كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد
وكذلك لو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الله لم تلزمه الكفارة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله وإنما يستثنى عن هذا الأصل يمين اللجاج والغضب على قول ثم اليمين ينقسم إلى قسمين صريح وكناية بالإضافة إلى أسماء الله تعالى وهي على أربع مراتب
المرتبة الأولى أن يذكر اسما لا يطلق إلا على الله تعالى في معرض التعظيم كقوله بالله وبالرحمن والرحيم وبالخالق والرازق فهذا صريح وإن لم ينو فإن قال أردت بالله أي وثقت بالله ثم ابتدأت لأفعلن فهذا لا يقبل ظاهرا في الإيلاءوغيره وهل يدين باطنا فيه وجهان
المرتبة الثانية أن يذكر اسما مشتركا يطلق على الله وعلى غيره كالعليم والحكيم والرحيم والجبار والحق وأمثاله فهو كناية وإنما يصير يمينا بالقصد والنية وكذلك قوله وحق الله إذ قد يراد به حقوقه من العبادات وقد يراد استحقاقه للإلهية
المرتبة الثالثة أن يحلف بالصفات كقوله بقدرة الله وعلمه وكلامه ففيه ثلاثة أوجه أحدها أنه كقوله بالله فلا يقبل فيه التورية والثاني أنه كنايةوالثالث أنه يدين باطنا وفي قبوله ظاهرا وجهان إذ قد يراد بالقدرة المقدور وبالعلم المعلوم فيقول رأيت قدرة الله أي آثار صنعه ولو قال وجلال الله وعظمته وكبريائه ففيه طريقان أحدهما أنه كالحلف بالله والثاني أنه كالحلف بالقدرة إذ قد يقول رأيت جلال الله ويريد آثار صنعه وقوله وحرمة الله قيل إنه كقوله وحق الله وقيل إنه كالصفات وقوله لعمر الله قيل إنه حلف ببقاء الله فهو كالصفات وقيل إنه كناية
المرتبة الرابعة ما لا يصير يمينا وإن نوى وهو ما لا تعظيم فيه كقوله والشيء الموجود والمرئي وأراد به الله تعالى فليس بيمين وإن نوى إذ لم يذكر اسما معظما وذكر اسم معظم لا بد منه ولو قال بله وقصد التلبيس فليس بحالف وكذلك إن لم يقصد فإن البلة من الرطوبة إلا إذا نوى اليمين فيحمل حذف الألف على لحن قد تجري به العادة عند الوقف هذا في انقسام اليمين بذكر اسم الله تعالى وينقسم أيضا بذكر الصلات وهي على درجات فإنها تنقسم إلى حروف وكلمات
أما الكلمات فقوله أقسمت بالله أو أقسم بالله أو حلفت بالله أو أحلف فهذا يحتمل الإخبار والوعد فإن نوى اليمين فهو يمين وإن قصد الوعد والإخبار فلا وإن أطلق فوجهان أحدهما أنه ليس بيمين لتردد اللفظ والثاني أنه يمين للعادة
الدرجة الثانية ما هو كناية قطعا كقوله وعهد الله وعلي عهد الله أو نذرت بالله أما قوله أزخداي تعالى بديرفتم قيل إنه كناية وقيل هو كقوله حلفت بالله
الدرجة الثالثة وهو بين المرتبتين قوله أشهد بالله منهم من قال إنه كناية قطعا وقال المراوزة هو كقوله أقسم بالله وقال صاحب التقريب لو قال الملاعن في لعانه أشهد بالله كاذبا ففي لزوم الكفارة وجهان وهذا جار وإن قصد اليمين لأن اللعان صرف اليمين إلى اقتضاء الفراق فيحتمل خلافا في الكفارة فيه كما في الإيلاء
الدرجة الرابعة أن يقول وايم الله الظاهر أنه كقوله أحلف بالله وقيل إنه كقوله بالله فإنه صريح فيما بين العرب وأصله أيمن الله والأيمن جمع اليمين
أما الحروف فهي الباء والتاء والواو والفاء
وقوله والله وتالله كقلوه بالله ونقل نص عن الشافعي رضي الله عنه أن تالله ليس بيمين فقيل هو كقوله أقسم بالله والصحيح أنه يمين قطعا والشافعي رضي الله عنه أراد ما إذا قال القاضي في القسامة قل بالله فقال تالله لم يكن يمينا للمخالفة
أما قوله يا الله فليس بيمين ولو قال الله لأفعلن لم يكن يمينا إلا أن ينوي ولو قال الله لأفعلن بالخفض كان يمينا ولو لم ينو
الفصل الثاني في يمين الغضب واللجاج
فإذا قال إن دخلت الدار فلله علي صوم أو حج أو صدقة أو ذكر عبادة تلتزم بالنذر ففيه ثلاثة أقوال أحدها أنه يلزمه الوفاء كما لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي صوم أو علقه بدفع بلية أو حصول نعمة والثاني أنه يلزمه كفارة يمين لأن هذا يقصد للمنع بخلاف نذر التبرر فإنه يذكر للتقرب والثالث أن يتخير بين الوفاء والكفارة لتردد اللفظ بين المعنيين
التفريع
إن قلنا يلزمه الكفارة فإنما يكون فيما ليس بنعمة كقوله إن دخلت نيسابور أو شربت أو زنيت ولو قال إن دخلت مكة أو لم أشربأو صليت فهذا محتمل للوجهين فيرجع إلى قصده أما إذا علقه بمباح لا على قصد المنع بل لحرصه على ذلك الشيء كقوله إن لم آكل أي انكسرت شهوتي بتوفيق الله أو دخلت نيسابور أي إن بقيت إلى ذلك الوقت فهذا فيه تردد فمنهم من منع التبرر في المباحاتفروع
الأول إذا قال إن فعلت كذا فعلي نذر نص الشافعي رضي الله عنه أن عليه كفارة يمين وهو تفريع على قول الكفارة وإن فرعنا على الوفاء فينبغي أن تجب هاهنا عبادة ما وإليه التعيين وله تعيين كل ما يتصور التزامه بالنذر وإن قال
إن فعلت فعلي يمين فهو لغو إذ لم يأت بما يشعر بعبادة ولا بصيغة الحلف وقيل عليه ما على الحالف
الثاني لو قال مالي صدقة أو في سبيل الله قال القاضي هو لغو لأنه لم يأت بصيغة الإلتزام وفيه وجهان آخران أحدهما أن ذلك كقوله علي صدقة والثاني أنه يتعين ماله للصدقة كقوله جعلت هذه الشاة ضحية وهوبعيد وعلى الوجوه الثلاثة يخرج ما لو قال إن دخلت الدار فمالي صدقة هذا بيان اليمين الموجبة وكل ذلك إذا لم يعقبه الإستثناء فلو قال بعد اليمين إن شاء الله لم يلزمه شيء كما ذكرنا في الطلاق
الباب الثاني في الكفارة
والنظر في السبب والكيفية والملتزم
النظر الأول في سبب الوجوب وهو اليمين عندنا دون الحنث لكن اليمين يوجب عند الحنث كما يوجب ملك النصاب عند آخر الحول لأن الحنث لا يحرم باليمين بل يبقى تحريمه وإباحته كما كان نعم في الأولى ثلاثة أوجه إذا عقد على مباح أحدها أن الأولى البر لتعظيم اليمين وقال العراقيون الأولى الحنث لقوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآية والثالث أنه يبقى كما كان
وأما أبو حنيفة رحمه الله فإنه قضى بتحريم الحنث عليه وبنى عليه أن يمين الغموس لا ينعقد إذ الماضي لا يمكن تحريمه وقضى بأنه لو قال حرمت هذا الطعام لزمته الكفارةوعندنا لا يلزم إلا في تحريم البضع وفيه وردت الآية وقضى بلزوم اليمين في قوله إن فعلت كذا فأنا يهودي لأنه يؤدي معنى التحريم وقال لا ينعقد يمين الكافر إذ ليس مأخوذا بتحريم شرعنا وقال لا تقدم الكفارة على الحنث وإن قدم الزكاة على الحول ومالك رحمه الله يجوز تعجيل الكفارة دون تعجيل الزكاة وعندنا يجوز تعجيلهما إلا إذا حلف على محظور ففي جواز تقديم الكفارة وجهانأحدهما لا لأنه تمهيد للتوصل إلى الحرام والثاني وهو الأقيس أنه يجوز لأن التحريم يباين مأخذ اليمينهذا في الكفارة المالية تشبيها بالزكاة أما بالصوم فالمذهب أنه لا يقدم لا سيما في اليمين وهو مرتب على العجز ولا يتحقق العجز إلا بعد الوجوب وفيه وجه أنه يجوز لعموم قوله عليه السلام من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير ثم يجري التقديم في كل كفارة بعد جريان سبب الوجوب وكفارة القتلتجري بعد الجرح وقبل الزهوق وكفارة الظهار بعد الظهار وقبل العود إن أمكن وكفارات الحج بعد الإحرام وقبل ارتكاب الأسباب وفيه وجه أنه لا يجوز قبل ارتكاب المحظور لأن الإحرام ليس سببا بل الإرتكاب للمحظور هو السبب
النظر الثاني في الكيفية وهذه الكفارة فيها تخيير وترتيب فيتخير بينعتق رقبة وكسوة عشرة مساكين وإطعام عشرة مساكين لكل واحد مد فإن عجز عن جميع ذلك فصوم ثلاثة أيام متفرقا أو متتابعا وفيه قول قديم أنه يجب التتابع حملا للمطلق على المقيد في الظهار وكيفية الكفارة ذكرناها في الظهار وإنما نذكر الآن الكسوة والنظر في قدرها وجنسها وصفتها
أما القدر فلا يشترط دست ثوب بل يكفي ثوب واحد كجبة أو قميص أو رداء أو سراويل أو عمامة قصيرة ثم لا يشترط المخيط بل يكفي الكرباس ولو سلم إلى طفل يواريه خرقة كفاه إذا قبضها وليه ولو سلم إلى كبير ما يستر طفلا فالظاهر جوازه ولا ينظر إلى الآخذ هكذا قاله القاضي وقال غيره لا بد أن ينظر إلى الآخذ وقال مالك رحمه الله الواجب ما يستر العورة بحيث تصح الصلاة معه وهو قول حكاه البويطي
أما الجنس فيجزىء القطن والإبريسم والكتان والصوف وفي الدرع وجهانلأنه أيضا ملبوس تجب الفدية على المحرم به وكذلك في الخف والشمشك والقلنسوة وجهان أما النعل فلا يجزىء كالمنطقة على وجه وعلى وجه هو كالشمشك ولم يعتبر في الثوب غالب جنس ملبوس أهل البلد قال القاضي ولو اعتبر ذلك لم يبعد
أما الصفة فيؤخذ الجديد والخلق والمعيب إلا إذا صار بكثرة الإستعمال منسحقا بحيث يتمزق على القرب أو تمزق بالإستعمال ورقع
النظر الثالث فيمن عليه الكفارة وتجب الكفارة على كل مكلف حنث حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا بقي حيا أو مات قبل الأداء والنظر في الميت والعبد
أما الميت فله أحوال
الأولى أن يكون له تركة وعليه كفارة مرتبة فعلى الوارث الإعتاق عنه ولا بأس بحصول الولاء له بغير إذنه وتثبت هذه الخلافة للضرورة وإن كان عليه كفارة يمين فله أن يكسو ويطعم عنه ولا ضرورة في تحصيل الولاء له ففي إعتاقه عنه والكفارة مخيرة وجهان والأصح الجواز
الثانية أن لا يكون له تركة فللوارث أن يكسو ويطعم عنه متبرعا وفي التبرع بالإعتاق عنه وجهان مرتبان على الكفارة المتخيرة وأولى بالمنع إذ التركةعلقة مسلطة وتبرع الأجنبي بالعتق عنه لا يجوز وفي إطعامه وكسوته وجهان وفي عتق الأجنبي عنه وجه بعيد أنه ينفذ كالكسوة وفي إطعام الوارث وجه بعيد أنه لا يجوز كالإعتاق وهما بعيدان أما الصوم ففي صوم الولي عنه خلاف
والأجنبي المأذون له في الصوم كالولي الذي ليس بمأذون في الصوم وفي صوم الأجنبي من غير إذن خلاف مرتب على الإطعام وأولى بالمنع وإن قلنا تجري فيه النيابة فلو مرض بحيث لا يرجى برؤه ففي الصوم عنه وهو حي وجهان كشبهه بالحج حيث تطرقت إليه النيابة ولكنه بالجملة أبعد عن النيابة
الثالثة إذا مات وله تركه وعليه ديون ففي تقديم حق الله أو الآدمي ثلاثة أقوال ذكرناها في الزكاة فإن قلنا تقدم الديون فكأنه لا تركة له ولو حجر عليه بالإفلاس قدم الديون قطعا لأن الكفارة على التراخي
فرع لو أوصى أن يعتق عن كفارة يمينه عبد وقيمته تزيد على الطعام والكسوة ففيه وجها أحدهما أنه يحسب من الثلث لأن تعيين العتق تبرع والثاني لا بل هو أحد الخصال الواجبة وقد تعين بتعيينه فإن قلنا إنه يحسب من الثلث فوجهان أحدهما أن قدر قيمة الطعام يحسب من رأس المال والزائد إن لم يف الثلث به عدلنا إلى الطعام والثاني وهو ظاهر النص أن الثلث إن لم يف بأصل قيمة العبد عدلنا إلى الطعام
أما العبد فإذا حلف فليس عليه إلا الصوم لأن الصحيح أنه لا يملك بالتمليك وللسيد منع الجارية عنه للإستمتاع لأنه على التراخي وله منه العبد الذي يضعف عن الخدمة عن الصوم وإن كان قويا فلا وإن كان الحنث أو اليمين أو كلاهمابإذن السيد ففيه نظر ما ذكرناه في الظهار ومنعه عن صوم كفارة الظهار غير ممكن لأن فيه إدامة التحريم وإضرارا بالعبد
أما إذا مات العبد فللسيد أن يكفر عنه بالإطعام والكسوة وإن قلنا إن العبد لا ملك له لأنه إذا مات فلا رق عليه والحر الميت أيضا لا ملك له وإن أعتق عنه فوجهان لعسر الولاء في حق الرقيق
أما إعتاق العبد مما ملكه على قولنا إنه يملك بالتمليك ففيه تفصيل ذكرناه في البسيط فلا نطول به لأنه تفريع على قول ضعيف
فرع من نصف حر ونصفه عبد نص الشافعي رضي الله عنه أنه يكفر بالمال إن كان له مال وقال المزني رحمه الله لا يجوز إلا الصوم لأن المال يقع عن جملته إذ التجزئة لا تمكن في المؤدي كما لا يمكن إعتاق نصف رقبة وإطعام خمسة مساكين ومن الأصحاب من جعل هذا قولا مخرجا
الباب الثالث فيما يقع به الحنث
وذلك بمخالفة موجب اليمين لفظا وعرفا وهو باب جامع الأيمان والألفاظ لا تنحصر ولكن تعرض الشافعي رضي الله عنه لما يكثر وقوعه وهي سبعة أنواع
النوع الأول في ألفاظ الدخول وما يتعلق به وفيه ألفاظ
الأول إذا حلف أن لا يدخل الدار فرقي في السطح لم يحنث إلا أن يكون مسقفا وإن كان محوطا من الجوانب غير مسقف فالظاهر أنه لا يحنث والحائط من جانب واحد لا يؤثر وإن كان من جانبين وثلاثة ففيه خلاف مرتب على التحويط من الجوانب وأولى بأن لا يحنث ولو حلف أن لا يدخل الدار فصعد السطح ونزل إلى صحن الدار وخرج من الباب فوجهان من حيث إنه حصل في الدار لكنه لم يدخل من الباب ولو حلف أن لا يخرج من الدار فصعد السطحونزل فلا يحنث قال القاضي وجب أن يحنث لأنه كالدخول سواء فإن من حلف لا يدخل الدار فدخل ببعضه لم يدخل
ولو حلف على الخروج فصعد السطح لا يبر به إذ ليس به أيضا خارجا كما أن من دخل ببعض بدنه أو خرج ببعض بدنه لا يحنث في يمين الدخول والخروج لأنه ليس بداخل ولا خارج وقال القاضي إذا لم يكن داخلا في صعود السطح فينبغي أن نجعله خارجا
وأما الدهليز فقد نص الشافعي رضي الله عنه أن داخل الدهليز لا يحنث فقال الأصحاب أراد به الطاق المضروب خارج الباب فإن جاوز الباب حنث قال إمام الحرمين لا يبعد أن يقال أراد به داخل الباب قبل الوصول إلى صحن الدار لأن ذلك لا يسمى دارا بل له اسم على الخصوص ولو انهدمت الدار ولم يبق إلا العرصة لم يحنث بدخولها ولو بقي ما يقال إنه دار فيحنث
ولو قال لا أدخل الدار فصعد السطح ونزل في الدار وخرج ففي الحنث وجهان من حيث إنه حصل في الدار لكن لم يدخل من الباب ولو قال وهو في الدار لا أدخل الدار لم يحنث بالمقام كما لو قال لا أتطهر لا يحنث باستدامة الطهارة بخلاف ما لو قال لا ألبس ولا أركب فإنه يحنث بالإستدامة إذ يقول الراكب أركب فرسخا أي أستديم ولا يقول من في الدار أدخل بل يقول أقيم فيه وفيه وجه بعيد أنه لا بد من مفارقة الدار كما لا بد من نزع الثوب
اللفظ الثاني إذا حلف أن لا يدخل بيتا فدخل بيتا له اسم آخر أخص وأشهر كالمسجد والكعبة والرحا والحمام فالظاهر أنه لا يحنث به وفيه وجه أنه يحنث به لأن البيت وإن جعل مسجدا لا يفارقه وضع الإسم ويقرب منه الخلاف فيما لو حلف أنه لا يأكل الميتة فأكل السمك أو لا يأكل اللحم فأكل الميتة فمن ناظر إلى وضع الإسم ومن ناظر إلى وضع الإستعمال
ولو دخل بيت الشعر حنث إن كان بدويا لأنه بيت عندهم وإن كان قرويا فثلاثة أوجه أحدهما أنه يحنث لأن الله تعالى سماه بيتا وقال { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا } والثاني لا لأنه ليس يفهم منه البيت فيراعى فهمه لا وضع اللسان والثالث أن قريته إن كانت قريبة من البادية يطرقونها فيحنث وإلا فلا
ويرجع الخلاف إلى أن المعتبر عرف اللفظ في الوضع عند من وضعه أو عرف اللافظ في الإستعمال ونص الشافعي رضي الله عنه يميل إلى عرف اللفظ فإنه قال يحنث قرويا كان أو بدويا ومع هذا نص أنه لو حلف لا يأكل الرءوس لا يحنث برأس الطير والسمك ولو قال لا آكل اللحم لم يحنث بلحم السمك وذكر صاحبالتقريب قولا أنه يحنث برأس الطير والسمك اتباعا للفظ كما في لفظ البيت لكن الفرق ممكن من حيث إن الرأس إذا ذكر مقرونا بالأكل لم يمكن أن ندعى فيه عموم اللفظ في عرف الوضع
ولو ذكر الرأس مقرونا باللمس لا بالأكل حنث برأس الطير حتى قال القفال لو قال بالفارسية درخانه نشوم لا يحنث ببيت الشعر إذ لم يثبت هذا العموم في عرف الفارسية وإذا قصد اللفظ العربي جاز أن يؤاخذ بموجب ذلك اللفظ لأنه اختار ذلك اللفظ كما لو قال لا آكل التفاح وهو لا يدري ما التفاح حنث بما سماه العرب تفاحاوقال الصيدلاني لو حلف لا يأكل الخبز وهو في بلاد طبرستان حنث بخبز الأرز ولا يحنث في غيرها
وكل ما ذكرناه في مطلق اللفظ فإن نوى شيئا من ذلك فتتبع نيته إن احتمل فلو قال والله ما ذقت لفلان ماء وكان قد أكل طعامه لم يحنث ولو نوى الطعام أيضا لم يحنث لأن لفظ الماء لا يصلح له
اللفظ الثالث لو قال لا أسكن هذه الدار فليخرج على الفور ولا يكفيه إخراج أهله مع المقام ولو خرج وترك أهله لم يحنث ولو انتهض لنقل الأقمشة على العادة قال المراوزة لا يحنث وقال العراقيون يحنث وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يحنث إلا بالمقام يوما وليلة
ولو قال لا أساكن فلانا ففارقه صاحبه بر في اليمين وإن فارق هو في الحال فكذلك وإن أقام ساعة حنث والنظر في الأماكن فإن كانا في خان ففيه ثلاثة أوجه أحدها أنه يبر في اليمين إذ انفرد ببيت وإن كان معه في الخان والثاني أنه لا بد من الخروج من الخان تشبيها للخان بالدار لا بالسكة والثالث أنه إن حلف وهو معه في بيت كفاه الخروج من البيت وإن لم يكن في البيت فلا بد من الخروج من الخان
أما البيتان من الدار فمكان واحد عند الإطلاق وفيه وجه آخر أنهما كالخان ثم على الصحيح لو انفرد بحجرة تنفرد بمرافقها لكن بابها لافظ في الدار ففيه وجهان لأجل الطريق أما الحجرة في الخان فمنفردة ولا يؤثر كون الطريق على الخان ولو قال ساكن حجرة في الخان لا أساكن فلانا وهو في حجرة أخرى فلا يحنث بالإقامة لأنه ليس مساكنا وقال القاضي يجب الخروج من الخان وهذا بعيد ولزمه طرده في دور في سكة وقد ارتكبه ويلزمه في سكتينمن بلد ولا قائل به نعم لو قال نويت أن لا أساكنه في البلدة فوجهان ووجه المنع أن اللفظ لا ينبىء عنه ويلزمه منه تقدير ذلك في خراسان أما المحلة فوجهان مرتبان على البلد وأولى بالإندراج عند النية وإن كانا في سكة منسدة الأسفل وجرت النية فالوجه القطع بأنه تتبع النية أما إذا كان في دار فانتهض ببناء جدار حائل فالصحيح أنه يحنث بالمكث وفيه وجه
النوع الثاني في ألفاظ الأكل والشرب وما يتعلق به
وهو ثلاثة ألفاظالأول إذا قال لا أشرب ماء هذه الإداوة لم يحنث إلا بشرب الجميع وكذلك لو قال لأشربن ماء هذه الإداوة فلا يبر إلا بشرب الجميع ولو قال لأشرين ماء هذا النهر فوجهان أحدهما أنه يقتضي الجميع وهو محال فيحنث في الحال كما لو قال لأصعدن السماء والثاني أنه يحمل على التبعيض حيث لا يحتمل إذ قد يقال فلان شرب ماء دجلة أي شرب منها
ولو قال لأقتلن فلانا وهو يدري أنه ميت يلزمه الكفارة في الحال كما لو قال لأصعدن السماء وكذلك لو قال لأشربن ماء هذه الإداوة ولا ماء فيها وفيه وجه أنه لا كفارة فإنه ذكر محالا في ذاته بخلاف الصعود وقتلالميت إذ إحياء الميت مقدور لله تعالى وهذا فاسد لأنا نوجب الكفارة بوجود المخالفة في اليمين بدليل وجوبه في الغموس ولو قال لأصعدن السماء غدا ففي لزوم الكفارة قبل الغد وجهان ولو قال لأقتلن فلانا وهو يظنه حيا فإذا هو ميت ففي الكفارة خلاف بناء على أن الناسي بالحلف هل يعذر
اللفظ الثاني إذا قال لا آكل هذا الرغيف وهذا الرغيف لا يحنث إلا بأكلهما وكذلك لو قال لا آكل ولا أكلم زيدا فلا يحنث إلا بمجموعهما وقد ذكرناه في الطلاق وليس يخلو عن إشكال ولكن قالوا الواو العاطفة تجعل الإسمينكالإسم الواحد المثنى فهو كما لو قال لا أكلمهما فإنه لا يحنث إلابتكليمهما جميعا
اللفظ الثالث إذا حلف أن لا يأكل الرأس لم يحنث برأس الطير والسمك على الظاهر ويحنث برأس البقر والإبل فإن ذلك يؤكل ببعض الأقطار ورأس الظباء لا يحنث بها لأنها لا تؤكل في سائر الأقطار وإن كان يعتاد في قطر حنث من حلف بذلك القطر وهل يحنث في قطر آخر فيه وجهان مأخذه أنه يرعى أصلالعادة أو عادة الحالفين وكذا بيض السمك لا يحنث به الحالف على أكل البيض لأنه لا يفارق السمك ويحنث ببيض الأوز والبط والنعامة ولا يحنث ببيض العصافير فإن بالنسبة إلى البيض كرأس الطير بالنسبة إلى الرءوس ويجري فيه وجه صاحب التقريب بمجرد الإسم ولو حلف لا يأكل اللحم لا يحنث بالشحم ويحنث بالسمين وهل يحنث بالألية فيه وجهان وسنام البعير كالألية لا كالشحم والسمن ولا يحنث بتناول الأمعاء والكرش والكبد والطحال والرئة وفي القلب وجهان فقيل يطرد ذلك في الأمعاء وهوبعيد ولو حلف على الزبد لم يحنث بالسمن ولا بالعكس وفيه وجه أن الزبد سمن وليس السمن بزبد واللبن ليس بزبد ولا سمن والمخيض هل هو لبن فيه وجهان إذ العرب قد تسمى المخيض لبنا ولو حلف على السمن لم يحنث بالأدهان ولو حلف على الدهن ففي الحنث بالسمن تردد أما روغن بالفارسية فيتناولهما جميعا ولو حلف على الجوز حنث بالهندي ولو حلف على التمر لم يحنث بالهندي ولو حلف لا يأكل لحم البقر حنث ببقر الوحشي ولو حلف لا يركب الحمار فهل يحنث بركوب حمار الوحش ولو حلف أن لا يأكل لا يحنث بالشرب أو لا يشرب لم يحنث بالأكل
ولو حلف لا يشرب سويقا فصار خاثرا بحيث يؤكل بالملاعق فتحساه ففيه تردد ولو قال لا آكل السكر فوضع في الفم حتى انماع لم يحنث وفيه وجه ولو حلف لا يأكل العنب والرمان فشرب عصيرهما لم يحنث فإن حلف لا يذوق فأدرك طعمه ومجه ولم يبتلع ففيه وجهان وإن ازدرد حنث وإن لم يدرك الطعم لو حلف لا يأكل السمن فشرب الذائب منه لم يحنث وإن جعله في عصيدة ولم يبق له أثر لم يحنث وإن كان ممتازا منه حنث وقال الإصطخري لا يحنث إذا كان مع غيره حتى قال لو أكل مع الخبز لم يحنث وهو بعيد فإنه العادة
ولو حلف لا يأكل الخل فغمس فيه الخبز حنث ولو جعله في سكباج نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا يحنث وقال معظم الأصحاب أراد إذا لم يظهرطعمه فإن ظهر طعمه حنث
ومنهم من جرى على ظاهر النص لأن الإسم قد تبدل خلاف السمن المميز عن العصيدة والسمن وإذا لم يتميز في العصيدة فهو كالخل في السكباج ولو حلف لا يأكل الفاكهة حنث بالطرب واليابس والعنب والرمان خلافا لأبي حنيفة إذ قال لا يحنث وفي الحنث بالقثاء تردد وكذا في اللبوب كلب الفستق
فرع لو حلف لا يأكل البيض ثم انتهى إلى رجل فقال والله لآكلن مما في كمك فإذا هو بيض فقد سئل القفال رحمه الله عنه هذه المسألة وهو على الكرسي فلم يحضره الجواب فقال المسعودي وهو تلميذه يتخذ منه الناطف ويأكل فيكون قد أكل مما في كمه ولم يأكل البيض فاستحسن منه ذلك
النوع الثالث في ألفاظ العقود
فإذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه فلان لا يحنث بما ملكه من وصية وهبة وإجارة أو رجع إليه بإقالة ورد عيب أو قسمة نظرا إلى اللفظ ويحنث بالسلم وفيما ملك بالصلح عن الدين تردد ولو قال لا أدخل دارا اشترى فلان بعضها فأخذه بالشفعة لم يحنث وما ملكه بلفظ الإشتراك والتولية فهو شراء ولو قال ما اشتراه زيد فاشترك زيد وعمرو فالمشهور من المذهب أنه لا يحنث لأن الشراء غير مضاف إلى أحدهما على الخصوص وقال أبو حنيفة رحمه الله يحنث ولو اشترى زيد وخلط بما اشتراه غيره حنث إذا أكل من المختلط
اللفظ الثاني إذا قال لا أشتري ولا أتزوج فوكل لم يحنث كما لو وكل بالضرب إلا أن يحلف على ما لا يقدر عليه كقوله لا أبني بيتا وهو ليس ببناء أو قال الأمير لاأضرب فأمر الجلاد فقد خرج الربيع فيه قولا أنه يحنث وظاهر المذهب أنه لا يحنث ويتبع اللفظ إذا لم تكن نية
أما إذا توكل في هذه العقود فإن أضاف إلى الموكل لم يحنث والنكاح يجب إضافته فلا يحنث فيه الوكيل ولا الموكل ولو حلفا جميعا فإن اطلق الوكيل الشراء من غير إضافة فالمشهور أنه يحنث لأنه يناقض قوله لا أشتري وخرج القاضي وجها أنه لا يحنث لانصراف العقد إلى غيره ولو قال لا أزوج فوكل بالتزويج حنث لأن الولي أيضا كالوكيل ولو قال لا أكلم زوجة زيد حنث بمكالمة امرأة قبل نكاحها وكيل زيد ولو قال لا أكلم عبدا اشتراه زيد فاشترى وكيله لم يحنث بمكالمته ولو قال لا أكلم امرأة تزوجها زيد فقبل وكيله فالقياس أنه لا يحنث كما في الشراء وقال الصيدلاني إنه يحنث وهو تشوف إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله في أن من تزوج بالتوكيل حنث في يمين التزوج
اللفظ الثالث لو قال لا أبيع الخمر فباعه لم يحنث لأن ذلك صورة البيع وبيع الخمر محال فهو كصعود السماء وقال المزني رحمه الله يحنث ويحمل هذا على صورة البيع بخلاف ما لو أطلق وقال لا أبيع فإنه لا يحنث بالفاسد والمذهب أنه لا يحنثوكذلك إذا قال الزوج لا أبيع مال زوجتي بغير إذنها ثم باع بغير إذنها لم يحنث لأنه ليس ببيع وإنما حلف على محال
اللفظ الرابع إذا حلف لا يهب منه فتصدق عليه حنث ويحنث بالرقبى والعمرى ولا يحنث بالوقف إن قلنا لا يملك الموقوف عليه وإن قلنا يملك حنث وفيه احتمال ولا يحنث بتقديم الطعام إليه بالضيافة ولا يحنث بالهبة من غير قبوله وهل يحنث قبل الإقباض فيه وجهان وقال ابن سريج يحنث من غير قبوله إذ يقول وهبت فلم يقبل ويلزمه طرد ذلك في جميع العقود وإن قال لا أتصدق عليه لم يحنث بالهبة منه إذ حلت الهبة لرسول الله دو الصدقة وفيه وجه أنه يحنث ولو حلف أنه لا مال له حنث بمال لا تجب فيه الزكاة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
ويحنث بالدين المجل والمعجل كان على موسر أو معسر والآبق مال وكذاالمدبر وفي أم الولد وجهان وفي المكاتب وجهان مرتبان وأولى بأن لا يكون مالا لاستقلاله بنفسه والمنافع ليس بمال في اليمين حتى لو ملك منفعة دار بالإجارة لم يحنث لأنه يراد به الأعيان
النوع الرابع في الإضافات وفيها ألفاظ
الأول إذا قال لا أدخل دار فلان فدخل ما يملكه ولا يسكنه حنث ولو دخل ما يسكنه عارية لم يحنث فمطلق الإضافة للملك ولو قال لا أسكن مسكن فلان حنث بما يسكنه عارية وهل يحنث بمسكنه المغصوب فيه وجهان وهل يحنث بما يملكه ولا يسكنه ثلاثة أوجه وفي الثالث أنه يحنث إن سكنه مرة ولو ساعة ولو قال لا أدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخل حنث في الأظهر تغليبا للإشارة وفيه وجه وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يحنث للإضافة المقرونة بالإشارة ولم توجد إلا إحداهما ولو قال لا أدخل من هذا الباب فحول الباب إلى منفذ آخر فبأيهما يحنث فيه ثلاثة أوجه أحدهما أنه يحنث بدخول هذا المنفذ وإن لم يكن عليه باب والثاني أنه يحنث بدخول المنفذ الذي عليه الباب والثالث أنه لا يحنث بواحد منهما فلا بد من اجتماعها
فلو قال لا أدخل باب هذه الدار ولم يشر إلى باب ومنفذ ففتح للدار باب جديد فعلىوجه يحنث به وبأي باب كان وعلى وجه ينزل على الموجود وقت اليمين ولو قال لا أركب دابة ذلك العبد لا يحنث بما هو منسوب إليه إذا لم يملكه إذا قلنا إنه يملك بالتمليك ولو قال لا أركب سرج هذه الدابة ولا أبيع جلها حنث بالمنسوب إليها إلا أن الملك للدابة غير متوقع فيحمل على النسبة ولو قال لا ألبس ما من به فلان علي حنث بما وهبه في الماضي لا بما يهب في المستقبل لأن اللفظ للماضي ولو قال بما يمن به فلان لم يحنث بما وهب من قبل ويحنث بما سيهبه ثم سبيله أن يبدل بثوب آخر يبيعه ولو باعه ثوبا بمحاباة لم يحنث به لأنه ما من بالثوب بل من بالثمن ولو قال لا ألبس ثوبا فارتدى به أو اتزر حنث وكذلك لو ارتدى بسراويل واتزر بقميص لتحقق اسم اللبس والثوب ولو طواه ووضعه على رأسه لم يحنث لأنه حمل وليس بلبس ولو فرش ورقد عليه لم يحنث ولو تدثر به ففيه تردد ولو قال لا ألبس قيمصا فارتدى به ففيه وجهان لأن ذكر القميص يشعر بلبسه كما يلبس القميص ولو فتق واتزر به يجب القطع بأنه لا يحنث لأنه في الحال غير قميص ولو قال لا ألبس هذا القميص فوجهان وأولى بأن يحنث حتى يجري الخلاف وإن فتقه وارتدى به تغليبا للإشارة على وجه ولو قال لا ألبس هذا الثوب وهو قميص عند ذكره ففتقه وارتدى به فوجهان وأولى بالحنث ولو قال لا أكلم هذا وأشار إلى عبد وعتق وكلمه حنث وإن قال لا أكلم هذا العبد ففي كلامه بعد العتق وجهان لاختلاف الإشارة والإسم ولو قال لا آكل لحم هذا وكانت سخلة فكبرت وأكل حنث ولو قال لا آكل لحم هذه السخلة فكبرت فوجهان وكذلك الرطبإذا جف والحنطة إذا تغيرت ومن الأصحاب من قال لا يحنث في الحنطة أو ما تغيرت بالصنعة بخلاف السخلة والرطب فإن تغيره بالخلقة ولو أشار إلى سخلة وقال لا آكل لحم هذه البقرة حنث بأكلها تغليبا للإشارة وفي مثله في البيع خلاف لأن في العقود تعبدات توجب ملاحظة النظم في العبارة ولو قال لا ألبس مما غزلته فلانة يحمل على ما غزلته في الماضي ولو قال من غزلها عم الماضي والمستقبل ولو خيط ثوبه بغزلها لم يحنث إذ الخيط غير ملبوس ولو كان السدي من غزلها واللحمة من غزل غيرها فالمشهور أنه لا يحنث لأن اسم الثوب لا يتناول بعض الغزل واسم اللبس يتناول الثوب قال الإمام وهذا يقتضي أن يقال لو حلف لا يلبس من غزل نسوته فنسج ثوبا واحدا من غزلهن لا يحنث وهو بعيد وإنما يتجه هذا إذا قال لا ألبس ثوبا من غزل فلانة فإن البعض ليس بثوب أما إذا قال لا ألبس من غزل فلانة فهذا فيه غزلها فلا يبعد أن يحنث ولو حلف لا تخرج امرأته بغير إذنه ثم أذن لها بحيث لم تسمع ففي الحنث إذا خرجت وجهان مأخذهما التردد في حد الإذن إذ يحتمل أن يقال شرطه استماع المأذون فيه ويحتمل أن يقال أراد بالإذن الرضا وقد رضي ونطق به والمشكل أن الشافعي رضي الله عنه قد نص أنها لو خرجت مرة بإذنه انحل اليمين ولو خرجت بعد ذلك بغير إذن لم يحنث بخلاف ما إذا قال إن خرجت بغير خف فأنت طالق فخرجت بخف ثم خرجت بغير خف يحنث ومن أصحابنا من خرج وجها أنه لا تنحل اليمين بالخروج بالإذن أيضا وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وهو منقاس ولكنه خلاف النص والفرق أن مقصود الزوج في مثله إلزامها التحذر وإذا أذن في الخروج مرة فقد رفع ذلك التحذر بنفسه فخروجها بعد ذلك لا يتناوله اليمين
النوع الخامس في الحلف على الكلام
فلو قال والله لا أكلمك تنح عني حنث بقوله تنح عني وكذلك بكل ما يذكره بعد اليمين من زجر وإبعاد وشتم وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يحنث
ولو كاتبه لم يحنث فلو رمز بإشارة مفهمة فالجديد أنه لا يحنث وكذلك إن خرس وأشار إليه لأن إشارته ليست بكلام في اللغة وإنما أعطي حكم الكلام لضرورة المعاملة ولو حلف على مهاجرته ففي مكاتبته تردد من حيث إنها ضد المهاجرة ولكن المهاجرة المحرمة لا ترتفع بها ولو قال لا أتكلم فقرأ القرآن وسبح وهلل لم يحنث وقال أبو حنيفة رحمه الله يحنث كما لو ردد شعرا مع نفسه فإنه يحنث عندنا أيضا وما ذكره لا يخلو عن احتمالولو قال لأنثين على الله أحسن الثناء فالبر أن يقول لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
ولو قال لأحمدن الله بمجامع الحمد فليقل ما علمه جبريل عليه السلام آدم عليه السلام الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده
ولو قال والله لا أصلي حنث كما يحرم بالصلاة وإن أفسدها بعد ذلك ومنهم من قال ما لم يفرغ من صلاة صحيحة لا يحنث لكن هل يتبين استناد الحنث إلى أول الصلاة فيه وجهان وكذا الخلاف في الصوم ولمن حلف لا يحج حنث بالحج الفاسد لأنه منعقد بخلاف البيع الفاسد
النوع السادس وهو تقديم البر وتأخيره وفيه ألفاظ
الأول إذا قال لآكلن هذا الطعام غدا فإن أكل الطعام قبل الغد حنث لأنه فوت البر باختياره وكذلك إذا أكل البعض لأن البر يحصل بأكل جميعه لكن الكفارة تلزمه في الوقت أو غدا فيه خلاف ولو تلف الطعام قبل مجيء الغد بغير اختياره ففي الحنث خلاف يلتفت على الإكراه والنسيان في الحنث وسيأتي إن شاء الله تعالى ولو أتلفه في أثناء الغد أو مات الحالف وقد بقي من الغد بقية ففيه وجهان يلتفتان على أن من مات في أثناء وقت الصلاة هل يعصي بترك المبادرة والصحيح أنه لا يعصي لأن الوقت فسحة التأخير والصحيح أنه يحنث لأنه فوت البر مع إمكانه وكذلك لو فات مهما قلناإن الحنث يحصل بغير اختياره
اللفظ الثاني لو قال لأقضين حقك غدا فمات المستحق فالوفاء ممكن بالتسليم إلى الورثة وإن مات الحالف سواء مات قبل الغد أو بعده فهو كفوات الطعام فإن قلنا يحنث ففي موته قبل الغد نظر لأن وقت الحنث إنما يدخل وهو ميت ولكن لا يبعد أن يحنث وهو ميت مهما سبق اليمين التي هي السبب في حال الحياة كما لو حفر بئرا فتردى فيها بعد موته إنسان إذ يلزمه الكفارة والضمان في ماله
اللفظ الثالث لو قال لأقضين حلقك عند رأس الهلال فلو قضى قبله فقد فوت البر فيحنث ولو قضى بعده فكذلك فينبغي أن يترصد ويحضر المال ليسلم عند الإستهلال لا قبله ولا بعده وهذا يكاد يكون محالا إذ لا يقدر عليه فإما أن يتسامحفيه ويقنع بالممكن أو يقال التزم محالا فيحنث بكل حال ولا ذاهب إليه ولكن قال بعض الأصحاب له فسحة في تلك الليلة واليوم الأول فإن هذا في العادة يسمى أول الهلال وهو بعيد
اللفظ الرابع لو قال لأقضين حقك إلى حين فهذا ينبسط على العمر ولا يتقدر وقته ولو قال إذا مضى حين فأنت طالق نص الشافعي رضي الله عنه أنها تطلق بعد لحظة وهذا في جانب الطلاق ممكن وغاية تعليله أن الإسم ينطلق على لحظة وهو تعليق فيتعلق بأول ما يسمى حينا أما إذا قال لأقضين حقك إلى حين فهذا وعد فلا يتعلق بأول اسم
النوع السابع في الخصومات
وفيه ثلاثة ألفاظالأول إذا قال لا أرى منكرا إلا رفعته إلى القاضي فليس عليه البدار إذا رآه بل جميع عمره فسحة وإنما يحنث إذا مات هو أو القاضي بعد التمكن من الرفع ولو لم يتمكن حتى مات أحدهما فهذا فوات البر كرها فيخرج على الخلاف ولو بادر إلى الرفع فمات القاضي قبل الإنتهاء إلى مجلسه منهم من قطع بأنه لا يحنث ومنهم من خرج على الخلاف ولو عزل القاضي الذي عينه ولم يرفعه إليه بعد العزل قال الشافعي رضي الله عنه خشيت أن يحنث فأطلق الأصحاب قولين وإذا قال رفعته إلى القاضي فهل يتعين المنصوب في الحال أم يبر بالرفع إلى كل من ينصب بعده ففيه وجهان لتردد الألف واللام بين التعريف والجنس ولو رأى منكرا بين يدي القاضي مع القاضي فلا معنى للرفع ولو اطلع عليه بعد اطلاع القاضي فوجهان أحدهما أنه فات البر كما لو رأى معه والثاني أنه يبر بصورة الرفع وإن لم يكن فيه إعلاموعلى الوجه الأول يخرج ما لو صب ماء الإداوة بعد أن حلف على شربة أو أبرىء عن الدين بعد أن حلف على قضائه فإن قلنا الإبراء يفتقر إلى قبول فقبل يحنث بالفوات قطعا لاختياره
اللفظ الثاني إذا حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي الحق فإن أبرأه أو أخذ منه عوضا حنث لأنه لم يستوف عين حقه إلا إذا نوى ولو فارقه الغريم فلم يتعلق به ولم يتبعه لا يحنث لأنه لم يفارق وإنما المفارق غريمه وهو حالف على فعل نفسه ولو كانا يتماشيان فوقف ومشى الغريم لا يحنث أيضا لأن المفارقة قد حصلت بحركة الغريم ولا ينسب إلى سكونه وقال القاضي ينسب إلى سكونه فإنه الحادث الآن بخلاف الصورة الأولى فإن الحادث هو أصل المشي وهو من الغريم أما إذا قال لا يفترق فإن فارقه الغريم حنث لأنه أضاف إلى الجانبين وفيه وجه أنه لا يحنث
اللفظ الثالث إذا قال لأضربنك مائة خشبة حصل البر بالضرب بشمراخ عليه مائة من القضبان وهذا بعيد على خلاف موجب اللفظ ولكنه يثبت تعبدا قال الله تعالى { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } في قصة أيوب عليه السلام
ثم لا بد أن يتثاقل على المضروب بحيث تنكبس جميع القضبان حتى يكون لكل واحد أثر ولا بأس أن يكون وراء حائل إذا كان لا يمنع التأثير أصلا وفيه وجه أنه لا بد من ملاقاة جميع بدنه ولا يكفي انكباس البعض على البعض ثم لو شككنا في حصول التثقيل أو المماسة إن شرطناها قال الشافعي رضي الله عنه حصل البر ونص أنه لو قال لا أدخل الدار إلا أن يشاء زيد ثم دخل ومات زيد ولم يعرف أنه شاء أم لا حنث فقيل قولان بالنقل والتخريج لأجل الإشكال وقيل الفرق أن الأصل عدم المشيئة ولا سبب يظن به وجودها والضرب هاهنا سبب ظاهر في اقتضاء الإنكباس ولو قال مائة سوط بدل الخشبة لم تكفه الشماريخ بل عليه أن يأخذ مائة سوط ويجمع ويضرب دفعة واحدة ومنهم من قال تكفيه الشماريخ أيضا كما في لفظ الخشبة أما إذا قال لأضربن مائة ضربة فلا يكفي الضرب مرة واحدة بالشماريخ وقال العراقيون يكفي الضربات بالسياط معا ولنقتصر من صور الألفاظ ومعانيها على هذا القدر فإنه فن لا يتصور أن يحصر وفيما ذكرناه هاهنا وفي الطلاق ما يمهد طريق المعرفة
خاتمة
كل فعل يحصل به الحنث فإذا حصل ذلك الفعل مع إكراه أو نسيان أو جهل ففيه نظر لا بد من بيانه فلو قال والله لا أدخل الدار فأذن حتى حمل وأدخل حنث لأنه كالراكب والراكب داخل ولو حمل قهرا وأدخل لم يحنث وفيه وجه أنه كالإذن وبين الدرجتين أن يحمل وهو قادر على الإمتناع فلا يمتنع فقد ألحقه الأكثرون بالإذن ومنهم من ألحقه بالقهر أما إذا أكره على الدخول أو نسي اليمين فقولان أحدهما أنه يحنث لوجود الصورة ولأنه يحنث بطلوع الشمس إذا حلف عليه فليس يشترط الفعل في الحنث والثاني أنه لا يحنث لأنه الآن علق على الفعل وهذا ليس بفعل شرعا
واختار القفال رحمه الله أن الطلاق يقع والحنث لا يحصل فإنه أشبه بالعبادات التي ينسب فيها إلى الإحرام وتركه فيؤثر فيه النسيان والإكراه ثم قيل الناسي أولى بأن يحنث وقيل أولى بأن لا يحنث وقد ذكرناه في الطلاق
وأما الجهل فهو أن يقول لا أسلم على زيد فسلم في ظلمة ولا يدري أنه زيد فقولان مرتبان وأولى بالحنث لأن الجاهل يفطر والناسي لا يفطر أعني من غلط فظن غروبالشمس وكل ما يفوت البر به من انصباب ماء الإداوة وموت من يتعلق البر به وهلاكه فيخرج على القولين وكذلك إذا قال ما فعلت أو لا أملك شيئا وكان قد فعل وملك لكن نسي خرج على القولين
فرع لو قال لا أسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم ولكنه لم يعلم فقولان مرتبان على ما إذا رآه في ظلمة فسلم عليه وهاهنا أولى بأن لا يحنث لأنه لم يعينه بالسلام
ولو قال لا أدخل على فلان فدخل على قوم هو فيهم ولم يعلم فقولان مرتبان وأولى بالحنث بأن اللفظ أقبل للخصوص من الفعل
وأما إذا سلم على القوم واستثناه باللفظ أو بالنية لم يحنث ولو لم يستثن وهو عالم به قال العراقيون فيه قولان ولا مأخذ له إلا أنه لم يسلم عليه خاصة فيحمل مطلق لفظه على التسليم عليه بالتنصيص أما إذا قال لا أدخل عليه ثم دخل على قوم وهو فيهم واستثنى بالنية فوجهان أحدهما أنه لا يحنث كالسلام والثاني أنه يحنث لأن العموم يقبل الخصوص وأما الفعل فلا يقبل وإن كان هو وحده في البيت ولكن دخل لشغل آخر فهو أيضا على الوجهين ولو دخل ولم يعلم أنه فيه فظاهر النص أنه لا يحنث لأنه لا يكون داخلا عليه إذا لم يعلمه ولم يقصده وخرج الربيع أن هذا كالناسي وصحح معظم الأصحاب تخريجه والله أعلم
كتاب النذور
قال الله تعالى { يوفون بالنذر } فصار هذا أصلا في لزوم الوفاء والنظر في أركان النذور وأحكامه
النظر الأول في الأركان
وهي الملتزم وصيغة الإلتزام والملتزمأما الملتزم فهو كل مكلف له أهلية العبادة فلا يصح النذر من كافر لأنه لا يصح منه التقرب نعم قال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية فقال عليه السلام أوف بنذرك فمن هذا يحتمل التصحيح ويحتمل أن يحمل على الإستحباب حتى لا يكون إسلامه سببا في ترك خير كان قد عزم عليه في الكفر وأما الصيغة فهي ثلاثة
الأولى أن يقول إن شفى الله مريضي فلله علي كذا فيلزمه وكذلك إذا علق بنعمة أو زوال بلية
الثانية أن يعلق بما يريد عدمه وهو يمين الغضب واللجاج وقد ذكرناه
الثالثة أن يلتزم ابتداء من غير تعليق فيقول لله علي صوم أو صلاة ففيه قولان مشهوران أحدهما أنه يجب تنفيذ النذر والثاني لا لأن ذلك كالعوض عن النعمة وهذا ابتداء تبرع فلا يصير واجبا بإيجابه له
إذا قال لله علي كذا إن شاء الله لم يلزمه شيء والإستثناء عقيب العقود والأيمان والنذور كلها تدفعها وأما إذا قال لله علي كذا إن شاء زيد لم يلزمه شيء وإن شاء زيد لأنه لم يلتزمه لله تعالى وليس هذا كما لو قال إن قدم زيد فلله علي كذا لأن ذلك يمين الغضب أو هو تبرر ولم يعلق فيه لزوم العبادة بمشيئة زيد هكذا قاله القاضي
وأما الملتزم فكل عبادة مقصودة ولها مراتب
الرتبة الأولى أصول العبادات تلزم بالنذر كالصلاة والصوم والحج والصدقة ويلتحق بها فنان أحدهما صفات هذه العبادات كما لو نذر الحج ماشيا أو طول القراءة والقيام في الصلاة فإن أفرد الصفة بأن التزم المشي في حجة الإسلام وطول القراءة في رواتب الفرائض ففي اللزوم وجهان لأن هذه صفات فيبعد أن تستقل باللزوم
والثاني فرض الكفايات فلو نذر الجهاد في جهة قال صاحب التلخيص يلزمه في تلك الجهة وكذلك لو نذر تجهيز الموتى وكذا كل ما يحتاج فيه إلى مال أما مالا يحتاج إليه كالصلاة على الجنائز والأمر بالمعروف ففيه تردد والظاهر لزومه
الرتبة الثانية القربات التي حث الشرع عليها كعيادة المريض وزيارة القادم وإفشاء السلام ذهب المتقدمون من الأصحاب إلى أنه لا تلتزم بالنذر فإنها ليست عبادة ولو لزم لوجب قصد التقرب بها إلى الله تعالى ولصارت عبادة وذهب المتأخرون إلى أنها تلزم كتجهيز الموتى والجهاد فإنها لم تشرع عبادة مقصودة فلا يمكن الضبط إلا بالقربة التي يرتجي ثوابها واستثنى القاضي عن هذا ما يخالف الرخصة كقوله لا أفطر في السفر فإن هذا تغيير للشرع إذ اللزوم بالنذر لا يزيد على إلزام الشرع وهو يسقط بالسفر
واختلفوا فيما لو التزم بالنذر الوتر والنوافل الرواتب لأنه كالتغيير لرخصة الشرع فيتركه وقال الشيخ أبو محمد رحمه الله ينبغي أن لا يجب بالنذر إلا ما له أصل واجب في الشرع مقصود فقال لا يجب بالنذر تجديد الوضوء لأنه لم يجب مقصودا والإعتكاف يجب لأنه مكث والوقوف بعرفة مكث واجب وقال الإمام يجب عندي تجديد الوضوء بالنذر
الرتبة الثالثة
المباحات كالأكل والدخول والنوم فإنه وإن كانت يثاب على أكله إذا قصد التقوى على العبادة وعلى نومة إذا قصد طرد النعاس عند التهجد فهذا بمجرد القصد وهذه الأفعال غير مقصودة شرعا بخلاف العيادة ورد السلام وغيره لكن قال القاضي إذا قال لله علي أن أدخل أو آكل ولم يلتزم فيلزمه بمجرد اللفظ كفارة يمين ولو قال لله علي أن أشرب الخمر أو محظورا آخر قال في لزوم الكفارة وجهان وهذا ليس يظهر له وجه يعتد به إلا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من نذر وسمى فعليه ما سمى ومن نذر ولم يسم فعليه كفارة يمين
وهذا يمكن أن يكون المراد به في يمين الغلق فلا يترك القياس بمثله نعم لو نوى اليمين بقوله لله علي ألا أدخل الدار فيلزمه الكفارة بالحنث
فرع إذا نذر الجهاد في جهة قال صاحب التلخيص تتعين الجهة وقال أبو زيد لا تتعين وميل الشيخ أبي علي إلى أن تتعين الجهة أو جهة تساويها في المؤنة والمسافة كما في مواقيت الحج
النظر الثاني في أحكام النذر
وموجب النظر مقتضى اللفظ والملتزم بالنذر أنواع من القرب
النوع الأول الصوم وفيه ألفاظ
الأول إذا قال لله علي صوم فيلزمه يوم وهو الأقل وهل يلزمه تبيت النية فيه قولان يعبر عنهما بأن مطلق النذر ينزل على أقل واجب الشرع أو على أقل الجائز والصحيح أنه ينزل على أقل الجائز فلا يشترط التبيت فإن اتباع الأصل أولى من التنزيل على واجب الشرع وكذلك إذا قال لله علي صلاة تلزمه ركعتان على قول ويكفيه ركعة على قول ولا خلاف أنه لو قال لله علي صدقة لم يتصدق بخمسة دراهم لأن في الخلطة قد يجوز إخراج ما دونها ولا خلاف أنه لا تختص بجنس مال الزكاة وفي الإعتكاف هل يكفي الدخول مع النية من غير مكث فيه تردد وإن كان المكث لا يشترط في كونه عبادة
ثم إن ثلنا لا يشترط التبيت فلو قال علي صوم يوم ونوى نهارا فإن قلنا إنه صائم من ذلك الوقت فلا يجزىء وإن قلنا إنه صائم جميع النهار أجزأه
اللفظ الثاني إذا عين يوما ففيه وجهان
أحدهما أنه لا يتعين اليوم وتعين الزمان كتعين المكان والمسجد للصلاة
والثاني أنه يتعين فلا يجزئه قبله وإن أخر عنه كان قضاء
ولا خلاف في أنه لا تثبت خواص رمضان لذلك اليوم المعين بل يجوز فيه صومآخر بمعنى أنه ينعقد ولو نذر شهرا لم يلزمه التتابع إلا أن يلتزمه ولو عين الشهر فقال علي صوم رجب متتابعا ففي وجوب التتابع في قضائه وجهان
أحدهما أنه يجب لأنه التزم
والثاني لا كقضاء رمضان فإن ذكر التتابع مع تعيين الشهر لغو فإن التتابع يقع ضرورة في الشهر المعين
ولو شرط التفرق في الصوم لم يلزمه على الأصح لأنه ليس وصفا مقصودا ولم يعين للصوم وقتا حتى يخرج على الخلاف المشهور في تعيين الوقت ولو قال علي صوم هذه السنة يكفيه أن يصوم جميعها وينحط عنه صوم رمضان وأيام العيد والتشريق وهل يلزمها قضاء أيام الحيض وأما ما أفطر بالمرض ففيه خلاف ومن لم يوجب فكأنه قال النذر يجري مجرى الشرع والشرع لا يوجب عليه صوم هذه الأيام أما ما أفطر في السفر فالظاهر أنه يقضي إذ يظهر فيه أن الشرع أوجب لكن السفر اقتضى التخيير بينهوبين عدة من أيام أخر أما إذا قال لله علي صوم سنة فيلزمه اثنا عشر شهرا بالأهلة ولو ابتدأ من المحرم إلى المحرم لا يكفيه بل يلزمه قضاء أيام رمضان والعيدين وفيه وجه أنه يكفيه وهو بعيد
اللفظ الثالث إذا قال لله علي أن أصوم يوم يقدم فيه فلان فقدم ليلا لم يلزمه شيء لأنه قرن اليوم في نذره بالقدوم ولم يوجد ولو قدم في أثناء النهار فنقدم على هذا أصلا وهو أن من أصبح صائما تطوعا فنذر إتمام ذلك اليوم لزمه ولو أصبح ممسكا فالتطوع ممكن بإنشاء النية فلو نذر أن يصوم ذلك اليوم لزمه على الأصح وإن قلنا إن النذر المطلق ينزل على واجب الشرع لأن هذا مقيد ولهذا قطعوا بأنه لو قال لله علي ركعة واحدة لزمته والعجب أنهم قالوا لو قال لله علي أن أصلي قاعدا وهو قادر على القيام يلزمه القيام على أحد القولين وأخذوا يفرقون بين ركعة وبين القيام غير ممكن
أما إذا نذر صوم بعض اليوم فوجهان
أحدهما أنه يلغو لأنه التزم محالا
والثاني أنه يصح ويلزمه أن يضم إليه بقية اليوم ليصح البعض مع البقية وعلى هذا يخرج ما لو نذر ركوعا أو سجودا أنه يلغو أو تلزمه صلاة
ولم يذهب أحد إلى أن السجدة وحدها تلزم بالنذر فإنها ليست عبادة إلا مقرونة بسبب كالتلاوة
رجعنا إلى مسألتنا قطع الأصحاب بأنه لا يخرج عن النذر بصوم ذلك اليوم وإن أصبح ممسكا وكان قبل الزوال وهذا ميل إلى أنه لو نذر صوم يوم لم يكفه إنشاء النية نهارا وإن كفاه إذا لم يذكر اليوم وذكر مجرد الصوم
ثم هل يلزمه صوم يوم آخر فيه قولان اختلفوا في أصلهما منهم من قال أصله أنمن نذر صوم بعض يوم هل يلزمه يوم كامل ومنهم من قال لا بل أصله أن قوله يوم يقدم فلان محمول على يوم القدوم من أوله أو من وقت قدومه فإن قلنا إنه من أوله لزمه صوم يوم وإن قلنا إنه من وقت القدوم فهو محال لا يلزمه شيء إذ نذر صوم بعض اليوم لاغ على الصحيح إذ قطعوا بأنه لو نذر حج هذه السنة ولم يبق من والوقت إلا يوم وهو على مائة فرسخ بطل النذر ويتبين أثر هذا البناء في العتق فإذا قال عبدي حر يوم يقدم فلان فباعه ضحوة ثم قدم ذلك اليوم فإن قلنا بالإستناد تبين بطلان البيع وإلا فالبيع نافذ لتقدمه على القدوم
التفريع
إن قلنا يلزمه ثم يظهر بالعلامة أنه يقدم غدا فنوى ليلا فقال القفال لايصح التردد وقال غيره يصح للعلامة وللتشوف إلى الوفاء بالملتزم وترددوا في أنه هل يلزمه الإمساك في ذلك اليوم إذا أصبح ممسكا فإن قلنا يجب القضاء فعليه الإمساك وإلا فلاولو كان صائما ذلك اليوم عن نذر آخر فالأولى أن يقضي ذلك النذر لأنه تطرق إليه نوع من الإشتراك
اللفظ الرابع إذا قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم يوم الإثنين لزمه صوم الأثانين أبدا تفريفعا على الأصح في أن الوقت يتعين بالتعيين في الصوم وكذلك من نذر صوم الأثانين أبدا لزمه ثم لو وافق يوم حيض أو مرض ففي القضاء الخلاف الذي ذكرناه في السنة هذا إذا كان لا يغلب وقوع الأثانين في الحيض فإن كانت تحيض عشرا عشرا فلا بد وأن يتناول اثنين فالمذهب أنه لا يجب القضاء لأن نذر أيام الحيض لاغ وقد تناول بنذره أيام الحيض ومنهم من طرد الخلاف لأن الحيض يطول ويقصر ولو صادف يوم عيد فإسقاط القضاء أظهر لأنه كالمتعين ومنهم من قال الهلال يختلف ويتصور فيه التقدم والتأخير فيجب القضاء فإن يوم حيضها في علم الله تعالى أيضا متعين أما الأثانين الواقعة في دور رمضان فلا يجب القضاء قطعا إذ لا بد من وقوع أربع أثانين فيه أما الخامس فيخرج على الخلاف ولو كان قد لزمه من قبل صوم شهرين متتابعين لكفارة ثم نذر الأثانين لم يلزمه قضاء ما فات في الصوم المتتابع كرمضان وفيه وجه أنه يقضي كما لو لزمه صوم الشهرين بعد النذر فإنه يقضي لأنه أدخل سبب الكفارة على نفسه
اللفظ الخامس إذا نذر صوم الدهر لزمه وقوله صلى الله عليه وسلم من صام الدهر فلا صام أراد به أن لا يفطر أيام العيدين ثم له الترخيص بعذر السفر والمرض ولا قضاء إذ لا يمكن القضاء لأن الده مستغرق ولو أفطر عمدا لزمه القضاء وتعذر لاستغراق الدهل فعليه المد فإن نوى القضاء في يوم انعقد قضاؤه ولكن فاته في ذلك اليوم الأداء فعليه المد لذلك اليوم أما إذ عين نذر يوم العيد لغا نذره عندنا خلافا لأبي حنيفةرحمه الله وهو عندنا كنذر يوم الحيض وفي نذر يوم الشك ونذر الصلاة في الأوقات المكروهة خلاف وكذلك في أيام التشريق إن قلنا إنه يقبل صوم المتمتع
النوع الثاني الحج
ومن نذر الحج لزمه فإن نذر ماشيا ففي لزوم المشي قولان بناء على أن الأفضل هو الركوب أو المشي فإن قلنا المشي أفضل لزمه لأنه صار وصفا للعبادة ثم النظر في ثلاثه أمور
الأول في وقت المشي فلو نذر المشي من دويرة أهله قبل الإحرام ففي لزومه وجهان
أحدهما لا لأن المشي قبل الإحرام ليس بعبادة
والثاني نعم لأن الحج ماشيا كذلك يكون
فإن قلنا يلزم فلو أطلق وقال أحج ماشيا أو أمشي حاجا ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يحمل اللفظ على العادة فيلزم المشي من دويرة أهله
والثاني يحمل على الحقيقة والحج من وقت الإحرام
والثالث أنه إن قال أحج ماشيا فمن وقت الإحرام وإن قال أمشي حاجا معناهقاصدا للحج فمن دويرة أهله
وأما في آخر الحج فله الركوب بعد التحللين وهل له ذلك بينهما فيه وجهان
النظر الثاني لو فاته الحج بعد الشروع أو فسد عليه بالجماع لزمه لقاء البيت وفي لزوم المشي وجهان من حيث إن هذا غير واقع عن المنذور ولكنه من لوازمه
النظر الثالث لو ترك المشي بعذر وقع الحج عن نذره وإن ترك بغير عذر فقولان أحدهما لا لأنه ما أتى بالموصوف والثاني وهو الأظهر أنه يقع لأنه أتى بالأصل لكن هل يلزمه الفدية بترك المشي فيه ثلاثة أوجه أحدها لا لأنه ليس المشي من الأبعاض في الحج والثاني نعم إذ لا معنى للبعض إلا واجب لا يجوز تركه والثالث أنه تجب إن تركه عمدا وإن تركه بعذر لم تجب
فروع
أحدها لو ركب في بعض الطريق ومشى في بعض قال الشافعي رضي الله عنه إذا عاد للقضاء مشى حيث ركب وركب حيث مشى وهذا تفريع على لزوم القضاء فكأنه وقع الحج الأول عنه وبقي المشي الواجب فلم يمكن قضاؤه مفردا فقضى بالحج له وكفاه بعض المشي لذلك ومنهم من قال وجب المشي في جميعه لأن الأول لم يقع عنه
الثاني لو قال لله علي أن أحج عامي هذا تعين الوقت له كما في الصوم فلو امتنع بعذر ففي القضاء خلاف كما في الصوم وفي الإحصار خلاف مرتب وأولى أن لا يجب القضاء ونص الشافعي رضي الله عنه في الإحصار أنه لا يجب القضاء والآخر تخريج ابن سريج
الثالث لو قال لله علي أن أحج راكبا وقلنا إن الركوب أفضل فالقول فيه كالقول في المشي
النوع الثالث إتيان المساجد
إذا نذر إتيان مسجد سوى المسجد الحرام والمدينة وبيت المقدس لم يلزمه شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد إيلياء أي المسجد الأقصى وهذا لا يوجب تحريما وكراهية في شد الرحال إلى غيره على الصحيح بل بين أن القربة هذا فقط أما إذا نذر إتيان مسجد بيت المقدس أو مسجد المدينة ففي اللزوم قولان
أحدهما لا إذ لا يتعلق بهما نسك
والثاني نعم لأن لهما اختصاصا بالقربة على الجملة فإن قلنا يلزم فهل يجب أن يضم إليه قربة أخرى من اعتكاف أو صلاة فيه وجهانأحدهما أنه يلزم إذ يبعد أن يكفي الإجتياز به
والثاني أنه لا يلزم إلا ما التزم فهو مجرد زيارة كزيارة العلماء والقبور فإن قلنا تجب ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يجب فيه الإعتكاف لأنه أخص بالمسجد
والثاني تجب الصلاة ولو ركعة واحدة لأنه أظهر فضيلة هذه المساجد بها فقال صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في غيره وصلاة في مسجد إيلياء تعدل ألف صلاة في غيره وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيرهوالثالث أنه يتخير بينهما وزاد الشيخ أبو علي أنه يكفيه زيارة القبر في مسجد المدينة
فرع
لو نذر الصلاة في مسجد المدينة وإيلياء قطع المراوزة باللزوم وحكى العراقيون طرد القولين في تعيين المسجد ولو نذر المشي إلى المسجدين ففي المشي وجهان كما في المشي من دويرة أهله قبل الإحرام وأما إذا نذر إتيان المسجد الحرام فيلزمه حج أو عمرة إن قلنا يحمل النذر على أقل واجب وإن قلنا يحمل على مجرد الإسم فلا بد من إحرام إن قلنا إن ذلك يجب بدخول مكة وإن قلنا لا يجب نزل منزلة المسجدين فيخرج اللزوم بالنذر على قولين ثم لا فرق بين لفظ المشي وبين قوله آتي أو أسير إليه وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجب إلا بلفظ المشي ولا فرق بين أن يقول إلى مكة أو الحرم أو المسجد أو مسجد الخيف وجميع مواضع الحرمثم إن قلنا يجب أن يضاف إلى الإتيان اعتكاف أو صلاة فها هنا تزيد العمرة والحج فإنهما أخص به ولا يبعد أن يكتفى بمجرد طواف وهو أيضا أخص من الإعتكاف ولو قال آتي عرفة لم يلزمه شيء لأن ذلك ليس بقربة إذا لم يكن في حج وقال القاضي إن خطر له شهود يوم عرفة مع الحجيج لم يبعد لزومه لما فيه من البركة ولو نوى به الحج لزمه الحج وكذلك لو قال إلى بيت الله تعالى فلا يلزمه شيء لأن جميع المساجد بيت الله إلا إذا نوى به الكعبة
النوع الرابع تعيين المساجد
فإذا قال لله علي أن أصلي الفرائض في المسجد لزمه إذا قلنا إن صفة الفرائض تفرض بالالتزام أما إذا عين مسجدا لم يتعين إلا المساجد الثلاث وهل يقوم بعضها مقام بعض في المسجد سوى المسجد الحرام فيه خلاف منهم من قال يقوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهما بالتعديل بألف صلاة وعلى هذا يقوم المسجد الحرام مقامهما ومنهم من قال إذا عين فلا بد من التعين ومنهم من طرد هذا في المسجد الحرام وقال لا يقوم مقام المسجدين
ولا خلاف أنه لو نذر ألف صلاة لا تكفيه صلاة واحدة في هذه المساجد
ولو نذر صلاة في الكعبة جاز الصلاة في أرجاء المسجد
النوع الخامس في الضحايا والهدايا
وقد ذكرناه في الحج ونتكلم الآن في ألفاظ خمسة
الأول لو نذر أن يتقرب بسوق شاة إلى مكة لزمه ولم يكفه الذبح في غير مكة ثم يلزمه التفرقة بمكة لأن التلطيخ وحده ليس بقربه وفيه وجه أنه لا تلزمه التفرقة بها بل يجوز النقل لأنه لم يلتزمه مقصودا وأما إذا لم يذكر لفظ الضحية ولا لفظا يدل على القربة بل قال لله علي أن أذبح بمكة فالأظهر أنه يلزمه لأن اقترانه بذكر الله تعالى ومكة يشعر بقصد التقرب ومنهم من قال لا يلزمه لأن الذبح المذكور بمجرده ليس بقربة ما لم يوصف بما يدل عليه فإن قال لله علي أن أذبح بنيسابور فوجهان مرتبان وأولى بأن لا يجب لأن لفظ مكة قرينة مع ذكر اسم الله تعالى
التفريع إن قلنا يلزم لو ذكر لفظ التضحية بنيسابور فهل يتعين تفرقة اللحم بها فيه وجهان يستمدام نن جواز نقل الصدقة ويخرج عليه الخلاف في أن الفقير هل يتعين للتصدق عليه إذا عين ففي وجه لا يلزم إذ لم تثبت قربة في هذه الأعيان بخلاف مكة فإن قلنا لا يلزم فالظاهر أنه يلزم النذر ويسقط التعيين ويحتمل أن يقال فسد أصل النذر فإن قلنا تتعين للتفرقة فهل يتعين للذبح فيه وجهان من حيث إن تخصيص البلاد بالزكاة معهود أما بالذبح فلا إلا في مكة ولكن لا يبعد أن يجب تابعا للتفرقة
اللفظ الثاني إذا قال لله علي أن أضحي ببدنه لزمه بعير وهل يقوم مقامه بقرة أو سبع من الغنم فيه طريقان
أحدهما إن عدمت البدنة جاز وإلا فوجهان
والثاني إن وجدت لم يجز وإن عدمت فوجهان ومأخذ الخلاف الإلتفات إلى موجب اللفظ أو وضع الشرع في التعديل ولا خلاف في أنه لو نذر دراهم فلا يتصدق بجنس آخر
التفريع
إن جوزنا الإبدال فلا يشترط المعادلة في القيمة وفيه وجه بعيد أنه يشترط وأما الصفة فالصحيح أنه يتعين من الإبل البعير الثني الذي يجزىء في الضحية بقوله علي أن أضحي وذكر العراقيون وجها أنه ينزل على ما يسمى بدنة وإن كان معيبا نعم لا يجزىء الفصيل فإنه لا يسمى بدنةاللفظ الثالث إذا قال لله علي هدي وإن نزلناه على أقل واجب الشرع فعليه حيوان من النعم سليم من العيوب ويلزمه السوق إلى الحرم وفيه وجه أن السوق لا يجب لأن دم الإحصار ودم الحيوان تجزىء في غير الحرم وإن قلنا ينزل على جائز الشرع فكل ما ينطلق عليه اسم الهدى والمنحة ولو دانق يتصدق به حيث كان وفيه وجه أنه لا بد من تبليغ الحرم لاسم الهدي وهو بعيد
اللفظ الرابع إذا قال لله علي أن أهدي هذه الظبية إلى مكة لزمه التبليغ ويتصدق بها حية بمكة إذ لا قربة في ذبحها كما لو نذر عشرة أذرع من كرباس لا يخيطه قميصا ولو نذر بعيرا معيبا لا يجزىء في الضحية ففي وجوب ذبحه بمكه وجهان لأنه من جنس الضحيةوإن لم يكن بصفته فلو عين مالا وقال علي أن أهديه إلى مكة لزمه النقل بعينه إلا أن يكون عقارا أو حجر رحى مما لا يمكن النقل فيبيع وينقل القيمة وخرج من هذا أن مكة تتعين في الصدقة والصلاة إذا عينت وهل تتعين للصوم الظاهر أنه لا تتعين إذ لم يثبت لها اختصاص في الصوم بخلاف الصلاة والصدقة
اللفظ الخامس إذا قال علي أن أستر الكعبة أو أطيبها لزمه لأن الستر عهد في العصر الأول ولم ينكر وهذا يدل على أن ما ليس بقربة مقصودة أيضا يلزم بالنذر ويجوز ستر الكعبة بالحرير لأن ذلك محرم على الرجال أن يلبسوه بأنفسهم لا في التزين وفي إلتزام تطييب المسجدين الآخرين تردد والله تعالى أعلم
كتاب أدب القضاء
وفيه أربعة أبواب
الباب الأول في التولية والعزل وفيه فصلان
الفصل الأول في التولية
وفيه ست مسائل
الأولى في فضيلة القضاء والقيام بمصالح المسلمين
والإنتصاف للمظلومين من أفضل القربات وهو من فروض الكفايات وهو أفضل من الجهاد وأهم منه لأن الجهاد لطلب الزيادة والقضاء لحفظ الموجود وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوم واحد من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة وحد يقام في أرض بحقه أزكى من مطر أربعين خريفا فلأجل فضيلة الولاية وكونها مهما لنظام الدين والدنيا تجب الإجابة على من دعي إلى الحكم والمستحب أن يقول إذا دعي سمعا وطاعة
الثانية في جواز طلب القضاء والولايات
وقد ورد فيه التحذير مع ما ذكرناه من الفضل فقد قال صلى الله عليه وسلم من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين وقال لعبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عنمسألة وكلت إليها وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وقال عمر رضي الله عنه ما من أمير ولا وال إلا ويؤتى يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه أطلقه عدله أو أوبقه جوره
وإنما هذه التحذيرات لأن هذه الولاية تستخرج من النفس خفايا الخبث حتى يميل على العدو وينتقم منه وينظر للصديق ويتبع الأغراض وقد يظن بنفسه التقوى فإذا ولي تغير فنقول للطالب أربعة أحوال
إحداها أن يكون متعينا بأن لا يوجد غيره ممن يصلح فالطب فرض عليه وإن كان خاملا فعليه أن يشهر نفسه عند الإمام حتى يولى ثم إن كان يخاف على نفسه الخيانة والميل لم يكن هذا عذارا بل عليه أن يجاهد نفسه ويلازم سمت التقوى فإن تولى ومال عصى وإن امتنع من القبول خوفا من الميل عصى وهو متردد بين إحدى معصيتين لا محالة
الثانية أن يكون في الناحية من هو أصلح منه ففي انعقاد إمامة المفضول خلاففإن منعنا ففي انعقاد قضاء المفضول وتوليته خلاف والأصح أنه ينعقد لأن ما يفوت من مزية الإمامة لا جبر لها ونقصان القاضي يجبره نظر الإمام من ورائه فإن قلنا لا ينعقد حرم عليه القبول وحرم على الإمام التولية فإن قلنا ينعقد جاز للمفضول القبول إن ولي بغير مسأله وأولى أن لا يقبل وأما الطلب فمكروه ولا ينتهي إلى التحريم وقيل إنه يحرم وهذا كله في الواثق بنفسه الذي اختبر ورعها وتقواها فإن كان معه استشعار خيانة فيحرم الطلب
الثالثة أن يكون في البلد من هو دونه فإن قلنا لا تنعقد ولاية المفضول التحق بالصورة الأولى وإن قلنا تنعقد جاز القبول بل هو الأولى لتحصيل تلك المزية للمسلمين وأما الطلب فهو جائز وإن قلد بغير سؤال فهل يلزمه القبول فيه وجهان ولكن هذا إذا كان واثقا بنفسه فإن كان خائفا فهذا لا يوازيه مزية الفضيلة فليمتنع
الرابعة أن يكون في الناحية مثله فالقبول جائز وإن ولي بغير سؤال فلا يجب القبول على الأظهر لأنه غير متعين لكن الأولى القبول لأنه أتاه من غير مسألة فيعان عليه وأما الطلب فيحتمل أن يكره للخطر ويحتمل أن يستحب للفضيلة وكل هذا إذا لم يخف على نفسه فإن خاف خوفا ظاهرا فعليه الحذر
وإن كان لا يستشعر ميلا ولكنه لم يجرب نفسه في الولايات فإن كان له حاجة لطلب رزق وكفاية فلا تطلق له الكراهية بالتوهم مع الحاجة فله الطلب وإن لم تكن حاجة فيكره له الطلب بمجرد هذا الإستشعار ولا ينتهي إلى التحريم
المسألة الثالثة في صفات القضاة ولا بد أن يكون حرا ذكرا مفتيا بصيرا إذ لا ولاية للعبد ولا للمرأة وقال أبو حنيفة رحمه الله يجوز تولية المرأة فيما لها فيه شهادة
وقولنا مفتي أردنا المجتهد الذي تقبل فتواه ويخرج عنه الصبي والفاسق إذ لا تقبل فتواهما نعم الفاص مفت في حق نفسه حتى لا يجوز له تقليد غيره ولكن لا يوثق بفتواه ونعني المجتهد المتمكن من درك أحكام الشرع استقلالا من غير تقليد غيره ويستقصى تفصيل ذلك في علم الوصول أما المقلد فلا يصلح للقضاء وأما من بلغ مبلغ الإجتهاد في مذهب إمام لا في أصل الشرع ففي جواز الفتوى له خلاف مبني على أن من قلده كان قد قلد إمامه الميت أم قلده في نفسه فمن جوز تقليد الميت وهو الصحيح جوز لهالفتوى ومع هذا فلا تجوز توليته مع القدرة على مجتهد مستقل وإذا لم يوجد غيره وجب تقديمه على الجاهل والذي لم يبلغ مبلغ الإجتهاد في المذهب
وينبغي أن يعتبر مع هذه الخصال الكفاءة اللائقة بالقضاء فمجرد العلم لا يكفي لهذه الأمور
وفي تولية الأمي الذي لا يحسن الكتابة وجهان أصحهما الجواز إذ كان صلى الله عليه وسلم أميا وأما العمى فمينع القضاء لأنه لا يميز بين الخصوم والشهود
ثم هذه الشروط أطلقها أصحابنا وقد تعذر في عصرنا لأن مصدر الولايات خال عن هذه الصفات وقد خلا العصر أيضا عن المجتهد المستقل والوجه القطع بتنفيذ قضاء من ولاه السلطان ذو الشوكة كيلا تتعطل مصالح الخلق فإنا ننفذ قضاء أهل البغي للحاجة فكيف يجوز تعطيل القضاء الآن نعم يعصي السلطان بتفويضه إلى الفاسق والجاهل ولكن بعد أن ولاه فلا بد من تنفيذ أحكامه للضرورة
المسألة الرابعة في الإستخلاف والأولى بالإمام أن يصرح بالإذن فيه فإن نهىامتنع وإن أطلق فثلاثة أوجه
أحدها أنه يمتنع لأنه لم يفوض إليه وولاية القضاء عند الشافعي رضي الله عنه تتجزأ حتى لو فوض إليه قضاء الرجال دون النساء أو قضاء الأموال دون النفوس أو استثنى شخصا واحدا عن ولايته نفذ عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فكذلك إذا لم يفوض إليه الإستخلاف
والثاني أن المطلق ينزل على المعتاد فيجوز له الإستخلاف
والثالث أنه إن اتسعت خطة الولاية بحيث لا يقدر على القيام بنفسه جاز وإلا فلا
وتشترط صفات القضاة في النائب إلا إذا لم يفوض إليه إلا تعيين الشهود أو التزكية فإنه لا يشترط من العلم إلا ما يليق به وقال الشيخ أبو محمد نائب القاضي في القرى إذا لم يفوض إليه إمضاء الحكم بل سماع البينة ونقلها فلا يشترط منصب الإجتهاد بل العلم اللائق بأحكام البينات
فرع
ليس له أن يشترط على النائب الحكم بخلاف اجتهاده أو بخلاف اعتقاده حيث يجوز تولية المقلد للضرورة بل اعتقاد المقلد في حقه كالإجتهاد في حق المجتهد فإن شرط حنفي على نائبه الشافعي الحكم بمذهب أبي حنيفة رحمه الله جاز له الحكم في كل مسألة توافق فيها المذهبان وما فيه خلاف لا يحكم فيه أصلا لا بمذهب أبي حنيفة رحمهالله فإنه خلاف اعتقاده ولا بمذهب الشافعي رضي الله عنه فإنه لم يفوض إليهالمسألة الخامسة إذا نصب في بلدة قاضيين على أن لا يستقل أحدهما دون الآخر لم يجز لأن الإختلاف يكثر في الإجتهاد فيؤدي إلى بقاء الخصومات ناشئة ولو خصص كل قاض بطرف من أطراف البلد جاز كما يعتاد في بغداد وإن أثبت لكل واحد الإستقلال في جميع البلد فوجهان
أحدهما لا إذ يتنازع الخصمان في اختيار أحدهما وكذلك في إجابة داعيهما بخلاف داعي الإمام والقاضي أو خليفته فإن داعي الأصل يقدم وكذلك من اختاره
والثاني أنه يجوز ويحكم عند النزاع بالقرعة في التقديم
المسألة السادسة في التحكيم
إذا حكم رجلان اختصما في مال هل ينفذ حكمه عليهما فيه قولان والنكاح مرتب على المال وأولى بأن لا ينفذ والعقوبات مرتبة على النكاح وأولى بأن لا تنفذ ثم اختلف في محل القولين قيل إنه إذا لم يكن في البلد قاض فإن كان لم يجز وقيل إن لميكن فهو جائز وإن كان فقولان وقيل بطرد القولين مطلقا والأصح المنع بكل حال وقد ذكرنا توجيه ذلك في مسألة مفردة التمس بعضه الفقهاء بالشام
التفريع
إن جوزنا ذلك فليكن المحكم على صفة تجوز للقاضي توليته ثم لا ينفذ إلا على من رضي فلو تعلق بثالث كما إذا كان في قتل الخطأ لم يضرب الدية على العاقلة إذا لم يرضوا بحكمه وفيه وجه أن رضا القاتل كاف فيه لأنهم تبع له وهو بعيد لأن إقرار القاتل لا يلزمهم فكيف يلزمهم رضاه والمذهب أنه لا يحكم في الإستيفاء بل ليس إليه إلا الإثبات وفيه وجهولا شك أنه ممنوع من استيفاء العقوبات لأنه يخرم أبهة الولاية ثم للمحكم أن يرجع عن التحكيم قبل تمام الحكم وبعده فلا ينفع وإن لم يجدد رضا بعد الحكم فهل يلزم بمجرد الرضا السابق ذكر العراقيون وجهين
الفصل الثاني في العزل وحكمه
وفيه خمس مسائل
الأولى في الإنعزال وينعزل بكل صفة لو قارنت التولية لامتنع كالعمى والجنون والنسيان أما الفسق فالإمام الأعظم لا ينعزل بطرآنه إذ فيه خطر ويجر ذلك فسادا أما القاضي إذا فسق وجب على الإمام عزله وقطع الفقهاء المعتبرون بانعزاله وقال بعض الأصوليين لا ينعزل إلا أن يعزل
فرع
لو جنالقاضي ثم أفاق فهل يعود قضاؤه فيه وجهان والأصح أنه لا يعود كالوكالة لأن القضاء أيضا جائز إذ للقاضي أن يعزل نفسهالثانية في جواز العزل فللإمام عزل القاضي إذا رابه منه أمر ويكفي غلبة الظن فإن لم يظهر سبب فعزله بمن هو أفضل نفذ وإن عزله بمن هو دونه لم ينفذ على الأظهر وإن عزله بمثله فوجهان واختار الإمام نفوذ عزله بكل حال إذ ربما يرى من هو دونه أصلح لهم منه نعم عليه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يعزل إلا لمصلحة المسلمين فإن خالف المصلحة عصى ولكن ينبغي أن ينفذ عزله فإن ذلك يجر فسادا في الأقضية
فرع
حيث ينفذ العزل فهل يقف على بلوغ الخبر إليه طريقانأحدهما أنه على قولين كالوكيل
والثاني القطع بأنه لا ينعزل لما فيه من الضرر
أما إذا كتب إذا قرأت كتابي هذا فينعزل عند القراءة وكذلك إذا قرىء عليه بخلاف الطلاق فإن ذلك ينبني على اللفظ وهذا ينبني على المقصود ولا يقصد الإمام الجاد في العزل قراءته بنفسه وفيه وجه أن هذا كالطلاق
الثالثة إذا انعزل الإمام لم ينعزل القضاة وكذا إذا مات إذ يعظم الضرر في خلو الخطة عن القضاة ولو انعزل القاضي بعزل أو موت أو غيره انعزل كل من فوض إليه شغلا معينا كمن يصغي إلى شهادة معينة وأما خليفته ونوابه في القرى وقيم الأطفال ففي انعزالهم ثلاثة أوجه
أحدها أنهم لا ينعزلون كما لا ينعزل القاضي بموت الإمام
الثاني ينعزلون كما ينعزل الوكيل
والثالث أنه إن استخلف بالإذن الصريح لم ينعزلوا وإن استقل بالإستخلاف انعزلوا
الرابعة إذا قال القاضي بعد العزل كنت قضيت لفلان لم يقبل قوله كالوكيل بعد العزل ويقبل بمجرد قوله قبل العزل وإن لم تكن بينة وإن قضينا بأنه لا يحكم بمجرد علمه وهذا متفق عليه لأنه أهل الإنشاء في الحال ولو شهد عدلان بعد العزل على قضائه ثبت وإن كان هو أحد العدلين وقال أشهد أني قضيت لم يقبل ولو قال أشهد أن قاضيا قضى ففيه وجهان
أحدهما تقبل كما تقبل شهادة المرضعة كذلك
والثاني لا لأن نسبة القضاء إليه ظاهر فكأنه صرح به
الخامسة من ادعى على قاض معزول أنه أخذ منه رشوة حمله إلى القاضي المنصوب ليفصل بينهما الخصومة بطريقها
وإن ادعى أنه أخذ مني المال بشهادة عبدين أو معلنين بالفسق فكذلك وإن ادعى مجرد الحكم دون أخذ المال ففي قبول الدعوى وجهان ينبنيان على أن القاضي إذا أقر على نفسه بذلك هل يغرم أم يختص الغرم بالشهود
لو حاسب الصارف الأمناء فادعى واحد منهم أنه أخذ منه أجرة قدرها له المعزول فلا أثر لتصديق المعزول ولكن الزائد على أجرة المثل يسترد وهل تصدق يمينه في قدر أجرة المثل فيه وجهان
أحدهما لا لأنه مدع
والثاني نعم لأن الظاهر أنه لا يعمل مجانا وقد فاتت منافعه فلا بد من عوض
الباب الثاني في جامع آداب القضاء وفيه فصول
الفصل الأول في آداب متفرقة
وهي عشرة
الأول أن من قبل الولاية في الحضرة فليقدم إلى البلد من يشيع ولايته فإن انصرف على الفور وقدم فجأة ولم يستفض فادعى أنه قاض فلهم الإمتناع من الطاعة إن لم يكن معه كتاب وإن كان كتاب من غير استفاضة ولا شهادة عدلين ففيه وجهان
أحدهما أنه يجب اعتماد الكتاب مع مخايل الصدق وبعد الجرأة على التلبيس في مثل هذا على السلطان
والثاني أن ابتداء الأمور العظيمة لا بد من الإحتياط فيها فلا بد من عدلين يخبران عن التولية وإن لم تكن على صيغة الشهادة فإنه ليس لذلك خصم معين حتى تقام عليه ولا ثم قاض آخر تثبت عنده وإن ظهرت مخايل الخيانة فلا حرج على الناس في التوقف أصلا
الأدب الثاني أنه كما قدم فينبغي أن لا يشتغل بشيء حتى يفتش عن المحبوسين
فمن كان محبوسا ظلما أو في تعزير أطلقه ومن أقر بأنه محبوس بحق رده إلى الحبس فإن لم يعترف سأله عن خصمه فإن ذكر خصما حاضرا أحضره فطالبه بابتداء الخصومة فإن أقام الحجة على أن القاضي الأول حكم عليه رده إلى الحبس وإلا خلاه حتى يستأنف الخصومة فإن قال المحبوس حبست ظلما قال بعضهم يخلى فإن إمسكانه من غير حجة لا وجه له وخصمه يحتاج إلى ابتداء الخصومة لا محالة وقال الأكثرون لا بد أن يحضر خصمه أولا ويسأل فإن لم يظهر له خصم أطلق فإن قال لا أدري لم حبست ينادى عليه إلى حد الإشاعة فإن لم يظهر له خصم أطلق وفي مدة الإشاعة لا يحبس ولا يخلى بل يراقب وهل يطالب بكفيل ببدنه فيه وجهان والأكثرون على أنه لا يلزمه ذلك فإن ذكر خصما غائبا وقال أنا مظلوم فمنهم من قطع بأنه يخلى ومنهم من ذكر وجهين
أحدهما أنه يكتب إلى خصمه حتى يجتهد في التعجيل ويحضر فإن تخلف أطلق
والثاني أنه يطلق لأن انتظار الغائب يطول بخلاف الحاضر
ثم ينبغي أن يبادر بعد الفراغ من المحبوسين إلى النظر في أموال الأيتام والأوصياء ومحاسبتهم فإنها وقائع لا رافع لها إليه فإن وقعت حادثة في أثناء ذلك ولم يتفرع لفصلها مع شغل الأوصياء استخلف من يقوم بأحد المهمين والغرض مبادرة هذه الأمور
الأدب الثالث أن يتروى بعد ذلك في ترتيب الكتاب والمزكين والمترجمين أما الكاتبفليكن عدلا عاقلا نزها عن الطمع ويكفي كاتب واحد ولا أقل من مزكيين وستأتي صفاتهم
وأما المترجم فلا بد أيضا من عددهم وأما المسمع وهو الذي يسمع القاضي الأصم ففي اشتراط العدد ثلاثة أوجه
أحدها أنه يشترط كالمترجم فإنه ينقل عين اللفظ كما أن ذلك ينقل معنى اللفظ
والثاني لا لأن المسمع لو غير عرفه الخصمان والحاضرون بخلاف الترجمة
والثالث أن العدد لا يشترط إلا أن يكون الخصمان أصمين فإن القوم قد يغفلون عن تغييره والخصم هو الذي يعتني به
التفريع
إن لم نشترط العدد فلا نرعى لفظ الشهادةوهل تشترط الحرية فيه خلاف كما في شهادة رؤية الهلال لرمضان والصحيح أنه يسلك به مسلك الرواية وإن شرط العدد ففي لفظ الشهادة وجهان وعلى الجملة ليست هذه شهادة محققة ولكن لا يبعد الإستظهار فيها بالعدد واللفظ
وقد حصل أن العدد شرط في الشاهد والمزكى والمترجم والمقوم ولا يشترط في القائفللخبر وهل يشترط في الخارص والقاسم والمسمع فيه وجهان
ثم إن شرطنا العدد في المسمع فلا بد من رجلين وإن كانت الخصومة في مال وكذا في الشهادة على الوكالة بالمال لأن المشهود عليه ليس بمال في نفسه وإن كان إليه يئول
فرع
إذا طلب المسمع أجرة فهي على صاحب الحق أم هي من بيت المال على وجهينالأدب الرابع أن يتخذ القاضي مجلسا رفيقعا يكون مهب الرياح في الصيف وفي الشتاء كما كسا والمقصود أن لا يتسارع إليه الملل فيستضر الخصوم ولا ينبغي أن يتخذ المسجد مجلسا للقضاء فإن فعل ذلك فهو مكروه وليس بمحرم وسبب الكراهة إفضاؤه إلى رفع الأصوات ودخول النساء الحيض والصبيان وقال الشافعي رضي الله عنه إذا كنتأكره ذلك فإقامة الحدود أكره ولا بأس بفصل قضية أو قضايا في أوقات متفرقة وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لم يتخذه مجلسا وكلام المزني يشير إلى أن اتخاذه مجلسا لا يكره لكن الأولى تركه والصحيح الكراهية
فرع
ذكر الصيدلاني وجهين في أن القاضي هل يتخذ حاجبا وبوابا والوجه أن يقال له ذلك إن كان في خلوة وإن جلس للحكم وخشي الرحمة فله ذلك وإلا فلينظر إلى المصلحة نعم ينقدح التردد إن لم يخمش الزحمة من حيث إن فيه توقفا لصاحب الحق إلى الإستئذان فيجوز أن يمنع منه ويجوز أن يحتمل ذلك ليستعد القاضي ويترك انبساطه في البيت ويتصدى لهالأدب الخامس أن لا يقضي في حال غضب وحزن بين وألم مبرح وجوع غالب إذ يسوء خلقه فيمتد غضبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقضي القاضي وهو غضبان وفيمعناه كل ما يمنع من التؤدة واستيفاء الفكر
الأدب السادس أن لا يخرج حتى يجتمع علماء الفريقين ليشاورهم فيكون أبعد من التهمة قال تعالى { وشاورهم في الأمر } قال الحسن البصري رحمه الله كان عليه الصلاة والسلام مستغنيا عن مشاورتهم ولكن أراد أن تصير سنة للحكام
الأدب السابع أن لا يبيع ولا يشتري بنفسه ولا بوكيل معروف لأنه يستحيا منه أو يخاف فيحابى فيكون مرتشيا بقدر المسامحة
الأدب الثامن إذا أساء واحد أدبه في مجلسه بمجاوزة حد الشرع في الخصام أو مشافهة الشهود بالتكذيب زجره باللسان فإن عاد عزره وراعى التدريج فيه فإن ظهر له شهادة زور عزر المزور على ملأ من الناس ونادى عليه حتى لا يحمل الشهادة بعده
الأدب التاسع أن لا يقضي لولده ولا على عدوه بعلمه وإن قلنا يقضي بالعلم وهل يقضي بالبينة فيه وجهان
أحدهما نعم لأنه أسير شاهدين فليس إليه شيء بخلاف الشاهد فإنه يقدر على الكذب
والثاني وهو الأصح أنه لا يقضي إذ إليه الإستقصاء في دقائق أداء الشهادة والرد بالتهمة وإليه التسامح فيه فولده كنفسه فيرفع إلى الإمام فإن رفع إلى نائبه وحكم به ففيه وجهان يلتفتان على أنه هل ينعزل بموته فإنه إن لم ينعزل يشابه قاضيا مستقلا
ووصى اليتيم إذا ولي القضاء فلا يقضي له لأنه خصم في حقه كما في حق نفسهوولده وقال القفال يقضي لأن كل قاض فهو ولي الأيتام وهو الصحيح
الأدب العاشر أن لا ينقض قضاء نفسه ولا قضاء غيره بظن واجتهاد يقارب ظنه الأول قضى عمر رضي الله تعالى عنه بإسقاط الأخ من الأب والأم في مسألة المشركة بعد أن شرك في العام الأول فروجع فيه فقال ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي وينقض في أربعة مواضع
الأول أن يخالف نص الكتاب أو سنة متواترة أو إجماعا وهذا ظاهر
الثاني أن يخالف قياسه واجتهاده خبر الواحد الصحيح الصريح الذي لا يحتمل إلا تأويلابعيدا ينبو الفهم عن قبوله فينقض قضاء الحنفي في مسألة خيار المجلس والعرايا وذكاة الجنين وألحق الأصحاب به النكاح بلا ولي والحكم بشهادة الفاسق وبيع أمهات الأولاد وأمثاله وقالوا لا نبالي بتنزيل المتبايعين في خيار المجلس على المتقاولين وتنزيل المرأة في النكاح بلا ولي على الأمة والصغيرة فإنه جلي البطلان
الثالث أن يخالف القياس الجلي فينقض قضاء أصحاب الظاهر المعتقدين بطلانالقياس لأنه باطل بدليل أصولي قاطع
وينقض قضاء الحنفي إن قضى بالإستحسان المخالف للقياس الجلي إلا أن يعنى به اتباع الخبر أو القياس الخفي فمن استحسن بغير ذلك فقد شرع نعم قد استحسن الشافعي رضي الله عنه الحلف بالمصحف ولكنه مصلحة من غير مخالفة خبر وقياس فهو جائز
وينقض مذهب الحنفي في مسألة القتل بالمثقل ومعظم مسائل الحدود والغصب لأنه على خلاف القانون الكلي وقال الشافعي رضي الله عنه أنقض قضاء من حكم لزوجة المفقود بأن تنكح بعد تربص أربع سنين وإن كان ذلك مذهب عمر رضي الله تعالى عنه
الرابع أن يقاوم القياس الجلي قياس خفي يستند إلى واقعة شاذة لا يمكن تلفيقه إلا بتكلف كقول أبي حنيفة رحمه الله إن المأذون في التجارة لا يقتصر على الإذن بل يتعدى لقياس يتكلف استنباطه من مسألة العهدة بالحيلة وقولنا إنه يتبع إذن المالك قياس جلي يعلم الأصولي سقوط خيالهم بالإضافة إليه
وعلى الجملة فإذا لم ينقدح عنده إمكان الإصابة عند الله عز وجل بعد إحالة وقع فينقضهوهذا مما يختلف بالمجتهدين والوقائع وإنما لا ينقض القضاء حين يتقارب النظران تقاربا لا يبعد وهم الإصابة أو المصير إلى أن كل واحد مصيب
ثم القضاء وإن لم ينقض فلا يتغير به الحكم باطنا وإنما ينفذ القضاء عندنا ظاهرا وإن وقع في محل الإجتهاد وقال القفال يحل باطنا وقطع الأصوليون بأنه لا يتغير أمر الباطن وهو الصحيح فلا يحل للشفعوي شفعة الجار وإن قضى له الحنفي بها
وهل يمنعه الحنفي عن طلبه على خلاف اعتقاده فيه تردد والظاهر أنه لا يمنع إذ القاضي لا يلتفت إلى مذهب غيره
فرع لو ظهر له خطأ في واقعة فليتتبع وإن لم ترفع إليه وإن ظهر له خطأ القاضي المعزول لا يلزمه التتبع ما لم ترفع إليه
الفصل الثاني في مستند قضائه
ولا يخفى استناده إلى الحجج والغرض القضاء بالعلم والخط أما القضاء بما ينفرد بعلمه ففيه قولان
أحدهما أنه يقضي به وهو أقوى من شاهدين
والثاني لا لأنه يتعرض للتهمة ويوغر الصدور ولا يليق بالإيالة فتح هذا الباب فيصير أيضا وسيلة لقضاة السوء وفي العقوبات قولان مرتبان وأولى بأن لا يقضي والصحيح أنه لا معنى للترتيب مع حصول حقيقة العلم والعقوبات فيه كالمال
فإن قلنا يقضي فلا خلاف أنه لا يقضي بظنه الذي لا يستند إلى بينة ويقضي بعلمه كيف كان وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يقضي إلا بعلم حصل في زمان ولايته ومكان ولايته وإن قلنا لا يقضي فيستثنى عنه أربعة أمور
الأول أنه يتوقف عن القضاء إذا علم كذب الشهود يقينا بل يجب عليه التوقف عند الريبة فكيف يقضي على خلاف معلومه
الثاني أنه يقضي به في عدالة الشهود ومنهم من قال يحتاج إلى مزكين على هذا القول لأنه يتهم وكيف لا والعدالة لا تعلم يقينا
الثالث يقضي على من أقر في مجلس القضاء وإن رجع المقر فإنه أقوى الحجج وأما إن أقر عنده سرا فيخرج على القولين ومنهم من جوز أيضا على الإقرار سرا قولا واحدا
الرابع أنه لو شهد شاهد واحد فهل يغني علمه عن الشاهد الثاني حتى يكون هو كشاهد آخر فيه وجهان والأصح أنه
لا يكفي أما الخط فإذا رأى القاضي خطه بأني قضيت بكذا لم يجز له إمضاؤه وكذا الشاهدبل لا بد وأن يتذكر الواقعة بجميع حدودها وقال أبو يوسف يجوز الإعتماد على الخط كما في اليمين فإنه رأى خط أبيه جاز له أن يحلف على البت في طلب الحقوق وإسقاطها إذا وثق به وقطع أصحابنا بالفرق لأن التزوير على الخط بحيث لا يختلف ممكن وفي فتح هذا الباب خطر عام بخلاف اليمين فإنه يباح بغالب الظن ولا تؤدي إلى ضرر عام
فإذن الإعتماد على ثلاث درجات أوسعها الحلف وأضيقها القضاء والشهادة فإنه لا يعتمد فيه مجرد الخط دون التذكر وبينهما رواية الأحاديث فإنه لا يعتمد فيه مجرد الخط إن أمكن التحريف لكن إن صحت النسخة وحفظها بنفسه وأمن من التغير جازت الرواية على الأظهر وعليه عمل علماء الأمصار وسوى الصيدلاني بينهما وقال لا يحل للمحدث إلا رواية ما حفظ وتذكر فليرو كذلك أو ليترك الرواية وسوى الشيخ أبو محمد على العكس من هذا وقال الشاهد إذا نسخ الواقعة وحفظ النسخة في خزانة ووثق بأنه لم تحرف جاز له الشهادة وإن لم يذكر والمشهور بين الأصحاب الفرق بين درجة الشهادة والرواية في صورة حفظ النسخة وما ذكره الشيخ أبو محمد أقرب مما ذكره الصيدلاني
فروع
الأول لو شهد شاهدان عند القاضي بأنه قضى لم يجز له الحكم إذا لم يتذكر ويشهدان عند غيره فيثبت قضاؤه وإن لم يذكره ولم يكذبهما ولكن القاضي ينبغي أن يطلب من نفسه اليقين ولا يمكنه طلب اليقين من قاض آخر ويجوز هذا في الرواية فمن المشايخ من كان يقول حدثني فلان عني وقال أبو يوسف يقبل ذلك في القضاء أيضا
الثاني أنه لو ادعى خصم على قاض أنك قضيت لي فأنكر القضاء فليس له أن يرفعه إلى قاض آخر ويحلفه بل هو كالشاهد لا يحلف إذا أنكر الشهادة وقال القاضي حسين إن قلنا إن اليمين المردودة كالإقرار فله ذلك حتى إن نكل حلف الخصم وكان كإقرار القاضي وهذا ضعيف
الثالث إذا التمس صاحب الحق من القاضي أن يعطيه خطه بأنه قضى له ويسلم إليه محضرا ديوانيا هل تجب الإجابة فيه وجهان
أحدهما أنه يجب إذ به إحكام الأمر وإتمامه
والثاني لا إذ لا اعتماد على الخط وإنما الخط مذكر فقط
فإن قلنا يكتب فالكاغد على الملتمس إن لم يطلق الإمام للقراطيس شيئا وذلك مستحب إطلاقه ثم اعلم أنا وإن لم نوجب كتبة المحضر فيستحب للقاضي استحبابا مؤكدا مهما جرت قضية أن يكتب محضرا يذكر فيه الواقعة وأسماء الخصمين فإن كانا غريبين كتب الحلية ثم يجمع محاضر كل أسبوع في إضبارة ومحاضر الشهر في قمطرةومحاضر السنة في خريطة ويكتب عليه التواريخ ويختم القاضي على الخريطة بنفسه ويحفظه بنفسه أو بعدل لا يتمارى فيه ويدفع نسخة أخرى إلى صاحب الحق حتى إن ضاعت واحدة سهل الرجوع إلى الأخرى وهذا هو العادة فإن التذكر من غير خط بعيد ومن جوز للأمي أن يكون قاضيا فلا يمكنه إيجاب الكتبة وإن التمس صاحب الحق
الفصل الثالث في التسوية بين الخصمين
وفيه مسائل
الأولى أن لا يخصص أحد الخصمين بالإذن في الدخول ولا بجواب السلام ولا بمزيد البشر ولا بالقيام ولا بالبداية بالكلام ولا برفع المجلس ولا بالنظر بل إن نظر نظر إليهما أو أطرق وقال عليكما السلام
ولو بادر أحدهما بالسلام صبر حتى يسلم الثاني فيجيب معا إلا أن يظهر التقدم فيعذر في الجواب وقيل ينبغي أن يصبر قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه سو بين الخصمين في مجلسك ولحظك فيسوى بين الشريف والوضيع في المجلس إلا أن يكون أحدهما ذميا فيجوز أن يرتفع عليه المسلم على أحد الوجهين لما روي أن عليا رضي الله تعالى عنه دخل مع خصم ذمي له إلى شريح فقام له شريح فقال علي رضي الله تعالى عنه هذا أول جورك ثم أسند علي رضي الله عنه ظهره إلى الجدار وقال أما إن خصمي لو كان مسلما لجلست بجنبه فلا بأس بهذا القدر لأمر الإسلام أما التخصيص بالقيام فقد نهى عنه ثم لا بأس أن يقول القاضي من المدعي منكما فإذاابتدر أحدهما بدعوى صحيحة فالظاهر أنه يقول للآخر ماذا تقول وقيل إنه يسكت حتى يجيب الآخر إن شاء ثم إن أقر ثبت الحق ولم يفتقر إلى أن يقول قضيت بخلاف ما لو قامت بينة لأن ذلك يتعلق باجتهاد وقيل يجب أن يقضي أيضا في الإقرار
وإن أنكر قال للمدعي ألك بينة وقيل إنه لا يقول ذلك فإنه كالتلقين لإظهار الحجة وليس للقاضي أن يلقن إقرارا وإنكارا وحجة وهو بعيد لأنه سؤال لا تلقين فإن قال لا بينة لي حاضرة ثم بعد ذلك أقام قبل وإن قال لا بينة لي حاضرة ولا غائبة ثم أقام بعد ذلك ففيه وجهان
أحدهما لا تقبل لمناقضة قوله
والثاني يقبل قوله فلعله تذكر وإصرار المدعى عليه على السكوت كإنكاره في جواز إقامة البينة
الثانية إذا تساوق المدعون إلى مجلسه فالسبق لمن سبق فإن لم يسبق فالقرعة ولا يقدم لفضله إلا أن المسافر يجوز تقديمه إن رأى المصلحة
ثم من خرجت قرعته اقتصر على خصومة فإن أنشأ دعوى أخرى على ذلك الخصم بعينه فالظاهر المنع كشخص آخر ومنهم من جوز إلى ثلاث دعاوي ويجوز تقديم المرأة إذا اقتضت المصلحة ذلك ومنهم من منع ذلك فيها وفي المسافر أصلا وهو بعيد وكذلك إذاازدحموا على المفتي والمدرس فليعول على القرعة أو السبق إلا إذا كان ما يطلب منه من العلم غير واجب تعليمه فإليه الإختيار والإيثار
فرع
لو سبق أحدهما إلى الدعوى فقال الآخر كنت المدعي فيقال له الآن اخرج عن موجب الدعوى فإنه سبق إلى الدعوى فإن ابتدءا معا أقرع بينهماالثالثة ينبغي أن لا يقبل الهدية لا من الخصمين ولا من أحدهما بل يترك قبول الهدايا أصلا ولا بأس بقبولها ممن اعتاد ذلك قبل القضاء ولا خصومة له
وإن كان لا يعتاد ذلك ولا خصومة له في الحال جاز القبول والأولى أن يثيب أو يضع في بيت المال وأما من تكون له خصومة فيحرم قبول هديته وهل يملكه إن قبله فيه وجهان
أحدهما أنه لا يملك لأنه حرام
والثاني أنه يملك كالصلاة في الدار المغصوبة تصح ويحرم فعلها وكذا الخلاف فيمن وهب الماء وهو محتاج إليه لوضوئه من غير عطشان
الرابعة لا يكره له حضور الولائم إذا لم يخصص بالإجابة بعضهم لأن في حضور الولائم أخبارا كثيرة وهذا في المأدبة العامة أما ما هيىء لأجله فلا يحضره فإنه كالهدية
ولا يحضر مأدبة الخصمين أصلا فإنه ربما يتودد أحدهما بزيادة تكلف
الفصل الرابع في التزكية
وفيه مسائل
الأولى أن الإستزكاء عندنا حق الله تعالى فإن سكت الخصم وجب على القاضي إلا إذا علم عدالتهما فإن الظاهر أنه يعول على العلم ههنا وقال أبو حنيفة رحمه الله إن سكت الخصم قضى
ولو أقر الخصم بعدالتهما ولكن قال قد زلا في هذه الواقعة ففي وجوب الإستزكاء وجهان والظاهر أنه يقضي مؤاخذة له بقوله وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله
الثانية في كيفية الإستزكاء
وهو أن يكتب القاضي إلى المزكي اسم الشاهدين والخصمين وقدر المال فلعله يعرفبينهما عداوة وربما يعدله في مقدار يسير من المال دون كثير ومن الأصحاب من قال العدل في اليسير عدل في الكثير فذكر قدر المال لا يجب وهو الأشهر
وليكتب إلى المزكي سرا حتى لا يتوسل الشاهد إلى الإستمالة والتعرف إلى المزكي بحسن الحال ثم يستحب أن يشافه القاضي المزكي ظاهرا في آخر الأمر ويستحب أن يكون له جماعة من المزكين أخفياء لا يعرفون
الثالثة صفات المزكين كصفات الشهود ويزيد أمران
أحدهما العلم بالجرح والتعديل
والآخر خبرته ببواطن الشهود فلا يجوز التعديل بناء على الظاهر ولا بد من الذكورة ولا بد من العدد إلا إذا كان منصوبا للحكم بالجرح والتعديل وسماع البينة فللقاضي أن يعتمد قوله وحده إذا قامت البينة عنده ويجب على المزكي أن يقول أشهد بأنه عدل إن قلنا تجب المشافهة وإن اكتفينا بالرقعة مع الرسول ففي اشتراط كتبه لفظ الشهادة خلاف كما في المترجم
فرع
تركيته لولده أو والده فيه خلاف كما في القضاء والأظهر أنه كالشهادةالرابعة في مستند المزكي وينبغي أن لا يجرح إلا بمعاينة سبب الفسق أو يقين وعلم لأن ذلك يمكن معرفته أما العدالة فلا يمكن معرفتها يقينا لأنه يرجع إلى أنه ليس بفسق وهو نفي والإنسان يخفي عيوبه جهده وإنما يعدل إذا خبر باطنه بالصحبة معه أو شهد عندهعدلان بعدالته إن كان منصوبا للحكم بالتعديل والأصل فيه ما روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال لمن عرف شاهدا بالصلاح هل كنت جارا له فتعرف إصباحه وإمساءه فقال لا فقال هل عاملته على الدينار والدرهم فبهما تعرف الأمانات فقال لا فقال هل صحبته في السفر فبه تعرف أخلاق الرجال فقال لا فقال ما أراك إلا رأيته في المسجد يهمهم في صلاته يرفع رأسه ويخفضه هات من يعرفك فإنه لا يعرفك ولهذا يجب على القاضي أن يعرف أن المزكي هل خبر باطن الشاهد أم لا في كل مرة إلا إذا علم من عادته أنه لا يزكي إلا بعد الخبرة
الخامسة كيفية التعديل أن يقول هو عدل علي ولي أو عدل مقبول الشهادة فإن العدل قد لا تقبل شهادته لكون مغفلا
ولا يجب ذكر سبب العدالة فإنه لا ينحصر ويجب ذكر سبب الجرح من شرب وزنا وأكل حرام وغيره وهذا وإن كان غيبة فهو جائز لهذه الحاجة وإنما يجب الذكر لأن للناس مذاهب في أسباب الجرح فمنهم من يفسق بأدنى خيال ولا ينبغي أن يكون المزكي من المتعصبين في المذهب والأهواء
السادسة لا تكفي الرقعة إلى القاضي بالتعديل فإن الخط لا يعتمد والأظهر أنه يجب المشافهة وقال الإصطخري يكفي رسولا عدلان إذ تكليفه الحضور شهرةوالمستحب إخفاء المزكي
ومن شرط المشافهة أوجب لفظ الشهادة ومن اكتفى بالرسول ترددوا فيه
السابعة إذا زكى المزكون لكن ارتاب القاضي أو توهم غلطا في خصوص الواقعة فليفرق الشهود وليراجع أنه كيف رأى وأي وقت رأى فربما عثر على تفاوت بين كلاميهما فيكشف به وجه الغلط والتهمة
فإذا كان الشاهد فقيها فله الإصرار على كلمة واحدة ولا يلزمه التفصيل فلا يفصل ولا يزيد على الإعادة وليس للقاضي إجباره ولكن ليبحث عن جهات أخر
فإن أصر الشاهد وبحث ولم تزل الريبة وجب القضاء فإنه غاية الإمكان ولو قضى قبل البحث مع بقاء الريبة لم يجز له ذلك لأن البحث حق الله تعالى
فروع
الأول لو عدل رجلان وجرح رجن فالجرح أولى لأنه مستند إلى عيان ولو جرح رجل واحد وعدل رجلان لم يقبل الجرح
الثاني يتوقف القاضي إذا توقف المزكون ولا يجوز للمزكي الجرح بالتسامع في الفسق بل التوقف إلا إذا عاين أو سمع أو شهد عدلان عنده على مشاهدة الفسق وكان حاكما في التعديل فإن عدل المزكون فللقاضي إذا انفرد بتسامع الفسق أن يتوقف لأنه محل الريبة
الثالث إذا شهد المعدل مرة أخرى روجع المزكي إن طال الزمان إذ الأحوال تتغير وإن قرب الزمان فلا ولو رجع المزكي ففي غرامته للمال وجهان والله أعلم
الباب الثالث في القضاء على الغائب وكتاب القاضي إلى القاضي
والقضاء على الغائب يجوز خلافا لأبي حنيفة رحمه الله والنظر فيه يتعلق بستة أركان
الركن الأول الدعوى فيشترط فيها ثلاثة أمور
الأول الإعلام فإذا ادعى دينا فليذكر قدره وجنسه وهذا لا يختص بالغائب فلا يكفيه أن يدعي عشرة دنانير أو دراهم ما لم يذكر أي نوع هي ولا ينزل مطلق الدراهم والدنانير على الغالب كما لا ينزل في الإقرار على الغالب بخلاف العقود إذ العادة تؤثر في المعاملات ثم يعرض القاضي عنه أو يستفصله فيه وجهان
أحدهما يعرض حتى لا يكون كالتلقين وكذلك إذا أدى الشاهد شهادة مجهولة فلا يرشده القاضي بل يسكت وكذلك لو شبب المدعي بما لو ذكره كان إقرارا لم يزجره القاضي
والثاني أنه يستفصل وهو الأصح لأن هذا سؤال لا تلقين
الثاني صريح الدعوى فلا يكفيه أن يقول لي على فلان كذا ما لم يقل إني الآن مطالب به فلو قال لي عليه كذا ويلزمه التسليم إلي فهذا فيه تردد لأنه لم يذكرالطلب والدين لازم قبل الطلب فلعله ليس بطلب
الثالث أن يكون معه بينة ويدعي جحود الغائب إذ لا معنى للدعوى على الغائب من غير بينة ولا تسمع البينة من غير جحود ومنهم من قال لا يشترط ذكر الجحود لأنه من أين يعلم جحوده في الغيبة وكيف يعول على مجرد قوله بل تجعل الغيبة كالسكوت والبينة تسمع على الساكت فلو قال هو يعترف وإنما أقيم البينة استظهارا لم تسمع ولا خلاف أنه لو اشترى شيئا فخرج مستحقا والبائع غائب سمعت بينته وإن لم يذكر الجحود لأن تقدم البيع منه كالجحود
الركن الثاني الشهود ولا بد أن يستقصي القاضي البحث ولا يختلف ذلك عندنا بالحضور والغيبة فإن البحث حق الله تعالى
الركن الثالث المدعي وحكمه لا يختلف إلا في دعوى الجحود وإحضار البينة وأمر ثالث وهو أن القاضي يحلفه أنه ما أبرأ عنه ولا عن شيء منه ولا اعتضاض عنه ولا عن شيء منه ولا استوفاه ولا شيئا منه وأنه يلزمه التسليم إليه وأن الشهود صدقوا
ثم هذه اليمين واجبة إن كانت الدعوى على صبي أو مجنون أو ميت فإن كان على حي عاقل بالغ فوجهان
أحدهما أنه لا يجب بل يحكم ثم لا ينحسم باب دعوى الإبراء والتوفية كما على الحاضر
والثاني أنه يجب إذ الحاضر يبادر الدعوى والتسليط من غير استقصاء منه محال
ثم على هذا لا يجب التعرض لصدق الشهود وإنما يجب فيمن يحلف مع شاهد واحد وأما إذا كملت البينة فلا هذا إذا ادعى بنفسه فإن ادعى وكيله وهو غائب فلا بدمن تسليم الحق بل لو حضر المدعي عليه بإزاء وكيل المدعي فأقيمت البينة عليه فقال إن موكلك قد أبرأني فأريد يمينه توقف في هذه المسألة فقهاء الفريقين بمرو في واقعة فاستدرك القفال وقال يسلم الحق إذ لو فتح هذا الباب تعذر طلب الحقوق الغائبة بالوكلاء
الركن الرابع في إنهاء الحكم إلى قاض آخر وذلك بالكتابة أو الإشهاد أو المشافهة
أما مجرد الكتابة فلا يعتمد إذ لا تعويل على الخط ومجرد الإشهاد بعدلين دون الكتاب كاف وإن كتب فهو تذكرة للشاهدين ولا يعتمد حتى لو ضاع لم يضر ولو شهدا بخلاف ما في الكتاب سمع لأن الإعتماد عل العلم ويحصل علمهما بأن يجري القاضي القضاء بين يديهما ويشهدهما عليه ولا يكتفي أن يسلم إليهما الكتاب ويقول أشهد كما أن هذا خطي فإن قال أشهد كما أن مضمون الكتاب قضائي قال الإصطخري يكفي ذلك لأن هذا إقرار بمجهول يمكن معرفته وقال الأصحاب لا يكفي حتى يذكر تفصيل قضائه للشاهدين ويقرب من هذا ما لو سلم المقر القبالة إلى الشاهد وقال أشهدك على ما فيه وأنا عالم به ولعل الأصح أن هذا يكفي لأنه مقر على نفسه بما لا يتعلق بحق غيره والإقرار بالمجهول صحيح وأما القاضي فمقر على نفسه لكن بما يرجع ضرره على غيره فالإحتياط فيه أهم
ثم الأولى أن يكتب الكتاب مع الشهود للتذكرة ويختمه ويسلم إليهما نسخة غير مختومة للمطالعة ويكتب في الكتاب اسم الخصمين واسم أبيهما وجدهما وحليتهما ومسكنهما إلى حيث يحصل التمييز فهو المقصود ويذكر قدر المال وتاريخ الدعوى ويقول قامت عندي بذلك بينة عادلة وحلفته مع البينة والتمس مني القضاء والكتبة إليك لتستوفي فأجبته إلى ذلك وأشهدت عليه فلانا وفلانا
ولا فائدة في ذكر عدالة شاهدي الكتاب فإنه لا تثبت عدالتهما بشهادتهما ولا بمجرد الكتاب وهما يشهدان على الكتاب بل ينبغي أن تظهر عدالتهما للقاضي المكتوب إليه بطريق آخر فإن قيل إذا لم يبق إلا استيفاء الحق فلم لا يكاتب واليا غير القاضي حتى يستوفي قلنا لأن الكتاب لا يثبت عند الوالي إلا بشهادة الشهود ومنصب سماع الشهادة يختص بالقضاة فإن شافه الوالي جاز له الإستيفاء في بلدة هي من ولاية القاضي فإن كانت خارجة عن ولايته ففي وجوب استيفائه نظر لأنه لا ولاية له على تلك البقعة ولكن الصحيح وجوبه لأن سماع الوالي بالمشافهة كسماع قاض آخر شهادة الشهود
أما المشافهة فهي أقوى لكن بشرط أن يكون كل واحد منهما في محل ولايته بأن يكونا قاضيي بلدة واحدة على العموم أو شقي بلدة فيناديا في الطرفين وإنما يكفي ذلك إذاقال قضيت فاستوف
أما إذا قال سمعت البينة فاحكم فلا فائدة له في خبرة البينة لأن قوله فرع عن الشهود وإنما يفيد عند العجز عنهم بالموت أو الغيبة هذا هو الأظهر وفيه وجه سيأتي
أما إذا اجتمعا في أحد الشقين فقال له صاحب الولاية إذا رجعت إلى شقك فاستوف فإني قد قضيت فإذا رجع جاز له الإستيفاء إن جوزنا القضاء بالعلم لأنه علم حصل في غير محل ولايته وإن لم نجوز فقد أطلق بعض الأصحاب جوازه وقال الإمام لا يجوز بل هو كسماعه الشهادة في غير محل ولايته لأنه سمع حيث لم يكن أهلا للسماع فهو كما لو قال له سمعت البينة ولم يبق إلا القضاء فإنه لا خلاف أنه لا يقضي إذا رجع إلى شقه إذ قول القاضي فرع لشهادة الشهود فسماعه لا يزيد على سماع الشهادة وهذا يلزمه أن يقول الوالي الذي ليس بقاض لا يستوفي لأن كونه قاضيا لا يخرجه عن كونه واليا لكن يمكن أن يجاب بأن الوالي لا يقضي إلا بعلمه ومستند علمه قوله قضيت فكذلك يجوز أيضا للقاضي إذا قلنا إنه يقضي بعلمه
أما إذا قال في غير محل ولايته لقاض آخر قضيت في ولايتي فاحكم أو استوف فلا خلاف أنه لا يسمع إذ لا حجة في قوله إلا في محل ولايته
فروع
الأول إذا كتب إلى قاض فمات الكاتب أو المكتوب إليه جاز لكل من شهد عنده الشهود من القضاة الحكم به لأن الحجة في حكمه لا في كتابه وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز ذلك إلا إذا كتب إلى فلان وإلى كل من يصل إليه من القضاة وكأنه يجعل ذلك تفويضا
الثاني إذا قضى القاضي واقتصر على قوله حكمت على أحمد بن محمد فاعترف رجل في تلك البلدة بأنه أحمد بن محمد وأنه المعني بالكتاب وأنكر الحق فلا يلزمه شيء لأن الحكم في نفسه باطل لأنه على متهم غير معين لا بالإشارة ولا بوصف مستقص كامل فلا يتم الحكم باعترافه بأنه المعني إلا أن يقر بالحق فيؤخذ الحق بإقراره
أما إذا استقصى فذكر اسم أبيه وجده وحليته ومسكنه ومحلته وأتى بالممكن فإمكان اشتراكه في جملة هذه الصفات على الندور لا ينقدح فإن قال المأخوذ لست مسمى بهذا الإسم فعلى الخصم إن نقم بينة على الإسم والنسب فإن عجز حلفه فإن حلف انصرف عنه القضاء وإن نكل توجه الحق باليمين المردودة
فلو أخذ يحلف على أن الحق لا يلزمه وليس يحلف على نفي الإسم فلا يسمع بخلاف من ادعي عليه قرض فلم ينكر ولكن قال لا يلزمني تسليم شيء يقبل لأنه ربما أخد ورد ولو اعترف لطولب بالبينة لأن مجرد الدعوى ليس بحجة عليه وهاهنا قد قامت البينة على الإسم وتوجه الحق إن ثبت الإسم وقال الصيدلاني يقبل ذلك منه كتلك المسألة وهو ضعيف والفرق أظهر
وأما إذا قال أنا موصوف بهذه الصفات ولكن في البلد من يساويني فإذا أظهر ذلك ولو ميتا انصرف القضاء عنه وهذا كله إذا قضى القاضي بالبينة ولم يبق له إلا الإستيفاء أما إذا سمع البينة وكتب إلى قاض آخر بسماع البينة فهذا جائز بالإتفاق وساعد عليه أبو حنيفة رحمه الله وفيه إشكال لأنه إن كان تحملا كالشهادة على الشهادة فلا يكتفي بواحد وإن كان قضاء بقيام البينة وسماعها حتى ينزل سماعه منزلة سماع القاضي الثاني فلم يجب ذكر الشهود في الكتاب وصفتهم ولا يجب ذكر شهود الواقعة إذا تمم القاضي وكأن هذا قضاء مشوب بالنقل والأغلب عليه أنه قضاء بأداء الشهادة حتى يقوم سماعه مقام سماع الآخر ولكن وجب ذكر الشهود لأن الآخر إنما يقضي بقولهم والمذاهب في الحجج مختلفة فربما لا يرى القاضي القضاء بقولهم
ثم لا خلاف أنه لو سمع ولم يعدل وفوض التعديل إلى الآخر جاز وإن كان الأولى أن يعدل لأن أهل بلدهم أعرف بهم ولو عدل القاضي وأشهد على التعديل شهود الكتاب جاز ذلك ثم إن ادعى الخصم جرحا فلظهر شاهدين عدلين فيقدم بينة الجرح على التعديل الذي في الكتاب فإن استمهل أمهل ثلاثة أيام فإن قال لا أتمكن منه إلا في بلد الشهود لم يمهل لأن ذلك يطول ويصير ذلك ذريعة لكن يسلم المال ثم إن أثبت الجرح استرد قولا واحدا ولم يخرج على ما لو كان الخصم حاضرا وأظهر الجرح بعد الحكم فإن في نقض القضاء به قولين لأن الحاضر مقصر وهو معذور
الثالث لو كان للبلد قاضيان وجوزناه فقال أحدهما للآخر سمعت البينة فاقض فله ذلك إن قلنا الغالب عليه القضاء وكأنهما تعاونا على حكم واحد وإن قلنا الغالب النقل لم يجز ذلك مع حضور الشهود فإن القاضي كالفرع للشهود
الركن الخامس في المحكوم به
وذلك إن كان دينا أو عقارا يمكن تحديده فهو سهل وإن كان عينا فلا يخلو إما أن يمكن تعريفه بالصفة كالفرس والجارية والعبد أو يكثر أمثالها كالأمتعة والكرباس مثلا أما العبد وأمثاله ففيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه لا ترتبط الدعوى والقضاء بعينه بل بقيمته كالكرباس لأن المحكوم عليه عرف بالنسب وتعريف العبد والفرس غير ممكن
والثاني أنه يجوز أن يقضي على عينه كالمحكوم عليه إذا كان خاملا
والثالث أنه يسمع البينة على عينه ولا يقضي لأن إبراهم الحكم مع هذه الجهالة صعب
التفريع إن قلنا إنه يتعلق بعينه فالمدعى عليه إذا عين عليه في تلك البلدة عبد فيصرف القضاء عنه بأن يظهر في البلد عبد آخر بتلك الصفة إما من ملكه أو ملك غيره فإن أظهر من ملكه لم يلزمه تسليم أحدهما بل صار القضاء باطلا لكونه مبهما وإن لم يبين لزمه تسليم العبد الموصوف
وإن قلنا إنه يسمع البينة فقط ففائدة المدعي أن يطالب بتسليم العبد إليه حتى يعينهالشهود في بلده ثم في الإحتياط لملكه قولان
أحدهما أنه يلزم المدعي كفيلا بالبدن
والثاني أن الكفالة بالبدن ضعيف فلا يلزمه بل يلزمه أن يشتري ويتكفل بالمال ضامن حتى إن تلف تلف من ضمانه وإن ثبت ملكه فيه بان بطلان الشراء ويحتمل هذا الوقف للحاجة وذكر الفوراني أنه يلزمه تسليم القيمة إليه للحيلولة في الحال من غير بينة فإن ثبت ملكه استرد القيمة وهذا لا بأس به إذ كفالة البدن ضعيفة الفائدة والبيع ربما لا يرضى به صاحب اليد
هذا في العبد أما الجارية فتسلم إلى أمين لأن حفظ الفروج واجب ومن يدعي الملك لا يمتنع من المباشرة وإن قلنا إنه كالكرباس فلا ترتبط الدعوى بعينه بل ترتبط بالقيمة فيذكر كرباسا أو عبدا قيمته عشرة مثلا ولا بأس بذكر صفات العين ولا يجب كما أنه لا بأس بذكر قيمة العقار وقيمة العبد على قولنا تتعلق بعينه ولكن لا يجب على الظاهر
أما إذا كان المحكوم عليه حاضرا والعبد والكرباس حاضرين ولكن لم يحضره مجلس الحكم فهاهنا يفترق الكرباس والعبد إذ المنكر لا يلزمه إحضار الكرباس لأنه يتماثل وإن أحضر وأما العبد فيحكم القاضي به وإن كان غائبا إذا عرفه القاضي بعينه وإن لم يعرفه فلا بد من إحضاره للتعيين ويجب ذلك على المدعى عليه إن اعترف بأن في يده عبدا هذا صفته وإن لم يعترف حلف على أنه ليس في يده مثل هذا العبد فإن نكل فحلف المدعي أو أقام بينة على أن في يده مثله حبس المدعى عليه حتى يحضر ويتأبد عليه الحبس ولا يتخلص إلا بالإحضار أو بدعوى التلف فعند ذلك يقبل قوله للضرورة ويقنع بالقيمة ثم إن حضر فعلى الشهود على الوصف إعادة الشهادة على العين
فإن علم المدعي حيث لا بينه له أن المدعى عليه لا يبالي بالحلف عل أنه ليس في يده فطريق الجزم له أن يصرف الدعوى إلى القيمة ويثبت المالية بالشهادة على الوصف مهما لم يطلب العين فلو قال أدعي عبدا صفته كذا وقيمته كذا فإما أن يرد العين أو القيمة فهذه دعوى غير مجزومة ففي سماعها وجهان ولكن اتفق القضاة على سماعها للحاجة اصطلاحا
فرع إذا حضر العبد الغائب ولم يثبت ملك المدعي فعلى المدعي مئونة الإحضارومئونة الرد إلى مكانه هذا ما ذكره الأصحاب ولم يتعرضوا لأجرة منفعته التي تعطلت ولا لمنفعة المحكوم عليه إذا تعطل بالحضور وكأن ذلك احتملوه لمصلحة الإيالة وجعل ذلك واجبا لإجابة القاضي فلم يلزمه بدلا أما مؤنة إحضار العبد فلم تحتمل
الركن السادس المحكوم عليه
وشرطه أن يكون غائبا فإن كان في البلد ففي جواز سماع البينة قبل استحضاره وجهان أحدهما تسمع إذ إنكاره غير مشروط وإنما الشرط عدم إقراره وهو معدوم في الحال
والثاني أنه لا يجوز لأن إقراره متوقع على قرب وسلوك أقرب الطرق واجب في القضاء
فإن قلنا تسمع فالمذهب أنه لا يقضي إلا في حضوره فلعله يجد مطعنا ودفعا بخلاف الغائب فإن انتظاره يطول وفيه وجه بعيد أنه يقضي كالغائب
أما إذا حضر ففي جواز سماع البينة من دون مراجعة الخصم وجهان مرتبان وأولى بالمنع ووجه الجواز أنه قادر على الدفع والكلام فليتكلم إن أراد
أما إذا توارى وتعذر فالمذهب أنه يقضي عليه كالغائب وذكر القاضي وجها أن المنع لا يجعل كالعجز كما أن منع المهر والثمن لا يلحق بالإفلاس على وجه واختتام الباب بتنبيهات
الأول أن في قبول كتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على الشهادة في الحدود قولين وفي القصاص قولان مرتبان وأولى بالقبول
الثاني أن حد الغيبة ما فوق مسافة العدوى وهو أن يعدو من بيته فلا يرجع إليه مساء فإن أمكن ذلك فهو كالحاضر فيجب عليه إجابة القاضي إذا دعاه وإن دعاه صاحب الحق لم يجب الحضور بل الواجب هو الحق إن كان صادقا وإلا فلا شيء عليه وإنما يجب الحضور طاعة للقاضي لأجل المصلحة
الثالث أنه إن لم يكن على مسافة العدوى حاكم فيجوز للقاضي إحضاره ولكن بعد إقامة البينة إذ تكليفه ذلك من غير حجة إضرار ولهذا يجب على القاضي أن لا يخلي مثل هذه المسافة من حاكم
الرابع إذا كان للغائب مال في البلد وجب على القاضي التوفية وهل يطالب المدعي بكفيل فربما توقع استدارك فيه وجهان
أحدهما لا إذ كل حكم يمكن فيه الإستدراك وقد تم الحكم في الحال
والثاني نعم لأن الخصم غائب والإستدراك غالب
الخامس إذا عزل القاضي بعد سماع البينة ثم ولي يلزمه استعادة البينة إذ بطل بالعزل سماعه السابق وإن خرج عن محل ولايته ثم رجع ففي الإستعادة وجهان
السادس المخدرة لا تحضر مجلس القاضي لأن ضرر إبطال الخدر أعظم من ضرر المرض بل يحضر القاضي أو مأذون من جهته فكل من لا تخرج أصلا إلا لضرورة مرهقة فهي مخدرة أما من لا تخرج إلى العزايا والزيارات إلا نادرا قال القاضي هي أيضا مخدرة وقيل بل هي التي لا تخرج إلا لضرورة وقيل بل هي التي لا تصير مبتذلة بكثرة الخروج وإن كانت تخرج على الجملة وقال القفال يجب إحضار المخدرة لأن الحضور بهذا العذر لايبطل التخدر وخالفه جميع الأصحاب فيه
السابع للقاضي أن يتصرف في مال حاضر ليتيم خارج عن محل ولايته إذا أشرف على الهلاك كما يتصرف في مال كل غائب ولكن هل له نصب قيم للتصرف فيه تردد القاضي فيه ولم يبت جوابا فإنه نصب على اليتيم وفي المال أيضا
فإذا كان اليتيم في ولايته وماله في ولاية أخرى ربما أدى إلى أن ينصب كل واحد من القاضيين قيما ولعل الأولى أن يلاحظ مكان اليتيم لا مكان المال
وأما إذا زوج امرأة خارجة عن محل ولايته من غائب خارج عن محل ولايته برضاها فهذا ينبغي أن لا يصح ولا يكفي حضور الزوج إذ لا تعلق للولاية به بل حضور المرأة معتبر لأنه ولي عليها بخلاف المال وليس ذلك كما لو حكم في محل ولايته على غائب خارج عن محل ولايته إذ المدعي حاضر والولاية متعلقة به
الباب الرابع في القسمة
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في القسام وأجرته
ولا ينبغي أن يخلي الحاكم النواحي عن القسام لمسيس الحاجة إليه وليكن لهم رزق من بيت المال وكذا القاضي والمزكي أما الشاهد فلا يعطى كيلا يتهم مع أن الشهود لا ينحصرون
وإن لم يكن لهم رزق فلا ينبغي أن يعين الحاكم واحدا فيحسم على الناس استئجار غيره وفي اشتراط العدد في القسام قولان مأخذهما أن منصبه منصب الحاكم أو الشاهد
وإن نصب حاكما للتقويم أو للتزكية أو للقسمة فيثبت عندهم بشاهدين ثم القاضي يعول على قولهم على الإنفراد ولا يجوز أن ينصب حاكما ليحكم بالتقويم باجتهاده أو ليزكي بنظر نفسه وإن فرعنا على أن القاضي يقضي بعلمه نعم للقاضي أن يعتمد على ما يعرفه منعدالة الشاهد على رأي وهل له أن يكتفي ببصيرة نفسه في التقويم منهم من قطع بالمنع لأنه تخمين ومنهم من خرج على القولين
ثم أجرة القسام عند تفاوت الحصص تقسم على الرءوس أو على عدد قدر الحصص فيه قولان كما في الشفعة ومنهم من قطع بأنه على قدر الحصص لأن العمل في الكثير بالمساحة أكثر لا محالة
هذا إذا أطلق الشركاء العقد فأما إذا انفرد كل واحد بذكر نصيبه أتبع ذلك ولكن ليس لواحد أن ينفرد بالإستئجار دون إذن الشريك لأن تردده في الملك المشترك ممنوع دون الإذن فيكون العمل ممنوعا والإجارة فاسدة بل يعقد كل واحد بإذن الآخرين أو الوكيل بإذن جميعهم
فرع إذا كان أحد الشريكين طفلا وطلب القيم القسمة حيث لا غبطة رد القاضي عليه وإن كان فيه غبطة فعليه حصة من الأجرة
وإن طلب الشريك حيث لا غبطة ففي لزوم أجرة لنصيب الطفل وجهان والظاهر أنه يجب إذا لزمت الإجابة كما في البالغ والأجرة تتبع لزوم القسمة
الفصل الثاني في كيفية القسمة
فإن جرت في ذوات الأمثال جازت التسوية بالوزن والكيل وكذا في الربويات إن قلنا إنها إفراز حق وإن قلنا إنها بيع فلا يجوز في المكيل إلا الكيل فإن كانت في عرصة متساوية الأجزاء فالتسوية بالمساحة وتقسم الحصص وتكون الأجزاء على حسب أقل الحصص
بيانه عرصة لواحد نصفها ولواحد ثلثها ولواحد سدسها فتجعل الأرض ستة أجزاء متساوية بالمساحة وإن افتقر إلى التعديل بالقيمة عدل كذلك ثم يكتب أسماء الملاك على ثلاثة رقاع لأنهم ثلاثة ويدرجها في بنادق من شمع أو طين متساوية وتسلم إلى من لم يشهد ذلك حتى يخرج واحدا ويقف القسام على الطرف فإن خرج اسم صاحب النصف أعطاه الجزء الأول والثاني والثالث على الإتصال حتى لا يتفرق نصيبه ثم يخرج الآخر فإن خرج اسم صاحب الثلث أعطاه الرابع والخامس ويتعين السادس لصاحب السدس
وإن خرج اسم صاحب السدس أعطاه الرابع وتعين الباقي لصاحب الثلث وتعين ما منه ابتداء التسليم إلى تحكم القسام فيقف على أي طرف شاء
وقد نص الشافعي رضي الله عنه فيمن أعتق عبيدا لا يملك غيرهم أنه يكتب على الرقعة الحرية والرق لا اسم العبيد والورثة وها هنا لم يكتب الثلث والسدس والنصف فمنهم من قال قولان بالنقل والتخريج ومنهم من فرق بأن مستحق الحرية هو الله تعالى دون العبيد فيكتب الحرية ليندفع عنها الورثة وبقية العبيد
وعلى الجملة هذا في الإستحباب إذ يجوز كتبة الأجزاء ها هنا وكتبة الأسماء ثموالغرض يحصل فإن قلنا يكتب أسماء الملاك فقال العراقيون يكتب باسم صاحب النصف ثلاث رقاع وباسم صاحب الثلث اثنتين لأن صاحب الكثير أولى باستحقاق الطرف وفي تكثير اسمه ما يوجب التقديم إذ الغالب أنه يسبق واحد من ثلاثة والصحيح أنه لا حق له إلا في الكثرة فيكفي ثلاث رقاع
فرعان
الأول إذا استحق المتاع الواقع في حصة أحدهما أو بعضه انتقضت القسمة فإن استحق عينا من يد واحد واستحق مثلها في القسمة من يد الآخر لم تبطل القسمة وفيه وجه أنه تستأنف القسمة ويلتفت على تفريق الصفقة وإن كان المال أرضا قسم بينهما واستحق ثلث الكل فقد بطلت القسمة في ذلك القدر والباقي يخرج على تفريق الصفقة والأصح أنه لا ينتقض
أما إذا ظهر دين أو وصية بعد القسمة فإن قلنا إنها إفراز فالقسمة تبقى على الصحة إن وفوا الدين وإن قلنا إنها بيع ففيه قولان
أحدهما البطلان لأن الدين إما أن يمنع الملك أو يجعل التركة مرهونة
والثاني أنه يصح بل التركة كالعبد الجاني فينفذ بيعه إلا أن لا يوفي الدين
الفرع الثاني إذا ادعى بعض الشركاء غلطا في القسمة على قسام القاضي لم يكن له تحليفه لأنه حاكم لكن لم تنقض القسمة إن أقام بينة وإلا فله أن يحلف شركاءه فإن حلف بعضهم ونكل بعضهم فتفيد اليمين المردودة نقض القسمة في حق الناكلين دون الحالفينهذا في قسمة القاضي بالإجبار أما إذا كان القسام منصوب الشركاء بالتراضي أو تولوا القسمة بأنفسهم فظهور الغلط بعد تمام القسمة هل يوجب نقضها قال العراقيون لا تنقض لأنه رضي به فصار كما إذا اشترى بغبن وهذا يتجه على قولنا إنها بيع فإن جعلناها إفراز حق فلا يمكن ذلك مع التفاوت وكذا إن جعلناه بيعا ولم يجر لفظ البيع أو ما يقوم مقامه
الفصل الثالث في الإجبار
والقسمة ثلاثة قسمة إفراز أو تعديل أو رد
أما قسمة الإفراز فهو أن يكون الشيء متساوي الأجزاء كالثوب الواحد والعرصة المتساوية أو المكيلات والموزونات فيجبر على هذه القسمة من امتنع قهرا بشرط أن تبقى الحصص بعد القسمة منفعا بها المنفعة التي كانت فلا يجبر على قسمة الطاحونة والحمام الصغير إذا لم يمكن الإنتفاع به بعده وفيه وجه بعيد أنه يجبر إذا كان يبقى أصل الإنتفاع وإن لم يبق ذلك النوع أما إذا كان الحمام كبيرا تبقى به المنفعة عند إحداث مستوقد آخر وبئر آخر وما يجري مجراه ففي الإجبار تفريعا على المشهور وجهان
أحدهما أنه لا يجبر لأنه تعطيل إلا بإحداث أمر جديد
والثاني أنه يجبر لأن إبقاء أصل المنفعة بأمر قريب ممكن
فرع
إذا ملك من دار عشرها والعشر المفرد لا يصلح للمسكن فالصحيح أن صاحبه لا يجاب إلى القسمة لأنه متعنت وهل يلزمه الإجابة إذا طلب شريكه لصحة غرضه فيه وجهانأحدهما نعم لتمييز ملكه
والثاني لا لأن فيه تعطيل المنفعة على الشريك فكأنه في حقه لا يقبل القسمة
وإن قلنا لا قسمة لواحد منهما فلا شفعة لواحد منهما إذا باع صاحبه لأن الشفعة لدفع ضرر مؤنة القسمة
أما إذا كان النصف لواحد والنصف الآخر لخمسة فإذا باع الخمسة النصف فلصاحب النصف الآخر الشفعة لأن الخمسة لو اجتمعوا وطالبوه بالقسمة أجبر وإنما لا يجبر إذا كان الطالب واحدا وفيه وجه أيضا أن صاحب العشر يجاب إذ يقول لي أن أعطل الملك على نفسي فلم لا أجاب وهذا وإن كان غير مشهور فهو منقاس
القسمة الثانية قسمة التعديل
وهو أن يخلف الرجل على ثلاثة بنين ثلاثة عبيد متساوي القيمة ففي الإجبار عليه خلاف مشهور ذهب الأكثرون إلى أنه يجبر كما في الإفراز إذ لا ضرر فيه والثاني أنه لا يجبر إذ كل عبد يختص بغرض وصفة لا توجد في الباقي فلا يكفي تساوي المالية مع تفاوت الأغراض وذلك غير موجود في الأرض وذوات الأمثال
وإن خلف بين ثلاثة بنين أربعة أعبد قيمة واحد مائة وقيمة آخر مائة وقيمة الإثنينالآخرين مائة فالخلاف ها هنا مرتب وأولى بأن لا يجبر لأن تفاوت العدد انضم إلى تفاوت الصفة وفي الحمامات والطواحين التي لا تقبل القسمة وتتساوى قيمتها خلاف مرتب وأولى بالمنع إذ الغرض يختلف باختلاف أماكنها اختلافا ظاهرا
فإن خلف طاحونة وعبدا وحماما متساوي القيم فالخلاف مرتب وأولى بالمنع
أما إذا خلف قطعا من الأرض متباينة وآحادها يقبل قسمة الإفراز فلا يجبر على قسمة التعديل بالقيمة لأن ذلك جوز ضرورة للعجز عن الإفراز وميل نصوص الشافعي رضي الله عنه إلى منع الإجبار في هذه القسمة
فروع
الأول دار مختلفة الجوانب فقسمتها من قسمة التعديل إلا إذا كان في كل جانب بناء يماثل الجانب الآخر ويمكن قسمة العرصة فذلك كالأراضي فإن احتيج إلى التعديل بالقيمة مع التفاوت فلا فرق بينهما وبين الأمتعة
الثاني عرصة بين شريكين وقيمة أحد الجانبين تزيد لقربه من الماء حتى يكون الثلث بالمساحة نصفا بالقيمة قال الأصحاب يجبر على هذه القسمة ولم يخرجوه على الخلاف ولم يكترثوا بمثل هذا التفاوت النادر
الثالث قسمة اللبنات المتساوية القوالب من قبيل قسمة الإفراز فإن تفاوتت القوالب فهي من قسمة التعديل
القسمة الثالثة قسمة الرد
وهو أن يترك عبدين قيمة أحدهما ستمائة وقيمة الآخر ألف فلو أخذ أحدهماالنفيس ورد مائتين استويا ولكن هذا لا يجبر عليه قطعا لأن فيه تمليكا جديدا
لو قال أحدهما يختص أحدنا بالخسيس وخمس من النفيس فهذا هل يجبر عليه ليتخلص في أحد العبدين عن الشركة فيه خلاف والظاهر أنه لا يجبر لأن أصل الشركة ليس ينقطع
فإن قيل فما حقيقة القسمة قلنا أما قسمة الإفراز ففيه قولان
أحدهما أنه إفراز إذ لو كان بيعا لما أجبر عليه فكأنه قد تبين بالقسمة أن ما خصه هو الذي ملكه
والثاني أنه بيع إذ يستحيل أن يقال إنه لم يرث من أبيه إلا هذه الحصة على الخصوص
وأما قسمة الرد فهو بيع في القدر الذي يقابله العوض وفي قسمة الباقي وفي قسمة التعديل بيع أيضا إن قلنا لا يجبر عليه وإن قلنا إنه يجبر فطريقان منهم من خرج على القولين ومنهم من قطع بأنه بيع ولكن يجبر للحاجة
ويخرج على القولين مسائل في الربويات والزكاة والوقف فإذا قلنا إنه بيع لم يجز فصل الوقف عن الملك لأنه بيع أما فصل الوقف من الوقف فلا يجوز وإن قلنا إنه إفراز لأنه كالتغيير لشرط الواقف وفيه وجه أنه يجوز لأنه قد يشرف على الإنهدام فيحتاج إلى القسمة فإن قيل فهل يشترط الرضا قلنا لا يشترط في قسمة الإجبار ويشترط في قسمة التراضي ولا بد من لفظ وهو قوله رضيت ويجب تجديده بعد خروج القرعة فيقول رضيت بهذا وقال العراقيون يكفي السكوت بعد الرضا إلى خروج القرعة فلا يجب التجديد
وأجمعوا على أنه لا يشترط لفظ البيع وإن قلنا إنه بيع ومنهم من شرط أن يقولقاسمتك على هذا الوجه أو رضيت بالقسمة ليتلفظ بالقسمة ولا يكفي قوله رضيت بهذا لأن القسمة تؤدي معنى التمليك والتملك
فرعان
أحدهما أن القبة والقناة والحمام وما لا يقبل القسمة فالصواب المهايأة فيها بالتراضي ومن رجع قبل استيفاء نوبته فله ذلك وإن استوفى ثم رجع فوجهان أقيسهما أنه يرجع ويغرم ما انفرد به
والثاني لا لأن هذه معاملة جرى عليها الأولون فلا تشوش وقال ابن سريج يجبر على المهايأة لأن بعض من يستغني عنه لثروته قد يعطل على الشركاء بكذا والصحيح أنهم لو تنازعوا وتناكدوا تركوا إلى أن يصطلحوا
الثاني أنه لو تقدم جماعة فالتمسوا من القاضي قسمة مال بينهم من غير إقامة حجة على أنه ملكهم فالصحيح أن القاضي يقسم ويكتب في الحجة إني قسمت بقولهم وكذلك إذا جاء واحد منهم وطلب وفيه قول آخر أنه لا يجيب لأنه ربما يكون متصرفا في مال الغير من غير بينة وهو بعيد لأن اليد لهم في الحال
كتاب الشهادات
وفيه ستة أبواب
الباب الأول فيما يفيد أهلية الشهادة وقبولها من الأوصاف
وهي ستة ثلاثة منها لا يطول النظر فيها وهي التكليف والحرية والإسلام فلا تقبل شهادة صبي ولا مجنون ولا تقبل شهادة كافر لا على كافر ولا على مسلم وقال أبو حنيفة رحمه الله تقبل على الكافر
ولا تقبل شهادة العبد أصلا وقال داود تقبل وثلاثة يطول النظر فيها وهي العدالة وحفظ المروءة والإنفكاك عن التهمة
الوصف الأول العدالة
قال الشافعي رضي الله عنه وليس أحد من الناس نعلمه إلا قليلا يمحض الطاعة حتى لا يخلطها بمعصية أشار بهذا إلى أن العصمة من المعاصي ليس بشرط إذ ذلك يحسم باب الشهادة ولكن من قارف كبيرة أو أصر على صغيرة لم تقبل شهادته لأن ذلك يشعر بالتهاون بأمر الديانة ومثله جدير بأن لا يخاف وبال الكذب أما من يلم بالصغيرة أحيانا لفترة تقع من مراقبة التقوى وفلتة تقع للنفس في الخروج عن لجام الورع وهو مع ذلك ما ينفك عن تندم واستشعار خوف فهذا لا ترد به الشهادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخلو المؤمن من الذنب يصيبه الفينة بعد الفينة أي الوقت بعد الوقت وإنما الفسق المرون على المعصية وإن كانت صغيرة
والفرق بين الصغيرة والكبيرة يطول وقد استقصيناه في كتاب التوبة من كتب إحياء علوم الدين ونشير الآن إلى بعض ما يعتاد من الصغائر وهي ستة
الأولى اللعب بالشطرنج ليس بحرام ولكنه مكروه وإن قلنا إنه مباح أردنا أنه لا إثم فيه لا كراهية فيه فلا ترد به الشهادة إلا أن يختلط به قمار وهو أخذ مال المقمور واشتراطه أو اليمين الفاجرة وقد روي أن سعيد بن جبير رضي الله عنه كان يلعب بهوهو مستدبره ولا يراه وقول علي رضي الله عنه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لعله كان في معرض السؤال إذ أشكل عليه صورة تلك الأشكال وأنها ما هي أما المداومة عليه فقد تقدح في المروءة وتعطل المهمات وقد ينشأ رد الشهادة من هذا وسيأتي
الثانية اللعب النرد حرام لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال ملعون من لعب بالنردشير وقال اللاعب بالنرد كعابد الوثن ونقل عن ابن خيران وأبي إسحق المروزي أنه كالشطرنج وهو القياس ولكن الخبر مانع منه ثم وإن قلنا إنه حرام فالمداومة عليه ترد الشهادة دون المرة الواحدة وقيل إن المرة الواحدة فسق ترد الشهادة
وأما اللعب بالحمام فليس بحرام وتردد العراقيون في كراهيته ورد الشهادة به إنما يكون من جهة المروءة في حق من يقدح في مروءته
الثالثة قال الشافعي رضي الله عنه الحنفي إذا شرب النبيذ حددته وقبلت شهادته أما الحد فللزجر حتى لا يعود إليه إذ يجر إلى الفساد وأما قبولنا الشهادة فلأن إقدامه علىشربها لم يشعر بتهاونه إذ اعتقد إباحته واستبعد المزني هذا الفرق فمن الأصحاب من قال يحد ولا تقبل الشهادة ومنهم من قال لا يحد وتقبل شهادته فتحصلنا على ثلاثة أوجه فإن قلنا إن الحنفي لا يحد ففي الشفعوي وجهان لشبهة الخلاف في الإباحة
الرابعة المعازف والأوتار حرام لأنها تشوق إلى الشرب وهو شعار الشرب فحرم التشبه بهم وأما الدف إن لم يكن فيه جلاجل فهو حلال ضرب في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإن كان فيه جلاجل فوجهان وفي اليراع وجهان والأصح أنه لا يحرم والمزمار العراقي حرام لأنه عادة أهل الشرب والطبول كلها مباح إلا الكوبة قال فإن طبل المخنثين وهو طبل طويل متسع الطرفين ضيق الوسط وسبب تحريمه التشبه بهم وكذا الضرب بالصفاقتين حرام لأنه من عادتهم
وقد ذكرنا مآخذ هذه التحريمات في كتاب الوجد والسماع وفصلنا ما يحل ويحرم ثم قال الشيخ أبو محمد سماع الأوتار مرة لا يرد الشهادة وإنما ترد بالإصرار وقال العراقيون هو كبيرة توجب المرة الواحدة رد الشهادة ولا شك أن ذلك يختلف بالبلاد فحيث يعظم أمره فالمرة الواحدة تشعر بانخرام مروءة الشاهد
الخامسة نظم الشعر وإنشاده وسماعه بألحان وغير ألحان ليس بحرام إلا أن يكون في الشعر هجو أو وصف امرأة معينة أو فحش وما يحرم نثره فيحرم نظمه فإن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وقد أنشد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أشعار ولم ينكرها
وإن أطنب في المدح حتى انتهى إلى حد الكذب قيل إنه حرام والصحيح أن ذلك ليس بكذب إذ ذلك ليس يقصد منه الإعتقاد والتصديق بل هي إظهار صنعة في الكلام
وسماع الغناء مباح لأن ما جاز من غير لحن جاز مع ألحان إلا أن يتخذ ذلك عادةفقد يقدح في المروءة
والرقص أيضا مباح ولكن إذا صار معتادا أو صار الغناء مكسبة فيقدح في المروءة
والتغني بالقرآن جائز بل مستحب إلا أن ينتهي إلى التمطيط المشوش للنظم كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حسن الترنم بالقرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا قد أوتي مزمارا من مزامير آل داود عليه السلام
السادس لبس الحرير والجلوس عليه حرام وترد الشهادة باستدامة دون المرة الواحدة وكذا التختم بخاتم الذهب وغلط بعض الأصحاب فقال لو كان شهودالنكاح على حرير لم ينعقد النكاح بشهادتهم
الوصف الثاني المروءة فمن يرتكب من المباحات ما لا يليق بأمثاله كالأكل في الطريق والبول في الشارع ولبس الفقيه القباء والقلنسوة في بلادنا وغير ذلك مما يخسر به فيه فيدل ذلك إما على خبل في عقله أو انحلال في نفسه يبطل الثقة بصدقه فتخل شهادته ولا يخفى أن ذلك يختلف بالأشخاص والأحوال فذو المنصب إذا حمل المتاع إلى بيته لنجله فلا مروءة له وإن أمكن حمله على التقوى والإقتداء بالأولين فلا يقدح فيه
ويلتحق بهذا الفن الإكباب على المباحات المانعة من المهمات كمداومة الشطرنج واللعب بالحمام والرقص والغناء فإن ذلك أيضا يشعر بانحلال
واختلفوا أيضا في الحرف الدنية فمنهم من لم يقبل شهادة الدباغ والكناس والحجام والمدلك ومن يتعاطى القذر لأن اختياره هذه الحرفة يشعر بخسته ومنهم من قال تقبل إذا كان ذلك صنعة آبائه ولائقا بأمثاله وفي الحائك طريقان قال القفال لا فرق بينه وبين الخياط وقال بعضهم جرت العادة بالإزراء بهم فاختياره مع ذلك كاختيار الكنس والحجامة
الوصف الثالث الإنفكاك عن التهمة
ولا خلاف أن شهادة العدل لا تقبل في كل موضع فنقول للتهمة أسباب
الأول أن تتضمن الشهادة جرا أو دفعا
أما الجر فبأن يشهد على من جرح مورثه فالشهادة مردودة لأن بدل الجراحة يحصل له بالإرث والجرح سبب الموت المفضي إلى الإرث ولا خلاف أنه لو شهد في مرض الموت للمورث بمال جاز ولا نجعل للتهمة موضعا وإنما ردت شهادة الجرح لأن تزكيته ترجع إليه
وأما الدفع فبأن يشهد اثنان من العاقلة على فسق شهود القتل الخطأ فكأنهم يشهدون لأنفسهم
فرعان
الأول لو شهد أحد الابنين على أخيه بألف درهم دين على المورث وقلنا لا يجب عند الإنفراد بالإقرار إلا حصة المقر قبلت هذه الشهادة إذ لا دفع فيها وإن قلنا إنه يلزمه تسليم جميع الألف من حصته لو أنكر الآخر فلا تقبل شهادته لأنه دافع وقال أبو حنيفة رحمه الله إن أقر ثم شهد لم تقبل كما لو قذف ثم شهد ولو أنشأ الشهادة ابتداء قبل كما لو شهد على الزنا
الثاني لو شهد شاهدان لرجلين بالوصية لهما في تركة فشهدا للشاهدين أيضا بوصية قال صاحب التقريب لا تقبل للتهمة وهذا فاسد لأن كل شهادة منفصلة عن الأخرى ليس فيها جر وقد قطع الأصحاب بأن رفقاء القافلة إذا شهد بعضهم لبعض في قطع الطريق قبل إذا لم يتعرض في شهادته لنصيب نفسه
السبب الثاني البعضية الموجبة للنفقة تمنع قبول الشهادة
فلا تقبل الشهادة للولد والوالد وسائر الفروع والأصول لأنه ليس له من ماله إلا قدر حاجته ومال أصوله وفروعه معرض لحاجته فكأنه شهد لنفسه وفي شهادة الزوجين ثلاثةأقوال كما ذكرناه في القطع بالسرقة
ولا خلاف أن شهادة الزوج على إنسان بأنه زنى بزوجته لا تقبل وكذلك إن شهد على زوجته بالزنا مع ثلاثة من العدول لأنها أوغرت صدره فنشأ منه عداوة ولأنه يشهد بالخيانة على محل حقه وقال أبو حنيفة رحمه الله تقبل
وقال مالك رحمه الله تقبل شهادة الولد لوالده ولا تقبل شهادة الوالد لولده وللشافعي رضي الله عنه قول قديم أنه تقبل الشهادة للولد وللوالد
أما الشهادة عليهم فمقبولة لأنها أبعد عن التهمة وفيه وجه أن شهادة الإبن لا تقبل على الأب بالعقوبات إذ لا يكون الإبن سبب عقوبة الأب وهذا بعيد لأنه مظهر لا موجبا
وفي حبس الأب بدين ولده ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا يحبس لأنه عقوبة
والثاني أنه يحبس لأنه ليس مقصودا وعليه أن يؤدي الحق ليتخلص وقال صاحب التلخيص يحبس في نفقته ولا يحبس في سائر ديونه
فرع
إذا شهد بحق مشترك بين ولده وأجنبي ورد في حق ولده ففي الرد في حق الأجنبي وجهان لأجل تبعيض الشهادة في نفسهاالسبب الثالث العداوة فلا تقبل شهادة العدو على العدو خلافا لأبي حنيفة رحمه الله وسلم أن شهادة المخاصم في الحال لا تقبل
أما شهادة المخاصم بعد انقطاع الخصومة فمقبولة بالإتفاق إذ يؤدي ذلك إلى أن منيستشعر من غيره إقامة شهادة عليه ينشيء معه خصومة
ورد شهادة العدو مشكل لأنه إن أخرجته العداوة إلى فسق فترد للفسق وإن لم تخرجه إلى معصية فلا يبقى إلا مجرد تهمة
ولا خلاف أن الشهادة للصديق مقبولة وكذا الأخ والأقرب ولكن المعتمد فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة خصم على خصم
وإنما ترد الشهادة بعداوة ظاهرة موروثة أو مكتسبة بحيث يعلم أن كل واحد منهما يفرح بمساءة صاحبه ويغتم بمسرته ويبغي الشر له وهذا القدر لا يفسق به فترد الشهادة به وإن عرف ذلك من أحدهما خصت شهادته بالرد دون شهادة صاحبه
وقد يكون سبب العداوة التعصب للأهواء والمذاهب إذ المعتزلة وسائر المبتدعة لا يكفرون وأنه تقبل شهادتهم وإن ضللناهم قال الشيخ أبو محمد ترد شهادة من يطعن في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن يقذف عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها محصنة بنص الكتاب مبرأة عن الفواحش وما ذكره صحيح وإنما تقبل شهادة المخالفين فيالإعتقادات فإن من يرى أن الكبيرة الواحدة توجب الخلود في النار فقوله أوثق
السبب الرابع التغافل
فرب عدل مغفل كثير السهو والغلط وإن لم يكذب عمدا وربما لا يفطن لحقائق الأشياء ويكثر سبقه إلى الإعتقاد بالتوهم فمثل هذا لا تقبل شهادته المرسلة إلا في أمر جلي يستقصي الحاكم فيه ويكثر فيه مراجعته حتى يتبين تثبته وأنه لا يسهو في مثله
السبب الخامس التغير يرد الشهادة
فالفاسق المستسر بالفسق إذا ردت شهادته ثم حسنت حالته فأعاد تلك الشهادة بعينها لم تقبل وتقبل سائر شهاداته إذ المكذب تنبعث فيه داعية طبيعية لإثبات صدق نفسه فيصير ذلك من أهم حظوظه
والكافر والصبي والعبد إذا ردت شهادتهم ثم أعادوها بعد الأهلية قبل إذ لا عار عليهم في الرد أما الفاسق المعلن والعدو والسيد إذا شهد لمكاتبه فردت شهادتهم فأعادوها بعدهذه الأعذار ففيه وجهان
أحدهما لا ترد لأن أسباب الرد ظاهرة فلا يتعيرون بها كالصبي والعبد
والثاني أنه ترد لانهم اتهموا والمتهم يتعير فيدفع العار بالإعادة
السبب السادس الحرص على الشهادة بأدائها قبل الاستشهاد
وذلك مردود إن كان قبل الدعوى وإن كان بعد الدعوى وقب الإستشهاد ففي القبول وجهان وإن لم تقبل فهل يصير به مجروحا فيه وجهان
وهذا فيما لا تجوز فيه شهادة الحسبة أما مالله تعالى فيه حق كالطلاق والعتاق وتحريم الرضاع والعفو عن القصاص فيثبت بشهادة الحسبة من غير تقدم دعوى وترددوا في الوقف والنسب وشراء الأب
أما الوقف فالصحيح أنه لا يثبت إلا بالدعوى إذا كان له مستحق معين فأما على المساجد والجهات العامة فيثبت وأما شراء القريب الذي يعتق عليه فيشبه الخلع من وجه والطلاق البائن يثبت بالشهادة على الخلع وفي شراء القريب وجهان
أحدهما يثبت كالخلع وقال القاضي لا يثبت دون الدعوى لأن العوض مقصود فيالشراء وإثباته دون العوض محال وبيع العوض محال إذ لا مدعي له وأما النسب فقال القاضي لا يثبت دون الدعوى وقال الصيدلاني من أتت بولد وادعى الزوج أنه لدون ستة أشهر قبلت البينة على أنه لستة أشهر وإن سكتت المرأة وهذا يدل على القبول من غير دعوى فقد تحصلنا فيه على تردد من حيث إن النسب متعلق بكثير من حقوق الله تعالى كالطلاق
ولا خلاف في أن من اختفى في زاوية لتحمل شهادة فلا يحمل ذلك على حرصه على الشهادة ولا ترد لأن الحاجة قد تمس إلى ذلك للأقارير وقال مالك رحمه الله هذه الشهادة مردودة وقيل إنه قول للشافعي ضعيف
هذه مجامع ما ترد به الشهادة أما شهادة القروي على البدوي والبدوي على القروي فمقبولة خلافا لمالك رحمه الله
وشهادة المحدود في القذف إذا تاب مقبولة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله وشهادةالفاسق الذي لا يكذب ويوثق بقوله لا تقبل عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لأن من لا يخاف الله تعالى إنما يصدق لغرض وإذا تغير غرضه لم يبال بالكذب
خاتمة بذكر قاعدتين
إحداهما أن هذه الأسباب إذا زالت قبلت الشهادة ولا يطول النظر في زوال الصبي والرق وأمثاله وإنما يطول في زوال الفسق والعداوة فإن التوبة مما يخفى ولا يكفي قول الفاسق تبت بل لا بد من الإستبراء مدة حتى يظهر بقرائن الأحوال صلاح سريرته وقدر بعضهم بسنة لتنقضي الفصول فإن العزائم تتغير فيه وقيل ستة أشهر والكل تحكم بل يختلف ذلك بالأحوال والأشخاص والمطلوب غلبة الظن
أما القاذف فتوبته في إكذابه نفسه كذلك قال الشافعي رضي الله عنه وهو مشكل لأنه ربما كان صادقا فالمعني به تكذيبه نفسه في قوله أنا محق بالإظهار والمجاهرة دون الحجة فيكفي أن يقول تبت ولا أعود وهل يكفي مجرد ذلك دون الإستبراء إذا لم يظهر منه فسق آخر فيه نصوص مضطربة والحاصل أنه إن أقر على نفسه بالكذب فيستبرأ لأن هذا الكذب كبيرة وإن لم يقر وجاء شاهدا وما تمت الشهادة فقولان وإن جاء قاذفا فقولان مرتبان وأولى بأن يستبرأ والصواب أن نقول إن علم أن ذكر ذلك حرام فهو فاسق فيستبرأ وإن ظن أن هذا القذف مباح فلا حاجة إلى الإستبراء ويكفي قوله تبت فإن أقام الحجة على صدق نفسه ففي بقاء عدالته وجهان
أحدهما أنه تقبل شهادته إذ ظهر صدقه
والثاني إذ لا نمكن له أن يقذف ثم يثبت إلا أن يجيء مجيء الشهود
القاعدة الثانية أن القاضي إذا غلط فقضى بشهادة هؤلاء ثم عرف بعد القضاء فينقض القضاء إن ظهر كون الشاهد عبدا أو صبيا أو كافرا وإن ظهر كونه فاسقا فقولان
أقيسهما أنه ينقض إذ قال الشافعي رضي الله تعالى عنه شهادة العبد أقرب من شهادة الفاسق إذ نص القرآن يدل على رد الفاسق حيث قال { إن جاءكم فاسق بنبأ } وقوله { ممن ترضون من الشهداء }
والثاني أنه لا ينقض لأنه أهل على الجملة وربما صدق وهذا ضعيف على مذهب الشافعي رضي الله عنه ولهذا قطع بعض الأصحاب بالنقض ورد تردد القول إلى ما إذا فسق بعد القضاء واحتمل الإستناد وأول عليه نص الشافعي رضي الله عنه
الباب الثاني في العدد والذكورة
والعدد مشروط في كل شهادة فلا يثبت بشهادة واحد إلا رؤية الهلال لرمضان على رأي إذ يسلك به مسلك الأخبار لتعلقه بالعبادات أما هلال شوال فلا يثبت إلا باثنين
ثم الشهادات في العدد على مراتب
المرتبة الأولى الزنا ولا يثبت إلا بشهادة أربعة رجال لقوله تعالى { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء } ويقول كل واحد رأيته يدخل فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة فإن الشاهد الرابع على زنا المغيرة لما قال بين يدي عمر ورأيت نفسا يعلو واستا ينبو ورأيتهما يضطربان تحت لحاف ورجلاها على عاتقه كأنهما أذنا حمار فقال عمر الله أكر وجلد سائر الشهود ولم يكتف بهذا
وهل يشترط على الإقرار بالزنا أربعة فيه قولان واللواط إن قلنا إنه كالزنا أو يوجب القتل فهو كالزنا وإن لم يوجب إلا التعزير فهل يشترط فيه أربعة فيه قولان وهل يجوز للشاهد النظر إلى الفرج أو إلى العورات لتحمل الشهادة فيه ثلاثة أوجه
أحدها نعم لأن الشهادة أمانة
والثاني لا لكن إن وقع البصر تحمل الشهادة وإلا فلا
والثالث لا يجوز لأجل الزنا فإن الحدود مبنية على الدفع أما لعيوب النساء وغير ذلك من الأحكام يجوز
فرع
لا تمنع الشهادة بتقادم العهد في الزنا ولا بأن يشهد أربعة في أربعة مجالس خلافا لأبي حنيفة رحمه الله في المسألتين فإنه قال إذا انفرد واحد في مجلس حد ولا ينفعه من يشهد في مجلس آخرالمرتبة الثانية النكاح والرجعة لقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ولقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وشهود الحق الشافعي رضي الله عنه به كل ما ليس بمالكالقصاص والعتق والإستيلاد والكتابة والوصايا والوكالة والعفو عن القصاص والجرح والتعديل والترجمة في مجلس القضاء وإثبات الردة والإسلام والنسب والبلوغ والولاء والعدة والموت ولا ينظر إلى رجوع الوكالة والوصايا إلى مال لأنها في نفسها سلطنة وولاية وليس بمال وقال أبو حنيفة رحمه الله ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين وخصص اعتبار الذكورة بالعقوبات
المرتبة الثالثة الأموال وحقوقها وأسبابها تثبت بشهادة رجل وامرأتين بدليل آية المداينة ويدخل فيه الشركة والإجارة وإتلاف الأموال وعقود الضمان والقتل خطأ وكل جراحة لا توجب إلا المال وحق الخيار والشفعة وفسخ العقود وقبض نجوم الكتابة إلا النجم الأخير فيتعلق به العتق ففيه وجهان ويثبت المال في السرقة بشاهد وامرأتين دون القطع والصحيح أن الأجل من حقوق المال وقيل إنه نوع سلطنة فيضاهي الوكالة
ثم ليعلم أن النكاح إن لم يثبت برجل وامرأتين يثبت في حق المهر وكذا الوكالة تثبت في حق البيع وتثبت الوصية وإن لم تثبت الوصاية
فرع
لو قال لزوجته إن غصبت فأنت طالق أو إن ولدت فثبت الغصب أو الولادة بشهادة النسوة وجب المال ولحق النسب ولم يقع الطلاق المعلق بهما وكذا لو علق برؤية الهلال وشهد واحد ولو شهد أولا على غصبها رجل وامرأتان فقضى القاضي بالضمان فقال إن كنت غصبت فأنت طالق قال ابن سريج إنه يقع بخلاف ما إذا تقدم التعليق وفيه وجه آخر أنه لا يقعالمرتبة الرابعة ما لا يطلع عليه الرجال غالبا ويثبت برجل وامرأتين وبأربع نسوةكالولادة والبكارة وعيوب النساء والرضاع وما يخفى عن الرجال غالبا وقال أبو حنيفة رحمه الله تثبت الولادة بشهادة القابلة وحدها عند قيام الفراش أو ظهور مخايل الحمل بعد الطلاق
فإن قيل فهل يتعلق بشاهد واحد حكم قلنا من أقام شاهدين على مال فخاف فواته فله التماس الحيلولة قبل التزكية ويجب ذلك على القاضي في الأمة إذا أقامت شاهدين على الحرية ويجب في العبد إن طلب العبد والعبد ينفق من كسبه في مدة الحيلولة وإن لم يكن فمن بيت المال ثم يرجع إلى السيد إن لم يثبت العتق وكذا لو أقام شاهدين علىزوجية امرأة منعنا المرأة عن الإنتشار قبل التزكيه وفي العقار هل يجاب إلى الحيلولة مع أنه لا خوف فيه خلاف
في هذه المسائل الشاهد الواحد هل ينزل في اقتضاء الحيلولة منزلة الشاهدين فيه قولان
أحدهما نعم لأن تمامه متوقع كالتعديل
والثاني لا لأن الواحد ليس بحجة والتعديل يبين أن ما أقامه من قبل كان حجة فإن قلنا يؤثر في الحيلولة فقد ظهر له فائدة على الجملة
ولو جرى في دين فهل للمدعي أن يلتمس الحجر خوفا من أن يبيع ماله فيه طريقان منهم من طرد القولين ومنهم من قطع بالمنع لأن ضرر الحجر عظيم وقال القاضي إن كان الخصم معروفا بالحيلة وخاف القاضي حيلته حجر عليه
الباب الثالث في مستند علم الشاهد وتحمله وأدائه
وفيه فصلان
الفصل الأول في مستنده
والأصل فيه اليقين قال الله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم } وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بم أشهد فقال أرأيت الشمس طالعة فقال نعم فقال على مثل هذا فاشهد وإلا فاسكت هذا هو الأصل لكنا قد نلحق الظن به للحاجة فنقول
المشهود عليه ينقسم إلى ما يحتاج إلى البصر دون السمع وإلى ما يحتاج إلى السمع دون البصر وإلي ما يحتاج إليهما
الأول ما يحتاج إلى البصر دون السمع وهو الأفعال إذ البصر يدرك الفعل والفاعل جميعا
القسم الثاني ما يحتاج إليهما وهو الأقوال إذ الأقوال تدرك بالسمع والقائل لايتعين إلا بالبصر وليس للأعمى أن يعتمد الأصوات فإنها تتشابه بالتلبيس وقال مالك رحمه الله له ذلك إذ يحل له وطء زوجته فإذا سمع إقرارها في حالة الوطء كيف لا يشهد عليها فنقول في غيره من الشهود غنية أما حل الوطء والمعاملات فتبنى على الحاجات
وقد اختلف الأصحاب في سبع
الأول إذا تعلق الأعمى بشخص فصاح في أذنه بالإقرار فجره إلى القاضي متعلقا به وشهد ففيه وجهان
أصحهما القبول للثقة
والثاني لا لأن فتح هذا الباب عسير ودرجات التعلق والملازمة تختلف ولا تنضبط
الثانية في رواية الأعمى خلاف لأنه يعجز عن تمييز المروي عنه ولكن قال بعضهميجوز وكان الصحابة يسمعون من عائشة رضي الله تعالى عنها من وراء الستر فهم في حقها كالعميان أما ما سمعه قبل العمى فيروي بل ما تحمل من الشهادة قبل العمى على معروف النسب تقبل فيه شهادته
والقاضي إذا سمع بينة ولم يبق إلا الحكم فانعزل بالعمى ففي ذلك الحكم وجهان من حيث إن العزل يبعد أن يتجزأ
الثالثة في المترجم الأعمى وجهان
أحدهما أنه يجوز لأن القاضي يشاهد المترجم كلامه
والثاني لا حسما للباب
الرابعة في انعقاد النكاح بحضور الأعميين وجهان لأنه ليس فيه إثبات لكن المقصود الإثبات
الخامسة إذا تحمل البصير شهادة على شخص فمات ولم يكن معروفا بالنسب فلا بد وأن يحضر ميتا حتى يشهد على عينه بمشاهدة صورته فإن كان قد دفن لم ينبش قبره إلا إذا عظمت الواقعة واشتدت الحاجة ولم يطل العهد بحيث تتغير الصورة
فإن كان يعرفه باسمه واسم أبيه دون جده فليقتصر عليه في الشهادة وإن عرف القاضي بذلك جاز وإن افتقر إلى اسم الجد فليس له أن يسأل عن اسم جده ويذكره وحكي أن القفال ورد عليه كتاب من قاض ليزوج فلانة من خاطبها أحمد بن عبدالله وكان جار القفال فقال أنا إنما أعرفك بأحمد لا بأحمد بن عبدالله فلم يزوج وفي مثل هذه الصورة لو أقامعنده بينة على أنه أحمد بن عبدالله لم تنفع لأنه لم يفوض إليه سماع البينة كيف والصحيح أن البينة إنما تسمع بعد تقدم دعوى وإنكار
السادسة تحمل الشهادة على امرأة منتقبة بتعريف عدلين غير جائز إلا على مذهب من يرى أن التسامع من عدلين كاف في معرفة النسب بل الطريق ما فعله القفال رحمه الله إذ كتب في مثل هذه الشهادة أشهدني فلان وفلان أنها فلانة بنت فلان وأنها أقرت وامتنع عن الأداء فقال وكيف أشهد والشاهدان في السوق يعني أن شهادتي شهادة الفرع لكن طريق تحمل الشهادة أن تكشف عن وجهها حتى ينظر إليها ويحفظ حليتها ثم إنها عند أداء الشهادة تكشف ثانيا فإن عرفها شهد وإلا فيسكت
ويجوز النظر لحاجة التحمل وإن كانت في غاية الجمال وللقاضي عند الشهادة إن رابه أمر أن يحضر معها نسوة في قدها وكسوتها ويمتحن الشاهد فإن لم يميزها عنهن لم تقبل شهادته وقد فعل ذلك بعض القضاة
السابعة إذا وقعت الشهادة على عينها كما ذكرناه بمال فطلب الخصم التسجيل ولم يعرفها القاضي بنسبها لم يكن له ذلك إلا أن يسجل على حليتها وصورتها ولا يكفي قولها إني فلانة بنت فلان إذ لا يسمع مجرد قولها ولا أن يقيم الخصم بينة لأنها إنما تقام بعد تقدم دعوى في النسب ولكن لو نصب قيما حتى يدعي عليها دينا وأنها بنت فلان فتنكر المرأة وتقام البينة جاز ذلك فعله القاضي حسين في مثل هذه الواقعة وفيه إشكال من حيث إنها ربما كانت أقرت عند القاضي بالنسب فكيف تنكره ولا دعوى إلا على منكر ومن حيث إن القاضي عالم بأن هذه الدعوى كذب لكن قال القاضي حسين هذه حيلة جائزة للحاجة كما جاز بيع ثمار خيبر بالدراهم ثم شراء نوع آخر به والمسألة محتملة
القسم الثالث ما لا يحتاج إلى البصر وهو الذي يثبت بالتسامع إذ لا يدركه البصركالإعسار فإنه إنما يدرك بالخبرة الباطنة وقرائن الأحوال في الصبر سرا على الضر والجوع ولا يعلم بيقين لكن إذا حصل ظن قريب من اليقين جازت الشهادة
أما الذي يثبت بالتسامع فالنسب والملك المطلق واختلفوا في الولاء والوقف والنكاح والعتق لأن هذه أمور يدرك بالبصر أسبابها لكن قد يستفيض بين الناس ويدوم التفوه به وتتوفر الطباع على ذكره بخلاف البيع والهبة وأمثاله ففي اعتماد التسامع به وجهان منهم من منع لإمكان المشاهدة ومنهم من ألحق بالنسب لحصول الظن بالإستفاضة وكذا الخلاف في النسب من جانب الأم فإنه يمكن مشاهدة الولادة ولكن يؤثر فيه التسامع أيضا ومنهم من قطع بأن جانب الأم كجانب الأب وفي الموت أيضا طريقان والمشهور أنه كالنسب يثبت بالتسامع ومنهم من ألحقه بالنكاح لأنه يمكن مشاهدته ثم إذا قضى به فالنظر في النسب والملك أما النسب وما يلحق به ففي حد التسامع فيه وجهان أحدهما أنه يسمع من قوم لا تجمعهم رابطة التواطؤ كما في أخبار التواتر والثاني ذكر العراقيون أنه يكفي أن يسمع من عدلين ثم لا يكون شاهدا على شهادتهما وهو بعيد ثم زادوا عليه وقالوا لو رآه يحمل صغيرا وهو يستلحقه أو قال الكبير هذا ابني وهو ساكت شهد على النسب وهذا غلط إلا أن يشهد على الدعوة فلقد يثبت النسب بمجرد الدعوة
أما الملك فلا يحصل فيه تعيين لأنه وإن شاهد الشراء فمن أين يعلم ملك البائع أو شاهد الإصطياد فمن أين يعلم أنه لم يفلت من غيره لكن يعتمد الظن الغالب الذي لوكلف مزيد بحث لتعذر إثبات الأملالك ويحصل ذلك باجتماع ثلاثة أمور اليد والتصرف والستامع أعني تفاوض الناس بإضافة الملك إليه فإن هذا إذا دام مدة بلا منازع غلب على الظن الملك
وهل يكفي مجرد اليد والتصرف دون تفاوض الناس بالإضافة المشهور أن ذلك كاف وقال القاضي لا يكفي لأن المنازع إنما يظهر إذا سمع الإضافة من الناس لكن يقابله أنه لو كان تصرفه بالعدوان لظهر التفاوض بعدوانه في الجيران وأهل المحلة فعدم ذلك دليل على عدم الخصم
وأما مجرد اليد دون التصرف أو التصرف دون اليد فلا يكفي وهل يكتفي بمجرد التسامع دون اليد والتصرف وتصور ذلك في ملك معطل قال العراقيون يكفي ذلك وهو بعيد فكأنهم يظنون أن الملك أيضا يشتهر كما يشتهر الوقف
ثم إنما نعني بالتصرف الهدم والبناء والبيع والفسخ والإجارة والرهن ولو لم نر إلا مجرد الإجارة ولكن مرة بعد أخرى ففيه خلاف والصحيح أنه لا يدل إذ المستأجر مدة طويلة قد يؤاجر مرارا
هذا بيان ما يعتمده الشاهد فتحل له الشهادة أما الخط فقد ذكرنا أنه لا يعتمد للشهادة ويعتمد للحلف ومما يجب ذكره هاهنا أن من شهد على أن فلانا مات ولا وارث له سوى فلان فهذا يسمع وإن كان على النفي كبينة الإعسار ولكن يسمع ممن خبر باطن أحواله وعلم شعب نسبه ويكفي فيه عدلان يقولان لا نعلم له وارثا سواه مع الخبرة الباطنة
فإن لم تكن بينة سلم إلى الحاضر قدر اليقين فقط ولا يقين إلا في فرض من لا يحجب عائلا كربع الثمن عائلا للزوجة وأما الأب فلا يستيقن له مقدار معين فإن لم تكن بينة بحث القاضي ونادى بأني قاسم ميراثه فمن عرف له وارثا فليذكر فإن لم يظهر سلم المال إلى الحاضر وهل يطلب له كفيلا للقدر المشكوك فيه قولان
الفصل الثاني في وجوب التحمل والأداء
أما الأداء فهو واجب على كل متحمل متعين دعي إلى الأداء من مسافة دون مسافة العدوي فهذه ثلاثة قيود
فلو لم يتحمل ولكن وقع بصره على فعل وتعين ففيه وجهان
أحدهما لا يجب لأن المتحمل ملتزم وهذا لم يلتزم
والثاني أنه يجب صيانة للحقوق
ولو لم يتعين فإن امتنعوا بجملتهم عم الحرج جميعهم وإن امتنع واحد ففي جوازه وجهان من حيث إن فتح ذلك الباب ربما يدعو إلى التخاذل
ولو دعي من مسافة دون مسافة القصر وفوق مسافة العدوى فوجهان كالوجهين في لزوم قبول شهادة الفرع في غيبة الأصل إلى هذا الحد
ثم الشاهد لا يستحق الأجرة لأنه التزم هذه الأمانة بخلاف الكاتب نعم يستحق الشاهد أجرة المركوب عند طول الطريق ثم إذا أخذها فله أن لا يركب ويمشي فكأنه أجرة نصبه في المشي
ولو تعين شاهدان فامتنع أحدهما وقال احلف مع الثاني لم يجز بالإتفاق
أما التحمل فيما لا يصح دون الشهادة كالنكاح فالإجابة إلى التحمل فيه من فروض الكفايات ومن امتنع لا يأثم لأنه غير متعين
أما التحمل في الأموال والأقارير هل هو من فروض الكفايات فيه وجهان
أحدهما لا لاستغنائه عنه
والثاني نعم لحاجة الإثبات عند النزاع وكذا الخلاف في كتبه الصك لأنه لا يستغنى عنه في عصمة الحقوق
الباب الرابع في الشاهد واليمين
وكل واقعة يقضى فيها برجل وامرأتين فيقضى بشاهد ويمين إلا عيوب النساء وبابها وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاء بشاهد ويمين قال عمر رضي الله عنه وذلك في الأموال وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يقبل شاهد ويمين
ثم عندنا ينبغي أن تتقدم شهادة الشاهد وتعديله على اليمين إذ اليمين قبل تأيد جانب الحالف باليد أو اللوث ساقط الأثر ويجب على الحالف أن يصدق الشاهد في يمينه فيقول أنا محق وهو صادق ولا خلاف في أنه لو حلف مع امرأتين لم يجز
ثم هذا القضاء بالشاهد أو باليمين أو بهما ويظهر الأثر في الغرم عند الرجوع فيهثلاثة أوجه
أحدها أنه باليمين والشاهد يعضد جانب الحالف كاللوث
والثاني أنه بالشاهد لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قضى بالشاهد واليمين
والثالث أنه بهما جميعا
ثم إن قلنا إنه باليمين أمكن إيجاب غرم أيضا على الشاهد إذ اليمين نفذ بشهادته كما يجب على رأي على المزكي لأن الشهادة نفذت بتعديله وتمام الباب بمسائل أربع
الأولى لو أقام الورثة شاهدا واحدا على دين لمورثهم وحلفوا جميعا استحقوا ولو حلف واحد استحق الحالف نصيبه دون الناكل ولو مات الناكل لم يكن لوارثه أن يحلف إذ بطل حق الحلف بالنكول وإن مات قبل النكول فلوارثه أن يحلف ولكن هل يجب إعادة الشهادة فيه وجهان وكذا لو جاء الوارث بشاهد آخر هل يجب على الأول الإعادة فيه قولان مأخذهما أن هذه دعوى جديدة أو في حكم البناء ولو نكل الوارث وللميت غريم فهل يحلف فيه قولان ذكرناهما في القسامة أما إذا كان فيهم غائب أو مجنون فإذا عاد أو أفاق حلف من غير حاجة إلى إعادة الشهادة بل نفذت تلك الشهادة في الحق المشترك بدعوى واحد من الورثة وإنما تختص الدعوى والحلف دون المشاهدة أما إذا أوصى لشخصين فحلف أحدهما مع شاهد والثاني غائب فإذا عاد فلا بد من إعادة الشهادة إذ ملكه منفصل بخلاف حقوق الورثة فإنه إنما يثبت أولا لشخص واحد وهو الميت
فرع
لو حلف بعضهم مع الشاهد فهل يخرج نصيب الغائب من يد المدعى عليه فيهقولان كما ذكرناه في الحيلولة بشاهد واحد لكن هذا أبعد لأن صاحب الحق لم يدع إلا أن اتحاد الميت كأنه يجعل دعوى الواحد كدعوى الجميع ولذلك لا تستعاد الشهادة أما النصيب الذي أخذه الحالف الوارث فلا يشاركه الغائب فيه نص عليه وقال في كتاب الصلح لو ادعى الوارثان عينا فأقر لأحدهما بنصيبه شاركه الآخر فمنهم من قال قولان بالنقل والتخريج والصحيح أنه فرض ههنا في الدين وذلك إنما يتعين بالتعيين فلا يشاركه فيه وفي الصلح في جزء من العين وهو مشترك بإقراره فكيف ينفرد به أما إذا أقام أحدهما شاهدين فينتزع نصيب الصبي والمجنون وأما نصيب الغائب فينتزع أيضا إن كان عينا وإن كان دينا فوجهان يجريان في كل دين يقر به لغائب أن الوالي هل يستوفيه أو يتركه عليه وهذا في الوراثة أما الوصية فيترك نصيب الغائب وإن كملت بينة الحاضرالمسألة الثانية إذا ادعى ثلاثة أن أباهم وقف عليهم ضيعة وعلى أولادهم على الترتيب وحلفوا مع شاهد واحد استحقوا وفيه وجه أن الوقف كالعتق ولا يثبت بشاهد ويمين إن قلنا إن الملك فيه لله تعالى وهو بعيد غير معتد به ثم البطن الثاني هل يحتاجون إلى الحلف عند موتهم إن قلنا إنهم يأخذون الحق من البطن الأول فيكفيهم يمين البطن الأول وإن قلنا من الواقف فلا بد من التجديد لأنهم لا يستحقون بيمين غيرهم
فلو كان الشرط الصرف إلى المساكين بعد موتهم فعلى هذا لا يمكن تحليف المساكين إذ لا ينحصرون ففيه وجهان
أحدهما أنهم يستحقون بغير يمين للضرورة
والثاني أن الوقف قد تعذر مصرفه وفيه خلاف أنه يبطل أو يصرف إلى أقرب شخص إلى الواقف
ولو مات واحد من الحالفين فنصيبه للباقين الذين حلفوا معه في درجته لأنه وقف ترتيب وفي تجديد يمينهم قولان مرتبان والصحيح أنه لا يحتاج إليه لأنهم قد حلفوا مرة على الجملة
أما إذا نكلوا جميعا فالبطن الثاني لا يستحقون إن لم يحلفوا وإن حلفوا استحقوا هذا إن قلنا إنهم يأخذون من الواقف وإن قلنا يأخذون من البطن الأول فلا أثر لحلفهم إذ قد بطل حق الحلف بنكول البطن الأول
أما إذا حلف واحد ونكل اثنان ثم ماتوا فولد الحالف يستحق إن حلف وإن لم يحلف فقولان وولد الناكل لا يستحق إن لم يحلف وإن حلف فقولان وإن مات الحالف أولا فشرط الوقف أن يكون للآخرين لكن أبطلوا حقوقهم بالنكول وفيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يصرف إلى ولد الحالف وقد التحقا بالموتى لنكولهم وهو بعيد
والثاني أنه يصرف إليهم ويستحقون بيمين الميت
والثالث أنه قد تعذر مصرفه إذن فينتزع من يد المدعى عليه أما نصيب الناكلين فيبقى في يد المدعى عليه
فإن قلنا يصرف إلى الناكلين ففي إيجاب الحلف عليهم قولان مرتبان على ما إذا كانا قدحلفا وههنا أولى بالحلف
المسألة الثالثة لو كان الوقف وقف التشريك وحلف الثلاثة ثم ولد لواحد ولد صار الوقف أرباعا بعد أن كان أثلاثا ويوقف الربع للطفل وكذا غلته فإن بلغ وحلف استحق وإن نكل فالنص أنه يرد على الثلاثة وكأن الناكل معدوم وقال المزني رحمه الله كيف يرد عليهم وهم مقرون بأنهم لا يستحقونه فهو وقف تعذر مصرفه والقياس ما ذكره فنجعله قولا مخرجا فلو قال المدعى عليه ردوه إلي فلا طالب له غيري فلا خلاف أنه لا يرده إليه إذ قد انتزع من يده بحجة فلا يمكن الرد إليه
المسألة الرابعة جارية لها ولد ادعي إنسان على صاحب اليد أنها مستولدته والولد منه وأقام شاهدا واحدا وحلف سلمت له الجارية وثبت ملكه ثم تعتق عليه إذا مات بإقراره وبالإستيلاد لا بالشاهد واليمين أما الولد ففي حريته ونسبه قولان
أحدهما أنه يثبت بطريق التبعية للأم
والثاني وهو القياس واختيار المزني أنه لا يثبت لأنه إنسان مستقل تدعى فيه الحرية والنسب كما يدعى في الأم الإستيلاد واستشهد المزني بما لو أقام هذه الحجة على عبد بأنه كان ملكه وقد أعتقه فإنه لا يسمع لأنه معترف في الحال بحريته مع أنه قد سبق له ملك فكيف يسمع في الولد ولم يجر عليه رق أصلا فمن أصحابنا من طرد القولين ومنهم من فرق بأن الحكم هاهنا وجد منتسبا من ملك حاضر وهو الأم بخلاف مسألة العبد والقياس ما ذكره المزني رحمه الله
الباب الخامس في الشهادة على الشهادة
والنظر في خمسة أطراف
الطرف الأول في مجاريه وهو جار فيما ليس بعقوبة وفي العقوبات ثلاثة أقوال
أحدها أنه لا يجري لأنه بدل فلا يخلو عن شبهة
والثاني أنه يجري لأن كونه بدلا لا يوجب الشبهة
والثالث أنه يجري في حقوق الآدميين كالقصاص وحد القذف دون حدود الله تعالى فإنه يتسارع إليه السقوط بالشبهات وكذا الخلاف في كتاب القاضي إلى القاضي وكذا في التوكيل باستيفاء القصاص لأن الوكيل بدل عن الموكل فإذا منعنا ذلك فلا معنى لدعوى القصاص على غائب
الطرف الثاني في التحمل ولا يجوز أن يشهد على شهادة غيره ما لم يعلم أن عنده شهادة مجزومة ثابتة وذلك بأن يقول له عندي شهادة بكذا وأنا أشهدك على شهادتي وإما بأن يراه بين يدي حاكم وهو يقول أشهد أن لفلان على فلان كذا فله أن يتحمل وإن لم يقل له أشهدك لأن ذلك ليس تفويضا حتى يحتاج إلى إشهاد نعم إذا رآه يخبر عنالشيء لا في معرض الشهادة ولا بلفظ الشهادة فالإنسان قد يتساهل فيه ولو كلف الشهادة امتنع فلذلك لا يتحمل أما إذا قال في غير مجلس القاضي عندي شهادة مثبوتة لا أتمارى فيها ففي جواز التحمل وجهان
أحدهما نعم لانقطاع الإحتمال
والثاني لا إذ قد يكون له فيه غرض وإذا طولب بالإقامة توقف
أما إذا اقتصر على قوله أنا أشهد بكذا لم يعتمد ذلك لظهور اعتماد التساهل ولأنه قد يريه به الوعد ولا يفي به فلو قال لفلان علي ألف فيشهد على إقراره ولا يقدر احتمال إرادة وعد لأن الإنسان لا يتساهل في الإقرار على نفسه ويتساهل في الإخبار عن الغير وقال أبو إسحاق المروزي رحمه الله لا يشهد على إقراره ما لم يضفه إلى إتلاف أو ضمان أو غير ذلك مما يقطع هذا الإحتمال وهو بعيد غير معتد به
ثم الشاهد ينبغي أن يحكي مستند تحمله بأن شاهد الأصل أشهده أو رآه يشهد عند القاضي فإنه ربما لا يعرف كيفية التحمل حتى يبحث عنه القاضي فلو كان فقيها فيكفيه أن يقول أشهد على شهادته وله الإصرار عليه فلو سأله القاضي لم يلزمه التفصيل
الطرف الثالث في الطوارىء على شهود الأصل ولا يضر موتهم وغيبتهم ومرضهم بل هو المراد من شهود الفرع وقد ذكرنا حد الغيبة أما طرآن فسقهم وعداوتهم وردتهم فلا يؤثر طرآنه بعد القضاء بشهادة الفرع ولوطرأ قبل القضاء منع القبول لأن هذه أمور لا تهجم بل يتقدمها مقدمات ولأنه يقبح أن يشهد على شهادة مرتد وفاسق
ولو حضر شهود الأصل فكذبوا الفرع بعد القضاء لم يؤثر وقبل القضاء لو ثبت تكذيبهم في الغيبة ببينة أو رجوعهم امتنع شهادة الفرع ولو بان بعد القضاء أنهم كانوا كذبوا أو رجعوا قبل القضاء نقض الحكم قولا واحدا
أما طرآن العمى والجنون ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا يؤثر كالموت وهو الأصح
والثاني أنه يؤثر إذ بطلت أهليتها والمقبول شهادتهما وإنما استثنى الموت للضرورة
والثالث أن الجنون بخلاف العمى فإن الأعمى أهل وإنما يمتنع عليه التعيين
أما الإغماء فلا يؤثر في الغيبة وفي الحضور ينتظر زواله فلا يسلط شاهد الفرع على الشهادة
ثم إذا قلنا يمتنع بالجنون فلو زال ففي وجوب تجديد التحمل وجهان أقيسهما أنهلا يجب وأشهرهما أنه يجب كما لو أفاق الموكل
الطرف الرابع في العدد
والكمال أن يشهد على كل شاهد شاهدان فإن شهد اثنان على شهادة واحد وهما بأعيانهما شهدا على الآخر فقولان أقيسهما أنه يجوز كما لو شهد اثنان على ألف رجل بالإقرار وهو اختيار أبي حنيفة رحمه الله والمزني
والثاني لا لأن هذه حجة واحدة فلا يقوم شخص بطرفيها كما لو شهد أحد شاهدي الأصل بالفرعية على شهادة آخر
فإن منعنا ذلك فلو شهد أربعة على شهادتهما فوجهان
أصحها الجواز إذ شهد على كل واحد اثنان فتعرضهما للثاني ينبغي أن يجعل كالعدم
والثاني لا لأن من استقل بشق لا تعتبر شهادته في الثاني وليس أحد الشقين بالإسقاط بأولى من الآخر
ولا خلاف أن ما يثبت برجل وامرأتين فالشهادة على شهادتهم تجري مجرى الشهادة على ثلاثة أشخاص
فرع
الزنا إن قلنا يثبت بالشهادة على الشهادة فيجتمع في عدد الفرع أربعةأقوالففي قول يكفي اثنان يشهدان على شهادة الأربعة الأصول وهو بناء على أن الإقرار بالزنا يثبت بشاهدين على قول فكذلك الشهادة
وفي قول لا بد من الأربعة
وفي قول ثمانية
وفي قول ستة عشر ومنشؤه التردد في أصلين
أحدهما عدد شهود الفرع
والآخر عدد شهود الإقرار
الطرف الخامس في العذر المرخص لشهادة الفرع وهو الموت والغيبة والمرض
والغيبة إلى مسافة القصر ترخص ودون مسافة العدوى لا وفيما بينهما وجهان والمرض هو القدر الذي يجوز ترك الجمعة به وهو ما فيه مشقة لا ما يمنع معه الحضور وليس على القاضي أن يحضر دار المريض أو يبعث نائبه إليه فإن ذلك يغض من منصب القضاء وشهادة الفرع قريب ولذلك جازت الرواية من الفرع مع حضور الشيخ والخوف من الغريم كالمرض
فرع
ليس على شهود الفرع الثناء على شهود الأصل وتعديلهم عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله بل لو عدلوا ثبتت العدالة والشهادة جميعا بشهادتهم وإلا بحث القاضي عنهموليس عليهم أيضا أن يشهدوا على صدق شهود الأصل فإنهم لا يعرفون بخلاف الحالف مع الشاهد فإنه يعرف صدقه والله أعلم
الباب السادس في الرجوع عن الشهادة
والنظر في العقوبات والبضع والمال
الأول العقوبات وللرجوع ثلاثة أحوال
الأول أن يكون قبل القضاء فيمنع القضاء فإن كان في زنا وجب حد القذف فإن قالوا غلطنا ففي وجوب الحد قولان مرتبان على ما إذا نقص عدد الشهود وهذا أولى بالإيجاب لأن التحفظ واجب عليهم وهو إلى اختيارهم
فإن حددنا لم تقبل شهادتهم بعد ذلك إلا بعد التوبة والإستبراء وإن لم نجدهم لم تسقط عدالتهم فتقبل شهادتهم
ولو رجعوا في الشهادة وفسقناهم فعادوا بعد التوبة وقالوا كذبنا في الرجوع لم تقبل تلك الشهادة أصلا مؤاخذة لهم بقولهم في الرجوع الأول
ولو لم يصرح الشاهد بالرجوع ولكن قال للقاضي توقف فيتوقف القاضي فإن عادوا إلى الشهادة ففي القبول وجهان لتطرق التهمة بسبب التوقف والإستمهال للتروي فإن قلنا لا يمنع الإستمهال فهل يجب إعادة تلك الشهادة فيه وجهان
الحالة الثانية الرجوع بد القضاء وقب الإستيفاء وفيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا تستوفى لأن الحدود تسقط بالشبهات
والثاني أنه تستوفى كالأموال لأن المحكوم بوجوب قتله كالمقتول
والثالث وهو الأعدل أن حقوق الآدميين لا تسقط كأموالهم وتسقط حقوق الله تعالى
الحالة الثالث الرجوع بعد استيفاء العقوبة وله صور
الأولى أن يقولوا تعمدنا الكذب مع العلم بأن شهادتنا تقبل فيلزمهم القصاص عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله ولا خلاف أن الدية المغلظة تجب في مالهم
ولو رجع معهم ولي القصاص وهو الذي باشر وجب عليه القصاص وهل يجب على الشهود معه في وجهان
أحدهما لا إذ الشاهد بالشهادة صار كالممسك مع المباشر
والثاني يجب لأنهم بالشهادة أهدروا الدم وأبطلوا العصمة
والقاضي إذا رجع شارك الشهود في القصاص والدية المغلظة فإن رجع المزكي ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه كالشهود
والثاني أنه كالممسك
والثالث أنه يصلح فعله لإيجاب الدية دون القصاص
الصورة الثانية إذا قالوا أخطأنا فلا قصاص وقد يعزرهم القاضي والدية في مالهم فإن صدقهم العاقلة ففيه تردد سيأتي ولو قال بعضهم أخطأنا فلا قصاص على المعترف بالعمد لأنه شريك خاطىء ولو قال كل واحد تعمدت وأخطأ شريكي ففي القصاص وجهان
أحدهما لا يجب لأنه إقرار بأنه شريك خاطىء فلا يجب القصاص عليه بدعوىالشريك العمدية
والثاني أنه يجب لأن دعواه خطأ الشريك وهو منكر لا يدرأ عنه قصاص العمد
الصورة الثالثة إذا قالوا تعمدنا ولكن ما عرفنا أنه تقبل شهادتنا فلا يجب القصاص عند الأكثرين إذ لم يظهر قصدهم إلى القتل مع أن نفس الشهادة ليس تقتل بخلاف ما لو ضرب شخصا ضربا يقتل المريض دون الصحيح وجهل كونه مريضا فإن الأظهر أنه يجب القصاص ويحتمل فيه وجه من هذه المسألة
فإن قلنا لا قصاص لجهلهم قال صاحب التقريب لتكن الدية مؤجلة فإنه قريب من شبه العمد
الطرف الثاني فيما لا تدارك له كالعتق والطلاق
وموجبه الغرم وفي مقدار ما يجب على الراجع في البضع قبل المسيس وبعده كلام سبق ونذكر الآن فرعين
الأول لو شهد رجل وامرأتان على العتق مثلا فالغرم الواجب يجب على الرجل النصف وعلى المرأتين النصف ولو كانوا عشر نسوة فليس عليهن إلا النصف إذ نصف البينة قام بالرجل
أما إذا شهد رجل وعشر نسوة على رضاع محرم أوجب التفريق بين الزوجين ثم رجعوابعد التفريق فيقسم الغرم باثني عشر سهما على الرجل سهمان وعلى كل امرأة سهم وننزل امرأتين منزلة رجل لأن هذه الشهادة تنفرد بها النساء فلا يتعين الرجل بشطر هذه الحجة
ولو رجع الرجل وست نسوة فقد أصر أربع نسوة يستقللن بإثبات الرضاع ففي وجوب شيء على الراجعين وجهان
الصحيح أنه لا يجب لأن الحجة بعد قائمة والثاني أنه يجب على الراجعين بقدر حصتهم
أما لو رجع معه سبع نسوة بطلت الحجة فعلى الوجه الضعيف عليهم حصتهم وهي سبعة من اثني عشر وعلى الصحيح إنما بطل ربع الحجة فعليهم ربع الغرم
الفرع الثاني أن شهود الإحصان هل يشاركون شهود الزنا في الغرم عند الرجوع فيه قولان
أحدهما نعم إذ تم الرجم بهم
والثاني لا لأنهم ما شهدوا إلا على خصال كمال
وكذا الخلاف في شهود التعليق والصفة فإن قلنا يجب ففي حصتهم وجهان
أحدهما التسوية
والثاني أنه يجب عليهم الثلث إذ يكفي في الإحصان شاهدان وفي الزنا أربعة ويتفرع من هذا أنه لو شهد على الإحصان شاهدان وعلى الزنا أربعة ورجع أحد شاهديالإحصان ففي قول لا شيء عليه وفي قول يجب السدس وهو قول التثليث وفي قول يجب الربع وهو قول التسوية بين الإحصان والزنا وكذلك يتفرع صور في زيادة الشهود على العدد الواجب وفي رجوع بعض شهود الزنا ولا يخفى تخريجها على الأقوال السابقة على متأمل
الطرف الثالث فيما يقبل التدارك
كما لو شهدا على عين مال ورجعا بعد التسليم فلا يقبل رجوعهما في الإسترداد وفي وجوب الغرم للحيلولة قولان
أحدهما لا يجب لأنه يتوقع إقرار الخصم فكيف يغرم والعين قائم لا كالعتاق والطلاق اللذين لا تدارك لهما
والثاني وهو الأقيس أنه يجب لأن الحيلولة تنجزت وإقرار الخصم بعيد وكذا القولان فيمن أقر بدار لزيد ثم لعمرو وتسلم الدار إلى زيد وهل يغرم القيمة لعمرو للحيلولة فيه قولان
فرع
لو ظهر كون الشاهدين عبدين أو كافرين أو صبيين انتقض القضاء وبان أنه لا طلاق ولا عتاق وكذا إن كانا فاسقين وقلنا ينقض القضاء وإن كان ذلك أمرا لا يتدارك كقتل فيجب الغرم على القاضي بخطئه ومحله ماله أو بيت المال فيه قولان ولا يرجع على الصبيين لأن التقصير من جهته إذ لم يبحث ولا على الفاسقين فإنهما معذوران في كتمان الفسق وهل يرجع على العبدين والكافرين فيه قولان ذكرناتفصيلهما في كتاب ضمان الولاةكتاب الدعوى والبينات
ومجامع الخصومات يحويها خمسة أركان الدعوى والإنكار واليمين والنكول والبينة
الركن الأول الدعوى
ونقدم عليها مقدمة في بيان من يحتاج إلى الدعوى فنقول من له حق عند إنسان فلا يخلو إما أن يكون عينا أو عقوبة أو دينا
أما العين فله أن ينتزعه من يده إن قدر عليه قهرا إذا كان لا يؤدي ذلك إلى تحريك فتنة
وأما العقوبة فلا يستقل باستيفائها أصلا دون القاضي لما فيه من الخطر
وأما الدين فإن كان على معترف مماطل أو منكر يمكن رفعه إلى القاضي فلا يجوز الإنفراد باستيفائه إذ لا يتعين حقه من الدين إلا بتعيين من عليه أو بتعيين القاضي فإنتعذر رفعه إلى القاضي لتعززه أو تواريه أو هربه فإذا ظفر بجنس حقه فله أن يأخذه ويتملكه مستبدا فإن ظفر بغير جنس حقه ففي جواز الأخذ قولان
أحدهما نعم لقوله عليه الصلاة والسلام لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ولم يفرق بين الجنس وغيره
والثاني لا لأنه كيف يتملك وليس من جنس حقه وكيف يبيع ملك غيره بغير
إذنه فإن قلنا يأخذ ففيه ثلاثة أوجه
أحدها وهو القول المشهور أنه يرفع إلى القاضي حتى يبيع بجنس حقه ولم يذكر القفال غير هذا
والثاني أنه ينفرد ببيعه كما ينفرد بالتعيين في جنس حقه فإن هذه رخصة ولو كلف ذلك كلفه القاضي البينة وربما عسر عليه
والثالث أنه يتملك منه بقدر حقه ولا معنى للبيع وهذا بعيد في المذهب وإن كان متجها
فإن قلنا يبيع فإن كان حقه نقدا باع بالنقد وإن كان حنطة أو شعيرا قال القاضي يبيع بالنقد ثم يشتري به الحنطة فإنه كالوكيل المطلق لا يبيع بالعرض وقال غيره وهو الأصح يبيع بجنس حقه ولا معنى للتطويل
هذا كله فيمن له بينة فإن لم يكن وعلم أنه لو رفعه إلى القاضي لجحد وحلف فكلامالقفال في تكليفه بالرجوع إلى القاضي في البيع وإقامة البينة يشعر بأنه لا يأخذ شيئا وإنما له حق التحليف فقط ولا يبعد عندي أن يجوز له الأخذ إذا ظفر به لأن المقصود إيصال الحق إليه إذا تعذر
فروع
الأول لو تلفت العين المأخوذة قيل بيعه فهي من ضمانه وليس له الإنتفاع به قبل البيع وعليه مبادرة البيع فلو قصر فنقصت القيمة كان محسوبا عليه وما ينقص قبل التقصير فليس عليه والزيادة على مقدار حقه في ضمانه لأنه متعد في أخذها إلا إذا كانحقه خمسين ولم يظفر إلا بسيف يساوي مائة ففي دخول الزيادة في ضمانه وجهان
أحدهما نعم كالأصل
والثاني لا يضمن لأنه لم يأخذ بحقه فكان معذورا فيه بل قال القاضي لو احتاج إلى نقب جداره فليس عليه ضمان النقب إذ به يتوصل إلى حقه
الفرع الثاني لو كان حقه صحاحا فظفر بالمكسور جاز له أن يتملكه ويرضى به ولو كان بالعكس فلا يتملكه ولا يبيعه بالمكسر مع التفاضل لأنه ربا بل يبيع بالدنانير ويشتري به قدر حقه ويخرج جواز أخذه على القولين لأنه إذا احتاج إلى البيع فهو كغير جنس حقه ومنهم من قال هو كجنس حقه ولكن لا بد من البيع للضرورة
الفرع الثالث إذا استحق شخصان كل واحد منهما على صاحبه ما لا يحصل فيه التقاص إلا بالتراضي فجحد أحدهما فهل للآخر أن يجحد حقه فعلى وجهين يلتفتان إلى الظفر بغير جنس حقه
هذه هي المقدمة رجعنا إلى الركن الأول وهي الدعوى والأصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمن على من أنكر وفي حده قولان
أحدهما أن المدعي هو الذي يخلى وسكوته
والثاني أنه الذي يدعي أمرا خفيا على خلاف الأصل
ويظهر أثر هذا في الزوجين إذا أسلما قبل المسيس فقال الزوج أسلمنا معا فالنكاحدائم وقالت بل على التعاقب فالقول قولها إن قلنا إن المدعي هو الذي يدعي أمرا خفيا فإن الأغلب التعاقب في الإسلام والتساوق خفي وإن قلنا إنه الذي يخلى وسكوته فهي مدعية فالقول قول الزوج لأنه الذي لا يخلى وسكوته وقد قال مالك رحمه الله لا تسمع الدعوى على من لا معاملة بينه وبين المدعى عليه وهو ضعيف وقال الإصطخري لا تسمع دعوى الخسيس على الشريف في تزويج ابنته ولا تسمع أيضا دعوى فقير على سلطان أو على أمير أنه أقرضه مالا وهو ضعيف أيضا ولا خلاف عندنا أن المودع إذا ادعى رد الوديعة صدق بيمينه وسببه الحاجة فإن المودع اعترف بأنه أمينه فلزمه تصديقه وإذا ثبت أن حكم الدعوى توجه اليمين بها على المدعى عليه فلا بد من دعوى صحيحة وهي الدعوى المعلومة الملزمة ويخرج على الوصفين مسائل
الأولى أنه من يدعي على غيره هبة أو بيعا لم تسمع إذ ربما تكون قبل القبض ويكون البيع مع الخيار بل ينبغي أن يقول ويلزمك التسليم إلي فيحلف المدعى عليه أنه لا يلزمه التسليم وكذلك من قامت عليه البينة بملك فليس له أن يحلف المدعي مع البينة إلا أن ينشىء دعوى صحيحة كدعوى بيع أو إبراء ولو ادعى جرح الشهود فعليه البينة وهل لهتحليف المدعى على نفي العلم بفسقهم فيه وجهان
أحدهما لا إذ ليس يدعي حقا لازما
والثاني أنه يسمع لأنه ينتفع به في حق لازم كما لو قذف ميتا وطلب الوارث الحد فإن له أن يطلب يمين الوارث على نفي العلم بزنا المقذوف وكذا يجري الوجهان فيما لو ادعى على إنسان إقرارا بحق لأن الحق لا يستحق بالإقرار ولكن ثبوته يوجب الحق ظاهرا ففي التلحيف به وجهان وكذلك إذا قال بعد قيام البينة قد أقر لي بهذا وكذلك إذا توجه اليمين على المدعى عليه فقال قد حلفني به مرة وأراد أن يحلفه عليه ففي سماع هذه الدعاوي وجهان مأخذهما أن ما ليس عين الحق ولكن ينفع في الحق فهل تسمع الدعوى به
ولا خلاف أنه لا تسمع الدعوى على الشاهد والقاضي بالكذب ولا يتوجه الحلف وإن كان ينفع ذلك لكن يؤدي فتح بابه إلى فاسد عظيم عام
المسألة الثانية لو قال المدعى عليه وقد قامت عليه البينة أمهلوني فإن لي بينة دافعة حتى أحضرها قال الأصحاب يمهل ثلاثة أيام وقال القاضي بل يوم واحد لأنه يشبه أن يكون متعنتا
ولو قال أبرأني عن الحق فحلفوه سمع فيحلف المدعي أولا ثم يستوفى وقال القاضي بل يستوفى أولا ثم يحلف لأن هذه خصومة جديدة وهو بعيد نعم لو قال لي بينة على بيعه مني أو على الإبراء فيجوز أن يقال هذا يحتاج إلى مهلة فلا يمهل أما التحليف في الحال فيمكن فكيف يؤخر ولو قال أبرأني عن الدعوى فهذا لا يسمع إذ لا معنى للإبراء عن الدعوى إلا الصلح على الإنكار وهو فاسد وقال الإصطخري يسمع
الثالثة في الدعوى المطلقة وفي البيع والنكاح نصوص مختلفة وحاصلها في البيع قولان وفي النكاح ثلاثة أقوال
أحدها أنه لا بد من التفصيل بذكر الولي والشاهد ورضاها ولا خلاف أنه لا يشترط انتفاء الموانع المفسدات من الردة والعدة والرضاع
والثاني أنه يكفي دعوى النكاح ولا خلاف أن من ادعى دينا أو عينا لا يلزمه ذكرالجهة والتفصيل
والثالث أنه إن ادعى النكاح فلا بد من التفصيل وإن قال هي زوجتي فلا يحتاج إليه ولا خلاف أن القصاص لا بد من تفصيل الدعوى فيه لأن أمر العقوبة مخطر
التفريع
إن قلنا يجب التفسير فيذكر في البيع أهلية العاقد ورضاه والثمن وإن قلنا لا يشترط فهل يجب التقييد بالصحة فيه وجهان والأصح أنه يشترط لأنه لفظ جامع ويجب القطع باشتراطه في النكاح وحيث يشترط تفصيل الدعوى فكذلك الشهادة لأنها تصديق الدعوى فتبنى عليها والأظهر أنه لا يتشرط التفصيل في إقرار المرأة بالنكاحالرابعة دعوى الزوجية من المرأة إنما تسمع إذا ذكرت النفقة أو المهر فإن ذكرت مجرد الزوجية ففي سماعها وجهان
أحدهما لا إذ الزوجية حق عليها فكأنها تدعي أنها رقيقة فليست دعوى ملزمة
والثاني أنه تسمع إذ الزوجية تتعلق بها حقوقها إذا ثبتت
فإن قلنا تسمع فهل تبطل بمجرد إنكار الزوج فيه وجهان مأخذهما أن الإنكار هل هو طلاق ويتبين أثره في أنه لو قال غلطت في الإنكار هل تسلم الزوجة إليه فيه خلاف وقال القفال تسلم إليه كما لو ادعت انقضاء العدة قبل الرجعة ثم قالت غلطت إذ لا خلاف أنه تسمع وإنكان لها حظ في النكاح وهو جار في كل من أنكر لنفسه حقا ثم عاد وادعاه
الخامسة إن رأينا عبدا في يد إنسان وادعى أنه حر الأصل فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الرق وكونه في يده وتصرفه لا يوجب تصديقه لأن الحرية تدفع اليد نعم يجوز للمشتري أن يعتمد اليد في الشراء مع سكوت العبد أما مع تصريحه بالإنكار فلا وقال الشيخ أبو محمد لا يجوز مع السكوت بل ينبغي أن نسأله حتى يقر ثم يشتري
وإن ادعى الإعتاق فالقول قول السيد أما الصغير المميز إذا ادعى الحرية هل تسمع دعواه فيه وجهان يلتفت على صحة إسلامه ووصيته وقد قال الشافعي إن الصغير الذي لا يتكلم كالثوب معناه أنه لا يزال في يده إذا قال هو عبدي ويشترى منه بقوله فإن أسقطنا دعوى المميز فبلغ وعاد ففي القبول وجهان
أقيسهما أنه تقبل
والثاني لا إذ حكمنا عند دعواه بالملك بناء على اليد والتصرف وسقوط الدعوى
السادسة الدعوى بالدين المؤجل فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا تسمع إذ ليست ملزمة في الحال
والثاني تسمع إذ تثبت أصل الحق للزوم في الإستقبال
والثالث أنه إن كانت له بينة فتسمع للتسجيل وإلا فلا
أما دعوى الإستيلاد والتدبير وتعليق العتق بصفة فتقبل على الصحيح ومنهم من خرج ذلك على الدين المؤجل
السابعة لو ادعى شيئا ولم يذكر ما هو فالدعوى فاسدة إذ طلب المجهول غير ممكن ولو دفع ثوبا يساوي خمسة إلى دلال ليبيع بعشرة فجحد ولم يدر المالك أنه باع أو أتلف فقال أدعي عليه ثوبا إن باعه فلي عليه عشرة وإن كان باقيا فلي عليه عين الثوب وإن كان تالفا فلي عليه خمسة قال القاضي اصطلح القضاة على قبول هذه الدعوى المرددة للحاجة ومن الأصحاب من قال ينبغي أن يدعي هذا في دعاوي مفردة ثم إذا عينواحدا رآه أقرب فنكل فهل له أن يستدل بنكوله ويحلف كما يستدل بخط أبيه ويستفيد به ظنا فيه وجهان وكذا في المودع إذا نكل عن يمين التلف فهل يحل الحلف استدلالا بنكوله فيه خلاف
الركن الثاني جواب المدعى عليه
وهو إنكار أو سكوت أو إقرار أما السكوت فهو قريب من الإنكار وأما الإقرار فلا يخفى حكمه وقد ذكرنا إقرار المرأة بالنكاح في كتاب النكاح ونذكر الآن مسائل
الأولى لو قال لي من هذا الكلام مخرج فليس بإقرار خلافا لابن أبي ليلى فلعل مخرجه الإنكار ولو قال لفلان علي أكثر مما لك فيحتمل الإستهزاء وليس بإقرار ولو قال الشهود عدول فليس بإقرار إذ العدل قد يغلط
الثانية لو قال لي عليك عشرة فقال لا تلزمني العشرة فيلزمه أن يقول ولا شيء منها ويكلفه القاضي ذلك في الإنكار واليمين لأن مدعي العشرة مدع لجميع أجزائها وقال القاضي لا يكلفه ذلك في الإنكار وإنما يكلفه في اليمين ثم إن اقتصر في اليمين على نفي العشرة وأصر عليه فهو ناكل عما دون العشرة بأقل القليل فللمدعي أن يحلف على ما دون العشرة إذ لم يسند العشرة إلى قبول عقد فإن المرأة إذا ادعت أنه نكحها بخمسين وأقر بالنكاح وأنكر الخمسين ونكل فليس لها الحلف على ما دون الخمسين لأنه يناقض دعوى الخمسين
الثالثة لو قال مزقت ثوبي فلي عليك الأرش فيكفيه أن يقول لا يلزمني الأرش وليس عليه الجواب عن التمزيق فلعله جرى بحيث لا يوجب الأرش ولو أقر به لطولببالبينة وكذلك من ادعي عليه دين وكان قد أداه فيكفيه أن يقول لا يلزمني التسليم وكذا إذا ادعى عينا لأنه ربما كان عنده رهنا أو إجارة فكيفه أن يقول لا يلزمني التسليم
فلو أقام المدعي بينة على الملك قال القاضي يجب التسليم وهذا مشكل من حيث إن له أن يقول صدق الشهود في الملك ولا يلزمني التسليم وهذا يلتفت على أنه لو صرح بأنه في يدي بإجارة فالقول قول صاحب اليد أو قول المالك وفيه خلاف فإن قلنا القول قول المالك فيلزمه أن يقيم بينة على رهن أو إجارة إن كان يدعيه وقال الفوراني طريقه أن يقول في الجواب إن كنت تدعي مطلقا فلا يلزمني التسليم وإن كنت تدعي جهة رهن فاذكره حتى أجيب وكذا يقول إن ادعيت الدين الذي لي به مال مرهون فحتى أجيب وقال القاضي لا يسمع هذا الجواب المردد ولكن له أن ينكر الدين إن أنكر هو الرهن وهذا بناء على مسألة الظفر بغير جنس الحق
الرابعة إن ادعى ملكا في يد رجل فقال المدعى عليه ليس لي ولا لك فله ثلاثة أحوال
الأولى أن يضيف إلى ثالث حاضر فنحضره فإن صدقه انصرفت الدعوى إليه وللمدعي أن يحلف الأول إن قلنا إنه لو أقر له غرم له بحيلولته بالإقرار للثالث وإن قلنا لايغرم وإن أقر فلا معنى لتحليفه
أما إذا أحضرناه فقال ليس هو لي ففيما يفعل بالمال ثلاثة أوجه
أضعفها أنه يسلم إلى المدعي إذ لا طالب له سواه
والثاني أنه يأخذه القاضي ويتوقف إلى ظهور حجة ويحفظه
والثالث هو أن يترك في يد صاحب اليد فإنه أقر للثالث وبطل إقراره برده فصار كأنه لم يقر
ثم المقر له لو رجع بعد ذلك وقال غلطت هل يقبل فيه وجهان وإن رجع المقر وقال بل كانت لي وغلطت ففي رجوعه وجهان مرتبان وأولى بأن لا يقبل لأنه نفى الملك عن نفسه وهذا إذا لم تزل يده فإن أزلناه فلا أثر لرجوعه
الحالة الثانية إذا أضاف الدار إلى غائب قال العراقيون انصرفت الخصومة إلى الغائب فليس له أن يحلفه إلا لأجل الغرم على قولنا يغرم بالحيلولة إن أقر للثاني وقال الشيخ أبو محمد والفوراني بل يحلف لننزع الملك من يده باليمين والمردودة إذ لو فتح هذا الباب صار ذريعة بعد انقطاع سلطنته ويجري هذا الخلاف في كل من نفى عن نفسه شيئاورجع مهما لم يقر به لغيره أو أقر ولكن رد إقراره بالتكذيب
فإن قلنا إنه يقبل رجوعه فللمدعي أن يحلفه فعساه يرجع ويقر له
وإن قلنا لا يصح رجوعه فلا معنى لتحليفه إلى إسقاط الدعوى بالإضافة إلى غائب لا يرجى رجوعه نعم الغائب إذا رجع فالدار مردودة إليه وعلى المدعي استئناف الخصومة معه
فإن كان للمدعي بينة سلمت الدار إليه مع اليمين لأنه قضاء على الغائب عند العراقيين وعند الشيخ أبي محمد هو قضاء على الحاضر فلا يحتاج إلى اليمين
أما إذا كان لصاحب اليد بينة على أنه للغائب ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا تسمع إلا أن يثبت وكالة نفسه
والثاني أن البينة تسمع لا لإثبات الملك للغائب ولكن ليقطع التحليف والخصومة عنه
والثالث اختاره القاضي أنه إذا ادعى لنفسه علقة من وديعة أو عارية سمعت وإلا فلا
ثم إن سمعت البينة لثبوت الوكالة وكان للمدعي بينة قدم بينة الوكيل لأجل اليد وإن سمعنا دون الوكالة فبينة المدعي أولى فإنه لم تسمع إلا لصرف اليمين عنه ولذلك يجب على الغائب إعادة البينة ولا يغنيه ما أقامه صاحب اليد
لكن إذا رجع الغائب جعلناه صاحب اليد حتى إن كانت له بينة قدمت على بينة المدعي ويكتب في سجل المدعي أن الغائب على حجته وعلى يده مهما عاد
فرعان
أحدهما من قال لا تسمع البينة دون الوكالة فلو ادعى لنفسه رهنا أو إجارة ففي سماع البينة وجهان فإن قلنا تسمع ففي التقديم على بينة المدعي وجهان والأظهر أنه لا تقدم لأنه إنما أثبت إجارته ورهنه بعد ثبوت ملك الغائب فإذن لا تؤثر بينته إلا في صرف الحلف عنه
الثاني إذا ثبت ملك الغائب ببينته بعد رجوعه لكن بعد إقرار صاحب اليد للمدعي فليس للمدعي تحليف المقر ليغرمه فإن الحيلولة وقعت بالبينة وكذلك لو أقر للغائب أيضا بعد الإقرار للمدعي لا يغرم للمدعي إذ رجوعه إلى الغائب بالبينة لا بإقراره
الحالة الثالثة أن يقول ليس لي وليس يضيفه إلى معين أو قال هو لرجل لا أسميه فالمذهب أن الخصومة لا تنصرف عنه بهذا الإقرار فيحلف وإن نكل حلف المدعي وأخذ ومنهم من قال يأخذ القاضي عنه ويكون موقوفا إلى أن تظهر حجة ويبقى تحليف المدعي صاحب اليد لأجل التغريم
أما إذا أضاف إلى صبي أو مجنون انصرفت الخصومة إلى وليهما ولكن لا حاجة لتحليف المولى ولا لتحليف الصبي لكن يؤخر إلى بلوغه إلا أن يكون للمدعي بينة فيحكم بها وكذلك لو قال هذا وقف على ولدي أو على الفقراء انصرفت عنه الخصومة ولا يبقى إلا التحليف للتغريم
المسألة الخامسة إذا خرج المبيع مستحقا ببينة رجع المشتري على البائع بالثمن إن لم يصرح في إقراره بالملك للبائع فإن صرح وقال هذا ملكي اشتريته من فلان وكانملكه ففي الرجوع وجهان
أحدهما أنه لا يرجع مؤاخذة له بقوله فإنه زعم أن المدعي هو الظالم
والثاني وهو الأصح أنه يرجع مهما قال إنما قلت ذلك على رسم الخصومة
أما إذا ادعى جارية وأقام بينة وأخذها واستولدها ثم كذب نفسه فعليه المهر للمقر له وتلزمه قيمة الولد لأنه انعقد حرا فلا تزول الحرية برجوعه وكذلك يلزمه قيمة الجارية إذ ثبت لها علقة الإستيلاد فلا تبطل برجوعه
فلو صدقته فالظاهر أن تصديقها لا يسقط علقة الإستيلاد وفيه وجه أنه يرد الجارية لأن الحق لا يعدوهم وقد تصادقوا
السادسة جواب دعوى القصاص على العبد بطلب من العبد لا من السيد وجواب دعوى أرش الجناية بطلب من السيد لا من العبد لأن إقرار العبد لا يقبل نعم إن قلنا يتعلق الأرش بذمته فيحلف فإن نكل وحلف المدعي لم يتعلق بالرقبة لأن اليمين المردودة إن كانت كالبينة فلا تتعدى إلى غير المتداعيين وفيه وجه أنه يتعلق بالرقبة إذا جعلناه كالبينة
الركن الثالث اليمين
والنظر في الحلف والمحلوف عليه والحالف وحكم الحلف وفيه أطراف
الطرف الأول في الحلف وصورته مشهورة والتغليظ يجري فيه في كل ماله خطر مما لا يثبت برجل وامرأتين ويجري في عيوب النساء لأن ثبوتها بقول النسوة للحاجة لا لنقصان الخطر وأما المال فلا يجري التغليظ في قليله ويجري في كثيره وهو ما يساوي نصاب الزكاة إما مائتي درهم أو عشرين دينار وأجروا التغليظ في الوكالة وإن كانت على درهم لأنها سلطنة في نفسها
ولو ادعى عبد على مولاه العتق وقيمته دون النصاب فلا تغليظ على سيده إذ يثبت لنفسه ملكا حقيرا فإن نكل غلظت اليمين المردودة على العبد لأنه يثبت العتق وفيه وجه أنه تغلظ على السيد أيضا لاستواء الجانبين ولأن نفي العتق كإثباته وهو بعيد
وكيفية التغليظ قد ذكرناه في اللعان وهو بالمكان والزمان وزيادة اللفظ كقوله والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب
فإن امتنع الحالف عن المغلظة فهل يجعل ناكلا عن أصل اليمين فيه اضطراب نصوص ويرجع حاصلها إلى أربعة أوجه ذكرناها في اللعان
أحدهنا أن جميعها مستحق
والثاني أن الجميع مستحب
والثالث أنه لا استحقاق إلا في المكان
والرابع إلحاق الزمان بالمكان
ثم قال الشافعي رضي الله عنه رأيت بعض الحكام يستحلف بالمصحف فاستحسنت ذلك
وتغليظ الذمي بحضور كنائسهم وعلى المجوسي بحضور بيت النيران وفيه وجه أنه لا يحضر بيت النيران كما لا يحضر بيت الأصنام إذ لم يثبت حرمتها في الكتاب
التفريع
إن قلنا إن التغليظ مستحق فلو امتنع فهو ناكل ولا يغنيه قوله حلفت بالطلاق أن لا أحلف يمينا مغلظة إذ يقال انكل أو احلف وليقع طلاقك وكذلك يجب على المخدرة حضور المسجد للتحليف تغليظا وإن لم يلزمها الحضور بجواب الدعوى وإن قلنا إنه مستحب فلا يلزمها ذلك
وأما وقت اليمين فهو بعد عرض القاضي فما يبادر إليه قبل عرض القاضي لا يحسب ويعاد عليه
وشرطه أن يطابق الإنكار ويكون الإنكار على مطابقة الدعوى فما لا يكون كذلك لم يحسب
الطرف الثاني في المحلوف عليه
وفيه مسائل
إحداها أنه يحلف على البت في كل ما ينسبه إلى نفسه من نفي وإثبات وما ينسبه إلى غيره من إثبات كبيع وإتلاف فيلزمه البت
وأما النفي كنفي الدين والإتلاف عن المورث الميت فيكفيه الحلف على نفي العلم ولو نفى عن عبده ما يوجب أرش الجناية ففيه وجهان
أحدهما أنه لا يلزمه البت كالمورث والثاني أنه يلزمه لأن عبده كأعضائه وهو مطلع عليه ويلتفت هذا على أنه هل يتعلق بذمة العبد فإن تعلق بذمته فقد صار شخصا مستقلا لا كالبهيمة فإنها إذا أتلفت ما ينسب صاحبها إلى تقصير فالظاهر أنه يلزمه البت
ثم يجوز له أن يبت بظن يستفيده من خط أبيه وخط نفسه ونكول خصمه كما سبق
الثانية أن اليمين على نية المستحلف وعقيدته أما النية فهو أن التورية على خلاف رأي القاضي لا تنفع وكذلك لو قال عقيب اليمين إن شاء الله ولم يسمع القاضي انعقدت اليمين فاجرة مؤثمة لأن هذا باب لو فتح بطلت الأيمان ولو سمع القاضي الإستثناء لم ينعقد اليمين وعليه الإستعادة فإنه لم يحلف بعد
وأما العقيدة فهو أن الحنفي يحلف الشفعوي على نفس شفعة الجوار فلا يحل للشفعوي أن يحلف على أنه لا يلزمه بتأويل مذهب نفسه بل يأثم وتنعقد اليمين كاذبة لأنه قد لزمهفي الظاهر كما ألزمه القاضي وهل يلزمه في الباطن فيه خلاف وذكر صاحب التقريب وجها ثالثا وهو أن القضاء ينفذ في محل الإجتهاد باطنا على العوام فإن كان المحلوف عليه مجتهدا لم ينفذ عليه فكأنه لا يؤثمه إذا حلف بموجب اعتقاد نفسه وهذا بعيد بل الإعتقاد كالإجتهاد وينبغي أن ينظر إلى عقيدة القاضي
الثالثة إذا لم يطب المدعي الحلف ولكن قال لي بينة لكن أريد كفيلا في الحال فلا يلزمه بالإتفاق ولكن قد جرى به رسم القضاه
ولو شهد شخصان ولم يعدلا لزمه الكفيل بالبدن فإن امتنع حبس لأجل الكفالة لا لأجل الحق لأنه ربما يهرب فالحاجة تمس إليه
الطرف الثالث في الحالف
وهو كل مكلف توجه عليه دعوى صحيحة في حق فيحلف في الإيلاء والطلاق والرجعة والظهار والولاء والنسب وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يقضى بالنكول في هذه المسائل فلا تعرض اليمين فيها
ولا يجري التحليف في عقوبات الله تعالى إذ لا مدعي فيها ولا يجوز تحليف الشاهد والقاضي إذ نسبتهم إلى الكذب دعوى فاسدة تجر فسادا عظيما نعم تجوز الدعوى على القاضي المعزول فيحلف عليه
ومن ادعى أنه صبي وهو محتمل لم يحلف بل ينتظر بلوغه وإن قال أنا بالغ صدق ولم يحلف أيضا وكذلك الوصي لا يحلف على نفي الدين عن الموصي لأنه لو أقر لم يقبل قوله وكذا لا يحلف الوكيل الخصم المنكر لوكالته على نفي العلم بالوكالة لأنه وإن علم فلا يجب التسليم إليه لأن الموكل ربما جحد وكالته وله أن يحلف الوكيل على نفي العلم بأنه ما عزله ولا مات
وسبل الوكيل في مجلس الحكم أن يحضر الخصم ويقول أستحق مخاصمتك فإن كان قد وكله موكله في مجلس الحكم لم يفتقر إلى حجة وإن وكله في الغيبة وأراد الوكيل إثباته على الخصم بالحجة جاز وإن أراد إثباته في غير وجه الخصم ففيه وجهان
أحدهما أنه يجوز لأنه يثبت حق نفسه
والثاني لا فإنه حق على الخصم
الطرف الرابع في حكم اليمين
وفائدته عندنا قطع الخصومة في الحال فلا يحصل بها براءة الذمة بل يجوز للمدعي إقامة البينة بعده وسواء كانت البينة حاضرة أو غائبة وقال ابن أبي ليلى لا يجوز للمدعي وقال مالك إن كانت البينة حاضرة لم يجز ونحن نقول لعله تذكر وعرف الآن
فلو قال أولا لا بينة لي حاضرة ولا غائبة فقد ذكرنا فيه وجهين أما إذا قال كذب شهودي بطلت البينة وفي بطلان دعواه وجهان والأصح أنه لا تبطل فلعله أراد أنهم قالوا من غير علم فإن قلنا لا تبطل فلو أنه ادعى عليه الخصم إقراره بكذب الشهود وأقام شاهدا وأراد أن يحلف معه لم يجز إذ ليس مضمونه إثبات مال بل الطعن في الشهود وإن قلنا تسقط الدعوى قبل لأن المقصود إبطال الدعوى بمال
فرع إذا امتنع عن الحلف وقال حلفني مرة على هذه الواقعة فليحلف على أنه ما حلفني ففي لزوم ذلك وجهان لأنه ليس يدعي حقا وقال الفوراني له ذلك
فلو ادعى أنه حلفني مرة على أني ما حلفته فليحلف على أنه ما حلفني قال لا يجاب إليه لأن ذلك يتسلسل إلى غير نهاية وبمثل هذا حسم الباب من حسم ولم يسمع هذه الدعوى من غير بينة
الركن الرابع في النكول
ولا يثبت الحق على المنكل بنكوله خلافا لأبي حنيفة رحمه الله بل حكم النكول رد اليمين على المدعي وبطلان حق الناكل عن اليمين حتى لا يعود ولكن إنما يبطل حقه إذا تم النكول وإنما يتم بصريح قوله لا أحلف وأنا ناكل فبعد ذلك لا يعود ولا حاجة هاهنا إلى قول القاضي قضيت بالنكول أما إذا سكت بعد عرض اليمين فيحتاج إلى القضاء
وحق القاضي أن يعرض اليمين عليه ثلاثا وينبهه أن حكم النكول استيفاء الحق بيمين المدعي فربما لا يعرف ذلك فإذا فعل ذلك وقال قضيت بنكوله لم يمكنه الحلف بعد ذلك وكذلك لو قال المدعي أحلف فهو كالقضاء ولو أقبل على المدعي بوجهه وقبل أن يقول احلف رجع الناكل فهو له اليمين فيه وجهان
ولو لم ينبهه على حكمه وقضى بنكوله فقال الناكل كنت لا أعرف حكم النكول فالظاهر أن الحكم نفذ وفيه احتمال
وحيث منعناه من اليمين فلو رضي المدعي بأن يحلف ففيه وجهان
أحدهما أنه يجوز إذ الحق لا يعدوهما
الثاني المنع إذ بطل حق الحلف بالقضاء فلا يؤثر الرضا
ثم إذا ثبت النكول ورد اليمين على المدعي فله حالتان
إحداهما النكول فإن نكل صريحا وقال لا أحلف كان نكوله كحلف المدعى عليه فلا يمكن من العود إلى اليمين بعد ذلك بل لا تسمع دعواه إلا ببينة فإن استمهل أمهلناه ثلاثا ليراجع الحساب ولا يمهل المدعى عليه لأن المدعي على اختياره في طلب الحق والمدعى عليه لا خيرة له وكذلك إذا أقام شاهدا واحدا واستمهل للحلف معه أمهلناه ولو نكل حكمنا بنكوله ولا يقبل بعد ذلك إلا ببينة كاملة ومن أصحابنا من قال لا يحكم بنكول المدعي بل هو إلى خيرته أبدا مهما عاد وحلف مكن كما أنه على خيرته في إقامة البينة
الحالة الثانية أن يحلف المدعي فيستحق الحق
ثم اليمين المردودة منزلتها منزلة إقرار الخصم أو منزلة البينة فيه خلاف مشهور وقد بنى الأصحاب عليه مسائل على غير وجهه لأنه وإن جعل كالبينة فلا ينبغي أن يجعلكذلك في حق غير الحالف بل الصحيح أنها كالإقرار وقد ذكرنا تلك المسائل في مواضعها
فإن قيل هل يتصور القضاء بالنكول عند الشافعي رضي الله عنه قلنا مهما كان المدعي ممن لا يمكن الرد عليه بأن يكون غير معين كالمساكين أو يكون هو الإمام فيتعين الحكم وذلك في مسائل
الأولى النزاع بين الساعي ورب المال في الزكاة يوجب اليمين على رب المال فإن نكل تعذر الرد على الساعي وعلى المساكين ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يقضي بالنكول للضرورة
والثاني أنه يحبس حتى يقر أو يؤديوالثالث أنه إن ادعى الأداء فهو في صورة مدع فيستوفى وإن أنكر المال فلا يقضى عليه
الثانية ذمي غاب فرجع مسلما وزعم أنه أسلم قبل انقضاء السنة ولا جزية عليه ونكل عن اليمين ففي وجه يقضى عليه وفي وجه يحبس حتى يقر أو يقيم بينة وفي وجه لا شيء عليه إذ هو منكر ولا حجة عليه
الثالثة الصبي المشرك إذا أنبت وادعى أنه استعجل بالمعالجة حلف فإن نكل قتل وليس ذلك حكما بالنكول بل توجه القتل بالكفر مع الإنبات وإنما اليمين دافع ولادافع له وفيه وجه أن القتل بالنكول محال وتحليف من زعم أنه صبي محال بل يحبس حتى يبلغ فإن حلف ترك وإن نكل قتل إذ ذاك وهذا أجدر من تحليف من يزعم أنه صبي وهو ركيك لأنا نتوهم بلوغه وعلامته النكول
الرابعة ادعى واحد من صبيان المرتزقة أنه بالغ قال الأصحاب يثبت اسمه بغير يمين لأنه إن كذب فأي فائدة في يمين الصبي وإن صدق فليثبت وقال صاحب التلخيص إن اتهمه السلطان يحلفه فإن نكل فلا حلق له
الخامسة مات من لا وارث له وادعى القاضي له دينا على إنسان فنكل عن اليمين ففيه وجهان
أحدهما أنه يقضي عليه للضرورة فإنه منتهى الخصومة
والثاني أنه يحبس حتى يحلف أو يقر وفيه وجه ثالث أنه يعرض عنه ولم يذكره أحد إلا الشيخ أو محمد
الركن الخامس البينة
وقد ذكرنا شرطها ووصفها في الشهادات والغرض تعارض البينتين ومهما أمكن الجمع بينهما جمع فإن تناقضا وأمكن الترجيح رجح وإن تساويا من كل وجه فأربعة أقوال إذا كان المدعي في يد ثالث
أحدها التساقط
والثاني الإستعمال بالقرعة
والثالث القسمة بينهما
والرابع الوقف إلى أن يصطلحا
وأما مدارك مثارات الترجيح فثلاثة قوة في الشهادة أو زيادة فيها أو يد تقترن بإحداهما
المدرك الأول قوة الشهادة وله صور
إحداها أن يقيم أحدهما شاهدين والآخر ثلاثة فصاعدا أو كان شهود أحدهما أكمل عدالة فالقول الجديد أنه لا ترجيح بخلاف الرواية لأن نصاب الشهادة قدره الشرع فالزيادة عليه لا تؤثر عليه بخلاف الرواية والقول القديم الترجيح به كما في الرواية وعلى هذا يخرج ما إذا كان في أحد الجانبين شهادة أحل الخلفاء الأربعة
الثانية شاهدان يقدم على شاهد وامرأتين ومنهم من قطع بطرد القولين وهوالأظهر
الثالثة تقديم الشاهدين على شاهد ويمين فيه قولان في الجديد والأصح الترجيح
ثم حيث رجحنا لو اقترن اليد بالحجة الضعيفة فوجهان
أحدهما أنهما يتساويان
والثاني أن اليد توجب ترجيح الضعيف لأنها أقوى
المدرك الثاني اليد ولا يخلو المتنازع فيه إما أن يكون في يدهما أو في أحدهما أو في يد ثالث
الحالة الأولى أن يكون في يد ثالث ففي استعمال البينتين قولان
أحدهما أنهما يتساقطان لتكاذبهما وهو اختيار المزني رحمه الله
والثاني الإستعمال وفي كيفية ثلاثة أقوالأحدها أنه يقسم بينهما وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله لأن كل بينة سبب لكمال الملك وقد ازدحما فيقسط عليهما
والثاني أنه يتوقف إلى الإصطلاح لأن من قسم فقد خالف موجب البينتين جميعا
والثالث أنه يقرع بينهما لأنه يقرع عند الإشكال فعلى هذا هل يجب الحلف على من خرجت القرعة له فيه قولان
ثم اعلم أن قول الإستعمال لا يجري إذا تكاذبا صريحا بحيث لا يمكن الجمع بينهما كما لو شهدت إحداهما على قتل في وقت وشهدت الأخرى على الحياة في ذلك الوقت
بل حيث يتوهم تأويل كما لو شهدا على الملك فإنا نقول لعل كل واحد سمع وصيته له أو شراء أو غيره ومنهم من طرد القولين مع استحالة الجمع وهو بعيد
وكذلك قول القسمة لا يجري حيث تمتنع القسمة كالمرأة التي يدعيها زوجان وكذا قول الوقف لأن الصلح غير ممكن وفي جريان قول القرعة وجهان
فروع
أحدها دار في يد ثالث ادعى واحد كلها وأقام بينة وادعى آخر نصفها وأقام بينة
أما النصف فقد تعارضا فيه ففيه الأقوال الأربعة والنصف الآخر لا معارض له لكن إن قلنا بالتهاتر بطلت بينته في بعض موجبها فهل تبطل في الباقي فيه وجهان
الثاني دار في يد ثالث ادعى واحد نصفها فصدق وادعى آخر النصف الآخرفكذبه صاحب اليد والمدعي الآخر وهما لا يدعيان لأنفسهما ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنها تسلم إليه إذ لا مدعي لها سواه
والثاني أنه مال لا مالك له والثاني يترك في يده فإنه لا حجة لمدعيه
والثالث أنه تنتزع من يده وتحفظ إلى أن نتبين مالكه
الثالث أقر الثالث لأحدهما فهل يوجب إقرار صاحب اليد الترجيح بمنزلة اليد فيه وجهان
أحدهما نعم كاليد
والثاني لا لأن هذه يد مستحقة الإزالة باليقين
الحالة الثانية أن تكون في يد أحدهما
فعندنا تقدم بينة صاحب اليد وهو الداخل على بينة الخارج وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أثر لبينة صاحب اليد ولكنا نقول للداخل في إقامة البينة ستة مقامات
المقام الأول أن لا يكون عليه مدع وأراد إقامة بينة للتسجيل فالمذهب أنه لا تسمع إذ لا حجة إلا على خصم فطريقه أن ينصب لنفسه خصما وفيه وجه أنه تسمع لغرض التسجيل وإثبات الملك فإن اليد لا تثبت الملك
المقام الثاني أن يكون له خصم مدع لا بينة له فأراد الرجل إقامة البينة ليصرف اليمين عن نفسه فالمذهب أنه لا تسمع إذ الأصل في جانبه اليمين بنص الخبر وإنما يعدل إلى البينة حيث لا تكفيه اليمين وخرج ابن سريج قولا أنه تسمع كما في المودع تسمع بينته وإن قدر على اليمين
المقام الثالث أن يقيم المدعي بينة ولكن لم تعدل فهل تسمع بينة الداخل قبل التعديل فيه وجهان
أحدهما نعم كما بعد التعديل إذا قامت أصل الحجة
والثاني لا لأنه لا حاجة إلى أن يخالف منصبه وينهض مدعيا والبينة تقبل من المدعي
المقام الرابع إذا عدلت بينة المدعي ولم يبق إلا القضاء فهذا أوان بينته فتسمع عندنا قطعا لأن كونه صاحب اليد لا يمنعه من دعوى الملك حيث لا تغنيه اليد ولا التفات إلى قول من يقول إن بينته إنما تعتمد ظاهر يده لأن بينة الخارج إنما تعتمد أيضا يدا كانت له لأن اليد والتصرف دليل الملك وكونه مقارنا لا يؤثر ومن أصحابنا من ارتاع من هذا وشرط في بينه الداخل أن تشتمل على إسناد الملك إلى سبب ولم يسمع على الملك المطلق وهو ضعيف
ثم اختلف الأصحاب في أنهما يتهاتران ويسلم الملك للداخل بيمينه أو ترجح باليد فيحكم له بموجب البينة فإن قلنا يرجح فهل يلزمه الحلف مع بينته فيه وجهان كما ذكرناه عند التفريع على قول القرعة
المقام الخامس إذا لم تكن بينته حاضرة حتى أزلنا يده فجاءت بينته فإن ادعى ملكا مطلقا فهو بينة من خارج وإن ادعى ملكا مستندا إلى ما قبل إزالة اليد وزعم أن البينة كانت غائبة فوجهان
أحدهما أنها ترد إليه وترجح باليد ولا حكم للإزالة السابقة
والثاني أنه كالخارج لأن تيك اليد قد اتصل القضاء بزوالها فلا ينقص
المقام السادس إذا أقام بعد القضاء باستحقاق الإزالة ولكن قبل التسليم فوجهان مرتبان وأولى بأن ترجح
فرعان
الأول لو أقام الخارج بينة على الملك المطلق وأقام الداخل بينة على أنه ملكه اشتراه من الخارج تقدم بينة الداخل كما لو أطلق ولا تزال يده قبل إقامة البينة وقال القاضي تزال يده إذا ادعى ذلك إذ يقال اعترفت له بالملك فسلم إليه ثم أثبت ما تدعيه من الشراء وكذلك لو قال أدعي أنه أبرأ عن الدين المدعى به يقال له سلم الدين ثم أثبت الإبراء فقد انتهضت الخصومة الأولى كما إذا ادعى على الوكيل بالخصومة إبراء موكله الغائب وجماهير القضاة على أنه لا يطالب بالتسليم إذا كانت البينة حاضرة بخلاف الموكل الغائب فإن تأخير ذلك يطول وكذا لو قال لي بينة غائبة فيكفيه تسليم العين والدين في الحال
الفرع الثاني من أقر لغيره بملك ثم عاد إلى الدعوى لم تقبل دعواه حتى يدعى تلقي الملك منه أما إذا أخرج من يده بينة فجاء يدعى مطلقا ففيه وجهان
أحدهما أنه لا يقبل إذ البينة في حقه كالإقرار
والثاني أنه يقبل لأن الرجل يؤاخد بإقرار نفسه في الإستقبال ولولاه لم يكن في الأقارير فائدة
أما حكم البينة فلا يلزم بكل حال ولا خلاف أن دعوى ثالث بالملك مطلقا تسمع إذ لم يلزمه حكم البينة المقامة على غيره فهذا ثلاث مراتب فلتفهم
الحالة الثالثة أن تكون الدار في يدهما وادعى كل واحد جميعها
فإن لم تكن بينة فيتحالفان إذ كل واحد مدع في النصف مدعى عليه في النصف فيبدأ القاضي بمن يراه أو بالقرعة فإن حلفا أو نكلا بقي الدار في يدهما كما كان وإنما يحلف كل واحد على النفي بخلاف المتحالفين في البيع إذ كل واحد يحلف على إثبات ما يدعيه ونفي ما يدعى عليه لأنه ليس يميز في البيع المدعي عن المدعى عليه أما ها هنا فالتمييز ظاهر إذ نصف الدار مميز عن النصف الآخر ومنهم من قال في المسألتين قولان بالنقل والتخريج
أما إذا حلف الأول ونكل الثاني ردت اليمين على الأول فيحلف على الإثبات في النصف الآخر لأن هذه يمين المدعي المردودة
فلو أقام الناكل بينة بعد اليمين المردودة ففيه وجهان ينبنيان على أن اليمين المردودة كالإقرار أو البينة فإن قلنا إنها كالإقرار لم تقبل أما إذا نكل الأول فتعرض على الثاني يمين النفي واليمين المردودة وفي تعدد اليمين وجهان
أحدهما أنه يتعدد لتعدد الجهة
والثاني أنه تكفي يمين واحدة جامعة بين النفي والإثبات للإيجاز فيحلف أن جميع الدار له ليس لصاحبه فيها حق فلو قال والله إن النصف الذي يدعيه ليس له فيه حق والنصف الآخر هو لي اكتفي بذلك
أما إذا كان لأحدهما بينة فتسمع ابتداء وإن كان داخلا في النصف ولكن تسمع تابعا للنصف الآخر وإنما ينقدح الرد على رد بينة الداخل وحده إذا أنشأ مع الإستغناء عنه وههنا احتاج لأجل النصف ولكن لو أقام الثاني بينة فقد قيل الآن يجب على الأول إعادة بينته ليقع بعد بينةالخارج ولا يبعد التساهل فيه أيضا
المدرك الثالث اشتمال إحدى البينتين على زيادة تاريخ أو سبب ملك والنظر في أطراف
الأول في التاريخ فإن تساويا في التاريخ فيتعارضان وإن شهدت إحداهما على الملك منذ سنة والأخرى منذ سنتين ففيه قولان
أحدهما أنها يتعارضان إذ المطلوب هو الملك في الحال فلا تأثير للسبق
والثاني ترجح السابقة وهو اختيار المزني ومذهب أبي حنيفة رحمه الله لأن ما سبق ثبوته فالأصل بقاؤه فيصلح للترجيح واستدل المزني بما لو شهدت إحداهما النتاج في يده أو سبب آخر من أسباب الملك فإنه يقضي بتقديمها وقضى الأصحاب بطرد القولين وإن شهدت إحداهما على سبب الملك أيضا
ويجري القولان في بينة الزوجين على الزوجية إذا سبق التاريخ فإن كانت إحدى البنتين مطلقة والأخرى مؤرخة فقولان مرتبان وأولى بأن لا ترجح لأن المطلقة كالعامة
أما إذا كالن السبق في جانب واليد في جانب فإن قلنا السبق لا ترجيح به فاليد مقدمة وإن رجحنا به فهاهنا ثلاثة أوجه
أحدها أن السبق أولى
والثاني اليد أولى
والثالث أنهما يتعارضان
تنبيهات
الأول إذا شهدت البينة على ملك إنسان بالأمس ولم تتعرض له في الحال لم تقبل على الجديد بخلاف ما لو شهد على إقراره بالأمس فإنه يثبت الإقرار والإقرار الثابت مستدام حكمه وعليه عمل الأولين وإلا لبطلت فائدة الأقارير لأن المقر يخبر عن تحقيق فيظهر استصحابه والشاهد يشهد على تخمين في الملك فإذا لم ينضم إليه الجزم في الحال لم يؤثر وكذلك لو شهدت البينة على أنه كان ملكه بالأمس اشتراه من صاحب اليد فتقبل لأنه يدرك يقينا بخلاف ما لو قال اشتراه من غيره لأنه لا يكون حجة على صاحب اليد أما إذا أقر المدعى عليه بملك سابق وقال للمدعي كان ملكك أمس فهل يلزمه التسليم استصحابا فيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه كما لو ثبت إقراره بالأمس
والثاني لا كما لو شهدت البينة على ملكه بالأمس فإنه مردد بينهما ثلاث مراتب وهاهنا قول قديم أن البينة وإن شهدت على الملك بالأمس فتقبل كالإقرار بالأمس ووجه غريب مال إليه القاضي أن الإقرار السابق إذا شهدت عليه البينة لا يسمع ما لم يتعرض الشاهد للملك في الحال والمشهور الفرق كما سبق
التفريع
إذا فرعنا على الجديد فسبيل الشاهد أن يقول كان ملكه بالأمس ولم يزل أو هو الآن ملكه ويكون مستنده فيه الإستصحاب ويجوز ذلك إذا لم يعلم مزيلا فلوصرح بأني مستصحب ملكه فإني لا أعلم مزيلا قال الأصحاب لا تقبل كشهادة الرضاع على صورة الإمتصاص وحركة الحلقوم وقال القاضي تقبل إذ نعلم أنه لا مستند له سواه بخلاف الرضاع إذ يدرك ذلك بقرائن لا تعرب العبارة عنه نعم لو قال الشاهد في معرض مرتاب لا أدري أزال ملكه أو لم يزل لم تسمع لفساد الصيغةأما إذا قال لا أعلم مزيلا كفاه وأكثر الأصحاب على أنه لا بد من الجزم في الحال
ولا خلاف أن البينة لو شهدت بأنه كان في يد المدعي بالأمس قبل وجعل المدعي صاحب اليد
التنبيه الثاني لا توجب الملك لكن تظهره ومن ضرورته التقدم بلحظة على الإقامة فلو كان المدعى دابة فنتاجها الذي نتج قبل الإقامة للمدعى عليه وما نتج بعد الإقامة وقبل التعديل فللمدعي فلو كانت
شجرة ثمرتها بادية فهي للمدعى عليه
وفي الحمل احتمال إذ انفصال الملك فيه ممكن بالوصية وهذا في البينة المطلقة التي لا تتعرض لملك سابق
التنبيه الثالث أن مقتضى ما ذكرناه أن لا يرجع المشتري بالثمن إذا أخذ منه المبيع ببينة مطلقة لأنه ليس يقتضي الزوال إلا من الوقت قال القاضي يحتمل أن يقال لا يرجع إذا كانت الدعوى والبينة مستندة إلى ملك سابق وإطلاق الأصحاب يحمل علىأنهم أرادوا ذلك فإنه غير نادر لكنه قال في كلام الأصحاب ما يدل على خلاف ما قلته إذ قالوا لو أخذ من المشتري أو المتهب من المشتري فللمشتري الأول الرجوع على البائع منه ولعل سببه أن البينة إذا كانت مطلقة لا تشهد على إزالة الملك فيحمل على الصدق المطلق فالحاجة تمس إلى ذلك في عهدة العقود
أما إذا ادعى عليه أنك أزلت الملك فأنكر وقامت البينة على إزالته فلا رجوع له وأما مجرد دعوى المدعي للإحالة عليه فلا تمنع الرجوع إذا لم تشهد البينة عليه
التنبيه الرابع لو ادعى أرضا وزرعا فيها وأقام بينة عليها وأنه زرعها وأقام صاحب اليد بينة أما الأرض فلصاحب اليد وأما الزرع فيبنى على أن السبق واليد إذا اجتمعا أيهما يقدم
الخامس إذا ادعى ملكا مطلقا فذكر الشاهد الملك وسببه لم يضر لكن إن طلب الخصم تقديم حجته لاشتمالها على ذكر السبب فلا يجاب إليه إلا بأن تعاد البينة بعد دعواه فإن الذكر قبل الدعوى لاغ ولا تجرح البينة بخلاف ما لو ادعى ألفا فشهدت البينت على ألفين رد في الزيادة لأنها زيادة مستقلة وهل ترد في الباقي كيلا تتبعض البينة فيه وجهان
فإن قلنا ترد فهل يصير الشاهد مجروحا به فيه وجهان يجري في كل شهادة تؤدي قبل الدعوى
ولو ذكر المدعي سببا وذكر الشاهد سببا آخر فالصحيح أنه لا يقبل للتناقض وقيل تقبل على الملك ويلغى السبب
الطرف الثاني التنازع في العقود
وفيه مسائل
الأولى إذا قال صاحب الدار أكريت بيتا من الدار بعشرة وقال المكتري بل اكتريت الكل بعشرة وأقام كل واحد بينة قال ابن سريج بينة المكتري أولى لاشتماله على ذكر زيادة حتى لو قال المكري اكتريت جميع الدار بعشرين وقال المكتري بل بعشرة فبينة المكري أولى لأن فيه زيادة وهو ضعيف بل الصحيح التعارض لأن هذه زيادة في مقدار المشهود به وليس فيه زيادة إيضاح بخلاف استناد الملك إلى سبب أو تاريخ سابق فإن فرعنا على التعارض ورأينا التهاتر فيتحالفان وكأنه لا بينة ولا تجعل الزيادة مرعية وبه يتبين ضعف رأي ابن سريج وإن قلنا بالوقف فلا وجه له إذ المنافع تفوت وإن قلنا بالقسمة فكذلك فإن الزيادة يدعيها واحد وينفيها الآخر وإنما يمكن القسمة إذا ادعى كل واحد لنفسه وأما القرعة فممكن ولكن استعمالها ضعيف لأنها لا تستعمل إلا في إفراز الحقوق المشتركة لينقطع النزاع أو في العتق للخبر
ومن رأى القسمة أو الوقف وتعذر عليه اختلفوا منهم من رجع إلى قول التهاتر لعسرالإستعمال ومنهم من رجع إلى الطريق الممكن في الإستعمال وهو القرعة فيرى الإستعمال بأحد الطرق أولى من التهاتر
الثانية إذا ادعى رجلان دارا في يد ثالث يزعم كل واحد أن الثالث قد باعه وقبض منه مائة في ثمنها فتجري الأقوال الأربعة في بينتيهما لكن لا بد من البينة لأمور
أحدها أنا على قول القرعة نسلم الدار إلى من خرجت قرعته ونسلم الثمن إلى الثاني لأن القرعة مؤثرة في محل التناقض وهو رقبة الدار أما اجتماع الثمنين عليه فممكن لا تضاد فيه
وعلى قول الوقف تخرج الدار والثمن من يده ويتوقف فيهما
وعلى قول القسمة يأخذ كل واحد نصف الدار ونصف الثمن ثم لكل واحد أن يمتنععن النصف لتبعض المبيع عليه فيرجع إلى جميع الثمن فإن فسخ
أحدهما فللآخر أن يطلب جميع الدار إذ يقول كانت القسمة لأجل المزاحم وقد اندفع وفيه وجه أنه يقتصر على النصف
الثاني أن الشيخ أبا محمد قال لا أجري قول القرعة إذا كانتا مطلقتين غير مؤرختين حتى يؤرخا بتاريخ واحد يظهر تناقضه إذ هي لتمييز الكاذب وصدقهما ممكن بتعاقب عقدين بعد تخلل ملك وهذا ضعيف بل هي لتقديم أحد المتساويين
الثالث أن الربعي خرج قولا خامسا وهو أن تستعمل البينتان لفسخ العقدين إذ تعذر عقد كل واحد بسبب بينة الآخر
الرابع أن الأقوال تجري إذا كانتا مطلقتين أو مؤرختين بتاريخ واحد أما إذا سبق تاريخ إحداهما فهي مقدمة لأن البيع إذا ثبت سبقه منع صحة ما بعده
المسألة الثالثة عكس الثانية وهو أن يدعي كل واحد منهما بيع الدار من الثالث بألف ومقصودهما طلب الألف وترك الدار في يده فالصحيح أن الأقوال لا تجري لأن الذمة متسعة لإثبات الثمنين فيلزمه توفيتهما بخلاف ما إذا كان المطلوب منه رقبة الدار لأنها واحدة تضيق ومن الأصحاب من أجرى الأقوال لأنهما ربطا الثمنين بعين واحدة ولا يصح ذلك إلا إذا عينا وقتا واحدا يستحيل تقدير الجمع وإلا فلزوم الثمنين في عقدين بينهما ببدل ملك ممكن إلا أن تعيين وقت واحد لا يتسع لكلمتين أيضا لا يدركه الحس إلا إذا اكتفينا بجواز شهادة النفي مهما استند إلى وقت معين فإن السكوت عن البيع يشاهد فنعلم أنه نفى البيع وفي مثل تلك الشهادة خلاف
المسألة الرابعة ادعى عبد أن مولاه أعتقه وادعى آخر أن مولاه باعه منه وأقام كل واحد بينة فإن كان فيهما تاريخ قدم السابق لأنه يمنع صحة ما بعده وإن لم يكن جرى الأقوال كلها
وعلى قول القسمة يعتق نصف العبد ويحكم بالملك في النصف والصحيح أنه لا يسري إليه العتق لأنه محكوم به قهرا وذكر العراقيون قولين وزعموا أنه يسري إليه العتق في قول لأنه حكم عليه باختياره العتق واعترض المزني وقال ينبغي أن تقدم بينة العتق لأن العبد كصاحب اليد في حق رقبته وهو ضعيف لأنه في يد سيده ما لم يثبت عتقه فهو يدعي اليد ولم تثبت بعد
الطرف الثالث في النزاع في الموت والقتل
وفيه مسائل ثلاثة
الأولى رجل معروف بالتنصر مات وله ابن مسلم يدعي أنه مات مسلما والإبن النصراني يدعي أنه لم يسلم فالقول قول النصراني لأن الأصل عدم الإسلام
ولو أقام كل واحد بينة قدمت بينة المسلم لاشتمالها على زيادة ناقلة عن الإستصحاب وكذلك إذا ادعى الإبن الإرث في دار فأقامت زوجة أبيه بينة أنه أصدقها الدار أو اشترتها من أبيه قدمت بينتها
أما إذا شهدت بينة النصراني أنه نطق بتنصر ومات عقيبه فقد تعارضا فتجري الأقوال الأربعة وقال أبو إسحق المروزي لا يجري قول القسمة إذ لا يشترك في الميراث مسلم وكافر وهذا ضعيف إذ كل بينة تقتضي كمال الملك لصاحبها فاندفع في النصف بالأخرى إذ ليس أحدهما بأولى فيكفي إمكان الشركة في جنس الملك
أما إذا كان الميت مجهول الدين فقال كل واحد منهما لم يزل على ديني حتى مات فليس أحدهما أولى بأن يجعل القول قوله فتجعل التركة كمال في يد اثنين تنازعاه وقال القاضي إن كان في يد أحدهما كان القول قوله وهذه زلة لأنه معترف بأن يده من جهة الميراث فلا أثر ليده مع ذلك
فإن أقام كل واحد بينة جرت الأقوال الأربعة وقيل بينة الإسلام تقدم لأنه الظاهر فيدار الإسلام وهذا بعيد إذ لو كان كذلك لجعل القول قوله نعم نص الشافعي رضي الله عنه أن هذا الشخص يغسل ويصلى عليه إذا أشكل أمره والصلاة على نصراني أهون من ترك الصلاة على مسلم
المسألة الثانية مات نصراني وله ابن مسلم يدعي أنه أسلم بعد موته فيرث وابنه النصراني يدعي أنه أسلم قبل موته فلا يرث فللمسألة حالتان
إحداهما أن يتفقا على أنه أسلم في رمضان ولكن ادعى أن الأب مات في شعبان وقال الأخ النصراني بل مات في شوال فالقول قول النصراني لأن الأصل بقاء الحياة فإن أقام كل واحد بينة قال الأصحاب تقدم بينة المسلم لاشتمالها على زيادة علم بالموت في شعبان أما كونه ميتا في شوال فمشترك قال الإمام هذا ضعيف لأن من يشهد على الموت في شوال يشهد على موته عن حياة وإذا ثبت الحياة حصل التعارض فتجري الأقوال
الحالة الثانية اتفقا على أنه مات في رمضان ولكن قال المسلم أسلمت في شوال وقال النصراني بل أسلمت في شعبان فالقول قول المسلم إذ الأصل بقاء الكفر وإن كان لهما بينة فتقدم بينة النصراني لأن الناقلة أولى من المستصحبه
فرع
زوجة مسلمة وأخ مسلم وابنان كافران تنازعوا في إسلام الميت وتعارضت بينتان فإن رأينا القسمة فالنصف للإثنين فإنهما فريق والنصف للزوجة والأخ ثم الزوجة تأخذ الربع من هذا النصف لأن الإبن محجوب بقولهما فلا نردها إلى اليمينولو خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين وتنازعوا في دين الميت فوجهان
أحدهما أن القول قول الأبوين لأن الظاهر أن الولد يكون على دين الأبوين
والثاني أن القول قول الإبنين لأن الإسلام ينبغي أن يغلب بالدار
المسألة الثالثة قال لعبده إن قتلت فأنت حر فشهد اثنان أنه قتل وشهد آخران أنه مات حتف أنفه فقولان
أحدهما التعارض
والثاني تقديم بينة القتل لاشتمالها على زيادة إذ كل قتيل ميت وليس كل ميت قتيلا ولو قال لسالم إن مت في رمضان فأنت حر وقال لغانم إن مت في شوال فأنت حر وأقام كل واحد بينة فقولان
أحدهما التعارض
والثاني تقديم بينة رمضان لزيادة علمها بتقديم الموت وقال ابن سريج بينة شوال أولى لأنه ربما يغمى عليه في رمضان فيظن موته
فرع إذا تنازع الزوجان في متاع البيت فهو في يدهما ولا يختص السلاح بالرجل ولا آلة الغزل بالمرأة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
الطرف الرابع في النزاع في الوصية والعتق
وفيه مسائل
الأولى إذا قامت بينة على أنه أعتق في مرضه عبدا وهو ثلث ماله وقامت بينة أخرى لعبد آخر فالقياس أن يجعل كأنه أعتقهما معا فيقرع بينهما لكن نص الشافعي رضي الله عنه على أنه يعتق من كل واحد نصفه فيجب تنزيله على موضع لا تجري فيه القرعة وذلك بأن يتقدم عتق أحدهما فإنه لا قرعة ولو تقدم عتق أحدهما ولكن أشكل السابق فهو كالإعتاق معا أو كالتعاقب فيه قولان فإن قلنا لا يقرع فيحمل تعارض البينتين على هذه الصورة ونقول الغالب أنه أعتقهما ترتيبا وأشكل الأمر فلا قرعة فيقسم عليهما
الثانية المسألة بحالها لكن أحد البعدين سدس المال فحيث يقرع لو خرج على الخسيس يعتق بكماله ويعتق من النفيس نصفه لتكملة الثلث ولو خرج على النفيس اقتصر عليه فإنه كمال الثلث وحيث نرى القسمة على قول ففي كفيته وجهان
أحدهما أنه يعتق من كل واحد ثلثاه لأن النفيس يضارب بضعف ما يضارب به الخسيس كما لو أوصى لزيد بكل ماله ولعمرو بثلث ماله وأجاز الورثة الوصايا إذ يقسم المال بينهما أرباعا فإن زيدا يضارب بثلاثة أمثال ما يضارب به عمرو
والوجه الثاني وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه يعتق من النفيس ثلاثة أرباع ومن الخسيس نصفه لأن النفيس يقول إن أعتقت أولا فجميعي حر وإن تأخرت فنصفي حر فنصف مسلم لا خلاف فيه إنما النزاع في النصف الآخر وهو قدر سدس بيني وبينك فيقسم عليهما وهذا أيضا ينبغي أن يطرد في مسألة الوصية فيقول زيد أما الثلثان فهو مسلم لي وإنما التزاحم في الثلث فيقسم علينا فيحصل زيد على خمسة أسداس وعمرو على سدس وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله
الثالثة شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق عبده غانم وهو ثلث المال وشهد وارثان بأنه رجع عنه وأوصى بسالم وهو أيضا ثلث ثبت بقول الوارثين عتق سالم والرجوع عن غانم إذ لا تهمة عليهما في تبديل محل العتق ولا نظر إلى تبدل الولاء فلا يتهم العدل بمثله أما إذا كان سالم سدس المال فهو متهم بتنقيص السدس فترد في قدر السدس والشهادة إذا ردت في بعض فهل ترد في الباقي قولان فإن قلنا إنها ترد فيعتق العبدان جميعا الأول بالشهادة إذ ردت شهادة الرجوع والثاني يعتق بإقرار الوارث وقد نص الشافعي رضي الله عنه على عتقهما
وإن قلنا لا ترد في الباقي فقد شهد على الرجوع عن جميع غانم وهو متهم في النصف إذ لم يثبت له بدلا ولا يتهم في النصف في نصف غانم ويعتق نصفه مع جميع سالم لأن نصف غانم سدس وجملة سالم سدس والثلث يفي بهما فكأنه أوصى بعتق نصف غانم وجميع سالم ويحتمل أن يقال الرجوع لا يتجزأ فتبطل الشهادة على الرجوع عن عتق غانم وتبقى الشهادة بالعتق لغانم وشهادة الورثة كشهادة الأجانب فكأنه ثبت عتقهما جميعا فيقرع بينهما فإن خرج على غانم عتق فقط وإن خرج على سالم عتق وعتق معه من غانم نصفه ليكمل الثلث
الرابعة شهدت بينة أنه أوصى لزيد بالثلث وشهدت أخرى لعمرو بالثلث وشهدت أخرى بالرجوع عن إحدى الوصيتين لا بعينها قال الشافعي رضي الله عنه يقسم الثلث بينهما قال الأصحاب سببه رد شهادة الرجوع لأنها مجملة وقال القفال تقبل شهادة الرجوع لأن المشهود عليه والمشهود له معين
وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كان شهد كل بينة بالسدس فإن رددنا شهادة الرجوع المجملة أعطينا كل واحد سدسا كاملا وإن قبلنا الشهادة وزعنا سدسا واحدا عليهما
وقد تم الكلام في الدعاوى فلنذكر دعوى النسب
كتاب دعوى النسب وإلحاق القائف
والنظر في أركان الإلحاق وهي ثلاثة المستلحق والملحق والإلحاق
الركن الأول المستلحق
ويصح استلحاق كل حر ذكر يمكن ثبوت النسب منه بنكاح أو وطء محترم فهذه ثلاثة قيود
الأول الحرية وفي استلحاق العبد والمعتق ثلاثة أوجه
أحدها أنه يصح فلا فرق بين الحر والعبد حتى لو تداعيا جميعا عرض على القائف وقال أبو حنيفة رحمه الله يقدم الحر على العبد والمسلم على الكافر وعندنا لا فرق
والثاني لا يلحقهما نسب إلا في نكاح أو وطء بشبهة لأنهما بصدد الولاء فليس لهما قطع الولاء بمجرد الدعوى
والثالث أن العبد لا ولاء عليه فيلحقه من يستلحقه أما المعتق فالولاء عليه حاصل فلا تصح دعواه وهذا الخلاف جار لو كان المستلحق عبدا أو معتقا لأجل الولاء
القيد الثاني الذكورة وفي استلحاق المرأة ثلاثة أوجه
أحدها الصحة كالرجل
والثاني لا لأن الولادة يمكن إثباتها بالشهادة بخلاف جانب الأب
والثالث أنها إن كانت خلية من الزوج لحقها وإن كانت ذات زوج فلا إذ لا يمكن الإلحاق بها دون الزوج ولا يمكن الإلحاق بالزوج مع إنكاره
القيد الثالث الإمكان وذلك بحقيقة الوطء أو بعقد النكاح مع مع إمكان الوطء وقد ذكرناه وإنما يمكن النسب من شخصين بأن يجتمعا على وطئها في طهر واحد إما بالشبهة أو بملك اليمين فإن وطىء الثاني بعد تخلل حيضة فالولد للثاني إلا أن يكون الأول زوجا فلا ينقطع الإمكان فيه بالحيض لأنه لا يعتبر في حقه وجود الوطء بل يكفي فراش النكاح مع إمكان الوطء وهذا موجود في الطهر الثاني وأما ملك اليمين فلا يثبت فراشا والنكاح الفاسد يلحق بالنكاح الصحيح أو بملك اليمين فيه وجهان ولا خلاف أن فراش النكاح الصحيح ينقطع بفراش آخر ناسخ له حتى يلحق الولد بالثاني وإن أمكن من حيث الزمان أن يكون منهما
الركن الثاني الملحق
وهو كل مدلجي مجرب أهل للشهادة فهذه ثلاثة قيود
الأول المدلجي والصحيح الإختصاص بهم إذ رجعت إليهم الصحابة مع كثرة الأكياس فيهم ومنهم من قال هذه صنعة تتعلم فمن تعلم جاز اعتماد قوله
وأما المجرب فنعنى به أن من كان مدلجيا أو ادعى علم القافة لم يقبل قوله حتى يجرب ثلاثا بأن يرى صبيا بين نسوة ليس فيهن أمه فإن لم يلحق أحضرت نسوة أخرى ليس فيهن أمه فإن ألحق علمنا أنه بصير فنعرض عليه وإنما يرى النسوة لأن ولادتهن نعلمها تحقيقا فلا يتعين عدد في التجربة بل المقصود ظهور بصيرته
وأما كونه أهلا للشهادة فلا بد منه وفيه وجه بعيد أنه لا تشترط الذكورة والحرية وكأنه إخبار والصحيح أنه لا يشترط العدد وكأن القائف حاكم
الركن الثالث في الإلحاق ومحل العرض على القائف
إنما يعرض على القائف صغير تداعاه شخصان كل واحد لو انفرد بالدعوة للحقه ولا ترجيح لأحدهما على الآخر وخرج على هذه القيود مسائل أربع
الأولى أن إثبات النسب من أبوين غير ممكن عند الشافعي رضي الله عنه فلذلك لزم العرض على القائف ومستند الشافعي رضي الله عنه حديث مجزز المدلجي وهو معروف وأبو حنيفة رحمه الله يقول يلحق بهما جميعا ولا نظر إلى قول القائف
ثم عندنا يعتمد قول القائف في مولود صغير أو بالغ ساكت أما البالغ المجهول إذا استلحقه واحد فوافقه فلا يقبل قول القائف على خلافه لأن الحق لا يعدوها ولو أنكره البالغ وألحقه القائف لم يصر قوله حجة عليه
الثانية صبي في يد إنسان وهو مستلحقه فاستلحقه غيره لم يعرض على القائف بعد تقدم صاحب اليد ويده كفراش النكاح والمولود على فراش النكاح إذا ادعاه من يدعي وطء شبهة لم يلحقه وإن وافقه الزوجان على الوطء بالشبهة لأن حق الولد يرعى فيه بل إن أقام بينة على الوطء بالشبهة عرض على القائف
الثالثة صبي استحلقه رجل ذو زوجة وهي تنكر ولادته أو استلحقته امرأة ذات زوج والزوج ينكر ولادتها فليلحق بالرجل المستلحق وفي المرأتين ثلاثة أوجه
أحدهما أنه يلحق زوجة المستلحق وإن أنكرت
والثاني أنه يلحق بالمدعية ويقدر أنها ولدت من المدعي بوطء شبهة
والثالث أنه يعرض في حقهما على القائف
الرابعة إن لم نجد القائف أو وجدناه وتحي رفإذا بلغ أمرناه بالإنتساب فإن لم ينتسب حبسانه حتى ينتسب فإذا انتسب إلى أحدهما لحقه وكان اختياره كإلحاق القائف ولم يقبل رجوعه كما لا يقبل رجوع القائف ودعواه الغلط
والصحيح أن المميز لا يخير بخلاف الحضانة فإن أمر النسب مخطر
فروع أربعة
الأول وطىء رجلان في طهر واحد وحبلت وادعى أحدهما وسكت الآخر
فقولان
أحدهما يعرف على القائف
والثاني أنه يلحق بالمدعي
الثاني لو ألقت سقطا يعرض على القائف ولو انفصل حيا ومات يعرض ما لم يتغير
الثالث نفقة الولد قبل إلحاق القائف عليهما ثم إذا ألحق بأحدهما رجع على الآخر بما أنفق ولو أوصي له قبله كل واحد منهما حتى يحصل الملك له
الرابع من استلحق صبيا مجهولا فبلغ وانتفى عنه ففيه قولان كالقولين فيمن حكم بإسلامه تبعا فبلغ وأعرب عن نفسه بالكفر
كتاب العتق
ولا يخفى أن العتق قربة ويشهد لنفوذه الكتاب والسنة والإجماع والنظر في أركانه وخواصه وفروعه
أما أركانه فثلاثة
الأول المعتق وهو كل مكلف لا حجر عليه بفلس وسفه
الثاني المعتق وهو كل إنسان مملوك لم يتعلق بعينه وثيقة وحق لازم فإن ف إعتاق المرهون خلافا وإعتاق الطير والبهيمة لاغ على الأصح
الثالث الصيغة وصريحه التحرير والإعتاق وفك الرقبة ورد في القرآن مرة ففي كونه صريحا وجهان كالمفاداة في الخلع
وأما الكناية فكل ما يحتمل كقوله أنت طالق ولا سلطان لي عليك وحبلك على غاربك ونظائره
فروع أربعة
الأول لو قال لعبده يا مولاي ونوى عتق ولو قال يا سيدي ويا كذبانو للأمةونوى لم ينفذ لأنه ينبىء عن التردد وتدبير المنزل دون العتق ويحتمل أن يقال ينفذ
الثاني أن يقول يا حرة فتعتق إلا أن يكون اسمها حرة وكذلك إذا كان اسم الغلام آزاذروي وإن كان اسمها قبل الرق حرة فبدل اسمها فقال السيد يا حرة ثم قال قصدت نداءها باسمها القديم لم يقبل في الظاهر لأن هذا الإسم الآن لا يليق بها فظاهر اللفظ صريح ولو كان اسمها القديم فاطمة فغير باسم من أسماء الإمام فناداها وقال يا فاطمة ونوى العتق لم ينفذ لأن اللفظ لا يشعر به
الثالث لو قال يا آزاذمرد ثم قال أردت وصفه بالجود لم يقبل في الظاهر لأن اللفظ صريح إلا أن يكون معه قرينه كما لو قال لزوجته أنت طالق وهو يحل الوثاق عنها وفي قبول نيته في حل الوثاق خلاف
الرابع إذا قال لعبد الغير أعتقتك فإن كان في معرض الإنشاء لغا وإن كان في معرض الإقرار كان مؤاخذا به إن ملكه يوما من الدهر
واعلم أن العتاق والطلاق يتقاربان وقد فصلنا حكم الألفاظ والتعليقات في الطلاق فلا نعيده بل نقتصر على ذكر خواص العتق
النظر الثاني في خواص العتق
وهي خمسة
السراية والحصول بالقرابة والإمتناع من المريض فيما جاوز الثلث والقرعة والولاء
الخاصية الأولى السراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في عبد وله مال قوم عليه الباقي ففهم من هذا أن الشرع متشوف إلى تكميل العتق فلذلك نقول لو أعتق نصف عبد عتق الجميع بل لو أعتق يده أو عضوا آخر عتق الجميع وذلك بطريق السراية أو بطريق التعبير بالبعض عن الكل فيه خلاف ذكرناه في الطلاق وتظهر فائدته في الإضافة إلى العضو المقطوع ولا تثبت السراية من شخص إلى شخص فإن أعتق الجنين لم تعتق الأمخلافا للأستاذ أبي إسحاق رحمه الله ولو أعتق الأم عتق الجنين تبعا كما يتبع في البيع ولو كان الحمل مملوكا للغير فلا يسري وقال أبو حنيفة رحمه الله يسري
أما العتق فإنما يسري إلى ملك الشريك بشروط أربعة
أحدها أن يكون المعتق موسرا ونعني به أن يكون له من المال قدر قيمة نصيب الشريك ويعتبر فيه كل ما يباع في الدين فلا يترك له إلا دست ثوب يليق به ويباع فيه داره وعبده الذي يحتاج إلى خدمته وإن كان لا يباع في الكفارة لأن هذا دين والمريض ليس موسرا إلا بمقدار الثلث ولو أوصى بعتق بعض عبد عند موته لم يسر لأن الميت معسر وقد انتقل ماله إلى الوارث إلا أن يستثني بالوصية فلو قال أعتقوا نصفه عتقا ساريا أعتقنا النصف ولم يسر لأنه أوصى بمحال إلا أن يوصي بشراء النصيب الثاني وإعتاقه
فرعان
الأول لو كان له مال وعليه مثله دين فهل يحلق بالمعسر فيه خلاف كما في الزكاة لأن السراية حق الله تعالى كالزكاة
الثاني لو كان معسرا ببعض قيمة النصيب فيه وجهان
أحدهما أنه يسري بذلك القدر
والثاني أنه لا يسري إذ لا بد من تبعيض الرق والشريك يتضرر بتبعيض ملكه كما يتضرر المشتري بتبعيض المبيع عليه في الشفعة
الشرط الثاني أن يتوجه العتق على نصيب نفسه أو على الجميع حتى يتناول نصيبه فلو قال أعتقت نصيب شريكي لغا قوله ولو قال أعتقت النصف من هذا العبد فهو محتمل لكل واحد من الجانبين ولكنه لا يخصص بجانب شريكه وهل يخصص بجانبه أم يقال هو نصف شائع في الجانبين فيه وجهان ولا تظهر ها هنا فائدته لأنه إذا تناول شيئا من ملكه سرى إلى جميع ملكه ويسري أيضا إلى شريكه إلا أن يكون معسرا لكن تظهر فائدته في قوله بعت هذا النصف أو في إقراره بنصف الضيعة المشتركة لثالث ففي وجه يخرج جميع النصف من يده وفي وجه يخرج شطر النصف من يده وقال أبو حنيفة رحمه الله ينزل البيع عن نصف الخاص والإقرار يشيع لأن الإنسان قد يخبر عما في يد الغير ولا يبيع مال الغير وهذا متجه فليجعل وجها في مذهبنا
الشرط الثالث أن يعتق باختياره فلو ورث نصف قريبه فعتق عليه لم يسر لأن التقويم تغريم يليق بالتلف
الشرط الرابع أن لا يتعلق بمحل السراية حق لازم فإن تعلق كما لو كان مرهونا أو مدبرا أو مكاتبا أو مستولدة ففي السراية إلى جميع ذلك خلاف وبعضها أولى بأنلا يسري من بعض وذلك بحسب تأكد الحقوق
ثم عتق الموسر متى يسري فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه في الحال حتى لا يتبعض الرق ما أمكن
والثاني أنه إذا أدى القيمة حتى لا يزول ملك الشريك إلا ببدل يملكه فإن ذلك أهم من السراية
والثالث أنه موقوف فإذا أدى تبين السراية من وقت العتق وإن تعذر استمر الر نظرا إلى المعنيين جميعا
ثم ينبني على الأقوال مسائل
الأولى في سراية استيلاد أحد الشريكين الأقوال الثلاثة بالترتيب وأولى بأن لا يتعجل لأنه علقة عتاقه لا حقيقة عتاقه وقيل أولى بأن يتعجل لأنه فعل وهو أقوى من القول ثم إذا سريناه لكونه موسرا فعليه نصف المهر ونصف قيمة الجارية ونصف قيمة الولد إلا إذا فرعنا على أن الملك ينتقل قبيل العلوق فتسقط قيمة الولد وإن كان معسرا فلا يسري ولو استولدها الثاني أيضا وهو معسر فهي مستولدتهما فإن أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر ففي السراية وجهان أظهرهما أنه لا يسري لأن السراية بتقدير نقل الملك والمستولدة لا تقبل النقل ولكن لا يبعد أن يقبل مثل هذا النقل القهري المفضي إلى العتق وكذلك لو أعتق الكافر نصيبه من عبد مسلم ففي السراية وجهان إذ في ضمنها نقل الملك ولكن قهرا
المسألة الثانية عبد بين ثلاثة لأحدهم ثلثه ولآخر سدسهوللآخر نصفه فأعتق اثنان نصيبهما معا وسرى فقيمة محل السراية توزع على عدد رءوسهما أو على قدر ملكيهما فيه قولان كما في الشفعة وقيل يقطع هاهنا بالتوزيع على عدد الرءوس لأنه إهلاك فيشبه الجراحات وهو ضعيف لأن الجراحة لا يتقدر أثرها بقدر غورها حتى يقال بأن أربع جراحات أثر كل واحدة ربع السراية وها هنا السبب مقدر تحقيقا
المسألة الثالثة إذا حكمنا بتأخير السراية فالقيمة بأي يوم تعتبر فيه ثلاثة أوجه
أحدها يوم الإعتاق إذ هو سبب الزوال
والثاني بيوم الأداء إذ عنده فوات الملك
والثالث يجب أقصى القيمة بين الإعتاق والأداء وهو الأصح كما يجب أقصى القيمة بين الجراحة والموت
فرع إذا اختلفا في قدر قيمة العبد وقد مات وتعذر معرفته فالقول قول الغارم لأن الأصل براءة ذمته وفيه قول آخر ضعيف أن القول قول الطالب إذ يبعد أن ينقل ملكه بقول غيره أما إذا ادعى الغارم نقصان القيمة بسبب نقيصة طارئة فالأصل عدم النقص والأصل براءة الذمة فيخرج على قولي تقابل الأصلين وليس معنى تقابل الأصلين استحالة الترجيح بل يطلب الترجيح من مدرك آخر سوى استصحاب الأصول فإن تعذر فليس إلا التوقف أما تخير المفتي بين متناقضين فلا وجه له
المسألة الرابعة في الطوارىء قبل أداء القيمة على قول التوقف كموت المعتق أو العبد أو بيع الشريك أو عتقه أو وطئه أو إعسار المعتق أما موت المعتق فيوجب القيمة في التركة لأنه مستحق عليه الإعتاق وأما موت العبد هل يسقط القيمة فيه وجهان
أحدهما نعم لخروجه من قبول العتق
والثاني لا لأنه سبق استحقاق العتق على الموت والقيمة وجبت به
أما بيع الشريك فالصحيح أنه لا ينفذ فإنه يبطل استحقاق العتق وأما إعتاقه ففيه وجهان
أحدهما لا ينفذ لأن الأول استحق إعتاقه من نفسه
والثاني أنه يصح لأن الملك قائم والمقصود أصل العتق
وأما وطؤه فيوجب نصف المهر لنصفها الحر والظاهر أنه لا يجب للنصف الثاني لأن ملكه باق وفيه وجه أنه يجب للشريك الأول فإن الملك مستحق الإنقلاب إليه وأما إعسار المعتق فالصحيح أنه يرفع الحجر عن الشريك في التصرف لأنا أخرنا العتق لأجل حقه فلا يمكن تعطيل ملكه بغير بدل نعم لو كان معسرا أولا فطرآن اليسار لا يؤثر في السراية
المسألة الخامسة إذا قال أحد الشريكين لصاحبه إذا أعتقت أنت نصيبك فنصيبي أيضا حر فإذا أعتق المقول له ذلك وكان موسرا ورأينا تعجيل السراية عتق العبد كله عليه لأنه اجتمع على النصف تعليق وسراية والسراية أولى لكونها قهرية تابعة لعتق النصف الآخر الذي لا يقبل الدفع وأما التعليق فلفظ يقبل الدفع وإن فرعنا على التأخير فيعتق النصف الآخر بالتعليق كما لو أنشأالعتق معه أو بعده إلا إذا فرعنا على أن عتقه لا ينفذ لاستحقاقالسراية فحينئذ يندفع التعليق باستحقاق السراية كما يندفع بنفس السراية أما إذا كان معسرا فتلغو السراية وينفذ التعليق
ولو قال فنصيبي حر قبله وكانا معسرين عتق كل نصيب على صاحبه وإن كانا موسرين فهذا من الدور إذ لو عتق قبل مباشرته بحكم التعليق لسرى وامتنعت المباشرة بعده وانعدمت الصفة التي عليها التعليق فتنعدم السراية فهذا عند ابن الحداد يقتضي الحجر على المالك في إعتاق نصيب نفسه
المسألة السادسة إذا قال أحدهما لصاحبه قد أعتقت نصيبك وأنت موسر فأنكر عتق نصيب المدعي مجانا مؤاخذة له بقوله وذلك ظاهر ولكن على قول تعجيل السراية ثم له أن يحلفه فلو نكل فحلف المدعي أخذ قيمة نصيبه ولم يحكم بعتق نصيب المدعى عليه بيمينه المردودة لأن دعواه إنما قبلت لأجل قيمة نصيبه وإلا فدعوى الإنسان على غيره أنه أعتق ملك نفسه غير مسموع بل إنما تسمع الشهادة على سبيل الحسبة
ولو ادعى كل واحد من الشريكين على الآخر أنه أعتق نصيب نفسه فإن كانا معسرين بقي العبد رقيقا وإن كانا موسرين عتق العبد وولاؤه موقوف إذ لا يدعيه أحدهما لنفسه
الخاصية الثانية العتق بالقرابة
وكل من دخل في ملكه أحد أبعاضه عتق عليه إن كان من أهل التبرع فهذه ثلاثة قيود
الأول قولنا دخل في ملكه وقد تناولنا بهذا الإرث والهبة والشراء وكل ملك قهرا كان أو اختيارا لأن هذا العتق صلة فلا يستدعي الإختبار والسراية غرامة فلا تحصل إلا بعد الإختيار
الثاني الأبعاض وقد تناولنا به جميع الفروع والأصول وهو كل من يستحق النفقة وأخرجنا الإخوة وقال أبو حنيفة رحمه الله يعتق كل ذي رحم محرم
الثالثة أهلية التبرع ويخرج عليه الطفل والمريض والمحجور
أما الطفل ليس لوليه أن يشتري له قريبه الذي يعتق عليه ولو وهب له لم يجز قبوله حيث تجب نفقته بأن يكون الموهوب غير كسوب والصبي موسر وحيث لا تجب النفقة فيالحال يجوز القبول وإن كان يتوقع في المآل فلا ينظر إليه ثم إذا قبل عتق عليه ولو وهب منه نصف قريبه وتوقع من قبوله السراية والغرامة فلا يقبله الولي وفيه وجه أنه يقبل ولا يسري
أما المريض فلو اشترى قريبه عتق من ثلثه فإن لم يف به فلا يعتق وإن ملكه بإرث أو هبة فيعتق من الثلث أو رأس المال فيه وجهان
أحدهما من الثلث كما لو اتهب عبدا وأنشأ عتقه
والثاني من رأس المال لأنه عتق بغير اختياره ولم يبذل في مقابلته شيئا
ولو اشتراه بألف وهو يساوي ألفين فقدر المحاباة يخرج على أحد الوجهين والباقي يحسب من الثلث
أما المحجور بسبب الدين مريضا كان أو مفسلا فيعتق عليه قريبه الذي ورثه أو اتهبه وإن قلنا إنه يحسب من رأس المال أما إذا اشترى ففي وجه يبطل الشراء وفي وجه يملك ولا يعتق
فرع
إذا قهر الحربي حربيا آخر ملكه فلو قهر أباه فهل يملكه حتى يصح بيعه قال أبو زيد يملكه لأنه وإن كان يعتق قهرا فقهر العتق ملك والقهر دائم وقال ابن الحداد لا يملك لأن القرابة دافعة وهي دائمة مع القهرقاعدة مركبة من عتق القرابة والسراية وهي أن الموسر إذا اشترى نصف قريبه عتق وسرى وكذا لو اتهب ولو ورث عتق ولم يسر لأنه لا اختيار
واعلم أن اختيار وكيله ونائبه شرعا كاختياره حتى لو أوصى له ببعض أبيه فمات قبل القبول وورثه أخوه فقبل بنيابته عتق كله على الميت إن كان في الثلث وفاء لأن قبوله كقبول الميت فكأن الميت ملكه في الحياة
ولو أوصى له بنصف ابن أخيه فمات قبل القبول وورثه أخوه وقبل فهل يسر على القابل فإنه ابنه فيه وجهان ووجه منع السراية أن قبوله يحصل الملك للميت أولا ثم ينتقل إليه قهرا
ويجري الوجهان في كل ملك يحصل غير مقصود في نفسه كما لو باع بعض من يعتق على وارثه بثوب ثم رد الوارث الثوب بعيب رجع إليه بعض قريبه ضمنا لرد العوض وكذلك إذا عجز مكاتبه وكان في يده بعض قريبه ولو عجز المكاتب نفسه فرجع بعض قريب السيد إليه لم يسر قطعا
الخاصية الثالثة امتناع العتق بالمرض إذا لم يف الثلث به
فلو أعتق عبدا لا مال له غيره عتق ثلثه ورق ثلثاه للورقة فإن ظهر عليه دين مستغرق بيع كله في الدين ولو مات العبد قبل موت السيد قال القفال مات وثلثه حر وثلثاه رقيق وقيل إنه مات حرا لأن الإرقاق إنما يكون حيث يكون للورثة فيه فائدة وقيل يموت كله رقيقا لأن الثلث إنما يعتق إذا حصل للوارث ثلثاه وتظهر فائدة هذا فيما لو وهب عبدا وأقبضه ومات ثم مات السيد فيظهر أثر الخلاف في مؤنة التجهيز وأنها على من أما لو قبله المتهب فهو كالباقي حتى يغرم قيمة الزائد على الثلث
فرع
لو أعتق ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم ومات واحد قبل موت السيد قال الأصحاب يدخل الميت في القرعة فإن خرجت له رق الآخران وإن خرج على أحد الحيين عتق ثلثاه فقط وهذا إنما يصح على اختيار القفال فأما من جعل الميت قبل السيد كالمعدومفلا ينقدح عنده إدخاله في القرعة أما إذا مات أحدهم بعد موت السيد ولكن قبل امتداد يد الوارث وقبل القرعة فيدخل في القرعة فإن خرج عليه رق الآخران وإن خرج على أحد الباقيين عتق ثلثاه ولم يحتسب ما لم يدخل في يد الوارث عليه وإن كان دخل في يده ولكن مات قبل القرعة ففيه وجهانأحدهما أنه يحسب عليه حتى لو خرجت على واحد من الحيين عتق بكماله
والثاني لا لأنه كان محجورا عن التصرف قبل القرعة فأي فائدة لليد
الخاصية الرابعة القرعة
والنظر في محلها وكيفيتها
أما محلها فإن أعتق عبيدا معا لا يفي ثلثه بهم فقد أعتق رجل ستة أعبد لا مال له غيرهم فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم وقال أبو حنيفة رحمه الله لا قرعة ويزع عليهم فيعتق من كل واحد ثلثه وهو القياس ولكن تشوف الشرع إلى تكميل العتق فوجب اتباع الخبر والمذهب أن القرعة جارية فيما لو أوصى بعتقهم وفيما لو قال الثلث من كل واحد منكم حر وفيه وجه أن الخبر إنما ورد في تنجيز العتق على الجميع فلا تلحق به الوصية ولا صريح التجزئة بل يجري على القياس
أما إذا أعتق على ترتيب فلا خلاف أن السابق يقدم ولا قرعة وأما الوصية فلا ينظر فيها إلى التقدم والتأخر لأن الموت جامع لوقت العتق وهو واحد نعم لو دبر عبدا وأوصى بعتق آخر فالمدبر يتصل عتقه بالموت والوصية تقف على الإنشاء بعده ففيه وجهان
أحدهما تقديم المدبر
والثاني التسوية لأن استحقاق الموصى به يقارب عتق المدبر
فرع في الدور وكيفية الإخراج من الثلث فإذا أعتق ثلاثه أعبد قيمة كل واحد مائة ولا مال له غيرهم ولكن اكتسب واحد مائة قبل الموت فيقرع بينهم فإن خرج على المكتسب فلا إشكال وقد عتق وفاز بالكسب ورق الآخران ولو خرج على غيره عتق ولم يقنع به لأنه يبقى للورثة عبدان ومائة أخرى هي الكسب فيقرع مرة أخرى بين العبدين الآخرين فإن خرج على غير المكتسب فيعتق منه ثلثه وبه يتم ثلث أربعمائة إذ مهما رق المكتسب صار المال أربعمائة وإن خرج على المكتسب وقع الدور لأن كل جزء يعتق منه فيستتبع جزءا من الكسب في مقابلته وينقص مبلغ الميراث به إذ ما يتبع الجزء يخرج من حساب الميراث فسبيله الجبر والمقابلة فطريق عمله أن نقول عتق من المكتسب شيء وتبعه مثله لأن الكسب مثل قيمته ولو كان اكتسب مائتين لقلنا تبعه مثلاه ولو كان اكتسب خمسين لقلنا تبعه مثل نصفه فإن كان الكسب مائة وتبعه مثله بقي في يد الورثة ثلاثمائة إلا شيئين إذ أعتقنا شيئا وتبعه مثله وهي تعدل مثلي ما أعتقنا فيكن مائتين وشيئين أعتقنا مائة وشيئا ففي أيديهم ثلثان إلا شيئين تعدل مائتين وشيئين فتجبر الثلاث مائة بشيئين فيصير في أيديهم ثلاثمائة تعدل مائتين وأربعة أشياء فالمائتان بالمائتين قصاص تبقى مائة في مقابلة أربعة أشياء فيكون كل شيء ربع المائة فقد ظهر لنا أن الذي أعتقنا كان ربع العبد وهو قدر خمس وعشرين وتبعه من الكسب مثله فتصير خمسين ويبقى في يد الورثة من بقية الكسب والعبدين قدر مائتين وخمسين وهو ضعف ما أعتقناه فإنا أعتقنا مائة وخمسا وعشرين وذلك ما أردنا أن نبين ومهما زادت قيمة عبد فهو ككسبه ولو كانت جارية فحملت فالحمل كالكسب
الطرف الثاني في كيفية القرعة وكيفية التجزئة أما كيفية القرعة فقد ذكرناها في كتاب القسمة ويتخير بين أن يكتب اسم العبيد أو يكتب الرق والحرية ولعل الأسهل أن يكتب اسم الحرية في رقعة والرق في رقعتين وتدرج في بنادق متساوية وتسلم إلى صبي حتى يعطي كل بعد بندقة وهذا يقطع النزاع في البداية باسم من تخرج عليه
ولو اتفقوا على أنه إن طار غراب فغانم حر مثلا وإن وضع صبي يده على واحد فهو حر فذلك لا أثر له بل لا بد من القرعة كما ورد الشرع نعم لا يتعين الكاغد في الرقعة لكن يجوز بالخشب وغيره وقد أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغانم مرة بالنوى ومرة بالبعر
أما كيفية التجزئة فإن أعتق ثلاثة أعبد أو ستة وهم متساوو القيمة فيسهل تجزئتهم بثلاثة أجزاء أما إذا خالفت القيمة العدد فإن أمكن التجزئة إلى ثلاثة أجزاء بالقيمة فيفعل ولا يبالي بتفاوت العدد حتى لو كانوا أربعة وقيمة اثنين مائة وقيمة كل واحد من الآخرين مائة جعل الإثنين جزءا واحدا فإا خرجت لهما القرعة عتقا أما إذا لم يمكن ذلك بأن كانوا ثمانية أعبد مثلا ولا تنقسم إلى ثلاثة أجزاء إذا تساوت قيمتهم ففيه قولان
أحدهما أنه يجزأ بحيث يقرب من التثليث فيجعل ثلاثة وثلاثة واثنين فإن خرج على الثلاثة قرعة الحرية لم يعتق جميعهم بل تعاد القرعة بينهم بسهم رق وسهمي عتق فمن خرج له سهم الرق رق ثلثه وعتق ثلثاه
والثاني أنه يجب التثليث بل يجوز تجزئتهم مثلا أربعة أجزاء سهم عتق وثلاثة أسهم رق فأي عبدين خرج لهما القرعة بالحرية عتقا ثم تعاد بين الستة فيجزءون بثلاثة أجزاء ويضرب بينهم سهم عتق وسهما رق فأي عبدين خرج لهما سهم العتق انحصر فيهما ثم تعاد بينهما فمن خرج له عتق ثلثاه مع الآخرين والصحيح أن هذا في الإستحباب وقال الصيدلاني الخلاف في الإستحقاق
فرع
إذا كان على الميت دين مستغرق بطل العتق وإن لم يستغرق فالباقي بعد الدين كأنه كل المال فينفذ العتق بقدر ثلث الباقي وإذا لم يملك إلا عبيدا أعتقهم فيقرع أولا سهم دين وسهم تركة حتى يتعين بعضهم للدين فيصرف أولا إلى الدين ثم يقرع للعتق والورثة فيالباقين لأنه ربما يموت من تعين للدين قبل أن يصرف إليهولا يجوز أن يكتب رقعة للعتق وأخرى للدين وأخرى للورثة دفعة واحدة لأنه ربما سبق رقعة العتق ولا يمكن تنفيذه قبل قضاء الدين وفيه وجه أنه يجوز
ثم إذا خرج أولا سهم العتق وقفنا في التنفيذ إلى أن يقضى الدين ثم كيفية القرعة على الصحيح أن ينظر فإن كان الدين ربع التركة مثلا قسمنا العبيد أربعة أجزاء وإن كان ثلاثة قسمناهم ثلاثة أجزاء فإذا خرج قرعة الدين لقسم صرفناه إلى الدين
ثم إذا دفعنا بعض العتق فظهر للميت دين أعدنا القرعة بقدر ما اتسعت التركة ولا يخفى وجهه
النظر الثالث في فروع متفرقة
الأولى إذا أبهم العتق بين جاريتين ثم وطىء إحداهما هل يكون ذلك تعيينا للملك فيها فيه وجهان ذكرناهما في الطلاق وفي الإستمتاع باللمس والقبلة وجهان مرتبان وأولى بأن لا يكون تعيينا وفي الإستخدام وجهان مرتبان ويبعد يجعله تعيينا وبقية أحكام الإبهام ذكرناها في الطلاق
الثاني إذا قال لجاريته أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ميتا ثم حيا لم يعتق الحي وانحلت اليمين بالميت خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
الثالث لو قال لعبده أنت ابني ثبت نسبه وعتق إلا أن يكون أكبر سنا منه فيلغو لأنه ذكر محالا وقال أبو حنيفة رحمه الله يعتق وإن لم يثبت النسب ولو كان مشهور النسب من غيره لم يثبت النسب وفي العتق وجهان لأن ما صرح به ممتنع شرعا لا حسا بخلاف من هو أكبر منه
الرابع إذا أعتق الوارث عبدا من التركة قبل قضاء دين الميت أو باعه فذلك ينبني على أن تعلق حق الغرم بالتركة كتعلق أرش الجناية أو كتعلق المرتهن أو يمنع أصل ملك الوارث وفيه ثلاثة أوجه ولعل الأصح أنه إن كان معسرا لم ينفذ تصرفه وإن كان موسرا فيكون تصرفه كتصرف الراهن
الخامس لو قال إذا أعتقت غانما فسالم حر ثم أعتق غانما وهو مريض وكل واحد ثلث ماله لم يقرع بينهما بل يعتق غانم لأنه ربما تخرج القرعة على سالم فيعتق من غير وجود الصفة وهو وجود عتق غانم وفيه وجه أنه يقرع وهو غلط
السادس إذا قال أحد الشريكين إن كان هذا الطائر غرابا فنصيبي حر وقال الآخر إن لم يكن غرابا فنصيبي حر واستبهم فإن كانا موسرين نفذ عتق العبد إذ أحدهما حانث وليس لأحدهما أن يطالب الآخر بقيمة السراية وإن كانا معسرين رق العبد إذ كل واحد يشك في عتق نصيب نفسه والأصل بقاء الملك
فإن اشترى أحدهما نصيب الآخر حكم بعتق نصف العبد إذ تيقن أن في يده نصف حر وكذا لو اشترى ثالث العبد حكم عليه بحرية نصفه وليس له الرد عليهما ولا على أحدهما لأن كل واحد يزعم أن نصيبه رقيق وفيه وجه أنه يرد إذا كان جاهلا وهو فاسد لأن العتق قد نفذ عليه فكيف ينقض
السابع وقف بين يديه غانم وسالم فقال أحدكما حر ثم غاب سالم ووقف ميسر بجنب غانم فقال أحدكما حر ثم مات قبل البيان وقلنا الوارث لا يقوم مقامه في التعيين فيقرع بين غانم وسالم فإن خرج على سالم عتق وأقرع بين غانم وميسر ويعتق من خرج أما إذا خرج أولا على غانم فهل تعاد بينه وبين ميسر فيه وجهان قال الماسرجسي تعاد لانه أبهم مرتين فيقرع مرتين وقال الأستاذ أبو إسحاق لا تعاد لأن القرعة كتعيين المالك أو بيانه لما نواه
ولو قال المالك أردت بالإبهامين غانما فقط أو عين غانما عن الإبهامين لانقطعت المطالبة عنه فينزل الأمر بعد موته على الأول ويقنع بعتق غانم
الثامن إذا كان له عبدان فقال أعتقت أحدكما على ألف وقبل كل واحد ومات قبل البيان أقرع بينهما فمن خرج له عتق ولزمه قيمة رقبته لفساد العوض بالإبهام وفيه وجه أن المسمى أيضا يحتمل الإبهام تبعا للعتق فيلزم الألف
التاسع جارية مشتركة زوجاها من ابن أحد الشريكين فولدت عتق نصفها على أحد الشريكين لأنه جد المولود ولا يسري عليه لأنه عتق بغير اختياره ولا يجعل بالإذن في التزويج مختارا وقد تخلل بعد الوطء والعلوق باختيار غيره وقيل سببه أن الولد ينعقد حرا وإنما يسري العتق الطارىء دون الحرية الأصلية وقد قيل إنه ينعقد رقيقا ثم يعتق كما لو اشترى قريبه ملكه ثم عتق عليه وعندي أنه لا يملك بل يندفع الملك بموجب العتق ويكون الإندفاع في معنى الإنقطاع وكذلك الولد يندفع رقه ولهذا غور ذكرناه في تحصين المآخذ في مسألة شريك الأب
العاشر المغرور بنكاح الأمة يغرم قيمة الولد للسيد فلو غر بجارية أبيه ففي لزوم قيمة الولد وجهان
أحدهما أنه لا يجب لأنه يعتق بسبب الجدودة وإن لم يكن ظن المغرور فإنه لو زوجها من ابنه كان ولده حرا
والثاني أنه يغرم لأن الأب لم يرض بتعرض ولد جاريته للعتق بنكاح ابنه فلا يفوت عليه
الخاصية الخامسة الولاء
والنظر في سببه وحكمه وفروعهالأول في السبب وسببه زوال الملك بالحرية فكل من زال ملكه عن رقيق بالحرية فهو مولاه سواء نجز أو علق أو دبر أو كاتب فتمت الكتابة أو استولد فمات أو أعتق العبد بعوض أو اشترى قريبه فعتق عليه أو ورثه فعتق عليه قرها أو سرى عتقه إلى نصيب شركه وسواء اتفق الدين عند العتق أو اختلف
ولو باع عبده من نفسه فالظاهر أيضا أن الولاء له وفيه وجه أن لا ولاء له في هذه الصورة أصلا
وأما حقيقة الولاء فهو لحمة كلحمة النسب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك نقول لو شرط في العتق نفي الولاء أو شرطه لغيره أو شرطه لبيت المال لغا شرطه وهذا لأن المعتق كالأب فإنه سبب في وجود العبد إذ كان العبد مفقودا لنفسه موجودا لسيده فقد أوجدهلنفسه بالعتق ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه لأنه إذا أعتقه فقد كافأه على الأبوة إذ صار سببا لوجوده الحكمي كما كان الأب سببا لوجوده الحسي ولهذا قال بعض الأصحاب تحرم الصدقة على موالي بني هاشم وإذا أوصى لبني فلان دخل فيهم مواليهم ولهذا نقلو لا يثبت الولاء بالمخالفة والموالاة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لأن الولاء ثمرة الإنعام بالإيجاد الحكمي فلا يحصل بالمعاقدة ولذلك نقول يسترسل ولاء المعتق على أولاد العتيق وأحفاده وعلى معتق العتيق ومعتق معتقه وإن سفلوا وقد حصل لك من هذا أن الشخص قد يثبت الولاء عليه لمعتقه أو لمعتق أصوله من أب وأم وجد وجدة أو لمعتق معتقه ويسترسل الولاء على سائر أحفاد العتيق إلا في ثلاثة مواضع
الأول أن يكون فيهم من مسه الرق فالولاء عليه لمباشر العتق ولعصابته ولا ينجر إلى معتق الأصول أصلا
الثاني أن يكون فيهم من أبوه حر أصلي ما مس الرق أباه فلا ولاء على ولده كما لا ولاء عليه وهو مذهب مالك رحمه الله ومنهم من قال يثبت الولاء نظرا إلى جانب الأم فإنها في محل الولاء وهو ضعيف لأن جانب الأب مقدم في باب الولاء كما سيأتي في الجد وفيه وجه أن أباه إن كان عربيا يعلم نسبه وأن لا رق في نسبه فلا ولاء عليه وإن حكم بحريته بظاهر الحال كالتركي والخوزي والنبطي فيثبت الولاء عليه وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله
الثالث أن تكون أمه حرة أصلية وإنما المعتق أبوه فالظاهر ها هنا ثبوت الولاء نظرا إلى جانب الأب وفيه وجه أنه لا يثبت فعلى هذا لا يثبت الولاء بالسراية من الأصل إلا على ولد ليس في أصوله حر أصلي
هذه قاعدة الولاء والنظر بعده في التقديم والتأخير والأصل فيه أن من مسه الرقفالولاء عليه لمباشر العتق لا لمعتق أبيه ومعتق أمه فإن لم يمسه الرق بأن يولد حرا من رقيقين في صورة الغرور أو من معتقين فالولاء عليه لموالي الأب وهو مقدم على موالي الأم فإن كان الأب رقيقا بعد لا ولاء عليه فالولاء لموالي الأم إلى أن يعتق الأب فينجر من موالي الأم إلى موالي الأب إلى أن يتعذر جره إلى موالي الأب بأن يشتري هو أب نفسه فيعتق عليه إذ هو مولى أب نفسه فلا يمكن إثبات الولاء على نفسه ويبقى الولاء لموالي الأم وقال ابن سريج ينجر الولاء إليه ويسقط ويصير كشخص لا ولاء عليه أصلا
فرعان
أحدهما لو كان الأب رقيقا فأعتق أب الأب ففي انجرار الولاء إليه وجهان
أحدهما لا لأن الأب رقيق فيلزم أن ينجر من موالي الجد إلى موالي الأب إذا أعتق والمنجر ينبغي أن يستقر ولا ينجر ثانيا
والثاني وهو الأصح أنه ينجر إليه ثم ينجر إلى الأب وليس يشترط استقرار المنجر
ولو أن مولودا ما مسه الرق وهو من أبوين ما مسهما الرق لكن لكل واحد من أبويه أبوان رقيقان إلا أم أمه فإنها معتقة فالولاء فيه تبع لولاء أمه وولاء أمه تبع لولاء أمها فإن أعتق أب أمه انجر الولاء إلى موالي أب الأم فإن أعتقت أم الأب انجر الولاء إلى موالي أم أمه فإن أعتق أبو أبيه انجر إلى موالي أب أبيه واستقر فيه
فإن فرضنا الأب رقيقا تصور أن ينجر إلى معتق الأب من معتق الجد أيضا والمقصود أن أب الأم أولى بالاستتباع من أم الأم وأم الأب أولى من أب الأم وأب الأب أولى من أم الأب والأب أولى من أب الأب فيقع الإنجرار بحسبه إلى أن يستقر على ما لا يوجد أولى منه
الفرع الثاني لو أعتق أمة حاملا عتق الجنين وولاء الجنين لموالي الأم لا لموالي أبيه لأنه عتق بالمباشرة فالمباشرة أولى لمباشرته لا لأنه مولى أمه وهذا إذا علم أن الجنين كان موجودا يوم الإعتاق بأن يؤتى به لأقل من ستة اشهر فإن كان لأقل من أربع سنين بحيث يفترشها الزوج ففيه قولان ذكرنا نظيرهما في مواضع من حيث إن إثبات النسب يدل على تقدير وجوده وقت العتق ولكن يجوز أن يكتفي في النسب بالإحتمال ولا يكتفي في الولاية
النظر الثاني في أحكام الولاء
وهي ثلاثة ولاية التزويج وتحمل العقل والوراثة لأن الولاء يفيد العصوبة وهذه نتائج العصوبة وقد ذكرناها في مواضع ولكن ننبه الآن في الميراث على أمور
الأول أن المعتق إذا مات ولم يخلف إلا أب المعتق وأمه فلا شيء للأم ولو خلف ابن المعتق وبنته فلا شيء للبنت ولو خلف أب المعتق وابنه فلا شيء للأب لأن الأب ليس عصبة مع الإبن والميراث لعصبة المعتق ولا يعصب الأخ أخته في باب الولاء وعلى الجملة فالولاء يورث به ولا يورث في نفسه وإنما يرث به العصبات فيقد رموت المعتق بدل موت العتيق يوم موت العتيق وكل من يأخذ ميراثه بعصوبته فيأخذ ميراث عتيقه ولا يستثنى عن هذا إلا الجد والإخوة فإن فيهم قولين
أحدهما أن أخ المعتق يقدم على جده لقوة البنوة في العصوبة
والثاني أنهم يتقاسمون كما في ميراث النسب لكن لا معادة بالأخ للأب مع الجد بل يقدم عليه الأخ للأب ولا يعاد عليه الأخ للأب وهذا مذهب زيد وفيه وجه أن الأخ للأب يساوي الأخ للأب والأم لأنه لا أثر للأمومة في الولاء
الثاني أن المرأة لا يتصور أن ترث بالولاء إلا إذا باشرت العتق فهي كالرجل في المباشرة حيث ثبت لها الولاء على عتيقها وعلى أولاد عتيقها وعلى عتيق عتيقها
الثالث لو خلف رجل ابنين وولاء مولى فالولاء لهما فإن مات أحدهما عن ابن ثم مات العتيق فميراثه لابن المعتق وليس لابن الإبن شيء لأنه لو قدر موت المعتق في ذلك الوقت ما ورثه ابن الإبن فلا يرث عتيقه وهو معنى قولهم الولاء لأقعد ولد المعتق أي الأقرب
الرابع أن النسبة قد تتركب من النسب والعتق فيلتبس أمره التقديم والتأخير فقد يثبت الولاء لأب معتق الأب ولمعتق أب المعتق وينبغي أن يقدم معتق الميت ثم عصبات معتقه ثم معتق معتقه
ولو قيل لك معتق أب وأب معتق فأيهما أولى فهذه أغلوطة فإن الميت له معتق فولاؤه ولمعتقه وعصبات معتقه فلا يكون لمعتق أبيه وأمه حق فيه فإن ولاء المباشرة لا ينجر وإنما ينجر ولاء السراية إلى الأولاء فإذن من له أب معتق فالولاء عليه كان بالمباشرة لمعتقه أو لعصبات معتقه أو لمعتق معتقه إذا كان له معتق وليس لمعتق أبيه ولاء أصلا فكيف يقابل بأب المعتق وكذلك قد يظن أنه معتق أب المعتق أولى من معتق معتق المعتق لأنه يدلي بالولاية حيث توسط الأب وهو غلط لما ذكرناه من أن للميت معتقا فولاؤه بالمباشرة فلا حق فيه لمن يدلي بإعتاق أبيه
فروع مشكلة
الأول اشترى أخ وأخت أباهما فعتق عليهما فأعتق الأب عبدا ومات ثم مات العتيق فقد غلط في هذه المسألة أربعمائة قاض فضلا عن غيرهم إذ قالوا ميراث العتيق بين الأخ والأخت لأنهما معتقا معتقه وإنما الحق أن الميراث للأخ ولا شيء للأخت لأنها إن أخذت لأنها معتقة المعتق فهو محال إذ عصبة المعتق أولى وأخوها عصبة المعتق بل لو خلف الأب ابن عم بعيد لكان أولى من البنت
المسألة بحالها لو مات الأخ وخلف هذه الأخت فلها نصف ميراثه بالأخوة ولها من الباقي نصفه لأنها لما اشترت أباها ثبت لها نصف الولاء على الأب واسترسل على أولادهوأخوها من أولاد أبيها فلها نصف الولاء عليه فتحصل على ثلاثة أرباع ميراثه
ولو مات الأب ثم مات الإبن ثم مات العتيق فلها ثلاثة أرباع ماله أما النصف فلأن لها نصف الولاء على معتقه وأما الربع فلأن لها الولاء أيضا على أخيها الذي هو معتق نصف المعتق فهي في احد النصفين معتقة المعتق وفي نصف النصف معتقة أبي معتق المعتق
الثاني أختان خلفتا حرتين في نكاح غرور اشترت إحادهما أباها والأخرى أمها فولاء التي اشترت أمها انجر إلى التي اشترت أباها فثبت الولاء لمشترية الأب على مشترية الأم وأما مشترية الأم فالمنصوص أن ولاء صاحبتها أيضا ثبت لها فتكون كل واحدة مولى صاحبتها لأن التي اشترت الأب لا تقدر أن تجر ولاء نفسها إلى نفسها فيبقى لمشترية الأم فإنها معتقة الأم وقال ابن سريج تجر إلى نفسها ويسقط فإذا ثبت هذا فلو مات الأب فلهما ثلثا ميراثه بالبنوة والباقي لمشترية الأب بالولاء فإن ماتت بعد ذلك مشترية الأم ولا وارث لها سوى الأخت فنصف ميراثها لها بالأخوة والباقي بالولاء لأنها جرت ولاءها بإعتاب الأب وكذلك كان ميراثها لمشترية الأم على النص بالأخوة والولاء وعند ابن سريج النصف لها والباقي لبيت المال إذ لا ولاء عليها
الثالث في الدور اشترت أختان أمهما وعتقت عليهما ثم إن الأم شاركت أجنبيا في شراء أبيهما أعني أبي الأختين وأعتقاه فيثبت الولاء لهما نصفان على الأب وعلى الأختين أيضا لأنهما ولدا معتقهما وولاء الأب يجر الولاء من مولى الأم والأختان هما موليا أم نفسيهما فإذا ماتت الأم فلهما الثلثان بالنسب والباقي بينهما بالولاء لأنهما اشتريا الأم
ثم إذا مات الأب فلهما ثلثا ميراثه بالبنوة والباقي بين الأجنبي والأم لأنهما معتقاه
ولو مات الأبوان ثم اتت إحدى الأختين فنصف ميراثها لأختها بالنسب والنصف الآخر بين الأجنبي والأم لو كانت حية لأنهما معتقا الأب والآن فالأم ميتة فنصيبها وهو الربع يجب أن يكون لمعتقيها وهما الأختان الحية والميتة فيصرف النصف إلى الحية ويبقى نصفه وهو الثمن للميتة
والقياس أن يصرف إلى من له ولاء الميتة وهو الأجنبي والأم ثم قدر ولاء الأم يرجع إلى الحية والميتة
ثم قدر ولاء الميتة من الأم يرجع إلى الأجنبي والأم فيدور بنيهما الثمن لا ينفصل بل لا يزال يرجع منه شيء إلى الميتة فالصواب أن يقسم المال من ستة ثلاثة للأخت بالنسب والباقي بين الأجنبي وبينهما بالولاء أثلاثا للأجنبي سهمان ولها سهم فتحصل الأخت على أربعة أسهم والأجنبي على سهمين وغلط ابن الحداد فقال يصرف الثمن إلى بيت المال لتعذر مصرفه وهو فاسد لأنه كلما دار رجع إلى الأجنبي ضعف ما يرجع إلى الأخت فيقسم كذلك والله أعلم وأحكم
كتاب التدبير
والنظر في أركانه وأحكامه
الأول في الأركان وهو اثنان الصيغة والأهل أما المحل فلا يخفى
الركن الأول الصيغة وهي أن يقول إذا مت فأنت حر أو دبرتك أو أنت مدبر وحكمه أنه يعتق إن وفي الثلث به بعد قضاء الديون وفيه مسائل
الأولى أن لفظ التدبير صريح نص عليه لأنه مشهور في اللغة لهذا المعنى وورد الشرع بتقريره ولفظ الكتابة يفتقر إلى النية لأن اللغة لا تجعلها صريحا في حكمها الشرعي وقيل فيها قولان بالنقل والتخريج وهو ضعيف
الثانية التدبير المقيد كالمطلق وهو أن يقول إن مت من مرضي هذا أو قتلت فأنت حر ولو قال إن دخلت الدار فأنت مدبر لا يصير مدبرا ما لم يدخل الدار وقد علق العتق بصفتين ولو قال إن مت فأنت حر بعد موتي بيوم عتق بعد موته بيوم وقال أبو حنيفة رحمه الله صار وصية فتحتاج إلى الإنشاء بعد الموت
فلو قال شريكان إذا متنا فأنت حر فإذا مات أحدهما لم يعتق نصيبه لأنه معلق بموتهما جميعا لكن صار نصيب الآخر مدبرا عند موت صاحبه وقيل ذلك لأن تدبير الثاني معلق بموت صاحبه والآن لم يبق إلا موت المالك ولكن ليس للوارث التصرف في نصيب من مات أولا لأنه ينتظر العتق بموت الثاني فهو كما لو قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر لم يجز للوارث بيعه بعد الموت كما لا يبيع مال الوصية قبل قبول الموصى له وليس للوارث رفع تعليق الميت كما ليس له رفع عاريته التي أضافها إلى ما بعد الموت
الثالثة إذا قال أنت مدبر إن شئت فالمشهور أنه لا بد من مشيئته على الفور وفيه وجه آخر أنه لا يجب على الفور لا ها هنا ولا في تعليق الطلاق إلا أن يكون الطلاق على عوض
أما إذا قال أنت مدبر متى شئت فلا يجب على الفور أصلا لكن يقتضي مشيئته في حياة السيد وكذلك لو قال إن دخلت الدار فأنت حر لم يعتق بالدخول بعد موت السيد بل مطلق تعليقه ينزل على حياته إلا أن يصرح ويقول إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر وكذلك لو قال إن شئت بعد موتي فأنت حر فشاء بعد موته عتق ولم يجب الفور بعد الموت إلا أن يرتب بفاء التعقي بفيقول إن مت فشئت فأنت حر ففي الفور وجهان يجريان في كل تعليق بهذه الصيغة
فرع
لو قال إذا مت فأنت حر إن شئت ففيه ثلاثة أوجهأحدها أنه تكفي المشيئة في الحياة
والثاني أنه يحمل على المشيئة بعد الموت
والثالث أنه لا بد من مشيئته في الحال وأخرى بعد الموت حتى يحصل اليقين ولا يعتق بأحدهماولو قال إن رأيت العين فأنت حر والعين اسم مشترك لأشياء فالظاهر أنه إذا رأى واحدا يسما عينا عتق
الركن الثاني الأهل ويصح التدبير من كل مكلف مالك غير محجور فهذه ثلاثة قيود
أما المكلف فنعني به أنه لا ينفذ من المجنون والصبي الذي لا تمييز له وفي المميز قولان وكذا في وصيته لأنه قربة ولا ضرر عليه فيه
وأما المالك فيخرج عليه أنه لو دبر نصيب نفسه من عبد مشترك لا يسري إلى الآخر وذكر صاحب التقريب في سرايته وجهين وهو بعيد لأنه تعليق أو وصية لا تليق به السراية بل لو دبر نصف عبده لم يسر إل الباقي لا في الحال ولا إذا عتق بعد الموت لأنه بعد الموت معسر
وأما المحجور فيخرج عليه السفيه وفيه طريقان
أحدهما القطع بنفوذه منه
والثاني أنه كالمميز
وأما المرتد فإن قلنا لا يزول ملكه وقد حجر عليه فيخرج تدبيره على تدبير المفلس المحجور وإن قلنا يزول ملكه لم ينفذ وإن قلنا إنه موقوف فهو موقوف
ولو دبر ثم ارتد فطريقان
أحدهما أنه يخرج بطلانه على أقوال الملك
والثاني القطع بأنه لا يبطل لأنه حق العبد متعلق به فلا يمكن إبطاله كما لا يبطل حق الغرماء ونفقة الأقارب عن ماله
وإن قلنا يبطل فلو عاد إلى الإسلام ففي عود التدبير طريقان
أحدهما أنه يعود كما لو استحال العصير المرهون خمرا ثم صار خلا
والثاني أنه يخرج على قولي عود الحنث
أما إذا مات مرتدا وقلنا لا يبطل التدبير فينفذ إن وفى به الثلثه وفيه وجه أنه لا ينفذ لأن الوارث لا شي له من ماله وإنما تنفذ الوصية في مال يورث وماله فيء وهذا ضعيف لأن الفيء مصرفه بيت المال فيعتبر الثلث لأجله
أما الكافر الأصلي فيصح تدبيره فإن نقض العهد مكن من استصحاب مدبره لأنه قن ولا يمكن من مكاتبه ولو أسلم مدبره فهل يباع عليه فيه قولان
أحدهما نعم كالقن
والثاني لا نظرا للعبد ولكن يحال بينهما ويستكسب له كالمستولدة
وفي المكاتب إذا أسلم طريقان
أحدهما أنه كالمستولدة لا تتباع عليه
والثاني أنه كالمدبر فيخرج على القولين
النظر الثاني في أحكامه
والنظر في حكمين ارتفاع التدبير وسرايته إلى الولد ويرفع التدبير بأمور خمسة
الأول إزالة الملك ببيع وهبة جائر ويرتفع التدبير في الحال فإن عاد إلى الملك وقلنا إن التدبير وصية لم يعد وإن قلنا تعليق فيخرج على قولي عود الحنق وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز إزالة الملك عنه كالمكاتب
الثاني صريح الرجوع وهو جائز إن قال أعتقوه عني بعد موتي لأنه وصية وإن قال إذا مت فدخلت الدار فأنت حر لم يجز صريح الرجوع لكن يجوز ازالة الملك لأنه تعليق محض أما إذا قال دبرتك أو أنت حر بعد موتي ففيه معنى التعليق والوصية فإنه إثبات حق للعبد فأيهما يغلب فيه قولان واختيار المزني ترجيح معنى الوصية وتجويز الرجوع
فإن قلنا إنه وصية حصل الرجوع عنه بما يحصل به الرجوع عن الوصية حتى العرضعلى البيع إلا الإستيلاد فإنه يوافق موجب التدبير فلا يرفعه ويرفع الوصية ولو قال بعد التدبير المطلق إذا مت فدخلت الدار فأنت حر كان رجوعا عن التدبير المطلق ولو قال إن دخلت فأنت حر فقد زاده سببا آخر للحرية فلا رجوع فلو كاتبه أو رهنه هل يكون رجوعا فيه وجهان ولو رجع عن التدبير في نصفه فالباقي مدبر ولو رجع عن تدبير الحمل لم يسر الرجوع إلى الأم ولا بالعكس بل يقتصر
الثالث إنكار السيد التدبير وقد قال الشافعي رضي الله عنه القول قول السيد وهذا مشكل لوجهين
أحدهما أن الإنكار رجوع فأي معنى للتحليف فمنهم من قال فرع الشافعي على معنى الرجوع الصحيح ومنهم من قال الإنكار ليس برجوع بل هو رفع الأصل فعليه أن يحلف أو يرجع فقد تحصلنا على وجهين في الإنكار هل يكون رجوعا ويجري في إنكار الوصية أيضا وأما إنكار الموكل فهو عزل قطعا ومنهم من طرد الوجهين وإنكار البائع بشرط الخيار ليس فسخا وفيه احتمال وإنكارالزوج الطلاق الرجعي لا يكون رجعة قطعا لأنه في حكم عقد فيحتاط باللفظ
الإشكال الثاني أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن الدعوى بالدين المؤجل لا تقبل إذ لا لزوم في الحال فكيف تقبل دعوى العبد في التدبير واتفق الأصحاب على آخر الخلاف في المسألتين بالنقل والتخريج فإن قلنا تقبل دعوى التدبير فلا يكفي فيه شاهد وامرأتان لأن مقصوده العتق
الرابع مجاوزة الثلث فلو كان استوفى ثلثه بتبرع قبل التدبير لم ينفذ تدبيره ولو لم يف الثلث إلا ببعضه اقتصر على ذلك القدر والتدبير وإن كان في الصحة فيحسب من الثلث كالوصية لأنه مضاف إلى الموت أما إذا علق على صفة في الصحة فوجدت الصفة في المرض فهل ينحصر في الثلث فيه قولان
فرع
لو لم يملك إلا عبدا فدبره عتق ثلثه عند الموت فلو كان له مال غائب فهل ينجز العتق في الثلث فيه قولانأحدهما نعم لأن الغائب لا يزيد على المعدوم فقدر الثلث مستيقن بكل حال
والثاني لا لأن العبد لو تسلط على ثلث نفسه للزم تسليط الورثة على ثلثيه فكيف يسلط ويتوقع عتق الثلثين برجوع المال وهذا هو المنصوص والأول مخرج والقولان جاريان في الوصية بمال إذا كان له مال غائب أن الموصى له هل يسلم إليه الثلث الحاضر في الحال وكذلك لو كان له دين على أحد ابنيه لا مال له غيره فهل يبرأ عن نصيب نفسه قبل تسليم نصيب أخيه فيه قولان
الخامس إذا جنى المدبر بيع فيه فإن فداه السيد بقي التدبير وإن باع بعضه فالباقي مدبر وإن مات قبل الفداء والثلث واف بالأرش والعتق وجب على الوارث فداؤه ليعتق وفيه قول أنه لا يجب بناء على أن أرش الجناية يمنع نفوذ العتق وفيه خلاف
النظر الثاني في الولد وفيه مسائل
الأولى ولد المدبرة من زنا أو نكاح هل يسري إليه التدبير فيه قولان
أحدهما أنه يسري كالإستيلادوالثاني لا كالوصية
لو علق عتقها بالدخول ففي سراية التعليق إلى ولدها قولان نص عليهما في الكبير فإن قلنا يسري فمعناه أنه إن دخل أيضا عتق ولا يعتق بدخول الأم لأن هذا سراية عتق لا سراية تعليق ومنهم من قال معناه أن يعتق بدخول الأم
ثم إذا سرينا التدبير كان كما لو دبرهما معا حتى لا يكون الرجوع عن أحدهما رجوعا عن الآخر ولو لم يف الثلث بهما أقرع بينهما وفيه وجه أنه يقسم العتق عليهما إذ يبعد أن تخرج القرعة على الولد فيعتق دون الأصل وهذا ضعيف فإنه صار مستقلا بعد السراية وكذلك لو ماتت الأم بقي مدبرا أما ولد المدبر فلا يتبعه بل يتبع الأم الرقيقة أو الحرة
الثانية إذا مات السيد وهي حامل عتق معها الجنين بالسراية ولو كانت حاملا حال التدبير فهل يسري التدبير المضاف إلى الأم إلى الجنين فيه وجهان فعلى هذا لو تبرع الوارث بالفداء وعتق فالولاء للميت إن قلنا إن إجازة الورثة ليس بابتداء عطية
فرع
المدبر المشترك إذا أعتق أحدهما نصيبه هل يسري إلى الآخر فيه قولان أقيسهما أنه يسريوالثاني لا لأن الثاني استحق العتاقة من نفسه
وهذا يضاهي قولنا إذا أصدقها عبدا فدبرته لم ينشطر بالطلاق كيلا يبطل غرضها من التدبير
فإن قلنا لا يسري فرجع عن التدبير فهل يسري الآن وجهان وجه قولنا لا يسري أنه لم يسر في الحال فلا يسري بعده كما لو ظن اليسار فإن قلنا يسري فيسري في الوقت أو تتبين السراية من الأصل فيه وجهان
أحدهما نعم كما يسري إليه البيع
والثاني لا لأنه أدرج في البيع لأن استثناءه يبطل البيع
فرع لو دبر الحمل دون الأم صح واقتصر عليه فلو باع الأم ونوى الرجوع صح البيع ودخل فيه الجنين وإن لم ينو الرجوع فكأنه استثنى الحمل
الثالثة لو تنازعا فقالت ولدت بعد التدبير فتبعني على قول السراية وقال السيد بل قبله فالقول قول السيد لأن الأصل بقاء ملكه
وعلى قولنا لا يسري لو نازعت الوارث وقالت ولدت بعد الموت فهو حر وقال الوارث بل قبله فالقول قول الوارث
ولو كان في يد المدبر مال فقال الوارث هو من كسبك قبل الموت وقال بل بعده فالقول قول المدبر لأن الملك في يده بخلاف الولد فإنه لا يد لها عليه وهي تدعي حريته