كتاب : مفردات غريب القرآن
المؤلف : أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهانى
يغلب من قولهم أرض عزاز أي صلبة، قال: (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) وتعزز اللحم اشتد وعز كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه كقولهم تظلف أي حصل في ظلف من الارض، والعزيز الذى يقهر ولا يقهر، قال (إنه هو العزيز الحكيم - يا أيها العزيز مسنا) قال (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين - سبحان ربك رب العزة) فقد يمدح بالعزة تارة كما ترى ويذم بها تارة كعزة الكفار قال (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) ووجه ذلك أن العزة التى لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية التى هي العزة الحقيقية، والعزة التى هي للكافرين هي التعزز وهو في الحقيقة ذل كما قال عليه الصلاة والسلام: " كل عز ليس بالله فهو ذل " وعلى هذا قوله: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا)
أي ليتمنعوا به من العذاب، وقوله: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) معناه من كان يريد أن يعز يحتاج أن يكتسب منه تعالى العزة فإنها له، وقد تستعار العزة للحمية والانفة المذمومة وذلك في قوله (أخذته العزة بالاثم) وقال (تعز من تشاء وتذل من تشاء) يقال عز على كذا صعب، قال: (عزيز عليه ما عنتم) أي صعب، وعزه كذا غلبه، وقيل من عز بز أي من غلب سلب.
قال تعالى: (وعزنى في الخطاب) أي غلبنى، وقيل معناه صار أعز منى في المخاطبة والمخاصمة، وعز المطر الارض غلبها وشاة عزوز قل درها، وعز الشئ قل اعتبارا بما قيل كل موجود مملول وكل مفقود مطلوب، وقوله: (إنه لكتاب عزيز) أي يصعب مناله ووجود مثله، والعزى صنم، قال: (أفرأيتم اللات والعزى) واستعز بفلان إذا غلب بمرض أو بموت.
عزب: العازب المتباعد في طلب الكلاء عن أهله، يقال عزب يعزب ويعزب، قال: (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة - ولا يعزب عنه مثقال ذرة) يقال رجل عزب، وامرأة عزبة وعزب عنه حلمه وعزب طهرها
إذا غاب عنها زوجها، وقوم معزبون عزبت إبلهم.
وروى من قرأ القرآن في أربعين يوما فقد عزب: أي بعد عهده بالختمة.
عزر: التعزير النصرة مع التعظيم، قال (وتعزروه - وعزرتموهم) والتعزير ضرب دون الحد وذلك يرجع إلى الاول فإن ذلك تأديب والتأديب نصرة ما لكن الاول نصرة بقمع ما يضره عنه، والثانى نصرة بقمعه عما يضره.
فمن قمعته عما يضره فقد نصرته.
وعلى هذا الوجه قال صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قال: أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ فقال: كفه عن الظلم " وعزير في قوله (وقالت اليهود عزير ابن الله) اسم نبى.
عزل: الاعتزال تجنب الشئ عمالة كانت أو براءة أو غيرهما بالبدن كان ذلك أو بالقلب، يقال عزلته واعتزلته وتعزلته فاعتزل، قال: (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله - فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم - وأعتزلكم وما تدعون من دون الله - فاعتزلوا النساء) وقال الشاعر:
* يا بنت عاتكة التى أتعزل * وقوله: (إنهم عن السمع لمعزولون) أي ممنوعون بعد أن كانوا يمكنون، والاعزل الذى لا رمح معه.
ومن الدواب ما يميل ذنبه ومن السحاب ما لا مطر فيه، والسماك الاعزل نجم سمى به لتصوره بخلاف السماك الرامح الذي معه نجم لتصوره بصورة رمحه.
عزم: العزم والعزيمة عقد القلب على إمضاء الامر، يقال عزمت الامر وعزمت عليه واعتزمت، قال (فإذا عزمت فتوكل على الله - ولا تعزموا عقدة النكاح - وإن عزموا الطلاق - إن ذلك لمن عزم الامور - ولم نجد له عزما) أي محافظة على ما أمر به وعزيمة على القيام.
والعزيمة تعويذ كأنه تصور أنك قد عقدت بها على الشيطان أن يمضى إرادته فيك وجمعها العزائم.
عزا: عزين أي جماعات في تفريقة، واحدتها عزة وأصله من عزوته فاعتزى أي نسبته فانتسب فكأنهم الجماعة المنتسب بعضهم إلى بعض إما في الولادة أو في المظاهرة، ومنه الاعتزاء في الحرب وهو أن يقول أنا ابن فلان وصاحب فلان.
وروى " من تعزى بعزاء
الجاهلية فاعضوه بهن أبيه " وقيل عزين من عزا عزاء فهو عز إذا تصبر وتعزى أي تصبر وتأسى فكأنها اسم للجماعة التى يتأسى بعضهم ببعض.
عسعس: (والليل إذا عسعس) أي أقبل وأدبر وذلك في مبدإ الليل ومنتهاه، فالعسعسة والعساس رقة الظلام وذلك في طرفي الليل، والعس والعسس نفض الليل عن أهل الريبة ورجل عاس وعساس والجميع العسس.
وقيل كلب عس خير من أسد ربض، أي طلب الصيد بالليل، والعسوس من النساء المتعاطية للريبة بالليل.
والعس القدح الضخم والجمع عساس.
عسر: العسر نقيض اليسر، قال تعالى: (فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا) والعسرة تعسر وجود المال، قال: (في ساعة العسرة) وقال: (وإن كان ذو عسرة)، وأعسر فلان، نحو أضاق، وتعاسر القوم طلبوا تعسير الامر (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) ويوم عسير يتصعب فيه الامر، قال: (وكان يوما على الكافرين عسيرا - يوم عسير على الكافرين غير يسير)
وعسرنى الرجل طالبني بشئ حين العسرة.
عسل: العسل لعاب النحل، قال (من عسل مصفى) وكنى عن الجماع بالعسيلة.
قال عليه السلام: " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " والعسلان اهتزاز الرمح واهتزاز الاعضاء في العدو وأكثر ما يستعمل في الذئب يقال مر يعسل وينسل.
عسى: عسى طمع وترجى، وكثير من المفسرين فسروا لعل وعسى في القرآن باللازم وقالوا إن الطمع والرجاء لا يصح من الله، وفى هذا منهم قصور نظر، وذاك أن الله تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الانسان منه راجيا لا لان يكون هو تعالى يرجو، فقوله: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم) أي كونوا راجين في ذلك (عسى الله أن يأتي بالفتح - عسى ربه إن طلقكن - وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم - هل عسيتم إن توليتم - هل عسيتم إن كتب عليكم القتال - فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهرا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) والمعسيان من الابل ما انقطع لبنه فيرجى أن يعود لبنها، فيقال
وعسى الشئ يعسو إذا صلب، وعسى الليل يعسو أي أظلم.
عشر: العشرة والعشر والعشرون والعشير والعشر معروفة، قال تعالى: (تلك عشرة كاملة - عشرون صابرون - تسعة عشر) وعشرتهم أعشرهم، صرت عاشرهم، وعشرهم أخذ عشر مالهم، وعشرتهم صيرت مالهم عشرة وذلك أن تجعل التسع عشرة، ومعشار الشئ عشره، قال تعالى: (وما بلغوا معشار ما آتيناهم) وناقة عشراء مرت من حملها عشرة أشهر وجمعها عشار، قال تعالى: (وإذا العشار عطلت) وجاءوا عشارى عشرة عشرة والعشارى ما طوله عشرة أذرع، والعشر في الاظماء وإبل عواشر وقدح أعشار منكسر وأصله أن يكون على عشرة أقطاع وعنه استعير قول الشاعر.
* بسهميك في أعشار قلب مقتل * والعشور في المصاحف علامة العشر الايات، والتعشير نهاق الحمير لكونه عشرة أصوات، والعشيرة أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل وذلك أن العشرة هو العدد الكامل، قال تعالى: (وأزواجكم وعشيرتكم) فصار العشيرة اسما
لكل جماعة من أقارب الرجل الذين يتكثر بهم وعاشرته صرت له كعشرة في المصاهرة: (وعاشروهن بالمعروف) والعشير المعاشر قريبا كان أو معارف.
عشا: العشى من زوال الشمس إلى الصباح قال: (إلا عشية أو ضحاها) والعشاء من صلاة المغرب إلى العتمة، والعشاآن المغرب والعتمة.
والعشا ظلمة تعترض في العين، يقال رجل أعشى وامرأة عشواء.
وقيل يخبط خبط عشواء.
وعشوت النار قصدتها ليلا وسمى النار التى
تبدو بالليل عشوة وعشوة كالشعلة، عشى عن كذا نحو عمى عنه.
قال: (ومن يعش عن ذكر الرحمن) والعواشى الابل التى ترعى ليلا الواحدة عاشية ومنه قيل العاشية تهيج الآبية، والعشاء طعام العشاء وبالكسر صلاة العشاء، وقد عشيت وعشيته وقيل عش ولا تغتر.
عصب: العصب أطناب المفاصل، ولحم عصب كثير العصب والمعصوب المشدود بالعصب المنزوع من الحيوان ثم يقال لكل شد عصب نحو قولهم لأعصبنكم عصب السلمة، وفلان
شديد العصب ومعصوب الخلق أي مدمج الخلقة، ويوم عصيب شديد يصح أن يكون بمعنى فاعل وأن يكون بمعنى مفعول أي يوم مجموع الاطراف كقولهم يوم ككفة حابل وحلقة خاتم، والعصبة جماعة متعصبة متعاضدة، قال تعالى: (لتنوء بالعصبة - ونحن عصبة) أي مجتمعة الكلام متعاضدة، واعصوصب القوم صاروا عصبا، وعصبوا به أمرا وعصب الريق بفمه يبس حتى صار كالعصب أو كالمعصوب به.
والعصب ضرب من برود اليمن قد عصب به نقوش، والعصابة ما يعصب به الرأس والعمامة وقد اعتصب فلان نحو تعمم والمعصوب الناقة التى لا تدر حتى تعصب، والعصيب في بطن الحيوان لكونه معصوبا أي مطويا.
عصر: العصر مصدر عصرت والمعصور الشئ العصير والعصارة نفاية ما يعصر، قال (إنى أرانى أعصر خمرا) وقال: (وفيه يعصرون) أي يستنبطون منه الخير وقرئ يعصرون أي يمطرون، واعتصرت من كذا أخذت ما يجرى مجرى العصارة، قال الشاعر: وإنما العيش بربانه *
وأنت من أفنانه معتصر (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا) أي السحائب التى تعتصر بالمطر أي تصب، وقيل التى تأتى بالاعصار، والاعصار ريح تثير الغبار، قال: (فأصابها إعصار) والاعتصار أن يعض فيعتصر بالماء ومنه العصر، والعصر الملجأ، والعصر والعصر الدهر والجميع العصور، قال: (والعصر إن الانسان لفى خسر) والعصر العشى ومنه صلاة العصر وإذا قيل العصران فقيل الغداة والعشي، وقيل الليل والنهار وذلك كالقمرين للشمس والقمر.
والمعصر المرأة التى حاضت ودخلت في عصر شبابها.
عصف: العصف والعصيفة الذى يعصف من الزرع ويقال لحطام النبت المتكسر عصف، قال: (والحب ذو العصف - كعصف مأكول - وريح عاصف) وعاصفة ومعصفة تكسر الشئ فتجعله كعصف، وعصفت بهم الريح تشبيها بذلك.
عصم: العصم الامساك، والاعتصام
الاستمساك، قال: (لا عاصم اليوم من أمر الله) أي لا شئ يعصم منه، ومن قال معناه
لا معصوم فليس يعنى أن العاصم بمعنى المعصوم وإنما ذلك تنبيه منه على المعنى المقصود بذلك وذلك أن العاصم والمعصوم يتلازمان فأيهما حصل حصل معه الاخر، قال: (ما لهم من الله من عاصم) والاعتصام التمسك بالشئ، قال: (واعتصموا بحبل الله جميعا - ومن يعتصم بالله) واستعصم استمسك كأنه طلب ما يعتصم به من ركوب الفاحشة، قال (فاستعصم) أي تحرى ما يعصمه وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) والعصام ما يعصم به أي يشد وعصمة الانبياء حفظه إياهم أولا بما خصهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية ثم بالنصرة وبتثبت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق، قال تعالى: (والله يعصمك من الناس) والعصمة شبه السوار، والمعصم موضعها من اليد، وقيل للبياض بالرسغ عصمة تشبيها بالسوار وذلك كتسمية البياض بالرجل تحجيلا، وعلى هذا قيل غراب أعصم.
عصا: العصا أصله من الواو لقولهم في تثنيته عصوان، ويقال في جمعه عصى وعصوته ضربته بالعصا وعصيت بالسيف، قال
(فألق عصاك - فألقى عصاه - قال هي عصاي - فألقوا حبالهم وعصيهم) ويقال ألقى فلان عصاه إذا نزل تصورا بحال من عاد من سفره، قال الشاعر: * فألقت عصاها واستقرت بها النوى * وعصى عصيانا إذا خرج عن الطاعة، وأصله أن يتمنع بعصاه، قال: (وعصى آدم ربه - ومن يعص الله ورسوله - الان وقد عصيت قبل) ويقال فيمن فارق الجماعة فلان شق العصا.
عض: العض أزم بالاسنان قال: (عضوا عليكم الانامل - ويوم يعض الظالم) وذلك عبارة عن الندم لما جرى به عادة الناس أن يفعلوه عند ذلك، والعض للنوى والذى يعض عليه الابل، والعضاض معاضة الدواب بعضها بعضا، ورجل معض مبالغ في أمره كأنه يعض عليه ويقال ذلك في المدح تارة وفى الذم تارة بحسب ما يبالغ فيه يقال هو عض سفر وعض في الخصومة، وزمن عضوض فيه جدب، والتعضوض ضرب من التمر يصعب مضغه.
عضد: العضد ما بين المرفق إلى الكتف وعضدته أصبت عضده، وعنه استعير عضدت
الشجر بالمعضد، وجمل عاضد يأخذ عضد الناقة فيتنوخها ويقال عضدته أخذت عضده وقويته ويستعار العضد للمعين كاليد (وما كنت متخذ المضلين عضدا) ورجل أعضد دقيق العضد، وعضد يشتكى من العضد، وهو داء يناله في عضده، ومعضد موسوم في عضده ويقال لسمته
عضاد، والمعضد دملجة، وأعضاد الحوض جوانبه تشبيها بالعضد.
عضل: العضلة كل لحم صلب في عصب ورجل عضل مكتنز اللحم وعضلته شددته بالعضل المتناول من الحيوان نحو عصبته وتجوز به في كل منع شديد، قال: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) قيل خطاب للازواج وقيل للاولياء: وعضلت الدجاجة ببيضها، والمرأة بولدها إذا تعسر خروجهما تشبيها بها.
قال الشاعر: ترى الارض منا بالفضاء مريضة * معضلة منا بجمع عرمرم وداء عضال صعب البرء، والعضلة الداهية المنكرة.
عضه: (جعلوا القرآن عضين) أي
مفرقا فقالوا كهانة وقالوا أساطير الاولين إلى غيرذلك مما وصفوه به وقيل معنى عضين ما قال تعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) خلاف من قال فيه: (ويؤمنون بالكتاب كله) وعضون جمع كقولهم ثبون وظبون في جمع ثبة وظبة.
ومن هذا الاصل العضو والعضو، والتعضية تجزئة الاعضاء، وقد عضيته.
قال الكسائي: هو من العضو أو من العضه وهى شجر وأصل عضة في لغة عضهة، لقولهم عضيهة، وعضوة في لغة لقولهم عضوان وروى لا تعضية في الميراث: أي لا يفرق ما يكون تفريقه ضررا على الورثة كسيف يكسر بنصفين ونحو ذلك.
عطف: العطف يقال في الشئ إذا ثنى أحد طرفيه إلى الاخر كعطف الغصن والوسادة والحبل ومنه قيل للرداء المثنى عطاف، وعطفا الانسان جانباه من لدن رأسه إلى وركه وهو الذى يمكنه أن يلقيه من بدنه ويقال ثنى عطفه إذا أعرض وجفا نحو (نأى بجانبه) وصعر بخده ونحو ذلك من الالفاظ، ويستعار للميل والشفقة إذا عدى بعلى، يقال عطف عليه وثناه عاطفة رحم، وظبية عاطفة على ولدها، وناقة
عطوف على بوها، وإذا عدى بعن يكون على الضد نحو عطفت عن فلان.
عطل: العطل فقدان الزينة والشغل، يقال عطلت المرأة فهى عطل وعاطل، ومنه قوس عطل لا وتر عليه، وعطلته من الحلى ومن العمل فتعطل، قال (وبئر معطلة) ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغا عن صانع أتقنه وزينه: معطل، وعطل الدار عن ساكنها، والابل عن راعيها.
عطا: العطو التناول والمعاطاة المناولة، والاعطاء الانالة (حتى يعطوا الجزية) واختص العطية والعطاء بالصلة، قال (هذا عطاؤنا) يعطى من يشاء (فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها) وأعطى البعير انقاد وأصله أن يعطى رأسه
فلا يتأبى وظبى عطو وعاط رفع رأسه لتناول الاوراق.
عظم: العظم جمعه عظام، قال (عظاما - فكسونا العظام لحما) وقرئ عظما فيهما، ومنه قيل عظمة الذراع لمستغلظها، وعظم الرحل خشبة بلا أنساع، وعظم الشئ أصله كبر عظمه ثم استعير لكل كبير فأجرى مجراه محسوسا
كان أو معقولا، عينا كان أو معنى، قال (عذاب يوم عظيم - قل هو نبأ عظيم - عم يتساءلون عن النبإ العظيم - من القريتين عظيم) والعظيم إذا استعمل في الاعيان فأصله أن يقال في الاجزاء المتصلة، والكثير يقال في المنفصلة، ثم قد يقال في المنفصل عظيم نحو جيش عظيم ومال عظيم، وذلك في معنى الكثير، والعظيمة النازلة، والاعظامة والعظامة شبه وسادة تعظم بها المرأة عجيزتها.
عف: العفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، والمتعفف المتعاطى لذلك بضرب من الممارسة والقهر، وأصله الاقتصار على تناول الشئ القليل الجارى مجرى العفافة، والعفة أي البقية من الشئ، أو مجرى العفعف وهو ثمر الاراك، والاستعفاف طلب العفة، قال (ومن كان غنيا فليستعفف) وقال (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا).
عفر: (قال عفريت من الجن) العفريت من الجن هو العارم الخبيث، ويستعار ذلك للانسان استعارة الشيطان له، يقال عفريت نفريت، قال ابن قتيبة: العفريت الموثق الخلق، وأصله من العفر أي التراب، وعافره صارعه فألقاه
في العفر، ورجل عفر نحو شر وشمر، وليث عفرين: دابة تشبه الحرباء تتعرض للراكب، وقيل عفرية الديك والحبارى للشعر الذى على رأسهما.
عفا: العفو القصد لتناول الشئ، يقال عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده، وعفت الريح الدار قصدتها متناولة آثارها، وبهذا النظر قال الشاعر: * أخذ البلى آياتها * وعفت الدار كأنها قصدت هي البلى، وعفا النبت والشجر قصد تناول الزيادة كقولك أخذ النبت في الزيادة، وعفوت عنه قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه، فالمفعول في الحقيقة متروك، وعن متعلق بمضمر، فالعفو هو التجافي عن الذنب، قال (فمن عفا وأصلح) وأن تعفوا أقرب للتقوى - ثم عفونا عنكم - إن نعف عن طائفة منكم - واعف عنهم) وقوله (خذ العفو) أي ما يسهل قصده وتناوله، وقيل معناه تعاطى العفو عن الناس، وقوله (ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو) أي ما يسهل إنفاقه.
وقولهم: أعطى عفوا، فعفوا مصدر في موضع الحال أي أعطى وحاله حال العافى أي القاصد
للتناول إشارة إلى المعنى الذى عد بديعا، وهو قول الشاعر: * كأنك تعطيه الذى أنت سائله * وقولهم في الدعاء أسألك العفو والعافية أي ترك العقوبة والسلامة، وقال في وصفه تعالى (إن الله كان عفوا غفورا) وقوله " وما أكلت العافية فصدقة " أي طلاب الرزق من طير ووحش وإنسان، وأعفيت كذا أي تركته يعفو ويكثر، ومنه قيل " أعفوا اللحى " والعفاء ما كثر من الوبر والريش، والعافي ما يرد مستعير القدر من المرق في قدره.
عقب: العقب مؤخر الرجل، وقيل عقب وجمعه أعقاب، وروى: " ويل للاعقاب من النار " واستعير العقب للولد وولد الولد، قال تعالى (وجعلها كلمة باقية في عقبه) وعقب الشهر من قولهم جاء في عقب الشهر أي آخره، وجاء في عقبه إذا بقيت منه بقية، ورجع على عقبه إذا انثنى راجعا، وانقلب على عقبيه نحو رجع على حافرته، ونحو: (ارتدا على آثارهما قصصا) وقولهم رجع عوده على بدئه، قال: (ونرد على أعقابنا - انقلبتم على أعقابكم
ومن ينقلب على عقبيه - ونكص على عقبيه - فكنتم على أعقابكم تنكصون) وعقبه إذا تلاه عقبا نحو دبره وقفاه، والعقب والعقبى يختصان بالثواب نحو (خير ثوابا وخير عقبا) وقال تعالى: (أولئك لهم عقبى الدار) والعاقبة إطلاقها يختص بالثواب نحو: (والعاقبة للمتقين) وبالاضافة قد تستعمل في العقوبة نحو: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا) وقوله تعالى: (فكان عاقبتهما أنهما في النار) يصح أن يكون ذلك استعارة من ضده كقوله: (فبشر هم بعذاب أليم) والعقوبة والمعاقبة والعقاب يختص بالعذاب، قال (فحق عقاب - شديد العقاب - وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به - ومن عاقب بمثل ما عوقب به) والتعقيب أن يأتي بشئ بعد آخر، يقال عقب الفرس في عدوه قال: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) أي ملائكة يتعاقبون عليه حافظين له.
وقوله (لا معقب لحكمه) أي لا أحد يتعقبه ويبحث عن فعله من قولهم عقب الحاكم على حكم من قبله إذا تتبعه.
قال الشاعر: * وما بعد حكم الله تعقيب * ويجوز أن يكون ذلك نهيا للناس أن
يخوضوا في البحث عن حكمه وحكمته إذا خفيت عليهم ويكون ذلك من نحو النهى عن الخوض في سر القدر.
وقوله تعالى: (ولى مدبرا ولم يعقب) أي لم يلتفت وراءه.
والاعتقاب أن يتعاقب شئ بعد آخر كاعتقاب الليل والنهار، ومنه العقبة أن يتعاقب اثنان على ركوب ظهر، وعقبة الطائر صعوده وانحداره، وأعقبه كذا إذا أورثه ذلك، قال (فأعقبهم نفاقا) قال الشاعر:
* له طائف من جنة غير معقب * أي لا يعقب الافاقة، وفلان لم يعقب أي لم يترك ولدا، وأعقاب الرجل أولاده.
قال أهل اللغة لا يدخل فيه أولاد البنت لانهم لم يعقبوه بالنسب، قال: وإذا كان له ذرية فإنهم يدخلون فيها، وامرأة معقاب تلد مرة ذكرا ومرة أنثى، وعقبت الرمح شددته بالعقب نحو عصبته شددته بالعصب، والعقبة طريق وعر في الجبل، والجمع عقب وعقاب، والعقاب سمى لتعاقب جريه في الصيد، وبه شبه في الهيئة الراية، والحجر الذى على حافتى البئر، والخيط الذى في القرط، واليعقوب ذكر الحجل لما له
من عقب الجرى.
عقد: العقد الجمع بين أطراف الشئ ويستعمل ذلك في الاجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء ثم يستعار ذلك للمعانى نحو عقد البيع والعهد وغيرهما فيقال عاقدته وعقدته وتعاقدنا وعقدت يمينه، قال (عاقدت أيمانكم) وقرئ (عقدت أيمانكم) وقال: (بما عقدتم الايمان) وقرئ: (بما عقدتم الايمان) ومنه قيل لفلان عقيدة، وقيل للقلادة عقد.
والعقد مصدر استعمل اسما فجمع نحو (أوفوا بالعقود) والعقدة اسم لما يعقد من نكاح أو يمين أو غيرهما، قال: (ولا تعزموا عقدة النكاح) وعقد لسانه احتبس وبلسانه عقدة أي في كلامه حبسة، قال (واحلل عقدة من لساني - النفاثات في العقد) جمع عقدة وهى ما تعقده الساحرة وأصله من العزيمة ولذلك يقال لها عزيمة كما يقال لها عقدة، ومنه قيل للساحر معقد، وله عقدة ملك، وقيل ناقة عاقدة وعاقد عقدت بذنبها للقاحها، وتيس وكلب أعقد ملتوي الذنب، وتعاقدت الكلاب تعاظلت.
عقر: عقر الحوض والدار وغيرهما أصلها ويقال له عقر، وقيل: ما غزى قوم في عقر دارهم
قط إلا ذلوا، وقيل للقصر عقرة وعقرته أصبت عقره أي أصله نحو رأسته ومنه عقرت النخل قطعته من أصله وعقرت البعير نحرته وعقرت ظهر البعير فانعقر، قال: (فعقروها فقال تمتعوا في داركم) وقال تعالى: (فتعاطى فعقر) ومنه استعير سرج معقر وكلب عقور ورجل عاقر وامرأة عاقر لا تلد كأنها تعقر ماء الفحل، قال: (وكانت امرأتي عاقرا - وامرأتى عاقر) وقد عقرت والعقر آخر الولد وبيضة العقر كذلك، والعقار الخمر لكونه كالعاقر للعقل والمعاقرة إدمان شربه، وقولهم للقطعة من الغنم عقر فتشبيه بالقصر، فقولهم رفع فلان عقيرته أي صوته فذلك لما روى أن رجلا عقر رجله فرفع صوته فصار ذلك مستعارا للصوت، والعقاقير، أخلاط الادوية، والواحد عقار.
عقل: العقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذى يستفيده الانسان بتلك
القوة عقل ولهذا قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: العقل عقلان *
مطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع * إذا لم يك مطبوع كما لا ينفع ضوء الشمس * وضوء العين ممنوع وإلى الاول أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: " ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل " وإلى الثاني أشار بقوله: " ما كسب أحد شيئا أفضل من عقل يهديه إلى هدى أو يرده عن ردى " وهذا العقل هو المعنى بقوله (وما يعقلها إلا العالمون) وكل موضع ذم الله فيه الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الاول نحو: (ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق) إلى قوله: (صم بكم عمى فهم لا يعقلون) ونحو ذلك من الايات، وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الاول.
وأصل العقل الامساك والاستمساك كعقل البعير بالعقال وعقل الدواء البطن وعقلت المرأة شعرها وعقل لسانه كفه ومنه قيل للحصن معقل وجمعه معاقل.
وباعتبار عقل البعير قيل عقلت المقتول أعطيت ديته، وقيل أصله أن تعقل الابل بفناء ولى الدم وقيل بل
بعقل الدم أن يسفك ثم سميت الدية بأي شئ كان عقلا وسمى الملتزمون له عاقلة، وعقلت عنه نبت عنه في إعطاء الدية ودية معقلة على قومه إذا صاروا بدونه واعتقله بالشغزبية إذا صرعه، واعتقل رمحه بين ركابه وساقه، وقيل العقال صدقة عام لقول أبى بكر رضى الله عنه " لو منعوني عقالا لقاتلتهم " ولقولهم أخذ النقد ولم يأخذ العقال، وذلك كناية عن الابل بما يشد به أو بالمصدر فإنه يقال عقلته عقلا وعقالا كما يقال كتبت كتابا، ويسمى المكتوب كتابا كذلك يسمى المعقول عقالا، والعقيلة من النساء والدر وغيرهما التى تعقل أي تحرس وتمنع كقولهم علق مضنة لما يتعلق به، والمعقل جبل أو حصن يعتقل به، والعقال داء يعرض في قوائم الخيل، والعقل اصطكاك فيها.
عقم: أصل العقم اليبس المانع من قبول الاثر يقال عقمت مفاصله وداء عقام لا يقبل البرء والعقيم من النساء التى لا تقبل ماء الفحل يقال عقمت المرأة والرحم، قال: (فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) وريح عقيم يصح أن يكون بمعنى الفاعل وهى التى لا تلقح سحابا
ولا شجرا، ويصح أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز العقيم وهى التى لا تقبل أثر الخير، وإذا لم تقبل ولم تتأثر لم تعط ولم تؤثر، قال تعالى: (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) ويوم عقيم لا فرح فيه.
عكف: العكوف الاقبال على الشئ
وملازمته على سبيل التعظيم له والاعتكاف في الشرع هو الاحتباس في المسجد على سبيل القربة ويقال عكفته على كذا أي حبسته عليه لذلك قال: (سواء العاكف فيه والباد - والعاكفين - فنظل لها عاكفين - يعكفون على أصنام لهم - ظلت عليه عاكفا - وأنتم عاكفون في المساجد - والهدى معكوفا) أي محبوسا ممنوعا.
علق: العلق التشبث بالشئ، يقال علق الصيد في الحبالة وأعلق الصائد إذا علق الصيد في حبالته، والمعلق والمعلاق ما يعلق به وعلاقة السوط كذلك، وعلق القربة كذلك، وعلق البكرة آلاتها التى تتعلق بها ومنه العلقة لما يتمسك به وعلق دم فلان بزيد إذا كان زيد قاتله، والعلق دود يتعلق بالحلق، والعلق الدم الجامد ومنه العلقة التى يكون منها الولد،
قال: (خلق الانسان من علق) وقال: (ولقد خلقنا الانسان) إلى قوله (فخلقنا العلقة مضغة) والعلق الشئ النفيس الذى يتعلق به صاحبه فلا يفرج عنه والعليق ما علق على الدابة من القضيم والعليقة مركوب يبعثها الانسان مع غيره فيغلق أمره، قال الشاعر: أرسلها عليقة وقد علم * أن العليقات يلاقين الرقم والعلوق الناقة التى ترأم ولدها فتعلق به، وقيل للمنية علوق، والعلقى شجر يتعلق به، وعلقت المرأة حبلت، ورجل معلاق يتعلق بخصمه.
علم: العلم إدراك الشئ بحقيقته، وذلك ضربان: أحدهما إدارك ذات الشئ.
والثانى الحكم على الشئ بوجود شئ هو موجود له أو نفى شئ هو منفى عنه.
فالاول هو المتعدى إلى مفعول واحد نحو (لا تعلمونهم الله يعلمهم) والثانى المتعدى إلى مفعولين نحو قوله: (فإن علمتموهن مؤمنات) وقوله: (يوم يجمع الله الرسل) إلى قوله: (لا علم لنا) فإشارة إلى أن عقولهم طاشت.
والعلم من وجه ضربان: نظرى وعملى، فالنظري ما إذا علم فقد كمل نحو العلم بموجودات العالم، والعملي ما لا يتم إلا
بأن يعمل كالعلم بالعبادات.
ومن وجه آخر ضربان: عقلي وسمعي، وأعلمته وعلمته في الاصل واحد إلا أن الاعلام اختص بما كان بإخبار سريع، والتعليم اختص بما يكون بتكرير وتكثير حتى يحصل منه أثر في نفس المتعلم.
قال بعضهم: التعليم تنبيه النفس لتصور المعاني، والتعلم تنبه النفس لتصور ذلك وربما استعمل في معنى الاعلام إذا كان فيه تكرير نحو (أتعلمون الله بدينكم) فمن التعليم قوله: (الرحمن علم القرآن - علم بالقلم - وعلمتم ما لم تعلموا - علمنا منطق الطير - ويعلمهم الكتاب والحكمة) ونحو ذلك.
وقوله (وعلم آدم الاسماء كلها) فتعليمه
الاسماء هو أن جعل له قوة بها نطق ووضع أسماء الاشياء وذلك بإلقائه في روعه، وكتعليمه الحيوانات كل واحد منها فعلا يتعاطاه وصوتا يتحراه، قال: (وعلمناه من لدنا علما) قال له موسى (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) قيل عنى به العلم الخاص الخفى على البشر الذى يرونه ما لم يعرفهم الله منكرا بدلالة ما رأه موسى منه لما تبعه فأنكره حتى
عرفه سببه، قيل وعلى هذا العلم في قوله: (قال الذى عنده علم من الكتاب) وقوله تعالى: (والذين أوتوا العلم درجات) فتنبيه منه تعالى على تفاوت منازل العلوم وتفاوت أربابها.
وأما قوله: (وفوق كل ذى علم عليم) فعليم يصح أن يكون إشارة إلى الانسان الذى فوق آخر ويكون تخصيص لفظ العليم الذى هو للمبالغة تنبيها أنه بالاضافة إلى الاول عليم وإن لم يكن بالاضافة إلى من فوقه كذلك، ويجوز أن يكون قوله عليم عبارة عن الله تعالى وإن جاء لفظه منكرا إذ كان الموصوف في الحقيقة بالعليم هو تبارك وتعالى، فيكون قوله: (وفوق كل ذى علم عليم) إشارة إلى الجماعة بأسرهم لا إلى كل واحد بانفراده، وعلى الاول يكون إشارة إلى كل واحد بانفراده.
وقوله (علام الغيوب) فيه إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية.
وقوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) فيه إشارة أن لله تعالى علما يخص به أولياءه، والعالم في وصف الله هو الذى لا يخفي عليه شئ كما قال: (لا تخفى منكم خافية) وذلك لا يصح إلا في وصفه تعالى.
والعلم الاثر الذى يعلم به الشئ كعلم
الطريق وعلم الجيش، وسمى الجبل علما لذلك وجمعه أعلام، وقرئ (وإنه لعلم للساعة) وقال (ومن آياته الجوار في البحر كالاعلام) وفى أخرى (وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام) والشق في الشفة العليا علم وعلم الثوب، ويقال فلان علم أي مشهور يشبه بعلم الجيش.
وأعلمت كذا جعلت له علما، ومعالم الطريق والدين الواحد معلم، وفلان معلم للخير، والعلام الحناء وهو منه، والعالم اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والاعراض، وهو في الاصل اسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم به وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالالة والعالم آلة في الدلالة على صانعه، ولهذا أحالنا تعالى عليه في معرفة وحدانيته فقال: (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والارض) وأما جمعه فلان من كل نوع من هذه قد يسمى عالما، فيقال عالم الانسان وعالم الماء وعالم النار، وأيضا قد روى: " إن لله بضعة عشر ألف عالم " وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم، والانسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه، وقيل إنما جمع هذا الجمع لانه عنى به أصناف
الخلائق من الملائكة والجن والانس دون غيرها.
وقد روى هذا عن ابن عباس.
وقال جعفر بن محمد: عنى به الناس وجعل كل واحد منهم عالما، وقال: العالم عالمان الكبير وهو الفلك بما فيه، والصغير وهو الانسان لانه مخلوق على هيئة العالم وقد أوجد الله تعالى فيه كل ما هو موجود في العالم الكبير، قال تعالى: (الحمد لله رب العالمين) وقوله تعالى: (وأنى فضلتكم على العالمين) قيل أراد عالمى زمانهم وقيل أراد فضلاء زمانهم الذين يجرى كل واحد منهم مجرى كل عالم لما أعطاهم ومكنهم منه وتسميتهم بذلك كتسمية إبراهيم عليه السلام بأمة في قوله (إن إبراهيم كان أمة) وقوله (أولم ننهك عن العالمين).
علن: العلانية ضد السر وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الاعيان، يقال علن كذا وأعلنته أنا، قال (أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) أي سرا وعلانية.
وقال: (وما تكن صدورهم وما يعلنون) وعلوان الكتاب يصح أن يكون من علن اعتبارا بظهور المعنى الذى فيه لا بظهور ذاته.
علا: العلو ضد السفل، والعلوي والسفلى المنسوب إليهما، والعلو الارتفاع وقد علا يعلو علوا وهو عال، وعلى يعلى علا فهو على، فعلا بالفتح في الامكنة والاجسام أكثر.
قال: (عاليهم ثياب سندس) وقيل إن علا يقال في المحمود والمذموم، وعلى لا يقال إلا في المحمود، قال: (إن فرعون علا في الارض - لعال في الارض وإنه لمن المسرفين) وقال تعالى: (فاستكبروا وكانوا قوما عالين) وقال لابليس (أستكبرت أم كنت من العالين - لا يريدون علوا في الارض - ولعلا بعضهم على بعض - ولتعلن علوا كبيرا - واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) والعلى هو الرفيع القدر من على، وإذا وصف الله تعالى به في قوله: (إنه هو العلى الكبير - إن الله كان عليا كبيرا) فمعناه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين.
وعلى ذلك يقال تعالى نحو (تعالى الله عما يشركون) وتخصيص لفظ التفاعل لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلف كما يكون من البشر، وقال عزوجل: (تعالى عما يقولون علوا كبيرا) فقوله علوا ليس بمصدر تعالى.
كما أن قوله نباتا في قوله (أنبتكم من الارض
نباتا) وتبتيلا في قوله (وتبتل إليه تبتيلا) كذلك.
والاعلى الاشرف، قال: (أنا ربكم الاعلى) والاستعلاء قد يكون طلب العلو المذموم، وقد يكون طلب العلاء أي الرفعة، وقوله (وقد أفلح اليوم من استعلى) يحتمل الامرين جميعا.
وأما قوله: (سبح اسم ربك الاعلى) فمعناه أعلى من أن يقاس به أو يعتبر بغيره وقوله (والسموات العلى) فجمع تأنيث الاعلى والمعنى هي الاشرف والافضل بالاضافة إلى
هذا العالم، كما قال (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها) وقوله (لفى عليين) فقد قيل هو اسم أشرف الجنان كما أن سجينا اسم شر النيران، وقيل بل ذلك في الحقيقة اسم سكانها وهذا أقرب في العربية، إذ كان هذا الجمع يختص بالناطقين، قال: والواحد على نحو بطيخ.
ومعناه إن الابرار في جملة هؤلاء فيكون ذلك كقوله (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين) الاية وباعتبار العلو قيل للمكان المشرف وللشرف العلياء والعلية تصغير عالية فصار في التعارف اسما للغرفة، وتعالى النهار ارتفع، وعالية الرمح ما دون السنان جمعها
عوال، وعالية المدينة، ومنه قيل بعث إلى أهل العوالي، ونسب إلى العالية فقيل علوى.
والعلاة السندان حديدا كان أو حجرا.
ويقال العلية للغرفة وجمعها علالى وهى فعاليل، والعليان البعير الضخم، وعلاوة الشئ أعلاه.
ولذلك قيل للرأس والعنق علاوة ولما يحمل فوق الاحمال علاوة.
وقيل علاوة الريح وسفالته، والمعلى أشرف القداح وهو السابع، واعل عنى أي ارتفع، وتعال قيل أصله أن يدعى الانسان إلى مكان مرتفع ثم جعل للدعاء إلى كل مكان، قال بعضهم أصله من العلو وهو ارتفاع المنزلة فكأنه دعا إلى ما فيه رفعة كقولك افعل كذا غير صاغر تشريفا للمقول له.
وعلى ذلك قال: (قل تعالوا ندع أبناءنا - تعالوا إلى كلمة - تعالوا إلى ما أنزل الله - ألا تعلوا على - تعالوا أتل) وتعلى ذهب صعدا.
يقال عليته فتعلى وعلى حرف جر، وقد يوضع موضع الاسم في قولهم غدت من عليه.
عم: العم أخو الاب والعمة أخته، قال: (أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم) ورجل معم مخول واستعم عما وتعممه أي
اتخذه عما وأصل ذلك من العموم وهو الشمول وذلك باعتبار الكثرة.
ويقال عمهم كذا وعمهم بكذا عما وعموما والعامة سموا بذلك لكثرتهم وعمومهم في البلد، وباعتبار الشمول سمى المشور العمامة فقيل تعمم نحو تقنع وتقمص وعممته، وكنى بذلك عن السيادة.
وشاة معممة مبيضة الرأس كأن عليها عمامة نحو مقنعة ومخمرة، قال الشاعر: يا عامر بن مالك يا عما * أفنيت عما وجبرت عما أي يا عماه سلبت قوما وأعطيت قوما.
وقوله: (عم يتساءلون) أي عن ما وليس من هذا الباب.
عمد: العمد قصد الشئ والاستناد إليه، والعماد ما يعتمد قال: (إرم ذات العماد) أي الذى كانوا يعتمدونه، يقال عمدت الشئ إذا أسندته، وعمدت الحائط مثله.
والعمود خشب تعتمد عليه الخيمة وجمعه عمد وعمد، قال: (في
عمد ممددة) وقرئ (في عمد) وقال: (بغير عمد ترونها) وكذلك ما يأخذه الانسان بيده معتمدا عليه من حديد أو خشب.
وعمود الصبح ابتداء
ضوئه تشبيها بالعمود في الهيئة، والعمد والتعمد في التعارف خلاف السهو وهو المقصود بالنية، قال: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا - ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقيل فلان رفيع العماد أي هو رفيع عند الاعتماد عليه، والعمدة كل ما يعتمد عليه من مال وغيره وجمعها عمد.
وقرئ (في عمد) والعميد السيد الذى يعمده الناس، والقلب الذى يعمده الحزن، والسقيم الذى يعمده السقم، وقد عمد توجع من حزن أو غضب أو سقم، وعمد البعير توجع من عقر ظهره.
عمر: العمارة نقيض الخراب، يقال عمر أرضه يعمرها عمارة، قال: (وعمارة المسجد الحرام) يقال عمرته فعمر فهو معمور قال: (وعمروها أكثر مما عمروها - والبيت المعمور) وأعمرته الارض واستعمرته إذا فوضت إليه العمارة، قال (واستعمركم فيها) والعمر والعمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون البقاء فإذا قيل طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه وإذا قيل بقاؤه فليس يقتضى ذلك فإن البقاء ضد الفناء، ولفضل البقاء على العمر وصف الله به وقلما وصف بالعمر.
والتعمير إعطاء العمر
بالفعل أو بالقول على سبيل الدعاء قال: (أولم نعمركم ما يتذكر فيه - وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره - وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر) وقوله تعالى: (ومن نعمره ننكسه في الخلق) قال تعالى: (فطال عليهم العمر - ولبثت فينا من عمرك سنين) والعمر والعمر واحد لكن خص القسم بالعمر دون العمر نحو: (لعمرك أنهم لفى سكرتهم) وعمرك الله أي سألت الله عمرك وخص ههنا لفظ عمر لما قصد به قصد القسم، والاعتمار والعمرة الزيارة التى فيها عمارة الود، وجعل في الشريعة للقصد المخصوص.
وقوله (إنما يعمر مساجد الله) إما من العمارة التى هي حفظ البناء أو من العمرة التى هي الزيارة.
أو من قولهم: عمرت بمكان كذا أي أقمت به لانه يقال: عمرت المكان وعمرت بالمكان والعمارة أخص من القبيلة وهى اسم لجماعة بهم عمارة المكان، قال الشاعر: * لكل أناس من معد عمارة * والعمار ما يضعه الرئيس على رأسه عمارة لرئاسته وحفظا له ريحانا كان أو عمامة.
وإذا سمى الريحان من دون ذلك عمارا فاستعارة منه
واعتبار به.
والمعمر المسكن مادام عامرا بسكانه.
والعرمرمة صحب يدل على عمارة الموضع بأربابه.
والعمرى في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمره كالرقبى، وفى تخصيص لفظه تنبيه أن ذلك شئ معار.
والعمر اللحم الذى يعمر به ما بين الاسنان، وجمعه عمور.
ويقال للصبع أم عامر وللافلاس أبو عمرة.
عمق: (من كل فج عميق) أي بعيد وأصل العمق البعد سفلا، يقال بئر عميق ومعيق إذا كانت بعيدة القعر.
عمل: العمل كل فعل يكون من الحيوان بقصد فهو أخص من الفعل لان الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التى يقع منها فعل بغير قصد، وقد ينسب إلى الجمادات، والعمل قلما ينسب إلى ذلك، ولم يستعمل العمل في الحيوانات إلا في قولهم البقر العوامل، والعمل يستعمل في الاعمال الصالحة والسيئة.
قال (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات - ومن يعمل من الصالحات - من يعمل سوأ يجز به - ونجنى من فرعون وعمله) وأشباه ذلك (إنه عمل غير صالح - والذين
يعملون السيئات لهم عذاب شديد) وقوله تعالى (والعاملين عليها) هم المتولون على الصدقة والعمالة أجرته، وعامل الرمح ما يلى السنان، واليعملة مشتقة من العمل.
عمه: العمه التردد في الامر من التحير، يقال عمه فهو عمه وعامه، وجمعه عمه، قال: (في طغيانهم يعمهون - فهم يعمهون) وقال تعالى: (زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون).
عمى: العمى يقال في افتقاد البصر والبصيرة ويقال في الاول أعمى وفى الثاني أعمى وعم، وعلى الاول قوله: (أن جاءه الاعمى) وعلى الثاني مارود من ذم العمى في القرآن نحو قوله: (صم بكم عمى) وقوله: (فعموا وصموا) بل لم يعد افتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة عمى حتى قال (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى في الصدور) وعلى هذا قوله (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى) وقال (ليس على الاعمى حرج) وجمع أعمى عمى وعميان، قال: (بكم عمى - صما وعميانا) وقوله (ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا) فالاول اسم
الفاعل والثانى قيل هو مثله وقيل هو أفعل من كذا الذى للتفضيل لان ذلك من فقدان البصيرة، ويصح أن يقال فيه ما أفعله وهو أفعل من كذا ومنهم من حمل قوله تعالى: (ومن كان في هذه أعمى) على عمى البصيرة.
والثانى على عمى البصر وإلى هذا ذهب أبو عمرو، فأمال الاولى لما كان من عمى القلب وترك الامالة في الثاني لما كان اسما والاسم أبعد من الامالة.
قال تعالى: (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر - وهو عليهم عمى - إنهم كانوا قوما عمين) وقوله: (ونحشره يوم القيامة أعمى - ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) فيحتمل لعمى البصر والبصيرة جميعا.
وعمى عليه أي اشتبه حتى صار بالاضافة إليه كالاعمى
قال (فعميت عليهم الانباء يومئذ - وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم) والعماء السحاب والعماء الجهالة، وعلى الثاني حمل بعضهم ما روى أنه قيل: أين كان ربنا قبل أن خلق السماء والارض ؟ قال: في عماء تحته عماء وفوقه عماء، قال: إن ذلك إشارة إلى أن تلك حالة تجهل ولا يمكن الوقوف عليها،
والعمية الجهل، والمعامي الاغفال من الارض التى لا أثر بها.
عن: عن: يقتضى مجاوزة ما أضيف إليه، تقول حدثتك عن فلان وأطعمته عن جوع، قال أبو محمد البصري: عن يستعمل أعم من على لانه يستعمل في الجهات الست ولذلك وقع موقع على في قول الشاعر: * إذا رضيت على بنو قشير * قال: ولو قلت أطعمته على جوع وكسوته على عرى لصح.
عنب: العنب يقال لثمرة الكرم، وللكرم نفسه، الواحدة عنبة وجمعه أعناب، قال: (ومن ثمرات النخيل والاعناب) وقال تعالى: (جنة من نخيل وعنب - وجنات من أعناب - حدائق وأعنابا - وعنبا وقضبا وزيتونا - جنتين من أعناب) والعنبة بثرة على هيئته.
عنت: المعانتة كالمعاندة لكن المعانتة أبلغ لانها معاندة فيها خوف وهلاك ولهذا يقال عنت فلان إذا وقع في أمر يخاف منه التلف يعنت عنتا، قال (لمن خشى العنت منكم - ودوا ما عنتم - عزيز عليه ما عنتم -
وعنت الوجوه للحى القيوم) أي ذلت وخضعت ويقال أعنته غيره (ولو شاء الله لاعنتكم) ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فهاضه قد أعنته.
عند: عند: لفظ موضوع للقرب فتارة يستعمل في المكان وتارة في الاعتقاد نحو أن يقال عندي كذا، وتارة في الزلفى والمنزلة، وعلى ذلك قوله (بل أحياء عند ربهم - إن الذين عند ربك لا يستكبرون - فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار - وقال - رب ابن لى عندك بيتا في الجنة) وعلى هذا النحو قيل: الملائكة المقربون عند الله، قال (وما عند الله خير وأبقى) وقوله (وعنده علم الساعة - ومن عنده علم الكتاب) أي في حكمه وقوله (فأولئك عند الله هم الكاذبون - وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) وقوله تعالى (إن كان هذا هوالحق من عندك) فمعناه في حكمه، والعنيد المعجب بما عنده، والمعاند المباهى بما عنده.
قال (كل كفار عنيد - إنه كان لاياتنا عنيدا)، والعنود قيل مثله، قال: لكن بينهما فرق لان العنيد الذى يعاند ويخالف والعنود الذى يعند عن القصد، قال: ويقال بعير عنود
ولا يقال عنيد.
وأما العند فجمع عاند، وجمع
العنود عندة وجمع العنيد عند.
وقال بعضهم: العنود هو العدول عن الطريق لكن العنود خص بالعادل عن الطريق المحسوس، والعنيد بالعادل عن الطريق في الحكم، وعند عن الطريق عدل عنه، وقيل عاند لازم وعاند فارق وكلاهما من عند لكن باعتبارين مختلفين كقولهم البين في الوصل والهجر باعتبارين مختلفين.
عنق: العنق الجارحة وجمعه أعناق، قال (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه - مسحا بالسوق والاعناق - إذ الاغلال في أعناقهم) وقوله تعالى (فاضربوا فوق الاعناق) أي رؤوسهم ومنه رحل أعنق طويل العنق، وامرأة عنقاء وكلب أعنق في عنقه بياض، وأعنقته كذا جعلته في عنقه ومنه استعير اعتنق الامر، وقيل لاشراف القوم أعناق.
وعلى هذا قوله (فظلت أعناقهم لها خاضعين) وتعنق الارنب رفع عنقه، والعناق الانثى من المعز، وعنقاء مغرب قيل هو طائر متوهم لا وجود له في العالم.
عنا: (وعنت الوجوه للحى القيوم)
أي خضعت مستأسرة بعناء، يقال عنيته بكذا أي أنصبته، وعنى نصب واستأسر ومنه العانى للاسير، وقال عليه الصلاة والسلام: " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان " وعنى بحاجته فهو معنى بها وقيل عنى فهو عان، وقرئ (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يعنيه) والعنية شئ يطلى به البعير الاجرب وفى الامثال: عنية تشفى الجرب.
والمعنى إظهار ما تضمنه اللفظ من قولهم عنت الارض بالنبات أنبتته حسنا، وعنت القربة أظهرت ماءها ومنه عنوان الكتاب في قول من يجعله من عنى.
والمعنى يقارن التفسير وإن كان بينهما فرق.
عهد: العهد حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال وسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا، قال (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) أي أوفوا بحفظ الايمان، قال (لا ينال عهدي الظالمين) أي لا أجعل عهدي لمن كان ظالما، قال (ومن أوفى بعهده من الله) وعهد فلان إلى فلان يعهد أي ألقى إليه العهد وأوصاه بحفظه، قال (ولقد عهدنا إلى آدم - ألم أعهد إليكم - الذين قالوا إن الله عهد إلينا - وعهدنا إلى إبراهيم) وعهد الله تارة يكون بما ركزه
في عقولنا، وتارة يكون بما أمرنا به بالكتاب وبالسنة رسله، وتارة بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع كالنذور وما يجرى مجراها وعلى هذا قوله (ومنهم من عاهد الله - أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم - ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) والمعاهد في عرف الشرع يختص بمن يدخل من الكفار في عهد المسلمين وكذلك ذو العهد، قال صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " وباعتبار الحفظ قيل للوثيقة بين المتعاقدين عهدة، وقولهم في هذا الامر عهدة
لما أمر به أن يستوثق منه، وللتفقد قيل للمطر عهد، وعهاد، وروضة معهو دة: أصابها العهاد.
عهن: العهن الصوف المصبوغ، قال: (كالعهن المنفوش) وتخصيص العهن لما فيه من اللون كما ذكر في قوله (فكانت وردة كالدهان)، ورمى بالكلام على عواهنه أي أورده من غير فكر وروية وذلك كقولهم أورد كلامه غير مفسر.
عاب: العيب والعاب الامر الذى يصير به
الشئ عيبة أي مقرا للنقص وعبته جعلته معيبا إما بالفعل كما قال: (فأردت أن أعيبها)، وإما بالقول، وذلك إذا ذممته نحو قولك عبت فلانا، والعيبة ما يستر فيه الشئ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " الانصار كرشى وعيبتى " أي موضع سرى.
عوج: العوج العطف عن حال الانتصاب، يقال عجت البعير بزمامه وفلان ما يعوج عن شئ يهم به أي ما يرجع، والعوج يقال فيما يدرك بالبصر سهلا كالخشب المنتصب ونحوه.
والعوج يقال فيما يدرك بالفكر والبصيرة كما يكون في أرض بسيط يعرف تفاوته بالبصيرة وكالدين والمعاش، قال تعالى: (قرآنا عربيا غير ذى عوج - ولم يجعل له عوجا - والذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا) والاعوج يكنى به عن سيئ الخلق، والاعوجية منسوبة إلى أعواج، وهو فحل معروف.
عود: العود الرجوع إلى الشئ بعد الانصراف عنه إما انصرافا بالذات أو بالقول والعزيمة، قال تعالى: (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون - ولو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه - ومن عاد فينتقم الله منه - وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده - ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون - وإن عدتم عدنا - وإن تعودوا نعد - أو لتعودنا في ملتنا - إن عدنا فإنا ظالمون - إن عدنا في ملتكم - وما يكون لنا أن نعود فيها) وقوله: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) فعند أهل الظاهر هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا فحينئذ يلزمه الكفارة وقوله (ثم يعودون) كقوله: (فإن فاءوا) وعند أبى حنيفة العود في الظهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها.
وعند الشافعي هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدة يمكنه أن يطلق فيها فلم يفعل.
وقال بعض المتأخرين: المظاهرة هي يمين نحو أن يقال امرأتي على كظهر أمي إن فعلت كذا.
فمتى فعل ذلك وحنث يلزمه من الكفارة ما بينه تعالى في هذا المكان.
وقوله (ثم يعودون لما قالوا) يحمل على فعل ما حلف له أن لا يفعل وذلك كقولك فلان حلف ثم عاد إذا فعل ما حلف عليه.
قال الاخفش: قوله (لما
قالوا) متعلق بقوله (فتحرير رقبة) وهذا
يقوى القول الاخير.
قال: ولزوم هذه الكفارة إذا حنث كلزوم الكفارة المبينة في الحلف بالله والحنث في قوله (فكفارته إطعام عشرة مساكين) وإعادة الشئ كالحديث وغيره تكريره، قال (سنعيدها سيرتها الاولى - أو يعيدوكم في ملتهم) والعادة اسم لتكرير الفعل والانفعال حتى يصير ذلك سهلا تعاطيه كالطبع ولذلك قيل العادة طبيعة ثانية.
والعيد ما يعاود مرة بعد أخرى وخص في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر، ولما كان ذلك اليوم مجعولا للسرور في الشريعة كما نبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " أيام أكل وشرب وبعال " صار يستعمل العيد في كل يوم فيه مسرة وعلى ذلك قوله تعالى: (أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا) والعيد كل حالة تعاود الانسان، والعائدة كل نفع يرجع إلى الانسان من شئ ما، والمعاد يقال للعود وللزمان الذى يعود فيه، وقد يكون للمكان الذى يعود إليه، قال تعالى: (إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) قيل أراد به مكة والصحيح ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام وذكره ابن عباس إن ذلك إشارة
إلى الجنة التى خلقه فيها بالقوة في ظهر آدم وأظهر منه حيث قال (وإذ أخذ ربك من بنى آدم) الاية والعود البعير المسن اعتبارا بمعاودته السير والعمل أو بمعاودة السنين إياه وعود سنة بعد سنة عليه فعلى الاول يكون بمعنى الفاعل، وعلى الثاني بمعنى المفعول.
والعود الطريق القديم الذى يعود إليه السفر ومن العود عيادة المريض، والعيدية إبل منسوبة إلى فحل يقال له عيد، والعود قيل هو في الاصل الخشب الذى من شأنه أن يعود إذا قطع وقد خص بالمزهر المعروف وبالذي يتبخر به.
عوذ: العوذ الالتجاء إلى الغير والتعلق به يقال عاذ فلان بفلان ومنه قوله تعالى: (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين - وإنى عذت بربي وربكم أن ترجمون - قل أعوذ برب - إنى أعوذ بالرحمن) وأعذته بالله أعيذه.
قال (إنى أعيذها بك) وقوله (معاذ الله) أي نلتجئ إليه ونستنصر به أن نفعل ذلك فإن ذلك سوء نتحاشى من تعاطيه.
والعوذة ما يعاذ به من الشئ ومنه قيل للتميمة والرقية عوذة، وعوذه إذا وقاه، وكل أنثى وضعت فهى عائذ إلى سبعة أيام.
عور: العورة سوأة الانسان وذلك كناية وأصلها من العار وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي المذمة، ولذلك سمى النساء عورة ومن ذلك العوراء للكلمة القبيحة وعورت عينه عورا وعارت عينه عورا، وعورتها، وعنه استعير عورت البئر، وقيل
للغراب الاعور لحدة نظره وذلك على عكس المعنى ولذلك قال الشاعر: * وصحاح العيون يدعون عورا * والعوار والعورة شق في الشئ كالثوب والبيت ونحوه، قال تعالى: (إن بيوتنا عورة وما هي بعورة) أي متخرقة ممكنة لمن أرادها، ومنه قيل فلان يحفظ عورته أي خلله وقوله (ثلاث عورات لكم) أي نصف النهار وآخر الليل وبعد العشاء الاخرة، وقوله (الذين لم يظهروا على عورات النساء) أي لم يبلغوا الحلم.
وسهم عائر لا يدرى من أين جاء، ولفلان عائرة عين من المال أي ما يعور العين ويحيرها لكثرته، والمعاورة قيل في معنى الاستعارة.
والعارية فعلية من ذلك ولهذا يقال تعاوره العوارى وقال بعضهم هو من العار لان
دفعها يورث المذمة والعار كما قيل في المثل إنه قيل للعارية أين تذهبين فقالت أجلب إلى أهلى مذمة وعارا، وقيل هذا لا يصح من حيث الاشتقاق فإن العارية من الواو بدلالة تعاورنا، والعار من الياء لقولهم عيرته بكذا.
عير: العير القوم الذين معهم أحمال الميرة، وذلك اسم للرجال والجمال الحاملة للميرة وإن كان قد يستعمل في كل واحد من دون الاخر، قال (فلما فصلت العير - أيتها العير إنكم لسارقون - والعير التى أقبلنا فيها) والعير يقال للحمار الوحشى وللناشز على ظهر القدم، ولانسان العين ولما تحت غضروف الاذن ولما يعلو الماء من الغثاء وللوتد ولحرف النصل في وسطه، فإن يكن استعماله في كل ذلك صحيحا ففى مناسبة بعضها لبعض منه تعسف.
والعيار تقدير المكيال والميزان، ومنه قيل عيرت الدنانير وعيرته ذممته من العار وقولهم تعاير بنو فلان قيل معناه تذاكروا العار، وقيل تعاطوا العيارة أي فعل العير في الانفلات والتخلية، ومنه عارت الدابة تعير إذا انفلتت، وقيل فلان عيار.
عيس: عيسى اسم علم وإذا جعل عربيا
أمكن أن يكون من قولهم بعير أعيس وناقة عيساء وجمعها عيس وهى إبل بيض يعترى بياضها ظلمة، أو من العيس وهو ماء الفحل يقال عاسها يعيسها.
عيش: العيش الحياة المختصة بالحيوان وهو أخص من الحياة لان الحياة تقال في الحيوان وفى الباري تعالى وفى الملك ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه، قال (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا - معيشة ضنكا - لكم فيها معايش - وجعلنا لكم فيها معايش) وقال في أهل الجنة (فهو في عيشة راضية) وقال عليه السلام: " لا عيش إلا عيش الاخرة ".
عوق: العائق الصارف عما يراد من خير ومنه عوائق الدهر، يقال عاقه وعوقه واعتاقه، قال: (قد يعلم الله المعوقين) أي المثبطين
الصارفين عن طريق الخير، ورجل عوق وعوقة يعوق الناس عن الخير.
ويعوق اسم صنم.
عول: عاله وغاله يتقاربان.
الغول يقال فيما يهلك، والعول فيما يثقل، يقال ما عالك فهو عائل لى ومنه العول وهو ترك النصفة بأخذ
الزيادة، قال: (ذلك أدنى ألا تعولوا) ومنه عالت الفريضة إذا زادت في القسمة المسماة لاصحابها بالنص، والتعويل الاعتماد على الغير فيما يثقل ومنه العول وهو ما يثقل من المصيبة، فيقال ويله وعوله، ومنه العيال الواحد عيل لما فيه من الثقل، وعاله تحمل ثقل مؤنته، ومنه قوله عليه السلام " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " وأعال إذا كثر عياله.
عيل: (وإن خفتم عيلة) أي فقرا يقال عال الرجل إذا افتقر يعيل عيلة فهو عائل، وأما أعال إذا كثر عياله فمن بنات الواو، وقوله (ووجدك عائلا فأغنى) أي أزال عنك فقر النفس وجعل لك الغنى الاكبر المعنى بقوله عليه السلام: " الغنى غنى النفس " وقيل: ما عال مقتصد، وقيل ووجدك فقيرا إلى رحمة الله وعفوه فأغناك بمغفرته لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
عوم: العام كالسنة، لكن كثيرا ما تستعمل السنة في الحول الذى يكون فيه الشدة أو الجدب.
ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة والعام بما فيه الرخاء والخصب، قال: (عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون).
وقوله: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) ففى كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بالعام لطيفة موضعها فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله، والعوم السباحة، وقيل سمى السنة عاما لعوم الشمس في جميع بروجها، ويدل على معنى العوم قوله: (وكل في فلك يسبحون).
عون: العون المعاونة والمظاهرة، يقال فلان عوني أي معينى وقد أعنته، قال (فأعينوني بقوة - وأعانه عليه قوم آخرون) والتعاون التظاهر، قال: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) والاستعانة طلب العون قال: (استعينوا بالصبر والصلاة) والعوان المتوسط بين السنين، وجعل كناية عن المسنة من النساء اعتبارا بنحو قول الشاعر: فإن أتوك فقالوا إنها نصف * فإن أمثل نصفيها الذى ذهبا قال (عوان بين ذلك) واستعير للحرب التى قد تكررت وقدمت.
وقيل العوانة للنخلة القديمة، والعانة قطيع من حمر الوحش وجمع
على عانات وعون، وعانة الرجل شعره النابت على فرجه وتصغيره عوينة.
عين: العين الجارحة، قال (والعين بالعين - لطمسنا على أعينهم - وأعينهم تفيض من الدمع - قرة عين لى ولك - كى تقر عينها) ويقال لذى العين عين، وللمراعى للشئ عين، وفلان بعينى أي أحفظه وأراعيه كقولك هو بمرأى منى ومسمع، قال (فإنك بأعيننا) وقال (تجرى بأعيننا - واصنع الفلك بأعيننا) أي بحيث نرى ونحفظ (ولتصنع على عينى) أي بكلاءتى وحفظى ومنه عين الله عليك: أي كنت في حفظ الله ورعايته، وقيل جعل ذلك حفظته وجنوده الذين يحفظونه وجمعه أعين وعيون، قال (ولا أقول للذين تزدرى أعينكم - ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) ويستعار العين لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة، واستعير للثقب في المزادة تشبيها بها في الهيئة وفى سيلان الماء منها فاشتق منها سقاء عين ومعين إذا سال منها الماء، وقولهم عين قربتك أي صب فيها ما ينسد بسيلانه آثار خرزه، وقيل للمتجسس عين تشبيها بها في نظرها وذلك كما تسمى المرأة فرجا والمركوب ظهرا، فيقال
فلان يملك كذا فرجا وكذا ظهرا لما كان المقصود منهما العضوين، وقيل للذهب عين تشبيها بها في كونها أفضل الجواهر كما أن هذه الجارحة أفضل الجوارح ومنه قيل أعيان القوم لافاضلهم، وأعيان الاخوة لبنى أب وأم، قال بعضهم: العين إذا استعمل في معنى ذات الشئ فيقال كل ماله عين فكاستعمال الرقبة في المماليك وتسمية النساء بالفرج من حيث إنه هو المقصود منهن ويقال لمنبع الماء عين تشبيها بها لما فيها من الماء، ومن عين الماء اشتق ماء معين أي ظاهر للعيون، وعين أي سائل، قال (عينا فيها تسمى سلسبيلا - وفجرنا الارض عيونا - فيهما عينان تجريان - عينان نضاختان - وأسلنا له عين القطر - في جنات وعيون - من جنات وعيون - وجنات وعيون وزروع) وعنت الرجل أصبت عينه نحو رأسته وفأدته، وعنته أصبته بعينى نحو سفته أصبته بسيفي، وذلك أنه يجعل تارة من الجارحة المضروبة نحو رأسته وفأدته وتارة من الجارحة التى هي آلة في الضرب فيجرى مجرى سفته ورمحته، وعلى نحوه في المعنيين قولهم يديت فإنه يقال إذا أصبت
يده وإذا أصبته بيدك، وتقول عنت البئر أثرت عين مائها، قال (إلى ربوة ذات قرار ومعين - فمن يأتيكم بماء معين) وقيل الميم فيه أصلية وإنما هو من معنت.
وتستعار العين للميل في الميزان ويقال لبقر الوحش أعين وعيناء لحسن عينه، وجمعها عين، وبها
شبه النساء، قال: (قاصرات الطرف عين - وحور عين).
عيى: الاعياء عجز يلحق البدن من المشى، والعى عجز يلحق من تولى الامر والكلام قال: (أفعيينا بالخلق الاول - ولم يعى بخلقهن) ومنه عى في منطقه عيا فهو عيى، ورجل عياياء طباقاء إذا عيى بالكلام والامر، وداء عياء لا دواء له، والله أعلم.
كتاب الغين
غبر: الغابر الماكث بعد مضى ما هو معه قال (إلا عجوزا في الغابرين) يعنى فيمن طال أعمارهم، وقيل فيمن بقى ولم يسر مع لوط وقيل فيمن بقى بعد في العذاب وفى آخر: (إلا امرأتك كانت من الغابرين) وفى آخر(قدرنا إنها لمن الغابرين) ومنه الغبرة البقية في الضرع من اللبن وجمعه أغبار وغبر الحيض وغبر الليل، والغبار ما يبقى من التراب المثار، وجعل على بناء الدخان والعثار ونحوهما من البقايا، وقد غبر الغبار أي ارتفع، وقيل يقال للماضي غابر وللباقى غابر فإن يك ذلك صحيحا، فإنما قيل للماضي غابر تصورا بمضي الغبار عن الارض وقيل للباقى غابر تصورا بتخلف الغبار عن الذى يعدو فيخلفه، ومن الغبار اشتق الغبرة وهو ما يعلق بالشئ من الغبار وما كان على لونه، قال (ووجوه يومئذ عليها غبرة) كناية عن تغير الوجه للغم كقوله: (ظل وجهه مسودا) يقال غبر غبرة واغبر واغبار، قال طرفة: * رأيت بنى غبراء لا ينكرونني * أي بنى المفازة المغبرة، وذلك كقولهم بنو السبيل.
وداهية غبراء إما من قولهم غبر الشئ وقع في الغبار كأنها تغبر الانسان، أو من الغبر أي البقية، والمعنى داهية باقية لا تنقضي، أو من غبرة اللون فهو كقولهم داهية زباء، أو من غبرة اللبن فكلها الداهية التى إذا انقضت بقى لها أثر أو من قولهم عرق غبر، أي ينتفض مرة بعد أخرى، وقد غبر
العرق، والغبيراء نبت معروف، وثمر على هيئته ولونه.
غبن: الغبن أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الاخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال غبن فلان، وإن كان في رأى يقال غبن وغبنت كذا غبنا إذا غفلت عنه فعددت ذلك غبنا، ويوم التغابن يوم القيامة لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) وبقوله (إن الله اشترى من المؤمنين) الاية وبقوله (الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) فعلموا أنهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا
وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال: تبدوا الاشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا، قال بعض المفسرين: أصل الغبن إخفاء الشئ والغبن بالفتح الموضع الذى يخفى فيه الشئ، وأنشد: ولم أر مثل الفتيان في * غبن الرأى ينسى عواقبها وسمى كل منثن من الاعضاء كأصول الفخذين
والمرافق مغابن لاستتاره، ويقال للمرأة إنها طيبة المغابن غثا: الغثاء غثاء السيل والقدر وهو ما يطفح ويتفرق من النبات اليابس وزبد القدر ويضرب به المثل فيما يضيع ويذهب غير معتد به، ويقال غثا الوادي غثوا وغثت نفسه تغثى غثيانا خبثت.
غدر: الغدر الاخلال بالشئ وتركه والغدر يقال لترك العهد ومنه قيل فلان غادر وجمعه غدرة، وغدار كثير الغدر، والاغدر والغدير الماء الذى يغادره السيل في مستنقع ينتهى إليه وجمعه غدر وغدران، واستغدر الغدير صار فيه الماء، والغديرة الشعر الذى ترك حتى طال وجمعها غدائر، وغادره تركه قال (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) وقال (فلم نغادر منهم أحدا)، وغدرت الشاة تخلفت فهى غدرة وقيل للجحرة واللخاقيق للامكنة التى تغادر البعير والفرس عائرا، غدر، ومنه قيل ما أثبت غدر هذا الفرس ثم جعل مثلا لمن له ثبات فقيل ما أثبت غدره.
غدق: قال: (لاسقيناهم ماء غدقا)
أي غزيرا، ومنه غدقت عينه تغدق، والغيداق يقال فيما يغزر من ماء وعدو ونطق.
غدا: الغدوة والغداة من أول النهار وقوبل في القرآن الغدو بالاصال نحو قوله: (بالغدو والاصال) وقوبل الغداة بالعشى، قال (بالغداة والعشي - غدوها شهر ورواحها شهر) والغادية السحاب ينشأ غدوة، والغداء طعام يتناول في ذلك الوقت وقد غدوت أغدو، قال (أن اغدوا على حرثكم)، وغد يقال لليوم الذى يلى يومك الذى أنت فيه، قال: (سيعلمون غدا) ونحوه.
غرر: يقال غررت فلانا أصبت غرته ونلت منه ما أريده، والغرة غفلة في اليقظة، والغرار غفلة مع غفوة، وأصل ذلك من الغر وهو الاثر الظاهر من الشئ ومنه غرة الفرس.
وغرار السيف أي حده، وغر الثوب أثر كسره، وقيل اطوه على غره، وغره كذا غرورا كأنما طواه على غره، قال (ما غرك بربك الكريم - لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) وقال (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) وقال (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا)
وقال (يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول
غرورا) وقال (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور - وغرتهم الحياة الدنيا - ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا - ولا يغرنكم بالله الغرور) فالغرور كل ما يغر الانسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل الدنيا تغر وتضر وتمر، والغرر الخطر وهو من الغر، ونهى عن بيع الغرر.
والغرير الخلق الحسن اعتبارا بأنه يغر وقيل فلان أدبر غريره وأقبل هريره فباعتبار غرة الفرس وشهرته بها قيل فلان أغر إذا كان مشهورا كريما، وقيل الغرر لثلاث ليال من أول الشهر لكون ذلك منه كالغرة من الفرس، وغرار السيف حده، والغرار لبن قليل، وغارت الناقة قل لبنها بعد أن ظن أن لا يقل فكأنها غرت صاحبها.
غرب: الغرب غيبوبة الشمس، يقال غربت تغرب غربا وغروبا ومغرب الشمس ومغيربانها، قال (رب المشرق والمغرب - رب المشرقين ورب المغربين - رب المشارق والمغارب) وقد تقدم الكلام في ذكرهما مثنيين ومجموعين وقال (لا شرقية ولا غربية)
وقال (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب) وقيل لكل متباعد غريب ولكل شئ فيما بين جنسه عديم النظير غريب، وعلى هذا قوله عليه الصلاة والسلام: " بدا الاسلام غريبا وسيعود كما بدا " وقيل العلماء غرباء لقلتهم فيما بين الجهال، والغراب سمى لكونه مبعدا في الذهاب، قال: (فبعث الله غرابا يبحث)، وغارب السنام لبعده عن المنال، وغرب السيف لغروبه في الضريبة وهو مصدر في معنى الفاعل، وشبه به حد اللسان كتشبيه اللسان بالسيف فقيل فلان غرب اللسان، وسمى الدلو غربا لتصور بعدها في البئر، وأغرب الساقى تناول الغرب والغرب الذهب لكونه غريبا فيما بين الجواهر الارضية، ومنه سهم غرب لا يدرى من رماه.
ومنه نظر غرب ليس بقاصد، والغرب شجر لا يثمر لتباعده من الثمرات، وعنقاء مغرب وصف بذلك لانه يقال كان طيرا تناول جارية فأغرب بها يقال عنقاء مغرب وعنقاء مغرب بالاضافة.
والغرابان نقرتان عند صلوى العجز تشبيها بالغراب في الهيئة، والمغرب الابيض الاشفار كأنما أغربت
عينه في ذلك البياض.
وغرابيب سود قيل جمع غربيب وهو المشبه للغراب في السواد كقولك أسود كحلك الغراب.
غرض: الغرض الهدف المقصود بالرمي ثم جعل اسما لكل غاية يتحرى إدراكها، وجمعه أغراض، فالغرض ضربان: غرض ناقص وهو الذى يتشوق بعده شئ آخر كاليسار
والرئاسة ونحو ذلك مما يكون من أغراض الناس، وتام وهو الذى لا يتشوق بعده شئ آخر كالجنة.
غرف: الغرف رفع الشئ وتناوله، يقال غرفت الماء والمرق، والغرفة ما يغترف، والغرفة للمرة، والمغرفة لما يتناول به، قال (إلا من اغترف غرفة بيده) ومنه استعير غرفت عرف الفرس إذا جررته وغرفت الشجرة، والغرف شجر معروف، وغرفت الابل اشتكت من أكله، والغرفة علية من البناء وسمى منازل الجنة غرفا، قال (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) وقال: (لنبوئنهم من الجنة غرفا - وهم في الغرفات آمنون).
غرق: الغرق الرسوب في الماء وفى البلاء،
وغرق فلان يغرق غرقا وأغرقه، قال (حتى إذا أدركه الغرق) وفلان غرق في نعمة فلان تشبيها بذلك، قال (وأغرقنا آل فرعون - فأغرقناه ومن معه أجمعين - ثم أغرقنا الاخرين - ثم أغرقنا بعد الباقين - وإن نشأ نغرقهم - أغرقوا فأدخلوا نارا - كان من المغرقين).
غرم: الغرم ما ينوب الانسان في ماله من ضرر لغير جناية منه أو خيانة، يقال غرم كذا غرما ومغرما وأغرم فلان غرامة، قال: (إنا لمغرمون - فهم من مغرم مثقلون - يتخذ ما ينفق مغرما) والغريم يقال لمن له الدين ولمن عليه الدين، قال (والغارمين وفى سبيل الله) والغرام ما ينوب الانسان من شدة ومصيبة، قال: (إن عذابها كان غراما) من قولهم هو مغرم بالنساء أي يلازمهن ملازمة الغريم.
قال الحسن: كل غريم مفارق غريمه إلا النار، وقيل معناه مشغوفا بإهلاكه.
غرا: غرى بكذا أي لهج به ولصق وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلصق به، وقد أغريت فلانا بكذا نحو ألهجت به، قال: (وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء - لنغرينك
بهم).
غزل: قال (ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها) وقد غزلت غزلها.
والغزال ولد الظبية، والغزالة قرصة الشمس وكنى بالغزل والمغازلة عن مشافنة المرأة التى كأنها غزال، وغزل الكلب غزلا إذا أدرك الغزال فلهى عنه بعد إدراكه.
غزا: الغزو الخروج إلى محاربة العدو، وقد غزا يغزو غزوا فهو غاز وجمعه غزاة وغز، قال (أو كانوا غزا).
غسق: غسق الليل شدة، ظلمته قال (إلى غسق الليل) والغاسق الليل المظلم، قال: (ومن شر غاسق إذا وقب) وذلك عبارة عن النائبة بالليل كالطارق، وقيل القمر إذا كسف فاسود.
والغساق ما يقطر من جلود أهل النار، قال: (إلا حميما وغساقا).
غسل: غسلت الشئ غسلا أسلت عليه
الماء فأزلت درنه، والغسل الاسم، والغسل ما يغسل به، قال (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) الاية.
والاغتسال غسل البدن، قال: (حتى تغتسلوا) والمغتسل الموضع الذى يغتسل منه والماء الذى يغتسل به، قال (هذا مغتسل بارد
وشراب) والغسلين غسالة أبدان الكفار في النار، قال (ولا طعام إلا من غسلين).
غشى: غشيه غشاوة وغشاء أتاه إتيان ما قد غشيه أي ستره والغشاوة ما يغطى به الشئ، قال (وجعل على بصره غشاوة - وعلى أبصارهم غشاوة) يقال غشيه وتغشاه وغشيته كذا قال (وإذا غشيهم موج - فغشيهم من اليم ما غشيهم - وتغشى وجوههم النار - إذ يغشى السدرة ما يغشى - والليل إذا يغشى - إذ يغشيكم النعاس) وغشيت موضع كذا أتيته وكنى بذلك عن الجماع يقال غشاها وتغشاها (فلما تغشاها حملت) وكذا الغشيان والغاشية كل ما يغطى الشئ كغاشية السرج وقوله (أن تأتيهم غاشية) أي نائبة تغشاهم وتجللهم وقيل الغاشية في الاصل محمودة وإنما استعير لفظها ههنا على نحو قوله (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) وقوله (هل أتاك حديث الغاشية) كناية عن القيامة وجمعها غواش، وغشى على فلان إذا نابه ما غشى فهمه، قال (كالذى يغشى عليه من الموت - نظر المغشى عليه من الموت - فأغشيناهم فهم لا يبصرون - وعلى أبصارهم غشاوة - كأنما أغشيت وجوههم -
واستغشوا ثيابهم) أي جعلوها غشاوة على أسماعهم وذلك عبارة عن الامتناع من الاصغاء، وقيل استغشوا ثيابهم كناية عن العدو كقولهم شمر ذيلا وألقى ثوبه، ويقال غشيته سوطا أو سيفا ككسوته وعممته غص: الغصة الشجاة التى يغص بها الحلق، قال (وطعاما ذا غصة).
غض: الغض النقصان من الطرف والصوت وما في الاناء يقال غض وأغض، قال: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم - وقل للمؤمنات يغضضن - واغضض من صوتك) وقول الشاعر: * فغض الطرف إنك من نمير * فعلى سبيل التهكم، وغضضت السقاء، نقصت مما فيه، والغض الطرى الذى لم يطل مكثه.
غضب: الغضب ثوران دم القلب إرادة الانتقام، ولذلك قال عليه السلام: " اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه " وإذا وصف الله تعالى به فالمراد به الانتقام دون غيره، قال (فباءوا
بغضب على غضب - فباءوا بغضب من الله) وقال (ومن يحلل عليه غضبى - غضب الله عليهم) وقوله (غير المغضوب عليهم) قيل
هم اليهود.
والغضبة كالضجرة، والغضوب الكثير الغضب.
وتوصف به الحية والناقة الضجور وقيل فلان غضبة: سريع الغضب، وحكى أنه يقال غضبت لفلان إذا كان حيا وغضبت به إذا كان ميتا.
غطش: (أغطش ليلها) أي جعله مظلما وأصله من الاغطش وهو الذى في عينه شبه عمش ومنه قيل فلاة غطشى لا يهتدى فيها والتغاطش التعامى عن الشئ.
غطا: الغطاء ما يجعل فوق الشئ من طبق ونحوه كما أن الغشاء ما يجعل فوق الشئ من لباس ونحوه وقد استعير للجهالة، قال (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد).
غفر: الغفر إلباس ما يصونه عن الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ، والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب.
قال (غفرانك ربنا - ومغفرة من ربكم -
ومن يغفر الذنوب إلا الله) وقد يقال غفر له إذا تجافى عنه في الظاهر وإن لم يتجاف عنه في الباطن نحو (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال وقوله (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) لم يؤمروا بأن يسألوه ذلك باللسان فقط بل باللسان وبالفعال، فقد قيل الاستغفار باللسان من دون ذلك بالفعال فعل الكذابين وهذا معنى (ادعوني أستجب لكم) وقال: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم - ويستغفرون للذين آمنوا) والغافر والغفور في وصف الله نحو (غافر الذنب - إنه غفور شكور - هو الغفور الرحيم) والغفيرة الغفران ومنه قوله (اغفر لى ولوالدي - أن يغفر لى خطيئتي - واغفر لنا) وقيل اغفروا هذا الامر بغفرته أي استروه بما يجب أن يستر به، والمغفر بيضة الحديد، والغفارة خرقة تستر الخمار أن يمسه دهن الرأس، ورقعة يغشى بها محز الوتر، وسحابة فوق سحابة.
غفل: الغفلة سهو يعترى الانسان من قلة التحفظ والتيقظ، يقال غفل فهو غافل،
قال (لقد كنت في غفلة من هذا - وهم في عفلة معرضون - ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها - وهم عن دعائهم غافلون - لمن الغافلين - هم غافلون - بغافل عما يعملون - لو تغفلون عن أسلحتكم - فهم غافلون - عنها غافلين) وأرض غفل لا مناربها ورجل غفل لم تسمه التجارب وإغفال الكتاب تركه غير معجم وقوله (من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) أي تركناه غير مكتوب فيه الايمان كما قال (أولئك كتب في قلوبهم الايمان) وقيل معناه من جعلناه غافلا عن الحقائق.
غل: الغلل أصله تدرع الشئ وتوسطه ومنه الغلل للماء الجارى بين الشجر، وقد يقال له الغيل وانغل فيما بين الشجر دخل فيه، فالغل مختص بما يقيد به فيجعل الاعضاء وسطه وجمعه أغلال، وغل فلان قيد به، قال (خذوه فغلوه) وقال (إذ الاغلال في أغناقهم) وقيل للبخيل هو مغلول اليد، قال: (ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم - ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك - وقالت اليهود
يد الله مغلوله غلت أيديهم) أي ذموه بالبخل وقيل إنهم لما سمعوا أن الله قد قضى كل شئ قالوا إذا يد الله مغلولة أي في حكم المقيد لكونها فارغة، فقال الله تعالى ذلك.
وقوله (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) أي منعهم فعل الخير وذلك نحو وصفهم بالطبع والختم على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم، وقيل بل ذلك وإن كان لفظه ماضيا فهو إشارة إلى ما يفعل بهم في الاخرة كقوله (وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا) والغلالة ما يلبس بين الثوبين، فالشعار لما يلبس تحت الثوب والدثار لما يلبس فوقه، والغلالة لما يلبس بينهما.
وقد تستعار الغلالة للدرع كما يستعار الدرع لها، والغلول تدرع الخيانة، والغل العداوة، قال (ونزعنا ما في صدورهم من غل - ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) وغل يغل إذا صار ذا غل أي ضغن، وأغل أي صار ذا إغلال أي خيانة وغل يغل إذا خان، وأغللت فلانا نسبته إلى الغلول، قال (وما كان لنبى أن يغل) وقرئ (أن يغل) أي ينسب إلى الخيانة من أغللته، قال (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)
وروى " لا إغلال ولا إسلال " أي لا خيانة ولا سرقة.
وقوله عليه الصلاة والسلام " ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن " أي لا يضطغن.
وروى " لا يغل " أي لا يصير ذا خيانة، وأغل الجازر والسالخ إذا ترك في الاهاب من اللحم شيئا وهو من الاغلال أي الخيانة فكأنه خان في اللحم وتركه في الجلد الذى يحمله.
والغلة والغليل ما يتدرعه الانسان في داخله من العطش ومن شدة الوجد والغيظ، يقال شفا فلان غليله أي غيظه.
والغلة ما يتناوله الانسان من دخل أرضه، وقد أغلت ضيعته.
والمغلغلة: الرسالة التى تتغلغل بين القوم الذين تتغلغل نفوسهم، كما قال الشاعر: تغلغل حيث لم يبلغ شراب * ولا حزن ولم يبلغ سرور غلب: الغلبة القهر يقال غلبته غلبا وغلبة وغلبا فأنا غالب، قال تعالى: (الم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون - كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة - يغلبوا مائتين - يغلبوا ألفا -
لاغلبن أنا ورسلي - لا غالب لكم اليوم - إن كنا نحن الغالبين - إنا لنحن الغالبون - فغلبوا هنالك - أفهم الغالبون - ستغلبون وتحشرون - ثم يغلبون) وغلب عليه كذا أي استولى (غلبت علينا شقوتنا) قيل وأصل غلبت أن تناول وتصيب غلب رقبته، والاغلب الغليظ الرقبة، يقال رجل أغلب وامرأة غلباء وهضبة غلباء كقولك هضبة عنقاء ورقباء أي عظيمة العنق والرقبة والجمع غلب، قال (وحدائق غلبا).
غلظ: الغلظة ضد الرقة، ويقال غلظة وغلظة وأصله أن يستعمل في الاجسام لكن قد يستعار للمعانى كالكبير والكثير، قال: (وليجدوا فيكم غلظة) أي خشونة وقال: (ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ - من عذاب غليظ - وجاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) واستغلظ تهيأ لذلك، وقد يقال إذا غلظ، قال (فاستغلظ فاستوى على سوقه).
غلف: (قلوبنا غلف) قيل هو جمع أغلف كقولهم سيف أغلف أي هو في غلاف ويكون ذلك كقوله (وقالوا قلوبنا في أكنة - في غفلة من هذا) وقيل معناه قلوبنا أوعية
للعلم وقيل معناه قلوبنا مغطاة، وغلام أغلف كناية عن الاقلف، والغلفة كالقلفة، وغلفت السيف والقارورة والرحل والسرج جعلت لها غلافا، وغلفت لحيته بالحناء وتغلف نحو تخضب، وقيل (قلوبنا غلف) هي جمع غلاف والاصل غلف بضم اللام، وقد قرئ به نحو: كتب، أي هي أوعية للعلم تنبيها أنا لا نحتاج أن نتعلم منك، فلنا غنية بما عندنا.
غلق: الغلق والمغلاق ما يغلق به وقيل ما يفتح به لكن إذا اعتبر بالاغلاق يقال له مغلق ومغلاق، وإذا اعتبر بالفتح يقال له مفتح ومفتاح، وأغلقت الباب وغلقته على التكثير وذلك إذا أغلقت أبوابا كثيرة أو أغلقت بابا واحدا مرارا أو أحكمت إغلاق باب وعلى هذا (وغلقت الابواب) وللتشبيه به قيل غلق الرهن غلوقا وغلق ظهره دبرا، والمغلق السهم السابع لاستغلاقه ما بقى من أجزاء الميسر ونخلة غلقة ذويت أصولها فأغلقت عن الاثمار والغلقة شجرة مرة كالسم.
غلم: الغلام الطار الشارب، يقال غلام بين الغلومة والغلومية.
قال تعالى: (أنى
يكون لى غلام - وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين) وقال (وأما الجدار فكان لغلامين) وقال في قصة يوسف (هذا غلام) والجمع غلمة وغلمان، واغتلم الغلام إذا بلغ حد الغلومة ولما كان من بلغ هذا الحد كثيرا ما يغلب عليه الشبق قيل للشبق غلمة واغتلم الفحل.
غلا: الغلو تجاوز الحد، يقال ذلك إذا كان
في السعر غلاء، وإذا كان في القدر والمنزلة غلو وفى السهم: غلو، وأفعالها جميعا غلا يغلو.
قال (لا تغلوا في دينكم) والغلى والغليان يقال في القدر إذا طفحت ومنه استعير قوله (طعام الاثيم كالمهل يغلى في البطون كغلى الحميم) وبه شبه غليان الغضب والحرب، وتغالى النبت يصح أن يكون من الغلى وأن يكون من الغلو.
والغلواء: تجاوز الحد في الجماج، وبه شبه غلواء الشباب.
غم: الغم ستر الشئ ومنه الغمام لكونه ساترا لضوء الشمس.
قال تعالى: (يأتيهم الله في ظلل من الغمام) والغمى مثله.
ومنه غم الهلال ويوم غم وليلة غمة وغمى، قال:
* ليلة غمى طامس هالها * وغمة الامر قال (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) أي كربة يقال غم وغمة أي كرب وكربة، والغمامة خرقة تشد على أنف الناقة وعينها، وناصية غماء تستر الوجه.
غمر: أصل الغمر إزالة أثر الشئ ومنه قيل للماء الكثير الذى يزيل أثر سيله غمر وغامر، قال الشاعر: * والماء غامر خدادها * وبه شبه الرجل السخى والفرس الشديد العدو فقيل لهما غمر كما شبها بالبحر، والغمرة معظم الماء الساترة لمقرها وجعل مثلا للجهالة التى تغمر صاحبها وإلى نحوه أشار بقوله (فأغشيناهم) ونحو ذلك من الالفاظ قال (فذرهم في غمرتهم - الذين هم في غمرة ساهون) وقيل للشدائد غمرات، قال (في غمرات الموت) ورجل غمر وجمعه أغمار.
والغمر الحقد المكنون وجمعه غمور، والغمر ما يغمر من رائحة الدسم سائر الروائح، وغمرت يده وغمر عرضه دنس، ودخل في غمار الناس وخمارهم أي الذين يغمرون.
والغمرة ما يطلى به من الزعفران، وقد تغمرت بالطيب وباعتبار الماء قيل للقدح الذى يتناول
به الماء غمر ومنه اشتق تغمرت إذا شربت ماء قليلا، وقولهم فلان مغامر إذا رمى بنفسه في الحرب إما لتوغله وخوضه فيه كقولهم يخوض الحرب، وإما لتصور الغمارة منه فيكون وصفه بذلك، كوصفه بالهودج ونحوه.
غمز: أصل الغمز الاشارة بالجفن أو اليد طلبا إلى ما فيه معاب ومنه قيل ما في فلان غميزة أي نقيصة يشار بها إليه وجمعها غمائز، قال: (وإذا مروا بهم يتغامزون)، وأصله من غمزت الكبش إذا لمسته هل به طرق ؟ نحو عبطته.
غمض: الغمض النوم العارض، تقول ما ذقت غمضا ولا غماضا وباعتباره قيل أرض غامضة وغمضة ودار غامضة، وغمض عينه وأغمضها وضع إحدى جفنتيه على الاخرى
ثم يستعار للتغافل والتساهل، قال (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه).
غنم: الغنم معروف.
قال (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) والغنم إصابته والظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى
وغيرهم، قال: (واعلموا أنما غنمتم من شئ - فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) والمغنم ما يغنم وجمعه مغانم، قال: (فعند الله مغانم كثيرة).
غنى: الغنى يقال على ضروب، أحدها عدم الحاجات وليس ذلك إلا لله تعالى وهو المذكور في قوله (إن الله لهو الغنى الحميد - أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد) الثاني: قلة الحاجات وهو المشار إليه بقوله (ووجدك عائلا فأغنى) وذلك هو المذكور في قوله عليه السلام " الغنى غنى النفس " والثالث: كثرة القنيات بحسب ضروب الناس كقوله (ومن كان غنيا فليستعفف - الذين يستأذنونك وهم أغنياء - لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) قالوا ذلك حيث سمعوا (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا) وقوله (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) أي لهم غنى النفس ويحسبهم الجاهل أن لهم القنيات لما يرون فيهم من التعفف والتلطف، وعلى هذا قوله عليه السلام لمعاذ: " خذ من أغنيائهم ورد في فقرائهم "، وهذا المعنى هو المعنى بقول
الشاعر: * قد يكثر المال والانسان مفتقر * يقال غنيت بكذا غنيانا وغناء واستغنيت وتغنيت وتغانيت، قال تعالى: (واستغنى الله - والله غنى حميد) ويقال أغناني كذا وأغنى عنه كذا إذا كفاه، قال (ما أغنى عنى ماليه - ما أغنى عنه ماله - لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا - ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون - لا تغن عنى شفاعتهم - ولا يغنى من اللهب) والغانية المستغنية بزوجها عن الزينة، وقيل المستغنية بحسنها عن التزين.
وغنى في مكان كذا إذا طال مقامه فيه مستغنيا به عن غيره بغنى، قال: (كأن لم يغنوا فيها) والمغنى يقال للمصدر وللمكان.
وغنى أغنية وغناء، وقيل تغنى بمعنى استغنى وحمل قوله عليه السلام " من لم يتغن بالقرآن " على ذلك.
غيب: الغيب مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين، يقال غاب عنى كذا، قال تعالى: (أم كان من الغائبين) واستعمل في كل غائب عن الحاسة وعما يغيب عن علم الانسان بمعنى الغائب، قال (وما من غائبة
في السماء والارض إلا في كتاب مبين) ويقال للشئ غيب وغائب باعتباره بالناس لا بالله تعالى فإنه لا يغيب عنه شئ كما لا يعزب عنه مثقال
ذرة في السموات ولا في الارض).
وقوله (عالم الغيب والشهادة) أي ما يغيب عنكم وما تشهدونه، والغيب في قوله (يؤمنون بالغيب) ما لا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول وإنما يعلم بخبر الانبياء عليهم السلام وبدفعه يقع على الانسان اسم الالحاد، ومن قال الغيب هو القرآن، ومن قال هو القدر فإشارة منهم إلى بعض ما يقتضيه لفظه.
وقال بعضهم: معناه يؤمنون إذا غابوا عنكم وليسوا كالمنافقين الذين قيل فيهم (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) وعلى هذا قوله (الذين يخشون ربهم بالغيب - من خشى الرحمن بالغيب - ولله غيب السموات والارض - أطلع الغيب - ولا يظهر على غيبه أحدا - لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله - ذلك من أنباء الغيب - وما كان الله ليطلعكم على الغيب - إنك علام الغيوب -
إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب) وأغابت المرأة غاب زوجها.
وقوله في صفة النساء: (حافظات للغيب بما حفظ الله) أي لا يفعلن في غيبة الزوج ما يكرهه الزوج.
والغيبة أن يذكر الانسان غيره بما فيه من عيب من غير أن أحوج إلى ذكره، قال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا) والغيابة منهبط من الارض ومنه الغابة للاجمة، قال (في غيابة الجب) ويقال هم يشهدون أحيانا ويتغايبون أحيانا وقوله (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) أي من حيث لا يدركونه ببصرهم وبصيرتهم.
غوث: الغوث يقال في النصرة والغيث في المطر، واستغثته طلبت الغوث أو الغيث فأغاثني من الغوث وغاثنى من الغيث وغوثت من الغوث، قال: (إذ تستغيثون ربكم) وقال (فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه) وقوله (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) فإنه يصح أن يكون من الغيث ويصح أن يكون من الغوث، وكذا يغاثوا يصح فيه المعنيان.
والغيث المطر في قوله (كمثل غيث أعجب الكفار نباته) قال الشاعر:
سمعت الناس ينتجعون غيثا * فقلت لصيدح انتجعى بلالا غور: الغور المنهبط من الارض، يقال غار الرجل وأغار وغارت عينه غورا وغورا وغؤرا وقوله تعالى (ماؤكم غورا) أي غائرا.
وقال (أو يصبح ماؤها غورا) والغار في الجبل.
قال (إذ هما في الغار) وكنى عن الفرج والبطن بالغارين، والمغار من المكان كالغور، قال: (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا)، وغارت الشمس غيارا، قال الشاعر:
هل الدهر إلا ليلة ونهارها * وإلا طلوع الشمس ثم غيارها وغور نزل غورا، وأغار على العدو إغارة وغارة، قال: (فالمغيرات صبحا) عبارة عن الخليل.
غير: غير يقال على أوجه: الاول: أن تكون للنفي المجرد من غير إثبات معنى به نحو مررت برجل غير قائم أي لا قائم، قال (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله - وهو في الخصام غير مبين).
الثاني: بمعنى إلا فيستثنى به.
وتوصف به النكرة نحو مررت بقوم غير زيد أي إلا زيدا، وقال (ما علمت لكم من إله غيرى) وقال (مالكم من إله غيره - هل من خالق غير الله).
الثالث: لنفى صورة من غير مادتها نحو: الماء إذا كان حارا غيره إذا كان باردا وقوله (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) الرابع: أن يكون ذلك متناولا لذات نحو (اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق) أي الباطل وقوله (واستكبر هو وجنوده في الارض بغير الحق - أغير الله أبغى ربا - ويستبدل ربى قوما غيركم - ائت بقرآن غير هذا).
والتغيير يقال على وجهين، أحدهما: لتغيير صورة الشئ دون ذاته، يقال غيرت دارى إذا بنيتها بناء غير الذى كان.
والثانى: لتبديله بغيره نحو غيرت غلامي ودابتي إذا أبدلتهما بغيرهما نحو (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) والفرق بين غيرين ومختلفين أن الغيرين أعم، فإن الغيرين قد يكونان متفقين في الجوهر بخلاف المختلفين، فالجوهران المتحيزان هما غيران وليسا
مختلفين، فكل خلافين غيران وليس كل غيرين خلافين.
غوص: الغوص الدخول تحت الماء، وإخراج شئ منه، ويقال لكل من انهجم على غامض فأخرجه له غائص عينا كان أو علما والغواص الذى يكثر منه ذلك، قال (والشياطين كل بناء وغواص - ومن الشياطين من يغوصون له) أي يستخرجون له الاعمال الغريبة والافعال البديعة وليس يعنى استنباط الدر من الماء فقط.
غيض: غاض الشئ وغاضه غيره نحو نقص ونقصه غيره، قال: (وغيض الماء - وما تغيض الارحام) أي تفسده الارحام، فتجعله كالماء الذى تبتلعه الارض، والغيضة المكان الذى يقف فيه الماء فيبتلعه، وليلة غائضة أي مظلمة.
غيظ: الغيظ أشد غضب وهو الحرارة التى يجدها الانسان من فوران دم قلبه، قال: (قل موتوا بغيظكم - ليغيظ بهم الكفار) وقد دعا الله الناس إلى إمساك النفس عند اعتراء
الغيظ قال: (والكاظمين الغيظ) قال: وإذا
وصف الله سبحانه به فإنه يراد به الانتقام قال (وإنهم لنا لغائظون) أي داعون بفعلهم إلى الانتقام منهم، والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون ذلك مع صوت مسموع كما قال: (سمعوا لها تغيظا وزفيرا).
غول: الغول إهلاك الشئ من حيث لا يحس به، يقال.
غال يغول غولا، واغتاله اغتيالا، ومنه سمى السعلاة غولا.
قال في صفة خمر الجنة (لا فيها غول) نفيا لكل ما نبه عليه بقوله: (وإثمهما أكبر من نفعهما)، وبقوله: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه).
غوى: الغى جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أن الجهل قد يكون من كون الانسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا ولا فاسدا، وقد يكون من اعتقاد شئ فاسد وهذا النحو الثاني يقال له غى.
قال تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى - وإخوانهم يمدونهم في الغى).
وقوله: (فسوف يلقون غيا) أي عذابا، فسماه الغى لما كان الغى هو سببه وذلك كتسمية الشئ بما هو سببه كقولهم للبنات ندى.
وقيل معناه فسوف يلقون أثر الغى وثمرته قال:
(وبرزت الجحيم للغاوين - والشعراء يتبعهم الغاوون - إنك لغوى مبين)، وقوله: (وعصى آدم ربه فغوى) أي جهل، وقيل معناه خاب نحو قول الشاعر: * ومن يغو لا يعدم على الغى لائما * وقيل معنى غوى فسد عيشه من قولهم غوى الفصيل وغوى نحو هوى وهوى، وقوله: (إن كان الله يريد أن يغويكم) فقد قيل معناه أن يعاقبكم على غيكم، وقيل معناه يحكم عليكم بغيكم.
وقوله تعالى (قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا - أغويناهم كما غوينا) تبرأنا إليك إعلاما منهم أنا قد فعلنا بهم غاية ما كان في وسع الانسان أن يفعل بصديقه، فإن حق الانسان أن يريد بصديقه ما يريد بنفسه، فيقول قد أفدناهم ما كان لنا وجعلناهم أسوة أنفسنا، وعلى هذا قوله تعالى: (فأغويناكم - إنا كنا غاوين - فبما أغويتني - لازينن لهم في الارض ولاغوينهم).
كتاب الفاء
فتح: الفتح إزالة الاغلاق والاشكال،وذلك ضربان، أحدهما: يدرك بالبصر كفتح الباب ونحوه وكفتح القفل، والغلق والمتاع نحو قوله: (ولما فتحوا متاعهم - ولو فتحنا عليهم بابا من السماء).
والثانى: يدرك بالبصيرة كفتح الهم وهو إزالة الغم، وذلك ضروب، أحدها: في الامور الدنيوية كغم يفرج وفقر يزال بإعطاء المال ونحوه، نحو (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ) أي وسعنا، وقال: (لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض) أي أقبل عليهم الخيرات.
والثانى: فتح المستغلق من العلوم، نحو قولك فلان فتح من العلم بابا مغلقا، وقوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قيل عنى فتح مكة، وقيل بل عنى ما فتح على النبي من العلوم والهدايات التى هي ذريعة إلى الثواب والمقامات المحمودة التى صارت سببا لغفران ذنوبه.
وفاتحة كل شئ مبدؤه الذى يفتح به ما بعده وبه سمى فاتحة الكتاب، وقيل افتتح فلان كذا إذا ابتدأ به، وفتح عليه كذا إذا أعلمه ووقفه عليه، قال: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم - ما يفتح الله للناس) وفتح القضية فتاحا فصل الامر فيها وأزال الاغلاق عنها، قال: (ربنا افتح
بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) ومنه الفتاح العليم، قال الشاعر: * وإنى من فتاحتكم غنى * وقيل الفتاحة بالضم والفتح، وقوله: (إذا جاء نصر الله والفتح) فإنه يحتمل النصرة والظفر والحكم وما يفتح الله تعالى من المعارف، وعلى ذلك قوله (نصر من الله وفتح قريب - فعسى الله أن يأتي بالفتح - ويقولون متى هذا الفتح - قل يوم الفتح) أي يوم الحكم وقيل يوم إزالة الشبهة بإقامة القيامة، وقيل ما كانوا يستفتحون من العذاب ويطلبونه، والاستفتاح طلب الفتح أو الفتاح قال (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) أي إن طلبتم الظفر أو طلبتم الفتاح أي الحكم أو طلبتم مبدأ الخيرات فقد جاءكم ذلك بمجئ النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) أي
يستنصرون الله ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام وقيل يستعلمون خبره من الناس مرة، ويستنبطونه من الكتب مرة، وقيل يطلبون من الله بذكره الظفر، وقيل كانوا
يقولون إنا لننصر بمحمد عليه السلام على عبدة الاوثان.
والمفتح والمفتاح ما يفتح به وجمعه مفاتيح ومفاتح.
وقوله (وعنده مفاتح الغيب) يعنى ما يتوصل به إلى غيبه المذكور في قوله (فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) وقوله (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة) قيل عنى مفاتح خزائنه وقيل بل عنى بالمفاتح الخزائن أنفسها.
وباب فتح مفتوح في عامة الاحوال وغلق خلافه.
وروى " من وجد بابا غلقا وجد إلى جنبه بابا فتحا " وقيل فتح واسع.
فتر: الفتور سكون بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة، قال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل) أي سكون حال عن مجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (لا يفترون) أي لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لكل عالم شرة، ولكل شرة فترة فمن فتر إلى سنتى فقد نجا وإلا فقد هلك " فقوله لكل شرة فترة فإشارة إلى ما قيل: للباطل جولة ثم يضمحل، وللحق دولة
لا تذل ولا تقل.
وقوله " من فتر إلى سنتى " أي سكن إليها، والطرف الفاتر فيه ضعف مستحسن، والفتر ما بين طرف الابهام وطرف السبابة، يقال فترته بفترى وشبرته بشبرى.
فتق: الفتق الفصل بين المتصلين وهو ضد الرتق، قال (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما) والفتق والفتيق الصبح، وأفتق القمر صادف فتقا فطلع منه، ونصل فتيق الشفرتين إذا كان له شعبتان كأن إحداهما فتقت من الاخرى.
وجمل فتيق، تفتق سمنا وقد فتق فتقا.
فتل: فتلت الحبل فتلا، والفتيل المفتول وسمى ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته، قال تعالى: (ولا يظلمون فتيلا) وهو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ويضرب به المثل في الشئ الحقير.
وناقة فتلاء الذراعين محكمة.
فتن: أصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الانسان النار، قال (يوم هم على النار يفتنون -
ذوقوا فتنتكم) أي عذابكم وذلك نحو قوله: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) وقوله (النار يعرضون عليها) الاية وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب
فيستعمل فيه نحو قوله (ألا في الفتنة سقطوا) وتارة في الاختبار نحو: (وفتناك فتونا) وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الانسان من شدة ورخاء وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، وقد قال فيهما (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).
وقال في الشدة (إنما نحن فتنة - والفتنة أشد من القتل - وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) وقال (ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا) أي يقول لا تبلنى ولا تعذبني وهم بقولهم ذلك وقعوا في البلية والعذاب.
وقال (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم) أي يبتليهم ويعذبهم وقال (واحذرهم أن يفتنوك - وإن كادوا ليفتنونك) أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفهم إياك عما أوحى إليك وقوله (فتنتم أنفسكم) أي
أوقعتموها في بلية وعذاب، وعلى هذا قوله (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وقوله: (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) فقد سماهم ههنا فتنة اعتبارا بما ينال الانسان من الاختبار بهم، وسماهم عدوا في قوله (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) اعتبارا بما يتولد منهم وجعلهم زينة في قوله (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) الاية.
اعتبارا بأحوال الناس في تزينهم بهم وقوله (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) أي لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم كما قال (ليميز الله الخبيث من الطيب) وقوله (أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) فإشارة إلى ما قال (ولنبلونكم بشئ من الخوف) الاية.
وعلى هذا قوله: (وحسبوا ألا تكون فتنة) والفتنة من الافعال التى تكون من الله تعالى ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الافعال الكريهة، ومتى كان من الله يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الانسان
بغير أمر الله يكون بضد ذلك، ولهذا يذم الله الانسان بأنواع الفتنة في كل مكان نحو قوله: (والفتنة أشد من القتل - إن الذين فتنوا المؤمنين - ما أنتم عليه بفاتنين) أي بمضلين وقوله: (بأيكم المفتون) قال الاخفش: المفتون الفتنة كقولك ليس له معقول، وخذ ميسوره ودع معسوره، فتقديره بأيكم الفتون.
وقال غيره: أيكم المفتون والباء زائدة كقوله: (كفى بالله شهيدا)، وقوله: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) فقد عدى ذلك بعن تعدية خدعوك لما أشار بمعناه إليه.
فتي: الفتى الطرى من الشباب والانثى
فتاة والمصدر فتاء، ويكنى بهما عن العبد والامة، قال: (تراود فتاها عن نفسه) والفتى من الابل كالفتى من الناس وجمع الفتى فتية وفتيان وجمع الفتاة فتيات وذلك قوله: (من فتياتكم المؤمنات) أي إمائكم، وقال: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) أي إماءكم (وقال لفتيانه) أي لمملوكيه وقال: (إذ أوى الفتية إلى الكهف - إنهم فتية آمنوا بربهم) والفتيا والفتوى الجواب عما
يشكل من الاحكام، ويقال: استفتيته فأفتانى بكذا.
قال: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن - فاستفتهم - أفتوني في أمرى).
فتئ: يقال: ما فتئت أفعل كذا وما فتأت، كقولك مازلت قال: (تفتؤ تذكر يوسف).
فجج: الفج شقة يكتنفها جبلان، ويستعمل في الطريق الواسع وجمعه فجاج.
قال (من كل فج عميق - فيها فجاجا سبلا) والفجج تباعد الركبتين، وهو أفج من الفجج، ومنه حافر مفجج، وجرح فج لم ينضج.
فجر: الفجر شق الشئ شقا واسعا كفجر الانسان السكر، يقال فجرته فانفجر وفجرته فتفجر، قال (وفجرنا الارض عيونا - وفجرنا خلالهما نهرا - فتفجر الانهار - تفجر لنا من الارض ينبوعا) وقرئ تفجر.
وقال: (فانفجرت منه أثنتا عشرة عينا) ومنه قيل للصبح فجر لكونه فجر الليل، قال (والفجر وليال عشر - إن قرآن الفجر كان مشهودا) وقيل الفجر فجران: الكاذب وهو كذنب
السرحان، والصادق وبه يتعلق حكم الصوم والصلاة، قال: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) والفجور شق ستر الديانة، يقال فجر فجورا فهو فاجر، وجمعه فجار وفجرة، قال: (كلا إن كتاب الفجار لفى سجين - وإن الفجار لفى جحيم - أولئك هم الكفرة الفجرة) وقوله: (بل يريد الانسان ليفجر أمامه) أي يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها.
وقيل معناه ليذنب فيها.
وقيل معناه يذنب ويقول غدا أتوب ثم لا يفعل فيكون ذلك فجورا لبذله عهدا لا يفى به.
وسمى الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور.
وقولهم ونخلع ونترك من يفجرك أي من يكذبك وقيل من يتباعد عنك، وأيام الفجار وقائع اشتدت بين العرب.
فجا: قال تعالى: (وهم في فجوة) أي ساحة واسعة، ومنه قوس فجاء وفجواء بان وتراها عن كبدها، ورجل أفجى بين الفجا: أي متباعد ما بين العرقوبين.
فحش: الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم
قبحه من الافعال والاقوال، وقال (إن الله لا يأمر بالفحشاء - وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون - من يأت منكن بفاحشة مبينة - إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة - إنما حرم ربى الفواحش - إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) كناية عن الزنا، وكذلك قوله: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) وفحش فلان صار فاحشا.
ومنه قول الشاعر: * عقيلة مال الفاحش المتشدد * يعنى به العظيم القبح في البخل، والمتفحش الذى يأتي بالفحش.
فخر: الفخر المباهاة في الاشياء الخارجة عن الانسان كالمال والجاه، ويقال له الفخر ورجل فاخر وفخور وفخير على التكثير، قال تعالى: (إن الله لا يحب كل مختال فخور)، ويقال فخرت فلانا على صاحبه أفخره فخرا حكمت له بفضل عليه، ويعبر عن كل نفيس بالفاخر يقال ثوب فاخر وناقة فخور عظيمة الضرع، كثيرة الدر، والفخار الجرار وذلك لصوته إذا نقر كأنما تصور بصورة من يكثر التفاخر.
قال تعالى: (من صلصال كالفخار).
فدى: الفدى والفداء حفظ الانسان عن النائبة بما يبذله عنه، قال تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء) يقال فديته بمال وفديته بنفسى وفاديته بكذا، قال تعالى: (إن يأتوكم أسارى تفادوهم) وتفادى فلان من فلان أي تحامى من شئ بذله.
وقال (وفديناه بذبح عظيم) وافتدى إذا بذل ذلك عن نفسه، قال تعالى: (فيما افتدت به - وإن يأتوكم أسارى تفادوهم) والمفاداة هو أن يرد أسر العدى ويسترجع منهم من في أيديهم، قال (ومثله معه لافتدوا به - لافتدت به - وليفتدوا به - ولو افتدى به - لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه) وما يقى به الانسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصر فيها يقال له فدية ككفارة اليمين وكفارة الصوم نحو قوله (ففدية من صيام أو صدقة - فدية طعام مسكين).
فر: أصل الفر الكشف عن سن الدابة يقال فررت فرارا ومنه فر الدهر جدعا ومنه الافترار وهو ظهور السن من الضحك، وفر عن الحرب فرارا.
قال (ففررت منكم - فرت من قسورة - فلم يزدهم دعائي إلا فرارا - لن ينفعكم الفرار إن فررتم - ففروا إلى الله)
وأفررته جعلته فارا، ورجل فر وفار، والمفر موضع الفرار ووقته والفرار نفسه وقوله: (أين المفر) يحتمل ثلاثتها.
فرت: الفرات الماء العذب يقال للواحد والجمع، قال (وأسقيناكم ماء فراتا - هذا عذب فرات).
فرث: قال تعالى: (من بين فرث ودم لبنا خالصا) أي ما في الكرش، يقال فرثت
كبده أي فتتتها، وأفرث فلان أصحابه أوقهعم في بلية جارية مجرى الفرث.
فرج: الفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوأة وكثر حتى صار كالصريح فيه، قال تعالى: (والتى أحصنت فرجها - لفروجهم حافظون - ويحفظن فروجهن) واستعير الفرج للثغر وكل موضع مخافة.
وقيل الفرجان في الاسلام الترك والسوادن، وقوله (وما لها من فروج) أي شقوق وفتوق، قال (وإذا السماء فرجت) أي انشقت والفرج انكشاف الغم، يقال فرج الله عنك، وقوس فرج انفرجت سيتاها، ورجل فرج لا يكتم سره وفرج
لا يزال ينكشف فرجه، وفراريج الدجاج لانفراج البيض عنها ودجاجة مفرج ذات فراريج، والمفرج القتيل الذى انكشف عنه القوم فلا يدرى من قتله.
فرح: الفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية فلهذا قال (ولا تفرحوا بما آتاكم - وفرحوا بالحياة الدنيا - ذلكم بما كنتم تفرحون - حتى إذا فرحوا بما أوتوا - فرحوا بما عندهم من العلم - إن الله لا يحب الفرحين) ولم يرخص في الفرح إلا في قوله (فبذلك فليفرحوا - ويومئذ يفرح المؤمنون) والمفراح الكثير الفرح، قال الشاعر: ولست بمفراح إذا الخير مسنى * ولا جازع من صرفه المتقلب وما يسرني بهذا الامر مفرح ومفروح به، ورجل مفرح أثقله الدين، وفى الحديث: لا يترك في الاسلام مفرح "، فكأن الافراح يستعمل في جلب الفرح وفى إزالة الفرح كما أن الاشكاء يستعمل في جلب الشكوى وفى إزالتها، فالمدان قد أزيل فرحه فلهذا قيل لا غم إلا غم الدين.
فرد: الفرد الذى لا يختلط به غيره فهو أعم من الوتر وأخص من الواحد، وجمعه فرادى، قال (لا تذرني فردا) أي وحيدا، ويقال في الله فرد تنبيها أنه بخلاف الاشياء كلها في الازدواج المنبه عليه بقوله (ومن كل شئ خلقنا زوجين) وقيل معناه المستغنى عما عداه كما نبه عليه بقوله غنى عن العالمين وإذا قيل هو منفرد بوحدانيته، فمعناه هو مستغن عن كل تركيب وازدواج تنبيها أنه مخالف للموجودات كلها.
وفريد واحد، وجمعه فرادى نحو أسير وأسارى.
قال (ولقد جئتمونا فرادى).
فرش: الفرش بسط الثياب، ويقال للمفروش فرش وفراش، قال (هو الذى جعل لكم الارض فراشا) أي ذللها ولم يجعلها نائية لا يمكن الاستقرار عليها، والفرش جمعه فرش، قال (وفرش مرفوعة - فرش بطائنها
من إستبرق) والفرش ما يفرش من الانعام أي يركب، قال تعالى: (حمولة وفرشا) وكنى بالفراش عن كل واحد من الزوجين فقال النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " وفلان
كريم المفارش أي النساء.
وأفرش الرجل صاحبه أي اغتابه وأساء القول فيه، وأفرش عنه أقلع، والفراش طير معروف، قال (كالفراش المبثوث) وبه شبه فراشة القفل، والفراشة الماء القليل في الاناء.
فرض: الفرض قطع الشئ الصلب والتأثير فيه كفرض الحديد وفرض الزند والقوس والمفراض والمفرض ما يقطع به الحديد، وفرضة الماء مقسمه.
قال تعالى: (لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) أي معلوما وقيل مقطوعا عنهم والفرض كالايجاب لكن الايجاب يقال اعتبارا بوقوعه وثباته، والفرض بقطع الحكم فيه.
قال (سورة أنزلناها وفرضناها) أي أوجبنا العمل بها عليك، وقال: (إن الذى فرض عليك القرآن) أي أوجب عليك العمل به، ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة فرض.
وكل موضع ورد فرض الله عليه ففى الايجاب الذي أدخله الله فيه وما ورد من (فرض الله له) فهو في أن لا يحظره على نفسه نحو (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) وقوله (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقوله (وقد فرضتم لهن فريضة) أي سميتم لهن مهرا،
وأوجبتم على أنفسكم بذلك، وعلى هذا يقال فرض له في العطاء وبهذا النظر، ومن هذا الغرض قيل للعطية فرض وللدين فرض، وفرائض الله تعالى ما فرض لاربابها، ورجل فارض وفرضي بصير بحكم الفرائض قال تعالى: (فمن فرض فيهن الحج) إلى قوله: (في الحج) أي من عين على نفسه إقامة الحج، وإضافة فرض الحج إلى الانسان دلالة أنه هو معين الوقت، ويقال لما أخذ في الصدقة فريضة.
قال: (إنما الصدقات للفقراء) إلى قوله: (فريضة من الله) وعلى هذا ما روى أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه كتب إلى بعض عماله كتابا وكتب فيه: هذه فريضة الصدقة التى فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين.
والفارض المسن من البقر، قال: (لا فارض ولا بكر) وقيل إنما سمى فارضا لكونه فارضا للارض أي قاطعا أو فارضا لما يحمل من الاعمال الشاقة، وقيل: بل لان فريضة البقر اثنان تبيع ومسنة، فالتبيع يجوز في حال دون حال، والمسنة يصح بذلها في كل حال فسميت المسنة فارضة لذلك، فعلى هذا يكون الفارض اسما إسلاميا.
فرط: فرط إذا تقدم تقدما بالقصد يفرط، ومنه الفارط إلى الماء أي المتقدم لاصلاح الدلو، يقال فارط وفرط، ومنه قوله عليه السلام: " أنا فرطكم على الحوض " وقيل في الولد
الصغير إذا مات اللهم اجعله لنا فرطا، وقوله: (أن يفرط علينا) أي يتقدم، وفرس فرط يسبق الخيل، والافراط أن يسرف في التقدم، والتفريط أن يقصر في الفرط، يقال ما فرطت في كذا أي ما قصرت، قال: (ما فرطنا في الكتاب - ما فرطت في جنب الله - ما فرطتم في يوسف) وأفرطت القربة ملاتها (وكان أمره فرطا) أي إسرافا وتضييعا.
فرع: فرع الشجر غصنه وجمعه فروع قال: (وفرعها في السماء) واعتبر ذلك على وجهين، أحدهما: بالطول فقيل فرع كذا إذا طال وسمى شعر الرأس فرعا لعلوه، وقيل رجل أفرع وامرأة فرعاء وفرعت الجبل وفرعت رأسه بالسيف وتفرعت في بنى فلان تزوجت في أعاليهم وأشرافهم.
والثانى: اعتبر بالعرض فقيل تفرع كذا وفروع المسألة، وفروع الرجل أولاده، وفرعون اسم أعجمى وقد
اعتبر عرامته فقيل تفرعن فلان إذا تعاطى فعل فرعون كما يقال أبلس وتبلس ومنه قيل للطغاة الفراعنة والابالسة.
فرغ: الفراغ خلاف الشغل وقد فرغ فراغا وفروغا وهو فارغ، قال: (سنفرغ لكم أيها الثقلان - وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) أي كأنما فرغ من لبها لما تداخلها من الخوف وذلك كما قال الشاعر: * كأن جؤجؤه هواء * وقيل فارغا من ذكره أي أنسيناها ذكره حتى سكنت واحتملت أن تلقيه في اليم، وقيل فارغا أي خاليا إلا من ذكره لانه قال: (إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها) ومنه (فإذا فرغت فانصب) وأفرغت الدلو صببت ما فيه ومنه استعير (أفرغ علينا صبرا) وذهب دمه فرغا أي مصبوبا ومعناه باطلا لم يطلب به، وفرس فريغ واسع العدو كأنما يفرغ العدو إفراغا، وضربة فريغة واسعة ينصب منها الدم.
فرق: الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق والفرق يقال اعتبارا بالانفصال، قال (وإذ فرقنا بكم البحر) والفرق
القطعة المنفصلة ومنه الفرقة للجماعة المتفردة من الناس، وقيل فرق الصبح وفلق الصبح، قال (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) والفريق الجماعة المتفرقة عن آخرين، قال: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب - ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون - فريق في الجنة وفريق في السعير - إنه كان فريق من عبادي - أي الفريقين - وتخرجون فريقا منكم من ديارهم - وإن فريقا منهم ليكتمون الحق) وفرقت بين الشيئين فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر أو بفصل تدركه البصيرة، قال: (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين - فالفارقات فرقا) يعنى الملائكة
الذين يفصلون بين الاشياء حسبما أمرهم الله وعلى هذا قوله (فيها يفرق كل أمر حكيم) وقيل عمر الفاروق رضى الله عنه لكونه فارقا بين الحق والباطل، وقوله: (وقرآنا فرقناه) أي بينا فيه الاحكام وفصلناه وقيل فرقناه أي أنزلناه مفرقا، والتفريق أصله للتكثير ويقال ذلك في تشتيت الشمل والكلمة نحو (يفرقون به بين المرء وزوجه - وفرقت
بين بنى إسرائيل) وقوله (لا نفرق بين أحد من رسله) وقوله (لا نفرق بين أحد منهم) إنما جاز أن يجعل التفريق منسوبا إلى أحد من حيث إن لفظ أحد يفيد الجمع في النفى، وقال (إن الذين فرقوا دينهم) وقرئ فارقوا والفراق والمفارقة تكون بالابدان أكثر.
قال (هذا فراق بينى وبينك) وقوله (وظن أنه الفراق) أي غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدنيا بالموت، وقوله (ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) أي يظهرون الايمان بالله ويكفرون بالرسل خلاف ما أمرهم الله به.
وقوله (ولم يفرقوا بين أحد منهم) أي آمنوا برسل الله جميعا، والفرقان أبلغ من الفرق لانه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل وتقديره كتقدير رجل قنعان يقنع به في الحكم وهو اسم لا مصدر فيما قيل، والفرق يستعمل في ذلك وفى غيره وقوله (يوم الفرقان) أي اليوم الذى يفرق فيه بين الحق والباطل، والحجة والشبهة، وقوله (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) أي نورا وتوفيقا على قلوبكم يفرق به بين الحق والباطل، فكان الفرقان ههنا كالسكينة والروح
في غيره وقوله (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) قيل أريد به يوم بدر فإنه أول يوم فرق فيه بين الحق والباطل، والفرقان كلام الله تعالى، لفرقه بين الحق والباطل في الاعتقاد والصدق والكذب في المقال والصالح والطالح في الاعمال وذلك في القرآن والتوراة والانجيل، قال (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان - ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان - ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان - تبارك الذى نزل الفرقان - شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) والفرق تفرق القلب من الخوف، واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشق فيه، قال (ولكنهم قوم يفرقون) ويقال رجل فروق وفروقة وامرأة كذلك ومنه قيل للناقة التى تذهب في الارض نادة من وجع المخاض فارق وفارقة وبها شبه السحابة المنفردة فقيل فارق، والافرق من الديك ما عرفه مفروق، ومن الخيل ما أحد وركيه أرفع من الاخر، والفريقة تمر يطبخ بحلبة، والفروقة شحم الكليتين.
فره: الفره الاشر وناقة مفرهة تنتج الفره، وقوله (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين)
أي حاذقين وجمعه فره ويقال ذلك في الانسان وفى غيره، وقرئ فرهين في معناه وقيل معناهما أشرين.
فرى: الفرى قطع الجلد للخرز والاصلاح والافراء للافساد والافتراء فيهما وفى الافساد أكثر وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم نحو (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما - انظر كيف يفترون على الله الكذب) وفى الكذب نحو (افتراء على الله قد ضلوا - ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب - أم يقولون افتراه - وما ظن الذين يفترون على الله الكذب - أن يفترى من دون الله - إن أنتم إلا مفترون) وقوله (لقد جئت شيئا فريا) قيل معناه عظيما وقيل عجيبا وقيل مصنوعا وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد.
فز: قال (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) أي أزعج (فأراد أن يستفزهم من الارض) أي يزعجهم، وفزنى فلان أي أزعجني، والفز ولد البقرة وسمى بذلك لما تصور فيه من الخفة كما يسمى عجلا لما تصور فيه من
العجلة.
فزع: الفزع انقباض ونفار يعترى الانسان من الشئ المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه.
وقوله (لا يخزنهم الفزع الاكبر) فهو الفزع من دخول النار (ففزع من في السموات ومن في الارض - وهم من فزع يومئذ آمنون - حتى إذا فزع عن قلوبهم) أي أزيل عنها الفزع، ويقال فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع، وفزع له أغاثه.
وقول الشاعر: * كنا إذا ما أتانا صارخ فزع * أي صارخ أصابه فزع، ومن فسره بأن معناه المستغيث فإن ذلك تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ الفزع.
فسح: الفسح والفسيح الواسع من المكان والتفسح التوسع، يقال فسحت مجلسه فتفسح فيه، قال (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) ومنه قيل فسحت لفلان أن يفعل كذا كقولك وسعت له وهو في فسحة من هذا الامر.
فسد: الفساد خروج الشئ عن الاعتدال
قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا ويضاده الصلاح ويستعمل ذلك في النفس والبدن والاشياء الخارجة عن الاستقامة، يقال فسد فسادا وفسودا، وأفسده غيره، قال (لفسدت السموات والارض - لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا - ظهر الفساد في البر والبحر - والله لا يحب الفساد - وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض - ألا إنهم هم المفسدون - ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل - إن الملوك إذا
دخلوا قرية أفسدوها - إن الله لا يصلح عمل المفسدين - والله يعلم المفسد من المصلح).
فسر: الفسر إظهار المعنى المعقول ومنه قيل لما ينبئ عنه البول تفسرة وسمى بها قارورة الماء، والتفسير في المبالغة كالفسر، والتفسير قد يقال فيما يختص بمفردات الالفاظ وغريبها وفيما يختص بالتأويل، ولهذا يقال تفسير الرؤيا وتأويلها، قال (وأحسن تفسيرا).
فسق: فسق فلان خرج عن حجر الشرع وذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر.
والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير لكن تعورف
فيما كان كثيرا وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الاصلى فاسق فلانه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة، قال (ففسق عن أمر ربه - ففسقوا فيها - وأكثرهم الفاسقون - وأولئك هم الفاسقون - أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا - ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) أي من يستر نعمة الله فقد خرج عن طاعته (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار - والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون - والله لا يهدى القوم الفاسقين - إن المنافقين هم الفاسقون - وكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا - أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) فقابل به الايمان.
فالفاسق أعم من الكافر والظالم أعم من الفاسق (والذين يرمون المحصنات) إلى قوله (وأولئك هم الفاسقون) وسميت الفأرة فويسقة لما اعتقد فيها من الخبث والفسق وقيل لخروجها من بيتها مرة بعد أخرى وقال عليه الصلاة والسلام: " اقتلوا الفويسقة فإنها توهى السقاء وتضرم البيت على أهله " قال
ابن الاعرابي: لم يسمع الفاسق في وصف الانسان في كلام العرب وإنما قالوا فسقت الرطبة عن قشرها.
فشل: الفشل ضعف مع جبن.
قال: (حتى إذا فشلتم - فتفشلوا وتذهب ريحكم - لفشلتم ولتنازعتم)، وتفشل الماء سال.
فصح: الفصح خلوص الشئ مما يشوبه وأصله في اللبن، يقال فصح اللبن وأفصح فهو مفصح وفصيح إذا تعرى من الرغوة، وقد روى: * وتحت الرغوة اللبن الفصيح * ومنه استعير فصح الرجل جادت لغته وأفصح تكلم بالعربية وقيل بالعكس والاول أصح وقيل الفصيح الذى ينطق والاعجمي الذى لا ينطق، قال (وأخى هارون هو أفصح منى لسانا) وعن هذا استعير: أفصح الصبح إذا بدا
ضوؤه، وأفصح النصارى جاء فصحهم أي عيدهم.
فصل: الفصل إبانة أحد الشيئين من الاخر حتى يكون بينهما فرجة، ومنه قيل
المفاصل، الواحد مفصل، وفصلت الشاة قطعت مفاصلها، وفصل القوم عن مكان كذا، وانفصلوا فارقوه، قال (ولما فصلت العير قال أبوهم) ويستعمل ذلك في الافعال والاقول نحو قوله (إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين - هذا يوم الفصل) أي اليوم يبين الحق من الباطل ويفصل بين الناس بالحكم وعلى ذلك (يفصل بينهم - وهو خير الفاصلين) وفصل الخطاب ما فيه قطع الحكم، وحكم فيصل ولسان مفصل، قال (وكل شئ فصلناه تفصيلا - الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) إشارة إلى ما قال (تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة) وفصيلة الرجل عشيرته المنفصلة عنه، قال (وفصيلته التى تؤويه) والفصال التفريق بين الصبي والرضاع، قال: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما - وفصاله في عامين) ومنه الفصيل لكن اختص بالحوار، والمفصل من القرآن السبع الاخير وذلك للفصل بين القصص بالسور القصار، والفواصل أواخر الآى وفواصل القلادة شذر يفصل به بينها، وقيل الفصيل حائل دون سور المدينة، وفى الحديث: " من أنفق نفقة فاصلة فله من
الاجر كذا " أي نفقة تفصل بين الكفر والايمان.
فض: الفض كسر الشئ والتفريق بين بعضه وبعضه كفض ختم الكتاب وعنه استعير انفض القوم.
قال (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها - لانفضوا من حولك) والفضة اختصت بأدون المتعامل بها من الجواهر، ودرع فضفاضة وفضفاض واسعة.
فضل: الفضل الزيادة عن الاقتصار وذلك ضربان: محمود كفضل العلم والحلم، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه.
والفضل في المحمود أكثر استعمالا والفضول في المذموم، والفضل إذا استعمل لزيادة أحد الشيئين على الاخر فعلى ثلاثة أضرب: فضل من حيث الجنس كفضل جنس الحيوان على جنس النبات، وفضل من حيث النوع كفضل الانسان على غيره من الحيوان وعلى هذا النحو قوله: (ولقد كرمنا بنى آدم) إلى قوله: (تفضيلا) وفضل من حيث الذات كفضل رجل على آخر.
فالاولان جوهريان لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يكتسبا
الفضيلة التى خص بها الانسان، والفضل الثالث قد يكون عرضيا فيوجد السبيل على اكتسابه ومن هذا النوع التفضيل المذكور في قوله: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق -
- لتبتغوا فضلا من ربكم) يعنى المال وما يكتسب وقوله: (بما فضل الله بعضهم على بعض) فإنه يعنى بما خص به الرجل من الفضيلة الذاتية له والفضل الذى أعطيه من المكنة والمال والجاه والقوة، وقال: (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض - فضل الله المجاهدين على القاعدين) وكل عطية لا تلزم من يعطى يقال لها فضل نحو قوله: (واسألوا الله من فضله - ذلك فضل الله - ذو الفضل العظيم) وعلى هذا قوله: (قل بفضل الله - ولولا فضل الله).
فضا: الفضاء المكان الواسع ومنه أفضى بيده إلى كذا وأفضى إلى امرأته في الكناية أبلغ وأقرب إلى التصريح من قولهم خلا بها قال: (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) وقول الشاعر: * طعامهم فوضى فضا في رحالهم *
أي مباح كأنه موضوع في فضاء يفيض فيه من يريده.
فطر: أصل الفطر الشق طولا، يقال فطر فلان كذا فطرا وأفطر هو فطورا وانفطر انفطارا، قال: (هل ترى من فطور) أي اختلال ووهى فيه وذلك قد يكون على سبيل الفساد وقد يكون على سبيل الصلاح قال: (السماء منفطر به كان وعده مفعولا) وفطرت الشاة حلبتها بأصبعين، وفطرت العجين إذا عجنته فخبزته من وقته، ومنه الفطرة.
وفطر الله الخلق وهو إيجاده الشئ وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الافعال فقوله: (فطرة الله التى فطر الناس عليها) فإشارة منه تعالى إلى ما فطر أي أبدع وركز في الناس من معرفته تعالى، وفطرة الله هي ماركز فيه من قوته على معرفة الايمان وهو المشار إليه بقوله: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) وقال (الحمد لله فاطر السموات والارض) وقال (الذى فطرهن - والذى فطرنا) أي أبدعنا وأوجدنا يصح أن يكون الانفطار في قوله (السماء منفطر به) إشارة إلى قبول ما أبدعها وأفاضه علينا منه.
والفطر ترك الصوم يقال فطرته وأفطرته وأفطر هو، وقيل للكمأة
فطر من حيث إنها تفطر الارض فتخرج منها.
فظ: الفظ الكريه الخلق، مستعار من الفظ أي ماء الكرش وذلك مكروه شربه لا يتناول إلا في أشد ضرورة، قال: (ولو كنت فظا غليظ القلب).
فعل: الفعل التأثير من جهة مؤثر وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة ولما كان بعلم أو غير علم وقصد أو غير قصد، ولما كان من الانسان والحيوان والجمادات، والعمل مثله، والصنع أخص منهما كما تقدم ذكرهما، قال: (وما تفعلوا من خير يعلمه الله - ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما - يا أيها الرسول بلغ ما أنزل
إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) أي إن لم تبلغ هذا الامر فأنت في حكم من لم يبلغ شيئا بوجه، والذى من جهة الفاعل يقال له مفعول ومنفعل وقد فصل بعضهم بين المفعول والمنفعل فقال: المفعول يقال إذا اعتبر بفعل الفاعل، والمنفعل إذا اعتبر قبول الفعل في نفسه، قال: فالمفعول أعم من المنفعل لان المنفعل يقال لما لا يقصد الفاعل إلى إيجاده
وإن تولد منه كحمرة اللون من خجل يعترى من رؤية إنسان، والطرب الحاصل عن الغناء، وتحرك العاشق لرؤية معشوقه وقيل لكل فعل انفعال إلا للابداع الذى هو من الله تعالى فذلك هو إيجاد عن عدم لا في عرض وفى جوهر بل ذلك هو إيجاد الجوهر.
فقد: الفقد عدم الشئ بعد وجوده فهو أخص من العدم لان العدم يقال فيه وفيما لم يوجد بعد، قال (ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك) والتفقد التعهد لكن حقيقة التفقد تعرف فقدان الشئ والتعهد تعرف العهد المتقدم، قال: (وتفقد الطير) والفاقد المرأة التى تفقد ولدها أو بعلها.
فقر: الفقر يستعمل على أربعة أوجه: الاول وجود الحاجة الضرورية وذلك عام للانسان مادام في دار الدنيا بل عام للموجودات كلها، وعلى هذا قوله: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) وإلى هذا الفقر أشار بقوله في وصف الانسان (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام) والثانى: عدم المقتنيات وهو المذكور في قوله: (للفقراء الذين أحصروا) إلى قوله: (من التعفف - إن يكونوا فقراء يغنهم الله
من فضله) وقوله.
(إنما الصدقات للفقراء والمساكين) الثالث: فقر النفس وهو الشره المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام: " كاد الفقرا أن يكون كفرا " وهو المقابل بقوله: " الغنى غنى النفس " والمعنى بقولهم: من عدم القناعة لم يفده المال غنى.
الرابع: الفقر إلى الله المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: " اللهم أغننى بالافتفار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك " وإياه عنى بقوله تعالى: (رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير) وبهذا ألم الشاعر فقال: ويعجبنى فقرى إليك ولم يكن * ليعجبنى لولا محبتك الفقر ويقال افتقر فهو مفتقر وفقير، ولا يكاد يقال فقر وإن كان القياس يقتضيه.
وأصل الفقير هو المكسور الفقار، يقال فقرته فاقرة أي داهية تكسر الفقار وأفقرك الصيد فارمه أي أمكنك من فقاره، وقيل هو من الفقرة أي الحفرة، ومنه قيل لكل حفيرة يجتمع فيها الماء فقير، وفقرت للفسيل حفرت له حفيرة غرسته فيها، قال الشاعر: * ما ليلة الفقير إلا شيطان *
فقيل هو اسم بئر، وفقرت الخرز ثقبته، وأفقرت البعير ثقبت خطمه.
فقع: يقال أصفر فاقع إذا كان صادق الصفرة كقولهم أسود حالك، قال: (صفراء فاقع) والفقع ضرب من الكمأة وبه يشبه الذليل فيقال أذل من فقع بقاع، قال الخليل: سمى الفقاع لما يرتفع من زبده وفقاقيع الماء تشبيها به.
فقه: الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم، قال: (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا - ولكن لا يفقهون) إلى غير ذلك من الايات، والفقه العلم بأحكام الشريعة، يقال فقه الرجل فقاهة إذا صار فقيها، وفقه أي فهم فقها، وفقهه أي فهمه، وتفقه إذا طلبه فتخصص به، قال: (ليتفقهوا في الدين).
فكك: الفكك التفريج وفك الرهن تخليصه وفك الرقبة عتقها.
وقوله (فك رقبة) قيل هو عتق المملوك، وقيل بل هو عتق الانسان نفسه من عذاب الله بالكلم الطيب والعمل الصالح وفك غيره بما يفيده من ذلك.
والثانى: يحصل للانسان بعد حصول الاول
فإن من لم يهتد فليس في قوته أن يهدى كما بينت في مكارم الشريعة، والفكك انفراج المنكب عن مفصله ضعفا، والفكان ملتقى الشدقين.
وقوله: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) أي لم يكونوا متقرقين بل كانوا كلهم على الضلال كقوله: (كان الناس أمة واحدة) الاية، وما انفك يفعل كذا نحو: ما زال يفعل كذا.
فكر: الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل وذلك للانسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب ولهذا روى: " تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله إذ كان الله منزها أن يوصف بصورة " قال: (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات - أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة - إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون - يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون في الدنيا والاخرة) ورجل فكير كثير الفكرة، قال بعض الادباء: الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في
المعاني وهو فرك الامور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها.
فكه: الفاكهة قيل هي الثمار كلها وقيل بل هي الثمار ما عدا العنب والرمان.
وقائل هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما بالذكر، وعطفهما على الفاكهة، قال: (وفاكهة مما يتخيرون - وفاكهة كثيرة - وفاكهة وأبا - فواكه وهم مكرمون - وفواكه مما يشتهون)
والفكاهة حديث ذوى الانس، وقوله (فظلتم تفكهون) قيل تتعاطون الفكاهة، وقيل تتناولون الفاكهة.
وكذلك قوله (فاكهين بما آتاهم ربهم).
فلح: الفلح الشق، وقيل الحديد بالحديد يفلح، أي يشق، والفلاح الاكار لذلك والفلاح الظفر وإدراك بغية، وذلك ضربان: دنيوى وأخروى، فالدنيوي الظفر بالسعادات التى تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز وإياه قصد الشاعر بقوله: أفلح بما شئت فقد يدرك بالض * ضعف وقد يخدع الاريب وفلاح أخروى وذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل.
ولذلك قيل " لاعيش إلا عيش
الاخرة " وقال: (وإن الدار الاخرة لهى الحيوان - ألا إن حزب الله هم المفلحون - قد أفلح من تزكى - قد أفلح من زكاها - قد أفلح المؤمنون - لعلكم تفلحون - إنه لا يفلح الكافرون - فأولئك هم المفلحون) وقوله (وقد أفلح اليوم من استعلى) فيصح أنهم قصدوا به الفلاح الدنيوي وهو الاقرب، وسمى السحور الفلاح ويقال إنه سمى بذلك لقولهم عنده حى على الفلاح وقولهم في الاذان حى على الفلاح أي على الظفر الذى جعله الله لنا بالصلاة وعلى هذا قوله " حتى خفنا أن يفوتنا الفلاح " أي الظفر الذى جعل لنا بصلاة العتمة.
فلق: الفلق شق الشئ وإبانة بعضه عن بعض يقال فلقته فانفلق، قال (فالق الاصباح - إن الله فالق الحب والنوى - فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) وقيل للمطمئن من الارض بين ربوتين فلق، وقوله (قل أعوذ برب الفلق) أي الصبح وقيل الانهار المذكورة في قوله (أم من جعل الارض قرارا وجعل خلالها أنهارا) وقيل هو الكلمة التى علم الله تعالى موسى ففلق بها البحر، والفلق المفلوق كالنفض والنكث للمنقوض والمنكوث،
وقيل الفلق العجب والفيلق كذلك، والفليق والفالق ما بين الجبلين وما بين السنامين من ظهر البعير.
فلك: الفلك السفينة ويستعمل ذلك للواحد والجمع وتقديراهما مختلفان فإن الفلك إن كان واحدا كان كبناء قفل، وإن كان جمعا فكبناء حمر، قال (حتى إذا كنتم في الفلك - والفلك التى تجرى في البحر - وترى الفلك فيه مواخر - وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون) والفلك مجرى الكواكب وتسميته بذلك لكونه كالفلك، قال: (وكل في فلك يسبحون) وفلكة المغزل ومنه اشتق فلك ثدى المرأة، وفلكت الجدى إذا جعلت في لسانه مثل فلكة يمنعه عن الرضاع.
فلن: فلان وفلانة كنايتان عن الانسان، والفلان والفلانة كنايتان عن الحيوانات، قال: (يا ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا) تنبيها أن كل انسان يندم على من خاله وصاحبه في تحرى باطل فيقول ليتنى لم أخاله وذلك إشارة إلى ما قال: (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو
إلا المتقين).
فنن: الفنن الغصن الغض الورق وجمعه أفنان ويقال ذلك للنوع من الشئ وجمعه فنون وقوله: (ذواتا أفنان) أي ذواتا غصون وقيل ذواتا ألوان مختلفة.
فند: التفنيد نسبة الانسان إلى الفند وهو ضعف الرأى، قال: (لولا أن تفندون) قيل أن تلوموني وحقيقته ما ذكرت والافناد أن يظهر من الانسان ذلك، والفند شمراخ الجبل وبه سمى الرجل فندا.
فهم: الفهم هيئة للانسان بها يتحقق معاني ما يحسن، يقال فهمت كذا وقوله: (ففهمناها سليمان) وذلك إما بأن جعل الله له من فضل قوة الفهم ما أدرك به ذلك.
وإما بأن ألقى ذلك في روعه أو بأن أوحى إليه وخصه به، وأفهمته إذا قلت له حتى تصوره، والاستفهام أن يطلب من غيره أن يفهمه.
فوت: الفوت بعد الشئ عن الانسان بحيث يتعذر إدراكه، قال: (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار) وقال: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم - ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) أي لا يفوتون ما فزعوا منه، ويقال
هو منى فوت الرمح أي حيث لا يدركه الرمح، وجعل الله رزقه فوت فمه أي حيث يراه ولا يصل إليه فمه، والافتيات افتعال منه وهو أن يفعل الانسان الشئ من دون ائتمار من حقه أن يؤتمر فيه، والتفات والاختلاف في الاوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الاخر أو وصف كل واحد منهما الاخر، قال: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) أي ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة.
فوج: الفوج الجماعة المارة المسرعة وجمعه أفواج، قال: (كلما ألقى فيها فوج - فوج مقتحم - في دين الله أفواجا).
فأد: الفؤاد كالقلب لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤد أي التوقد، يقال فأدت اللحم شويته ولحم فئيد مشوى، قال: (ما كذب الفؤاد ما رأى - إن السمع والبصر والفؤاد) وجمع الفؤاد أفئدة، قال: (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم - وجعل لكم السمع والابصار والافئدة - وأفئدتهم هواء - نار الله الموقدة التى تطلع على الافئدة) وتخصيص الافئدة تنبيه على فرط تأثير له، وما بعد هذا الكتاب من الكتب في علم القرآن
موضع ذكره.
فور: الفور شدة الغليان ويقال ذلك
في النار نفسها إذا هاجت وفى القدر وفى الغضب نحو: (وهى تفور - وفار التنور) قال الشاعر: * ولا العرق فارا * ويقال فار فلان من الحمى يفور والفوارة ما تقذف به القدر من فورانه وفوارة الماء سميت تشبيها بغليان القدر، ويقال فعلت كذا من فورى أي في غليان الحال وقيل سكون الامر، قال (ويأتوكم من فورهم هذا) والفار جمعه فيران، وفأرة المسك تشبيها بها في الهيئة، ومكان فئر فيه الفأر.
فوز: الفوز الظفر بالخير مع حصول السلامة، قال (ذلك هو الفوز الكبير - فاز فوزا عظيما - ذلك هو الفوز المبين) وفى أخرى (العظيم - أولئك هم الفائزون) والمفازة قيل سميت تفاؤلا للفوز وسميت بذلك إذا وصل بها إلى الفوز فإن القفر كما يكون سببا للهلاك فقد يكون سببا للفوز فيسمى بكل واحد منهما حسبما يتصور منه ويعرض فيه، وقال بعضهم:
سميت مفازة من قولهم فوز الرجل إذا هلك، فإن يكن فوز بمعنى هلك صحيحا فذلك راجع إلى الفوز تصورا لمن مات بأنه نجا من حبالة الدنيا، فالموت وإن كان من وجه هلكا فمن وجه فوز ولذلك قيل ما أحد إلا والموت خير له، هذا إذا اعتبر بحال الدنيا، فأما إذا اعتبر بحال الاخرة فيما يصل إليه من النعيم فهو الفوز الكبير (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) وقوله (فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) فهى مصدر فاز والاسم الفوز أي لا تحسبنهم يفوزون ويتخلصون من العذاب.
وقوله (إن للمتقين مفازا) أي فوزا، أي مكان فوز ثم فسر فقال (حدائق وأعنابا) الاية.
وقوله (ولئن أصابكم فضل) إلى قوله (فوزا عظيما) أي يحرصون على أغراض الدنيا ويعدون ما ينالونه من الغنيمة فوزا عظيما.
فوض: قال (وأفوض أمرى إلى الله) أرده إليه وأصله من قولهم مالهم فوضى بينهم قال الشاعر: * طعامهم فوضى فضا في رحالهم * ومنه شركة المفاوضة.
فيض: فاض الماء إذا سال منصبا، قال (ترى أعينهم تفيض من الدمع) وأفاض إناءه إذا ملاه حتى أساله وأفضته، قال (أن أفيضوا علينا من الماء) ومنه فاض صدره بالسر أي سال ورجل فياض أي سخى ومنه استعير أفاضوا في الحديث إذا خاضوا فيه، قال (لمسكم فيما أفضتم فيه - هو أعلم بما تفيضون فيه - إذ تفيضون فيه) وحديث مستفيض منتشر، والفيض الماء الكثير، يقال إنه أعطاه غيضا من فيض أي قليلا من كثير وقوله: (فإذا أفضتم من عرفات) وقوله:
(ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) أي دفعتم منها بكثرة تشبيها بفيض الماء، وأفاض بالقداح ضرب بها، وأفاض البعير بجرته رمى بها ودرع مفاضة أفيضت على لابسها كقولهم درع مسنونة من سننت أي صببت.
فوق: فوق يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة وذلك أضرب، الاول: باعتبار العلو نحو: (ورفعنا فوقكم الطور - من فوقهم ظلل من النار - وجعل فيها رواسي من فوقها) ويقابله تحت قال، (قل هو القادر
على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم) الثاني: باعتبار الصعود والحدور نحو قوله (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم) الثالث: يقال في العدد نحو قوله (فإن كن نساء فوق اثنتين) الرابع: في الكبر والصغر (مثلا ما بعوضة فما فوقها) قيل أشار بقوله (فما فوقها) إلى العنكبوت المذكور في الاية، وقيل معناه ما فوقها في الصغر ومن قال أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى، وتصور بعض أهل اللغة أنه يعنى أن فوق يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما صنفه من الاضداد، وهذا توهم منه.
الخامس: باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) أو الاخروية: (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة - فوق الذين كفروا) السادس: باعتبار القهر والغلبة نحو قوله: (وهو القاهر فوق عباده) وقوله عن فرعون: (وإنا فوقهم قاهرون) ومن فوق، قيل فاق فلان غيره يفوق إذا علاه وذلك من فوق المستعمل في الفضيلة، ومن فوق يشتق فوق السهم وسهم أفوق انكسر فوقه، والافاقة رجوع الفهم إلى الانسان بعد
السكر أو الجنون والقوة بعد المرض، والافاقة في الحلب رجوع الدر وكل درة بعد الرجوع يقال لها فيقة، والفواق ما بين الحلبتين.
وقوله: (ما لها من فواق) أي من راحة ترجع إليها، وقيل ما لها من رجوع إلى الدنيا.
قال أبو عبيدة: من قرأ (من فواق) بالضم فهو من فواق الناقة أي ما بين، الحلبتين، وقيل هما واحد نحو جمام وجمام، وقيل استفق ناقتك أي اتركها حتى يفوق لبنها، وفوق فصيلك أي اسقه ساعة بعد ساعة، وظل يتفوق المخض، قال الشاعر: * حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت * فيل: الفيل معروف جمعه فيلة وفيول قال: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) ورجل فيل الرأى وفال الرأى أي ضعيفه، والمفايلة لعبة يخبئون شيئا في التراب ويقسمونه ويقولون في أيها هو، والفائل عرق في خربة الورك أو لحم عليها.
فوم: الفوم الحنطة وقيل هي الثوم، يقال ثوم وفوم كقولهم جدث وجدف، قال: (وفومها وعدسها).
فوه: أفواه جمع فم وأصل فم فوه وكل موضع علق الله تعالى حكم القول بالفم فإشارة إلى الكذب وتنبيه أن الاعتقاد لا يطابقه نحو (ذلكم قولكم بأفواهكم) وقوله (كلمة تخرج من أفواههم - يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم - فردوا أيديهم في أفواههم - من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم - يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) ومن ذلك فوهة النهر كقولهم: فم النهر، وأفواه الطيب الواحد فوه.
فيأ: الفئ والفيئة الرجوع إلى حالة محمودة، قال (حتى تفئ إلى أمر الله - فإن فاءت) وقال: (فإن فاءوا) ومنه فاء الظل، والفئ لا يقال إلا للراجع منه، قال: (يتفيؤ ظلاله).
وقيل للغنيمة التى لا يلحق فيها مشقة فئ، قال: (ما أفاء الله على رسوله - مما أفاء الله عليك) قال بعضهم: سمى ذلك بالفئ الذى هو الظل تنبيها أن أشرف أعراض الدنيا يجرى مجرى ظل زائل، قال الشاعر: * أرى المال أفياء الظلال عشية * وكما قال: * إنما الدنيا كظل زائل *
والفئة الجماعة المتظاهرة التى يرجع بعضهم إلى بعض في التعاضد، قال: (إذا لقيتم فئة - كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة - في فئتين التقتا - في المنافقين فئتين - من فئة ينصرونه - فلما تراءت الفئتان)
كتاب القاف
قبح: القبيح ما ينبو عنه البصر من الاعيان وما تنبو عنه النفس من الاعمال والاحوال وقد قبح قباحة فهو قبيح، وقوله (من المقبوحين) أي من الموسومين بحالة منكرة، وذلك إشارة إلى ما وصف الله تعالى به الكفار من الرجاسة والنجاسة إلى غير ذلك من الصفات، وما وصفهم به يوم القيامة من سواد الوجوه وزرقة العيون وسحبهم بالاغلال والسلاسل ونحو ذلك، يقال: قبحه الله عن الخير أي نحاه، ويقال لعظم الساعد، مما يلى النصف منه إلى المرفق قبيح.قبر: القبر مقر الميت ومصدر قبرته جعلته في القبر وأقبرته جعلت له مكانا يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ما يسقى منه، قال (ثم أماته فأقبره) قيل معناه ألهم كيف يدفن،
والمقبرة والمقبرة موضع القبور وجمعها مقابر، قال: (حتى زرتم المقابر) كناية عن الموت.
وقوله (إذا بعثر ما في القبور) إشارة إلى حال البعث وقيل إشارة إلى حين كشف السرائر فإن أحوال الانسان ما دام في الدنيا مستورة كأنها مقبورة فتكون القبور على طريق الاستعارة، وقيل معناه إذا زالت الجهالة بالموت فكأن الكافر والجاهل مادام في الدنيا فهو مقبور فإذا مات فقد أنشر وأخرج من قبره أي من جهالته وذلك حسبما روى " الانسان نائم فإذا مات انتبه " وإلى هذا المعنى أشار بقوله (وما أنت بمسمع من في القبور) أي الذين هم في حكم الاموات.
قبس: القبس المتناول من الشعلة، قال: (أو آتيكم بشهاب قبس) والقبس والاقتباس طلب ذلك ثم يستعار لطلب العلم والهداية.
قال (انظرونا نقتبس من نوركم) وأقبسته نارا أو علما أعطيته، والقبيس فحل سريع الالقاح تشبيها بالنار في السرعة.
قبص: القبص التناول بأطراف الاصابع والمتناول بها يقال له القبص والقبيصة، ويعبر عن القليل بالقبيص وقرئ (فقبصت قبصة)
والقبوص الفرس الذى لا يمس في عدوه الارض إلا بسنابكه وذلك استعارة كاستعارة القبص له في العدو.
قبض: القبض تناول الشئ بجميع الكف نحو قبض السيف وغيره، قال (فقبضت قبضة) فقبض اليد على الشئ جمعها بعد تناوله، وقبضها عن الشئ جمعها قبل تناوله وذلك إمساك عنه ومنه قيل لامساك اليد عن البذل قبض.
قال (يقبضون أيديهم) أي يمتنعون من الانفاق ويستعار القبض لتحصيل الشئ وإن لم يكن فيه مراعاة الكف كقولك قبضت الدار من فلان، أي حزتها.
قال تعالى: (والارض جميعا قبضته يوم القيامة) أي في حوزه حيث لا تمليك لاحد.
وقوله: (ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) فإشارة إلى نسخ الظل الشمس.
ويستعار القبض، للعدو لتصور الذى يعدو بصورة المتناول من الارض شيئا وقوله: (يقبض ويبسط) أي يسلب تارة ويعطى تارة، أو يسلب قوما ويعطى قوما أو يجمع مرة ويفرق أخرى، أو يميت ويحيى، وقد يكنى بالقبض عن الموت
فيقال قبضه الله وعلى هذا النحو قوله عليه الصلاة والسلام: " ما من آدمى إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن " أي الله قادر على تصريف أشرف جزء منه فكيف ما دونه، وقيل راعى قبضة: يجمع الابل، والانقباض جمع الاطراف ويستعمل في ترك التبسط.
قبل: قبل يستعمل في التقدم المتصل والمنفصل ويضاده بعد، وقيل يستعملان في التقدم المتصل ويضادهما دبر ودبر هذا في الاصل وإن كان قد يتجوز في كل واحد منهما.
فقبل يستعمل على أوجه، الاول: في المكان بحسب الاضافة فيقول الخارج من أصبهان إلى مكة: بغداد قبل الكوفة، ويقول الخارج من مكة إلى أصبهان: الكوفة قبل بغداد.
الثاني: في الزمان نحو: زمان عبد الملك قبل المنصور، قال: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل).
الثالث: في المنزلة نحو: عبد الملك قبل الحجاج.
الرابع: في الترتيب الصناعي نحو تعلم الهجاء قبل تعلم الخط، وقوله: (ما آمنت قبلهم من قرية) وقوله: (قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - قبل أن تقوم من مقامك - أوتوا الكتاب من قبل)
فكل إشارة إلى التقدم الزمانى.
والقبل والدبر يكنى بهما عن السوأتين، والاقبال التوجه نحو القبل، كالاستقبال، قال (فأقبل بعضهم - وأقبلوا عليهم - فأقبلت امرأته) والقابل الذى يستقبل الدلو من البئر فيأخذه، والقابلة التى تقبل الولد عند الولادة، وقبلت عذره وتوبته وغيره وتقبلته كذلك، قال (ولا يقبل منها عدل - وقابل التوب - وهو الذى يقبل التوبة - إنما يتقبل الله) والتقبل قبول الشئ على وجه يقتضى ثوابا كالهدية ونحوها، قال: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) وقوله: (إنما يتقبل الله من
المتقين) تنبيه أن ليس كل عبادة متقبلة بل إنما يتقبل إذا كان على وجه مخصوص، قال: (فتقبل منى) وقيل للكفالة قبالة فإن الكفالة هي أو كد تقبل، وقوله (فتقبل منى) فباعتبار معنى الكفالة، وسمى العهد المكتوب قبالة، وقوله (فتقبلها) قيل معناه قبلها وقيل معناه تكفل بها ويقول الله تعالى كلفتني أعظم كفالة في الحقيقة وإنما قيل: (فتقبلها ربها بقبول) ولم يقل بتقبل للجمع
بين الامرين: التقبل الذى هو الترقي في القبول، والقبول الذى يقتضى الرضا والاثابة.
وقيل القبول هو من قولهم فلان عليه قبول إذا أحبه من رآه، وقوله: (كل شئ قبلا) قيل هو جمع قابل ومعناه مقابل لحواسهم، وكذلك قال مجاهد: جماعة جماعة، فيكون جمع قبيل، وكذلك قوله: (أو يأتيهم العذاب قبلا) ومن قرأ قبلا فمعناه عيانا.
والقبيل جمع قبيلة وهى الجماعة المجتمعة التى يقبل بعضها على بعض، قال (وجعلناكم شعوبا وقبائل - والملائكة قبيلا) أي جماعة جماعة وقيل معناه كفيلا من قولهم قبلت فلانا وتقبلت به أي تكفلت به، وقيل مقابلة أي معاينة، ويقال فلان لا يعرف قبيلا من دبير أي ما أقبلت به المرأة من غزلها وما أدبرت به.
والمقابلة والتقابل أن يقبل بعضهم على بعض إما بالذات وإما بالعناية والتوفر والمودة، قال: (متكئين عليها متقابلين - إخوانا على سرر متقابلين) ولى قبل فلان كذا كقولك عنده، قال (وجاء فرعون ومن قبله - فما للذين كفروا قبلك مهطعين) ويستعار ذلك للقوة والقدرة على المقابلة أي المجازاة فيقال لا قبل
لى بكذا أي لا يمكننى أن أقابله، قال: (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) أي لا طاقة لهم على استقبالها ودفاعها.
والقبلة في الاصل اسم للحالة التى عليها المقابل نحو الجلسة والقعدة، وفى التعارف صار اسما للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة نحو (فلنولينك قبلة ترضاها) والقبول ريح الصبا تسميتها بذلك لاستقبالها القبلة.
وقبيلة الرأس موصل الشؤن وشاة مقابلة قطع من قبل أذنها، وقبال النعل زمامها، وقد قابلتها جعلت لها قبالا، والقبل الفحج، والقبلة خرزة يزعم الساحر أنه يقبل بالانسان على وجه الاخر، ومنه القبلة وجمعها قبل وقبلته تقبيلا.
قتر: القتر تقليل النفقة وهو بإزاء الاسراف وكلاهما مذمومان، قال: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) ورجل قتور ومقتر، وقوله: (وكان الانسان قتورا) تنبيه على ما جبل عليه الانسان من البخل كقوله: (وأحضرت الانفس الشح) وقد قترت الشئ وأقترته وقترته أي قللته ومقتر فقير، قال: (وعلى المقتر قدره) وأصل
ذلك من القتار، والقتر وهو الدخان الساطع من الشواء والعود ونحوهما فكأن المقتر والمقتر يتناول من الشئ قتاره، وقوله (ترهقها قترة) نحو (غبرة) وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب.
والقترة ناموس الصائد الحافظ لقتار الانسان أي الريح لان الصائد يجتهد أن يخفى ريحه عن الصيد لئلا يند، ورجل قاتر ضعيف كأنه قتر في الخفة كقوله هو هباء، وابن قترة حية صغيرة خفيفة، والقتير رؤوس مسامير الدرع.
قتل: أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت لكن إذا اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال قتل وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال موت قال (أفإن مات أو قتل) وقوله (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم - قتل الانسان) وقيل قوله (قتل الخراصون) لفظ قتل دعاء عليهم وهو من الله تعالى إيجاد ذلك، وقوله: (فاقتلوا أنفسكم) قيل معناه ليقتل بعضكم بعضا وقيل عنى بقتل النفس إماطة الشهوات وعنه استعير على سبيل المبالغة قتلت الخمر بالماء إذا مزجته، وقتلت فلانا، وقتلته إذا ذللته، قال الشاعر:
* كأن عينى في غربي مقتلة * وقتلت كذا علما: (وما قتلوه يقينا) أي ما علموا كونه مصلوبا علما يقينا.
والمقاتلة المحاربة وتحرى القتل، قال (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة - ولئن قوتلوا - قاتلوا الذين يلونكم - ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل) وقيل القتل العدو والقرن وأصله المقاتل، وقوله (قاتلهم الله) قيل معناه لعنهم الله، وقيل معناه قتلهم والصحيح أن ذلك هو المفاعلة والمعنى صار بحيث يتصدى لمحاربة الله فإن من قاتل الله فمقتول ومن غالبه فهو مغلوب كما قال (وإن جندنا لهم الغالبون) وقوله (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) فقد قيل إن ذلك نهى عن وأد البنات، وقال بعضهم بل نهى عن تضييع البذر بالعزلة ووضعه في غير موضعه وقيل إن ذلك نهى عن شغل الاولاد بما يصدهم عن العلم وتحرى ما يقتضى الحياة الابدية إذ كان الجاهل والغافل عن الاخرة في حكم الاموات، ألا ترى أنه وصفهم بذلك في قوله (أموات غير أحياء) وعلى هذا (ولا تقتلوا أنفسكم) ألا ترى أنه قال (ومن يفعل ذلك) وقوله (ولا تقتلوا
الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) فإنه ذكر لفظ القتل دون الذبح والذكاة، إذ كان القتل أعم هذه الالفاظ تنبيها أن تفويت روحه على جميع الوجوه محظور، يقال أقتلت فلانا عرضته للقتل واقتتله العشق والجن ولا يقال ذلك في غيرهما، والاقتتال كالمقاتلة، قال: (من المؤمنين اقتتلوا).
قحم: الاقتحام توسط شدة مخيفة، قال: (فلا اقتحم العقبة - هذا فوج مقتحم) وقحم الفرس فارسه: توغل به ما يخاف عليه، وقحم فلان نفسه في كذا من غير روية، والمقاحيم الذين يقتحمون في الامر، قال الشاعر: * مقاحيم في الامر الذى يتجنب * ويروى: يتهيب.
قدد: القد قطع الشئ طولا، قال (إن كان قميصه قد من قبل - وإن كان قميصه قد من دبر) والقد المقدود، ومنه قيل لقامة الانسان قد كقولك تقطيعه، وقددت اللحم فهو قديد، والقدد الطرائق، قال: (طرائق
قددا) الواحدة قدة، والقدة الفرقة من الناس والقدة كالقطعة واقتد الامر دبره كقولك فصله وصرمه، وقد: حرف يختص بالفعل والنحويون يقولون هو للتوقع وحقيقته أنه إذا دخل على فعل ماض فإنما يدخل على كل فعل متجدد نحو قوله (قد من الله علينا - قد كان لكم آية في فئتين - قد سمع الله - لقد رضى الله عن المؤمنين - لقد تاب الله على النبي) وغير ذلك ولما قلت لا يصح أن يستعمل في أوصاف الله تعالى الذاتية فيقال قد كان الله عليما حكيما وأما قوله قد (علم أن سيكون منكم مرضى) فإن ذلك متناول للمرض في المعنى كما أن النفى في قولك: ما علم الله زيدا يخرج، هو للخروج وتقدير ذلك قد يمرضون فيما علم الله، وما يخرج زيد فيما علم الله وإذا دخل " قد " على المستقبل من الفعل فذلك الفعل يكون في حالة دون حالة نحو (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا) أي قد يتسللون أحيانا فيما علم الله.
وقد وقط: يكونان اسما للفعل بمعنى حسب، يقال قدنى كذا وقطنى كذا، وحكى قدى.
وحكى الفراء قد زيدا وجعل ذلك مقيسا على ما سمع من قولهم قدنى
وقدك، والصحيح أن ذلك لا يستعمل مع الظاهر وإنما جاء عنهم في المضمر.
قدر: القدرة إذا وصف بها الانسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شئ ما، وإذا وصف الله تعالى بها فهى نفى العجز عنه ومحال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا بل حقه أن يقال قادر على كذا، ومتى قيل هو قادر فعلى سبيل معنى التقييد ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه، والله تعالى هو الذى ينتفى عنه العجز من كل وجه.
والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى، قال: (إنه على ما يشاء قدير) والمقتدر يقاربه نحو (عند مليك مقتدر) لكن قد يوصف به البشر وإذا استعمل في الله
تعالى فمعناه معنى القدير، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة، يقال قدرت على كذا قدرة، قال: (لا يقدرون على شئ مما كسبوا) والقدر والتقدير تبيين
كمية الشئ يقال قدرته وقدرته، وقدره بالتشديد أعطاه القدرة يقال قدرني الله على كذا وقوانى عليه فتقدير الله الاشياء على وجهين، أحدهما: بإعطاء القدرة، والثانى: بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة، وذلك أن فعل الله تعالى ضربان: ضرب أوجده بالفعل، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى أن يشاء أن يفنيه أو يبدله كالسموات وما فيها.
ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون، وتقدير منى الانسان أن يكون منه الانسان دون سائر الحيوانات.
فتقدير الله على وجهين، أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الامكان.
وعلى ذلك قوله (قد جعل الله لكل شئ قدرا).
والثانى: بإعطاء القدرة عليه.
وقوله (فقدرنا فنعم القادرون) تنبيها أن كل ما يحكم به فهو محمود في حكمه أو يكون من قوله (قد جعل
الله لكل شئ قدرا) وقرئ (فقدرنا) بالتشديد وذلك منه أو من إعطاء القدرة، وقوله (نحن قدرنا بينكم الموت) فإنه تنبيه أن ذلك حكمة من حيث إنه هو المقدر وتنبيه أن ذلك ليس كما زعم المجوس أن الله يخلق وإبليس يقتل، وقوله (إنا أنزلناه في ليلة القدر) إلى آخرها أي ليلة قيضها لامور مخصوصة.
وقوله: (إنا كل شئ خلقناه بقدر) وقوله: (والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه) إشارة إلى ما أجرى من تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما في وقت معلوم، وقوله (من نطفة خلقه فقدره) فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوة فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصورة، وقوله (وكان أمر الله قدرا مقدورا) فقدر إشارة إلى ما سبق به القضاء والكتابة في اللوح المحفوظ.
والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: " فرغ ربكم من الخلق والاجل والرزق "، والمقدور إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا مما قدر وهو المشار إليه بقوله (كل يوم هو في شأن) وعلى ذلك
قوله: (وما ننزله إلا بقدر معلوم) قال أبو الحسن: خذه بقدر كذا وبقدر كذا، وفلان يخاصم بقدر وقدر، وقوله: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره)
أي ما يليق بحاله مقدرا عليه، وقوله (والذى قدر فهدى) أي أعطى كل شئ ما فيه مصلحته وهداه لما فيه خلاصه إما بالتسخير وإما بالتعليم كما قال (أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) والتقدير من الانسان على وجهين أحدهما: التفكر في الامر بحسب نظر العقل وبناء الامر عليه وذلك محمود، والثانى أن يكون بحسب التمنى والشهوة وذلك مذموم كقوله (فكر وقدر فقتل كيف قدر) وتستعار القدرة والمقدور للحال والسعة في المال، والقدر وقت الشئ المقدر له والمكان المقدر له، قال: (إلى قدر معلوم) وقال: (فسالت أودية بقدرها) أي بقدر المكان المقدر لان يسعها، وقرئ (بقدرها) أي تقديرها.
وقوله: (وغدوا على حرد قادرين) قاصدين أي معينين لوقت قدروه، وكذلك قوله: (فالتقى الماء على أمر قد قدر) وقدرت عليه الشئ ضيقته
كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب، قال: (ومن قدر عليه رزقه) أي ضيق عليه وقال (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) وقال: (فظن أن لن نقدر عليه) أي لن نضيق عليه وقرئ (لن نقدر عليه)، ومن هذا المعنى اشتق الاقدر أي القصير العنق وفرس أقدر يضع حافر رجله موضع حافر يده وقوله (وما قدروا الله حق قدره) أي ما عرفوا كنهه تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه وهذا وصفه وهو قوله (والارض جميعا قبضته يوم القيامة)، وقوله: (أن اعمل سابغات وقدر في السرد) أي أحكمه، وقوله: (فإنا عليهم مقتدرون) ومقدار الشئ للشئ المقدر له وبه وقتا كان أو زمانا أو غيرهما، قال (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) وقوله (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله) فالكلام فيه مختص بالتأويل.
والقدر اسم لما يطبخ فيه اللحم، قال تعالى: (وقدور راسيات) وقدرت اللحم طبخته في القدر، والقدير المطبوخ فيها، والقدار الذى ينحر ويقدر، قال الشاعر:
* ضرب القدار نقيعة القدام * قدس: التقديس التطهير الالهى المذكور في قوله (ويطهركم تطهيرا) دون التطهير الذى هو إزالة النجاسة المحسوسة، وقوله: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) أي نطهر الاشياء ارتساما لك وقيل نقدسك أي نصفك بالتقديس.
وقوله: (قل نزله روح القدس) يعنى به جبريل من حيث إنه ينزل بالقدس من الله أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الالهى، والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة أي الشرك، وكذلك الارض المقدسة، قال تعالى: (يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التى كتب الله لكم)،
وحظيرة القدس قيل الجنة وقيل الشريعة وكلاهما صحيح فالشريعة حظيرة منها يستفاد القدس أي الطهارة.
قدم: القدم قدم الرجل وجمعه أقدام، قال: (ويثبت به الاقدام) وبه اعتبر التقدم والتأخر، والتقدم على أربعة أوجه كما ذكرنا في قبل، ويقال حديث وقديم وذلك إما باعتبار
الزمانين وإما بالشرف نحو فلان متقدم على فلان أي أشرف منه، وإما لما لا يصح وجود غيره إلا بوجوده كقولك الواحد متقدم على العدد بمعنى أنه لو توهم ارتفاعه لارتفعت الاعداد، والقدم وجود فيما مضى والبقاء وجود فيما يستقبل، وقد ورد في وصف الله، يا قديم الاحسان، ولم يرد في شئ من القرآن والاثار الصحيحة: القديم في وصف الله تعالى والمتكلمون يستعملونه، ويصفونه به، وأكثر ما يستعمل القديم باعتبار الزمان نحو (العرجون القديم) وقوله (قدم صدق عند ربهم) أي سابقة فضيلة وهو اسم مصدر وقدمت كذا، قال: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات)، وقال: (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم) وقدمت فلانا أقدمه إذا تقدمته، قال: (يقدم قومه يوم القيامة - بما قدمت أيديهم) وقوله: (لا تقدموا بين يدى الله ورسوله) قيل معناه لا تتقدموه وتحقيقه لا تسبقوه بالقول والحكم بل افعلوا ما يرسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون وهم الملائكة حيث قال: (لا يسبقونه بالقول) وقوله (لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)
أي لا يريدون تأخرا ولا تقدما.
وقوله: (ونكتب ما قدموا وآثارهم) أي ما فعلوه، قيل وقدمت إليه بكذا إذا أمرته قبل وقت الحاجة إلى فعله وقبل أن يدهمه الامر والناس وقدمت به أعلمته قبل وقت الحاجة إلى أن يعمله ومنه (وقد قدمت إليكم بالوعيد) وقدام بإزاء خلف وتصغيره قديدمة، وركب فلان مقاديمه إذا مر على وجهه، وقادمة الرحل وقادمة الاطباء وقادمة الجناح ومقدمة الجيش والقدوم كل ذلك يعتبر فيه معنى التقدم.
قذف: القذف الرمى البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيف وبلدة قذوف بعيدة، وقوله: (فاقذفيه في اليم) أي اطرحيه فيه، وقال: (وقذف في قلوبهم الرعب - بل نقذف بالحق على الباطل - يقذف بالحق علام الغيوب - ويقذفون من كل جانب دحورا) واستعير القذف للشتم والعيب كما استعير الرمى.
قر: قر في مكانه يقر قرارا إذا ثبت ثبوتا جامدا، وأصله من القر وهو البرد وهو يقتضى السكون، والحر يقتضى الحركة، وقرئ (وقرن في بيوتكن) قيل أصله اقررن
فحذف إحدى الراءين تحقيقا نحو (فظلتم
تفكهون) أي ظللتم، قال تعالى: (جعل لكم الارض قرارا - أمن جعل الارض قرارا) أي مستقرا وقال في صفة الجنة: (ذات قرار ومعين) وفى صفة النار قال: (فبئس القرار) وقوله: (اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار) أي ثبات وقال الشاعر: * ولا قرار على زأر من الاسد * أي أمن واستقرار، ويوم القر بعد يوم النحر لاستقرار الناس فيه بمنى، واستقر فلان إذا تحرى القرار، وقد يستعمل في معنى قر كاستجاب وأجاب قال في الجنة: (خير مستقرا وأحسن مقيلا) وفى النار (ساءت مستقرا)، وقوله: (فمستقر ومستودع) قال ابن مسعود مستقر في الارض ومستودع في القبور.
وقال ابن عباس: مستقر في الارض ومستودع في الاصلاب.
وقال الحسن: مستقر في الاخرة ومستودع في الدنيا.
وجملة الامر أن كل حال ينقل عنها الانسان فليس بالمستقر التام والاقرار إثبات الشئ، قال: (ونقر في الارحام ما نشاء إلى أجل) وقد يكون ذلك إثباتا
إما بالقلب وإما باللسان وإما بهما، والاقرار بالتوحيد وما يجرى مجراه لا يغنى باللسان ما لم يضامه الاقرار بالقلب، ويضاد الاقرار الانكار وأما الجحود فإنما يقال فيما ينكر باللسان دون القلب، وقد تقدم ذكره، قال: (ثم أقررتم وأنتم تشهدون - ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا) وقيل قرت ليلتنا تقر ويوم قر وليلة قرة.
وقر فلان فهو مقرور أصابه القر، وقيل حرة تحت قرة، وقررت القدر أقرها صببت فيها ماء قارا أي باردا واسم ذلك الماء القرارة والقررة واقتر فلان اقترارا نحو تبرد وقرت عينه تقر سرت، قال: (كى تقر عينها) وقيل لمن يسر به قرة عين، قال: (قرة عين لى ولك) وقوله: (هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) قيل أصله من القر أي البرد فقرت عينه.
قيل معناه بردت فصحت وقيل بل لان للسرور دمعة باردة قارة وللحزن دمعة حارة، ولذلك يقال فيمن يدعى عليه: أسخن الله عينه، وقيل هو من القرار.
والمعنى أعطاه الله ما تسكن به عينه
فلا يطمح إلى غيره، وأقر بالحق اعترف به وأثبته على نفسه.
وتقرر الامر على كذا أي حصل، والقارورة معروفة وجمعها قوارير، قال: (قوارير من فضة)، وقال: (صرح ممرد من قوارير) أي من زجاج.
قرب: القرب والبعد يتقابلان، يقال قربت منه أقرب وقربته أقربه قربا وقربانا ويستعمل ذلك في المكان وفى الزمان وفى النسبة وفى الخطوة والرعاية والقدرة، فمن الاول نحو (ولا تقربا هذه الشجرة - ولا تقربوا
مال اليتيم - ولا تقربوا الزنا - فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا).
وقوله (ولا تقربوهن) كناية عن الجماع كقوله (لا يقربوا المسجد الحرام)، وقوله: (فقربه إليهم) وفى الزمان نحو (اقترب للناس حسابهم) وقوله (وإن أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون) وفى النسبة نحو: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى)، وقال: (الوالدان والاقربون) وقال: (ولو كان ذا قربى - ولذي القربى - والجار ذى القربى - يتيما ذا مقربة) وفى الحظوة (والملائكة المقربون) وقال في عيسى
(وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين - عينا يشرب بها المقربون - فأما إن كان من المقربين - قال نعم وإنكم لمن المقربين - وقربناه نجيا) ويقال للحظوة القربة كقوله (قربات عند الله ألا إنها قربة لهم - تقربكم عندنا زلفى) وفى الرعاية نحو (إن رحمة الله قريب من المحسنين) وقوله (فإنى قريب أجيب دعوة الداع) وفى القدرة نحو (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقوله (ونحن أقرب إليه منكم) يحتمل أن يكون من حيث القدرة، والقربان ما يتقرب به إلى الله وصار في التعارف اسما للنسيكة التى هي الذبيحة وجمعه قرابين، قال: (إذ قربا قربانا - حتى يأتيا بقربان) وقوله: (قربانا آلهة) فمن قولهم قربان الملك لمن يتقرب بخدمته إلى الملك، ويستعمل ذلك للواحد والجمع ولكونه في هذا الموضع جمعا قال آلهة، والتقرب التحدي بما يقتضى حظوة وقرب الله تعالى من العبد هو بالافضال عليه والفيض لا بالمكان ولهذا روى أن موسى عليه السلام قال إلهى أقريب أنت فأناجيك ؟ أم بعيد فأناديك ؟ فقال: لو قدرت لك البعد لما انتهيت إليه، ولو قدرت لك القرب لما اقتدرت
عليه.
وقال: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقرب العبد من الله في الحقيقة التخصص بكثير من الصفات التى يصح أن يوصف الله تعالى بها وإن لم يكن وصف الانسان بها على الحد الذى يوصف تعالى به نحو: الحكمة والعلم والحلم والرحمة والغنى وذلك يكون بإزالة الاوساخ من الجهل والطيش والغضب والحاجات البدنية بقدر طاقة البشر وذلك قرب روحاني لا بدنى، وعلى هذا القرب نبه عليه الصلاة والسلام فيما ذكر عن الله تعالى: " من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا " وقوله عنه " ما تقرب إلى عبد بمثل أداء ما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلى بعد ذلك بالنوافل حتى أحبه " الخبر وقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم) هو أبلغ من النهى عن تناوله، لان النهى عن قربه أبلغ من النهى عن أخذه، وعلى هذا قوله: (ولا تقربا هذه الشجرة) وقوله: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) كناية عن الجماع (ولا تقربوا الزنا) والقراب المقاربة، قال الشاعر:
* فإن قراب البطن يكفيك ملؤه * وقدح قربان قريب من الملء، وقربان المرأة
غشيانها، وتقريب الفرس سير يقرب من عدوه والقراب القريب، وفرس لاحق الاقراب أي الخواصر، والقراب وعاء السيف وقيل هو جلد فوق الغمد لا الغمد نفسه، وجمعه قرب وقربت السيف وأقربته ورجل قارب قرب من الماء وليلة القرب، وأقربوا إبلهم، والمقرب الحامل التى قربت ولادتها.
قرح: القرح الاثر من الجراحة من شئ يصيبه من خارج، والقرح أثرها من داخل كالبثرة ونحوها، يقال قرحته نحو جرحته، وقرح خرج به قرح وقرح قلبه أقرحه الله وقد يقال القرح للجراحة والقرح للالم، قال: (من بعد ما أصابهم القرح - إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) وقرئ بالضم والقرحان الذى لم يصبه الجدرى، وفرس قارح إذا ظهر به أثر من طلوع نابه والانثى قارحة، وأقرح به أثر من الغرة، وروضة قرحاء وسطها نور وذلك لتشبيهها بالفرس القرحاء واقترحت الجمل ابتدعت ركوبه واقترحت كذا على فلان ابتدعت التمنى عليه واقترحت بئرا استخرجت منه ماء قراحا ونحوه: أرض قراح أي خالصة، والقريحة
حيث يستنقر فيه الماء المستنبط، ومنه استعير قريحة الانسان.
قرد: القرد جمعه قردة، قال: (كونوا قردة خاسئين) وقال (وجعل منهم القردة) قيل جعل صورهم المشاهدة كصور القردة وقيل بل جعل أخلاقهم كأخلاقها وإن لم تكن صورتهم كصورتها.
والقراد جمعه قردان، والصوف القرد المتداخل بعضه في بعض، ومنه قيل سحاب قرد أي متلبد، وأقرد أي لصق بالارض لصوق القراد، وقرد سكن سكونه، وقردت البعير أزلت قراده نحو قذيت ومرضت ويستعار ذلك للمداراة المتوصل بها إلى خديعة فيقال فلان يقرد فلانا، وسمى حلمة الثدى قرادا كما تسمى حلمة تشبيها بها في الهيئة.
قرطس: القرطاس ما يكتب فيه، قال: (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس - قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس).
قرض: القرض ضرب من القطع وسمى قطع المكان وتجاوزه قرضا كما سمى قطعا، قال (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) أي
تجوزهم وتدعهم إلى أحد الجانبين، وسمى ما يدفع إلى الانسان من المال بشرط رد بدله قرضا، قال (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا) وسمى المفاوضة في الشعر مقارضة، والقريض للشعر، مستعار استعارة النسج والحوك.
قرع: القرع ضرب شئ على شئ، ومنه قرعته بالمقرعة، قال: (كذبت ثمود وعاد بالقارعة - القارعة ما القارعة).
قرف: أصل القرف والاقتراف قشر اللحاء عن الشجر والجلدة عن الجرح، وما يؤخذ منه قرف، واستعير الاقتراف للاكتساب حسنا كان أو سوءا، قال: (سيجزون بما كانوا يقترفون - وليقترفوا ما هم مقترفون - وأموال اقترفتموها) والاقتراف في الاساءة أكثر استعمالا، ولهذا يقال: الاعتراف يزيل الاقتراف، وقرفت فلانا بكذا إذا عبته به أو اتهمته، وقد حمل على ذلك قوله (وليقترفوا ماهم مقترفون)، وفلان قرفنى، ورجل مقرف هجين، وقارف فلان أمرا إذا تعاطى ما يعاب به.
قرن: الاقتران كالازدواج في كونه اجتماع شيئين أو أشياء في معنى من المعاني، قال: (أو جاء معه الملائكة مقترنين) يقال قرنت البعير بالبعير جمعت بينهما، ويسمى الحبل الذى يشد به قرنا وقرنته على التكثير قال: (وآخرين مقرنين في الاصفاد) وفلان قرن فلان في الولادة وقرينه وقرنه في الجلادة وفى القوة وفى غيرها من الاحوال، قال: (إنى كان لى قرين - وقال قرينه هذا ما لدى) إشارة إلى شهيده (قال قرينه ربنا ما أطغيته - فهو له قرين) وجمعه قرناء، قال: (وقيضنا لهم قرناء) والقرن القوم المقترنون في زمن واحد وجمعه قرون، قال: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم - وكم أهلكنا من القرون - وكم أهلكنا قبلهم من قرن) وقال (وقرونا بين ذلك كثيرا - ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين - قرونا آخرين) والقرون النفس لكونها مقترنة بالجسم، والقرون من البعير الذى يضع رجله موضع يده كأنه يقرنها بها والقرن الجعبة ولا يقال لها قرن إلا إذا قرنت بالقوس وناقة قرون إذا دنا أحد خلفيها من الاخر، والقران الجمع بين
الحج والعمرة ويستعمل في الجمع بين الشيئين وقرن الشاة والبقرة، والقرن عظم القرن، وكبش أقرن وشاة قرناء، وسمى عفل المرأة قرنا تشبيها بالقرن في الهيئة، وتأذى عضو الرجل عند مباضعتها به كالتأذى بالقرن، وقرن الجبل الناتئ منه، وقرن المرأة ذؤابتها، وقرن المرآة حافتها، وقرن الفلاة حرفها، وقرن الشمس، وقرن الشيطان كل ذلك تشبيها بالقرن.
وذو القرنين معروف.
وقوله عليه الصلاة والسلام لعلى رضى الله عنه: " إن لك بيتا في الجنة وإنك لذو قرنيها " يعنى ذو قرنى الامة أي أنت فيهم كذى القرنين.
قرأ: قرأت المرأه: رأت الدم، وأقرأت: صارت ذات قرء، وقرأت الجارية استبرأتها
بالقرء.
والقرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر.
ولما كان اسما جامعا للامرين الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد منهما، لان كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام، ثم قد يسمى كل واحد
منهما بانفراده به.
وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التى لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء وكذا الحائض التى استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك.
وقوله: (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) أي ثلاثة دخول من الطهر في الحيض.
وقوله عليه الصلاة والسلام: " اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك " أي أيام حيضك فإنما هو كقول القائل افعل كذا أيام ورود فلان، ووروده إنما يكون في ساعة وإن كان ينسب إلى الايام.
وقول أهل اللغة إن القرء من قرأ أي جمع، فإنهم اعتبروا الجمع بين زمن الطهر وزمن الحيض حسبما ذكرت لاجتماع الدم في الرحم، والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة، والقرآن في الاصل مصدر نحو كفران ورجحان، قال: (إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) قال ابن عباس: إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به، وقد خص بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه
وسلم فصار له كالعلم كما أن التوراة لما أنزل على موسى والانجيل على عيسى صلى الله عليهما وسلم.
قال بعض العلماء: تسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب الله لكونه جامعا لثمرة كتبه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار تعالى إليه بقوله: (وتفصيل كل شئ) وقوله: (تبيانا لكل شئ - قرآنا عربيا غير ذى عوج - وقرآنا فرقناه لتقرأه - في هذا القرآن - وقرآن الفجر) أي قراءته (لقرآن كريم) وأقرأت فلانا كذا قال: (سنقرئك فلا تنسى) وتقرأت تفهمت وقارأته دارسته.
قرى: القرية اسم للموضع الذى يجتمع فيه الناس وللناس جميعا ويستعمل في كل واحد منهما، قال تعالى: (واسأل القرية) قال كثير من المفسرين معناه أهل القرية.
وقال بعضهم بل القرية ههنا القوم أنفسهم وعلى هذا قوله: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة) وقال: (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك) وقوله: (وما كان ربك ليهلك القرى) فإنها اسم للمدينة وكذا قوله: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل
القرى - ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) وحكى أن بعض القضاة دخل على على
ابن الحسين رضى الله عنهما فقال: أخبرني عن قول الله تعالى (وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها قرى ظاهرة) ما يقول فيه علماؤكم ؟ قال: يقولون إنها مكة، فقال: وهل رأيت ؟ فقلت: ما هي ؟ قال: إنما عنى الرجال، فقال: فقلت: فأين ذلك في كتاب الله ؟ فقال: ألم تسمع قوله تعالى: (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله) الاية.
وقال: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا - وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) وقريت الماء في الحوض وقريت الضيف قرى، وقرى الشئ في فمه جمعه وقريان الماء مجتمعه.
قسس: القس والقسيس العالم العابد من رؤوس النصارى، قال: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) وأصل القس تتبع الشئ وطلبه بالليل، يقال: تقسست أصواتهم بالليل، أي تتبعتها، والقسقاس والقسقس الدليل بالليل.
قسر: القسر الغلبة والقهر، يقال: قسرته
واقتسرته ومنه القسورة، قال تعالى: (فرت من قسورة) قيل هو الاسد وقيل الرامى وقيل الصائد.
قسط: القسط هو النصيب بالعدل كالنصف والنصفة، قال: (ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط - وأقيموا الوزن بالقسط) والقسط هو أن يأخذ قسط غيره وذلك جور، والاقساط أن يعطى قسط غيره وذلك إنصاف ولذلك قيل قسط الرجل إذا جار، وأقسط إذا عدل، قال: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) وقال: (وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) وتقسطنا بيننا أي اقتسمنا، والقسط اعوجاج في الرجلين بخلاف الفحج، والقسطاس الميران ويعبر به عن العدالة كما يعبر عنها بالميزان، قال: (وزنوا بالقسطاس المستقيم).
قسم: القسم إفراز النصيب، يقال قسمت كذا قسما وقسمة، وقسمة الميراث وقسمة الغنيمة تفريقهما على أربابهما، قال: (لكل باب منهم جزء مقسوم - ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) واستقسمته: سألته أن يقسم، ثم قد يستعمل في معنى قسم، قال: (وأن تستقسموا بالازلام ذلكم فسق) ورجل منقسم القلب أي اقتسمه
الهم نحو متوزع الخاطر ومشترك اللب، وأقسم حلف وأصله من القسامة وهى أيمان تقسم على أولياء المقتول ثم صار اسما لكل حلف، قال: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم - أهولاء الذين أقسمتم) وقال (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة - فلا أقسم برب المشارق والمغارب - إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين - فيقسمان بالله) وقاسمته وتقاسما، (وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين - قالوا تقاسموا بالله) وفلان مقسم الوجه وقسيم الوجه أي صبيحه، والقسامة الحسن وأصله من القسمة
كأنما آتى كل موضع نصيبه من الحسن فلم يتفاوت، وقيل إنما قيل مقسم لانه يقسم بحسنه الطرف فلا يثبت في موضع دون موضع، وقوله: (كما أنزلنا على المقتسمين) أي الذين تقاسموا شعب مكة ليصدوا عن سبيل الله من يريد رسول الله، وقيل الذين تحالفوا على كيده عليه الصلاة والسلام.
قسو: القسوة غلظ القلب، وأصله من حجر قاس، والمقاساة معالجة ذلك، قال: (ثم قست قلوبكم - فويل للقاسية قلوبهم
من ذكر الله) وقال: (والقاسية قلوبهم - وجعلنا قلوبهم قاسية) وقرئ (قسية) أي ليست قلوبهم بخالصة من قولهم درهم قسى وهو جنس من الفضة المغشوشة فيه قساوة أي صلابة، قال الشاعر: * صاح القسيات في أيدى الصياريف * قشعر: قال: (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) أي يعلوها قشعريرة.
قصص: القص تتبع الاثر، يقال قصصت أثره والقصص الاثر، قال: (فارتد على آثارهما قصصا - وقالت لاخته قصيه) ومنه قيل لما يبقى من الكلإ فيتتبع أثره قصيص، وقصصت ظفره، والقصص الاخبار المتتبعة، قال: (لهو القصص الحق - في قصصهم عبرة - وقص عليه القصص - نقص عليك أحسن القصص - فلنقصن عليهم بعلم - يقص على بنى إسرائيل - فاقصص القصص) والقصاص تتبع الدم بالقود، قال: (ولكم في القصاص حياة - والجروح قصاص) ويقال قص فلان فلانا، وضربه ضربا فأقصه أي أدناه من الموت، والقص الجص، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقصيص
القبور.
قصد: القصد استقامة الطريق، يقال قصدت قصده أي نحوت نحوه، ومنه الاقتصاد، والاقتصاد على ضربين: أحدهما محمود على الاطلاق وذلك فيما له طرفان إفراط وتفريط كالجود فإنه بين الاسراف والبخل وكالشجاعة فإنها بين التهور والجبن، ونحو ذلك وعلى هذا قوله (واقصد في مشيك) وإلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله (والذين إذا أنفقوا) الاية والثانى يكنى به عما يتردد بين المحمود والمذموم وهو فيما يقع بين محمود ومذموم كالواقع بين العدل والجور والقريب والبعيد وعلى ذلك قوله (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد) وقوله: (وسفرا قاصدا) أي سفرا متوسطا غير متناهى البعد وربما فسر بقريب والحقيقة ما ذكرت، وأقصد السهم أصاب وقتل مكانه كأنه وجد قصده قال: * فأصاب قلبك غير أن لم يقصد * وانقصد الرمح انكسر وتقصد تكسر، وقصد الرمح كسره وناقة قصيد مكتنزة
ممتلئة من اللحم، والقصيد من الشعر ما تم
سبعة أبيات.
قصر: القصر خلاف الطول وهما من الاسماء المتضايفة التى تعتبر بغيرها، وقصرت كذا جعلته قصيرا، والتقصير اسم للتضجيع وقصرت كذا ضممت بعضه إلى بعض ومنه سمى القصر وجمعه قصور، قال: (وقصر مشيد - ويجعل لك قصورا - إنها ترمى بشرر كالقصر) وقيل القصر أصول الشجر، الواحدة قصرة مثل جمرة وجمر وتشبيهها بالقصر كتشبيه ذلك في قوله (كأنه جمالات صفر)، وقصرته جعلته في قصر، ومنه قوله تعالى: (حور مقصورات في الخيام)، وقصر الصلاة جعلها قصيرة بترك بعض أركانها ترخيصا، قال: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) وقصرت اللقحة على فرسى حبست درها عليه وقصر السهم عن الهدف أي لم يبلغه وامرأة قاصرة الطرف لا تمد طرفها إلى ما لا يجوز، قال تعالى: (فيهن قاصرات الطرف) وقصر شعره جز بعضه، قال: (محلقين رؤسكم ومقصرين) وقصر في كذا أي توانى، وقصر عنه لم ينله وأقصر عنه كف مع القدرة عليه، واقتصر على كذا اكتفى بالشئ القصير منه أي
القليل، وأقصرت الشاة أسنت حتى قصر أطراف أسنانها، وأقصرت المرأة ولدت أولادا قصارا، والتقصار قلادة قصيرة والقوصرة معروفة.
قصف: قال الله تعالى: (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) وهى التى تقصف ما مرت عليه من الشجر والبناء، ورعد قاصف في صوته تكسر، ومنه قيل لصوت المعازف قصف، ويتجوز به في كل لهو.
قصم: قال: (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) أي حطمناها وهشمناها وذلك عبارة عن الهلاك ويسمى الهلاك قاصمة الظهر وقال في آخر (وما كنا مهلكي القرى) والقصم الرجل الذى يقصم من قاومه.
قصى: القصى البعد والقصى البعيد يقال قصوت عنه وأقصيت أبعدت والمكان الاقصى والناحية القصوى ومنه قوله: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) وقوله (إلى المسجد الاقصى) يعنى بيت المقدس فسماه الاقصى اعتبارا بمكان المخاطبين به من النبي وأصحابه وقال: (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى) وقصوت البعير قطعت أذنه، وناقة قصواء وحكوا أنه
يقال بعير أقصى، والقصية من الابل البعيدة عن الاستعمال.
قض: قضضته فانقض وانقض الحائط وقع، قال: (يريد أن ينقض فأقامه) وأقض عليه مضجعه صار فيه قضض أي حجارة صغار.
قضب: (فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا)
أي رطبة، والمقاضب الارض التى تنبتها، والقضيب نحو القضب لكن القضيب يستعمل في فروع الشجر والقضب يستعمل في البقل، والقضب قطع القضب والقضيب.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى في ثوب تصليبا قضبه.
وسيف قاضب وقضيب أي قاطع، فالقضيب ههنا بمعنى الفاعل، وفى الاول بمعنى المفعول وكذا قولهم ناقة قضيب: مقتضبة من بين الابل ولما قرض، ويقال لكل ما لم يهذب مقتضب، ومنه اقتضب حديثا إذا أورده قبل أن راضه وهذبه في نفسه.
قضى: القضاء فصل الامر قولا كان ذلك أو فعلا وكل واحد منهما على وجهين: إلهى وبشرى.
فمن القول الالهى قوله: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) أي أمر بذلك
وقال: (وقضينا إلى بنى إسرائيل في الكتاب) فهذا قضاء بالاعلام والفصل في الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما، وعلى هذا (وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع) ومن الفعل الالهى قوله (والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ) وقوله: (فقضاهن سبع سموات في يومين) إشارة إلى إيجاده الابداعي والفراغ منه نحو (بديع السموات والارض) وقوله (ولولا أجل مسمى لقضى بينهم) أي لفصل، ومن القول البشرى نحو قضى الحاكم بكذا فإن حكم الحاكم يكون بالقول، ومن الفعل البشرى (فإذا قضيتم مناسككم - ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم)، وقال تعالى: (قال ذلك بينى وبينك أيما الاجلين قضيت فلا عدوان على) وقال (فلما قضى زيد منها وطرا) وقال (ثم اقضوا إلى ولا تنظرون) أي افرغوا من أمركم، وقوله: (فاقض ما أنت قاض - إنما تقضى هذه الحياة الدنيا)، وقول الشاعر: * قضيت أمورا ثم غادرت بعدها * يحتمل القضاء بالقول والفعل جميعا، ويعبر
عن الموت بالقضاء فيقال فلان قضى نحبه كأنه فصل أمره المختص به من دنياه، وقوله: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) قيل قضى نذره لانه كان قد ألزم نفسه أن لا ينكل عن العدى أو يقتل، وقيل معناه منهم من مات وقال (ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) قيل عنى بالاول أجل الحياة وبالثانى أجل البعث، وقال (يا ليتها كانت القاضية - ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) وذلك كناية عن الموت، وقال: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض) وقضى الدين فصل الامر فيه برده، والاقتضاء المطالبة بقضائه، ومنه قولهم هذا يقضى كذا وقوله: (لقضى إليهم أجلهم) أي فرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة، والقضاء من الله تعالى
أخص من القدر لانه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير والقضاء هو الفصل والقطع، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعد للكيل والقضاء بمنزلة الكيل، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضى الله عنهما لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفر من القضاء ؟
قال أفر من قضاء الله إلى قدر الله، تنبيها أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله فإذا قضى فلا مدفع له.
ويشهد لذلك قوله (وكان أمرا مقضيا) وقوله (كان على ربك حتما مقضيا - وقضى الامر) أي فصل تنبيها أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه.
وقوله (إذا قضى أمرا) وكل قول مقطوع به من قولك هو كذا أو ليس بكذا يقال له قضية ومن هذا يقال قضية صادقة وقضية كاذبة وإياها عنى من قال التجربة خطر والقضاء عسر، أي الحكم بالشئ أنه كذا وليس بكذا أمر صعب، وقال عليه الصلاة والسلام " على أقضاكم ".
قط: قال: (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) القط الصحيفة وهو اسم للمكتوب والمكتوب فيه، ثم قد يسمى المكتوب بذلك كما يسمى الكلام كتابا وإن لم يكن مكتوبا، وأصل القط الشئ المقطوع عرضا كما أن القد هو المقطوع طولا، والقط النصيب المفروز كأنه قط أي أفرز وقد فسر ابن عباس رضى الله عنه الاية به، وقط السعر أي علا، وما رأيته قط عبارة عن مدة الزمان المقطوع به، وقطنى حسبي.
قطر: القطر الجانب وجمعه أقطار، قال: (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض) وقال: (ولو دخلت عليهم من أقطارها) وقطرته ألقيته على قطره وتقطر وقع على قطره ومنه قطر المطر أي سقط وسمى لذلك قطرا، وتقاطر القوم جاءوا أرسالا كالقطر ومنه قطار الابل، وقيل: الانفاض يقطر الجلب أي إذا أنفض القوم فقل زادهم قطروا الابل وجلبوها للبيع، والقطران ما يتقطر من الهناء، قال: (سرابيلهم من قطران) وقرئ (من قطر آن) أي من نحاس مذاب قد أنى حرها، وقال: (آتونى أفرغ عليه قطرا) أي نحاسا مذابا، وقال (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) وقوله (وآتيتم إحداهن قنطارا) والقناطير جمع القنطرة، والقنطرة من المال ما فيه عبور الحياة تشبيها بالقنطرة وذلك غير محدود القدر في نفسه وإنما هو بحسب الاضافة كالغنى فرب إنسان يستغنى بالقليل وآخر لا يستغنى بالكثير، ولما قلنا اختلفوا في حده فقيل أربعون أوقية وقال الحسن ألف ومائتا دينار، وقيل ملء مسك ثور ذهبا إلى غير ذلك، وذلك كاختلافهم
في حد الغنى، وقوله: (والقناطير المقنطرة) أي المجموعة قنطارا قنطارا كقولك دارهم مدرهمة ودنانير مدنرة.
قطع: القطع فصل الشئ مدركا بالبصر كالاجسام أو مدركا بالبصيرة كالاشياء المعقولة فمن ذلك قطع الاعضاء نحو قوله: (لاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) وقوله (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقوله (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) وقطع الثوب وذلك قوله تعالى (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار) وقطع الطريق يقال على وجهين: أحدهما: يراد به السير والسلوك، والثانى: يراد به الغصب من المارة والسالكين للطريق نحو قوله (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل) وذلك إشارة إلى قوله (الذين يصدون عن سبيل الله) وقوله (فصدهم عن السبيل) وإنما سمى ذلك قطع الطريق لانه يؤدى إلى انقطاع الناس عن الطريق فجعل ذلك قطعا للطريق، وقطع الماء بالسباحة عبوره، وقطع الوصل هو الهجران، وقطع الرحم يكون بالهجران ومنع البر، قال:
(وتقطعوا أرحامكم) وقال: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل - ثم ليقطع فلينظر) وقد قيل ليقطع حبله حتى يقع، وقد قيل ليقطع أجله بالاختناق وهو معنى قول ابن عباس ثم ليختنق، وقطع الامر فصله، ومنه قوله (ما كنت قاطعة أمرا) وقوله (ليقطع طرفا) أي يهلك جماعة منهم.
وقطع دابر الانسان هو إفناء نوعه، قال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا - وأن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) وقوله (إلا أن تقطع قلوبهم) أي إلا أن يموتوا، وقيل إلا أن يتوبوا توبة بها تنقطع قلوبهم ندما على تفريطهم، وقطع من الليل قطعة منه، قال: (فأسر بأهلك بقطع من الليل) والقطيع من الغنم جمعه قطعان وذلك كالصرمة والفرقة وغير ذلك من أسماء الجماعة المشتقة من معنى القطع، والقطيع السوط، وأصاب بئرهم قطع أي انقطع ماؤها، ومقاطع الاودية مآخيرها.
قطف: يقال قطفت الثمرة قطفا والقطف المقطوف منه وجمعه قطوف، قال: (قطوفها دانية) وقطفت الدابة قطفا فهى قطوف، واستعمال ذلك فيه استعارة وتشبيه بقاطف
شئ كما يوصف بالنقض على ما تقدم ذكره، وأقطف الكرم دنا قطافه، والقطافة ما يسقط منه كالنفاية.
قطمر: قال: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) أي الاثر في ظهر النواة وذلك مثل للشئ الطفيف.
قطن: قال: (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)، والقطن، وقطن الحيوان معروفان.
قعد: القعود يقابل به القيام والقعدة للمرة والقعدة للحال التى يكون عليها القاعد، والقعود قد يكون جمع قاعد قال: (فاذكروا الله
قياما وقعودا - الذين يذكرون الله قياما وقعودا)، والمقعد مكان القعود وجمعه مقاعد، قال: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) أي في مكان هدو وقوله (مقاعد للقتال) كناية عن المعركة التى بها المستقر ويعبر عن المتكاسل في الشئ بالقاعد نحو قوله (لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر)، ومنه رجل قعدة وضجعة وقوله (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) وعن الترصد للشئ
بالقعود له نحو قوله: (لاقعدن لهم صراطك المستقيم) وقوله: (إنا ههنا قاعدون) يعنى متوقعون.
وقوله: (عن اليمين وعن الشمال قعيد) أي ملك يترصده ويكتب له وعليه، ويقال ذلك للواحد والجمع، والقعيد من الوحش خلاف النطيح.
وقعيدك الله وقعدك الله أي أسأل الله الذى يلزمك حفظك، والقاعدة لمن قعدت عن الحيض والتزوج، والقواعد جمعها، قال (والقواعد من النساء) والمقعد من قعد عن الديوان ولن يعجز عن النهوض لزمانة به، وبه شبه الضفدع فقيل له مقعد وجمعه مقعدات، وثدى مقعد للكاعب ناتئ مصور بصورته، والمقعد كناية عن اللئيم المتقاعد عن المكارم، وقواعد البناء أساسه.
قال تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) وقواعد الهودج خشباته الجارية مجرى قواعد البناء.
قعر: قعر الشئ نهاية أسفله.
وقوله: (كأنهم أعجاز نخل منقعر) أي ذاهب في قعر الارض.
وقال بعضهم: انقعرت الشجرة انقلعت من قعرها، وقيل معنى انقعرت ذهبت في قعر الارض، وإنما أراد تعالى أن هؤلاء
اجتثوا كما اجتث النخل الذاهب في قعر الارض فلم يبق لهم رسم ولا أثر، وقصعة قعيرة لها قعر، وقعر فلان في كلامه إذا أخرج الكلام من قعر حلقه، وهذا كما يقال: شدق في كلامه إذا أخرجه من شدقه.
قفل: القفل جمعه أقفال، يقال أقفلت الباب وقد جعل ذلك مثلا لكل مانع للانسان من تعاطى فعل فيقال فلان مقفل عن كذا، قال تعالى: (أم على قلوب أقفالها) وقيل للبخيل مقفل اليدين كما يقال مغلول اليدين، والقفول الرجوع من السفر، والقافلة الراجعة من السفر، والقفيل اليابس من الشئ إما لكون بعضه راجعا إلى بعض في اليبوسة، وإما لكونه كالمقفل لصلابته، يقال: قفل النبات وقفل الفحل وذلك إذا اشتد هياجه فيبس من ذلك وهزل.
قفا: القفا معروف يقال قفوته أصبت قفاه، وقفوت أثره واقتفيته تبعت قفاه، والاقتفاء اتباع القفا، كما أن الارتداف اتباع الردف، ويكنى بذلك عن الاغتياب وتتبع
المعايب، وقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم) أي لا تحكم بالقيافة والظن، والقيافة مقلوبة عن الاقتفاء فيما قيل نحو جذب وجبذ وهى صناعة، وقفيته جعلته خلفه، قال (وقفينا من بعده بالرسل) والقافية اسم للجزء الاخير من البيت الذى حقه أن يراعى لفظه فيكرر في كل بيت، والقفاوة الطعام الذى يتفقد به من يعنى به فيتبع.
قل: القلة والكثرة يستعملان في الاعداد، كما أن العظم والصغر يستعملان في الاجسام، ثم يستعار كل واحد من الكثرة والعظم ومن القلة والصغر للاخر.
وقوله: (ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا) أي وقتا وكذا قوله (قم الليل إلا قليلا - وإذا لا تمتعون إلا قليلا) وقوله: (نمتعهم قليلا) وقوله: (ما قاتلوا إلا قليلا) أي قتالا قليلا (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا) أي جماعة قليلة.
وكذلك قوله (إذ يريكهم الله في منامك قليلا - ويقللكم في أعينهم) ويكنى بالقلة عن الذلة اعتبارا بما قال الشاعر: ولست بالاكثر منه حصا * وإنما العزة للكاثر
وعلى ذلك قوله: (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) ويكنى بها تارة عن العزة اعتبارا بقوله: (وقليل من عبادي الشكور - وقليل ما هم) وذاك أن كل ما يعز يقل وجوده.
وقوله: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) يجوز أن يكون استثناء من قوله (وما أوتيتم) أي ما أوتيتم العلم إلا قليلا منكم، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي علما قليلا، وقوله: (ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا) يعنى بالقليل ههنا أعراض الدنيا كائنا ما كان، وجعلها قليلا في جنب ما أعد الله للمتقين في القيامة، وعلى ذلك قوله: (قل متاع الدنيا قليل) وقليل يعبر به عن النفى نحو قلما يفعل فلان كذا ولهذا يصح أن يستثنى منه على حد ما يستثنى من النفى فيقال قلما يفعل كذا إلا قاعدا أو قائما وما يجرى مجراه، وعلى ذلك حمل قوله (قليلا ما تؤمنون) وقيل معناه تؤمنون إيمانا قليلا، والايمان القليل هو الاقرار والمعرفة العامية المشار إليها بقوله (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) وأقللت كذا وجدته قليل المحمل أي خفيفا إما في الحكم أو بالاضافة إلى قوته، فالاول نحو أقللت ما أعطيتني.
والثانى قوله: (أقلت سحابا ثقالا) أي احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوتها، واستقللته رأيته قليلا نحو استخففته رأيته خفيفا، والقلة ما أقله الانسان من جرة وحب، وقلة الجبل شعفه اعتبارا بقلته إلى ما عداه من أجزائه، فأما تقلقل الشئ إذا اضطرب وتقلقل المسمار فمشتق من القلقلة وهى حكاية صوت الحركة.
قلب: قلب الشئ تصريفه وصرفه عن وجه إلى وجه كقلب الثوب وقلب الانسان أي صرفه عن طريقته، قال (ثم إليه تقلبون) والانقلاب الانصراف، قال: (انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه)، وقال: (إنا إلى ربنا منقلبون)، وقال: (أي منقلب ينقلبون)، وقال: (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين) وقلب الانسان قيل سمى به لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التى تختص به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك، وقوله: (وبلغت القلوب الحناجر) أي الارواح.
وقال: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) أي علم وفهم (وجعلنا على
قلوبهم أكنة أن يفقهوه)، وقوله: (وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)، وقوله: (ولتطمئن به قلوبكم) أي تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم وعلى عكسه (وقذف في قلوبهم الرعب)، وقوله: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) أي أجلب للعفة، وقوله: (هو الذى أنزل السكينة في قلوب المؤمنين)، وقوله: (وقلوبهم شتى) أي متفرقة، وقوله: (ولكن تعمى القلوب التى في الصدور) قيل العقل وقيل الروح.
فأما العقل فلا يصح عليه ذلك، قال ومجازه مجاز قوله (تجرى من تحتها الانهار) والانهار لا تجرى وإنما تجرى المياه التى فيها.
وتقليب الشئ تغييره من حال إلى حال نحو: (يوم تقلب وجوههم في النار) وتقليب الامور تدبيرها والنظر فيها، قال: (وقلبوا لك الامور) وتقليب الله القلوب والبصائر صرفها من رأى إلى رأى، قال: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) وتقليب اليد عبارة عن الندم ذكرا لحال ما يوجد عليه النادم، قال (فأصبح يقلب كفيه) أي يصفق ندامة.
قال الشاعر: كمغبون يعض على يديه *
تبين غبنه بعد البياع والتقلب التصرف، قال: (وتقلبك في الساجدين) وقال: (أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين) ورجل قلب حول كثير التقلب والحيلة، والقلاب داء يصيب القلب، وما به قلبة علة يقلب لاجلها، والقليب البئر التى لم تطو، والقلب المقلوب من الاسورة.
قلد: القلد الفتل، يقال قلدت الحبل فهو قليد ومقلود والقلادة المفتولة التى تجعل في العنق من خيط وفضة وغيرهما وبها شبه كل ما يتطوق وكل ما يحيط بشئ يقال تقلد سيفه تشبيها بالقلادة، كقوله: توشح به تشبيها بالوشاح، وقلدته سيفا يقال تارة إذا وشحته به وتارة إذا ضربت عنقه.
وقلدته عملا ألزمته وقلدته هجاء ألزمته، وقوله: (له مقاليد السموات والارض) أي ما يحيط بها، وقيل خزائنها، وقيل مفاتحها والاشارة بكلها
إلى معنى واحد، وهو قدرته تعالى عليها وحفظه لها.
قلم: أصل القلم القص من الشئ الصلب كالظفر وكعب الرمح والقصب، ويقال
للمقلوم قلم.
كما يقال للمنقوض نقض.
وخص ذلك بما يكتب به وبالقدح الذى يضرب به وجمعه أقلام.
قال تعالى: (ن والقلم وما يسطرون).
وقال (ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام) وقال (إذ يلقون أقلامهم) أي أقداحهم وقوله تعالى: (علم بالقلم) تنبيه لنعمته على الانسان بما أفاده من الكتابة وما روى " أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ الوحى عن جبريل وجبريل عن ميكائيل وميكائيل عن إسرافيل وإسرافيل عن اللوح المحفوظ واللوح عن القلم " فإشارة إلى معنى إلهى وليس هذا موضع تحقيقه.
والاقليم واحد الاقاليم السبعة، وذلك أن الدنيا مقسومة على سبعة أسهم على تقدير أصحاب الهيئة.
قلى: القلى شدة البغض، يقال قلاه يقليه ويقلوه، قال: (ما ودعك ربك وما قلى) وقال: (إنى لعملكم من القالين) فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمى من قولهم قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة فكأن المقلو هو الذى يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله، ومن جعله من الياء فمن قليت البسر والسويق على المقلاة:
قمح: قال الخليل: القمح البر إذا جرى في السنبل من لدن الانضاج إلى حين الاكتناز، ويسمى السويق المتخذ منه قميحة، والقمح رفع الرأس لسف الشئ ثم يقال لرفع الرأس كيفما كان قمح، وقمح البعير رفع رأسه، وأقمحت البعير شددت رأسه إلى خلف.
وقوله (مقمحون) تشببه بذلك ومثل لهم وقصد إلى وصفهم بالتأبى عن الانقياد للحق وعن الاذعان لقبول الرشد والتأبى عن الانفاق في سبيل الله، وقيل إشارة إلى حالهم في القيامة (إذ الاغلال في أعناقهم والسلاسل).
قمر: القمر قمر السماء يقال عند الامتلاء وذلك بعد الثالثة، قيل وسمى بذلك لانه يقمر ضوء الكواكب ويفوز به، قال: (هو الذى جعل الشمس ضياءا والقمر نورا) وقال: (والقمر قدرناه منازل - وانشق القمر - والقمر إذا تلاها) وقال: (كلا والقمر) والقمراء ضوءه، وتقمرت فلانا أتيته في القمراء وقمرت القربة فسدت بالقمراء، وقيل حمار أقمر إذا كان على لون القمراء، وقمرت فلانا كذا خدعته عنه.
قمص: القميص معروف وجمعه قمص
وأقمصة وقمصان، قال: (إن كان قميصه قد من قبل - وإن كان قميصه قد من دبر) وتقمصه لبسه، وقمص البعير يقمص ويقمص
إذا نزا، والقماص داء يأخذه فلا يستقر به موضعه ومنه القامصة في الحديث.
قمطر: (عبوسا قمطريرا) أي شديدا يقال قمطرير وقماطير.
قمع: قال تعالى: (ولهم مقامع من حديد) جمع مقمع وهو ما يضرب به ويذلل ولذلك يقال قمعته فانقمع أي كففته فكف، والقمع والقمع ما يصب به الشئ فيمنع من أن يسيل وفى الحديث " ويل لاقماع القول " أي الذين يجعلون آذانهم كالاقماع فيتبعون أحاديث الناس، والقمع الذباب الازرق لكونه مقموعا، وتقمع الحمار إذا ذب القمعة عن نفسه.
قمل: القمل صغار الذباب، قال تعالى: (والقمل والضفادع والدم) والقمل معروف ورجل قمل وقع فيه القمل ومنه قيل رجل قمل وامرأة قملة صغيرة قبيحة كأنها قملة أو قملة.
قنت: القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع وفسر بكل واحد منهما في قوله: (وقوموا لله قانتين) وقوله تعالى: (كل له قانتون) قيل خاضعون وقيل طائعون وقيل ساكتون ولم يعن به كل السكوت، وإنما عنى به ما قال عليه الصلاة والسلام: " إن هذه الصلاة لا يصح فيها شئ من كلام الادميين، إنما هي قرآن وتسبيح " وعلى هذا قيل: أي الصلاة أفضل ؟ فقال: طول القنوت، أي الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه.
وقال تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا - وكانت من القانتين - أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما - اقنتي لربك - ومن يقنت منكن لله ورسوله) وقال: (والقانتين والقانتات - فالصالحات قانتات).
قنط: القنوط اليأس من الخير يقال قنط يقنط قنوطا وقنط يقنط، قال تعالى (ولا تكن من القانطين) قال: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) وقال (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله - وإذا مسه الشر فيؤس قنوط - إذا هم يقنطون).
قنع: القناعة الاجتزاء باليسير من
الاعراض المحتاج إليها، يقال قنع يقنع قناعة وقنعانا إذا رضى، وقنع يقنع قنوعا إذا سأل، قال: (وأطعموا القانع والمعتر) قال بعضهم: القانع هو السائل الذى لا يلح في السؤال ويرضى بما يأتيه عفوا، قال الشاعر: لمال المرء يصلحه فيغنى * مفاقره أعف من القنوع وأقنع رأسه رفعه، قال تعالى: (مقنعي رؤسهم) وقال بعضهم: أصل هذا لكلمة من القناع وهو ما يغطى به الرأس، فقنع أي لبس القناع ساترا لفقره كقولهم خفى أي لبس الخفاء، وقنع إذا رفع قناعه كاشفا رأسه بالسؤال نحو
خفى إذا رفع الخفاء، ومن القناعة قولهم رجل مقنع يقنع به وجمعه مقانع، قال الشاعر: * شهودي على ليلى عدول مقانع * ومن القناع قيل تقنعت المرأة وتقنع الرجل إذا لبس المغفر تشبيها بتقنع المرأة، وقنعت رأسه بالسيف والسوط.
قنى: قوله تعالى: (أغنى وأقنى) أي أعطى ما فيه الغنى وما فيه الفنية أي المال المدخر، وقيل أقنى أرضى وتحقيق ذلك أنه جعل له قنية
من الرضا والطاعة، وذلك أعظم الغناءين، وجمع القنية قنيات، وقنيت كذا واقتنيته ومنه: * قنيت حيائي عفة وتكرما * قنو: القنو العذق وتثنيته قنوان وجمعه قنوان، قال: (قنوان دانية) والقناة تشبه القنو في كونهما غصنين، وأما القناة التى يجرى فيها الماء فإنما قيل ذلك تشبيها بالقناة في الخط والامتداد، وقيل أصله من قنيت الشئ ادخرته لان القناة مدخرة للماء، وقيل هو من قولهم قاناه أي خالطه قال الشاعر: * كبكر المقاناة البياض بصفرة * وأما القنا الذى هو الاحديداب في الانف فتشبيه في الهيئة بالقنا يقال رجل أقنى وامرأة قنواء.
قهر: القهر الغلبة والتذليل معا ويستعمل في كل واحد منهما، قال: (وهو القاهر فوق عباده) وقال: (وهو الواحد القهار - فوقهم قاهرون - فأما اليتيم فلا تقهر) أي لا تذلل وأقهره سلط عليه من يقهره، والقهقرى المشى إلى خلف.
قاب: القاب مابين المقبض والسية
من القوس، قال: (فكان قاب قوسين أو أدنى).
قوت: القوت ما يمسك الرمق وجمعه أقوات، قال تعالى: (وقدر فيها أقواتها) وقاته يقوته قوتا أطعمه قوته، وأقاته يقيته جعل له ما يقوته، وفى الحديث " إن أكبر الكبائر أن يضيع الرجل من يقوت "، ويروى " من يقيت "، قال تعالى: (وكان الله على كل شئ مقيتا) قيل مقتدرا وقيل حافظا وقيل شاهدا، وحقيقته قائما عليه يحفظه ويقيته.
ويقال ما له قوت ليلة وقيت ليلة وقيتة ليلة نحو الطعم والطعمة، قال الشاعر في صفة نار: فقلت له ارفعها إليك وأحيها * بروحك واقتته لها قيتة قدرا قوس: القوس ما يرمى عنه، قال تعالى: (فكان قاب قوسين أو أدنى) وتصور منها هيئتها فقيل للانحناء التقوس، وقوس الشيخ وتقوس إذا انحنى، وقوست الخط فهو مقوس والمقوس المكان الذى يجرى منه القوس،
وأصله الحبل الذى يمد على هيئة قوس فيرسل
الخيل من خلفه.
قيض: قال: (وقيضنا لهم قرناء) وقوله (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا) أي ننح، ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض وهو القشر الاعلى.
قيع: قوله: (كسراب بقيعة) والقيع والقاع المستوى من الارض جمعه قيعان وتصغيره قويع واستعير منه قاع الفحل الناقة إذا ضربها.
قول: القول والقيل واحد، قال: (ومن أصدق من الله قيلا) والقول يستعمل على أوجه أظهرها أن يكون للمركب من الحروف المبرز بالنطق مفردا كان أو جملة، فالمفرد كقولك زيد وخرج.
والمركب زيد منطلق، وهل خرج عمرو، ونحو ذلك، وقد يستعمل الجزء الواحد من الانواع الثلاثة أعنى الاسم والفعل والاداة قولا كما قد تسمى القصيدة والخطبة ونحوهما قولا.
الثاني: يقال للمتصور في النفس قبل الابراز باللفظ قول فيقال في نفسي قول لم أظهره، قال تعالى: (ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله) فجعل ما في اعتقادهم قولا الثالث: للاعتقاد نحو فلان يقول بقول
أبى حنيفة.
الرابع: يقال للدلالة على الشئ نحو قول الشاعر: * امتلا الحوض وقال قطني * الخامس: يقال للعناية الصادقة بالشئ كقولك فلان يقول بكذا.
السادس: يستعمله المنطقيون دون غيرهم في معنى الحد فيقولون قول الجوهر كذا وقول العرض كذا، أي حدهما.
السابع: في الالهام نحو (قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب) فإن ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما روى وذكر، بل كان ذلك إلهاما فسماه قولا.
وقيل في قوله (قالتا أتينا طائعين) إن ذلك كان بتسخير من الله تعالى لا بخطاب ظاهر ورد عليهما، وكذا قوله تعالى: (قلنا يا نار كونى بردا وسلاما)، وقوله: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) فذكر أفواههم تنبيها على أن ذلك كذب مقول لا عن صحة اعتقاد كما ذكر في الكتابة باليد فقال تعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) وقوله (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) أي علم الله تعالى بهم وكلمته عليهم كما قال تعالى (وتمت كلمة ربك) وقوله (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون)
وقوله (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه يمترون) فإنما سماه قول الحق تنبيها على ما قال: (إن مثل عيسى عند الله) إلى قوله: (ثم قال له كن فيكون) وتسميته قولا كتسميته كلمة في قوله: (وكلمته ألقاها إلى مريم) وقوله: (إنكم لفى قول مختلف) أي لفى أمر من البعث فسماه قولا فإن المقول فيه
يسمى قولا كما أن المذكور يسمى ذكرا.
وقوله: (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون) فقد نسب القول إلى الرسول وذلك أن القول الصادر إليك عن الرسول يبلغه إليك عن مرسل له فيصح أن تنسبه تارة إلى الرسول، وتارة إلى المرسل، وكلاهما صحيح.
فإن قيل: فهل يصح على هذا أن ينسب الشعر والخطبة إلى راويهما كما تنسبهما إلى صانعهما ؟ قيل يصح أن يقال للشعر هو قول الراوى.
ولا يصح أن يقال هو شعره وخطبته لان الشعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصة وتلك الصورة ليس للراوى فيها شئ.
والقول هو قول الراوى كما هو قول المروى عنه.
وقوله تعالى: (إذا
أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) لم يرد به القول المنطقي فقط بل أراد ذلك إذا كان معه اعتقاد وعمل.
ويقال للسان المقول، ورجل مقول منطيق وقوال وقوالة كذلك.
والقيل الملك من ملوك حمير سموه بذلك لكونه معتمدا على قوله ومقتدى به ولكونه متقيلا لابيه.
ويقال تقيل فلان أباه.
وعلى هذا النحو سموا الملك بعد الملك تبعا وأصله من الواو لقولهم في جمعه أقوال نحو ميت وأموات، والاصل قيل نحو ميت أصله ميت فخفف.
وإذا قيل إقيال فذلك نحو أعياد.
وتقيل أباه نحو تعبد، واقتال قولا.
قال ما اجتر به إلى نفسه خيرا أو شرا ويقال ذلك في معنى احتكم قال الشاعر: * تأبى حكومة المقتال * والقال والقالة ما ينشر من القول.
قال الخليل: يوضع القال موضع القائل.
فيقال أنا قال كذا أي قائله.
قيل: قوله: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) مصدر قلت قيلولة نمت نصف النهار أو موضع القيلولة، وقد يقال قلته في البيع قيلا وأقلته، وتقايلا
بعد ما تبايعا.
قوم: يقال قام يقوم قياما فهو قائم وجمعه قيام، وأقامه غيره.
وأقام بالمكان إقامة، والقيام على أضرب: قيام بالشخص إما بتسخير أو اختيار، وقيام للشئ هو المراعاة للشئ والحفظ له، وقيام هو على العزم على الشئ، فمن القيام بالتسخير (قائم وحصيد) وقوله: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها) ومن القيام الذى هو بالاختيار قوله تعالى: (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما).
وقوله: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) وقوله (الرجال قوامون على النساء) وقوله: (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) والقيام في الايتين جمع قائم.
ومن المراعاة للشئ قوله: (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط - قائما بالقسط) وقوله (أفمن
هو قائم على كل نفس بما كسبت) أي حافظ لها.
وقوله تعالى: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) وقوله: (إلا ما دمت عليه قائما) أي ثابتا على طلبه.
ومن القيام الذى هو العزم قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا
قمتم إلى الصلاة) وقوله: (يقيمون الصلاة) أي يديمون فعلها ويحافظون عليها.
والقيام والقوام اسم لما يقوم به الشئ أي يثبت، كالعماد والسناد لما يعمد ويسند به، كقوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما) أي جعلها مما يمسككم.
وقوله: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) أي قواما لهم يقوم به معاشهم ومعادهم.
قال الاصم: قائما لا ينسخ، وقرئ قيما بمعنى قياما وليس قول من قال جمع قيمة بشئ ويقال قام كذا وثبت وركز بمعنى.
وقوله (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وقام فلان مقام فلان إذا ناب عنه.
قال (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان).
وقوله (دينا قيما) أي ثابتا مقوما لأمور معاشهم ومعادهم.
وقرئ قيما مخففا من قيام وقيل هو وصف نحو قوم عدى ومكان سوى ولحم رذى وماء روى، وعلى هذا قوله (ذلك الدين القيم) وقوله: (ولم يجعل له عوجا قيما) وقوله: (وذلك دين القيمة) قالقيمة ههنا اسم للامة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله (كنتم خير أمة) وقوله: (كونوا قوامين بالقسط
شهداء لله - يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة) فقد أشار بقوله صحفا مطهرة إلى القرآن وبقوله (كتب قيمة) إلى ما فيه من معاني كتب الله تعالى فإن القرآن مجمع ثمرة كتب الله تعالى المتقدمة.
وقوله: (الله لا إله إلا هو الحى القيوم) أي القائم الحافظ لكل شئ والمعطى له ما به قوامه وذلك هو المعنى المذكور في قوله: (الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) وفى قوله (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) وبناء قيوم فيعول، وقيام فيعال نحو ديون وديان، والقيامة عبارة عن قيام الساعة المذكور في قوله (ويوم تقوم الساعة - يوم يقوم الناس لرب العالمين - وما أظن الساعة قائمة) والقيامة أصلها ما يكون من الانسان من القيام دفعة واحدة أدخل فيها الهاء تنبيها على وقوعها دفعة، والمقام يكون مصدرا واسم مكان القيام وزمانه نحو (إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري - ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد - ولمن خاف مقام ربه - واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى - فيه آيات بينات مقام إبراهيم) وقوله (وزروع ومقام كريم - إن المتقين في مقام أمين - خير مقاما
وأحسن نديا) وقال (وما منا إلا له مقام معلوم) وقال (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) قال الاخفش: في قوله (قبل أن تقوم
من مقامك) إن المقام المقعد فهذا إن أراد أن المقام والمقعد بالذات شئ واحد، وإنما يختلفان بنسبته إلى الفاعل كالصعود والحدور فصحيح، وإن أراد أن معنى المقام معنى المقعد فذلك بعيد فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقاما إذا اعتبر بقيامه ومقعدا إذا اعتبر بقعوده، وقيل المقامة الجماعة، قال الشاعر: * وفيهم مقامات حسان وجوههم * وإنما ذلك في الحقيقة اسم للمكان وإن جعل اسما لاصحابه نحو قول الشاعر: * واستب بعدك يا كليب المجلس * فسمى المستبين المجلس.
والاستقامة يقال في الطريق الذى يكون على خط مستو وبه شبه طريق المحق نحو (اهدنا الصراط المستقيم - وأن هذا صراطي مستقيما - إن ربى على صراط مستقيم) واستقامة الانسان لزومه المنهج المستقيم نحو قوله (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) وقال (فاستقم كما أمرت -
فاستقيموا إليه) والاقامة في المكان الثبات وإقامة الشئ توفية حقه، وقال (قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والانجيل) أي توفون حقوقهما بالعلم والعمل وكذلك قوله (ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل) ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر ولا مدح به حيثما مدح إلا بلفظ الاقامة تنبيها أن المقصود منها توفية شرائطها لا الاتيان بهيئاتها، نحو (أقيموا الصلاة) في غير موضع (والمقيمين الصلاة) وقوله (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) فإن هذا من القيام لا من الاقامة وأما قوله (رب اجعلني مقيم الصلاة) أي وفقني لتوفية شرائطها وقوله (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) فقد قيل عنى به إقامتها بالاقرار بوجوبها لا بأدائها، والمقام يقال للمصدر والمكان والزمان والمفعول لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله (إنها ساءت مستقرا ومقاما) والمقامة الاقامة، قال (الذى أحلنا دار المقامة من فضله) نحو (دار الخلد - وجنات عدن) وقوله (لا مقام لكم فارجعوا) من قام أي لا مستقر لكم وقد قرئ (لا مقام لكم) من أقام.
ويعبر بالاقامة عن الدوام نحو (عذاب
مقيم) وقرئ (إن المتقين في مقام أمين) أي في مكان تدوم إقامتهم فيه، وتقويم الشئ تثقيفه، قال (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) وذلك إشارة إلى ما خص به الانسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما في هذا العالم، وتقويم السلعة بيان قيمتها.
والقوم جماعة الرجال في الاصل دون النساء، ولذلك قال: (لا يسخر قوم من قوم) الاية، قال الشاعر: * أقوم آل حصن أم نساء * وفى عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعا، وحقيقته
للرجال لما نبه عليه قوله (الرجال قوامون على النساء) الاية.
قوى: القوة تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله (خذوا ما آتيناكم بقوة) وتارة للتهيؤ الموجود في الشئ نحو أن يقال: النوى بالقوة نخل، أي متهيئ ومترشح أن يكون منه ذلك.
ويستعمل ذلك في البدن تارة وفى القلب أخرى، وفى المعاون من خارج تارة وفى القدرة الالهية تارة.
ففى البدن نحو قوله (وقالوا من
أشد منا قوة - فأعينوني بقوة) فالقوة ههنا قوة البدن بدلالة أنه رغب عن القوة الخارجة فقال (ما مكنى فيه ربى خير) وفى القلب نحو قوله (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أي بقوة قلب.
وفى المعاون من خارج نحو قوله (لو أن لى بكم قوة) قيل معناه من أتقوى به من الجند وما أتقوى به من المال، ونحو قوله (قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد) وفى القدرة الالهية نحو قوله (إن الله قوى عزيز - وكان الله قويا عزيزا) وقوله (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فعام فيما اختص الله تعالى به من القدرة وما جعله للخلق.
وقوله (ويزدكم قوة إلى قوتكم) فقد ضمن تعالى أن يعطى كل واحد منهم من أنواع القوى قدر ما يستحقه وقوله: (ذى قوة عند ذى العرش مكين) يعنى به جبريل عليه السلام ووصفه بالقوة عند ذى العرش وأفرد اللفظ ونكره فقال: (ذى قوة) تنبيها أنه إذا اعتبر بالملإ الاعلى فقوته إلى حد ما، وقوله فيه: (علمه شديد القوى) فإنه وصف القوة بلفظ الجمع وعرفها تعريف الجنس تنبيها أنه إذا اعتبر بهذا العالم وبالذين يعلمهم ويفيدهم هو كثير القوى
عظيم القدرة والقوة التى تستعمل للتهيؤ أكثر من يستعملها الفلاسفة ويقولونها على وجهين، أحدهما: أن يقال لما كان موجودا ولكن ليس يستعمل فيقال فلان كاتب بالقوة أي معه المعرفة بالكتابة لكنه ليس يستعمل، والثانى: يقال فلان كاتب بالقوة وليس يعنى به أن معه العلم بالكتابة، ولكن معناه يمكنه أن يتعلم الكتابة وسميت المفازة قواء، وأقوى الرجل صار في قواء أي قفر، وتصور من حال الحاصل في القفر الفقر فقيل أقوى فلان أي افتقر كقولهم أرمل وأترب، قال الله تعالى: (ومتاعا للمقوين).
كتاب الكاف
كب: الكب إسقاط الشئ على وجهه، قال (فكبت وجوههم في النار) والاكباب جعل وجهه مكبوبا على العمل، قال: (أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى) والكبكبة تدهور الشئ في هوة، قال: (فكبكبوا فيها هم والغاوون) يقال كب وكبكب نحو كف وكفكف وصر الريح وصرصر.والكواكب النجوم البادية ولا يقال لها كواكب إلا إذا
بدت، قال تعالى: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) وقال (كأنها كوكب درى - إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب - وإذا الكواكب انتثرت) ويقال ذهبوا تحت كل كوكب إذا تفرقوا، وكوكب العسكر ما يلمع فيها من الحديد.
كبت: الكبت الرد بعنف وتذليل، قال (كبتوا كما كبت الذين من قبلهم) وقال: (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين).
كبد: الكبد معروفة، والكبد والكباد توجعها، والكبد إصابتها، ويقال كبدت الرجل إذا أصبت كبده، وكبد السماء وسطها تشبيها بكبد الانسان لكونها في وسط البدن.
وقيل تكبدت الشمس صارت في كبد السماء، والكبد المشقة، قال: (لقد خلقنا الانسان في كبد) تنبيها أن الانسان خلقه الله تعالى على حالة لا ينفك من المشاق ما لم يقتحم العقبة ويستقر به القرار كما قال: (لتركبن طبقا عن طبق).
كبر: الكبير والصغير من الاسماء المتضايفة التى تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشئ قد
يكون صغيرا في جنب شئ وكبيرا في جنب غيره، ويستعملان في الكمية المتصلة كالاجسام وذلك كالكثير والقليل، وفى الكمية المنفصلة كالعدد، وربما يتعاقب الكثير والكبير على شئ واحد بنظرين مختلفين نحو: (قل فيهما إثم كبير) وكثير، قرئ بهما وأصل ذلك أن يستعمل في الاعيان ثم استعير للمعانى نحو قوله: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) وقوله (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) وقوله (يوم الحج الاكبر) إنما وصفه بالاكبر
تنبيها أن العمرة هي الحجة الصغرى كما قال صلى الله عليه وسلم " العمرة هي الحج الاصغر " فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان فيقال فلان كبير أي مسن نحو قوله: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما) وقال: (وأصابه الكبر - وقد بلغني الكبر) ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة نحو (قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم) ونحو (الكبير المتعال) وقوله: (فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم) فسماه كبيرا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر ورفعة له على الحقيقة، وعلى ذلك قوله: (بل فعله كبيرهم
هذا) وقوله: (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) أي رؤساءها وقوله: (إنه لكبيركم الذى علمكم السحر) أي رئيسكم ومن هذا النحو يقال ورثه كابرا عن كابر، أي أبا كبير القدر عن أب مثله.
والكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته والجمع الكبائر، قال (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) وقال: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) قيل أريد به الشرك لقوله: (إن الشرك لظلم عظيم) وقيل هي الشرك وسائر المعاصي الموبقة كالزنا وقتل النفس المحرمة ولذلك قال (إن قتلهم كان خطأ كبيرا) وقال: (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) وتستعمل الكبيرة فيما يشق ويصعب نحو (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)، وقال: (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) وقال (وإن كان كبر عليك إعراضهم) وقوله (كبرت كلمة) ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته ولذلك قال (كبر مقتا عند الله) وقوله (والذى تولى كبره) إشارة إلى من أوقع حديث الافك.
وتنبيها أن كل من سن سنة قبيحة
يصير متقدى به فذنبه أكبر.
وقوله: (إلا كبر ما هم ببالغيه) أي تكبر وقيل أمر كبير من السن كقوله (والذى تولى كبره) والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب، فالكبر الحالة التى يتخصص بها الانسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى الانسان نفسه أكبر من غيره.
وأعظم التكبر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والاذعان له بالعبادة.
والاستكبار يقال على وجهين، أحدهما: أن يتحرى الانسان ويطلب أن يصير كبيرا وذلك متى كان على ما يجب وفى المكان الذى يجب وفى الوقت الذى يجب فمحمود، والثانى: أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهذا هو المذموم وعلى هذا ما ورد في القرآن.
وهو ما قال تعالى: (أبى واستكبر).
وقال تعالى (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم)، وقال (وأصروا واستكبروا استكبارا - استكبارا في الارض - فاستكبروا في الارض - يستكبرون
في الارض بغير الحق) وقال (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب
السماء - قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) وقوله (فيقول الضعفاء للذين استكبروا) قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها أن استكبارهم كان بما لهم من القوة من البدن والمال (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا) فقابل المستكبرين بالمستضعفين (فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين) نبه بقوله فاستكبروا على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الاصغاء إليه، ونبه بقوله: (وكانوا قوما مجرمين) أن الذى حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم وأن ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل.
وقال تعالى: (فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) وقال بعده: (إنه لا يحب المستكبرين) والتكبر يقال على وجهين، أحدهما: أن تكون الافعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف الله تعالى بالتكبر.
قال: (العزيز الجبار المتكبر).
والثانى: أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك في وصف عامة الناس نحو قوله (فبئس مثوى المتكبرين)، وقوله:
(كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) ومن وصف بالتكبر على الوجه الاول فمحمود، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم، ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الانسان بذلك ولا يكون مذموما، قوله: (سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون في الارض بغير الحق) فجعل متكبرين بغير الحق، وقال (على كل قلب متكبر جبار) بإضافة القلب إلى المتكبر.
ومن قرأ بالتنوين جعل المتكبر صفة للقلب، والكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه غير الله فقال: (وله الكبرياء في السموات والارض) ولما قلنا روى عنه صلى الله عليه وسلم يقول عن الله تعالى " الكبرياء ردائي والعظمة إزارى فمن نازعنى في واحد منهما قصمته " وقال تعالى: (قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الارض)، وأكبرت الشئ رأيته كبيرا، قال: (فلما رأينه أكبرنه) والتكبير يقال لذلك ولتعظيم الله تعالى بقولهم الله أكبر ولعبادته واستشعار تعظيمه وعلى ذلك (ولتكبروا الله على ما هداكم - وكبره تكبيرا)، وقوله: (لخلق السموات
والارض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فهى إشارة إلى ما خصهما الله تعالى به من عجائب صنعه وحكمته التى لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله (ويتفكرون في خلق السموات والارض) فأما عظم جثتهما فأكثرهم يعلمونه.
وقوله
(يوم نبطش البطشة الكبرى) فتنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا وفى البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم.
والكبار أبلغ من الكبير، والكبار أبلغ من ذلك، قال: (ومكروا ومكرا كبارا).
كتب: الكتب ضم أديم إلى أديم بالخياطة، يقال كتبت السقاء، وكتبت البغلة جمعت بين شفويها بحلقة، وفى التعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ، فالاصل في الكتابة النظم بالخط لكن يستعار كل واحد للاخر ولهذا سمى كلام الله وإن لم يكتب كتابا كقوله (الم ذلك الكتاب) وقوله: (قال إنى عبد الله آتانى الكتاب)
والكتاب في الاصل مصدر ثم سمى المكتوب فيه كتابا، والكتاب في الاصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه وفى قوله: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) فإنه يعنى صحيفة فيها كتابة، ولهذا قال: (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس) الاية ويعبر عن الاثبات والتقدير والايجاب والفرض والعزم بالكتابة، ووجه ذلك أن الشئ يراد ثم يقال ثم يكتب، فالارادة مبدأ والكتابة منتهى.
ثم يعبر عن المراد الذى هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التى هي المنتهى، قال: (كتب الله لاغلبن أنا ورسلي) وقال تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا - لبرز الذين كتب عليهم القتل) وقال: (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي في حكمه، وقوله (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) أي أو حينا وفرضنا وكذلك قوله (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) وقوله (كتب عليكم الصيام - لم كتبت علينا القتال - ما كتبناها عليهم - لولا أن كتب الله عليهم الجلاء) أي لولا أن أوجب الله عليهم الاخلال بديارهم، ويعبر
بالكتابة عن القضاء الممضى وما يصير في حكم الممضى وعلى هذا حمل قوله (بلى ورسلنا لديهم يكتبون) قيل ذلك مثل قوله (يمحو الله ما يشاء ويثبت) وقوله: (أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه) فإشارة منه إلى أنهم بخلاف من وصفهم بقوله (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) لان معنى أغفلنا من قولهم أغفلت الكتاب إذا جعلته خاليا من الكتابة ومن الاعجام، وقوله (فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون) فإشارة إلى أن ذلك مثبت له ومجازي به.
وقوله (فاكتبنا مع الشاهدين) أي اجعلنا في زمرتهم إشارة إلى قوله (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) الاية وقوله (مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) فقيل إشارة إلى
ما أثبت فيه أعمال العباد.
وقوله (إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) قيل إشارة إلى اللوح المحفوظ، وكذا قوله (إن ذلك في كتاب - إن ذلك على الله يسير) وقوله: (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين - في الكتاب مسطورا - لولا كتاب من الله سبق) يعنى به
ما قدره من الحكمة وذلك إشارة إلى قوله (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وقيل إشارة إلى قوله (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) وقوله (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) يعنى ما قدره وقضاه وذكر لنا ولم يقل علينا تنبيها أن كل ما يصيبنا نعده نعمة لنا ولا نعده نقمة علينا، وقوله (ادخلوا الارض المقدسة التى كتب الله لكم) قيل معنى ذلك وهبها الله لكم ثم حرمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها، وقيل كتب لكم بشرط أن تدخلوها، وقيل أوجبها عليكم، وإنما قال لكم ولم يقل عليكم لان دخولهم إياها يعود عليهم بنفع عاجل وآجل فيكون ذلك لهم لا عليهم وذلك كقولك لمن يرى تأذيا بشئ لا يعرف نفع مآله: هذا الكلام لك لا عليك، وقوله: (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا) جعل حكمهم وتقديرهم ساقطا مضمحلا وحكم الله عاليا لا دافع له ولا مانع، وقال تعالى: (وقال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) أي في علمه وإيجابه وحكمه وعلى ذلك قوله (لكل أجل كتاب) وقوله (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) أي في حكمه.
ويعبر بالكتاب عن الحجة الثابتة من جهة الله نحو (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير - أم آتيناهم كتابا من قبله فأتوا بكتابكم - أوتوا الكتاب - كتاب الله - أم آتيناهم كتابا - فهم يكتبون) فذلك إشارة إلى العلم والتحقق والاعتقاد، وقوله (وابتغوا ما كتب الله لكم) إشارة في تحرى النكاح إلى لطيفة وهى أن الله جعل لنا شهوة النكاح لنتحرى طلب النسل الذى يكون سببا لبقاء نوع الانسان إلى غاية قدرها، فيجب للانسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل الله له على حسب مقتضى العقل والديانة، ومن تحرى بالنكاح حفظ النسل وحصانة النفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب الله له وإلى هذا أشار من قال: عنى بما كتب الله لكم الولد ويعبر عن الايجاد بالكتابة وعن الازالة والافناء بالمحو.
قال: (لكل أجل كتاب - يمحو الله ما يشاء ويثبت) نبه أن لكل وقت إيجادا وهو يوجد ما تقتضي الحكمة إيجاده ويزيل ما تقتضي الحكمة إزالته، ودل قوله (لكل أجل كتاب)
على نحو ما دل عليه قوله (كل يوم هو في شأن) وقوله: (وعنده أم الكتاب) وقوله:
(وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب) فالكتاب الاول ما كتبوه بأيديهم المذكورة في قوله (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) والكتاب الثاني التوراة، والثالث لجنس كتب الله أي ما هو من شئ من كتب الله سبحانه وتعالى وكلامه، وقوله (ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان) فقد قيل هما عبارتان عن التوراة وتسميتها كتابا اعتبارا بما أثبت فيها من الاحكام، وتسميتها فرقانا اعتبارا بما فيها من الفرق بين الحق والباطل.
وقوله: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) أي حكما (لولا كتاب من الله سبق لمسكم) وقوله (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) كل ذلك حكم منه.
وأما قوله: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) فتنبيه أنهم يختلقونه ويفتعلونه، وكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم فقال:
(ذلك قولهم بأفواههم) والاكتتاب متعارف في المختلق نحو قوله: (أساطير الاولين اكتتبها) وحيثما ذكر الله تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والانجيل وإياهما جميعا، وقوله: (وما كان هذا القرآن أن يفترى) إلى قوله: (وتفصيل الكتاب) فإنما أراد بالكتاب ههنا ما تقدم من كتب الله دون القرآن، ألا ترى أنه جعل القرآن مصدقا له، وقوله: (وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا) فمنهم من قال هو القرآن ومنهم من قال هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل، وكذلك قوله: (فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) وقوله (قال الذى عنده علم من الكتاب) فقد قيل أريد به علم الكتاب وقيل علم من العلوم التى آتاها الله سليمان في كتابه المخصوص به وبه سخر له كل شئ، وقوله: (وتؤمنون بالكتاب كله) أي بالكتب المنزلة فوضع ذلك موضع الجمع إما لكونه جنسا كقولك كثر الدرهم في أيدى الناس، أو لكونه في الاصل مصدرا نحو عدل وذلك كقوله: (يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) وقيل يعنى أنهم ليسوا كمن قيل فيهم (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) وكتابة العبد ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه، قال: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) واشتقاقها يصح أن يكون من الكتابة التى هي الايجاب، وأن يكون من الكتب الذى هو النظم والانسان يفعل ذلك.
كتم: الكتمان ستر الحديث، يقال كتمته كتما وكتمانا، قال: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) وقال: (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون - ولا تكتموا
الشهادة - وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) وقوله (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) فكتمان الفضل هو كفران النعمة ولذلك قال بعده: (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) وقوله: (ولا يكتمون الله حديثا) قال ابن عباس: إن المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنة إلا من لم يكن مشركا قالوا (والله ربنا ما كنا مشركين) فتشهد عليهم جوارحهم فحينئذ يودون أن لم يكتموا الله حديثا.
وقال
الحسن: في الاخرة مواقف في بعضها يكتمون وفى بعضها لا يكتمون، وعن بعضهم لا يكتمون الله حديثا هو أن تنطق جوارحهم.
كثب: قال: (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) أي رملا متراكما وجمعه أكثبة وكثب وكثبان، والكثيبة القليل من اللبن والقطعة من التمر سميت بذلك لاجتماعها، وكثب إذا اجتمع، والكاثب الجامع، والتكثيب الصيد إذا أمكن من نفسه، والعرب تقول أكثبك الصيد فارمه، وهو من الكثب أي القرب.
كثر: قد تقدم أن الكثرة والقلة يستعملان في الكمية المنفصلة كالاعداد، قال: (وليزيدن كثيرا - وأكثرهم للحق كارهون - بل أكثرهم لا يعلمون الحق) قال: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة) وقال: (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء - ود كثير من أهل الكتاب) إلى آيات كثيرة وقوله (بفاكهة كثيرة) فإنه جعلها كثيرة اعتبارا بمطاعم الدنيا، وليست الكثرة إشارة إلى العدد فقط بل إلى الفضل، ويقال عدد كثير وكثار وكاثر: زائد، ورجل كاثر
إذا كان كثير المال، قال الشاعر: ولست بالاكثر منهم حصى * وإنما العزة للكاثر والمكاثرة والتكاثر التبارى في كثرة المال والعز، قال: (ألهاكم التكاثر) وفلان مكثور أي مغلوب في الكثرة، والمكثار متعارف في كثرة الكلام، والكثر الجمار الكثير وقد حكى بتسكين الثاء، وروى " لا قطع في ثمر ولا كثر " وقوله (إنا أعطيناك الكوثر) قيل هو نهر في الجنة يتشعب عنه الانهار، وقيل بل هو الخير العظيم الذى أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يقال للرجل السخى كوثر، ويقال تكوثر الشئ كثر كثرة متناهية، قال الشاعر: * وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا * كدح: الكدح السعي والعناء، قال: (إنك كادح إلى ربك كدحا) وقد يستعمل استعمال الكدم في الاسنان، قال الخليل: الكدح دون الكدم.
كدر: الكدر ضد الصفاء، يقال عيش
كدر والكدرة في اللون خاصة، والكدورة
في الماء وفى العيش، والانكدار تغير من انتثار الشئ، قال: (وإذا النجوم انكدرت)، وانكدر القوم على كذا إذا قصدوا متناثرين عليه.
كدى: الكدية صلابة في الارض، يقال حفر فأكدى إذا وصل إلى كدية، واستعير ذلك للطالب المخفق والمعطى المقل، قال تعالى: (أعطى قليلا وأكدى).
كذب: قد تقدم القول في الكذب مع الصدق وأنه يقال في المقال والفعال، قال: (إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون)، وقوله (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) وقد تقدم أنه كذبهم في اعتقادهم لا في مقالهم، ومقالهم كان صدقا، وقوله: (ليس لوقعتها كاذبة) فقد نسب الكذب إلى نفس الفعل كقولهم فعلة صادقة وفعلة كاذبة، قوله: (ناصية كاذبة) يقال رجل كذاب وكذوب وكذبذب وكيذبان، كل ذلك للمبالغة، ويقال لا مكذوبة أي لا أكذبك وكذبتك حديثا، قال تعالى: (الذين كذبوا الله ورسوله)، ويتعدى إلى مفعولين نحو صدق في قوله (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) يقال كذبه
كذبا وكذابا، وأكذبته: وجدته كاذبا، وكذبته: نسبته إلى الكذب صادقا كان أو كاذبا، وما جاء في القرآن ففى تكذيب الصادق نحو (كذبوا بآياتنا - رب انصرني بما كذبون - بل كذبوا بالحق - كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا - كذبت ثمود وعاد بالقارعة - وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح - وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم) وقال (فإنهم لا يكذبونك) قرئ بالتخفيف والتشديد، ومعناه لا يجدونك كاذبا ولا يستطيعون أن يثبتوا كذبك، وقوله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) أي علموا أنهم تلقوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب فكذبوا نحو فسقوا وزنوا وخطئوا، إذا نسبوا إلى شئ من ذلك، وذلك قوله: (فقد كذبت رسل من قبلك) وقوله (فكذبوا رسلي) وقوله (إن كل إلا كذب الرسل) وقرئ (كذبوا) بالتخفيف من قولهم كذبتك حديثا أي ظن المرسل إليهم أن المرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب وإنما ظنوا ذلك من إمهال الله تعالى إياهم وإملائه لهم، وقوله (لا يسمعون
فيها لغوا ولا كذابا) الكذاب التكذيب والمعنى لا يكذبون فيكذب بعضهم بعضا، ونفى التكذيب عن الجنة يقتضى نفى الكذب عنها وقرئ (كذابا) من المكاذبة أي لا يتكاذبون تكاذب الناس في الدنيا، يقال حمل فلان على فرية وكذب كما يقال في ضده صدق.
وكذب لبن الناقة إذا ظن أن يدوم مدة
فلم يدم.
وقولهم كذب عليك الحج قيل معناه وجب فعليك به، وحقيقته أنه في حكم الغائب البطئ وقته كقولك قد فات الحج فبادر أي كاد يفوت.
وكذب عليك العسل بالنصب أي عليك بالعسل وذلك إغراء، وقيل العسل ههنا العسلان وهو ضرب من العدو، والكذابة ثوب ينقش بلون صبغ كأنه موشى وذلك لانه يكذب بحاله.
كر: الكر العطف على الشئ بالذات أو بالفعل، ويقال للحبل المفتول كر وهو في الاصل مصدر وصار اسما وجمعه كرور، قال (ثم رددنا لكم الكرة عليهم - فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين - وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة - لو أن لى كرة) والكركرة
رحى زور البعير ويعبر بها عن الجماعة المجتمعة، والكركرة تصريف الريح السحاب، وذلك مكرر من كر.
كرب: الكرب الغم الشديد، قال: (فنجيناه وأهله من الكرب العظيم) والكربة كالغمة وأصل ذلك من كرب الارض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك، وقيل في مثل: الكراب على البقر، وليس ذلك من قولهم " الكلاب على البقر " في شئ ويصح أن يكون الكرب من كربت الشمس إذا دنت للمغيب وقولهم إناء كربان أي قريب نحو قربان أي قريب من الملء، أو من الكرب وهو عقد غليظ في رشا الدلو، وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب، يقال أكربت الدلو.
كرس: الكرسي في تعارف العامة اسم لما يقعد عليه، قال (وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) وهو في الاصل منسوب إلى الكرس أي المتلبد أي المجتمع.
ومنه الكراسة للمتكرس من الاوراق، وكرست البناء فتكرس، قال العجاج: يا صاح هل تعرف رسما مكرسا * قال: نعم أعرفه، وأبلسا
والكرس أصل الشئ، يقال هو قديم الكرس وكل مجتمع من الشئ كرس، والكروس المتركب بعض أجزاء رأسه إلى بعضه لكبره، وقوله: (وسع كرسيه السموات والارض) فقد روى عن ابن عباس أن الكرسي العلم، وقيل كرسيه ملكه، وقال بعضهم: هو اسم الفلك المحيط بالافلاك، قال: ويشهد لذلك ما روى " ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ".
كرم: الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لاحسانه وإنعامه المتظاهر نحو قوله (إن ربى غنى كريم) وإذا وصف به الانسان فهو اسم للاخلاق والافعال المحمودة التى تظهر منه، ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه.
قال بعض العلماء: الكرم كالحرية إلا أن الحرية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة.
والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة كمن ينفق ما لا في تجهيز جيش في سبيل الله وتحمل حمالة ترقئ دماء قوم، وقوله: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فإنما كان كذلك لان الكرم الافعال المحمودة وأكرمها وأشرفها
ما يقصد به وجه الله تعالى، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التقى، فإذا أكرم الناس أتقاهم، وكل شئ شرف في بابه فإنه يوصف بالكرم، قال تعالى: (وأنبتنا فيها من كل زوج كريم - وزروع ومقام كريم - إنه لقرآن كريم - وقل لهما قولا كريما) وإلاكرام والتكريم أن يوصل إلى الانسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما أي شريفا، قال (وهل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) وقوله (بل عباد مكرمون) أي جعلهم كراما، قال (كراما كاتبين)، وقال (بأيدى سفرة كرام بررة - وجعلني من المكرمين)، وقوله: (ذو الجلال والاكرام) منطو على المعنيين.
كره: قيل الكره والكره واحد نحو: الضعف والضعف، وقيل الكره المشقة التى تنال الانسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه، والكره ما يناله من ذاته وهو يعافه، وذلك على ضربين، أحدهما: ما يعاف من حيث الطبع والثانى ما يعاف من حيث العقل أو الشرع، ولهذا يصح أن يقول الانسان في الشئ الواحد
إنى أريده وأكرهه بمعنى أنى أريده من حيث الطبع وأكرهه من حيث العقل أو الشرع، أو أريده من حيث العقل أو الشرع وأكرهه من حيث الطبع، وقوله: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) أي تكرهونه من حيث الطبع ثم بين ذلك بقوله (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) أنه لا يجب للانسان أن يعتبر كراهيته للشئ أو محبته له حتى يعلم حاله.
وكرهت يقال فيهما جميعا إلا أن استعماله في الكره أكثر، قال تعالى: (ولو كره الكافرون - ولو كره المشركون - وإن فريقا من المؤمنين لكارهون)، وقوله: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) تنبيه أن أكل لحم الاخ شئ قد جبلت النفس على كراهتها له وإن تحراه الانسان، وقوله: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) وقرئ كرها، والا كراه يقال في حمل الانسان على ما يكرهه وقوله: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) فنهى عن حملهن على ما فيه كره وكره، وقوله (لا إكراه في الدين) فقد قيل كان ذلك في ابتداء الاسلام فإنه كان يعرض على الانسان الاسلام فإن أجاب
وإلا ترك.
والثانى: أن ذلك في أهل الكتاب فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تركوا.
والثالث: أنه لا حكم لمن أكره على
دين باطل فاعترف به ودخل فيه كما قال: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان).
الرابع: لا اعتداد في الاخرة بما يفعل الانسان في الدنيا من الطاعة كرها فإن الله تعالى يعتبر السرائر ولا يرضى إلا الاخلاص ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " الاعمال بالنيات " وقال: " أخلص يكفك القليل من العمل " الخامس: معناه لا يحمل الانسان على أمر مكروه في الحقيقة مما يكلفهم الله بل يحملون على نعيم الابد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل " السادس: أن الدين الجزاء، معناه أن الله ليس بمكره على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء وقوله: (أفغير دين الله يبغون) إلى قوله: (طوعا وكرها) قيل معناه أسلم من في السموات طوعا ومن في الارض كرها أي الحجة أكرهتهم وألجأتهم كقولك الدلالة أكرهتني على القول بهذه المسألة وليس هذا من الكره المذموم.
الثاني: أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها إذ لم يقدروا أن يمتنعوا عليه بما يريد بهم ويقضيه عليهم.
الثالث: عن قتادة أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها عند الموت حيث قال (فلم يك ينفعهم إيمانهم) الاية.
الرابع: عنى بالكره من قوتل وألجئ إلى أن يؤمن.
الخامس: عن أبى العالية ومجاهد أن كلا أقر بخلقه إياهم وإن أشركوا معه كقوله: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله).
السادس: عن ابن عباس: أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم وإن كفر بعضهم بمقالهم وذلك هو الاسلام في الذر الاول حيث قال: (ألست بربكم قالوا بلى) وذلك هو دلائلهم التى فطروا عليها من العقل المقتضى لان يسلموا، وإلى هذا أشار بقوله (وظلالهم بالغدو والاصال) السابع: عن بعض الصوفية أن من أسلم طوعا هو من طالع المثيب والمعاقب لا الثواب والعقاب فأسلم له، ومن أسلم كرها هو من طالع الثواب والعقاب فأسلم رغبة ورهبة ونحو هذه الاية قوله: (ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها).
كسب: الكسب ما يتحراه الانسان مما
فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ ككسب المال، وقد يستعمل فيما يظن الانسان أنه يجلب منفعة ثم استجلب به مضرة.
والكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره ولهذا قد يتعدى إلى مفعولين فيقال كسبت فلانا كذا، والاكتساب لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك فكل اكتساب كسب وليس كل كسب اكتسابا، وذلك نحو خبز واختبز وشوى واشتوى وطبخ واطبخ وقوله: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم) روى أنه قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: " أي الكسب أطيب ؟ فقال عليه الصلاة والسلام، عمل الرجل بيده، وقال: إن أطيب ما يأكل
الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " وقال: (لا يقدرون على شئ مما كسبوا) وقد ورد في القرآن في فعل الصالحات والسيئات، فمما استعمل في الصالحات قوله: (أو كسبت في إيمانها خيرا) وقوله: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة) إلى قوله (مما كسبوا): ومما يستعمل في السيئات (أن تبسل نفس بما كسبت - أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا - إن الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا
يقترفون - فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) وقال: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون - ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا - ولا تكسب كل نفس إلا عليها) وقوله: (ثم توفى كل نفس ما كسبت) فمتناول لهما.
والاكتساب قد ورد فيهما، قال في الصالحات (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) وقوله: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فقد قيل خص الكسب ههنا بالصالح والاكتساب بالسيئ، وقيل عنى بالكسب ما يتحراه من المكاسب الاخروية، وبالاكتساب، ما يتحراه من المكاسب الدنيوية، وقيل عنى بالكسب ما يفعله الانسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز وبالاكتساب ما يحصله لنفسه من نفع يجوز تناوله، فنبه على أن ما يفعله الانسان لغيره من نفع يوصله إليه فله الثواب وأن ما يحصله لنفسه وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه فقلما ينفك من أن يكون عليه، إشارة إلى ما قيل " من أراد الدنيا فليوطن نفسه على المصائب "، وقوله تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتتة)
ونحو ذلك.
كسف: كسوف الشمس والقمر استتارهما بعارض مخصوص، وبه شبه كسوف الوجه والحال فقيل كاسف الوجه وكاسف الحال، والكسفة قطعة من السحاب والقطن ونحو ذلك من الاجسام المتخلخلة الحائلة وجمعها كسف، قال: (ثم يجعله كسفا - أسقط علينا كسفا من السماء - أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) وكسفا بالسكون.
فكسف جمع كسفة نحو سدرة وسدر (وإن يروا كسفا من السماء) قال أبو زيد: كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قطعا، وقيل كسفت عرقوب الابل، قال بعضهم: هو كسحت لا غير.
كسل: الكسل التثاقل عما لا ينبغى التثاقل عنه ولاجل ذلك صار مذموما، يقال كسل فهو كسل وكسلان وجمعه كسالى وكسالى، قال: (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) وقيل فلان لا يكسله المكاسل، وفحل كسل يكسل عن الضراب، وامرأة مكسال فاترة عن التحرك.
كسا: الكساء والكسوة اللباس، قال: (أو كسوتهم) وقد كسوته واكتسى، قال: (فارزقوهم فيها واكسوهم - فكسونا العظام لحما)، واكتست الارض بالنبات، وقول الشاعر: فبات له دون الصبا وهى قرة * لحاف ومصقول الكساء رقيق فقد قيل هو كناية عن اللبن إذا علته الدواية، وقول الاخر: حتى أرى فارس الصيموت على * أكساء خيل كأنها الابل قيل معناه على أعقابها، وأصله أن تعدى الابل فتثير الغبار ويعلوها فيكسوها فكأنه تولى إكساء الابل أي ملابسها من الغبار.
كشف: كشفت الثوب عن الوجه وغيره ويقال كشف غمه، قال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو - فيكشف ما تدعون إليه - لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك - أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، وقوله: (يوم يكشف عن ساق) قيل أصله من قامت الحرب على ساق أي ظهرت الشدة، وقال بعضهم
أصله من تذمير الناقة، وهو أنه إذا أخرج رجل الفصيل من بطن أمه، فيقال كشف عن الساق.
كشط: (وإذا السماء كشطت) وهو من كشط الناقة أي تنحية الجلد عنها ومنه استعير انكشط روعه أي زال.
كظم: الكظم مخرج النفس، يقال أخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت كقولهم فلان لا يتنفس إذا وصف بالمبالغة في السكوت، وكظم فلان حبس نفسه، قال تعالى: (إذ نادى وهو مكظوم)، وكظم الغيظ حبسه، قال: (والكاظمين الغيظ) ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار، وكظم السقاء شده بعد ملئه مانعا لنفسه، والكظامة حلقة تجمع فيها الخيوط في طرف حديدة الميزان، والسير الذى يوصل بوتر القوس، والكظائم خروق بين البئرين يجرى فيها الماء، كل ذلك تشبيه بمجرى النفس وتردده فيه.
كعب: كعب الرجل: العظم الذى عند ملتقى القدم والساق، قال: (وأرجلكم إلى الكعبين) والكعبة كل بيت على هيئته
في التربيع وبها سميت الكعبة، قال تعالى: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) وذو الكعبات بيت كان في الجاهلية لبنى ربيعة، وفلان جالس في كعبته أي غرفته وبيته على تلك الهيئة، وامرأة كاعب تكعب ثدياها، وقد كعبت كعابة والجمع كواعب، قال: (وكواعب أترابا) وقد يقال كعب الثدى كعبا وكعب تكعيبا وثوب
مكعب مطوى شديد الادراج، وكل ما بين العقدتين من القصب والرمح يقال له كعب تشبيها بالكعب في الفصل بين العقدتين كفصل الكعب بين الساق والقدم.
كف: الكف: كف الانسان وهى ما بها يقبض ويبسط، وكففته أصبت كفه وكففته أصبته بالكف ودفعته بها.
وتعورف الكف بالدفع على أي وجه كان بالكف كان أو غيرها حتى قيل رجل مكفوف لمن قبض بصره، وقوله: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) أي كافا لهم عن المعاصي والهاء فيه للمبالغة كقولهم: راوية وعلامة ونسابة، وقوله: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) قيل معناه كافين لهم
كما يقاتلونكم كافين، وقيل معناه جماعة كما يقاتلونكم جماعة، وذلك أن الجماعة يقال لهم الكافة كما يقال لهم الوازعة لقوتهم باجتماعهم وعلى هذا قوله (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) وقوله (فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها) فإشارة إلى حال النادم وما يتعاطاه في حال ندمه.
وتكفف الرجل إذا مد يده سائلا، واستكف إذا مد كفه سائلا أو دافعا، واستكف الشمس دفعها بكفه وهو أن يضع كفه على حاجبه مستظلا من الشمس ليرى ما يطلبه، وكفة الميزان تشبيه بالكف في كفها ما يوزن بها وكذا كفة الحبالة، وكففت الثوب إذا خطت نواحيه بعد الخياطة الاولى.
كفت: الكفت القبض والجمع، قال: (ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا) أي تجمع الناس أحياءهم وأمواتهم، وقيل معناه تضم الاحياء التى هي الانسان والحيوانات والنبات، والاموات التى هي الجمادات من الارض والماء وغير ذلك.
والكفات قيل هو الطيران السريع، وحقيقته قبض الجناح للطيران، كما قال: (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن) فالقبض
ههنا كالكفات هناك.
والكفت السوق الشديد، واستعمال الكفت في سوق الابل كاستعمال القبض فيه كقولهم قبض الراعى الابل وراعى قبضة، وكفت الله فلانا إلى نفسه كقولهم قبضه، وفى الحديث: " اكفتوا صبيانكم بالليل ".
كفر: الكفر في اللغة ستر الشئ، ووصف الليل بالكافر لستره الاشخاص، والزراع لستره البذر في الارض، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللغة لما سمع: * ألقت ذكاء يمينها في كافر * والكافور اسم أكمام الثمرة التى تكفرها، قال الشاعر: * كالكرم إذ نادى من الكافور * وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها، قال تعالى: (فلا كفران لسعيه) وأعظم
الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا، والكفر في الدين أكثر والكفور فيهما جميعا قال: (فأبى الظالمون إلا كفورا - فأبى أكثر الناس إلا كفورا) ويقال منهما كفر
فهو كافر، قال في الكفران: (ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم) وقال: (واشكروا لى ولا تكفرون) وقوله: (وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين) أي تحريت كفران نعمتي، وقال: (لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) ولما كان الكفران يقتضى جحود النعمة صار يستعمل في الجحود، قال: (ولا تكونوا أول كافر به) أي جاحد له وساتر، والكافر على الاطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها، وقد يقال كفر لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شكر الله عليه، قال: (من كفر فعليه كفره) يدل على ذلك مقابلته بقوله: (ومن عمل صالحا فلانفسهم يمهدون) وقال (وأكثرهم الكافرون) وقوله (ولا تكونوا أول كافر به) أي لا تكونوا أئمة في الكفر فيقتدى بكم، وقوله (ومن يكفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) عنى بالكافر الساتر للحق فلذلك جعله فاسقا، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق، ومعناه من جحد حق الله فقد فسق
عن أمر ربه بظلمه.
ولما جعل كل فعل محمود من الايمان جعل كل فعل مذموم من الكفر، وقال في السحر: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) وقوله: (الذين يأكلون الربا - إلى قوله - كل كفار أثيم) وقال: (ولله على الناس حج البيت - إلى قوله - ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين) والكفور المبالغ في كفران النعمة، وقوله: (إن الانسان لكفور) وقال: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور) إن قيل كيف وصف الانسان ههنا بالكفور ولم يرض بذلك حتى أدخل عليه إن واللام وكل ذلك تأكيد، وقال في موضع (وكره إليكم الكفر) فقوله (إن الانسان لكفور مبين) تنبيه على ما ينطوى عليه الانسان من كفران النعمة وقلة ما يقوم بأداء الشكر، وعلى هذا قوله: (قتل الانسان ما أكفره) ولذلك قال (وقليل من عبادي الشكور) وقوله (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) تنبيه أنه عرفه الطريقين كما قال: (وهديناه النجدين) فمن سالك سبيل الشكر، ومن
سالك سبيل الكفر، وقوله (وكان الشيطان لربه كفورا) فمن الكفر ونبه بقوله (كان) أنه لم يزل منذ وجد منطويا على الكفر.
والكفار
أبلغ من الكفور لقوله (كل كفار عنيد) وقال (إن الله لا يحب كل كفار أثيم - إن الله لا يهدى من هو كاذب كفار - إلا فاجرا كفارا) وقد أجرى الكفار مجرى الكفور في قوله (إن الانسان لظلوم كفار) والكفار في جمع الكافر المضاد للايمان أكثر استعمالا كقوله (أشداء على الكفار) وقوله ليغيظ بهم الكفار) والكفرة في جمع كافر النعمة أشد استعمالا وفى قوله (أولئك هم الكفرة الفجرة) ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة ؟ والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين.
و قوله (جزاء لمن كان كفر) أي من الانبياء ومن يجرى مجراهم ممن بذلوا النصح في أمر الله فلم يقبل منهم.
وقوله (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا) قيل عنى بقوله إنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بمن بعده.
والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا بمن بعده.
وقيل آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا
بغيره، وقيل هو ما قال (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى) إلى قوله: (واكفروا آخره) ولم يرد أنهم آمنوا مرتين وكفروا مرتين، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة.
وقيل كما يصعد الانسان في الفضائل في ثلاث درجات ينعكس في الرذائل في ثلاث درجات والاية إشارة إلى ذلك، وقد بينته في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة.
ويقال كفر فلان إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد ولذلك قال (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مصمئن بالايمان) ويقال كفر فلان بالشيطان إذا كفر بسببه، وقد يقال ذلك إذا آمن وخالف الشيطان كقوله (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله) وأكفره إكفارا حكم بكفره، وقد يعبر عن التبرى بالكفر نحو (ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض) الاية وقوله تعالى: (إنى كفرت بما أشركتموني من قبل) وقوله (كمثل غيث أعجب الكفار نباته) قيل عنى بالكفار الزراع لانهم يغطون البذر في التراب ستر الكفار حق الله تعالى بدلالة قوله: (يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) ولان الكافر لا اختصاص له بذلك وقيل بل عنى الكفار، وخصهم بكونهم معجبين بالدنيا وزخارفها وراكنين إليها.
والكفارة ما يغطى الاثم ومنه كفارة اليمين نحو قوله (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وكذلك كفارة غيره من الاثام ككفارة القتل والظهار قال (فكفارته إطعام عشرة مساكين) والتكفير ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران نحو التمريض في كونه إزالة للمرض وتقذية العين في إزالة القذى عنه، قال: (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا
لكفرنا عنهم سيأتهم - نكفر عنكم سيأتكم) وإلى هذا المعنى أشار بقوله (إن الحسنات يذهبن السيآت) وقيل صغار الحسنات لا تكفر كبار السيآت، وقال: (لاكفرن عنهم سيأتهم - ليكفر الله عنهم أسوأ الذى عملوا) ويقال: كفرت الشمس النجوم سترتها ويقال الكافر للسحاب الذى يغطى الشمس والليل، قال الشاعر: * ألقت ذكاء يمينها في كافر *
وتكفر في السلاح أي تغطى فيه، والكافور أكمام الثمرة أي التى تكفر الثمرة، قال الشاعر: * كالكرم إذ نادى من الكافور * والكافور الذى هو من الطيب، قال تعالى: (كان مزاجها كافورا).
كفل: الكفالة الضمان، تقول تكفلت بكذا وكفلته فلانا وقرئ (وكفلها زكريا) أي كفلها الله تعالى، ومن خفف جعل الفعل لزكريا، المعنى تضمنها، قال تعالى: (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا)، والكفيل الحظ الذى فيه الكفاية كأنه تكفل بأمره نحو قوله تعالى: (فقال أكفلنيها) أي اجعلني كفلا لها، والكفل الكفيل، قال: (يؤتكم كفلين من رحمته) أي كفيلين من نعمته في الدنيا والاخرة وهما المرغوب إلى الله تعالى فيهما بقوله (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة) وقيل لم يعن بقوله كفلين أي نعمتين اثنتين بل أراد النعمة المتوالية المتكفلة بكفايته، ويكون تثنيته على حد ما ذكرنا في قولهم لبيك وسعديك، وأما قوله: (من يشفع
شفاعة حسنة) إلى قوله (يكن له كفل منها) فإن الكفل ههنا ليس بمعنى الاول بل هو مستعار من الكفل وهو الشئ الردئ، واشتقاقه من الكفل وهو أن الكفل لما كان مركبا ينبو براكبه صار متعارفا في كل شدة كالسيساء وهو العظم الناتئ من ظهر الحمار فيقال لاحملنك على الكفل وعلى السيساء، ولاركبنك الحسرى الرزايا، قال الشاعر: وحملناهم على صعبة زو * راء يعلونها بغير وطاء ومعنى الاية من ينضم إلى غيره معينا له في فعلة حسنة يكون له منها نصيب، ومن ينضم إلى غيره معينا له في فعلة سيئة يناله منها شدة.
وقيل الكفل الكفيل.
ونبه أن من تحرى شرا فله من فعله كفيل يسأله كما قيل من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته.
كفؤ: الكفء في المنزلة والقدر، ومنه الكفاء لشقة تنضح بالاخرى فيجلل بها مؤخر البيت، يقال فلان كفء لفلان
في المناكحة أو في المحاربة ونحو ذلك، قال تعالى: (ولم يكن له كفوا أحد) ومنه المكافأة أي المساواة والمقابلة في الفعل، وفلان كفؤ لك في المضادة، والا كفاء قلب الشئ كأنه إزالة المساواة، ومنه الاكفاء في الشعر، ومكفأ الوجه أي كاسد اللون وكفيؤه، ويقال لنتاج الابل ليست تامة كفأة، وجعل فلان إبله كفأتين إذا لقح كل سنة قطعة منها.
كفى: الكفاية ما فيه سد الخلة وبلوغ المراد في الامر، قال: (وكفى الله المؤمنين القتال - إنا كفيناك المستهزئين) وقوله (وكفى بالله شهيدا) قيل معناه (كفى الله شهيدا) والباء زائدة وقيل معناه اكتف بالله شهيدا، والكفية من القوت ما فيه كفاية والجمع كفى، ويقال كافيك فلان من رجل كقولك حسبك من رجل.
كل: لفظ كل هو لضم أجزاء الشئ وذلك ضربان، أحدهما الضام لذات الشئ وأحواله المختصة به ويفيد معنى التمام نحو قوله (ولا تبسطها كل البسط) أي بسطا تاما، قال الشاعر:
ليس الفتى كل الفتى * إلا الفتى في أدبه أي التام الفتوة.
والثانى الضام للذوات وذلك يضاف تارة إلى جمع معرف بالالف واللام نحو قولك كل القوم، وتارة إلى ضمير ذلك نحو (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) وقوله (ليظهره على الدين كله) أو إلى نكرة مفردة نحو (وكل إنسان ألزمناه - وهو بكل شئ عليم) إلى غيرها من الايات وربما عرى عن الاضافة ويقدر ذلك فيه نحو (كل في فلك يسبحون - وكل أتوه داخرين - وكلهم آتيه يوم القيامة فردا - وكلا جعلنا صالحين - وكل من الصابرين - وكلا ضربنا له الامثال) إلى غير ذلك في القرآن مما يكثر تعداده.
ولم يرد في شئ من القرآن ولا في شئ من كلام الفصحاء الكل بالالف واللام وإنما ذلك شئ يجرى في كلام المتكلمين والفقهاء ومن نحا نحوهم.
والكلالة اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة، وقال ابن عباس: هو اسم لمن عدا الولد، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال: من مات وليس له ولد ولا والد، فجعله اسما للميت وكلا القولين صحيح.
فإن
الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا وتسميتها بذلك إما لان النسب كل عن اللحوق به أو لانه قد لحق به بالعرض من أحد طرفيه وذلك لان الانتساب ضربان، أحدهما: بالعمق كنسبة الاب والابن، والثانى بالعرض كنسبة الاخ والعم، قال قطرب: الكلالة اسم لما عدا الابوين والاخ، وليس بشئ، وقال بعضهم هو اسم لكل وارث كقول الشاعر:
والمرء يبخل بالحقو * ق وللكلالة ما يسيم من أسام الابل إذا أخرجها للمرعى ولم يقصد الشاعر بما ظنه هذا وإنما خص الكلالة ليزهد الانسان في جمع المال لان ترك المال لهم أشد من تركه للاولاد، وتنبيها أن من خلفت له المال فجار مجرى الكلالة وذلك كقولك ما تجمعه فهو للعدو، وتقول العرب لم يرث فلان كذا كلالة لمن تخصص بشئ قد كان لابيه، قال الشاعر: ورثتم قناة الملك غير كلالة * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم والاكليل سمى بذلك لاطافته بالرأس، يقال
كل الرجل في مشيته كلالا، والسيف عن ضريبته كلولا وكلة، واللسان عن الكلام كذلك وأكل فلان كلت راحلته والكلكل الصدر.
كلب: الكلب الحيوان النباح والانثى كلبة والجمع أكلب وكلاب وقد يقال للجمع كليب، قال: (كمثل الكلب) قال (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) وعنه اشتق الكلب للحرص ومنه يقال هو أحرص من كلب، ورجل كلب: شديد الحرص، وكلب كلب أي مجنون يكلب بلحوم الناس فيأخذه شبه جنون، ومن عقره كلب أي يأخذه داء فيقال رجل كلب وقوم كلبى، قال الشاعر: * دماءهم من الكلب الشفاء * وقد يصيب الكلب البعير.
ويقال أكلب الرجل: أصاب إبله ذلك، وكلب الشتاء اشتد برده وحدته تشبيها بالكلب الكلب، ودهر كلب، ويقال أرض كلبة إذا لم ترو فتيبس تشبيها بالرجل الكلب لانه لا يشرب فييبس والكلاب والمكلب الذى يعلم الكلب، قال: (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن) وأرض مكلبة كثيرة الكلاب،
والكلب المسمار في قائم السيف، والكلبة سير يدخل تحت السير الذى تشد به المزادة فيخرز به، وذلك لتصوره بصورة الكلب في الاصطياد به، وقد كلبت الاديم خرزته، بذلك، قال الشاعر: * سير صناع في أديم تكلبه * والكلب نجم في السماء مشبه بالكلب لكونه تابعا لنجم يقال له الراعى، والكلبتان آلة مع الحدادين سميا بذلك تشبيها بكلبين في اصطيادهما وثنى اللفظ لكونهما اثنين، والكلوب شئ يمسك به، وكلاليب البازى مخالبه اشتق من الكلب لامساكه ما يعلق عليه إمساك الكلب.
كلف: الكلف الايلاع بالشئ، يقال كلف فلان بكذا وأكلفته به جعلته كلفا، والكلف في الوجه سمى لتصور كلفة به، وتكلف الشئ ما يفعله الانسان بإظهار كلف
مع مشقة تناله في تعاطيه، وصارت الكلفة في التعارف اسما للمشقة، والتكلف اسم لما يفعل بمشقة أو تصنع أو تشبع، ولذلك صار التكلف على ضربين، محمود: وهو ما يتحراه الانسان
ليتوصل به إلى أن يصير الفعل الذى يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبا له، وبهذا النظر يستعمل التكليف في تكلف العبادات.
والثانى: مذموم وهو ما يتحراه الانسان مراءاة وإياه عنى بقوله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا وأتقياء أمتى برآء من التكلف " وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) أي ما يعدونه مشقة فهو سعة في المآل نحو قوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم) وقوله: (فعسى أن تكرهوا شيئا) الاية.
كلم: الكلم التأثير المدرك بإحدى الحاستين، فالكلام مدرك بحاسة السمع، والكلم بحاسة البصر، وكلمته جرحته جراحة بان تأثيرها ولا جتماعهما في ذلك قال الشاعر: * والكلم الاصيل كأرعب الكلم * الكلم الاول جمع كلمة، والثانى جراحات والارعب الاوسع، وقال آخر: * وجرح اللسان كجرح اليد * فالكلام يقع على الالفاظ المنظومة وعلى المعاني التى تحتها مجموعة، وعند النحويين يقع على الجزء منه اسما كان أو فعلا أو أداة.
وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المفيدة وهو أخص من القول فإن القول يقع عندهم على المفردات، والكلمة تقع عندهم على كل واحد من الانواع الثلاثة، وقد قيل بخلاف ذلك، قال تعالى: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) وقوله: (فتلقى آدم من ربه كلمات) قيل هي قوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا) وقال الحسن: هي قوله: " ألم تخلقني بيدك ؟ ألم تسكني جنتك ؟ ألم تسجد لى ملائكتك ؟ ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ أرأيت إن تبت أكنت معيدى إلى الجنة ؟ قال: نعم " وقيل هي الامانة المعروضة على السموات والارض والجبال في قوله: (إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال) الاية، وقوله: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قيل هي الاشياء التى امتحن الله إبراهيم بها من ذبح ولده والختان وغيرهما.
وقوله لزكريا: (إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله) قيل هي كلمة التوحيد وقيل كتاب الله وقيل يعنى به عيسى، وتسمية عيسى بكلمة في هذه الاية، وفى قوله (وكلمته ألقاها إلى مريم) لكونه موجدا بكن المذكور في قوله (إن مثل عيسى) الاية
وقيل لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى، وقيل سمى به لما خصه الله تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده (إنى عبد الله