثقيل المؤنة كما الأصنام تحتاج إلى أن تنقل وتخدم ويتعذب بها ثم لا يأتي من جهتها خير أبدا والذي يأمر بالعد هو الله تعالى
وقوله تعالى وما أمر الساعة الآية المعنى على ما قاله قتادة وغيره ما تكون الساعة واقامتها في قدرة الله تعالى إلا أن يقول لها كن فلو اتفق أن يقف على ذلك محصل من البشر لكانت من السرعة بحيث يشك هل هي كلمح البصر أوهي أقرب ولمح البصر هو وقعه على المرءي
وقوله سبحانه ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء الآية الجو مسافة ما بين السماء والأرض وقيل هو ما يلي الأرض منها والآية عبرة بينة المعنى تفسيرها تكلف محت
ويوم ظعنكم معناه رحيلكم والأصواف للضأن والأوبار للإبل والأشعار للمعز ولم تكن بلادهم بلاد قطن وكتان فلذلك اقتصر على هذه ويحتمل أن ترك ذكر القطن والكتان والحرير أعراض عن السرف إذ ملبس عباد الله الصالحين إنما هو الصوف قال ابن العربي في أحكامه عند قوله تعالى لكم فيها دفء في هذه الآية دليل على لباس الصوف فهو أول ذلك وأولاه لأنه شعار المتقين ولباس الصالحين وشارة الصحابة والتابعين واختيار الزهاد والعارفين وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية لأنه لباسهم في الغالب انتهى
والأثاث متاع البيت وأحدها أثاثه هذا قول أبي زيد الأنصاري وقال غيره الأثاث جميع أنواع المال ولا واحد له من لفظه قال ع والاشتقاق يقوي هذا المعنى الأعم لأن حال الإنسان تكون بالمال اثيثة كما تقول شعر أثيث ونبات أثيث إذا كثر والتف والسرابيل جميع ما يلبس على جميع البدن وذكر وقاية الحراذ هوأمس بتلك البلاد والبرد فيها معدوم في الأكثر وأيضا فذكر أحدهما يدل على الآخر وعن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من لبس ثوبا جديد فقال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي خلق فتصدق به كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حيا وميتا رواه الترمذي واللفظ له وابن ماجه والحاكم في المستدرك وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما اشترى عبد ثوبا بدينا أو نصف دينا فحمد الله عليه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر الله له رواه الحاكم في المستدرك وقال هذا الحديث لا أعلم في إسناده أحدا ذكر بجرح انتهى من السلاح والسرابيل التي تقي البأس هي الدروع ونحوها ومنه قول كعب بن زهير في المهاجرين ... شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسبج داود في الهيجا سرابيل ...
والبأس مس الحديد في الحرب وقرأ الجمهور تسلمون وقرأ ابن عباس تسلمون من السلامة فتكون اللفظة مخصوصة في بأس الحرب
وقوله سبحانه ويوم نبعث من كل أمة شهيدا أي شاهدا على كفرهم وإيمانهم ثم لا يؤذن أي لا يؤذن لهم في المعذرة وهذا في موطن دون موطن ويستعتبون بمعنى يعتبون تقول أعتبت الرجل إذا كفيته ما عتب فيه كما تقول أشكيته إذا كفيته ما شكا وقال قوم معناه لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدنيا وقال الطبري معنى يستعتبون يعطون الرجوع إلى الدنيا فتقع منهم توبة وعمل ت
وهذا هو الراجح وهو الذي تدل عليه الأحاديث وظواهر الآيات في غير ما موضع
وقوله سبحانه وإذا رأى الذين اشكروا شركاءهم أي إذا رأوهم بأبصارهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا ألآية كأنهم أرادوا بهذه المقالة تذنيب المعبودين
وقوله سبحانه فالقوا إليهم القول الآية الضمير في القوا للمعبودين انطقهم الله بتكذيب المشركين وقد قال سبحانه في آية أخرى فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون الآية أنظر تفسيرها في سورة يونس وغيرها
وقوله والقوا إلى الله يومئذ السلم الضمير في ألقوا هنا عائد علىالمشركين والسلم الاستسلام وقوله تعالى زدناهم عذابا فوق العذاب الآية روي في ذلك عن ابن مسعود أن الله سبحانه يسلط عليهم عقارب وحيات لها أنياب كالنخل الطوال وقال عبيد بن عمير حيات لها أنياب كالنخل ونحو هذا وروي عن عبد اله بن عمرو بن العاص أن لجهنم سواحل فيها هذه الحيات وهذه العقارب فيفر الكافرون إلى السواحل فتلقاهم هذه الحيات والعقارب فيفرون منها إلى النار فتتبعهم حتى تجد حر النار فترجع قال وهي في أسراب
وقوله سبحانه ويوم نبعث في كل أمة شهيدا يعني رسولها ويجوز أن يبعث الله شهودا من الصالحين مع الرسل وقد قال بعض الصحابة إذا رأيت أحدا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شاهدا عليه يوم القيامة وقوله سبحانه وجئنا بك شهيد على هؤلاء الإشارة بهؤلاء إلى هذه الأمة وقوله عز و جل إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية قال ابن مسعود رضي الله عنه أجمع آية في كتاب الله هذه الآية وروي عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه أنه قال لما نزلت هذه الآية قرأتها على أبي طالب فعجب وقال يا آل غالب اتبعوه تفلحوا فواله إن الله أرسله ليأمر بمكارم الأخلاق قال ع والعدل فعل كل مفروض والإحسان فعل كل مندوب إليه
وايتاءى ذي القربى لفظ
يقتضي صلة الرحم ويعم جميع اسداء الخير إلى القرابة
والفحشاء الزنا قاله ابن عباس ويتناول اللفظ سائر المعاصي التي شنعتها ظاهرة
والمنكر أعم منه لأنه يعم جميع المعاصي والرذائل والاذايات على اختلاف أنواعها
والبغي هو إنشاء ظلم الإنسان والسعاية فيه وكفيلا معناه متكفلا بوفائكم وباقي الآية بين
وقوله سبحانه ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها الآية شبهت هذه الآية الذي يحلف أو يعاهد ويبرم عقده بالمرأة تغزل غزلها تفتله محكما ثم تنقض قوى ذلك الغزل فتحله بعد إبرامه
و انكاثا نصب على الحال والنكث النقض والعرب تقول أنتكث الحبل إذا انتقضت قواه والدخل الدغل بعينه وهو الذرائع إلى الخدع والغدر وذلك أن المحلوف له مطمئن فيتمكن الحالف من ضرره بما يريد
وقوله سبحانه ان تكون أمة هي أربى من أمة المعنى لا تنقضوا الإيمان من أجل أن تكون قبيلة أزيذ من قبيلة في العدد والعزة والقوة ويبلوكم أي يختبركم والضمير في به يحتمل أن يعود على الربا أي إن الله أبتلى عباده بالربا وطلب بعضهم الظهور على بعض واختبرهم بذلك ليرى من يجاهد بنفسه ممن يتبع هواها وباقي الآية وعيد بيوم القيامة
وقوله سبحانه ولا تتخذوا إيمانكم دخلا بينكم الآية الدخل كما تقدم الغوائل والخدائع وكرر مبالغة قال الثعلبي قال أبوعبيدة كل امر لم يكن صحيحا فهو دخل انتهى
وقوله فتزل قدم بعد ثبوتها إستعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم
وقوله سبحانه ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا الآية هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال ثم أخبر تعالى أن ما عنده من نعيم الجنة ومواهب الآخرة خير لمن اتقى وعلم واهتدى ثم بين سبحانه الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة بأن هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان أو ينقضي عنها ومنن الآخرة باقية دائمة وصبروا معناه عن الشهوات وعلى مكاره الطاعات
وهذه إشارة إلى الصبر عن شهوة كسب المال بالوجوه المكروهة واختلف الناس في معنى الحياة الطيبة فقال ابن عباس هو الرزق الحلال وقال الحسن وعلي بن أبي طالب هي القناعة قال ع والذي أقول به أن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونبلها وقوة رجائهم والرجاء للنفس أمر ملذ فبهذا تطيب حياتهم وأنهم أحتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة أو قناعة فذلك كمال وإلا فالطيب فيما ذكرناه راتب
وقوله سبحانه ولنجزينهم الآية وعد بنعيم الجنة قال أبو حيان وروي عن نافع وليجزينهم بالياء التفاتا من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة وينبغي أن يكون على تقدير قسم ثان لا معطوفا على فلنحيينه فيكون من عطف جملة قسمية على جملة قسمية وكلتاهما محذوفة وليس من عطف جواب لتغاير الإسناد
انتهى وقوله سبحانه فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله الآية التقدير فإذا أخذت في قراءة القرآن والاستعاذة ندب وعن عطاء أن التعوذ واجب ولفظ الاستعاذة هو على رتبة هذه الآية والرجيم المرجوم باللعنة وهو إبليس ثم أخبر تعالى أن إبليس ليس له ملكة ولا رياسة هذا ظاهر السلطان عندي في هذه الآية وذلك أن السلطان أن جعلناه الحجة فليس لإبليس حجة في الدنيا على أحد لا على مؤمن ولا على كافر إلا أن يتأول متأول ليس له سلطان يوم القيامة فيستقيم أن يكون بمعنى الحجة لأن إبليس له حجة على الكافرين أنه دعاهم بغير دليل فاستجابوا له من قبل أنفسهم ويتولونه معناه يجعلونه وليا والضمير في به يحتمل أن يعود على اسم الله عز و جل والظاهر أنه يعود على اسم العدو الشيطان بمعنى من أجله وبسببه فكأنه قال والذين هم بسببه مشركون بالله وهذا الأخبار بأن لا سلطان للشيطان على المؤمنين بعقب الأمر بالاستعاذة يقتضي أن الاستعاذة تصرف كيده كأنها متضمنة للتوكل على الله والانقطاع إليه
وقوله سبحانه وإذا بدلنا ءاية مكان ءاية يعني بهذا التبديل النسخ
قالوا إنما أنت مفتر أي قال كفار مكة وروح القدس هو جبريل بلا خلاف
وقوله سبحانه ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر قال ابن عباس كان بمكة غلام أعجمي لبعض قريش يقال له بلعام فكان النبي صلى الله عليه و سلم يعلمه الإسلام ويرومه عليه فقال بعض الكفار هذا يعلم محمدا وقيل اسم الغلام جبر وقيل يسار وقيل يعيش والأعجمي هو الذي لا يتكلم بالعربية وأما العجمي فقد يتكلم بالعربية ونسبته قائمة
وقوله وهذا إشارة إلى القرآن والتقدير وهذا سرد لسان أو نطق لسان
وقوله سبحانه إنما يفتري الكذب بمعنى إنما يكذب وهذه مقاومة للذين قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم إنما أنت مفتر ومن في قوله من كفر بدل من قوله الكاذبون فروي أن قوله سبحانه واولائك هم الكاذبون يراد به مقيس بن ضبابة واشباههم ممن كان يؤذي آمن ثم ارتد باختياره من غير اكراه
وقوله سبحانه إلا من اكره إي كبلال وعمار بن ياسر وأمه وخباب وصهيب وأشباههم ممن كان يوذى في الله سبحانه فربما سامح بعضهم بما أراد الكفار من القول لما أصابه من تعذيب الكفرة فيروى أن عمار بن ياسر فعل ذلك فاستثناه الله في هذه الآية وبقية الرخصة عامة في الأمر بعده ويروى أن عمار بن ياسر شكا إلى النبي صلى الله عليه و سلم ما صنع به من العذاب وما سامح به من القول فقال له النبي صلى الله عليه و سلم كيف تجد قلبك قال أجده مطمئنا بالإيمان قال فاجبهم بلسانك فإنه لا يضرك وإن عادوا فعد
وقوله سبحانه ولكن من شرح بالكفر صدرا معناه انبسط إلى الكفر باختياره ت وقد ذكر ع هنا نبذا من مسائل الإكراه تركت ذلك خشية التطويل وإذ محل بسطها كتب الفقه
وقوله سبحانه ذلك بأنهم استحبوا
الحيوة الدنيا على الآخرة الآية ذلك إشارة إلى الغضب والعذاب الذي توعد به قبل هذه الآية والضمير في أنهم لمن شرح بالكفر صدرا
وقوله سبحانه ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا الآية قال ابن إسحاق نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد قال ع وذكر عمار في هذا عندي غير قويم فإنه أرفع من طبقة هؤلاء وإنما هؤلاء من تاب ممن شرح بالكفر صدرا فتح الله له باب التوبة في آخر الآية وقال عكرمة والحسن نزلت هذه الآية في شأن عبد الله بن أبي سرح واشباهه فكأنه يقول من بعد ما فتنهم الشيطان وهذه الآية مدنية بلا خلاف وإن وجد فهو ضعيف وقرأ الجمهور من بعد ما فتنوا مبني للمفعول وقرأ أبن عامر وحده من بعد ما فتنوا بفتح الفاء والتاء أي فتنوا أنفسهم والضمير في بعدها عائد على الفتنة أو على الفعلة أو الهجرة أو التوبة والكلام يعطيها وإن لم يجر لها ذكر صريح
وقوله يوم تأتي كل نفس المعنى لغفور رحيم يوم ونفس الأولى هي النفس المعروقة والثانية هي بمعنى الذات ت قال المهدوي يجوز أن ينتصب يوم على تقدير لغفور رحيم فلا يوقف على رحيم وقال ص يوم تأتي ظرف منصوب برحيم أو مفعول به باذكر انتهى وهذا الأخير أظهر والله أعلم
وقوله سبحانه وتوفى كل نفس ما عملت أي يجازى كل من أحسن بإحسانه وكل من أساء بإساءته
وقوله سبحانه وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة الآية قال ابن عباس القرية هنا مكة والمراد بهذه الضمائر كلها في الآية أهل القرية ويتوجه عندي في الآية أنها قصد بها قرية غير معينة جعلت مثلا لمكة على معنى التحذير لأهلها ولغيرها من القرى إلى يوم القيامة وهو الذي يفهم من كلام حفصة أم المؤمنين وأنعم جمع نعمة
وقوله سبحانه فأذاقها الله لباس الجوع والخوف
استعارات أي لما باشرهم ذلك صار كاللباس والضمير في جاءهم لأهل مكة والرسول محمد صلى الله عليه و سلم والعذاب الجوع وأمر بدر ونحو ذلك إن كانت الآية مدنية وإن كانت مكية فهو الجوع فقط
وقوله سبحانه فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا الآية هذا ابتداء كلام آخر أي وأنتم أيها المؤمنون لستم كهذه القرية فكلوا واشكروا الله على تباين حالكم من حال الكفرة وقوله حلالا حال وقوله طيبا أي مستلذا إذ فيه ظهور النعمةو يحتمل أن يكون الطيب بمعنى الحلال كرر مبالغة وتأكيد
وقوله سبحانه ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام الآية هذه الآية مخاطبة للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب قال ابن العربي في أحكامه ومعنى الآية لا تصفوا الأعيان بأنها حلال أو حرام من قل أنفسكم إنما المحرم والمحلل هو الله سبحانه قال ابن وهب قال مالك لم يكن من فتيا الناس أن يقال لهم هذا حلال وهذا حرام ولكن يقول انا أكره هذا ولم أكن لأصنع هذا فكان الناس يطيعون ذلك ويرضونه ومعنى هذا أن التحليل والتحريم إنما هو لله كما تقدم بيانه فليس لأحد أن يصرح بهذا في عين من الأعيان إلا أن يكون الباري تعالى يخبر بذلك عنه وما يؤدي إليه الاجتهاد أنه حرام يقول فيه أني أكره كذا وكذا كان مالك يفعل اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى انتهى
وقوله متاع قليل إشارة إلى عيشهم في الدنيا ولهم عذاب أليم بعد ذلك في الآخرة
وقوله ما قصصنا عليك من قبل إشارة إلى ما في سورة الأنعام من ذي الظفر والشحوم
وقوله سبحانه ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم هذه آية تأنيس لجميع العالم فهي تتناول كل كافر وعاص تاب من سوء حاله قالت فرقة الجهالة هنا العمد والجهالة عندي في هذا الموضع ليست ضد
العلم بل هي نعدى الطور وركوب الرأس ومنه قوله صلى الله عليه و سلم أو أجهل أو يجهل على وقد تقدم بيان هذا وقلما يوجد في العصاة من لم يتقدم له علم بحظر المعصية التي يواقع
وقوله سبحانه إن إبراهيم كان أمة قانتا لله الآية لما كشف الله فعل اليهود وتحكمهم في شرعهم بذكر ما حرم عليهم أراد أن يبين بعدهم عن شرع إبراهيم عليه السلام والأمة في اللغة لفظة مشتركة تقع للحين وللجمع الكثير وللرجل المنفرد بطريقة وحده وعلى هذا الوجه سمي إبراهيم عليه السلام أمة قال مجاهد سمي إبراهيم أمة لانفراده بالإيمان في وقته مدة ما وفي البخاري أنه قال لسارة ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك وفي البخاري قال ابن مسعود الأمة معلم الخير والقانت المطيع الدائم على العبادة والحنيف المائل إلى الخير والصلاح
وقوله سبحانه وءاتيناه في الدنيا حسنة الآية الحسنة لسان الصدق وأمامته لجميع الخلق هذا قول جميع المفسرين وذلك أن كل أمة متشرعة فهي مقرة أن إيمانها إيمان إبراهيم وأنه قدوتها وأنه كان على الصواب ت وهذا كلام فيه بعض أجمال وقد تقدم في غير هذا الموضع بيانه فلا نطول بسرده
وقوله سبحانه ان اتبع ملة إبراهيم الآية الملة الطريقة في عقائد الشرع
وقوله سبحانه إنما جعل السبت الآية أي لم يكن من ملة إبراهيم وإنما جعله الله فرضا عاقب به القوم المختلفين فيه قاله ابن زيد وذلك أن موسى عليه السلام أمر بني إسرائيل أن يجعلوا من الجمعة يوما مختصا بالعبادة وأمرهم أن يكون الجمعة فقال جمهورهم بل يكون يوم السبت لأن الله تعالى فرغ فيه من خلق مخلوقاته وقال غيرهم بل نقبل ما أمر به موسى فراجعهم الجمهور فتابعهم الآخرون فالزمهم الله يوم السبت إلزاما قويا عقوبة لهم ثم لم يكن منهم ثبوت بل عصوا فيه وتعدوا فأهلكهم وورد في الحديث الصحيح أن اليهود والنصارى
اختلفوا في اليمم الذي يختص من الجمعة فأخذ هؤلاء السبت وأخذ هؤلاء الأحد فهدانا الله نحن إلى يوم الجمعة قال صلى الله عليه و سلم فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فليس الاختلاف المذكور في الآية هو الاختلاف في هذا الحديث ت يعنى أن الاختلاف المذكور في الآية هو بين اليهود فيما بينهم والاختلاف المذكور في الحديث الصحيح هو فيما بين اليهود والنصارى
وقوله سبحانه ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة هذه الآية نزلت بمكة أمر عليه السلام أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة
وقوله سبحانه وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة وغيره في يوم أحد ووقع ذلك في صحيح البخاري وغيره وقال النبي صلى الله عليه و سلم لئن اظفرني الله بهم لامثلن بثلاثين وفي كتاب النحاس وغيره بسبعين منهم فقال الناس أن ظفرنا لنفعلن ولنفعلن فنزلت هذه الآية ثم عزم على النبي صلى الله عليه و سلم في الصبر عن المجازاة بالتمثيل في القتلى ويروى أنه عليه السلام قال لأصحابه أما أنا فأصبر كما أمرت فما ذا تصنعون فقالوا نصبر يا رسول الله كما ندبنا
وقوله وما صبرك إلا بالله أي بمعونة الله وتأييده على ذلك
وقوله سبحانه ولا تحزن عليهم قيل الضمير في قوله عليهم يعود على الكفار أي لا تتأسف على أن لم يسلموا وقالت فرقة بل يعود على القتلى حمزة وأصحابه الذين حزن عليهم صلى الله عليه و سلم والأول أصوب
ولا تكل في ضيق مما يمكرون
قرأ الجمهور في ضيق بفتح الضاد وقرأ ابن كثير بكسر الضاد وهما لغتان إن الله مع الذين اتقوا أي بالنصر والمعونة واتقوا يريد المعاصي
ومحسنون هم الذين يتزيدون فيما ندب إليه من فعل الخير وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصبحه وسلم تسليما
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة سبحان
هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات قال ابن مسعود في بني إسرائيل والكهف إنهما من العتاق الأول وهن من تلادي يريد أنهن من قديم كسبه
قوله عز و جل سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام جل العلماء على أن الإسراء كان بشخصه صلى الله عليه و سلم وأنه ركب البراق من مكة ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه وقالت عائشة ومعاوية إنما أسري بروحه والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ولو كانت منامة ما أمكن قريشا التشنيع ولا فضل أبو بكر بالتصديق ولا قالت له أم هانىء لا تحدث الناس بهذا فيكذبوك إلى غير هذا من الدلائل وأما قول عائشة فإنها كانت صغيرة ولا حدثت عن النبي صلى الله عليه و سلم وكذلك معاوية قال ابن العربي قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا قال علماؤنا لو كان للنبي صلى الله عليه و سلم اسم هو أشرف منه لسماه الله تعالى به في تلك الحالة العلية وقد قال الأستاذ جمال الإسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن لما رفعه الله إلى حضرته السنية وارقاه فوق الكواكب العلوية ألزمه اسم العبودية تواضعا وإجلالا للألوهية انتهى من الأحكام وسبحان مصدر معناه تنزيها لله وروى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم ما معنى سبحان الله قال تنزيه الله من كل سوء وكان الإسراء فيما قال مقاتل وقتادة قبل الهجرة بعام وقيل بعام ونصف والمتحقق أن ذلك كان بعد شق الصحيفة
وقبل بيعة العقبة ووقع في الصحيحين لشريك بن أبي نمر وهم في هذا المعنى فإنه روى حديث الإسراء فقال فيه وذلك قبل أن يوحى إليه ولا خلاف بين المحدثين أن هذا وهم من شريك قال ص أسرى بعبده بمعنى سرى وليست همزته للتعدية بل كسقى واسقى والباء للتعدية وليلا ظرف للتأكيد لأن السرى لا يكون لغة إلا بليل وقيل يعني به في جوف الليل فلم يكن أدلاجا ولا أدلاجا انتهى والمسجد الأقصى بيت المقدس والأقصى البعيد والبركة حوله من وجهين أحدهما النبوؤ والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر وفي نواحيه والآخر النعم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة
وقوله سبحانه لنريه يريد لنري محمدا بعينه آياتنا في السماوات والملائكة والجنة والسدرة وغير ذلك من العجائب مما رآه تلك الليلة ولا خلاف أن في هذا الإسراء فرضت الصلوات الخمس على هذه الأمة
وقوله سبحانه أنه هو السميع البصير وعيد للمكذبين بأمر الإسراء أي هو السميع لما تقولون البصير بأفعالكم
وآتينا موسى الكتاب أي التوراة
وقوله الا تتخذوا من دوني وكيلا الآية التقدير فعلنا ذلك ليلا تتخذوا يا ذرية فذرية منصوب على النداء وهذه مخاطبة للعالم ويتجه نصب ذرية على أنه مفعول بتتخذوا ويكون المعنى أن لا يتخذوا بشرا إلاها من دون الله وقرأ أبو عمرو وحده الا يتخذوا بالياء على لفظ الغائب والوكيل هنا من التوكيل أي متوكلا عليه في الأمور فهو ند لله بهذا الوجه وقال مجاهد وكيلا شريكا ووصف نوح بالشكر لأنه كان يحمد الله في كل حال وعلى كل نعمة من المطعم والمشرب والملبس والبراز وغير ذلك صلى الله عليه و سلم قال سليمان الفارسي وغيره قال ابن المبارك في رقائقه أخبرنا ابن أبي ذيب عن سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام قال يا رب ما الشكر الذي ينبغي لك قال يا موسى لا يزال
لسانك رطبا من ذكري انتهى وقد رويناه مسندا عن النبي صلى الله عليه و سلم أعنى قوله لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله
وقوله سبحانه وقضينا إلى بني إسرائيل الآية قالت فرقة قضينا معناه في أم الكتاب قال ع وإنما يلبس في هذا المكان تعدية قضينا بالى وتلخيص المعنى عندي أن هذا الأمر هو مما قضاه الله عز و جل في أم الكتاب على بني إسرائيل والزمهم إياه ثم أخبرهم به في التوراة على لسان موسى فلما أراد هنا الإعلام لنا بالأمرين جميعا في إيجاز جعل قضتنا دالة على النفوذ في أم الكتاب وقرن بها إلى دالة على إنزال الخير بذلك إلى بني إسرائيل والمعنى المقصود مفهوم خلال هذه الألفاظ ولهذا فسر ابن عباس مرة بأن قال قضينا إلى بني إسرائيل معناه أعلمناهم وقال مرة قضينا عليهم والكتاب هنا التوراة لأن القسم في قوله لتفسدن غير متوجه مع أن نجعل الكتاب هو اللوح المحفوظ وقال ص وقضينا مضمن معنى أوحينا ولذلك تعدى بالى واصله أن يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد كقوله سبحانه فلما قضى موسى الأجل انتهى وهو حسن موافق لكلام ع وقوله ولتعلن أي لتتجبرن وتطلبون في الأرض العلو ومتقضى الآيات أن الله سبحانه أعلم بني إسرائيل في التوراة أنه سيقع منهم عصيان وكفر لنعم الله وأنه سيرسل عليهم أمة تغلبهم وتذلهم ثم يرحمهم بعد ذلك ويجعل لهم الكرة ويردهم إلى حالهم من الظهور ثم تقع منهم أيضا تلك المعاصي والقبائح فيبعث الله تعالى عليهم أمة أخرى تخرب ديارهم وتقتلهم وتجليهم جلاء مبرحا وأعطى الوجود بعد ذلك هذا الأمر كله قيل كان بين المرتين مائتا سنة وعشر سنين ملكا مؤيدا بأنبياء وقيل سبعون سنة
وقوله سبحانه فإذا جاء وعد أولهما الضمير في قوله أولاهما عائد على قوله مرتين وعبر عن الشر بالوعد لأنه قد صرح بذكر المعاقبة قال ص وعد أولاهما أي موعود وهو العقاب لان الوعد سبق بذلك
وقيل هو على حذف مضاف أي وعد عقاب أولاهما انتهى وهو معنى ما تقدم واختلف الناس في العبيد المبعوثين وفي صورة الحال اختلافا شديدا متباعدا عيونه أن بني إسرائيل عصوا وقتلوا زكريا عليه السلام فغزاهم سنجاريب ملك بابل قاله ابن إسحاق وابن جبير وقال ابن عباس غزاهم جالوت من أهل الجزيرة وقيل غزاهم بخت نصر وروي أنه دخل قبل في جيش من الفرس وهو خامل يسير في مطبخ الملك فاطلع من جور بني إسرائيل على ما لم تعلمه الفرس فلما أنصرف الجيش ذكر ذلك للملك الأعظم فلما كان بعد مدة جعله الملك رئيس جيش وبعثه فخرب بيت المقدس وقتلهم وأجلاهم ثم أنصرف فوجد الملك قد مات فملك موضعه واستمرت حال حتى ملك الأرض بعد ذلك وقالت فرقة إنما غزاهم بخت نصر في المرة الأخيرة حين عصوا وقتلوا يحي بن زكريا وصورة قتله أن الملك أراد أن يتزوج بنت امرأته فنهاه يحيى عنها فعز ذلك على امرأته فزينت بنتها وجعلتها تسقي الملك الخمر وقالت لها إذا راودك عن نفسك فتمنعي حتى يعطيك الملك ما تتمنين فإذا قال لك تمني علي ما أردت فقولي رأس يحي بن زكريا ففعلت الجارية ذلك فردها الملك مرتين وأجابها في الثالثة فجيء بالرأس في طست ولسانه يتكلم وهو يقول لا تحل لك وجرى دم يحيى فلم ينقطع فجعل الملك عليه التراب حتى ساوى سور المدينة والدم ينبعث فلما غزاهم الملك الذي بعث عليهم بحسب الخلاف الذي فيه قتل منهم على الدم سبعين ألفا حتى سكن هذا مقتضى خبرهم وفي بعض الروايات زايدة ونقص وقرأ الناس فجاسوا وقرأ أبو السمال بالحاء وهما بمعنى الغلبة والدخول قهر أو قال مؤرج جاسوا خلال الأزقة ت قال ص جاسوا مضارعه يجوس ومصدره جوس وجوسان ومعناه التردد وخلال ظرف أي وسط الديار انتهى
وقوله سبحانه ثم رددنا لكم الكرة عليهم الآية عبارة عما قاله سبحانه لبني إسرائيل في التوراة وجعل
رددنا موضع نرد لما كان وعد الله في غاية الثقة وأنه واقع لا محالة فعبر عن المستقبل بالماضي وهذه الكرة هي بعد الجلوة الأولى كما وصفنا فغلب بنو إسرائيل على بيت المقدس وملكوا فيه وحسنت حالهم برهة من الدهر وأعطاهم الله الأموال والأولاد وجعلهم إذا نفروا إلى أمر أكثر الناس فلما قال الله إني سأفعل بكم هكذا عقب بوصيتهم في قوله إن أحسنتم احسنتم لأنفسكم الآية المعنى أنكم بعملكم تجاوزن ووعد الآخرة معناه من المرتين
وقوله ليسوءوا اللام لام أمر وقيل المعنى بعثناهم ليسوءوا وليدخلوا فهي لام كي كلها والضمير للعباد أولى البأس الشديد والمسجد مسجد بيت المقدس وتبر معناه أفسد بغشم وركوب رأس
وقوله ما علوا أي ما علوا عليه من الأقطار وملكوه من البلاد وقيل ما ظرفية والمعنى مدة علوهم وغلبتهم على البلاد
وقوله سبحانه عسى ربكم أن يرحمكم الآية يقول الله عز و جل لبقية بني إسرائيل عسى ربكم أن أطعتم في أنفسكم واستقمتم أن يرحمكم وهذه العدة ليست برجوع دولة وإنما هي بأن يرحم المطيع منهم وكان من الطاعة اتباعهم لعيسى ومحمد عليهما السلام فلم يفعلوا وعادوا إلى الكفر والمعصية فعاد عقاب الله عليهم بضرب الذلة عليهم وقتلهم واذلالهم بيد كل أمة والحصير من الحصر بمعنى السجن وبنحو هذا فسره مجاهد وغيره وقال الحسن الحصير في الآية أراد به ما يفترش ويبسط كالحصير المعروف عند الناس قال ع وذلك الحصير أيضا هو مأخوذ من الحصر
وقوله سبحانه إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الآية يهدي في هذه الآية بمعنى يرشد ويتوجه فيها أن تكون بمعنى يدعو والتي يريد بها الحالة والطريقة وقالت فرقة التي هي أقوم لا إله إلا الله والأول أعم والأجر الكبير الجنة وكذلك حيث وقع في كتاب الله فضل كبير وأجر كبير فهو الجنة قال الباجي قال ابن وهب سمعت مالكا يقول إن استطعت
أن تجعل القرآن إماما فأفعل فهو الأمام الذي يهدي إلى الجنة قال أبو سليمان الداراني ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال ولولا أني ادع التفكر فيها ما جزتها وقال إنما يؤتى على أحدكم من أنه إذا ابتدأ السورة أراد آخرها قال الباجي وروى ابن لبابة عن العتبي عن سحنون أنه رأى عبد الرحمن بن القاسم في النوم فقال له ما فعل الله بك قال وجدت عنده ما أحببت قال له فأي أعمالك وجدت أفضل قال تلاوة القرآن قال قلت له فالمسائل فكان يشير بأصبعه كأنه يلشيها فكنت اسأله عن ابن وهب فيقول لي هو في عليين انتهى من سنن الصالحين
وقوله سحبانه ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا سقطت الواو من بدع في خط المصحف قال ابن عباس وقتادة ومجاهد هذه الآية نزلت ذامة لما يفعله الناس من الدعاء على أموالهم في وقت الغضب والضحر فأخبر سبحانه أنهم يدعون بالشر في ذلك الوقت كما يدعون بالخير في وقت التثبت فلو أجاب الله داءهم أهلكهم لكنه سبحانه يصفح ولا يجيب دعاء الضجر المستعجل ثم عذر سبحانه بعض العذر في أن الإنسان له عجلة فطرية والإنسان هنا يراد به الجنس قاله مجاهد وغيره وقال ابن عباس وسلمان الإشارة إلى آدم لمانفخ الروح في رأسه عطس وأبصر فلما مشى الروح في بدنه قبل ساقيه أعجبته نفسه فذهب ليمشي مستعجلا لذلك فلم بقدر والمعنى على هذا فأنتم ذووا عجلة موروثة من أبيكم وقالت فرقة معنى الآية معاتبة الناس في دعائهم بالشر مكان ما يجب أن يدعوه بالخير ت قول هذه الفرقة نقله ع غير ملخص فانا لخصته
وقوله سبحانه وجعلنا الليل والنهار ءايتين الآية هنا العلامة المنصوبة للنظر والعبرة
وقوله سبحانه فمحونا ءاية الليل قالت فيه فرقة سبب تعقيب الفاء أن الله تعالى خلق الشمس والقمر مضيئين فمحا بعد ذلك القمر محاه جبريل بجناحه ثلاث مرات
فمن هنالك كلفه وقالت فرقة أن قوله فمحونا آية الليل إنما يريد في أصل خلقته
وجعلنا ءاية النهار مبصرة أي يبصر بها ومعها ليبتغي الناس الرزق وفضل الله وجعل سبحانه القمر مخالفا لحال الشمس ليعلم به العدد من السنين والحساب للأشهر والأيام ومعرفة ذلك في الشرع إنما هو من جهة القمر لا من جهة الشمس وحكى عياض في المدارك في ترجمة الغازي بن قيس قال روي عن الغازي بن قيس أنه كان يقول ما من يوم ياتي إلا ويقول انا خلق جديد وعلى ما يفعل في شهيد فخذوا مني قبل أن أبيد فإذا أمسى ذلك اليوم خر لله ساجدا وقال الحمد لله الذي لم يجعلني اليوم العقيم انتهى والتفصيل البيان
وقوله سبحانه وكل إنسان الزمناه طائره قال ابن عباس طائره ما قدر له وعليه وخاطب الله العرب في هذه الآية بما تعرف وذلك أنه كان من عادتها التيمن والتشاؤم بالطير في كونها سانحة وبارحة وكثير ذلك حتى فعلته بالظباء وحيوان الفلا وسمت ذلك كله تطيرا وكانت تعتقد أن تلك الطيرة قاضية بما يلقى الإنسان من خير وشر فأخبرهم الله تعالى في هذه الآية بأوجز لفظ وأبلغ إشارة أن جميع ما يلقى الإنسان من خير وشر وقد سبق به القضاء والزم حظه وعمله وتكسبه في عنقه وذلك في قوله عز و جل وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه فعبر عن الحظ والعمل إذهما متلازمان بالطائر قاله مجاهد وقتادة بحسب معتقد العرب في التطير ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا هذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيآته اقرأ كتابك أي يقال له اقرأ كتابك واسند الطبري عن الحسن أنه قال يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك والآخر عن شمالك يحفظ سيئاتك فأملل ما شئت وأقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا
اقرأ كتباك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا قد عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك قال ع فعلى هذه الألفاظ التي ذكر الحسن يكون الطائر ما يتحصل مع ابن آدم من عمله في قبره فتأمل لفظه وهذا قول ابن عباس وقال قتادة في قوله اقرأ كتابك إنه سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرا
وقوله سبحانه وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها قرا الجمهور أمرنا على صيغة الماضي وعن نافع وابن كثير في بعض ما روي عنهما آمرنا بمد الهمزة بمعنى كثرنا وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه أمرنا بتشديد الميم وهي قراءة أبي عثمان النهدي وأبي العالية وأبن عبيا ورويت عن علي قال الطبري القراءة الأولى معناها امرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها وهو قول ابن عباس وابن جبير والثانية معناها كثرناهم والثالثة هي من الإمارة أي ملكناهم على الناس قال الثعلبي واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور قال أبو عبيد وإنما اخترت هذه القراءة لأن المعاني الثلاثة مجتمعة فيها وهي معنى الأمر والإمارة والكثرة انتهى ت وعبارة ابن العربي أمرنا مترفيها يعني بالطاعة ففسقوا بالمخالفة انتهى من كلامه على الأفعال الواقعة في القرآن والمترف الغني من المال المتنعم والترفة النعمة وفي مصحف أبي بن كعب قرية بعثنا أكابر مجرميها فمكروا فيها
وقوله سبحانه فحق عليها القول أي وعيد الله لها الذي قاله رسولهم والتدمير الإهلاك مع طمس الآثار وهدم البناء
وكم أهلكنا من القرون الآية مثال لقريش ووعيد لهم أي لستم ببعيد مما حصلوا فيه أن كذبتم واختلف في القرن وقد روى محمد بن القاسم في ختنه عبد الله بن بسر قال وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده على رأسه وقال سعيش هذا الغلام قرنا قلت كم القرن قال مائة سنة قال محمد بن القاسم فما زلنا نعد له حتى كمل مائة سنة ثم مات رحمه الله والباء في قوله بربك
زائدة التقدير وكفى ربك وهذه الباء إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم وقد يجيء كفى دون باء كقول الشاعر ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ...
وكقول الآخر ... ويخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا ...
وقوله سبحانه من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد الآية المعنى فإن الله يعجل لمن يريد من هؤلاء ما يشاء سبحانه على قراءة النون أو ما يشاء هذا المريد على قراءة الياء وقوله لمن نريد شرط كاف على القراءتين وقال ابن إسحاق الفزاري المعنى لمن نريد هلكته والمدحور المهان المبعد المذلل المسخوط عليه
وقوله سبحانه ومن أراد الآخرة أي اراد يقين وإيمان بها وبالله ورسالاته ثم شرط سبحانه في مريد الآخرة ان يسعى لها سعيا وهو ملازمة أعمال الخير على حكم الشرع
فاولائك كان سعيهم مشكورا ولا يشكر الله سعيا ولا عملا إلا أثاب عليه غفر بسببه ومنه قوله صلى الله عليه و سلم في حديث الرجل الذي سقى الكلب العاطش فشكر الله له فغفر له
وقوله سبحانه كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك يحتمل أن يريد بالعطاء الطاعات لمريد الآخرة والمعاصي لمريد العاجلة وروي هذا التأويل عن ابن عباس ويحتمل أن يريد بالعطاء رزق الدنيا وهو تأويل الحسن بن أبي الحسن وقتادة المعنى أنه سبحانه يرزق في الدنيا من يريد العاجلة ومريد الآخرة وإنما يقع التفاضل والتباين في الآخرة ويتناسب هذا المعنى مع قوله وما كان عطاء ربك محظورا أي ممنوعا وقل ما تصلح هذه العبارة لمن يمد بالمعاصي
وقوله أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض الآية تدل دلالة ما على أن العطاء في التي قبلها الرزق وباقي الآية معناه أوضح من أن يبين
وقوله سبحانه لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا هذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد لجميع الخلق قاله الطبري وغيره
ولا مرية في ذم من نحت عودا أو حجرا وأشركه في عبادة ربه قال ص فتقعد أي تصير بهذا فسره الفراء وغيره والخذلان في هذا بإسلام الله لعبده وأن لا يتكفل له بنصر والمخذول الذي أسلمه ناصروه والخاذل من الظباء التي تترك ولدها
وقوله سبحانه وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه الآية قضى في هذه الآية هي بمعنى أمر والزم وأوجب عليكم وهكذا قال الناس وأقول أن المعنى وقضى ربك أمره فالمقضي هنا هو الأمر وفي مصحف ابن مسعود ووصى ربك وهي قراءة ابن عباس وغيره والضمير في تعبدوا لجميع الخلق وعلى هذا التأويل مضى السلف والجمهور ويحتمل أن يكون قضى على مشهورها في الكلام ويكون الضمير في تعبدوا للمؤمنين من الناس إلى يوم القيامة
وقوله فلا تقل لهما اف معنى اللفظة أنها اسم فعل كأن الذي يريد أن يقول اضجر واتقذروا وأكره ونحو هذا يعبر ايجازا بهذه اللفظة فتعطى معنى الفعل المذكور وإذا كان النهي عن التأفيف فما فوقه من باب أحرى وهذا هو مفهوم الخطاب الذي المسكوت عنه حكمه حكم المذكور قال ص وقرأ الجمهور الذل بضم الذال وهو ضد العز وقرأ ابن عباس وغيره بكسرها وهو الانقياد ضد الصعوبة انتهى وباقي الآية بين قال ابن الحاجب في منتهى الوصول وهو المختصر الكبير المفهوم ما دل عليه اللفظ في غير محل النطق وهو مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة فالأول أن يكون حكم المفهوم موافقا للمنطوق في الحكم ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب كتحريم الضرب من قوله تعالى فلا تقل لهما اف وكالجزاء بما فوق المثقال من قوله تعالى ومن يعمل مثقال ذرة وكتأدية ما دون القنطار من قوله تعالى ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده اليك وعدم تأدية ما فوق الدينار من قوله تعالى بدينار لا يؤده إليك وهومن قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى والأعلى على الأدنى فلذلك كان الحكم في المسكوت أولى وإنما يكون ذلك إذا عرف المقصود من الحكم
وانه أشد مناسبة في المسكوت كهذه الأمثلة ومفهوم المخالفة أن يكون المسكوت عنه مخالفا للمنطوق به في الحكم ويسمى دليل الخطاب وهو أقسام مفهوم الصفة مثل في الغنم السائمة الزكاة ومفهوم الشرط مثل وأن كن أولات حمل ومفهوم الغاية مثل حتى تنكح زوجا غيره ومفهوم إنما مثل إنما الربا في النسيئة ومفهوما الاستنثاء مثل لا إله إلا الله ومفهوم العدد الخاص مثل فاجلدوهم ثمانين جلدة ومفهوم حصر المبتدأ مثل العالم زيد وشرط مفهوم المخالفة عند قائله ان لا يظهر أن المسكوت عنه أولى ولا مساويا كمفهوم الموافقة ولا خرج مخرج الأعم الأغلب مثل وربائبكم اللتي في حجوركم فأما مفهوم الصفة فقال به الشافعي ونفاه الغزالي وغره انتهى وفسر الجمهور الأوابين بالرجاعين إلىالخير وهي لفظة لزم عرفها أهل الصلاح ت قال عبد الحلق الأشبيلي واعلم أن الميت كالحي فيما يعطاه ويهدى إليه بل الميت أكثر وأكثر لأن الحي قد يستقل مايهدى إليه ويستحقر ما يتحف به والميت لا يستحقر شيئا من ذلك ولو كان مقدار جناح بعوضة أو وزن مثال ذرة لأنه يعلم قيمته وقد كان يقدر عليه فضيعه وقد قال عليه السلام إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له فهذا دعاء الولد يصل إلى والده وينتفع به وكذلك امره عليه السلام بالسلام على أهل القبور والدعاء لهم ما ذاك إلا لكون ذلك الدعاء لهم والسلام عليهم يصل إليهم ويأتيهم والله أعلم وروي عنه عليه السلام أنه قال الميت في قبره كالغريق ينتظر دعوة تلحقه من ابنه أو أخيه أو صديقه فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها والأخبار في هذا الباب كثيرة انتهى من العاقبة ت وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال كان يقال أن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده واشار بيده نحو السماء قال أبو عمر وقد رويناه بإسناد جيد ثم أسند عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله ليرفع العبد الدرجة فيقول أي رب إني لي هذه الدرجة فيقال باستغفار ولدك لك انتهى من التمهيد وروينا في سنن أبي داود أن رجلا من بني سلمة قال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء ابرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما انتهى
وقوله سبحانه وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل الآية قال الجمهور الآية وصية للناس كلهم بصلة قرابتهم خوطب بذلك النبي صلى الله عليه و سلم والمراد الأمة والحق في هذه الآية ما يتعين له من صل الرحم وسد الخلة والمواساة عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه قال بنحو هذا الحسن وابن عباس وعكرمة وغيرهم والتبذير انفاق المال في فساد أو في سرف في مباح
وقوله تعالى وأما تعرضن عنهم أي عن من تقدم ذكره من المساكين وابن السبيل فقل لهم قولا ميسورا أي فيه ترجية بفضل الله وتأنيس بالميعاد الحسن ودعاء في توسعة الله وعطائه وروي أنه صلى الله عليه و سلم كان يقول بعد نزول هذه الآية إذا لم يكن عنده ما يعطى يرزقنا الله وإياكم من فضله والرحمة على هذا التأويل الرزق المنتظر وهذا قول ابن عباس وغيره والميسور من اليسر
وقوله سبحانه ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك استعارة لليد المقبوضة عن الإنفاق جملة واستعير لليد التي تستنفد جميع ما عندها غاية البسط ضد الغل وكل هذا في انفاق الخير وانفاق الفساد فقليله وكثيره حرام أو الملامة هنا لاحقة ممن يطلب من المستحقين فلا يجد ما يعطى والمحسور الذي قد استنفدت قوته تقول حسرت البعير إذا أتعبته حتى لم تبق له قوة ومنه البصر الحسير قال ابن العربي وهذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد أمته وكثيرا ما جاء هذا المعنى في القرآن فإن النبي صلى الله عليه
وسلم لما كان سيدهم وواسطتهم إلى ربهم عبر به عنهم على عادة العرب في ذلك انتهى من الأحكام والحسير هو الكال
إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر معنى يقدر يضيق
وقوله سبحانه إنه كان بعباده خبيرا بصيرا أي يعلم مصلحة قوم في الفقر ومصلحة آخرين في الغنى وقال بعض المفسرين الآية إشارة إلى حال العرب التي كانت يصلحها الفقر وكانت إذا شبعت طغت ت وهذا التأويل يعضده قوله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض الآية ولا خصوصية لذكر العرب إلا من حيث ضرب المثل
وقوله سبحانه ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق الآية نهي عن الوأد الذي كانت العرب تفعله والإملاق الفقر وعدم المال وروى أبو داود عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كانت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يوثر ولده عليها قال يعني الذكور أدخله الله الجنة انتهى والحق الذي تقتل به النفس قد فسره النبي صلى الله عليه و سلم في قوله لا يحل دم المسلم إلا أحدى ثلاث خصال كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس أي وما في هذا المعنى من حرابة أو زندقة ونحو ذلك
ومن قتل مظلوما أي بغير الوجوه المذكورة فقد جعلنا لوليه سلطانا ولا مدخل للنساء في ولاية الدم عند جماعة من العلماء ولهن ذلك عند آخرين والسلطان الحجة والملك الذي جعل إليه من التخيير في قبول الدية أو العفو قاله ابن عباس قال البخاري قال ابن عباس كل سلطان في القرآن فهو حجة انتهى وقال قتادة السلطان القود
وقوله سبحانه فلا يسرف في القتل المعنى فلا يتعدى الولي أمر الله بأن يقتل غير قاتل وليه أو يقتل اثننين بواحد إلى غير ذلك من وجوه التعدي وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر فلا تسرف بالتاء من فوق قال الطبري على معنى الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والأئمة بعده قال ع ويصح أن يرد به
الولي أي فلا تسرف أي الولي والضمير في أنه عائد على الولي وقيل على المقتول وفي قراءة أبي بن كعب فلا تسرفوا في القتال أن ولي المقتول كان منصورا وباقي الآية تقدم بيانه قال الحسن القسطاس هو القبان وهو القرسطون وقيل القسطاس هو الميزان صغيرا كان أو كبيرا قال ع وسمعت أبي رحمه الله تعالى يقول رأيت الواعظ أبا الفضل الجوهري رحمه اله في جامع عمرو بن العاص يعظ الناس في الوزن فقال في جملة كلامه أن في هيئة اليد بالميزان عظة وذلك أن الأصابع يجيء منها صورة المكتوبة ألف ولامان وهاء فكأن اليزان يقول الله الله قال ع وهذا وعظ جميل والتأويل في هذه الآية المآل قاله قتادة ويحتمل أن يكون التأويل مصدر تأول أي يتأول عليكم الخير في جميع اموركم إذا احسنتم الكيل والوزن وقال ص تأويلا أي عاقبة انتهى
وقوله سبحانه ولا تقف معناه لا تقل ولا تتبع واللفظة تستعمل في القذف ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم نحن بنو النضر لا نقفوا امنا ولا ننتفي من أبينا واصل هذه اللفظة من اتباع الأثر تقول قفوت الاثر وحكي الطبري عن فرقة أنها قالت قفا وقاف مثل عثا وعاث فمعنى الآية ولا تتبع لسانك من القول ما لا علم لك به وبالجملة فهذه الآية تنهى عن قول الزور والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا عبر عن هذه الحواس بأولئك لأن لها ادراكا وجعلها في هذه الآية مسؤلة فهي حالة من يعقل ت قال ص وما توهمه ابن عطية من أولئك تختص بمن يعقل ليس كذلك إذ لا خلاف بين النجاة في جواز أطلاق اولاء وأولائك على من لا يعقل ت وقد نقل ع الجواز عن الزجاج وفي الفية ابن مالك
وباولى اشر لجمع مطلقا
فقال ولده بدر الدين أي سواء كان مذكرا أو مؤنثا وأكثر ما يستعمل
فيمن يعقل وقد يجيء لغيره كقوله ... ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد اولائك الأيام ...
وقد حكى ع البيت وقال الرواية فيه الأقوام واله أعلم انتهى والضمير في عنه يعد على ما ليس للإنسان به علم ويكون المعنى أن الله تعالى يسئل سمع الإنسان وبصره وفؤاده عما قال مما لا علم له به فيقع تكذيبه من جوارحه وتلك غاية الخزي ويحتمل أن يعود على كل التي هي السمع والبصر والفؤاد والمعنى أن الله تعالى يسئل الإنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده قال صاحب الكلم الفارقيه لا تدع جدول سمعك يجري في اجاج الباطل فيهلب باطنك بناء الحرص على العاجل السمع قمع تغور فيه المعاني المسموعة إلى قرار وعاء القلب فإن كانت شريفة لطيفة شرفته ولطفته وهذبته وزكته وإن كانت رذيلة دنية رذلته وخبثته وكذلك البصر منفذ من منافذ القلب فالحواس الخمس كالجداول والرواضع ترضع من اثداء الأشياء التي تلابسها وتأخذ ما فيها من معانيها وأوصافها وتؤديها إلى القلب وتنهيها انتهى
وقوله سبحانه ولا تمش في الأرض مرحا قرأ الجمهور مرحا بفتح الحاء مصدر مرح يمرح إذا تسيب مسرورا بدنياه مقبلا على راحته فنهي الإنسان أن يكون مشيه في الأرض على هذا الوجه وقرأت فرقة مرحا بكسر الراء ثم قيل له إنك أيها المرح المختال الفخور لن تخرق الأرض ولن تطاول الجبال بفخرك وكبرك وخرق الأرض قطعها ومسحها واستيفاؤها بالمشي
وقوله سبحانه كل ذلك كان سيئة قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو سيئة فالإشارة بذلك على هذه القراءة إلى ما تقدم ذكره مما نهي عنه كقوله اف وقذف الناس والمرح وغير ذلك وقرا عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي سيئة على إضافة سيء إلى الضمير فتكون الإشارة
على هذه القراءة إلى جميع ما ذكر في هذه الآيات من بر ومعصية ثم اختص ذكر السيء منه بأنه مكروه عند الله تعالى
وقوله سبحانه ذلك مما أوحي إليك ربك الآية الإشارة بذلك إلى هذه الآيات التي تضمنتها هذه الآيات المتقدمة والحكمة قوانين المعاني المحكمة والأفعال الفاضلة ت فينبغي للعاقل أن يتأدب بآداب الشريعة وأن يحسن العشرة مع عباد الله قال الإمام فخر الدين بن الخطيب في شرح أسماء الله الحسنى كان بعض المشائخ يقول مجامع الخيرات محصورة في أمرين صدق مع الحق وخلق مع الخلق انتهى وذكر هشام بن عبد الله القرطبي في تاريخه المسمى ببهجة النفس قال دخل عبد الملك بن مروان على معاوية وعنده عمرو بن العاص فلم يلبث أن نهض فقال معاوية لعمرو ما أكمل مروءة هذا الفتى فقال له عمرو أنه أخذ باخلاق أربعة وترك اخلاقا ثلاثة أخذ بأحسن البشر إذا لقي وباحسن الاستماع إذا حدث وبأحسن الحديث إذا حدث وبأحسن الرد إذا خولف وترك مزاح من لا يوثق بعقله وترك مخالطة لئام الناس وترك من الحديث ما يعتذر منه انتهى
وقوله سبحانه ولا تجعل مع الله الها آخر الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد غيره والمدحور المهان المبعد
وقوله سبحانه افاصفاكم الآية خطاب للعرب وتشنيع عليهم فساد قولهم
وقوله سبحانه ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا أي صرفنا فيه الحكم والمواعظ
وقوله سبحانه إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا قال سعيد بن جبير وغيره معنى الكلام لابتغوا إليه سبيلا في إفساد ملكه ومضاهاته في قدرته وعلى هذا فالآية بيان للتمانع وجارية مع قوله تعالى لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا قال ع ونقتضب شيئا من الدليل على أنه لا يجوز أن يكون مع الله تبارك وتعالى آله غيره على ما قاله أبو المعالي وغيره انا لو
فرضناه لفرضنا أني يريد أحدهما تسكين جسم والآخر تحريكه ومستحيل أن تنفذ الارادتان ومستحيل الا تنفذا جميعا فيكون الجسم لا متحركا ولا ساكنا فإن صحت ارادة أحدهما دون الآخر فالذي لم تتم ارادته ليس باله فإن قيل نفرضهما لا يختلفان قلنا اختلافهما جائز غير ممتنع عقلا والجائز في حكم الواقع ودليل آخر أنه لو كان الأثنان لم يمتنع أن يكونوا ثلاثة وكذلك وتسلسل إلى ما لا نهاية له ودليل آخر أن الجزء الذي لا يتجزأ من المخترعات لا تتعلق به الاقدرة واحدة لا يصح فيها اشتراك والآخر كذلك دأبا فكل جزء إنما يخترعه واحد وهذه نبذة شرحها بحسب التقصي يطول
وقوله سبحانه وإن من شيء لا يسبح بحمده الآية اختلف في هذا التسبيح هل هو حقيقة أو مجاز ت والصواب أنه حقيقة ولولا خشية الإطالة لاتينا من الدلائل على ذلك بما يثلج له الصدر
وقوله سبحانه وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة يعني كفار مكة وحجابا مستورا يحتمل أي يريد به حماية نبيه منهم وقت قراءته وصلاته بالمسجد الحرام كما هو معلوم مشهور ويحتمل أنه أراد أنه جعل بين فهم الكفرة وبين فهم ما يقرأه صلى الله عليه و سلم حجابا فالآية على هذا التأويل في معنى التي بعدها وقال الواحدي قوله تعالى وإذا قرأت القرآن الآية نزلت في قوم كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه و سلم إذا قرأ القرآن فحجبه الله عن أعينهم عند قراءة القرآن حتى يكونوا يمرون به ولا يرونه
وقوله مستورا معناه ساترا انتهى والأكنة جمع كنان وهو ما غطى الشيء والوقر الثقل في الأذن المانع من السمع وهذه كلها استعارات للأضلال الذي حفهم الله به
وقوله سبحانه نحن أعلم بما يستمعون به الآية هذا كا تقول فلان يستمع بإعراض وتغافل واستخفاف وما بمعنى الذي قيل المراد بقوله وإذ هم نجوى اجتماعهم في دار
الندوة ثم انتشرت عنهم
وقوله سبحانه انظر كيف ضربوا لك الأمثال الآية حكى الطبري أنها نزلت في الوليد بن الميغرة وأصحابه
وقوله سبحانه فلا يستطيعون سبيلا أي إلا إفساد أمرك وإطفاء نورك وقولهم ائذاكنا عظاما ورفاتا الآية في إنكارهم البعث وهذا منهم تعجب وإنكار واستبعاد والرفات من الأشياء ما مر عليه الزمان حتى بلغ غاية البلي وقربه من حالة التراب وقال ابن عباس رفاتا غبارا وقال مجاهد ترابا
وقوله سبحانه قل كونوا حجارة أو حديدا الآية المعنى قل لهم يا محمد كونوا أن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتي لا بد من بعثكم ثم أحتج عليهم سبحانه في الإعادة بالفطرة الأولى من حث خلقهم واختراعهم من تراب
وقوله سبحانه فسينغضون معناه يرفعون ويخفضون يريد على جهة التكذيب والاستهزاء قال الزجاج وهو تحريك من يبطل الشيء ويستبطيه ومنه قول الشاعر ... انغض نحوى رأسه واقنعا ... كأنما ابصر شيئا أطمعا ...
ويقال انغضت السن إذا تحركت قال الطبري وابن سلام عسى من الله واجبة فالمعنى هو قريب وفي ضمن اللفظ توعد
وقوله سبحانه يوم يدعوكم بدل من قوله قريبا ويظهر أن يكون المعنى هو يوم جوابا لقولهم متى هو وريد يدعوكم من قبوركم بالنفخ في الصور لقيام الساعة
وقوله فتستجبون أي بالقيام والعودة والنهوض نحو الدعوة
وقوله بحمده قال ابن جبير أن جميع العالمين يقومون وهم يحمدون الله ويمجدونه لما يظهر لهم من قدرته ص أبو البقاء بحمده أي حامدين وقيل بحمده من قول الرسول أي وذلك بحمد الله على صدق خبري ووقع في لفظ ع حين قر هذا المعنى عسى أن الساعة قريبة وهو تركيب لا يجوز لا تقول عسى أن زيدا قائم انتهى
وقوله سبحانه وتظنون أن لبثتم إلا قليلا يحتمل معنيين أحدهما أنهم لما رجعوا إلى
حالة الحياة ويصرف الأجساد وقع لهم ظن أنهم لم ينفصلوا عن حال الدنيا إلا قليلا لمغيب علم مقدار الزمان عنهم إذا من في الآخرة لا يقدر زمن الدنيا إذ هم لا محالة أشد مفارقة لا من النائمين وعلى هذا التأويل عول الطبري والآخر أن يكون الظن بمعنى اليقين فكأنه قال يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتتيقنون أنكم إنما لبثتم قليلا من حيث هو منقض منحصر وحكى الطبري عن قتادة أهم لما رأوا هول يوم القيامة احتقروا الدنيا فظنوا أنهم لبثوا فيها قليلا
وقوله سبحانه وقل لعبادي بقولوا التي هي أحسن اختلف الناس في التي هي أحسن فقالت فرقة هي لا إله إلا الله وعلى هذا فالعباد جميع الخلق وقال الجمهور التي هي أحسن هي المحاورة الحسنة بحسب معنى معنى قال الحسن يقول يغفر الله لك يرحمك الله وقوله لعبادي خاص بالمؤمنين قالت فرقة إنما أمر الله في هذه الآية المؤمنين بالانة القول للمشركين بمكة أيام المهادنة ثم نسخت بآية السيف
وقوله سبحانه ربكم أعلم بكم يقوى هذا التأويل إذ هو مخاطبة لكفار مكة بدليل قوله وما أرسلناك عليهم وكيلا فكان الله عز و جل أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين ثم قال للكفار أنه أعلم بهم ورجاهم وخوفهم ومعنى يرحمكم بالتوبة عليكم من الكفر قاله ابن جريج وغيره
وقوله سبحانه وءاتينا داود زبورا قرأ الجمهور زبورا بفتح الزاي وهو فعول بمعنى مفعول وهو قليل لم يجيء إلا في قدوع وركوب وحلوب وقرأ حمزة بضم الزاي قال قتادة زبور داود مواعظ ودعاء وليس فيه حلال وحرام
وقوله سبحانه قل ادع الذين زعمتم من دونه فلا
يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا هذه الآية ليست في عبدة الأصنام وإنما هي في عبدة من يعقل كعيسى وأمه وعزير وغيرهم قاله ابن عباس فلا يملكون كشف الضر ولا تحويله ثم أخبر تعالى أن هؤلاء المعبودين يطلبون ويرجون رحمته الآية قال عز الدين بن عبد السلام في اختصاره لرعاية المحاسبي الخوف والرجاء وسيلتان إلى فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات ولكن لا بد من الأكباب على استحضار ذلك واستدامته في أكثر الأوقات حتى يصير الثواب والعقاب نصب عينيه فيحثاه على فعل الطاعات وترك المخالفات ولن يحصل له ذلك إلا بتفريغ القلب من كل شيء سوى ما يفكر فيه أو يعينه على الفكر وقد مثل القلب المريض بالشهوات بالثوب المتسخ الذي لا نزول ادرانه إلا بتكرير غسله وحته وقرضه انتهى وباقي الآية بين
وقوله سبحانه أنه ليس مدينة من المدن إلا هي هالكة قبل يوم القيامة بالموت والفناء هذا مع السلامة وأخذها جزأ جزأ أو هي معذبة مأخوذة مرة واحدة
وقوله في الكتاب يريد في سابق القضاء وما خطه القلم في اللوح المحفوظ والمسطور المكتوب اسطارا
وقوله سبحانه وما منعنا أن نرسل بالآيات الآية هذه العبارة في منعنا هي على ظاهر ما تفهم العرب فسمى سبحانه سبق قضائه بتكذيب من كذب وتعذيبه منعا وسبب هذه الآية أن قريشا اقترحوا على النبي صلى الله عليه و سلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ونحو هذا من الاقتراحات فأوحى الله إلى نبيه عليه السلام أن شئت افعل لهم ذلك ثم أن لم يؤمنوا عاجلتهم بالعقوبة وإن شئت استأنيت بهم عسى أن اجتبي منهم مؤمنين فقال عليه السلام بل استأني بهم يا رب فأخبر
سبحانه في هذه الآية أنه لم يمنعه جل وعلا من ارسال الآيات المقترحة الا الاستئناء إذ قد سلفت عادته سبحانه بمعالجة الأمم الذين جاءتهم الآيات المقترحة فلم يؤمنوا كثمود وغيرهم قال الزجاج أخبر تعالى أن موعد كفار هذه الأمة الساعة بقوله سبحانه بل الساعة موعدهم فهذه الآية تنظر إلى ذلك ومبصرة أي ذات إبصار وهي عبارة عن بيان أمر الناقة ووضوح إعجازها
وقوله فظلموا بها أي بعقرها وبالكفر في أمرها ثم أخبر تعالى أنه إنما يرسل بالآيات غير المقترحة تخويفا للعباد وهي آيات معها إمهال فمن ذلك الكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح وغير ذلك وآيات الله المعتبر بها ثلاث أقسام فقسم عام في كل شيء أذ حيث ما وضعت نظرك وجدت آية وهنا فكرة للعلماء وقسم معتاد غالبا كالكسوف ونحوه وهنا فكرة الجهلة وقسم خارق للعادة وقد انقضى بانقضاء النبوة وإنما يعتبر به توهما لما سلف منه
وقوله سبحانه وإذ قلنا لك أن ربك أحاط بالناس هذه الآية إخبار للنبي صلى الله عليه و سلم بأنه محفوظ من الكفرة آمن أي فلتبلغ رسالة ربك ولا تتهيب أحدا من المخلوقين قاله الطبري ونحوه للحسن والسدي
وقوله سبحانه وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الآية الجمهور أن هذه الرؤيا رؤيا عين ويقظة وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم لما كان صبيحة الإسراء واخبر بما رأى في تلك الليلة من العجائب قال الكفار أن هذا لعجب واستبعدوا ذلك فافتتن بهذا قوم من ضعفة المسلمين فارتدوا وشق ذلك على النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية فعلى هذا يحسن أن يكون معنى قوله أحاط بالناس في اضلالهم وهدايتهم أي فلا تهتم يا محمد بكفر من كفر وقال ابن عباس الرؤيا في هذه الآية هي رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم أنه يدخل مكة فعجل في سنة الحديبية فصد فافتتن المسلمون
لذلك يعني بعضهم وليس بفتنة كفر
وقوله والشجرة الملعونة في القرآن معطوفة على قوله الرؤيا أي جعلنا الرؤيا والشجرة فتنة والشجرة الملعونة في قول الجمهور هي شجرة الزقوم وذلك أن أمرها لما نزل في سورة والصافات قال أبو جهل وغيره هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنها تنبت الشجر والنار تأكل الشجر وما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد ثم أحضر تمرا وزبدا وقال لاصحابه تزقموا فافتتن أيضا بهذه المقالة بعض الضعفاء قال الطبري عن ابن عباس أن الشجرة الملعونة يريد الملعون أكلها لأنها لم يجر لها ذكر قال ع ويصح أن يريد الملعونة هنا فأكد الأمر بقوله في القرآن وقالت فرقة الملعونة أي المبعدة المكروهة وهذا قريب في المعنى من الذي قبله ولا شك ان ما ينت في أصل الجحيم هو في نهاية البعد من رحمة الله سبحانه
وقوله سبحانه ونخوفهم يريد كفار مكة
وقوله ارأيتك هذا الذي كرمت علي الكاف في ارأيتك هي كاف خطاب ومبالغة في التنيه لا موضع لها من الأعراب فهي زائدة ومعنى ارأيت اتأملت ونحوه كان المخاطب بها ينبه المخاطب ليستجمع لما ينصه بعد
وقوله لاحتنكن معناه لاميلن ولأجرن وهو مأخوذ من تحنيك الدابة وهو أن يشد على حنكها بحبل أو غيره فتقاد والسنة تحتنك المال أي تجتره وقال الطبري لاجتنكن معناه لاستأصلن وعن ابن عباس لاستولين وقال ابن زيد لاضلن قال ع وهذا بدل اللفظ لا تفسير
وقوله أذهب فمن تبعك منهم وما بعده من الأوامر هي صيغة افعل بمعنى التهديد كقوله تعالى اعملوا ما شئتم والموفور المكمل واستفزز معناه استخف واخدع
وقوله بصوتك قيل هو الغناء والمزامير والملاهي لأنها أصوات كلها مختصة بالمعاصي فهي مضافة إلى الشيطان قاله مجاهد وقيل بدعائك أياهم إلى طاعتك قال ابن عباس صوته دعاء كل من دعا إلى معصية الله والصواب أن يكون
الصوت يعم جميع ذلك
وقوله وأجلب أي هول والجلبة الصوت الكثير المختلط الهائل
وقوله بخيلك ورجلك قيل هذا مجاز واستعارة بمعنى أسع سعيك وابلغ جهدك وقيل حقيقة وان له خيلا ورجلا من الجن قاله قتادة وقيل المراد فرسان الناس ورجالتهم المتصرفون في الباطل فإنهم كلهم أعوان لإبليس علىغيرهم قاله مجاهد
وشاركهم في الأموال والأولاد عام لكل معصية يصنعها الناس بالمال ولكل ما يصنع في أمر الذرية من المعاصي كالايلاد بالزنا وكتسميتهم عبد شمس وأبا الكويفر وعبد الحارث وكل اسم مكروه ومن ذلك وأد البنات ومن ذلك صبغهم في أديان الكفر وغير هذا وما أدخله النقاش من وطء الجن وأنه يحبل المرأة من الأنس فضعيف كله ت أما ذكره من الحبل فلا شك في ضعفه وفساد قول ناقله ولم أر في ذلك حديثا لا صحيحا ولا سقيما ولو أمكن أن يكون الحبل من الجن كما زعم ناقله لكان ذلك شبهة يدرأ بها الحد عن من ظهر بها حبل من النساء اللواتي لا أزواج لهن لأحتمال أن يكون حبلها من الجن كما زعم هذا القائل وهو باطل وأما ما ذكره من الوطء فقد قيل ذلك وظواهر الأحاديث تدل عليه وقد خرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه أن يقدر بينهما الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا يقتضي أن لهذا اللعين مشاركة ما في هذا الشأن وقد سمعت من شيخنا أبي الحسن علي بن عثمان الزواوي المانجلاتي سيد علماء بجاية في وقته قال حدثني بعض الناس ممن يوثق به يخبر عن زوجته أنها تجد هذا الأمر قال المخبر واصغيت إلى ما أخبرت به الزوجة
فسمعت حسن ذلك الشيء والله أعلم
وقوله سبحانه ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر ازجاء الفلك سوقه بالريح اللينة والمجاذيف ولتبتغوا من فضله لفظ يعم التجر وغيره وهذه الآية المباركة توقيف على آلاء الله وفضله ورحمته بعباده والضر هنا لفظ يعم لغرق وغيره وأهوال حالات البحر واضطرابه وتموجه وضل معناه تلف وفقد
وقوله اعرضتم أي فلم تفكروا في جميل صنع الله بكم
وقوله كفورا أي بالنعم والإنسان هنا الجنس والحاصب العارض الرامي بالبرد والحجارة ومنه الحاصب الذي أصاب قوم لوط والحصب الرمي بالحصباء والقاصف الذي يكسر كل ما يلقى ويقصفه وتارة معناه مرة أخرى والتبيع الذي يطلب ثارا أو دينا ومن هذه اللفظة قوله صلى الله عليه و سلم إذا اتبع أحدكم على ملي فليبتع فالمعنى لا تجدون من يتتبع فعلنا بكم ويطلب نصرتكم وهذه لآيات أنوارها واضحة للمهتدين
وقوله جلت عظمته ولقد كرمنا بني ءادم الآية عدد الله سبحانه على بني آدم ما خصهم به من المزايا من بين سائر الحيوان ومن أفضل ما أكرم به الآدمي العقل الذي به يعرف الله تعالى ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه
وقوله سبحانه على كثير ممن خلقنا المراد بالكثير المفضول الحيوان والجن وأما الملائكة فهم الخارجون عن الكثير المفضول وليس في الآية ما يقتضي أن الملائكة أفضل من الأنس كما زعمت فرقة بل الأمر محتمل أن يكونوا أفضل من الأنس ويحتمل التساوي
وقوله سبحانه يوم ندعوا كل أناس بإمامهم يحتمل أن يريد باسم إمامهم فيقول يا أمة محمد ويا أتباع فرعون ونحو هذا ويحتمل أن يريد مع إمامهم فيقول يا أمة معها إمامها من هاد ومضل واختلف في الإمام فقال ابن عباس والحسن كتابهم الذي فيه أعمالهم وقال قتادة ومجاهد نبيهم وقال ابن زيد كتابهم الذي نزل عليم وقالت فرقة متبعهم من هاد
أو مضل ولفظة الأمام تعم هذا كله
وقوله سبحانه فمن أوتي كتابه بيمينه حقيقة في أن في القيامة صحائف تتطاير وتوضع في الإيمان لأهل الإيمان وفي الشمائل لأهل الكفر والخذلان وتوضع في إيمان المذنبين الذين ينفذ عليهم الوعيد فيستفيدون منها أنهم غير مخلدين في النار وقوله سبحانه يقرءون كتابهم عبارة عن السرور بها أي يرددونها ويتأملونها
وقوله سبحانه ولا يظلمون فتيلا أي ولا أقل وقوله سبحانه ومن كان في هذه اعمى قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد الإشارة بهذه الى الدنيا أي من كان في هذه الدار أعمى عن النظر في آيات الله وعبره والإيمان بانبيائه فهو في الآخرة أعمى على معنى أنه حيران لا يتوجه لصواب ولا يلوح له نجح قال مجاهد فهو في الآخرة أعمى عن حجته ويحتمل أن يكون صفة تفضيل أي اشد عمى وحرة لأنه قد باشر الخيبة ورأى مخايل العذاب ويقوى هذا التأويل قوله عطفا عليه وأضل سبيلا الذي هو أفعل من كذا العمى في هذه الآية هو عمى القلب وقول سيبويه لا يقال اعمى من كذا إنما هو في عمى العين الذي لا تفاضل فيه وأما في عمى القلب فيقال ذلك لأنه يقع فيه التفاضل ت وكذا قال ص وقوله سبحانه وإن كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا إليك لتفتري علينا غيره الآية الضمير في قوله كادوا هو لقريش وقيل لثقيف فأما لقريش فقال ابن جبير ومجاهد نزلت الآية لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم لا ندعك تستلم الحجر الأسود حتى تمس أيضا أوثاننا على معنى التشرع وقال ابن إسحاق وغيره أنهم اجتمعوا إليه ليلة فعظموه وقالوا له أنت سيدنا ولكن أقبل على بعض أمرنا ونقبل على بعض أمرك فنزلت الآية في ذلك قال ع فهي في معنى قوله ودوا لو تدهن فيدهنون وأما لثقيف فقال ابن عباس وغيره لأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يؤخرهم بعد إسلامهم سنة يعبدون فيها اللات
وقالوا إنما نريد أن نأخذ ما يهدى لها ولكن أن خفت أن تنكر ذلك عليك العرب فقل أوحى الله ذلك إلي فنزلت الآية في ذلك ت والله اعلم بصحة هذه التأويلات وقد تقدم ما يجب اعتقاده في حق النبي صلى الله عليه و سلم فالتزمه تفلح
وقوله وإذا لا تخذوك خليلا توقيف على ما نجاه الله منه من مخالة الكفار والولاية لهم
وقوله سبحانه ولولا أن ثبتناك الآية تعديد نعمة على النبي صلى الله عليه و سلم وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزلت هذه الآية قال اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين وقرأ الجمهور تركن بفتح الكاف والنبي صلى الله عليه و سلم لم يركن لكنه كاد بحسب همه بموافقتهم طمعا منه في استيلافهم وذهب ابن الأنباري إلى أن معنى الآية لقد كادوا أن يخبروا عنك أنك ركنت ونوح هذا ذهب في ذلك إلى نفي الهم عن النبي صلى الله عليه و سلم فحمل اللفظ ما لايحتمل وقوله شيئا قليلا يبطل ذلك ت وجزى الله ابن الأنباري خيرا وأن تنزيه سائر الأنبياء لواجب فكيف بسيد ولد آدم صلى الله عليه و سلم وعليهم أجمعين قال أبو الفضل عياض في الشفا قوله تعالى ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيءا قليلا قال بعض المتكلمين عاتب الله تعالى نبينا عليه السلام قبل وقوع ما يوجب العتاب ليكون بذلك أشد انتهاء ومحافظة لشرائط المحبة وهذه غاية العناية ثم أنظر كيف بدأ بثباته وسلامته قبل ذكر ما عاتبه عليه وخيف أن يركن إليه وفي أثناء عتبه براءته وفي طي تخويفه تأمينه قال عياض رحمه الله ويجب على المؤمن المجاهد نفسه الرائض بزمام الشريعة خلقه أن يتأدب بآدات القرآن في قوله وفعله ومعاطاته ومحاوراته فهو عنصر المعارف الحقيقية وروضة الآداب الدينية والدنيوية انتهى قال ع وهذا الهم من النبي صلى الله عليه و سلم إنما كان خطرة مما لا يمكن دفعه ولذلك قيل كدت وهي تعطي أنه لم يقع ركون ثم قيل شيئا
قليلا إذ كانت المقاربة التي تضمنتها كدت قليلة خطرة لم تتأكد في النفس وقوله إذ لاذقناك الآية يبطل أيضا ما ذهب إليه ابن الأنباري ت وما ذكره ع رحمه الله تعالى من البطلان لا يصح وما قدمناه عن عياض حسن فتأمله
وقوله ضعف الحيوة قال ابن عباس وغيره يريد ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات
وقوله سبحانه وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها الآية قال الحضرمي الضمير في كادوا ليهود المدينة وناحيتها ذهبوا إلى المكر بالنبي صلى الله عليه و سلم فقالوا له إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء فإن كنت نبيا فأخرج إلى الشام فإنها أرض الأنبياء فنزلت الآية وأخبر سبحانه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لو خرج لم يلبثوا بعده إلا قليلا وقالت فرقة الضمير لقريش قال ابن عباس وقد وقع استفزازهم وأخراجهم له فلم يلبثوا خلفه غلا قليلا يوم بدر وقال مجاهد ذهبت قريش إلى هذا ولكنه لم يقع منها لأنه لما أراد الله سبحانه استقاء قريش وان لا يسأصلها أذن لرسوله في الهجرة فخرج من الأرض بإذن الله لا بقهر قريش واستبقيت قريش ليسلم منها ومن اعقابها من أسلم ت قال ص قوله لا يلبثون جواب قسم محذوف أي والله أن استفززت فخرجت لا يلبثون خلفك إلا قليلا انتهى
وقوله سبحانه سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا الآية معنى الآية الأخبار أن سنة الله تعالى في الأمم الخالية وعادته أنها إذا اخرجت نبيها من بين أظهرها نالها العذاب واستأصلها فلم تلبث خلفه إلا قليلا
وقوله سبحانه أقم الصلوة لدلوك الشمس الآية إجماع المفسرين على أن الإشارة هنا إلى الصوات المفروضة والجمهور أن دلوك الشمس زوالها والإشارة إلى الظهر والعصر وغسق الليل أشير به إلى المغرب والعشاء وقرآن الفجر يريد به صلاة الصبح فالآية تعم جميع الصلوات والدلوك في اللغة هو الميل فأول الدلوك هو الزوال وآخره هو
الغروب قال أبو حيان واللام في لدلوك الشمس للظرفية بمعنى بعد انتهى وغسق الليل أجتماعه تكاثف ظلمته وعبر عن صلاة الصبح خاصة بالقرآن لأن القرآن هو عظمها إذ قراءتها طويلة مجهور بها
وقوله سبحانه إن قرآن الفجر كان مشهودا معناه يشهده حفظة النهار وحفظة الليل من الملائكة حسبما ورد في الحديث الصحيح يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر الحديث بطوله وفي مسند البزار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أن أفضل الصلوات صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة وما احسب شاهدها منكم إلا مغفور له انتهى من الكوكب الدري
ومن الليل فتهجد به من للتبعيض التقدير ووقتا من الليل أي قم وقتا والضمير في به عائد على هذا المقدر ويحتمل أن يعود على القرآن وتهجد معناه أطرح الهجو عنك والهجود النوم المعنى ووقتا من الليل أسهر به في صلاة وقراءة وقال علقمة وغيره التهجد بعد نومه وقال الحجاج بن عمر وإنما التهجد بعد رقدة وقال الحسن التجهد ما كان بعد العشاء الآخرة
وقوله نافلة لك قال ابن عباس معناه زيادة لك في الفرض قال وكان قيام الليل فرضا على النبي صلى الله عليه و سلم وقال مجاهد إنما هي نافلة للنبي صلى الله عليه و سلم لأنه مغفور له والناس يحطون بمثل ذلك خطاياهم يعني ويجبرون بها فرائضهم حسبما ورد في الحديث قال صاحب المدخل وهو أبو عبد الله بن الحاج وقد قالوا أن من كان يتفلت من القرآن فليقم به في الليل فإن ذلك يثبته له ببركة امتثال السنة سيما الثلث الأخير من الليل لما ورد في ذلك من البركات والخيرات وفي قيام الليل من الفوائد جملة فلا ينبغي لطالب العلم أن يفوته منها شيء فمنها أنه يحط الذنوب كما يحط الريح العاصف الورق اليابس من الشجرة الثاني أنه ينور القلب الثالث أنه يحسن الوجه الرابع أنه يذهب الكسل وينشط البدن
الخامس أن موضعه تراه الملائكة من السماء كما يتراءى الكوكب الدري لنا في السماء وقد روى الترميذي عن أبي امامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عليكم بقيام الليل فإنه من دأب الصالحين قبلكم وأن قيام الليل قربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الآثام وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين انتهى من المدخل
وقوله سبحانه عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا عدة من الله عز و جل لنبيه وهو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء حتى ينتهي إليه صلى الله عليه و سلم والحديث بطوله في البخاري ومسلم قال ابن العربي في أحكامه واختلف في وجه كون قيام الليل سببا للمقام المحمود على قولين للعلماء أحدهما أن الباري تعالى يجعل ما يشاء من فضله سببا لفضله من غير معرفة لنا بوجه الحكمة الثاني أن قيام الليل فيه الخلوة بالباري تعالى والمناجات معه دون الناس فيعطى الخلوة به ومناجاته في القيامة فيكون مقاما محمودا ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم واجلهم فيه درجة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم فيعطى من المحامد ما لم يعط أحد ويشفع فيشفع انتهى
وقوله سبحانه وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق الآية ظاهر الآية والأحسن أن يكون دعا عليه السلام في أن يحسن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة فهي على أتم عموم معناه رب أصلح لي وردى في كل الأمور وصدري وذهب المفسرون إلى تخصيص اللفظ فقال ابن عباس وغيره أدخلني المدينة وأخرجني من مكة وقال ابن عباس أيضا الادخال بالموت في القبر والاخراج البعث
وقيل غير هاذ وما قدمت من العموم التام الذي يتناول هذا كله أصوب والصدق هنا صفة تقتضي رفع المذام واستيعاب المدح
وأجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا قال مجاهد يعني حجة تنصرني بها على الكفار
وقوله سبحانه وقل جاء الحق الآية قال قتادة الحق القرآن والباطل الشيطان وقالت فرقة الحق الإيمان والباطل الكفران وقيل غير هذا والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة فيكون التفسير جاء الشرع بجميع من انطوى فيه وزهق الكفر بجميع ما انطوى فيه وهذه الآية نزلت بمكة وكان يستشهد بها النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة وقت طعنه الأصنام وسقوطها لطعنه إياها بالمخصرة
وقوله سبحانه وننزل من القرآن ما هو شفاء الآية أي شفاء بحسب إزالته للريب وكشفه غطاء القلب وشفاء أيضا من الأمراض بالرقى والتعويذ ونحوه
وقوله سبحانه وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه يحتمل أن يكون الإنسان عاما للجنس فالكافر يبالغ في الأعراض والعاصي يأخذ بحظ منه ونئا أي بعد
قل كل يعمل على شاكلته أي على ما يليق به قال ابن عباس على شاكلته معناه على ناحيته وقال قتادة معناه على ناحيته وعلى ما ينوي
وقوله سبحانه فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا توعد بين
وقوله سبحانه ويسئلونك عن الروح روى ابن مسعود أن اليهود قال بعضهم لبعض سلوا محمد عن الروح فإن أجاب فيه عرفتم أنه ليس بنبي قال ع وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما أنفرد الله بعلمه ولا يطلع عليه أحد من عباده فسألوه فنزلت الآية وقيل أن الآية مكية والسائلون هم قريش بإشارة اليهود واختلف الناس في الروح المسئول عنه أي روح هو فقال الجمهور وقع السؤال عن الأرواح التي في الأشخاص الحيوانية ما هي فالروح اسم جنس على هذا وهذا هو الصواب وهو المشكل الذي لا تفسير له
وقوله سبحانه من أمر ربي يحتمل أن يريد أن الروح من جملة أمور الله التي
استأثر سبحانه بعلمها وهي إضافة خلق إلى خالق قال ابن راشد في مرقبته اخبرني شيخي شهاب الدين القرافي عن ابن دقيق العيد أنه رأى كتابا لبعض الحكماء في حقيقة النفس وفيه ثلاثمائة قول قال رحمة الله وكثرة الخلاف توذن بكثرة الجهالات ثم علماء الإسلام اختلفوا في جواز الخوض فيها على قولين ولكل حجج يطول بنا سردها ثم القائلون بالجواز اختلفوا هل هي عرض أو جوهر أو ليست بجوهر ولا عرض ولا توصف بأنها داخل الجسم ولا خارجه وإليه ميل الإمام أبي حامد وغيره والذي عليه المحققون من المتأخرين أنها جسم نوراني شفاف سار في الجسم سريان النار في الفحم والدليل على أنها في الجسم قوله تعالى فلولا إذا بلغت الحلقوم فلو لم تكن في الجسم لما قال ذلك وقد أخرني الفقيه الخطيب أو محمد البرجيني رحمه الله عن الشيخ الصالح أبي الظاهر الركراكي رحمه الله قال حضرت عند ولي من الأولياء حين النزع فشاهدت نفسه قد خرجت من مواضع من جسده ثم تشكلت على رأسه بشكله وصورته ثم صعدت إلى السماء وصعدت نفسي معها فلما انتهينا إلى السماء الدنيا شاهدت بابا ورجل ملك ممدودة عليه فازال ذلك الملك رجله قال لنفس لك الولي اصعدي فصعدت فارادت نفسي أن تصعد معها فقال لها أرجعي فقد بقي لك وقت قال فرجعت فشاهدت الناس دائرين على جسمي وقائل يقول مات وآخر يقول لم يمت فدخلت من أنفي أو قال من عيني وقمت انتهى ت وهذه الحكاية صحيحة ورجال إسنادها ثقات معروفون بالفضل فأبن راشد هو شارح ابن الحاجب الفرعي والبرجيني معروف عند أهل أفريقية وأبو الطاهر من أكابر الأولياء معظم عند أهل تونس مزاره وقبره بالزلاج معروف زرته رحمه الله وقرأ الجمهور ما أوتيتم واختلف فيمن خوطب بذلك فقال فرقة السائلون فقط وقالت
فرقة العالم كله وقد نص على ذلك صلى الله عليه و سلم على ما حكاه الطبري
وقوله ولئن شئنا لنذهبن الآية المعنى وما أوتيتم أنت يا محمد وجميع الخلائق من العلم إلا قليلا فالله يعلم من علمه بما شاء ويدع ما شاء ولو شاء لذهب بالوحي الذي آتاك
وقوله إلا رحمة استثناء منقطع أي لكن رحمة من ربك تمسك عليك قال الداودي وما روي عن ابن مسعود من أنه سينزع القرآن من الصدور وترفع المصاحف لا يصبح وإنما قال سبحانه ولئن شئنا فلم يشأ سبحانه وفي الحديث عنه صلى الله عليه و سلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون قال البخاري وهم أهل العلم ولا يكون العلم مع فقد القرآن انتهى كلام الداودي وهو حسن جدا وقد جاء في الصحيح ما هو أبين من هذا وهو قوله صلى الله عليه و سلم أن الله لا ينتزع العلم انتزاعا ولكن يقبض العلم بقبض العلماء الحديث
وقوله سبحانه قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الآية سبب هذه الآية أن جماعة من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم لو جئتنا بآية غريبة غير هذا القرآن فإنا نقدر نحن على المجيء بمثله فنزلت هذه الآية المصرحة بالتعجيز لجميع الخلائق قال ص واللام في لئن اجتمعت اللام الموطئة للقسم وهي الداخلة على الشرط كقوله لئن أخرجوا ولئن قوتلوا والجواب بعد للقسم لتقدمه إذا لم يسبق ذو خبره لا للشرط هذا مذهب البصريين خلافا للفراء في أجازته الأمرين إلا أن الأكثر أن يجيء جواب قسم والظهير المعين قال ع وفهمت العرب الفصحاء بخلوص فهمها في ميز الكلام ودربتها به ما لا نفهمه نحن ولا كل من خالطته حضارة ففهموا العجز عنه ضرورة ومشاهدة وعلمه الناس بعدهم استدلالا ونظر ولكل حصل علم قطعي لكن ليس في مرتبة واحدة
وقوله سبحانه وقالوا لن نؤمن
لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآية روي في قول هذه المقالة للنبي صلى الله عليه و سلم حديث طويل مقتضاه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وعبد الله بن أبي أمية والنضر بن الحارث وغيرهم من مشيخة قريش وساداتها اجتمعوا عليه فعرضوا عليه أن يملكوه أن إراد الملك أو يجمعوا له كثيرا من المال إن أراد الغنى ونحو هذا من الأقاويل فدعاهم صلى الله عليه و سلم عند ذلك إلى الله وقال إنما جئتكم بأمر من الله فيه صلاح دنياكم ودينكم فإن أطعتم فحسن وإلا صبرت حتى يحكم الله بيني وبينكم فقالوا له حينئذ فإن كان ما تزعم حقا ففجر لنا من الأرض ينبوعا الحديث بطوله والينبوع الماء النابع وخلالها ظرف ومعناه اثناءها وفي داخلها
وقوله كما زعمت إشارة إلى ما تلا عليهم قبل ذلك في قوله سبحانه إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء الآية والكسف الشيء المقطوع وقال الزجاج المعنى أو تسقط السماء علينا طبقا
وقوله قبيلا قيل معناه مقابلة وعيانا وقيل معناه ضامنا وزعيما بتصديقك ومنه القبالة وهي الضمان وقيل معناه نوعا وجنسا لا نظير له عندنا
أو يكون لك بيت من زخرف قال المفسرون الزخرف الذهب في هذا الموضع
أو ترقى في السماء أي في الهواء علوا ويحتمل أن يريد السماء المعروفة وهو أظهر ت وذكر ع هنا كلمات الواجب طرحها ولهذا أعرضت عنها وترقى معناه تصعد ويروى أن قائل هذه المقالة هو عبدا لله بن أبي أمية ويروى أن جماعتهم طلبت هذا النحو منه فأمره عز و جل أن يقول سبحان ربي أي تنزيها له من الاتيان إليكم مع الملائكة قبيلا ومن أقتراحي أنا عليه هذه الأشياء وهل انا إلا بشر إنما علي البلاغ المبين فقط
وقوله مطمئنين أي وادعين فيها مقيمين
وقوله سبحانه قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم روي أن من تقدم الآن ذكرهم من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم في آخر قولهم
فلتجىء معك بطائفة من الملائكة تشهد لك بصدقك في نبوءتك وروي أنهم قالوا فمن يشهد لك ففي ذلك نزلت الآية أي الله يشهد بيني وبينكم ثم أخبر سبحانه أنه يحشرهم على الوجوه حقيقة وفي هذا المعنى حديث قيل يا رسول الله كيف يمشى الكافر على وجهه قال أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجلين قادرا على أن يمشيه في الآخرة على وجهه قال قتادة بلى وعزة ربنا ت وهذا الحديث قد خرجه الترمذي من طريق أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف ركبانا ومشاة وعلى وجوههم الحديث
وقوله كلما خبت أي كلما فرغت من أحراقهم فسكن اللهيب القائم عليهم قدر ما يعادون ثم يثور فتلك زيادة السعير قاله ابن عباس قال ع فالزيادة في حيزهم وأما جهنم فعلى حالها من الشدة لا فتور وخبت النار معناه سكن اللهيب والجمر على حاله وخمدت معناه سكن الجمر وضعف وهمدت معناه طفئت جملة
وقوله سبحانه ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا الآية الإشارة بذلك إلى الوعيد المتقدم بجهنم
قوله عز و جل أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض الآية الرؤية في هذه الآية هي رؤية القلب وهذه الآية احتجاج عليهم فيما استبعدوه من البعث والأجل هاهنا يحتمل أن يريد به القيامة ويحتمل أن يريد أجل الموت
وقوله سبحانه قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي الآية الرحمة في هذه الآية المال والنعم التي تصرف في الأرزاق
وقوله خشية الأنفاق المعنى خشية عاقبة الإنفاق وهو الفقر وقال بعض اللغويين انفق الرجل معناه افتقر كما تقول اترب واقتر
وقوله وكان الإنسان قتورا أي ممسكا يريد أن في طبعه ومنتهى نظره أن الأشياء تتناهى وتفنى فهو لو ملك خزائن رحمة الله لأمسك خشية الفقر وكذلك يظن أن قدرة الله تقف دون البعث والأمر ليس
كذلك بل قدرته لا تتناهى
وقوله سبحانه ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات الآية اتفق المتأولون والرواة أن الآيات الخمس التي في سورة الأعراف هي من هذه التسع وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم واختلفوا في الأربع ت وفي هذا الاتفاق نظر وروي في هذا صفوان بن عسال أن يهوديا من يهود المدينة قال لآخر سر بنا إلى هذا النبي نسأله عن آيات موسى فقال له الآخر لا تقل له أنه نبي فإنه لو سمعها صار له أربعة أعين قال فسارا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسألاه فقال هي لا تشركوا بالله شيأ ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا ببريء إلى السلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا المحصنات ولا تفروا يوم الزحف وعليكم خاصة معشر اليهود أن لا تعدوا في السبت انتهى وقد ذكر ع هذا الحديث
وقوله سبحانه فسأل بني إسرائيل إذ جاءهم أي اذ جاءهم موسى واختلف في قوله مسحورا فقالت فرقة هو مفعول على بابه وقال الطبري هو بمعنىساحر كما قال حجابا مستورا وقرأ الجمهور لقد علمت وقرأ الكسائي لقد علمت بتاء المتكلم مضمومة وهي قراءة على بن أبي طالب وغيره وقال ما علم عدو الله قط وإنما علم موسى والإشارة بهؤلاء إلى التسع
وقوله بصائر جمع بصيرة وهي الطريقة أي طرائق يهتدى بها والمثبور المهلك قاله مجاهد
فأراد أن يستفزهم من الأرض أي يستخفهم ويقتلهم والأرض هنا أرض مصر ومتى ذكرت الأرض عموما فإنما يراد بها ما يناسب القصة المتكلم فيها وأقتضبت هذه الآية قصص بني إسرائيل مع فرعون وإنما ذكرت عظم الأمر وخطيره وذلك طرفاه أراد فرعون غلبتهم وقتلهم وهذا كان بدء الأمر فاغرقه الله وجنوده وهذا كان نهاية الأمر ثم ذكر سبحانه أمر بني إسرائيل بعد إغراق فرعون بسكنى أرض الشام ووعد الآخرة هو
يوم القيامة واللفيف الجمع المختلط الذي قد لف بعضه إلى بعض
وقوله سبحانه وبالحق أنزلناه يعني القرآن نزل بالمصالح والسداد للناس وبالحق نزل يريد بالحق في أوامره ونواهيه وأخباره وقرأ جمهور الناس فرقناه بتخفيف الراء ومعناه بينها وأوضحناه وجعلناه فرقانا وقرأ جماعة خارج السبع فرقناه بتشديد الراء أي أنزلناه شيئا بعد شيء لا جملة واحدة ويتناسق هذا المعنى مع قوله لتقرأه على الناس على مكث وتأولت فرقة قوله على مكث أي على ترسل في التلاوة وترتل هذا قول مجاهد وابن عباس وابن جريج وابن زيد والتأويل الآخر أي على مكث وتطاول في المدة شيئا بعد شيء
وقوله سبحانه قل آمنوا به أو لا تؤمنوا فيه تحقير للكفار وضرب من التوعد والذين أوتوا العلم من قبله قالت فرقة هم مؤمنو أهل الكتاب والأذقان أسافل الوجوه حيث يجتمع اللحيان قال الواحدي إن كان وعد ربنا أي بإنزال القرآن وبعث محمد لمفعولا انتهى
وقوله سبحانه ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا هذه مبالغة في صفتهم ومدح لهم وحض لكل من توسم بالعلم وحصل منه شيئا إن يجري إلى هذه الرتبة النفسية وحكى الطبري عن التميمي أن من اوتي من العلم مالم يبكه لخليق ان لا يكون أوتي علما ينفعه لأن الله سبحانه نعت العلماء ثم تلا هذه الآية كلها ت وأنه والله لذلك وإنما يخشى الله من عباده العلماء اللهم انفعنا بما علمتنا ولا تجعله علينا حجة بفضلك ونقل الغزالي عن ابن عباس أنه قال إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه قال الغزالي فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد الحزن والبكاء فإن ذلك من أعظم المصائب قال الغزالي وأعلم أن الخشوع ثمرة الإيمان ونتيجة اليقين الحاصل بعظمة الله تعالى ومن رزق ذلك فإنه يكون خاشعا في الصلاة وغيرها
فإن موجب الخشوع استشعار عظمة الله ومعرفة اطلاعه على العبد ومعرفة تقصير العبد فمن هذه المعارف يتولد الخشوع وليست مختصة بالصلاة ثم قال وقد دلت الأخبار على أن الأصل في الصلاة الخشوع وحضور القلب وأن مجرد الحركات مع الغفلة قليل الجدوى في المعاد قال وأعلم أن المعاني التي بها تتم حياة الصلاة تجمعها ست جمل وهي حضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء فحضور القلب أن يفرغه من غير ما هو ملابس له والتفهم أمر زائد على الحضور وأما التعظيم فهو أمر وراء الحضور والفهم وأما الهيبة فأمر زائد على التعظيم وهي عبارة عن خوف منشأه التعظيم وأما التعظيم فهو حالة للقلب تتولد من معرفتين إحداهما معرفة جلال الله سبحانه وعظمته والثانية معرفة حقارة النفس وأعلم أن حضور القلب سببه الهمة فإن قلبك تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما أهمك ومهما أهمك أمر حضر القلب شاء أم أبى والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا بل يكون حاضرا فيما الهمة مصروفة إليه انتهى من الأحياء
وقوله سبحانه قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن الآية سبب نزول هذه الآية أن بعض المشركين سمع النبي صلى الله عليه و سلم يدعو يا الله رحمن فقالوا كان محمد يأمرنا بدعاء إله واحد وهو يدعو إلهين قاله ابن عباس فنزلت الآية مبينة أنها أسماء لمسى واحد وتقدير الآية أي الأسماء تدعو به فأنت مصيب فله الأسماء الله الحسنى وفي صحيح البخاري بسنده عن ابن عباس في قوله سبحانه ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه و سلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ولا تخافت بها عن أصحابك فلا
تسمعهم وابتغ بين ذلك سبيلا واسند البخاري عن عائشة ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قالت انزل ذلك في الدعاء انتهى قال الغزالي في الأحياء وقد جاءت أحاديث تقتضي استحباب السر بالقرآن وأحاديث تقتضي استحباب الجهر به والجمع بينهما أن يقال أن التالي إذا خاف على نفسه الرياء والتصنع أو تشويش مصل فالسر أفضل وأن أمن ذلك فالجهر أفضل لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته أيضا تتعدى إلى غيره والخير المتعدى أفضل من اللازم ولأنه يوقظ قلب القارىء ويجمع همته إلى الفكر فيه ويصرف إليه سمعه ويطرد عنه النوم برفع صوته ولأنه يزيد في نشاطه في القراءة ويقلل من كسله ولأنه يرجو بجهره تيقيظ نائم فيكون سببا في إعانته على الخير ويسمعه بطال غافل فينشط بسببه ويشتاق لخدمة خالقه فمهما حضرت نية من هذه النيات فالجهر أفضل وإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر وبكثرة النيات يزكو عمل الأبرار وتتضاعف أجورهم انتهى
وقوله سبحانه ولم يكن له ولي من الذل هذه الآية رادة على كفرة العرب في قولهم لولا أولياء الله لذل الله تعالى عن قولهم وقيد سبحانه نفي الولاية له بطريق الذل وعلى جهة الانتصار إذ ولايته سبحانه موجودة بفضله ورحمته لمن ولي من صالح عباده قال مجاهد المعنى لم يخالف أحدا ولا ابتغى نصر أحد سبحانه لا إله إلا هو وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصبحه وسلم تسليما
بسم الله الرحمن الرحيم
فسير سورة الكهف
هذه السورة مكية في قول جميع المفسرين وروي عن قتادة أن أول سورة نزل بالمدينة إلى قوله جرزا والأول أصح وهي من أفضل سور القرآن وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ألا أخبركم بسورة عظمها ما بين السماوات والأرض ولمن جاء بها من الأجر مثل ذلك قالوا أي سورة هي يا رسول الله قال سورة الكهف من قرأ بها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وفي رواية أنس من قرأ بها أعطي نور بين السماء والأرض وووقي بها فتنة القبر وعن البراء بن عازب قال كان رجل يقرا سورة الكهف وإلى جانبه فرس مربوط بشطنين فغشيته سحابه فجعلت تدنو وتدنو وجعل فسرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه و سلم فذكر ذلك له فقال تلك السكينة نزلت بالقرآن رواه البخاري واللفظ له ومسلم والترمذي والنسائي والرجل المبهم في الحديث هو أسيد بن حضير وفي الحديث الصحيح من طريق النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه و سلم فمن أدرك الدجال منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف وذكر الحديث رواه مسلم وغيره زاد أبو داود فإنها جواركم من فتنته وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قرأ عشرة آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي واللفظ لمسلم وفي رواية لمسلم وأبي داود من آخر الكهف وعن أبي سعيد
الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قرأ
سورة الكهف
كما أنزلت كانت له نور من مقامه إلى مكة ومن قرأ بعشر آيات من آخرها فخرج الدجال لم يسلط عليه رواه الترمذي والحاكم في المستدرك والنسائي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وله في رواية من قرا سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين وقال صحيح الإسناد وأخرجه الدارمي في مسنده موقوفا ورواته متفق على الاحتجاج بهم إلا أبا هاشم يحيى ابن دينار الرماني وقد وثقه أحمد ويحي وأبو زرعة وأبو حاتم انتهى من السلاح قوله تعالى الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب كان حفص عن عاصم يسكت عند قوله عوجا سكتة خفيفة وعند مرقدنا في يس وسبب هذه البداءة في هذه السورة أن النبي صلى الله عليه و سلم لما سألته قريش عن المسائل الثلاث الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين حسب ما أمرتهم به يهود قال لهم صلى الله عليه و سلم غدا أخبركم بجواب ما سألتم ولم يقل إن شاء الله فعاتبه الله عز و جل وأمسك عنه الوحي خمسة عشر يوما وأرجف به كفار قريش وشق ذلك على النبي صلى الله عليه و سلم وبلغ منه فلما انقضى الأمد الذي أراد الله عتاب نبيه جاءه الوحي بجواب ما سألوه عنه وغير ذلك فافتتح الوحي بالحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب وهو القرآنوقوله ولم يجعل له عوجا أي لم ينزله عن طريق الاستقامة والعوج فقد الاستقامة ومعنى قيما أي مستقيما قاله ابن عباس وغيره وقيل معناه أنه قيم على سائر الكتب بتصديقها ولم يرتضه ع قال ويضح أن يكون معنى قيم قيامه بأمر الله على العالم وهذا معنى يؤيده ما بعده من النذارة والبشارة اللتين عمتا العالم والبأس الشديد عذاب الآخرة ويحتمل أن يندرج معه في النذارة عذاب الدنيا ببدر وغيرها ومن لدنه أي من عنده والمعنى لينذر العالم والأجر
الحسن نعيم الجنة ويتقدمه خير الدنيا
وقوله تعالى ان يقولون إلا كذبا أي ما يقولن فهي النافية
وقوله سبحانه فلعلك باخع نفسك هذه الآية آية تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم والباخع نفسه هو مهلكها قال ص لعل للترجي في المحبوب والإشفاق في المحذور وهي هنا للإشفاق انتهى
وقوله على ءاثارهم استعارة فصيحة من حيث لهم أدبار وتباعد عن الإيمان فكأنهم من فرط ادبارهم قد بعدوا فهو في آثارهم يحزن عليهم
وقوله بهذا الحديث أي بالقرآن والأسف المبالغة في حزن أو غضب وهو في هذا الموضع الحزم لأنه على من لا يملك ولا هو تحت يد الآسف ولو كان الأسف من مقتدر على من هو في قبضته وملكه لكان غضبا كقوله تعالى فلما ءاسفونا أي أغضبونا قال قتادة أسفا حزنا
وقوله سبحانه انا جعلنا ما على الأرض زينة لها الآية بسط في التسلية أي لا تهتم بالدنيا وأهلها فإن أمرها وأمرهم أقل لفناء ذلك وذهابه فانا إنما جعلنا ما على الأرض زينة وامتحانا واختبارا وفي معنى هذه الآية قوله صلى الله عليه و سلم الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء
لنبلوهم أي لنختبرهم وفي هذا وعيد ما قاله سفيان الثوري أحسنهم عملا أزهدهم فيها وقال أبو عاصم العسقلاني أحسن عملا الترك لها قال ع وكان أبي رحمه الله يقول أحسن العمل أخذ بحق وانفاق في حق وأداء الفرائض واجتناب المحارم والأكثار من المندوب إليه
وقوله سبحانه وانا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي يرجع ذلك كله ترابا والجرز الأرض التي لا شيء فيها من عمارة وزينة فهي البلقع وهذه حالة الأرض العامرة لا بد لها من هذا في الدنيا جزءا جزءا من الأرض ثم يعمها ذلك بإجماعها عند القيامة والصعيد وجه الأرض وقيل الصعيد التراب خاصة
وقوله سبحانه أم
حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي ليسوا بعجب من آيات اله أي فلا يعظم ذلك عليك بحسب ما عظمه السائلون فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وهو قول ابن عباس وغيره واختلف الناس في الرقيم ما هو اختلافا كثيرا فقيل الرقيم كتاب في لوح نحاس وقيل في لوح رصاص وقيل في لوح حجارة كتبوا فيه قصة أهل الكهف وقيل غير هذا وروي عن ابن عباس أنه قال ما أدري ما الرقيم قال ع ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوما مؤرخين وذلك من نبل المملكة وهو أمر مفيد
وقوله سبحانه إذ أوى الفتية إلى الكهف الفتية فيما روي قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس الملك الكافر ويقال فيه دقيانوس وروي أنهم كانوا مطوقين مسورين بالذهب وهم من الروم واتبعوا دين عيسى وقيل كانوا قبل عيسى واختلف الرواة في قصصهم ونذكر من الخلاف عيونه وما لا تستغنى الآية عنه فروي عن مجاهد عن ابن عباس أن هؤلاء الفتية كانوا في دين ملك يعبد الأصنام فوقع للفتية علم من بعض الحواريين حسبما ذكره النقاش أو من مؤمني الأمم قبلهم فآمنوا بالله ورأوا ببصائرهم قبيح فعل الناس فرفع أمرهم إلى الملك فاستحضرهم وأمرهم بالرجوع إلى دينه فقالوا له فيما روي ربنا رب السموات والأرض الآية فقال لهم الملك إنكم شبان اغمار لا عقل لكم وانا لا اعجل عليكم وضرب لهم أجلا ثم سافر خلال الأجل فتشاور الفتية في الهروب باديانهم فقال لهم أحدهم اني أعرف كهفا في جبل كذا فلنذهب إليه وروت فرقة أن أمر أصحاب الكهف إنما كان أنهم من أبناء الأشراف فحضر عيد لأهل المدينة فرأى الفتية ما ينتحله الناس في ذلك العيد من الكفر وعبادة الأصنام فوقع الإيمان في قلوبهم وأجمعوا على مفارقة دين الكفرة وروي أنهم خرجوا وهم يلعبون بالصولجان والكرة وهم يدحرجونها
إلى نحو طريقهم ليلا يشعر الناس بهم حتى وصلوا إلى الكهف وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لبضهم وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم وذهب الكلب معهم فدخلوا الغار فروت فرقة أن الله سبحانه ضرب على آذانهم عند ذلك لما أراد من سترهم وخفي على أهل المملكة مكانهم وعجب الناس من غرابة فقدهم فأرخوا ذلك ورقموه في لوحين من رصاص أو نحاس وجعلوه على باب المدينة وقيل على الرواية أن الملك بنى باب الغار وأنهم دفنوا ذلك في بناء الملك على الغار وروت فرقة أن الملك لما علم بذهاب الفتية أمر بقص آثارهم إلى باب الغار وأمر بالدخول عليهم فهاب الرجال ذلك فقال له بعض وزرائه الست أيها الملك إن أخرجتهم قتلتهم قال نعم قال فأي قتلة أبلغ من الجوع والعطش ابن عليهم باب الغار ودعهم يموتوا فيه ففعل وقد ضرب الله على آذانهم كما تقدم ثم أخبر الله سبحانه عن الفتية أنهم لما أووا إلى الكهف أي دخلوه وجعلوه مأوى لهم وموضع اعتصام دعووا الله تعالى بأن يؤتيهم من عنده رحمة وهي الرزق فيما ذكره المفسرون وأن يهيء لهم من أمرهم رشدا خلاصا جميلا وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم وألفاظهم تقتضي ذلك وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتها وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه بهذه الآية الكريمة فقط فإنها كافية ويحتمل ذكر الرحمة أن يراد بها أمر الآخرة
وقوله تعالى فضربنا على ءاذانهم الآية عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم
وقوله عددا نعت للسنين والقصد به العبارة عن التكثير وقوله لنعلم عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود أي لنعلم ذلك موجودا وإلا فقد كان سبحانه علم أي الحزبين أحصى الأمد والحزبان الفريقان والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية إذ ظنوا لبثهم قليلا والحزب الثاني هم أهل المدينة
الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية وهذا قول الجمهور من المفسرين وأما قوله أحصى فالظاهر الجيد فيه أنه فعل ماض وأمدا منصوب به على المفعول والأمد الغاية ويأتي عبارة عن المدة وقال الزجاج بأن أفعل من الرباعي قد كثر كقولك ما أعطاه للمال وكقوله عليه الصلاة و السلام في صفة جهنم أسود من القار وفي صفة حوضه أبيض من اللبن ت وقد تقدم أن أسود من سود وما في ذلك من النقد وقال مجاهد أمدا معناه عددا وهذا تفسير بالمعنى
وقوله سبحانه وزدناهم هدى أي يسرناهم للعمل الصالح والانقطاع إلى الله عز و جل ومباعدة الناس والزهد في الدنيا وهذه زيادات على الإيمان
وقوله سبحانه وربطنا على قلوبهم عبارة عن شدة عزم وقوة صبر ولما كان الفزع وخور النفس يشبه بالتناسب الأنحلال حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط ومنه يقال فلان رابط الجأش إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحروب وغيرها ومنه الربط على قلب أم موسى
وقوله تعالى إذ قاموا يحتمل أن يكون وصف قيامهم بين يدي الملك الكافر فإنه مقام يحتاج إلى الربط على القلب ويحتمل أن يعبر بالقيام على انبعاثهم بالعزم على الهروب إلى الله ومنابذة الناس كما تقول قام فلان إلى أمر كذا إذا اعتزم عليه بغاية الجد وبهذه الألفاظ التي هي قاموا فقالوا تعلقت الصوفية في القيام والقول والشطط الجور وتعدى الحد والحق بحسب أمر أمر والسلطان الحجة قال قتادة المعنى بعذر بين ثم عظموا جرم الداعين مع الله غيره وظلمهم بقولهم فمن اضلم ممن افترى على الله كذبا ويقولهم وإذ اعتزلتموهم الآية المعنى قال بعضهم لبعض وبهذا يترجح أن قوله تعالى إذ قاموا فقالوا إنما المراد به إذ عزموا ونفذوا لأمرهم وفي مصحف ابن مسعود وما
يعبدون من دون الله ومضمن هذه الآية الكريمة أن بعضهم قال لبعض إذ قد فارقنا الكفار وانفردنا بالله تعالى فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله تعالى فإنه سيبسط علينا رحمته وينشرها علينا ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا وهذا كله دعاء بحسب الدنيا وهم على ثقة من الله في أمر أخرتهم وقرأ نافع وغيره مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء وقرأ جمزة وغيره بكسر الميم وفتح الفاء ويقالان معا في الأمر وفي الجارحة حكاه الزجاج وقوله سبحانه وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وتزاور أي تميل وتقرضهم معناه تتركهم والمعنى أنهم كانوا لا تصبيهم شمس البتة وهو قول ابن عباس وحكى الزجاج وغيره قال كان باب الكهف ينظر إلى بنات نعش وذهب الزجاج إلى فعل الشمس كأن آية من الله تعالى دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك والفجوة المتسع قال قتادة في فضاء منه ومنه الحديث فإذا وجد فجوة نص
وقوله سبحانه ذلك من آيات الله الإشارة إلى الأمر بجملته وقوله سبحانه ونقلبهم ذات اليمين الآية ذكر بعض المفسرين أن تقليبهم إنما كان حفظا من الأرض وروي عن ابن عباس أنه قال لومستهم الشمس لأحرقتهم ولولا التقليب لأكلتهم الأرض وظاهر كلام المفسرين أن التقليب كان بأمر الله وفعل ملائكته ويحتمل أن يكون ذلك باقدار الله إياهم على ذلك وهم في غمرة النوم
وقوله وكلبهم أكثر المفسرين على أنه كلب حقيقة قال ع وحدثني أبي رحمه الله قال سمعت أبا الفضل بن الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة من أحب أهل الخير نال من بركتهم كلب أحب أهل الفضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله والوصيد العتبة التي لباب الكهف أو موضعها أن لم تكن وقال ابن عباس الوصيد الباب والأول أصح والباب الموصد هو
المغلق ثم ذكر سبحانه ما حفهم به من الرعب واكتنفهم من الهيبة حفظا منه سبحانه لهم فقال لو اطلعت عليهم الآية
وقوله سبحانه وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم الإشارة بذلك إلى الأمر الذي ذكره الله في جهتهم والعبرة التي فعلها فيهم والبعث التحريك عن سكون واللام في قوله ليتساؤلوا لام الصيرورة وقول القائل كم لبتثم يقتضى أنه هجس في خاطره طول نومهم واستعشر أن أمرهم خرج عن العادة بضع الخروج وظاهر أمرهم أنهم انتبهوا في حال من الوقت والهواء الزماني لا يباين الحالة التي ناموا عليها وقوله فابعثوا أحدكم بورقكم يروي أنهم انتبهوا وهم جياع وأن المبعوث هو تمليخا وروي أن باب الكهف انهدم بناء الكفار منه لطول السنين ويروى أن راعيا هدمه ليدخل فيه غنمه فأخذ تمليخا ثيابا رثة منكرة ولبسها وخرج من الكهف فانكر ذلك البناء المهدوم إذ لم يعرفه بالأمس ثم مشى فجعل ينكر الطريق والمعالم ويتحير وهو في ذلك لا يشعر شعورا تاما بل يكذب ظنه فيما تيغر عنده حتى بلغ باب المدينة فرأى على بابها إمارة الأسلام فزادت حيرته وقال كيف هذا ببلد دقيوس وبالأمس كنا معه تحت ما كنا فنهض إلى باب آخر فرأى نحوا من ذلك حتى مشى الأبواب كلها فزادت حيرته ولم يميز بشرا وسمع الناس يقسمون باسم عيسى فاستراب بنفسه وظن أنه جن أو انفسد عقله فبقي حيران يدعو الله تعالى ثم نهض إلى باب الطعام الذي أراد اشتراءه فقال يا عبد الله بعني من طعامك بهذا الورق فدفع إليه دراهم كاخفاف الربع فيما ذكر فعجب لها البائع ودفعها إلىآخر يعجبه وتعاطاها الناس وقالوا له هذه دراهم عهد فلان الملك من أين أنت وكيف وجدت هذا الكنز فجعل يبهت ويعجب وقد كان بالبلد مشهورا هو وبيته فقال ما أعرف غير أني وأصحابي خرجنا بالأمس
من هذه المدينة فقال الناس هذا مجنون أذهبوا به إلى الملك ففزع عند ذلك فذهب به حتى جيء به إلى الملك فلما لم ير دقيوس الكافر تأنس وكان ذلك الملك مؤمنا فاضلا يسمى تبدوسيس فقال له الملك أين وجدت هذا الكنز فقال له إنما خرجت أنا وأصحابي أمس من هذه المدينة فأوينا إلى الكهف الذي في جبل أنجلوس فلما سمع الملك ذلك قال في بعض ما روي لعل الله قد بعث لكم أيها النسا آية فلنسر إلى الكهف حتى نرى أصحابه فساروا وروي أنه أو بعض جلسائه قال هؤلاء هم الفتية الذين ورخ أمرهم على عهد دقيوس الملك وكتب على لوح النحاس بباب المدينة فسار الملك إليهم وسار الناس معه فلما انتهوا إلى الكهف قال تمليخا أدخل عليهم ليلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم بالأمر وأن الأمة أمة إسلام فروي أنهم سروا وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى الكهف وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا فانتظرهم الناس فلما ابطأ خروجهم دخل الناس إليهم فرعب كل من دخل ثم اقدموا فوجدوهم موتى فتنازعوا بحسب ما يأتي وفي هذا القصص من الاختلاف ما تضيق به الصحف فاختصرته وذكرت المهم الذي به تتفسر ألفاظ الآية واعتمدت الأصح والله المعين برحمته وفي هذا البعث بالورق جواز الوكالة وصحتها وأزكى معناه أكثر فيما ذكر عكرمة وقال ابن جبير المراد أحل وقولهم يرجموكم قال الزجاج بالحجارة وهو الأصح وقال حجاج يرجموكم معناه بالقول وقوله سبحانه وكذلك اعثرنا عليهم الإشارة في قوله وكذلك إلى بعثهم ليتساءلوا أي كما بعثناهم اعثرنا عليهم والضمير في قوله ليعلموا يحتمل أن يعود على الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم وإلى هذا ذهب الطبري وذلك أنهم فيما روي دخلتهم حينئذ فتنة في أمر الحشر وبعث الأجساد من القبور فشك في ذلك
بعض الناس واستبعدوه وقالوا إنما تحشر الأرواح فشق ذلك على ملكهم وبقي حيران لا يدري كيف يبين أمره لهم حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله في حجة وبيان فأعثرهم الله على أهل الكهف فلما بعثهم الله وتبين الناس أمرهم سر الملك ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين به وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله إذ يتنازعون بينهم أمرهم على هذا التأويل يحتمل أن يعود الضمير في يعلموا على أصحاب الكهف وقوله إذ يتنازعون على هذا التأويل ابتداء خبر عن القوم الذين بعثوا على عهدهم والتنازع على هذا التأويل إنما هو في أمر البناء أو المسجد لا في أمر القيامة وقد قيل أن التنازع إنما هو في أن اطلعوا عليهم فقال بعضهم هم أموات وبعض هم أحياء وروي أن بعض القوم ذهبوا إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين فقالت الطائفة الغالبة على الأمر لنتخذن عليهم مسجدا فاتخذوه قال قتادة الذين غلبوا هم الولاة
وقوله سبحانه سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم الآية الضمير رفي سيقولون يراد به أهل التوراة من معاصري نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف
وقوله رجما بالغيب معناه ظنا وهو مستعار من الرجم كأن الأنسان يرمى الموضع المشكل المجهول عنده بظنه المرة بعد المرة يرجمه به عسى أن يصيبه والواو في قوله وثامنهم كلبهم طريق النحاة فيها أنها واو عطف دخلت في آخر الكلام أخبارا عن عددهم لتفصل أمرهم تدل على أن هذا نهاية ما قيل ولو سقطت لصح الكلام وتقول فرقة منهم ابن خالويه هي واو الثمانية وذكر ذلك الثعلبي عن أبي بكر بن عياش وأن قريشا كانت تقول في عددها ستة سبعة وثمانية تسعة فتدخل الواو في الثمانية قال ع وهي في القرآن في قوله والناهون عن المنكر وفي قوله وفتحت أبوابها وأما قوله وأبكارا وقوله وثمانية أيام فليست بواو الثمانية بل هي لازمة
إذ لا يستغنى الكلام عنها قد أمر الله سبحانه نبيه في هذه الآية أن يرد علم عدتهم إليه ثم قال ما يعلمهم إلا قليل يعني من أهل الكتاب وكان ابن عباس يقول أنا من ذلك القليل وكانوا سبعة وثامنهم كلبهم قال ع ويدل على هذا من الآية أنه سبحانه لما حكى قول من قال ثلاثة وخمسة قرن بالقول أنه رجم بالغيب ثم حكى هذه المقالة ولم يقدح فيها بشيء وأيضا فيقوى ذلك على القول بواو الثمانية لأنها إنما تكون حيث عدد الثمانية صحيح
وقوله سبحانه فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا معناه على بعض الأقوال أي بظاهر ما أوحينا إليك وهو رد علم عدتهم إلى الله تعالى وقيل معنى الظاهر أن يقول ليس كما تقولون ونحو هذا ولا يحتج هو على أمر مقرر في ذلك وقال البريزي ظاهرا معناه ذاهبا وأنشد
... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ...
ولم يبح له في هذه الآية أن يماري ولكن قوله إلا مراء مجاز من حيث يماريه أهل الكتاب سميت مراجعته لهم مراء ثم قيد بأنه ظاهر ففارق المراء الحقيقي المذموم والمراء مشتق من المرية وهو الشك فكأنه المشاككة ت وفي سماع ابن القاسم قال كان سليمان بن يسار إذا ارتفع الصوت في مجلسه أو كان مراء أخذ نعليه ثم قام قال ابن رشد هذا من ورعه وفضله والمراء في العلم منهي عنه فقد جاء انه لا تؤمن فتنته ولا تفهم حكمته انتهى من البيان والضمي رفي قوله ولا تستفت فيهم عائد على أهل الكهف وفي قوله منهم عائد على أهل الكتاب
وقوله فلا تمار فيهم أي في عدتهم
وقوله سبحانه ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله قد تقدم أن هذه الآية عتاب من الله تعالى لنبيه حيث لم يستثن والتقدير إلا أن تقول إلا أن يشاء الله أو إلا أن تقول أن شاء الله والمعنى لا أن تذكر مشيئة الله وقوله سبحانه وأذكر ربك إذا نسيت قال ابن عباس والحسن معناه الإشارة به إلىالاستثناء أي ولتستثن
بعد مدة إذا نسيت أولا لتخرج من جملة من لم يعلق فعله بمشيئة الله وقال عكرمة وأذكر ربك إذا غضبت وعبارة الواحدي واذكر ربك إذا نسيت أي إذا نسيت الاستثناء بمشيئة الله فأذكره وقله إذا تذكرت آه وقوله سبحانه وقل عسى أن يهديني ربي الآية الجمهور أن هذا دعاء مأمور به والمعنى عسى أن يرشدني ربي فيما استقبل من أمري والآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وهي بعد تعم جميع أمته وقال الواحدي وقل عسى أن يهديني أي يعطيني ربي الآيات من الدلالات علىالنبوة ما يكون أقرب في الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف ثم فعل الله له ذلك حيث أتاه علم غيوب المرسلين وخبرهم انتهى
وقوله سبحانه ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين الآية قال قتادة وغيره الآية حكاية عن بني إسرائيل أنهم قالوا ذلك واحتجوا بقراءة ابن مسعود وفي مصحفه وقالوا لبثوا في كهفهم ثم أمر الله نبيه بأن يرد العلم إليه ردا على مقالهم وتفنيدا لهم وقال المحققون بل قوله تعالى ولبثوا في كهفهم الآية خبر من الله تعالى عن مدة لبثهم وقوله تعالى قل الله أعلم بما لبثوا أي فليزل اختلافكم أيها لمخرصون وظاهر قوله سبحانه وأزدادوا تسعا أنها أعوام
وقوله سبحانه أبصر به واسمع أي ما أسمعه سبحانه وما أبصره قال قتادة لا أحد أبصر من الله ولا أسمع قال ع وهذه عبارة عن الإدراك ويحتمل أن يكون المعنى أبصر به أي بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور واسمع به العالم فتكون اللفظتان أمرين لا على وجب التعجب
وقوله سبحانه ما لهم من دونه من ولي الضمير في لهم يحتمل أن يرجع إلى أهل الكهف ويحتمل أن يرجع إلى معاصري النبي صلى الله عليه و سلم من الكفار ويكون في الآية تهديد لهم
وقوله سبحانه أتل ما أوحي إليك أي اتبع وقيل أسرد بتلاوتك ما أوحي
إليك من كتاب ربك لا نقض في قوله ولا مبدل لكلماته وليس لك سواه جانب تميل إليه وتستند والملتحد الجانب الذي يمال إليه ومنه اللحد ت قال النووي يستحب لتالي القرآن إذا كان منفردا أن يكون ختمه في الصلاة ويستحب أن يكون ختمه أول الليل اواول النهار وروينا في مسند الأمام المجمع على حفظه وجلالته وإتقانه وبراعته أبي محمد الدرامي رحمه الله تعالى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال إذ وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وأن وافق ختمه أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وأن وافق ختمه أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي قال الترمذي هذا حديث حسن وعن طلحة بن بن مطرف قال من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وعن مجاهد نحوه انتهى
وقوله سبحانه وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآية تقدم تفسيرها
وقوله سبحانه ولا تعد عيناك عنهم أي لا تتجاوز عنهم إلى أبناء الدنيا وقرا الجمهور من أغفلنا قلبه بنصب الباء على معنى جعلناه غافلا والفرط يحتمل أن يكون بمعنى التفريط ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف وقد فسره المتأولون بالعبارتين
وقوله سبحانه وقل الحق من ربكم المعنى وقل لهم يا محمد هذا القرآن هو الحق ت وقد ذم الله تعالى الغافلين عن ذكره والمعرضين عن آياته في غر ما آية من كتابه فيجب الحذر مما وقع فيه أولئك ولقد أحسن العارف في قوله غفلة ساعة عن ربك مكدرة لمرءاة قلبك فكيف بغفلتك جميع عمرك وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحهما هذا لفظ الترمذي وقال حديث حسن وقال الحاكم صحيح على
شرط مسلم والترة بكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف الراء النقص وقيل التبعة ولفظ ابن حبان إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وأن دخلوا الجنة انتهى من السلاح
وقوله فمن شاء ليؤمن الآية توعد وتهديد أي فليختر كل أمرئى لنفسه ما يجده غدا عند الله عز و جل وقال الداودي عن ابن عباس فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر يقول من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر هو كقوله وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين وقال غيره هو كقوله أعملوا ما شئتم بمعنى الوعيد والقولان معا صحيحان انتهى واعتدنا مأخوذ من العتاد وهو الشيء المعد الحاضر والسرادق هو الجدار المحيط كالحجرة التي تدور وتحيط بالفسطاط قد تكون من نوع الفسطاط اديما أ ثوبا أو نحوه وقال الزجاج السرادق كل ما أحاط بشيء واختلف في سرادق النار فقال ابن عباس سرادقها حائط من نار وقالت فرقة سرادقها دخان يحيط بالكفار وهو قوله تعالى انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب وقيل غير هذا وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريق أبي سعيد الخدري أنه قال سرادق النار أربعة جدر كثف عرض كل جدار مسيرة أربعين سنة والمهل قال أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم هو دردي الزيت إذا انتهى حره وقال أبو سعيد وغيره هو كل ما أذيب من ذهب أو فضة وقالت فرقة المهل هو الصديد والدم إذا اختلطا ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه في الكفن إنما هو للمهلة يريد لما يسيل من الميت في قبره ويقوى هذا بقوله سبحانه ويسقى من ماء صديد والمرتفق الشيء الذي بطلب رفقه
وقوله سبحانه إن الذين ءامنوا وعلموا الصالحات انا لا نضيع أجر من أحسن عملا تقدم تفسير نظيره والله الموفق بفضله واساور جمع اسوار وهي ما كان من الحلي في الذراع وقيل اساور جمع أسورة وأسورة جمع أسوار
والسندس رقيق الديباج والإستبرق ما غلظ منه قيل فهو إستبرق من البريق والأرائك جمع أريكة وهي السرير في الحجال والضمير في قوله وحسنت للجنات وحكى النقاش عن أبي عمران الجوني أنه قال الإستبرق الحرير المنسوج بالذهب
وقوله سبحانه واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من اعناب الآية الضمير في لهم عائد على الطائفة المتجبرة التي ارادت من النبي صلى الله عليه و سلم أن يطرد فقراء المؤمنين فالمثل مضروب للطائفتين إذ الرجل الكافر صاحب الحنتين هو بازاء متجبرى قريش أو بنى تميم على الخلاف في ذلك والرجل المؤمن المقر بالربوبية هو بازاء فقراء المؤمنين وحففنا بمعنى جعلنا ذلك لهما من كل جهة وظاهر هذا المثل أنه بأمر وقع في الوجود وعلى ذلك فسره أكثر المتأولين فروي في ذلك انهما كانا أخوين من بني اسراءيل ورثا أربعة ءالاف دينار فصنع أحدهما بما له ما ذكر واشترى عبيدا وتزوج واثرى وانفق الآخر ماله في طاعة الله عز و جل حتى أفتقر والتقيا فأفتخر الغني ووبخ المؤمن فجرت بينهما هذه المحاورة وروي أنهما كانا شريكين حدادين كسبا مالا كثيرا وصنعا نحو ما روي في أمر الأخوين فكان من أمرهما ما قص الله في كتابه قال السهيلي وذكر أن هذين الرجلين هما المذكوران في والصافات في قوله تعالى قال قائل منهم أني كان لي قرين يقول ائنك لمن المصدقين إلى قوله فاطلع فرءاه في سواء الجحيم وإلى قوله لمثل هذا فليعمل العاملون انتهى
وقوله سبحانه كلتا الجنتين ءاتت أكلها الأكل ثمرها الذي يوكل ولم تظلم منه شيأ أي لم تنقص عن العرف الاتم الذي يشبه فيها ومنه قول الشاعر ... ويظلمني مالي كذا ولوى يدي ... لوى يده الله الذي هو غالبه ...
وقرأ الجمهور ثمر وبثمره بضم الثاء والميم جمع ثمار وقرأ أبو عمرو بسكون الميم
فيهما واختلف المتأولون في الثمر بضم الثاء والميم فقال ابن عباس وغيره الثمر جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك وقال ابن زيد هي الأصول والمحاورة مراجعة القول وهو من حار يخور
وقوله أنا اكثر منك مالا وأعز نفرا هذه المقالة بازاء مقالة متجبرى قريش أو بني تميم على ما تقدم في سورة الأنعام ت وقوله وأعز نفرا يضعف قول من قال أنهما أخوان فتأمله والله أعلم بما صح من ذلك
وقوله سبحانه ودخل جنته وهو ظالم لنفسه الآية أفرد الجنة من حيث الوجود كذلك اذ لا يدخلهما معا في وقت واحد وظلمه لنفسه هو كفره وعقائده الفاسدة في الشك في البعث وفي شكه في حدوث العالم أن كانت أشارته بهذه إلى الهيئة من السموات والأرض وأنواع المخلوقات وإن كانت إشارته إلى جنته فقط فإنما الكلام تساخف واغترار مفرط وقلة تحصيل كأنه من شدة العجب بها والسرور أفرط في وصفها بهذا القول ثم قاس أيضا الآخرة على الدنيا وظن أنه لم يمل له في دنياه إلا لكرامة يستوجبها في نفسه فقال فإن كان ثم رجوع فستكون حالي كذا وكذا
وقوله قال له صاحبه يعنى المؤمن
وقوله خلقك من تراب إشارة إلى أدم عليه السلام
وقوله لكنا هو الله ربي معناه لكن أنا أقول هو الله ربي وروى هارون عن أبي عمرو لكنه هو الله ربي وباقي الآية بين
وقوله ولولا إذ دخلت جنتك الآية وصية من المؤمن للكافر ولولا تحضيض بمعنى هلا وما تحتمل أن تكون بمعنى الذي بتقدير الذي شاء الله كائن وفي شاء ضمير عائد على ما ويحتمل أن تكون شرطية بتقدير ما شاء الله كان أو خبر مبتدإ محذوف تقديره هو ما شاء الله أو الأمر ما شاء الله
وقوله لا قوة إلا بالله تسليم وضد لقول الكافر ما أظن أن تبيد هذه أبدا وفي الحديث أن هذه الكلمة كنز من كنوز الجنة إذا قالها العبد قال الله
عز و جل أسلم عبدي وأستسلم قال النووي وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنساءي وغيرهما عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال يعنى إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنك الشيطان قال الترمذي حديث حسن زاد أبو داود في روايته فيقول يعني الشيطان لشيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي انتهى وروى الترمذي عن أبي هريرة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر من قول لا حول وإلا قوة إلا بالله فأنها كنز من كنوز الجنة انتهى قال المحاسبي في رعايته وإذا عزم العبد في القيام بجميع حقوق الله سبحانه فليرغب إليه في المعونة من عنده على أداء حقوقه ورعايتها وناجاه بقلب راغب راهب أني أنسى أن لم تذكرني وأعجز أن لم تقوني وأجزع أن لم تصبرني وعزم وتوكل واستغاث واستعان وتبرأ من الحول والقوة إلا بربه وقطع رجاءه من نفسه ووجه رجاءه كله إلى خالقه فإنه سيجد الله عز و جل قريبا مجيبا متفضلا متحننا انتهى قال ابن العربي في أحكامه قال لمالك ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول كما قال الله تعالى ما شاء الله لا قوة إلا بالله انتهى
وقوله فعسى ربي أن يوتيني خيرا من جنتك هذا الترجي بعسى يحتمل أن يريد به في الدنيا ويحتمل أن يريد به في الآخرة وتمنى ذلك في الآخرة أشرف وأذهب مع الخير والصلاح وإن يكون ذلك يراد به الدنيا اذهب في نكاية هذا المخاطب والحسبان العذاب كالبرد والص ونحوه والصعيد وجه الأرض والزلق الذي لا تثبت فيه قدم يعنى تذهب منافعها حتى منفعة المشي فهي وحل لا تثبت فيه قدم
وقوله سبحانه وأحيط بثمره الآية هذا خبر من الله عز و جل عن إحاطة العذاب بحال هذا الممثل به ويقلب كفيه يريد يضع بطن إحداهما على ظهر الأخرى وذلك فعل المتلهف المتأسف
وقوله خاوية على عروشها يريد أن السقوف وقعت وهي العروش ثم تهدمت الحيطان عليها فهي خاوية والحيطان على العروش ت فسر ع رحمه الله لفظ خاوية في سورة الحج والنمل بخالية والأحسن أن تفسر هنا وفي الحج بساقطة وأما التي في النمل فيتجه أن تفسر بخالية وبساقطة قال الزبيدي في مختصر العين خوت الدار باد أهلها وخوت تهدمت انتهى وقال الجوهري في كتابه المسمى بتاج اللغة وصحاح العربية خوت النجوم خيا أمحلت وذلك إذا سقطت ولم تمطر في نوئها وأخوت مثله وخوت الدار خواء ممدودا أقوت وكذلك إذا سقطت ومنه قوله تعالى فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا أي خالية ويقال ساقطة كما قال فهي خاوية على عروشها أي ساقطة على سقوفها انتهى وهو تفسير بارع وبه أقول وقد تقدم إيضاح هذا المعنى في سورة البقرة وقوله ياليتني لم أشرك بربي أحدا قال بعض المفسرين هي حكاية عن مقالته هذا الكافر في الآخرة ويحتمل أن يكون قالها في الدنيا على جهة التوبة بعد حلول المصيبة ويكون فيها زجر لكفرة قريش وغيرهم والفئة الجماعة التي يلجأ إلى نصرها
وقوله سبحانه هنالك يحتمل أن تكون ظرفا لقوله منتصرا ويحتمل أن يكون الولاية مبتدأ وهنالك خبره وقرأ حمزة والكسائي الولاية بكسر الواو وهي بمعنى الرياسة ونحوه وقرأ الباقون الولاية بفتح الواو وهي بمعنى الموالاة والصلة ونحوه وقرأ أبو عمرو والكسائي الحق بالرفع على النعت للولاية وقرأ الباقون بالخفض على النعت لله عز و جل وقرأ الجمهور عقبا بضم العين والقاف وقرأ حمزة وعاصم بسكون القاف والعقب والعقب بمعنى العاقبة
وأضرب لهم مثل الحيواة الدنيا يريد حياة الإنسان كماء أنزلناه من السماء فاختلط به أي فاختلط النبات بعضه ببعض بسب الماء فأصبح هشيما أصبح عبارة عن صيرورته إلى ذلك والهشيم المتفتت من يابس العشب وتذروه بمعنى تفرقه
فمعنى هذا المثل تشبيه حال المرء في حياته وماله وعزته وبطره بالنبات الذي له خضرة ونضرة عن الماء النازل ثم يعود بعد ذلك هشيما ويصير إلى عدم فمن كان له عمل صالح يبقى في الآخرة فهو الفائز
وقوله سبحانه المال والبنون زينة الحيوة الدنيا لفظه لفظ الخبر لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين لأنه في المثل قبل حقر أمر الدنيا وبينه فكأنه يقول المال والبنون زينة هذه الحياة الدنيا المحقرة فلا تبعوها نفوسكم والجمهور أن الباقيات الصالحات هي الكلمات المذكور فضلها في الأحاديث سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد جاء ذلك مصرحا به من لفظ النبي صلى الله عليه و سلم في قوله وهن الباقيات الصالحات
وقوله سبحانه خير عندك ربك ثوابا خير أملا أي صاحبها ينتظر الثواب وينبسط أمله فهو خير من حال ذي المال والبنين دون عمل صالح وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هن يا رسول الله قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله رواه النسائي وابن حبان في صحيحه انتهى من السلاح وفي صحيح مسلم عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أحب الكلام إلى الله تعالى أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض الحديث انتهى قال ابن العربي في أحكامه وروى مالك عن سعيد بن المسيب أن الباقيات الصالحات قول العبد الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وروي عن ابن عباس وغيره أن الباقيات الصالحات الصلوات الخمس انتهى
ت وما تقدم أولى ومن كلام الشيخ الولي العارف أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال عليك بالمطهرات الخمس في الأقوال والمطهرات الخمس في الأفعال والتبري من الحول والقوة في جميع الأحوال وغص بعقلك إلى المعاني القائمة بالقلب وأخرج عنها وعنه إلى الرب وأحفظ الله يحفظك واحفظ الله تجده أمامك وأعبد الله بها وكن من الشاكرين فالمطهرات الخمس في الأقوال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله والمطهرات الخمس في الأفعال الصلوات الخمس والتبري من الحول والقوة هو قولك لا حول ولا قوة إلا بالله انتهى
وقوله سبحانه وترى الأرض بارزة يحتمل أن الأرض لذهاب الجبال والضراب والشجر برزت وانكشفت ويحتمل أن يريد بروز أهلها من بطنها للحشر والمغادرة الترك وعرضوا على ربك صفا أي صفوفا وفي الحديث الصحيح يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر الحديث بطوله وفي حديث آخر أهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفا انتم منها ثمانون صفا
وقوله سبحانه لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة يفسره قول النبي صلى الله عليه و سلم أنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وقوله سبحانه ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه الآية الكتاب اسم جنس يراد به كتب الناس التي أحصتها الحفظة لواحد واحد ويحتمل أن يكون الموضوع كتابا واحدا حاضرا وباقي الآية بين
وقوله سبحانه إلا إبليس كان من الجن قالت فرقة إبليس لم يكن من الملائكة بل هو من الجن وهم الشياطين المخلوقين من مارج من نار وجميع الملائكة إنما خلقوا من نور واختلفت هذه الفرقة فقال بعضهم إبليس من الجن وهو أولهم وبدأتهم كآدم من الأنس وقالت فرقة بل كان إبليس وقبيله جنا لكن جميع الشياطين اليوم من ذريته فهو كنوح في الإنس
واحتجوا بهذه
الآية وقوله ففسق معناه فخرج عن أمر ربه وطاعته
وقوله عز و جل افتتخذونه يريد افتتخذون إبليس
وقوله وذريته ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من الشياطين الذين يأمرون بالمنكر ويحملون على الأباطيل
وقوله تعالى بيس للظالمين بدلا أي بدل ولاية الله عز و جل بولاية إبليس وذريته وذلك هو التعوض من الحق بالباطل
وقوله سبحانه ما أشهدتهم خلق السموات والأرض الآية الضمير في أشهدتهم عائد على الكفار وعلى الناس بالجملة فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين وأهل الطبائع والمتحكمين من الأطباء وسواهم من كل من يتخرص في هذه الأشياء وقيل عائد على ذرية إبليس فالآية على هذا تتضمن تحقيرهم والقول الأول أعظم فائدة وأقول أن الغرض أولا بالآية هم إبليس وذريته وبهذا الوجه يتجه الرد على الطوائف المذكورة وعلى الكهان والعرب المصدقين لهم والمعظمين للجن حين يقولون أعوذ بعزيز هذا الوادي إذ لجميع من هذه الفرق متعلقون بإبليس وذريته وهم أضل الجميع فهم المراد الأول بالمضلين وتندرج هذه الطوائف في معناهم وقرا الجمهور وما كنت وقرأ أبو جعفر والجحدري والحسن بخلاف وما كنت والعضد استعارة للمعين والمؤازر
ويوم يقول نادوا شركاءي أي على جهة الاستغاثة بهم واختلف في قوله موبقا فقال ابن عباس معناه مهلكا وقال عبد الله بن عمر وأنس بن مالك ومجاهد موبقا هو واد في جهنم يجرى بدم وصديد قال أنس يحجز بين أهل النار وبين
المؤمنين وقوله سبحانه فظنوا أنهم مواقعوها أي مباشروها وأطلق الناس أن الظن هنا بمعنى اليقين قال ع والعبارة بالظن لا تجيء أبدا في موضع يقين تام قد ناله الحس بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع متحقق لكنه لم يقع ذلك المظنون وإلا فمذ يقع ويحس لا يكاد توجد في
كلام العرب العبارة عنه بالظن وتأمل هذه الآية وتأمل كلام العرب وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة والمصرف المعدل والمراغ وهو مأخوذ من الأنصراف من شيء إلا شيء
وقوله تعالى ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا الإنسان هنا يراد به الجنس وقد استعمل صلى الله عليه و سلم الآية على العموم في مروره بعلي ليلا وأمره له بالصلاة بالليل فقال علي إنما أنفسنا يا رسول الله بيد الله أو كما قال فخرج صلى الله عليه و سلم وهو يضرب فخذه بيده ويقول وكان الإنسان أكثر شيء جدلا
وقوله سبحانه وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى الآية الناس هنا يراد بهم كفار عصر النبي صلى الله عليه و سلم وسنة الأولين هي عذاب الأمم المذكورة في القرآن
أو يأتيهم العذاب قبلا أي مقابلة عيانا والمعنى عذابا غير المعهود فتظهر فائدة التقسيم وقد وقع ذلك بهم يوم بدر وكأن حالهم تقتضي التأسف عليهم وعلى ضلالهم ومصيرهم بآرائهم إلى الخسران عافانا الله من ذلك
ويدحضوا معناه يزهقوا والدحض الطين
وقوله فلن يهتدوا إذا أبدا لفظ عام يراد به الخاص ممن حتم الله عليه أنه لا يؤمن ولا يهتدي أبدا كأبي جهل وغيره
وقوله بل لهم موعد قالت فرقة هو أجل الموت وقالت فرقة هو عذاب الآخرة وقال الطبري هو يوم بدر والحشر
وقوله سبحانه لن يجدوا من دونه موئلا أي لا يجدون عنه منجى يقال وأل الرجل يئل إذا نجا ثم عقب سبحانه توعدهم بذكر الأمثلة من القرى التي نزل بها ما توعد هؤلاء بمثله والقرى المدن والإشارة إلى عاد وثمود وغيرهم وباقي الآية بين قال ص وقوله لما ظلموا في لما ظلموا أشعار بعلة الاهلاك وبهذا استدل ابن عصفور على حرفية لما لأن الظرف لا دلالة فيه على
العلية وقوله سبحانه وإذ قال موسى لفتاه لاابرح الآية موسى هو ابن عمران وفتاه هو يوشع بن نون وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن موسى عليه السلام جلس يوما في مجلس لنبي إسرائيل وخطب فابلغ فقيل له هل تعلم أحدا اعلم منك قال لا فأوحى الله إليه بلى عبدنا خضر فقال يا رب دلني على السبيل إلى لقيه فأوحى الله إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلع مجمع البحرين فإذا فقد الحوت فإنه هنالك وأمر أن يتزود حوتا ويرتقب زواله عنه فعل موسى ذلك وقال لفتاه على جهة إمضاء العزيمة لاابرح أسير أي لا أزال وإنما قال هذه المقالة وهو سائر قال السهيلي كان موسى عليه السلام أعلم بعلم الظاهر وكان الخضر أعلم بعلم الباطن وأسرار الملكوت فكانا بحرين اجتمعا بمجمع البحرين والخضر شرب من عين الحياة فهو حي إلى أن يخرج الدجال وأنه الرجل الذي يقتله الدجال وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث منهم شيخنا أبو بكر بن العربي رحمه الله مات الخضر قبل انقضاء المائة من قوله صلى الله عليه و سلم ارأيتكم ليلتكم هذه فإن إلى راس مائة عام منها لا يبقى على الأرض ممن هو عليها أحد يعني من كان حيا حين قال هذه المقالة وأما اجتماع الخضر مع النبي صلى الله عليه و سلم وتعزيته لأهل بيته فمروي من طرق صحاح وصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فاهتزت تحته خضراء قال الخطابي الفروة وجه الأرض ثم أنشد على ذلك شاهدا انتهى واختلف الناس في مجمع البحرين فقال مجاهد وقتادة هو مجمع بحر فارس وبحر الروم وقالت فرقة مجمع البحرين هو عند طنجة وقيل غير هذا واختلف في الحقب فقال ابن عباس وغيره الحقب أزمان غر محدودة وقال عبد الله بن عمر ثمانون سنة وقال مجاهد سبعون وقيل سنة
وقوله سبحانه فلما بلغا مجمع بينهما الضمير
في بينهما للبحرين قاله مجاهد وفي الحديث الصحيح ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر واتخذ سبيله في البحر سربا أي مسلكا في جوف الماء وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه ءاتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ويعني بالنصب تعب الطريق قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به قال له فتاه ارأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت يريد ذكر ما جرى فيه وما انسانيه أي أن أذكره إلا الشيطان اتخذ سبيله في البحر عجبا قال فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا قال فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجي بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر وإني بأرضك السلام قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال معم آتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا يعني لا تطيق أن تصبر على ما تراه من عملي لأن الظواهر التي هي علمك لا تعطيه وكيف تصبر على ما تراه خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه يريد علم الباطن وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه يريد علم الظاهر فقال له موسى ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا أي حتى اشرح لك ما ينبغي شرحه فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغي نول يقول بغير أجر فلما ركبا في السفينة لم يفجأ موسى إلا والخضر قد قلع لوحا من الواح السفينة بالقدوم فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم
فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا أمرا أي شنيعا من الأمور وقال مجاهد الأمر المنكر قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تواخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا قال بن أبي كعب قال النبي صلى الله عليه و سلم فكانت الأولى من موسى نسيانا قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر وفي رواية والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر وفي رواية ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره قال ع وهذا التشبيه فيه تجوز إذ لا يوجد في المحسوسات أقوى في القلة من نقطة بالإضافة إلى البحر فكانها لا شيء ولم يتعرض الخضر لتحرير موازنة بين المثال بين علم الله إذ علمه سبحانه غير متناه ونقط البحر متناهية ثم خرجا من السفينة فبينما ههما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله قال له موسى أقتلت نفسا زاكية قال ع قيل كان هذا الغلام لم يبلغ الحلم فلهذا قال موسى نفسا زاكية وقال فرقة بل كان بالغا
وقوله بغير نفس يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس وهذا يدل على كبر الغلام وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس ت وهذا إذا كان شرعهم كشرعنا وقد يكون شرعهم أن النفس بالنفس عموما في البالغ وغيره وفي العمد والخطأ فلا يلزم من الآية ما ذكر
وقوله لقد جئت شيأ نكرا معناه شيئا ينكر قال ع ونصف القرآن بعد الحروف انتهى إلى النون من قوله نكرا
قال ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صببرا قال هذا أشد من الأولى
قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا اتيا أهل قرية
استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض قال مائل فقال الخضر بيده هكذا فاقامه فقال موسى قوم اتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال سعيد بن جبير أجرا نأكله قال هذا فرقا بيني وبينك إلى قوله ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما قال سعيد فكان ابن عباس يقرأ وكان امامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كفارا وكان أبواه مؤمنين وفي رواية للبخاري يزعمون عن غير سعيد بن جبير أن اسم الملك هدد بن بدد والغلام المقتول اسمه يزعمون حيسور ويقال جيسور ملك يأخذ كل سفينة غصبا فاردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا اصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافرا فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا أن يحملهما حبه على ان يتابعاه على دينه
فأرادنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة لقوله اقتلت نفسا زاكية واقرب رحما هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر وزعم غير سعيدأنهما أبدلا جارية وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد أنها جارية انتهى لفظ البخاري ت وقد تحرينا في هذا المختصر بحمد الله التحقيق فيما علقناه جهد الاستطاعة والله المستعان وهو المسؤول أن ينفع به بجوده وكرمه قال ع ويشبه أن تكون هذه القصة أيضا أصلا للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة وأيام التلوم ثلاثة فتأمله
وقوله سبحانه فابوا أن يضيفوهما وفي الحديث أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم قال ع وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله عز و جل ص وقوله فراق بيني الجمهور بإضافة فراق أبو البقاء أي تفريق وصلنا وقرأ ابن أبي عبلة فراق بالتنوين أبو البقاء فبين منصوب على الظرف انتهى
قال ع ووراءهم هو عندي على بابه وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعي بها الزمان وذلك أن الحارث المقدم الوجود هو الإمام والذي يأتي بعد هو الوراء وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد ومن قرأ امامهم أراد في المكان قال ع وفي الحديث أن هذا الغلام طبع يوم طبع كافرا والضمير في خشينا للخضر قال الداودي قوله فخشينا أن يرهقهما أي علمنا انتهى والزكاة شرف الخلق والوقار والسكينة المنطوية على خير ونية والرحم الرحمة وروي عن ابن جريج أنهما بدلا غلاما مسلما وروي عنه أنهما بدلا جارية وحكى النقاش أنها ولدت هي وذريتها سبعين نبيا وذكره المهدوي عن ابن عباس وهذا بعيد ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا في بني إسرائيل وهذه المرأة لم تكن فيهم واختلف الناس في هذا الكنز المذكور هنا فقال ابن عباس كان علما في صحف مدفونة وقال عمر مولى غفرة كان لوحا من ذهب قد كتب فيه عجبا للموقن بالرزق كيف يتعب وعجبا للموقن بالحساب كيف يغفل وعجبا للموقن بالموت كيف يفرح وروي نحو هذا مما هو في معناه وقال الداودي وكان تحته كنز لهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ذهب وفضة انتهى فإن صح هذا الحديث فلا نظر لأحد معه فالله أعلم أي ذلك كان
وقوله سبحانه وكان أبوهما صالحا ظاهر اللفظ والسابق منه إلى الذهن أنه والدهما دنية وقيل هو الأب السابع وقيل العاشر فحفظا فيه وفي الحديث أن الله تعالى يحفظ الرجل الصالح في ذريته وقول الخضر وما فعلته عن أمري يقتضي أنه نبي وقد اختلف فيه فقيل هو نبي وقيل عبد صالح وليس نبي وكذلك اختلف في موته وحياته والله أعلم بجميع ذلك ومما يقضى بموت الخضر قوله صلى الله عليه و سلم أرأيتكم ليلتكم هذه فإن إلى رأس مائة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض احد قال القرطبي في تذكرته وذكر عن عمرو بن دينار الخضر والياس عليهما السلام حيان فإذا
رفع القرآن ماتا قال القرطبي وهذا هو الصحيح انتهى وحكايات من رأى الخضر من الأولياء لا تحصى كثرة فلا نطيل بسردها وانظر لطائف المنن لابن عطاء الله وقوله
ذلك تأويل أي مئال وحكى السهيلي أنه لماحان للخضر وموسى أن يفترقا قال له الخضر لو صبرت لاتيت على ألف عجب كلها أعجب مما رأيت فبكى موسى وقال للخضر أوصني رحمك الله فقال يا موسى أجعل همك في معادك ولا تخض فيما لا يعنيك ولا تأمن من الخوف في أمنك ولا تيأس من الأمن في خوفك وتدبر الأمور في علانيتك ولا تذر الإحسان في قدرتك فقال له موسى زدني يرحمك الله فقال له الخضر يا موسى إياك والحاجة ولا تمش في غير حاجة ولا تضحك من غير عجب ولا تعير أحد وإبك على خطيئتك يا ابن عمران انتهى
وقوله سبحانه ويسألونك عن ذي القرنين الآية ذو القرنين هو الملك الأسكندر اليوناني واختلف في وجه تسميته بذي القرنين وأحسن ما قيل فيه أنه كان ذا ظفيرتين من شعرهما قرناه والتمكين له في الأرض أنه ملك الدنيا ودانت له الملوك كلها وروي أن جميع من ملك الدنيا كلها أربعة مؤمنان وكافران فالمؤمنان سليمان بن داود عليهما السلام والأسكندر والكافران نمرود وبخت نصر
وقوله سبحانه وءاتيناه من كل شيء سببا معناه علما في كل أمر واقيسة يتوصل بها إلى معرفة الأشياء وقوله كل شيء عموم معناه الخصوص في كل ما يمكنه أن يعلمه ويحتاج إليه
وقوله فاتبع سببا أي طريقا مسلوكة وقرأ نافع وابن كثير وحفص عن عاصم في عين حمئة أي ذات حمأة وقرأ الباقون في عين حامية أي حارة وذهب الطبري إلى الجمع بين الأمرين فقال يحتمل أن تكون العين حارة ذات حمأة واستدل بعض الناس على أن ذا القرنين نبي بقوله تعالى قلنا ياذا القرنين ومن قال أنه ليس بني قال كانت هذه المقالة من الله له بإلهام قال ع والقول بأنه نبي ضعيف وأما
أن تعذب معناه بالقتل على الكفر وأما أن تتخذ فيهم حسنا أي آمنوا وذهب الطبري إلى أن أتخاذه الحسن هو الأسر مع كفرهم ويحتمل أن يكون الاتخاذ ضرب الجزية ولكن تقسيم ذي القرنين بعد هذا الأمر إلى كفر وإيمان يرد هذا القول بعض الرد وظلم في هذه الآية بمعنى كفر
وقوله عذابا نكرا أي تنكره الأوهام لعظمه وتستهوله والحسنى يراد بها الجنة
وقوله تعالى ثم اتبع سببا المعنى ثم سلك ذو القرنين الطرق المؤدية إلى مقصده وكان ذو القرنين على ما وقع في كتب التاريخ يدوس الأرض بالجيوش الثقال والسيرة الحميدة والحزم المستيقظ والتأييد المتواصل وتقوى الله عز و جل فمالقي أمة ولأمر بمدينة إلا ذلت ودخلت في طاعته وكل من عارضه أو توقف عن أمره جعله عظة وآية لغيره وله في هذا المعنى أخبار كثيرة وغرائب محل ذكرها كتب التاريخ
وقوله وجدها تطلع على قوم المراد بالقوم الزنج قاله قتادة وهم الهنود وما وراءهم وقال الناس في قوله سبحانه لم نجعل لهم من دونها سترا معناه أنهم ليس لهم بنيان إذ لا تحتمل ارضهم البناء وإنما يدخلون من حر الشمس في اسراب وقيل يدخلون في ماء البحر قاله الحسن وغيره وأكثر المفسرون في هذا المعنى والظاهر من اللفظ أنها عبارة بليغة عن قرب الشمس منهم ولو كان لهم أسراب تغنى لكان سترا كثيفا
قوله كذلك معناه فعل معهم كفعله مع الأوليين أهل المغرب فأوجز بقوله كذلك
وقوله حتى إذا بلغ بين السدين الآية السدان فيما ذكر أهل التفسير جبلان سدا مسالك تلك الناحية وبين طرفي الجبلين فتح هو موضع الردم وهذان الجبلان في طرف الأرض مما يلي المشرق ويظهر من ألفاظ التواريخ أنهما إلى ناحية الشمال
وقوله تعالى ووجد عندها قوما قال السهيلي هم أهل جابلس ويقال لها بالسريانية جرجيسا يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم
الذين آمنوا بصالح
وقوله تعالى ووجدها تطلع على قوم هم أهل جابلق وهم من نسل مؤمني قوم عاد الذين آمنوا بهود ويقال لها بالسريانية مرقيسيا ولكل واحد من المدينتين عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ ومر بهم نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ليلة الإسراء فدعاهم فأجابوه وأمنوا به ودعا من ورائهم من الأمم فلم يجيبوه في حديث طويل رواه الطبري عن مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم والله أعلم انتهى والله أعلم بصحته
ويأجوج وماجوج قبيلان من بني آدم لكنهم ينقسمون أنواعا كثيرة اختلف الناس في عددها واختلف في إفسادهم الذي وصفوهم به فقيل أكل بني آدم وقالت فرقة إفسادهم هو الظلم والغشم وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر وهذا أظهر الأقوال وقولهم فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب والخرج المجيء وهو الخراج وقرأ عاصم وحمزة والكسائي خراجا وروي في أمر يأجوج وماجوج أن أرزاقهم هي من التنين يمطرون به ونحو هذا مما لم يصح وروي أيضا أن الذكر منهم لا يموت حتى يولد له ألف والأنثى كذلك وروي أنهم يتسافدون في الطرق كالبهائم وأخبارهم تضيق بها الصحف فاختصرت ذلك لعدم صحته ت والذي يصح من ذلك كثرة عددهم على الجملة على ما هو معلوم من حديث أخرج بعث النار وغيره من الأحاديث
وقوله ما مكني فيه ربي خير المعنى قال لهم ذو القرنين ما بسطه الله لي من القدرة والملك خير من خراجكم ولكن اعينوني بقوة الأبدان وهذا من تأييد الله تعالى له فإنه تهدى في هذه المحاورة إلى الأنفع الأنزه فإن القوم لو جمعوا له الخراج الذي هو المال لم يعنه منهم أحد ولو كلوه إلى البنيان ومعونتهم بالقوة أجمل به
وقوله ءاتوني زبر الحديد الآية قرأ حمزة وغيره ائتوني بمعنى جيئوني وقرأ نافع وغيره ءاتوني بمعنى أعطوني وهذا
كله إنما هو استدعاء المناولة وأعمال القوة الزبر جمع زبرة وهي القطعة العظيمة منه المعنى فرصفه وبناءه حتى إذا ساوى بين الصدفين وهما الجبلان
وقوله قال انفخوا إلى آخر الآية معناه أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة ثم يوقد عليها حتى تحمى ثم يؤتى بالنحاس المذاب أبو بالرصاص أو بالحديد بحسب الخلاف في القطر فيفرغه على تلك الطاقة المنضدة فإذا التأم وأشتد استأنف رصف طاقة أخرى إلى أن استوى العمل وقال أكثر المفسرين القطر النحاس المذاب ويؤيد هذا ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم جاءه رجل فقال يا رسول الله أني رأيت سد يأجوج وماجوج فقال كيف رأيته قال رأيته كالبرد المحبر طريقة صفراء وطريقة حمراء وطريقة سوداء فقال النبي صلى الله عليه و سلم قد رأيته ويظهروه معناه يعلونه بصعود فيه ومنه قوله في الموطأ والشمس في حجرتها قبل أن تظهر وما استطاعو له نقبا لبعد عرضه وقوته ولا سبيل سوى هذين أما ارتقاء وإما نقب وروي أن في طوله ما بين طرفين الجبلين مائة فرسخ وفي عرضه خمسين فرسخا وروي غير هذا مما لم نقف على صحته فاختصرناه إذ لا غاية للتخرص وقوله في الآية انفخوا يريد بالاكيار
وقوله هذا رحمة من ربي الآية القائل ذو القرنين وأشار بهذا إلى الردم والقوة عليه والانتفاع به والوعد يحتمل أن يريد به يوم القيامة ويحتمل أن يريد به وقت خروج ياجوج ومأجوج وقرأ نافع وغيره دكا مصدر دك يدك إذا هدم ورض وناقة دكاء لا سنام لها والضمير في تركنا لله عز و جل
وقوله يومئذ يحتمل أن يريد به يوم القيامة ويحتمل أن يريد به يوم كمال السد والضمير في قوله بعضهم على هذا ليأجوج ومأجوج واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض كالمولهين من هم وخوف ونحوه فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض
وقوله ونفخ في
الصور إلى آخر الآية يعني به يوم القيامة بلا احتمال لغيره والصور في قول الجمهور وظاهر الأحاديث الصحاح هو القرن الذي ينفخ فيه اسرافيل للقيامة
وقوله سبحانه وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا معناه ابرزناها لهم لتجمعهم وتحطمهم ثم أكد بالمصدر عبارة عن شدة الحال
وقوله أعينهم كناية عن البصائر والمعنى الذين كانت فكرهم بينها وبين ذكرى والنظر في شرعى حجاب وعليها غطاء
وكانوا لا يستطيعون سمعا يريد لا عراضهم ونفارهم عن دعوة الحق وقرأ الجمهور افحسب الذين كفروا بكسر السين بمعنى أظنوا وقرأ علي بن أبي طالب وغيره وابن كثير بخلاف عنه افحسب بسكون السين وضم الباء بمعنى اكافيهم ومنتهى غرضهم وفي مصحف ابن مسعود افظن الذين كفروا وهذه حجة لقراءة الجمهور
وقوله أن يتخذوا عبادي قال جمهور المفسرين يريد كل من عبد من دون الله كالملائكة وعزير وعيسى والمعنى أن الأمر ليس كما ظنوا بل ليس لهم من ولاية هؤلاء المذكورين شيء ولا يجدون عندهم منتفعا واعتدنا معناه يسرنا والنزل موضع النزول والنزل أيضا ما يقدم للضيف أو القادم من الطعام عند نزوله ويحتمل أن يريد بالآية هذا المعنى أن المعد لهؤلاء بدل النزل جهنم والآية تحتمل الوجهين ثم قال تعالى قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الآية المعنى قل لهؤلاء الكفرة على جهة التوبيخ هل يخبركم بالذين خسر عملهم وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم مع ذلك يظنون أنهم يحسنون فيما يصنعوه فإذا طلبوا ذلك فقل لهم اولائك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه وعن سعد بن أبي وقاص في معنى قوله تعالى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا قال هم عباد اليهود والنصارى وأهل الصوامع والديارات وعن علي هم الخوارج ويضعف هذا كل قوله تعالى بعد ذلك اولائك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه وليس هذه الطوائف ممن
يكفر بالله ولقائه وإنما هذه صفة مشركى عبدة الأوثان وعلي وسعد رضي الله عنهما ذكرا قوما أخذوا بحظهم من صدر الآية
وقوله سبحانه فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا يريد أنهم لا حسن لهم توزن لان اعمالهم قد حبطت أي بطلت ويحتمل المجاز والاستعارة كأنه قال فلا قدر لهم عندنا يؤمئذ وهذا معنى الآية عندي وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يوتى بالأكول الشروب الطويل فلا يزن جناح بعوضة ثم قرأ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا
وقوله ذلك إشارة إلى ترك إقامة الوزن
وقوله سبحانه أن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس اختلف المفسرون في الفردوس فقال قتادة أنه أعلى الجنة وربوتها وقال أبو هريرة أنه جبل تتفجر منه أنهار الجنة وقال أبو إمامة أنه سرة الجنة ووسطها وروى أبو سعيد الخدري أنه تتفجر منه أنهار الجنة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ت ففي البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة انتهى
وقوله تعالى لا يبغون عنها حولا الحول بمعنى المتحول قال مجاهد متحولا وأما قوله سبحانه قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي الآية فروي أن سبب الآية أن اليهود قالت للنبي صلى الله عليه و سلم كيف تزعم أنك نبي الأمم كلها وأنك أعطيت ما يحتاجه الناس من العلم وأنت مقصر قد سئلت عن الروح لم تجب فيه ونحو هذا من القول فأنزل الله الآية معلمة بأتساع معلومات الله عز و جل وإنها غير متناهية وإن الوقوف دونها ليس ببدع فالمعنى لو كان البحر مدادا تكتب به معلوماته تعالى لنفد قبل أن يستوفيها وكلمات ربي هي المعاني القائمة بالنفس وهي
المعلومات ومعلومات الله عز و جل لا تتناهى والبحر متناه ضرورة وذكر الغزالي في آخر المنهاج أن المفسرين يقولون في قوله تعالى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي أن هذه هي الكلمات التي يقول الله عز و جل لأهل الجنة في الجنة باللطف والإكرام مما لا تكيفه الأوهام ولا يحيط به علم مخلوق وحق أن يكون ذلك كذلك وهو عطاء العزيز العليم على مقتضى الفضل العظيم والجود الكريم إلا لمثل هذا فليعمل العاملون انتهى
وقوله مددا أي زيادة ت وكذا فسره الهروي ولفظه وقوله تعالى ولو جئنا يمثله مددا أي زيادة انتهى
وقوله تعالى قل إنما أنا بشر مثلكم أي أنا بشر ينتهي علمي إلى حيث يوحى إلي ومهم ما يوحى إلى إنما إلهكم اله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا وباقي الآية بين في الشرك بالله تعالى وقال ابن جبير في تفسيرها لا يراءى في عمله وقد ورد حديث أنها نزلت في الرياء ت وروى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أنه كان يصف أمر الرياء فيقول ما كان من نفسك فرضيته نفسك لها فإنه من نفسك فعاتبها وما كان من نفسك فكرهته نفسك لها فإنه من الشيطان فتعوذ بالله منه وكان أبو حازم يقول ذلك واسند ابن المبارك عن عبد الرحمن بن أبي أمية قال كل ما كرهه العبد فليس منه انتهى وخرج الترمذي عن أبي سعيد ابن أبي فضالة الأنصاري وكان من الصحابة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن اله أغنى الشركاء عن الشرك قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب انتهى وقد خرج مسلم معناه ت ومما جربته وصح من خواص هذه السورة أن من أراد أن يستيقظ أي وقت شاء من الليل فليقرأ عند نومه قوله سبحانه أفحسب الذين كفروا أن
يتخذوا عبادى من دوني أولياء إلى آخر السورة فإنه يستيقظ بادن الله في الوقت الذي نواه ولتكن قراءته عند آخر ما يغلب عليه النعاس بحيث لا يتجدد له عقب القراءة خواطر هذا مما لا شك فيه وهو من عجائب القرآن المقطوع بها والله الموفق بفضله تنبيه روينا في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول أن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة فإن أردت أن تعرف هذه الساعة فأقرأ عند نومك من قوله تعالى أن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات لفردوس إلى آخر السورة فأنك تستيقظ في تلك الساعة أن شاء الله تعالى بفضله ويتكرر تيقظك ومهما استيقظت فأدع لي ولك وهذا مما الهمنيه الله سبحانه فاستفده وما كتبته إلا بعد استخارة وإياك أن تدعو هنا على مسلم ولو كان ظالما فإن خالفتني فالله حسيبك وبين يديه أكون خصيمك وأنا أرغب إليك أن تشركني في دعائك إذ أفدتك هذه الفائدة العظيمة وكنت شيخك فيها وللقرآن العظيم أسرار يطلع الله عليها من يشاء من أوليائه جعلنا الله منهم بفضله وصلى الله على سيدنا محمد وعى ءاله وصحبه وسلم تسليما
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير
سورة مريم
عليها السلامهذه السورة مكية بإجماع إلا السجدة منها فقيل مكية وقيل مدنية
قوله عز و جل كهيعص قد تقدم الكلام في فواتح السور
وقوله ذكر رحمت ربك مرتفع بقوله كهيعص في قول فرقة وقيل أنه ارتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا ذكر وحكى أبو عمرو الداني عن ابن يعمر أنه قرأ ذكر رحمة ربك بفتح الذال وكسر الكاف المشددة ونصب الرحمة
وقوله نادى معناه بالدعاء والرغبة قاله ابن العربي في أحكامه
وقوله تعالى إذ نادى ربه نداء خفيا يناسب قوله ادعوا ربكم تضرعا وخفيه وفي الصحيح عن النبي ص أنه قال
خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي وذلك لأنه أبعد من الرياء فأما دعاء زكريا عليه السلام فإنما كان خفيا لوجهين أحدهما أنه كان ليلا والثاني أنه ذكر في دعائه أحوالا تفتقر إلى الإخفاء كقوله وإني خفت الموالي من وراءي وهذا مما يكتم انتهى ووهن العظم
معناه ضعف واشتعل مستعار للشيب من اشتعال النار
وقوله ولم أكن بدعائك رب شقيا شكر لله عز و جل على سالف أياديه عنده معناه قد أحسنت إلي فيما سلف وسعدت بدعائي إياك فالأنعام يقتضي أن يشفع أوله آخره ت وكذا فسر الداودي ولفظه ولم أكن بدعائك رب شقيا يقول كنت تعرفني الإجابة فيما مضى وقاله قتادة انتهى
وقوله وإني خفت الموالي الآية قيل معناه خاف أن يرث الموالي ماله والموالي بنو العم والقرابة
وقوله من وراءى أي من بعدي وقالت فرقة إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين فطلب وليا يقوم بالدين بعده حكى هذا القول الزجاج وفيه أنه لا يجوز أن يسأل زكريا من يرث ماله إذ الأنبياء لا تورث قال ع وهذا يؤيده قوله صلى الله عليه و سلم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين فتكون الوراثة مستعارة وقد بلغه الله أمله قال ابن هشام ومن وراءي متعلق بالموالي أو بمحذوف هو حال من الموالي أو مضاف إليهم أي كائنين من وراءي أو فعل الموالي من وراءي ولا يصح تعلقه بخفت لفساد المعنى انتهى من المغنى وخفت الموالي هي قراءة الجمهور وعليها هو هذا التفسير وقرأ عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وجماعة خفت بفتح الخاء وفتح الفاء وشدها وكسر التاء والمعنى على هذا قد انقطع أولياءي وماتوا وعلى هذه القراءة فإنما طلب وليا يقوم بالدين قال ابن العربي في أحكامه ولم يخف زكرياء وارث المال وإنما أراد ارث النبوءة وعليها خاف أن تخرج عن عقبه وصح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة انتهى وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهما يرثني وارث من آل يعقوب ت وقوله فهب لي قال ابن مالك في شرح الكافية
اللام هنا هي لام التعدية وقاله ولده في شرح الخلاصة قال ابن هشام والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو ما أكرم زيدا لعمرو وما أحبه لبكر انتهى
وقوله من آل يعقوب يريد يرث منهم الحكمة والعلم والنبوءة ورضيا معناه مرضيا والعاقر من النساء التي لا تلد من غير كبرة وكذلك العاقر من الرجال
وقوله لم نجعل له من قبل سميا معناه في اللغة لم نجعل له مشاركا في هذا الاسم أي لم يسم به قبل يحيى وهذا قول ابن عباس وغيره وقال مجاهد وغيره سميا معناه مثيلا ونظيرا وفي هذا بعد لأنه لا يفضل على ابراهيم وموسى عليهما السلام إلا أن يفضل في خاص كالسودد والحصر والعتي والعسيي المبالغة في الكبر أو يبس العود أو شيب الرأس أو عقيدة ما وزكرياء هو من ذرية هارون عليهما السلام ومعنى قوله سويا فيما قال الجمهور صحيحا من غير علة ولا خرس وقال ابن عباس ذلك عائد على الليالي أراد كاملات مستويات
وقوله فأوحى إليهم قال قتادة وغيره كان ذلك بإشارة وقال مجاهد بل بكتابة في التراب قال ع وكلا الوجهين وحي
وقوله أن سبحوا قال قتادة معناه صلوا السبحة والسبحة الصلاة وقالت فرقة بل أمرهم بذكر الله وقول سبحان الله
وقوله عز و جل يا يحيى خذ الكتاب بقوة المعنى قال الله له يا يحيى خذ الكتاب وهو التوراة وقوله بقوة أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه
وقوله صبيا يريد شابا لم يبلغ حد الكهولة ففي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال وروى معمر أن الصبيان دعوا يحيى إلى اللعب وهو طفل فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي ءاتاه الله عز و جل وهو صبي وقال ابن عباس من قرأ القرءان قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكمة صبيا والحنان والرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين وهو تفسير اللغة ومن الشواهد في الحنان قول النابغة ... أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشراهون من بعض
وقال عطاء بن أبي رباح حنانا من لدنا بمعنى تعظيما من لدنا قال ع وهو أيضا ما عظم من الأمر لأجل الله عز و جل ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا قال ص قال أبو عبيدة وأكثر ما يستعمل مثنى انتهى والزكاة التنمية والتطهير في وجوه الخير قال مجاهد كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ولم يكن جبارا عصيا روي أن يحيى عليه السلام لم يواقع معصية قط صغيرة ولا كبيرة والبر كثير البر والجبار المتكبر كأنه يجبر الناس على أخلاقه
وقوله وسلام عليه قال الطبري وغيره معناه وأمان عليه قال ع والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فيه أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه وهو أقل درجاته وإنما الشرف في أن سلم الله عليه وحياه في المواطن التي الإنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة
واذكر في الكتاب مريم الكتاب هو القرءان والانتباذ التنحي قال السدي انتبذت لتطهر من حيض وقال غيره لتعبد الله عز و جل قال ع وهذا أحسن
وقوله شرقيا يريد في جهة الشرق من مساكن أهلها وكانوا يعظمون جهة المشرق قاله الطبري وقال بعض المفسرين اتخذت المكان بشرقي المحراب
وقوله سبحانه فاتخذت من دونهم حجابا أي لتستتر به عن الناس لعبادتها والروح جبريل عليه السلام
وقوله تعالى قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا المعنى قالت مريم للملك الذي تمثل لها بشرا لما رأته قد خرق الحجاب الذي اتخذته فأساءت به الظن أعوذ بالرحمن منك إن كنت ذا تقى فقال لها جبريل عليه السلام إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا وقرأ أبو عمرو ونافع بخلاف عنه ليهب
قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا والبغي الزانية وروي أن جبريل عليه السلام حين
قاولها هذه المقاولة نفخ في جيب درعها فسرت النفخة بإذن الله تعالى حتى حملت منها قاله وهب بن منبه وغيره وقال أبي بن كعب دخل الروح المنفوخ من فمها فذلك قوله تعالى فحملته أي فحملت الغلام ويذكر أنها كانت بنت ثلاث عشرة سنة فلما أحست بذلك وخافت تعنيف الناس وأن يظن بها الشر انتبذت أي تنحت مكانا بعيدا حياء وفرارا على وجهها وأجاءها معناه اضطرها وهو تعدية جاء بالهمزة والمخاض الطلق وشدة الولادة وأوجاعها وروي أنها بلغت إلى موضع كان فيه جذع نخلة بال يابس في أصله مذود بقرة على جرية ماء فاشتد بها الأمر هنالك واحتضنت الجذع لشدة الوجع وولدت عيسى عليه السلام فقالت عند ولادتها لما رأته من صعوبة الحال من غير ما وجه يا ليتني مت قبل هذا فتمنت الموت من جهة الدين أن يظن بها الشر وخوف أن تفتتن بتعيير قومها وهذا مباح وعلى هذا الحد تمناه عمر رضي الله عنه وكنت نسيا أي شيئا متروكا محتقرا والنسي في كلام العرب الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى فلا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر ونحوه وهذا القصة تقتضي أنها حملت واستمرت حاملا على عرف البشر واستحيت من ذلك ومرت بسببه وهي حامل وهو قول جمهور المتأولين وروي عن ابن عباس أنه قال ليس إلا أن حملت فوضعت في ساعة واحدة والله أعلم وظاهر قوله فأجاءها المخاض أنها كانت على عرف النساء
وقوله سبحانه فناداها من تحتها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم فناداها من تحتها على أن من فاعل بنادى والمراد بمن عيسى قاله مجاهد والحسن وابن جبير وأبي بن كعب وقال ابن عباس المراد بمن جبريل ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها والقول الأول أظهر وأبين وبه يتبين عذر مريم ولا تبقى بها استرابة وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم من تحتها بكسر الميم واختلفوا أيضا
فقالت فرقة المراد عيسى وقالت فرقة المراد جبريل المحاور لها قبل قالوا وكان في بقعة أخفض من البقعة التي كانت هي عليها والأول أظهر وقرأ ابن عباس فناداها ملك من تحتها والسري من الرجال العظيم السيد والسري أيضا الجدول من الماء وبحسب هذا اختلف الناس في هذه الآية فقال قتادة وابن زيد أراد جعل تحتك عظيما من الرجال له شأن وقال الجمهور أشار لها إلى الجدول ثم أمرها بهز الجذع اليابس لترى ءاية أخرى وقالت فرقة بل كانت النخلة مطعمة رطبا وقال السدي كان الجذع مقطوعا وأجري تحتها النهر لحينه قال ع والظاهر من الآية أن عيسى هو المكلم لها وأن الجذع كان يابسا فهي ءايات تسليها وتسكن إليها قال ص قوله وهزي إليك تقرر في علم النحو أن الفعل لا يتعدى إلى ضمير متصل وقد رفع المتصل وهما لمدلول واحد وإذا تقرر هذا فإليك لا يتعلق بهزي ولكن يمكن أن يكون إليك حالا من جذع النخلة فيتعلق بمحذوف أي هزي بجذع النخلة منتهيا إليك انتهى والباء في قوله بجذع زائدة مؤكدة وجنيا معناه قد طابت وصلحت للإجتناء وهو من جنيت الثمرة وقال عمرو بن ميمون ليس شيء للنفساء خيرا من التمر والرطب وقرة العين مأخوذة من القر وذلك أنه يحكى أن دمع الفرح بارد المس ودمع الحزن سخن المس وقيل غير هذا قال ص وقرى عينا أي طيبي نفسا أبو البقاء عينا تمييز اه
وقوله سبحانه فأما ترين من البشر أحدا الآية المعنى أن الله عز و جل أمرها على لسان جبريل عليه السلام أو ابنها على الخلاف المتقدم بأن تمسك عن مخاطبة البشر وتحيل على إبنها في ذلك ليرتفع عنها خجلها وتبين الآية فيقوم عذرها وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول مضمن هذه الألفاظ التي في الآية وهو قول الجمهور وقالت فرقة معنى قولي
بالإشارة لا بالكلام قال ص وقوله فقولي جواب الشرط وبينهما جملة محذوفة يدل عليها المعنى أي فأما ترين من البشر أحدا وسألك أو حاورك الكلام فقولي انتهى وصوما معناه عن الكلام إذ أصل الصوم الإمساك وقرأت فرقة أني نذرت للرحمن صمتا ولا يجوز في شرعنا نذر الصمت فروي أن مريم عليها السلام لما أطمأنت بما رأت من الآيات وعلمت أن الله تعالى سيبين عذرها أتت به تحمله مدلة من المكان القصي الذي كانت منتبذة به والفري العظيم الشنيع قاله مجاهد والسدي وأكثر استعماله في السوء واختلف في معنى قوله تعالى يا أخت هارون فقيل كان لها أخ اسمه هارون لأن هذا الاسم كان كثيرا في بني إسرائيل وروى المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسله إلى أهل نجران في أمر من الأمور فقالت له النصارى إن صاحبك يزعم أن مريم هي أخت هارون وبينهما في المدة ست مائة سنة قال المغيرة فلم أدر ما أقول فلما قدمت على النبي صلى الله عليه و سلم ذكرت ذلك له فقال
ألم يعملوا أنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين قال ع فالمعنى أنه اسم وافق اسما وقيل نسبوها إلى هارون أخي موسى لأنها من نسله ومنه قوله صلى الله عليه و سلم أن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم وقال قتادة نسبوها إلى هارون اسم رجل صالح في ذلك الزمان وقالت فرقة بل كان في ذلك الزمان رجل فاجر اسمه هارون نسبوها إليه على جهة التعيير ت والله أعلم بصحة هذا وما رواه المغيرة أن ثبت هو المعول عليه وقولهم ما كان أبوك امرأ سوء المعنى ما كان أبوك ولا أمك أهلا لهذه الفعلة فكيف جئت أنت بها والبغي التي تبغي الزنا أي تطلبه
وقوله تعالى فأشارت إليه يقوي قول من قال أن أمرها بقولي إنما أريد به الإشارة
وقوله ءاتاني الكتاب يعني الإنجيل ويحتمل أن يريد التوراة والإنجيل وءاتاني معناه قضى بذلك سبحانه وأنفذه
في سابق حكمه وهذا نحو قوله تعالى أتى أمر الله
وأوصاني بالصلاة والزكاة قيل هما المشروعتان في البدن والمال وقيل الصلاة الدعاء والزكاة التطهر من كل عيب ونقص ومعصية والجبار المتعظم وهي خلق مقرونة بالشقاء لأنها مناقضة لجميع الناس فلا يلقى صاحبها من كل أحد إلا مكروها وكان عيسى عليه السلام في غاية التواضع يأكل الشجر ويلبس الشعر ويجلس على الأرض ويأوي حيث جنه الليل لا مسكن له قال قتادة وكان يقول سلوني فإني لين القلب صغير في نفسي وقالت فرقة أن عيسى عليه السلام كان أوتي الكتاب وهو في سن الطفولية وكان يصوم ويصلي قال ع وهذا في غاية الضعف ت وضعفه من جهة سنده وإلا فالعقل لا يحيله لا سيما وأمره كله خرق عادة وفي قصص هذه الآية عن ابن زيد وغيره أنهم لما سمعوا كلام عيسى أذعنوا وقالوا إن هذا لأمر عظيم
وقوله تعالى ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون المعنى قل يا محمد لمعاصريك من اليهود والنصارى ذلك الذي هذه قصته عيسى بن مريم وقرأ نافع وعامة الناس قول الحق برفع القول على معنى هذا هو قول الحق وقرأ عاصم وابن عامر قول الحق بنصب اللام على المصدر
وقوله إن الله ربي وربكم الآية هذا من تمام القول الذي أمر به محمد صلى الله عليه و سلم أن يقوله ويحتمل أن يكون من قول عيسى ويكون قوله أن بفتح الهمزة عطفا على قوله الكتاب وقد قال وهب بن منبه عهد عيسى إليهم أن الله ربي وربكم ت وما ذكره وهب مصرح به في القرءان ففي ءاخر المائدة ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم الآية وامتراؤهم في عيسى هو اختلافهم فيقول بعضهم لزنية وهم اليهود ويقول بعضهم هو الله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا فهذا هو امتراؤهم وسيأتي شرح ذلك بأثر هذا
وقوله فاختلف الأحزاب من بينهم هذا ابتداء
خبر من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم بأن بني إسرائيل اختلفوا أحزابا أي فرقا وقوله من بينهم بمعنى من تلقائهم ومن أنفسهم ثار شرهم وإن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين وروي في هذا عن قتادة أن بني إسرائيل جمعوا من أنفسهم أربعة أحبار غاية في المكانة والجلالة عندهم وطلبوهم أن يبينوا لهم أمر عيسى فقال أحدهم عيسى هو الله تعالى الله عن قولهم وقال له الثلاثة كذبت واتبعه اليعقوبية ثم قيل للثلاثة فقال أحدهم عيسى ابن الله تعالى الله عن قولهم فقال له الاثنان كذبت واتبعه النسطورية ثم قيل للاثنين فقال أحدهما عيسى أحد ثلاثة الله إله ومريم إله وعيسى إله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا فقال له الرابع كذبت واتبعته الإسرائيلية فقيل للرابع فقال عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم فاتبع كل واحد فريق من بني إسرائيل ثم اقتتلوا فغلب المؤمنون وقتلوا وظهرت اليعقوبية على الجميع والويل الحزن والثبور وقيل الويل واد في جهنم ومشهد يوم عظيم هو يوم القيامة
وقوله سبحانه اسمع بهم وأبصر أي ما أسمعهم وأبصرهم يوم يرجعون إلينا ويرون ما نصنع بهم لكن الظالمون اليوم أي في الدنيا في ضلال مبين أي بين وأنذرهم يوم الحسرة وهو يوم ذبح الموت قاله الجمهور وفي هذا حديث صحيح خرجه البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه و سلم
أن الموت يجاء به في صورة كبش أملح فيذبح على الصراط بين الجنة والنار وينادى يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت ثم قرأ وأنذرهم يوم الحسرة الآية قال ع - وعند ذلك تصيب أهل النار حسرة لا حسرة مثلها وقال ابن زيد وغيره يوم الحسرة هو يوم القيامة قال ع ويحتمل أن يكون يوم الحسرة اسم جنس شامل لحسرات كثيرة بحسب مواطن الآخرة منها يوم موت الإنسان وأخذ الكتاب بالشمال وغير ذلك وهم
في غفلة يريد في الدنيا
قوله سبحانه انا نحن نرث الأرض الآية عبارة عن بقائه جل وعلا بعد فناء مخلوقاته لا إله غيره
وقوله عز و جل واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا الآية قوله واذكر بمعنى اتل وشهر لأن الله تعالى هو الذاكر والكتاب هو القرءان والصديق بناء مبالغة فكان إبراهيم عليه السلام يوصف بالصدق في أفعاله وأقواله
وقوله يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن الآية قال الطبري أخاف بمعنى أعلم قال ع والظاهر عندي أنه خوف على بابه وذلك أن إبراهيم عليه السلام في وقت هذه المقالة لم يكن ءايسا من إيمان أبيه ت ونحو هذا عبارة المهدوي قال قيل أخاف معناه اعلم أي أني أعلم أن مت على ما أنت عليه ويجوز أن يكون أخاف على بابه ويكون المعنى أني أخاف أن تموت على كفرك فيمسك العذاب انتهى
وقوله لأرجمنك قال الضحاك وغيره معناه بالقول أي لأشتمنك وقال الحسن معناه لأرجمنك بالحجارة وقالت فرقة معناه لأقتلنك وهذان القولان بمعنى واحد
وقوله واهجرني على هذا التأويل إنما يترتب بأنه أمر على حياله كأنه قال إن لم تنته قتلتك بالرجم ثم قال له واهجرني أي مع انتهائك ومليا معناه دهرا طويلا مأخوذ من الملوين وهما الليل والنهار هذا قول الجمهور
وقوله قال سلام عليك اختلف في معنى تسليمه على أبيه فقال بعضهم هي تحية مفارق وجوزوا تحية الكافر وأن يبدأ بها وقال الجمهور ذلك السلام بمعنى المسالمة لا بمعنى التحية وقال الطبري معناه أمنة مني لك وهذا قول الجمهور وهم لا يرون ابتداء الكافر بالسلام وقال النقاش حليم خاطب سفيها كما قال تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
وقوله سأستغفر لك ربي معناه سأدعو الله تعالى في أن يهديك فيغفر لك بإيمانك ولما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه والحفى المهتبل المتلطف وهذا شكر من إبراهيم لنعم الله تعالى عليه ثم أخبر
إبراهيم عليه السلام بأنه يعتزلهم أي يصير عنهم بمعزل ويروي أنهم كانوا بأرض كوثي فرحل عليه السلام حتى نزل الشام وفي سفرته تلك لقي الجبار الذي أخدم هاجر الحديث الصحيح بطوله وتدعون معناه تعبدون
وقوله عسى ترج في ضمنه خوف شديد وقوله سبحانه فلما اعتزلهم إلى أخر الآية أخبار من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم أنه لما رحل إبراهيم عن بلد أبيه وقومه عوضه الله تعالى من ذلك ابنه اسحاق وابن ابنه يعقوب على جميعهم السلام وجعل الولد له تسلية وشد لعضده وإسحاق اصغر من إسماعيل ولما حملت هاجر بإسماعيل غارت سارة فحملت بإسحاق هكذا فيما روي وقوله تعالى ووهبنا لهم من رحمتنا يريد العلم والمنزلة والشرف في الدنيا والنعيم في الآخرة كل ذلك من رحمة الله عز و جل ولسان الصدق هو الثناء الباقي عليهم ءاخر الأبد قاله ابن عباس وإبراهيم الخليل صلى الله عليه و سلم وذريته معظمة في جميع الأمم والملل قال ص وكلا جعلنا نبيا أبو البقاء هو منصوب بجعلنا انتهى وقوله عز و جل واذكر في الكتاب موسى أي على جهة التشريف له وناديناه هو تكليم الله له والأيمن صفة لجانب وكان على يمين موسى وإلا فالجبل نفسه لا يمنه له ولا يسرة ويحتمل أن يكون الأيمن مأخوذا من اليمن وقربناه أي تقريب تشريف والنجى من المناجاه وقوله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل هو أيضا من لسان الصدق المضمون بقاؤه على إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام هو أبو العرب اليوم وذلك أن اليمنية والمضرية ترجع إلى ولد إسماعيل وهو الذبيح في قول الجمهور وهو الراجح من وجوه منها قوله تعالى ومن وراء إسحاق يعقوب فولد بشر أبواه بأن سيكون منه ولد كيف يومر بذبحه ومنها أن أمر الذبح كان بمنى بلا خلاف وما روي قط أن إسحاق دخل تلك البلاد وإسماعيل بها نشأ وكان
أبوه يزوره مرارا كثيرة يأتي من الشام ويرجع من يومه على البراق وهو مركب الأنبياء ومنها قوله صلى الله عليه و سلم أنا ابن الذبيحين وهو أبوه عبد الله والذبيح الثاني هو إسماعيل ومنها ترتيب ءايات سورة والصافات يكاد ينص على أن الذبيح غير إسحاق ووصفه الله تعالى بصدق الوعد لأنه كان مبالغا في ذلك وروي أنه وعد رجلا أن يلقاه في موضع فبقي في انتظاره يومه وليلته فلما كان في اليوم الآخر جاء الرجل فقال له إسماعيل ما زلت هنا في انتظارك منذ أمس وقد فعل مثله نبينا محمد صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه خرجه الترمذي وغيره قال سفيان بن عيينة أسوأ الكذب إخلاف الميعاد ورمي الأبرياء بالتهم وأهله المراد بهم قومه وأمته قاله الحسن وفي مصحف ابن مسعود وكان يأمر قومه وإدريس عليه السلام من أجداد نوح عليه السلام ورفعناه مكانا عليا قالت فرقة من العلماء رفع إلى السماء قال ابن عباس كان ذلك بأمر الله تعالى
وقوله وبكيا قالت فرقة جمع باك وقالت فرقة هو مصدر بمعنى البكاء التقدير وبكوا بكيا واحتج الطبري ومكي لهذا القول بأن عمر رضي الله عنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال هذا السجود فأين البكي يعني البكاء قال ع ويحتمل أن يريد عمر رضي الله عنه فأين الباكون وهذا الذي ذكروه عن عمر ذكره أبو حاتم عن النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى فخلف من بعدهم خلف الآية الخلف بسكون اللام مستعمل إذا كان الآتي مذموما هذا مشهور كلام العرب والمراد بالخلف من كفر وعصى بعد من بني إسرائيل ثم يتناول معنى الآية من سواهم إلى يوم القيامة وإضاعة الصلاة يكون بتركها وبجحدها وبإضاعة أوقاتها وروى أبو داود الطيالسي في مسنده بسنده عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة
حفظك الله كما حفظتني وترفع وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها ولا سجودها قالت الصلاة ضيعك الله كما ضيعتني وتلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه انتهى من التذكرة والشهوات عموم وألغي الخسران قاله ابن زيد وقد يكون الغي بمعنى الضلال والتقدير يلقون جزاء الغي وقال عبد الله بن عمرو وابن مسعود الغي واد في جهنم وبه وقع التوعد في هذه الآية وقال ص الغي عندهم كل شر كما أن الرشاد كل خير انتهى وجنات عدن بدل من الجنة في قوله يدخلون الجنة
وقوله بالغيب أي أخبرهم من ذلك بما غاب عنهم وفي هذا مدح لهم على سرعة إيمانهم وبدارهم إذا لم يعاينوا وماتيا مفعول على بابه وقال جماعة من المفسرين هو مفعول في اللفظ بمعنى فاعل فماتيا بمعنى ءات وهذا بعيد ت بل هو الظاهر وعليه اعتمد ص واللغو السقط من القول وقوله بكرة وعشيا يريد في التقدير وقوله عز و جل وما نتنزل إلا بأمر ربك الآية قال ابن عباس وغيره سبب هذه الآية أن النبي صلى الله عليه و سلم أبطأ عنه جبريل عليه السلام مدة فلما جاءه قال يا جبريل قد اشتقت إليك أفلا تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت هذه الآية وقال الضحاك ومجاهد سببها أن جبريل تأخر عن النبي صلى الله عليه و سلم عند قوله في السؤالات المتقدمة في سورة الكهف غدا أخبركم وقال الداودي عن مجاهد ابطأت الرسل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتى جبريل عليه السلام قال ما حبسك قال وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون إظفاركم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون وما نتنزل إلا بأمر ربك انتهى وقد جاءت في فضل السواك ءاثار كثيرة فمنها ما رواه البزار في مسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيسمع لقراءته فيدنو منه حتى يضع فاه على فيه فما يخرج
من فيه شيء من القرءان إلا صار في جوف الملك انتهى من الكوكب الدري وفيه عن ابن أبي شيبة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال صلاة على أثر سواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك انتهى وفي البخاري أن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب أه وقوله سبحانه له ما بين أيدينا الآية المقصود بهذه الآية الإشعار بملك الله تعالى لملائكته وأن قليل تصرفهم وكثيره إنما هو بأمره وانتقالهم من مكان إلى مكان إنما هو بحد منه
وقوله وما كان ربك نسيا أي ممن يلحقه نسيان لبعثنا إليك فنسيا فعيل من النسيان وهو الذهول عن الأمور وقرأ ابن مسعود وما نسيك ربك وقوله سميا قال قوم معناه موافقا في الإسم قال ع وهذا يحسن فيه أن يريد بالإسم ما تقدم من قوله رب السموات والأرض وما بينهما أي هل تعلم من يسمى بهذا أو يوصف بهذه الصفة وذلك أن الأمم والفرق لا يسمون بهذا الاسم وثنا ولا شيئا سوى الله تعالى قال القشيري في التحبير قوله تعالى واصطبر لعبادته الاصطبار نهاية الصبر ومن صبر ظفر ومن لازم وصل وفي معناه انشدوا ... لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا ... اخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا ...
وأنشدوا ... إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر ... وقل من جد في شيء يحاوله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ...
انتهى وقال ابن عباس وغيره سميا معناه مثيلا أو شبيها ونحو ذلك وهذا قول حسن وكان السمي بمعنى المسامي والمضاهي فهو من السمو
وقوله تعالى ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا الإنسان اسم جنس يراد به الكافرون وروي أن سبب نزول هذه الآية هو أن رجالا من قريش كانوا يقولون هذا
ونحوه وذكر أن القائل هو أبي بن خلف وروي أن القائل هو العاصي بن وائل وفي قوله تعالى ولم يك شيئا دليل على أن المعدوم لا يسمى شيئا وقال أبو علي الفارسي أراد شيئا موجودا قال ع - وهذه من أبي علي نزعة اعتزالية فتأملها والضمير في لنحشرنهم عائد على الكفار القائلين ما تقدم ثم أخبر تعالى أنه يقرن بهم الشياطين المغوين لهم وجثيا جمع جاث فأخبر سبحانه أنه يحضر هؤلاء المنكرين البعث مع الشياطين المغوين فيجثون حول جهنم وهو قعود الخائف الذليل على ركبتيه كالأسير ونحوه قال ابن زيد الجثي شر الجلوس والشيعة الفرقة المرتبطة بمذهب وأحد المتعاونة فيه فأخبر سبحانه أنه ينزع من كل شيعة أعتاها وأولاها بالعذاب فنكون مقدمتها إلى النار قال أبو الأحوص المعنى نبدأ بالأكابر جرما وأي هنا بنيت لما حذف الضمير العائد عليها من صدر صلتها وكان التقدير أيهم هو أشد وصليا مصدر صلي يصلي إذا باشره وقوله عز و جل وإن منكم إلا واردها قسم والواو تقتضيه ويفسره قول صلى الله عليه و سلم من مات له ثلاثة أولاد لم تمسه النار إلا تحلة القسم وقرأ ابن عباس وجماعة وإن منهم بالهاء على إرادة الكفار قال ع ولا شغب في هذه القراءة وقالت فرقة من الجمهور القارئين منكم المعنى قل لهم يا محمد فالخطاب بمنكم للكفرة وتأويل هؤلاء أيضا سهل التناول وقال الأكثر المخاطب العالم كله ولا بد من ورود الجميع ثم اختلفوا في كيفية ورود المؤمنين فقال ابن عباس وابن مسعود وخالد بن معدان وابن جريج وغيرهم هو ورود دخول لكنها لا تعدو عليهم ثم يخرجهم الله عز و جل منها بعد معرفتهم حقيقة ما نجوا منه وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
الورود في هذه الآية هو الدخول وقد أشفق كثير من العلماء من تحقق الورود مع الجهل بالصدر جعلنا الله تعالى من الناجين بفضله ورحمته وقالت فرقة بل هو ورود أشراف واطلاع وقرب كما تقول وردت الماء إذا جئته وليس ما يلزم
أن تدخل فيه قالوا وحسب المؤمن بهذا هولا ومنه قوله تعالى ولما ورد ماء مدين وروت فرقة أثرا أن الله تعالى يجعل النار يوم القيامة جامدة الأعلى كأنها أهالة فيأتي الخلق كلهم برهم وفاجرهم فيقفون عليها ثم تسوخ بأهلها ويخرج المؤمنون الفائزون لم ينلهم ضر قالوا فهذا هو الورود قال المهدوي وعن قتادة قال يرد الناس جهنم وهي سوداء مظلمة فأما المؤمنون فأضاءت لهم حسناتهم فنجوا منها وأما الكفار فأوبقتهم سيئاتهم واحتبسوا بذنوبهم انتهى وروت حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال
لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية قالت فقلت يا رسول الله وأين قول الله تعالى وإن منكم إلا واردها فقال صلى الله عليه و سلم فمه ثم ننجي الذين اتقوا ورجح الزجاج هذا القول بقوله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ت وحديث حفصة هذا أخرجه مسلم وفيه
أفلم تسمعيه يقول ثم ننجي الذين اتقوا وروى ابن المبارك في رقائقه أنه لما نزلت هذه الآية وإن منكم إلا واردها ذهب ابن رواحة إلى بيته فبكى فجاءت امرأته فبكت وجاءت الخادم فبكت وجاء أهل البيت فجعلوا يبكون فلما انقضت عبرته قال يا أهلاه ما يبكيكم قالوا لا ندري ولكن رأيناك بكيت فبكينا فقال ءاية نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم ينبئني فيها ربي إني وراد النار ولم ينبئني أني صادر عنها فذلك الذي أبكاني انتهى وقال ابن مسعود ورودهم هو جوازهم على الصراط وذلك أن الحديث الصحيح تضمن أن الصراط مضروب على متن جهنم والحتم الأمر المنفذ المجزوم والذين اتقوا معناه اتقوا الكفر ونذر دالة على أنهم كانوا فيها قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد بعد أن ذكر رواية جابر وابن مسعود في الورود وروي عن كعب أنه تلا وإن منكم إلا ورادها فقال أتدرون ما ورودها أنه يجاء بجهنم فتمسك للناس كأنها متن أهالة يعني الودك الذي يجمد على القدر من المرقة حتى إذا استقرت عليها إقدام
الخلائق برهم وفاجرهم نادى مناد أن خذى أصحابك وذري أصحابي فيخسف بكل ولي لها فلهي أعلم بهم من الوالدة بولدها وينجو المؤمنون ندية ثيابهم وروي هذا المعنى عن أبي نضرة وزاد وهو معنى قوله تعالى فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون انتهى
وقوله تعالى وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما الآية هذا افتخار من كفار قريش وأنه أنما أنعم الله عليهم لأجل أنهم على الحق بزعمهم والندي والنادي المجلس ثم رد الله تعالى حجتهم وحقر أمرهم فقال تعالى وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا والأثاث المال العين والعرض والحيوان وقرأ نافع وغيره ورءيا بهمزة بعدها ياء من رؤية العين قال البخاري ورءيا منظرا وقرأ نافع أيضا وأهل المدينة وريا بياء مشددة فقيل هي بمعنى القراءة الأولى وقيل هي بمعنى الري في السقيا إذا كثر النعمة من الري والمطر وقرأ ابن جبير وابن عباس ويزيد البريري وزيا بالزاي المعجمة بمعنى الملبس وأما قوله سبحانه قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا فيحتمل أن يكون بمعنى الدعاء والابتهال كأنه يقول الأضل منا ومنكم مد الله له أي أملي له حتى يؤول ذلك إلى عذابه ويحتمل أن يكون بمعنى الخبر أنه سبحانه هذه عادته الاملاء للضالين حتى إذا رأوا ما يوعدون أما العذاب أي في الدنيا بنصر الله للمؤمنين عليهم وأما الساعة فيصيرون إلى النار والجند الناصرون القائمون بأمر الحرب وشر مكانا بأزاء قولهم خير مقاما وأضعف جندا بأزاء قولهم أحسن نديا ولما ذكر سبحانه ضلالة الكفرة وافتخارهم بنعم الدنيا عقب ذلك بذكر نعمة الله على المؤمنين في أنه يزيدهم هدى في الارتباط بالأعمال الصالحة والمعرفة بالدلائل الواضحة وقد تقدم تفسير الباقيات الصالحات عن النبي صلى الله عليه و سلم وأنها سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر وقد قال صلى الله عليه و سلم لأبي الدرداء خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال
بينك وبينهن فهن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة وعنه صلى الله عليه و سلم أنه قال
خذوا جنتكم قالوا يا رسول الله أمن عدو حضر قال من النار قالوا ما هي يا رسول الله قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهن الباقيات الصالحات وكان أبو الدرداء يقول إذا ذكر هذا الحديث لأهللن ولأكبرن الله ولأسبحنه حتى إذا رءاني الجاهل ظنني مجنونا ت ولو ذكرنا ما ورد من صحيح الأحاديث في هذا الباب لخرجنا بالإطالة عن مقصود الكتاب وقوله سبحانه أفرأيت الذي كفر بآيتنا هو العاصي بن وائل السهمي قاله جمهور المفسرين وكان خبره أن خباب بن الأرت كان قينا في الجاهلية فعمل له عملا واجتمع له عنده دين فجاءه يتقاضاه فقال له العاصي لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقال خباب لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثم يبعثك فقال العاصي أو مبعوث أنا بع4د الموت فقال نعم فقال فإنه إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك فنزلت الآية في ذلك وقال الحسن نزلت في الوليد بن المغيره قال ع وقد كانت للوليد أيضا أقوال تشبه هذا الغرض ت إلا أن المسند الصحيح في البخاري هو الأول
وقوله أم اتخذ عند الرحمن عهدا معناه بالإيمان والأعمال الصالحات وكلا زجر ورد وهذا المعنى لازم لكلا ثم أخبر سبحانه أن قول هذا الكافر سيكتب على معنى حفظه عليه ومعاقبته به ومد العذاب هو إطالته وتعظيمه
وقوله سبحانه ونرثه ما يقول أي هذه الأشياء التي سمي أنه يوتاها في الآخرة يرث الله ماله منها في الدنيا بأهلاكه وتركه لها فالوراثة مستعارة وقال النحاس نرثه ما يقول معناه نحفظه عليه لنعاقبه به ومنه قوله صلى الله عليه و سلم العلماء ورثة الأنبياء أي حفظة ما قالوا قال ع فكان هذا المجرم يورث هذه المقالة
وقوله ويكونون عليهم ضدا معناه يجدونهم خلاف ما كانوا أملوه في معبوداتهم فيئول ذلك بهم إلى ذلة وضد ما أملوه من العز وغيره وهذه صفة عامة وتؤزهم
معناه تقلقهم وتحركهم إلى الكفر والضلال قال قتادة تزعجهم إزعاجا وقال ابن زيد تشليهم أشلاء ومنه أزيز القدر وهو غليانه وحركته ومنه الحديث أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدته يصلي وهو يبكي ولصدره أزيز كأزيز المرجل ت هذا الحديث خرجه مسلم وأبو داود عن مطرف عن أبيه وقال العراقي تؤزهم أي تدفعهم انتهى وقوله سبحانه فلا تعجل عليهم أي لا تستبطئ عذابهم وقوله تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال ع وظاهر هذه الوفادة أنها بعد انقضاء الحساب وإنما هي النهوض إلى الجنة وكذلك سوق المجرمين أنما هو لدخول النار ووفدا قال المفسرون معناه ركبانا وهي عادة الوفود لأنهم سراة الناس وأحسنهم شكلا وإنما شبههم بالوفد هيئة وكرامة وروي عن علي رضي الله عنه أنهم يجيئون ركبانا على النوق المحلاة بحلية الجنة خطمها من ياقوت وزبرجد ونحو هذا وروي عمرو ابن قيس الملاءي أنهم يركبون على تماثيل من أعمالهم الصالحة وهي في غاية الحسن وروي أنه يركب كل واحد منهم ما أحب فمنهم من يركب الإبل ومنهم من يركب الخيل ومنهم من يركب السفن فتجئ عائمة بهم وقد ورد في الضحايا أنها مطاياكم إلى الجنة وأكثر هذه فيها ضعف من جهة الإسناد والسوق يتضمن هوانا والورد العطاش قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن واختلف في الضمير في قوله لا يملكون فقالت فرقة هو عائد على المجرمين أي لا يملكون أن يشفع لهم وعلى هذا فالاستثناء منقطع أي لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يشفع له والعهد على هذا الإيمان وقال ابن عباس العهد لا إله إلا الله وفي الحديث يقول الله تعالى يوم القيامة
من كان له عندي عهد فليقم قال ع ويحتمل أن يكون المجرمون يعم الكفرة والعصاة أي إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا من عصاة المؤمنين فإنه يشفع لهم وبكون الاستثناء متصلا وقالت فرقة الضمير في لا يملكون للمتقين
وقوله إلا من اتخذ الآية أي إلا من كان
له عمل صالح مبرور فيشفع فيشفع وتحتمل الآية أن يراد بمن النبي صلى الله عليه و سلم وبالشفاعة الخاصة له العامة في أهل الموقف ويكون الضمير في لا يملكون لجميع أهل الموقف ألا ترى أن سائر الأنبياء يتدافعون الشفاعة إذ ذاك حتى تصير إليه صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا قال الباجي في سنن الصالحين له روي عن ابن مسعود أنه قال أن الجبل ليقول للجبل يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله تعالى فإن قال نعم سر به ثم قرأ عبد الله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا إلى قوله وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا قال أترونها تسمع الزور ولا تسمع الخير انتهى وهكذا رواه ابن المبارك في رقائقه وما ذكره ابن مسعود لا يقال من جهة الرأي وقد روي عن أنس وغيره نحوه قال الباجي بأثر الكلام المتقدم وروي جعفر بن زيد عن أنس بن مالك أنه قال ما من صباح ولا رواح إلا وتنادى بقاع الأرض بعضها بعضا أي جاره هل مر بك اليوم عبد يصلى أو يذكر الله فمن قائله لا ومن قائله نعم فإذا قالت نعم رأت لها فضلا بذلك انتهى
وقوله سبحانه لقد جئتم شيئا إدا الآية الإد الأمر الشنيع الصعب ت وقال العراقي إدا أي عظيما انتهى والانفطار الانشقاق والهد الانهدام قال محمد بن كعب كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة
وقوله أن كل من في السماوات الآية أن نافية بمعنى ما وقوله فردا يتضمن عدم النصير والحول والقوة أي لا مجير له مما يريد الله به وعبارة الثعلبي فردا أي وحيدا بعمله ليس معه من الدنيا شيء اه ت وهذه الآية تنظر إلى قوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى الآية وقوله تعالى سيجعل لهم الرحمن ودا ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا الود هو القبول الذي يضعه الله لمن يحب من عباده حسبما في الحديث الصحيح المأثور وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه أنها بمنزلة قول النبي صلى الله عليه و سلم
من أسر سريرة ألبسه الله رداءها ت والحديث المتقدم المشار إليه أصله في الموطأ
ولفظه مالك عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا أحب الله العبد قال لجبريل يا جبريل قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى في أهل السماء أن الله أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يضع له القبول في الأرض وإذا أبغض العبد قال مالك لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد وممن روى هذا الحديث عن سهيل بإسناده هذا فذكر البغض من غير شك معمر وعبد العزيز بن المختار وحماد بن سلمة قالوا في ءاخره وإذا أبغض بمثل ذلك ولم يشكوا قال أبو عمر وقد قال المفسرون في قوله تعالى سيجعل لهم الرحمن ودا يحبهم ويحببهم إلى الناس وقاله مجاهد وابن عباس ثم أسند أبو عمر عن كعب أنه قال والله ما اتسقر لعبد ثناء في أهل الدنيا حتى يستقر له في أهل السماء قال كعب وقرأت في التوراة أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض إلا كان بدأها من الله عز و جل ينزلها على أهل السماء ثم ينزلها على أهل الأرض ثم قرأت القرءان فوجدت فيه أن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وأسند أبو عمر عن قتادة قال قال هرم بن حيان ما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان عليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم انتهى قال ابن المبارك في رقائقه أخبرنا سلميان بن المغيرة عن ثابت قال قيل يا رسول الله من أهل الجنة قال من لا يموت حتى يملأ الله سمعه مما يحب قال فقيل يا رسول الله من أهل النار قال من لا يموت حتى يملأ الله سمعه مما يكره انتهى قال ع وفي حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من عبد إلا وله في السماء صيت فإن كان حسنا وضع في الأرض حسنا وإن كان سيئا وضع في الأرض سيئا ت وهذا الحديث خرجه أبو داود في كتاب الزهد وقوله تعالى فإنما يسرناه بلسانك أي القرءان لتبشر به المتقين أي بالجنة والنعيم الدائم والعز في
الدنيا
وقوما لدا هم قريش ومعناه مجادلين مخاصمين والألد المخاصم المبالغ في ذلك ثم مثل لهم بإهلاك من قبلهم إذ كانوا أشد منهم وألد وأعظم قدرا والركز الصوت الخفي
تفسير
سورة طه
وهي مكية بسم الله الرحمن الرحيمقوله سبحانه وتعالى طه ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى قيل طه اسم من أسماء نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقيل معناه يا رجل بالسريانية ويقل بغيرها من لغات العجم قال البخاري قال ابن جبير طه يا رجل بالنبطية انتهى وقيل أنها لغة يمانية في عك وأنشد الطبري في ذلك ... دعوت بطاها في القتال فلم يجب ... فخفت عليه أن يكون موائلا ...
وقال آخر ... إن السفاهة طاها من خلائقكم ... لا بارك الله في القوم الملاعين ...
وقالت فرقة من العلماء سبب نزول هذه الآية أن قريشا لما نظرت إلى عيش النبي صلى الله عليه و سلم وشظفه وكثرة عبادته قالت أن محمدا مع ربه في شقاء فنزلت الآية رادة عليهم وأسند عياض في الشفا من طريق أبي ذر الهروي عن الربيع بن أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى فأنزل الله طه يعني طأ الأرض يا محمد ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى
ولا خفاء بما في هذا كله من الأكرام له صلى الله عليه و سلم وحسن المعاملة انتهى قال ص لتشقى إلا تذكرة علتان لقوله ما أنزلنا انتهى وقد تقدم القول في مسألة الاستواء وباقي الآية بين قال ابن هاشم قوله تعالى وإن تجهر بالقول أي فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه يعلم السر وأخفى فالجواب محذوف انتهى
وقوله سبحانه وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى هذا الاستفهام توقيف مضمنه تنبيه النفس إلى استماع ما يورد عليها وهذا كما تبدأ الرجل إذا أردت أخباره بأمر غريب فتقول أعلمت كذا وكذا ثم تبدأ تخبره وكان من قصة موسى عليه السلام أنه رحل من مدين بأهله بنت شعيب عليه السلام وهو يريد أرض مصر وقد طالت مدة جنايته هنالك فرجا خفاء أمره وكان فيما يزعمون رجلا غيورا فكان يسير الليل بأهله ولا يسير بالنهار مخافة كشفه الناس فضل عن طريقه في ليلة مظلمة فبينما هو كذلك وقد قدح بزنده فلم يور شيئا إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا أي أقيموا وذهب هو إلى النار فإذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة قيل كانت من عناب وقيل من عوسج وقيل من عليق فكلما دنا منها تباعدت منه ومشت فإذا رجع عنها اتبعته فلما رأى ذلك أيقن أن هذا من أمور الله الخارقة للعادة ونودي وانقضى أمره كله في تلك الليلة هذا قول الجمهور وهو الحق وما حكي عن ابن عباس أنه قال أقام في ذلك الأمر حولا فغير صحيح عن ابن عباس وآنست معناه أحسست والقبس الجذوة من النار تكون على رأس العود والهدى أراد هدى الطريق أي لعلي أجد مرشدا لي أو دليلا وفي قصة موسى بأسرها في هذه السورة تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم عما لقي في تبليغه من المشقات صلى الله عليه و سلم والضمير في قوله أتاها عائد على النار
وقوله نودي كنايه عن تكليم الله تعالى
له عليه السلام وقرأ نافع وغيره أني بكسر الهمزة على الابتداء وقرأ أبو عمرو وابن كثير أني بفتحها على معنى لأجل أني أنا ربك فاخلع نعليك واختلف في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين فقالت فرقة كانتا من جلد حمار ميت فأمر بطرح النجاسة وقالت فرقة بل كانت نعلاه من جلد بقرة ذكي لكن أمر بخلعهما لينال بركة الوادي المقدس وتمس قدماه تربة الوادي قال ع وتحتمل الآية معنى آخر هو الأليق بها عندي وهو أن الله تعالى أمره أن يتأدب ويتواضع لعظم الحال التي حصل فيها والعرف عند الملوك أن تخلع النعلان ويبلغ الإنسان إلى غاية تواضعه فكان موسى عليه السلام أمر بذلك على هذا الوجه ولا نبالي كيف كانت نعلاه من ميتة أو غيرها والمقدس معناه المطهر وطوى معناه مرتين فقالت فرقة معناه قدس مرتين وقالت فرقة معناه طويت لك الأرض مرتين من ظنك قال الفخر وقيل أن طوى اسم واد بالشام وهو عند الطور الذي أقسم الله به في القرءان وقيل أن طوى بمعنى يا رجل بالعبرانية كأنه قيل يا رجل اذهب إلى فرعون انتهى من تفسيره لسورة والنازعات قال ع وحدثني أبي رحمه الله قال سمعت أبا الفضل ابن الجوهري رحمه الله تعالى يقول لما قيل لموسى استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره ووقف يستمع وكان كل لباسه صوفا وقوله تعالى وأقم الصلاة لذكري يحتمل أن يريد لتذكرني فيها أو يريد لا ذكر في عليين بها فالمصدر محتمل الإضافة إلى الفاعل أو المفعول وقالت فرقة معنى قوله لذكرة أي عند ذكرى أي إذا ذكرتني وأمري لك بها ت وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها قال الله تعالى اقم الصلوة لذكرى انتهى فقد بين لك صلى الله عليه و سلم ما تحتمله الآية والله الموفق بفضله وهكذا استدل ابن العربي هنا بالحديث ولفظه وقد روى مالك
وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول أقم الصلاة لذكري انتهى من الأحكام وقرأت فرقة للذكري وقرأت فرقة للذكر وقرأت فرقة للذكرى لذكري بغير تعريف وقوله تعالى أن الساعة يريد القيامة آتية فيه تحذير ووعيد وقرأ ابن كثير وعاصم أكاد أخفيها بفتح الهمزة بمعنى أظهرها أي أنها من تيقن وقوعها تكاد تظهر لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم والعرب تقول خفيت الشيء بمعنى أظهرته وقرأ الجمهور أخفيها بضم الهمزة فقيل معناه أظهرها وزعموا أن أخفيت من الأضداد وقالت فرقة أكاد بمعنى أريد أي أريد إخفاءها عنكم لتجزى كل نفس بما تسعى واستشهدوا بقول الشاعر كادت وكدت وتلك خير إرادة ...
وقالت فرقة أكاد على بابها بمعنى أنها مقاربة ما لم يقع لكن الكلام جار على استعارة العرب ومجازها فلما كانت الآية عبارة عن شدة خفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ سبحانه في إبهام وقتها فقال أكاد أخفيها حتى لا تظهر البتة ولكن ذلك لا يقع ولا بد من ظهورها وهذا التأويل هو الأقوى عندي وقوله سبحانه فلا يصدنك عنها أي عن الإيمان بالساعة ويحتمل عود الضمير على الصلاة
وقوله فتردى معناه فتهلك والردى الهلاك وهذا الخطاب كله لموسى عليه السلام وكذلك ما بعده وقال النقاش الخطاب بلا يصدنك لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وهذا بعيد وقوله سبحانه وما تلك بيمينك يا موسى تقرير مضمنه التنبيه وجمع النفس لتلقى ما يورد عليها وإلا فقد علم سبحانه ما هي في الأزل قال ابن العربي في أحكامه وأجاب موسى عليه السلام بقوله هي عصاي الآية بأكثر مما وقع السؤال عنه وهذا كقوله صلى الله عليه و سلم هو الطهور ماؤه الحل ميتتة لمن سأله عن طهورية ماء البحر انتهى ت - والمستحسن من الجواب
أن يكون مطابقا للسؤال أو أعم منه كما في الآية والحديث أما كونه أخص منه فلا انتهى وأهش معناه أخبط بها الشجر حتى ينتثر الورق للغنم وعصا موسى عليه السلام هي التي كان أخذها من بيت عصي الأنبياء عليهم السلام الذي كان عند شعيب عليه السلام حين اتفقا على الرعي وكانت عصا آدم عليه السلام هبط بها من الجنة وكانت من العير الذي في ورق الريحان وهو الجسم المستطيل في وسطها ولما أراد الله سبحانه تدريب موسى في تلقي النبوة وتكاليفها أمره بإلقاء العصا فألقاها فإذا هي حية تسعى أي تنتقل وتمشي وكانت عصا ذات شعبتين فصارت الشعبتان فما يلتقم الحجارة فلما رءاها موسى رأى عبرة فولى مدبرا ولم يعقب فقال الله تعالى له خذها ولا تخف فأخذها بيده فصارت عصا كما كانت أول مرة وهي سيرتها الأولى واضمم يدك إلى جناحك أي جنبك قال ع وكل مرعوب من ظلمة ونحوها فإنه إذا ضم يده إلى جناحه فتر رعبه وربط جأشه فجمع الله سبحانه لموسى عليه السلام تفتير الرعب مع الآية في اليد وروي أن يد موسى خرجت بيضاء تشف وتضيء كأنها شمس من غير سوء أي من غير برص ولا مثله بل هو أمر ينحسر ويعود بحكم الحاجة إليه ولما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون علم أنها الرسالة وفهم قدر التكليف فدعا الله في المعونة إذ لا حول له إلا به واشرح لي صدري معناه لفهم ما يرد علي من الأمور والعقدة التي دعا في حلها هي التي اعترته بالجمرة في فيه حين جربه فرعون وروي في ذلك أن فرعون أراد قتل موسى وهو طفل حين مد يده عليه السلام إلى لحية فرعون فقالت له امرأته أنه لا يعقل فقال بل هو يعقل وهو عدوي فقالت له نجربه فقال لها أفعل فدعا بجمرات من النار وبطبق فيه ياقوت فقالا إن أخذ الياقوت علمنا إنه يعقل وإن أخذ النار عذرناه فمد موسى يده إلى جمرة
فأخذها فلم تعد على يده فجعلها في فيه فأحرقته وأورثت لسانه عقدة وموسى عليه السلام إنما طلب من حل العقدة قدرا يفقه معه قوله فجائز أن تكون تلك العقدة قد زالت كلها وجائز أن يكون قد بقي منها القليل فيجتمع أن يؤتى هو سؤله وأن يقول فرعون ولا يكاد يبين ولو فرضنا زوال العقدة جملة لكان قول فرعون سبا لموسى بحالته القديمة والوزير المعين القائم بوزر الأمور وهو ثقلها فيحتمل الكلام أن طلب الوزير من أهله على الجملة ثم أبدل هارون من الوزير المطلوب ويحتمل أن يريد واجعل هارون وزيرا فيكون مفعولا أولا لأجعل وكان هارون عليه السلام أكبر من موسى عليه السلام بأربع سنين والأزر الظهر قاله أبو عبيدة
وقوله كثيرا نعت لمصدر محذوف أي تسبيحا كثيرا وقوله سبحانه ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى قيل هو وحي إلهام وقيل بملك وقيل برؤيا رأتها وكان من قصة موسى عليه السلام فيما روي أن فرعون ذكر له أن خراب ملكه يكون على يد غلام من بني إسرائيل فأمر بقتل كل مولود يولد لبني إسرائيل ثم أنه رأى مع أهل مملكته أن فناء بني إسرائيل يعود على القبط بالضرر إذ هم كانوا عملة الأرض والصناع ونحو هذا فعزم على أن يقتل الولدان سنة ويستحييهم سنة فولد هارون عليه السلام في سنة الاستحياء ثم ولد موسى عليه السلام في العام الرابع سنة القتل فخافت عليه أمه فأوحى الله إليها أن اقذفيه في التابوت فأخذت تابوتا فقذفت فيه موسى راقدا في فراش ثم قذفته في يم النيل وكان فرعون جالسا في موضع يشرف منه على النيل إذ رأى التابوت فأمر به فسيق إليه وامرأته معه ففتح فرأوه فرحمته امرأته وطلبته لتتخذه ابنا فأباح لها ذلك ثم أنها عرضته للرضاع فلم يقبل امرأة فجعلت تنادي عليه في المدينة ويطاف به يعرض للمراضع فكلما عرضت عليه امرأة أباها وكانت أمه قالت لأخته
قصيه فبصرت به وفهمت أمره فقالت لهم أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فتعلقوا بها وقالوا أنت تعرفين هذا الصبي فأنكرت وقالت لا غير أن أعلم من أهل هذا البيت الحرص على التقرب إلى المملكة والجد في خدمتها ورضاها فتركوها وسألوها الدلالة فجاءت بأم موسى فلما قربته شرب ثديها فسرت بذلك ءاسية امرأة فرعون رضي الله عنها وقالت لها كوني معي في القصر فقالت لها ما كنت لأدع بيتي وولدي ولكنه يكون عندي فقالت نعم فأحسنت إلى أهل ذلك البيت غاية الإحسان واعتز بنو إسرائيل بهذا الرضاع والسبب من المملكة وأقام موسى عليه السلام حتى كمل رضاعه فأرسلت إليها ءاسية أن جئيني بولدي ليوم كذا وأمرت خدمها ومن معها أن يلقينه بالتحف والهدايا واللباس فوصل إليها على ذلك وهو بخير حال وأجمل شباب فسرت به ودخلت به على فرعون ليراه ويهب له فرءاه وأعجبه وقربه فأخذ موسى عليه السلام بلحية فرعون وجبذها فاستشاط فرعون وقال هذا عدو لي وأمر بذبحه فناشدته فيه امرأته وقالت إنه لا يعقل فقال فرعون بل يعقل فاتفقا على تجريبه بالجمرة والياقوت حسب ما تقدم فنجاه الله من فرعون ورجع إلى أمه فشب عندها فاعتز به بنو إسرائيل إلى أن ترعر وكان فتى جلدا فاضلا كاملا فاعتزت به بنوا اسرائيل بظاهر ذلك الرضاع وكان يحميهم ويكون ضلعه معهم وهو يعلم من نفسه أنه منهم ومن صميمهم فكانت بصيرته في حمايتهم أكيدة وكان يعرف ذلك أعيان بني إسرائيل ثم وقعت له قصة القبطي المتقاتل مع الإسرائيلي على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وعدد الله سبحانه على موسى هذه الآية ما تضمنته هذه القصة من لطفه سبحانه به في كل فصل وتخليصه من قصة إلى أخرى وهذه الفتون التي فتنه بها أي اختبره بها وخلصه حتى صلح للنبوءه وسلم لها وقوله ما يوحى إبهام يتضمن عظم الأمر وجلالته
وهذا كقوله تعالى إذ يغشى السدرة مايغشى فأوحى إلى عبده ما أوحى وهو كثير في القرآن والكلام الفصيح
وقوله فليلقه اليم بالساحل خبر في خرج صيغة الأمر مبالغة ومنه قوله صلى الله عليه و سلم قوموا فلأصل لكم فاخرج الخبر في صيغة الأمر لنفسه مبالغة وهذا كثير والمراد بالعدو في الآية فرعون ثم أخبر تعالى موسى عليه السلام أنه ألقى عليه محبة منه قالت فرقة أراد القبول الذي يضعه الله في الأرض لخيار عباده وكان حظ موسى منه في غاية الوفر وهذا أقوى ما قيل هنا من الأقوال وقرأ الجمهور ولتصنع بكسر اللام وضم التاء على معنى ولتغذي وتطعم وتربي وقوله على عيني معناه بمرأى مني وقوله على قدر أي لميقات محدود للنبؤة التي قد أرادها الله تعالى واصطنعتك معناه جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان
وقوله لنفسي إضافة تشريف وهذا كما تقول بيت الله ونحوه والصيام لي وعبر بالنفس عن شدة القرب وقوة الاختصاص وقوله تعالى ولا تنيا في ذكري معناه لا تبطئا وتضعفا تقول وني فلان في كذا إذا تباطأ فيه عن ضعف والونى الكلال والفشل في البهائم والأنس وفي مصحف ابن مسعود ولا تهنا في ذكري معناه لا تلينا من قولك هين لين فقولا له قولا لينا أي حسنا له الكلمة مع إكمال الدعوة قال ابن العربي في أحكامه وفي الآية دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللين لمن معه القوة وفي الإسرائيليات أن موسى عليه السلام أقام بباب فرعون سنة لا يجد من يبلغ كلامه حتى لقيه حين خرج فجرى له ما قص الله تعالى علينا من خبره وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرنهم مع الظالمين انتهى وقولهما أننا نخاف أن يفرط معناه يعجل ويتسرع إلينا بمكروه وقوله عز و جل إنني معكما أي بالنصر والمعونة وقوله تعالى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم الآية جملة ما دعي
إليه فرعون الإيمان وإرسال بني إسرائيل وأما تعذيبه بني إسرائيل فبذبح أولادهم وتسخيرهم وإذلالهم وقولهما والسلام على من اتبع الهدى يحتمل أن يكون ءاخر كلام فيقوى أن يكون السلام بمعنى التحية كأنهما رغبا بها عنه وجريا على العرف في التسليم عند الفراغ من القول ويحتمل أن يكون في درج القول فيكون خبرا بأن السلامة للمهتدين وبهذين المعنيين قالت كل فرقة من العلماء وقوله سبحانه أعطى كل شيء خلقه قالت فرقة المعنى أعطى كل موجود من مخلوقاته خلقته وصورته أي أكمل ذلك له وأتقنه ثم هدى أي يسر كل شيء لمنافعه وهذا أحسن ما قيل هنا وأشرف معنى وأعم في الموجودات وقول فرعون فما بال القرون الأولى يحتمل أن يريد ما بال القرون الأولى لم تبعث لها ولم يوجد أمرك عندها ويحتمل أن يريد فرعون قطع الكلام والرجوع إلى سؤال موسى عن حالة من سلف من الأمم روغانا في الحجة وحيدة وقيل البال الحال فكأنه سأله عن حالهم وقول موسى علمها عند ربي في كتاب يريد في اللوح المحفوظ ولا يضل معناه لا ينتلف ويعمه والأزواج هنا بمعنى الأنواع وقوله شتى نعت للأزواج أي مختلفة وقوله كلوا وارعوا بمعنى هي صالحة للأكل والرعي فاخرج العبارة في صيغة الأمر لأنه أرجى الأفعال وأهزها للنفوس والنهى جمع نهية والنهية العقل الناهي عن القبائح وقوله سبحانه منها خلقناكم يريد من الأرض وفيها نعيدكم أي بالموت والدفن ومنها نخرجكم أي بالبعث ليوم القيامة وقوله ولقد أريناه ءاياتنا أخبار لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقوله كلها عائد على الآيات التي رءاها فرعون لا أنه رأى كل ءاية لله عز و جل وإنما المعنى أن الله أراه ءايات ما كاليد والعصا والطمسة وغير ذلك وكانت رؤيته لهذه الآيات مستوعبة يرى الآيات كلها كاملة ومعنى سوى أي عدلا ونصفه أي حالنا فيه
مستوية وقالت فرقة معناه مستويا من الأرض لا وهد فيه ولا نشز فقال موسى موعدكم يوم الزينة وروي أن يوم الزينة كان عيدا لهم ويوما مشهورا وقيل هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم
وقوله وأن يحشر الناس عطفا على الزينة فهو في موضع خفض فتولى فرعون فجمع كيده أي جمع السحرة وأمرهم بالاستعداد لموسى فهذا هو كيده ثم أتى فرعون بجمعه فقال موسى للسحرة ويلكم لا تفتروا على الله كذبا وهذه مخاطبة محذر وندبهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه وأن لا يباهتوا بكذب فيسحتكم أي فيهلككم ويذهبكم فلما سمع السحرة هذه المقالة هالهم هذا المنزع ووقع في نفوسهم من هيبته شديد الموقع وتنازعوا أمرهم والتنازع يقتضي اختلافا كان بينهم في السر فقائل منهم يقول هو محق وقائل يقول هو مبطل ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى عليه السلام والنجوى المسارة أي كل واحد يناجي من يليه سرا مخافة من فرعون أن يتبين له فيهم ضعف وقالت فرقة إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا أن هذان لساحران قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكساءي أن هذان لساحران فقالت فرقة قوله أن بمعنى نعم كما قال صلى الله عليه و سلم
أن الحمد لله برفع الحمد وقالت فرقة أن هذه القرءاة على لغة بلحارث بن كعب وهي إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض وتعزى هذه اللغة لكنانة وتعزى لخثعم وقال الزجاج في الكلام ضمير تقديره أنه هذان لساحران وقرأ أبو عمرو وحده أن هذين لساحران وقرأ ابن اكثير أن هذان لساحران بتخفيف أن وتشديد نون هذان لساحران وقرأ حفص عن عاصم أن بالتخفيف هذان خفيفة أيضا لساحران وعبر كثير من المفسرين عن الطريقة بالسادة أهل العقل والحجا وحكوا أن العرب تقول فلان طريقة قومه أي سيدهم والأظهر في
الطريقة هنا أنها السيرة والمملكة والحال التي كانوا عليها والمثلى تأنيث أمثل أي الفاضلة الحسنة وقرأ جمهور القراء فأجمعوا بقطع الهمزة وكسر الميم على معنى انفذوا وأعزموا وقرأ أبو عمرو وحده فأجمعوا من جمع أي ضموا سحركم بعضه إلى بعض وقوله صفا أي مصطفين وتداعوا إلى هذا لأنه أهيب وأظهر لهم وأفلح معناه ظفر ببغيته وباقي الآية بين مما تقدم وقوله فأوجس عبارة عما يعتري نفس الإنسان إذا وقع ظنه في أمر على شيء يسوءه وعبر المفسرون عن أوجس بأضمر وهذه العبارة أعم من الوجيس بكثير
إنك أنت الأعلى أي الغالب وروي في قصص هذه الآية أن فرعون لعنه الله جلس في علية له طولها ثمانون ذراعا والناس تحته في بسيط وجاء وجاء سبعون ألف ساحرا فألقوا من حبالهم وعصيهم ما فيه وقر ثلاث مائة بعير فهال الأمر ثم أن موسى ألقى عصاه من يده فاستحالت ثعبانا وجعلت تنمو حتى روي أنها عبرت النهر بذنبها وقيل البحر وفرعون في هذا كله يضحك ويرى أن الاستواء حاصل ثم أقبلت تأكل الحبال والعصي حتى أفنتها ثم فغرت فاها نحو فرعون ففزع عند ذلك واستغاث بموسى فمد موسى يده إليها فرجعت عصا كما كانت فنظر السحرة وعلموا الحق ورأوا عدم الحبال والعصي فأيقنوا أن الأمر من الله عز و جل فآمنوا رضي الله عنهم وقوله سبحانه فألقي السحرة سجدا قالوا ءامنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل قال ص - في على بابها وقيل بمعنى على ت - والأول أصوب ولتعلمن أينا قوله أينا يريد نفسه ورب موسى عليه السلام وقال الطبري يريد نفسه وموسى والأول اذهب مع مخرقة فرعون وباقي الآية بين ثم قال السحرة لفرعون لن نؤثرك أي لن نفضلك ونفضل السلامة منك على ما رأينا من حجة الله تعالى وءاياته
وعلى الذي فطرنا هذا على قول جماعة أن الواو في قوله والذي عاطفة وقالت فرقة هي واو القسم وفطرنا أي خلقنا واخترعنا فافعل يا فرعون ما شئت وإنما قضاؤك في هذه الحياة الدنيا والآخرة من وراء ذلك لنا بالنعيم ولك بالعذاب الأليم وهؤلاء السحرة اختلف الناس هل نفذ فيهم وعيد فرعون أم لا والأمر في ذلك محتمل وقولهم والله خير وأبقى رد لقول فرعون أينا أشد عذابا وأبقى وقوله عز و جل إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى الآية قالت فرقة هذه الآية بجملتها من كلام السحرة لفرعون على جهة الموعظة له والبيان فيما فعلوه وقالت فرقة بل هي من كلام الله عز و جل لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم تنبيها على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة وموعظة وتحذيرا قد تضمنت القصة المذكورة مثاله
وقوله لا يموت فيها ولا يحيى مختص بالكافر فإنه معذب عذابا ينتهي به إلى الموت ثم لا يجهز عليه فيستريح بل يعاد جلده ويجدد عذابه وأما من يدخل النار من المؤمنين بالمعاصي فهم قبل أن تخرجهم الشفاعة في غمرة قد قاربوا الموت إلا أنهم لا يجهز عليهم ولا يجدد عذابهم فهذا فرق ما بينهم وبين الكفار وفي الحديث الصحيح أنهم يماتون فيها إماتة وهذا هو معناها لأنه لا موت في الآخرة وتزكى معناه أطاع الله وأخذ بأزكى الأمور وقوله سبحانه ولقد أوحينا إلى موسى هذا استيناف أخبار عن شيء من أمر موسى وباقي الآية بين وقد تقدم ذكر ما يخصها من القصص وقوله تعالى لا تخاف دركا أي من فرعون وجنوده ولا تخشى غرقا من البحر وقوله ما غشيهم إبهام أهول من النص وهذا كقوله إذ يغشى السدرة ما يغشى
وأضل فرعون قومه يريد من أول أمره إلى هذه النهاية وما هدى مقابل لقوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وقوله عز و جل يا بني إسرائيل قد أنجيناكم الآية ظاهر هذه الآية أن هذا
القول قيل لبني إسرائيل حينئذ عند حلول النعم التي عددها الله عليهم ويحتمل أن تكون هذه المقالة خوطب بها معاصرو النبي صلى الله عليه و سلم والمعنى هذا فعلنا بأسلافكم وتكون الآية على هذا اعتراضا في أثناء قصة موسى والقصد به توبيخ هؤلاء الحضور إذ لم يصبر سلفهم على أداء شكر نعم الله تعالى والمعنى الأول أظهر وأبين وقوله سبحانه وواعدناكم جانب الطور الأيمن الآية وقصص هذه الآية أن الله تعالى لما أنجى بني إسرائيل وغرق فرعون وعد بني إسرائيل أن يسيروا إلى جانب طور سيناء ليكلم فيه موسى ويناجيه بما فيه صلاحهم فلما أخذوا في السير تعجل موسى عليه السلام ابتغاء مرضاة ربه حسبما يأتي بعد وقرأ جمهور الناس فيحل بكسر الحاء ويحلل بكسر اللام وقرأ الكساءي وحده بضمهما ومعنى الأول فيجب ويحق ومعنى الثاني فيقع وينزل وهوى معناه سقط أي هوى في جهنم وفي سخط الله عافانا الله من ذلك ثم رجى سبحانه عباده بقوله وأني لغفار لمن تاب الآية والتوبة من ذنب تصح مع الإقامة على غيره وهي توبة مقيدة وإذا تاب العبد ثم عاود الذنب بعينه بعد مدة فيحتمل عند حذاق أهل السنة أن لا يعيد الله تعالى عليه الذنب الأول لأن التوبة قد كانت محتة ويحتمل أن يعيده لأنها توبة لم يوف بها واضطرب الناس في قوله سبحانه ثم اهتدى من حيث وجدوا الهدى ضمن الإيمان والعمل فقالت فرقة ثم لزم الإسلام حتى يموت عليه وقيل غير هذا والذي يقوى في معنى ثم اهتدى أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن تخالف الحق في شيء من الأشياء فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل ورب مؤمن عمل صالحا قد أوبقه عدم الاهتداء كالقدرية والمرجئة وسائر أهل البدع فمعنى ثم اهتدى ثم مشى في عقائد الشرع على طريق قويم جعلنا الله منهم بمنه وفي حفظ المعتقدات ينحصر
معظم أمر الشرع
وقوله سبحانه وما أعجلك عن قومك يا موسى الآية وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما شرع في النهوض ببني إسرائيل إلى جانب الطور حيث كان الموعد أن يكلم الله موسى بمالهم فيه شرف العاجل والآجل رأي موسى عليه السلام على جهة الاجتهاد أن يتقدم وحده مبادرا لأمر الله سبحانه طلبا لرضائه وحرصا على القرب منه وشوقا إلى مناجاته واستخلف عليهم هارون وقال لهم موسى تسيرون إلى جانب الطور فلما انتهى موسى صلى الله عليه و سلم وناجى ربه زاده الله في الأجل عشرا وحينئذ وقفه على معنى استعجاله دون القوم ليخبره موسى أنهم على الأثر فيقع الأعلام له بما صنعوا واعلمه موسى أنه إنما استعجل طلب الرضى فأعلمه الله سبحانه أنه قد فتن بني إسرائيل أي اختبرهم بما صنع السامري ويحتمل أن يريد ألقيناهم في فتنة فلما أخبر الله تعالى موسى بما وقع رجع موسى إلى قومه غضبان آسفا وباقي الآية بين وقد تقدم قصصها مستوفى وسمي العذاب غضبا من حيث هو عن الغضب وقرأ نافع وعاصم بملكنا بفتح الميم وقرأ حمزة والكسائي بملكنا بضمة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بملكنا بكسرة فأما فتح الميم فهو مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وفقنا له بل غلبتنا أنفسنا وأما كسر الميم فقد كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ومعناها كمعنى التي قبلها والمصدر مضاف في الوجهين إلى الفاعل وقولهم ولكنا حملنا أوزارا الآية سموها أوزارا من حيث هي ثقيلة الأجرام أو من حيث تأثموا في قذفها وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي حملنا بفتح الحاء والميم وقولهم فكذلك أي فكما قذفنا نحن فكذلك أيضا ألقي السامري قال ع وهذه الألفاظ تقتضي أن العجل لم يصغه السامري ثم أخبر تعالى عن فعل السامري بقوله فأخرج لهم عجلا
ومعنى قوله جسدا أي شخصا لا روح فيه وقيل معناه جسدا لا يتغذى والخوارصوت البقر قالت فرقة منهم ابن عباس كان هذا العجل يخور ويمشي وقيل غير هذا وقوله سبحانه فقالوا يعني بني إسرائيل هذا الهكم واله موسى فنسي موسى إلهه وذهب يطلبه في غير موضعه ويحتمل أن يكون قوله فنسي أخبارا من الله تعالى عن السامري أي فنسي السامري دينه وطريق الحق فالنسيان في التأويل الأول بمعنى الذهول وفي الثاني بمعنى الترك ت - وعلى التأويل الأول عول البخاري وهو الظاهر ولقولهم أيضا قبل ذلك أجعل لنا إلها وقول هارون فاتبعوني أي إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه وأطيعوا أمري فيما ذكرته لكم فقال بنو إسرائيل حين وعظهم هارون وندبهم إلى الحق لن نبرح عابدين لهذا الاله عاكفين عليه أي ملازمين له ويحتمل قوله ألا تتبعني أي ببني إسرائيل نحو جبل الطور ويحتمل قوله ألا تتبعني أي الا تسير بسيري وعلى طريقتي في الإصلاح والتسديد
وقوله يبنؤم قالت فرقة أن هارون لم يكن أخا موسى إلا من أمه قال ع - وهذا ضعيف وقالت فرقة كان شقيقه وإنما دعاه بالأم استعطافا برحم الأم وقول موسى ما خطبك يا سامري هو كما تقول ما شأنك وما أمرك لكن لفظة الخطب تقتضي انتهارا لأن الخطب مستعمل في المكارة وبصرت بضم الصاد من البصيرة وقرأت فرقة بكسرها فيحتمل أن يراد من البصيرة ويحتمل من البصر وقرأ حمزة والكساءي بما لم تصروا بالتاء من فوق يريد موسى مع بني إسرائيل والرسول هنا هو جبريل عليه السلام والأثر هو تراب تحت حافر فرسه وقوله فنبذتها أي على الحلي فكان منها ما ترى وكذلك سولت لي نفسي أي وكما وقع وحدث قربت لي نفسي وجعلت لي سؤلا وإربا حتى فعلته وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد أو بوحي فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني
إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يواكلوا ولا يناكحوا ونحو هذا وجعل له أن يقول مدة حياته لا مساس أي لا مماسة ولا إذاية وقرأ الجمهور لن تخلفه بفتح اللام أي لن يقع فيه خلف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو تخلفه بكسر اللام على معنى لن تستطيع الروغان والحيدة عن موعد العذاب ثم وبخه عليه السلام بقوله وأنظر إلى الهك الآية وظلت وظل معناه أقام يفعل الشيء نهارا ولكنها قد تستعمل في الدائب ليلا ونهارا بمثابة طفق وقرأ ابن عباس وغيره لنحرقنه بضم الراء وفتح النون بمعنى لنبردنه بالمبرد وقرأ نافع وغيره لنحرقنه وهي قراءة تحتمل الحرق بالنار وتحتمل بالمبرد وفي مصحف ابن مسعود لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه وهذه القراءة هي مع رواية من روى أن العجل صار لحما ودما وعلى هذه الرواية يتركب أن يكون هناك حرق بنار وإلا فإذا كان جمادا من ذهب ونحوه فإنما هو حرق بمبرد اللهم إلا أن تكون إذابة ويكون النسف مستعارا لتفريقه في اليم مذابا وقرأت فرقة لننسفنه بكسر السين وقرأت فرقة بضمها والنسف تفريق الريح الغبار وكل ما هو مثله كتفريق الغربال ونحوه فهو نسف واليم غمر الماء من بحر أو نهر وكل ما غمر الإنسان من الماء فهو يم واللام في وقوله لنحرقنه لام قسم وقال مكي رحمه الله تعالى وأسند أن موسى عليه السلام كان مع السبعين في المناجات وحينئذ وقع أمر العجل وأن الله تعالى أعلم موسى بذلك فكتمه موسى عنهم وجاء بهم حتى سمعوا لغط بني إسرائيل حول العجل فحينئذ أعلمهم قال ع وهذه رواية ضعيفة والجمهور على خلافها وإنما نعجل موسى عليه الصلام وحده فوقع أمرا العجل ثم جاء موسى وصنع ما صنع بالعجل ثم خرج بعد ذلك بالسبعين على معنى الشفاعة في ذنب بني اسراءيل وأن يطلعهم أيضا على أمر المناجات فكان لموسى عليه السلام نهضتان والله أعلم وقوله سبحانه كذلك نقص عليك مخاطبة لنبينا محمد
صلى الله عليه و سلم أي كما قصصنا عليك نبأ بني إسرائيل كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق مدتك والذكر القرءان
وقوله من أعرض عنه يريد بالكفر به وزرقا قالت فرقة معناه يحشرون أول قيامهم سود الألوان زرق العيون فهو تشويه ثم يعمون بعد ذلك وهي مواطن وقالت فرقة أراد زرق الألوان وهي غاية في التشويه لأنهم يجيئون كلون الرماد ومهيع في كلام العرب أن يسمى هذا اللون أزرق يتخافتون بينهم أن لبثتم إلا عشرا أي يتخافت المجرمون بينهم أي يتسارون والمعنى أنهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر مدة لبثهم واختلف الناس فيما ذا فقالت فرقة في دار الدنيا ومدة العمر وقالت فرقة في الأرض مدة البرزخ وأمثلهم طريقة معناه أثبتهم نفسا يقول إن لبثتم إلا يوما أي فهم في هذه المقالة يظنون أن هذا قدر لبثهم وقوله سبحانه ويسئلونك عن الجبال الآية السائل قيل رجل من ثقيف وقيل السائل جماعة من المؤمنين وروي أن الله تعالى يرسل على الجبال ريحا فتدكدكها حتى تكون كالعهن المنفوش ثم تتوالى عليها حتى تعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف والقاع هو المستوى من الأرض والصفصف نحوه في المعنى والأمت ما يعتري الأرض من ارتفاع وانخفاض
وقوله لاعوج له يحتمل أن يريد الأخبار به أي لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباع الداعي والمشي نحو صوته والخشوع التطامن والتواضع وهو في الأصوات استعارة بمعنى الخفاء والهمس الصوت الخفي الخافت وهو تخافتهم بينهم وكلامهم السر ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وفي البخاري همسا صوت الأقدام انتهى ومن في قوله الا من أذن له الرحمن يحتمل أن تكون للشافع ويحتمل أن تكون للمشفوع فيه وقوله تعالى عنت الوجوه معناه ذلت وخضعت والعاني الأسير ومنه قوله صلى الله عليه و سلم في أمر النساء هن عوان عندكم وهذه
حالة الناس يوم القيامة قال ص - وعنت من عنا يعنو ذل وخضع قال أمية ابن أبي الصلت ... مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد ...
انتهى ت - وأحاديث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر ومن أعظمها شفاعة أرحم الراحمين سبحانه وتعالى ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة وفيه فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه الحديث وخرج أبو القاسم إسحاق ابن إبراهيم الختلي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إذا فرغ الله تعالى من القضاء بين خلقه أخرج كتابا من تحت العرش أن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين قال فيخرج من النار مثل أهل الجنة أو قال مثلي أهل الجنة قال وأكبر ظني أنه قال مثلي أهل الجنة مكتوب بين أعينهم عتقاء الله انتهى من التذكرة وقد خاب من حمل ظلما معنى خاب لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم وقوله سبحانه ومن يعمل من الصالحات معادل لقوله من حمل ظلما والظلم والضهم هما متقاربان في المعنى ولكن من حيث تناسقا في هذه الآية ذهب قوم إلى تخصيص كل واحد منهما بمعنى فقالوا الظلم أن نعظم عليه سيئاته وتكثر أكثر مما يجب والهضم أن ينقص من حسناته ويبخسها وكلهم قرأ فلا يخاف على الخبر غير ابن كثير فإنه قرأ فلا يخف على النهي وكذلك أنزلناه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم بحسب
توقع البشر وترجيهم يتقون الله ويخشون عقابه فيؤمنون ويتذكرون نعمه عندهم وما حذرهم من اليم عقابه هذا تأويل فرقة في قوله أو يحدث لهم ذكرا وقالت فرقة معناه أو يكسبهم شرفا ويبقى عليهم إيمانهم ذكرا صالحا في الغابرين وقوله تعالى ولا تعجل بالقرءان الآية قالت فرقة سببها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخاف وقت تكليم جبريل له أن ينسى أول القرءان فكان يقرأ قبل أن يستتم جبريل عليه السلام الوحي فنزلت في ذلك وهي على هذا في معنى قوله لا تحرك به لسانك لتعجل به وقيل غير هذا وقوله عز و جل ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي الآية العهد هنا بمعنى الوصية والشيء الذي عهد إلى آدم عليه السلام هو أن لا يقرب الشجرة ت - قال عياض وأما قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى أي جهل فإن الله تعالى أخبر بعذره بقوله ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قيل نسي ولم ينو المخالفة فلذلك قال تعالى ولم نجد له عزما أي قصدا للمخالفة ت - وقيل غير هذا مما لا أرى ذكره هنا ولله در ابن العربي حيث قال يجب تنزيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عما نسب إليهم الجهال ولكن الباري سبحانه بحكمه النافذ وقضائه السابق أسلم آدم إلى الأكل من الشجرة متعمدا للأكل ناسيا للعهد فقال في تعمده وعصي آدم وقال في بيان عذره ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي فمتعلق العهد غير متعلق النسيان 2وجاز للمولى أن يقول في عبده لحقه عصى تثريبا ويعود عليه بفضله فيقول نسي تقريبا ولا يجوز لأحد منا أن يطلق ذلك على آدم أو يذكره إلا في تلاوة القرءان أو قول النبي صلى الله عليه و سلم انتهى من الأحكام وقوله سبحانه إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى المعنى إن لك يا آدم في الجنة نعمة تامة لا يصيبك جوع ولا عري ولا ظمأ ولا بروز للشمس يؤذيك وهو الضحاء وقوله فوسوس إليه ص - عدي هنا بالي على
معنى أنهى الوسوسة إليه وفي الأعراف باللام فقال أبو البقاء لأنه بمعنى ذكر لهما انتهى ثم أعلمهم سبحانه أن من اتبع هداه فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة وأن من أعرض عن ذكر الله وكفر به فإن له معيشة ضنكا والضنك النكد الشاق من العيش والمنازل ونحو ذلك وهل هذه المعيشة الضنك تكون في الدنيا أو في البرزخ أو في الآخرة أقوال ت - ويحتمل في الجميع قال القرطبي قال أبو سعيد الخدري وابن مسعود ضنكا عذاب القبر وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أتدرون فيمن نزلت هذه الآية فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى أتدرون ما المعيشة الضنك قالوا الله ورسوله أعلم قال عذاب الكافر في القبر والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا وهي الحيات لكل حية تسعة رؤوس ينفخن في جسمه ويلسعنه ويخدشنه إلى يوم القيامة ويحشر من قبره إلى موقفه أعمى انتهى من التذكرة فإن صح هذا الحديث فلا نظر لأحد معه وإن لم يصح فالصواب حمل الآية على عمومها والله أعلم قال الثعلبي قال ابن عباس فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى قال أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة وفي لفظ آخر ضمن الله تعالى لمن قرأ القرءان الحديث وعنه من قرأ القرءان واتبع ما فيه هداه الله تعالى من الضلالة ووقاه الله تعالى يوم القيامة سوء الحساب انتهى وقوله سبحانه ونحشره يوم القيامة أعمى قالت فرقة وهو عمى البصر وهذا هو الأوجه وأما عمي البصيرة فهو حاصل للكافر
وقوله سبحانه كذلك أتتك آياتنا فنسيتها النسيان هنا هو الترك ولا مدخل للذهول في هذا الموضع وتنسى أيضا بمعنى تترك في العذاب وقوله سبحانه أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون المعنى أفلم يبين لهم وقرأت فرقة نهد بالنون والمراد بالقرون المهلكين عاد وثمود والطوائف التي كانت قريش تجوز على بلادهم في المرور
إلى الشام وغيره ثم أعلم سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم أن العذاب كان يصير لهم لزاما لولا كلمة سبقت من الله تعالى في تأخيره عنهم إلى أجل مسمى عنده فتقدير الكلام ولولا كلمة سبقت في التأخير وأجل مسمى لكان العذاب لزاما كما تقول لكان حتما أو واقعا لكنه قدم وآخر لتشابه رؤوس الآيي واختلف في الأجل المسمى هل هو يوم القيامة أو موت كل واحد منهم أو يوم بدر وفي صحيح البخاري أن يوم بدر هو اللزام وهو البطشة الكبرى يعني وقع في البخاري من تفسير ابن مسعود وليس هو من تفسير النبي صلى الله عليه و سلم قال ص - ولزاما أما مصدر وأما بمعنى ملزم وأجاز أبو البقاء أن يكون جمع لازم كقائم وقيام انتهى ثم أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه و سلم بالصبر على أقوالهم أنه ساحر أنه كاهن أنه كاذب إلى غير ذلك
وقوله سبحانه وسبح بحمد ربك الآية قال أكثر المفسرين هذه إشارة إلى الصلوات الخمس فقبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر ومن آناء الليل العشاء وأطراف النهار المغرب والظهر قال ابن العربي والصحيح أن المغرب من طرف الليل لا من طرف النهار انتهى من الأحكام وقالت فرقة آناء الليل المغرب والعشاء وأطرف النهار الظهر وحدها ويحتمل اللفظ أن يراد به قول سبحان الله وبحمده وقالت فرقة في الآية إشارة إلى نوافل فمنها آناء الليل ومنها قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر ت - ويتعذر على هذا التأويل قوله وقبل غروبها إذ ليس ذلك الوقت وقت نفل على ما علم إلا أن يتأول ما قبل الغروب بما قبل صلاة العصر وفيه بعد قال ص - بحمد ربك في موضع الحال أي وأنت حامد انتهى وقرأ الجمهور لعلك ترضى بفتح التاء أي لعلك تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به قال ابن العربي في أحكامه وهذه الآية تماثل قوله تعالى
ولسوف يعطيك ربك فترضى وعنه صلى الله عليه و سلم أنه قال إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس يعني الصبح وقبل غروبها فافعلوا وفي الحديث الصحيح أيضا من صلى البردين دخل الجنة انتهى وقرأ الكسائي و أبو بكر عن عاصم ترضى أي لعلك تعطى ما يرضيك ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم بالاحتقار لشأن الكفرة والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا إذ ذلك منحسر عنهم صائر إلى خزي والأزواج الأنواع فكأنه قال إلى ما متعنا به أقواما منهم وأصنافا وقوله زهرة الحياة الدنيا شبه سبحانه نعم هؤلاء الكفار بالزهر وهو ما اصفر من النور وقيل الزهر النور جملة لأن الزهر له منظر ثم يضمحل عن قرب فكذلك مال هؤلاء ثم أخبر سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم أن ذلك إنما هو ليختبرهم به ويجعله فتنة لهم وأمرا يجازون عليه أسوء الجزاء لفساد تقلبهم فيه ص - وزهرة منصوب على الذم أو مفعول ثان لمتعنا مضمن معنى أعطينا ورزق الله تعالى الذي أحله للمتقين من عباده خير وأبقى أي رزق الدنيا خير ورزق الآخرة أبقى وبين أنه خير من رزق الدنيا ثم أمره سبحانه وتعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم ويصطبر عليها ويلازمها وتكفل هو تعالى برزقه لا إله إلا هو وأخبره أن العاقبة للمتقين بنصره في الدنيا ورحمته في الآخرة وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم ويدخل في عمومه جميع أمته وروي أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله وهو يقول ولا تمدن عينيك الآية إلى قوله وأبقى ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله ويصلي وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي هو ويتمثل بالآية قال الداودي وعن عبد الله بن سلام قال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا نزل بأهله ضيق
أو شدة أمرهم بالصلاة ثم قرأ وأمر أهلك بالصلاة إلى قوله للتقوى انتهى قال ابن عطاء الله في التنوير وأعلم أن هذه الآية علمت أهل الفهم عن الله تعالى كيف يطلبون رزقهم فإذا توقفت عليهم أسباب المعيشة أكثروا من الخدمة والموافقة وقرعوا باب الرزق بمعاملة الرزاق جل وعلا ثم قال وسمعت شيخنا أبا العباس المرسي رضي الله عنه يقول والله ما رأيت العزة إلا في رفع الهمة عن الخلق وأذكر رحمك الله هنا ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ففي العز الذي أعز الله به المؤمن رفع همته إلى مولاه وثقته به دون من سواه وأستحي من الله بعد أن كساك حله الأيمان وزينك بزينة العرفان أن تستولي عليك الغفلة والنسيان حتى تميل إلى الأكوان أو تطلب من غيره تعالى وجود إحسان ثم قال ورفع الهمة عن الخلق هو ميزان ذوي الكمال ومسبار الرجال وكما توزن الذوات كذلك توزن الأحوال والصفات انتهى ومن كتاب صفوة التصوف لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي الحافظ حديث بسنده عن ابن عمر قال أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال يا رسول الله حدثني حديثا واجعله موجزا فقال له النبي صلى الله عليه صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه ورواه أبو أيوب الأنصاري بمثله عن النبي صلى الله عليه و سلم وقالوا لولا يأتينا محمد بآية من ربه أي بعلامة مما اقترحناها عليه ثم وبخهم سبحانه بقوله أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى أي ما في التوراة وغيرها ففيها أعظم شاهد وأكبر آية له سبحانه وقوله سبحانه ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله أي من قبل إرسالنا إليهم محمدا لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا الآية وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة الهالك في الفترة والمغلوب على عقله والصبي الصغير فيقول المغلوب على عقله رب
لم تجعل لي عقلا ويقول الصبي نحوه ويقول الهالك في الفترة رب لم ترسل إلي رسولا ولو جاءني لكنت أطوع خلقك لك قال فترتفع لهم نار ويقال لهم ردوها فيردها من كان في علم الله أنه سعيد ويكع عنها الشقي فيقول الله تعالى إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم قال ع - أما الصبي والمغلوب على عقله فبين أمرهما وأما صاحب الفترة فليس ككفار قريش قبل بعثة النبي صلى الله عليه و سلم لأن كفار قريش وغيرهم ممن علم وسمع نبؤة ورسالة في أقطار الأرض ليس بصاحب فترة وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لرجل أبي وأبوك في النار ورأى صلى الله عليه و سلم عمرو بن لحي في النار إلى غير هذا مما يطول ذكره وإنما صاحب الفتره يفرض أنه آدمي لم يطرأ إليه أن الله تعالى بعث رسولا ولا دعا إلى دين وهذا قليل الوجود إلا أن يشذ في أطراف الأرض والمواضع المنقطعة عن العمران ت - والصحيح في هذا الباب أن أولاد المشركين في الجنة وأما أولاد المسلمين ففي الجنة من غير شك متفق عليه وقد أسند أبو عمر في التمهيد من طريق أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سألت ربي في اللاهين من ذرية البشر ألا يعذبهم فأعطانيهم قال أبو عمر إنما قيل للأطفال اللاهون لأن أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقد ولا عزم ثم أسند أبوعمر عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أولاد المشركين خدم أهل الجنة قال أبو عمر وروى شعبة وسعيد بن أبي عروبة وأبو عوانة عن قتادة عن أبي سراية العجلي عن سلمان قال
أطفال المشركين خدم أهل الجنة وذكر البخاري حديث الرؤيا الطويل وفيه وأما الرجل الطويل الذي في الروضه فإنه ابراهيم عليه السلام وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة فقيل يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأولاد المشركين وفي رواية والصبيان حوله أولاد الناس
وظاهره الهموم في جميع أولاد الناس انتهى من التمهيد والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة
وقوله قل كل أي منا ومنكم متربص والتربص التأني والصراط الطريق وهذا وعيد بين والله الموفق والهادي إلى الرشاد بفضله
سورة الأنبياء
عيهم الصلاة والسلام مكية بإجماعبسم الله الرحمن الرحيم قوله عز و جل اقترب للناس حسابهم الآية روي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كان يبني جدارا فمر به آخر يوم نزول هذه السورة فقال الذي كان يبني الجدار ماذا نزل اليوم من القرءان فقال الآخر نزل اليوم اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فنفض يديه من البنيان وقال والله لا بنيت قال أبو بكر بن العربي قال لي شيخي في العبادة لا يذهب لك الزمان في مصاولة الأقران ومواصلة الأخوان ولم أر للخلاص شيئا أقرب من طريقين إما أن يغلق الإنسان على نفسه بابه وإما أن يخرج إلى موضع لا يعرف فيه فإن اضطر إلى مخالطة الناس فليكن معهم ببدنه ويفارقهم بقلبه ولسانه فإن لم يستطع فبقلبه ولا يفارق السكوت قال القرطبي ولأبي سليمان الخطابي في هذا المعنى ... أنست بوحدتي ولزمت بيتي ... فدام الأنس لي ونمى السرور ... وأدبني الزمان فلا أبالي ... بأني لا أزار ولا أزور
ولست بسائل ما دمت حيا ... أسار الجيش أم ركب الأمير ...
انتهى من التذكرة وقوله اقترب للناس حسابهم عام في جميع الناس وأن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ويدل على ذلك ما يأتي بعد من الآيات قال ص - اقترب بمعنى الفعل المجرد وهو قرب وقيل اقترب ابلغ للزيادة وهم في غفلة الواو للحال انتهى وقوله وهم في غفلة معرضون يريد الكفار ويأخذ عصاة المؤمنين من هذه الألفاظ قسطهم ت - أيها الأخ اشعر قلبك مهابة ربك فإليه مئالك وتأهب للقدوم عليه فقد آن ارتحالك أنت في سكرة لذاتك وغشية شهواتك وإغماء غفلاتك ومقراض الفناء يعمل في ثوب حياتك ويفصل أجزاء عمرك جزءا جزءا في سائر ساعاتك كل نفس من أنفاسك جزء منفصل من جملة ذاتك وبذهاب الأجزاء تذهب الجمل أنت جملة تؤخذ آحادها وأبعاضها إلى أن تستوفي سائرها عساكر الأقضية والأقدار محدقة بأسوار الأعمار تهدمها بمعاول الليل والنهار فلو أضاء لنا مصباح الاعتبار لم يبق لنا في جميع أوقاتنا سكون ولا قرار انتهى من الكلم الفارقية والحكم الحقيقية وقوله ما يأتيهم من ذكر وما بعده مختص بالكفار والذكر القرءان ومعناه محدث نزوله لا هو في نفسه وقوله وهم يلعبون جملة في موضع الحال أي استماعهم في حال لعب فهو غير نافع ولا واصل إلى النفس وقوله لاهية حال بعد حال واختلف النحاة في إعراب قوله وأسروا النجوى الذين ظلموا فمذهب سيبويه رحمه الله تعالى أن الضمير في أسروا فاعل وأن الذين بدل منه وقال ليس في القرءان لغة من قال أكلوني البراغيث ومعنى أسروا النجوى تكلمهم بينهم في السر ومناجات بعضهم لبعض وقال أبو عبيدة اسروا أظهروا وهو من الأضداد ثم
بين تعالى الأمر الذي تناجوا به وهو قول بعضهم لبعض على جهة التوبيخ بزعمهم أفتأتون السحر المعنى أفتتبعون السحر وأنتم تبصرون ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم أن يقول لهم وللناس جميعا قل ربي يعلم القول في السماء والأرض أي يعلم أقوالكم هذه وهو بالمرصاد في المجازاة عليها ثم عدد سبحانه جميع ما قالته طوائفهم ووقع الإضراب بكل مقالة عن المتقدمة لها ليبين اضطراب أمرهم فقال تعالى بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر والأضغاث الأخلاط ثم حكى سبحانه اقتراحهم ءاية تضطرهم كناقة صالح وغيرها وقولهم كما أرسل الأولون دال على معرفتهم بإتيان الرسل الأمم المتقدمة وقوله سبحانه ما ءامنت قبلهم فيه محذوف يدل عليه المعنى تقديره والآية التي طلبوها عادتنا أن القوم أن كفروا بها عاجلناهم وما آمنت قبلهم قرية من القرى التي نزلت بها هذه النازلة أفهذه كانت تؤمن وقوله أهلكناها جملة في موضع الصفة لقرية والجمل إذا اتبعت النكرات فهي صفات لها وإذا اتبعت المعارف فهي أحوال منها وقوله سبحانه وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون هذه الآية رد على من استبعد منهم أن يبعث الله بشرا رسولا والذكر هو كل ما يأتي من تذكير الله عباده فأهل القرءان أهل ذكر وأما المحال على سؤالهم في هذه الآية فلا يصح أن يكونوا أهل القرءان في ذلك الوقت لأنهم كانوا خصومهم وأنما أحيلوا على سؤال أحبار أهل الكتاب من حيث كانوا موافقين لكفار قريش على ترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم وقوله سبحانه وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام قيل الجسد من الأحياء مالا يتغذى وقيل الجسد يعم المتغذي من الأجسام وغير المتغذي فجعلناهم جسدا على التأويل الأول بين تعالى الامر الذى تناجوا به وهو قول بعضهم لبعض على جهة التوبيخ بزعمهم افتاتون السحر المعنى افتتبعون السحر وانتم تبصرون ثم امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم ان يقول لهم وللناس جميعا قل ربى يعلم القول فى السماء والارض اي يعلم اقوالكم هذه وهو بالمرصاد فى المجازاة عليها ثم عدد سبحانه جميع ما قالته طوائفهم ووقع الاضراب بكل مقالة عن المتقدمة لها ليبن اضطراب امرهم فقال تعالى بل قالوا اضغاث احلام بل افتراه بل هو شاعر واضغاث الاخلاط ثم حكى سبحانه اقتراحهم اية تضطرهم كناقة صالح وغيرها وقولهم كما ارسل الاولون دال على معرفتهم باتيان الرسل الامم المتقدمة وقوله سبحانه ماءامنت قبلهم فيه محذوف يدل عليه المعنى تقديره والآية التى طلبوها عادتنا ان القوم ان كفروا بها عاجلناهم وما ءامنت قبلهم قرية من القرى التى نزلت بها هذه الناولة أفهذه كانت تومن وقوله اهلكناها جملة فى موضع الصفة لقرية والجمل اذا اتبعت النكرات فهى صفات لها واذا اتبعت المعارف فهى احوال منها وقوله سبحانه وما ارسلنا قبلك الا رجالا يوحى اليهم فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون هذه الآية رد على من استبعد منهم ان يبعث الله بشرا رسولا والذكر هو كل ما ياتى من تذكير الله عباده فاهل القرءان اهل ذكر واما المحال على سؤالهم فى هذه الآية فلا يصح ان يكونوا اهل القرءان فلا ذلك الوقت لانهم كانوا خصومهم وانما احيلوا على سؤال احبار اهل الكتاب من حيث كانوا موافقين لكفار قريش على ترك الايمان بمحمد صلى الله عليه و سلم وقوله سبحانه وما جعلناهم جسدا لا ياكلون الطعام قيل الجسد من الاحياء مالا يتغذى وقيل الجسد يعم المتغذى من الاجسام وغير المتغذى فجعلناهم جسدا على التاويل الاول
منفى وعلى الثانى موجب والنفى واقع على صفته وقوله سبحانه ثم صدقناهم الوعد الآية هذه ءاية وعيد وقوله ومن نشاء يعنى من المومنين والمسرفون الكفار ثم وجهنم تعالى بقوله لقد أنزلنا اليكم كتابا يعنى القرءان فيه ذكركم أي شرفكم ءاخر الدهر وفى هذا التحريض لهم ثم أكد التحريض بقوله افلا تعقلون وكم للتكثير وقصمنا معناه أهلكنا واصل القصم الكسر فى الإجرام فإذا استعير للقوم والقرية ونحو ذلك فهو ما يشبه الكسر وهو إهلاكهم وأنشأنا أي خلقنا وبثثنا أمة أخرى غير المهلكة وقوله فلما أحسوا وصف عن حال قرية من القرى المجملة أولا قيل كانت باليمن تسمى حضور بعث الله تعالى إلى أهلها رسولا فقتلوه فأرسل الله تعالى عليهم بختنصر صاحب بني اسراءيل فهزموا جيشه مرتين فنهض فى الثالثة بنفسه فلما هزمهم وأخذ القتل فيهم ركضوا هاربين ويحتمل أن لا يريد بالآية قرية بعينها وأن هذا وصف حال كل قرية من القرى المعذبة إذا أحسوا العذاب من أي نوع كان أخذوا في الفرار واحسوا باشروه بالحواس ص اذا هم منها يركضون إذا الفجائية وهى وما بعدها جواب لما انتهى وقوله لا تركضوا يحتمل على الرواية المتقدمة أن يكون من قول رجال بختنصر على جهة الخداع والاستهزاء بهم فلما انصرفوا راجعين أمر بختنصرأن ينادى فيهم ياثارات النبي المقتول فقتلوا بالسيف عن آخرهم قال وهذا كله مروى ويحتمل أن يكون لا تركضوا إلى ءاخر الآية من كلام ملائكة العذاب على جهة الهزءبهم وقوله حصيدا أي بالعذاب كحصيد الزرع بالمنجل وخامدين أي موتى مشبهين بالنار إذا طفئت ثم وعظ سبحانه السامعين بقوله وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين وقوله سبحانه لو أردنا ان نتخذ لهوا الآية ظاهر الآية الرد على من قال من الكفار فى أمر مريم
وما ضارعه من الكفر تعالى الله عن قول المبطلين وان فى قوله ان كنا فاعلين يحتمل ان تكون شرطية ويحتمل ان تكون نافية بمعنى ما كنا فاعلين وكل هذا قد قيل والحق عام فى القرءان والرسالة والشرع وكل ما هو حق فيدمغه معناه يصيب دماغه وذلك مهلك فى البشر فكذلك الحق يهلك الباطل والويل الخزى وقيل هو اسم واد فى جهنم وانه المراد فى هذه الآية وهذه مخاطبة للكفار الذين وصفوا الله عز و جل بما لا يجوز عليه تعالى الله عن قولهم وقوله ومن عنده الآية عند هنا ليست فى المسافات وانما هى تشريف فى المنزلة ولا يستحسرون اي لا يكلون والحسير من الابل المعيى وقوله لا يفترون وفى الترمذى عن ابي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم انى ارى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون اطت السماء وحق لها ان تئط ما فيها موضع اربع اصابع الا وملك واضع جبهته ساجدا لله الحديث قال ابو عيسى هذا حديث صحيح وفى الباب عن عائشة وابن عباس وانس انتهى من اصل الترمذي اعنى جامعة وقوله سبحانه ام اتخذوا ءالهة من الارض هم ينشرون اي يحيون غيرهم ثم بين تعالى امر التمانع بقوله لو كان فيهما ءالهة الا الله لفسدتا وقد تقدم ايضاح ذلك عند قوله تعالى اذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا وقوله هذا ذكر من معى وذكر من قبلى يحتمل ان يريد بالاشارة بقوله هذا الى جميع الكتب المنزلة قديمها وحديثها انها بين ان الله الخالق واحد لا شريك له يحتمل ان يريد بقوله هذا القرءان والمعنى فيه نبأ الاولين والآخرين فنص اخبار الاولين وذكر الغيوب فى امورهم حسبما هى فى الكتب المتقدمة وذكر الآخرين بالدعوة وبيان الشرع لهم ثم حكم عليهم سبحانه بان اكثرهم لا يعلمون الحق لاعراضهم عنه وليس المعنى فهم معرضون لانهم لا يعلمون بل المعنى فهم معرضون ولذلك
لا يعلمون الحق وباقى الآية بين ثم بين سبحانه نوعا آخر من كفرهم بقوله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا الآية كقوله بعضهم اتخذ الملائكة بناتا وكما قالت النصارى فى عيسى بن مريم واليهود فى عزير وقوله سبحانه بل عباد مكرمون عبارة تشمل الملائكة وعيسى وعزير وقال ص - بل اضراب عن نسبه الولد اليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا وعباد خبر مبتدإ محذوف اي هم عباد قاله ابو البقاء انتهى وقوله سبحانه لا يسبقونه بالقول عبارة عن حسن طاعتهم ومراعاتهم لامتثال الامر ثم اخبر تعالى انهم لا يشفعون الا لمن ارتضى الله ان يشفع له قال بعض المفسرين لاهل لا اله الا الله والمشفق المبالع فى الخوف المحترق النفس من الفزع على امرما وقوله سبحانه ومن يقل منهم انى اله من دونه الآية المعنى ومن يقل منهم كذا ان لو قاله وليس منهم من قال هذا وقال بعض المفسرين المراد بقوله ومن يقل الآية ابليس وهذا ضعيف لان ابليس لم يرو قط انه ادعى الربوبية ثم وقفهم سبحانه على عبرة دالة على وحدانيته جلت قدرته فقال اولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا والرتق الملتصق بعضه ببعض الذى لا صدع فيه ولا فتح ومنه امرأة رتقاء واختلف في معنى قوله كانتا رتقا ففتقناهما فقالت فرقة كانت السماء ملتصقة بالارض ففتقها الله بالهواء وقالت فرقة كانت السموات ملتصقة بعضها ببعض والارض كذلك ففتقهما الله سبعا سبعا فعلى هذين القولين فالرؤية الموقف عليها رؤية قلب وقالت فرقة السماء قبل المطر رتق والارض قبل النبات رتق ففتقهما الله تعالى بالمطر والنبات كما قال تعالى والسماء ذات الرجع والارض ذات الصدع وهذا قول حسن يجمع العبرة وتعديد النعمة والحجة بمحسوس بين ويناسب قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شىء حي اي من الماء الذى كان عن
الفتق فيظهر معنى الآية ويتوجه الاعتبار بها وقالت فرقة السماء والارض رتق بالظلمة ففتقهما الله بالضوء والرؤية على هذين القولين رؤية العين وباقي الآية بين قال ص قال الزجاج السموات جمع اريد به الواحد ولذا قال كانتا رتقا وقال الحوفى قال كانتا والسموات جمع لانه اراد الصنفين انتهى وقوله سقفا محفوظا الحفظ هنا عام فى الحفظ من الشيطان ومن الوهى والسقوط وغير ذلك من الآفات والفلك الجسم الدائر دورة اليوم والليلة ويسبحون معناه يتصرفون وقالت فرقة الفلك موج مكفوف ورأوا قوله يسبحون من السباحة وهى العوم وقوله عز و جل وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد الآية وتقدير الكلام افهم الخالدون ان مت وقوله سبحانه كل نفس ذائقة الموت الآية موعظة بليغة لمن وفق قال ابو نعيم كان الثورى رضى الله عنه اذا ذكر الموت لا ينتفع به اياما انتهى من التذكرة للقرطبي قال عبد الحق في العاقبة وقد أمر النبي صلى الله عيله وسلم بذكر الموت وأعاد القول فيه تهويلا لامره وتعظيما لشانه ثم قال واعلم ان كثرة ذكر الموت يردع عن المعاصى ويلين القلب القاسى قال الحسن ما رأيت عاقلا قط الا وجدته حذرا من الموت حزينا من اجله ثم قال واعلم ان طول الامل يكسل عن العمل ويورث التوانى ويخلد الى الارض ويميل الى الهوى وهذا امر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج الى بيان ولا يطالب صاحبه بالبرهان كما أن قصره يبعث على العمل ويحمل على المبادرة ويحث على المسابقة قال النبى صلى الله عليه و سلم انا النذير والموت المغير والساعة الموعد ذكره القاضى ابو الحسن بن صخر فى الفوائد انتهى ونبلوكم معناه نختبركم وقدم الشر على لفظه الخير لأن العرب من عادتها ان تقدم الاقل والأردى ومنه قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فبدأ تعالى فى تقسيم امه سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم
بالظالم وفتنة معناه امتحانا وقوله تعالى واذا رءاك الذين كفروا كأبي جهل وغيره وان بمعنى ما وفى الكلام حذف تقديره يقولون أهذا الذى وقال ص ان نافية والظاهر انها وما دخلت عليه جواب اذا انتهى وقوله سبحانه وهم بذكر الرحمن هم كافرون روى ان الآية نزلت حين انكروا هذه اللفظة وقالوا ما نعرف الرحمن الا في اليمامة وظاهر الكلام ان الرحمن قصد به العبارة عن الله عز و جل ووصف سبحانه الإنسان الذى هو اسم جنس بانه خلق من عجل وهذا على جهة المبالغة كما تقول للرجل البطال انت من لعب ولهو وقوله سبحانه لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار الآية حذف جواب لو ايجازا لدلالة الكلام عليه وتقدير المحذوف لما استعجلوا ونحوه وذكر الوجوه لشرفها من الانسان ثم ذكر الظهور ليبين عموم النار لجميع ابدانهم والضمير فى قوله بل تاتيهم بغتة للساعة التى تصيرهم الى العذاب ويحتمل ان يكون للنار وينظرون معناه يؤخرون وحاق معناه حل ونزل ويكلؤكم اي يحفظكم وقوله سبحانه ولا هم منا يصبحون يحتمل تاويلين احدهما يجارون ويمنعون والآخر ولاهم منا يصبحون بخير وتزكية ونحو هذا وقوله سبحانه افلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها الآية ناتي الأرض معناه بالقدرة ونقص الارض اما ان يريد بتخريب المعمور واما بموت البشر وقال قوم النقص من الاطراف موت العلماء ثم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم متوعدا لهؤلاء الكفرة بقوله ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك الآية والنفحة الخطرة والمسة والمعنى ولئن مستهم صدمة عذاب ليند من وليقرن بظلمهم وباقي الآية بين وقال الثعلبي نفحة أي طرف قاله ابن عباس انتهى وقوله سبحانه ليوم القيامة قال ابو حبان اللام للظرفية بمعنى فى انتهى قال القرطبى فى تذكرته قال العلماء اذا انقضى الحساب
كان بعده وزن الاعمال لان الوزن للجزاء فينبغى ان يكون بعد المحاسبة واختلف فى الميزان والحوض ابهما قبل الآخر قال ابو الحسن القابسي والصحيح ان الحوض قبل الميزان وذهب صاحب القوت وغيره الى ان حوض النبى صلى الله عليه و سلم انما هو بعد الصراط قال القرطبى والصحيح ان النبي صلى الله عليه و سلم حوضين وكلاهما يسمى كوثرا وان الحوض الذى يذاد عنه من بدل وغير يكون فى الموقف قبل الصراط وكذا حياض الانبياء عليهم الصلاة والسلام تكون فى الموقف على ما ورد فى ذلك من الاخبار انتهى والفرقان الذى اوتى موسى وهارون قيل التوراة وهى الضياء والذكر وقالت فرقة الفرقان هو ما رزقهما الله تعالى من نصر وظهور على فرعون وغير ذلك والضياء التوراة والذكر بمعنى التذكرة وقوله سبحانه وهذا ذكر مبارك يعني القرءان ثم وقفهم سبحانه تقريرا وتوبيخا هل يصح لهم إنكار بركته وما فيه من الدعاء الى الله تعالى والى صالح العمل وقوله سبحانه ولقد آتينا إبراهيم رشده الآية الرشد عام اي فى جميع المراشد وانواع الخيرات وقال الثعلبى رشده أي توفيقه وقيل صلاحه انتهى وقوله وكنا به عالمين مدح لابراهيم عليه السلام اي عالمين بما هل له وهذا نحو قوله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته والتماثيل الاصنام وقوله وتالله لأكيدن أصنامكم الآية روى انه حضرهم عيد لهم فعزم قوم منهم على ابراهيم فى حضوره طعما منهم ان يستحسن شيأ من احوالهم فمشى معهم فلما كان فى الطريق ثنى عزمه على التخلف عنهم فقعد وقال لهم انى سقيم فمر به جمهورهم ثم قال فى خلوة من نفسه وتالله لاكيدن اصنامكم فسمعه قوم من ضعفتهم ممن كان يسير في ءاخر الناس وقوله بعد ان تولوا مدبرين معناه الى عيدكم ثم انصرف ابراهيم عليه السلام الى بيت اصنامهم فدخله ومعه قدوم فوجد الاصنام قد وقفت اكبرها اول ثم
الذي يليه فالذي يليه وقد جعلوا اطعمتهم فى ذلك اليوم بين يدي الاصنام تبركا لينصرفوا من ذلك العيد الى اكله فجعل عليه السلام يقطعها بتلك القدوم ويهشمها حتى أفسد أشكالها حاشا الكبير فانه تركه بحاله وعلق القدوم فى يده وخرج عنها وجذاذا معناه قطعا صغارا والجذ القطع والضمير فى اليه اظهر ما فيه انه عائد على ابراهيم اي فعل هذا كله ترجيا منه ان يعقب ذلك منهم رجعه اليه والى شرعه ويحتمل ان يعود على كبيرهم
وقوله سبحانه قالوا من فعل هذا الآية المعنى فانصرفوا من عيدهم فرأوا ما حدث بآلهتهم فقالوا من فعل هذا بئالهتنا وقالوا الثانى الضمير فيه للقوم الضعفة الذين سمعوا قول ابراهيم تالله لأكيدن أصنامكم وقوله على أعين الناس يريد فى الحفل وبمحضر الجمهور وقوله يشهدون يحتمل ان يريد الشهادة عليه بفعله او بقوله لاكيدن ويحتمل ان يريد به المشاهدة اي يشاهدون عقوبته او غلبته المؤدية الى عقوبته وقوله عليه السلام بل فعله كبيرهم هذا على معنى الاحتجاج عليهم اي انه غار من ان يعيد هو وتعبد الصغار معه ففعل هذا بها لذلك وفى الحديث الصحيح عن النبى صلى الله عليه و سلم قال لم يكذب ابراهيم عليه السلام الاثلاث كذبات قوله انى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله للملك هي اختى وكانت مقالاته هذه في ذات الله وذهبت فرقة الى ان معنى الحديث لم يكذب ابراهيم أي لم يقل كلاما ظاهرةالكذب او يشبه الكذب وذهب الفراء الى جهة اخرى فى التأويل بان قال قوله فعله ليس من الفعل وانما هو فعله على جهة التوقع حذف اللام على قولهم عله بمعنى لعله ثم خففت اللام قال ع وهذا تكلف ت قال عياض واعلم اكرمك الله ان هذه الكلمات كلها خارجة عن الكذب لافى القصد ولافى غيره وهى داخلة فى باب المعاريض التى فيها مندوحة عن الكذب فأما قوله بل فعله كبيرهم
هذا فانه علق خبره بشرط النطق كأنه قال ان كان ينطق فهو فعله على طريق التبكيت لقومه انتهى ثم ذكر بقية التوجيه وهو واضح لانطيل بسرده وقوله سبحانه فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون اي فى توقيف هذا الرجل على هذا الفعل وانتم معكم من تسئلون ثم رأوا ببديهة العقل ان الاصنام لا تنطق فقالوا لابراهيم حين نكسوا في حيرتهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فوجد ابراهيم عليه السلام عند هذه المقالة موضع الحجة ووقفهم موبخا لهم بقوله أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيأ الآية ثم حقر شأنهم وشأنها بقوله اف لكم ولما تعبدون من دون الله الآية ص وقولهم لقد علمت جواب قسم محذوف معمول لقول محذوف فى موضع الحال اي قائلين لقد علمت انتهى وقال الثعلبى فرجعوا الى انفسهم اي تفكروا بعقولهم فقالوا ما نراه الا كما قال انكم انتم الظالمون فى عبادتكم الاصنام الصغار مع هذا الكبير وما قدمناه عن ع هو الاوجه وأف لفظة تقال عند المستقذرات من الأشياء ويستعار ذلك للمستقبح من المعانى ثم اخذتهم العزة بالاثم وانصرفوا الى طريق الغلبة والغشم فقالوا حرقوه روى ان قائل هذه المقالة هو رجل من الاكراد من اعراب فارس اي من باديتها فخسف الله به الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة وروى انه لما اجمع رأيهم على تحريقه حبسه نمرود الملك لعنه الله وامر بجمع الحطب حتى اجتمع منه ما شاء الله ثم اضرم نارا فلما ارادوا طرح ابراهيم فيها لم يقدروا على القرب منها فجاءهم ابليس فى صورة شيخ فقال لهم انا اصنع لكم ءالة يلقى بها فعلمهم صنعة المنجنيق ثم اخرج ابراهيم عليه السلام فشد رباطا ووضع فى كفة المنجنيق ورمى به فتلقاه جبريل عليه السلام فى الهواء فقال له الك حاجة فقال اما اليك فلا واما الى الله فبلى ت قال ابن عطاء الله فى التنوير
وكن أيها الأخ إبراهيما اذ زج به فى المنجنيق فتعرض له جبريل فقال الك حاجة فقال اما اليك فلا واما الى ربى فبلى فاسئله قال حسبي من سؤالي علمه بحالى فانظر كيف رفع همته عن الخلق ووجهها الى الملك الحق فلم يستغث بجبريل ولا احتال على السؤال بل رأى ربه تعالى اقرب اليه من جبريل ومن سؤاله فلذلك سلمه من نمرود ونكاله وانعم عليه بنواله وافضاله انتهى
وقوله سبحانه قلنا يا نار كونى بردا وسلاما قال بعض العلماء فيما روي ان الله تعالى لو لم يقل وسلاما لهلك ابراهيم من برد النار وروي انه لما وقع فى النار سلمه الله واحترق الحبل الذى ربط به وقد اكثر الناس فى قصصه فاختصرناه لعدم صحة اكثره وروى ان ابراهيم عليه السلام كان له بسط وطعام فى تلك النار كل ذلك من الجنة وروى ان العيدان اينعت وأثمرت له هناك ثمارها وروي انهم قالوا ان هذه نار مسحورة لا تحرق فرموا فيها شيخا منهم فاحترق والله اعلم بما كان من ذلك ت قال صاحب غاية المغنم فى اسم الله الاعظم وهو من الائمة المحدثين وعن الامام احمد بن حنبل رحمه الله انه يكتب للمحموم ويعلق عليه بسم الله الرحمن الرحيم يا الله يا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين اللهم رب جبريل وميكائيل اشف حاملها بحولك وقوتك وجبروتك يا ارحم الراحمين انتهى وقوله وسلاما معناه وسلامة والكيد هو ما ارادوه من حرقة وقوله سبحانه ونجيناه ولوطا الآية روى ان ابراهيم عليه السلام لما خرج من النار احضره نمرود وقال له فى بعض قوله يا ابراهيم اين جنود ربك الذى تزعم فقال له عليه السلام سيريك فعل اضعف جنوده فبعث الله تعالى على نمرود واصحابه سحابة من بعوض فاكلتهم عن آخرهم ودوابهم حتى كانت العظام تلوح بيضاء
ودخلت منها بعوضة فى رأس نمرود فكان رأسه يضرب بالعيدان وغيرها ثم هلك منها وخرج ابراهيم وابن اخيه لوط عليهما السلام من تلك الارض مهاجرين وهى كوثى من العراق ومع ابراهيم ابنت عمه سارة زوجته وفي تلك السفرة لقى الجبار الذى رام اخذها منه واختلف فى الارض التى بورك فيها ونحا اليها ابراهيم ولوط عليهما السلام فقالت فرقة هى مكة وقال الجمهور هى الشام فنزل ابراهيم بالسبع من ارض فلسطين وهى برية الشام ونزل لوط بالمؤتكفة والنافلة العطية وباقى الآية بين وخبائث قرية لوط هى اتيان الذكور وتضارطهم فى مجالسهم الى غير ذلك من قبيح افعالهم وقوله سبحانه فى نوح عليه السلام ونصرناه من القوم آلآية لما كان جل نصرته النجاة وكانت غلبة قومه بامر اجنبي منه حسن ان يقول نصرناه من ولا تتمكن هنا على قال ص عدي نصرناه بمن لتضمنه معنى نجينا وعصمنا ومنعنا وقال ابو عبيدة من بمعنى على ت وهذا اولى واما الاول ففيه نظرلان تلك الالفاظ المقدمة كلها غير مرادفة لنصرنا انتهى ت وكذا يظهر من كلام ابن هشام ترجيح الثانى وذكر هؤلاء الانبياء عليهم السلام ضرب مثل لقصة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم مع قومه ونجاة الانبياء وهلاك مكذبيهم ضمنها توعد لكفار قريش وقوله
تعالى وداود وسليمان المعنى واذكر داود وسليمان هكذا قدره جماعة من المفسرين ويحتمل ان يكون المعنى واتينا داود والنفش هو الرعى ليلا ومضى الحكم فى الاسلام بتضمين ارباب النعم ما افسدت بالليل لان على اهلها ان يثقفوها وعلى اهل الزروع حفظها بالنهار هذا هو مقتضى الحديث فى ناقة ابن عازب وهو مذهب مالك وجمهور الامة وفى كتاب ابن سحنون ان الحديث انما جاء في امثال المدينة التى هى حيطان محدقة واما البلاد التى هى زروع متصله غير محظرة
فيضمن ارباب النعم ما افسدت بالليل والنهار قال ص والضمير فى قوله لحكمهم يعود على الحاكمين والمحكوم له وعليه ابو البقاء وقيل الضمير لداود وسليمان عليهما السلام فقط وجمع لان الاثنين جمع انتهى قال ابن العربى فى احكامه المواشي على قسمين ضوار وغير ضوار وهكذا قسمها مالك فالضوارى هى المعتادة باكل الزروع والثمار فقال مالك تغرب وتباع فى بلد لا زرع فيه ورواه ابن القاسم فى الكتاب وغيره قال ابن حبيب وان كره ذلك اربابها وكان قول مالك فى الدابة التى ضريت بفساد الزرع ان تغرب وتباع واما ما يستطاع الاحتراز منه فلا يؤمر صاحبه باخراجه عن ملكه وهذا بين انتهى
وقوله يسبحن اي يقلن سبحان الله هذا قول الاكثر وذهبت فرقة منهم منذر بن سعيد الى أنه بمعنى يصلين معه بصلاته واللبوس فى اللغة هو السلاح فمنه الدرع وغيره قال ص ولبوس معناه ملبوس كالركوب بمعنى المركوب قال الشاعر
... عليها اسود ضاريات لبوسهم ... سوابغ بيض لاتخرقها النبل ...
ولسليمان الريح اي وسخرنا لسليمان الريح هذا على قراءة النصب وقرأت فرقة الريح بالرفع ويروى ان الريح العاصفة كانت تهب على سرير سليمان الذى فيه بساطه وقد مد حول البساط بالخشب والالواح حتى صنع سريرا يحمل جميع عسكره واقواته فتقله من الارض فى الهواء ثم تتولاه الريح الرخاء بعد ذلك فتحمله الى حيث اراد سليمان قال ص والعصف الشدة والرخاء اللين انتهى وقوله تعالى الى الارض التى باركنا فيها اختلف فيها فقالت فرقة هي الشام وكانت مسكنة وموضع ملكه وقد قال بعضهم ان العاصفة هي في القفول على عادة البشر والدواب فى الاسراع الى الوطن وان الرخاء كانت فى البدأة حيث اصاب اي حيث يقصد لان ذلك
وقت تأن وتدبير وتقلب رأي ويحتمل ان يريد الارض التى يسير اليها سليمان كائنة ما كانت وذلك انه لم يكن يسير الى الارض الا اصلحها الله تعالى به صلى الله عليه و سلم ولا بركة اعظم من هذا والغوص الدخول فى الماء والارض والعمل دون ذلك البنيان وغيره من الصنائع والخدمة ونحوها وكنا لهم حافظين قيل معناه من افسادهم ما صنعوه وقيل غير هذا ت وقوله سبحانه وانت ارحم الراحمين هذا الاسم المبارك مناسب لحال ايوب عليه السلام وقد روى اسامة بن زيد رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ان لله تعالى ملكا موكلا بمن يقول يا ارحم الراحمين فمن قالها ثلاثا قال له الملك ان ارحم الراحمين قد اقبل عليك فاسئل رواه الحاكم فى المستدرك وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه و سلم برجل وهو يقول يا ارحم الراحمين فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم سل فقد نظر الله اليك رواه الحاكم انتهى من السلاح وفى قصص ايوب عليه السلام طول واختلاف وتلخيص بعض ذلك ان ايوب عليه السلام اصابه الله تعالى باكلة فى بدنه فلما عظمت وتقطع بدنه اخرجه الناس من بينهم ولم يبق معه غير زوجته ويقال كانت بنت يوسف الصديق عليه السلام قيل اسمها رحمة وقيل فى ايوب انه من بنى اسراءيل وقيل انه من الروم من قرية عيصو فكانت زوجته تسعى عليه وتأتيه بما يأكل وتقوم عليه ودام عليه ضره مدة طويلة وروي أن ايوب عليه السلام لم يزل صابرا شاكرا لا يدعو فى كشف ما به حتى ان الدودة تسقط منه فيردها فمر به قوم كانوا يعادونه فشمتوا به فحينئذ دعا ربه سبحانه فاستجاب له وكانت امرأته غائبة عنه فى بعض شأنها فانبع الله تعالى له عينا وامر بالشرب منها فبرئى باطنه وامر بالاغتسال فبرئى ظاهره ورد الى افضل جماله وأوتى بأحسن ثياب وهب عليه
رجل من جراد من ذهب فجعل يحتقن ! منه فى ثوبه فناداه ربه سبحانه وتعالى يا ايوب الم اكن اغنيتك عن هذا فقال بلى يا رب ولكن لاغنى بى عن بركتك فبينما هو كذلك اذا جاءت امرأته فلم تره فى الموضع فجزعت وظنت انه ازيل عنه فجعلت تتوله فقال لها ما شأنك ايتها المرأة فهابته لحسن هيئته وقالت انى فقدت مريضا لي فى هذا الموضع ومعالم المكان قد تغيرت وتأملته فى اثناء المقاولة فرأت ايوب فقالت له انت ايوب فقال لها نعم واعتنقها وبكى فروى انه لم يفارقها حتى اراه الله جميع ماله حاضرا بين يديه واختلف الناس فى اهله وولده الذين ءاتاه الله فقيل كان ذلك كله فى الدنيا فرد الله عليه ولده بأعيانهم وجعل مثلهم له عدة فى الآخرة وقيل بل اوتى جميع ذلك فى الدنيا من اهل ومال ت وقد قدم ع فى صدر القصة ان الله سبحانه اذن لإبليس لعنه الله فى اهلاك مال ايوب وفى اهلاك بنيه وقرابته ففعل ذلك اجمع والله اعلم بصحة ذلك ولو بصحة لوجب تاويله وقوله سبحانه وذكرى للعابدين اي وتذكرة وموعظة للمومنين ولا يعبد الله الا مؤمن
وقوله سبحانه واسماعيل وادريس المعنى واذكر اسماعيل وقوله سبحانه وذا النون إذ ذهب مغاضبا التقدير واذكر ذا النون قال السهيلى لما ذكر الله تعالى يونس هنا فى معرض الثناء قال وذا النون وقال فى الآية الاخرى ولا تكن كصاحب الحوت والمعنى واحد ولكن بين اللفظين تفاوت كثير فى حسن الاشارة الى الحالتين وتنزيل الكلام فى الموضعين والاضافة بذي أشرف من الإضافة بصاحب لان قولك ذو يضاف بها الى التابع وصاحب يضاف بها الى المتبوع انتهى والنون الحوت والصاحب يونس ابن متى عليه السلام وهو نبى من اهل نينوى
وقوله مغاضبا قيل انه غاضب قومه حين طال عليه امرهم وتعنتهم فذهب فارا بنفسه وقد كان الله تعالى امره
بملازمتهم والصبر على دعائهم فكان ذلك ذنبه اي فى خروجه عن قومه بغير إذن ربه ت قال عياض والصحيح فى قوله تعالى اذ ذهب مغاضبا انه مغاضب لقومه لكفرهم وهو قول ابن عباس والضحاك وغيرهما لالربه اذ مغاضبة الله تعالى معاداة له ومعاداة الله كفر لا يليق بالمؤمنين فكيف بالانبياء عليهم السلام وفرار يونس عليه السلام خشية تكذيب قومه بما وعدهم به من العذاب
وقوله سبحانه فظن ان لن نقدر عليه معناه ان لن نضيق عليه وقيل معناه نقدر عليه ما اصابه وقد قرئى نقدر عليه بالتشديد وذلك كما قيل لحسن ظنه بربه انه لابقضى عليه بعقوبة وقال عياض فى موضع آخر وليس فى قصة يونس عليه السلام نص على ذنب وانما فيها ابق وذهب مغاضبا وقد تكلمنا عليه وقيل انما نقم الله تعالى عليه خروجه عن قومه فارا من نزول العذاب وقيل بل لما وعدهم العذاب ثم عفا الله عنهم قال والله لا القاهم بوجه كذاب ابدا وهذا كله ليس فيه نص على معصية انتهى
وقوله سبحانه فظن أن لن نقدر عليه قالت فرقة معناه ان لن نضيق عليه فى مذهبه من قوله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وقرأ الزهرى نقدر بضم النون وفتح القاف وشد الدال ونحوه عن الحسن ورروى ان يونس عليه السلام سجد فى جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان فى قعر البحر وقوله انى كنت من الظالمين يريد فيما خالف فيه من ترك ملازمة قومه والصبر عليهم هذا احسن الوجوه فاستجاب الله له ت وليس فى هذه الكلمة ما يدل انه اعترف بذنب كما اشار اليه بعضهم وفى الحديث الصحيح دعوة أخى ذى النون فى بطن الحوت لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين ما دعا بها عبد مؤمن او قال مسلم الا استجيب له الحديث انتهى وعن سعد ابن مالك ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فى قوله تعالى لا إله إلا أنت
سبحانك إنى كنت من الظالمين أيما مسلم دعا بها فى مرضه اربعين مرة فمات فى مرضه ذلك اعطى اجر شهيد وأن برئى برئى وقد غفر الله له جميع ذنوبه اخرجه الحاكم فى المستدرك انتهى من السلاح وذكر صاحب السلاح ايضا عن سعد بن ابى وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوة ذى النون إذ دعا وهو فى بطن الحوت لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين فانه لم يدع بها رجل مسلم فى شيء قط الا استجاب اللله تعالى له رواه الترمذى واللفظ له والنسائى والحاكم فى المستدرك وقال صحيح الاسناد وزاد فيه من طريق آخر فقال رجل يارسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الا تسمع الى قول الله عز و جل ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المومنين انتهى والغم ما كان ناله حين التقمه الحوت
وقوله سبحانه وزكريا اذ نادى ربه الآية تقدم امر زكريا
وقوله سبحانه وأصلحنا له زوجه قيل بان جعلت ممن تحمل وهى عاقر قاعد وعموم اللفظ يتناول جميع الإصلاح
وقوله تعالى ويدعوننا رغبا ورهبا المعنى انهم يدعون فى وقت تعبداتهم وهم بحال رغبة ورجاء ورهبة وخوف فى حال واحدة لان الرغبة والرهبة متلازمان والخشوع التذلل بالبدن المتركب على التذلل بالقلب قال القشيرى فى رسالته سئل الجنيد عن الخشوع فقال تذلل القلوب لعلام الغيوب قال سهل بن عبد الله من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان انتهى
وقوله سبحانه والتى احصنت فرجها المعنى واذكر التى احصنت فرجها وهى الجارحة المعروفة هذا قول الجمهور وفى إحصانها هو المدح وقالت فرقة الفرج هنا هو فرج ثوبها الذى منه نفخ الملك وهذا قول ضعيف وقد تقدم أمرها ت وعكس رحمه الله فى سورة التحريم النقل فقال قال الجمهور هو فرج الدرع وقوله
تعالى أن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون يحتمل ان يكون منقطعا خطابا لمعاصرى النبى صلى الله عليه و سلم ثم اخبر عن الناس انهم تقطعوا ثم وعد واوعد ويحتمل ان يكون متصلا بقصة مريم وابنها عليهما السلام ص ابو البقاء وتقطعوا امرهم اي فى امرهم يريد انه منصوب على اسقاط حرف الجر وقيل عدى بنفسه لانه بمعنى قطعوا اي فرقوا انتهى وقال البخارى امتكم امة واحدة اي دينكم دين واحد انتهى وقرأ جمهور السبعة وحرام وقرأ حمزة والكساءى وحفص عن عاصم وحرم بكسر الحاء وسكون الراء وهما مصدران بمعنى فأما معنى الآية فقالت فرقة حرام وحرم معناه جزم وحتم فالمعنى وحتم على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون الى الدنيا فيتوبون ويستعتبون بل هم صائرون الى العقاب وقالت طائفة حرام وحرم اي ممتنع وقوله سبحانه حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون الآية تحتمل حتى في هذه الآية ان تتعلق بيرجعون وتحتمل ان تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب إذا لانها تقتضى جوابا واختلف هنا فى الجواب والذى اقول به ان الجواب فى قوله فإذا هى شاخصة وهذا هو المعنى الذى قصد ذكره قال ص قال ابو البقاء حتى إذا متعلقة في المعنى بحرام أي يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ولا عمل لها في إذا انتهى وقرأ الجمهور فتحت بتخفيف التاء وقرأ ابن عامر وحده فتحت بالتشديد وروى ان يأجوج ومأجوج يشرفون فى كل يوم على الفتح فيقولون غدا نفتح ولا يردون المشيئة الى الله تعالى فإذا كان غد وجدوا الردم كأوله حتى إذا أذن الله تعالى فى فتحه قال قائلهم غدا نفتحه ان شاء الله تعالى فيجدونه كما تركوه قريب الانفتاح فيفتحونه حينئذ ت وقد تقدم فى سورة الكهف كثير من أخبار يأجوج ومأجوج فأغنانا عن إعادته وهذه عادتنا فىهذا
المختصر اسئل الله تعالى ان ينفعنا وإياكم به ويجعله لنا نورا بين أيدينا يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم والحدب كل مسنم من الأرض كالجبل والظرب والكدية والقبر ونحوه وقالت فرقة المراد بقوله وهم يأجوج ومأجوج يعنى انهم يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويملئون الأرض من كثرتهم وقالت فرقة المراد بقوله وهو جميع العالم وإنما هو تعريف بالبعث من القبور وقرأ ابن مسعود وهم من كل جدث بالجيم والثاء المثلثة وهذه القراءة تؤيد هذا التأويل وينسلون معناه يسرعون فى تطامن وأسند الطبرى عن أبى سعيد قال يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون احدا إلا قتلوه الا اهل الحصون فيمرون على بحيرة طبرية فيمر ءاخرهم فيقول كان هنا مرة ماء قال فيبعث الله عليهم النغف حتى تكسر اعناقهم فيقول اهل الحصون لقد هلك اعداء الله فيدلون رجلا ينظر فيجدهم قد هلكوا قال فينزل الله من السماء ماء فيقذف بهم فى البحر فيطهر الله الأرض منهم وفى حديث حذيفة نحو هذا وفى ءاخره قال وعند ذلك طلوع الشمس من مغربها وقوله سبحانه واقترب الوعد الحق يريد يوم القيامة
وقوله فاذا هى مذهب سيبويه انها ضمير القصة وجوز الفراء ان تكون ضمير الأبصار تقدمت لدلالة الكلام ومجىء ما يفسرها والشخوص بالبصر إحداد النظر دون ان يطرف وذلك يعترى من الخوف المفرط ونحوه وباقى الآية بين
وقوله سبحانه انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم الآية هذه الآية مخاطبة لكفار مكة اي انكم واصنامكم حصب جهنم والحصب ما توقد به النار إما لأنها تحصب به أي ترمى وإما ان يكون لغة فى الحطب اذا رمى واما قبل ان يرمى فلا يسمى حصبا الا بتجوز وحرق الاصنام بالنار على جهة التوبيخ لعابديها ومن حيث تقع ما لمن يعقل فى بعض المواضع اعترض فى هذه
الآية عبد الله بن الزبعرى على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ان عيسى وعزيرا ونحوهما قد عبدا من دون الله فيلزم ان يكونوا حصبا لجهنم فنزلت ان الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية والورود فى هذه الآية ورود الدخول والزفير صوت المعذب وهو كنهيق الحمير وشبهه الا انه من الصدر
وقوله سبحانه لا يسمعون حسيسها هذه صفة الذين سبقت لهم الحسنى وذلك بعد دخولهم الجنة لان الحديث يقتضى ان فى الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبى ولا ملك إلا جثا على ركبتيه قال البخارى الحسيس والحس واحد وهو الصوت الخفى انتهى والفزع الاكبر عام فى كل هول يكون يوم القيامة فكان يوم القيامة بجملته هو الفزع الاكبر
وقوله سبحانه وتتلقاهم الملائكة يريد بالسلام عليهم والتبشير لهم اي هذا يومكم الذى وعدتم فيه الثواب والنعيم والسجل فى قول فرقة هو الصحيفة التى يكتب فيها والمعنى كما يطوى السجل من اجل الكتاب الذى فيه فالمصدر مضاف الى المفعول وهكذا قال البخارى السجل الصحيفة انتهى وما خرجه ابو داود فى مراسيله من ان السجل اسم رجل من كتاب النبى صلى الله عليه و سلم قال السهيلى فيه هذا غير معروف انتهى
وقوله سبحانه كما بدأنا اول خلق نعيده يحتمل معنيين أحدهما ان يكون خبرا عن البعث اي كما اخترعنا الخلق اولا على غير مثال كذلك ننشئهم تارة اخرى فنبعثهم من القبور والثانى ان يكون خبرا عن ان كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التى خرج بها الى الدنيا ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه و سلم يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا كما بدأنا اول خلق نعيده وقوله كما بدأنا الكاف متعلقة بقوله نعيده وقالت فرقة الزبور هنا يعم جميع الكتب المنزلة لأنه مأخوذ من زبرت الكتاب اذا كتبته والذكر أراد به اللوح المحفوظ وقالت فرقة الزبور هو زبور داود عليه
السلام والذكر التوراة وقالت فرقة الزبور ما بعد التوراة من الكتب والذكر التوراة وقالت فرقة الارض هنا ارض الدنيا اي كل ما يناله المؤمنون من الأرض وقالت فرقة اراد ارض الجنة واستشهدوا بقوله تعالى واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشأ
وقوله سبحانه إن فى هذا لبلاغا الاشارة بهذا الى هذه الآيات المتقدمة في قول فرقة وقالت فرقة الإشارة الى القرءان بجملته والعبادة تتضمن الايمان
وقوله سبحانه وما أرسلناك الا رحمه للعالمين قالت فرقة هو صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين عموما اما للمؤمنين فواضح واما للكافرين فلأن الله تعالى رفع عنهم ما كان يصيب الامم والقرون السابقة قبلهم من التعجيل بأنواع العذاب المستأصلة كالطوفان وغيره
وقوله آذنتكم معناه عرفتكم بنذارتى وأردت ان تشاركونى فى معرفة ما عندى من الخوف عليكم من الله تعالى وقال البخارى آذنتكم أعلمتكم فاذا أعلمتهم فأنت وهم على سواء انتهى ثم اخبرانه لا يعرف تعيين وقت لعقابهم هل هو قريب أم بعيد وهذا أهول وأخوف قال ص وإن أدرى بمعنى ما ادرى انتهى والضمير فى قوله لعلة عائد على الإملاء لهم وفتنة معناه امتحان وابتلاء والمتاع ما يستمتع به مدة الحياة الدنيا ثم امره تعالى ان يقول على جهة الدعاء رب احكم بالحق وهذادعاء فيه توعد ثم توكل فى ءاخر الآية واستعان بالله تعالى قال الداودى وعن قتادة ان النبى صلى الله عليه و سلم كان اذا شهد قتالا قال
رب احكم بالحق انتهى
تفسير
سورة الحج
وهى مكيةسوى ثلاث ءايات وهى هذا خصمان الى تمام ثلاث ءايات هذا قول ابن عباس ومجاهد وقال الجمهور السورة مختلطة منها مكى ومنها مدني وهذا هو الأصح لأن الآيات تقتضى ذلك بسم الله الرحمن الرحيم قوله عز و جل يا ايها الناس اتقو ربكم ان زلزلة الساعة شىء عظيم الزلزلة التحريك العنيف وذلك مع نفخة الفزع ومع نفخة الصعق حسبما تضمنه حديث ابى هريرة من ثلاث نفخات والجمهور على ان زلزلة الساعة هى كالمعهودة فى الدنيا الا انها فى غاية الشدة واختلف المفسرون فى الزلزلة المذكورة هل هي فى الدنيا على القوم الذين تقوم عليهم القيامة ام هى فى يوم القيامة على جميع العالم فقال الجمهور هى فى الدنيا والضمير فى ترونها عائد عندهم على الزلزلة وقوى قولهم ان الرضاع والحمل انما هو فى الدنيا وقالت فرقة الزلزلة فى يوم القيامة والضمير عندهم عائد على الساعة والذهول الغفلة عن الشىء بطريان ما يشغل عنه من هم أووجع أو غيره قال ابن زيد المعنى تترك ولدها للكرب الذى نزل بها ت وخرج البخارى وغيره عن ابى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه و سلم قال يقول الله عز و جل يوم القيامة يا ءادم فيقول لبيك ربنا وسعديك فيقول اخرج بعث النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف
تسعمائة وتسعة وتسعين الى النار وواحدا الى الجنة فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحديث انتهى وهذا الحديث نص صريح فى انه يوم القيامة وانظر قوله يوما يجعل الولدان سيبا وقوله واذا العشار عطلت تجده موافقا للحديث وجاء فى حديث ابى هريرة فيما ذكره على بن معبد ان نفخة الفزع تمتد وان ذلك يوم الجمعة فى النصف من شهر رمضان فيسير الله الجبال فتمر مر السحاب ثم تكون سرابا ثم ترتج الأرض بأهلها رجا وتضع الحوامل ما فى بطونها ويشيب الولدان ويولى الناس مدبرين ثم ينظرون الى السماء فإذا هى كالمهل ثم انشقت ثم قال النبى صلى الله عليه و سلم والموتى لا يعلمون شيأ من ذلك قلت يا رسول الله فمن استثنى الله عز و جل يقول ففزع من فى السموات ومن فى الارض الا من شاء الله قال أولائك هم الشهداء انتهى مختصرا وهذا الحديث ذكره الطبرى والثعلبى وصححه ابن العربى فى سراج المريدين وقال عبد الحق بل هو حديث منقطع لا يصح والذى عليه المحققون ان هذه الأهوال هى بعد البعث قاله صاحب التذكرة وغيره انتهى والحمل بفتح الحاء ما كان فى بطن او على رأس شجرة
وقوله سبحانه وترى الناس سكارى تشبيها لهم اي من الهم ثم نفى عنهم السكر الحقيقى الذى هو من الخمر قاله الحسن وغيره وقرأ حمزة والكساءى سكرى فى الموضعين قال سيبويه وقوم يقولون سكرى جعلوه مثل مرضى ثم جعلوا روبى مثل سكرى وهم المستثقلون نوما من شرب الرائب
وقوله سبحانه ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد قال ابن جريج هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث وابى بن خلف وقيل فى ابي جهل بن هشام ثم هي بعد تتناول كل من اتصف بهذه الصفة ومجادلتهم فى ان الله تعالى لا يبعث من يموت والشيطان هنا هو مغويهم
من الجن ويحتمل من الإنس والمريد المتجرد من الخير للشر ومنه الأمرد وشجرة مرداء اي عارية من الورق وصرح ممرد اي مملس والضمير فى عليه عائد على الشيطان قاله قتادة ان يعود على المجادل وانه فى موضع رفع على المفعول الذى لم يسم فاعله وانه الثانية عطف على الأولى موكدة مثلها وقيل هى مكررة للتأكيد فقط وهذا معترض بأن الشىء لا يؤكد الا بعد تمامه وتمام ان الأولى إنما هو بصلتها فى قوله السعير وكذلك لا يعطف عليه ولسيبويه فى مثل هذا انه بدل وقيل انه الثنية خبر مبتدأ محذوف تقديره فشأنه انه يضله قال ع ويظهر لى ان الضمير فى انه الاولى للشيطان وفى الثانية لمن الدى هو المتولى وقرأ ابو عمرو فإنه بالكسر فيهما
وقوله عز و جل يا أيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث الآية هذا احتجاج على العالم بالبدأة الأولى وضرب سبحانه وتعالى فى هذه الآية مثلين إذا اعتبرهما الناظر جوز فى العقل البعثة من القبور ثم ورد الشرع بوقوع ذلك
وقوله فانا خلقناكم من تراب يريد ءادم عليه السلام ثم من نطفة يريد المنى والنطفة تقع على قليل الماء وكثيره ثم من علقة يريد من الدم الذى تعود النطفة اليه فى الرحم او المقارن للنطفة والعلق الدم الغليظ وقيل العلق الشديد الحمرة ثم من مضغة يريد مضغة لحم على قدر ما يمضغ
وقوله مخلقة معناه متممة وغير مخلقة غير متممة اي التى تسقط قاله مجاهد وغيره فاللفظة بناء مبالغة من خلق ولما كان الإنسان فيه أعضاء متباينة وكل واحد منها مختص بخلق حسن فى جملته تضعيف الفعل لأن فيه خلقا كثيرا
وقوله سبحانه لنبين لكم قالت فرقة معناه امر البعث ونقر اي ونحن نقر فى الأرحام والأجل المسمى مختلف بحسب حين حين فثم من يسقط وثم من يكمل أمره ويخرج حيا
وقوله سبحانه ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكيلا يعلم
من بعد علم شيأ قد تقدم بيان هذه المعانى والرد الى أرذل العمر هو حصول الانسان فى زمانه واختلال العقل والقوة فهذا مثال واحد يقتضى للمعتبر به ان القادر على هذه المناقل المتقن لها قادر على إعادة تلك الأجساد التى اوجدها بهذه المناقل إلى حالها الأولى
وقوله عز و جل وترى الأرض هامدة فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج هذا هو المثال الثانى الذى يعطى للمعتبر فيه جواز بعث الاجساد وذلك ان احياء الارض بعد موتها بين فكذلك الأجساد وهامدة معناه ساكنة دارسة بالية واهتزاز الأرض هو حركتها بالنبات وغير ذلك مما يعتريها بالماء وربت معناه نشزت وارتفعت ومنه الربوة وهى المكان المرتفع والزوج النوع والبهيج من البهجة وهى الحسن قاله قتادة وغيره
وقوله ذلك إشارة الى كل ما تقدم ذكره وباقى الآية بين
وقوله سبحانه ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم الآية الاشارة بقوله ومن الناس الى القوم الذين تقدم ذكرهم وكرر هذه الآية على جهة التوبيخ فكانه يقول فهذه الأمثال فى غاية الوضوح ومن الناس مع ذلك من يجادل وثانى حال من الضمير فى يجادل
وقوله ثانى عطفه عبارة عن المتكبر المعرض قاله ابن عباس وغيره وذلك ان صاحب الكبر يرد وجهة عمن يتكبر عنه فهو برد وجهه يصعر خده ويولى صفحته ويلوي عنقه ويثني عطفه وهذه هى عبارات المفسرين والعطف الجانب
وقوله تعالى ذلك بما قدمت يداك اي يقال له ذلك واختلف فى الوقف على يداك فقيل لا يجوز لان التقدير وبان الله اي ان هذا هو العدل فيك يحرائمك وقيل يجوز بمعنى والأمر أن الله ليس بظلام للعبيد
وقوله سبحانه ومن الناس من يعبد الله على حرف الآية نزلت فى اعراب وقوم لا يقين لهم كان احدهم اذا اسلم فاتفق له اتفاقات حسان من
نمو مال وولد يرزقه وغير ذلك قال هذا دين جيد وتمسك به لهذه المعانى وان كان الأمر بخلاف ذلك تشاءم به وارتد كما فعل العرنيون قال هذا المعنى ابن عباس وغيره وقوله على حرف معناه على الخراف منه عن العقيدة البيضاء وقال البخارى على حرف على شك ثم اسند عن ابن عباس ما تقدم من حال الأعراب انتهى
وقوله يدعوا من دون الله ما لا يضره يريد الأوثان ومعنى بدعو يعبد ويدعو ايضا فى ملماته واللام فى قوله لمن ضره لام موذنة بمجيء القسم والثانية فى لبيس لام القسم والعشير القريب المعاشر فى الامور ت وفى الحديث فى شأن النساء ويكفرن العشير يعنى الزوج قال ابو عمر بن عبد البر قال اهل اللغة العشير الخليط من المعاشرة والمخالطة ومنه قوله عز و جل لبئس المولى ولبئس العشير انتهى من التمهيد والذى يظهر ان المراد بالمولى والعشير هو الوثن الذى ضره اقرب من نفعه وهو قول مجاهد ثم عقب سبحانه بذكر حالة اهل الايمان وذكر ما وعدهم به فقال ان الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار الآية ثم اخذت الآية فى توبيخ أولائك الأولين كأنه يقول هؤلاء العابدون على حرف صحبهم القلق وظنوا ان الله تعالى لن ينصر محمدا واتباعه ونحن انما امرناهم بالصبر وانتظار وعدنا فمن ظن غير ذلك فليمدد بسبب وهو الحبل وليختنق هل يذهب بذلك غيطه قال هذا المعنى قتادة وهذا على جهة المثل السائر فى قولهم دونك الحبل فاختنق والسماء على هذا القول الهواء علوا فكأنه أراد سقفا أو شجرة ولفظ البخاري وقال ابن عباس بسبب الى سقف البيت انتهى والجمهور على ان القطع هنا هو الاختناق قال الخليل وقطع الرجل إذا اختنق بحبل ونحوه ثم ذكر الآية ويحتمل المعنى من ظن ان محمدا لا ينصر فليمت كمدا هو منصور لا محالة فليختنق هذا الظان غيطا وكمدا ويؤيد
ان الطبرى والنقاش قالا وبقال نزلت فى نفر من بنى أسد وغطفان قالوا نخاف ان لا ينصر محمد فينقطع الذى بيننا وبين حلفائنا من يهود من المنافع والمعنى الاول الذى قيل للعابدين على حرف ليس بهذا ولكنه بمعنى من قلق واستبطأ النصر وظن ان محمدا لا ينصر فليختنق سفاهة اذ تعدى الأمر الذى حد له فى الصبر وانتظار صنع الله وقال مجاهد الضمير فى ينصره عائد على من والمعنى من كان من المتقلقين من المؤمنين وما فى قوله ما يغيظ بمعنى الذى ويحتمل ان تكون مصدرية حرفا فلا عائد عليها وابين الوجوه فى الآية التاويل الاول وباقى الآية بين
وقوله وكثير من الناس أي ساجدون مرحومون بسجودهم وقوله وكثير حق عليه العذاب معادل له ويؤيد هذا قوله تعالى هذان خصمان اختصموا فى ربهم الآية نزلت هذه الآية فى المتبارزين يوم بدر وهم ستة نفر حمزة وعلى وعبيدة ابن الحارث رضي الله عنهم بارزوا لعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وشيبة بن ربيعة قال على بن ابى طالب انا اول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي الله تعالى واقسم ابو ذر على هذا القول ووقع فى صحيح البخارى رحمه الله تعالى ان الآية فيهم وقال ابن عباس الإشارة الى المؤمنين واهل الكتاب وذلك انه وقع بينهم تخاصم فقالت اليهود نحن اقدم دينا منكم ونحو هذا فنزلت الآية وقال مجاهد وجماعة الإشارة الى المومنين والكفار على العموم
قال ع وهذا قول تعضده الآية وذلك انه تقدم قوله وكثير من الناس المعنى هم مؤمنون ساجدون ثم قال تعالى وكثير حق عليه العذاب ثم اشار الى هذين الصنفين بقوله هذان خصمان والمعنى ان الإيمان وأهله والكفر واهله خصمان مذ كانا الى يوم القيامة بالعداوة والجدال والحرب وخصم مصدر يوصف به الواحد والجمع ويدل على انه اراد الجمع قوله اختصموا فإنه قراءة الجمهور وقرأ ابن
ابى عبلة اختصما ت وهذه التأويلات متفقات فى المعنى وقد ورد ان اول ما يقضي به بين الناس يوم القيامة فى الدماء ومن المعلوم ان اول مبارزة وقعت فى الاسلام مبارزة على واصحابه فلا جرم كانت اول خصومة وحكومة يوم القيامة وفى صحيح مسلم عنه صلى الله عليه و سلم
نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق وفى رواية المقضي بينهم
وقوله فى ربهم اي فى شأن ربهم وصفاته وتوحيده ويحتمل فى رضى ربهم وفى ذاته وقال ص فى ربهم اي فى دين ربهم انتهى ثم بين سبحانه حكم الفريقين فتوعد تعالى الكفار بعذابه الأليم وقطعت معناه جعلت لهم بتقدير كما يفصل الثوب وروى انها من نحاس ويصهر معناه يذاب وقيل معناه ينضج قيل ان الحميم بحرارته يهبط كل ما فى الجوف ويكشطه ويسلته وقد روى ابو هريرة نحوه عن النبى صلى الله عليه و سلم انه يسلته ويبلغ به قدميه ويذيبه ثم يعاد كما كان
وقوله سبحانه كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها روى فيه ان لهب النار اذا ارتفع رفعهم فيصلون إلى أبواب النار فيريدون الخروج فتردهم الزبانية بمقامع الحديد وهى المقارع
وقوله سبحانه ان الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات الآية معادلة لقوله فالذين كفروا واللؤلؤ الجوهر واخبر سبحانه بان لباسهم فيها حرير لأنه من أكمل حالات الدنيا قال ابن عباس لاتشبه أمور الآخرة امور الدنيا الا فى الاسماء فقط واما الصفات فمتبابنة والطيب من القول لا اله الا الله وما جرى معها من ذكر الله وتسبيحه وتقديسه وسائر كلام اهل الجنة من محاورة وحديث طيب فانها لا تسمع فيها لاغية وصراط الحميد هو طريق الله الذى دعا عباده اليه ويحتمل ان يريد بالحميد نفس الطريق فاضاف اليه على حد اضافته فى قوله دار الآخرة وقال البخارى وهدوا الى الطيب اي الهموا الى قراءة القرءان وهدوا الى صراط
الحميد اي الى الإسلام انتهى
وقوله سبحانه ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله هذه الآية نزلت عام الحديبية حين صد النبى صلى الله عليه و سلم وجاء يصدون مستقبلا اذ هو فعل يديمونه وخبر ان محذوف مقدر عند قوله والبادى تقديره خسروا او هلكوا والعاكف المقيم فى البلد والبادى القادم عليه من غيره
وقوله بالحاد قال ابو عبيدة الباء فيه زائدة ت قال ابن العربى فى احكامه وجعل الباء زائدة لا يحتاج اليه فى سبيل العربية لأن حمل المعنى على القول اولى من حمله على الحروف فيقال المعنى ومن يهم فيه بميل لأن الالحاد هو الميل فى اللغة الا انه قد صار فى عرف الشرع ميلا مذموما فرفع الله الاشكال وبين سبحانه ان الميل بالظلم هو المراد هنا انتهى
قال ع والإلحاد الميل وهو يشمل جميع المعاصى من الكفر الى الصغائر فلعظم حرمة المكان توعد الله تعالى على نية السيئة فيه ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بذلك الا فى مكة هذا قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم قال ص وقوله ان لا تشرك ان مفسرة لقول مقدر اي قائلين له او موحين له لا تشرك وفى التقدير الأول نظر فانظر انتهى
وقوله تعالى وطهر بيتي للطائفين والقائمين الآية تطهير البيت عام فى الكفر والبدع وجميع الأنجاس والدماء وغير ذلك والقائمون هم المصلون وخص سبحانه بالذكر من اركان الصلاة أعظمها وهو القيام والركوع والسجود وروي أن ابراهيم عليه الصلاة و السلام لما امر بالآذان بالحج قال يا رب واذا اذنت فمن يسمعنى فقيل له ناد يا ابراهيم فعليك النداء وعلينا البلاغ فصعد على أبي قبيس وقيل على حجر المقام ونادى ايها الناس ان الله تعالى قد امركم بحج هذا البيت فحجوا فروى ان يوم نادى اسمع كل من يحج الى يوم القيامة فى اصلاب الرجال واجابه كل شيء فى ذلك الوقت من جماد وغيره لبيك اللهم لبيك فجرت التلبية
على ذلك قاله ابن عباس وابن جبير ورجالا جمع راجل والضامر قالت فرقة اراد بها الناقة وذلك انه يقال ناقة ضامر وقالت فرقة لفظ ضامر يشمل كل من اتصف بذلك من جمل او ناقة وغير ذلك
قال ع وهذا هو الأظهر وفى تقديم رجالا تفضيل للمشاة فى الحج واليه نحا ابن عباس قال ابن العربى فى احكامه قوله تعالى يأتين رد الضمير الى الابل تكرمة لها لقصدها الحج مع اربابها كما قال تعالى والعاديات ضبحا فى خيل الجهاد تكرمه لها حين سعت فى سبيل الله انتهى والفج الطريق الواسعة والعميق معناه البعيد قال الشاعر ... إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة ...
يمد بها فى السير أشعث شاحب ...
والمنافع فى هذه الآية التجارة فى قول اكثر المتأولين ابن عباس وغيره وقال ابو جعفر محمد بن على اراد الأجر ومنافع الآخرة وقال مجاهد بعموم الوجهين ت واظهرها عندى قول ابى جعفر يظهر ذلك من مقصد الآية والله اعلم وقال ابن العربى الصحيح القول بالعموم انتهى
وقوله سبحانه ويذكروا اسم الله فى ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام ذهب قوم الى ان المراد ذكر اسم الله على النحر والذبح وقالوا ان فى ذكر الايام دليلا على ان الذبح فى الليل لا يجوز وهو مذهب مالك واصحاب الرأي وقالت فرقة فيها مالك واصحابه الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده
وقوله فكلوا ندب واستحب اهل العلم ان ياكل الإنسان من هديه واضحيته وان يتصدق بالأكثر والبائس الذى قد مسه ضر الفاقة وبؤسها والمراد اهل الحاجة والتفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعث ونحوه وليوفوا نذورهم وهو ما معهم من هدي وغيره وليطوفوا بالبيت العتيق يعني طواف الإفاضة الذى هو من واجبات الحج قال الطبري ولا خلاف بين
المتأولين فى ذلك قال مالك هو واجب ويرجع تاركه من وطنه الا ان يطوف طواف الوداع فإنه يجزيه عنه ويحتمل ان تكون الاشارة بالآية الى طواف الوداع وقد اسند الطبري عن عمرو بن أبي سلمة قال سألت زهيرا عن قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق فقال هو طواف الوداع وقاله مالك فى الموطإ واختلف فى وجه وصف البيت بالعتيق فقال مجاهد وغيره عتيق اي قديم وقال ابن الزبير لأن الله تعالى اعتقه من الجبابرة وقيل اعتقه من غرق الطوفان وقيل غير هذا
وقوله ذلك يحتمل ان يكون فى موضع رفع بتقدير فرضكم ذلك او الواجب ذلك ويحتمل ان يكون فى محل نصب بتقدير امتثلوا ذلك ونحو هذا الاضمار واحسن الاشياء مضمرا احسنها مظهرا ونحو هذه الإشارة البليغة قول زهير ... هذا وليس كمن يعى بخطبته ... وسط الندى اذا ما ناطق نطقا ...
والحرمات المقصودة هنا هى افعال الحج وقال ابن العربى فى احكامه الحرمات امتثال ما امر الله تعالى به واجتناب ما نهى عنه فإن للقسم الاول حرمة المبادرة الى الامتثال وللثاني حرمة الانكفاف والانزجار انتهى
وقوله فهو خير ظاهره انها ليست للتفضيل وانما هى عدة بخير ويحتمل ان يجعل خير للتفضيل على تجوز فى هذا الموضع ص فهو خير له اي فالتعظيم خير له انتهى
وقوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان يحتمل معنيين احدهما ان نكون من لبيان الجنس اي الرجس الذى هو الأوثان فيقع النهي عن رجس الأوثان فقط وتبقى سائر الأرجاس نهيها فى غير هذا الموضع والمعنى الثاني ان تكون من لابتداء الغاية فكأنه نهاهم سبحانه عن الرجس عموما ثم عين لهم مبدأه الذى منه يلحقهم اذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ويظهر ان الإشارة الى الذبائح التى كانت للأوثان فيكون هذا مما يتلى عليهم والمروي عن ابن عباس