كتاب : العدة شرح العمدة
المؤلف : عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد بهاء الدين المقدسي
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ذي الفضل والنعم والجود والكرم {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وأطلعه على غوامض الحكم, أحمده على ما علم وألهم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مبرأة من التهم,وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المحترم أرسله إلى العرب والعجم, وجعل أمته خير الأمم وهدى به إلى الطريق الأقوم صلى الله عليه وعلى آله وشرف وعظم وكرم, وبعد فهذا شرح كتاب العمدة لشيخنا الإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي رحمه الله رتبته مختصرا ليكون عدة لي في الحياة وذخيرة بعد الوفاة, وإلى سبحانه الرغبة أن يجعله لوجهه خالصا وإليه مقربا إنه على كل شيء قدير وهو حسبنا ونعم الوكيل.
كتاب الطهار
باب أحكام المياه
مسألة: "خلق الماء طهورا يطهر من الأحداث والنجاسات" لقوله سبحانه: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِِهْ} 1, وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد" . متفق عليه2. والطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وهو الذي نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل خلقته فهذا يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس للآية.
مسألة: " ولا تحصل الطهارة بمائع غيره " أما طهارة الحدث فلقوله سبحانه وتعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 3. نقلنا سبحانه وتعالى عند عدم الماء إلى التراب,
ـــــــ
1 - آية 11 الأنفال
2 - رواه البخاري في: كتاب الأذان: 89- باب ما يقول بعد التكبير: حديث رقم 744. ومسلم في: 5- كتاب المساجد ومواضع الصلاة: 27- باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة: حديث رقم 147.
3 - آية 43 سورة النساء.
غيره, فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جاريا لم ينجسه شيء, إلا ما غير لونه أو طعمه أو
ـــــــ
فلو كان ثم مائع يجوز الوضوء به لنقلنا إليه, فلما نقلنا عنه إلى التراب دل على أنه لا تصح الطهارة للحدث إلا به. وأما الطهارة من النجاسات فلا تجوز إلا بالماء, لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيضة: "حتيه1 ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء"2 . أمر, والأمر يقتضي الوجوب. وخص الماء بالذكر فيدل على أنه لا يجوز بمائع غيره, ولأنها طهارة فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث.
مسألة: "فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جاريا لم ينجسه شيء" أما إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء فلقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شئ" . أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن ولفظه: "لم يحمل الخبث" . وأخرجه الإمام أحمد في المسند.3 وأما إذا كان جاريا فلا ينجسه شيء وإن قل لقوله عليه السلام لما سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الحيض ولحوم الكلاب والنتن: "إن الماء طهور لا ينجسه شئ" .4 قال أحمد رحمه الله: حديث بئر بضاعة صحيح.5 وهو عام في القليل والكثير فإن قيل يعارضه حديث القلتين قلنا عنه ثلاثة أجوبة:
أحدهما: أن حديث بئر بضاعة أصح فلا يعارضه, ولأن حديث القلتين ضعيف من حيث الاستدلال به فإن القلال تختلف وتقديرهما بخمس قرب من أين ذلك؟ وتقدير القربة بمائة رطل يحتاج إلى دليل فإن التقدير إنما يصار إليه بالنص ولا نص, وحديث ابن جريج: رأيت قلال هجر تسع القلة قربتين أو قربتين أو شيئا غير مقبول.
ـــــــ
1- قوله: حتيه , ثم اقرصيه الحت: الحك , والمراد بذلك إزالة عينه. زهر الربى1/155, وقارن بـ سبل السلام 1/55. والقرص: الدلك بأطراف الأصابع والأظفار, مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره. "النهاية في غريب الحديث" 4/40.
2-رواه البخاري في: كتاب الوضوء: 63- باب غسل الدم: حديث رقم 227. مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 33- باب نجاسة الدم وكيفية غسله: حديث رقم 110.
3- رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 32- باب ما ينجس الماء: حديث رقم 65. والترمذي في: 1- أبواب الطهارة: 50- باب منه آخر: حديث صحيح, رقم 67. وقال الشيخ شاكر في " شرح سنن الترمذي" 1/98 عقب هذا الحديث: حديث صحيح, وليس الاختلاف فيه مما يؤثر في صحته. اهـ. وأحمد في "المسند" 2/23و 27و 107.
4 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 33- باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء: حديث رقم66. والترمذي في: 1- أبواب الطهارة: 94- باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء: حديث رقم 66. وقال: هذا حديث حسن. والنسائي في: 2- كتاب المياه: 1- باب ذكر بئر بضاعة: حديث رقم 2,1. وأحمد في "المسند" 3/15 و 31 و86.
5- وقال الحافظ في "التلخيص" 3/4 بعد أن ذكر تصحيح الإمام أحمد: "وصححه يحيى بن معين , وأبو محمد بن حزم". اهـ.
ريحه وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة, والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال
ـــــــ
الثاني: أن دلالته على تنجيس اليسير إنما هو بالمفهوم, وحديث بئر بضاعة يدل على طهارته بالمنطوق فكان مقدما.
الثالث: أن حديث القلتين محمول على الماء الواقف, فإنا قد أجمعنا على أن ما قبل النجاسة في الماء الجاري لا يتنجس لأنه لم يصل إليها وما بعدها كذلك لأنها لن تصل إليه بخلاف الواقف, فإن قيل حديث بئر بضاعة دخله التخصيص بالقليل الواقف فإنا قد أجمعنا على أن ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير فنقيس عليه القليل الجاري قلنا: لا يصح ذلك, وبيانه من وجهين: أحدهما: أن الجاري له قوة ليست للواقف فإنه يدفع التغير عن نفسه لأنه يدفع بعضه بعضا وليس كذلك الواقف. والثاني: أن الجاري لو ورد على النجاسة طهرها فكذا إذا وردت عليه قياسا لأحد الواردين على الآخر, وليس هذا للواقف فإن صب الواقف على النجاسة صار جاريا. والله تعالى أعلم وأحكم.
مسألة: "إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه" يعني أن الماء إذا تغيرت إحدى صفاته بالنجاسة ينجس على كل حال قلتين أو أكثر أو أقل وهذا أمر مجمع عليه, قال الإمام أحمد رضي الله عنه: ليس فيه حديث, ولكن الله سبحانه حرم الميتة فإذا تغير بها فكذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له. وقول أحمد: ليس فيه حديث يعني ليس فيه حديث صحيح.1
مسألة: "وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة" يعني أن ما دون القلتين يتنجس بمخالطة النجاسة وإن لم يتغير, لأن تحديده بالقلتين يدل على أن ما دونهما يتنجس, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا2 ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" . متفق عليه.3 فدل على نجاسته من غير تغير. وفي رواية: "طهور إناء أحدكم" . وعنه أنه طاهر لقوله عليه السلام: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء"4 . قال أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح, ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير.
مسألة: "والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي" سميت قلة لأنها تقل
ـــــــ
1- بل حديث ضعيف رواه بن ماجه في: 1- كتاب الطهارة وسننها: 76- باب الحياض: حديث رقم 521. ولفظه: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء, إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/214, وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" و"الكبير".
2- قوله: "إذا ولغ" قال الإمام النووي في "المنهاج" 3/184. "قال أهل اللغة: يقال: ولغ الكلب في الإناء , يَلَغُ: بفتح اللام فيهما, ولوغا: إذا شرب بطرف لسانه". اهـ.
3- رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 33- باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان: حديث رقم 172. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 27- باب حكم ولوغ الكلب: حديث رقم 89, 90, 91, 92.
1- سبق تخريجه.
بالدمشقي, وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته, وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بني على اليقين وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها, وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما, وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما, وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة. وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن
ـــــــ
بالأيدي وهما خمسمائة رطل بالعراقي. وعنه أربعمائة رطل لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال: رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا. فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفا فيكونان خمس قرب كل قربة مائة رطل وهو تقريب لا تحديد في الأصح, لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريبا والشيء إنما جعل نصفا احتياطا, فإنه يستعمل بما دون النصف وهذا لا تحديد فيه. وفيه قول آخر أنه تحديد لأن ما وجب بالاحتياط صار فرضا كغسل جزء من الرأس. وفائدة هذا إذا نقص الرطل أو الرطلان إذا قلنا أنه تقريب لا ينجس الماء, وإن قلنا إنه تحديد نجس.
مسألة: "وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور" سلب طهوريته إجماعا. "وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه" فصار حبرا أو صبغا "أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته" أيضا لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه ما لو تغير بزعفران. وعنه لا يسلب طهوريته لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه ما لو تبرد بت.
مسألة: "وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنا على اليقين" لأنه الأصل.
مسألة: "وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها" يعني يغسل حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة كمن تنجست إحدى كميه لا يعلم أيهما غسل الكمين أو تيقن أن الثوب قد وقعت عليه نجاسة لا يعلم موضعها غسل جميع الثوب لتحصل الطهارة بيقين.
مسألة: "وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما" .
مسألة: "وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما" وصلى صلاة واحدة لأنه إذا فعل ذلك حصلت له الطهارة بيقين.
مسألة: "وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة" لأنه أمكنه تأدية فرضه بيقين من غير مشقة تلزمه كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل.
مسألة: "وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن بالتراب" لقوله عليه السلام:
بالتراب ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله صلى الله عليه وسلم: "صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء" . ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح وكذلك المذي ويعفى عن يسيره
ـــــــ
"إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب". متفق عليه.1 فنقيس عليه نجاسة الخنزير
مسألة: "ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده" 2. علل بوهم النجاسة ولا يزيل وهم النجاسة إلا ما يزيل حقيقتها وقال عليه السلام: "إنما يجزئ أحدكم إذا ذهب إلى الغائط ثلاثة أحجار منقية" 3. فإذا أجزأت ثلاثة أحجار في الاستجمار فالماء أولى لأنه أبلغ في الانقاء, وعنه سبع مرات في غير نجاسة الكلب والخنزير قياسا عليها وعنه مرة قياسا على النجاسة على الأرض.
مسألة: "وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله صلى الله عليه وسلم: "صبوا على بول الأعرابي4 ذنوبا5 من ماء" , وفي رواية: "سجلا6 من ماء" 7.
مسألة: "ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح" وهو أن يغمره بالماء وإن لم يزل عينه لما روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال على ثوبه: فدعا بماء فنضحه ولم يغسله. متفق عليه8.
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 26- باب الاستجمار وترا: حديث رقم: 162. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 26 – باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا: حديث رقم 87, 88.
3 - رواه الدارمي بنحوه في: - كتاب الوضوء: 10- باب الاستطابة: حديث رقم 1.
4 - قوله: الأعرابي قال: ابن الأثير في النهاية 3/202: الأعراب: ساكنوا البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار, ولا يدخلونها إلا لحاجة. اهـ.
5 - قوله: ذنوبا قال الحافظ في فتح الباري 1/387: قال الخليل: الدلو ملأى ماء. وقال ابن فارس: الدلو العظيمة. وقال ابن السكيت: فيها ماء قريب من المليء , ولايقال لها وهي فارغة ذنوب. اهـ.
6 - قوله: سجلا قال ابن الأثير في النهاية 2/344: السجل: الدلو الملأى ماء. ويجمع على سجال.
7 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 8- باب صب الماء على البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد: حديث رقم: 98, 99, 100.
8 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 59- باب بول الصبيان: حديث رقم 223. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 31_ باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله: حديث رقم 104.
ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه, وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس ومني الآدمي وبول ما يؤكل لحمه طاهر.
ـــــــ
مسألة: "وكذلك المذي" وفي كيفية تطهيره روايتان:
إحداهما يجزئ نضحه لما روى سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء فقلت: يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ قال: "يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه". قال الترمذي: حديث صحيح1. والثانية: يجب غسله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه2 ولأنه نجاسة من كبير أشبه البول. وعنه أنه كالمني لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني ويعفى عن يسيره لأنه يشق التحرز منه لكونه يخرج من غير اختيار.
مسألة: "ويعفى عن يسير الدم" في غير المائعات "وما تولد منه من القيح والصديد" لأنه لا يمكن التحرز منه فإن الغالب أن الإنسان لا يخلو من حكة أو بثرة. وروي عن جماعة من الصحابة الصلاة مع الدم ولم يعرف لهم مخالف. "وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس" لقول ابن عباس: قال الخلال: الذي استقر عليه قوله: إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.
مسألة: "ومني الآدمي" طاهر لأن عائشة رضي الله عنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه3. ولأنه بدء خلق الآدمي أشبه الطين. وعنه أنه نجس ويعفى عن يسيره كالدم لأن عائشة رضي الله عنها كانت تغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حديث صحيح4. وعنه لا يعفى عن يسيره لأنه يمكن التحرز منه.
مسألة: "وبول ما يؤكل لحمه طاهر" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال
ـــــــ
1 - رواه البخاري في أبواب الطهارة: 84- باب ما جاء في المذي يصيب الثوب: حديث رقم 115. وأبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 82- باب المذي: حديث رقم 210. وابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة: 70- باب الوضوء من المذي: حديث رقم 507. وأحمد في المسند 3/485.
2 - رواه البخاري في: 5- كتاب الغسل: 13- باب غسل المذي والوضوء منه: حديث رقم 269. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 4- باب المذي: حديث رقم 17.
3 - رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة 32-باب حكم المني: حديث حديث رقم 106,105. وأبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 85- باب ما جاء في المني يصيب الثوب: حديث رقم 116. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
4 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 64- باب غسل المني وفركه: حديث رقم 229. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 32- باب حكم المني: حديث رقم 108.
باب الآنية
لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها, لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" . وحكم المضبب بهما حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة.ـــــــ
إبل الصدقة وألبانها ولو كان نجسا ما أمرهم به متفق عليه1. وقال عليه السلام: "صلوا في مرابض الغنم" ولا تخلو من أبعارها ولم يكن لهم مصليات فدل على طهارته. قال الترمذي: حديث حسن2 فإن قيل: إنما أذن في شرب أبوال الإبل للتداوي قلنا: لا يصح ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء" . ورواه أحمد في كتاب الأشربة وفي لفظ رواه ابن أبي الدنيا في ذم المسكر: "إن الله لم يجعل في حرام شفاء" وعنه أنه نجس لأنه رجيع من حيوان أشبه بول ما لا يؤكل لحمه, وحكم الروث والمني حكم البول قياسا عليه.
باب الآنيية
مسألة: "لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة3" . وقال عليه السلام: "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر4 في بطنه نار جهنم" . متفق عليهما5. توعد عليه بالنار فدل على تحريمه, ولأن
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: - كتاب الوضوء: 66- باب أبوال الإبل والدواب: حديث رقم 97. ومسلم في: 28- كتاب القسامة: 2- باب حكم المحاربين المرتدين: حديث رقم 9, 10, 11.
2 - رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض: 25- باب الوضوء من لحوم الإبل: حديث رقم 184. والترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 142- باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم: حديث رقم 384. وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه في: 4- كتاب المساجد والجماعات: 12- باب: الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم: حديث رقم 768, 769.
3 - رواه البخاري في: 74- كتاب الأشربة: 28- باب آنية الفضة: حديث رقم 4.
4 - قوله: يجرجر, قال الحافظ في فتح الباري 10/99: بضم التحتانية, وفتح الجيم, وسكون الراء, ثم جيم مكسورة, ثم راء: من الجرجرة, وهو صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج, نحو صوت اللجام في فك الفرس. اهـ.
5 - رواه البخاري في: 74- كتاب الأشربة: 28- باب آنية الفضة: حديث رقم 5634. ومسلم في: 37- كتاب اللباس والزينة: 1- باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة: رقم 2,1.
من الفضة ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها واستعمال أواني أهل
ـــــــ
فيه سرفا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء.
مسألة: "وحكم المضبب بهما حكمهما" لأنه إذا استعمله فقد استعملهما "إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة", كتشعب القدح فلا بأس بها إذا لم يباشرها بالاستعمال لما روي أن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. رواه البخاري.1 واشترط أبو الخطاب أن يكون لحاجة لأن الرخصة وردت في شعب القدح وهو لحاجة, وقال القاضي: يباح من غير حاجة لأنه يسير.
مسألة: "ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها" ولو كانت ثمينة مثل الياقوت والبلور والعقيق, وغير ثمينة كالخزف والخشب والصفر والجلود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من تور من صفر2 وتور من حجارة3 ومن قربة4 وإداوة5 واغتسل من جفنة -روى البخاري من تور الصفر- وإنما جاز استعمال الثمين لأنه ليس فيه كسر قلوب الفقراء لأنه لا يعرفه إلا خواص الناس.
مسألة: "ويجوز استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها" .
وهم قسمان: من لا يستحل الميتة كاليهود فأوانيهم طاهرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة. أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في الزهد وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية. والثاني: من يستحل الميتات كعباد الأصنام والمجوس وبعض النصارى فما لم يستعملوه من آنيتهم فهو طاهر, وما استعملوه فهو نجس لما روى أبو ثعلبة الخشني قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ قال: "لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها" 6. متفق عليه. وما شك في استعماله فهو
ـــــــ
1 -رواه البخاري في: 74- كتاب الأشربة: 30- باب الشرب من قدح النبي وآنيته: حديث رقم 5638.
2 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 45- باب الغسل والوضوء في صلاة الليل وقيامه: حديث رقم 197.
3 - رواه أحمد في المسند 6/379.
4 - رواه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها: 26- باب الدعاء في صلاة وقيامه: حديث رقم 192.
5 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 48- باب المسح على الخفين: حديث رقم 203.
6 - رواه البخاري في: 72- كتاب الذبائح والصيد بالكلاب المعلمة: حديث رقم 8.
الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها, وصوف الميتة وشعرها طاهر وكل جلد ميتة
ـــــــ
طاهر؛ لأن الأصل طهارته. وذكر أبو الخطاب أن أواني الكفار طاهرة كذلك وفي كراهية استعمالها روايتان إحداهما: يكره لهذا الحديث. والثانية: لا يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل فيها فأما ثيابهم فما لم يلبسوا أو علا من ثيابهم كالعمامة والطيلسان فهو طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ثيابا من نسج الكفار, وما لاقى عوراتهم فقال الإمام أحمد رضي الله عنه: أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيها, فيحتمل وجوب الإعادة وهو قول القاضي لأنهم يتعبدون بالنجاسة، ويحتمل أن لا يجب وهو قول أبي الخطاب لأن الأصل الطهارة فلا تزول عنها بالشك. وعنه أن من لا تحل ذبيحتهم لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم إلا بعد غسلها لحديث أبي ثعلبة؛ لأنه يدل على غسل آنية من لا تحل ذبيحته لكونه أمر بغسل آنية أهل الكتاب وإن كانت ذبائحهم حلالا.
مسألة: "وصوف الميتة وشعرها طاهر" لأنه لا روح فيه ولا يحله الموت فلا ينجس بالموت كالبيض إذا كان في الدجاجة ودليل أنه لا روح فيه أنه لا يحس ولا يألم ولأنه لو انفصل حال الحياة كان طاهرا ولو كانت فيه حياة لتنجس بذلك لقوله عليه السلام: " ما أبين من حي فهو ميت" . رواه الترمذي بمعناه وقال: حديث حسن غريب1. والنمو لا يدل على الحياة بدليل الحشيش والبيض.
مسألة: "وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس" لما روى أحمد في مسنده بإسناده عن عبد الله بن عكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة: "كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا منها بإهاب ولا عصب" . قال الإمام أحمد إسناده جيد يرويه يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى2, قال الترمذي: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول: هذا آخر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ من جهينة. ولأنه جزء من الميتة فلم يطهر بالدباغ كاللحم. وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهرا حال الحياة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وجد شاة ميتة فقال: "هلا انتفعتم بجلدها" قالوا: إنها ميتة. قال: "إنما حرم أكلها" . وفي لفظ: "ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به" . رواه مسلم3. وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"4.
ـــــــ
1 - رواه الترمذي: 16- كتاب الصيد: 12- باب ما قطع من الحي فهو ميت: حديث رقم 1480.
2 - رواه أحمد في: المسند 4/310 و 311.
3 - رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض: باب طهارة جلود الميتة بالدباغ: حديث رقم 105.
4 - رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض: 27- باب طهارة جلود الميتة بالدباغ: حديث رقم 105.
دبغ أو لم يدبغ فهو نجس وكذلك عظامها وكل ميتة نجسة إلا الآدمي, وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: "هوالطهور ماؤه الحل ميتته" . وما لا نفس له سائله إذا لم يكن متولدا من النجاسات.
ـــــــ
مسألة: "وكذلك عظامها" لأن ذلك من أجزائها فيدخل في عموم قوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} .
مسألة: "وكل ميتة نجسة" لقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 "إلا الآدمي" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة: "سبحان الله إن المؤمن لا ينجس" . متفق عليه2. ولم يفرق بين الحياة والموت ولأنه لو نجس بالموت لم يجب غسله لأنه يكون تكثيرا للنجاسة, وعنه ما يدل على نجاسته بالموت لأنه حيوان له نفس سائلة أشبه سائر الحيوانات.
مسألة: "وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه" طاهر إذا مات حلال الأكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". قال الترمذي: حديث حسن صحيح3. وقال الله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ} 4. وحل الأكل يدل على الطهارة لأن النجس لا يحل أكله.
مسألة: "وما لا نفس له سائله" إذا مات فهو طاهر "إذا لم يكن متولدا من النجاسات" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله -أي يغمسه- ثلاث مرات ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء وأنه يتقي بالذي فيه الداء" 5. قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ولولا أنه طاهر بعد موته لما أمر بمقله ثلاثا: لأن الظاهر أنه يموت بذلك فيتنجس الطعام فيكون أمرا بإفساده ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل فإنه لا ينجس المائع الذي تولد منه إجماعا, وأما ما تولد من النجاسات فينجس لأن أصله نجس.
ـــــــ
1 - آية 3 سورة المائدة.
2 - رواه البخاري في: 5- كتاب الغسل: 23- باب عرق الجنب: حديث رقم 283. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 29- باب الدليل على أن المسلم لا ينجس: حديث رقم 117,116.
3 -رواه الترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 52- باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور: حديث رقم 69.
4 - آية 96 سورة المائدة.
5 - رواه البخاري في: 76- كتاب الطب: 58- إذا وقع الذباب في الإناء: حديث رقم 5782.
باب قضاء الحاجة.
يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله أعوذ بالله من الخبث
ـــــــ
باب قضاء الحاجةمسألة: "يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله" لما روي عن علي رضي الله
والخبائث, ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم. وإذا خرج قال: "غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج, ولا يدخله بشئ فيه ذكر الله تعالى إلا من حاجة, ويعتمد في جلوسه على
ـــــــ
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله" . رواه ابن ماجه1, ويقول أيضا ما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" . متفق عليه2, ويقول ما روى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يعجز أحدكم أن يقول إذا دخل مرفقه: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم" . رواه ابن ماجه3. قال أبو عبيد: الخبث بسكون الباء: الشر, والخبائث وقيل: الخبث بضم الباء والخبائث: ذكور الشياطين وإناثهم.
مسألة: "وإذا خرج قال: غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "غفرانك". رواه أبو داود والترمذي4, ولما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقول ذلك إذا خرج, أخرجه ابن ماجه5.
مسألة: "ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج" لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه
مسألة: "ولا يدخله بشيء فيه اسم الله تعالى إلا من حاجة" تنزيها له وقد روى أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه" . رواه أبو داود وقال: هذا حديث منكر6. وقيل إنما وضع خاتمه لأن فيه: محمد رسول الله فإن أدار في فصه إلى باطن كفه فلا بأس, فإن احتاج إلى ذلك دخل به وستره لأنها حالة ضرورة.
مسألة: "ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى" لأنه أسهل لخروج الخارج وروى
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة: 9- باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء: حديث رقم 297.
2 - رواه البخاري في: كتاب الوضوء: 9- كتاب ما يقول عند الخلاء: حديث رقم 122.
3 - رواه ابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة: 9- باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء: حديث رقم: 299, قال في الزوائد: إسناده ضعيف. وقال ابن حبان: موضوع.
4 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 17- باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء: حديث رقم 30. والترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 5- باب ما يقول إذا خرج من الخلاء: حديث رقم 7. وقال حسن غريب.
5 - رواه ابن ماجه في: 1- باب ما يقول إذا خرج من الخلاء: حديث رقم 300.
6 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 10 باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء: حديث رقم 19.
رجله اليسرى وإن كان في الفضاء أبعد واستتر ويرتاد لبوله موضعا رخوا ولا يبول في ثقب ولا شق ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة ولا يستقبل
ـــــــ
سراقة بن مالك قال: علمنا رسول صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى. رواه الطبراني في معجمه1.
مسألة: "وإن كان في الفضاء أبعد واستتر" لما روى المغيرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب أبعد رواه أبو داود2. وعن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الخلاء - يعني البراز - انطلق حتى لا يراه أحد رواه أبو داود3 وفي مسلم عن المغيرة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى حاجته فأبعد في المذهب حتى توارى عني4 ويستتر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره" , وفي حديث: خرج ومعه درقة فاستتر بها ثم بال رواهما أبو داود5.
مسألة: "ويرتاد لبوله موضعا رخوا" لكيلا يترشش عليه منه. قال أبو موسى: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبول فأتى دمثا6 في أصل جدار فبال ثم قال: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله" رواه أبو داود7.
مسألة: "ولا يبول في ثقب ولا شق" لما روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر قيل لقتادة: وما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال إنها مساكن الجن8 ولا يؤمن أن يخرج منه حيوان فيلسعه, أو يكون مسكنا للجن فيؤذيهم بذلك فيؤذونه.
مسألة: "ولا يبول في طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة" لأنه يؤذي الناس بذلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللاعنين", قالوا: وما اللاعنان؟ قال: "الذي يتخلى في
ـــــــ
1 -أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/206, وعزاه إلى الطبراني في الكبير, وقال: فيه رجل لم يسم. اهـ.
2 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 1- باب التخلي عند قضاء الحاجة: حديث رقم 1.
3 - المصدر عاليه: حديث رقم2.
4 - رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة 22- باب المسح على الخفين: حديث رقم 77.
5 -رواهما أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 18- باب الاستتار في الخلاء: حديث رقم 35. والثاني في: 11-باب الاستبراء من البول: حديث رقم 22.
6 - قوله: دمثا قال في النهاية 2/132: أصله من الدمث, وهو الأرض السهلة الرخوة, والرمل الذي ليس بمتبلد, يقال: دَمِث المكان دِمَثا: إذا لان وسهل. فهو دَمِث, ودَمْث. اهـ.
7 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 2- باب الرجل يتبوأ لبوله: حديث رقم 3.
8 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 16- باب النهي عن البول في الحجر: حديث رقم 29.
شمسا ولا قمرا, ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها" ويجوز ذلك في البنيان وإذا انقطع البول مسح
ـــــــ
طريق الناس أو في ظلهم" أخرجه مسلم1.
مسألة: "ولا يستقبل شمسا ولا قمرا" تكريما لهما, "ولا يستقبل القبلة" في الفضاء؛ لما روى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربوا" . قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا فيها مراحيض قد بنيت نحو القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل متفق عليه2. ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم إلى حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها3" .
مسألة: وفي استدبارها في الفضاء روايتان: إحداهما لا يجوز للخبر والأخرى يجوز لما روى ابن عمر قال: رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة متفق عليه4.
مسألة: وفي استقبالها في البنيان روايتان: إحداهما لا يجوز لعموم النهي والأخرى يجوز لما روى عراك عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم قال: "أقد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدي القبلة". قال الإمام أحمد: أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن وسماه مرسلا؛ لأن عراكا لم يسمع من عائشة. وعن مروان الأصغر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس فبال إليها. فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: إنما نهي عنه في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس. رواه أبو داود5.
مسألة: "واذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثا" ليخرج ما قرب من رأس الذكر ولا يخرج بعد الاستنجاء.
مسألة: "ولا يمس ذكره بيمينه ولا يستجمر بها" لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 20- باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال: حديث رقم 68.
2 - رواه البخاري في: 8- كتاب الصلاة: 29- باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام: حديث رقم 394. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 17- باب الاستطابة: حديث رقم 59.
3 -رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 17- باب الاستطابة: حديث رقم 60.
4 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 14- باب التبرز في البيوت: حديث رقم 148. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة 17- باب الاستطابة: حديث رقم 61, 62.
5 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 4- باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة: حديث رقم 11.
من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثا ولا يمس ذكره بيمينه ولا يستجمر بها ثم يستجمر وترا ثم يستنجي بالماء فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه, وإنما يجزئ
ـــــــ
قال: "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه" متفق عليه1. وقالت عائشة: كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى للخلاء وما سواه من أذى أخرجه أبو داود2.
مسألة: "ثم يستجمر وترا" لقوله عليه السلام: "من استجمر فليوتر" متفق عليه3. ولأبي داود: "من استجمر فليوتر" من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج4.
مسألة: "ثم يستنجي بالماء" لأن عائشة قالت: مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني أستحيهم. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله. قال الترمذي: حديث صحيح5.
مسألة: "فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه" إذا أنقى وأكمل العدد لقوله عليه السلام: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" رواه أبو داود6.
مسألة: "وإنما يجزئ الاستجمار إذا لم يتعد الخارج موضع الحاجة" مثل أن يتعدى إلى الصفحتين ومعظم الحشفة فلا يجزئ إلا الماء لأن ذلك نادر فلم يجزئ فيه المسح كيده.
مسألة: "ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية" إما بحجر ذي شعب ثلاث أو بثلاثه أحجار لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بثلاثة أحجار وقال: "فإنها تجزئ عنه" أخرجه أبو داود7 وقال: "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار" رواه مسلم8. فإن لم ينق بثلاث مسحات زاد حتى ينقي والإنقاء أن يخرج الأخير ليس عليه بلة.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 4- كتاب الطهارة: 18- باب النهي عن الاستنجاء باليمين: حديث رقم 153. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 18- باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار: حديث رقم 22.
2 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 17- باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء: حديث رقم 33.
3 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 25- باب الاستنثار في الوضوء: حديث رقم 161. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 8- باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار: حديث رقم 22.
4 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 18- باب الاستتار في الخلاء: حديث رقم 35.
5 - رواه الترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 15- باب ما جاء في الاستنجاء بالماء: حديث رقم 19.
6 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 20- باب الاستنجاء بالحجارة: حديث رقم 40.
7 - انظر تخريج الحديث عاليه.
8 - رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 17- باب الاستطابة: حديث رقم 57.
الاستجمار إذا لم يتعد الخارج موضع الحاجة ولا يجزئ أقل من ثلاث محات منقية ويجوز الاستجمار بكل طاهر ويكون منقيا إلا الروث والعظام وما له حرمة.
ـــــــ
مسألة: "ويجوز الاستجمار بكل طاهر" لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الروثة وقال: "إنها ركس" رواه البخاري1.
مسألة: "ويكون منقيا" لأنه المقصود من الاستجمار فلا يجزئ الزجاج والفحم الرخو لأنه لا ينقي
مسألة: "إلا الروث والعظام" لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن" رواه الترمذي2.
مسألة: "وما له حرمة" يعني لا يستنجي بما له حرمة كالطعام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستجمار بالروث والرمة وعلل ذلك بكونه زاد إخواننا من الجن أن لا نفسده عليهم فزادنا أولى أن لا يجوز الاستجمار به فإن حرمة بني آدم أعظم فحرمة زادهم أكثر, وكذلك الورق المكتوب وما يتصل بحيوان كيده وذنبه وصوفه المتصل به لأن له حرمة أشبه الطعام
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 21- باب لا يستنجي بروث: حديث رقم 156.
2 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 19- باب ما ينهى عنه أن يستنجى به: حديث رقم 39. والترمذي في: 1- أبواب الطهارة: 14- باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به: حديث رقم 18.
باب الوضوء.
لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ثم يقول: بسم الله
ـــــــ
باب الوضوءمسألة: "لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" . متفق عليه من حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه1.
مسألة: "ثم يقول: بسم الله" وهي سنة وليست واجبة لما روى سعيد في سننه عن مكحول أنه قال: إذا تطهر الرجل وذكر اسم الله تعالى طهر جسده كله وإذا لم يذكر اسم الله
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 1- كتاب بدء الوحي: 1- باب كيف كان بدء الوحي: حديث رقم 1. ومسلم في: 33- كتاب الإمارة: 45- باب قوله صلى الله عليه: "إنما الأعمال بالنية": حديث رقم 155.
يغسل كفيه ثلاثا ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا يجمع بينها بغرفة واحدة أو ثلاث ثم
ـــــــ
حين يتوضأ لم يطهر فيه إلا مكان الوضوء ونحوه عن الحسن بن عمار ولأن الوضوء عبادة فلا تجب فيه التسمية كسائر العبادات أو طهارة فلا تجب فيها التسمية كالطهارة من النجاسة, وعنه أنها واجبة مع الذكر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" . رواه أبو داود والترمذي1 إلا أن الإمام أحمد رضي الله عنه قال: ليس يثبت في هذا حديث ولا أعلم فيه حديثا له إسناد جيد.
مسألة: "ويغسل كفيه ثلاثا" وذلك سنة لأن عثمان وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات" متفق عليه2. ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.
مسألة: "ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا يجمع بينها بغرفة واحدة أو ثلاث" لما روى عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات. متفق عليه3. وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات. متفق عليه وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنثر ثلاثا ثلاثا من غرفة واحدة4, وإن أفرد لك عضو ثلاث غرفات جاز لأن الكيفية في الغسل غير واجبة.
والمضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين الصغرى والكبرى؛ لأن غسل الوجه فيهما واجب بغير خلاف وهما من الوجه ظاهرا يفطر الصائم بوصول القيء إليهما إذا استدعاه ولا يفطر بوضع الطعام فيهما ولا يحد بوضع الخمر فيهما, ولا تنشر حرمة الرضاع بوصول اللبن إليهما ويجب غسلهما من النجاسة وهذه أحكام الظاهر ولو كانا باطنين لانعكست هذه الأحكام.
وعنه أن الاستنشاق وحده واجب لأن فيه أحاديث صحاحا تخصه منها قوله عليه السلام: "من توضأ فليستنثر" وفي رواية لأبي داود: "فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر" متفق
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في 1- كتاب الطهارة: 47- باب التسمية عند الوضوء: حديث رقم 101, 102. والترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 20- باب ما جاء في التسمية عند الوضوء: حديث رقم 101, 102. والترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 20- باب ما جاء في التسمية عند الوضوء: حديث رقم 25, 26. وقال الشيخ شاكر في شرح سنن الترمذي 1/38: إسناده جيد. اهـ.
2 -رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء ثلاثا ثلاثا: حديث رقم 159. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 3- باب صفة الوضوء وكماله: حديث رقم 3, 4.
3 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 39- باب غسل الرجلين إلى الكعبين: حديث رقم 186. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 7- باب في وضوء النبي: حديث رقم 18.
4 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 41- باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة: حديث رقم 191.
يغسل وجهه ثلاثا من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا ويخلل لحيته إن كانت كثيفة وإن كانت تصف البشرة لزمه
ـــــــ
عليهما1 ولمسلم: "من توضأ فليستنشق" 2 وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا" 3 وهذا أمر يقتضي الوجوب.
وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى لأن الكبرى يجب فيها غسل كل ما أمكن غسله من الجسد كبواطن الشعور الكثيفة ولم يمسح فيها على الحوائل فوجبا فيها بخلاف الصغرى.
مسألة: "ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا" لما روي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا قال الترمذي: حديث علي أحسن شئ في هذا الباب وأصح4 وفي رواية ابن ماجه توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: "هذا وضوء الأنبياء من قبلي" 5. وفي حديث عثمان أنه توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام وركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم في ذنبه" رواه مسلم6. وقوله من منابت شعر الرأس أي في حق غالب الناس ولا يعتبر كل أحد في نفسه بل لو كان أصلع غسل إلى حد منابت الشعر في الغالب والأقرع الذي ينزل شعره في وجهه يغسل منه الذي ينزل عن حد الغالب.
مسألة: "ويخلل لحيته" كالشوارب "إن كانت كثيفة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته "وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها" لأنها إذا كانت تصف البشرة حصلت المواجهة بالبشرة فوجب غسلها وغسل الشعر الذي فيها تبعا لها, وإن كانت لا تصف البشرة حصلت المواجهة بها فأجزأ غسلها عن غسل البشرة.
مسألة: "ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ويدخل المرفقين في الغسل" لقوله
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 25- باب الاستنثار في الوضوء: رقم 161. و: 26- باب الاستجمار وترا: حديث رقم 162. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 8- باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار: حديث رقم 20. وأبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 54- باب في الاستنثار: حديث رقم 140.
2 - رواه مسلم في المصدر عاليه: رقم 21.
3 - ورواه أبو داود في: المصدر السابق: حديث رقم 141.
4 - رواه البخاري في: 1- كتاب الطهارة: 34- باب ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا: حديث رقم 44.
5 - رواه ابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة وسننها: 47- باب ما جاء في الوضوء: حديث رقم 420. قال في الزوائد: في إسناده زيد, هو العمي، هو ضعيف. وكذا الراوي عنه.
6 - رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 3- باب صفة الوضوء وكماله: حديث رقم 3.
غسلها ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ويدخلهما في الغسل ثم يمسح رأسه مع الأذنين يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه, ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ويدخلهما في الغسل ويخلل أصابعهما ثم يرفع نظره إلى
ـــــــ
سبحانه: {وأيديكم إلى المرافق} , ويجب غسل المرفقين لأن جابرا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه وهذا يصلح بيانا للآية.
مسألة: "ثم يمسح رأسه مع الأذنين" لقوله سبحانه: {وامسحوا برؤوسكم} ,1 وروى عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فمسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه" متفق عليه2 والباء في قوله: {برؤوسكم} , للإلصاق فكأنه قال: وامسحوا رءوسكم كقوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} . قال ابن برهان: من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه. وقوله: "مع الأذنين" أي أنهما من الرأس يمسحان معه لقوله صلى الله عليه وسلم: "والأذنان من الرأس" 3 رواه أبو داود وروت الربيع أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه و صدغيه وأذنيه مسحة واحدة رواه الترمذي وصححه4.
مسألة: "ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا" لقوله سبحانه: {وأرجلكم إلى الكعبين} وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فغسل رجليه متفق عليه5, وفعله مفسر لمجمل الآية ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقواما يتوضؤن وأعقابهم تلوح فقال: "ويل للأعقاب من النار" . رواه مسلم6.
مسألة: "ويخلل أصابعهما" لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: "أسبغ الوضوء وخلل الأصابع" وهو حديث صحيح7.
مسألة: "ثم يرفع نظره إلى السماء" إذا فرغ من وضوئه ثم يقول ما روى عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح الله له أبواب الجنة
ـــــــ
1 - آية 6 سورة المائدة.
2 - سبق تخرجه.
3 -رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 49- باب صفة وضوء النبي: رقم 134.
4 - رواه الترمذي في: 1- أبواب الطهارة: 26- باب ما جاء أن مسح الرأس مرة: حديث رقم 34. وقال: حديث حسن صحيح.
5 -سبق تخريجه في حديث عبد الله بن زيد.
6 -رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 9- باب وجوب غسل الرجلين بكاملهما: حديث رقم 25.
7 - رواه أبو داود في: كتاب الطهارة: 54- باب في الاستنثار: حديث رقم 142.
السماء فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والواجب من ذلك النية والغسل مرة مرة ما خلا الكفين ومسح الرأس كله وترتيب الوضوء على ما ذكرنا
ـــــــ
الثمانية يدخل من أيها شاء" رواه مسلم1.
مسألة: "والواجب من ذلك النية" وهي شرط لطهارة الأحداث كلها لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" متفق عليه2. ولأنها عبادة فلا تصح بغير نية كالصلاة ولأنها طهارة للصلاة فاعتبرت لها النية كالتيمم.
مسألة: "والغسل مرة مرة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال: "هذا وضوء من لم يتوضأ به لم يقبل الله منه صلاة" ثم توضأ مرتين مرتين وقال: "هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر" ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي" 3. أخرجه ابن ماجه وقوله: "ما خلا الكفين" يعني أن غسلهما غير واجب وقد ذكرنا ذلك في السنن.
مسألة: "ومسح الرأس كله" لحديث عبد الله بن زيد وقد سبق وعنه يجزئ مسح بعضه ونقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه وابن عمر مسح اليافوخ ودليله ما روى المغير بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وكمل المسح على عمامته4؛ ولأن من مسح بعض رأسه يقال مسح برأسه كما يقال مسح برأس اليتيم وقيل رأسه واختلف أصحابنا في قدر البعض المجزئ قال القاضي: قدر الناصية لحديث المغيرة وحكى أبو الخطاب عن أحمد لا يجزئ إلا مسح أكثره لأن الأكثر يطلق عليه اسم الشيء الكامل.
مسألة: "وترتيب الوضوء على ما ذكرنا" لأن الله سبحانه أمر بغسل الأعضاء وذكر فيها أي الأعضاء ما يدل على الترتيب فإنه أدخل ممسوحا بين مغسولين والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة والفائدة ها هنا الترتيب وسيقت الآية لبيان الواجب فيكون واجبا ولهذا لم يذكر فيها شيئا من السنن ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأمورا به.
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 6- باب الذكر المستحب عقب الوضوء: حديث رقم 17.
2 - سبق تخريجه.
3 - سبق تخريجه.
4 - رواه مسلم في: 2- باب المسح على الناصية والعمامة: حديث رقم 81, 83.
ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله. والمسنون التسمية, وغسل الكفين والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائما وتخليل اللحية والأصابع,
ـــــــ
والأمر يقتضي الوجوب وكل من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حكاه مرتبا وهو مفسر لما في كتاب الله تعالى وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا وقال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به1" أي بمثله.
مسألة: "ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله" وذلك هو الموالاة وفيها روايتان: إحداهما ليست واجبة لأن المأمور به الغسل وقد أتى به والثانية هي واجبة لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى أن رجلا ترك موضع ظفر من قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فأحسن وضوءك" فرجع ثم صلى رواه ومسلم2. وروى أبو داود والأثرم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة3, وقال الأثرم: ذكر أبو عبد الله إسناد هذا الحديث قلت له: إسناده جيد؟ قال: نعم ولو لم تجب الموالاة أجزأه غسلها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين الغسل وقوله: ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله. يعني في الزمان المعتدل, قال ابن عقيل: التفريق المبطل ما يفحش في العادة لأنه لم يحد في الشرع فيرجع فيه إلى العادة كالتفريق والإحراز.
مسألة: "والمسنون التسمية" وقد سبق بيانه "وغسل الكفين" وقد سبق أيضا "والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائما" وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف وفي المضمضة وهي إدارة الماء في أقصى الفم وهو مستحب إلا أن يكون صائما لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" أخرجه الترمذي وقال: حديث صحيح4.
مسألة: "وتخليل اللحية والأصابع" وقد سبق "ومسح الأذنين" مستحب أيضا لما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم: مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما, قال الترمذي: حديث صحيح5.
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 -رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 10- باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة: حديث رقم 31.
3 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 66- باب تفريق الوضوء: حديث رقم 175.
4 -سبق تخريجه.
5 - رواه الترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 28- باب ما جاء في مسح الأذنين: حديث رقم 36.
ومسح الأذنين, وغسل الميامن قبل المياسر, والغسل ثلاثا ثلاثا. وتكره الزيادة عليها والإسراف في الماء ويسن السواك عند تغير الفم وعند القيام من النوم
ـــــــ
مسألة: "وغسل الميامن قبل المياسر" لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله. متفق عليه1. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم" رواه أبو داود و ابن ماجه2, وحكى علي وعثمان رضي الله عنهما وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ باليمنى قبل اليسرى رواهما أبو داود3.
مسألة: "والغسل ثلاثا ثلاثا" لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي" . أخرجه ابن ماجه4.
مسألة: "وتكره الزيادة عليها" لما في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال: "هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه5.
مسألة: "ويكره الإسراف في الماء" لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على سعد وهو يتوضأ فقال: "لا تسرف" قال: يا رسول الله أفي الماء إسراف؟ قال: "نعم وإن كنت على نهر جار" رواه ابن ماجه6.
مسألة: "ويسن السواك" في جميع الأوقات لأن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل بيته بدأ بالسواك" . رواه مسلم7. وروى أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" رواه البخاري عن عائشة تعليقا8. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كثيرا ما يولع بالسواك.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 31- باب التيمن في الوضوء والغسل: حديث رقم 168. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 19- باب التيمن في الطهور وغيره: حديث رقم 67.
2 -رواه أبو داود في: 41- كتاب اللباس: 42- باب في الانتعال: حديث رقم 4141. وابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة: 42- باب التيمن في الوضوء: حديث رقم 402.
3 - رواهما أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 49- باب صفة وضوء النبي: حديث رقم 106, 108, 111.
4 - سبق تخريجه.
5 -رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 50-باب الوضوء ثلاثا ثلاثا: حديث رقم 135. والنسائي في: 1- كتاب الطهارة: 106- باب الاعتداء في الوضوء: حديث رقم 1. وابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة: 48- باب ما جاء في القصد في الوضوء: حديث رقم 422.
6 - رواه ابن ماجه في: المصدر عاليه: حديث رقم 425. وقال في الزوائد: إسناده ضعيف.
7 -رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 15- باب السواك: حديث رقم 44.
8 - رواه البخاري في: 30- كتاب الصوم: 27- باب سواك الرطب واليابس للصائم.
وعند الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال.
ـــــــ
مسألة: ويتأكد استحبابه في ثلاثة مواضع: "عند تغير الفم" لأن الأصل استحبابه لإزالة الرائحة. "وعند القيام من النوم" لما روى حذيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك متفق عليه1. يعني يغسله يقال: شاصه وماصه إذا غسله وعند الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" متفق عليه2.
مسألة: "ويستحب في سائر الأوقات" لما سبق "إلا للصائم بعد الزوال" فلا يستحب قال ابن عقيل: لا يختلف المذهب أنه لا يستحب للصائم السواك بعد الزوال وهل يكره؟ على روايتين: إحداهما: يكره لأنه يزيل خلوف فم الصائم وهو أطيب عند الله من ريح المسك ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعا فكرهت إزالته كدم الشهيد والثانية: لا يكره لأن عامر بن ربيعة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم قال الترمذي: حديث حسن3.
ـــــــ
1 -رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 73- باب السواك: حديث رقم 245. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 73- باب السواك: حديث رقم 245. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 15- باب السواك: حديث رقم 46.
2 - رواه البخاري في: 11- كتاب الجمعة: 8- باب السواك يوم الجمعة: حديث رقم 887. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 15- باب السواك: حديث رقم 42.
3 - رواه الترمذي في: 6- كتاب الصوم: 29- باب ما جاء في السواك للصائم: حديث رقم 725. رواه البخاري في: 8- كتاب الصلاة: 25- باب الصلاة في الخفاف: حديث رقم 387. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 22- باب المسح على الخفين: حديث رقم 72.
باب مسح الخفين
يجوز المسح على الخفين وما أشبههما من الجوارب الصفيقة التيـــــــ
باب المسح على الخفين
مسألة: "يجوز المسح على الخفين" من غير خلاف لما روى جرير قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه متفق عليه قال إبراهيم: كان يعجبي هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.
مسألة: "ويجوز المسح على الجوارب والجراميق" لما روى المغيرة أن رسول الله
تثبت في القدمين, والجراميق التي تجاوز الكعبين في الطهارة الصغرى -يوما وليلة للمقيم وثلاثا للمسافر من الحدث إلى مثله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمسح المسافر
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين" أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح1. قال أحمد: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والجرموق في معنى الخف لأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف.
مسألة: ويشترط للجورب "أن يكون صفيقا يستر القدم" لأنه إذا كان خفيفا يصف القدم لم يجز المسح عليه لأنه غير ساتر فلم يجز المسح عليه كالخف المخرق.
مسألة: ويشترط "أن يثبت في القدم" بنفسه من غير شد فإن كان يسقط من القدم لسعته أو ثقله لم يجز المسح عليه لأن الذي تدعو الحاجة إليه هو الذي يثبت بنفسه, ولأن الأصل في المسح هو الخف وغيره مقيس عليه والخف يثبت بنفسه فما لا يثبت بنفسه لا يلحق به.
مسألة: ويشترط في الجرموق "أن يجاوز الكعبين" لأنهما من محل الفرض فيشترط سترهما كبقية القدم
مسألة: ويختص المسح "بالطهارة الصغرى" دون الكبرى لما روى صفوان بن عسال المرادي قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين -أو سفرا- أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم, حديث صحيح2. إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها في الكبرى أيضا إلى أن يحلها لحديث صاحب الشجة وسيأتي إن شاء الله.
مسألة: ويمسح المقيم "يوما وليلة وثلاثا للمسافر" لما روى عوف بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بالمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم3. قال أحمد: هذا أجود حديث في المسح لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخر فعله. وعن علي رضي الله عنه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. رواه مسلم4.
مسألة: وابتداء مدة المسح من الحدث بعد اللبس إلى مثله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ـــــــ
1 - رواه الترمذي في: 1- أبواب الطهارة: 74- باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين: حديث رقم 99.
2 -رواه الترمذي في: 1- باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم: حديث رقم 96.
3 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/259, وعزاه إلى البزار والطبراني في الأوسط, وقال: رجاله رجال الصحيح. اهـ.
4 - رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة: 24- باب التوقيت في المسح على الخفين: حديث رقم 85.
ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يوما وليلة ومتى مسح ثم انقضت المدة - أو خلع قبلها - بطلت طهارته ومن مسح مسافرا ثم أقام - أو مقيما ثم سافر - أتم مسح مقيم ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة
ـــــــ
"يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يوما وليلة" وقوله: يمسح المسافر يعني يستبيح المسح وإنما يستبيحه من حين الحدث ولأنها عبادة موقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة وعنه من المسح بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح ثلاثة أيام فاقتضى أن تكون الثلاثة كلها يمسح فيها.
مسألة: "ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبلها بطلت طهارته" لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال بطلت الطهارة في القدمين فبطلت في جميعها؛ لأنها لا تتبعض وعنه يجزيه مسح رأسه وغسل قدميه في ذلك كله لأنه زال بدل غسلهما فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء.
مسألة: "ومن مسح مسافرا ثم أقام أتم مسح مقيم " لأنها عبادة يختلف حكمها في الحضر والسفر فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم الحضر كالصلاة".
مسألة: "وإن مسح مقيما ثم سافر أتم مسح مقيم" كذلك وعنه يتم مسح مسافر لقوله عليه السلام: "يمسح المسافر ثلاثة أيام" وهذا مسافر واختار هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز الخلال وقال: رجع أحمد عن قول الأول إلى هذا.
مسألة: "ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة" لما روى المغيرة قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة, حديث صحيح. وعن عمرو بن أمية قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه1 رواهما البخاري ويشترط أن يكون لها ذؤابة أو محنكة لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة, وقد نهي عن التشبه بهم فلم تستبح بها الرخصة كالخف المغصوب وإن كانت ذات حنك ولم يكن لها ذؤابة جاز المسح عليها لأنها تفارق عمائم أهل الذمة.
مسألة: "ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه" عفي عنه للحرج
مسألة: "ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة" لما روى المغيرة قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه قال: "دعهما فإني
ـــــــ
1 - الأول سبق تخريجه. والثاني رواه البخاري في: كتاب الوضوء: 48- باب المسح على الخفين: حديث رقم 204, 205.
ويجوز المسح على الجبيرة إذا لم يتعد بشدها موضع الحاجة إلى أن يحلها والرجل والمرأة في ذلك سواء إلا أن المرأة لا تمسح على العمامة.
ـــــــ
أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما" متفق عليه1.
مسألة: "ويجوز المسح على الجبيرة" لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي أصابه حجر في رأسه فشجه: "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعمر -أو يعصب- على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده". رواه أبو داود2 وعن علي رضي الله عنه قال: انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح عليها رواه ابن ماجه3؛ ولأنه ملبوس يشق نزعه أشبه الخف.
مسألة: وفي اشتراط تقدم الطهارة لها روايتان: إحداهما يشترط كالخف فإن لبسها على غير طهارة أو جاوز بها موضع الحاجة وخاف الضرر بنزعها تيمم لها كالجريح, والثانية لا يشترط لأنه مسح أجيز للضرورة فلم يشترط تقدم الطهارة له كالتيمم.
مسألة: "ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة" لأن المسح عليها إنما جاز للضرورة فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة ويمسح عليها "إلى أن يحلها" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
مسألة: "والرجل والمرأة في ذلك سواء" لأن ذلك ثبت رخصة وما ثبت رخصة استوى فيه الرجل والمرأة كسائر الرخص وهذا في الخف وما في معناه والجبيرة فأما العمامة فلا يجوز المسح عليها للمرأة لأنها إن لبستها لغير حاجة فهي محرمة عليها لتشبهها بالرجال والرخص لا تستباح بالمعصية. وإن احتاجت إلى لبسها فهو نادر لا يفرد بحكم. والله اعلم.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 49- باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان: حديث رقم 206. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 22- باب المسح على الخفين: حديث رقم 79.
2 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 125- باب في المجروح يتيمم: حديث رقم 79.
3 - رواه ابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة وسننها: 134- باب المسح على الجبائر: حديث رقم 657. قال في الزوائد: في إسناده عمر ابن خالد, كذبه الإمام أحمد وابن معين. وقال وكيع وأبو زرعة: يضع الحديث.
باب نواقض الوضوء
وهي سبعة: الخارج من السبيلين.
والخارج النجس من سائر البدن إذا فحش.
ـــــــ
باب نواقض الوضوء"وهي سبعة: أحدها: الخارج من السبيلين" قليلا كان أو كثيرا وهو نوعان: معتاد
وزوال العقل إلا النوم اليسير جالسا أو قائما
ـــــــ
كالبول والغائط فينقض بغير خلاف قاله ابن عبد البر قال الله سبحانه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} 1, والثاني: نادر كالدود والشعر والحصى فينقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: "توضئ لكل صلاة" رواه أبو داود2. ودمها غير معتاد ولأنه خارج من السبيلين أشبه المعتاد.
الثاني: خروج النجاسات "من سائر البدن" وذلك نوعان: غائط وبول فينقض قليله وكثيره لدخوله في عموم النص المذكور. والثاني: دم وقيح فينقض كثيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: "إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة" رواه الترمذي3. علل بكونه دم عرق وهذا كذلك ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل ولا ينقض يسيره لقول ابن عباس في الدم: إذا كان فاحشا فعليه الإعادة. قال أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه: ابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ, وابن أبي أوفى عصر دملا وابن عباس قال: إذا كان فاحشا وابن المسيب أدخل أصابعه العشر أنفه فأخرجها ملطخة بالدم وهو في الصلاة ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا.
الثالث: "زوال العقل" وهو نوعان: أحدهما النوم لقوله عليه السلام: "العينان وكاء 4 السه فمن نام فليتوضأ" 5: لكن من بول وغائط ونوم6, ولأن النوم هو مظنة الحدث فقام مقامه كسائر المظنات ولا يخلو من أربعة أحوال: أحدهما أن يكون مضطجعا على شقه أو متكئا أو مستلقيا أو معتمدا على شيء فينقض قليله للخبر,وعنه في المسند: والمحتبي إذا كثر, فمفهومه أنه لا ينقض اليسير ذكرها القاضي في الوجهين. والثاني: أن يكون جالسا غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله لما روى أنس بن مالك: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضأون رواه
ـــــــ
1 - آية 6 سورة المائدة.
2 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 111- باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر: حديث رقم 297, 298.
3 - رواه الترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 93- باب ما جاء في المستحاضة: حديث رقم 125. وقال: حديث حسن صحيح.
4 - قوله: وكاء السه, الوكاء: هو ما تشد به رأس القربة ونحوها. والسه: من أسماء الدبر.
5 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 79- باب الوضوء من النوم: حديث رقم 203. وابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة: 62- باب الوضوء من النوم: حديث رقم 477.
6 - سبق تخريجه.
ولمس الذكر بيده
ـــــــ
مسلم1. ولأنه يشق التحرز منه وأكثر وجوده في منتظري الصلاة فعفي عنه, وإن كثر نقض لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه. الثالث القائم فيه روايتان: أولاهما إلحاقه بحالة الجلوس لأنه في معناه والثانية: ينقض يسيره لأنه لا يتحفظ تحفظ الجالس. الرابع: الراكع والساجد فيه روايتان: أولاهما أنه كالمضطجع. والثانية: أنه كالجالس لأنه على حال من أحوال الصلاة أشبه الجالس والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف والعادة. النوع الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر فينقض الوضوء لأنه لما نص على النقض بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء لأنها أبلغ في إزالة العقل ولا فرق بين الجالس وغيره والقليل والكثير لأن صاحب هذه الأمور لا يحس بحال بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه.
الرابع: "لمس الذكر بيده " وفيه ثلاث روايات إحداهن لا ينقض لما روى قيس بن طلق عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس فرجه وهو في الصلاة قال: "وهل هو إلا بضعة منك". رواه أبو داود2 وصححه الطحاوي وغيره وضعفه الشافعي وأحمد, قال أبو زرعة: قيس لا تقوم به روايته حجة وقيل منسوخ. والثانية: ينقض لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ" . قال أحمد: هو حديث صحيح3, وروى أبو هريرة نحوه وهو متأخر عن حديث طلق لأن في حديث طلق أنه قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة قدم حين فتحت خيبر فيكون ناسخا له, وسواء مسه ببطن الكف أو بظهره ولأن أبا هريرة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما ستر فليتوضأ" رواه أحمد في مسنده 4332 واليد المطلقة تتناول اليد إلى الكوع لأنه لما قال: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 4 في حق السارق تناول ذلك لا غير.
مسألة: ولا ينقض اللمس بالذراع لأنه ليس من اليد الرواية الثالثة إن قصد إلى مسه نقض ولا ينقض من غير قصد لأنه لمس فلم ينقض من غير قصد كلمس النساء.
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض: 33- باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء: حديث رقم 125.
2 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 70- باب الرخصة في ذلك: حديث رقم 182.
3 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 69- باب الوضوء من مس الذكر: حديث رقم 181. والترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 61- باب الوضوء من مس الذكر: حديث رقم 82. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند 2/223, 5/194, 6/406 و407.
4 - آية 38 سورة المائدة.
وأن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة والردة عن الإسلام وأكل لحم الجزور لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم توضئوا منها". قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" . ومن تيقن الطهارة
ـــــــ
الخامس: أن تمس بشرته بشرة أنثى" وفيه ثلاث روايات: إحداهن ينقض بكل حال لقوله سبحانه: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} والثانية: لا ينقض بحال روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ رواه أبو داود وقال هو مرسل؛ لأنه يرويه إبراهيم النخعي عن عائشة ولم يسمع منها1. وقالت عائشة: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد رواه مسلم2. ولو بطل وضوؤه لفسدت صلاته. والرواية الثالثة: وهي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان "لشهوة" ولا ينقض لغير شهوة جمعا بين الآية والخبر ولأن اللمس ليس بحدث إنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث كالنوم ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة وذات المحرم وغيرها لعموم الدليل فيه.
السادس: "الردة عن الإسلام" وهو أن ينطق بكلمة الكفر أو يعتقدها أو يشك شكا يخرجه عن الإسلام فينتقض وضوؤه لقول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 3, والطهارة عمل ولأن الردة حدث لقول ابن عباس: الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان فيدخل في عموم قوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ". متفق عليه4. ولأنها طهارة عن حدث فأبطلتها الردة كالتيمم.
السابع: "أكل لحم الجزور" لما روى جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم توضأ من لحوم الإبل" 5 رواه مسلم. قال أحمد: حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث البراء بن عازب وحديث جابر بن سمرة.
مسألة: "ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 68- باب الوضوء من القبلة: حديث رقم 178.
2 - رواه مسلم في: 4- كتاب الصلاة: 42- باب ما يقال في الركوع والسجود: حديث رقم 221, 222.
3 - آية 65 سورة الزمر.
4 - رواه البخاري في: 4- باب وجوب الطهارة للصلاة بغير طهور: حديث رقم 135. ومسلم في: كتاب الطهارة: 2- باب وجوب الطهارة للصلاة: حديث رقم 2.
5 - رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض: 25- باب الوضوء من لحوم الإبل: حديث رقم 97.
وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما.
ـــــــ
على ما تيقن منهما" لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه هل خرج منه شيء أم لم يخرج فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" . متفق عليه1؛ ولأن اليقين لا يزول بالشك.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 4- باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن: حديث رقم 137. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 26- باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك: حديث رقم 98, 99.
باب الغسل من الجنابة
والموجب له خروج المني وهو الماء الدافق والتقاء الختانين والواجب فيه النية
ـــــــ
باب الغسل من الجنابةمسألة: "والموجب له خروج المني الدافق" بلذة لأن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم إذا رأت الماء" متفق عليه1.
مسألة: "والتقاء الختانين" وهو تغييب الحشفة في الفرج وإن عرى عن الإنزال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل". رواه مسلم2. وختان الرجل الجلدة التي تبقى بعد القطع وختان المرأة جلدة في أعلى الفرج يقطع منها في الختان فإذا غابت الحشفة في الفرج تحاذي ختاناهما فيقال التقيا وإن لم يتماسا وغير ذلك مقيس عليه لأنه فرج أشبه قبل المرأة.
مسألة: "والواجب فيه النية وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق" واعلم أن الغسل ضربان: كمال وإجزاء فالكمال أن يتوضأ للصلاة ثم يغتسل, وقد دل عليه حديث عائشة وميمونة فروت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثا وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده, وقالت ميمونة: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 3- كتاب العلم: 50- باب الحياء في العلم: حديث رقم 130. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 7- باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها: حديث رقم 32.
2 - رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض: 22- باب نسخ الماء من الماء: حديث رقم 88.
وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق وتسن التسمية ويدلك بدنه بيده ويفعل كما روت ميمونة قالت: سترت النبي صلى الله عليه وسلم فاغتسل من الجنابة فبدأ فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه, ثم ضرب بيده على الحائط والأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفاض الماء على بدنه, ثم تنحى فغسل رجليه ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روى أصوله وإذا نوى بغسله
ـــــــ
شماله فغسل مذاكيره ثم ضرب يده بالأرض -أو الحائط- مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنثق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض الماء على رأسه, ثم غسل سائر جسده فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيديه. متفق عليهما1.
مسألة: وأما صفة الإجزاء فهو أن يعم بدنه بالماء في الغسل وينوي به الغسل والوضوء ويتمضمض ويستنشق لأن ذلك هو المأمور به بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} 2, وقوله: {حَتىَّ تَغْتَسِلُوا} .
مسألة: "وتسن التسمية" لما سبق في الوضوء: "وأن يدلك بدنه بيده" ليصل الماء إلى جميع بدنه
مسألة: "ولا يجب نقض الشعر" لأن الله سبحانه وتعالى قال: {حَتىَّ تَغْتَسِلُوا} 3 أوجب الغسل ولم يذكر نقض الشعر ولو كان واجبا لذكره لكن يجب غسله وتروية أصوله لقوله عليه السلام: "تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة" 4.
مسألة: "وإذا نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما" لأنهما عبادتان من جنس فتدخل الصغرى في الكبرى كالعمرة مع الحج وهو صفة الإجزاء لما سبق وعنه لا يجزئ الغسل عن الوضوء لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك, ولأن الجنابة والحدث وجدا منه فوجبت لهما الطهارتان كما لو كانا متفرقين
ـــــــ
1 - الأول: رواه البخاري في: 1- كتاب الغسل: 15- باب تخليل الشعر: حديث رقم 272. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 9- باب صفة غسل الجنابة: حديث رقم 35. والثاني: رواه البخاري في: 5- كتاب الغسل: 16- باب من توضأ في الجنابة: حديث رقم 274. ومسلم في: المصدر عاليه: حديث رقم 37.
2 - آية 6 سورة المائدة.
3 - سورة النساء.
4 - رواه أبو داود في: كتاب الطهارة: 97- باب الغسل من الجنابة: حديث رقم 248. وقال: فيه الحارث بن وجيه, حديثه منكر وهو ضعيف. والترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 78- باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة: حديث رقم 106. وقال: حديث الحارث حديث غريب, وهو شيخ ليس بذاك.
الطهارتين أجزأ عنهما وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى بهما وجهه وكفيه.
ـــــــ
مسألة: "وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها" لما سبق "وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى" لقوله عليه السلام: "ليس للمرء من عمله إلا ما نوى" .
باب التيمم
وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: "إنما كان يكفيك هكذا" وضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه, وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز وله شروط أربعة:
ـــــــ
باب التيمموصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمار: "إنما كان يكفيك هكذا" وضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه" متفق عليه1. وقال القاضي: المسنون ضربتان يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين. لما روى ابن الصمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" ولنا ما سبق, وأما حديث ابن الصمة ففي الصحيح: "سح وجهه ويديه" فيكون حجة لنا لأن اليد عند إطلاق الشرع تتناول اليد إلى الكوع بدليل قوله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً} 2, وذكر الضربتين فيه فلم يصح قال أحمد: من قال ضربتين فإنما هو شئ زاده.
مسألة: "وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز" لحديث ابن الصمة فإنه دل على جواز التيمم بضربتين وحديث عمار يدل على الإجزاء بضربة ولا تنافي بينهما ولأن الله سبحانه قال: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} , ولم يذكر عددا ومن ضرب ضربتين أو مسح أكثر من اليد فقد وفى بموجب النص.
مسأله: "وله شروط أربعة:
أحدهما: العجز عن استعمال الماء إما لعدمه" لقوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} , "أو لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد" أو جرح لقوله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} , ولحديث عمرو: احتلمت في ليلة باردة فخشيت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت وصليت
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 7- كتاب التيمم: 4- باب المتيمم هل ينفخ فيهما: حديث رقم 338. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 28- باب التيمم: حديث رقم 112.
2 - آية 43 سورة النساء.
أحدها: العجز عن استعمال الماء إما لهدمه أو لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد أو لخوف العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه أو تعذر إلا بثمن كثير فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه أو وجد ماء لا يكفيه لطهارته استعمله وتيمم للباقي.
والثاني: دخول الوقت فلا يتيمم
ـــــــ
بأصحابي وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم يأمره بالإعادة رواه أبو داود1.
مسألة: "أو لخوف العطش على نفسه" حكاه ابن المنذر إجماعا "أو لخوفه على رفيقه أو بهيمته أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه" لأنه خائف الضرر باستعماله فجاز له التيمم لقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرار" 2.
مسألة: "أو تعذر إلا بثمن كثير" يزيد على ثمن المثل أو لمن يعجز عن أدائه كذلك.
مسألة: "فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه" ولم يمكن في بعضه كالمجروح استعمله وتيمم للباقي لأنه خائف على نفسه أشبه المريض.
مسألة: "وإن وجد ماء لا يكفي لزمه استعماله وتيمم للباقي" لقوله عليه السلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" 3. هذا إن كان جنبا وإن كان محدثا فعلى وجهين: أحدهما يلزمه استعماله كالجنب. والثاني: لا يلزمه وهذا مبني على وجوب الموالاة وفيها روايتان فإن قلنا بوجوبها لم يلزمه استعماله لأنه لا يفيد, وإن قلنا إنها غير واجبة لزمه لأنها تفيد رفع الحدث عن بعض بدنه, وأما الجنابة فليس فيها موالاة لأن الأصل عدم الموالاة في الطهارتين؛ لأن الله أمر بالغسل فيها وإنما وجبت في الوضوء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي رأى في قدمه لمعة لم يصبها الماء بإعادة الوضوء والصلاة أخرجه أبو داود4. فبقي غسل الجنابة على.الأصل
الشرط الثاني: "دخول الوقت فلا يجوز التيمم لفرض قبل دخول وقته ولا لنافلة في وقت النهي عنها" لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم فلم يجز تيممه كما لو تيمم وهو واجد
ـــــــ
1- رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 124- باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم: حديث رقم 334.
2- رواه مالك في: 36- كتاب الأقضية: 26- باب القضاء في المرفق: حديث رقم 31. وإسناده منقطع. وابن ماجه في: 13- كتاب الأحكام: 17- باب من بنا في حقه ما يضر بجاره: حديث رقم 2340, 2341. وفيهما ضعف. وأحمد في: المسند 5/327.
3 - رواه البخاري في: 96- كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: 2- باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديث رقم 7288. ومسلم في: 43- كتاب الفضائل: 37- باب توقيره صلى الله عليه وسلم: حديث رقم 130.
4 - سبق تخريجه.
لفريضة قبل وقتها ولا لنافلة في وقت النهي عنها.
الثالث: النية. فإن تيمم لنافلة لم يصل بها فرضا وإن تيمم لفريضة فله فعلها وفعل ما شاء من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها.
الرابع: التراب فلا يتيمم إلا بتراب طاهر له غبار ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء وخروج الوقت والقدرة على استعمال الماء وإن كان في الصلاة
ـــــــ
الماء ولأن التيمم إنما جاز للحاجة إلى الصلاة وقبل الوقت هو غير محتاج إلى الصلاة وكذلك وقت النهي
الشرط الثالث: "النية" لقوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات"1 .
مسألة: "فإن تيمم لنافلة لم يصل به فرضا" لأن التيمم لا يرفع الحدث فلا يباح الفرض حتى ينويه لقوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات"2 .
مسألة: "وإن تيمم لفريضة فله فعلها" لأنه نواها "وله فعل ما شاء من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها" لأنها طهارة أباحت فرضا فأباحت سائر ما ذكرناه أشبه الوضوء.
الشرط الرابع: "التراب فلا يتيمم إلا بتراب طاهر" لأن الله سبحانه قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} . قال ابن عباس: الصعيد تراب الحرث والطيب: الطاهر ويشترط أن يكون "له غبار" لقوله سبحانه: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} . ومن للتبعيض وما لا غبار له لا يمسح بشيء منه.
مسألة: "ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء" لأنه بدل عنه.
مسألة: "ويبطل بخروج الوقت" لأنها طهارة ضرورة فتقدر بقدر الضرورة, وقدر الضرورة الوقت فتفيد به لأنه وقت الحاجة.
مسألة: "ويبطل بالقدرة على استعمال الماء" : لقوله عليه السلام: "التراب كافيك ما لم تجد الماء فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك" أخرجه أبو داود3.
مسألة: وتبطل طهارته "وإن كان في الصلاة" لأنه لو كان خارج الصلاة لبطلت فكذلك في الصلاة
ـــــــ
1-2- سبق تخريجه.
3 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 123- باب الجنب يتيمم: حديث رقم 333.
باب الحيض
ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة ووجوبها
ـــــــ
باب الحيض"ويمنع" الحيض "عشرة أشياء: فعل الصلاة ووجوبها" . لقوله عليه السلام: "إذا
وفعل الصيام والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد والوطء في الفرج
ـــــــ
أقبلت الحيضة فدعي الصلاة". متفق عليه1. وقالت عائشة رضي الله عنها: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. متفق عليه2. ولو كانت واجبة لأمر بقضائها.
مسألة: "وفعل الصيام" ولا يسقط وجوبه لحديث عائشة رضي الله عنها وقال صلى الله عليه وسلم: "أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل قلن بلى". رواه البخاري3.
مسألة: "والطواف" بالبيت لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إذا حضت فافعلى ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري" . متفق عليه4.
مسألة: "وقراءة القرآن" لقوله عليه السلام: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن" . رواه أبو داود5
مسألة: "ومس المصحف" لقوله سبحانه: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 6.
مسألة: "واللبث في المسجد" لقوله عليه السلام: "لا أحل المسجد لحائض" رواه أبو داود7.
مسألة: "والوطء في الفرج" لقوله سبحانه: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 8, ولقوله عليه السلام: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" . رواه أبو داود9
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء: 63- باب غسل الدم: حديث رقم 228, و: 6- كتاب الحيض: 8- باب الاستحاضة: حديث رقم 306. و: 19- باب إقبال المحيض وإدباره: حديث رقم 320. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 14- باب المستحاضة وغسلها وصلاتها: حديث رقم 62.
2 - رواه البخاري في: 6- كتاب الحيض: 20- باب لا تقضي الحائض الصلاة: حديث رقم 321. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 15- باب وجوب قضاء الصوم على الحائض: حديث رقم 67, 68, 69.
3 - رواه البخاري في: 6- كتاب الحيض: 6- باب ترك الحائض الصوم: حديث رقم 304.
4 - رواه البخاري في: 6- كتاب الحيض: 7- باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: حديث رقم 305.
5 - رواه الترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 98- باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن شيئا من القرآن: حديث رقم 131.
6 - آية 79 سورة الواقعة.
7 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 92- باب في الجنب يدخل المسجد: حديث رقم 232.
8 - آية 222 سورة البقرة.
9 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 102- في مؤاكلة الحائض ومجامعتها: حديث رقم 258.
وسنة الطلاق والاعتداد بالأشهر ويوجب الغسل والبلوغ والاعتداد به فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم والطلاق ولم يبح سائرها حتى تغتسل ويجوز
ـــــــ
مسألة: "وسنة الطلاق" لأن ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجعة حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك. رواه البخاري.
مسألة: "والاعتداد بالأشهر" لأنها إذا صارت ممن تحيض اعتدت بالحيض لقوله سبحانه: َ { تَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1.
مسألة: "ويوجب الغسل" لقوله عليه السلام: "دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي" متفق عليه2.
مسألة: "والبلوغ" يعني يثبت به البلوغ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار3" أوجب عليها السترة بوجود الحيض فدل على أن التكليف حصل به. وإنما يحصل ذلك بالبلوغ
مسألة: "والاعتداد به" يعني إذا وجد اعتدت به لقوله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} , وقبل أن تحيض كانت تعتد بالشهور لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 4.
مسألة: "فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم" للحائض كما يباح للجنب.
مسألة: "ويباح الطلاق" إذا انقطع الدم لأنه إنما حرم طلاق الحائض وهذه طاهر.
مسألة: "ولا يباح سائرها حتى تغتسل" أما الصلاة فلا تباح لها لقيام الحدث بها وكذا الطواف لأنه صلاة ولا يباح لها قراءة القرآن ولا مس المصحف ولا اللبث في المسجد لقيام الحدث الأكبر بها ولما سبق في أول الباب. ولا يباح الوطء في الفرج لأن الله سبحانه أباحه بشرطين انقطاع الدم والغسل بقوله سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} , معناه حين ينقطع دمهن ثم قال: {فإذا تطهرن} , معناه اغتسلن {فَأْتُوهُنَّ} .
ـــــــ
1 - آية 228 سورة البقرة.
2 - رواه البخاري في: 6- كتاب الحيض: 8- باب الاستحاضة: حديث رقم 306. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 14- باب المستحاضة وغسلها وصلاتها: حديث رقم 65, 66.
3 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 83- باب المرأة تصلي بغير خمار: حديث رقم 641. والترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 160- باب ما جاء: لا يقبل الله صلاة المرأة إلا بخمار: حديث رقم 377. وقال: حديث حسن. وأحمد في: المسند 1/96 و150 و 218.
4 - آية 4 سورة الطلاق.
الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء غير النكاح" .
وأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما ولا حد لأكثره وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين وأكثره ستون.
ـــــــ
مسألة: و أما منع الاعتداد بالأشهر فباق لأنها صارت ممن تحيض فعدتها الحيض.
مسألة: "ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج" كالقبلة ونحوها لما روي أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض متفق عليه1. و قال عليه السلام: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" 2.
مسألة: "وأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما" لأن الشارع علق على الحيض أحكاما ولم يبين أقله وأكثره فعلم أنه رد ذلك إلى العرف والعرف شاهد بذلك قال عطاء: رأينا من تحيض يوما ورأينا من تحيض خمسة عشر يوما وحكي ذلك عن غيره.
مسألة: "وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما" لما روى عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن امرأة ادعت انقضاء عدتها في شهر فقال لشريح: قل فيها. قال: إن جاءت ببطانة من أهلها يشهدون أنها حاضت في شهر ثلاث مرات تترك الصلاة فيها وإلا فهي كاذبة. فقال علي: قالون يعني جيد بلسان الروم وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر ولا يمكن إلا بما ذكرنا من أقل الطهر ويكون أقل الحيض يوما وليلة وعنه أقله خمسة عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي" 3.
مسألة: "وليس لأكثره حد" لأنه لا نص فيه ولا نعلم له دليلا.
مسألة: "وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين" فإذا رأت قبل ذلك دما فليس بحيض ولا تتعلق به أحكامه؛ لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك, وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.
مسألة: "وأكثره ستون" سنة لأنها إذا بلغت ذلك يئست من الحيض لأنه لم يوجد بمثلها حيض معتاد فإن رأت دما فهو دم فساد.
مسألة: وعنه أن أكثره خمسون سنة فإن رأت دما بعد الخمسين ففيه روايتان: إحداهما هو دم فساد أيضا لأن عائشة قالت: إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 6- كتاب الحيض: 5- باب مباشرة الحائض: حديث رقم 302. ومسلم في: 3-كتاب الحيض: 1- باب مباشرة الحائض فوق الإزار: حديث رقم1.
2- سبق تخريجه.
3 - رواه الدارمي في: 1- كتاب الوضوء: 103- باب الحائض تسمع السجدة فلا تسجد: رقم 6.
والمبتدئة إذا رأت الدم لوقت تحيض في مثله جلست فإن انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض, فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة وإن عبر أكثر الحيض فالزائد استحاضة وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض وتغسل فرجها وتعصبه ثم تتوضأ لوقت كل صلاة
ـــــــ
الحيض, والثانية إن تكرر بها الدم فهو حيض وهذه أصح لأن ذلك قد وجد فروي أن هندا بنت أبي عبيدة ابن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي رضي الله عنه ولها ستون سنة ذكره الزبير بن بكار في كتاب النسب. وقال: لا تلد لخمسين إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية, وعنه أن نساء العجم ييئسن في خمسين سنة ونساء العرب إلى ستين لأنهن أقوى جبلة.
مسألة: "والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض لمثله جلست" يعني تركت الصلاة.
مسألة: "فإن انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض" ويكون دم فساد "وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض" لأنه دم يصلح أن يكون حيضا فتجلسه كاليوم والليلة "فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة" لتكراره في الأشهر الثلاثة؛ لأن العادة من المعاودة وعنه إذا زاد على يوم وليلة روايات أربع: إحداهن هذه المذكورة. والثانية: تغتسل عقيب اليوم والليلة وتصلي لأن العبادة واجبة بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تسقطها بالشك فإن انقطع دمها ولم يعبر أكثر الحيض اغتسلت غسلا ثانيا ثم تفعل ذلك في شهر آخر, وعنه في شهرين آخرين فإن كان في الأشهر كلها مدته واحدة علمت أن ذلك حيضها فانتقلت إليه وعملت عليه, وأعادت ما صامته من الفرض لأنا تبينا أنها صامتة في حيضها. والثالثة: تجلس ستا أو سبعا لأنه غالب حيض النساء ثم تغتسل وتصلي. والرابعة: تجلس عادة نسائها لأن الغالب أنها تشبههن في ذلك.
مسألة: "وإن عبر" يعني زاد على "أكثر الحيض فالزائد استحاضة وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض" ؛ لأن الحائض إذا طهرت وجب عليها الغسل لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} 1.
مسألة: والمستحاضة في حكم الطاهرات في وجوب العبادة وفعلها فإذا أرادت الصلاة غسلت فرجها وما أصابها من الدم حتى إذا استنقت عصبت فرجها واستوثقت بالشد والتلجم وهو أن تستثفر بخرقة مشقوقة الطرفين تشدهما على جنبيها ووسطها على الفرج
ـــــــ
1 - آية 222 سورة البقرة.
وتصلي وكذا حكم من به سلس البول وما في معناه. فإذا استمر بها الدم في الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها أيام عادتها وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز - وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخينا وبعضه أحمر رقيقا- فحيضها زمن الأسود
ـــــــ
وهو قوله عليه السلام في حديث أم سلمة: "لتستثفر بثوب" 1 وقال لحمنة: "تلجمي" 2. "ثم تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي" كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش حين شكت إليه كثرة الدم: "أنعت لك الكرسف" 3 يعني به القطن تحشي به المكان. قالت: إنه أشد من ذلك قال: "تلجمي". وفي حديث أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فإذا هي خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل" . رواه أبو داود4.
و "من به سلس البول" في معنى الاستحاضة ولا فرق بينهما.
مسألة: "فإذا استمر بها الدم في الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها أيام عادتها" لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: "دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي" . متفق عليه5.
مسألة: "وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز - وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخينا وبعضه أحمر رقيقا - فحيضها زمن الأسود الثخين" لما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إن ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي". متفق عليه6. يعني بإقباله سواده ونتنه وبإدباره رقته وحمرته وفي لفظ قال لها: "إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي إنما ذلك 7
ـــــــ
1, 2- رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 107- باب في المرأة تستحاض: حديث رقم 274.
2- رواه الترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 95- باب ما جاء في المستحاضة: حديث رقم 128. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
3 - انظر تخريج الحديث عاليه.
4 -انظر رواية أبي داود عاليه.
5 - سبق تخريجه.
6 - رواه البخاري في: 6- كتاب الحيض: 8- باب الاستحاضة: حديث رقم 306. ومسلم في: 3- كتاب الحيض: 14- باب المستحاضة وغسلها وصلاتها: حديث رقم 62.
7 - قوله: "ذلك عرق" أي: دم عرق, لا دم حيض.
الثخين وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة لأنه غالب عادات النساء والحامل لا تحيض إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيوم أو يومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس
ـــــــ
عرق". رواه النسائي1؛ ولأنه خارج من الفرج موجب للغسل فيرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمذي والمني
مسألة: "وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تتميز لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة لأنه غالب عادات النساء" وعنه تجلس عادة نسائها لأن الظاهر أنها تشبههن في ذلك وعنه أقله لأنه اليقين وعنه أكثره يصلح أن يكون حيضا.
مسألة: "والحامل لا تحيض" لقوله عليه السلام في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة" 2 فجعل وجود الحيض علما على براءة الرحم ولو كان يجتمع معه لم يكن وجوده علما على عدمه.
مسألة: "إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس" لأنه دم سببه الولادة فكان نفاسا كالخارج بعد الولادة والله أعلم .
ـــــــ
1 - رواه النسائي في: 6- باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة: حديث رقم 2, 3, 4.
2 - رواه أبو داود في: 12- كتاب النكاح: 45- باب في وطء السبايا: حديث رقم 2157.
باب النفاس
وهو الدم الخارج بسبب الولادة وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم
ـــــــ
باب النفاسمسألة: "وهو الدم الخارج بسبب الولادة وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط به" لأنه دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل.
مسألة: "وأكثره أربعون يوما" لما روت أم سلمة قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة. رواه أبو داود والترمذي1 وقال: أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي2
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 119- باب ما جاء في وقت النفساء: حديث رقم 311. والترمذي في: 1- كتاب الطهارة: 105- باب ما جاء في كم تمكث النفساء: حديث رقم 139. وقال: حديث غريب.
2 - جامع الترمذي 1/258.
ويجب ويسقط به وأكثره أربعون يوما ولا حد لأقله ومتى رأت الطهر اغتسلت وهي طاهرة وإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس أيضا
ـــــــ
مسألة: "وليس لأقله حد أي وقت رأت الدم لطهر فهي طاهر" تغتسل وتصلي كالحيض.
مسألة: "فإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس" لأنه في مدته أشبه الأول وعنه أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم احتياطا لأن الصوم واجب بيقين فلا يجوز تركه لعارض مشكوك فيه ويفارق الحيض المشكوك فيه وهو ما زاد على الست والسبع في حق الناسية فإنه يتكرر ويشق قضاؤه والنفاس بخلافه.
كتاب الصلاة
مدخل...
كتاب الصلاةروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة, فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ إلا الحائض والنفساء
ـــــــ
كتاب الصلاة
مسألة: "الصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ" ؛ لقوله عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 1, وقال في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة" متفق عليه2؛ ولأن الكافر لا يصح منه أداؤها ولا يلزمه قضاؤها أشبه المجنون فإنها لا تجب عليه ولا على الصبي لقوله عليه السلام: "رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق والصبي حتى يبلغ والنائم حتى يستيقظ" 3.
مسألة: "إلا الحائض والنفساء" لقول عائشة: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. متفق عليه. والنفساء مثلها4.
ـــــــ
1 - آية 103 سورة النساء.
2 - رواه البخاري في: 24- كتاب الزكاة: 1- باب وجوب الزكاة: حديث رقم 1395. ومسلم في: 1- كتاب الإيمان: 7- باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام: حديث رقم 29, 31.
3 - رواه أبو داود في: 37- كتاب الحدود: 16- باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا: حديث رقم 4398. 4401، 4403.
4 - سبق تخريجه.
فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك وإن جحدها عنادا كفر ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها
إلا لناو جمعها أو مشتغل بشرطها فإن تركها تهاونا بها استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل
ـــــــ
مسألة: "فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك وإن جحدها عنادا كفر" بالإجماع وحكمه حكم المرتدين وإن كان متهاونا بها وهو مقر بوجوبها دعي إليها ويقال له: إن صليت وإلا قتلناك فإن صلى وإلا قتل بالسيف لقوله عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" حديث صحيح1.
مسألة: "ولا يحل تأخيرها عن وقتها" لقوله عليه السلام في حديث أبي قتادة: "أما إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها" 2 أخرجه مسلم وهذا يدل على أنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها لأنه سماه تفريطا.
مسألة: "إلا لناو جمعها" فيجوز تأخير الأولى حتى يدخل وقت الثانية لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله متفق عليه.
مسألة: "ويجوز تأخيرها للمشتغل بشرطها" لأنها لا تصح بدون شرطها المقدور عليه فمتى كان شرطا مقدورا عليه وجب عليه الاشتغال بتحصيله, ولا يأثم بتأخير الصلاة في مدة تحصيله كالمشتغل بنفس الوضوء والاغتسال.
مسألة: "فإن تركها تهاونا بها استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل" بالسيف لما سبق واختلفت الرواية في الذي يجب قتله فقال القاضي فيه روايتان: إحداهما يجب قتله إذا ترك صلاة واحدة حتى تضايق وقت الثانية؛ لأنه إذا ترك الأولى لم يعلم أنه عزم على تركها فإذا خرج وقتها علمنا أنه تركها لكن لا يجب قتله لأنها فائتة والفائتة وقتها موسع فيصبر له حتى يتضايق وقت الثانية, والرواية الثانية لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات ويتضايق وقت الرابعة عن فعلها؛ لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين والثلاث لشبهة فإذا رأيناه
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 2- كتاب الإيمان: 17- باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة} : حديث رقم 25. ومسلم في: 1- كتاب الإيمان: 8- باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله: حديث رقم 36.
2 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 10- باب في من نام عن الصلاة أو نسيها: حديث رقم 441. والترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 16- باب ما جاء في النوم عن الصلاة: حديث رقم 177. وقال: حديث حسن صحيح.
ـــــــ
ترك الرابعة علمنا أنه عزم على تركها فيجب قتله لقوله عليه السلام: "من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة" 1 وهذا يدل على إباحة قتله وقال عليه السلام: "نهيت عن قتل المصلين" 2 فمفهومه أنه لم ينه عن قتل غيرهم وقال: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة" 3 رواه مسلم. والكفر مبيح للقتل بدليل قوله: "لا يباح دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق" متفق على معناه4.
مسألة: فإذا وجب قتله لم يقتل حتى يستتاب ثلاثا ويضيق عليه ويدعى إلى فعل كل صلاة في وقتها ويقال له إن صليت وإلا قتلناك؛ لأنه قتل لترك واجب فتقدمه الاستتابة كقتل المرتد فإن تاب وإلا قتل بالسيف لقوله عليه السلام:
"إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" . رواه مسلم5.
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في: 36 كتاب الفتن: 23- باب الصبر على البلاء: حديث رقم 4034. وقال في الزوائد: إسناده حسن. وأحمد في: المسند 5/238, 6/421.
2 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد:1/296. وعزاه إلى الطبراني في الكبير, وقال: فيه عامر بن يساف وهو منكر الحديث.
3 - رواه مسلم في: 1- كتاب الإيمان: 35- باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة: حديث رقم 134.
4 - رواه البخاري في: 87- كتاب الديات: 6- باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} : حديث رقن 6878. ومسلم في: 28- كتاب القسامة: 6- باب ما يباح به دم المسلم: حديث رقم 25, 26.
5 - رواه مسلم في: 34- كتاب الصيد: 11- باب الأمر بإحسان الذبح والقتل: حديث رقم 57.
باب الأذان والإقامة
وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء. والأذان خمس
ـــــــ
باب الأذان والإقامةمسألة: "وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها" لأن المقصود منه الإعلام بوقت الصلاة المفروضة على الأعيان وهذا لا يوجد في غيرها ولأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانوا يؤذنون لها دون غيرها وذلك مشروع "للرجال دون النساء" وقال الحسن وإبراهيم والشعبي وسليمان بن يسار: ليس على النساء أذان ولا إقامة رواه سعيد في سننه.
مسألة: "والأذان خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه والإقامة إحدى عشرة كلمة" وأصله حديث عبد الله بن زيد أنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي -وأنا نائم- رجل يحمل ناقوسا فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال:
عشرة كلمة لا ترجيع فيه والإقامة إحدى عشرة كلمة. وينبغي أن يكون المؤذن أمينا صيتا عالما بالأوقات ويستحب أن يؤذن قائما متطهرا على موضع عال مستقبل القبلة.
ـــــــ
وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى. فقال: تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر! أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله! حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال: ثم استأخر عني غير بعيد قال: ثم تقول إذا قمت للصلاة -فذكر الإقامة مفردة غير أنه يقول قد قامت الصلاة مرتين, ثم لما أصبحت أتيت صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فيؤذن به فإنه أندى صوتا منك" رواه أبو داود وصححه الترمذي1. فهذه صفة الأذان والإقامة المستحبين لأن بلالا كان يؤذن به سفرا وحضرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات والترجيع أن يذكر الشهادتين مرتين يخفض بذلك صوته, ثم يعيدهما رافعا بهما صوته وتثنية الإقامة أن يجعلها مثل الأذان فإن رجع في الأذان أو ثنى الإقامة فلا بأس, فإنه قد روي في حديث أبي محذورة كذلك وهو حديث صحيح2.
مسألة: "وينبغي أن يكون المؤذن أمينا صيتا عالما بالأوقات" لأنه يؤتمن على الأوقات؛ فإن لم يكن عادلا غرهم بأذانه في غير الوقت ويكون صيتا لأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله: "ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك" ويكون عالما بالأوقات ليتمكن من الأذان في أوائلها.
مسألة: "ويستحب أن يؤذن قائما" لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: "قم فأذن" . ولأنه أبلغ في الإسماع ويكون "متطهرا" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤذن إلا متوضئ" 3. رواه الترمذي وروي موقوفا على أبي هريرة وهو أصح4.
مسألة: ويكون "على موضع عال" لأنه أبلغ في الإعلام. وقد روي أن بلالا كان يؤذن على سطح امرأة
مسألة: ويكون "مستقبل القبلة" وهذا إجماع ولأن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة.
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 27- باب كيف الأذان: حديث رقم 499. والترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 25- باب ما جاء في بدء الأذان: حديث رقم 189.
2 -رواه أبو داود في: المصدر عاليه: حديث رقم 502.
3 - رواه الترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 33- باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء: حديث رقم 200.
4 - المصدر عاليه: رقم 201.
فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا ولا يزيل قدميه ويجعل إصبعيه في أذنيه ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة, ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم مرتين, ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول" .
ـــــــ
مسألة: "فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا ولا يزيل قدميه ويجعل إصبعيه في أذنيه" لما روى أبو جحفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا وشمالا يقول: حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح متفق عليه. وفي لفظ: ولم يستدر وإصبعاه في أذنيه رواه الترمذي1.
مسألة: "ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فأحدر" . رواه أبو داود2, ولأن الأذان إعلام الغائبين والترسل فيه أبلغ في الإعلام والإقامة إعلام الحاضرين فلم يحتج إلى الترسل فيها.
مسألة: "ويقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين" رواه النسائي "ويكون بعد الحيعلة" لما روى النسائي عن أبي محذورة قال: قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان فذكر إلى أن قال بعد قوله: حي على الفلاح فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم مرتين والله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله3.
مسألة: "ولا يؤذن قبل الوقت إلا لها" قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذنوا للصلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" . متفق عليه4. وخص الفجر بذلك لأنه وقت النوم لينتبه الناس ويتأهبوا إلى الخروج للصلاة وليس ذلك في غيرها وقال عليه السلام: "إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم" رواه أبو داود5.
مسألة: "ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول" المؤذن لما روى أبو سعيد
ـــــــ
1 - رواه الترمذي في: 2- باب ما جاء في إدخال الأصبع في الأذن عند الأذان: حديث رقم 197. وقال: حديث حسن صحيح.
2 - رواه الترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 29- باب ما جاء في الترسل في الأذان: حديث رقم 195. وقال: لا تعرفه إلا من هذا الوجه, وهو إسناد مجهول.
3 - رواه النسائي في: 7- كتاب الأذان: 6- باب الأذان في السفر: حديث رقم 1.
4 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 11- باب أذان الأعمى: حديث رقم 617. ومسلم في: 13- كتاب الصيام: 8- باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر: حديث رقم 36, 37, 38.
5 -رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 13- باب الأذان قبل الفجر: حديث رقم 621. ومسلم في: 13- كتاب الصيام: 8- بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر:حديث رقم 39.
يقول: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول" .
ـــــــ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول" . متفق عليه1. إلا في الحيعلة فإنه يقول عندها ما روي عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله فقال: أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال: حي على الصلاة فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر فقال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله فقال: لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة" . رواه مسلم2 قال الأثرم: هذا من الأحاديث الجياد.
ـــــــ
1 -رواه البخاري في: 10 – كتاب الأذان: 7- باب ما يقول إذا سمع المنادي: حديث رقم 611. و مسلم في: 4- كتاب الصلاة: 7- باب استحباب القول مثل ما قول المؤذن: حديث رقم 10.
2 - رواه مسلم في: 4- كتاب الصلاة: 7- باب استحباب القول مثل قول المؤذن: حديث رقم 12.
باب شروط الصلاة
وهي ستة:
أحدها: الطهارة من الحدث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ" .
الشرط الثاني: الوقت, ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن
ـــــــ
باب شروط الصلاة"هي ستة: أحدها الطهارة من الحدث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" في حديث أبي هريرة: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ" . متفق عليه3. وقد مضى ذكر الطهارة وحكمها.
"الثاني: الوقت, ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله" بعد القدر الذي زالت عليه الشمس لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك ثم صلى بي المرة الأخيرة حين صار ظل كل شئ مثله وقال: الوقت ما بين هذين" . قال الترمذي: حديث حسن4, ويعرف زوال الشمس بطول الظل بعد تناهي قصره.
مسألة: "ووقت العصر وهي الوسطى" لما روي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "شغلونا عن صلاة العصر صلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم
ـــــــ
3 رواه البخاري في: 10- كتاب الوضوء: 2- باب لا تقبل صلاة بغير طهور: حديث رقم 135. ومسلم في: 2- كتاب الطهارة: 2- باب وجوب الطهارة للصلاة: حديث رقم2.
4 - رواه الترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 1- باب ما جاء في مواقيت الصلاة: حديث رقم 149. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
يصير ظل كل شيء مثله ووقت العصر -وهي الوسطى- من أخر وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس ثم يذهب وقت الاختيار, ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس. ووقت المغرب إلى أن يغيب الشفق الأحمر,
ـــــــ
وقبورهم نارا" متفق عليه1. "وأول وقتها" إذا صار ظل كل شيء مثله وهو "آخر وقت الظهر" . لقوله عليه السلام في حديث جبريل: وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله". "وآخره ما لم تصفر الشمس" لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقت العصر ما لم تصفر الشمس" . رواه مسلم2. وعنه أن آخره إذا صار ظل كل شيء مثليه لقوله عليه السلام في حديث جبريل: "وصلى بي العصر في المرة الأخيرة حين صار ظل كل شيء مثليه"3.
مسألة: "ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس" والضرورة العذر يعني لا يباح تأخيرها إلا لعذر لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ومن أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته" متفق عليه4. وفي رواية: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" متفق عليه5.
مسألة: "ووقت المغرب من الغروب إلى مغيب الشفق الأحمر" لما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم صلى المغرب في اليوم الثاني قبل أن يغيب الشفق ثم قال: "وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم" . رواه مسلم6, وفي لفظ رواه الترمذي: "فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق" 7.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 56- كتاب الجهاد والسير: 98- باب الدعاء على المشركين: حديث رقم 2931. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 35- باب التغليظ في تفويت صلاة العصر: حديث رقم 202.
2 - رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد: 31- باب أوقات الصلوات الخمس: حديث رقم 172, 173.
3 - سبق تخريجه.
4 - رواه البخاري في: 9- كتاب مواقيت الصلاة: 17- باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب: حديث رقم 556. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 30- باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة: حديث رقم 164.
5 - رواه البخاري في: 9- كتاب مواقيت الصلاة: 29- باب من أدرك من الصلاة ركعة: حديث رقم 580. ومسلم في: المصدر عاليه: حديث رقم 161.
6 - رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد: 31- باب أوقات الصلوات الخمس, حديث رقم 176.
7 - رواه الترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 1- باب مواقيت الصلاة. حديث رقم 152. وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
ووقت العشاء من ذلك إلى نصف الليل, ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني, ووقت الفجر من ذلك إلى طلوع الشمس, ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها والصلاة في أول الوقت أفضل
ـــــــ
مسألة: "ووقت العشاء من ذلك" يعني من مغيب الشفق "إلى نصف الليل" لما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وقت العشاء إلى نصف الليل" . رواه مسلم1. وعنه: "إلى ثلث الليل" لما روى بريدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل رواه مسلم. من حديث ابن عباس في صلاة جبريل مثله2.
مسألة: "ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني" وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده لحديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " . متفق عليه3.
مسألة: "ووقت الفجر من ذلك إلى طلوع الشمس" يعني من طلوع الفجر الثاني إجماعا إلى طلوع الشمس لما روى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر بلالا فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني صلى الفجر فأسفر بها ثم قال: "وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم" 4, وفي حديث أبي هريرة: "من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته" 5. متفق عليه وللنسائي: "فقد أدركها" 6.
مسألة: "ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها" كذلك وأما ما دون الركعة فقال القاضي: ظاهر كلام أحمد أنه يدركها بإدراكه لأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها كإدراك المسافر صلاة المقيم والمأموم صلاة الإمام.
مسألة: "الصلاة في أول الوقت أفضل" لقوله عليه السلام: "أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله" 7 وروى أبو برزة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد: 31- باب أوقات الصلوات الخمس: حديث رقم 171, 172, 173, 174.
2 - سبق تخريجه.
3 - سبق تخريجه.
4 - سبق تخريجه.
5 - رواه البخاري في: 9- كتاب مواقيت الصلاة: 28- باب من أدرك من الفجر ركعة: حديث رقم 579. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 30- باب من أدرك ركعة من الصلاة: حديث رقم 163, 164, 165.
6 - رواه النسائي في: 6- كتاب المواقيت: 27- باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح: حديث رقم 1, 2.
7 - رواه الترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 13- باب ما جاء في الوقت الأول من الفجر: حديث رقم 172. وقال: هذا حديث غريب.
إلا في العشاء الآخرة وفي شدة الحر الظهر
الشرط الثالث: ستر العورة بما لا يصف البشرة وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة
ـــــــ
الأولى حين تدحض الشمس يعني: تزول1.
مسألة: "إلا في العشاء الآخرة" لقول أبى برزة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء. متفق عليه2.
مسألة: "وفي شدة الحر الظهر" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر في شدة الحر فإن شدة الحر من3 فيح جهنم" . متفق عليه4.
مسألة: "الشرط الثالث ستر العورة بما لا يصف البشرة" واجب لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" . رواه أبو داود5.
مسألة: ويجب سترها بما يستر لون البشرة من الثياب والجلود أو غيرها فإن وصف لون البشرة لم يعتد به لأنه غير ساتر.
مسألة: "وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة" لما روى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة" . رواه أبو بكر بإسناده وعن جرهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "غط فخذك فإن الفخذ من العورة" رواه الإمام أحمد في المسند6. وعنه أنها الفرجان من الرجل لما روى أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى أني لأنظر إلى بياض فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري7.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 9- كتاب مواقيت الصلاة: 39- باب ما يكره من السمر بعد العشاء: حديث رقم 599. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 33- باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت: حديث رقم 188.
2 -رواه البخاري في: 9- كتاب مواقيت الصلاة: 13- باب وقت العصر: حديث رقم 547. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 40 باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها: حديث رقم: 235, 236, 237.
3 -قوله: من فيح جهنم أي: من سعة انتشارها وتنفسها, ومنه: مكان أفيح, أي: متسع. وهذا كناية عن شدة استعارها. فتح الباري 2/22.
4 - رواه البخاري في: 9- كتاب مواقيت الصلاة: 9- باب الإبراد بالظهر في شدة الحر: حديث رقم 180, 181, 182, 183,184.
5 - رواه أبو داود في: 2- كتاب مواقيت الصلاة: 83- باب المرأة تصلي بغير خمار: حديث رقم 641.
6 - رواه أحمد في: المسند 1/275, 5/290 و 479.
7 - رواه البخاري في: كتاب الصلاة: 12- باب ما يذكر في الفخذ: حديث رقم 371.
والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها, وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة ومن صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصح صلاته ولبس الذهب والحرير مباح للنساء دون الرجال إلا عند الحاجة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: "هذان
ـــــــ
مسألة: "والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها" لقوله سبحانه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} 1 قال ابن عباس: وجهها وكفيها ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام وستر الكفين بالقفازين ولو كانا عورة لم يجز كشفهما, وعنه في الكفين هما عورة لأن المشقة لا تلحق بسترهما فأشبها سائر بدنها وما عدا هذا عورة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" 2. وعن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ فقال: "نعم إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها" 3.
مسألة: "وعورة الأمة كعورة الرجل" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة يريد الأمة" . رواه الدارقطني. ولأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل.
مسألة: "وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة" لأن الرق باق فيها إلا أنه يستحب لهما التستر لما فيها من شبه الأحرار وعنه أنهما كالحرة لذلك.
مسألة: "ومن صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصح صلاته" لأنه استعمل في شرط العبادة ما يحرم استعماله فلم يصح كما لو صلى في ثوب نجس, ولأن الصلاة قربة وهي منهي عنها على هذا الوجه فكيف يتقرب بما هو عاص به أو يؤمر بما هو منهي عنه؟ وعنه يصح لأن التحريم لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو غسل ثوبه بماء مغصوب أو صلى من عليه عمامة حرير.
مسألة: "ولبس الحرير والذهب مباح للنساء دون الرجال" لما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حرم لبس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم" . قال الترمذي: حديث صحيح4. قال ابن عبد البر: هذا إجماع.
مسألة: "إلا عند الحاجة" كحكة أو قمل أو مرض ينفعه لبسه لأن أنسا روى أن عبد
ـــــــ
1 - آية 31 سورة النور.
2 - سبق تخريجه.
3 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 82- باب في كم تصلي المرأة: حديث رقم 640.
4 - رواه الترمذي في: 25- كتاب اللباس: 1- باب ما جاء في الحرير والذهب: حديث رقم 1720. وقال: حديث حسن صحيح.
حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك, فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين فإن لم يكفهما جميعا ستر أحدهما, فإن عدم الستر بكل حال صلى جالسا يومئ بالركوع والسجود وإن صلى قائما جاز ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا أو مكانا نجسا صلى فيهما ولا إعادة عليه.
الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في
ـــــــ
الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرخص لهما في قميص الحرير فرأيته عليهما متفق عليه1. وغير القمل الذي ينفع فيه لبس الحرير في معناه فيقاس عليه فأما لبسه للحرب فظاهر كلام أحمد رضي الله عنه إباحته مطلقا؛ لأنه سئل عن لبسه في الحرب فقال: أرجو أن لا يكون به بأس.
مسألة: "ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه جزأه ذلك" لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" متفق عليه2.
مسألة: "فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها" لأن سترها شرط لصحة الصلاة وقد قدر عليه فلزمه كسائر شروطها؛ ولأن ذلك واجب في غير الصلاة ففيها أولى.
مسألة: "فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين" لأنهما أغلظ "فإن لم يكفهما جميعا ستر أيهما شاء" وستر الدبر أولى في أحد الوجهين؛ لأنه أفحش وفي الآخر القبل لأنه يستقبل به القبلة والدبر يستر بالإليتين وأيهما ستر أجزأه. "فإن عدم الستر بكل حال صلى جالسا يومئ إيماء بالسجود" ؛ لأنه يحصل به ستر أغلظ العورة وهو آكد لذلك, وعنه يصلي قائما ويركع ويسجد لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط.
مسألة: "ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا أو مكانا نجسا صلى فيهما ولا إعادة عليه" ؛ لأن ستر العورة واجب في الصلاة وغيرها, وهو مخاطب بها مأمور بها فإذا صلى فقد أتى بما أمر به فيخرج عن العهدة وعنه يعيد إذا صلى في الثوب النجس لأنه ترك شرطا مقدورا عليه.
"الشرط الرابع الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته" لقوله عليه السلام:
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 56- كتاب الجهاد والسير: 91- باب الحرير في الحرب: حديث رقم 2919. ومسلم في: 37- كتاب اللباس والزينة: 3- باب إباحة لبس الحرير للرجل: حديث رقم 24, 25, 26.
2 - رواه البخاري في: 8- كتاب الصلاة: 5- باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه: حديث رقم 359. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 52- باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه: حديث رقم 277.
بدنه وثوبه وموضع صلاته إلا النجاسة المعفو عنها كيسير الدم ونحوه, وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن علم بها أو علم بها ثم نسيها فصلاته صحيحة, وإن علم بها في الصلاة أزالها وبنى على صلاته والأرض كلها مسجد تصح الصلاة فيها إلا المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل وقارعة الطريق
ـــــــ
لأسماء في دم الحيض: "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء وصلي فيه" 1. فدل على أنها ممنوعة من الصلاة فيه قبل غسله.
مسألة: "إلا النجاسة المعفو عنها كيسير الدم" لأنه عفي عنها لمشقة التحرز على ما سبق في باب المياه
مسألة: "وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن علم بها أو علم بها ثم نسيها" ففيها روايتان: إحداهما يعيد لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالجهل كالوضوء, والثانية: لا يعيد لما روى أبو سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم قال: "ما لكم خلعتم نعالكم" . فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا, فقال: "أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن فيهما قذرا" 2. رواه أبو داود. فوجه الحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عالم بالنجاسة حتى أخبر بها وبنى على صلاته ولو بطلت لاستأنفها والناسي مثله فعلى هذا "إن علم بها في الصلاة" فأمكنه إزالتها بغير عمل كثير "أزالها وبنى على صلاته" كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وإن لم يمكنه إلا بعمل كثير استأنفها كالسترة إذا وجدها وهو في الصلاة بعيدة منه.
مسألة: "والأرض كلها مسجد" "تصح الصلاة فيها" لقوله عليه السلام: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" 3.
مسألة: "إلا المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل" أما المقبرة والحمام فلما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" 4. رواه أبو داود. وأما الحش فبطريق التنبيه عليه بالنهى في هذين الموضعين لأن احتمال النجاسة فيه أكثر وأغلب.
مسألة: "وأما أعطان الإبل فلما روى جابر بن سمرة أن رجلا قال: يا رسول الله
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 87- باب الصلاة في النعل: حديث رقم 650.
3 - رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد: حديث رقم 4.
4 -رواه أبو داود في: 2- كتاب باب قي المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة: حديث رقم 492.
الشرط الخامس: استقبال القبلة إلا في النافلة على الراحلة للمسافر فإنه يصلي حيث كان وجهه
والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره فيصلي كيفما أمكنه ومن عداهما لا تصح صلاته إلا مستقبل الكعبة فإن كان قريبا منها لزمته الصلاة إلى
ـــــــ
أنصلى في مرابض الغنم؟ قال: "نعم". قال: أنصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا". رواه مسلم1. ولأنها مظنة النجاسة فإن البعير إذا برك صار سترة للبائل بخلاف الغنم فإنها لا تستر فأقمنا المظنة مقام حقيقة النجاسة
مسألة: "الشرط الخامس استقبال القبلة" لقوله سبحانه: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} . "إلا في النافلة على الراحلة للمسافر فإنه يصلي حيث كان وجهه" لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه وكان يوتر على بعيره. متفق عليه2.
مسألة: "والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره" لأنه فرض عجز عنه أشبه القيام وقال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} 3. قال ابن عمر:كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مستقبل القبلة وغير مستقبلها رواه البخاري4, ولأنه عاجز عن القيام أشبه المربوط.
مسألة: "وما عداهما لا تصح صلاته إلا مستقبل القبلة" يعني ما عدا النافلة على الراحلة والعاجز لقوله سبحانه: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 5 وهو عام خرج منه الصورتان بما ذكرناه من الدليل بقي ما عداهما على مقتضى النص.
مسألة: "فإن كان قريبا من الكعبة لزمته الصلاة إلى عينها" وهو من كان عند الكعبة يراها أو قريبا منها للآية "وإن كان بعيدا فإلى جهتها" لأنه لا يقدر على إصابة العين بخلاف القريب وقال عليه السلام: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" . قال الترمذي: حديث صحيح6.
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 - رواه البخاري في: 8- كتاب الصلاة: 31- باب التوجه نحو القبلة حيث كان: حديث رقم 400. ومسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: 4- باب جواز صلاة النافلة على الدابة: حديث رقم 39.
3 - آية 239 سورة البقرة.
4 - رواه البخاري في: 65- كتاب التفسير: 44- باب {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} : حديث رقم 4535.
5 - آية 144 سورة البقرة.
6 - رواه الترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 139- باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة: حديث رقم 342, 344. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
عينها وإن كان بعيدا فإلى جهتها وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين, فإن أخطأ فعليه الإعادة, وإن خفيت في السفر اجتهد وصلى ولا إعادة عليه, وإن اختلف مجتهدان لم يتبع أحدهما صاحبه ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه.
الشرط الساد: النية للصلاة بعينها ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها
ـــــــ
مسألة: "وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين" لأنها دليل عليها "فإن أخطأ فعليه الإعادة" لأن الظاهر أنه فرط في السؤال.
مسألة: "وإن خفيت القبلة في السفر اجتهد وصلى ولا إعادة عليه" وإن أخطأ لأنه أتى بالمأمور فيخرج عن عهدة الأمر, ودليل أنه أتى بما أمر به أنه اجتهد وليس عليه أكثر من الاجتهاد وهو مأمور بالصلاة إلى الجهة التي يغلب على ظنه بعد الاجتهاد أنها جهة الكعبة فيخرج عن العهدة لأنه ليس في وسعه أكثر من ذلك.
مسألة: "وإن اختلف مجتهدان لم يتبع أحدهما الآخر" كما نقول في المجتهدين في الأحكام "ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه" كما نقول في الأحكام.
"الشرط السادس: النية للصلاة بعينها" فلا تصح إلا بها إجماعا لقوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات" 1 ولأنها عبادة أشبهت الصوم ويجب أن ينويها بعينها إن كانت معينة ظهرا أو عصرا لتتميز عن غيرها وإن كانت سنة معينة كالوتر لزمه تعيينها, وإن لم تكن معينة كالنافلة المطلقة أجزأه نية الصلاة لأنها غير معينة.
مسألة: "ويجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها" لأنها عبادة يشترط لها النية فجاز تقديمها عليه كالصوم ولأن أولها من أجزائها يكفي استصحاب النية فيه كسائر أجزائها.
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
باب أداب المشي إلى الصلاة
يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار ويقارب بين خطاه ولا يشبكـــــــ
باب آداب المشي إلى الصلاة
"يستحب المشي إليها بسكينة ووقار" لقوله عليه السلام: "ائتوها وعليكم السكينة والوقار" . "ويقارب بين خطاه" لتكثر الخطا فتكثر الحسنات, وفي مسند أبي حميد عن زيد بن ثابت قال: أقيمت الصلاة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى وأنا معه فقارب في الخطى فقال لي: "تدري لم فعلت هذا؟ لتكثر خطاي في طلب الصلاة" .
أصابعه ويقول: "بسم الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} الآيات إلى قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} " ويقول: "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" , فإذا سمع الإقامة لم يسع إليها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وأنتم عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" .
ـــــــ
مسألة: "ولا يشبك أصابعه" لما روى أبو داود عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنما هو في صلاة" 1. ويقول: "بسم الله الرحمن الرحيم {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} إلى قوله {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ويقول
"ما روى الإمام أحمد في المسند عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك"2. وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا وفي بصري نورا واجعل من خلفي نورا ومن أمامي نورا واجعل من فوقي نورا ومن تحتي نورا وأعطني نورا" رواه مسلم3.
مسألة: "فإذا سمع الإقامة لم يسع إليها" لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" 4. وعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: "ما شأنكم"؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة! قال: "فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"؟ متفق عليهما5. وفي رواية فاقضوا قال أحمد: ولا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن
ـــــــ
1 - رواه أبو داود: 2- كتاب الصلاة: 48- باب ما جاء في المشي إلى الصلاة: حديث رقم 562.
2 - رواه أحمد في المسند 3/21.
3 - رواه مسلم في: 6- كتاب المسافرين: 26- باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه: حديث رقم 181.
4 - رواه البخاري في: 11- كتاب الجمعة: 18- باب المشي إلى الجمعة: حديث رقم 908. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 28- باب استحباب إتيان الصلاة بوقار: حديث رقم 151, 152.
5 - رواه البخاري في: المصدر عاليه: رقم 909. ومسلم في: المصدر عاليه: حديث رقم 155.
وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله, اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك, وإذا خرج قدم رجله اليسرى, وقال ذلك إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك.
ـــــــ
يسرع شيئا ما لم تكن عجلة تقبح فقد جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعجلون شيئا إذا تخوفوا فوات التكبيرة وطمعوا في إدراكها.
مسألة: "وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" متفق عليه1. ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به فلم يشتغل به كما لو خاف فوات الركعة. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين أقيمت الصلاة فرأى ناسا يصلون فقال: "صلاتان معا" روته عائشة ورواه ابن عبد البر وقال: كل هذا إنكار منه لهذا الفعل
مسألة: "وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال مثل ذلك إلا أنه يقول وافتح لي أبواب فضلك" لما روي عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها أن تقول ذلك إذا دخلت المسجد2. وروى مسلم عن أبي حميد -أو أبي أسيد- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك" 3.
ويستحب تقديمها وهي اليمنى في الدخول وتأخيرها في الخروج لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شأنه كله روته عائشة رضي الله عنها4.
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها: 9- باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن: حديث رقم 63, 64.
2 - رواه الترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 117- باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد: حديث رقم 314. وقال: حسن, وليس إسناده بمتصل.
3 - رواه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: 10- باب ما يقول إذا دخل المسجد: حديث رقم 68.
4 -رواه البخاري في: 8- كتاب الصلاة: 47- باب التيمن في دخول المسجد وغيره: حديث رقم 426.
باب صفة الصلاة
وإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر يجهر بها الإمام وبسائر التكبير ليسمع من
ـــــــ
باب صفة الصلاةمسألة: "وإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر" والسنة أن يقوم إليها عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة؛ لأنه دعا إلى القيام فاستحب المبادرة إليها عنده والقيام فيها ركن لقوله
خلفه, ويخفيه غيره ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ويجعلهما تحت سرته ويجعل بصره إلى موضع سجوده ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.
ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بشيء من ذلك: لقول
ـــــــ
سبحانه: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1 وقال عليه السلام لعمران: صل قائما2 ثم يقول: الله أكبر وهي ركن لقوله عليه السلام: "تحريمها التكبير" . رواه أبو داود3 وكان عليه السلام يفتتح الصلاة بقوله: الله أكبر لم ينقل عنه غير ذلك حتى فارق الدنيا "يجهر بها الإمام وبسائر التكبير حتى يسمع من خلفه" ليكبروا بعد تكبيره "ويخفيه غيره" وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه ويجب عليه ذلك ولا يكون كلام بدون الصوت, والصوت ما يتأتي سماعه وأقرب السامعين إليه نفسه, فمتى لم يسمعها لم يعلم أنه أتى بكلام إلا أن يكون به طرش فيأتي به بحيثما يسمعه لو كان سميعا.
مسألة: "ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه" لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود متفق عليه4.
مسألة: "ويجعل نظره إلى موضع سجوده" لأنه أخشع للمصلي وأكف لنظره "ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" قال الإمام أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر يعني ما رواه الأسود أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر فقال: سبحانك اللهم وبحمدك الحديث.
مسألة: "ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لقوله سبحانه: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} 5 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله: قاله ابن المنذر.
مسألة: "ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بشيء من ذلك لما روى أنس
ـــــــ
1- آية 238 سورة البقرة.
2 - رواه البخاري في: 18- كتاب تقصير الصلاة: 19- باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب: حديث رقم 1117.
3 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 30- باب فرض الوضوء: حديث رقم 61. و: 2- كتاب الصلاة: 71- باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه: حديث رقم 618.
4 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان 38- باب رفع اليدين حذو المنكبين: حديث رقم 21, 22.
5 - آية 98 سورة النحل.
أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. ثم يقرأ الفاتحة ولا صلاة لمن لم يقرأ بها إلا المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة, ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه, ثم يقرأ بسورة تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي سائر الصلوات من أوسطه.
ـــــــ
قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. متفق عليه1.
مسألة: "ثم يقرأ الفاتحة" وهي ركن لما روى عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" . متفق عليه2.
مسألة: "ولا صلاة لمن لم يقرأ بها" الحديث.
مسألة: "إلا المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة" لقوله سبحانه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 3 وروى الإمام محمد بن وكيع عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" 4. وروى الخلال والدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكفيك قراءة الإمام خافت أو جهر, ولأن القراءة لو كانت واجبة عليه لم تسقط عن المسبوق كبقية أركانها" .
مسألة: "ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وما لا يجهر فيه" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا أسررت بقراءتي فاقرأوا" . رواه الدارقطني. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: إن للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب: "إذا دخل في الصلاة وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} .
مسألة: "ثم يقرأ سورة تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره, وفي سائر الأوقات من أواسطه" لما رود جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ "ق". رواه مسلم5, وعنه كان النبي يقرأ في الظهر والعصر بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} , {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} . ونحوها من السور. رواه أبو داود, وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجبت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحو {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} . والعصر كذلك والصلاة كلها إلا الصبح فإنه كان
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 89- باب ما يقول بعد التكبير: حديث رقم 743. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 13- باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة: حديث رقم 50.
2 -رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 95- باب وجوب القراءة للإمام والمأموم: حديث رقم 756. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 11- باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة: حديث رقم 34.
3 - آية 204 سورة الأعراف.
4 - رواه أحمد في المسند 3/339.
5 - رواه مسلم في: 4- كتاب الصلاة: 35- باب القراءة في الصبح: حديث رقم 168.
ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء ويسر فيما عدا ذلك, ثم يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول, ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه ويمد ظهره ويجعل رأسه حياله ثم يقول: "سبحان ربي العظيم ثلاثا ثم
ـــــــ
يطيلها". رواه أبو داود1. وأما المغرب فإنه يستحب تعجيلها للخلاف في وقتها فيقرأ فيها من قصار المفصل وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالتين والزيتون.
مسألة: "ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء ويسر فيما عدا ذلك" ولا خلاف في استحباب ذلك, والأصل فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم, وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف
مسألة: "ثم يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول" والركوع ركن لقوله سبحانه: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} 2 ويكبر لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع, ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه يفعل ذلك في صلاته كلها. متفق عليه3. ويرفع يديه وهو مستحب في ثلاثة مواضع لما سبق في حديث ابن عمر.
مسألة: " ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه ويمد ظهره ويجعل رأسه حياله" لما روى أبو حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره4,5 وفي لفظ ركع ثم اعتدل ولم يصوب رأسه ولم يقنع6. وفي حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه صحيح.
مسألة: "ثم يقول: سبحان ربي العظيم ثلاثا" وهو واجب لما روى عقبة ابن عامر أنه لما نزل {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" . فلما نزل: {سَبِّحِ
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 129- باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر: حديث رقم 805. رواه أبو داود في: المصدر عاليه: حديث رقم 806.
2 0- آية 77 سورة الحج.
3 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 128- باب يهوي بالتكبير حين يسجد: حديث رقم 803. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 10- باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة: حديث رقم 28.
4 - قوله: هصر ظهره, بفتح الهاء والصاد المهملة, أي: أماله. فتح الباري 2/322.
5 - أورده البخاري معلقا مجزوما به في: 10- كتاب الأذان: 120- باب استواء الظهر في الركوع. ورواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 115- باب افتتاح الصلاة: حديث رقم 731.
6 - رواه النسائي في: 12- باب التطبيق: 7- باب الاعتدال في الركوع: حديث رقم 1.
يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كرفعه الأول فإذا اعتدل قائما قال: ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد ويقتصر المأموم على قول: ربنا ولك الحمد ثم يخر ساجدا مكبرا
ـــــــ
اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "اجعلوها في سجودكم" . رواه أبو داود1. وعنه ليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها للمسيء في صلاته.
مسألة: "ثم يرفع رأسه" وهذا الرفع والاعتدال ركنان لقوله عليه السلام للمسيء في صلاته: "ثم ارفع حتى تعتدل قائما" 2.
مسألة: "ثم يقول سمع الله لمن حمده" قال أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم قال سمع الله لمن حمده ورفع يديه" 3. وفي حديث ابن عمر المتفق عليه: "وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ويقول سمع الله لمن حمده" 4.
مسألة: "ويرفع يديه كرفعه الأول" وموضع الرفع بعد اعتداله قائما ووجه حديث ابن عمر المتفق عليه5. وفي بعض ألفاظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه وإذا ركع وبعد ما يرفع رأسه.
مسألة: "فإذا اعتدل قائما قال: "ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" . لما روى أبو سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال ذلك. متفق عليه.
مسألة: "ويقتصر المأموم على قول ربنا ولك الحمد" لا يستحب له الزيادة على ذلك نص عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد" . ولم يأمرهم بغيره6.
مسألة: "ثم يخر ساجدا مكبرا" والسجود والطمأنينة فيه ركنان لحديث المسيء في
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 149- باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده: حديث رقم 869.
2 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 122- باب أمر النبي الذي لا يتم ركوعه بالإعادة: حديث رقم 793.
3 - سبق تخريجه.
4 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 83- باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء: حديث رقم 735. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 9- باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام: حديث رقم 25.
5 - رواه مسلم في: 4- كتاب الصلاة وتخفيفها في تمام: حديث رقم 194.
6 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 82- باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة: حديث رقم 732.
ولا يرفع يديه ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه ويجافي عضديه عن جنبه وبطنه عن فخذيه ويجعل يديه حذو منكبيه ويكون على أطراف قدميه ثم يقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثا ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس
ـــــــ
صلاته وينحط مكبرا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يكبر حين يسجد. متفق عليه1.
مسألة: "ولا يرفع يديه" لما سبق من حديث ابن عمر
مسألة: "ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه" لما روى وائل بن حجر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه رواه أبو داود2
مسألة: "ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه" لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم جافى عضديه عن إبطيه ووصف البراء سجود النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يديه بالأرض ورفع عجيزته رواه أبو داود3.
مسألة: "ويجعل يديه حذو منكبيه" لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع كفيه حذو منكبيه4
مسألة: "ويكون على أطراف قدميه" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بالسجود على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين, متفق عليه5.
مسألة: "ثم يقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثا" لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سجد أحدكم فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه6, رواه الأثرم والترمذي
مسألة: "ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس مفترشا" ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "ثم ارفع حتى تطمئن جالسا" 7. وهذا الجلوس والطمأنينة فيه ركنان للخبر ومعنى الافتراش أن
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 -رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 139- باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه: حديث رقم 838.
3- رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 156- باب صفة السجود: حديث رقم 896.
4- سبق تخريجه.
5 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 134- باب السجود على الأنف: حديث رقم 812. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 44- باب أعضاء السجود: حديث رقم 228.
6 - رواه البخاري في: 2- كتاب الصلاة: 194- باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود: حديث رقم 261.
7 - سبق تخريجه.
مفترشا فيفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويثني أصابعها نحو القبلة ويقول: ربي اغفر لي ثلاثا ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى ثم يرفع رأسه مكبرا وينهض قائما فيصلي الثانية كالأولى فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشا ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ويده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مرارا ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
ـــــــ
"يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويثني أصابعها نحو القبلة" لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها ثم اعتدل حتى رجع كل عضو في موضعه وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وينهي عن عقبة الشيطان رواه مسلم1.
مسألة: ويقول: "رب اغفر لي ثلاثا " لما روى حذيفة أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي" 2. رواه النسائي.
مسألة: "ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى سواء ثم يرفع رأسه مكبرا" لحديث أبي هريرة رضي الله عنه " وينهض قائما " لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه وفي حديث وائل بن حجر: إذا نهض رفع يديه قبل ركبتي وفي لفظ: فإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه رواه أبو داود3.
مسألة: "ويصلي الثانية كالأولى" لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها" 4. إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح وفي الاستعاذة روايتان
مسألة: "فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشا" لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى وفي لفظ فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته حديث صحيح5.
مسألة: "ويتشهد" كما روى عبد الله بن مسعود قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: 4- كتاب الصلاة: 46- باب ما يجمع صفة الصلاة: حديث رقم 240.
2 - رواه النسائي في: 12- كتاب التطبيق: 87- باب الدعاء بين السجدتين: حديث رقم 1.
3 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 139- باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه: حديث رقم 838.
4 - سبق تخريجه.
5 - سبق تخريجه.
فهذا أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ويستحب أن يتعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك
ـــــــ
كفي بين كفيه -كما يعلمني السورة من القرآن "التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" متفق عليه1, وقال الترمذي: هذا أصح حديث روي في التشهد اختاره أحمد كذلك فإن تشهد بغيره مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن عباس وغيره جاز نص عليه.
مسألة: "ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وهو واجب لقوله عليه السلام في حديث كعب بن عجرة: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد متفق عليه2, أمر والأمر يقتضي الوجوب وقد روي قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد أي ذلك أجزأه
مسألة: "ويستحب أن يتعوذ" من أربع وهي ما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال. متفق عليه3.
مسألة: "ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك" , وهو ركن لقوله عليه السلام: "وتحليلها التسليم" . رواه أبو داود4. وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 148- باب التشهد في الآخرة. حديث رقم 831. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 16- باب التشهد في الصلاة: حديث رقم 55.
2 - رواه البخاري في: 60- كتاب أحاديث الأنبياء: 10- باب حديثنا موسى بن إسماعيل: حديث رقم 3369. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 17- باب الصلاة على النبي: حديث رقم 66.
3 - رواه البخاري في:10- كتاب الأذان: 149- باب الدعاء قبل السلام: حديث رقم 832. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 25- باب ما يستعاذ منه في الصلاة: حديث رقم 128.
4 - رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة: 30- باب فرض الوضوء: حديث رقم 61.
وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض بعد التشهد الأول كنهوضه من السجود ثم يصلي ركعتين لا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئا فإذا جلس للتشهد الأخير تورك: فنصب رجله اليمنى وفرش اليسرى وأخرجهما عن يمينه ولا يتورك في صلاة
ـــــــ
يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله, وفي لفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه وعن يساره رواه مسلم1. والتسليمة الثانية سنة لأن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم فسلم مرة واحدة تلقاء وجهه رواه ابن ماجه2. وكذلك روي عن سلمة ابن الأكوع عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولأنه إجماع حكاه ابن المنذر عمن يحفظه من أهل العلم, وقال عمار بن أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلمون تسليمتين وكان مسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة واحدة, ولأن التسليمة الأولى قد خرج بها من الصلاة فلم يجب ما بعدها.
مسألة: "وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض بعد التشهد الأول كنهوضه من السجود, ثم يصلي ركعتين لا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئا" لما روى أبو قتادة, أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب وكتب عمر إلى شريح أن اقرأ في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورة وفي الأخريين بأم القرآن.
مسألة: "فإذا جلس للتشهد الأخير تورك: فنصب رجله اليمنى وفرش اليسرى وأخرجهما عن يمينه" فإن في بعض روايات أبي حميد: حتى إذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة رواه أبو داود3. وفي رواية جلس على إليتيه وجعل بطن قدمه اليسرى عند مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمنى كما قال الخرقي وأيهما فعل جاز.
مسألة: "ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما" لما روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى4, ولم يفرق بين كونه آخرا أو وسطا, وفي حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول
ـــــــ
1 - رواه النسائي في: 13- كتاب السهو: 66- باب كيف السلام على اليمين: حديث رقم1.
2 - رواه ابن ماجه في: 5- كتاب إقامة الصلاة. 29- باب من يسلم تسليمة واحدة: حديث رقم 965.
3 -ى رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: 179- باب من يسلم تسليمة واحدة: حديث رقم 919.
4 - رواه النسائي في: 12- كتاب التطبيق: 98- باب موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول: حديث رقم1.
فيها تشهدان في الأخير منهما, فإذا سلم استغفر ثلاثا وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" .
ـــــــ
في كل ركعتين: "التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى" رواه مسلم1. وأحتج به أحمد وهذان الحديثان يقتضيان كل تشهد بالافتراش إلا أنه خرج من عمومهما التشهد الثاني لحديث أبي حميد لخصوصه في التشهد الأخير والخاص يقدم على العام ففيما عداه يبقى على مقتضى العموم.
مسألة: "فإذا سلم استغفر ثالثا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" قال ثوبان: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته قال ذلك". رواه مسلم2. قال الأوزاعي: يقول استغفر الله استغفر الله.
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: 4- كتاب الصلاة: 46- باب ما يجمع صفة الصلاة: حديث رقم 240.
2 - رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد: 26- باب استحباب الذكر بعد الصلاة: حديث رقم 135.
باب أركان الصلاة وواجباتها
أركانها: اثنا عشر: القيام مع القدرة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة, والركوع والرفع منه والسجود والجلوس عنه, والطمأنينة في هذه الأركان والتشهد الأخير والجلوس له والتسليمة الأولى وترتيبها على ما ذكرناه, فهذه الأركان لا تتم الصلاة إلا بها.
وواجباتها: سبعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام
ـــــــ
باب أركان الصلاة وواجباتهامسألة: "أركانها اثنا عشر: القيام مع القدرة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والرفع منه والسجود والجلوس عنه والطمأنينة في هذه الأركان والتشهد الأخير والجلوس له والتسليمة الأولى وترتيبها على ما ذكرناه" وقد سبق ذكر أدلته في صفة الصلاة سوى الترتيب, ودليل أنه ركن في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها مرتبة وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 3.
مسألة: "فهذه الأركان لا تتم الصلاة إلا بها" بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "ارجع فصل فإنك لم تصل حين ترك هذه الأفعال" .
مسألة: "وواجباتها سبعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع وقول رب اغفر لي بين
ـــــــ
3 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 18- باب الأذان للمسافرين: حديث رقم 631.
والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة, والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع وقول: ربي اغفر لي بين السجدتين والتشهد الأول والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير فهذه إن تركها عمدا بطلت صلاته وإن تركها سهوا سجد لها.
وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بعمدها ولا يجب السجود لسهوها
ـــــــ
السجدتين1, والتشهد الأول والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير فهذه إن تركها عمدا بطلت صلاته وإن تركها سهوا جبرها بالسجود" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التسهد الأول وقام إلى الثالثة سبحوا به فلم يرجع حتى إذا جلس للتسليم سجد سجدتين وهو جالس, ولولا أن التشهد يسقط بالسهو لرجع إليه ولما سجد جبرا لنسيانه, فدل على وجوبه ووجوب السجود له وغير التشهد من الواجبات مقيس عليه ومشبه به, ولا يمتنع أن يكون للعبادات واجبات تجبر إذا تركها وواجبات لا تجبر, فلا تصح العبادات بدونها سميت لذلك أركانا كالحج في واجباته وأركانه, وعنه أنها سنة سبق توجيهها في صفة الصلاة فعلى هذا لا تبطل الصلاة بتركها وحكمها في السجود حكم السنن على ما يأتي.
مسألة: "وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بتركها ولا يشرع السجود لها" وهي قسمان: سنن أقوال وسنن أفعال: فأما سنن الأقوال فقد ذكر عنه في الجهر والإخفات روايتان: إحداهما لا يشرع له السجود قياسا على رفع اليدين والأخرى يشرع لقوله عليه السلام: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين" 2, وإذا قلنا يشرع فهو مستحب نص عليه فقال: إن شاء سجد ولأنه شرع جبرا لما ليس بواجب فأولى أن لا يكون واجبا, وفي بقيتها وجهان قياسا على الجهر والإخفات وأما سائر السنن فقال القاضي: لا يسجد لها بحال ولا نعلم أحدا خالف هذا لأنه ليس من جنسه ما شرع له السجود
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 - رواه ابن ماجه في: 5- كتاب إقامة الصلاة: 129- باب السهو في الصلاة: حديث رقم 1203.
باب سجدتى السهو
والسهو على ثلاثة أضرب:أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو
ـــــــ
باب سجدتي السهو
مسألة: "والسهو على ثلاثة أضرب: أحدها زيادة فعل من جنسها كركعة أو ركن فتبطل الصلاة بعمده لما سبق ويسجد لسهوه" لما روى ابن مسعود قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم فقال: "ما شأنكم" . قالوا: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء؟ قال: "لا". قالوا: فإنك صليت خمسا فانفتل فسجد سجدتين.
ركن فتبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه, وإن ذكر وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد, ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه, فإن كان كثيرا أبطلها وإن كان
ـــــــ
ثم سلم ثم قال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وفي لفظ فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين" رواه مسلم1.
مسألة: "وإن ذكر وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال" فإن لم يجلس في الحال بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا.
مسألة: "وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد" لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشاء فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يديه عليها كأنه غضبان, وخرجت السرعان من المسجد فقالوا: أقصرت الصلاة؟ وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: "لم أنس ولم تقصر" . فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: "نعم". فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم, ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول, ثم رفع رأسه فكبر فقال: ربما سألوه ثم سلم. قال: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم. متفق عليه2.
مسألة: "ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه" يعني في الإبطال "فإن كان كثيرا" في العادة متواليا كالمشي والحك والتروح "يبطل" إجماعا؛ لأنه من غير جنس الصلاة ولا يشرع له سجود لذلك "وإن قل لم يبطلها" لما روى أبو قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا قام حملها وإذا سجد وضعها متفق عليه3. وروي أنه فتح الباب لعائشة رضي الله عنها وهو في الصلاة والقليل ما شابه "فعل النبي صلى الله عليه وسلم في فتحه الباب وحمله أمامة" , والكثير ما عد في العرف كثيرا فيبطل إلا أن يفعله متفرقا بدليل حمل النبي صلى الله عليه وسلم لأمامة في صلاته حيث فعله متفرقا لم يبطل وإن كان كثيرا
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: كتاب المساجد: 19- باب السهو في الصلاة: حديث رقم 93.
2 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 69- باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس: حديث رقم 714. ومسلم في: كتاب المساجد: 19- باب السهو في الصلاة: حديث رقم 97.
3 - رواه البخاري في: 8- كتاب الصلاة: 106- باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة: حديث رقم 516. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 9- باب جواز حمل الصبيان في الصلاة: حديث رقم 41, 42, 43.
يسيرا -كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة وفتحه الباب لعائشة- فلا بأس.
الضرب الثاني: النقص: كنسيان واجب فإن قام عن التشهد الأول فذكر قبل أن يستتم قائما رجع فأتى بت.
وإن استتم قائما لم يرجع وإن نسي ركنا فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده, وإن ذكره بعد ذلك بطلت الركعة التي تركه منها وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد في الحال فصحت له ركعة ثم يأتي بثلاث ركعات.
الضرب الثالث: الشك فمن شك في ترك ركن فهو كتركه له ومن شك في
ـــــــ
مسألة: "الضرب الثاني النقص كنسيان واجب فإن قام عن التشهد فذكر قبل أن يستتم قائما رجع فأتى به" لما روى لمغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم في الركعتين ولم يستتم قائما فليجلس فإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو" . رواه أبو داود1. ولأنه أخل بواجب وذكر قبل الشروع في ركن مقصود فلزمه الإتيان به كما لو لم تفارق إليتاه الأرض.
مسألة: "وإن استتم قائما لم يرجع" للخبر ولأنه تلبس بركن فلم يرجع إلى واجب.
مسالة: "وإن نسي ركنا فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده" لأنه ذكره في موضعه فيأتي بت, كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة فذكرها قبل السلام فإنه يأتي بها في الحال "وإن ذكره بعد ذلك بطلت الركعة التي تركه منها" وصارت الثانية أولاه, ويسجد قبل السلام بدليل المزحوم عن السجود في الجمعة إذا زال الزحام والإمام راكع في الثانية فإنه يتبعه ويسجد معه ويكون السجود من الثانية لا تتم به الأولى كذلك هنا.
مسألة: "وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد سجدة في الحال فصحت له ركعة ثم يأتي بثلاث ركعات" ويسجد للسهو لأنه إذا ترك السجدة من الركعة الأولى فشرع في قراءة الركعة الثانية بطلت الأولى, لما بيناه في التي قبلها وإذا ترك من الثانية سجدة ثم شرع في قراءة الركعة الثالثة بطلت الثانية, وكذلك الثالثة فإذا ترك من الرابعة سجدة وذكر في التشهد سجد سجدة وتصح له ركعة لأنه ذكره في موضعه ويأتي بثلاث ركعات ويسجد قبل السلام, ودليل ذلك مسألة المزحوم في الجمعة وعنه تبطل صلاته لأنه يفضي إلى عمل كثير غير معتد بت.
"الضرب الثالث الشك فمن شك في ترك ركن فهو كتركه له" لأن الأصل عدمه
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 199- باب من نسي أن يتشهد وهو جالس: حديث رقم 1036.
عدد الركعات بنى على اليقين
إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه, ولكل سهو سجدتان قبل السلام إلا من سلم عن نقص في صلاته والإمام إذا بنى على غالب ظنه والناسي للسجود قبل السلام فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه ثم يتشهد
ـــــــ
"وإن شك في عدد الركعات بنى على اليقين" لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على ما تيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى أربعا كانتا ترغيما للشيطان" 1. رواه مسلم. وعنه يبني على غالب ظنه ويتم صلاته ويسجد بعد السلام لما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم ما بقي عليه ثم يسجد سجدتين" . متفق عليه. وللبخاري: "بعد التسليم"2.
مسألة: "إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه" لأن له من يذكره إن غلط فلا يخرج منها على شك والمنفرد يبني على اليقين لأنه لا يأمن الخطأ وليس له من يذكره فيلزمه البناء على اليقين كيلا يخرج من الصلاة شاكا, وهذا ظاهر المذهب فيحمل حديث ابن مسعود على الإمام وحديث أبي سعيد على المنفرد جمعا بين الحديثين وعنه يبني الإمام على اليقين كالمنفرد.
مسألة: "ولكل سهو سجدتان قبل السلام" لحديث أبي سعيد "إلا في موضعين: أحدهما إذا سلم عن نقص في صلاته" ناسيا فإنه إذا لم يطل الفصل يأتي بما ترك ويتشهد ويسلم لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشاء فسلم من ركعتين الحديث "و" الموضع الثاني: "إذا بنى الإمام على غالب ظنه" فإنه يسجد بعد السلام لحديث ابن مسعود, وعنه أن السجود كله قبل السلام. لحديث أبي سعيد وابن بحينة وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام لحديث ذي اليدين وحديث ابن مسعود3 وما كان من نقص كان قبله لحديث ابن بحينة حين ترك التشهد الأول.
مسألة: "والناسي للسجود قبل السلام فإنه يسجد سجدتين بعد السلام ثم يتشهد ويسلم" وذلك ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد لما روى ابن مسعود أن النبي
ـــــــ
1 -رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد ومواضع الصلاة: 19- باب السهو في الصلاة: حديث رقم 88.
2 - رواه البخاري في: 8- كتاب الصلاة: 31- باب التوجه نحو القبلة حيث كان: حديث رقم 401. ومسلم في: 5- كتاب المساجد: 19- باب السهو في: الصلاة: حديث رقم 89.
3 - سبق تخريجه.
ويسلم.
وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه ومن سها إمامه أو نابه أمر في صلاته فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء.
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام. رواه مسلم1. وحديث ذي اليدين وإن طال الفصل لم يسجد واختلف في المدة فقال الخرق: ما لم يخرج من المسجد وإن خرج لم يسجد نص عليه لأنه محل الصلاة وموضعها فاعتبرت المدة كخيار المجلس. وقال القاضي: إن طال الفصل لم يسجد وإن لم يطل سجد ويرجع في الطول والقصر إلى العادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى المسجد بعد ما خرج منه فأتم صلاته في حديث عمران بن حصين2 فالسجود أولى. وعنه يسجد وإن خرج وتباعد لأنه جبران فيأتي به بعد طول الزمان كجبرانات الحج. قال مالك: يأتي به ولو بعد شهر.
مسألة: "وليس على المأموم سجود إلا أن يسهو إمامه" لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على خلف الإمام سهو فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه" . رواه الدارقطني, ولأن المأموم تابع للإمام "فلزمه متابعته في السجود" وفي تركته لقوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"3.
مسألة: "ومن سها إمامه أو نابه أمر في صلاته فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفق النساء". متفق عليه4.
ـــــــ
1 -انظر تخريج الحديث قبل السابق.
2 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 193- باب السهو في السجدتين:حديث رقم 1018.
3 -رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 51- باب إنما جعل الإمام ليؤتم به: حديث رقم 688, 689. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 19- باب ائتمام المأموم بالإمام: حديث رقم 77, 82, 86.
4 - رواه البخاري في: 10- كتاب الأذان: 48- باب من دخل ليؤم الناس فجاء الأمام: حديث رقم 684. ومسلم في: 4- كتاب الصلاة: 22- باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام: حديث رقم 102.
باب صلاة التطوع
وهي على خمسة أضرب:
ـــــــ
باب صلاة التطوع"وهي على خمسة أضرب: أحدها السنن الراتبة وهي عشر ركعات قال ابن عمر: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح" كانت ساعة لا يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها, "وحدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين.
أحدها: السنن الرواتب وهي التي قال ابن عمر رضي الله عنه: عشر ركعات حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها, وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الفجر وحدثتني حفصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين وهما آكدها ويستحب تخفيفهما وفعلهما في البيت أفضل وكذلك ركعتا المغرب.
الضرب الثاني: الوتر ووقته ما بين صلاة العشاء والفجر وأقله ركعة وأكثره
ـــــــ
متفق عليه1. وآكدها ركعتا الفجر" قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر, وقال: "ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها" . رواه مسلم2 وقال: "صلوها ولو طردتكم الخيل" . رواه أبو داود3.
مسألة: "ويستحب تخفيفهما" لأن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين قبل الصلاة حتى أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن أخرجه أبو داود4.
مسألة: "وكذلك ركعتا المغرب" لأنها سنة المغرب والمغرب يستحب تخفيفها فكذلك سنتها.
الضرب الثاني: الوتر ووقتها ما بين العشاء والفجر" لما روى أبو بصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر" . رواه أحمد5. قال عليه السلام: "فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة" متفق عليه6.
مسألة: "وأقله ركعة" لما روى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" . رواه أبو داود7.
مسألة: "وأكثره إحدى عشرة ركعة" لما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 19- كتاب التهجد: 34- باب الركعتين قبل الظهر: حديث رقم 1180, 1181. ومسلم في: 6- كتاب المسافرين: 15- باب فضل السنن الراتبة: حديث رقم 104.
2 - رواه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: 14- باب استحباب ركعتي الفجر: حديث رقم 94, 96.
3 - رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 3- باب في تخفيفهما: حديث رقم 1258.
4 - المصدر عاليه: حديث رقم 1255.
5 - رواه أحمد في: المسند 2/205 و 208, 5/242, 6/7.
6 - رواه البخاري في: 14- كتاب الوتر: 1- باب ما جاء في الوتر: حديث رقم 990. ومسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: 20- باب صلاة الليل مثنى مثنى: حديث رقم 145.
7 - رواه أبو داود في: 8- كتاب الوتر: 3- باب كم الوتر: حديث رقم 1422.
إحدى عشرة وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين ويقنت في الثالثة بعد الركوع
الضرب الثالث: التطوع المطلق وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار
ـــــــ
مابين العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليه1.
مسألة: "وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين" لما روى عبد الله أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم" . رواه الأثرم.
مسألة: "ويقنت في الثالثة بعد الركوع" لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع رواه مسلم2. والقنوت الدعاء وهو ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قنت فقال: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوب إليك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق, اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك, وهاتان السورتان في مصحف أبي. وروى الحسن قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك, إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت" رواه الترمذي وقال: لا يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت أحسن من هذا3. وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في آخر الوتر: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك عن عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" . رواه الطيالسي وأبو داود4.
الثالث التطوع المطلق وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار" لأن الله سبحانه: أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} 5 وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 14- كتاب الوتر: 1- باب ما جاء في الوتر: حديث رقم 994. ومسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: 17- باب صلاة الليل: حديث رقم 122.
2 - رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد: 54- باب استحباب القنوت في جميع الصلاة: حديث رقم 295.
3 - رواه البخاري في: 3- أبواب الوتر: 10- باب ما جاء في القنوت في الوتر: حديث رقم 464. وقال: هذا حديث حسن.
4 - رواه أبو داود في: 8- كتاب الوتر: 5- باب القنوت في الوتر: حديث رقم 1427.
5 - آية 1 سورة المزمل.
والنصف الأخير أفضل من الأول, وصلاة الليل مثنى مثنى وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم.
الضرب الرابع: ما تسن له الجماعة وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: التراويح وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان.
ـــــــ
الليل" قال الترمذي حديت صحيح1.
مسألة: "والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول" لما روي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيى آخره, ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء وإن لم يكن جنبا توضأ"2.
مسألة: "وصلاة الليل مثنى مثنى" لقوله عليه السلام: "صلاة الليل مثنى مثنى" . متفق عليه.
مسألة: "وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة" رواه مسلم3, وقال عليه السلام: "من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر صلاة القائم" . رواه البخاري4, وقالت عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس أخرجه مسلم5.
"الرابع ما تسن له الجماعة وهو ثلاثة أنواع: أحدها التراويح وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وأقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" . متفق عليه6. وقام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاثا تم تركها خشية أن تفرض فكان الناس يصلون لأنفسهم حتى خرج عمر رضي الله عنه وهم أوزاع7 يصلون فجمعهم على أبي بن كعب. قال السائب بن زيد: لما جمع عمر الناس على أبي بن كعب كان يصلي بهم
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 2- كتاب الصلاة: 207- باب ما جاء في فضل صلاة الليل: حديث رقم 438.
2 - رواه البخاري في: 19- كتاب التهجد: 15- باب من نام أول الليل وأحيى آخره: حديث رقم 1146.
3 - رواه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: 16- باب جواز النافلة قائما وقاعدا: حديث رقم 20.
4 - رواه البخاري في: 18- كتاب تقصير الصلاة: 17- باب صلاة القاعد: حديث رقم 1115.
5 - رواه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: 16- باب جواز النافلة قائما وقاعدا: حديث رقم 16.
6 - رواه البخاري في: 32- كتاب فضائل ليلة القدر: 1- باب فضل ليلة القدر: حديث رقم 2014. ومسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها: 25- باب الترغيب في قيام رمضان: حديث رقم 175.
7 - قوله: أوزاع أي: متفرقون. أراد أنهم كانوا يتنفلون فيه بعد صلاة العشاء متفرقين. النهاية: 5/181.
والثاني: صلاة الكسوف فإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة.
إن أحبوا جماعة وإن أحبوا أفرادا فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة ثم يركع ركوعا طويلا ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون التي قبلها, ثم يركع فيطيل دون الذي قبله ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يقوم فيفعل مثل ذلك, فتكون أربع ركعات وأربع سجدات
ـــــــ
عشرين ركعة والسنة فعلها جماعة كذلك أخرجه البخاري1.
النوع الثاني: صلاة الكسوف فإذا انكسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة" ل ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديا ينادي: الصلاة جامعة وخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه وصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات. متفق عليه2. وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل يخوف بهما عباده وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم" . رواه البخاري عن أبي بكر3.
مسألة: "إن أحبوا جماعة وإن أحبوا فرادى" لإطلاق الأمر بها في حديث ابن مسعود والأفضل الجماعة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم بها في جماعة.
مسألة: "فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة" ويفعل ما روت عائشة قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة ثم كبر وركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه وقال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" , ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر وركع ركوعا هو أدنى من ركوعه الأول ثم قال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" , ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل "أربع ركعات وأربع سجدات" فانجلت الشمس. متفق عليه4. وفي رواية فرأيت أنه قرأ في الأولى سورة البقرة وفي الثانية بسورة آل عمران.
ـــــــ
1 -- أخرجه البخاري في: 31- كتاب التراويح: 1- باب فضل من قام رمضان: حديث رقم 2010, 2012.
2 - رواه البخاري في: 16- كتاب الكسوف: 19- باب الجهر بالقراءة في الكسوف: حديث رقم 1065.
3 - رواه البخاري في: 16- كتاب الكسوف: 6- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يخوف الله عباده بالكسوف": حديث رقم 1048.
4 - رواه البخاري في: 16- كتاب الكسوف: 4- باب خطبة الإمام في الكسوف: حديث رقم 1046.ومسلم في: 10- كتاب الكسوف: 1- باب صلاة الكسوف: حديث رقم 3.
الثالث: صلاة الاستسقاء, وإذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين متذللين متضرعين فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد ثم يخطب بهم خطبة واحدة.
ويكثر فيها من الاستغفار وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به ويحول الناس أرديتهم وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا ويؤمروا أن ينفردوا عن المسلمين.
الضرب الخامس: سجود التلاوة وهي أربع عشرة سجدة في "الحج" منها
ـــــــ
"الثالث صلاة الاستسقاء إذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرجوا مع الإمام" على الصفة التي خرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء "متبذلا متواضعا متخشعا متضرعا" حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه, ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير "وصلى ركعتين كما يصلي في العيدين" حديث صحيح1.
مسألة: "ثم يخطب خطبة واحدة" يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد بعد الصلاة لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خطب بنا, وهذا صريح؛ ولأنها تشبه صلاة العيد وخطبتها بعد الصلاة وعنه لا يخطب لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه2.
مسألة: "ويكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به" مثل: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} 3 {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} 4.
مسألة: "ويحول الناس أرديتهم" وهو أن يجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تفاؤلا أن يحول الله الجدب خصبا وروى سعيد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة وقلب رداءه, وصلى ركعتين قال سفيان: جعل اليمين على الشمال.
مسألة: "وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا" لأنهم يطلبون الرزق فلا يمنعون منه "وينفردون عن المسلمين"
"الخامس سجود التلاوة وهي أربع عشرة سجدة في الحج منها اثنتان" لما روى عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: 3- كتاب صلاة الاستسقاء: حديث رقم 1165.
2 - رواه البخاري في: 2- كتاب الصلاة: 43- باب ما جاء في صلاة الاستسقاء: حديث رقم 558. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
3 - آية 10 سورة نوح.
4 - آية 3- سورة هود.
اثنتان ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع
ويكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ثم يسلم.
ـــــــ
واثنتان في الحج رواه أبو داود1. وقد روى عقبة بن عامر أنه قال: يا رسول الله في الحج سجدتان؟ قال: "نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما" . رواه أبو داود2.
مسألة: "ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع" لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد وسجد أصحابه معه ولا نعلم فيه خلافا وروى مسلم عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته3. فأما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد, وقال: إنما السجدة على من استمع. وقال عمر وابن مسعود وإنما جلسنا لها, ولا مخالف لهما في عصرهم إلا قول ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد فيحمل كلامه عليه جميعا بين أقوالهم.
مسألة: "ويكبر إذا سجد وإذا رفع ثم يسلم" لأن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه4 ويكبر للرفع منه؛ لأنها صلاة ذات إحرام أشبهت صلاة الجنازة ويسلم أيضا عند فراغه لذلك.
ـــــــ
1 - رواه أبوداد في: 7- كتاب السجود: حديث رقم 1401.
2 - المصدر عاليه: حديث رقم 1402.
3 - رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد:ت 20- باب سجود التلاوة: حديث رقم 103.
4 - سبق تخريجه.
باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها.
وهي خمس: بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح, وعند قيامها حتى تزول وبعد العصر حتى تتضيف الشمس للغروب وإذا
ـــــــ
باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها."وهي خمس: بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وعند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول, وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب" والأصل فيها أحاديث: منها ما روي عن ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق
تضيفت حتى تغرب فهذه الساعات التي لا يصلي فيها تطوعا إلا في إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد وركعتي الطواف بعده والصلاة على الجنازة, وقضاء
ـــــــ
الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" . متفق عليهما1. وفي لفظ لمسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب" 2. وله عن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب3.
مسألة: "فهذه الساعات لا يجوز أن يصلي فيها تطوعا لذلك إلا إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد" وقد كان صلى. لما روى جابر بن زيد عن أبيه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الفجر فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا. فقال: "لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة" . رواه الأثرم ورواه الترمذي ولفظه: "إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام فليصل معه فإنها له نافلة" . وقال: حديث حسن صحيح4. وهذا بعمومه دليل على جواز الإعادة على الإطلاق في كل صلاة.
مسألة: "وركعتي الطواف" لما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار" . رواه الترمذي وقال: حديث صحيح5. وهو عام.
مسألة: "والصلاة على الجنازة" ولا خلاف فيها. قال ابن المنذر: إنها تصلى في وقت النهي.
ـــــــ
1 -الأول رواه البخاري في: 9- كتاب مواقيت الصلاة: 30- باب الصلاة بعد الفجر ترتفع الشمس: حديث رقم 581. ومسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: 51- باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها: حديث رقم 286. والثاني رواه البخاري في: المصدر عاليه: 31- باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس.: حديث رقم 586. ومسلم في: المصدر عاليه: حديث رقم 288.
2 - المصدر عاليه: حديث رقم 291.
3 -المصدر عاليه: حديث رقم 293.
4 -رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة: 53- باب في الجمع في المسجد مرتين: حديث رقم 575. والترمذي في: 2- كتاب الصلاة: 49- باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة: حديث رقم 219. وقال: حديث حسن صحيح.
5 رواه الترمذي في: 7- كتاب الحج: 42- باب ما جاء في الصلاة بعد العصر: حديث رقم 868.
السنن الرواتب في وقتين منها وهما بعد الفجر وبعد العصر
ويجوز قضاء المفروضات
ـــــــ
مسألة: "وقضاء السنن الرواتب في وقتين منها وهما بعد الفجر وبعد العصر" لما روى قيس بن فهد قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فقال: "ما هاتان الركعتان يا قيس" . قلت: يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان. فسكت وسكوته دليل على الجواز؛ لأنه لا يقر على الخطأ. رواه أحمد وأبو داود1. وقال: إسناده ليس بمتصل محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس وروى مسلم. عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما. وقال: "يا بنت أبي أمية أتاني أناس من عبد القسيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان" 2. وصح من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها3؛ ولأن لها سببا فجازت في وقت النهي كركعتي الطواف.
مسألة: "ويجوز قضاء الفوائت المفروضات" في جميع الأوقات لقوله عليه السلام: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" . متفق عليه4. وفي حديث أبي قتادة: "إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها" 5. ولأنه وقت نهي فجاء فيه قضاء الفوائت كالوقتين, فإن من خالف فيها سلم في وقتين وخالف في ثلاثة وهي المذكورة في حديث عقبة بن عامر إلا عصر يومه فإنه سلم أن يصليها قبل غروب الشمس.
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: 5- كتاب التطوع: 6- باب من فاتته متى يقضيها: حديث رقم 1267.
2 - رواه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين: حديث رقم 297.
3 - المصدر عاليه: حديث رقم 298.
4 - رواه البخاري في: كتاب مواقيت الصلاة: حديث رقم 597. ومسلم في: كتاب المساجد: حديث رقم 309.
5 - رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: حديث رقم 437.
باب الإمامة
روى أبو مسعود البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة
ـــــــ
باب الإمامةروى أبو مسعود البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن
سواء قأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" , وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما". وكانت قراءتهما متقاربة ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن لم يعلم بحدث نفسه, ولم يعلمه المأموم حتى سلم فإنه يعيد وحده ولا تصح خلف تارك ركن إلا إمام الحي إذا صلى جالسا لمرض يرجى برؤه, فإنهم يصلون وراءه جلوسا إلا أن يبتدئها قائما ثم يعتل فيجلس فإنهم يأتمون وراءه قياما
ـــــــ
كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا -أو قال سلما- ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" . رواه مسلم1. وقال لمالك ابن الحويرث وصاحبه: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليأمكما أكبركما". وكانت قراءتهما متقاربة حديث صحيح2.
مسألة: "ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة" كالمحدث الذي يعلم حدث نفسه لفوات الشرط فإن جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة المأموم وحده"؛ لما روي أن عمر صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف3 فأهرق الماء فوجد في ثوبه احتلاما فأعاد الصلاة ولم يعد الناس4. وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان وعلي وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا؛ ولأن هذا مما يخفى فكان المأموم معذورا في الاقتداء به.
مسألة: "ولا تصح خلف تارك ركن إلا إمام الحي إذا صلى جالسا لمرض يرجى برؤه فإنهم يصلون وراءه جلوسا" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم جالسا فصلى قوم وراءه قياما فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون"5 . متفق عليه.
287 - ـ مسألة: "فإن ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل وجلس أتموا خلفه قياما" لأن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" , فلما دخل أبو بكر في الصلاة
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: 5- كتاب المساجد: حديث رقم 290.
2 - رواه البخاري في: كتاب الأذان: حديث رقم 631.
3 - قوله: الجرف بضم الجيم والراء, على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام.
4 - رواه مالك في: كتاب الطهارة: حديث رقم 80.
5 - سبق تخريجه.
ولا تصح إمامة المرأة بالرجال ومن به سلس البول والأمي الذي لا يحسن الفاتحة أو يخل بحرف منها إلا بمثلهم.
ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم والمفترض بالمتنفل.
ـــــــ
خرج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائم يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر متفق عليه1. فأتموا قياما لابتدائهم قياما.
مسألة: "ولا تصح إمامة المرأة بالرجال" لقوله عليه السلام: "لا تؤمن امرأة رجلا" . رواه ابن ماجه من حديث جابر2؛ ولأنها ليست من أهل الكمال أشبهت الصبي.
مسألة: "ولا تصح إمامة من به سلس البول" والمستحاضة, لأنه أخل بشرط وهي الطهارة.
مسألة: "ولا تصح إمامة الأمي الذي لا يحسن الفاتحة أو يخل بحرف منها إلا بمثله" لأنه عجز عن ركن الصلاة أشبه من عجز عن السجود.
مسألة: "ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم" لأن المتيمم العادم للماء كالمتوضئ القادر على الماء لأن عمرو بن العاص رضي الله عنه صلى بأصحابه في غزوة ذات السلاسل بالتيمم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكر عليه3.
مسألة: "ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل" لما روى جابر: "أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة". متفق عليه4. وروى الأثرم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين ثم سلم, ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين أيضا ثم سلم. والثانية منهما تقع نافلة وقد أم بها مفترضين؛ ولأنهما صلاتان أتفقتا في الأفعال فجاز ائتمام المصلي في إحداهما بالمصلي في الأخرى كالمتنفل خلف المفترض وعنه لا يجوز لقوله عليه السلام: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" . متفق عليه5. ولأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام فأشبهت الجمعة خلف من يصلي الظهر والأولى أولى, فالمراد بقوله: "لا تختلفوا على أئمتكم" . يعني في الأفعال, ولهذا قال:
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: كتاب الأذان: حديث رقم 683. ومسلم في: كتاب الصلاة: حديث رقم 97.
2 - رواه ابن ماجه في: كتاب إقامة الصلاة: حديث رقم 1081.
3 - رواه أبو داود في كتاب الطهارة: حديث رقم 334.
4 - رواه البخاري في: كتاب الأذان: حديث رقم 700. ومسلم في: كتاب الصلاة: حديث رقم 181.
5 - سبق تخريجه.
وإذا كان المأموم واحدا وقف عن يمين الإمام فإن وقف عن يساره أو قدامه أو وحده لم تصح,
إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه, وإن كانوا جماعة وقفوا خلفه فإن وقفوا عن يمينه أوعن جانبيه صح فإن وقفوا قدامه أو عن يساره لم
ـــــــ
"فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا" 1. ولهذا يصح ائتمام المتنفل بالمفترض مع اختلاف نيتهما, والقياس ينتقض بالمسبوق في الجمعة يدرك أقل من ركعة ينوي الظهر خلف من يصلي الجمعة.
مسألة: "وإذا كان المأموم واحد وقف عن يمين الإمام" إن كان ذكرا لما روي عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت فوقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه متفق عليه2. "فإن وقف عن يساره"لم تصح صلاته للحديث.
مسألة: "فإن وقف وحده خلف الصف لم يصح" لما روى أبو داود بإسناده عن وابصة بن معبد: أن رسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد. قال أحمد: حديث وابصة حسن. قال ابن المنذر: ثبت الحديث وفي حديث علي بن شيبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل فرد خلف الصف: "استقبل صلاتك ولا صلاة لفرد خلف الصف" . رواه الأثرم وهو نص.
مسألة: "إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه" لما روى أنس قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا فصلى ركعتين. متفق عليه3.
مسألة: "وإن كانوا جماعة وقفوا خلفه" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه فيقفون خلفه ولما وقف جابر وجبار عن يمينه وشماله أخرهما بيده إلى خلفه.
مسألة: "فإن وقفوا عن يمينه أوعن جانبيه صح" لما روي أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود فلما فرغوا قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل. رواه أبو داود4.
مسألة: "فإن وقفوا قدامه لم يصح" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" 5. لأنهم يرونه فيقتدون به بخلاف ما لو كانوا قدامه ولأنه أخطأ موقفه فلم
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 -رواه البخاري في: كتاب الأذان: حديث رقم 697, 699. ومسلم في: كتاب صلاة المسافرين: حديث رقم 181.
3 - رواه البخاري في: كتاب الصلاة: حديث رقم 380. ومسلم في: كتاب المساجد: حديث رقم 266.
4 - رواه أبو داود في كتاب الصلاة: حديث رقم 613.
5 - سبق تخريجه.
تصح وإن صلت امرأة بنساء قامت معهن في الصف وسطهن وكذلك إمام الرجال العراة يقوم وسطهم, وإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء قدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء, ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة وإلا فلا
ـــــــ
تصح صلاته كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام.
مسألة: "وإن صلت امرأة بالنساء قامت معهن في الصف وسطا" لما روى سعيد بن منصور أن أم سلمة أمت النساء فقامت وسطهن, وروي عن إبراهيم قال: تؤم المرأة النساء في رمضان وتقوم معهن في صفهن يركعن بركوعها ويسجدن بسجودها, ولأن المرأة يستحب لها التستر فلهذا يستحب لها ترك التجافي وكونها في وسط الصف أستر لها فاستحب لها ذلك كالعريان.
مسألة: "وكذلك إمام الرجال العراة يقوم وسطهم" ليكون ستر له فلا يرون عورته.
مسألة: "فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال" لأنهم أفضل "ثم الصبيان"؛ لأنهم يلونهم في الفضيلة "ثم الخناثى" لاحتمال أن يكونوا رجالا "ثم النساء" , والأصل في ذلك ما روي عن أبي مالك الأشعري أنه قال: ألا أحدثكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أقام الصلاة فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم قال: هكذا1. قال عبد الأعلى لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي.
مسألة: "ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة" ؛ لأنه أدرك جزءا من صلاة الإمام فأشبه ما لو أدرك ركعة, ولأنه إذا أدرك جزءا من الصلاة فدخل مع الإمام لزمه أن ينوي الصفة التي هو عليها وهو كونه مأموما فيدرك فضل الجماعة.
مسألة: "ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة وإلا فلا" لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أدركتم السجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" . رواه أبو داود2.
ـــــــ
1 - رواه أحمد في المسند 5/341, 342.
2 - رواه أبو داود في كتاب الصلاة: حديث رقم 893.
باب صلاة المريض
والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالسا فإن لم يطق فعلى جنبه
ـــــــ
باب صلاة المريض"والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالسا فإن لم يطق فعلى جنب لأن
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك" فإن شق عليه فعلى ظهره فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماء وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه, وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين العشاءين في وقت إحداهما, فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما, ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول
ـــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمران بن حصين: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك" . رواه البخاري1. وأجمعوا على أن فرض من لا يطيق القيام أن يصلي جالسا.
مسألة: "فإن شق عليه" يعني الصلاة على جنبه "صلى على ظهره" ووجهه ورجلاه إلى القبلة لأن ذلك أسهل عليه.
مسألة: "فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما" ؛ لأنه عاجز عنهما ويجعل سجوده أخفض من ركوعه اعتبارا بأصلهما.
مسألة: "وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه" كالنائم ثم يقضي ما فاته من الصلوات
مسألة: "وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما" لأن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. متفق عليه2. وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز من غير عذر فلم يبق إلا لمرض؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأجل الاستحاضة, وهو نوع مرض وهو مخير في التقديم والتأخير أي ذلك فعل جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا ارتحل بعد دخول الوقت ويؤخر إذا ارتحل قبله طلبا للأسهل فكذلك المريض.
مسألة: "فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها" لأنها نية يفتقر إليها فاعتبرت عند الإحرام كنية القصر, "ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما" لأن افتتاح الأولى موضع النية وبافتتاح الثانية يحصل الجمع فاعتبر العذر فيهما.
مسألة: "ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء" لأن معنى الجمع المتابعة والمقاربة ولا
ـــــــ
1 - رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة: حديث رقم 1117.
2 - رواه مسلم في: كتاب صلاة المسافرين: حديث رقم 54.
وقت الثانية وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر ويجوز في المطر بين العشاءين
ـــــــ
يحصل ذلك مع الفرق الطويل والمرجع في طول ذلك وقصره إلى العرف وقدر الوضوء يسير في العرف فقدرناه به.
مسألة: "وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية" لأنه وقت الجمع "ويعتبر أن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها" لذلك.
مسألة: "ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر" لما روى أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أعجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق. متفق عليه1.
مسألة: "ويجوز في المطر بين العشاءين خاصة" لأن أبا سلمة قال: من السنة إذا كان في يوم مطر أن يجمع بين المغرب والعشاء, وكان ابن عمر يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر2 للمطر, وأما المطر الذي لا يبل الثياب فلا يبيح الجمع لعدم المشقة فيه وكذلك الطل والثلج كالمطر.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 18- كتاب تقصير الصلاة: 15- باب يؤخر الظهر إلى العصر: حديث رقم 1111, 1112. ومسلم في: كتاب صلاة المسافرين: حديث رقم 48.
2 - رواه مالك في: كتاب قصر الصلاة في السفر: حديث رقم 5.
مباحا فله قصر الرباعية خاصة إلا أن يأتم بمقيم.
أو لم ينو القصر أو نسي صلاة حضر فيذكرها في السفر أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام وللمسافر أن يتم والقصر أفضل
ـــــــ
وقاطع الطريق والتجارة في الخمر لم يقصر ولم يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها, والشرع لا يرد بذلك. الشرط الثالث: أن القصر في الرباعية خاصة إلى ركعتين فلا يجوز قصر الفجر ولا المغرب إجماعا؛ لأن قصر الصبح يجحف بها وقصر المغرب يخرجها عن كونها وترا. الشرط الرابع: شروعه في السفر بخروجه من بيوت قريته أو خيام قومه؛ لأن الله سبحانه قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} 1 ولا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج.
مسألة: "إلا أن يأتم بمقيم" فعليه الإتمام لأن ابن عباس سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد وأربعا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة. رواه الإمام أحمد, وهو ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه قول جماعة من الصحابة ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف من الصحابة فكان إجماعا.
مسألة: "أو لا ينوي القصر" مع نية الإحرام فإنه يلزمه الإتمام لأن الإتمام هو الأصل فإطلاق النية ينصرف إليه كما لو نوى الصلاة مطلقا انصرف إلى الانفراد الذي هو الأصل.
مسألة: "أو نسي صلاة حضر فيذكرها في السفر أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام" لأن صلاة الحضر وجبت أربعا وصلاة السفر -إذا ذكرها في الحضر- وجبت أربعا؛ لأن المبيح للقصر هو السفر وقد زال فيلزمه الإتمام لأنه الأصل.
مسألة: "وللمسافر أن يتم" لقوله سبحانه: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} . مفهومه أن القصر رخصة يجوز تركها وعن عائشة أنها قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفطرت وصمت وأتممت وقصرت. فقال: "أحسنت" . رواه أبو داود الطيالسي؛ ولأنه تخفيف أبيح في السفر فجاز تركه كالمسح ثلاثا.
مسألة: "والقصر أفضل" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه داوموا عليه وعابوا من تركه. قال عبد الرحمن بن يزيد: صلى عثمان أربعا فقال عبد الله: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم انصرفت بكم الطرق ولوددت أن
ـــــــ
1 - آية 101 سورة النساء.
ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن لم يجمع على ذلك قصر أبدا.
ـــــــ
حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتا. متفق عليه1.
مسألة: "ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم فإن لم يجمع على ذلك قصر أبدا" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها لأنه قدم لصبح رابعة إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج, فمن أقام مثل إقامته قصر ومن زاد أتم. قال أنس أقمنا بمكة عشرا نقصر الصلاة2 ومعناه ما ذكرناه, لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشر.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: كتاب الحج: حديث رقم 1657. ومسلم في: كتاب صلاة المسافرين: حديث رقم 19.
2 - رواه البخاري في كتاب المغازي: حديث رقم 4297.
باب صلاة الخوف
وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمختار منها أن يجعلهم الإمام طائفتين: طائفة تحرس والأخرى تصلي معه ركعة فإذا قام إلى الثانية نوت مفارقته وأتمت صلاتها, وذهبت تحرس وجاءت الأخرى فصلت معه الركعة الثانية فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعة أخرى وينتظر حتى تتشهد ثم يسلم بها, وإن اشتد الخوف صلوا رجالا وركبانا إلى القبلة وإلى غيرها يومئون بالركوعـــــــ
باب صلاة الخوف.
"وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم" . قال أحمد: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أو ستة -أو قال-: ستة أو سبعة -يروى فيها كلها جائز قال شيخنا "والمختار منها هو الذي اختاره الإمام أحمد" , وهو ما روى صالح بن خوات عن من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه العدو, فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم, ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته, ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم". متفق عليه3. ورواه سهل بن أبي حثمة أيضا قال أبو الخطاب: ويشترط لهذه الصلاة أن يكون العدو في غير جهة القبلة ونص أحمد خلافه.
مسألة: "فإن اشتد الخوف صلوا رجالا وركبانا إلى القبلة وإلى غيرها يومئون
ـــــــ
3 - رواه البخاري في: كتاب المغازي: حديث رقم 4129. ومسلم في: كتاب صلاة المسافرين: حديث رقم 310.
والسجود وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره
ـــــــ
بالركوع والسجود" على قدر طاقتهم لأن الله سبحانه قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} . "وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره" لللآية.
باب صلاة الجمعة
كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة إن كان مستوطنا ببناء وبينه وبين الجامع
ـــــــ
باب صلاة الجمعة"كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة" . فهي واجبة لقوله عليه السلام: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم" . رواه البخاري1.
وعن جابر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره" .
مسألة: "تجب الجمعة بشروط: أحدها "أن يكون مستوطنا" وهو الإقامة في قرية مبنية بحجارة أو لبن أو قصب أو ما جرت به العادة "بالبناء" لا يظعن عنها صيفا ولا شتاء. فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة عليهم؛ لأن قبائل العرب كانت حول المدينة فلم يقيموا جمعة ولا أمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم ولو أمرهم لم يخف ذلك ولم يترك نقله لكثرته وعموم البلوى به. الشرط الثاني: "أن يكون بينه وبين الجامع فرسخ فما دون" وإن كان أبعد من فرسخ فلا جمعة عليه؛ لأن عثمان رضي الله عنه صلى صلاة العيد يوم جمعة ثم قال لأهل العوالي: من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة فليقم, وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجمعة على من سمع النداء" . رواه أبو داود2. ولا يمكن اعتبار سماع حقيقة النداء؛ لأنه قد يكون ثقيل السمع أو في مكان مستتر لا يسمع أو غير مصغ أو يكون النداء ضعيفا أو في حال هبوب الرياح, فينبغي أن يقدر بمقدار لا يختلف والموضع الذي يسمع فالنداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتا في موضع عال والرياح ساكنة والمستمع سميعا غير ساه هو الفرسخ أو ما قاربه فيحد به.
ـــــــ
1 - رواه مسلم في كتاب الجمعة: حديث رقم 40.
2 - رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: حديث رقم 1056.
فرسخ فما دون ذلك إلا المرأة والعبد والمسافر والمعذور بمرض أو مطر أو خوف وإن حضروها أجزأتهم ولم تنعقد بهم إلا لمعذور إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به ومن شرط صحتها فعلها في وقتها في قرية وأن يحضرها من
ـــــــ
مسألة: "إلا المرأة والعبد" لما روى طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض" . رواه أبو داود, وقال: طارق أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه1.
مسألة: "والمسافر" لا تجب عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها بعرفة حيث كان مسافرا.
مسألة: "والمعذور بمطر أو مرض أو خوف" أما المعذور بمرض فلحديث طارق وقد سبق وأما المعذور لمطر فلما روي عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الباردة: "صلوا في رحالكم" . متفق عليه2. والمطر الذي يعذر به هو الذي يبل الثياب؛ لأن في الخروج فيه مشقة.
مسألة: " وأما الخوف فلما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر - قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض - لم يقبل الله الصلاة التي صلى رواه أبو داود3. والخوف ثلاثة أنواع: أحدهما الخوف على المال من سلطان أو لص أو يكون له خبز في تنور أو طبيخ على النار يخاف حريقه وما أشبه ذلك فهذا كله عذر عن الجمعة والجماعة لأنه خوف فيدخل في عموم الحديث الثاني الخوف على نفسه مثل أن يخاف من سلطان يأخذه أو عدو أو سبع أو سيل لذلك الثالث الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا أو يكون ولده ضائعا ويرجو وجوده في تلك الحال فيعذر بذلك لأنه خوف
مسألة: "وإن حضروها أجزأتهم" لأن سقوطها عنهم كان رخصة فإذا تكلفوا فعلها أجزأتهم كالمريض يتكلف الصلاة قائما. "ولم تنعقد بهم" لأنهم من غير أهل الوجوب فلم تنعقد بهم كالنساء "إلا المعذور إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به" لأن سقوطها عنه كان لدفع المشقة فإذا حضر زالت المشقة فوجبت عليه وانعقدت به.
مسألة: "ومن شرط صحتها فعلها في وقتها" فلا تصح قبل وقتها ولا بعده إجماعا, وآخر وقتها آخر وقت الظهر إجماعا. فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد؛ لأن
ـــــــ
1 - المصدر عاليه: حديث رقم 1067.
2 - رواه البخاري في: كتاب الأذان: حديث رقم 632. ومسلم في: كتاب صلاة المسافرين: حديث رقم 22, 24.
3 - رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: حديث رقم 551.
المستوطنين بها أربعون من أهل وجوبها وأن تتقدمها خطبتان في كل خطبة حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وقراءة آية والموعظة
ـــــــ
أحمد رحمه الله قال في رواية عبد الله: يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال. يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن عبد الله بن سيدان قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار, وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد أنتصف النهار, ثم صليتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره وهذا نقل للإجماع. وعن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس. أخرجه مسلم1.
مسألة: "ومن شرط صحتها أن يفعلها في قرية" يستوطنها أربعون رجلا من أهل وجوبها سكنى إقامة لا يظعنون فإذا اجتمعت هذه الشروط في قرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها لأن كعبا قال: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات. قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون. رواه أبو داود2 والأثرم قال: الخطابي حرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة.
مسألة: "وأن يحضرها من المستوطنين بها أربعون من أهل وجوبها" لأن جابرا قال: مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة.
مسألة: "وأن تتقدمها خطبتان" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما. متفق عليه. وقال عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 3. وقالت عائشة: إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة.
مسألة: "في كل خطبة حمد الله تعالى" لأن جابرا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: "من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له" 4.
مسألة: "والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" ومن فروض الخطبة أربعة: الأول حمد الله وقد سبق والثاني: "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت
ـــــــ
1 - رواه مسلم في: كتاب الجمعة: حديث رقم 29.
2 - رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: حديث رقم 1069.
3 -سبق تخريجه.
4 - رواه مسلم في: كتاب الجمعة: حديث رقم 46.
ويستحب أن يخطب على منبر فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم ثم يجلس إلى فراغ الأذان ثم يقوم الإمام فيخطب بهم ثم يجلس ثم يخطب الخطبة
ـــــــ
إلى ذكر رسول الله كالأذان, الثالث "قراءة آية" فصاعدا لأن جابر بن سمرة قال: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس". رواه أبو داود1 ولأن الخطبة فرض في الجمعة. فوجبت فيها القراءة كالصلاة والرابع "الموعظة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ وهي القصد من الخطبة في حديث جابر بن سمرة: يقرأ آيات ويذكر الناس2.
مسألة: "ويستحب أن يخطب على منبر" أو موضع عال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره ولأنه أبلغ في الإعلام.
مسألة: "فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم" لأن جابرا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم. رواه ابن ماجه3.
مسألة: "ثم يجلس إلى فراغ الأذان ثم يقوم الإمام فيخطب بهم ثم يجلس ثم يخطب الخطبة الثانية" لأن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب. رواه أبو داود4, ولأن جابر بن سمرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب. رواه مسلم5.
مسألة: "ثم تقام الصلاة فينزل فيصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة" إجماعا نقل الخلف عن السلف
مسألة: "ويستحب أن يقرأ في الأولى بالحمد وسورة الجمعة, وفي الثانية بالمنافقين أو بسبح والغاشية لما روى أبو هريرة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة وفي حديث النعمان: كان يقرأ في العيدين والجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية" . رواهما مسلم6.
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: حديث رقم 1101.
2 - تخريج الحديث عاليه.
3 - رواه ابن ماجه في: كتاب إقامة الصلاة: حديث رقم 1109. قال في الزوائد: في إسناده ابن لهيعة, وهو ضعيف.
4 - رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: حديث رقم 1092.
5 - رواه مسلم في/ كتاب الجمعة: حديث رقم 35.
6 - المصدر عاليه: حديث رقم 61, 62.
الثانية ثم تقام الصلاة فينزل فيصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة فمن أدرك معه منها ركعة أتمها جمعة وإلا أتمها ظهرا, وكذلك إن نقص العدد أو خرج الوقت وقد صلوا ركعة أتموها جمعة وإلا أتموها ظهرا ولا يجوز أن يصلي في المصر أكثر من جمعة إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها, ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل
ـــــــ
مسألة: "فمن أدرك معه منها ركعة أتمها جمعة" لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة" . رواه الأثرم ورواه ابن ماجه ولفظه: "فليصل إليها أخرى" 1. وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة".
مسألة: "وإن أدرك أقل من ركعة أتمها ظهرا" . قال الخرقي: إذا كان قد دخل بنية الظهر فظاهر هذا أنه لو نوى جمعة لزمه الاستئناف؛ لأنهما صلاتان لا تتأدى إحداهما بنية الأخرى فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر, وقال أبو إسحاق بن شاقلا ينوي جمعة لئلا تخالف نيته نية إمامه, ثم يبني عليها ظهرا لأنهما فرض وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتين فجاز أن يبني عليها الأربع كالتامة مع المقصورة.
مسألة: "وكذلك إن نقص العدد" يعني عن الأربعين وقد صلوا منها ركعة أتموها جمعة لأنه شرط يختص بالجمعة فلم يعتبر في أكثر من ركعة كالجماعة, وإن نقصوا قبل ركعة أتموها ظهرا كالمسبوق بركوع الثانية.
مسألة: "وإن خرج الوقت وقد صلوا ركعة أتموها جمعة" لما سبق "وإن خرج الوقت وقد صلوا أقل من ركعة أتموها ظهرا" لذلك وقال عليه السلام: "من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة" 2. مفهومه أن من أدرك أقل لا يكون مدركا لها.
مسألة: "ولا يجوز أن يصلي في المصر أكثر من جمعة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة "إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها" فيجوز؛ لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير فكان إجماعا؛ ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها.
مسألة: "ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب" لما روى سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في: كتاب إقامة الصلاة: حديث رقم 1121. قال في الزوائد: في إسناده عمر بن حبيب, متفق على صعفه.
2 - سبق تخريجه.
ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب ويبكر إليها فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما, ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا الإمام أو من كلمه الإمام
ـــــــ
تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" . رواه البخاري1 وعنه الغسل واجب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "غسل الجمعة على كل محتلم وسواك وأن يمس طيبا" . رواه مسلم2. والمذهب الأول. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت وإن اغتسل فالغسل أفضل" . قال الترمذي: حديث حسن3, والمراد بالخبر الأول تأكيد الاستحباب وكذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين "ويبكر إليها", لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" . رواه ابن ماجه والترمذي4.
مسألة: "فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما" لما روى جابر قال: دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "صليت يا فلان" ؟ قال: لا. قال: "فصل ركعتين" . متفق عليه. زاد مسلم: ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليوجز فيهما" 5.
مسألة: "ولا يجوز الكلام والإمام يخطب" لقوله عليه السلام: إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب: "أنصت فقد لغوت" . متفق عليه6. وعنه لا يحرم لما روى أنس قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فادع الله أن يسقينا. متفق عليه7..ويحتمل أنه في مخاطبة الإمام خاصة لأنه لا يشتغل بتكليمه عن سماع خطبته.
مسألة: "إلا الإمام أو من كلمه الإمام" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: "صليت يا فلان" وقال وهو على المنبر: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين" . ولحديث أنس في الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "هلك الكراع هلك الشاة" .
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: 11- كتاب الجمعة: 6- باب الدهن للجمعة: حديث رقم 883.
2 - رواه مسلم في: كتاب الجمعة: حديث رقم 7.
3 - رواه الترمذي في: كتاب الجمعة: حديث رقم 497.
4 - رواه ابن ماجه في: كتاب إقامة الصلاة: رقم 1087. والترمذي في: كتاب الجمعة: حديث رقم 496.
5 - رواه البخاري في: كتاب الجمعة: حديث رقم 930. ومسلم في: كتاب الجمعة: حديث رقم 54, 59.
6 -رواه البخاري في: كتاب الجمعة: حديث رقم 934. ومسلم في: كتاب الجمعة: حديث رقم 11.
7 - رواه البخاري في: كتاب الجمعة: حديث رقم 933. ومسلم في: كتاب صلاة الاستسقاء: حديث رقم 8, 9.
باب صلاة العيدين
وهي فرض على الكفاية إذا قام بها أربعون من أهل المصر سقطت عن سائرهم ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال, والسنة فعلها في المصلى وتعجيل الأضحى وتأخير الفطر والفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة, ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا
ـــــــ
باب صلاة العيدين"وهي فرض على الكفاية إذا قام بها أربعون من أهل المصر سقطت عن سائرهم" بدليل قوله سبحانه: {فصل لربك وانحر} . المشهور في التفسير أن المراد به صلاة العيد وهو أمر والأمر يقتضي الوجوب, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يداومون عليها؛ ولأنها من شعائر الإسلام الظاهر فأشبهت الجهاد.
مسألة: "وأول "وقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها في هذا الوقت.
مسألة: "والسنة فعلها في المصلى" لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يفعلونها في الصحراء, فإن كان ثم عذر من مطر أو نحوه لم يكره فعلها في الجامع؛ لما روى أبو هريرة قال: أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. رواه أبو داود1.
مسألة: "والسنة تعجيل الأضحى وتأخير الفطر" لأن السنة إخراج الفطرة قبل الصلاة ففي تأخيرها توسيع لوقتها ولا يجوز التضحية إلا بعد الصلاة ففي تعجيلها مبادرة إلى الأضحية.
مسألة: "ويسن الفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة" ويمسك في الأضحى حتى يصلي لما روى بريدة قال: "كان رسول الله لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي". رواه الترمذي2.
مسألة: "ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب" لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم جمعة من الجمع: "إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا" . ولأنه يوم شرع فيه الاجتماع للصلاة فسن فيه ذلك كالجمعة.
مسألة: "إذا حلت الصلاة تقدم الإمام وصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة" ولا
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: حديث رقم 1160.
2 - رواه الترمذي في: كتاب الصلاة: حديث رقم 542.
إقامة يكبر في الأولى سبعا بتكبيرة الإحرام وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام.
ويرفع يديه مع كل تكبيرة ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين, ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر فيهما بالقراءة فإذا سلم خطب بهم خطبتين, فإن كان فطرا حثهم على الصدقة وبين لهم حكمها وإن كان أضحى بين لهم حكم
ـــــــ
خلاف بينهم أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان "يكبر في الأولى" بعد الاستفتاح وقبل التعوذ "ستا سوى تكبيرة الإحرام وفي الثانية" بعد القيام من السجود "خمسا" لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس سوى تكبيرة القيام" . رواه أبو داود1.
مسألة: "ويرفع يديه مع كل تكبيرة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير, وروى الأثرم عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة والعيد ولا يعرف له مخالف.
مسألة: "ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين" لما روى الأثرم في سننه عن علقمة أن علقمة وعبد الله بن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه, فقال عبد الله: تبدأ تكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك إلى أن قال: وتركع ثم تقوم فتقرأ أو تحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, ثم تدعو ثم تكبر وتفعل مثل ذلك". وذكر في الحديث: فقال أبو موسى وحذيفه: صدق.
مسألة: "ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر فيهما بالقراءة" لما روى النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية, وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما2, وقال ابن المنذر أكثر أهل العلم يرون الجهر بالقراءة وفي إخبار من أخبر بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم على أنه كان يجهر ولأنها صلاة عيد أشبهت الجمعة.
مسألة: "فإذا سلم خطب بهم خطبتين" يجلس بينهما لما روى ابن ماجه عن أبي الزبير عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب خطبة قائما ثم قعد قعدة ثم قام3.
ـ مسألة: "فإن كان فطرا حثهم فيها على الصدقة وبين لهم ما حكمها" فيذكر لهم قدرها
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في: كتاب الصلاة: حديث رقم 1149.
2 - سبق تخريجه.
3 - رواه ابن ماجه في: كتاب إقامة الصلاة: حديث رقم 1289. قال في الزوائد: في إسناده سعيد بن مسلم, وقد أجمعوا على ضعفه, وأبو بحر ضعيف.
الأضحية والتكبيرات الزوائد والخطبتان سنة.
ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها, ومن فاتته فلا قضاء عليه فإن أحب صلاها تطوعا: إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا وإن شاء صلاها على صفتها, ويستحب التكبير في ليلتي العيدين ويكبر في الأضحى عقيب الفرائض
ـــــــ
ووجوبها ووقت إخراجها "وإن كان أضحى رغبهم في الأضحية" ووقتها وأنها سنة وما يجزئ منها, والعيوب التي تمنع منها ليعملوا بذلك "والتكبيرات الزوائد والذكر بينها سنة" وهي التي بين تكبيرات الصلاة, وقد سبق ذكرها بدليل حديث علقمة وابن مسعود؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك.
مسألة: "ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها" إماما كان أو مأموما؛ لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها.متفق عليه1. ولا بأس بالصلاة بعد رجوعه لما روى أبو سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين رواه ابن ماجه2.
مسألة: "ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها" ؛لأنه قضاء فكان على صفته كبقية الصلوات
مسألة: "وإ فاتته فلا قضاء عليه" لأنها ليست فرض عين فلا يلزمه قضاؤها كصلاة الجنازة. وإن أحب صلاها تطوعا: إن شاء ركعتين وإن شاع أربعا وإن شاء صلاها على صفتها" لأنه تطوع نهار فكانت الخيرة إليه فيه كصلاة الضحى يعني إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا وعن عبد الله بن مسعود: من فاته صلاة العيد فليصل أربعا وإن شاء صلاها على صفتها؛لأن أنسا رضي الله عنه كان يجمع أهله ويصلي بهم ركعتين يكبر فيهما؛ولأنه قضاء فكان على صفته كبقية الصلوات.
مسألة: "ويستحب التكبير في ليلتي العيدين" لقوله سبحانه: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} . وعن ابن عباس قال: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا هذا في الفطر, وأما في الأضحى فالتكبير فيه على ضربين: مطلق ومقيد فالمطلق التكبير في جميع الأوقات من أول الشهر إلى آخر أيام التشريق؛ لقوله سبحانه: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} . قيل هي أيام التشريق, وقيل أيام النحر, وقيل العشر. والتكبير من الأول العشر إلى آخر أيام التشريق يجمع الأقوال الثلاثة. وأما المقيد فهو التكبير
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: كتاب العيدين: حديث رقم 989. ومسلم في: كتاب صلاة العيدين: حديث رقم 13.
2 - رواه ابن ماجه في: كتاب إقامة الصلاة: حديث رقم 1293. قال في الزوائد: إسناده صحيح, ورجاله ثقات.
في الجماعة من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق.
وصفة التكبير شفعا: الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله. والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ـــــــ
"في أدبار الصلوات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق" قيل لأحمد رحمه الله: أي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع, علي وعمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم.
مسألة: "وصفة التكبير شفعا: الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله. والله أكبر, الله أكبر, ولله الحمد." ؛ لأن ذلك يروى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما, وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر تكبيرتين؛ ولأنه تكبير خارج الصلاة فكان شفعا كتكبير الأذان
كتاب الجنائز
مدخل...
كتاب الجنائزوإذا تيقن موته غمضت عيناه وشد لحياه وجعل على بطنه مرآة أو غيرها, فإذا أخذ في غسله سترت عورته ثم يعصر بطنه عصرا رفيقا ثم يلف على يده
ـــــــ
كتاب الجنائز
مسألة: "وإذا تيقن موته غمضت عيناه" لما روى شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح" 1. من المسند؛ ولأنه إذا لم تغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره.
مسألة: "وشد لحياه" بعصابة عريضة تجمع لحييه, ثم يشدها إلى رأسه لئلا يفتح فاه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل.
مسألة: "ويجعل على بطنه مرآة أو غيرها" لئلا ينتفخ بطنه.
مسألة: "فإذا أخذ في غسله ستر عورته" بثوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجى ببرد حبرة. متفق عليه2.
مسألة: "ثم يعصر بطنه عصرا رفيقا" ليخرج ما في جوفه من فضلة حتى لا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسد الكفن.
مسألة: "ثم يلف على يده خرقة ثم ينجيه بها" ولا يحل مس عورته؛ لأن رؤيتها محرم فمسها أولى
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في: الجنائز: حديث رقم 1455. قال في الزوائد: إسناده حسن, وأحمد في: المسند 4/ 123.
2 - رواه البخاري في: اللباس: حديث رقم 5814. ومسلم في: الجنائز: حديث رقم 48.
خرقة فينجيه بها ثم يوضئه ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر ثم شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة, يمر في كل مرة يده فإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن فإن لم يستمسك فبطين حر ويعيد وضوءه, وإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع ثم ينشفه بثوب ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده, وإن طيبه كله كان حسنا ويجمر أكفانه وإن كان شاربه أو أظفاره طويلة أخذ منه
ـــــــ
مسألة: "ثم يوضئه" وضوءه للصلاة لما روت أم عطية أنها قالت: لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" . متفق عليه1. ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت.
مسألة: "ثم يغسل مقدم رأسه ولحيته بماء وسدر" لتذهب عنه الأوساخ والأدران.
مسألة: "ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر" لقوله عليه السلام: "ابدأن بميامنها" 2. "ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة يمر في كل مرة يده" على بطنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك" . متفق عليه3.
مسألة: "وإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن فإن لم يستمسك فبطين حر ويعيد وضوءه" ؛ لأنه انتقض "فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع" للخبر.
مسألة: "ثم ينشفه بثوب" وذلك مستحب لئلا تبل أكفانه وفي حديث ابن عباس في غسل النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فجففوه بثوب" . ذكره القاضي.
مسألة: "ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده" لأن المغابن مواضع الأوساخ وأماكن السجود تطيب لشرفها "وإن طيبه كله كان حسنا" لقوله عليه السلام: "واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور" 4.
مسألة: "ويجمر أكفانه" يعني يبخرها كما يفعل الحي "وإن كان شاربه طويلا أو أظفاره أخذ منه" لأن ذلك سنة في حياته ويترك في أكفانه لأنه من أجزائه, وكذلك كل ما يسقط منه "ولا يسرح شعره لأن عائشة رضي الله عنها قالت: علام تنضون ميتكم؟ يعني لا تسرحوا شعره بالمشط, ولأنه يقطع الشعر وينتفه.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: الجنائز حديث رقم 1256. ومسلم في الجنائز: حديث رقم 42.
2 - سبق تخريجه.
3 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 1257. ومسلم في الجنائز: حديث رقم 40.
4 - سبق تخريجه.
ولا يسرح شعره والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها, ثم يكفن في ثلاث أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة يدرج فيها إدراجا, وإن كفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس, والمرأة تكفن في خمسة أثواب في درع ومقنعة وإزار ولفافتين وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك ثم الأب ثم الجد ثم
ـــــــ
مسألة: "والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها" لما روت أم عطية قالت: ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها1 تعني ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مسألة: "ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة" لقول عائشة رضي الله عنها: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. متفق عليه2. ولأن أكمل أحوال الحي حالة الإحرام وهو لا يلبس فيها قميصا ولا عمامة فكذلك حال موته.
مسألة: "يدرج فيها إدراجا" فيؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فتبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها؛ لأن هذه عادة الحي ثم تبسط الثانية فوقها ثم الثالثة فوقها, ثم يحمل فيوضع عليها مستلقيا ليكون أمكن لإدراجه فيها, ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق طرف الآخر, وإنما استحب له ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن عند وضعه في القبر ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك, ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه إلا أن يخالف انتشارها فيعقدها فإذا وضع في القبر حلها.
مسألة: "وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة فلا بأس" والأول أفضل قد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات, فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك. قال أحمد رضي الله عنه: أحب إلي أن يكون مثل قميص الحي له كمان وتحريستان وإزار.
مسألة: " تكفن المرأة في خمسة أثواب: درع وإزار ومقنعة ولفافتين" لما روى أبو داود عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت في غسل أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة, ثم أدرجت بعد ذلك في ثوب آخر, ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في السترة لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها وتلبس المخيط في إحرامها فلبسته في مماتها.
مسألة: "وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك" لأن أبا بكر رضي الله
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 1260.
2 - رواه البخاري في: الجنائز حديث رقم 1264. ومسلم في الجنائز: حديث رقم 45.
الأقرب فالأقرب من العصبات وأولى الناس بغسل المرأة الأم ثم الجدة ثم الأقرب فالأقرب من نسائها, إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده والصلاة عليه يكبر ويقرأ الفاتحة ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
عنه أوصى أن تغسله أمرأته أسماء بنت عميس فقدمت لذلك, وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل؛ ولأنه حق للميت فقدم وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه؛ ولأن الصحابة أجمعوا على أن الوصي في الصلاة مقدم على غيره فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابنه حاضر وأوصى ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير وأوصى أبو بكر أن يصلي عليه أبو برزة وأوصت عائشة رضي الله عنها أن يصلي عليها أبو هريرة, ولم يعرف لهم مخالف مع كثرته وشهرته فكان إجماعا؛ ولأن الغرض من الصلاة الدعاء والشفاعة إلى الله. فالظاهر أن الميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحا في نفسه وأقرب إلى الله وسيلة ليشفع له.
مسألة: "ثم الأب" لمكان شفقته "ثم جده" كذلك ثم ابنه وإن نزل كذلك "ثم الأقرب فالأقرب من عصباته" ثم الرجل من ذوي أرحامه ثم الأجانب.
مسألة: "وأولى الناس بغسل المرأة" الأقرب فالأقرب من نسائها "أمها ثم جدتها" ثم ابنتها "ثم الأقرب فالأقرب" ثم الأجنبيات كالرجل.
مسألة: "إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجل في سلطانه" 1. وروى الإمام أحمد بإسناده أن عمارا مولى بني هاشم قال: شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي فصلى عليها سعيد بن العاص وكان أمير المدينة قال: وخلفه يومئذ ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة2, ولأنها صلاة شرع لها الاجتماع فأشبهت سائر الصلاة, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء ولم ينقل أنهم استأذنوا ولي الميت في التقدم.
مسألة: "والصلاة عليه يكبر ويقرأ الفاتحة" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعا. متفق عليه3. ويقرأ الحمد في الأولى لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب" 4.
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 - رواه أحمد في المسند.
3 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 1333، 1334. ومسلم في: الجنائز: حديث رقم 62, 63, 64.
4 - سبق تخريجه.
ثم يكبر ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا وأنت على كل شئ قدير, اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة ومن توفيته فتوفه عليهما, اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, وأبدله دارا خيرا من داره وجوارا خيرا من جواره وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب
ـــــــ
وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال: لتعلموا أنها من السنة أو قال من تمام السنة رواه البخاري1.
مسألة: "ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم" لما روى ابن سهل عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكببرة ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه رواه الشافعي في مسنده2.
مسألة: "ثم يكبر ويدعو" للميت في الثالثة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم على الميت أخلصوا له الدعاء" . رواه أبو داود3. ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به ويدعو بما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال: "للهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا" . حديث صحيح4. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, وزاد فيه: "اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده" . رواه أبو داود5. وعن عوف بن مالك قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار" . حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. رواه مسلم6.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 1335.
2 - رواه الشافعي في: المسند ص 359: حديث رقم 2.
3 - رواه أبو داود في: الجنائز: حديث رقم 3199.
4 - رواه الترمذي في: الجنائز: حديث رقم 1024. وقال: حديث حسن صحيح.
5 - رواه أبو داود في: الجنائز: حديث رقم 3201.
6 - رواه مسلم في الجنائز: حديث رقم 85.
النار وافسح له في قبره ونور له فيه ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه, ويرفع يديه مع كل تكبيرة والواجب من ذلك التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء الحي للميت والسلام ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر إلى شهر وإن كان الميت غائبا عن البلد صلى عليه بالنية ومن تعذر غسله لعدم الماء أو لخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق أو لكون المرأة بين رجال أو الرجل بين نساء فإنه ييمم
إلا أن لكل من الزوجين
ـــــــ
مسألة: "ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه" لقوله صلى الله عليه وسلم: "تحليلها التسليم" 1.
مسألة: "ويرفع يديه مع كل تكبيرة" لأن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد؛ ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن لها الرفع كتكبيرة الإحرام.
مسألة: "والواجب من ذلك: التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء للميت والسلام" وقد سبق دليل ذلك.
مسألة: "ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر" لما روي عن ابن عباس أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه. متفق عليه2. ولا يصلي على القبر بعد شهر إلا بقليل؛ لأن أكثر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعد ما دفنت بشهر رواه الترمذي3؛ ولأنه لم يعلم بقاؤه أكثر من شهر فيقيد به.
مسألة: "وإن كان الميت غائبا عن البلد صلى عليه بالنية" لما روى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي رحمه الله في اليوم الذي مات فيه فصف بهم في المصلى وكبر أربعا متفق عليه4.
مسألة: "ومن تعذر غسله لعدم الماء أو للخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق, أو لكون المرأة بين الرجال أو الرجل بين النساء فإنه ييمم" ؛ لأنها طهارة على البدن فيدخلها التيمم عند العجز من استعمال الماء كالجنابة.
مسألة: "إلا أن لكل واحد من الزوجين غسل صاحبه" لأن أبا بكر رضي الله عنه
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 - رواه البخاري في الجنائز: حديث رقم 1336. ومسلم في الجنائز: حديث رقم 68.
3 - رواه الترمذي في الجنائز: حديث رقم 1038. وهو حديث مرسل.
4 - سبق تخريجه.
غسل صاحبه وكذلك أم الولد مع سيدها والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم يصلى عليه, وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه وإن كفن بغيرها فلا بأس, والمحرم يغسل بماء وسدر ولا يلبس مخيطا ولا يقرب طيبا ولا يغطى رأسه ولا يقطع شعره ولا ظفره.
ـــــــ
أوصى أن تغسله زوجته أسماء فقامت بذلك, وقالت عائشة لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه, رواه ابن ماجه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك" . رواه ابن ماجه1. وقد غسل علي فاطمة رضي الله عنهما ولم ينكره منكر فكان إجماعا؛ ولأنه أحد الزوجين فأشبه الآخر, "وكذلك للسيد مع أم ولده" لأنها محل استمتاعه فأشبهت الزوجة.
مسألة: "والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم يصل عليه" لما روى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. رواه البخاري2. "وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه" لما روى ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم. رواه أبو داود3.
مسألة: "وإن كفن في غيرها فلا بأس" ؛ لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن حمزة فيهما فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر. قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد.
مسألة: "وعنه يصلى على الميت وإن قتل في المعركة ما روى عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف. متفق عليه4.
مسألة: "والمحرم يغسل بماء وسدر ولا يلبس مخيطا ولا يغطى رأسه ولا يقرب طيبا" لما روى ابن عباس قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" . متفق عليه5.
مسألة: "ولا يقطع شعره ولا ظفره" كحال حياته.
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في: الجنائز: حديث 1465. قال في الزوائد: إسناد رجاله ثقات.
2 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 708.
3 - رواه أبو داود في: الجنائز.
4 - رواه البخاري في الجنائز, ومسلم في/ الجنائز.
5 - رواه الترمذي في الجنائز: حديث رقم 1265. ومسلم في الحج حديث رقم 93, 94.
ويستحب دفن الميت في لحد وينصب عليه اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يدخل القبر آجرا ولا خشبا ولا شيئا مسته النار, ويستحب تعزية أهل الميت والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة, ولا بأس بزيارة القبور للرجال ويقول إذا مر بها أو زارها: سلام عليكم أهل
ـــــــ
مسألة: "ويستحب دفن الميت في لحد وينصب عليه اللبن نصبا" لقول سعد بن مالك رضي الله عنه: ألحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم.
مسألة: "ولا يدخل القبر آجرا ولا خشبا ولا شيئا مسته النار" لما روي عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر, وكره ما مسته النار للتفاؤل بالنار.
مسألة: "ويستحب تعزية أهل الميت" لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عزى مصابا فله مثل أجره" . حديث غريب1.
مسألة: "والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة" لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية فبكى وبكى معه أصحابه, فقال: "ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه" . متفق عليه2.
مسألة: "ولا يجوز الندب ولا النياحة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية. متفق عليه3. وقال أحمد في قوله سبحانه: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} 4 هو النوح فسماه معصية.
مسألة: "ولا بأس بزيارة القبور للرجال" ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت" . رواه مسلم5.
مسألة: "ويقول إذا مر بها أو زارها" ما رواه مسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين
ـــــــ
1 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 1073. وقال: غريب. وابن ماجه في الجنائز: حديث رقم 1602.
2 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 1304. ومسلم في الجنائز: حديث رقم 12.
3 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 688. ومسلم في الجنائز: حديث رقم 165.
4 - آية 12 سورة الممتحنة.
5 - رواه مسلم في الجنائز: حديث رقم 106.
دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم نسأل الله لنا ولكم العافية" .
وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك.
ـــــــ
وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية" 1.
مسألة: "وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك" . قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ} 2. وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} 3. وروى أبو داود أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي توفيت أفينفعها إن قضيت عنها؟ قال: "نعم" . وقال عليه السلام للمرأة التي قالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته" ؟ قالت: نعم. قال: "فدين الله أحق بالقضاء" 4. وأما قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت فالإجماع واقع على فعله من غير نكير, وقد صح الحديث: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله" 5. والله سبحانه أكرم من أن يوصل إليه العقوبة ويحجب عنه المثوبة.
ـــــــ
1 - المصدر عاليه: حديث رقم 104.
2 - آية 10 سورة الحشر.
3 - آية 55 سورة غفر.
4 - رواه البخاري في: الحج: حديث رقم 1513.
5 - رواه البخاري في: الجنائز: حديث رقم 1286.
كتاب الزكاة
مدخل...
كتاب الزكاةوهي واجبة على كل مسلم حر ملك نصابا ملكا تاما, ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول إلا في الخارج من الأرض
ـــــــ
كتاب الزكاة
"هي واجبة على كل مسلم حر ملك نصابا ملكا تاما" لأنها أحد مباني الإسلام أشبهت الحج
مسألة: ولا تجب الزكاة إلا بشروط: منها الإسلام فلا تجب على كافر؛ لأنها من فروع الإسلام أشبهت الصيام. الشرط الثاني: الحرية فلا تجب على عبد لأن ما في يده لسيده فإن ملكه سيده مالا وقلنا لا يملك فزكاته على سيده؛ لأنه مالكه وإن قلنا يملك فلا زكاة فيه لأن سيده لا يملكه وملك العبد ضعيف لا يحتمل المواساة.
مسألة: ولا تجب على مكاتب كذلك.
مسألة: "ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" وهو الشرط الثالث. "إلا في الخارج من الأرض" لما روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" . أخرجه الترمذي1. وهو عام في كل مال زكاة؛ لأن المراد به المواشي والأثمان وعروض التجارة وخرج منه الخارج من الأرض كالزرع والثمار والمعدن والفرق بينهما أن ما اعتبر فيها لحول مرصد للنماء: فالماشية للدر والنسل وعروض التجارة للربح وكذا الأثمان, فاعتبر لها الحول لأنه مظنة النماء ليكون إخراج الزكاة من الربح فإنه أسهل وأيسر ولم تعتبر حقيقة النماء لعدم ضبطه فاعتبرت مظنته, وهو الحول ولم يلتفت إلى الحقيقة كالحكم مع سببه. وأما الخارج من الأرض فإنه
ـــــــ
1 - رواه الترمذي في: الزكاة: حديث رقم 613.
ونماء النصاب من النتاج والربح فإن حولهما حول أصلهما, ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع: السائمة من بهيمة الأنعام, والخارج من الأرض والأثمان وعروض التجارة, ولا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ نصابا, وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه إلا السائمة فلا شيء في أوقاصها.
ـــــــ
نماء في نفسه يتكمل دفعة واحدة فتؤخذ زكاته دفعة واحدة عند تكمل نمائه, ثم لا شيء فيه بعد ذلك لعدم ارصاده للنماء, إلا أن الخارج من المعدن إذا كان ذهبا أو فضة فإن الزكاة تؤخذ منه ثانيا عند تمام كل حول لكونه مظنة النماء.
مسألة: "ونماء النصاب من النتاج والربح فإن حولهما حول أصلهما" ؛ لأنهما تبع لأصلهما ومتولدان منه.
مسألة: "ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع: السائمة من بهيمة الأنعام والخارج من الأرض والأثمان وعروض التجارة" , وسيأتي ذلك في موضعه ولا تجب في غير ذلك, لأن الأصل عدم الزكاة فيبقى على الأصل.
مسألة: "ولا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ نصابا" وذلك ثابت بالإجماع والأخبار الصحاح, أخبار صدقات المواشي: في خمس من الإبل شاة, وفي خمس وعشرين بنت1 مخاض وفي ثلاثين من البقر تبيع2 وفي أربعين من الغنم شاة. روى ذلك البخاري3.
مسألة: "وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه إلا في السائمة" على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ـــــــ
1 - قوله: بنت مخاض: انظر الحديث بعده.
2 - قوله: تبيع: هو ولد القرة أول سنة 1/179.
3 - انظر تخريج الحديث تعده.
باب زكاة السائمة
وهي الراعية وهي ثلاثة أنواع:
أحدها الإبل: ولا شيء فيها حتى تبلغ خمسا فيجب فيها شاة وفي العشر
ـــــــ
باب زكاة السائمة"هي الراعية" في أكثر الحول؛ لأنها لا تخلو من علف في بعضه فاعتباره في الحول يمنع الوجوب بالكلية فاعتبر في معظمه "وهي ثلاثة أنواع: أحدهما الإبل ولا شيء فيها
شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه إلى خمس وعشرين وفيها بنت مخاض وهي بنت سنة, فإن لم تكن عنده فابن لبون وهو ابن سنتين إلى ست وثلاثين فيجب فيها بنت لبون إلى ست وأربعين فيجب فيها حقة لها ثلاث سنين, إلى إحدى وستين فيجب فيها جذعة لها أربع سنين إلى ست وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة
ـــــــ
حتى تبلغ خمسا فيجب فيها شاة" لما روى البخاري عن أنس أن أبا بكر كتب له حين وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة "فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت 1 مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون 2 ذكر, فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى, فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة 3 طروقة الجمل, فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة 4 , فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون, فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل" . فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة, ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليست فيها صدقة إلا أن يشاء ربها, فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة5. وهذا مجمع عليه إلى أن تبلغ عشرين ومائة. قاله ابن المنذر: "فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون" ؛ لأن في حديث الصدقات الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم وكان عند آل عمر "فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون" وهو حديث حسن وبنت مخاض التي لها سنة وقد حملت أمها فهي بنت مخاض يعني بنت حامل.
ـــــــ
1 - قوله: بنت مخاض بفتح الميم المعجمة الخفيفة وآخره معجمة, هي التي أتى عليها حول, ودخلت في الثاني, وحملت أمها. والمخاض: الحامل, أي: دخل وقت حملها, وإن لم تحمل. فتح الباري: 3/374.
2 - قوله: ابن لبون: هو الذي دخل في ثالث سنة, فصارت أمه لبونا بوضع الحمل. المصدر عاليه.
3 - قوله: حقة طروقة الجمل: حقة: بكسر المهملة, وتشديد القاف والجمع: حقاق, بالكسر والتخفيف. وطروقة: بفتح أوله, وهي فعولة بمعنى مفعولة, كحلوبة بمعنى محلوبة. والمراد: أنها بلغت أن يطرقها الفحل, وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. المصدر عاليه: ص 374, 375.
4 - قوله: جَذَعة: بفتح الجيم والمعجمة, وهي التي أتت عليها أربع, ودخلت في الخامسة. المصدر عاليه.
5 -رواه البخاري في: الزكاة: حديث رقم 1454.
ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون إلى مائتين فيجتمع فيها الفرضان فإن شاء أخرج أربع حقات وإن شاء خمس بنات لبون, ومن وجبت عليه سن فلم يجدها أخرج أدنى منها ومعها شاتان أو عشرون درهما, وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ شاتين أو عشرين درهما.
النوع الثاني البقر: ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة لها
ـــــــ
وبنت اللبون التي لها سنتان سميت بذلك لأن أمها ولدت غيرها فهي ذات لبن, والحقة لها ثلاث سنين سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل والجذعة لها أربع سنين.
مسألة: "في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون إلى مائتين فيجتمع فيها الفرضان فإن شاء أخرج خمس بنات لبون" للخبر.
مسألة: "ومن وجبت عليه سن فلم يجدها أخرج أدنى منها ومعها شاتان أو عشرون درهما وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ شاتين أوعشرين درهما" لما روى أنس في كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر قال: ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتاا له أو عشرين درهما, ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما, ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت اللبون ويعطي شاتين أوعشرين درهما, ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وعنده حقه فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أوعشرين درهما, والخيرة في ذلك كله لرب المال للخبر.
"النوع الثاني: البقر. ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة لها سنة إلى أربعين ففيها مسنة لها سنتان إلى ستين ففيها تبيعان إلى سبعين ففيها تبيع ومسنة, ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة" لما روى الإمام أحمد باسناده عن يحيى بن الحكم أن معاذا قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة1, ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين ومن التسعين ثلاثة أتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشر ومائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع, وأمرني ألا آخذ فيما
ـــــــ
1 قوله: قال الأزهري: البقرة والشاة يقع عليها اسم المسن إذا أَثْنَيَا, وتُثْنَيَان في السنة الثالثة, وليس معنى أسنانها كبرها, كالرجل المسن, ولكن معناه طلوع سنها في السنة الثالثة, النهاية: 2/ 412.
سنة إلى أربعين ففيها مسنة لها سنتان إلى ستين ففيها تبيعان إلى سبعين ففيها تبيع ومسنة, ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.
النوع الثالث الغنم: ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مئتين, فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه, ثم في كل مائة شاة.
ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا ذات عوار ولا هرمة ولا الربى ولا الماخض
ـــــــ
بين ذلك شيئا إلا أن تبلغ مسنة أو جذعا1.
النوع الثالث: الغنم ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة, فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه, ثم في كل مائة شاة" لما روى أنس في كتاب الصدقات, وفي سائمة الغنم2 إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة, فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها شاتان فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه, فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة, فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها3. وعن الإمام أحمد أن في ثلاث مائة وواحدة أربع شياه, ثم في كل مائة شاة اختارها أبو بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلاث مائة غاية فيجب تعيين الفرض بالزيادة عليها, والأول أصح؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حكمها إذا زادت على ثلاث مائة في كل مائة شاة فإيجاب أربع فيما دون الأربع مائة يخالف الخبر, وإنما جعل الثلاث مائة حدا لاستقرار الفرض.
مسألة: "ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة4 ولا5 ذات عوار وهي المعيبة " لقوله سبحانه: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} . وروى أنس في كتاب الصدقات: ولا يجزئ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس6 7
ـــــــ
1 - رواه أحمد في المسند 1/230و233 و240 و247.
2 - قوله: سائمة الغنم: السائمة من الماشية: الراعية. النهاية 2/426.
3 - رواه أبو داود في: الزكاة: حديث رقم 1568. والترمذي في: الزكاة حديث رقم 621. وقال: حديث حسن. ومالك في: الزكاة حديث رقم 23.
4 - قوله: هي الكبيرة التي سقطت أسنانها.
5 - قوله: ولا ذات عوار أي: معيبة, ويدخل في المعيب المريب, والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه.
6- قوله: تيس هو فحل الغنم, أو مخصوص بالمعز, لأنه لا منفعة فيه لدر ولا نسل, وإنما يؤخذ في الزكاة ما فيه منفعة للنسل.
7 - سبق تخريجه.
ولا الأكولة ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه إلا أن يتبرع به أرباب المال.
ولا يخرج إلا أنثى صحيحة إلا في الثلاثين من البقر وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها إلا أن تكون ماشية كلها ذكور أو مراض فيجزئ واحد منها, ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والسن المنصوص عليها إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من الواجب
ـــــــ
مسألة: "ولا تؤخذ الربي" وهي التي تربي ولدها لأجل ولدها, "ولا" الحامل التي حان ولادها وهي "الماخض, ولا الأكولة" وهي السمينة.
مسألة: "ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يسألكم خيره ولا يأمركم بشره" . رواه أبو داود1 وقال عليه السلام لمعاذ: "إياك وكرائم2 أموالهم" . متفق عليه3. وقال الزهري: إذا جاء المصدق قسم الشاة ثلاثا: ثلثا خيارا, وثلثا شرارا, وثلثا وسطا, ويأخذ المصدق من الوسط.
مسألة: "إلا أن يتبرعوا به" يعني أرباب المال إذا تبرعوا بالخيار جاز أخذه؛ لأن المنع من أخذه لحقه فجاز برضاه كما لو دفع فرضين مكان فرض.
مسألة: "ولا يخرج إلا الأنثى الصحيحة إلا في ثلاثين من البقر وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها" لورود النص فيها فيما سبق ولفضيلة الأنثى بدرها ونسلها.
مسألة: "إلا أن تكون ماشية كلها ذكور فيجزىء واحد منها" ؛ لأنها الزكاة وجبت مواساة والمواساة إنما تكون بجنس المال.
مسألة: "ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز" وهي التي لها سنة وجذع الضأن له ستة أشهر "والسن المنصوص عليها" قال سويد بن غفلة: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز؛ ولأن جذعة الضأن تجزئ من الأضحية بخلاف جذعة المعز بدليل قوله لأبي بردة في جذعة المعز: "تجزيك ولا تجزئ عن أحد بعدك" 4.
مسألة: "إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من الواجب" لما رود أبو داود عن
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في الزكاة.
2 - قوله: كرائم أموالهم: الكرائم: جمع كريمة. يقال: ناقة كريمة, أي غزيرة اللبن. والمراد: نفائس الأموال من أي صنف كان. وقيل له: نفس؛ لأن نفس صاحبه تتعلق به. وأصل الكريمة: كثيرة الخير. ويقال للمال النفيس؛ كريم لكثرة منفعته. الفتح 3/378.
3 - رواه البخاري في: 24- كتاب الزكاة: حديث رقم 1458. ومسلم في: الإيمان: حديث رقم 29, 31.
4 - رواه البخاري في: الأضاحي: حديث رقم 5557.