كتاب : حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء
المؤلف : سيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي
وقيل إن هذا يبتنى على أن الجمعة ظهر مقصورة فإن قلنا إنها ظهر مقصورة جاز له القصر وإلا لم يجز
فإن أحرم ينوي القصر ثم نوى الإتمام أم الإقامة أتم ومن خلفه
وقال مالك لا يجوز له أن ينوي الإتمام ولا يلزم المأمومين الإتمام وإن لزم الإمام بنية الإقامة والأول عنده إذا نوى الإقامة وقد صلى ركعة أن يجعلها نافلة ويستأنف صلاة مقيم
فإن سافر وكان ملاحا في سفينة فيها أهله وماله فله أن يقصر نص عليه الشافعي رحمه الله
وقال أحمد لا يقصر
ذكر ابن القاص أنه إذا ائتم مسافر بمسافر ونوى القصر فذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه كان قد نوى الإتمام وكان محدثا جاز للمأموم القصر
ومن أصحابنا من قال تبنى على صلاة المأموم خلف المحدث هل هي صلاة انفراد أو صلاة جماعة فإن قلنا صلاة جماعة لزمه الإتمام وليس بشيء
فإن ائتم مسافر بمسافر ولم يعلم حاله هل نوى القصر أم لا فنوى القصر خلفه جاز
ومن اصحابنا من قال يعلق نيته على نية الإمام
فإن أفسد الإمام صلاته وانصرف ولم يعلم حاله لزمه الإتمام على المنصوص وهو قول أبي إسحاق المروزي
ومن اصحابنا من قال يجوز له القصر والأول أظهر
وقال ابو حنيفة يلزمه القصر
قال الشافعي رحمه الله فإن صلى مسافر بمقيمين فرعف واستخلف مقيما أتم الراعف
فمن اصحابنا من قال هذا على القول الذي يقول إن صلاة الراعف لا تبطل فيكون في حكم المؤتم بالمقيم
ومن اصحابنا من قال يلزمه على القول الجديد أيضا وليس بشيء وعلى قول أكثر أصحابنا المراد به إذا غسل الدم وعاد واتبع المقيم وفي كلام الشافعي رحمه الله ما يدل عليه
وحكي عن أبي حنيفة انه قال لا يجب على المسافرين الإتمام
فإن ائتم مقيمون ومسافرون بمسافر نوى القصر فسلم الإمام وقام المقيمون لإتمام صلاتهم فأراد أن يستخلف منهم مقيما يصلي بهم بقية صلاتهم يبني على القولين في جواز الاستخلاف إذا احدث الإمام فعلى قوله القديم لا يجوز وعلى قوله الجديد يجوز وسيأتي ذكره في الجمعة فإن قلنا فها هنا وجهان ولا يكره لمن يقصر النفل
وحكي عن بعض الناس انه قال يكرهإذا أحرم الإمام بالصلاة في سفينة في الحضر فسارت السفينة لزمه الإتمام
ذكر في الحاوي إن هذا مذهب كافة الفقهاء إلا ما يحكى شاذا منهم أنه يجوز القصر وهو خطأ
إذا نوى المسافر إقامة اربعة ايام غير يوم الدخول ويوم الخروج صار مقيما وبه قال مالك
وقال ابو حنيفة إذا نوى إقامة خمسة عشر يوما صار مقيما مع يوم الدخول ويوم الخروج
وإن نوى أقل من ذلك لم يصر مقيما وبه قال الثوري واختاره المزني رحمه الله
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إن نوى إقامة تسعة عشر يوما لم يقصر وإن كان أقل يقصر وبه قال إسحاق
وقال الليث بن سعد إن نوى مقام أكثر من خمسة عشر يوما أتم وقال الحسن بن صالح إن نوى إقامة عشرة ايام أتم وفيما دونها يقصر
وعن الأوزاعي أنه قال إن نوى مقام اثني عشر يوما أتم
وعن أحمد أنه إن نوى إقامة مدة يفعل فيها أكثر من عشرين صلاة أتم وهذا قريب من مذهبنا
إذا سافر إلى بلد يقصر فيه الصلاة فمر في طريقه ببلد له فيه مال وأهل فنزل فيه لم يلزمه الإتمام
وحكي فيه قول آخر أنه لا يجوز له القصر وليس بشيء
فأما إذا نوى الإقامة على حرب أربعة ايام ففيه قولان
أحدهما أنه يقصر وتلغو نيته
والثاني أنه يتم
ذكر بعض اصحابنا أن نظير هذه المسألة إذا نوى إقامة اربعة ايام في موضع لا يصلح للإقامة من جبل أو برية فهل تنقطع الرخصة فيه قولان وهذا نظير بعيد لأن المقيم على الحرب مقيم بحكمها لا باختياره والمقيم في الموضع الذي لا يصلح للإقامة مقيم باختيارهفأما إذا نوى الإقامة لغير حرب من بيع متاع واجتماع رفقة ونوى إقامة أربعة ايام لم يقصر
وإن نوى أنه متى انتجزت حاجته سار ولم ينو مدة فإنه يتحصل فيه ثلاثة أقوال
أحدهما أنه يقصر إلى أربعة ايام
والثاني أنه يقصر ثمانية عشر يوما
والثالث أنه يقصر أبدا وهو قول أبي حنيفة فأما المقيم على حرب إذا انتجزت صار يقصر إلى ثمانية عشر يوما وفيما زاد على قولين
فصل إذا فاتته صلاة في الحضر
فقضاها في السفر قضاها تامة قال ابن المنذر لا أعرف فيه خلافا إلا شيئا يحكى عن الحسن البصريوروى الأشعث ان الاعتبار بحال الفعل فيقصر
وروى يونس أن الاعتبار بحال الوجوب فيه فيتم
وحكى عن المزني في مسائله المعتبرة أنه يقصر
وإن فاتته صلاة في السفر فقضاها في الحضر ففيه قولان
أحدهما أنه يقصرها وهو قول ابي حنيفة ومالك
والثاني لا يقصر وهو الأصح وبه قال أحمد وداود واختاره المزني
وإن فاتته صلاة في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان
أظهرهما أنه يقصرها ولا فرق بين أن يتحلل بين القضاء والأداء حضرا وبين أن لا يتحللها حضرا
وحكي عن بعض اصحابنا أنه إذا تحللها حضرا لم يجز القصر والمذهب الأول
وعن اصحابنا من حكى في ذلك ثلاثة أقوال
أحدها أنه يقصر بكل حال
والثاني لا يقصر بحال
والثالث يقصر إذا قضى في السفر ولا يقصر إذا قضى في الحضر
قال الشيخ الإمام وعندي لو بنى القضاء في الحضر على القولين في القضاء في السفر كان حسنا فيقال
إذا قلنا لا يقصر إذا قضى في السفر فإذا قضى في الحضر أولى
وإن قلنا يقصر إذا قضى في السفر ففي الحضر قولان
فإن دخل عليه وقت الصلاة في الحضر ثم سافر جاز له القصر
وقال المزني رحمه الله لا يجوز له القصر إذا كان قد تمكن من الأداء في الحضر وهو قول أبي العباس
ذكر في الحاوي أنه إذا سافر وقد مضى من أول الوقت قدر ركعة جاز له القصر إلا على قول أبي يحيى البلخي فإن الفرض عنده يستقر بقدر ركعة من أول الوقت فلا يجوز له القصر وينبغي أن يكون هذا على قوله إذا كان يوافق المزني في السفر بعد الإمكان في المنع من القصر فإن سافر بعدما ضاق وقت الصلاة جاز له القصر
وقال ابو الطيب بن سلمة لا يجوز
فإن كان بقي من الوقت قدر ركعة ثم سافر فهل يجوز له القصر فإنه يبني على أنه يكون مؤديا لما فعله خارج الوقت وفيه وجهان
فإن قلنا بظاهر المذهب أنه يكون مؤديا لجميعها جاز له القصر
وإن قلنا بقول أبي إسحاق لم يقصر
وحكى في الحاوي في ذلك قولين
أحدهما وهو المنصوص عليه في عامة كتبه أنه لا يقصر
والثاني نص عليه في الإملاء أنه يقصر
فإن قدم البلد وقد بقي من الوقت قدر لا يتسع لفعل ركعة فهل يثبت له حكم المقيمين أم لا فإنه يبني على أن إدراك هذا القدر من الوقت هل يتعلق به الوجوب أم لا فيه قولان وهذا تخريج بعيد لأن إدراك حكم المقيمين يكفي فيه إدراك جزء من الوقت
فصل يجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء
بقدر السفر وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وقال ابو حنيفة والنخعي لا يجوز الجمع بين الصلاتين بقدر السفر بحال واختاره المزنيوفي الجمع في السفر القصير قولان
اظهرهما أنه لا يجوز
والثاني يجوز وهو قول مالك
فإذا أراد الجمع بينهما في وقت الأولى فلا بد من نية الجمع
وقال المزني رحمه الله لا يحتاج إلى نية الجمع وإنما يعتبر قرب الفصل بينهما
وفي وقت نية الجمع قولان
أحدهما تعتبر النية مع الإحرام بالأولى
والثاني تعتبر قبل الفراغ من الأولى ويعتبر أن يقدم الأولى على الثانية ويوالي بينهما فإن فصل بينهما بتنفل لم يصح الجمع
وقال ابو سعيد الإصطخري لا يمنع ذلك صحة الجمع
فإن دخل بلد الإقامة بعد الفراغ من الثانية وقبل دخول وقتها فهل تجزئه فيه وجهان
أحدهما يجزئه ذكره القاضي حسين رحمه الله
وذكر الشيخ ابونصر رحمه الله نص الشافعي رحمه الله في المطر على ما يخالف ذلك فإن نوى الإقامة بعد الشروع في الثانية لم يجزه عن الفرض وهل تبطل أو تصير نفلا على قولين ذكره القاضي حسين رحمه الله
ويجوز الجمع بين الصلاتين بعذر المطر في وقت الأولى منهما
وقال ابو حنيفة واصحابه لا يجوز ذلك واختاره المزني رحمه الله
وقال مالك وأحمد يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بعذر المطر ولا يجوز بين الظهر والعصر
وهل يجوز الجمع بين الصلاتين في وقت الثانية منهما بعذر المطر فيه قولان
احدهما يجوز وهو قول أحمد فأما الوصل من غير مطر فلا يجوز الجمع به
وقال مالك وأحمد يجوز الجمع به فإن كان في مسجد ليس فيطريقه إليه مطر ففي جواز الجمع قولان
ولا يجوز الجمع لمرض ولا خوف
وقال أحمد يجوز الجمع للمرض والخوف
وحكى ابن لمنذر عن ابن سيرين أنه قال يجوز الجمع من غير مرض ولا خوف واختاره ابن المنذر
باب صلاة الخوف
صلاة الخوف ثابتة
وقال المزني رحمه الله هي منسوخة
وقال ابو يوسف كانت مختصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يؤثر الخوف في عدد ركعات الصلاة
وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال صلاة الخوف ركعة لكل طائفة وللإمام ركعتان وبه قال الحسن البصري وطاووس
ولا تجوز صلاة الخوف في القتال المحظور
وقال ابو حنيفة تجوز
فإن كان العدو في غير جهة القبلة ولم يؤمنوا وفي المسلمين كثرة فإن الإمام يفرق الناس فرقتين
فرقة تقف في وجه العدو
وفرقة تصلي معه
فإن كانت الصلاة ركعتين صلى بالطائفة الأولى ركعة وثبت قائما في الثانية وأتمت الطائفة الأولى لنفسها وسلمت ومضت إلى وجه العدو وأتت الطائفة الثانية فأحرمت خلف الإمام فيصلي بها الركعة الثانية
وهل يقرأ الإمام في حال انتظار فراغ الأولى ومجيء الثانية فيه طريقان
أحدهما أنه على قولين
أظهرهما أنه يقرأ
والطريق الثاني أنه إن أراد تطويل القراءة قرأ وإن أراد أن يقرأ سورة قصيرة لم يقرأ حتى تاتي الطائفة الثانية فيقرأ معها فإذا أحرمت الطائفة الثانية خلفه قرأ بها وركع وسجد وقعد للتشهد وتنهض الطائفة الثانية إلى الركعة الثانية من السجود ولا تجلس معه في أظهر القولين
وفي القول الثاني تجلس معه ثم تقوم قبل السلام ويقف الإمام ينتظرها حتى تتم الركعة الثانية وتجلس معه ويتشهد ويسلم بها
فتفارقه هذه الطائفة فعلا لا حكما حتى يلحقها حكم سهوه ويتحمل سهوها والطائفة الأولى تفارق الإمام فعلا وحكما
وقال مالك تتشهد مع الإمام ويسلم الإمام فإذا سلم قامت وأتمت لأنفسها
وهل يتشهد الإمام في حال انتظاره لها فيه طريقان
أحدهما أنه على القولين كالقراءة
والثاني أنه يتشهد قولا واحدا
ومن اصحابنا من قال حيث قال يتشهد أراد به إذا كانت الصلاة صلاة حضر اربع ركعات فإنه يتشهد بهم لأنه محل تشهدهم فيفارقونه بعده
وحيث قال يقومون قبل التشهد إذا كانت الصلاة ركعتين ونحو قولنا
قال أحمد وداود وهذه صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع
وقال ابو حنيفة يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعة وتمضي إلى وجه العدو وهي في الصلاة وتأتي الطائفة الثانية فتحرم خلف الإمام ويصلي به الركعة الثانية ويسلم وترجع الطائفة إلى وجه العدو وهي في الصلاة وتأتي الطائفة الأولى من وجه العدو إلى موضع الصلاة مع الإمام فتصلي ركعة لنفسها منفردة وتسلم وترجع إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الأخرى إلى ذلك المكان فتمم صلاتها تقرأ فيها والطائفة الأولى لا تقرأ في الركعة الثانية شيئا
فإن سها الإمام في الركعة الأولى لحق حكم سهوه الطائفتين فإذا أتمت الطائفة الأولى صلاتها سجدت للسهو
قال الشافعي رحمه الله ويشير إليهم بما يفهمون أنه سها
وقال في الإملاء إن كان سهوا ظاهرا كالقيام في موضع القعود لم يشر وإن كان خفيا بأن يقرأ في حال ركوعه اشار واختار أبو إسحاق المروزي هذا
وغيره قال لا فرق بين الظاهر والخفي في الإشارة والأول أظهر
وإن سها الإمام في الركعة الثانية لحق الطائفة الثانية حكم سهوه فإذا جلس الإمام للتشهد فارقته فعلا وانتظرها فإذا سجد للسهو سجدت معه في أصح القولين
فأما إذا قلنا إنها تفارقه بعد التشهد فإنها تسجد معه للسهو ثم تفارقه فعلا ويكون كالمسبوق على ما تقدم
فإن صلى بهم الإمام في الخوف صلاة ابي حنيفة صحت صلاتهم
وفيه قول آخر إنها لا تصح
فإن فرغت الطائفة الثانية وجلست مع الإمام للتشهد وكان الإمام قد تشهد قبل إدراكها له فسجد للسهو فهل تتبعه في السجود فيه وجهان
أحدهما أنها تسجد معه
والثاني أنها تتشهد ثم تسجد بعدما يسلم
فإذا قلنا إنها تسجد معه فهل تعيد السجود إذا تشهدت على ما ذكرناه من القولين
والأصح أن تتبعه في السجود
فإن أراد أن يصلي المغرب في حال الخوف صلى بطائفة ركعة وبطائفة ركعتين وفي الأفضل قولان
أصحهما أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة وبه قال مالك
فعلى هذا تفارقه الطائفة الأولى بعد فراغه من التشهد
قال الشافعي رحمه الله في انتظار الإمام إن انتظرهم قائما فحسن وإن انتظرهم جالسا للتشهد فجائز
فمن اصحابنا من جعل في الأفضل قولين والأول أصح
وتجوز صلاة الخوف في الحضر فيصلي بطائفة ركعتين وبالأخرى ركعتين والانتظار على ما بينا
وحكي عن مالك أنه لا يجوز أن يصلي في الحضر صلاة الخوف وذكر اصحابه جواز ذلك
وإن فرقهم الإمام أربع فرق فصلى بكل فرقة ركعة وانتظرها حتى أتمت لنفسها ثلاث ركعات ومضت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى وفعل في حق كل طائفة مثل ذلك فقد زاد انتظارين على الانتظار المشروع له فهل تبطل بذلك صلاته فيه قولان
أصحهما أنها لا تبطل فعلى هذا تصح صلاة الطائفة الرابعة وقد فارق الباقون الإمام من غير عذر فيكون صلاتهم على القولين في ذلك
وإن قلنا إن صلاة الإمام تبطل ففي وقت بطلانها وجهان
والمذهب انها تبطل بالانتظار الثاني وهو انتظاره لمجيء الطائفة الثالثة فعلى هذا تبطل صلاة الطائفة الثالثة والرابعة
والوجه الثاني أنها تبطل بالانتظار الثالث وهو انتظاره لفراغ الثالثة فعلى هذا تبطل صلاة الطائفة الرابعة دون غيرها
وإنما تبطل صلاة المأموم إذا علم بحال الإمام وبماذا يعتبر علمه فيه وجهان
أحدهما يعتبر علمه بتفريق الإمام الناس أربع فرق
والثاني يعتبر أن يعلموا أن ذلك مبطل لصلاتهم لعسفان فأما صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان
فشرطها أن يكون العدو في جهة القبلة وفي المسلمين كثرة وهم على مستوى من الأرض فيجعل الإمام الناس صفين ويحرم بهم جميعا ويقرأ ويركع بهم جميعا ويرفع ويسجد ويسجد الصف الذي يليه معه ويقف الصف الثاني يحرسونهم فإذا رفعوا رؤوسهم من السجود قاموا وسجد الصف الذين حرسوا وقاموا فيقرأ بهم جميعا ويركع ويرفع بهم جميعا ثم يسجد ويسجد معه الذين حرسوافي الأولى ويقف الذين سجدوا فإذا سجدوا ورفعوا سجدوا ورفعوا ويتشهد بهم جميعا ويسلم بهم
وذكر أصحابنا أنه يحرسهم الصف الذي يليه ويسجد الصف الآخر كي يسترونهم عن الكفار والجميع جائز وهذا أحوط
فإن حرستهم طائفة واحدة في الركعتين ففي صحة صلاتها وجهان بناء على القولين فيه إذا فرقهم أربع فرق
فإن صلى بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع في الأمن فصلاة الإمام صحيحة
قال القاضي ابو الطيب رحمه الله ينبغي أن ينبني ذلك على القولين فيه إذا فرقهم أربع فرق في حال الخوف فالطائفة الأولى فارقت الإمام من غير عذر ففي بطلان صلاتها قولان وصلاة الطائفة الثانية باطلة
وقال ابو العباس وابو علي بن خيران فيهما قولان
وإن صلى في الأمن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فصلاة الإمام ومن تبعه ومن تبعه في السجود صحيحة ومن تأخر عنه في السجود قد سبق الإمام بسجدتين وجلسة
ومن اصحابنا من قال تبطل صلاتهم
وقال ابو إسحاق السجدتان بمنزلة الركن الواحد والجلسة للفصل
وذكر الشافعي رحمه الله إذا أراد أن يصلي بهم الجمعة في حال الخوف فصلى بطائفة ركعة وفارقته وجاءت الطائفة الثانية فصلى بهم الركعة الثانية صحت الصلاة
وإن كان قد صار منفردا في الركعة الثانية لمفارقة الإمام وفي انتظاره مجيء الثانية
فمن أصحابنا من قال ذلك جائز على أحد القولين في الانفضاض عن الإمام فإنه يتمها جمعة منفردا
ومنهم من قال تصح ها هنا قولا واحدا لأنهم معذورون في مفارقة الإمام ويحتاج أن تكون كل واحدة من الطائفتين أربعين فإن كانت الطائفة الأولى أربعين والثانية أقل
فقد ذكر الشيخ ابو حامد أنه لا نص في ذلك فتصح
ومن اصحابنا من قال فيه قولان
ذكر في الحاوي في تفريقهم أربع فرق وجهين
أحدهما أنهم معذورون في مفارقة الإمام
والثاني أنهم غير معذورين فإن قلنا إنهم معذورون لم تبطل صلاتهم قولا واحدا
وإذا قلنا إن صلاة الإمام صحيحة فهل تتبعه الطائفة الثانية في التشهد
فيه وجهان
أحدهما أنها لا تتبعه وهو الأظهر
هل يجب حمل السلاح في الصلاة فيه طريقان
أحدهما أنه على قولين وهو الأصح
احدهما يجب وهو قول داود والثاني أنه يستحب وهو قول ابي حنيفة
ومنهم من قال إن كان السلاح بما يدفع عن نفسه كالسكين والسيف وجب عليه حمله وإن كان مما يدفع به عن نفسه وعن غيره كالرمح لم يجب
فأما حال المسابقة والتحام القتال فإنهم يصلون كيف ما أمكنهم رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قعودا على دوابهم وقياما على الأرض يومئون إلى الركوع والسجود برؤوسهم ويكون في السجود أخفض من الركوع
وقال أبو حنيفة لا يصلون في حال المسابقة ولا مع المشي ويؤخرون الصلاة إلى أن يقدروا
فإن افتتح الصلاة راكبا في شدة الخوف ثم أمن نزل ولم يستدبر القبلة وبنى على صلاته
وإن افتتح الصلاة نازل فخاف فركب للصلاة استأنف الصلاة
وقال في موضع آخر يبني على صلاته
فقال أبو إسحاق إن فعل ذلك اختيارا في طلب مشرك بطلت صلاته وإن ركب لضرورة بنى على صلاته
ومن اصحابنا من جعل ذلك على قولين
فإن رأوا سوادا فظنوهم عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف يومئون إيماء فبان انهم لم يكونوا عدوا فقد نص الشافعي رحمه الله في الأم على وجوب الإعادة
وقال في الإملاء إن كانوا قد صلوا بخبر ثقة فلا إعادة عليهم فمن أصحابنا من قال إن كانوا قد صلوا بخبر ثقة ففي الإعادة قولان وإن صلوا بظنهم وجبت الإعادة قولا واحدا
ومنهم من قال في الجميع قولان
أحدهما لا تجب الإعادة وهو اختيار أبي إسحاق المروزي
والثاني تجب الإعادة وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني
ذكر القاضي حسين أن نظير هذه المسألة الخنثى إذا مس رجلا وصلى ثم بان أنه امرأة في وجوب الإعادة قولان
قال الشيخ الإمام أيده الله وهذا ليس بنظير صحيح وها هنا تجب الإعادة قولا واحدا كما لو شك في الحدث بعد الطهارة وصلى ثم بان أنه كان محدثا
ويجوز فعل الصلاة حال شدة الخوف راكبا جماعة وفرادى
وقال ابو حنيفة لا تفعل في جماعة
فإن رأوا عدوا فخافوهم فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان بينهم خندق أو نهر يمنع ففيه طريقان
أحدهما أنه على القولين فيه إذا رأوا سوادا فظنوهم عدوا
والثاني تجب الإعادة قولا واحدا
قال الشافعي رحمه الله ولا بأس أن يضرب الضربة و يطعن الطعنة فإن تابع أو عمل ما يطول بطلت صلاته
وحكى الشيخ ابو حامد عن أبي العباس بن سريج أنه إن لم يكن مضطرا بطلت صلاته وإن كان مضطرا لم تبطل كالمشي
ومن أصحابنا من قال إن اضطر إليه فعل ولكنه تلزمه الإعادة وذكر أصحابنا أن الضربة الواحدة لا تبطل وفي الضربتين وجهان والثلاث تبطل في غير حال الخوف فأما في حالة الخوف فمن اصحابنا من قال تبطل أيضا
وقال ابو العباس لا تبطل وهو الأصح
والشيخ ابو نصر اختار أن يكثر العمل أو يقل من غير اعتبار عدد
وللشافعي رحمه الله كلام يدل عليه وهو الأصح رجوعا إلى العرف
ويحرم على الرجال استعمال الحرير في اللبس والجلوس عليه والاستناد إليه
وقال ابو حنيفة يحرم اللبس خاصة دون ما سواه فإن كان الثوب معمولا من إبريم وقطن أو كتان وكان نصفين حرم له في احد الوجهين
ولا يكره ان يلبس دابته أو أداته جلد ميتة من حيوان طاهر
وقيل يكره كما يكره أن يلبسه في نفسه
وحكى بعضهم قولين في ذلك من غير فصل بين نفسه واداته وليس بشيء
باب صلاة الجمعة
الجمعة فرض على الأعيان وغلط بعض أصحابنا فحكى أنهافرض على الكفاية وليس بشيء ولا تجب الجمعة على مسافر
وقال الزهري والنخعي تجب الجمعة على المسافر إذا سمع النداء
ولا جمعة على العبد وبه قال ابو حنيفة ومالك
وقال داود تجب عليه الجمعة
وعن أحمد فيه روايتان
وقال الحسن البصري وقتادة تجب الجمعة على العبد الذي يؤدي الضريبة ولا جمعة على الأعمى إذا لم يقدر على من يقوده وإن كان له من يقوده وجبت عليه
وذكر القاضي حسين أنه إذا كان يحسن المشي بالعصا من غير قائد لزمه وليس بصحيح وذكر ايضا ان من لا يقدر على المشي لزمانة أو كبر سن إذا قدر على من يحمله إلى الجامع لزمه القصد إليه وليس بصحيح
ومن كان خارج المصر في موضع لا تجب فيه الجمعة وسمع النداء من المصر لزمه القصد إلى الجمعة وبه قال مالك وأحمد غير أن مالكا قدر ذلك بثلاثة أميال
وحكي عن الزهري أنه قدره بستة أميال
وعن ربيعة أنه قدره بأربعة أميال
وقال ابو يوسف وابو ثور تجب الجمعة على من يؤويه الليل إلى منزله ويروى ذلك عن عبد الله بن عمر وأنس وأبي هريرة
وقال ابو حنيفة لا تجب الجمعة بسماع النداء
قال الشافعي رحمه الله في بلوغ النداء وتكون الأصوات هادئة والرياح ساكنة والمنادي صيتا ومن ليس بأصم مستمعا ويعتبر أن يقف في طرف البلد وقيل في وسطه وقيل في الموضع الذيتقام فيه الجمعة ولا يعتبر أن يصعد على منارة أو سور
قال القاضي ابو الطيب رحمه الله سمعت شيوخنا يقولون إلا بطبر ستان فإنها مبنية بين غياض وأشجار تمنع بلوغ الصوت
ويعتبر استواء الأرض فلو كانت قرية على تلة جبل تسمع النداء لعلوها ولو كانت على مستوى من الأرض لم تسمع لم يجب عليهم الجمعة ولو كانت في واد لا تسمع لاستفالها ولو كانت في مستوى من الأرض لسمعت وجب عليهم الجمعة
وذكر الشيخ أبو حامد أن من سمع النداء لعلوه تجب عليه الجمعة ومن لم يسمع لاستفالة لا جمعة عليه
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله والذي ذكره القاضي ابو الطيب رحمه الله اشبه
وذكر القاضي حسين إذا كانت قرية على جبل تقام فيها الجمعة وبحذائها قرية على جبل آخر تسمع النداء من القرية الأخرى وبين الجبلين في الوادي قرية لا تسمع النداء فعلى التي تسمع النداء حضور الجمعة وأما التي في الوادي بينهما ففيها وجهان
أحدهما لا تجب
والثاني تجب وهذه الطريقة عندي خارجة عن الطريقين المتقدمينلأن على طريقة القاضي أبي الطيب لا تجب الجمعة على القرية التي تسمع النداء لعلوها على الجبل
ولو كانت على استواء لم تسمع ويجب على القرية التي في الوادي إذا كانت على مسافة لو كانت على استواء لسمعت
وعلى طريقة ابي حامد تجب الجمعة على القرية العالية ولا تجب على المستفلة وقد بينا الصحيح
فإن اتفق يوم عيد في يوم جمعة فحضر أهل السواد وصلوا العيد جاز أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة
ومن أصحابنا من قال تجب عليهم الجمعة ولا يسقط فرض الجمعة بفعل صلاة العيد
وقال احمد يسقط فرض الجمعة بصلاة العيد ويصلي الظهر
وقال عطاء يسقط الظهر والجمعة جميعا في هذا اليوم بفعل صلاة العيد
ومن لا جمعة عليه مخير بين فعل الجمعة والظهر فإن صلى الظهر ثم زال عذره والوقت باق لم تجب عليه الجمعة
وقال ابن الحداد إذا صلى الصبي الصبح ثم بلغ وجب عليه حضور الجمعة
ويستحب لأرباب الأعذار ان يؤخروا فعل الظهر إلى أن تفوت الجمعة ثم يصلونها جماعة
وقال ابو حنيفة يكره لهم فعلها في جماعة
قال الشافعي رحمه الله واجب لهم إخفاؤها لأن لا يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام
قال أصحابنا هذا يقتضي أن يكون ذلك في حق من يخفي عذره فأما من كان عذره ظاهرا فلا يستحب له إخفاؤها
ومن أصحابنا من قال يكره لهم إظهارها بكل حال والمذهب الأول
فإن صلى المعذور ظهره ثم حضر الجمعة فصلاها فالأولى فرض والجمعة تطوع
وقال الشافعي رحمه الله في القديم يحتسب الله له بأيهما شاء
وقال أبو حنيفة يبطل ظهره بالسعي إلى الجمعة
ومن كان من أهل فرض الجمعة لا يجوز له فعل الظهر قبل فوات الجمعة فإن صلى الظهر قبل فعل الإمام الجمعة لم تصح في اصح القولين وهو قوله الجديد وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين وإسحاق وزفر
وقال في القديم يصح ظهره وهو قول ابي حنيفة واصل الفرض عنده الظهر في يوم الجمعة ويلزمه السعي إلى الجمعة فإذا سعى إلى الجمعة بطلت ظهره
وقال أبو يوسف ومحمد تبطل بالإحرام بالجمعة لا بنفس السعي
وقال أبو إسحاق المروزي إذا اتفق أهل بلد على ترك الجمعة وفعل الظهر أثموا وتجزيهم
والصحيح أنها لا تجزيهم على قوله الجديد
ومن أصحابنا من قال إذا أحرم بالظهر بعد فوات إدراك الجمعة وذلك بفوات الركوع من الركعة الثانية وقبل فراغ الإمام منها جاز ذلك
وظاهر كلام الشافعي رحمه الله يقتضي أن لا يجوز الإحرام بها إلا بعد فراغ الإمام من الجمعة والمعنى يقتضي ما ذكره الأول
ومن كان من أهل فرض الجمعة وأراد السفر ولم يخف فوات الرفقة لم يجز له بعد الزوال وهل يجوز قبل الزوال فيه قولان
أصحهما لا يجوز وهو قول أحمد قال إلا أن يكون سفر جهاد ويروى عن عبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم
وقال في القديم يجوز وهو قول مالك وأبي حنيفة واصحابه
وأما البيع بعد الزوال وقبل ظهور الإمام فمكروه ويحرم بعد ظهور الإمام وأذان المؤذن غير أنه يصح وبه قال ابو حنيفة
وقال احمد ومالك وداود لا يصح البيع
ولا يحرم الكلام قبل افتتاح الإمام الخطبة وفي الجلوس بين الخطبتين وإذا فرغ الإمام من الخطبة إلى أن يشرع في الصلاة وبه قال احمد
وقال ابو حنيفة يحرم الكلام في جميع هذه الأحوال كما يحرم في حال الخطبة وكما يحرم التنفل فيها
ولا تصح الجمعة إلا في ابنية يستوطنها من تنعقد بهم الجمعة من بلد أو قرية
وقال ابو حنيفة لا تصح إلا في مصر جامع ولا تجب الجمعة على أهل الخيام والمظال
وقال في البويطي تجب عليهم إذا كانوا مقيمين فيها لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا
فحصل فيها قولان
وقال ابو ثور الجمعة كسائر الصلوات إلا أنه يعتبر لها خطبة فمتى كان هناك مأموم وخطيب أقيمت الجمعة
فإن خرج أهل البلد إلى خارج المصر فأقاموا الجمعة لم تصح
وقال أبو حنيفة تصح إذا كان قريبا من البلد كمصلى العيد
ولا تنعقد الجمعة إلا بأربعين نفسا من الرجال أحرارا مقيمين في الموضع وبه قال عمر بن عبد العزيز وأحمد
وقال مالك تنعقد بما دون الأربعين
وقال ربيعة تنعقد الجمعة باثني عشر رجلا
وقال الحسن بن صالح تنعقد باثنين كالجماعة في سائر الصلوات
وقال الأوزاعي وأبو يوسف تنعقد بثلاثة
وحكي في الحاوي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه لا تصح الجمعة حتى يكون العدد زائدا عن أربعين
وقال أبو حنيفة والثوري تنعقد باربعة
فإن اجتمع أربعون عبدا أو أربعون مسافرا وأقاموا الجمعة لم تصح وقال أبو حنيفة يصح إذا كانوا في موضع الجمعة
وهل تنعقد الجمعة بمقيمين غير متوطنين فيه وجهان
قال أبو علي بن أبي هريرة تنعقد
وقال أبو إسحاق لا تنعقد
فإن أحرموا بالعدد ثم انفضوا عنه ففيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه إن نقص العدد عن أربعين أتمها ظهرا وهو قول أحمد وهو الأظهر
والثاني أنه إن بقي معه اثنان أتمها جمعة
والثالث أنه إن بقي معه واحد أتمها جمعة
وخرج المزني رحمه الله قولين آخرين
أحدهما أنه يتمها جمعة وإن بقي وحده
والثاني أنه إن كان قد صلى ركعة ثم انفضوا عنه أتمها جمعة
فمن أصحابنا من لم يثبت هذين القولين
وقال أبو حنيفة إن انفضوا عنه وقد صلى ركعة وسجد فيها سجدة أتمها جمعة
وقال مالك إن انفضوا عنه بعد ما صلى ركعة بسجدتيها أتمها جمعة
وقال أبو يوسف ومحمد إن انفضوا عنه بعدما أحرم بها أتمها جمعة
ولا تصح الجمعة إلا في وقت الظهر وكذلك الخطبة لها
وقال أحمد يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال
فمن أصحابه من يقول أول وقتها وقت صلاة العيد ومنهم من يقول تجوز في الساعة السادسة
فإن شرع في الجمعة في وقتها ثم خرج الوقت وهو فيها أتمها ظهرا
وخرج القاضي حسين في المسألة قولا آخر أنه لا يتمها ظهرا
وهل تبطل أم تنقلب نفلا فيه وجهان كمن غير النية من الفرض إلى النفل
وقال أحمد يتمها جمعة
وقال أبو حنيفة تبطل صلاته بخروج الوقت ويبتدىء الظهر
إذا نسي الإمام سجدة من الركعة الأولى من الجمعة وقام إلى الثانية فأدركه مأموم فيها وصلاها معه ثم قام الإمام إلى ثالثة لما تذكر سهوه ولم يتشهد فإن المأموم يقوم معه و يصلي الركعة وتحصل له الجمعة
ذكر القاضي حسين رحمه الله وقال هذا بالعكس مما وضعت عليه الجمعة فإنا رتبنا الجمعة في حقه على ركعة محسوبة من الظهر وإنما تبنى الظهر على الجمعة
قال الشيخ الإمام وعندي أن هذا سهو فإن المأموم في هذا الموضع ينوي الجمعة ولا يجوز أن ينوي الظهر
ولو بني هذا على اختلاف الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطبيب رحمهما الله في فرع في الزحام وذلك إذا زحم المأموم عن السجود في الركعة الأولى فزال الزحام والإمام قائم فسجد وتابعه في الثانية وركع معه ثم زحم عن السجود فيها فأتى بالسجود وهو في التشهد
فاخنار القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه يدرك الجمعة
وقال الشيخ أبو حامد لا يدركها لأنها ركعة ملفقة وهنا هنا المأموم في بعضها في حكم إمامته والبعض على حقيقة المتابعة
فإن أدرك مسبوق مع الإمام ركعة قائمة فإنه يدرك الجمعة وإن أدرك دون الركعة لم يكن مدركا لها وصلى الظهر أربعا وهو قول الزهري وأحمد ومالك ومحمد بن الحسن
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف يدرك الجمعة بأي قدر أدركه من صلاة الإمام
وقال طاوس لا تدرك الجمعة إلا يإدراك الخطبتين أيضا فإن أدرك مسبوق مع الإمام ركعة ثم خرج الوقت أتمها ظهرا
وقال ابن الحداد يتمها جمعة
وحكي عن مالك أنه قال يجوز أن يبتدىء الجمعة بعد دخول وقت العصر بناء على أصله
فصل ولا تصح الجمعة حتى يتقدمها خطبتان
وحكي عن الحسن البصري أنه قال هما سنةومن شرطهما القيام مع القدرة والفصل بينهما بجلسة
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجب فيهما القيام ولا الجلسة
وفي اشتراط الطهارة فيهما قولان
أصحهما أنها شرط
والثاني لا تشترط وهو قول مالك وأحمد وأبي حنيفة
وذكر القاضي حسين أن ذلك يبتنى على أن الخطبتين بدل عن الركعتين وفيه طريقان ويعود الخلاف إلى أن الجمعة ظهر مقصورة وهذا بناء فاسد
فيحمد الله تعالى في الخطبة الأولى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصي بتقوى الله ويقرأ آية ويحمد الله تعالى في الثانية ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم ويوصي بتقوى الله ويدعو للمؤمنين والمؤمنات
وهل تجب القراءة في الخطبتين فيه وجهان
أحدهما تجب فيهما
وفي الثاني تجب في إحداهما وفي أيهما قرأ جاز
ومن أصحابنا من قال في القراءة قول آخر إنها غير واجبة في الخطبة
بحال والدعاء للمؤمنين والمؤمنات مستحب وقيل هو واجب وبقولنا قال أحمد
وقال أبو حنيفة إذا خطب بتسبيحة واحدة أجزأه
وقال أبو يوسف ومحمد لا يجزئه حتى يأتي بكلام يسمى خطبة في العادة وعن مالك روايتان
إحداهما أن من هلل أو سبح أعاد ما لم يصل
والثانية أنه لا يجزئه إلا بما يسمى خطبة في العرف
وإن صعد المنبر سلم على الناس إذا أقبل عليهم
وحكي عن مالك أنه قال يكره ذلك
ذكر القاضي حسين رحمه الله أن الخطبة لا تصح إلا بالعربية على ظاهر المذهب إذا كان هناك من يحسنها
وفيه وجه آخر أنها تجوز بسائر اللغات
ويرفع صوته بقدر ما يسمعه العدد المعتبر في الجمعة فإن لم يسمعوا لبعدهم أو لصمم بهم لم يجز
وفيه وجه آخر أنه يصح
قال الشيخ الإمام وعندي أن الصمم بهم لا يؤثر إذا كانوا بالقرب منه بحيث يسمعون منه لو لم يكن بهم صمم إذا رفع صوته على ما جرت العادة به ولم يشترط أحمد في الخطبة السمع
فإن خطب بالعدد ثم انفضوا عنه وعادوا قبل الإحرام ولم يطل االفصل صلى الجمعة وإن طال الفصل فقد قال الشافعي رحمه الله أحببت أن يبتدىء بالخطبة ثم يصلي الجمعة فإن لم يفعل صلى الظهر واختلف أصحابنا
فقال أبو العباس بن سريج يجب إعادة الخطبة ثم يصلي الجمعة بعدها وما نقله المزني لا نعرفه
وقال أبو إسحاق يستحب إعادة الخطبة ويجب فعل الصلاة فإن صلى بهم الظهر جاز بناء على اصله فيه إذا اجتمع أهل بلد على ترك الجمعة وفعل الظهر
ومن أصحابنا من قال يستحب إعادة الخطبة وفعل الصلاة على ظاهر النص وهو قول أكثر أصحابنا
وذكر في الحاوي طريقة أخرى أنه إن كان العدد باقيا خطب استحبابا وإن كان قد زال خطب واجبا ثم قال هذا لا وجه له
وإن انفضوا في أثناء الخطبة وعادوا وقد طال الفصل فالمذهب أنه يجب استئناف الخطبة
ويعتبر في الخطبة العدد المعتبر عندنا في الجمعة
وعن أبي حنيفة روايتان
إحداهما أنه يعتبر فيها العدد المعتبر عنده في الجمعة
والثانية أنها تصح فيه وحده
ذكر في الحاوي أن من أصحابنا من قال إذا استدبر الناس في حال الخطبة صحت الخطبة كالأذان ثم قال والذي عليه الجمهور أنه لا يصح وفي هذا نظر
فإن قرأ في حال الخطبة آية سجدة فنزل وسجد جاز فإن طال الفصل ففيه قولان
قال في القديم يبني
وقال في الجديد يستأنف
فإذا فرغ من الخطبة صلى الجمعة ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الجمعة وفي الثانية بعد الفاتحة سورة المنافقين
وقال ابو حنيفة لا تختص القراءة بسورة دون سورة
باب الهيئة للجمعة والتكبير إليها
السنة لمن اراد الجمعة أن يغتسل لها
وقال الحسن البصري الغسل لها واجب
والمستحب أن يكون الغسل لها عند الرواح إليها
ووقت جوازه من طلوع الفجر الثاني
وقال مالك لا يصح الغسل للجمعة إلا عند الرواح إليهاوقال الأوزاعي يصح الغسل لها قبل طلوع الفجر
وفي الساعة الأولى التي علق عليها الفضيلة في التبكير اختلاف
فقيل من حين طلوع الفجر
وقيل من حين طلوع الشمس
فإن ارادت المرأة حضور الجمعة استحب لها الغسل
وقال أحمد لا يستحب لها الغسل وإن حضرت
وقال أبو ثور يستحب الغسل يوم الجمعة لمن حضرها ومن لم يحضرها كما يستحب في يوم العيد
ومن أصحابنا من قال غسل الجمعة سنة لمن لزمه حضور الجمعة ومن لا يلزمه حضورها لا يسن له وإن كان من أهلها غير أنه منعه من فعلها العذر ففيه وجهان
أحدهما لا يسن له
والثاني يسن له
والصحيح تعلق ذلك بالحضور دون لزومهفإن اغتسل يوم الجمعة وهو جنب ينوي الجمعة والجنابة أجزأه عنهما
وحكي عن مالك أنه قال لا يجزئه عن واحد منهما فإن نوى بغسله الجمعة أو العيد لم يجزه عن الجنابة نص عليه الشافعي رحمه الله ولا يجزئه عن الوضوء أيضا
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وفي هذا نظر وهل يجزئه للجمعة أو العيد فيه قولان
وحكي عن جماعة من أصحاب مالك أنه يجزئه عن الجنابة على ما تقدم ذكره
فإن نوى غسل الجنابة يوم الجمعة فهل يجزئه عن غسل الجمعة
نقل المزني رحمه الله أنه يجزئه
وقال في الإملاء لا يجزئه
فإن دخل رجل والإمام على المنبر صلى تحية المسجد وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة ومالك يكره له ذلك
وفي وجوب الإنصات للإمام قولان
قال في القديم هو واجب والكلام حرام في حال الخطبة وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد
وقال في الجديد هو مستحب وهو قول الثوري فإذا قلناالكلام حرام فالقريب ينصت والبعيد يشتغل بذكر الله أو قراءة القرآن
وحكى القاضي حسين رحمه الله وجها آخر أن البعيد أيضا يسكت وهو قول أبي حنيفة فإن سلم عليه رجل أو عطس فإن قلنا الإنصات مستحب رد السلام وشمت العاطس وإن قلنا الإنصات واجب لم يرد السلام ولم يشمت العاطس
وقيل لا يرد السلام ويشمت العاطس وليس بشيء
إذا دخل جماعة على واحد فسلم بعضهم سقط كراهة ترك السلام في حق الباقين وكان أصل السلام في حقهم سنة على الكفاية كما أن رد السلام فرض على الكفاية وهذا ليس بصحيح فإنا ما رأينا سنة على الكفاية ورأينا فرض على الكفاية وفيه فائدة
وإن سلم على جماعة فيهم صبي فرد الصبي وحده السلام فقد قيل إنه لا يسقط به فرض الرد
قال الشيخ الإمام وعندي أنه يصح رده ويسقط به الفرض كما يصح أذانه للرجال
فإن سلم صبي على رجل فهل يجب عليه الرد فيه وجهان أصحهما أنه يجب وبناه على صحة إسلامه وهذا بناء فاسدوذكر أيضا القاضي حسين رحمه الله إذا التقى رجلان فقال كل واحد منهما لصاحبه السلام عليكم إما دفعة واحدة أو أحدهما بعد الآخر كان كل واحد منهما مسلما على الاخر مستحقا للجواب عليه وهذا فيه نظر لأن هذا اللفظ يصلح للجواب فإذا كان بعده كان جوابا وإذا وقعا دفعة واحدة لم يكن احدهما جوابا للآخر
وذكر أيضا أن السلام عند المفارقة للجماعة في معنى الدعاء لأن التحية إنما تكون للدخول
قال الشيخ الإمام وهذا عندي فاسد بل السلام سنة عند الانصراف كما أنه يسن عند الدخول وفيه حديث صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم
فصل فإن زحم المأموم عن السجود
في الجمعة وقدر أن يسجد على ظهر إنسان سجد وبه قال أبو حنيفة وأحمدومن أصحابنا من قال فيه قول آخر قاله في القديم إنه إن شاءسجد على ظهره وإن شاء ترك حتى يزول الزحام وهو قول الحسن البصري
وقال مالك يلزمه أن يؤخر السجود حتى يسجد على الأرض وبه قال عطاء
وإن لم يتمكن من السجود بحال فانتظر زوال الزحام فزال الزحام والإمام قائم في الثانية فإنه يسجد ويتبعه فإن فرغ من السجود وقد حصل الإمام في الركوع في الثانية فهل يتبعه أو يشتغل بالقراءة فيه وجهان
أظهرهما أنه يتبعه ويكون مدركا للجمعة
والثاني أنه يقرأ
فإن خاف فوت الركوع إذا تمم القراءة فهل يتمم القراءة فيه وجهان كالوجهين فيه إذا ركع الإمام قبل فراغ المأموم من الفاتحة
وإن زال الزحام والإمام رافع من الركوع فى الثانية أو ساجد فيها سجد معه فيحصل له ركعة ملفقة وفي إدراك الجمعة بها وجهانأظهرهما أنه يدركها
وإن زال الزحام والإمام راكع في الثانية فهل يشتغل بقضاء ما فاته أو يتابعه فيه قولان
أحدهما أنه يشتغل بالقضاء وهو قول أبي حنيفة
والثاني يتابعه في الركوع وهو قول مالك فعلى هذا إذا فعل ذلك حصل له ركوعان وبأيهما يحتسب له فيه قولان
أظهرهما أنه يحتسب بالأول فيكون له ركعه ملفقة وفي إدراك الجمعة بها وجهان
والثاني يحتسب له بالركوع الثاني فيكون مدركا للجمعة وجها واحدا فإن قلنا إنه لا يدرك الجمعة بالركعة الملفقة فإنه يتمها ظهرا
وقيل إنه يبنى ذلك على من صلى الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة من غير عذر
ففي أحد القولين لا يصح ظهره فيستأنف الظهر ها هنا وهذا بناء باطل
ومن أصحابنا من قال على هذا القول هل تنقلب صلاته نفلا أو تبطلعلى قولين وإن قلنا إن الظهر يصح قبل فوات الجمعة يبنى ها هنا على اصل آخر وهو أن الجمعة ظهر مقصورة أو فرض آخر
فإن قلنا إنها ظهر مقصورة فالقدر الذي فعله معتد به فيتمها ظهرا
فإن قلنا إنها فرض آخر لم يحتسب له ظهر وما ذكرناه اصح فأما إذا اشتغل بقضاء ما فاته على هذا القول واعتقد أن ذلك فرضه لم يعتد بسجوده غير أنه لا تبطل صلاته لجهله فإن فرغ منه وأدرك الإمام ساجدا في الثانية تبعه فيه وحصل له ركعة ملفقة
وإن فرغ من السجود والإمام في التشهد تبعه فيه فإذا سلم الإمام قضى السجود ولا يكون مدركا للجمعة وهل يبني عليها الظهر على ما ذكرناه من الطريقين
وإن اعتقد أن فرضه متابعة الإمام وخالفه ولم ينو مفارقته بطلت صلاته وإن نوى مفارقته ففي بطلان صلاته قولانفأما إذا قلنا إن فرضه الاشتغال بالقضاء ففعل ذلك وأدرك الإمام راكعا في الثانية تبعه فيه وتمت له الجمعة وإن أدركه رافعا من الركوع أو ساجدا فهل يشتغل بقضاء ما فاته من الركعة الثانية أو يتابعه فيما أدركه منها ففيه وجهان
أصحهما أنه يتابعه
والثاني لا يتابعه
ذكر القاضي حسين رحمه الله أنه على هذا إذا لم يسبقه الإمام بثلاثة اركان مضى على صلاته حتى يلحقه وإن كان قد سبقه بثلاثة اركان ففيه وجهان
وحكي أن من أصحابنا من قال يؤمر بالانفراد عن الإمام وقد حصل له ركعة فيضيف إليها أخرى وهذا فاسد
فإن زحم عن السجود في الأولى فقضى ما عليه وأدركه في القيام ثم زحم عن السجود في الثانية فسجد وأدركه في التشهد
فقد ذكر الشيخ ابو حامد أنه تجزئه الجمعة
وذكر القاضي ابو الطيب رحمه الله أنه يبني على الوجهين في الركعة الملفقة
وقال الشيخ أبو نصر وهذا ضعيف
إذا دخل رجل والإمام في الركوع فتبعه فيه فلما سجدزحم عن السجود فلما زال الزحام سجد وتبعه في التشهد فهل يكون مدركا للجمعة على الوجهين فإن زحم عن الركوع فزال الزحام والإمام راكع في الثانية فإنه يركع معه ويحصل له ركعة
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله وهي ملفقة
وذكر الشيخ أبو حامد أنه يكون مدركا للجمعة وجها واحدا
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وهذا أشبه
فإن ركع مأموم مع الإمام ثم سها عن السجود حتى حصل الإمام في الركوع في الركعة الثانية فهل يتابعه فيه
من أصحابنا من قال فيه قولان كالزحام
ومنهم من قال يتبعه قولا واحدا
فصل إذا أحدث الإمام في الصلاة
ففي الاستخلاف قولانفعلى قوله الجديد يجوز وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد
وعلى قوله القديم لا يجوز فعلى هذا إذا أحدث الإمام بعد الخطبة وقبل الإمام بالصلاة لم يجز أن يصلي به الجمعة غيره وإن أحدث بعد الإحرام بالجمعة ففيه قولان
أحدهما أنهم يتمون الجمعة فرادىوالثاني أنه إن كان ذلك قبل أن يصلي بهم ركعة صلوا الظهر وإن كان قد صلى بهم ركعة صلوا ركعة أخرى فرادى
وإن قلنا بقوله الجديد فأحدث بعد الخطبة وقبل الصلاة استخلف من حضر الخطبة وإن أحدث في أثناء الخطبة فهل يجوز أن يستخلف من يتمها فيه وجهان
وإن أحدث بعد الإحرام بالصلاة فإن كان في الركعة الأولى جاز أن يستخلف من كان معه قبل الحدث وإن لم يكن قد سمع الخطبة
ومن اصحابنا من حكى وجهين في استخلاف من لم يسمع الخطبة ولا يستخلف من يكن معه قبل الحدث وإن كان في الركعة الثانية جاز أن يستخلف من دخل في الصلاة معه قبل الركوع أو في الركوع وقبل الحدث والمستخلف يتم جمعة
وإن استخلف من دخل معه في الصلاة قبل الحدث ولكن بعد الركوع ففرضه الظهر
وفي فعل الجمعة خلف من يصلي الظهر وجهان
إن قلنا يجوز جاز الاستخلاف بناء على الوجهين فهل يكون الإمام من جملة العدد أو زائدا عليه
ذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا فرغ من صلاة الجمعة لميصل السنة لها حتى يفصل بينهما بالانتقال إلى مكان آخر وذكر فيه حديثا
والذي يقتضيه المذهب أنه لا فرق بين الجمعة وبين غيرها
والسنة أن لا تقام الجمعة إلا بإذن السلطان فإن أقيمت بغير إذنه صحت وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة لا تنعقد الجمعة إلا بإذن السلطان
وتصح الجمعة خلف العبد والمسافر إذا كان زائدا على العدد وبه قال ابو حنيفة وقال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما لا تصح الجمعة خلف العبد
وفي صحة الجمعة خلف الصبي وجهان وخلف المتنفل قولان
ولا يجوز أن تقام في بلد أكثر من جمعة واحدة وبه قال مالك
وقال ابو يوسف إذا كان البلد جانبين جاز أن تقام فيه جمعتان وهو قول أبي الطيب بن سلمة وحمل بغداد على ذلك
وقال محمد بن الحسن يجوز أن تقام في البلد الواحد جمعتان
وإن كان جانبا واحدا فليس عن ابي حنيفة في ذلك شيء
وقال احمد إذا عظم البلد وكثر أهله كبغداد والبصرة جاز أن تقام فيه جمعتان وإن لم يكن بهم حاجة إلى أكثر من جمعة لم يجز وعلى هذا حمله أحمد أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق أمر بغداد في جوامعها
وقيل إن بغداد كانت في الأصل قرى متفرقة وفي كل قرية جمعة ثم اتصلت العمارة بينها فبقيت الجمع على حالها
وقال داود الجمعة كسائر الصلوات يجوز أن يصلوها في مساجدهم فإن عقد جمعتان في بلد والإمام مع واحدة منهما وسبقت إحداهما صحت السابقة وبماذا يعتبر السبق فيه قولان
أصحهما أنه يعتبر السبق بالإحرام
والثاني بالفراغ
وإن كان الإمام مع الثانية ففيه قولان
أحدهما أن الأولى هي الصحيحة
والثاني أن الثانية هي الصحيحة
وإن علم سبق إحداهما ولا إمام مع واحدة منهما ولم تتعين حكم ببطلانها
وحكى الشيخ أبو حامد عن المزني أنه قال لا تجب عليهم الإعادة
فإذا قلنا يجب عليهم الإعادة ففيما يعيدون قولان
أحدهما يلزمهم الجمعة إن كان الوقت باقيا
والثاني أنهم يصلون الظهر
باب صلاة العيدين
صلاة العيد سنة
وقال أبو سعيد الإصطخري هي فرض على الكفاية
فإذا قلنا إنها سنة واتفق أهل بلد على تركها فهل يقاتلون فيه وجهان
أظهرهما أنهم لا يقاتلون
وينادى لها الصلاة جامعة
وروي عن ابن الزبير أنه أذن لصلاة العيد
وقال سعيد بن المسيب أول من أذن لصلاة العيد معاوية رضي الله عنه
والسنة أن يغتسل للعيدين وفي وقت الغسل قولان
أحدهما بعد الفجر الثاني وهو قول أحمد
والثاني يجوز في النصف الثاني من الليل كذا ذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله ويحمل أن يجوز في جميع الليل
ويكره للإمام التنقل قبل صلاة العيد وبعدها ولا يكره للمأموم
وقال مالك وأحمد يكره للمأموم أيضا
وعن مالك رواية أخرى أنه إذا صلى في المسجد يجوز له التنفل
وقال أبو حنيفة والحسن يكره له التنفل قبلها ولا يكره بعدها
وصلاة العيد ركعتان يكبر في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام
وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام وبه قال الليث وداود
وقال مالك وأحمد التكبيرات الزوائد في الأولى ست تكبيرات وهو قول المزني وأبو ثور
وقال ابو حنيفة التكبيرات الزائدة في الركعتين جميعا ست تكبيرات ثلاث في الأولى وثلاث في الثانية ويرفع يديه في التكبيرات وبه قال أبو حنيفة وأحمد
وقال مالك والثوري لا يرفع يديه إلا في تكبيرة الافتتاح
فإذا كبر تكبيرة الإحرام أتى بدعاء الافتتاح عقيبها ثم يكبر تكبيرات العيد ثم يتعوذ ويقرأ وبه قال أحمد ومحمد بن الحسن ولا يعرف لأبي حنيفة فيه شيء
وقال ابو يوسف يتعوذ قبل التكبيرات والتكبيرات فيهما جميعا قبل القراءةوقال أبو حنيفة القراءة في الركعة الثانية قبل التكبير
وعن أحمد روايتان
إذا نسي تكبيرات العيد حتى شرع في القراءة لم يأت بها في أصح القولين
وقال في القديم يأتي بها ويقطع القراءة وإن كان قد فرغ من القراءة أتى بها ولم يعد القراءة
فإن حضر مأموم وسبقه الإمام بالتكبيرات أو ببعضها لم يقض في قوله الجديد
وقال في القديم يقضي
فإن أدركه راكعا كبر وركع ولا يقضي تكبيرات العبد قولا واحدا وبه قال أحمد وابو يوسف
وقال أبو حنيفة ومحمد يكبر تكبير العيد في حال الركوع
ويقف بين كل تكبيرتين يهلل ويحمد بقدر آية لا طويلة ولا قصيرة
وقال ابو حنيفة يأتي بالتكبيرات نسقا من غير ذكر
وقال مالك يقف بين كل تكبيرتين على ما ذكرناه من غير ذكر
قال الشيخ ابو نصر رحمه الله ولم ار لأصحابه
وما يعتاده الناس من الذكر بين التكبيرات من قولهم الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكره واصيلا حسن
ومن اصحابنا من قال يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير
ثم يتعوذ ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى سورة ق وفي الثانية اقتربت الساعة
وقال ابو حنيفة لا تختص القراءة بسورة دون سورة
وقال مالك وأحمد يقرأ سبح اسم ربك الأعلى والغاشية
والسنة إذا فرغ من الصلاة ان يخطب خطبتين يستفتح الأولى بتسع تكبيرات نسقا والثانية بسبع تكبيرات نسقا
ذكر الشيخ أبو حامد التكبيرات قبل الخطبة والخطبة بعده وهذا فيه نظر ويشبه أن يكون من الخطبة
وهل يجلس إذا صعد المنبر فيه وجهان
وعن مالك روايتان
فإن دخل رجل المسجد والإمام يخطب
فقد قال أبو علي بن أبي هريرة يصلي تحية المسجد ولا يصلي صلاة العيد
وقال ابو إسحاق المروزي يصلي العيد وتحصل له تحية المسجد
روى المزني رحمه الله أنه يجوز صلاة العيد للمنفرد والمسافر والعبد والمرأة
وقال في القديم لا يصلي العيد حيث لا يصلي الجمعة
فمن أصحابنا من قال فيه قولان
أصحهما أنهم يصلونها
ومنهم من قال لا يصلونها قولا واحدا
والذي يقتضيه ظاهر كلام الشافعي رحمه الله أنها بمنزلة الجمعة في اعتبار الجماعة على قوله القديموأن لا تقام إلا في موضع واحد من المصر إلا أنه لا يعتبر فيها عدد الجمعة والبنيان فإنه يجوز فعلها في المصلى وقوله القديم قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين
فإن شهد شاهدان يوم الثلاثين من رمضان بعد الزوال برؤية الهلال قضيت صلاة العيد في أصح القولين
والثاني لا تقضى وهو قول مالك فإن لم يمكن جمع الناس في اليوم صليت في الغد وهو قول أحمد
وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة أنها لا تقضى
وقال أبو يوسف ومحمد تقضى صلاة عيد الفطر في اليوم الثاني وصلاة عيد الأضحى في الثاني والثالث من ايام التشريق
وقال أصحاب أبي حنيفة مذهب أبي حنيفة كمذهبهما
واختلف أصحابنا في علة تأخير الصلاة إلى الغد
فقال ابو إسحاق العلة تعذر اجتماع الناس في اليوم
وقيل العلة أن يؤتى بها في الوقت الذي يؤتى بها فيه والأول أصح
فصل والتكبير سنة في العيدين
وبه قال مالك وأحمدوحكى ابو يوسف عن أبي حنيفة أن يكبر يوم الأضحى في ذهابه إلى المصلى ولا يكبر يوم الفطر وروي عنه نحو قولنا
وحكي عن إبراهيم النخعي أنه قال إنما يفعل ذلك الحواكون
وقال داود التكبير واجب في العيد
ويأتي بالتكبير نسقا فإن فصل بينه بذكر كان حسنا
وذكر في التعليق أن المستحب أن لا يذكر الله بينه وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله
ذكر الحاوي فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى وزال ذاك المعنى
فقال أبو إسحاق لا يفعل إلا بدليل
وقال ابو علي بن أبي هريرة يفعل
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغدو في العيد في طريق ويعود في أخرى
فقيل إنه فعل ذلك لأجل الزحام
وقيل بل لأن الطريق الذي كان يذهب فيه أطول
وقيل ليشهد له الطريقان وقيل ليدخل المسرة على أهل الطريقين
وأول وقت تكبير الفطر إذا غابت الشمس من آخر يوم من الشهر
وقال أحمد يكبر في يوم الفطر
وقال إسحاق وابو ثور يكبر إذا غدا إلى المصلى
فأما آخر وقت التكبير
فقد نقل المزني رحمه الله أنه يكبر إلى أن يخرج الإمام إلى الصلاة
وقال في رواية البويطي إلى أن يفتتح الصلاة
وقال في القديم إلى أن ينصرف الإمام من الصلاة
وحكى الشيخ ابو حامد والخطبتين
فمن أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال على ظاهر النقل
ومنهم من قال المسألة على قول واحد أنه يكبر إلى أن يفتتح الإمام الصلاة
وهل يسن التكبير المقيد للمنفرد في عيد الفطر فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يستحب
وقيل فيه قولان قوله الجديد أنه لا يستحب
والسنة أن يكبر ثلاثا نسقا
وقال مالك إن شاء كبر ثلاثا وإن شاء كبر مرتين
وقال ابو حنيفة يكبر مرتين
وفي وقت تكبير عيد الأضحى ثلاثة أقوال
أحدهما أنه يكبر من الظهر يوم النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق وبه قال مالك
والثاني أنه يكبر من المغرب ليلة النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق
والثالث أنه يكبر من الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر ايام التشريق وبه قال أحمد وإسحاق والثوري وابو يوسف ومحمد بن الحسن ويروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما
وحكي في الحاوي عن أبي علي بن ابي هريرة وأبي إسحاق أن المسألة على قول واحد وهو الأول وما سواه حكاه عن غيره والطريق الأول أصح وقال الأوزاعي يكبر من الظهر يوم النحر إلى الظهر من اليوم الثالث من أيام التشريق
وقال داود يكبر من الظهر يوم النحر إلى العصر آخر التشريق
وقال ابو حنيفة يكبر من الصبح يوم عرفة إلى العصر من يوم النحر
وويكبر خلف الفرائض في هذه الأيام وهل يكبر خلف النوافل فيه طريقان
أحدهما أنه يكبر قولا واحدا
والثاني فيه قولان
ذكر في الحاوي فيه طريقة ثالثة أنه يكبر خلفها قولا واحدا
وقيل ما سن له الجماعة من النوافل يكبر عقبيه وما لم يسن له الجماعة لا يكبر عقيبه
وقال ابو حنيفة ومالك وأحمد أنه لا يكبر خلفها بحال
فإن نسي التكبير أتى به في أي وقت ذكره
وقال أبو حنيفة إذا تكلم او خرج من المسجد سقط
فإن فاتته صلاة في هذه الأيام فقضاها فيها هل يكبر عقيبها فيه وجهان
قال الشيخ الإمام وعندي أنه ينبغي أن يكون هذان الوجهان على القول الذي يقول أنه لا يكبر خلف النوافل
وذكر في الحاوي أنه على قول من فرق بين ما يسن له الجماعة وبين ما لم يسن له وفي صلاة الجنازة وجهينأحدهما يكبر
والثاني لا يكبر
وحكى القاضي حسين رحمه الله أنه لا يكبر خلفها وجها واحدا
قال الشيخ الإمام وعندي أنه ينبغي ان يبنى على النفل فإن قلنا يكبر خلفهافهذه أولى وإن قلنا لا يكبر خلفها بنيت على الفوائت المقضية في ايام التشريق لأنه لا وقت لها
فإن أدرك مع الإمام بعض صلاة العيد فسلم الإمام قام وأتم صلاته ولم يتابع الإمام في التكبير الذي يتبع الصلاة
وحكي عن ابن أبي ليلى أنه قال يكبر مع الإمام ثم يقوم إلى ما فاته
ويكبر المنفرد وبه قال مالك
وقال ابو حنيفة لا يكبر
باب صلاة الكسوف
صلاة الكسوف سنة وهي ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان فيقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة البقرة أو بقدرها ثم يركع ويسبح بقدر مائة آية ثم يرفع ويقرأ في القيام الثاني بعد الفاتحة بقدر مائتي آية من سورة البقرة ثم يركع ويسبح بقدر مائتي آية ثم يسجد كما يسجد في غيرها
وقال ابو العباس بن سريج يطيل السجود ولم يذكره الشيخ أبو نصر رحمه الله ولا غيره
والشيخ الإمام أبو إسحاق قال الأول أصح
ثم يصلي الركعة الثانية فيقرأ بعد الفاتحة مائة وخمسين آية ثم يركع بقدر سبعين أية ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة بقدر مائة آية ثم يركع بقدر خمسين آية ثم يرفع ويسجد وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يصلي ركعتين مثل صلاة الصبح
ويسر بالقراءة في كسوف الشمس وبه قال ابو حنيفة ومالك
وقال ابو يوسف ومحمد وأحمد يجهر بالقراءة فيها فإن زال الكسوف وهو في الصلاة فأتمها وترك القيام الزائد والركوع الزائد ففيه وجهان
أحدهما أنها لا تصح
والثاني أنها تصح وهو الأصح
فإن ترك الركوع والقيام الزائد مع بقاء الكسوف لم تصح صلاته
ذكر القاضي حسين وفيه نظر
والسنة أن يصلي في خسوف القمر ايضا في جماعة
وقال أبو حنيفة يصلون فرادى في بيوتهم
ويسن أن يخطب بعد صلاة الكسوف ليلا ونهارا
وقال ابو حنيفة ومالك لا يسن الخطبة بعد هذه الصلاة
فإن أدرك مسبوق الإمام في الركوع الثاني من صلاة الكسوف لم يكن مدركا للركعة في أصح الوجهين
والثاني أنه يكون مدركا وهو قول مالك
فإن اجتمع كسوف وجمعة في وقت الجمعة والوقت واسع بدأ بالكسوف ويقرأ في كل قيام فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد
فإذا فرغ خطب خطبة للجمعة والكسوف وصلى الجمعة
وذكر القاضي حسين أن الشافعي رحمه الله نص في البويطي أنه يبدأ بالجمعة والخطبة لها ثم إن بقي الكسوف صلى له والأول أولى
فإن طلع الفجر ولم ينجل القمر صلى في أظهر القولين وتصلى صلاة الكسوف جماعة وفرادى
وحكي عن الثوري ومحمد بن الحسن أنهما قالا إن صلى الإمام صلوها معه ولا تصلى فرادى
ولا تسن هذه الصلاة لآية سوى الكسوف من الزلازل والصواعق والظلمة بالنهار
وحكي عن أحمد أنه قال يصلي في جماعة لكل آية
وحكي في الحاوي أن الشافعي رحمه الله حكى في اختلاف علي أنه صلى في زلزلة
وحكي أن الشافعي رحمه الله قال إن صح قلت به
فمن اصحابنا من قال اراد إن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
ومنهم من قال أراد إن صح عن علي رضي الله عنه
ومنهم من قال قلت به أراد في الزلزلة خاصة
ومنهم من قال في سائر الآيات
والأصح ما ذكرناه
فإن زاد في الصلاة قياما ثالثا أو ركوعا لطول الكسوف فقد حكى القاضي حسين أنه يجوز ذلك ورواه مسلمومن أصحابنا من قال لا يجوز وتبطل الصلاة بذلك وهو الصحيح
فإن فرغ من الصلاة والكسوف باق لم يزد في الصلاة واشتغل بالخطبة
وحكي فيه وجه آخر أنه يصلي مرة ثانية وهو نص الشافعي رحمة الله عليه
باب صلاة الاستسقاء
يكون مشيه في خروجه للاستسقاء وجلوسه وكل أمره في تواضع واستكانة
وذكر بعض أصحابنا أنه لو أراد أن يخرج حافيا ومكشوف الرأس لم يكره وهذا بعيد جدا
قال الشافعي رحمه الله ولا آمر بإخراج البهائم
وقال ابو إسحاق استحب إخراجها لعل الله يرحمهاوقيل يكره إخراج البهائم
قال وأكره إخراج من خالف الإسلام للاستسقاء في موضع مستسسقى المسلمين فإن خرجوا تميزوا عن المسلمين في المكان ولا فرق بين أن يكون ذلك في يوم خروج المسلمين أو في غيره في أصح الوجهين ذكره في الحاوي
والثاني أن الإمام يأذن لهم في الخروج في غير اليوم الذي يخرج فيه المسلمون
وكتب يزيد بن عبد الملك بإخراج أهل الذمة للاستسقاء إلى عماله فلم يعب عليه أحد في زمانه
وقال مكحول لا بأس بإخراج أهل الذمة مع المسلمين للاستسقاء
وقال إسحاق لا يأمرهم به ولا ينهاهم عنه
وصلاة الاستسقاء ركعتان كصلاة العيد وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وهو قول أبي يوسف ومحمد وإحدى الروايتين عن أحمد
وقال مالك يصلي ركعتين من غير تكبير زائد وهي الرواية الثانية عن أحمد
وقال ابو حنيفة لا يصلي للاستسقاء
وقال أصحابه يعني أنها ليست بسنة
ويقرا في الأولى سورة ق وفي الثانية اقتربت الساعة
ومن أصحابنا من قال يقرأ في الثانية سورة نوح والأول أصح
والسنة أن يخطب بعد الصلاة
وحكي عن ابن الزبير أنه خطب وصلى وبه قال الليث ويروى عن عمر بن عبد العزيز
وقال ابو حنيفة ومالك لا يسن الخطبة بعد هذه الصلاة ولم يذكر أحمد الخطبة
ويستحب إذا خطب في الثاني أن يستقبل القبلة ويحول رداءه وينكسه فيجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه إن أمكنه وكذلك المأموم
وقال ابو حنيفة لا يستحب ذلك
وحكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال يحول الإمام رداءه دون المامومين
إذا نذر أن يستسقى بالناس ويخطب لم يف بنذره حتى يخطب قائما ولو خطب راكبا للبعير أجزأه كذا ذكر في الحاوي وفي أجزائه راكبا نظر
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا نذر الاستسقاء في حال الجدوبة لزمه أن يصلي إن نذر الصلاة وإن أطلق ففيه وجهان
أصحهما أنه يلزمه أن يصلي
وإن نذر في زمان الخصبى أن يستسقي ففيه وجهان
أحدهما يستسقي فيشكر الله تعالى ويسأله دوام النعمة
فإن استسقوا فلم يسقوا عادوا من الغد
وقال في القديم يأمرهم الإمام أن يصوموا ثلاثا ثم يعودون
فمن اصحابنا من قال فيه قولان
قال ابن القطان ليس في الاستسقاء مسألة فيها قولان سوى هذه المسألة
وقيل إنها ليست على قولين وإنما جوز هذا وهذا
وقال الشيخ ابو حامد حيث قال يوالون إذا لم يقطعهم عن معاشهم وحيث قال يصومون إذا كانت الموالاة تقطعهم عن معاشهم= كتاب الجنائز
ويستحب عيادة المريض
وشرط الشيخ ابو نصر رحمه الله في عيادة المريض أن يكون مسلما
وذكر في الحاوي أنه يستحب أن يعم بعيادته المرضى فلا يخص بها قريبا من بعيد وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد غلاما يهوديا وهذا فيه اشتباه
قال الشيخ الإمام والصواب عندي أن يقال عبادة الكافر في الجملة جائزة والقربة فيها موقوفة على نوع حرمة يقترن بها من جوار أو قرابة
وإذا حضر المريض الموت فإنه يضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة
وقيل يلقى على ظهره
فإن كان الميت رجلا لا زوجة له فأولاهم بغسله الأب ثم الجد ثم الإبن ثم إبن الإبن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم
فإن كان له زوجة جاز لها أن تغسله وهل تقدم على الأقارب فيه وجهان
فإن كان الميت امرأة لا زوج لها فالنساء أحق بغسلها فتقدم ذات الرحم المحرم ثم ذات الرحم غير المحرم ثم الأجنبيةفإن كان لها زوج جاز له غسلها وبه قال مالك وإحدى الروايتين عن أحمد وهل يقدم على النساء فيه وجهان
وقال أبو حنيفة والثوري لا يجوز للزوج أن يغسلها ويجوز لها أن تغسله
فإن مات أحد الزوجين في عدة الرجعة لم يكن للآخر غسله
وعن مالك فيه روايتان
فإن ماتت أم ولده أو أمته جاز له غسلها
وقال أبو حنيفة لا يجوز
وإن مات السيد فهل يجوز لها غسله فيه وجهان
أحدهما لا يجوز وهو قول أبي علي الطبري
والثاني يجوز وهو قول أبي حنيفة في أم الولد
وإن ماتت امرأة وليس هناك إلا رجل أجنبي أومات رجل وليس هناك إلا امرأة أجنبية ففيه وجهان
أحدهما أنه ييمم وبه قال مالك وأبو حنيفة إلا أن مالكا قال تيمم المرأة في وجهها وكفيها
والثاني يستر بثوب ويلف غاسله على يده خرقة ثم يغسله ويصب الماء عليه وبه قال النخعي
وعن أحمد روايتان
وقال الأوزاعي يدفن من غير غسل ولا ييمم
فإن كان الميت خنثى ولا محرم له فإنه يكون على الوجهين
ذكر في الحاوي أن ابا عبد الله الزبيري ذكر أنه يغسل في قميص ويكون موضع غسله مظلما
وقيل ينبغي أن يشترى له جارية من ماله أو من مال بيت المال لتغسله وليس بصحيح
وقال القفال الخنثى تبقى على حكم الصغير فيغسله الرجال والنساء وهذا فاسد
والصحيح الطريقة الأولى
ويجوز أن يغسل من أقاربه من الكفار وإن كان أقاربه من الكفار أولى بغسله
وقال مالك لا يجوز له غسل قريبه الكافر بحال
والمستحب أن يغسل في قميص وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة ومالك تجريده من ثيابه أفضل
وذكر في الحاوي أن الأولى أن يغسل تحت سقف
وقيل بل الأولى أن يغسل تحت السماء
والماء البارد أولى من المسخن إلا أن يكون البرد شديدا أو يكون الوسخ به كثيرا وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة المسخن أولى بكل حال
وهل تجب نية الغسل فيه وجهان
ويستحب أن يوضئه وضوءه للصلاة ويلف على إصبعه خرقة يدخلها في فيه ويسوك أسنانه ويدخل اصبعيه في منخريه ويغسلهما
وقال ابو حنيفة لا يستحب له ذلك
وإن كانت لحيته ملبدة سرحها بمشط منفرج الأسنان تسريحا رفيقا
وقال ابو حنيفة لا يفعل ذلك
وتكون الغسلة الأولى بالماء والسدر وهل يعتد بها من جملة الغسلات الثلاث فيه وجهان
قال ابو إسحاق يعتد بها من جملة الغسلات الثلاث
وذكر القاضي حسين رحمه الله أن من اصحابنا من ذكر الغسل بالسدر والماء للتنظيف من غير وضوء ثم يوضئه بعد ذلك
فإذا غسلت المرأة ضفر شعرها وجعل ثلاثة قرون وتلقى خلفها وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة يترك على حالها من غير ضفر على منكبيها إلى صدرها
فإن خرج من الميت شيء بعد غسله ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يكفي غسل المحل وهو قول أبي حنيفة والثوري
والثاني أنه يجب منه الوضوء
والثالث أنه يجب إعادة الغسل وهو ظاهر كلام الشافعي رحمه الله وهو قول احمد وفي نتف إبطه وحلق عانته وحف شاربه قولان
أحدهما يكره وهو قول مالك وابي حنيفة واختيار المزني وقال في الجديد لا بأس به وهو قول أحمد
وحكي عن مالك في الحي إذا حلق شاربه يعزر
ولا يحلق رأسه
وقال ابو إسحاق إن كان له جمة حلق رأسه والمذهب الأول
ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل ولا يجب ذلك
وقال في البويطي إن صح الحديث قلت بوجوبه والأول أصح وهل هو آكد أم غسل الجمعة فيه قولان
فإن رأى من الميت ما يكره
ذكر الشيخ ابو نصر رحمه الله أنه يستحب له كتمانه
وذكر الشيخ ابو إسحاق في المهذب أنه لا يجوز له ذكره وهو الأصح
وإن رأى ما يعجبه استحب أن يظهره
وقيل لا يظهره وليس بشيء
فصل
إذا ماتت المرأة ولها زوج وجب كفنها في مالها في أحد الوجهين وهو قول أبي إسحاقوفي الثاني تجب على الزوج وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وهو قول أبي حنيفة
واقل الكفن ما يستر به العورة
وقيل اقله ثوب يعم جميع البدن
والمستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب إزار ولفافتين
وقال أبو حنيفة يكفن في ثلاثة أثواب إزار ورداء قميص
والمستحب أن تكفن المرأة في خمسة اثواب وهل يكون فيه قميص فيه قولان ويشد عليها الأكفان بثوب
فمن أصحابنا من قال هو ثوب سادس فيحل عنها وينحى
وقيل يدفن معها
وحكي عن مالك أنه قال ليس للكفن حد محدود
ومؤونة تجهيز الميت من رأس المال مقدمة على ديون الغرماء وحق الورثة
وحكي عن طاوس أنه قال إن كان ماله كثيرا كان من راس ماله وإن كان قليلا فمن ثلثه
وحكي عن خلاس بن عمرو أنه قال هو من ثلثه
فإن قال بعض الورثة يكفن بثوب وقال بعضهم بثلاثة أثواب ففيه وجهان
أحدهما يكفن بثوب
والثاني بثلاثة
وفي وجوب الكافور والحنوط وجهان وقيل قولان
ويبسط اوسعها ثم أحسنها ثم الثاني ثم الذي يلي الميت ويلف في الكفن ويجعل ما يلي راسه أكثر
قال الشافعي رحمه الله وتثنى ضفة الثوب فيبدأ بالأيسر على الأيمن وبالأيمن على الأيسر
وقال في موضع آخر يبدأ بالأيمن على الأيسر ثم بالأيسر على الأيمن فمن أصحابنا من قال فيه قولان
ومنهم من قال قولا واحدا يثنى الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر وهذا أصح
فإن مات كافر لا مال له ولا له من يجب عليه تكفينه فهل يجب تكفينه من بيت المال فيه وجهان
أحدهما يجب
والثاني أنه يدفن بغير كفن
فإن مات محرم لم يقرب طيبا ولم يلبس مخيطا ولم يخمر رأسه وبه قال عطاء وأحمد وداود
وقال ابو حنيفة يبطل إحرامه بموته فيفعل به ما يفعل بسائر الموتى
وإن ماتت معتدة عن وفاة ففيه وجهان
أحدهما أنها لا تقرب طيبا
فصل
الصلاة على الميت فرض على الكفايةوحكي عن أصبغ من اصحاب مالك أنها سنة
وفي أدنى ما يكفي قولان
أحدهما أن أقل ذلك ثلاثة
والثاني واحد
ولا يكره فعلها في شيء من الأوقات
وقال ابو حنيفة يكره فعلها في الأوقات الثلاثة وهو قول أحمد وقال مالك يكره فعلها عند طلوع الشمس وغروبها ولا يكره فعلها في المسجد وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة ومالك يكره فعلها فيه
وإن كان مع الميت نساء لا رجل معهن صلين عليه فرادى
وقال ابو حنيفة يصلين عليه جماعة
ويكره نعي الميت والنداء عليه وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة لا بأس به
فصل
وأولاهم بالصلاة عليه الأب ثم الجد ثم الإبن ثم ابن الإبن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم والأخ من الأب والأم أولى من الأخ من الأبوقيل فيه قولانفإن اجتمع الولي المناسب والوالي فالولي أولى في قوله الجديد
وقال في القديم الوالي أولى وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد
وقال مالك الابن مقدم على الأب في صلاة الجنازة وكذا يقول الأخ أولى من الجد والابن أولى بالصلاة على الأم من زوجها وإن كان أباه
وقال ابو حنيفة لا ولاية للزوج في التقدم في الصلاة على زوجته إلا أنه يكره للابن أن يتقدم على ابيه
نص الشافعي رحمه الله على أنه يقدم الأسن في صلاة الجنازة على الأقرأ الأفقه ونص في إمامة الصلاة على أنه يقدم الأفقه الأقرأ
فمن أصحابنا من خرج ها هنا قولا آخر أن الأفقه الأقرأ أولى
ومنهم من فرق بينهما
فإن أوصى إلى رجل ليصلي عليه لم يكن أولى من الأولياء
وقال أحمد يقدم حكم الوصية على كل ولي
ومن شرط صحة الصلاة على الجنازة الطهارة وسترالعورة
وقال ابن جرير الطبري والشعبي يجوز الصلاة على الجنازة بغير طهارة وهو قول الشيعة ويقف الإمام عند رأس الرجل وعجيزة المرأة وبه قال ابو يوسف ومحمد
وذكر أبو علي الطبري في الإفصاح أنه يقف من الرجل عند صدره وهو قول أحمد
وقال ابو حنيفة يقف عند صدر الرجل والمرأة
وقال مالك يقف من الرجل عند وسطه ومن المرأة عند منكبيها ثم يكبر أربعا وبه قال مالك وابو حنيفة وأحمد وداود
وحكي عن ابن سيرين أنه قال يكبر ثلاثا
وقال زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان يكبر خمسا وبه قالت الشيعة
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنائز تسعا وسبعا وخمسا وأربعا فكبروا ما كبر الإمام ولا يزيد على تسع
يروى عن علي رضي الله عنه أنه كبر على أبي قتادة رضي الله عنه سبعا وكان بدريا وكبر على سهل بن حنيف ستا وكان بدريا
وروى عبد خير عنه انه كان يكبر على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير اهل بدر خمسا وعلى سائر الناس أربعا
ويرفع يديه في جميع التكبيرات حذو منكبيه
وقال أبو حنيفة ومالك لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى فإن زاد على اربع لم تبطل صلاته وإن تعمده
وحكى القاضي حسين أنها تبطل وليس بصحيح
فإن صلى خلف إمام فزاد على أربع تكبيرات لم يتابعه في الزيادة
وحكي عن أحمد أنه قال يتابعه إلى سبع
وحكي في الحاوي وجهين في انتظاره هذه الزيادة
ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى وذلك فرض وبه قال أحمد وداود
وقال ابو حنيفة ومالك لا يقرأ فيها شيئا من القرآن ثم يكبر الثانية ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عندنا واجبة والدعاء مستحب ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت والدعاءالواجب غير مقدر ثم يكبر الرابعة ويقول اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله
وحكي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه كان يقول ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ثم يسلم تسليمتين
وقال احمد يسلم تسليمة واحدة عن يمينه
وفي قراءة السورة بعد الفاتحة وجهان وفي دعاء الاستفتاح والتعوذ قبل القراءة وجهان
أحدهما وهو اختيار القاضي ابي الطيب رحمه الله أنه يأتي بذلك وفي استحباب التحميد في التكبيرة الثانية وجهان
ويسر فيهما بالقراءة بكل حال
وقال أبو القاسم الداركي إذا اتفقت بالليل جهر فيها بالقراءة
فإن اجتمع جنائز الرجال والنساء والصبيان والخناثى جعل الرجال مما يلي الإمام ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء إذا احتيج إلى جمعهم في الصلاة مرة واحدة وهو قول مالك
وحكي عن القاسم بن محمد والحسن البصري أنه يجعل الرجال مما يلي القبلة والمرأة مما يلي الإمام
ومن فاته بعض الصلاة مع الإمام افتتح الصلاة ولم ينتظر تكبير الإمام
وقال ابو حنيفة وأحمد ينتظر تكبير الإمام ليكبر معه
وعن مالك روايتان
فإن أدركه مأموم في القراءة احرم خلفه وقرأ فإن كبر الإمام الثانية قبل أن يفرغ من القراءة قطع القراءة وكبر معه في أصح الوجهين كالمسبوق
قال الشيخ ابو نصر رحمه الله إلا أنه بعد التكبيرة الثانية محل القراءة بخلاف حال الركوع فينبغي أن يتم القراءة بعد التكبيرة الثانية قال ويمكن أن يقال لا يتم القراءة بعد التكبيرة الثانية مع الإماملأنه لما أدركه مع الإمام محل القراءة صار هذا محل قراءته دون ما بعد الثانية فإن أدرك الإمام في التكبيرة الرابعة كبر معه وتمم
وقال في موضع آخر إذا سلم الإمام أتى بالتكبير نسقا فحصل فيه قولان
أحدهما يكبر نسقا
والثاني يأتي بما شرع فيه وإن رفعت الجنازة
ولا يصلي على الجنازة قاعدا مع القدرة ولا راكبا وبه قال أبو حنيفة إلا أن اصحابه قالوا القياس أن يجوز فعلها راكبا كسجود التلاوة
فإن حضر من قد صلى مرة فهل يعيد الصلاة مع من لم يصل فيه وجهان وإن حضر من لم يصل عليه صلى على القبر وإلى أي وقت تجوز الصلاة على القبر فيه أربعة أوجه
أحدها إلى شهر وبه قال أحمد
والثاني يصل عليه ما لم يبل
والثالث يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة عليه عند الموت
والرابع أنه يصلي عليه أبدا
وقال ابو حنيفة ومالك لا يصلى على القبر إلا أن يكون قد دفن قبل أن يصلى عليه فيصلى عليه إلى ثلاثة ايام
ومنهم من قال إذا شككنا في تغيره لم يصل عليه
ولا يصلى على الجنازة مرتين إلا أن يكون الولي غائبا فيحضر وقد صلى غيره فيصلي وتجوز الصلاة على الميت الغائب وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة ومالك لا تجوز الصلاة على الميت الغائب
ولا يكره الدفن بالليل
وقال الحسن يكره فإن دفن قبل الغسل نبش وغسل إذا لم يكن قد تقطعوقال أصحاب أبي حنيفة إذا أهيل عليه التراب قبل الغسل لم ينبش وإن دفن من غير تكفين نبش في احد الوجهين وكفن
فإن ماتت امرأة وفي جوفها جنين حي شق جوفها وأخرج
ومن أصحابنا من قال إذا قال القوابل إنه لمددة يعيش في مثلها اخرج وإلا ترك
وقال أحمد يسطلمه القوابل فإن خرج وإلا ترك حتى يموت ثم يدفن فإن ماتت امرأة ذمية وفي جوفها جنين مسلم دفنت بين مقابر المسلمين والكفار
وقيل يجعل ظهرها إلى القبلة
فإن ابتلع جوهرة لغيره ومات شق جوفه في أصح االوجهين
وفي الثاني ينتقل حقه إلى القيمة في تركته وإن ابتلع جوهرة لنفسه ثم مات شق جوفه في احد الوجهين
فإن وجد بعض الميت غسل وصلي عليه وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة ومالك إن وجد أكثره صلي عليه
وحكي عن عبد العزيز بن الماجشون أنه يصلي عليه ينوى الصلاة على الميت
ويغسل السقط إذا استهل
وحكي عن سعيد بن جبير أنه قال لا يصلى على الصبي الذي لم يبلغ
وحكي عن بعض الناس أنه قال إن كان قد صلى صلي عليه
وإن لم يكن قد استهل صارخا فإن كان قد اختلج أو تحرك صلى عليهوقال مالك لا يصلى عليه إلا أن يطول ذلك فيتحقق حياته
وإن لم تظهر عليه علامة الحياة فإن لم يكن له أربعة أشهر لف في خرقة ودفن فإن كان قد بلغ اربعة اشهر ففيه قولان
اصحهما أنه لا يصلى عليه فعلى هذا في غسله قولان
وإن اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار ولم يتميزوا صلي عليهم بالنية وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة إن كانت الغلبة للمسلمين صلي عليهم
فصل
ومن مات في جهار الكفار من المسلمين بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب فهو شهيد لا يغسل ولا يصلى عليه وبه قال مالك وأحمدوقال ابو حنيفة والثوري لا يغسل ولكن يصلى عليه وروي ذلك عن أحمد ايضا
وحكي عن الحسن البصري أنه يغسل ويصلى عليه
ولا فرق بين الكبير والصغير في حكم الشهادة
وقال أبو حنيفة لا يثبت حكم الشهادة لغير البالغ
وإن جرح في المعركة ومات بعد تقضي الحرب غسل وصلي عليه وبه قال أحمد
ومن اصحابنا من حكى أنه إن مات بعد تقضي الحرب بزمان يسير ثبت له حكم الشهادة وإن مات بعده بزمان كثير غسل وصلي عليه
ومن أصحابنا من حكى في ذلك قولين
وقال مالك إن أكل أو شرب او بقي يومين أوثلاثة غسل وصلي عليه
وقال اصحاب أبي حنيفة إذا خرج عن صفة القتلى وصار إلى حال الدنيا بأ ن أكل أو شرب أو أوصى خرج عن حكم الشهادة وما سوى ذلك لا يخرج به عن صفة القتلى
ومن مات من السبي قبل التلفظ بالشهادتين فإنهم عندنا يغسلون ويصلى عليهم لأنهم يتبعون السابي
وقال مالك لا يغسلون ولا يصلى عليهم
ومن قتل في الحرب وهو جنب ففيه وجهان
أحدهما وهو قول أبي العباس السريج وقول أبي علي ابن أبي هريرة أنه يغسل ولا يصلى عليه وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة يغسل ويصلى عليه
والثاني أنه لا يغسل ولا يصلى عليه وهو قول أكثر أصحابنا وقول مالك
فإن أسر المشركون مسلما وقتلوه صبرا ففي غسله والصلاة عليه وجهان
أحدهما أنه يغسل ويصلى عليه
والثاني أنه لا يغسل ولا يصلى عليه
فإن تجلت الحرب عن قتيل من المسلمين حكم له بالشهادة كان به أثر أو لم يكن
وقال ابو حنيفة إن خرج من عينيه أو اذنه دم أو تكلم لم يغسل
وإن خرج من أنفه أو ذكره او دبره غسل وإن لم يكن به أثر غسل
وينزع عنه ما لم يكن من عامة لباس الناس من حديد وجلود ومحشو وفرو وبه قال أبو حنيفة وأحمد
وقال مالك لا ينزع ذلك عنه
ثم الولي بالخيار إن شاء كفنه فيما بقي من ثيابه وإن شاء كفنه في غيرها وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة ومالك لا ينزع عنه بقية ثيابه
وإن قتل رجل من أهل البغي رجلا من أهل العدل في حال الحرب غسل وصلي عليه في أشهر القولين وبه قال مالك
وعن أحمد روايتان
وقال ابو حنيفة لا يغسل
وإن قتل قطاع الطريق رجلا من أهل القافلة ففي غسله والصلاة عليه وجهان بناء على القولين
وإن قتل رجل من أهل البغي في حال الحرب غسل وصلي عليه
وقال ابو حنيفة لا يغسلوا ولا يصلى عليهم عقوبة لهم
ومن قتل ظالما في غير حرب فإنه يغسل ويصلى عليه قولا واحدا وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة إن قتل بحديدة لم يغسل وإن قتل بمثقل غسل ومن قتل في رجم أو قصاص غسل وصلي عليهوقال الزهري المرجوم لا يصلى عليه
وقال مالك لا يصلي عليه الإمام ويصلي غيره
ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كره الصلاة على من قتل نفسه
وقال الأوزاعي لا يصلى عليه
وعن قتادة أنه قال لا يصلى على ولد الزنا
وعن الحسن لا يصلى على النفساء
فصل
الحمل بين العمودين أفضل من التربيعوقال أحمد التربيع أفضل وكان النخعي يكره الحمل بين العمودين وهو قول أبي حنيفة
وصفة التربيع أن يبدأ بياسرة المقدمة فيضع العمود على عاتقه الأيمن ثم يأتي إلى ياسرة المؤخرة فيضع العمود على عاتقه الأيمن ثم يأخذ يامنة المقدمة فيضع العمود على عاتقه الإيسر ثم يأتي إلى يامنة المؤخرة فيضع العمود على عاتقه الأيسر وبه قال ابو حنيفة وأحمد
وقال إسحاق بعد ياسرة المؤخرة يأخذ يامنة المؤخرة فيدور عليها
وعندنا الأفضل في الحمل بين التربيع والحمل بين العمودين وهو أن يحمل في المقدمة واحد وفي المؤخرة اثنان
والمشي أمام الجنازة أفضل وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة والمشي وراءها أفضل
وقال الثوري الراكب وراءها والماشي حيث شاء
وإذا سبق الجنازة إلى المقبرة فإن شاء جلس وإن شاء قام حتى توضع
وقال ابو حنيفة يكره الجلوس قبل أن توضع
ومن مات في البحر ولم يكن بقربه ساحل فالأولى أن يجعل بين لوحين ويلقى في البحر إذا كان في الساحل مسلمون وإن كان في الساحل كفار ثقل وألقي في البحر ليحصل في قراره
وقال عطاء وأحمد يثقل ويلقى في البحر بكل حال إذا تعذر عليهم دفنه
إذا دفن ميت لم يجز أن يحفر قبره ليدفن فيه آخر إذا كان في مدة لا يبلى فيها الميت وإن مضى على الميت زمان يبلى في مثله ويصير رميما فإنه يجوز حفرهوحكي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال إذا مضى علي حول فازرعوا الموضع
ويسل من قبل راسه سلا فيوضع راسه عند رجل القبر ثم يسل سلا إلى القبر
وقال ابو حنيفة توضع الجنازة على حافة القبر مما يلي القبلة ثم ينزل إلى القبر معترضا والسنة في القبر التسطيح
وقال ابو علي بن أبي هريرة التسنيم هو السنة لأن التسطيح صار شعار الرافضة وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد
ولا يكره دخول المقابر
وحكي عن أحمد أنه قال يكره دخول المقابر بالنعال ولا يكره بالخفاف والتمشكان
والتعزية قبل الدفن وبعده عقيبه
وقال الثوري لا يعزى بعد الدفن
ذكر الشيخ الإمام أبو إسحاق في المهذب أنه لا يجوز للنساء زيارة القبور
والشيخ ابو نصر ذكر أنه يكره للنساء زيارة القبور ويستحب للرجال
قال الشيخ الإمام وعندي لو فصل القول في ذلك لما كان به بأس فيقال إن كان زيارتهن المقابر لتجديد الحزن والبكاء بالتعديد والنوح على ما جرت به عادتهن حرم وعليه يحمل الخبر وإن كان زيارتهن للاعتبار بغير تعديد ولا نياحة كره إلا أن تكون عجوزا لا تشتهى فلا يكره كحضور الجماعة في المساجد= كتاب حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء = كتاب الزكاة= كتاب الزكاة
لا تجب الزكاة إلا على حر مسلم فإن ملك عبده مالا وقلنا إنه لا يملك لم يجب فيه الزكاة عليه ولا على المولى
وقيل تجب الزكاة على المولى
وأما المكاتب فلا زكاة عليه وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو ثور تجب عليه جميع الزكوات
وقال أبو حنيفة يجب العشر في زرعه ولا يجب ما سواه
ومن نصفه حر ونصفه رقيق إذا ملك بنصفه الحر مالا ففي وجوب الزكاة فيه وجهان
وأما المرتد فلا يسقط عنه بالردة ما وجب عليه من الزكاة في حال إسلامه
وقال أبو حنيفة يسقط عنه
وأما إذا ما مضى عليه الحول في حال الردة فالزكاة فيه تبنى على ملكه وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه باق فتجب الزكاة فيه
والثاني أنه موقوف فتكون الزكاة موقوفة
والثالث أنه زائل وهو قول أبي حنيفة
وتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ويخرجهما الولي من مالهما
ويروى عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى
وقال الأوزاعي والثوري تجب الزكاة في ماله غير أن الولي لا يخرجهما حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون فيخرج
وقال أبو حنيفة لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ويجب العشر في زرعهما
فأما المال الموقوف للحمل بحكم الإرث إذا كان يبلغ نصابا وهو من جنس مال الزكاة هل يجري في الحول حتى تجب فيه الزكاة إذا انفصل فيه وجهان
أحدهما يجري في الحول
والثاني لا يجري في الحول حتى ينفصل وهو الصحيح
ومن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها فإن أخر إخراجها مع القدرة ضمنها ولا تسقط عنه بتلف المال وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة تسقط بتلف المال ولا تصير مضمونة عليه
وقال أكثر اصحابه إذا طالبه الإمام بها فلم يدفعها فهلك المال ضمنها
وقال أبو سهل الزجاجي من أصحابه لا يضمنها أيضا
ووجوب الزكاة عندنا على الفور وهو قول أبي الحسن الكرخي من أصحاب أبي حنيفة
وكان ابو بكر الرازي يقول إنها ليست على الفور
وإن امتنع من إخراج الزكاة بخلا أخذت منه وعزر
وقال في القديم يؤخذ شطر ماله معها
وقال ابو حنيفة يحبس حتى يؤدي الزكاة ولا يؤخذ من ماله قهرا وليس في المال حق سوى الزكاة
وقال مجاهد والشعبي يجب عليه إذا حصد الزرع أن يلقي شيئا من السنابل إلى المساكين وكذا إذا جد النخل يلقي إليهم شيئا من الشماريخ
باب صدقة المواشي
لا تجب الزكاة في غير الإبل والبقر والغنم من الماشية كالخيل والبغال والحمير وروي عن عمر وعلي وبه قال عطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة وزفر وحماد بن ابي سليمان تجب الزكاة في الخيل إذا كانت إناثا سائمة أو ذكورا وإناثا ويعتبر فيها الحول ولا يعتبر النصاب وهو بالخيار بين أن يخرج عن كل دينار فرس أوعشرة دراهم وبين أن يقومه ويخرج من كل مائتي درهم خمسة دراهم وإن كانت ذكورا منفردة ففي وجوب الزكاة فيها روايتان
ولا تجب الزكاة فيما تولد بين الظباء والغنم وبين بقر الوحش وبقر الأهل
وقال أبو حنيفة هو تابع للأم في الزكاة والأضحية ووجوب الجزاء فإن كانت الأمهات من الغنم وجب فيها الزكاة وأجزأته في الأضحية ولم يجب الجزاء على المحرم بقتله
وقال أحمد تجب الزكاة فيه بكل حال وتجب الزكاة عنده في بقر الوحش في إحدى الروايتين
وأما الماشية الموقوفة عليه فلا زكاة فيها إذا قلنا إن الملك ينتقل إلى الله تعالى في الوقف وإن قلنا ينتقل إلى الموقوف عليه ففي وجوب الزكاة فيه وجهان
أحدهما لا زكاة فيها
وأما المال المغصوب والضال إذا عاد إليه من غير نماء فهل يزكيه لما مضى
فيه قولان
قال في القديم يستأنف عليه الحول من حين عوده إليه ولازكاة فيه لما مضى وهو قول أبي حنيفة وأكثر أصحابه وإحدى الروايتين عن أحمد
وقال في الجديد يجب عليه إخراج الزكاة عنه لما مضى وهو قول زفر من أصحاب أبي حنيفة
وقال مالك إذا عاد إليه زكاة لحول واحد
وإن كان معه أربعون شاة فضلت واحدة منها انقطع الحول إذا قلنا لا تجب في الضال الزكاة وإن قلنا تجب لم ينقطع وإن عاد المال الضال إليه مع نمائه ففيه طريقان
وقال ابو العباس وابو إسحاق يزكيه لما مضى قولا واحدا
وقال أبو علي بن أبي هريرة وأبو علي الطبري هو أيضا على القولين وهو الأصح
وإن أبق العبد أو غصب ففي وجوب زكاة الفطر عنه طريقان
أحدهما أنه على القولين
والثاني تجب الزكاة فيه قولا واحدا
وإن وقع المال الضال في يد ملتقط ففر منه حولا ولم يتملكه وقلنا بالصحيح من المذهب أنه لا يملكه إلا باختيار التملك فهل تجب على مالكه الزكاة في هذا الحول فيه طريقان
أحدهما أنه على القولين كما لو لم يقع بيد ملتقط
والثاني لا يجب قولا واحدا
وإن كان عليه دين يستغرق النصاب أو ينقصه ففيه قولان
قال في القديم يمنع وجوب الزكاة فيه وهو قول أبي حنيفة وبه قال عطاء وطاوس
ولا يمنع وجوب العشر عند أبي حنيفة
وقال في الجديد لا يمنع وجوب الزكاة
وإن حجر عليه في المال فحال الحول عليه ففيه ثلاثة طرق
أحدها وهو الصحيح أنه على القولين واختاره القاضي أبو الطيب رحمه الله
والثاني ذكره أبو علي في الإفصاح أنه تجب الزكاة فيه قولا واحدا
والثالث وهو قول ابي إسحاق أنه إن كان المال ماشية وجبت الزكاة فيه وإن كان غير الماشية لم تجب
وعن أحمد في الأموال الظاهرة روايتان
وقال مالك الدين يمنع وجوب الزكاة في الذهب والفضة ولا يمنع في الماشية وإذا قلنا بقوله القديم فلا فرق بين ديون الله وبين ديون الآدميين في منع وجوب الزكاة وبين زكاة الأموال الظاهرة وبين زكاة الأموال الباطنة
وذكر البيهقي في كتابه أن الشافعي رحمه الله نص على الفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة والمذهب الأول
وقال ابو حنيفة ديون الآدميين تمنع وجوب الزكاة والزكاة تمنع وجوب الزكاة وديون الله كالكفارات لا تمنع وهو قول محمد
وقال زفر الزكاة لا تمنع وجوب الزكاة كالكفارة
وقال ابو يوسف إن كانت واجبة في العين منعت وجوب الزكاة وإن كانت واجبة في الذمة بأن استهلك النصاب لم يمنع ولا فرق بين أن يكون الدين من جنس مال الزكاة وبين أن يكون من غير جنسه
فإن كان لنه نصابان أحدهما من جنس الدين والآخر من غير جنسه فهل ينص عليهما فيه وجهان
أحدهما ينص عليهما فلا تجب الزكاة في واحد منهما
والثاني أنه ينصرف إلى جنس الدين ذكر ذلك القاضي حسين رحمه الله ويبني ذلك عليه إذا امتنع الغريم من قضاء دينه ووجد له مالا فهل له أخذه من دينه فيه وجهان
وذكر أن الأظهر في الغريم أن لا يأخذ وفي الدين أن ينص عليهما والجميع عندي ليس بصحيح بل يجب صرف الدين إلى جنسه وتجب الزكاة في النصاب الآخر كما لو كان له نصاب وعليه دين يستغرقه
وله عقار يفي بالدين فإنه لا يمنع وجوب الزكاة في النصاب ذكره الشيخ أبو نصر رحمه الله والبناء الذي ذكره فاسد فإن الوجهين هناك في مباشرة بيعه في حق نفسه فأما أخذه بدينه فلا يجوز وجها واحدا فإن لم يكن الدين من جنس واحد في النصابين
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله الذي يقتضيه المذهب أنه يراعى في ذلك حظ المساكين كما صرفناه عن مال الزكاة إلى غير مال الزكاة
وحكي عن أبي حنيفة أنه قال إذا كان عليه خمس من الإبل وله خمس من الإبل ومايتا درهم جعل الدين في الدراهم
فإن رفعه غرماؤه إلى الحاكم فجحدهم وحلف لعدم البنة فهل تجب الزكاة عليه فيه وجهان
أحدهما وهو قول كافة أصحابنا أن جحوده لا يؤثر فيكون على القولين مع بقاء الدين
والثاني أنه يصير في حكم من لا دين عليه فتجب الزكاة قولا واحدا
إذا قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بمائة فشفى الله تعالى مريضه قبل الحول لزمه الوفاء بما نذره وهل يمنع وجوب الزكاة على قوله القديم فيه وجهان
أصحهما أنه يمنع ذكر ذلك في الحاوي وذكر أيضا أنه إذا كان معه مايتا درهم فقال إن شفى الله تعالى مريضي فلله علي أن أتصدق بماية منها فشفى الله تعالى مريضه قبل تمام الحول فالحكم بالعكس من ذلك إن قلنا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة ففي هذا الدين وجهان
أحدهما أنه يمنع وجوب الزكاة
والثاني أنه لا يمنع وليس بشيء عندي
إذا كان له أربعون من الغنم فاستأجر لها راعيا بشاة موصوفة في الذمة ولم يكن له مال غير هذه الأغنام بني على القولين في الدين هل يمنع وجوب الزكاة
وإن كان له نخيل خمسة أوسق من الثمر فاستأجر رجلا يعمل عليها بثمرة واحدة منها بعينها قبل بدء الصلاح بشرط القطع فلم يقطع حتى بدا صلاحها بني ذلك على الخلطة في غير الماشية فعلى قوله الجديد يصحفإن كان له مايتا درهم فرهنها على مايتي درهم استقرضها من رجل ولم يكن له مال سوى المرهون والمال الذي اقترضه
فعلى قوله الجديد يجب عليه زكاة أربعماية
وعلى قوله القديم لا تجب إلا فيما فضل عن قدر الدين
ومن أصحابنا من قال إن قلنا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة ففي وجوب الزكاة في المرهون قولان بناء على الضال والمغصوب
ومنهم من قال تجب الزكاة قولا واحدا
وإن لم يكن في ملكه إلا المرهونة وقلنا إن الزكاة تتعلق بالعين تعلق الشركة أو تعلق أرش الجناية قدم على الدين وإن قلنا تعلق الرهن فقد ساوى دين الزكاة دين الرهن فيكون على الأقوال في ذلك
فصل
السوم شرط في وجوب الزكاة في الماشية وبه قال أبو حنيفة وأحمد وأبو ثور وقال مالك ومكحول تجب الزكاة في معلوفة الماشية ومستعملهاوحكي عن داود أنه قال تجب الزكاة في عوامل الإبل والبقر ومعلوفتها دون معلوفة الغنم فإن علفت الماشية في بعض الحول فإن كان ذلك في مدة يبقى الحيوان فيها من غير علف كاليوم واليومين لم يؤثر وإن كانفي مدة لا يبقى الحيوان فيها من غير علف انقطع الحول وقدر أبو إسحاق ذلك بثلاثة أيام
ومن أصحابنا من قال إنما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها ويفعله وإن كان مرة واحدة كما لو نوي صياغة الذهب وصاغه حليا مباحا
قال الشيخ ابو حامد وهذا ظاهر المذهب
وقال أبو حنيفة وأحمد يراعى السوم في أكثر الحول فإن كان الغالب السوم كانت سائمة وإن كان الغالب العلف كانت معلوفة وحكاه الشيخ أبو حامد عن بعض أصحابنا فإن كان عنده نصاب من السائمة فغصبها غاصب وعلفها ففيه طريقان
أحدهما أنه كالمغصوب الذي لم يعلفه فيكون على قولين
والثاني أنه لا زكاة فيه قولا واحدا وهو الأصح
وإن غصب نصابا من المعلوفة فقأسامه حولا كاملا ففيه طريقان أحدهما أنه بمنزلة السائمة المغصوبة على القولين
ومنهم من قال قولا واحدا لا تجب الزكاة
إذا ندت الماشية المعلوفة فرعت حولا فقد ذكر في وجوب الزكاة فيها وجهان
وشبه ذلك باسامة الغاصب
ثم قيل إذا قلنا تجب باسامة الغاصب الزكاة على المالك فأداها رجع بها على الغاصب وهل يؤثر الغاصب بالإخراج
ذكر القاضي حسين رحمه الله فيه وجهان ولا معنى للجميع في الرجوع على الغاصب والإخراج
فصل
ولا تجب الزكاة في النصاب حتى يحول عليه الحول من حين ملكهوحكي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا تجب الزكاة عليه حين ملكه ثم إذا حال الحول بعد ذلك زكاة مرة ثانية
وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا أخذ عطاءه زكاه
فإنه كان عنده نصاب فباعه أو بادله بجنسه أو بغير جنسه في أثناء الحول انقطع الحول فيه وكذا إذا بادل بعضه
وقال أبو حنيفة لا ينقطع الحول بالمبادلة في نصاب الذهب والفضة وينقطع في الماشية
وقال مالك إذا بادله بجنسه بنى على حوله وإن بادله بغيرجنسه ولكنه من جنس الحيوان الذي تجب فيه الزكاة ففيه روايتان
وإن بادل الحيوان بالأثمان انقطع الحول
وقال أحمد إذا بادله بجنسه من الحيوان بنى على حوله وإذا بادله بغير جنسه لا يبني ويبني حول الذهب على حول الفضة
فإن تلف بعض أصحاب النصاب أو أتلفه قبل تمام الحول انقطع الحول فيه وبه قال أبو حنيفة
وقال مالك وأحمد إذا قصد بإتلافه الفرار من الزكاة لم ينقطع الحول ووجبت عليه الزكاة عند تمامه
فإن مات في أثناء الحول ففيه قولان
أصحهما أن الحول ينقطع
والثاني أن الوارث بنى على حول الموروث
فإن كان عنده نصاب من الماشية فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ببيع أو هبة ما يبلغ به النصاب الثاني لم يضم إلى ما عنده في حوله بل يستأنف به الحول
وقال أبو حنيفة بضمه إلى ما عنده في جوابه وكذلك في غير الماشية
وقال مالك يضم في الماشية ولا يضم في الذهب والفضة ويضم المستفاد إلى ما عنده في النصاب
وفيه وجه آخر أنه لا يضم إليه أيضا في النصاب ويكون منفردا بنفسه حكاه ابن سريج
وفيه طريقة أخرى أن المستفاد لا يعد في الحال ولا يستأنف له الحول حتى يتم أصل المال ثم يستأنف الحول على الجميع والجميع فاسد
فإن كان المستفاد نصابا في نفسه ولكنه لا يبلغ النصاب الثاني ويتصور ذلك في صدقة الغنم بأن يكون عنده أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول واستفاد أربعين أخرى ففي الأربعين الأولى شاة إذا تم حولها وأما الأربعون المستفادة إذا تم حولها ففيها ثلاثة أوجه
أصحها أنه لا يجب فيها شيء
والثاني أنه يجب فيها نصف شاة
والثالث أنه يجب فيها شاة
فإن أدى الزكاة من الأربعين عند تمام حولها وقلنا أن الزكاة تجب في العين لم يجب في الزيادة شيء وجها واحدا
فأما إذا كان عنده ماشية فنتجت في أثناء الحول حتى بلغت النصاب الثاني فإنها تضم إلى الأمهات فتجب فيها الزكاة بحولها
وقال الحسن البصري النخعي لا تضم السخال إلى الأمهات في حولها بل يعتبر حولها بنفسها وهو قول داود
ولا تضم السخال إلى الأمهات حتى تكون الأمهات نصابا
وقال مالك تضم إليها وإن لم يكن نصابا إذا كملت السخال نصابا فتزكى بحول الأمهات وإن تماوتت الأمهات وبقيت السخال نصابا لم ينقطع الحول فيها وبه قال مالك
وقال ابو القاسم بن يسار الأنماطي إذا نقص نصاب الأمهات انقطع الحول في السخال
وقال أبو حنيفة إذا بقي من الكبار واحدة لم ينقطع الحول في السخال وإن لم يبق منها شيء انقطع الحول في السخال وعنده أن السخال المنفردة لا تنعقد عليها الحول حتى تصير جذاعا أو ثنايا
وعندنا يؤخذ من السخال الباقية سخلة عند تمام الحول وبه قال أبو يوسف
وقال مالك لا يؤخذ منها إلا الجذعة والثنية وهو إحدى الروايتين عن أحمد
وإن تماوتت الأمهات بعد تمام الحول وقبل إمكان الأداء وقلنا إن الإمكان شرط في الضمان وجب عليه أن يشتري كبيرة بقيمة واحدة من الصغار إذا بقيت الصغار نصابا كذا ذكر القاضي أبو الطيب
قال الشيخ ابو نصر ينبغي عندي أن تجب صغيرة على هذا القول كما تجب على القول الآخر فإن ملك رجل أربعين شاة في أول المحرم واربعين في أول صفر وأربعين في أول ربيع الأول وحال الحول على الجميع ففيه قولان
قال في القديم تجب في الجميع شاة في كل أربعين ثلثها
وعلى قوله الجديد في الأربعين الأولى شاة وفي الأربعين الثانية وجهان
أحدهما تجب فيها شاة
والثاني تجب فيها نصف شاة وأما الأربعون الثالثة ففيها وجهان
أحدهما يجب فيها شاة
والثاني يجب فيها ثلث شاة
والصحيح أن لا يجب فيما زاد على الأربعين شيء
فصل
إذا حال الحول على النصاب ففي إمكان الأداء قولانأحدهما وهو قوله القديم إنه شرط في الوجوب وهو قول مالك حتى أنه قال لو أتلف النصاب قبل الإمكان لم يضمن الزكاة إلا أن يقصد الفرار من الزكاة فتجب الزكاة على هذا القول بثلاث شروط النصاب والحول وإمكان الأداء
والقول الثاني إنه شرط في الضمان وهو قول أبي حنيفة
وقال أحمد إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء لم تسقط الزكاة
وصفة الإمكان أن يقدر على الدفع إلى الإمام أو نائبه أو المختصين في الأموال الباطنة وكذا الأموال الظاهرة إذا جوزنا أن يفرق بنفسه وعلى القول الآخر أن يقدر على الإمام أو نائبه
فإن كان عنده خمس من الإبل فهلك منها واحدة بعد الحول وقبل التمكن من الأداء وقلنا بقوله القديم لم يجب عليه شيء وإن قلنا بالجديد سقط عنه خمس شاة
فإن كان عنده ماشية فتوالدت بعد تمام الحول وقبل الإمكان ففيه طريقان
أحدهما أنه يبني على القولين فإن قلنا بقوله القديم ضمت السخال إلى الأمهات وهو قول مالك
وإن قلنا بالجديد استأنف الحول عليها
والطريق الثاني أنها على قولين من غير بناء على القولين
أحدهما يضم
والثاني لا يضم وهو الصحيح
وهل تجب الزكاة في الذمة أو في العين فيه قولان
قال في القديم تجب في الذمة وجزء من المال مرتهن بها
وقال في الجديد وهو الأظهر إنها استحقاق جزء من المال فيملك أهل السهمان قدر الفرض من المال غير أن له أن يؤدي من غيره وهو قول مالك
وذكر في الحاوي على قوله الجديد في كيفية وجوب الزكاة في العين قولين
أحدهما وجوب استحقاق ملك وشركة
والثاني وجوب مراعي لا وجوب ملك كتعلق أرش الجناية بالرقبة وهذا ليس بمعروف على المذهب
وقال أبو حنيفة تتعلق الزكاة بالعين كتعلق أرش الجناية بالرقبة الجانية ولا يزول ملكه عن شيء من المال إلا بالدفع إلى المستحق وهو إحدى الروايتين عن أحمد
ومذهب أبي حنيفة يخالف القولين جميعا لأنها لا تجب عنده في الذمة ولا يزول بها ملكه عن شيء من المال
باب صفة الإبل
تجب في كل خمس من الإبل شاة إلى أربع وعشرين فإذا صارت خمسا وعشرين وجبت فيها بنت مخاض
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال في خمس وعشرين خمس شياة فإذا صارت ستا وعشرين وجبت فيها بنت مخاض
وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعيون حقة وفي إحدى وستين جذعة وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين ثم تستقر الفريضة بالزيادة على ذلك فيجب في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون فإذا زادت واحدة وجب فيها ثلاثه بنات لبون
وروي نحو قولنا عن الأوزاعي وأبي ثور ورواه الخرقي عن أحمد
وقال مالك وأحمد لا يتغير الفرض بالزيادة على مائة وعشرين حتى يبلغ عشرا فيجب فيها حقه وبنتا لبون
وعن مالك رواية أخرى أن الفرض يتغير بزيادة الواحد إلى تخيير الساعي بين الحقتين وبين ثلاث بنات لبون
وقال أبو حنيفة والثوري والنخعي إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة في خمس شاة إلى عشرين فيجب فيها أربع شياة فإذا بلغت خمسة وأربعين وجبت فيها حقتان وبنت مخاض وإذا بلغت مائة وخمسين وجب منها ثلاث حقاق وعلى هذا يستأنف الفريضة حتى تبلغ إلى الخمسين فيرجع إلى الحقاق
وقال ابن جرير الطبري يتخير بين مذهبنا ومذهب أبي حنيفة
فإن كانت الزيادة على مائة وعشرين أقل من واحد فهل يتغير الفرض فيه وجهان
أحدهما لا يتغير
وقال أبو سعيد الإصطخري يتغير الفرض فجيب ثلاث بنات لبون
وبنت مخاض وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية وبنت لبون هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة والحقة هي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة والجذعة هي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسةوروي في كتاب الصدقة فمن سألها على وجهها فليعطه ومن سأل فوقها فلا يعطه
فمن أصحابنا من قال أراد أنه لا يعطي شيئا بحال
ومنهم من قال يعطي قدر الفرض ولا يعطي ما طلب من الزيادة وهو الأصح وهذا إذا كان طلبه للزيادة بغير تأويل
وفي الوقص وهو ما بين النصابين قولان
أظهرهما تعلق الفرض بالنصاب دون ما زاد عليه وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني
والقول الثاني أن فرض النصاب يتعلق به وبما زاد عليه إذا تم الحول وهو قول محمد بن الحسن
وإذا ملك تسعا من الإبل فحال عليها الحول فهلك منها أربع قبل التمكن فإن قلنا بالأول لم يسقط من الفرض شيء وإن قلنا بالثاني سقط من الفرض أربعة اتساعه فيجب عليه خمسة أتساع شاة
ومن أصحابنا من قال لا يسقط بهلاكه شيء حكاه القاضي أبو الطيب رحمه الله عن أبي إسحاق المروزي
فإن كان عنده خمس وعشرون من الإبل فتلف منها خمسة بعد الحول وقبل التمكن فإن قلنا إن الإمكان من شرائط الوجوب وجب عليه أربع شياة وإن قلنا أنه من شروط الضمان وجب عليه أربعة أخماس بنت مخاض وبه قال أبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة يجب عليه أربع شياة وجعل التالف كأنه لم يكن
وروى عنه محمد في الجامع فيمن كان معه أربعون من الإبل فتلف منها عشرون أنه يجب أربع شياة
وروى أبو يوسف في الأمالي عنه أنه إذا كان معه مائة وإحدى وعشرون شاة فتلف منها إحدى وثمانون شاة أنه يجب عليه أربعون جزءا من مائة وإحدى وعشرون جزءا من شاتين وهذا خلاف الذي قبله
فصل
ومن ملك دون خمس وعشرين من الإبل فالواجب عليه الغنم فإن أخرج بعيرا أجزأه وإن كان قيمته دون قيمة شاة وهل يكون جميعه واجبا فيه وجهانأحدهما ان جميعه واجب
والثاني أن الواجب بقسطه من النصاب وكذا الوجهان في المتمتع وجب عليه شاة فنحر بدنه
أحدهما أن جميعها واجب
والثاني أن سبعها واجب
قال الشيخ أبو نصر إلا أنه في البدنة يجزئه أن يخرج سبع بدنه فيجوز أن يقال سبعها واجب ولا يجوز أن يخرج في الزكاة بعض البعير مكان الشاة
حكي القاضي حسين رحمه الله وجها عن أبي العباس بن سريج أنه إذا كان قيمة البعير دون قيمة شاة لم يجز وذكر أنه قيل إن الشافعي رحمه الله بناه على أصل وهو أن الشاة في خمس من الإبل أصل أو بدل وهذا فاسد بل الشاة أصل
وقال داود ومالك لا يقبل بغير مكان الشاة بحال
ولا يقبل منه دون الجدع من الضأن والثنية من المعز من غالب غنم البلد ويخير بين الضأن والمعز
وحكي عن مالك أنه قال يعتبر في الضأن والمعز الغالب أيضا فإن كان الغالب الضأن لم يجز المعز وإن كان الغالب المعز لم يجز الضأن وحكي ذلك عن بعض أصحابنا
وهل يجزىء الذكر فيه وجهان
أحدهما أنه لا يجزئه
وقال أبو إسحاق يجزئه
وإن كانت الإبل مراضا ففي شاتها وجهان
أظهرهما أنه لا يجزىء إلا ما يجزىء في الصحاح
وقال أبو علي بن خيران يجب شاة بالقسط فيقوم الإبل الصحاح والشاة الواجبة فيها وتقوم المراض فتجب صحيحه بالقسط
ذكر الشيخ أبو نصر رحمه الله أنه إذا كانت الإبل سمانا كراما كانت الشاة كذلك وإن كانت الإبل لياما كانت الشاة كذلك
قال الشيخ الإمام وعندي أنه يجب أن يكون ذلك على أحد الوجهين في أخذ المريضة من المراض لأن اللوم نقص
فإن وجبت عليه بنت مخاض فأعطى بنت لبون أو حقه من غير طلب جبران قبل منه
وقال داود لا يقبل منه ذلك وإنما يؤخذ المنصوص عليه خاصة فإن وجبت عليه جذعة وحقه فأعطى بنتي لبون قبل منه على الصحيح من المذهب
وقيل لا يجزىء
فإن وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده وعنده ابن لبون قبل منه فإن لم يكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فهو بالخيار إن شاء اشترى بنت مخاض وإن شاء اشترى ابن لبون
وقال مالك يلزمه أن يشتري بنت مخاض وحكاه الخراسانيون وجها لأصحابنا
فإن كانت عنده بنت مخاض لم يؤخذ منه ابن لبون
وقال أبو حنيفة تؤخذ بالقيمة
فإن كانت إبله مهازيل أو لياما وفيها بنت مخاض سمينة كريمة لم يلزمه دفعها ويشتري بنت مخاض ولا يجوز أن ينتقل إلى ابن لبون
وقيل يجوز له الانتقال إليه وهو المنصوص عليه
فإن كانت عنده بنت مخاض لا تجزىء عن إبله كالمعيية جاز له الانتقال إلى ابن لبون
وذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه إذا كانت إبله لياما وفيهما بنت مخاض كريمه لم يجز له الانتقال إلى ابن لبون وجها واحدا وإن كانت الإبل كراما وفيها بنت مخاض لييمه ففي جواز الانتقال إلى ابن لبون وجهان والصحيح الأول
وإن لم يكن عنده بنت مخاض وعنده ابن لبون وبنت لبون فبذل بنت لبون مع أخذ الجبران لم يجز
وقيل يجوز وليس بصحيح
فصل
وإن وجهت عليه سن وليست عنده وعنده دونها بسنة من سن الصدقة فإنه يؤخذ منه مع شاتين أو عشرين درهما وإن كانتعنده ما فوقه بسنة أخذ منه ودفع إليه شاتان أو عشرون درهما جبرانا لما بين السنينوحكي عن سفيان أنه قال الجبران بين السنين شاتان أو عشرة دراهم وإن وجبت عليه بنت مخاض وليس عنده وعنده جذعة فإنها تؤخذ منه وتدفع إليه ثلاث جبرانات وكذلك إذا وجبت عليه جذعة وليست عنده وعنده بنت مخاض وليس عنده غيرها فأعطى معها ثلاث جبرانات قبل منه
ومن الناس من قال لا يقبل الجبران إلا لسنة واحدة واختاره ابن المنذر رضي الله عنه
وإن لم يكن عنده السن الذي يجب عليه وعنده ما فوقه بسنة وما فوقه بسنتين فأراد أن ينتقل إلى الأبعد مع جبرانين ويترك الأقرب مع جبران واحد لم يجز في أظهر الوجهين
وإن وجبت عليه حقه او جذعة فأعطى مكانها بنتي لبون أو حقتين أجزأه
وقيل لا يجزئه
والخيار في الشاتين والعشرين درهما إلى من يعطي ذلك والخيار في الصعود والنزول عند عدم الفرض مع الجبران إلى الساعي على المنصوص
وقيل بل الخيار إلى رب المال
فصل
إذا اتفق نصاب فرضين في مال واحد وذلك في مائتين من الإبل فيها نصاب أربع حقاق ونصاب خمس بنات ففي الواجب فيها طريقانأحدهما أنه يجب الحقاق قولا واحدا
والثاني فيه قولان
أحدهما أنه يجب أربع حقاق
والثاني وهو الأصح أنه يجب أحد الفرضين ويتخير الساعي بينهما على المذهب كما قلنا في الصعود والنزول فإن أخذ الساعي الصنف الأدنى من الفرضين والحظ في الآخر
قال الشافعي رحمه الله كان عليه أن يخرج الفضل
فمن أصحابنا من قال أراد به قوله على الجديد إذا لم يكن هناك تفريط من واحد منهما بأن أحضر له الفرضين فاجتهد الساعي في أخذ أحدهما وأخطأ فإنه يخرج التفاوت بين الصنفين وإن كان بتفريط من الساعي بأن لم يجتهد أو لم يحضر له رب المال الفرضين وجب رد المأخوذ إن كان باقيا ورد بدله إن كان تالفا ويأخذ الصنف الآخر
وقال أبو إسحاق من أصحابنا من قال يجزئه المأخوذ بكل حال ويخرج الفضل
وقيل إن كان المأخوذ باقيا رده وأخذ الأحظ وإن كان تالفا أجزأه وأخرج رب المال الفضل والأول أصح وهل يكون إخراج الفضل واجبا فيه وجهان
أحدهما أنه واجب وهو ظاهر كلام الشافعي رحمه الله فإن كان يمكن أن يشترى به جزء من حيوان فهل يجب ذلك فيه وجهان
أظهراهما أنه لا يجب ويتصدق به قال الشافعي رحمه الله فيما نقل المزني أخذ الذي وجد ولا تفرق الفريضة ونقل الربيع عن الأم ولا يفارق الفريضة
فمن أصحابنا من قال الصحيح ما نقله الربيع أنه لا يترك الفريضة ويعدل إلى غيرها لأن تفريق الفريضة جائز بأن يعطي أربع بنات لبون وحقة وهو قول أبي علي بن خيران
ومنهم من قال الجميع صحيح
ومعنى كلام المزني إذا أعطاه أربع بنات لبون وحقه وطلب الجبران والفرض الكامل موجود لم يجز تفريق الفريضة
فإن كانت عنده ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فأعطى حقه وثلاث بنات لبون مع كل بنت لبون جبرانا لم يقبل منه في أصح الوجهين فإن كانت الإبل أربع مائة وجب فيها ثمان حقاق أو عشر بنات لبون فإن أراد أن يعطي خمس بنات لبون وأربع حقاق قبل منه
وقال أبو سعيد الإصطخري لا يقبل منه
باب صدقة البقر
أول نصاب البقر ثلاثون وفيه تبيع وهو الذي له سنة ودخل في الثانية وفي أربعين مسنة وهي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة وتستقر الفريضة على هذا في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله من أصحابنا من غلط فقال إنما تستقر فريضة البقر إذا بلغت ستين وليس بصحيح بل تجب مستقرة من الابتداء ولا شيء فيما دون الثلاثين من البقر
وحكي عن سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا تجب في كل خمس من البقر شاة إلى ثلاثين كما يجب في الإبل
وحكي في الحاوي عن أبي قلابة أن نصبها كنصب الإبل إلىعشرين فيجب أربع شياه ثم لا يجب في زيادتها شيء حتى يبلغ ثلاثين
وعن أبي حنيفة فيما زاد على أربعين من البقر ثلاث روايات
إحداهما مثل قولنا وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد
والثانية هي رواية الأصل عندهم أنه يجب فيما زاد على الأربعين بحسابه في كل بقرة ربع عشر مسنة
والرواية الثالثة رواها الحسن بن زياد أنه لا شيء في الزيادة حتى يبلغ عشرا فيجب فيها مسنة وربع مسنة وعلى هذا قول أحمد
باب صدقة الغنم
أول نصاب الغنم أربعون وفيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة وجب فيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة ثم تستقر الفريضة بعد ذلك في كل مائة شاة شاة فيجب في أربع مائة أربع شياة
وحكي عن الحسن والنخعي أنهما قالا في ثلاثمائة أربع شياة وفي أربع مائة خمس شياة وعلى هذا
والشاة الواجبة هي الجذعة من الضأن أو الثنية من المعز وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة ولا يجزىء من الضأن أيضا إلا الثنية أو الثني وهي التي لها سنتان
وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة نحو قولنا
وقال مالك تجزىء الجذعة من الضأن والمعز وهي التي لها سنة كما تجزىء الثنية
فإن كانت الأغنام متساوية السن مختلفة الصفة أخذ الساعي الأحظ لأهل السهمان
وقال أبو إسحاق يأخذ الوسط
فإن كانت مراضا لم يكلف عنها صحيحة
وقال مالك لا تقبل منه إلا الصحيحة فإن كان بعضها مراضا أخذ منها صحيحة بالقسط
وحكي القاضي حسين رحمه الله أنه إذا وجب عليه فرضان في نصاب وأحدهما مريض والآخر صحيح وجهين
أحدهما أنه يقبل منه صحيح ومريض وليس بصحيح بل يطالب بصحيح آخر بالقسط
قال الشافعي رحمه الله ويأخذ خير المعيب نقله المزني رحمه الله ولا يختلف أصحابنا أنه إذا كان الجميع معيبا أنه لا يأخذ خيره
فمن أصحابنا من قال أراد به إذا كان في المال فرضان كمائتين من الإبل فيأخذ خير الفرضين
وقيل أراد به إذا خيره رب المال
وقيل أراد بالخير الوسط
وقيل على هذا الوجه يؤخذ الوسط في العيب
وذكر في الحاوي الوسط في القيمة
وإن كانت الماشية صغارا فإن كانت من الغنم أخذ منها صغيره
وقال مالك لا يؤخذ منها إلا كبيرة
وإن كانت من الإبل والبقر ففيه وجهان
إحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه يؤخذ منه كبيرة بالقسط فيقوم النصاب من الكبار فيقال يساوي ماية والفرض الذي يجب فيه يقال يساوي عشرة والنصاب من الصغار يساوي خمسين فيقال له أخرج كبيرة تساوي خمسة
وقيل إن كان مما يتغير الفرض فيه بالسن وجب المنصوص عليه وإن كان مما يتغير الفرض فيه بالعدد وجبت صغيرة والأول أصح
وذكر الشيخ أبو حامد رحمه الله وجها آخر أنه يؤخذ صغيره من الصغار بكل حال كما يؤخذ من الغنم وليس بشيء
وإن كانت الماشية أو إناثا وذكورا لم يجز فيها إلا الأنثى إلا في خمس وعشرين من الإبل فإنه يجزىء فيها ابن لبون وفي ثلاثين من البقر فإنه يجزىء فيها تبيع
وقال أبو حنيفة يجزىء في الغنم الذكر بكل حال
وإن كانت ذكورا فإن كانت من الغنم وجب فيها ذكر وإن كانت من الإبل أو من الأربعين من البقر ففيه وجهان
أحدهما قال أبو إسحاق يؤخذ أنثى بالقسط فيقوم النصاب من الإناث والفرض الذي فيه والنصاب من الذكور ويجب أنثى بالقسط بحسب التفاوت
وقال أبو علي بن خيران يؤخذ الذكور غير أنه يؤخذ من ست وثلاثين من الإبل الذكور ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ في خمس وعشرين مكان بنت مخاض وهو قول مالك
وإن كانت الماشية أنواعا مختلفة كالضأن والمعز والجواميس والبقر والبخاتي والعراب ففيه قولان
أظهرهما أنه يؤخذ من كل نوع بقسطه باعتبار القيمة فإذا كان عنده عشرون من الضأن وعشرون من المعز قوم الضأن فيقال
يساوي مائة والواحدة منها يساوي عشرة والمعز تساوي خمسين فيعطى شاة تساوي سبعة ونصف جذعة من الضأن أو ثنية من المعز من أي النوعين شاة شاء
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله والذي يقتضيه المذهب أن يأخذ ذلك من أعلى النوعين ولكن بالحصة كما قلنا في الصحاح والمراض إنه يأخذ صحيحه بالقسط
والوجه الثاني أنه يأخذ من الغالب فإن استويا أخذ من أيهما شاء بحكم الأحظ كذا ذكر أبو إسحاق
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله ويجب أن يسقط هذا القول عند تساوي الأصناف
ذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا كان عنده نصاب من الضأن فأراد أن يخرج عنه من المعز أو نصاب من المعز فأراد أن يخرج عنه من الضأن ففيه وجهان
أحدهما يجوز
والثاني أنه لا يجوز أن يخرج الضأن عن المعزولا يخرج المعز عن الضأن فإن أخرج ثنية من الضأن عن المعز أجزأه وإن أخرج جذعه من الضأن عن ثنية من المعز ففيه وجهان
أحدهما يجوز
فإن كان له عشرون من الغنم في بلد وعشرون في بلد آخر وجب عليه فيهما شاة
وقال أحمد إن كان البلدان متباعدين لم يجب عليه فيهما شيء
وقال أيضا إذا كان له في كل واحد من البلدين أربعون شاة وجب عليه شاتان
فصل
قال الشافعي رحمه الله والإبل التي فريضتها الغنم فيها قولانأحدهما أن الشاة التي فيهما في رقابها يباع منها بعير فيؤخذ منها إن لم يأت بها
والثاني أن في خمس من الإبل حال عليها الحول ثلاثة أحوال ثلاث شياة في كل حول شاة وهذا الذي ذكره مبني على أن الزكاة تتعلق بالذمة أو بالعين
فإن قلنا إنها تجب في الذمة وإن الدين لا يمنع وجوب الزكاة وجب عليه في كل حول شاة إذا لم يكن له مال سوى الإبل
وإن قلنا إن الذين يمنع وجوب الزكاة وجبت عليه شاة في العام الأول دون ما بعده
وإن قلنا إن الزكاة تتعلق بالعين فقد نص الشافعي رحمه الله في الجديد على قولين في ذلك
أحدهما أنه باستحقاق المساكين للشاة بسبب الخمس من الإبل يزول ملكه عن جزء من الإبل فلا يجب فيها بعد الحول شيء آخر
والقول الثاني أنه يجب عليه فيه ثلاث شياة ويجعل ذلك وجوبا في ذمته أو متعلقا بالمال تعلق الدين بالرهن
باب صدقة الخلطاء
للخلطة تأثير في الزكاة وهو أنه يجعل مال الرجلين والجماعة بمنزلة مال الرجل الواحد في وجوب الزكاة وسقوطها بشرط أن يكونا من أهل الزكاة ويبلغ المال المختلط نصابا وأن يمضي عليه حول كامل وأنلا يتميز أحدهما عن الآخر في المراح والمسرح والمشرب والراعي والمحلب والفحل
وفي اشتراط نية الخلطة وجهان وبقولنا قال أحمد وظاهر كلام الشافعي رحمه الله في الأم
إن إطلاق الخلطة يتناول خلطة الأعيان وخلطة الأوصاف
ونص في القديم على ان إطلاق الخلطة ينصرف إلى خلطة الأوصاف والصحيح هو الأول
وذكر في الحاوي أن خلطة الأوصاف تسمى خلطة لغة وشرعا وخلطة الأعيان تسمى خلطة شرعا لا لغة
وقال مالك إنما تؤثر الخلطة إذا كان مال كل واحد منهما يبلغ نصابا
وقال أبو حنيفة الخلطة لا تؤثر في الزكاة بحال ويزكيان زكاة الانفراد واختلف أصحاب مالك في شرط الخلطة
فمنهم من قال يراعى الاختلاط في شرطين من هذه الشروط 3 ومنهم من قال يراعى الرعي والراعي
ومنهم من قال يكفي الاتفاق في الراعي
ولا يختلف أصحابنا في اعتبار الحلاب واختلفوا ما هو فظاهر ما نقله المزني وعليه عامة أصحابنا أن يحلب لبن أحدهما على الآخر وقال أبو إسحاق أن يكون الحالب واحدا
وذكر في الحاوي أن يكون مكان الحلب واحد
فأما إذا ثبت لكل واحد منهما حكم الانفراد بالحول في بعضه ثم خلط المالين فإن اتفق حولهما ففيه قولان
قال في القديم يبنى حول الخلطة على حول الانفراد فيزكيان زكاة الخلطة عند تمام الحول
وقال في الجديد لا يبنى حول الخلطة على حول الانفراد فيزكي كلواحد منهما زكاة الانفراد عند تمام الحول فأما في الحول الثاني وما بعده فيزكيان زكاة الخلطة
وقال أبو العباس بن سريج يزكيان زكاة الانفراد بالحول دون الاخر بأن ملك أحدهما أربعين شاة في أول المحرم وملك الآخر أربعين شاة في أول صفر وخلطاهما ثم باع الثاني الأربعين التي ملكها فختلطة من آخر فإن الأول قد ثبت له حكم الانفراد والمشتري من الخليط لم يثبت له حكم الانفراد
فعلى قوله القديم يجب على كل واحد منهما عند تمام حوله نصف شاة وعلى قوله الجديد يجب على الأول عند تمام حوله شاة
وفي الثاني وجهان
أحدهما أنه يجب عليه ايضا شاة
والثاني أنه يجب عليه نصف شاة وهو الأصح
فأما إذا ملك رجل أربعين شاة ومضى عليها نصف الحول فباع نصفها مشاعا فإذا تم حول البائع وجب عليه نصف شاة
وقال أبو علي بن خيران يبنى ذلك على القولين
فعلى قوله القديم يجب على الأول نصف شاة
وعلى قوله الجديد ينقطع حول البائع فيما بقي على ملكه فيستأنف فيه الحول وهذا غلط لأن قول الشافعي رحمه الله لا يختلف أن حول الخلطة يبنى على حول الانفراد وإنما القولان في قدر الزكاة هل يعتبر بحول الانفراد أو بحول الخلطة
فأما المشتري فإنه إذا تم حوله من حين الشراء وجب عليه نصف شاة
إذا قلنا إن الزكاة تجب في الذمة وإن الدين لا يمنع وجوب الزكاة
وإن قلنا إن الزكاة تجب في العين لم يجب عليه شيء لنقصان النصاب بما وجب على البائع من نصف الشاة
وقال أبو إسحاق فيه قول آخر أنه يجب عليه الزكاة لأنه إذا أخرجها من غيره ثبت أن ملكه لم يزل وهذا فاسد
فأما إذا باع منها عشرين معينة وسلمها من غير تفريق بسوق الجميع لم ينقطع الحول
وقيل ينقطع وليس بشيء
فإن ملك رجل اربعين من الغنم وملك آخر أربعين من الغنم وحولهمامتفق فباع كل واحد منهما نصف غنمه بنصف غنم الآخر انقطع حولهما فيما تبايعاه قولا واحدا ولا ينقطع فيما لم يتبايعاه على طريقة أبي إسحاق وعامة أصحابنا وهي الصحيحة وعلى قول ابن خيران فيه قولان
فإذا قلنا لا ينقطع فجيب عند تمام الحول على قوله القديم نصف شاة بحكم الخلطة على كل واحد منهما ربع شاة وعلى قوله الجديد يجب فيها شاة بحكم الانفراد على كل واحد منهما نصفها وأما الذي تبايعاه إذا تم حوله وجعلنا الحكم للخلطة وجب فيه نصف شاة على الخليطين وإن جعلنا الحكم للانفراد فيما لم يتبايعاه فالذي يتبايعاه عند تمام حوله يبني على من ملك أربعين في المحرم ثم ملك أربعين في صفر فأخرج زكاة الأول عند تمام حوله هل تجب في الباقي إذا تم حوله الزكاة فيه وجهان
أحدهما لا تجب فلا تجب ها هنا فيما تبايعاه شيء
وإن قلنا الزكاة تجب في الزائد على النصاب وجبت فيما تبايعاه في مسألتنا عند تمام حوله وفي قدرها وجهان
أحدهما شاة
والثاني نصف شاة
إذا كان لرجلين أربعون من الغنم مختلطة لكل واحد عشرون ولأحدهما أربعون منفردة وتم الحول ففيه أربعة أوجه احدهما وهو المنصوص عليه واختاره القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه تجب شاة ربعها على صاحب العشرين والباقي على صاحب الستين
والثاني أنه يجب على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة
والثالث أنه يجب على صاحب العشرين نصف شاة وعلى صاحب الستين شاة
والرابع أنه يجب على صاحب الستين شاة إلا نصف سدس شاة ثلثا شاة بسبب الأربعين المنفردة وربع شاة بسبب العشرين المختلطةوعلى صاحب العشرين نصف شاة وأقل عدد له ثلثان وربع اثنا عشر وليس بصحيح
ويتفرع على ما ذكرناه إذا كان له ستون من الغنم فخالطه بكل عشرين منها رجلا له عشرون ففيه ثلاثة أوجه
فعلى منصوص الشافعي رحمه الله في المسألة المتقدمة يضم الغنم بعضها إلى بعض فيجب فيها شاة على صاحب الستين نصفها وعلى الخلطاء الثلاثة نصفها على كل واحد منهم سدس شاة
وعلى قول القائل الثاني هناك تجب ها هنا على صاحب الستين نصف شاة وعلى كل واحد من الخلطاء نصف شاة
وعلى الوجه الرابع يجب على صاحب الستين ها هنا ثلاثة أرباع شاة وعلى كل واحد من الخلطاء نصف شاة
ولا يجيء ها هنا الوجه الثالث لأن صاحب الستين ليس له غنم منفردة فيجب عليه باعتبارها شاة
وحكى القاضي حسين رحمه الله وجها آخر أنه يجب على صاحب الستين شاة ونصف وهذا في غاية الفساد
ذكر ابن الحداد إذا كان لرجل أربعون شاة فخالط بعشرين منها أربعون لرجل وبعشرين أربعين لآخر فإنه يجب على كل واحد من خليطيه ثلثا شاة وعلى صاحب الأربعين ثلث شاة على طريقة أبي على بن أبي هريرة وعلى ما حكيناه من منصوص الشافعي رحمه الله يجب عليهم شاة على كل واحد منهم ثلثها
وحكى فيه وجه آخر أنه يجب على كل واحد ثلثا شاة فيكون في كل ستين شاة وهو وجه بعيد
ذكر عن ابن الحداد أيضا رجل معه عشر من الإبل فخالط بخمس منها خمسة عشر لرجل وبالخمس الأخرى خمسة عشر لآخر فقال يجب على صاحب العشرة ربع بنت مخاض وعلى كل واحد من خليطيه ثلاث شياة وهذا على طريقته المتقدمة
وعلى ما حكيناه عن الشافعي رحمه الله يجب على الكل بنت لبون على صاحب العشرة ربعها وعلى الخليطين ثلاثة أربعاعها
وقيل لا يمكن ضم مال أحدهما إلى الآخر وإنما يضم ماله إلى أحد خليطيه والمسألة التي ذكرها الشافعي رحمه الله ليس فيها ضم مال أحد الخليطين إلى الآخر
فصل
وأما أخذ الزكاة من مال الخلطة ففيه وجهانأحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه وجد ما يجب على كل واحد منهما في ماله أخذه منه ولم يأخذه من مال الآخر وإن لم يجب الفرض إلا في مال أحدهما أخذه ورجع المأخوذ من نصيبه على صاحبه بقسط فرضه
وقال أبو علي بن أبي هريرة له أن يأخذ من أي المالين شاء ما يجب عليهما سواء وجده في نصيب أحدهما أو في نصيبهما وهو ظاهر كلام الشافعي رحمه الله فإن أخذ الساعي من أحدهما أكثر من الفرض بتأويل بأن أخذ كبيرة من الصغار أو صحيحة من المراض على قول مالك فإنه يرجع عليه بنصف ما أخذ منه وإن أخذ منه قيمة الفرض ففيه وجهان
أصحهما أنه يرجع
والثاني لا يرجع
وفي الخلطة في غير المواشي من الأثمان والحبوب والثمار قولان
قال في القديم لا تأثير لها وبه قال مالك
وقال في الجديد يؤثر فيها فعل هذا خلطة الشركة صحيحة فيها وفي خلطة الأوصاف وجهان
باب زكاة الثمار
تجب الزكاة في ثمرة الكرم والنخيل دون غيرهما من الثمار وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة العشر يجب في جميع الثمار
وقال أبو يوسف ومحمد يجب في سائر الثمار الباقية
وقال أحمد يجب في سائر الثمار التي تكال حتى أوجبها في اللوز وأسقطها في الجوز ولا يجب في الزيتون في قوله الجديد ويجب فيالقديم وبه قال مالك فإن كان مما يقصد زيته فإن شاء أخرج عشره زيتونا وإن شاء زيتا
وذكر في الحاوي قولين
أحدهما أنه يعتبر أن يبلغ خمسة أوسق زيتا فعلى هذا يخرج عشره زيتا
والثاني يعتبر خمسة أوسق زيتونا
والشيخ أبو نصر رحمه الله ذكر أنه يخرج زيتونا وحكم الورس في ذلك حكم الزيتون قال الشافعي رحمه الله ومن قال لا عشر في الورس لم يوجب في الزعفران ومن قال يجب في الورس يحتمل أن يوجب في الزعفران ويحتمل أن لا يوجب
وقال في القديم يجب في العسل العشر
وقال في الجديد لا عشر فيه
وقال أبو حنيفة إذا كان في غير أرض الخراج وجب فيه العشر وهو قول أحمد فيجب عنده بكل حال
وقال في القديم يجب العشر في حب القرطم إن صح فيه حديث أبي بكر رضي الله عنه
وقال في الجديد لا يجب
ولا يجب العشر في الثمرة حتى تبلغ نصابا وهو خمسة أوسق
وقال أبو حنيفة من الفقهاء وحده يجب العشر في قليل ذلك وكثيره وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد
والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث فيكون الجميع ألف وستمائة رطل بالبغدادي وهل ذلك تقريب أو تحديد فيه وجهان
وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض وإن كان بينهما زمان هذا نص الشافعي رحمه الله في الأم 2
وذكر في الحاوي أنه إذا أطلع النجدي وقد جد التهامي لم يضم إليه وإن أطلع النجدي قبل بدو الصلاح في التهامي ضم إليه وإن أطلع بعد بدو الصلاح في التهامي وقبل جداده ففيه وجهان
أحدهما لا يضم وهو قول ابي إسحاق
وقيل إنه إذا بدا الصلاح في النجدي وقد جد التهامي لم يضم إليه وإن كان قبل أن يجد ضم إليه
وقيل إنه إن أطلع النجدي قبل أوان جداد التهامي ضم إليه وإن أطلع بعد أوان جداده لم يضم إليه
فإن كانت الثمرة رطبا لا يجيء منها ثمرا أو عنبا لا يجيء منه زبيب ففيه وجهان
أحدهما أنه يعتبر نصابه بنفسه إذا جف
والثاني يعتبر بغيره
وذكر في الحاوي وجها آخر أنه يعتبر نصابه رطبا
والواجب فيما سقي بغير مؤونة ثقيلة العشر وفيما سقي بمؤونة ثقيلة نصف العشر
فإن سقي نصفه بالسيح ونصفه بالنضح ففيه ثلاثة أرباع العشر وإن سقي بأحدهما أكثر ففيه قولان
أحدهما أنه يعتبر الغالب
والثاني أنه يعتبر عدد السقيات فيسقط عليها فإن جهل القدر جعل بينهما نصفين
وذكر في الحاوي أنه يجب زيادة على نصف العشر وإن قل
ويتوقف فيما زاد وليس بشيء فإن أراد بيع الثمار قبل بدو الصلاح لحاجة لم يكره وإن كان للفرار من الزكاة كره ومنع وجوب الزكاة
وعند مالك أنه يحرم ولا تسقط الزكاة
فإن باع بعد بدو الصلاح ففي البيع في قدر الفرض القولان
أحدهما أنه يبطل وهل يبطل فيما زاد عليه يبنى على القولين في تفريق الصفقة وإذا قلنا يصح البيع فبماذا يمسكه فيه قولان
أصحهما أنه يمسكه بحصته من الثمن
وقال مالك البيع صحيح والزكاة على البائع
ومن أصحابه من قال يؤخذ من المشتري ويرجع بها على البائع
وقال أبو حنيفة يصح البيع في الجميع وهو قول أحمد
فإن اشترى ثمرة ولم يبد صلاحها بشرط القطع فلم يقطعها حتى بدا صلاحها فإن اتفقا على التبقية إلى أوان الجداد أخذت الزكاة منها
وذكر الشيخ أبو حامد في التعليق أن أبا إسحاق قال فيه قولا آخر إنه يفسخ البيع وهذا ليس بشيء
وإن اختلفا فطلب البائع القطع دون المشتري فإنه يفسخ البيع ويجب العشر على البائع
وذكر في الحاوي أنه لا زكاة على المشتري وفي البائع وجهان أصحهما أنها تجب عليه
وذكر القاضي حسين رحمه الله فيمن يجب عليه العشر بعد الفسخ وجهين بناء على أن الفسخ للعقد من وقته أو من أصله فيه وجهان
أصحهما أنه فسخ من وقته فتكون الزكاة على المشتري
وإن طلب المشتري قطعها دون البائع فهل يفسخ البيع فيه قولان
أحدهما يجبر على التبقية
والثاني لا يجبر وله فسخه
فإن بدا الصلاح في الثمرة في مدة الخيار ففسخ البيع وعادت الثمرة إلى البائع فقد ذكر في الحاوي في الزكاة وجهين وبناهما على أن الزكا 6 ة تجب في الذمة أو في العين
فإن قلنا في الذمة وجبت على المشتري وهذا ليس بصحيح وإنما الصحيح أن يبنى على المالك وهي من فوائد المالك
يكره للرجل أن يشتري صدقة فإن اشتراها صح وبه قال أبو حنيفة ومالك والظاهر من قول أحمد
ومن اصحاب أحمد من قال يبطل البيع وحكى أصحابنا ذلك عن أحمد وأنكره أصحابه فإن كان لرب المال على رجل من أهل السهمان دين لم يجز أن يجعله قصاصا عما يجب عليه من الزكاة وإنما يدفع إليه بقدره من الزكاة ليعيده إليه عن دينه
وحكى عن مالك أنه قال يجوز وهذا ظاهر الفساد
وتخرص الثمرة
وحكي في الحاوي عن ابي حنيفة وسفيان أن الخرص لا يصح وذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله في التعليق أن هذا لا يصح عنه فإن كان له حائطان قد بدا الصلاح في أحدهما دون الآخر اعتبر كل واحد منهما بنفسه في الخرص في أصح الوجهين
وهل يجزىء خارص واحد فيه طريقان
قال ابو إسحاق المروزي وابو العباس بن سريج يجزىء خارص واحد
وقال غيرهما من أصحابنا فيه قولان
أحدهما يجزىء خارص واحد وهو قول مالك وأحمد
قال الشافعي رحمه الله ويطيف بالنخلة فيخرصها رطبا
ذكر في الحاوي في ذلك ثلاثة أوجه
أحدهما أن ذلك احتياط واستظهار
والثاني أنه شرط
والثالث وهو الأصح أن الثمرة إن كانت بازرة يرى جميعها فليس بشرط وإن كانت مستورة فهو شرط
فإن ادعى رب المال هلاك الثمرة بجائحة ظاهرة لم يقبل دعواه إلا ببينةعلى وجود الجائحة فإذا ثبتت الجائحة فالقول قوله في الهلاك بها مع يمينه وفي كون اليمين واجبة وجهان
ثم ينظر في الباقي فإن نقص عن نصاب قبل الإمكان وقلنا الإمكان من شرائط الوجوب لم يجي عليه شيء
ذكر في الحاوي أن من اصحابنا من قال تجب الزكاة في الباقي قولا واحدا وليس بشيء وإن ادعى الهلاك بسبب خفي كالسرقة فالقول قوله مع يمينه وهل اليمين واجبة على الوجهين
ولا تؤخذ الزكاة من الثمار إلا بع الجفاف فإن أخذها رطبا وجب ردها إن كانت باقية ورد قيمتها إن كانت تالفة
وقيل يرد مثله والمذهب الأول
فإن كانت الثمرة أنواعا مختلفة قليلة أخذ من كل نوع بقسطه على صفته في جودته ورداءته وبه قال مالك
ومن أصحابه من قال يطالب عن الرديء بجيد كالماشية
فإن كثرت الأنواع أخذ من أوسطها لا من النوع الجيد ولا من الرديء
وحكي فيه وجه آخر أنه إذا اختلفت تقادير الأنواع من نواع عشرة ومن نوع عشرون ومن نوع ثلاثون أخذ من الأغلب قدرا
وعن مالك في ذلك روايتان
إحداهما يؤخذ من الأوسط
والثانية يؤخذ من كل نوع بقسطه
وإذا قلنا يفتقر في الخرص إلى عدد فهل يجوز أن يكون أحدهما امرأة فيه وجهان
فإن أصاب النخل عطش بعد بدو الصلاح في الثمرة قطعها حفظا للأصول وفي القسمة قولان
إن قلنا إن القسمة فرز النصيبين جاز قسمة الثمرة ويأخذ الساعي نصيب المستحقين يصرفه إليهم إن رأى أو يبعه ويصرف ثمنه
وإن قلنا إن القسمة بيع لم تجز القسمة ويسلم إلى الساعي عشرها مشاعا لتعين حق المستحقين ثم يبع نصيب الفقراء من رب المال أو غيره إن شاءفإن قطعت الثمرة وقلنا القسمة فرز النصيبين جازت القسمة كيلا ووزنا
وإن قلنا إنها بيع لم يجز وسلمت مشاعا ليبيعه ويفرق ثمنه
وقال ابو إسحاق وأبو علي بن ابي هريرة يجوز المقاسمة كيلا ووزقا وليس بصحيح
باب صدقة الزروع
تجب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض مما يقتات ويدخر وينبته الآدميون كالحنطة والشعير والذرة والقطنية
وقال الحسن وابن سيرين تجب في الحنطة والشعير لا غير
وقال أبو ثور تجب في الحنطة والشعير والذرة
وقال عطاء تجب في كل زرع نبت من بذرة وأخذ بذره من زرعه
وقال مالك تجب في الحبوب المأكولة غالبا من الزروع
وقال أبو يوسف تجب في الحبوب المأكولة والقطن
وقال أحمد تجب في الحبوب التي تكال أنبته الآدمي أو نبت بنفسه
وقال أبو حنيفة تجب في كل مزروع ومغروس من فاكهة وبقل وخضر
ولا تجب إلا في نصاب من كل جنس ولا يضم جنس إلى جنس آخر
وقال مالك تضم الحنطة إلى الشعير في إكمال لنصاب والقطنيبة يضم بعضها إلى بعض
وعنه رواية أخرى أنها أجناس كالربا
واختلفت الرواية عن أحمد
ويضم العلس إلى الحنطة ولا يضم السلت إلى الشعير
وقال أبو علي الطبري يضم إليه وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله في البويطي
وإن اختلفت أوقات الزرع ففيه أربعة أقوال
أحدها أنه يعتبر الاتفاق في وقت الزراعة وكل زرعين اتفقت زراعتهما في فصل من بيع أو صيف أو خريف ضم احدهما إلى الآخر وإن اختلف حصادهما
والثاني أنه يعتبر وقت الحصاد فإذا اتفقا فيه ضم احدهما إلى الآخر
والثالث أنه يعتبر الأمران جميعا فإذا اتفقا فيهما ضم احدهما إلى الآخر
والرابع انه يعتبر أن يكون من زرع عام واحد كما قلنا في الثمار وهو أصحهما
ولا يجب العشر حتى ينعقد الحب فإن حصدت الذرة ثم استخلف مكانها وتسنبل فهل يضم الثاني إلى الأول فيه وجهان
أحدهما يضم على القول الذي يعتبر الانفاق في الزراعة أو في زرع عام واحد وإن كان الزرع لواحد والأرض لآخر وجب العشر على مالك الزرع كالمستأجر مع المؤجر وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة يجب العشر على المؤجر
وإذا أخرج العشر من الحب أو الثمرة وبقي عنده سنتين بعد ذلك لم يجب عليه فيه شيء آخر
وقال الحسن البصري كلما حال عليه الحول وجب فيه العشر حكاه القاضي أبو الطيب رحمه الله
وإن كان على الأرض خراج وجب الخراج في وقته والعشر في الزرع وبه قال أحمد ومالك
وقال أبو حنيفة لا يجب العشر في الأرض الخراجية
وإن كان لمسلم أرض لا خراج عليها فباعها من ذمي فلا عشر عليه ولا خراج
وقال أبو حنيفة يجب عليه الخراج
وقال ابو يوسف يجب عليه عشران
وقال محمد بن الحسن يجب عليه عشر واحد
وقال مالك لا يصح بيعه
باب زكاة الذهب والفضة
لا تجب الزكاة في غير الذهب والفضة من الجواهر ومن الياقوت والفيروزج وهو قول الكافة
وحكي عن الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وابي يوسف القاضي أنه يجب في العنبر الخمس
وقال عبيد الله بن الحسن العنبري تجب الزكاة في جميع ما يستخرج من البحر إلا السمك ولا تجب الزكاة فيما دون النصاب ونصاب الذهب عشرون مثقالا
ونصاب الفضة مائتا درهم وازنة دراهم الإسلام كل عشرة دراهم سبع مثاقيل
وحكى عن المغربي من أهل الظاهر وبشر المريسي أن الاعتبار بالعدد في الدراهم دون الوزن وهذا خلاف النص والإجماع
فإن نقص عن نصاب ما لم يجب فيه شيء وبه قال ابو حنيفة
وقال مالك إذا نقص نصاب الدراهم نقصانا يسيرا يجوز جواز الوازنة وجبت فيها الزكاة
وحكي عن محمد بن مسلمة من أصحابه انها إذا نقصت ثلاثة دراهم وجبت فيها الزكاة
وروي عن أحمد نحو قول مالك
وروي عنه أيضا أنها إذا نقصت دانقا أو دانقين وجبت الزكاة وحكي عن عطاء وطاوس أنهما قالا نصاب الذهب معتبر بالفضة فيعتبر أن يبلغ قيمته مائتي درهم حتى لو كان معه خمسة عشر مثقالا منالذهب تبلغ قيمتها مائتي درهم وجبت فيها الزكاة وإن كان معه عشرون مثقالا تساوي دون مائتي درهم لم يجب فيها شيء
وحكي عن الحسن البصري انه لا يجب في الذهب شيء حتى يبلغ أربعين مثقالا فيجب مثقال في إحدى الروايات عنه
وفرضها ربع العشر ولا يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب بالقيمة
وقال مالك وأبو يوسف يضم إليه بالأجزاء
وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه في قليله وكثيره وبه قال مالك وأحمد وداود وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة لا يجب فيما زاد على نصاب الذهب حتى يبلغ الزيادة
أربعة دنانير في الذهب وأربعين درهما في الفضة
وإن كان معه مايتا درهم فأخرج عنها خمسة دراهم نبهرجة لم يجزه ويخرج الجيدة
وقال أبو حنيفة يجزئه
وقال محمد يخرج الفضل
وقال أبو يوسف إن كانت فضة رديئة أجزأه وإن كانت نبهرجة لم يجزه وهل له الرجوع في الرديئة
ذكر أبو العباس بن سريج فيه وجهين
أحدهما له الرجوع وهذا إذا كان قد شرط في الدفع أنها زكاة فإن كان له إناء من فضة وزنه مائتان وقيمة الصنعة ثلاثمائة فأخرج خمسة دراهم فضة من غيره لم يجزه
وقال ابو حنيفة وأبو يوسف يجزئه
وقال محمد بن الحسن لا يجزئه حتى يسلم ربع العشر منه مشاعا أو يخرج قيمة ربع العشر ذهبا فإن أخرج عنه خمسة دراهم فضة لم يجزه عنده جميعا حتى يكون بقيمته خمسة دراهم منه
فإن كان معه فضة مغشوشة أو ذهبا مغشوشا وكان الذهب أو الفضة لا يبلغ نصابا لم يجب فيه شيء وبه قال مالك وأحمد إذا كان الغش اقل وجبت الزكاة وإن جهل قدره سبكه وفي مئوونة السبك وجهان
أظهرهما أنها على المالك ولا يخرج أحد النوعين عن الآخر
وقال مالك يجوز ذلك ويكون بدلا لا قيمة واختلف أصحابه في كيفية الإخراج بالقيمة أو بالتعديل
فإن كان له دين لازم على مقر مليء لزمه زكاته ولزمه إخراجها
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجب عليه إخراجها حتى يقبض الدين وإن كان الدين على جاحد في الظاهر مقر في الباطن وجبت عليه الزكاة غير أنه لا يلزمه إخراجها حتى يصل إليه الدين
وقال ابو يوسف لا زكاة عليه فيه
وإن كان الدين على جاحد في الظاهر والباطن أو على معسر كان على القولين في وجوب الزكاة في الضال والمغصوب
وابو حنيفة وافق في وجوب الزكاة في الدين على معسر والدفين في ملكه إذا خفي عليه موضعه ثم وصل إليه أنه يزكيه لما مضى
وقال مالك في الدين إذا كان من فرض أو ثمن مبيع فمضى عليه احوال ثم أخذه زكاة لحول واحد وكذا إذا اشترى عرضا للتجارة وباعه بعد أحوال زكاة لحول واحد
وإن كان له بالدين المجحود بينه أو كان الحاكم يعلم حاله
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله الذي يقتضيه المذهب انه تجب فيه الزكاة
وقال محمد بن الحسن إن علم به الحاكم وجبت فيه الزكاة وإن كان له بينة لم يجب وإن كان الدين مؤجلا ففيه طريقان
وقال أبو إسحاق هو بمنزلة الدين الحال على معسر او مليء جاحد فيكون على قولين
وقال أبو علي بن ابي هريرة لا تجب الزكاة فيه قولا واحدا والأول أصح
فإن كان له مائة حاضرة ومائة غائبة أو عين ودين وقلنا لا زكاة في الدين والغائب فلا زكاة في العين والحاضر
وإن قلنا تجب عليه الزكاة في الدين والغائب بنى الإخراج عن الحاضر على إمكان الأداء فإن قلنا إنه شرط في الوجوب لم يجب الإخراج عن الحاضر وإن قلنا أنه شرط في الضمان لزمه الإخراج عنه
فأما الثمن في البيع قبل القبض والأجرة في الإجارة قبل استقرارها فقد ذكر الشيخ ابو حامد رحمه الله أن الزكاة تجب فيها قولا واحدا وفي إخراجها في الحال قولان
وحكى القاضي أبو الطيب رحمه الله أن القولين في وجوب الزكاة فيها
فإذا اجر دارا أربع سنين بمائة دينار فالأجرة حاله وهل يجب إخراج الزكاة عن جميع الأجرة فيه قولان
نص في البويطي انه يزكي الجميع
وقال في الأم ونقله المزني أنه يخرج زكاة ما استقر ملكه عليه
فعلى القول الأول يزكي جميع المائة في السنة الأولى والثانية والثالثة والرابعة إذا كان قد أدى ما وجب من الزكاة من غيرها أو لم يؤدها وقلنا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة وإن كان قد أدى ما وجب عليه من الزكاة فيها منها زكى بعد ذلك ما بقي بعدما أدى
وإن قلنا بالقول الثاني أخرج الزكاة في السنة الأولى عن خمس وعشرين نصف مثقال وثمن وفي السنة الثانية عن خمسين إذا لم يخرج زكاة السنة الأولى منها وقلنا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيخرج دينارا وربع دينار
وإن قلنا إن الزكاة تجب في العين أو في الذمة وقلنا إن الدين يمنع وجوب الزكاة زكى خمسين دينارا إلا قدر ما وجب عليه في السنة الأولى وفي السنة الثالثة يخرج عن خمسة وسبعين على التفصيل المتقدم وفي الرابعة يخرج عن مائة وقد ذكر لهذه المسألة مثال أحسن من هذا المثال وأسهل
وذلك بأن تكون الأجرة مائة وستين دينارا ففي السنة الأولى يلزمه زكاة أربعين دينارا وذلك دينار وفي السنة الثانية زكاة ثمانين دينارا لسنتين وذلك اربعة دنانير وقد أخرج دينارا عن السنة الأولى وفي السنة الثالثة يلزمه زكاة مائة وعشرين دينارا لثلاث سنين وذلك تسعة دنانير وقد أخرج اربعة فيخرج خمسة وفي السنة الرابعة يلزمهلأربع سنين زكاة مائة وستين وذلك ثمانية عشر وقد أخرج تسعة فيخرج ما بقي
فصل
ومن ملك مصوغا من الذهب والفضة وكان معدا لاستعمال مباح كحلي النساء وما اتخذ لهن وخاتم الفضة للرجل ففي وجوب الزكاة فيه قولانأحدهما لا زكاة فيه وهو قول مالك وأحمد وابي ثور
والقول الثاني تجب فيه الزكاة وهو قول أبي حنيفة والثوري واصحابه
تمويه السقوت بالذهب والفضة حرام
وذهب بعض أصحاب أبي حنيفة إلى جوازه
وفيما لطخ به اللجام من الفضة وجهان
قال أبو الطيب بن سلمة هو مباح
وقال أبو إسحاق هو حرام
فأما إذهاب محراب المسجد فحرام نص عليه الشافعي رحمه الله
وحكى بعض أصحابنا فيه وجها آخر أنه يجوز
وحكى بعضهم في تحلية الصبيان وجها أنه لا يجوز وليس بشيء
وحكى بعضهم في تحلية المصحف بالذهب وجهين وذكر أن أصحهما أنه يجوز إعظاما للقرآن وحكي أيضا في تعليق قناديل الذهب والفضة في الكعبة والمساجد وجهين
فإن كان للمرأة حلي فانكسر بحيث لا يمكن لبسه ولكنه يمكن إصلاحه لم تجب الزكاة فيه في أحد القولين
وإن كان لها حلي معد للإجارة وجبت فيه الزكاة في أحد الطريقين
والطريق الثاني أنه على القولين
وقال مالك لا زكاة فيه
وبعض أصحابه قال تجب فيه الزكاة
وحكي عن ابي عبد الله الزبيري من اصحابنا أنه قال اتخاذ الحلي للإجارة لا يجوز
فإن وجبت الزكاة في حلي تنقص قيمته بالكسر ملك الفقراء ربع العشر منه مشاعا وسلمه إليهم تسليم مثله كما قلنا في الرطب الذي لا يجيء منه تمر وإن شاء أخرج مصوغا بوزنه
وقال أبو العباس بن سريج يخرج زكاته بقيمته من غير جنسه والأول أظهر فإن أكرى حلي الذهب بالذهب أو حلي الفضة بالفضة جاز في أصح الوجهين
باب زكاة التجارة
تجب الزكاة في عروض التجارة وبه قال الكافة
وقال داود لا تجب الزكاة بحكم التجارة بحال
ولا يصير العرض للتجارة إلا أن ينوي به التجارة في حال تملكه بعوض فإن نوى به التجارة بعد التملك أو نوى بعوض القنية للتجارة لم يصر للتجارة حتى يبيعه
وقال الكرابيسي من أصحابنا يصير بذلك للتجارة وهي قول ابي ثور وإحدى الروايتين عن أحمد والمذهب الأول
وإن نوى بعرض التجارة القنية صار للقنية بمجرد النية
وحكي عن مالك أنه قال لا يصير للقنية بمجرد النية
فإن اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه كالسائمة والكرم والنخل وكمل الحول ووجد نصاب كل واحد منهما واتفقا في وقت الوجوب ففيه قولان
أحدهما أنه تقدم زكاة التجارة وهو قول ابي حنيفة وناقص في الثمار والزرع
والثاني أنه يقدم زكاة العين وهو قول مالك هذا أصح الطريقين وهو قول أبي إسحاق
وقال القاضي أبو حامد القولان في جميع الأموال اتفق حولهما أو اختلف فإن اثمرت نخل التجارة وبدا صلاحها عند تمام الحول وقلنا نقدم زكاة التجارة قوم الجميع وأخرج زكاة التجارة
وإن قلنا نقدم زكاة العين أخرج العشر من الثمرة وقوم النخيل في أصح القولين
وإن اشترى عبدا للتجارة وجب عليه زكاة الفطر برؤية هلال شوال وزكاة التجارة بتمام الحول وبه قال مالكالله تبارك وتعالى رضي الله عنهن الرب عز وجل
وقال أبو حنيفة تسقط زكاة الفطر
فإن اشترى عرضا للتجارة بما دون النصاب انعقد عليه الحول من حين الشراء ويعتبر كمال النصاب في القيمة عند تمام الحول وبه قال مالك
وقال أبو العباس يعتبر كمال النصاب في جميع الحول وهو قول أحمد
وقال أبو حنيفة يعتبر النصاب في طرفي الحول
وإن اشتراه بنصاب من السائمة استأنف الحول من حين الشراء على المذهب
وقال أبو سعيد الإصطخري يبنى حول التجارة على حول السائمة
فإن اشترى عرضا كان عند بائعه للقنية بعرض للتجارة ففيه وجهان
أصحهما أنه يصير للتجارة
فإن باع عرض التجارة بعد تمام الحول بزيادة على ما اشترى به من النقد بأن اشتراه بمائتين فباعه بثلاثمائة فإنه يزكي الجميع بحول راس المال
وحكي في الحاوي إذا كانت الزيادة على المائتين بمحاباة أو غبن ففي زكاتها بحول رأس المال وجهان
أصحهما ما ذكرناه
وإن نص الربح في أثناء الحول ففيه طريقان
احدهما أنه يستأنف الحول للزيادة قولا واحدا
وقال أبو إسحاق في الزيادة قولان
أصحهما أنه يزكيها بحول رأس المال وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني وهو الأصح
فإن اشترى عرضا للتجارة بعرض للقنية انعقد الحول عليه من حين الشراء وبه قال أبو حنيفة
وقال مالك لا يجري في حول التجارة حتى يكون قد اشتراه بعين فإن كان عنده نصاب من الدراهم فباعه بدراهم أو بدنانير للتجارة كما يفعله الصيارف ففيه وجهان
أصحهما أنه لا ينقطع الحول وهو قول أبي إسحاق
والثاني ينقطع
فإن باع العرض في أثناء الحول بنصاب من الأثمان ولكنه من غير جنس ما يقوم به بأن كان رأس المال دراهم ونقد البلد دنانير بنى على حوله على أصح الوجهين
وإذا حال الحول ووجبت الزكاة فيه وكان قد اشتراه بعرض قوم بنقد البلد فإن كان للبلد نقدان وهما متساويان يبلغ بكل واحد منهما نصابا قومه بما شاء منهما على أظهر الوجوه وهو قول أبي إسحاق
والثاني يقوم بالأنفع للمساكين
والثالث يقوم بالدراهم
والرابع يقوم بنقد أقرب البلاد إليه
فإن كان قد اشترى عرضا للتجارة بما دون النصاب من النقود ففيه وجهان
أحدهما أنه يقوم بنقد البلد
والثاني يقوم بما اشترى به وهو قول أبي يوسف
وقال أبو حنيفة وأحمد يقوم بالأحظ للمساكين
فإن قومه عند تمام الحول ثم بادله بزيادة قبل إخراج الزكاة منه ففيه وجهان
أحدهما أنه يستأنف الحول للزيادة
والثاني أنه يزكي الزيادة للحول الماضي ايضا
فإن حال الحول على عرض التجارة فقوم ولم يبلغ نصابا لم يجب الزكاة فزادت قيمته بعد شهر فبلغت نصابا ففيه وجهان
قال ابو إسحاق لا تجب الزكاة حتى يتم عليه الحول الثاني
والثاني تجب في الزيادة عند تمام النصاب ويصير هذا آخر الحول وأوله بعد الشراء بشهر وهو قول ابي علي بن أبي هريرة
فصل
إذا أراد إخراج الزكاة عن عرض التجارةقال في الأم يخرج مما يقوم به
وقال في القديم فيه قولان
أحدهما يخرج ربع عشر قيمته
والثاني ربع عشر العرض
وقال في موضع آخر لا يخرج إلا العين أو الورق أو العرض
ومن أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال
أحدهما يخرج ربع عشر قيمته
والثاني ربع عشر العرض وهو قول ابو يوسف ومحمد
والثالث يتخير بينهما وهو قول أبي حنيفة
وقال أبو علي بن ابي هريرة فيه قولان
أحدهما يخرج مما قوم به
والثاني يخرج العرض
وقال ابو إسحاق فيه قولان
أحدهما يخرج مما قوم به
والثاني يخير بينهما
فإن كان معه مائتا درهم فاشترى بها مائتي قفيز حنطة تساوي ثلاثمائة درهم في آخر الحول
فعلى قوله الجديد يلزمه سبعة دراهم ونصف
وعلى قوله القديم يلزمه
وعلى قول أبي إسحاق يتخير بينهما
فإن زادت قيمة الطعام فصارت تساوي أربعمائة بعد الوجوب وقبل التمكن من الأداء
فإن قلنا إن التمكن شرط في الوجوب وجب عليه عشرة دراهم على قوله الجديد وعلى قوله القديم يجب إخراج خمسة أقفزة حنطة منها قيمتها ذلك
وعلى القول الثالث يتخير بينهما
وإن قلنا إن الإمكان شرط الضمان أو كانت الزيادة قد حدثت بعد الإمكان
فعلى قوله الجديد يجب عشرة دراهم
وعلى قوله القديم خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم
وحكي فيه وجه آخر أنه يجب خمسة اقفزة قيمتها سبعة دراهم ونصف
وإن نقصت القيمة قبل الإمكان فعادت إلى مائتين وجبت عليه على قوله الجديد خمسة دراهم وعلى قوله القديم خمسة أقفزة منها قيمتها ذلك وعلى الثالث يتخير بينهما
وإن نقصت صفة الحنطة وجب على قوله الجديد خمسة دراهم وعلى قوله القديم خمسة أقفزة من حنطة على صفتها
وإن حصل النقص بعد الإمكان وجب عليه على قوله الجديد سبعة دراهم ونصف وعلى قوله القديم خمسة أقفزة وللنقصان قفيزان ونصف
ويتعلق زكاة التجارة بالقيمة في قوله الجديد وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يتعلق بالعين وهو مقتضى قول الشافعي رحمه الله في القديم
فإن باع العروض التي وجبت فيها الزكاة قبل اداء الزكاة ففيه طريقان احدهما أنه بمنزلة غيرها من المال الذي وجب فيه الزكاة على قولين
والثاني أنه يصح البيع قولا واحدا
فصل
إذا دفع رجل إلى رجل ألف درهم قراضا على أن يكون الربح بينهما نصفين فحال الحول وقد صارت ألفين ففي وقت ملك العامل لنصيبه من الربح قولانفإن قلنا يملك بالمقاسمة فزكاة الجميع على رب المال فإن أخرجها من المال فمن أين يحتسب فيه ثلاثة أوجه
أحدهما أنها تحتسب من الربح
والثاني من رأس المال
والثالث منهما جميعا وفي ضمه إلى رأس المال في الزكاة ما ذكرناه من الاختلاف
وإن قلنا إن العامل يملك نصيبه من الربح بالظهور فزكاته عليه ويستأنف به الحول
ومن أي وقت يعتبر حوله فيه وجهان
أظهرهما أنه يعتبر من حين ظهوره
والثاني من حين ينض غير أنه لا يجب على العامل إخراجها إلا بعد المفاصلة فإن أراد أن يخرج زكاة نصيبه من المال فهل يجوز فيه وجهان أحدهما يجوز
باب زكاة المعدن والركاز
إذا استخرج حر مسلم من معدن في موات أو في أرض يملكها نصابا من الذهب أو الفضة وجبت عليه الزكاة وإن استخرجه كافر ملكه ولا زكاة عليه فيه وكذا المكاتب
وقال أبو حنيفة يجب على المكاتب حق المعدن
وقال في الحربي إذا لم يأذن له الإمام في العمل لم يملك ما أخذه وإذا أذن له أخذ منه الخمس
وإذا استخرج غير الذهب والفضة من الجواهر من معدن لم يجب فيه شيء وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة يتعلق حق المعدن بكل ما يستخرج من الأرض مما ينطبع بالنار كالحديد والرصاص ولا يتعلق بالفيروزج والبرام
وقال أحمد يتعلق حق المعدن بكل ما يستخرج من المعدن حتى القعر والكحل والنصاب معتبر في الحق الواجب في المعدن وهو قول مالك وأحمد
وقيل فيه وجه آخر أنا إذا قلنا الواجب الخمس لا يعتبر فيه النصاب وليس بشيء
وقال أبو حنيفة لا يعتبر النصاب فيه
فإن اتصل العمل وانقطع النيل ثم عاد ضم بعضه إلى بعض في اصح القولين وهو قوله الجديد
ويجب حق المعدن بالوجود من غير اعتبار حول في أظهر القولين وهو قول أبي حنيفة ومالك
وقال في البويطي يعتبر فيه الحول وذكر فيما علق عن القاضي حسين إنا إذا قلنا إن الواجب فيه ربع العشر اعتبر فيه النصاب وفي اعتبار الحول قولان
وإن قلنا إن الواجب الخمس لم يعتبر الحول
وفي اعتبار النصاب قولان وهذا بناء فاسد ظاهر الفساد وفي زكاته ثلاثة أقوال
أحدهما أن الواجب فيه ربع العشر وهو المشهور وبه قال أحمد
والقول الثاني أن الواجب فيه الخمس وهو قول أبي حنيفة ويحكى عن المزني
والثالث أنه إن وجده دفعة واحدة وجب فيه الخمس وإن احتاج فيه إلى مؤونة وتخليص ففيه ربع العشر وقد حكى ذلك عن مالك وحكي ايضا عنه ربع العشر
ولا يجوز صرف حق المعدن إلى من وجب عليه وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يجوز ذلك لأنه عنده خمس لا زكاة
ويجب إخراج حق المعدن بعد التمييز وما يلزمه من المؤونة في الاستخراج يكون من ماله وتخرج الزكاة من جميعه
وقال أبو حنيفة المؤونة تكون من أصل المال بناء على أصله أنه ليس بزكاة وإنما هو خمس
ولا يجوز بيع تراب المعادن الذي فيه ذهب أو فضة بجنسه وغير جنسه
وقال مالك يجوز بيع تراب المعادن ولا يجوز بيع تراب الصاغة
فصل
ويجب في الركاز الخمس والركاز ما وجد في موات يملكبالأحياء ولا فرق بين أن يكون ذلك في دار الحرب وبين أن يكون في دار الإسلام إذا لم يكن عليه علامة الإسلاموحكي عن أبي حنيفة أنه قال إن كان في موات دار الحرب كان غنيمة لواجده لا يخمس وإن وجده في أرض يعرف مالكها فإن كان حربيا فهو غنيمة وبه قال أبو حنيفة
وقال أبو يوسف وأبو ثور هو ركاز فإن كان ساكنا في دار غيره بإجارة أو إعارة ووجد فيها ركازا فادعاه أحدهما كان له وإن اختلف المالك والساكن فادعاه كل واحد منهما
قال الشافعي رحمه الله القول قول الساكن
وقال المزني رحمه الله القول قول المالك
ولا فرق بين أن يكون الواجد للركاز رجلا وبين أن يكون امرأة مكلفا أو غير مكلف محجورا عليه أو مطلق التصرف في وجوب الحق عليه
وقال سفيان الثوري لا يملك الركاز إلا رجل عاقل
والكافر إذا وجد الركاز ملكه ولا شيء عليه فيه
وقيل لا يملك الكافر الركاز ولا المعدن وليس بمذهب
وإن كان عليه علامة الإسلام كان لقطة يعرفها سنة ويتملكها
وحكى القاضي حسين رحمه الله عن القفال أنه لا يتملكها ويرفعها إلى الإمام والأول أصح
وقد نص الشافعي رحمه الله على أنه لقطة
وإن لم يكن عليه علامة الإسلام ولا علامة الشرك كالأواني والدراهم الطلس فقد قال الشافعي رحمه الله استحب له أن يعرف سنة ويخمس قال ولا أوجب التعريف
ذكر الشيخ ابو حامد رحمه الله إن الشافعي نص على أنه لقطه تغليبا لحكم الإسلام والأول اصح وما يجب في الركاز والمعدن زكاة يصرف مصرف الزكوات
وقال أبو حنيفة يصرف مصرفح الفيء وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهو اختيار المزني وأبي حفص بن الوكيل في الركاز دون المعدن ويختص حق الركاز بجنس الأثمان في اصح القولين 8
وقال في القديم يخمس كل ما يوجد ركازا وبه قال أحمد وإحدى الروايتين عن مالك وهو قول أبي حنيفة
ولا يعتبر فيه الحول وهل يعتبر النصاب فيه قولان
قوله القديم إنه يخمس قليله وكثيره وهو قول أبي حنيفة وأحمد وأصح الروايتين عن مالك
وقال في الأم يعتبر فيه النصاب فعلى هذا إذا وجد مائة درهم من الركاز ووافق وجود الركاز تمام الحول على مائة عنده فالمنصوص في الأم أنه يضم إليه ويخرج من الركاز الخمس
وقيل لا يجب فيه شيء وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله وأما المائة الأخرى
فقد ذكر ابو علي في الإفصاح أنه يجب عنها ربع العشر
والمذهب انه لا يجب فيها شيء لأن الحول لا ينعقد على ما دون النصاب ويستأنف الحول عليها من حين تم النصاب
باب زكاة الفطر
زكاة الفطر واجبة على كل حر مسلم يملك ما يخرجه من صدقة الفطر فاضلا عن كفايته وكفاية من تلزمه كفايته في ليلة الفطر ويومه
وقال الأصم وابن علية زكاة الفطر مستحبة
فأما الكافر إن كان مرتدا ففيه الأقوال التي ذكرناها في زكاة المال
وأما المكاتب فلا تجب عليه زكاة الفطر على المذهب الصحيح وهو قول أبي حنيفة ولا على مولاه بسببه
وحكى أبو ثور قولا عن الشافعي رحمه الله أنها تجب على مولاه وقيل تجب في كسبه
وحكي عن الحسن البصري وسعيد بن المسيب أنهما قالا لا تجب إلا على من صلى وصام
ذكر في الحاوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال تجب على من أطاق الصلاة والصوم وإن وجد بعض ما يؤدى في صدقة الفطر ففيه وجهان
أحدهما يلزمه إخراجه
والثاني لا يلزمه
ومن وجب عليه فطرة نفسه وجب عليه فطرة كل من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين وقدر ما يؤدي عنهم فاضلا عن النفقة من والد وولد وعبد وأمة
وقال داود يجب على العبد فطرة نفسه وعلى السيد تخليته لاكتساب ما يؤدي به زكاة الفطر ولا يجب عنده على الإنسان فطرة غيره بسبب
وهل تجب عليه فطرة عبده الآبق فيه طريقان
أحدهما أنها تجب عليه قولا واحدا
والثاني أنها على قولين كالمال المغصوب والضال
ويجب على الشريكين في العبد المشترك زكاة الفطر وبه قال مالك وأحمد إلا أن أحمد قال يؤدي كل واحد من الشريكين صاعا كاملا في إحدى الروايتين
وقال أبو حنيفة لا يجب عليهما عنه زكاة الفطر بحال
ويجب على الزوج فطرة زوجته إذا وجب عليه نفقتها وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور
وقال أبو حنيفة والثوري لا يجب عليه فطرتها
ولا تجب الفطرة عن المؤدى عنه حتى يكون مسلما فأما العبد الكافر فلا تجب عليه زكاة الفطر عنه وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يجب عليه إخراج الفطرة عنه والفطرة عنده تتبع الولاية فمن ثبت له عليه ولاية تامة وجب عليه زكاة الفطر عنه وناقض في الابن الصغير الموسر فقال لا تجب فطرته على أبيه وخالف محمد بن الحسن
فقال تجب فطرته عليه لثبوت ولايته وبقولنا قال أحمد إلا أنه قد خالفنا فيمن تجب عليه نفقته
وهل تجب عليه فطرته ابتداء أو على سبيل التحمل فيه وجهان
أحدهما أنها تجب على المؤدى عنه ويتحملها المؤدي
والثاني أنها تجب على المؤدي ابتداء
فإن كان للكافر عبد مسلم بأن اسلم في يده وقلنا الفطرة تجب عليه ابتداء لم تجب على الكافر فطرة العبد المسلم وإن قلنا إنها تجب عليه تحملا وجب عليه وكذا في القرابة إذا كان الأب كافرا والابن مسلما وهو صغير أو كبير وهو معسر فهل تجب عليه زكاة الفطر عنه على الوجهين
فإن أخرج المؤدى عنه زكاة الفطر عن نفسه بغير إذن من تجب عليه
فإن قلنا إنه متحمل أجزأه وسقط عن المؤدي فرضها
وإن قلنا تجب على المؤدي ابتداء لم يجز عنه حتى يستأذنه في أدائها عنه وإن كانت له زوجة موسرة وهو معسر فالمنصوص أنه لا يجب عليها فطرة نفسها
وقال في من زوج أمته من معسر إن على المولى فطرتها
فمن أصحابنا من جعلها على قولين
ومنهم من فرق بينهما وحمل النصين على ظاهرهما والأول اصح وأصل القولين ما ذكرناه من كون ذلك تحملا أم لا
وإن فضل عما يلزمه من النفقة ما يؤدي به فطرة بعضهم ففيه أربعة أوجه
أحدها أنه يبدأ بنفقته فإن فضل صاع آخر أخرجه عننفسه فإن فضل آخر أخرجه عن زوجته فإن فضل صاع آخر أخرجه عن أبيه فإن فضل آخر أخرجه عن أمه فإن فضل آخر أخرجه عن ابنه الكبير
والوجه الثاني أنه يقدم فطرة الزوجة على فطرة نفسه
الثالث أنه يبدأ بفطرة نفسه ثم بمن شاء
والربع انه مخير في حقه وحق غيره
وإذا كان عنده صاع يفضل عن مؤنته وملك عبدا هل يكون به غنيا لتجب به زكاة الفطر عنه أم لا فيه وجهان
أحدهما يصير به غنيا حتى يجب بيع جزء منه لأداء زكاة الفطر عنه
ومن نصفه حر ونصفه رقيق يجب عليه نصف الفطرة بحريته إذا وجد ما يؤدى به وعلى مالك نصفه النصف وبه قال أحمد
وعن مالك روايتان
إحداهما مثل قولنا
والثانية أن على السيد بقدر ملكه ولا شيء على العبد
وقال أبو حنيفة لا يجب عنه زكاة الفطر لأنه مستسعي عنده في بقية قيمته فهو كالمكاتب
وقال أبو ثور يجب على كل واحد منهما صاع كامل
وقال ابو يوسف في ولد ألحق بأبوين يجب على كل واحد منهما صاع كامل
وقال محمد يجب على كل واحد منهما نصف صاع وهذا مناقضة منهما وليس لأبي حنيفة نص في هذه المسألة
ولا يعتبر النصاب في زكاة الفطر وبه قال مالك وأحمد وابو ثور وقال أبو حنيفة يعتبر في وجوب زكاة الفطر أن يكون مالك النصاب أو ما قيمته نصاب فاضلا عن مسكنه وأثاثه ومن تحل له الصدقة عنده لا تجب عليه الفطرة
فصل
وفي وقت وجوب الفطرة قولانقال في القديم تجب بطلوع الفجر من يوم العيد وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وابي ثور وإحدى الروايتين عن مالك
وقال بعض أصحاب مالك يجب بطلوع الشمس من يوم الفطر
وقال في الجديد تجب بغروب الشمس من آخر يوم منرمضان وبه قال أحمد وهو الرواية الثانية عن مالك
فإن دخل وقت الوجوب وعنده من تجب عليه فطرته فمات قبل التمكن من الأداء ففيه وجهان
أحدهما تسقط عنه فإن وجبت عليه زكاة الفطر عن عبده وعليه دين ففيه طريقان
أحدهما فيه ثلاثة أقوال كزكاة المال مع الدين
والثاني أنه تقدم زكاة الفطر قولا واحدا لاختصاصها بالعيد
فإن وهب رجل من رجل عبدا وأهل هلال شوال قبل القبض وجب زكاة الفطر على الواهب
وحكى الشيخ أبو حامد عن الشافعي رحمه الله أنها على الموهوب له
قال أبو إسحاق يحتمل أن يكون ذكر ذلك على مذهب مالك
وذكر في الحاوي قولا آخر في الهبة إنما تتبين بالقبض أنه ملك بالعقد
فإن أوصى لرجل بعبد ومات الموصي أو أهل هلال شوال قبل القبول
فإن قلنا يملك بالقبول فالزكاة على الورثة
وإن قلنا إنا نتبين أنه ملك بالموت فعلى الموصى له
وحكى ابن عبد الحكم قولا للشافعي رحمه الله أنه بالموت يدخل في الموصى له كالميراث فتجب الزكاة على الموصى له وسائر أصحابنا امتنعوا من تخريج هذا قولا للشافعي رحمه الله
فإن مات الموصى له قبل القبول فورثته يقومون مقامه فإن قبلوا فزكاة الفطر في مال أبيهم
وحكي في الحاوي عن أبي حنيفة أن الوصية تبطل ولا يصح قبول الورثة
ويجوز إخراج زكاة الفطر في جميع شهر رمضان ولا يجوز تقديمها عليه
والأفضل أن يخرجها في يوم العيد قبل الصلاة
وقال ابو حنيفة يجوز تقديمها على شهر رمضان
وقال مالك لا يجوز إخراجها قبل وقت وجوبها
ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد
وروي عن ابن سيرين والنخعي أنهما كانا يرخصان في تأخيرها عن يوم الفطر
وعن أحمد أنه قال أرجو أن لا يكون به بأس
والواجب صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خمسة أرطال وثلث وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف
وقال أبو حنيفة الصاع ثمانية أرطال
ولا يختلف الواجب عندنا باختلاف الأنواع وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة الواجب من البر نصف صاع وفي الزبيب روايتان
إحداهما نصف صاع
والثانية صاع وبها قال أبو يوسف ومحمد
وفي الحب الذي يخرجه قولان
أحدهما أنه يتخير بين الأجناس
والثاني وهو المنصوص عليه أنها على الترتيب فيخرج من الغالب ومن أي غالب يخرج فيه وجهان
وقيل في الجملة فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يجوز أن يخرج من كل قوت
وقال أبو عبيد بن حرب يخرج من غالب قوت البلد
وقال أبو إسحاق وأبو العباس يجب من غالب قوت البلد
فإن قلنا الاعتبار بقوت البلد أو بقوته فعدل عنه إلى ما دونه لم يجزه وإن عدل إلى ما فوقه جاز
وقيل فيه وجه آخر أنه لا يجوز
وذكر فيه وجه آخر أنه يجوز أن يعدل من الشعير إلى البر وإن عدل إلى التمر عن الشعير لم يجزه
وإن قلنا إنه مخير بين الأنواع فبعضها أولى من البعض فالبر والتمر أولى من غيرهما وأيهما أولى
قال ابن المنذر كان الشافعي رحمه الله يميل إلى البر وكان أحمد يميل إلى التمر وهو قول مالك
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله من أصحابنا من قال الأفضل أغلاها ثمنا وأنفسها عند الناس
وروي عن أحمد أنه لا يجوز أن يخرج إلا من الأجناس الخمسة المنصوص عليها وفي الأقط طريقان
قال أبو العباس يجري في حق من هو قوتهم قولا واحدا
وقال القاضي أبو حامد فيه قولان
أصحهما أنه يجزىء وهو قول مالك وأحمد
والثاني لا يجزىء
وأبو حنيفة يقول لا يجزىء أصلا بنفسه ويجزىء قيمته فإن قلنا يجوز الأقط فاللبن يجوز أيضا
قال الشيخ أبو حامد إنما يجوز اللبن عند عدم الأقط
وقال القاضي أبو الطيب يجوز مع وجود الأقط
فإن كان بين اثنين في بلدين عبد مشترك
قال أبو العباس أخرج كل واحد منهما من قوته بل يخرجان من أدنى القوتين
وقيل يعتبر قوت العبد أو البلد الذي فيه العبد
ولا يجزىء في صدقة الفطر دقيق ولا سويق
وقال أبو حنيفة يجزيان أصلا بأنفسهما وبه قال أبو القاسم الأنماطي من أصحابنا
وإذا أخرج صدقة جاز له أن يأخذها إذا دفعت إليه وكان محتاجا
وقال مالك لا يجوز أن ياخذها
باب تعجيل الصدقة
كل مال وجبت الزكاة فيه بالحول والنصاب لا يجوز تقديم زكاته على ملك النصاب ويجوز تقديمها على تمام الحول وبه قال أبو حنيفة وأحمد
وقال مالك وداود لا يجوز تعجيل الصدقة قبل وجوبها وسلم مالك تقديم الكفارة على الحنث
ويجوز تعجيل زكاة عامين إذا كان يملك زيادة على نصاب في أصح الوجهين
فإن ملك مائتين شاة سائمة فعجل عنها وعما يحدث من سخالها أربع شياة فنتجت السخال سخالا فبلغت الجملة أربعماية فهل يجزؤه ما عجل من السخال
فيه وجهان
فإن كان عنده نصب فعجل زكاة نصابين حتى إذا استفاد نصابا آخر يقع عنه لم يجزه زكاة ما زاد على نصاب وهو قول أحمد وزفر
وقال أبو حنيفة يجزئه بناء على أصله في ضم المستفاد إلى ما عنده في الحول فإن كان عنده خمس من الإبل وأربعون من الغنم فعجل شاة عن خمس من الإبل فهلكت الإبل فهل يجوز صرفها إلى الغنم
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله قد ذكر أصحابنا في نظير هذه المسألة أنه لا يجوز ويحتمل ان يجوز
وإن ملك أربعين شاة فعجل منها شاة فنتجت أربعين سخلة فماتت الأمهات وبقيت السخال فهل يجزىء ما عجله من الأمهات عن السخال فيه وجهان
أحدهما يجزىء
ولو كان عنده مائة وعشرون من الغنم فعجل منها شاة ثم نتجت سخلة وجبت عليه شاة أخرى أو كان معه مائتا شاة فعجل منها شاتين ثم نتجت شاة سخلة وجبت عليه شاة أخرى وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة لا يلزمه شاة أخرى في جميع هذه المسائل وعنده لا يجوز أن يعجل عن النصاب شيئا ما لم يكن عنده زيادة على النصاب قدر الفرض
فإن عجل الزكاة عن النصاب فهلك أو نقص خرج المدفوع عن ان يكون زكاة فإن كان قد شرط أنه زكاة معجلة جاز له استرجاعها إن كانت باقية والمطالبة بقيمتها إن كانت تالفة وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة لا يجوز له استرجاعها إلا أن تكون في يد الساعي أو الإمام فإن كان الدافع للزكاة المعجلة إلى المساكين هو الساعي فتلف النصاب كان له أن يرجع فيها ولا فرق بين أن يبين أنه زكاة معجلة أو لا يبين
وفيه وجه آخر أنه يعتبر أن يكون قد شرط ذلك كما يعتبر في رب المال وإن عجل الزكاة من نصاب ثم ذبح منه شاة أو أتلفها فهل له أن يرجع فيما عجله فيه وجهان
فإن ثبت له الرجوع فيما دفعه فوجده ناقصا لم يرجع بأرش النقص في أصح الوجهين وإن كان قد تلف ما عجله في يد الفقير لزمه قيمته يوم دفعة في أظهر الوجهين وهو قول أحمد
والثاني يلزمه قيمته يوم التلف
وذكر فيه وجه آخر أنه يرد مثل المدفوع وليس بشيء
وإن عجل الزكاة إلى فقير فمات الفقير أو ارتد قبل تمام الحول لم يجزه المدفوع عن الزكاة وعليه أن يخرج الزكاة ثانيا ويسترجع ما دفعه إن كان قد شرط أنه زكاة معجلة ويضمه إلى ما معه في أحد الوجهين إذا كان ماشية كما لو كان ذهبا أو فضة وهل يخرجها بنفسها أو يخرج بدلها
ذكر في الحاوي فيه وجهان
أصحهما أنه مخير
وإن كان قد عجل الزكاة إلى فقير فاستغنى قبل تمام الحول من غير وجه الزكاة فإنه يسترجع إذا كان قد شرط التعجيل
وقال أبو حنيفة لا يسترجع حتى يتغير صفة المدفوع إليه بموت أو ردة أو غنى
فإن عجل الزكاة إلى فقير فاستغنى في أثناء الحول ثم افتقر قبل تمام الحول أجزأه في أظهر الوجهين
والصدقة المعجلة تكون عند أبي حنيفة موقوفة بين الأجزاء عن الفرض وبين التطوع وعندما تكون موقوفة بين الأجزاء والاسترجاع
فإن شككنا هل مات قبل تمام الحول أو بعده لم يسترجع في أظهر الوجهين فإن قال رب المال في الموضع الذي لم يشترط الرجوع بها والإمامالآخذ يعلم أنه صدقة معجلة فأحلفه لي حلف على ذلك في أظهر الوجهين
وإذا اختلفا في شرط التعجيل فالقول قول الفقير في أحد الوجهين إذا تسلف الساعي الزكاة بغير مسألة رب المال وتلفت في يده واختل الوجوب في آخر الحول ضمنها لرب المال
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يضمنها وإن تسلفها بمسألة رب المال كانت من ضمان رب المال
وذكر في الحاوي أنه إذا كان قد تسلف بمسألة رب المال والعين باقية كان له أن يرجع فيها وفيه نظر
وإن تسلفها بمسألة المساكين كانت من ضمانهم وإن تسلفها بمسألة المستحقين ورب المال ففيه وجهان
أحدهما أنه من ضمان الفقراء
والثاني أنها من ضمان رب المال
وذكر في الحاوي أن الإمام إذا رأى بأطفال المساكين حاجة إلى التعجيل فاستسلف لهم فتلف في يده فقد اختلف أصحابنا في استسلافه وضمانه على وجهين
أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه ليس له أن يستسلف لهم وإذا استسلف لهم ضمنه
والثاني وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن له أن يستسلف لهم ولا ضمان عليه
والوجه الأول ليس بشيء ولم أر هذين الوجهين إلا في الحاوي وينبغي أن يكون الاستسلاف جائزا وجها واحدا وفي وجوب الضمان وجهان
فأما ما تجب الزكاة فيه من غير حول كالعشر وزكاة المعدن والركاز فلا يجوز تعجيل زكاته قبل الوجوب
وقال أبو علي بن أبي هريرة يجوز تعجيل العشر والأول أصح
فإن عجل الزكاة عن نصاب ومات قبل تمام الحول أجزأ المدفوع عن الوارث
إذا قلنا إنه يبنى حول الوارث على حول الموروث
وإن قلنا بقوله الجديد استأنف الحول
فإذا تم حوله أجزأه ما كان عجله موروثه على ظاهر المذهب
باب قسم الصدقات
يجوز لرب المال تفرقة زكاة الأموال الباطنة بنفسه وهي الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز وله أن يدفع إلى الإمام وفي الأفضل ثلاثة اوجه
أحدها وهو الأظهر أن تفرقته بنفسه أفضل
والثاني أن الدفع إلى الأمام أفضل
والثالث أن الإمام إن كان عادلا فالدفع إليه أفضل وإلا فتفرقتهبنفسه أفضل وأما الأموال الظاهرة وهي الماشية والزروع والثمار والمعادن فعلى قوله القديم يلزمه دفعها إلى الأمام وهو قول أبي حنيفة ومالك
وعلى قوله الجديد يجوز له تفرقتها بنفسه
وذكر في الحاوي أن الإمام إذا كان جائرا لم يجز الدفع إليه ولا يجزئه
وقال أبو حنيفة يجزئه دفعها إليه
وقال مالك إن أخذها منه جبرا أجزأه وإن دفعها إليه باختياره لم يجزه
ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لجباية الصدقات ولا يبعث إلا حرا عدلا فقيها ولا يبعث هاشميا ولا مطلبيا إذا أراد أن يأخذ جزءا من الزكاة
وقيل يجوز ذلك وفي مواليهم وجهان
أحدهما أنه يجوز أن يجعل عاملا على الصدقات
فإن قال رب المال بعث النصاب ثم اشتريته ولم يحل عليه الحول أو قال قد أديت زكاته وقلنا يجوز له تفرقته بنفسه حلفه الساعي وهل اليمين واجبة أو مستحبة فيه وجهان
وكذا إن قال هي وديعة ولم يصدقه الساعي حلفه على ما ذكرناه
وحكي عن بعض أصحابنا أنه قال إذا قال هي وديعة عندي ودعواه لا تخالف الظاهر فيكون اليمين مستحبة وجها واحدا وليس بصحيح
وذكر في الحاوي أن الساعي يسأله عن مالك الوديعة فإن لم يذكره ففيه وجهان
أحدهما أن قوله مقبول ولا زكاة عليه
والثاني وهو ضعيف أنه يؤخذ منه الزكاة عند الامتناع وما ذكره الشيخ أبو نصر رحمه الله أصح
فإن قال بعته في أثناء الحول ثم اشتريته فشهد شاهدان على الماشية بأعيانها أنها لم تزل في ملكه من أول الحول إلى آخره لا يعلمان أنها خرجت من ملكه قبلت شهادتهما
ذكر في الحاوي أنهما إذا كانا فقيهين في جيران المال لم تقبل شهادتهما وإن لم يكونا من جيران المال قبلت ولو قلت هذا لكان أصوب
ويسم الإبل والبقر في أفخاذها والغنم في آذانها ويكتب عليه زكاة أو صدقة
وقال أبو حنيفة يكره الوسم
ولا يجوز للساعي ولا للإمام التصرف فيما يحصل من الزكاة حتى يوصلها بعينها إلى مستحقيها فإن أخذ في الزكاة نصف شاة أو وقف عليه في الطريق شيء جاز له بيعه
وعند أبي حنيفة يجوز أخذ القيمة في الزكاة ويصرفها فيما يراه مصلحة فإن لم يبعث الإمام ساعيا وجب على رب المال تفرقة زكاته بنفسه
ومن أصحابنا من قال يجب عليه حملها إلى الإمام على القول الذي لا يجوز له التفرقة بنفسه
فصل
ولا يصح إخراج الزكاة إلا بالنيةوحكي عن الأوزاعي أنه قال لا يفتقر إخراجها إلى النية
وفي جواز تقديم النية على الدفع بأن يعزل شيئا بنية الزكاة ثم يدفعه إلى الفقير من غير نية وجهان
أظهرهما أنه يجوز
فإن تصدق بجميع ماله ولم ينو به الزكاة لم يجزه شيء منه عن الزكاة
وقال أصحاب أبي حنيفة يجزئه استحسانا وإن تصدق ببعض ماله ولم ينو به الزكاة فقد قال محمد بن الحسن يجزئه ذلك عن زكاة ذلك البعض
وقال أبو يوسف لا يجزئه
فإن حال الحول على ماله فأفرد الزكاة ليحملها ويدفعها إلى أهلها فهلكت في الطريق لم يجزه عن فرضه
وقال مالك يجزئه عن الزكاة
وينوي الزكاة الواجبة وإن نوى الزكاة أجزأه في أحد الوجهين وإن وكل وكيلا في دفع الزكاة فنوى الوكيل عند الدفع إلى المستحق ولم ينو رب المال لم يجزه وإن نوى رب المال ولم ينو الوكيل
فمن أصحابنا من قال يجزئه وجها واحدا
ومن أصحابنا من قال يبنى على جواز تقديم نية الزكاة على الدفع
وإن دفع الزكاة إلى الإمام من غير نية لم يجزه في أظهر الوجهين كما لو دفع إلى الستحق
فإن أخرج خمسة دراهم ونوى بجميعها الزكاة وصدقة التطوع لم يجزه عن الزكاة ووقع عن التطوع وبه قال محمد بن الحسن
وقال أبو يوسف يجزئه عن الزكاة
ويستحب للساعي أن يدعو لرب إذا أخذ الصداقة
وقال داود يجب الدعاء له
وحكى في الحاوي أن الرب المال إذ سأله االدعاء هل يجب عليه فيه وجهان وليس بشيء
وقال أبو حفص الباب شامي يجوز صرف خمس الزكاة إلى من يصرف إليه خمس الفيء والغنيمة
وقال أبو سعيد الإصطخري يجوز دفع زكاة الفطر إلى ثلاثة من الفقراء
وقال أبو حنيفة والثوري يجوز الاقتصار على بعض الأصناف في الصرف حتى أنه قال لو دفعها إلى واحد من المستحقين جاز
وقال النخعي إن كانت الزكاة كثيرة فرقها على الأصناف وإن كانت قليلة دفعها إلى صنف واحد
وقال مالك يدفعها إلى أمسهم حاجة
فإن كان الإمام الذي يقسم الصدقة قسمها على ثمانية أصناف يبدأ بالعامل فإن كان سهمه يزيد على اجرته رد الفضل على الباقين وإن كان أقل من أجرته تمم له ومن أين يتمم
قال الشافعي رحمه الله يتمم من لهم المصالح ولو قيل يتمم من حق سائر الأصناف لم يكن به بأس
فمن أصحابنا من قال فيه قولان
أحدهما من بيت المال ولا يزاد على نصيبه
والثاني من الصدقة
ومنهم من قال هو بالخيار إن شاء تمم من سهم المصالح وإن شاء من سهم الباقين ذكره أبو إسحاق
ومنهم من قال إن بدأ بنصيبه فوجده ينقص عن أجرته تممه من سهام الباقين وإن كان قد بدأ بسهام الأصناف ففرقها ثم وجد سهم العاملين ينقص تممه من سهم المصالح
ومنهم من قال إن فضل عن حاجة الأصناف شيء تمم منه وإن لم يفضل عن حاجة الأصناف شيء تمم من سهم المصالح والصحيح الطريق الأول
ويعطى الحاشر والعريف والكاتب من سهم العامل ومؤونة النقال والحمال والحافظ من الوسط وفي أجرة الكيال وجهان
قال أبو علي بن أبي هريرة وهي رب المال
قال أبو إسحاق يكون على أهل السهمان والأول أصح
وفي أجرة الحفاظ والرعاة بعد قبضها وجهان
أحدهما أنها من سهم العاملين
والثاني من أموال الصدقات والأول أصح
فصل
وسهم للفقراء والفقير أمس حاجة من المسكين وهو الذي لا يجد ما يقع موقعا من كفاية فيدفع إليه ما تزول به حاجته فإن كان قويا وادعى أنه لا كسب له قبل قوله وأعطى وحلف واجبا في أحد الوجهينوسهم للمساكين والمسكين هو الذي يجد ما يقع موقعا من كفايته إلا انه لا يكفيه كأنه يحتاج في كل يوم إلى عشرة دراهم ويكتسب كل يوم خمسة فيدفع إليه تمام الكفاية
وقال أبو حنيفة المسكين أمس حاجة من الفقير وبه قال الفراءوثعلب واختاره أبو إسحاق المروزي وبقولنا قال مالك
فإن ادعى عيلة لا يكتسب ما يكفيهم لم يقبل قوله إلا ببينة في أحد الوجهين فإن ادعى تلف ماله لم يقبل إلا ببينة لأنه روي في الخبر حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه
فمن أصحابنا من قال الثلاثة في هذه البينة
وقيل بل ذلك تغليظ
فإن كان له كسب يكفيه على الدوام أو ضيعة يستغلها ما يكفيه لم يجز له أخذ الزكاة وإن كان لا يكفيه جاز له أخذ تمام الكفاية من الزكاة
وقال أبو حنيفة إذا لم يكن معه نصاب أو ما قيمته نصاب جاز له أخذ الزكاة ولا يمنع منها الكسب وإن كان معه نصاب أو ما قيمته نصاب فاضلا عن سكنه وخادمه حرم عليه أخذ الزكاة وإن كان لا يكفيه ذلك
وقال أحمد إذا ملك خمسين درهما لم يجز له أخذ الزكاة
فصل
وسهم للمؤلفة وهم ضربان مؤلفة المسلمين ومؤلفة الكفار فمؤلفة الكفار ضربان ضرب يرجى خيره وضرب يخاف شره وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم وهل يعطون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيه قولانأحدهما يعطون ولكن من غير الزكاة
ومؤلفة المسلمين أربعة
قوم لهم شرف فيعطون ليرغب نظراؤهم في الإسلام
وقوم نيتهم في الإسلام ضعيفة فيعطون لتقوى نيتهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم وهل يعطون بعده صلى الله عليه وسلم فيه قولان
أحدهما لا يعطون وهو قول أبي حنيفة
والثاني يعطون
ومن أين يعطون فيه قولان
أحدهما من الصدقات
والثاني من خمس الخمس
والضرب الثالث قوم من المسلمين بينهم قوم من الكفار إن أعطوا قاتلوهم
وقوم يليهم قوم من أهل الصدقات إن أعطوا أحبوا الصدقات وفيهم أربعة أقوال
أحدهما أنهم يعطون من سهم المصالح
والثاني من سهم المؤلفة من الزكاة
والثالث من سهم الغزاة
والرابع وهو المنصوص عليه أنهم يعطون من سهم الغزاة وسهم المؤلفة
واختلف أصحابنا في هذا القول
فمنهم من قال إنما أعطاهم من النصيبين على القول الذي يقول إنمن اجتمع فيه سببان يعطى بهما فأما إذا قلنا يأخذ بأحدهما فإنهم لا يعطون بهما
ومنهم من قال ها هنا يعطون من السهمين بخلاف غيرهم
ومنهم من قال من قاتل منهم مانعي الزكاة أعطي من سهم المؤلفة من الزكاة ومن قاتل منهم الكفار أعطي من سهم الغزاة
وقال أقضى القضاة الماوردي الأصح عندي أن يعطي بعضهم من سهم الغزاة وبعضهم من سهم المؤلفة فيمنع من الجمع في شخص واحد من السهمين ويكون الجمع بينهما للجنس
فصل
وسهم للرقاب وهم المكاتبون فيعطون عند حلول النجم وهل يجوز أن يعطى قبل أن يحل عليه نجم فيه وجهانفإن كان قد سلم ما أخذه من الزكاة إلى المولى وبقيت عليه بقية فعجزه المولى وفسخ الكتابة ففيه وجهان
أحدهما أنه يسترجع من المولى ذلك
وإن كان ما اخذه تالفا قبل أن يمكنه دفعه إلى مولاه لم يضمنه المكاتب وهل يضمنه المولى فيه وجهان
أحدهما أنه لا يضمنه
والثاني يضمنه
فإن ادعى أنه مكاتب لم يقبل قوله إلا ببينة فإن صدقه المولى ففيه وجهان
أصحهما أنه يقبل
والمراد بالرقاب في الآية المكاتبون وهو قول أبي حنيفة والثوري وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وقالت طائفة المراد به أن يشتري من الصدقة عبيدا فيقتدى عتقهم روي ذلك عن ابن عباس والحسن البصري وبه قال مالك وروي عن احمد
فصل
وسهم للغارمين وهم ضربانضرب غرم لإصلاح ذات البين بأن تحمل مالا أتلف في الحرب لتسكين فتنة ففيه وجهان
أحدهما أنه يعطى مع الغنى
وقال أبو حنيفة لا يدفع إليه مع الغنى
وإن غرم لمصلحة نفسه في غير معصية فهل يعطى مع الغنى فيه قولان
قال في الام يعطى
وإن غرم في معصية ثم تاب عنها فهل يعطى مع الفقر فيه وجهان
فإن دفع إليه من سهم الغارمين ما يبرىء من الدين استرجع منه فإن لم يسترجع حتى لزمه دين آخر صار به غارما فهل يسترجع منه فيه وجهان
فإن ادعى الغرم وصدقه الغريم ففيه وجهان كالمكاتب
فصل
وسهم في سبيل الله وهم الغزاة الذين إذا نشطوا غزوا وبه قال مالك وأبو حنيفةوقال أحمد يجوز أن يدفع ذلك إلى من يريد الحج
ويدفع إلى الغازي مع الغنى
وقال أبو حنيفة لا يدفع إليه إلا أن يكون فقيرا
وسهم لابن السبيل وهو المسافر ومن ينشيء سفرا وهو محتاج في سفر طاعة فيدفع إليه ما يبلغه مقصده ويعود به وإن كان سفره مباحا ففيه وجهان ولا يعطى في سفر المعصية والمريد للسفر والقول قوله في إرادته السفر وفي أحلافه على إرادته السفر وجهان
أحدهما أنه لا يعطى إلا بعد اليمين وهو قول أبي إسحاق
وقال أبو علي بن أبي هريرة لا يحلف
وقال أبو حنيفة ومالك ابن السبيل هو المختار في السفر دون المنشيء له
وعند أبي حنيفة يجوز أن يدفع إليه في سفر المعصية
ومن يأخذ الصدقة مع الغنى خمسة العامل والغارم لإصلاح ذات البين والمؤلفة والغازي وابن السبيل إذا كان غنيا في بلده محتاجا في مكانه
ومن يأخذ أخذا غير مستقر أربعة الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل ويجب التسوية بين الأصناف في السهام ويستحب أن يعمم كل صنف وأقل من يجزىء الدفع إليه ثلاثة فإن دفع إلى اثنين ضمن نصيب الثالث وفي قدر الضمان قولان
أحدهما الثلث وهو القدر المستحب
والثاني أقل جزء من السهم وهو القدر الواجب
وقال أبو حنيفة يجوز أن يقتصر على بعض الأصناف في الدفع
فإن اجتمع في شخص واحد سببان يستحق بكل واحد منهما الأخذ من الزكاة ففيه ثلاثة طرق
أحدها أنه لا يعطى بالسببين بل يقال له اختر أيهما شئت لتعطى به
والثاني أنه إن كان السببان متجانسين أعطى بأحدهما بأن يستحق بهما لحاجته إلينا كالفقير الغارم لمصلحة نفسه أو لحاجتنا إليه كالغازي الغارم لإصلاح ذات البين وإن اختلفا دفع إليه بهما
والثالث فيه قولان
فإن كان الإمام هو الذي يفرق الزكاة فهل يشتري الخيل بسهم الغزاة أو يدفع إليهم أثمانها فيه وجهان
ويجب صرف الزكاة إلى المستحقين في بلد المال فإن نقل إلى الأصناف في غير بلد المال ففيه قولان
أحدهما يجوز
والثاني أنه لا يجوز ولا يجزىء
ومن أصحابنا من قال القولان في جواز النقل فأما إذا نقل فإنه يجزئه قولا واحدا ذكر هذه الطريقة الشيخ أبو حامد وقال هي المذهب
وفي زكاة الفطر وجهان
احدهما أن الاعتبار بالبلد الذي هو فيه حاليا
والثاني أن الاعتبار بالبلد الذي هو فيه
فإن نقل الصدقة إلى موضع لا تقصر إليه الصلاة ففيه طريقان
أظهرهما أنه على القولين
والثاني أنه يجزئه قولا واحدا
فإن كان البلد كبيرا كبغداد والبصرة كان جيران المال أخص بها
وهل يمنع من النقل إلى غيرهم ذكر في الحاوي وجهين
أحدهما أنه على القولين في نقل الصدقة
والثاني يجوز قولا واحدا وهو الأصح وذكر أن المذهب عنديفيمن هو خارج المصر أن يعتبر فيه أن يكون ممن يلزمه الحضور للجمعة في المصر فيجوز النقل إليه فهو أولى من الوجهين المتقدمين في اعتبار مسافة القصر
فأما إذا وجد بعض أهل السهمين في بلد المال دون بعض ووجدهم في بلد آخر فمن أصحابنا من بنى ذلك على القولين في جواز النقل فإن قلنا يجوز النقل وجب نقلها إلى بقية الأصناف وإن قلنا لا يجوز النقل وجب صرفها إلى الموجودين
ومنهم من قال تنقل ها هنا قولا واحدا
فإن كان له أربعون شاة عشرون في بلد وعشرون في بلد آخر
فقد قال الشافعي رحمه الله إذا أخرج الشاة في أحد البلدين كرهت وأجزأه
ومن أصحابنا من قال إنما ذلك على القول الذي يقول إن نقل الصدقة جائز وهو قول أبي حفص بن الوكيل
ومنهم من قال يجزئه قولا واحدا
ومن قال بالأول قال لو كان على قول واحد لما كرهه
فإن ادعى أنه أخرج الشاة في أحد البلدين فكذبه الساعي فنكلعن اليمين الواجبة عليه في أحد الوجهين أخذت منه الزكاة لما تقدم من الظاهر لا لنكوله
ذكر في الحاوي قال أبو العباس بن سريج لا تؤخذ منه الزكاة بنكوله ولكنه يحبس حتى يحلف أو يؤدي
فإن كان من أهل الخيام الذين ينتجعون الماء والكلاء فإن كانوا متفرقين فموضع الصدقة من عند المال إلى حيث تقصر فيه الصلاة وإن كانوا في حلل مجتمعة ففيه وجهان
أحدهما أن كل حلة كبلدة
والثاني أنها كالقسم قبله وجيران المال في أحد الوجهين أهل محلته إلى أربعين دارا
وقيل أهل البلد فإن كان جيرانه أجانب وأقاربه أباعد فقد ذكر في الحاوي أن الجيران أحق به
وقال أبو حنيفة أقاربه أحق وهذا الذي حكاه علي مذهب الشافعي فيه نظر
ولو قيل بالتسوية بينهم لكان أقرب
فإن قسمت الصدقة على الأصناف فنقص نصيب بعضهم عن كفايتهم وفضل نصيب بعضهم
فإن قلنا المغلب حكم المكان صرف الفاضل إلى الباقين في بلد المال
وإن قلنا إن المغالب حكم الأصناف صرف الفاضل إلى ذلك الصنف في غير بلد المال
ولا يجوز إخراج القيمة في الزكاة وبه قال مالك وأحمد إلا أن مالكا قال يجوز إخراج الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب على سبيل البدل
وعن أحمد في إخراج الذهب عن الفضة روايتان
وقال أبو حنيفة يجوز إخراج القيمة في ذلك ولا يجوز إخراج المنافع ولا إخراج نصف صاع من بر عن صاع من شعير في الفطرة
فصل
ولا يجوز صرف الزكاة إلى هاشميولا مطلبيوحكي فيه وجه آخر أنه يجوز
وقال أبو سعيد الإصطخري إن منعوا حقهم من الخمس جاز أن يدفع إليهم من الزكاة والمذهب الأول وفي مواليهم وجهان
وقال أبو حنيفة لا تحرم الصدقة على آل المطلب وإنما تحرم على ولد العباس وعلي وجعفر وعقيل والحارث بن عبد المطلب
ولا تحرم صدقة التطوع على ذوي القربى وهل كانت محرمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولين
وقال أبي علي بن أبي هريرة ما كان من صدقات التطوع على الأعيان كان حراما عليه صلى الله عليه وسلم وما كان مسبلا على الكافة لم يحرم عليه كصلاته في المساجد
قال صاحب الحاوي والأصح عندي ان ما كان اموالا متقومة كانت عليه محرمة وما لم تكن اموالا مقومة تحرم عليه
ولا يجوز دفع الزكاة إلى كافر
وحكي عن الزهري وابن شبرمة أنهما قالا يجوز دفعها إلى أهل الذمة
وقال أبو حنيفة يجوز دفع زكاة الفطر إليه دون غيرها
ويجوز أن تدفع الزوجة من زكاتها إلى زوجها وبه قال أبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة لا يجوز
فإن دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر فبان غنيا فهل يضمن رب المال الزكاة فيه قولان
أحدهما أنها تجزئه ولا ضمان عليه وهو قول أبي حنيفة
والثاني لا تجزئه وله أن يسترجع ما دفع إن كان قد شرط أنه زكاة
فأما إذا بان المدفوع إليه كافرا ففيه طريقان
أحدهما أنه على القولين
ومن أصحابنا من قال إن كان الدفع من جهة الإمام ففيه قولان وإن كان من جهة رب المال فقولا واحدا يجب عليه الضمان
ومن وجبت عليه زكاة ومات قبل الأداء وجب ضمانها في تركته
وقال أبو حنيفة يسقط بالموت
فإن اجتمعت الزكاة ودين الآدمي وضاق المال عن الوفاء بهما ففيه ثلاثة أقوال
أحدهما أنه يقدم حق الله عز وجل
والثاني يقدم دين الآدمي
والثالث أنه يقسم بينهما= كتاب الصيام
يتحتم صوم رمضان على كل مسلم بالغ عاقل طاهر مقيم قادر على الصوم فأما المرتد فيجب عليه قضاء ما فاته من الصوم في حال الردة إذا أسلم خلافا لأبي حنيفة
ويؤمر الصبي بفعل الصوم لسبع إذا طاقه ويضرب على تركه لعشر
وقال أبو حنيفة لا يصح صومه
فإن أفاق المجنون أو أسلم الكافر في أثناء النهار لم يجب عليه قضاء ذلك اليوم في أحد الوجهين وهو المنصوص عليه
وإن بلغ الصبي في أثناء النهار وهو صائم ففيه وجهان
أصحهما أنه يلزمه إتمامه ويستحب له قضاؤه
والثاني أنه يلزمه قضاؤه ويستحب له إتمامه وإن بلغ مفطرا لم يجب عليه قضاؤه في أصح الوجهين وبه قال أبو حنيفة
والمجنون إذا أفاق بعد مضي شهر رمضان لا يجب عليه القضاء وبه قال أبو حنيفة
وقال مالك يجب عليه قضاؤه ويحكى عن أبي العباس بن سريج وهو إحدى الروايتين عن أحمد
وقال أبو حنيفة إذا أفاق في أثناء الشهر وجب عليه قضاء ما مضي منه
وحكي عن محمد أنه قال إذا بلغ مجنونا فأفاق في أثناء الشهر لم يجب عليه قضاء ما مضى منه
ومن لا يقدر على الصوم بحال كالشيخ الهرم والمريض الذي لا يرجى برؤه لا يجب عليه الصوم ويجب عليه الفدية في أصح القولين عن كل يوم مد من طعام وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال يطعم عن كل يوم نصف صاع من بر أو صاع من تمر
وقال أحمد يطعم مدا من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير
والقول الثاني إنه لا يجب عليه الفدية وبه قال مالك وأبو ثور
فإن نذر صوما في حال عجزه لم ينعقد نذره في أحد الوجهين وأما المسافر فإنه إن كان الصوم لا يجهده فالأفضل له أن يصوم وبه قال أبو حنيفة ومالك
وقال أحمد والأوزاعي الفطر له أفضل
وذهب قوم من أهل الظاهر إلى أن الصوم في السفر لا يصح ويجوز له الفطر بالأكل والجماع
وقال أحمد لا يجوز له الفطر بالجماع وإذا جامع وجبت عليه الكفارة
فإن شرع في الصوم في السفر فله أن يفطر إن شاء
قال الشيخ الإمام أبو إسحاق الشيرازي يحتمل أن يقال لا يجوز له الفطر
فإن أصبح في الحظر صائما ثم سافر لم يجز له الفطر وبه قال أبو حنيفة ومالك والزهري
وقال أحمد في إحدى الروايتين يجوز له الفطر وبه قال داود واختاره المزني
فإن قدم المسافر وهو مفطر أو بريء من المرض وهو مفطر استحب له إمساك بقية النهار ولا يجب ذلك وكذا الصبي يبلغ والكافر يسلم والحائض تطهر في أثناء النهار
وحكي عن بعض أصحابنا في الكافر يسلم والصبي يبلغ وجه آخر أنه يلزمهما إمساك بقية النهار وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله وبقولنا قال مالك وداود
وحكي في الحائض وجه آخر أنه يلزمها إمساك بقية النهار
وحكي في الحاوي أن طريقة البصريين في المريض يبرأ أنه يلزمه الإمساك بخلاف المسافر
وحكي في المجنون يفيق قولين في وجوب التشبه بالصائمين
وقيل لا يلزمه التشبيه قولا واحدا
وحكى في الكافر يسلم قولين
وقيل يلزمه التشبه قولا واحدا
والأصح ما ذكرناه أولا
وقال أبو حنيفة والثوري يلزم جميع أرباب الأعذار إمساك بقية النهار عند زوال أعذارهم
وإن قدم المسافر وهو صائم أو برىء المريض وهو صائم لم يجز لهما الفطر في قول أبي إسحاق المروزي وجاز في قول أبي علي بن أبي هريرة
فإن خافت الحامل أو المرضع على ولديهما من الصوم أفطرتا ولزمهما القضاء والكفارة عن كل يوم مد طعام في أصح الأقوال
والقول الثاني أن الكفارة غير واجبة وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني رحمه الله
والثالث أنها تجب على المرضع دون الحامل وهو إحدى الروايتين عن مالك والرواية الثانية أنه لا كفارة على واحدة منهما
وروي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا لا تجب عليهما الكفارة دون القضاء
وقال أحمد يجب عن كل يوم مد بر أو نصف صاع من شعير أو تمر وبه قال محمد مع القضاء
وذكر القاضي حسين رحمه الله أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا لمرض أو سفر للترفق فلا فدية وإن كان لأجل الولد فعليهما الفدية وإن لم يكن لهما نية ففيه وجهان بناء على المسافر يطأ لا يقصد الترخص في وجوب الكفارة عليه قولان وفيما ذكره نظر ومع السفروالمرض لا يجب عليهما الكفارة بحال ولا يختلف الحال بالقصد وعدم القصد
وقد اختلف في الصوم والصلاة أيهما أفضل
فقال قوم الصلاة أفضل
وقال آخرون الصوم أفضل
وقال آخرون الصلاة بمكة أفضل والصوم بالمدينة أفضل والأول أصح فصل
ويجب صوم رمضان برؤية الهلال فإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا
وحكي عن قوم أنهم قالوا يجوز أن يجتهد في ذلك ويعمل بقول المنجمين
ولا يصومون يوم الشك من رمضان وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة ومالك
وقال أحمد إن كانت السماء مصحية كره صومه وإن كانت متغيمة وجب صومه من رمضان
وروي عنه أيضا أنه إن صام الإمام صام الناس وإن أفطر الإمام أفطروا وهو قول الحسن البصري
وعنه رواية ثالثة نحو قولنا واختلف أصحابه في قيام ليلة الشك
فإن أصبحوا في يوم الثلاثين من شعبان فقامت البينة أنه من رمضان لزمهم قضاؤه وهل يلزمهم إمساك بقية النهار فيه قولان
أصحهما أنه يلزمهم وهل يثابون على هذا الإمساك على القولين جميعا فيه وجهان
أصحهما انهم يثابون عليه
ذكر الشيخ أبو حامد رحمه الله في التعليق أنه إن كان لم يأكل شيئا فأمسك فإنه يكون صائما صوما شرعيا على قول أبي إسحاق من حين أمسك وليس بصحيح فإن كان ممن يعرف المنازل والحساب فنوى ليلة الثلاثين أنه صائم غدا من رمضان بحكم ما عرف من ذلك فقامت البينة بالنهار أنه من رمضان فهل يجزئه فيه وجهان
أحدهما يجزئه حكاه القاضي أبو الطيب رحمه الله عن أبي العباس ابن سريج واختاره ولا يختلف أصحابنا أن الصوم لا يلزم بالحساب ومعرفة المنازل على العموم وهل يلزم الذي عرف ذلك فيه وجهان
أحدهما يلزمه وهو قول أبي العباس بن سريج
فإن رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة قبل الزوال كان أو بعده في أول شهر أو آخره وهو قول مالك وأبي حنيفة
وقال ابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف إن كان قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإن كان بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة وهو قول بعض أصحاب مالك
وقال أحمد إن كان في أول رمضان قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإن كان في آخره ففيه روايتان
إحداهما أنه لليلة الماضية
وإن رأوا الهلال في بلد ولم يروه في بلد آخر فإن كانا متقاربين وجب الصوم على أهل البلدين وإن كانا متباعدين وجب على من رأى ولم يجب على من لم ير
والتباعد أن يختلف المطالع كالعراق والشام والحجاز وهذا الذي ذكره الشيخ أبو حامد
وذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه يجب الصوم على أهل جميع البلاد بالرؤية في بعضها وحكى ذلك عن أحمد
وفي العدد الذي تثبت به رؤية هلال رمضان قولان
أصحهما أنها تثبت برؤية العدل الواحد وهو الصحيح عن احمد
والقول الثاني أنه لا يثبت إلا بشهادة عدلين وبه قال مالك والأوزاعي
وقال أبو حنيفة إن كان في الغيم ثبت بشهادة الواحد وإن كان في الصحو لم يثبت إلا بشهادة الاستفاضة وهو العدد الكثير
فإذا قلنا يقبل من الواحد فهل يقبل فيه شهادة المرأة والعبد فيه وجهان
أصحهما أنه لا يقبل وحكى في اعتبار لفظ الشهادة وجهان
ولا يقبل على رؤية هلال الفطر شهادة الواحد قولا واحدا
وقال أبو ثور يقبل فيه شهادة الواحد أيضا وإذا قلنا تقبل شهادة المرأة والعبد على رؤية الهلال
قال الشيخ أبو نصر ينبغي أن لا يعتبر سماع الحاكم بل متىسمع ممن يثق به أنه رأى الهلال لزمه الصوم وهو قول أبي حنيفة
فإن شهد واحد برؤية هلال رمضان فصاموا ثلاثين يوما فغم الهلال
فقد قال في الأم يفطرون وحكى مثل ذلك الحسن عن أبي حنيفة
ومن أصحابنا من قال لا يفطرون وهو قول أحمد بن الحسن
فإن شهد اثنان برؤية هلال رمضان وصام الناس ثلاثين يوما والسماء مصحية فلم يروا الهلال ففيه وجهان
قال ابن الحداد لا يفطرون
وقال أكثر أصحابنا يفطرون
فإن رأى هلال رمضان وحده صام وإن رأى هلال شوال وحده أفطر وينبغي أن يفطر سرا مخافة التهمة
وحكى عن الحسن البصري وابن سيرين أنهما قالا لا يجب عليه الصوم برؤيته وحده
وقال أحمد إذا رأى الهلال وحده في آخر الشهر لا يحل له الأكل
فإن اشتبهت الشهور على أسير لزمه أن يتحرى فإن وافق شهرا بعدرمضان ناقصا وكان شهر رمضان الذي صامه الناس تاما لزمه قضاء يوم في أصح الوجهين وهو اختيار القاضي أبي الطيب رحمه الله
والثاني وهو اختيار الشيخ أبي حامد الاسفراييني أنه لا يلزمه وحكاه الطحاوي عن الحسن بن صالح بن حي
وإن وافق شهرا قبل رمضان
قال أبو إسحاق لا يجزئه قولا واحدا
وقال أكثر أصحابنا فيه قولان
أصحهما أنه لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومالك وإن وافق رمضان أجزأه
وحكي عن الحسن بن صالح بن حي أنه قال لا يجزئه
فإن لم يغلب على ظن الأمير دخول شهر رمضان عن أمارة
فقد ذكر الشيخ أبو حامد في التعليق أنه يلزمه أن يصوم على سبيل التخمين ويعيد
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وهذا عندي غير صحيح لأنه لا بد من يقين أو ظن في دخول وقت العبادة
فصل
ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام إلا بنيةوحكي عن زفر بن الهذيل أنه قال صوم رمضان إذا تعين عليه لم يفتقر إلى النية وروي ذلك عن عطاء
ويفتقر كل يوم إلى نية مجددة
وقال مالك يكفيه نية واحدة من أول ليلة من الشهر أنه يصوم جميعه وروى ذلك أيضا عن احمد
ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام الواجب بنية من نهار إلا بنية من الليل وبه قال مالك وأحمد
وحكي عن عبد الملك بن الماجشون أنه إذا أصبح يوم الثلاثين منشعبان وقامت البينة برؤية الهلال من الليل ولم يكن أكل ولا نوى الصوم فإنه يلزمه الإمساك ويجزئه صومه ولا يجب عليه القضاء
وقال أبو حنيفة يصح أداء رمضان بنية من النهار قبل الزوال وكذلك كل صوم تعلق بزمان بعينه وهل تصح نيته مع طلوع الفجر فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يصح
ويجزئه النية في جميع الليل في أصح الوجهين فإن نوى بالليل ثم أكل بعده أو جامع لم تبطل نيته في أصح الوجهين
وحكي عن أبي إسحاق أن نيته تبطل وليس بشيء
ويجب تعيين النية للصوم الواجب وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة صوم رمضان لا يفتقر إلى تعيين النية فلو نوى النفل فيه أو صوما غيره انصرف إلى صوم رمضان وكذلك النذر المعين وأما المسافر إذا نوى النفل في رمضان ففيه عنه روايتان
إحداهما أنه ينعقد نفلا
والثانية أنه يقع عن رمضان فإن نوى في السفر في رمضان فرضا غير رمضان انعقد ما نواه عنده
والتعيين أن ينوي صوم رمضان وهل يفتقر إلى نية الواجب
فيه وجهان وفي وجوب نية الأداء وجهان
فإن شرع في الصوم ثم نوى الفطر بطل صومه في أصح الوجهين فإن نوى أنا صائم غدا إن شاء زيد لم تصح نيته وذكر فيه وجه آخر أنه لا يصح
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله يجب أن يفصل القول في ذلك فيقال إن كان قد قصد بذكر المشيئة الشك في فعله لم يصح صومه وإن كان قصده أن فعله للصوم على كل حال إنما يكون بمشيئة الله وتيسيره وتوفيقه ولم يقصد التردد في فعله فذلك تأكيد للنية فيصح صومه
فإن قال أنا صائم غدا عن قضاء رمضان أو تطوع وقع تطوعا وهو قول محمد بن الحسن
وحكي عن أبي يوسف أنه قال يقع عن القضاء
فإن نوت المرأة أن تصوم غدا إن انقطع حيضها وكان عادتها ان ينقطع في تلك الليلة فانقطع دمها فهل تصح نيتها هذه فيه وجهان
قال الشافعي رحمه الله ولو عقد رجل على أن غدا عنده من رمضان في يوم الشك ثم بان من رمضان أجزأه
واختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة
فمنهم من قال صورتها أن يخبره رجل برؤية الهلال فيغلب على ظنه صدقة فينوى الصوم من الليل ثم تقوم البينة من الغد أنه من رمضان فيجزئه صومه
ومنهم من قال صورتها أن يكون عالما بحساب النجوم ومنازل القمر فيغلب على ظنه من جهة الحساب أن الهلال يرى لو كانت السماء مصحية فينوي الصوم من الليل ثم تقوم البينة من الغد برؤية الهلال فإنه يجزئه
ومن قال بالأول قال المنجم لو أخبر غيره بما غلب على ظنه فعمل عليه لم يجزه وكذا إذا عمل هو بظنه
قال القاضي أبو الطيب فيجب أن يكون في المسألتين وجهان
أحدهما يجزؤه واختاره القاضي أبو الطيب
وحكى غيره في لزوم الصوم به في حق من يعرف وجهين
ذكر القاضي أبو الطيب في المجرد إذا نوى أن يصوم غدا من رمضان سنة تسعين وكانت سنة إحدى وتسعين فغلط لم تصح نيته ولو نوى أن يصوم غدا من هذه السنة وظنها سنة تسعين وكانت إحدى وتسعين صحت نيته
قال ولو نوى أن يصوم غدا وظنه يوم الاثنين فبان يوم الثلاثاء أجزاه
وقال الشيخ أبو نصر رحمه الله ولا فرق بين هذه المسائل وينبغي أن يجزئه في الكل إذا كان عليه قضاء اليوم الأول من رمضان فنوى قضاء اليوم الثاني
حكي القاضي أبو الطيب رحمه الله عن بعض أصحابنا أنه لا يجزئه
وحكى القاضي حسين أنه إذا كان قد عين المكان او الزمان في الصوم فاخطأ أجزأ فأما إذا عين الصلاة فأخطأ فيها فإنها لا تجزىء
أربع مسائل لا يعتبر فيها التعيين في الجملة وهي الكفارة والإمامة في الصلاة لا يجب تعيين الإمام فيها ولا تعيين سبب الكفارة من قتل أو غيره وإذا عينه فأخطأ لم يجزه وفي الزكاة إذا أخرج خمسة دراهم عن زكاة ماله الغائب إن كان سالما فلم يكن سالما لم يقع عن غيره وصلاة الجنازة لا يعتبر فيها تعيين الميت فلو عينه وأخطأ لم يصح واليوم في الصوم كالوقت في الصلاة
وحكي القاضي أبو الطيب رحمه الله وجها آخر عن بعض أصحابناأنه إذا نوى قضاء اليوم الأول من رمضان فكان الثاني أنه يجزئه فعلى مقتضى هذا يجب أن يكون في المسائل كلها وجهان
فأما صوم التطوع فيصح بنية قبل الزوال وبه قال أبو حنيفة وأحمد
وقال مالك وداود لا يصح بنية من النهار أيضا وهو اختيار المزني
وحكي حرملة أنه يجوز ان ينوي النفل بعد الزوال فإذا نوى قبل الزوال كان صائما من اول النهار
وقال أبو إسحاق المروزي يكون صائما من وقت النية وفرع على هذا أنه يجوز أن يأكل في أول النهار ثم ينوي الصوم في الباقي وهذا ظاهر الفساد
فصل
ويدخل في الصوم بطلوع الفجر ويخرج منه بغروب الشمس فإن أصبح جنبا صح صومهوحكي عن أبي هريرة وسالم بن عبد الله رضي الله عنهما أنهما قالا إذا أصبح جنبا بطل صومه ويلزمه إمساك بقية النهار ويقضي يوما مكانه
وقال عروة بن الزبير والحسن البصري إن أخر الاغتسال لغير عذر بطل صومه
وحكى الشيخ ابو نصر رحمه الله عن الحسن نحو قول أبي هريرة
وعن طاوس نحو قول عروة
وقال النخعي إن كان في الفرض قضاه وفي النفل لا يقضي
وإن طلع الفجر وفي فيه طعام فلفظه أو كان مجامعا فنزع مع طلوع الفجر صح صومه وهو قول أبي حنيفة
وقال المزني لا يصح صومه إذا نزع مع طلوع الفجر وهو قول مالك وزفر وأحمد 2
فإن أكل شاكا في طلوع الفجر صح صومه وان أكل شاكا في غروب الشمس بطل صومه
وحكى أصحابنا عن مالك أنه إذا أكل شاكا في طلوع الفجر فسد صومه
وقال الشيخ أبو نصر رحمه الله ولم أجده لأصحابه
وحكي عن إسحاق بن راهويه وداود أنهما قالا لا قضاء عليه وهو قول عطاء
وعن مالك أنه يقضي في الفرض دون النذر المعين
فإن كان بين أسنانه شيء فابتلعه وهو متميز عن ريقه بطل صومه وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة لا يبطل صومه وقدره بعضهم بقدر الحمصة
فإن جمع ريقه في فيه ثم ابتلعه ففيه وجهان
أحدهما أنه يبطل صومه فأما إذا نزلت النخامة من رأسه إلى حلقه فبلعها وكان يمكن قذفها بطل صومه وحكى فيه وجه آخر وليس بشيء
فإن أسقط أو صب الماء في أذنه فوصل إلى دماغه بطل صومه وكذا إذا احتقن
وقال الحسن بن صالح وداود جميع ذلك لا يفطر
وقال ابو حنيفة الحقنة لا تفطر والتقطير في الإخليل لا يفطر
ولنا في التقطير في الإحليل وجهان
فإن كان به جائفة فداواها فوصل الدواء إلى جوفه بطل صومه وبه قال ابو حنيفة وأحمد وقال مالك لا يفطر واختلف عنه في الحقنة وبه قال أبو يوسف ومحمد
فإن جرح نفسه فوصلت الجراحة إلى جوفه أو أجافه غيره بإذنه بطل صومه خلافا لأبي يوسف ومحمد
وقال مالك السعوط لا يفطر إلا أن ينزل إلى حلقه
فإن أستف ترابا أو ابتلع حصاة بطل صومه
وقال الحسن بن صالح ما ليس بطعام ولا شراب لا يفطر به وإن استقاء عامدا بطل صومه
وحكي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا لا يفطر بذلك وهو قول بعض أصحاب مالك
وإن ذرعه القيء لم يفطر
وحكي عن الحسن البصري في إحدى الروايتين عنه أنه يفطر به وهو قول عطاء والقبلة محرمة في الصوم في حق من تحرك شهوته وهو قول أبي حنيفة
وقال مالك هي محرمة بكل حال
وعن أحمد روايتان
فإن نظر بشهوة فأنزل لم يبطل صومه وبه قال أبو حنيفة
وقال مالك يبطل صومه
فإن قبل فأمذى لم يفطر
وقال أحمد يفطر
وإن فعل شيئا من محظورات الصوم ناسيا لصومه لم يبطل صومه وبه قال أبو حنيفة
وقال ربيعة ومالك يبطل صومه
وقال عطاء والأوزاعي يبطل صومه بالجماع ناسيا دون الأكل
وقال أحمد يبطل صومه بالجماع ناسيا وتجب به الكفارة دون الأكل فإن أكره حتى أكل أو أكرهت المرأة حتى مكنت من الوطىء ففي بطلان الصوم به قولان
أحدهما أنه يبطل وهو قول أبي حنيفة ومالك
وقال أحمد يفطر بالجماع مع الإكراه وتجب به الكفارة ولا يفطر بالأكل
السن للصائم ترك المبالغة في المضمضة والاستنشاق فإن وصل الماء إلى جوفه أو دماغه من غير مبالغة ففيه قولان
أحدهما أنه يفطر وهو قول أبي حنيفة ومالك واختاره المزني
والثاني أنه لا يفطر وهو الأصح وهو قول أحمد وأبي ثور
فأما إذا بالغ فسبق الماء إلى حلقه بطل صومه في ظاهر المذهب قولا واحدا
ومن أصحابنا من قال فيه أيضا قولان والأول أصح
وقال النخعي إن كان قد توضأ لمكتوبة لم يفطر وإن كان لنافلة يفطر
فصل
ومن أفطر في رمضان بغير جماع من غير عذر وجب عليه القضاء وإمساك بقية نهاره ولا كفارة عليه وعزره السلطان وبه قال أحمد وداودوقال أبو حنيفة إذا أفطر بالأكل أو الشرب وجبت عليه الكفارة وإن ابتلع فستقة بقشرها أو حصاة فلا كفارة عليه ويعتبر أن يكون مما يتغذى به أو يتداوى به
وقال مالك يفطر وتجب الكفارة بكل ما يحصل به هتك حرمة الصوم إلا الردة حتى لو ترك النية عمدا وجبت عليه الكفارة وبه قال أبو ثور
وقال عطاء الفطر بالأكل والشرب يوجب ما يوجبه الجماع
وحكي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه قال يكفر فوق كفارة الحامل والمرضع ودون كفارة الوطىء وليس بشيء
ويقضي يوما مكانه وهو قول الكافة
وحكي عن ربيعة أنه قال يقضي مكان كل يوم اثني عشر يوما
وحكي عن سعيد بن المسيب أنه قال يصوم عن كل يوم شهرا
وقال إبراهيم النخعي يقضي ثلاثة آلاف يوم
وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا لا يقضيه صوم الدهر وإن صامه
وإن أفطر بالجماع من غير عذر وجبت عليه الكفارة وإمساك بقية النهار
وقال الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير لا كفارة عليه
ويجب عليه القضاء مع الكفارة
وحكي عن الشافعي رحمه الله قول آخر أنه لا قضاء عليه إذا كفر
وحكي عن الأوزاعي أنه قال إن كفر بالصوم لم يجب عليه القضاء وإن كفر بغيره وجب وفي الكفارة ثلاثة أقوال
أحدها أنه تجب عليه كفارة عن نفسه ولا يجب على المرأة شيء وهو قول أحمد
والثاني أنه يجب على كل واحد منهما كفارة وهو قول أبي حنيفة ومالك وروي عن أحمد أيضا واختاره القاضي أبو الطيب رحمه الله
والثالث انه يجب عليه كفارة واحدة عنه وعنها
فإن كان الزوج مجنونا فوطئها وهي صائمة وجبت عليه الكفارة عنها على هذا القول
وقيل لا يجب عليه شيء
والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لميستطع فإطعام ستين مسكينا وبه قال أبو حنيفة وهو أصح الروايتين عن أحمد
وقال مالك هي على التخيير من بين العتق والإطعام والصيام فالإطعام عنده أولى بالتقديم
وحكي عن الحسن أنه قال هو مخير بين عتق رقبة وبين نحر بدنة
فإن وطىء في يومين من شهر رمضان وجب عليه كفاراتان وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة إذا لم يكفر عن الأول وجب عليه كفارة واحدة وإن كان قد كفر عن الأول فعنه روايتان وإن وطىء في يومين من رمضان فالمشهور عنه أنه يجب عليه كفاراتان فإن وطىء في يوم واحد مرتين لم يجب عليه بالوطىء الثاني كفارة
وقال أحمد إن كفر عن الأول وجب عليه بالثاني كفارة ثانية وإن لم يكفر عن الأول فقد اختلف أصحابه في وجوب كفارة ثانية
فإن جامع في اليوم الذي ردت شهادته فيه برؤية الهلال وجبت عليه الكفارة وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة لا كفارة عليه
وإن طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع وجبت عليه الكفارة وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة لا كفارة عليه وهو اختيار المزني رحمه الله
وإن جامع معتقدا أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع أو الشمس قد غربت ولم تكن قد غربت لم يجب عليه الكفارة
وإن أكل ناسيا وظن أنه أفطر فجامع فالمنصوص أنه لا كفارة عليه
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله يحتمل عندي أن تجب عليه الكفارة لأن الذي ظنه لا يبيحه الفطر
فإن أصبح مقيما صائما ثم سافر وجامع وجبت عليه الكفارة
وقال أبو حنيفة ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد لا كفارة عليه
وعن مالك فيه إذا أنشأ الصوم في السفر ثم جامع في وجوب الكفارة روايتان
وعندنا لا كفارة عليه
فإن جامع في الحضر ثم سافر لم تسقط عنه الكفارة وإن جامع ثم مرض في أثناء النهار أوجن لم تسقط عنه الكفارة في أحد القولين وهو قول مالك وأحمد وداود
والثاني يسقط وهو قول أبي حنيفة والثوري
وقال زفر تسقط بما يطرأ من الجنون والحيض ولا تسقط بما يطرأ من المرض
وحكي عن الماجشون صاحب مالك أنه قال طريان السفر يسقط الكفارة وطريان الجنون والمرض لا يسقطها
واللواط ووطىء المرأة في المحل المكروه يوجب الكفارة وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة في أشهر الروايتين عنه لا كفارة فيه
ووطىء البهيمة يوجب الكفارة في أصح الطريقتين ومن أصحابنامن بنى حصول الفطر به من غير إنزال ووجوب الكفارة على وجوب الحد بوطئها والمباشرة فيما دون الفرج إذا اتصل بها إنزال يفسد الصوم ولا يوجب الكفارة
وقال مالك وأبو ثور تجب بها الكفارة
وقال أحمد تجب الكفارة بالوطىء فيما دون الفرج
وفي القبلة واللمس بشهوة روايتان
إحداهما تجب بها الكفارة
وقال مالك إن نظر بشهوة فأنزل من النظرة الأولى أفطر ولا كفارة عليه وإن استدام النظر حتى أنزل وجبت عليه الكفارة
ولا تجب الكفارة في غير أداء رمضان
وحكي عن قتادة أنه قال تجب الكفارة في قضاء رمضان أيضا
فإن عجز عن التكفير استقر وجوبها في ذمته متى قدر كفر في أصح القولين
وفي الثاني يسقط عنه
فصل
فإن أغمي عليه جميع النهار وكان قد نوى الصوم من الليل لم يصح صومهوقال المزني رحمه الله يصح صومه كما لو نام جميع النهار وهو قول أبي حنيفة
وحكي عن أبي سعيد الإصطخري أنه قال إذا نام جميع النهار بطل صومه وليس بشيء فإن أفاق في بعض النهار وأغمي عليه في البعض فقد اختلفت نصوص الشافعي رحمه الله واختلف أصحابنا فيه على طريقين
فمنهم من قال فيه أربعة أقوال
أحدها يعتبر الإفاقة في أوله كالنية وهو قول مالك
والثاني يعتبر أن يكون مفيقا في بعض النهار وهو قول أحمد
والثالث يعتبر أن يكون مفيقا في جميع النهار
والرابع ذكره أبو العباس بن سريج أنه يعتبر أن يكون مفيقا في طرفيه
ومن أصحابنا من حكى فيه قولا خامسا أنه لا يعتبر الإفاقة في شيء منه
فإن نوى الصوم ثم جن في أثناء النهار بطل صومه في قوله الجديد
وقال في القديم لا يبطل كالإغماء
ويجوز أن يكتحل وهو صائم ولا يكره له وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور
وقال أحمد يكره له ذلك فإن وجد طعمه في حلقه أفطر
وحكى أصحاب مالك إن ما يصل إلى الحلق من العين أو الأذن يفطر
وحكي عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة إن الكحل يفطر
ويكره أن يحتجم ولا يحرم وبه قال أبو حنيفة ومالك وداود
وقال أحمد يفطر الحاجم والمحجوم وعنه في وجوب الكفارة به روايتان
وينبغي للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشتم فإن شوتم فليقل إني صائم فإن شاتم لم يبطل صومه
وحكي عن الأوزاعي أنه قال يفطر بذلك
إذا فاته أيام رمضان لم يجز له أن يؤخر قضاءها إلى أن يدخل رمضان آخر من غير عذر فإن أخر حتى دخل رمضان آخر أثم ووجبت عليه لكل يوم من مد طعام وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة لا كفارة عليه ويجوز له التأخير وهو اختيار المزني فإن أخره سنتين ففيه وجهان
أحدهما يجب لكل سنة كفارة
ويستحب أن يقضي ما عليه متتابعا فإن قضاه متفرقا جاز وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه
وقال داود وأهل الظاهر يجب ان يقضي متتابعا غير أنه ليس بشرط في صحته
وحكي عن الطحاوي أنه قال التتابع والتفريق سواء ويستحب أن يقضي على الفور
وقال أبو إسحاق إن كان قد ترك الصوم بغير عذر وجب قضاؤه على الفور والمذهب الأول
فإن مات وعليه قضاء أيام
من رمضان فاتته لعذر اتصل إلى الموت فلا شيء عليه
وحكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا فإن كان قد زال عذره وتمكن من فعله فمات وجب عليه لكل يوم مد من طعام في قوله الجديد وبه قال أبو حنيفة ومالك إلا أن مالكا قال لا يلزم الولي أن يطعم عنه إلا أن يوصي
وقال في القديم يصوم عنه وليه وهو قول الزهري وأبي ثور
وقال أحمد إن كان صوم نذر صام عنه وليه وإن كان صوم رمضان أطعم عنه
فإن قلنا يصام عنه فصام عنه وليه أو غيره بإذنه بأجرة وغير أجرة أجزأه وإن صام عنه أجنبي بغير إذن وليه لم يجزه
وقيل يجزئه
وإن قلنا إنه يطعم عنه وهذا الأصح ومات بعد ما أدركه رمضان آخر ففيه وجهان
أظهرهما أنه يلزمه مدان مد للصوم ومد للتأخير
والثاني أنه يكفيه مد واحد
فصل
يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال وبه قال أحمدوقال يوسف كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صياما خوفا أن يلحق ذلك بالفريضة
وحكى مثل ذلك محمد بن الحسن عن مالك وقال في الموطأ يكره ذلك
ويستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج والفطر للحاج بعرفة أفضل من صيام يوم عرفة وكانت عائشة رضي الله عنها تصوم هذا اليوم
وحكي عن عطاء أنه قال أصوم في الشتاء وأفطر في الصيف
وحكى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال يستحب له صومه إلا أن يضعفه عن الدعاء
ويستحب صوم عاشوراء وتاسوعاء
ومن أصحابنا من قال كان فرضا ثم نسخ وهو قول أبي حنيفة
ويكره الوصال في الصوم وروي عن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل وظاهر كلام الشافعي رحمه الله أنه نهي تحريم
ومن أصحابنا من قال إنه نهي تنزيه
ولا يكره صوم الدهر إذا أفطر أيام النهي ولم يضع حقا ولم يخف ضررا
ومن الناس من قال يكره
قال أبو العباس إذا نذر صوم الدهر صح نذره فإن لزمه قضاء من رمضان قدمه على النذر وهل يدخل زمانه في النذر فيه وجهان
أحدهما يدخل فعلى هذا هل يلزمه كفارة لهذه الأيام
قال أبو العباس يحتمل وجهين
ومن شرع في صوم تطوع او صلاة تطوع استحب له إتمامها فإن خرج منهما لم يجب عليه القضاء وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة يجب عليه إتمامها
وحكي عن محمد أنه قال إذا دخل على أخ له فحلف عليه أفطر وعليه القضاء
وقال مالك يلزمه الإتمام
فإن خرج منه بعذر كالسفر لم يلزمه قضاؤه في احدى الروايتين وبه قال أبو ثور
ولا يجوز أن يصوم يوم الشك إلا أن يوافق عادة له او يصله بما قبله
وقال أبو حنيفة لا يكره صومه من شعبان وبه قال مالك
فإن صام فيه فرضا عليه
ذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه يكره ذلك ويجزيه
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله لم أر ذلك لغيره من أصحابنا ولا يقتضيه القياس فإنه لو صام تطوعا له سبب فيه صح صومه وإن صام تطوعا في هذا اليوم ولا سبب له
فقد ذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه لا يصح وهو الأصح
واختار الشيخ أبو نصر رحمه الله أنه يصح
ويكره أن يفرد يوم الجمعة بصوم التطوع وبه قال أحمد وأبو يوسف
وقال أبو حنيفة ومالك ومحمد لا يكره
وللشافعي رحمه الله كلام يدل عليه واختاره القاضي أبو الطيب رحمه الله
لا يجوز صوم يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق وفي صوم أيام التشريق للمتمتع قولان
قال في القديم يجوز وهو قول مالك
وقال في الجديد لا يجوز
ويستحب طلب ليلة القدر ويطلبها في العشر الأخير من الشهر ويطلبها في كل وتر منه وفي الحادي والعشرين أشد استحبابا
وحكي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يطلبها ليلة ثلاث وعشرين
وقال ابن عباس وأبي بن كعب رضي الله عنهما هي ليلة سبع وعشرين
وقال مالك هي في العشر الأواخر ليس فيها تعيين= كتاب الاعتكاف
لا يجوز للمرأة أن تعتكف بغير إذن زوجها ولا للعبد بغير إذن مولاه فإن شرعا في الاعتكاف تطوعا بالإذن كان لهما منعهما من المضي فيه لا المضي فيه
وقال أبو حنيفة يملك منع العبد ولا يملك منع الزوجة
وقال مالك ليس لهما المنع من تتميمه
فإن شرع في اعتكاف نذره بالإذن وكان في الذمة لم يجز له الخروج منه في أصح الوجهين ولا يجوز إخراجه
والثاني أنه إن كان متتابعا لم يجز له إخراجه وإن لم يكن متتابعا جاز وأما المكاتب فيجوز له أن يعتكف بغير إذن المولى
وقال أبو حنيفة ومالك للمولى منعه من ذلك
ولا يصح اعتكاف الرجل والمرأة إلا في المسجد والأفضل أن يعتكف في المسجد الجامع وبه قال مالك
وحكي عن حذيفة أنه قال لا يصح الاعتكاف إلا في ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الزهري لا يصح الاعتكاف إلا في مساجد الجمعات
وذكر الشيخ أبو حامد رحمه الله في التعليق أن الشافعي رحمه الله أومأ في القديم إلى هذا
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجماعة
وحكي أن الشافعي رحمه الله قال وأكره للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها هذا قوله الجديد وهو قول مالك وأحمد
وذكر الشيخ أبو حامد في التعليق أن الشافعي رحمة الله قال في القديم وأكره للمرأة أن تعتكف إلا في مسجد بيتها
وقال أبو حنيفة اعتكافها في مسجد بيتها أفضل من مسجد الحي ومسجد بيتها هو الموضع الذي تتخذه لصلاتها من بيتها
وإن نذر الاعتكاف في غير أحد المساجد الثلاثة جاز أن يعتكف في غيره
وذكر فيه وجه آخر أنه يتعين الاعتكاف وإن لم يتعين للصلاة
وإن نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يعتكف في غيره وإن نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لزمه في أحد القولين
ويصح الاعتكاف بغير صوم
وقال أبو حنيفة ومالك لا يصح الاعتكاف بغير صوم
وعن أحمد روايتان
إحداهما كقولنا
والثانية كقول أبي حنيفة وقالا لا يصح الاعتكاف بالليل مفردا
إذا نذر اعتكافا بصوم لزمه أن يعتكف صائما
وقال أبو علي في الإفصاح يجوز أن يفرد كل واحد منهما عن الاخر
فإن نذر أن يصوم معتكفا فعلى الوجهين
ومن أصحابنا من قال لا يجب الجمع بينهما وجها واحدا فإن نذر أن يعتكف مصليا فعلى الوجهين
وقيل لا يجب الجمع وجها واحدا
فإذا قلنا قلنا يجب لم يجب أن يصلي في جميع زمان الاعتكاف فإن نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان فإنه يدخل فيه قبل غروب الشمس من يوم العشرين من الشهر وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه
وقال الأوزاعي وأبو ثور يدخل فيه قبل طلوع الفجر من يوم الحادي والعشرين ليلة الحادي والعشرين وهو ظاهر كلام أحمد ومن اصحابه من تأول كلامه على الأيام المطلقة فأما المعينة فقوله فيها كمذهبنا
وليس للاعتكاف زمان مقدر وبه قال أحمد في الرواية المشهورة عنه
وحكى بعض أصحابنا وجها آخر أنه لا يصح الاعتكاف حتى يزيد على نصف النهار وليس بصحيح
وعن أبي حنيفة روايتان
روى محمد في الأصل أنه يجوز في بعض يوم
وروى الحسن أنه لا يجوز في أقل من يوم
وقال مالك لا يجوز الاعتكاف أقل من يوم
فإن نذر اعتكاف شهر بعينه لزمه اعتكافه متواليا فإن أخل بيوم منه تممه وقضى ما تركه
وقال أحمد في إحدى الروايتين يلزمه استئنافه
وإن نذر اعتكاف شهر مطلقا جاز أن يأتي به متتابعا ومتفرقا
وقال أبو حنيفة ومالك يلزمه اعتكافه متتابعا
وعن احمد في نذر الصوم المطلق روايتان في وجوب التتابع فيه
فمن أصحابه من قال يلزمه التتابع في الاعتكاف رواية واحدة
وإن نذر اعتكاف يوم لزمه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس وهل يجوز أن يفرقه ساعات في أيام فيه وجهان
أحدهما يجوز
فإن نذر اعتكاف يومين متتابعين أو نوى ذلك فإنه يلزمه أن يعتكف الليلة التي بينهما معهما وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف
وقال أبو حنيفة يلزمه اعتكاف يومين وليلتين
وإن لم يشترط التتابع فهل يلزمه اعتكاف الليلة التي بينهما فيه وجهان
أحدهما يلزمه
والثاني لا يلزمه هو والأظهر
وإن نوى الاعتكاف وشرع فيه ثم نوى الخروج منه فهل يبطل اعتكافه فيه وجهان
وإن خرج من المعتكف لغير حاجة بطل اعتكافه وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد
وقال أبو يوسف ومحمد لا يبطل حتى يكون خروجه أكثر من نصف يوم
وإن خرج لحاجة الإنسان لم يبطل اعتكافه فإن كان له منزلان قريب وبعيد لم يجز أن يمضي إلى الأبعد في أظهر الوجهين
وقال أبو علي بن أبي هريرة يجوز
وذكر بعض أصحابنا أنه إذا كان دون منزله موضع مباح يمكنه قضاء الحاجة فيه وكان ذا مروءة لا يقضي مثله الحاجة فيه فهل يجوز له الخروج إلى منزله فيه وجهان
أحدهما أنه لا يبطل اعتكافه بالخروج إلى منزله واعتبار المروءة في ذلك لا بأس به
ويجوز أن يخرج إلى منزله للأكل والشرب
وقال أبو العباس بن سريج لا يجوز ذلك ويبطل اعتكافه إذا فعله وبه قال أبو حنيفة ومالك
ذكر في الحاوي أنه إذا عطش ووجد الماء في المسجد من أصحابنا من جعله بمنزلة الأكل ومنهم من منعه الخروج
وفي الخروج إلى المنارة الخارجة من المسجد ثلاثة أوجه
أحدها يجوز
والثاني لا يجوز
وقال أبو إسحاق إن كان ألف الناس صوته جاز وإن لم يكونوا قد ألفوا صوته لم يجز فإن خرج لقضاء حاجة الإنسان فمر في طريقه بمريض جاز أن يسأل عنه لا يعرج
وحكي فيه وجه آخر أنه إذا وقف عليه يسيرا لم يبطل اعتكافه
فإن اعتكف في غير الجامع وحضرت الجمعة فعليه أن يخرج إليها وهل يبطل اعتكافه فيه قولان
قال في عامة كتبه يبطل وهو قول مالك
وقال في البويطي لا يبطل وهو قول أبي حنيفة
وإن تعين عليه أداء شهادة لزمه أداؤها وإن لم يكن قد تعين عليه تحملها فهل يبطل اعتكافه فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يبطل
وقال في المعتدة تخرج وتعتد ولا يبطل اعتكافها
فمن أصحابنا من جعل المسألتين على قولين
ومنهم من حملها على ظاهرها
وإن تعين عليه تحملها وأداؤها لم يبطل اعتكافه بخروجه لأدائها
وقيل فيه وجه آخر أنه يبطل تتابع اعتكافه
وحكى عن مالك في المعتدة أنها تتم اعتكافها ثم تعتد
وإن مرض مرضا يفتقر فيه إلى طبيب ومداواة يئس معه المقام في المسجد جاز له الخروج منه وهل يبطل تتابع اعتكافه ينبني على القولين في التتابع في صيام الشهرين إذا أفطر فيهما للمرض
قال في الأم إذا سكر في المسجد فسد اعتكافه
وقال فيه إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام بنى على اعتكافه واختلف أصحابنا فيه على ثلاثة طرق
أحدها أنه لا يبطل اعتكافه بواحدة منهما وتأول قوله في السكران عليه إذا خرج من المسجد
والثاني أنه يبطل بهما وتأول قوله في المرتد على اعتكاف غير متتابع
ومنهم من حملهما على ظاهرهما وفرق بينهما
وإن أكره حتى خرج من المعتكف ففي بطلان اعتكافه قولان وإن أخرجه السلطان لإقامة حد عليه ففي بطلان اعتكافه وجهان
فإن نذر أن يعتكف اليوم الذي يقدم فيه فلان صح نذره فإن قدم نهارا لزمه أن يعتكف من حين قدومه ولا يلزمه قضاء ما فاته
وحكي عن المزني أنه يقضي ما فاته منه فإن قدم والناذر مريض أو محبوس جاز له ترك الإعتكاف ولزمه قضاؤه
وحكى القاضي أبو حامد في الجامع وأبو علي في الإفصاح وجها آخر أنه لا يقضي ويقضي على المذهب قدر ما بقي من النهار وعلى قول المزني يقضي جميعه
وتحرم المباشرة في الاعتكاف فإن باشر في الفرج عمدا بطل اعتكافه ولا كفارة عليه
وقال الحسن البصري والزهري يجب عليه الكفارة كما يجب في الصوم
فإن وطىء ناسيا لاعتكافه لم يفسد
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يفسد
وإن باشر فيما دون الفرج بشهوة بطل اعتكافه في أحد القولين أنزل أو لم ينزل وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة إن أنزل فسد اعتكافه وإن لم ينزل لم يفسد
ولا يكره أن يلبس المعتكف الرفيع من الثياب ويتطيب
وقال أحمد يكره له ذلك
ويجوز أن يأمر بالأمر الخفيف في ماله ويبيع ويشتري ولا يكثر فإن أكثر منه استأنف الاعتكاف وهو قول مرجوع عنه
والصحيح أنه لا يبطل به
ويجوز القصد والحجامة إذا لم يلوث المسجد والأولى تركه فأما البول في الإناء
فقال الشيخ أبو نصر يحتمل أن يجوز ويجعل بمنزلة الفصد ويحتمل أن يفرق بينهما هذا الذي ذكره الشيخ أبو نصر رحمه الله
قال الشيخ الإمام أيده الله وهذا فيه نظر فإنه لا يؤمن تلويث المسجد من الجميع فإن شرط في الاعتكاف أنه إذا عرض له عارض خرج منه جاز له الخروج ولا يبطل اعتكافه
وقال مالك يبطل ولا يصح شرطه
ذكر في الحاوي أنه إذا شرط في نية الصلاة والصوم أنه إذا عرض له عارض خرج منه جاز وإن شرط في قطع الحج إذا عرض له عارض عارض الإحلال منه ففي صحة شرطه قولان
قوله الجديد يجوز
والقديم لا يجوز
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا نذر ان يصوم غدا وشرط أنه إذا قدم فلان أفطر وخرج إلى استقباله هل ينعقد نذره فيه وجهان
والصحيح أنه لا ينعقد
وإن شرط في نذره الاعتكاف أن يفعل فيه معصية من سرقة أو غصب لم يصح نذره في أصح الوجهين= كتاب الحج
الحج ركن من أركان الإسلام وفي العمرة قولان
قال في الجديد هي واجبة وهو قول الثوري وأحمد
وقال في القديم ليست واجبة وهو قول أبي حنيفة ومالك
ولا تجب في العمرة إلا حجة واحدة وعمرة واحدة
وحكي عن بعض الناس أنه قال يجب في كل سنة مرة ولا يثبت ذلك وهو خلاف النص
ومن حج حجة الإسلام واعتمر وأراد دخول الحرم للتجارة أو زيادة لم يجز إلا بإحرام لحجة أو عمرة في أشهر القولين
وقال أبو حنيفة لا يجوز لمن وراء الميقات أن يدخل الحرم إلا محرما سواء كان لقتال أو لغيره ومن دون الميقات يجوز له أن يدخل بغير إحرام
وقال ابن عباس رضي الله عنهما لا يدخل أحد الحرم إلا محرما ورخص للحطابين فأما البريد
فمن أصحابنا من قال إنه مثل الحطابين
ومنهم من قال فيه وجهان
ولا يجب الحج والعمرة إلا على مسلم بالغ عاقل حر مستطيع فأما الكافر فلا يجب عليه إلا أن يكون مرتدا فتوجد الاستطاعة في حقه في حال الردة فيجب عليه فإذا أسلم فعليه
وقال أبو حنيفة إذا ارتد عن الإسلام بطل ما كان قد فعله من حجة الإسلام فإذا عاد إلى الإسلام اعتبرت الاستطاعة في وجوبها بعد ذلك
فإن أحرم ثم ارتد لم يبطل إحرامه في أحد الوجهين فإذا أسلم بني عليه
والصبي لا يجب عليه الحج ويصح إحرامه به بإذن وليه إذا كان يعقل ويميز ولا يصح بغير إذنه في أصح الوجهين
وما يجب عليه من كفارة بارتكاب محظور في مال وليه في أحد القولين وبقولنا قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة لا يصح إحرامه بالحج
فإن كان لا يعقل ولا يميز أحرم عنه وليه فإن أحرمت عنه أمه صح في قول أبي سعيد الإصطخري وعلى قول غيره لا يصح وإن أحرم عنه أخوه أو عمه بغير إذن وليه لم يصح في أحد الوجهين
وما لا يقدر الصبي أن يفعله فعله وليه عنه فيرمي عنه ويطوف به فإن لم يكن الولي قد طاف عن نفسه فطاف به فهل يقع عنه فيه قولان
أحدهما أنه يقع عن الصبي
والثاني أنه يقع عنه
فإن وطىء في الحج وقلنا يفسد إحرامه فهل يجب القضاء فيه قولان
فإن قلنا يجب القضاء فهل يصح قضاؤه قبل بلوغه فيه قولان
أحدهما لا يصح وهو قول مالك وأحمد والشيخ أبو حامد في ذلك وجهين
فأما النفقة فما زاد على نفقة الحضر فيه قولان
أحدهما في ماله
والثاني في مال الولي فإن قلنا يجب عليه القضاء عند الإفساد فهل يجزيه عن حجة الاسلام ينظر فيه فإن كان على صفة لو صحت لأجزأته عن حجة الإسلام وقد بلغ فيها أجزأه القضاء عنهما وذلك بأن يكون قد بلغ قبل الوقوف وإن كان قد بلغ بعد الوقوف فلو صحت لم تجزه عن حجة الإسلام فلا يجزيه القضاء عنها
وأما المجنون فلا يجب عليه ولا يصح منه ولا عنه والمغمى عليه لا يصح منه ولا يحرم عنه غيره وبه قال أبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة يحرم عنه رفيقه فيصير محرما بإحرامه استحسانا
فإن أذن المولى لعبده في القرآن والتمتع وقلنا يملك المال فهل يكفر يكفر بالهدي فيه قولان
أحدهما يجب الهدي في مال السيد
والثاني يجب عليه الصوم إذا كان عليه دين لا يفضل عنه ما يمكنه الحج به لم يجب عليه الحج حالا كان أو مؤجلا
وحكي في الحاوي أن الدين المؤجل إذا كان يحل بعد عوده هل يمنع وجوبه فيه وجهان
أظهرهما أنه يمنع
فإن وجد الزاد والراحلة لذهابه ولم يجد لرجوعه ولم يكن له أهل في البلد ففي وجوب الحج عليه وجهان
فإن كان معه مال يحتاج إليه في بضاعته يتجر بها ليحصل له بها ما يقوم به أو صيغة تقوم غلتها بكفايته ففيه وجهان
احدهما يلزمه بيعها وهو قول أبي حنيفة
والثاني لا يلزمه بيعها وهو اختيار القاضي أبي الطيب وهو قول أبي العباس بن سريج وهو الأظهر
فإن لزمته في الطريق خفارة لم يجب عليه الحج
وقال مالك إذا كانت يسيرة لا تجحف وأمن الغدر لزمه
فإن احتاج إلى المسكن ليسكنه لم يلزمه بيعه في الحج
وذكر الشيخ أبو حامد أنه يلزمه بيعه للحج
فإن كان معه مال يكفيه للحج أو لثمن مسكن وهو محتاج إليه فله أن يشتري به مسكنا يسكنه ويؤخر الحج على الوجه الأول وعلى الوجه الثاني يلزمه صرفه في الحج
وحكي عن أبي يوسف أنه قال لا يبيع المسكن ولا يشتري مسكنا إذا كان معه شيء من النقود بل يصرفه في الحج
فإن لم يجد زادا ولا راحلة وقدر على المشي وله صنعة يكتسب بها ما يكفيه لنفقته استحب له أن يحج وإن كان يحتاج إلى مسألة الناس كره له الحج
وقال مالك يجب عليه أن يحج بالكسب
فإن استؤجر للخدمة في طريق الحج وحج أجزأه وكذا إذا غصب مالا وحج به أو جولة وحج عليها
وحكي عن أحمد أنه قال لا يجزئه في جميع ذلك
وإن لم يكن له طريق إلا في البحر
فقد قال في الأم لا يجب عليه
وقال في الإملاء إن كان أكثر معاشه في البحر لزمه
فمن أصحابنا من قال فيه قولان
ومنهم من قال إن كان الغالب منه السلامة لزمه وإن لم يكن الغالب منه السلامة لم يلزمه وهو قول أبي حنيفة وقول أبي إسحاق المروزي وظاهر قوله في الأم
ومنهم من قال أن كان له عادة بركوبه لزمه وإن لم يكن له عادة بركوبه لم يلزمه
وقيل فيه طريقة أخرى إنه إن كان الغالب منه الهلاك لم يلزمه وإن كان الغالب منه السلامة ففيه قولان
وأما المرأة فلا يجب عليها الحج حتى يكون معها من تأمن معه على نفسها من محرم أو زوج أو نساء ثقات أو امرأة واحدة
وروى الكرابيسي أنه إذا كان الطريق آمنا جاز من غير نساء وهو الصحيح
وقال أبو حنيفة لا يجب عليها الحج إلا بشرط المحرم أو الزوج واختلف أصحابه في تخلية الطريق وإمكان المسير وهل هو شرط في الوجوب أم لا
وقال أحمد تخلية الطريق وإمكان المسير شرط في الأداء دون الوجوب
فإن كان له إلى مكة طريقان أحدهما أقرب فيه عدو والبعيد لا عدو فيه لزمه قصد الأبعد
وقيل لا يجب قصده
والمستطيع بغيره اثنان
أحدهما أن يكون عاجزا عن الحج بنفسه لزمانه أو مرض ميئوس منه ومعه مال يدفعه إلى من يحج عنه فإنه يلزمه الحج إذا وجد من يستأجره على فعله فإن لم يفعل استقر فرضه في ذمته وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد
وقال مالك لا يجب عليه الحج بذلك وإنما يجب عليه الحج إذا كان مستطيعا بنفسه خاصة
وإذا استأجر من يحج عنه فحج عنه وقع الحج عن المحجوج عنه
وقال أبو حنيفة يقع عن الحاج وللمحجوج عنه ثواب النفقة في إحدى الروايتين وهي رواية محمد عنه غير أنه يضيف التلبية إليه ورواية الأصل مثل قولنا
وإذا وجد الأعمى من يقوده ويهديه الطريق لزمه الحج بنفسه ولا يجوز له الاستنابة فيه وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة في أصح الروايتين عنه يجوز الاستنابة فيه
والثاني من المستطيع بغيره أن يكون عاجزا عن الحج بنفسه ولا مال له وله ولد يطيعه إذا أمره بالحج عنه وكان الولد مستطيعا في نفسه وجب عليه الحج بسببه وإن كان ولده غير مستطيع في نفسه بالزاد والراحلة فهل يجب على الأب الحج بطاعته فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يجب
والاعتبار في الطاعة بطاعة من يطيعه لو أمره بالحج وثقته بإجابته له إلى ذلك ولا يقف على بذل المطيع
وذكر فيه وجه آخر أنه لا يجب عليه باعتقاده ما لم يبذله له
وقال أصحاب أبي حنيفة الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة أنه لا يجب عليه الحج ببذل الطاعة وبه قال أحمد
ولا فرق في وجوب الحج بطاعة من يثق بطاعته بين أن يكون ولدا وبين أن يكون أجنبيا في أصح الوجهين
فإن بذل له ولده مالا يدفعه إلى من يحج عنه ولم يبذل له الحج بنفسه فهل يلزمه قبوله فيه وجهان وكذا الوجهان في الصحيح إذا بذل له ولده المال للحج بنفسه
وحكي في الحاوي وجها آخر أنه إن كان الباذل للمال له أجنبيا لم يجب عليه قبوله للحج به وإن كان ولدا لزمه قبوله والحج به
وإن كان له ولد يطيعه في الحج عنه غير أنه لم يعلم بحاله هل يجب عليه الحج به
ذكر في التعليق أنه بمنزلة أن يكون له مال ولا يعلم به بأن يموت موروثه
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله ولم يذكر حكمه
قال وعندي أن هذا يجري مجرى من نسي الماء في رحله أو لم يعلم بكونه في رحله هل يسقط الفرض عنه فيه قولان
قال الشيخ الإمام أيده الله وأقرب من هذا في البناء عنديإذا ورث مالا ولم يعلم هل يجب عليه الزكاة فيه لما مضى من الأحوال بعد موته فيه قولان كالضال والمغصوب فإن امتنع الأب من الإذن لولده في الحج هل يقوم الحاكم مقامه في الإذن عنه فيه وجهان
اصحهما أنه لا يقوم مقامه
وهل يجب الحج على الولد ببذل الطاعة عن أبيه فيه وجهان
أصحهما أنه لا يجب عليه الحج وإن وجب على الأب بسببه
فصل
والمستحب لمن وجب عليه الحج أن يبادر إلى فعله فإن أخره جاز وبه قال محمد بن الحسنوقال مالك وأحمد وأبو يوسف يجب على الفور وكان أبو الحسن الكرخي يقول مذهب أبي حنيفة أنه على الفور
فإن مات قبل فعل الحج فهل يأثم
من اصحابنا من قال إن ظهر له أمارات العجز أثم بالتأخير وإن مات فجأة قبل أن يظهر له أمارات العجز لم يأثم
ومنهم من قال يأثم أيضا وقد اختلفوا في وقت الإثم
فقال أبو إسحاق يأثم في السنة التي فاته الحج بالتأخير عنها
وقال غيره تبين أنه يمضي بالتأخير عن السنة الأولى في الإمكان
وبنى القاضي حسين على ذلك سقوط شهادته ونقض الحكم وذلك بناء فاسد لأنه مختلف فيه
ومن وجب عليه الحج فلم يحج حتى مات قبل التمكن من الأداء سقط عنه فرضه
وقال أبو يحيى البلخي يجب عليه القضاء واظهر له أبو إسحاق نص الشافعي رحمه الله فرجع عنه
وإن مات بعد التمكن وجب قضاؤه من رأس ماله
وقال أبو حنيفة يسقط بالموت إلا أن يوصي به فيحج عنه من ثلثه وبه قال مالك ويجوز النيابة في حج الفرض في موضعين في حق الميت وفي حق من لا يقدر على الثبوت على الراحلة وفي حج التطوع قولانأصحهما أنه لا يجوز النيابة فيه
والثاني يجوز وهو قول أبي حنيفة وأحمد فإن قلنا لا تجوز الاستنابة فاستأجر من حج عنه وإلا فالإجارة فاسدة فإذا حج وقع الحج عن نفسه وهل يستحق أجرة المثل فيه قولان
وأما الصحيح الذي يقدر على الثبوت على الراحلة فلا يجوز له الاستنابة في الحج
وقال أبو حنيفة يجوز له ذلك في حج التطوع
واما المريض فإن لم يكن ميئوسا منه لم يجز له أن يستنيب فيه وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة يجوز له ذلك وكذا المحبوس ويكون الأمرموقوفا فإن برأ من مرضه وخلي سبيله وجب عليه فعله وإن مات أجزأه
فإن استناب من يحج عنه ومات منه أو صار مأيوسا منه فهل يجزئه عن فرضه فيه قولان فإن كان مرضا مأيوسا منه فإنه يجوز أن يستنيب فيه
فإذا استأجر من يحج عنه فحج عنه ثم برىء من مرضه ففيه طريقان
أحدهما أنه على ما ذكرناه من القولين ومن أصحابنا من بنى ذلك على القولين فيه
والطريق الثاني أنه لا يجزئه قولا واحدا
إذا استأجر المغصوب من يحج عنه فأحرم بالحج عنه ثم نقله إلى نفسه لم ينتقل ووقع عن المحجوج عنه وهل يستحق الأجرة فيه قولان
فإن شرع في حج التطوع ثم نذر حجا فإن كان قبل الوقوف فهل ينصرف إلى النذر فيه وجهان
أحدهما أنه لا ينصرف إليه
والثاني لا ينصرف
وأصله الصبي إذا أحرم بالحج ثم بلغ قبل الوقوف هل يجزئه عن حجة الإسلام فيه وجهان
قال القاضي حسين فيتفرع على هذا إذا شرع في الحج عن الغير ثم نذر حجا قبل الوقوف فإنه يبني على النفل
فإن قلنا هناك لا ينصرف إلى النذر فها هنا أولى
وإن قلنا هناك ينصرف فها هنا وجهان
ولا يحج عن الغير من لم يسقط فرض الحج عن نفسه فإن أحرم بالحج عن غيره وعليه فرض انصرف إلى نفسه وبه قال أحمد
وعن أحمد رواية أخرى أنه لا ينعقد إحرامه عن نفسه ولا عن غيره
وقال أبو حنيفة ومالك يجوز أن يحج عن غيره وعليه فرضه
وقال الثوري إن كان قادرا على ان يحج عن نفسه لم يجز أن يحج عن غيره وإن لم يكن قادرا على أن يحج عن نفسه جاز أن يحج عن غيره
فإن قال له أنا صرورة فقال قد علمت ويجوز عندياستئجار الصرورة في الحج فاستأجره فحج عنه وقع عن نفسه ولم يقع عنه وهل يستحق الأجرة فيه وجهان بناء عليه إذا احرم عن غيره ثم صرفه إلى نفسه لم ينصرف وهل يستحق الأجرة فيه قولان
ولا يجوز أن يتنقل بالحج وعليه فرضه ولا أن يحج عن النذر وعليه فرض حجة الإسلام فإن أحرم عن ذلك انصرف إلى ما عليه من فرض حجة الإسلام وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة ومالك ينعقد إحرامه بما قصده من النذر والتطوع
فإن كان عليه حجة نذر وحجة الإسلام فاستأجر رجلين يحجان عنه في سنة واحدة أجزأه نص عليه الشافعي رحمه الله
ومن أصحابنا من قال لا يجزئه وليس بشيء
إذا كان قد حج ولم يعتمر فاستؤجر على الحج والعمرة عن غيره فقرن بين الحج عن غيره والعمرة وقعا عنه دون غيره
قال في الجامع لو كان حج عن نفسه ولم يعتمر فحج عن غيره واعتمر أجزأه الحج دون العمرة
قال المزني هذا غلط لأن الإحرام قد صار واحدا
قال اصحابنا لم يرد الشافعي رحمه الله إذا قرن بينهما وإنما أراد إذا أتى بالحج ثم أتى بالعمرة بعده
ذكر القاضي حسين إن ما ذكرناه قوله الجديد
وقال في القديم لو استأجر رجل ليحج عن ميت فحج واعتمر جاز يعني عن الميت ثم حكى فيه طرقا
أحدها أن المسألة على قولين
أحدهما أنهما يقعان عن الفاعل
والقول الثاني أنه يقع الحج عن المستأجر والعمرة عن نفسه
الطريق الثاني أن المسألة على قول واحد
وقوله في القديم لو استؤجر عن ميت فحج واعتمر ولم يكن صرورة في واحدة منهما وقعا جميعا عنه وصار متطوعا بالعمرة عنه
ومن أصحابنا من قال إذا استؤجر على الحج فحج عن الرجل واعتمر قرانا فالحج يقع عن الأجير الآمر والعمرة إما أن يقال لا حكم لها أو يقال إنها تابعة للحج ويقع عنه ولكن لا يسقط بها الفرض
وإن استأجره ليعتمر عنه فقرنها الأخير وقعا عن الفاعل لأن الحج هو الأصل والعمرة تبع والصحيح هو الأول وما ذكره عن القديم ليس بصريح في القرآن
فإن مات وعليه حجة الإسلام فتطوع وارثه وحج عنه أجزأه وإن حج أجنبي عنه بغير إذنه ففيه وجهان
وكذا الوجهان في المعصوب وخالف القاضي حسين رحمه الله في ذلك وفرق بينهما
فصل
ولا يجوز الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج وهو شوال وذو القعدة وتسعة أيام من ذي الحجة وعشر ليال مع ليلة النحر وهو قول أبي ثور وأبي يوسفوقال أبو حنيفة أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة فأدخل يوم النحر في الجملة وبه قال احمد
وقال مالك أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة
فإن أحرم قبل أشهر الحج لم ينعقد وانعقد بعمرة
وذكر القاضي حسين رحمه الله أن الشافعي نص في القديم أنه إذا أحرم بالحج قبل أشهره تحلل منه بعمرة كما لو فاته الحج فحصل فيه قولان
احدهما أنه ينعقد عمرة فيجزئه عن عمرة الإسلام
والثاني أنه يتحلل بعمل عمرة فلا يجزئه عن عمرة الإسلام
وقال أبو حنيفة وأحمد ومالك يكره الإحرام بالحج قبل أشهره فإن أحرم انعقد حجه
وحكي عن داود أنه قال لا ينعقد بشيء
ولا يكره فعل العمرة في شيء من السنة وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة يكره في خمسة أيام في السنة يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق
وقال أبو يوسف يكره في أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق
ويستحب الإكثار من العمرة
وحكي عن مالك أنه قال لا يعتمر في السنة إلا مرة وبه قال ابن سيرين
الإفراد والتمتمع أفضل من القران وفي الإفراد والتمتع قولانالله تبارك وتعالى رضي الله عنهن الرب عز وجل
أحدهما أن الإفراد أفضل وبه قال مالك
والثاني أن التمتع أفضل وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة القران أفضل من الإفراد والتمتع وهو اختيار المزني وأبي إسحاق المروزي فإن ادخل العمرة على الحج ففيه قولان
أحدهما أنه يجوز قبل الوقوف وهو قول أبي حنيفة وهل يجوز بعد الوقوف فيه وجهان
أحدهما أنه يجوز ما لم يأخذ في التحلل
والقول الثاني قاله في الجديد إنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج وبه قال أحمد فإن أدخل الحج على العمرة بعد الطواف لم يجز
قيل لأنه أتى بالمقصود
وقيل لأنه قد أخذ في التحلل
ومن أصحاب مالك من قال يجوز له ذلك ما لم يركع بعد الطواف ويكره له بعد الطواف وقبل الركوع فإن فعل لزمه ذلك وبعد الركوع يفوته القران سعى أو لم يسع
وقيل له ذلك ما بقي عليه من السعي شيء فإذا فرغ من السعي فاته القران وإن كان قد بقي عليه الحلاق
ذكر القاضي حسين رحمه الله في وقت إدخال العمرة على الحج أربعة أوجه بناء على أربعة معان في المنع من إدخال الحج على العمرة إذا شرع في الطواف
أحدها أنه أتى بشيء من أفعال العمرة فعلى هذا إذا طاف للقدوم في الحج لم يجز له إدخال العمرة عليه
والثاني أنه أتى بفرض من فرائض العمرة فعلى هذا إذا سعى عقب طواف القدوم في الحج لم يجز له إدخال العمره عليه
والثالث أنه أتى بمعظم أفعال العمرة فعلى هذا إذا أتى بالوقوف لم يدخل العمرة على الحج
الرابع أنه أخذ في اسباب التحلل فعلى هذا يجوز إدخال العمرة على الحج بعد الوقوف ما لم يأخذ في التحلل والصحيح ما قدمناه
فإن أحرم بالعمرة وأفسدها ثم أدخل عليها الحج انعقد إحرامه بالحج فاسدا في أحد القولين
والثاني أنه لا ينعقد إحرامه بالحج
ويجب على المتمتع دم وعلى القارن دم وذلك شاة
وقال داود لا دم على القارن ويروى عن طاوس
وحكي عن الشعبي أنه قال يجب على القارن بدنة
ويجب دم التمتع بخمس شروط
أحدها أن يعتمر في أشهر الحج فإن أحرم بالعمرة في رمضان وأتى بأفعالها في أشهر الحج وحج من عامه ففيه قولان
قال في القديم عليه دم
وقال في الأم لا دم عليه وبه قال أحمد
وقال مالك إذا لم يتحلل من العمرة حتى أدخل أشهر الحج صار متمتعا
وقال أبو حنيفة إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحج صار متمتعا
والشرط الثاني أن يحج من سنته
والثالث أن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات ويحرم به من جوف مكة فإن عاد وأحرم بالحج من الميقات فلا دم عليه وإن أحرم بالحج من مكة ثم عاد إلى الميقات قبل أن يتلبس بنسك فهل يسقط عنه الدم
فيه وجهان
أحدهما يسقط
والثاني لا يسقط وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة لا يسقط عنه حتى يعود إلى بلده
فإن خرج من مكة وأحرم بالحج من الحل ولم يعد إلى مكة
قال أصحابنا يجب عليه دم آخر غير دم التمتع
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وهذا فيه نظر لأن دم التمتع إنما وجب لترك الإحرام من الميقات فلا يجب بسببه دم آخر
فإن خرج من مكة وأحرم بالحج من الحرم ومضى إلى عرفة فهل يجب عليه دم آخر فيه قولان وقيل وجهان
الشرط الرابع أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام { حاضري المسجد الحرام } أهل الحرم ومن كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة وبه قال أحمد
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال هم أهل الحرم خاصة وبه قال مجاهد
وقال مالك هم أهل مكة وأهل ذي طوى
وقال أبو حنيفة هم من كان دون المواقيت إلى الحرم
والخامس نية التمتع وفي وجوبها وجهان وإذا قلنا يجب ففي وقتها وجهان كالقولين في وقت نية الجمع بين الصلاتين
أحد الوجهين عند الإحرام بالعمرة
والثاني قبل التحلل منها
ويجب دم التمتع بالإحرام بالحج وبه قال أبو حنيفة
وحكي عن عطاء أنه قال لا يجب عليه الهدي حتى يقف بعرفة
وعن مالك أنه قال لا يجب الدم حتى يرمي جمرة العقبة وفي وقت جواز إخراجه قولان
أحدهما أنه لا يجوز قبل أن يحرم بالحج
والثاني أنه يجوز بعد الفراغ من العمرة وقيل فيه وجهان
وذكر القاضي حسين أنه إذا ذبح الهدي بعد الإحرام بالعمرة وقبل الفراغ منها فهل يجزئه حتى يبني عليه إذا ذبح قبل الإحرام بالحج وبعد الفراغ من العمرة
فإن قلنا هناك لا يجوز فها هنا أولى
وإن قلنا هناك يجوز فها هنا وجهان
وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز ذبح الهدي قبل يوم النحر
فإن لم يجد الهدي في موضعه فإنه ينتقل إلى الصوم وهو ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ولا يصوم الثلاثة إلا بعد الإحرام بالحج
وقال أبو حنيفة إذا أحرم بالعمرة جاز له صوم الثلاثة وهو إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية أنه يجوز له الصوم إذا تحلل من العمرة
وهل يجوز وهو قول أبي حنيفة
والثاني يجوز وهو قول مالك وإحدى الروايتين عن أحمد
ولا يفوت عندنا صوم الثلاثة بفوت يوم عرفة فيصومها في أحد القولين في أيام التشريق وعلى قوله الجديد يصومها بعد ذلك
وحكي عن أبي العباس بن سريج أنه قال يجيء فيه قول آخر أنه يسقط بفوات وقته إلى الهدي كما قال الشافعي رحمه الله فيه
فإذا وجب عليه صوم التمتع بالإحرام بالحج فمات عقيبه أنه يسقط عنه إلى غير شيء في أحد القولين
وفي القول الثاني يسقط إلى الهدي إذا مات وهذا فاسد في البناء
وقال أبو حنيفة يفوته الصوم بخروج يوم عرفة فيسقط ويستقر عليه الهدي
ولا يجب عليه بتأخير هذا الصوم أكثر من القضاء عليه
وقال أحمد إن أخره لغير عذر وجب عليه لذلك دم مع القضاء وكذلك إذا أخر الهدي من سنة إلى سنة لغير عذر لزمه دم
فإن وجد الهدي في صوم الثلاثة استحب له الانتقال إليه وبه قال مالك وهو إحدى الروايتين عن أحمد
وقال أبو حنيفة يلزمه الانتقال إليه وهو اختيار المزني وكذلك إذا وجده بعد الفراغ من صوم الثلاثة وقبل يوم النحر وإن وجده بعد ما مضت أيام النحر أجزأه الصوم وإن لم يكن قد تحلل بمضي زمان التحلل
وإن وجد الهدي بعد الإحرام بالحج وقبل الشروع في الصوم فإنه يبنى على الأقوال في الكفارة وهل يعتبر فيها حال الوجوب أو حال الأداء وأما صوم السبعة ففي وقته قولان
أصحهما أن وقته إذا رجع إلى أهله وهو قول سفيان وأحمد
والثاني نص عليه في الإملاء أنه يجوز فعله قبل الرجوع إلى أهله فعلى هذا في وقت جوازه وجهان
أحدهما يجوز إذ أخذ في السير خارجا من مكة فعلى هذا لا يجوز صوم السبعة وهو بمكة وهو قول مالك
والثاني يجوز إذا فرغ من الحج سواء كان مقيما أو أخذ في السير وهو قول أبي حنيفة والحسن فعلى القول الثاني في الأفضل قولان
أحدهما أن الأفضل تقديمه في أول وقته
والثاني أن الأفضل تأخيره إلى أن يرجع إلى أهله
والمستحب أن يأتي بصوم الثلاثة متتابعا وكذا صوم السبعة
وبعض أصحابنا خرج فيه قولا آخر من كفارة اليمين أنه يلزمه التتابع في الصومين فإن لم يصم الثلاثة حتى رجع إلى أهله وجب عليه صيام عشرة أيام وهل يجب التفريق بين صوم الثلاثة والسبعة فيه قولان
أحدهما لا يجب التفريق بينهما وبه قال أحمد
والثاني أنه يجب التفريق بينهما وهو الأظهر فعلى هذا يجب عليه التفريق بينهما يقدر ما كان يجب التفريق بينهما في الأداء فحصل من ذلك أربعة أقوال
أحدها أنه لا يجب التفريق بين الصومين
والثاني أنه يفرق بينهما بأربعة أيام
والثالث يفرق بينهما بقدر مسافة الطريق ما بين مكة وبلده
والرابع يفرق بينهما بقدر المسافة وزيادة أربعة أيام
وإن مات قبل التمكن من الصيام فقد قال الشافعي رحمه الله لو أحرم بالحج وجب عليه الهدي فإن لم يجد فعليه الصيام فإن مات من ساعته ففيه قولان
أحدهما أنه يهدى عنه أي يطعم عنه
والثاني وهو الصحيح أنه لا هدي ولا إطعام فإن وجب عليه أ مداد من الطعام بدلا عن الصيام فإلى من يصرفها وفيه وجهان
أحدهما إلى مساكين الحرم
والثاني أن يفرقها حيث يشاء
فإن فرغ المتمتع من أفعال العمرة تحلل من العمرة ساق الهدي أو لم يسق وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة وأحمد إن كان قد ساق الهدي لم يجز له أن يتحلل إلى يوم النحر فيبقى على إحرامه فيحرم بالحج عليها فيصير قارنا ويتحلل منهما
فإذا تحلل المتمتع من عمرته فإنه يستحب له أن يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية فيحرم بعد الزوال متوجها إلى منى
وحكي في التعليق عن مالك أنه قال يستحب أن يحرم من أول ذي الحجة عند رؤية هلاله
ولا يكره للمكي ومن كان حاضري المسجد الحرام القران والتمتع غير أنه لا يجب عليه دم وبه قال مالك واختلف أصحاب مالك في إحرام القارن
فمنهم من قال يحرم من مكة
ومنهم من قال من أدنى الحل
وعندنا يحرم من مكة
قال عبد الملك بن الماجشون يجب على المكي في القران والتمتع دم وقال أبو حنيفة لا يصح منهم قران ولا تمتع وإذا أحرم بهما ارتفضت عمرته
وإن أحرم بالحج بعدما فعل شوطا من طواف العمرة ارتفض حجه في قول أبي حنيفة وارتفضت عمرته في قول أبي يوسف ومحمد فإن أحرم بعد ما مضى أكثر الطواف مضى فيهما ووجب عليه دم جبران
ولا يجوز فسخ الحج إلى العمرة
وقال أحمد يجوز ذلك إذا لم يسق الهدي
باب المواقيت
ميقات أهل المدينة ذو الحليفة وميقات أهل الشام الجحفة وميقات أهل نجد قرن وميقات أهل اليمن يلملم وميقات أهل العراق ذات عرق
قال الشافعي رحمه الله وهو غير منصوص عليه
ومن أصحابنا من قال بل هو منصوص عليه ومذهبه ما ثبت به السنة
ومن كان داره فوق الميقات فإن شاء أحرم من الميقات وإن شاء أحرم من داره وفي الأفضل قولان
أحدهما أن الأفضل أن يحرم من الميقات وهو قول مالك وأحمد
والثاني أن الأفضل أن يحرم من داره وهو قول أبي حنيفة
وحكى القاضي حسين طريقة أخرى أن الإحرام من داره قبل الميقات أفضل قولا واحدا
وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله على القولين
ومن كان من أهل مكة فميقاته مكة فإن خرج من مكة وأحرم من الحرم ففيه وجهان
أصحهما أنه يلزم دم
ومن كان من أهله بين جادتين لميقاتين ولم يكن إلى أحدهما أقرب كبني حرب بين جادة ذي الحليفة وجادة الجحفة ففيه وجهان
أحدهما أنهم يحرمون من مكانهم
والثاني أنهم بالخيار بين الإحرام من مكانهم وبين الإحرام من جادة الجحفة
ومن بلغ الميقات مريدا النسك لم يجز أن يجاوزه غير محرم ويحكى عن الحسن البصري والنخعي أنهما قالا الإحرام من الميقات غير واجب
فإن جاوز الميقات وأحرم دونه انعقد إحرامه ووجب عليه دم
وحكي عن سعيد بن جبير أنه قال لا ينعقد إحرامه
فإن عاد إلى الميقات قبل التلبس بشيء من أفعال الحج فقد ذكر القاضي أبو الطيب في سقوط الدم قولين والشيخ أبو حامد حكى وجهين
أحدهما أنه يسقط عنه الدم وهو قول أبي يوسف ومحمد
والقول الثاني أنه لا يسقط بالعود بحال وهو قول مالك وأحمد وزفر
وحكى القاضي حسين رحمه الله أنه إذا عاد بعد طواف القدوم في سقوط الدم وجهين أحدهما أنه يسقط لأنه ليس بفرض
وقيل إذا عاد إلى الميقات محرما سقط الدم
وقال أبو حنيفة إن عاد إلى الميقات ولبى سقط عنه الدم وإن لم يلب لم يسقط
فإن جاوز الميقات غير مريد النسك لحاجة دون الحرم ثم بد له أن يحرم أحرم من موضعه ولا شيء عليه
وقال أحمد يلزمه العود إلى ميقات بلده والإحرام منه فإن لم يفعل وجب عليه دم
فإن مر بالميقات غير مريد لنسك وأراد دخول الحرم لحاجة من تجارة أو زيارة لم يجز له الدخول من غير إحرام في أصح القولين
والثاني أن الإحرام مستحب
فإن دخل مكة غير محرم لم يلزمه القضاء على القولين
وقال أبو حنيفة يلزمه القضاء إلا أن يكون مكيا
فإن أحرم المعتمر من مكة فطاف وسعى ولم يخرج إلى الحل ففيه قولان
أحدهما أنه لا يعتد بطوافه وسعيه عن العمرة وهو قول مالك
والثاني وهو الأقيس أنه يعتد به وعليه دم فعلى هذا إذا وطىء بعد ما حلق فلا شيء عليه وعلى القول الأول قد وطىء معتقدا أنه قد حل فيكون بمنزلة من وطىء ناسيا وفي بطلان إحرامه قولان
فإن مر كافر بالميقات مريدا الحج فأسلم دونه وأحرم ولم يعد إلى الميقات لزمه دم
وقال المزني رحمه الله لا يلزمه شيء وهو قول أبي حنيفة
وعن أحمد روايتان
فإن مر صبي بالميقات محرما أو عبد وهو محرم ثم بلغ الصبي أو أعتق العبد مع بقاء وقت الوقوف بعد الوقوف وقلنا لا يجزئه عن حجة الإسلام فلا شيء عليه وإن قلنا يجزئه عن حجة الإسلام فهل يلزمهما دم فيه طريقان
قال أبو سعيد الإصطخري وأبو الطيب بن سلمة لا يجب عليه دم قولا واحدا
وقال أبو إسحاق المروزي وغيره من أصحابنا فيه قولان
أظهرهما أنه لا يلزمه
باب الإحرام وما يحرم فيه
يستحب أن يتطيب في بدنه لإحرامه وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد
وقال مالك لا يجوز أن يتطيب للإحرام بطيب تبقى رائحته وإذا تطيب به وجب عليه غسله وبه قال عطاء وكان محمد بن الحسن لا يكرهه ثم كرهه
ومن أصحابنا من قال التطيب للإحرام مباح لا يستحب ولا يكره حكي ذلك في الحاوي ويكره أن يطيب ثوبه
وقيل فيه وجه آخر أنه لا يكره
وحكى القاضي حسين فيه قولين
أحدهما أنه يستحب كما يستحب في البدن
منصوص الشافعي رحمه الله في عامة كتبه أن حكم المرأة في استحباب التطيب للإحرام حكم الرجل
ومن أصحابنا من قال لا يجوز لها أن تتطيب للإحرام بطيب تبقى عينه
وحكى الداركي أن الشافعي رحمه الله قال في بعض كتبه إنه لا يستحب للمرأة أن تتطيب للإحرام فإن فعلت كان جائزا كحضور الجماعة والأول أصح
فإن تطيب قبل إحرامه ثم عرق فسال الطيب عن موضع إلى موضع فلا فدية عليه على المذهب
وقيل يجب فيه الفدية وليس بصحيح
وإذا أراد الإحرام استحب أن يصلي ركعتين ثم يحرم وفي الأفضل قولان
أحدهما أنه يحرم عقيب الركعتين وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومالك فإن كان في وقت نهي لم يجز أن يصلي ركعتين ويحرم من غير صلاة ذكره القاضي حسين وفيه نظر لأنها صلاة لها سبب
وقال في الأم يحرم إذا انبعثت راحلته إن كان راكبا وإذا ابتدأ بالسير إذا كان راجلا ولا ينعقد الإحرام إلا بالنية فإن لبى ولم ينو لم يجزه وبه قال أحمد ومالك
وحكي عن داود أنه قال ينعقد إحرامه بمجرد التلبية
وقال ابو عبد الله الزبيري لا ينعقد إحرامه إلا بالتلبية والنية
وقال ابو حنيفة لا ينعقد إلا بالنية والتلبية أو سوق الهدي مع النية وله ان يعين مايحرم به من حج أو عمرة وله أن يحرم إحراما مبهما وفي الأفضل قولان
أحدهما أن التعيين أفضل
والثاني أن الإبهام أفضل فإذا عين فالأفضل أن لا يذكر ما أحرم به في تلبيته على المنصوص وبه قال أحمد
وقيل الأفضل أن ينطق به
وحكى القاضي أبو الطيب في ذلك قولين
قال الشافعي رحمه الله فإن لبى ولم يرد حجا ولا عمرة فليس بشيء
فمن اصحابنا من قال صورة المسألة أن ينوي الإحرام ولم ينو حجا ولا عمرة فإنه ينعقد الإحرام مطلقا فيصرفه إلى ما شاء ونسب المزني إلى الخطأ
ومنهم من قال صورتها أن يلبي ولا ينوي إحراما ولا حجة ولا عمرة فلا يكون شيئا فما نقله المزني صحيح
فإن أحرم بحجتين أو عمرتين لم ينعقد إحرامه بهما وينعقد بإحداهما
وقال أبو حنيفة ينعقد بهما ثم ترتفض إحداهما بالمضي فيهمافيجب قضاؤها
فإن أحرم بنسك معين ثم نسيه قبل أن يأتي بنسك ففيه قولان
قال في الأم يلزمه أن يقرن وبه قال ابو يوسف
وقال في القديم يتحرى في ذلك
وقال أحمد يجعل ذلك عمره بناء على أصله في جواز فسخ الحج إلى العمرة
فإذا قلنا يقرن فنوى القران أجزأه في الحج وهل يجزئه عن العمرة
إن قلنا يجوز إدخال العمرة على الحج أجزأته
وإن قلنا لا يجوز ففيه وجهان
أحدهما لا يجزئه وهو المذهب فعلى هذا في وجوب الدم وجهان
والثاني يجزئه فيلزمه دم
وإن نسي بعد طواف القدوم وقبل الوقوف
فإن قلنا إن إدخال العمرة على الحج لا يجوز لم يصح له الحج ولا العمرة
وإن قلنا إنه يجوز إدخال العمرة على الحج لم يصح له الحج فيحلق ثم يحرم بالحج ويجزئه ويجب عليه دم واحد
ومن أصحابنا من قال يجب عليه دمان احتياطا فإن عرض له الشك قبل طواف القدوم وبعد الوقوف مع كونه في الموقف فنوى القران أجزأه الحج
وأما العمرة فإن قلنا يجوز إدخالها على الحج ما لم يقف بعرفة لم يجزئه
وإن قلنا يجوز ما لم يشرع في رمي جمرة العقبة أجزأته
فإن قال إحرام كإحرام زيد ونوى ذلك فإنه يصح فإن بان له أن زيدا أحرم إحراما مطلقا فإنه ينعقد له إحرام مطلق وهل يلزمه أن يصرفه إلى ما يصرف زيد إحرامه إليه فيه وجهان
أحدهما يلزمه
والثاني لا يلزمه
فإن قال زيد قد أحرمت بالحج فكذبه ووقع في نفسه خلاف قوله فهل يعمل بما قاله أو بما وقع في نفسه فيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه العمل بما قاله
والثاني أنه يعمل بما وقع في نفسه
فإن قال زيد أحرمت بعمرة ثم بان بعد ذلك أنه كان قد أحرم بالحج فإنا نتبين أن إحرامه انعقد بالحج فإن كان وقت الحج قد فات تحلل من إحرامه للفوات وذبح شاة وهل تجب الشاة في ماله أو في مال زيد فيه وجهان
أحدهما في مال زيد
والثاني في ماله
فإن بان ان إحرام زيد كان فاسدا ففيه وجهان
أحدهما أن إحرامه لا ينعقد
والثاني أنه ينعقد مطلقا
قال القاضي ابو الطيب ونظير هذه المسألة إذا نذر صلاة فاسدة فمن أصحابنا من قال لا ينعقد نذره ومنهم من قال ينعقد بصلاة صحيحة
فإن قال إذا طلعت الشمس فأنا محرم ففيه وجهان
أحدهما ينعقد
والثاني لا ينعقد
ويكثر من التلبية عند اجتماع الرفاق وفي مسجد مكة ومنى وعرفات وفيما عداها من المساجد قولان
وقال في الجديد يستحب في جميع المساجد
وقال في القديم لا يستحب فيما سوى المساجد الثلاثة وهو قول مالك وفي التلبية في حال الطواف قولان
أحدهما يلبي
والثاني لا يلبي ولا يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال أحمد فإن زاد جاز
قال أصحاب أبي حنيفة إن زاد فمستحب ويقطع التلبية عند رمي جمرة العقبة
وقال مالك يقطعها بعد الزوال من يوم عرفة
فصل
إذا أحرم حرم عليه حلق رأسه وسائر بدنه إلا من حاجة وتجب به الفديةوقال داود لا تجب الفدية عليه بحلق شعر البدن وهو قول مالك في إحدى الروايتين ويحرم عليه ستتر رأسه ويجوز له أن يستظل بما لا يباشر رأسه من محمل أو غيره وبه قال ابو حنيفة
وقال مالك وأحمد لا يجوز له ذلك إذا كان سائرا وإذا فعله وجبت عليه الفدية في إحدى الروايتين عن أحمد
وحكي عن ابن جريج أنه قال سألت عطاء عن المحرم يحمل على رأسه المكتل فقال لا بأس به
وحكى ابن المنذر عن الشافعي رحمه الله أنه قال عليه الفدية
قال أصحابنا لا يعرف هذا للشافعي رحمه الله
ذكر الشيخ أبو حامد أن الشافعي رحمه الله قد نص عليه في بعض كتبه
ذكر القاضي حسين في وضع اليد على الرأس احتمال وليس بشيء
ويحرم لبس القميص والدراعة والسراويل والقباء وتجب به الفدية فإن ألبس القباء كتفيه ولم يدخل يديه في كميه وجبت عليه الفدية
وذكر في الحاوي أنه إن كان من أقبية خراسان قصير الذيل ضيق الأكمام فعليه الفدية وإن كان من أقبية العراق طويل الذيل واسع الأكمام فلا فدية عليه حتى يدخل يديه في كميه والصحيح هو الأول
وقال ابو حنيفة لا فدية عليه في الجميع حتى يدخل يديه في كميه
فإن لم يجد إزارا لبس السراويل ولا فدية عليه
وقال أبو حنيفة ومالك تجب عليه الفدية واختلف أصحابه في جواز لبسه
فقال الطحاوي يحرم عليه لبسه فيفتقه ثم يلبسه
وقال أبو بكر الرازي يجوز لبسه
ولا يلبس الخفين فإن لبسهما مع وجود النعلين وجب عليه الفدية
فإن لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين فإن لبس الخف مقطوعا من أسفل الكعب مع وجود النعل لم يجز على المنصوص ووجبت عليه الفدية
وقيل يجوز له ذلك ولا فدية وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة وحكي عن أبي حنيفة نحو المنصوص
وقال أحمد إذا لم يجد النعلين يجوز أن يلبس الخفين من غير قطع وروي ذلك عن عطاء فإن خضب رأسه بالحناء أو طينه بالطين وجب عليه الفدية ذكره القاضي أبو الطيب رحمه الله
فمن اصحابنا من قال صورته أن يخضبه ويغلفه بالمخيط
وقيل لا يعتبر ذلك ويكفي أن يطلي عليه الطين ونظيره العريان إذا طلى عورته بطين وصلى وقيل فيه وجهان
ويحرم على المرأة ستر وجهها ولا يحرم على الرجل
وقال ابو حنيفة ومالك يحرم على الرجل ايضا ستر وجهه
ولا يجوز للرجل لبس القفازين وهل يجوز للمرأة فيه قولان
ويستحب للمرأة أن تختضب للإحرام بالحناء ويكره لها ذلك بعد الإحرام فإن اختضبت ولفت على يديها خرقا
قال في الأم رأيت أن تفتدي
وقال في الإملاء لا يتبين في أن عليها الفدية
حكى القاضي ابو الطيب رحمه الله عن ابن المرزبان والشيخ أبي حامد انهما قالا إن لم تلف الخرق عليها فلا فدية وإن لفت الخرق عليها ففي الفدية قولان
وقال القاضي أبو الطيب رحمه الله لا فدية قولا واحدا وعلى هذا حكم الرجل إذا لف على رجله خرقا فإن لم يجد إزارا وبذل له ولده إزارا ففيه وجهان كما لو بذل له نفقة طريق الحج
فصل
ويحرم عليه استعمال الطيب في ثيابه ويجب عليه الفدية به ولا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب ولا مصبوغا بالطيب وتجب به الفدية ويحرم عليه استعمال الطيب في بدنهوقال ابو حنيفة يجوز للمحرم أن يتبخر بالعود والند ولا يجوز أن يجعل الكافور والمسك والزعفران على بدنه ويجوز أن يجعله على ظاهر ثوبه
وإن جعله على باطن ثوبه وكان لا ينفض فلا شيء عليه وإن كان ينفض فعليه الفدية فإن كان الطيب في طعام فظهر عليه طعمه أو رائحته حرم عليه أكله وإن ظهر لونه فصبغ اللسان من غير طعم ولا رائحة
فقد قال في المختصر الأوسط من الحج لا يجوز
وقال في الأم يجوز
قال أبو إسحاق يجوز قولا واحدا
وقال أبو العباس بن سريج فيه قولان أصحهما أنه لا فدية
وإن ظهر عليه طعمة من غير لون ولا رائحة
فمن اصحابنا من قال لا فدية عليه
ومنهم من قال فيه قولان كالقولين في اللون
ومنهم من قال تجب به الفدية قولا واحدا وهو الأصح
وقال أبو حنيفة إذا طبخ الطيب في طعام فلا فدية على المحرم في أكله ولا يحرم وإن ظهر رائحته وبه قال مالك وعنه روايتان فيه إذا جعل الطيب في طعام أو شراب من غير ان تمسه نار
إحداهما عليه الفدية
والثانية لا فدية عليه
والقاضي أبو الطيب سوى بين الرائحة والطعم
والقاضي حسين رحمه الله قال يمكن بناء القولين في اللون على القولين في النجاسة في الثوب إذا زالت الرائحة وبقي اللون فيه قولان
ومن أصحابنا من رتب الرائحة على اللون إذا قلنا يلزمه الفدية مع بقاء اللون فمع بقاء الرائحة أولى وإن قلنا لا يفدى مع بقاء اللون فمع بقاء الرائحة وجهان وما ذكرناه أصح
والطيب ما يتطيب به ويتخذ منه الطيب كالمسك والزعفران والعنبر والصندل والورد والياسمين والكافور وفي الريحان الفارسي قولان وكذلك المرزنجوش واللينوفر والنرجس اللينوفر مع هذا الذرب وذكره القاضي أبو الطيب مع الأترج والتفاح
وأما البنفسج فقد قال الشافعي رحمه الله ليس بطيب
فمن اصحابنا من قال هو طيب قولا واحدا
ومنهم من قال ليس بطيب قولا واحدا
ومنهم من قال فيه قولان كالنرجس ودهن البنفسج مبني على البنفسج
وحكي في الحاوي في دهن الأترج وجهين
وقال ابو حنيفة لا يحرم على المحرم شيء من الرياحين بحال
والعصفر ليس بطيب
وقال أبو حنيفة إن وضعه على بدنه وجبت عليه الفدية