الكتاب : مشكل الآثار
المؤلف : أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ
سَلَمَةَ الطَّحَاوِيُّ الْأَزْدِيُّ
قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ لِمَا يَعْلَمُوا مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ دَلَّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانُوا يَتْرُكُونَ الْقِيَامَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِلْمِهِمْ بِكَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ مِنْهُمْ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْلَا كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْهُمْ لَقَامُوا لَهُ وَقَدْ تَكُونُ كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّوَاضُعِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ ؛ لَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ لَهُ ، وَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَقَامَ بِمَحْضَرِهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ إلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ نُزُولِ تَوْبَتِهِ مُهَنِّئًا لَهُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ .
وَحَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ ثنا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ { دَخَلَ مُعَاوِيَةُ بَيْتًا فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ وَثَبَتَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ أَوْزَنَهُمَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ اجْلِسْ يَا ابْنَ عَامِرٍ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَحَبَّةُ مِنْ بَعْضِ الرِّجَالِ لِذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ ، وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمَحَبَّةُ مِنْ الْقِيَامِ إلَيْهِمْ ، وَقَدْ تَكُونُ بِلَا قِيَامٍ إلَيْهِمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ لِلْمَحَبَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِلْقِيَامِ الَّذِي لَا مَحَبَّةَ مَعَهُ ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَحِلُ اللُّغَةَ يَزْعُمُ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ
الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ بُرَيْدَةَ إنَّمَا هُوَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَخِمَّ لَهُ الرِّجَالَ قِيَامًا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَامِ الَّذِي تَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ بِعُظَمَائِهِمْ مِنْ قِيَامِهِمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَمِنْ إطَالَتِهِمْ لِذَلِكَ حَتَّى يَسْتَخِمُوا مَعَهُ أَيْ حَتَّى تَتَغَيَّرَ لَهُ رَوَائِحُهُمْ لِإِطَالَتِهِمْ لِذَلِكَ الْقِيَامِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا عِنْدَنَا مُسْتَحِيلٌ ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ فِي ذَلِكَ إنَّمَا دَارَ عَلَى مُعَاوِيَةَ لَا مَخْرَجَ لَهُ سِوَاهُ وَقَدْ كَانَ فِيهِ مَا خَاطَبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ مَا كَانَ بِغَيْرِ إطَالَةٍ مِنْ ابْنِ عَامِرٍ لَهُ فِي ذَلِكَ قِيَامًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ هَذَا التَّأْوِيلِ ، وَفِي انْتِفَائِهِ ثُبُوتُ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَعْنِهِ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ) حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ الْهُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَزِيزٍ الْأَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ صَفِيَّةَ ابْنَةَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ حَدَّثَتْهُ { أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَصْلِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا بِالشَّعْرِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى نِسَاءِ الْمُهَاجِرَات وَالْأَنْصَارِ مَا كَانَ أَشَدَّ تَفَقُّهَهُنَّ فِي دِينِهِنَّ وَأَحْرَصَهُنَّ عَلَى آخِرَتِهِنَّ ، لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } عَمَدْنَ إلَى أَكْنَفِ مُرُوطِهِنَّ فَشَقَقْنَ مِنْهَا خُمُرًا ثُمَّ أَبَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُحَدِّثَهَا عَمَّا سَأَلَتْهَا عَنْهُ ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَنْكَحْت ابْنَتِي رَجُلًا ، وَإِنَّهَا اشْتَكَتْ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا وَقَدْ أَرَادَ زَوْجُهَا أَنْ يَجْمَعَهَا إلَيْهِ أَفَأَضَعُ عَلَى رَأْسِهَا شَيْئًا أُجَمِّلُهَا بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا الْوَهْبِيُّ قَالَ ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ ثنا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ { زَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئًا } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ جَمِيعًا بَعْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبِيحُونَ صِلَةَ الشَّعْرِ بِغَيْرِ الشَّعْرِ مِنْ الصُّوفِ ، وَمِمَّا أَشْبَهَهُ وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِالصُّوفِ وَمَا حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ كَامِلٍ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْر عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ عَرُوسٌ ، وَمَعَهَا مَاشِطَتُهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَشَعْرُهَا هَذَا ؟ فَقَالَتْ الْمَاشِطَةُ شَعْرُهَا وَغَيْرُهُ وَصَلْته بِصُوفٍ قَالَتْ أُمُّ بُكَيْر : فَلَمْ أَسْمَعْهَا تُنْكِرْ ذَلِكَ قَالَ بُكَيْر وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُوصَلَ بِالشَّعْرِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَعَائِشَةُ أَحَدُ مَنْ رَوَيْنَا عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ } فَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا قَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْهُ بِلَعْنِهِ ذَلِكَ ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمَأْمُونُونَ عَلَى
نَقْلِهِ يُخْرِجُونَ مِنْ حَدِيثٍ قَدْ رَوَوْهُ مُحْتَمِلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يُوجِبُ ظَاهِرُهُ دُخُولَهُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَقَطَ عَدْلُهُمْ وَكَانَ فِي سُقُوطِ عَدْلِهِمْ سُقُوطُ رِوَايَتِهِمْ وَحَاشَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ ، وَاَللَّهَ نَسْتَوْفِقُ وَنَسْأَلُهُ السَّدَادَ
( بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا مِنْهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ } فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ الْمَرْوِيَّيْنِ فِي ذَلِكَ وَفِي الْآخَرِ مِنْهُمَا مَا مِنْهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ يَحْيَى الْهَمْدَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ مَطَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ أَنْبَأَ سَعِيدٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ { بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ قَالَ لَهُمْ هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ قَالُوا : مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ إمَّا سَاجِدٌ وَإِمَّا قَائِمٌ } حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ قَالَ ثنا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ السَّمَاءَ أَطَّتْ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَخَرَجْتُمْ إلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إلَى اللَّهِ } فَقَالَ قَائِلٌ وَهَلْ تَعْقِلُونَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ قَدَمٍ أَوْ فِي مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ رَاكِعٌ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ يَفْهَمُهُ الْمُخَاطَبُونَ ، وَيَقِفُونَ عَلَى مَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَالِسٌ عَلَى كَذَا لِمَا نَقَصَ عَنْهُ وَفُلَانٌ جَالِسٌ
عَلَى كَذَا لِمَا يَفْضُلُ عَنْهُ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ النَّاسِ يَقُولُونَ فُلَانٌ جَالِسٌ عَلَى الْحَصِيرِ ، وَهِيَ مُقَصِّرَةٌ عَنْهُ وَجُلُوسُهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَمِمَّا سِوَاهَا ، وَيَقُولُونَ فُلَانٌ جَالِسٌ عَلَى الْحَصِيرِ الْفَاضِلَةِ عَنْهُ وَكَانَتْ حَقِيقَةُ ذَلِكَ أَنَّ جُلُوسَهُ عَلَى بَعْضِهَا لَا عَلَى كُلِّهَا ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مِثْلُهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا مِنْهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ أَوْ مَا مِنْهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إلَّا وَعَلَيْهَا مَلَكٌ إمَّا سَاجِدٌ وَإِمَّا رَاكِعٌ عَلَى مَعْنًى إلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ إلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ كَوْنٌ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ كَمَا كَانَ الْجُلُوسُ عَلَى الْحَصِيرِ الْمُقَصِّرَةِ عَلَى الْجَالِسِ عَلَيْهَا جُلُوسًا عَلَيْهَا وَعَلَى مَا سِوَاهَا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَدِّهِ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ لَمَّا سَأَلَهُ عَمَّا يَقُولُهُ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِيهِ " وَرَسُولِك الَّذِي أَرْسَلْت " بِقَوْلِهِ " وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت " ) .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ الْمَعْرُوفُ بِالسُّوسِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : يَا بَرَاءُ مَا تَقُولُ إذَا أَوَيْت إلَى فِرَاشِك قَالَ قُلْت اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِذَا أَوَيْت إلَى فِرَاشِك طَاهِرًا فَتَوَسَّدْ يَمِينَك وَقُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْت وَجْهِي إلَيْك وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَيْك وَأَلْجَأْت ظَهْرِي إلَيْك رَهْبَةً وَرَغْبَةً إلَيْك لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْك إلَّا إلَيْك آمَنْت بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْت وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت فَقُلْت كَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنِّي قُلْت وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْت قَالَ فَطَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ لِي وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت } فَفَعَلْتُهُ .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَتَيْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ، وَلْيَكُنْ آخِرُ مَا تَقُولُ اللَّهُمَّ أَسْلَمْت وَجْهِي إلَيْك وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَيْك وَأَلْجَأْت ظَهْرِي إلَيْك رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْك لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْك إلَّا إلَيْك آمَنْت بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْت وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت فَإِنْ مِتَّ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ } حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا سَعْدُ بْنُ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ ابْنِ وَرْدٍ الْعَتَكِيِّ قَالَ سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ إذَا أَرَدْت أَنْ تَنَامَ فَقُلْ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ ثنا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ بَقِيَّةِ حَدِيثِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِهِ عَلَى الْبَرَاءِ قَوْلَهُ وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْت وَأَمْرُهُ إيَّاهُ أَنْ يَقُولَ مَكَانَ ذَلِكَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْت مَا هُوَ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَرَسُولَكَ الَّذِي أَرْسَلْت لَيْسَ فِيهِ إلَّا الرِّسَالَةُ خَاصَّةً ، وَاَلَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ مَكَانَ ذَلِكَ ، وَهُوَ وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت يَجْمَعُ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ جَمِيعًا فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا يَكُونُ عَلَى الرِّسَالَةِ دُونَ النُّبُوَّةِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ زَوْجَةَ النَّحَّامِ أَنْ لَا تُكَحِّلَ ابْنَتَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَتْهُ خَوْفَهَا عَلَى عَيْنِهَا إنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ ) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَرَمَدَتْ وَخَشَوْا عَلَى عَيْنِهَا فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يَخْشَوْنَ عَلَى عَيْنِهَا فَقَالَ : لَا قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ بَيْتِهَا فِي أَحْلَاسِهَا أَوْ فِي أَحْلَاسِهَا فِي شَرِّ بَيْتِهَا فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ مَرَّ كَلْبٌ فَرَمَتْهُ بِبَعْرَةٍ فَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ ثنا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ ابْنَةَ النَّحَّامِ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَأَتَتْ أُمُّهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ ابْنَتِي تَشْتَكِي عَيْنَهَا فَأُكَحِّلُهَا فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا ؟ قَالَ : وَإِنْ انْفَقَأَتْ - أَيْ : فَلَا تَفْعَلِي - قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا حَوْلًا ثُمَّ تَرْمِي مَنْ خَلْفَهَا بِبَعْرَةٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَخَبْرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ سَمِعْت أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ { جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ شَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنُكَحِّلُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ثُمَّ قَالَ إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةٌ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ خَشِيتُ عَلَى بَصَرِهَا أَفَأُكَحِّلُهَا فَقَالَ قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ ، وَإِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ } حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ أَتَكْتَحِلُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا فَقَالَتَا أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ قَالَ ثنا اللَّيْثُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ قَالَ حُمَيْدٌ وَحَدَّثَتْنِي زَيْنَبُ ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِنْتُ النَّحَّامِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ هَذَا
الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَنْ تُكَحِّلَ عَيْنَهَا فِي عِدَّتِهَا مَعَ خَوْفِهَا عَلَى عَيْنِهَا إنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ بِهِمَا .
فَقَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا عَلَى خِلَافِهِ وَعَلَى إبَاحَةِ الْكُحْلِ لِمِثْلِهَا لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ بِهَا إلَى ذَلِكَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاتِرًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الصِّحَاحِ الَّتِي تَقَبَّلَهَا الْعُلَمَاءُ وَفِي تَرْكِهَا لِمَا فِيهِ بَعْدَ تَنَاهِيهِ إلَيْهِمْ وَاسْتِعْمَالِهِمْ خِلَافَهُ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُونُونَ عَلَى نَسْخِهِ كَمَا هُمْ مَأْمُونُونَ عَلَى مَا رَوَوْهُ .
وَلَمَّا كَانُوا كَذَلِكَ كَانَ تَرْكُهُمْ لِمَا رَوَوْهُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَحْمُودَةِ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا ذَلِكَ لِمَا يُوجِبُ لَهُمْ تَرْكَهُ وَصَارُوا إلَى مَا هُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْهُ مِمَّا قَدْ نَسَخَهُ ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَدْ سَقَطَ عَدْلُهُمْ وَفِي سُقُوطِ عَدْلِهِمْ سُقُوطُ رِوَايَاتِهِمْ وَحَاشَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةُ أُمُورِهِمْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ كَانَ لِمَا قَدْ رَوَيْنَا عَلَى مَا وَصَفْنَا ثُمَّ الْتَمَسْنَا هَلْ نَجِدُ فِي الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْت الْمُغِيرَةَ بْنَ الضَّحَّاكِ يَقُولُ أَخْبَرَتْنِي { أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أَسِيدٍ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ زَوْجَهَا تُوُفِّيَ فَكَانَتْ تَشْتَكِي فَتَكْتَحِلُ بِكُحْلِ الْجَلَاءِ فَأَرْسَلَتْ مَوْلَاةً لَهَا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَتْهَا عَنْ كُحْلِ الْجَلَاءِ فَقَالَتْ : لَا تَكْتَحِلِي إلَّا مِنْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ يَشْتَدُّ عَلَيْكِ فَتَكْتَحِلُ بِاللَّيْلِ
وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ ثُمَّ قَالَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْت عَلَى عَيْنِي صَبْرًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ : إنَّهُ يَشِبُّ الْوَجْهَ وَلَا تَجْعَلِيهِ إلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِينَهُ بِالنَّهَارِ وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ قُلْت : بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِالسِّدْرِ تُغَلِّقِينَ بِهِ رَأْسَكِ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْهَا عَمَّا سَأَلَتْهَا عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَفْعَلِي ذَلِكَ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ سَمِعْت مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا إلَّا وَقَدْ عَلِمَتْ بِنَسْخِهِ مِنْ قَبْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَأْمُونَةٌ عَلَى مَا قَالَتْ كَمَا كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى مَا رَوَتْ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
.
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسْمَائِهِ ) حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ - وَأَنَا أَحْمَدُ - وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِي الْكُفْرَ - ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى قَدَمِي - وَأَنَا الْعَاقِبُ ، وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ } وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَءُوفًا رَحِيمًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ تَسْمِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُ رَءُوفًا رَحِيمًا إمَّا مِنْ كَلَامِ جُبَيْرٍ وَإِمَّا مِنْ كَلَامِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ رُوَاتِهِ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ ثنا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ وَهُوَ سَعِيدٌ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ أَتُحْصِي أَسْمَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ يَعُدُّهَا قَالَ نَعَمْ هِيَ سِتَّةٌ مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَخَاتَمٌ وَحَاشِرٌ وَعَاقِبٌ وَمَاحٍ ، فَأَمَّا الْحَاشِرُ فَبُعِثَ مَعَ السَّاعَةِ نَذِيرًا لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ وَأَمَّا عَاقِبٌ فَإِنَّهُ أَعْقَبَ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا مَاحٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَحَا بِهِ سَيِّئَاتِ مَنْ اتَّبَعَهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةُ اسْمٍ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلَهُ وَهُوَ خَاتَمٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ ثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ قَالَ { : سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ بِأَسْمَاءٍ فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُقَفِّي وَالْحَاشِرُ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْمُقَفِّي وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْعَاقِبِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا قَبْلَهُ وَفِيهِ مِنْ أَسْمَائِهِ اسْمَانِ آخَرَانِ غَيْرُ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِمَا وَهُمَا نَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ وَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ زَادَ بَعْضُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْهَا .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْأَسْمَاءَ إنَّمَا هِيَ أَعْلَامٌ لِأَشْيَاءَ يُرَادُ بِهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا وَإِبَانَةُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ ، وَكَانَتْ الْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ فَقِسْمٌ مِنْهَا تَكُونُ الْأَسْمَاءُ فِيهِ لَا لِعِلَّةٍ كَالْحَجَرِ وَكَالْجَبَلِ ، وَكَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُسَمَّ بِمَعْنًى فِيهِ وَمِنْهَا مَا يُسَمَّى بِهِ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ صِفَاتِهِ كَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَمْدِ وَكَأَحْمَدَ مِنْ الْحَمْدِ أَيْضًا فَكَانَ هَذَانِ الِاسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا اسْمَانِ قَدْ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا كَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ بِهِ قَوْمَهُ { إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } فَكَانَ هَذَانِ الِاسْمَانِ مِنْ صِفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى بِصِفَاتِهِ سِوَى الْحَمْدِ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَمْدِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ فَسُمِّيَ الْمَاحِيَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِهِ الْكُفْرَ ، وَسُمِّيَ الْحَاشِرَ ؛
لِأَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ عَلَى قَدَمِهِ ، وَسُمِّيَ الْعَاقِبَ ؛ لِأَنَّهُ أَعْقَبَ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسُمِّيَ خَاتَمًا ؛ لِأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } ، وَسُمِّيَ الْمُقَفِّيَ ؛ لِأَنَّهُ قَفَّى مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ، وَسُمِّيَ نَبِيَّ التَّوْبَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَ بِهِ عَلَى مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } وَسُمِّيَ نَبِيَّ الْمَلْحَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْقِتَالِ هُوَ الْمَلْحَمَةُ .
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ صِفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَءُوفًا رَحِيمًا انْتِزَاعًا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا وَأَنَّ مَا سُمِّيَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَاحِقٌ بِأَسْمَائِهِ الَّتِي قَدْ سُمِّيَ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا { لَحِقَ بِأَسْمَاءِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الِاسْمُ الَّذِي سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ لَمَّا تَتَرَّبَ بِالتُّرَابِ بِقَوْلِهِ لَهُ : قُمْ يَا أَبَا تُرَابٍ قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ فَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهُ } وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ وَمَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ جَائِزًا أَنْ يُذْكَرَ بِبَعْضِ أَسْمَائِهِ ، وَلَا يَكُونُ الْقَصْدُ إلَى بَعْضِهَا دَلِيلًا أَنْ لَا أَسْمَاءَ لَهُ غَيْرَهَا ، فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى
عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ جَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ مِمَّا فِيهَا ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر الْكَرْمَانِيُّ قَالَ ثنا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ { عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَمِعْت إيَاسَ بْنَ أَبِي رَمْلَةَ قَالَ سَمِعْت مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ شَهِدْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَكَيْفَ صَنَعَ قَالَ : صَلَّى ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَعُثْمَانُ هَذَا هُوَ ابْنُ عَمِّ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو دَاوُد صَاحِبُ الطَّيَالِسَةِ قَالَ أَنْبَأَ إسْرَائِيلُ قَالَ ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ مِنْ آلِ أَبِي عَقِيلٍ { عَنْ إيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ قَالَ شَهِدْت مُعَاوِيَةَ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَشَهِدْتَ عِيدَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعَا قَالَ نَعَمْ قَالَ : فَمَا صَنَعَ قَالَ صَلَّى الْعِيدَ وَرَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ } فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ الْمُرَادِ بِمَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَ اسْتِعْظَامِهِ مَا فِيهِمَا مِنْ الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَنَفَى ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } الْآيَةَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْمُرَادِينَ بِالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هُمْ أَهْلُ الْعَوَالِي الَّذِينَ مَنَازِلُهُمْ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ لَيْسَتْ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةً ؛ لِأَنَّهُمْ فِي
غَيْرِ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ ، وَالْجُمُعَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَفِي الْأَمْصَارِ دُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ مِمَّا نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ رَأْيًا إذْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا تَوْقِيفًا وَلَا تَوْقِيفَ يُوجَدُ فِي ذَلِكَ إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ قَالَ سَمِعْت سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ أَهْلُ الْعَوَالِي الَّذِينَ لَيْسُوا فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ لَهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَاتِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَاتِ كَانَ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَاتِ سِوَاهَا فِي صَلَوَاتِ الْأَعْيَادِ وَمِمَّا سِوَاهَا ، وَكَانُوا إذَا حَضَرُوا الْأَمْصَارَ لِصَلَوَاتِ الْأَعْيَادِ كَانُوا بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَهْلِهِ حُضُورُ تِلْكَ الصَّلَاةِ يَعْنِي صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَمَا سِوَاهَا مِنْ صَلَوَاتِ الْأَعْيَادِ فَأَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا بِمَكَانِهِمْ الَّذِي حَضَرُوهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ وَقْتُ الْجُمُعَةِ وَهُمْ بِهِ ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ كَمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ ؛ لِأَنَّهُ مِصْرٌ مِنْ الْأَمْصَارِ ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِهِ اخْتِيَارًا حَتَّى يُصَلُّوا فِيهِ الْجُمُعَةَ أَوْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُ إلَى أَمَاكِنِهِمْ ، وَيَتْرُكُونَ الْإِقَامَةَ لِلْجُمُعَةِ
، فَيَكُونُ رُجُوعُهُمْ إلَى أَمَاكِنِهِمْ رُجُوعًا إلَى أَمَاكِنَ لَا جُمُعَةَ عَلَى أَهْلِهَا فَقَالَ فَقَدْ رَوَيْتُمْ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثًا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا يَعْنِي مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد الْبَغْدَادِيُّ قَالَ ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ الْجُرْجُسِيُّ قَالَ ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّمَا شِئْتُمْ أَجْزَأَكُمْ } قَالَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدُّهُ الْمَشِيئَةَ إلَيْهِمْ فِي الْإِتْيَانِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَتَرْكِ الْإِتْيَانِ لِمَا سِوَاهَا مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ وَتَرْكِ مَا قَبْلَهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ لِيَفْعَلُوهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ ، وَأَعْلَمَ بِذَلِكَ أَهْلَ الْعَوَالِي أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَحْضُرُوا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ يَحْضُرُوا لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَيُصَلُّونَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إلَى أَمَاكِنِهِمْ ، وَلَا يَحْضُرُونَ الْجُمُعَةَ إذَا كَانَ أَهْلُ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ هِيَ أَدَلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الَّذِي ذَكَرْنَا كَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو دَاوُد وَأَبُو عَامِرٍ قَالَا ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ذَكْوَانَ قَالَ { اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا وَذِكْرًا وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ فَمَنْ
شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كَشْفُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا احْتِمَالَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إيَّاهُ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَمَرَ أَهْلَ الْعَوَالِي بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ اجْتَمَعَ فِيهِ عِيدَانِ مِنْ أَيَّامِهِ .
كَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ فَقَالَ إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ عِيدَانِ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا ، مَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ فَقَدْ أَذِنْت لَهُ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارَ قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، ثُمَّ قَالَ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَقَدْ أَذِنَّا لَهُ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْكُثَ فَلْيَمْكُثْ وَفِيمَا ذَكَرْنَا بَيَانٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُنَا لَهُ فِي احْتِمَالِ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ .
وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَا كَانَ بَيْنَ إسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } الْآيَةَ ) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا كَانَ بَيْنَ إسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } إلَّا أَرْبَعَ سِنِينَ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ أَيْضًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَنْبَأَ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ إسْلَامِهِمْ وَبَيْنَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يُعَاتِبُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا إلَّا أَرْبَع سِنِينَ { وَلَا يَكُونُوا كَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَطَلَبْنَا السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ عُوتِبُوا بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَوَجَدْنَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْفِرْيَابِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ ثنا خَلَّادٌ الصَّفَّارُ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ { عَنْ سَعْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْك أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ }
الْآيَةَ قَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ } الْآيَةَ ، قَالَ فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثْتَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ } ، قَالَ كُلُّ ذَلِكَ يُؤْمَرُونَ بِالْقُرْآنِ } قَالَ خَلَّادٌ وَزَادَ فِيهِ آخَرُ قَالَ { قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ ذَكَّرْتَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سُؤَالُهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَصَصَ عَلَيْهِمْ أَيْ لِتَلِينَ بِذَلِكَ قُلُوبُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ } فَأَعْلَمَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى الْقَصَصِ مَعَ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُصُّ عَلَيْهِمْ أَنْفَعَ لَهُمْ مِنْهُ ، ثُمَّ سَأَلُوا أَنْ يُحَدِّثَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَرُدُّهُمْ إلَى الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى شَيْءٍ يَجِدُونَ فِيهِ الَّذِي يَجِدُونَ فِي الْقُرْآنِ .
وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ فِي أَبِي مُوسَى لَقَدْ أُوتِيَ مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ( حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى فَقَالَ لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد } حَدَّثَنَا بَكَّارَ قَالَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَقَالَ لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد } حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ رَفَعَهُ إلَى سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فَقَالَ لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد قَالَ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحِ الْأَزْدِيُّ قَالَ ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَنْبَأَ قَنَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْمِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنْ الْبَرَاءِ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ أَبَا مُوسَى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَكَأَنَّ أَصْوَاتَ هَذَا مِنْ أَصْوَاتِ آلِ دَاوُد } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إضَافَةُ مَا أُوتِيَهُ أَبُو مُوسَى مِنْ صَوْتِهِ إلَى مِزْمَارٍ مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد فَأُضِيفَتْ الْمَزَامِيرُ فِي ذَلِكَ إلَى آلِ دَاوُد لَا إلَى دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { اعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا } فَكَانَ الَّذِي يَقُولُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } مَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ ثنا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ ثنا وَرْقَاءُ عَنْ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ سَبِّحِي ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أُوبِي مَعَهُ ارْجِعِي مَعَهُ مِنْ الْإِيَابِ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى كَمَا قَدْ حَدَّثَنَاهُ وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَصَادِرِيِّ عَنْهُ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهُمْ الْفَرَّاءُ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ فَقَالَ فِي ذَلِكَ مَعْنَى { أَوِّبِي } سَبِّحِي ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ بِمِثْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَكَانَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِمَّا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِمْ مَنْ يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْلَى .
وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ التَّسْبِيحُ سَبَبُهُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ مَأْمُورَةً بِالتَّسْبِيحِ مَعَهُ كَانَ كُلُّ مُسَبِّحٍ مَعَهُ آلًا لَهُ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } فَسَمَّاهُمْ اللَّهُ آلًا لَهُ
لِاتِّبَاعِهِمْ إيَّاهُ وَلِعَمَلِهِمْ بِعَمَلِهِ حَتَّى اسْتَحَقُّوا بِذَلِكَ مِنْ الْعَذَابِ مِثْلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ بِكُفْرِهِ .
وَمِنْهُ قِيلَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ مَعَهُ بِقَوْلِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ أَوْ كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ عَلَى مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ ذَاكِرُوهُ مِنْ بَعْدُ فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي مَوْضِعِهِ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَ مَا ذُكِرَ فِي الْآلِ مِنْ الْمَعْنَى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي إنَّمَا ذُكِرَ مِنْهُمْ لِمَكَانِهِمْ مِمَّنْ هُمْ آلٌ لَهُ ، وَلَمَّا كَانُوا قَدْ اسْتَحَقُّوا ذَلِكَ بِهِ كَانَ هُوَ بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا اسْتَحَقُّوهُ بِهِ فَوْقَهُمْ فَمِثْلُ ذَلِكَ { لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد } وَمَزَامِيرُهُمْ تَسْبِيحُهُمْ الَّذِي كَانَ يَكُونُ مِنْهُمْ مِمَّا دَاوُد سَبَبُهُ فَمَعْقُولٌ أَنَّ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبُهُ فِي ذَلِكَ أَوَكَدُ مِنْ أَسْبَابِهِمْ ، وَأَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْمَزَامِيرِ إلَيْهِمْ مُضَافَةٌ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّ مَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد } فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ بِمَنْ رَأَى مِنْهُ مُنْكَرًا وَبِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ جَنَّادٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إذَا عَمِلَ الْعَامِلُ مِنْهُمْ بِالْخَطِيئَةِ نَهَاهُمْ النَّاهِي تَعْزِيرًا ، فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ جَالَسَهُ وَآكَلَهُ وَشَارَبَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى خَطِيئَةٍ بِالْأَمْسِ فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلْتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَلْعَنْكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ } .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { هَلْ تَدْرُونَ كَيْفَ دَخَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ النَّقْصُ قَالُوا : اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : إنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَعِيبُ عَلَى أَخِيهِ الْأَمْرَ يُنْكِرُهُ فَمَا يَمْنَعُهُ مَا يَرَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ فَضَرَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَأَنْزَلَ فِيهِمْ { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ } أَرْبَعَ
آيَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَوَرَبِّ مُحَمَّدٍ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِي الظَّالِمِ وَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ بِبَعْضٍ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ { وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا } فَوَجَدْنَا أَهْلَ اللُّغَةِ يَحْكُونَ فِي ذَلِكَ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ يُقَالُ أَطَرْت الشَّيْءَ إذَا ثَنَيْته وَعَطَفْته وَأَطْرُ كُلِّ شَيْءٍ عَطْفُهُ كَالْمِحْجَنِ وَالْمِنْجَلِ وَالصَّوْلَجَانِ .
وَوَجَدْنَاهُمْ يَحْكُونَ فِي ذَلِكَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُقَالَ أَطَرْت الشَّيْءَ ، وَأَصَرْتُهُ إذَا أَمَلْته إلَيْك وَرَدَدْته إلَى حَاجَتِك فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا } أَيْ تَرُدُّونَهُ إلَيْهِ وَتَعْطِفُونَهُ عَلَيْهِ وَتُمِيلُونَهُ إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ فِيمَا تَفْعَلُونَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَالْمِحْجَنِ وَالْمِنْجَلِ وَكَالصَّوْلَجَانِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ مِمَّا عُطِفَ عَلَيْهِ وَثُنِيَ عَلَيْهِ وَرُدَّ إلَيْهِ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَبَدًا .
وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ { عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إنَّكُمْ لَتَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ } .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ الَّذِي فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِمَّا خَاطَبَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ فِيهِمَا أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ كَمَا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَكَرَ لَهُمْ مَا سَمِعَهُ قَالَهُ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ حِكْمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ وَعِظَمِ مِقْدَارِهِ لَا يُخَاطِبُ النَّاسَ بِخِطَابٍ فِيهِ نُقْصَانٌ ، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ نُقْصَانٍ فِي ذَلِكَ فَمِنْ بَعْضِ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا مِنْهُ ثُمَّ الْتَمَسْنَا مِنْ غَيْرِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ .
فَوَجَدْنَا بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ { عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا
بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا عُمِلَ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي أَوْ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ } .
وَوَجَدْنَا يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ { عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } ثُمَّ قَالَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا مُنْكَرًا لَا يُغَيِّرُونَهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِهِ } .
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ قَالَا ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْت إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْته حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ .
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ { عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ : قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } ثُمَّ قَالَ
إنَّ النَّاسَ يَضَعُونَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا أَلَا وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الظَّالِمِ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْ قَالَ الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ عَمَّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِقَابِهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْأَوْلَى بِالصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ قَالَهُ ، وَهُوَ إخْبَارُهُ إيَّاهُمْ أَنَّ النَّاسَ يَضَعُونَ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي تَلَاهَا عَلَيْهِمْ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَتَأَمَّلْنَا مَا يُرْوَى عَنْ غَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِنَعْلَمَ بِذَلِكَ مَوْضِعَهَا هَلْ هُوَ تَأْوِيلٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ أَوْ زَمَانٌ مِنْ الْأَزْمِنَةِ يَكُونُ ، وَيَكُونُ قَبْلَهُ مَا قَرَأَ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَا قَدْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ فَوَجَدْنَا إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا أَبُو مُسْهِرٍ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ قَالَ ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ ثنا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ { عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ سَأَلْت أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ قُلْت كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ أَيُّ آيَةٍ قُلْت { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ لِي أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ سَأَلْت عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْت عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، وَرَأَيْت أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ فَعَلَيْك بِنَفْسِك ، وَإِيَّاكَ وَأَمْرَ الْعَوَامّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ ، صَبْرٌ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ كَأَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ
عَمَلِهِ } .
وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ ثنا صَدَقَةُ بْنُ يَزِيدَ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهُ عَمْرَو بْنُ جَارِيَةَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً .
وَوَجَدْنَا يَحْيَى بْنَ عُثْمَانَ بْن صَالِحٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَرْدِيُّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَعَقَلْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّاسَ يَضَعُونَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا يُرِيدُ بِهَا سَيُعْمِلُونَهَا فِي غَيْرِ زَمَنِهَا ، وَأَنَّ زَمَنَهَا الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِيهِ هُوَ الزَّمَنُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ وَأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَزْمِنَةِ فَإِنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَلَى عِبَادِهِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى تَعُودَ الْأُمُورُ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ امْتِثَالِ مَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَمِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ عَوَاقِبِ تَرْكِ ذَلِكَ سِوَى مَا قَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُنَا لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ .
مَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ قَالَا ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي أَعَزُّ ، وَأَكْثَرُ مِمَّا
يَعْمَلُهُ وَهُوَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ لَا يُغَيِّرُونَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِعِقَابٍ } وَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي رَزِينٍ قَالَ ثنا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُهْلِكُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ ، وَلَكِنْ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ عَذَّبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِيمَا ذَكَرْنَا تَوْكِيدُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى يَكُونَ الزَّمَانُ الَّذِي يَنْقَطِعُ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ الزَّمَانُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ بِأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَلَا بِنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ وَلَا قُوَّةَ مَعَ مَنْ يُنْكِرُهُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ فَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ فِيهِ ، وَيَرْجِعُ أَمْرُهُ فِيهِ إلَى خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَلَا يَضُرُّهُ مَعَ ذَلِكَ مَنْ ضَلَّ .
هَكَذَا يَقُولُ أَهْلُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا قَدْ صَحَّحْنَا هَذِهِ الْآثَارَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِالتَّأْوِيلِ فَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } لَيْسَ عَلَى سُقُوطِ مَفْرُوضٍ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَمِنْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ مُهْتَدِينَ إذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ ، وَأَنَّهُمْ إنَّمَا يَدْخُلُونَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { إذَا اهْتَدَيْتُمْ } إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لَا إذَا قَصَّرُوا عَنْهُ وَيَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ مِثْلَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } وَهُوَ مَعَ هَذَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ جِهَادُ
أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِتَالُهُمْ حَتَّى يَرُدَّهُمْ اللَّهُ إلَى دِينِهِ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ عَلَيْهِ كَافَّةً ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَبْيَنُ مَعْنًى مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى صَحِيحًا وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فِيهِ الْإِقْبَالُ عَلَى خَاصَّتِهِمْ وَتَرْكُ عَامَّتِهِمْ ) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ أَوْ قَالَ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً وَتَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَصَارُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالُوا : كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ وَتَذْرُونَ مَا تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ } .
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ أَبُو الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ وَأَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً .
وَحَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي إسْنَادِهِ أَبَا حَازِمٍ ، وَإِنَّمَا قَالَ قَالَ وَأَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ عَنْ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ الْمُزَنِيّ قَالَ ثنا عِيسَى بْنُ مِينَاءَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَزْمٍ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَامِرٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَفَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ جَمِيعًا قَالَا ثنا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ { : بَيْنَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ ذُكِرَتْ الْفِتْنَةُ أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْفِتْنَةُ فَقَالَ إذَا رَأَيْتُمْ النَّاسَ قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَخَفَّتْ أَمَانَتُهُمْ ، وَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقُلْت فَكَيْفَ نَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ فَقَالَ لِي الْزَمْ بَيْتَكَ وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ الْخَاصَّةِ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ } .
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو كَيْفَ بِك يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو إذَا بَقِيت فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ أَمَانَاتُهُمْ وَمَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَكَيْفَ بِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَعْمَلُ بِمَا تَعْرِفُ وَتَدَعُ مَا تُنْكِرُ وَتَعْمَلُ بِخَاصَّةِ نَفْسِك وَتَدَعُ عَنْك عَوَامَّ النَّاسِ } حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَهْمِيُّ قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا وَاقِدٍ
قَالَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَنَحْنُ جُلُوسٌ عَلَى بِسَاطٍ إنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ قَالُوا : كَيْفَ نَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ فَرَدَّ يَدَهُ إلَى الْبِسَاطِ فَأَمْسَكَ بِهِ قَالَ تَفْعَلُونَ هَكَذَا وَذَكَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَلَمْ يَسْمَعْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَقَالَ مُعَاذٌ : تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالُوا : مَا قَالَ ؟ قَالَ يَقُولُ إنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ قَالُوا فَكَيْفَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَوْ كَيْفَ نَصْنَعُ ؟ قَالَ تَرْجِعُونَ إلَى أَمْرِكُمْ الْأَوَّلِ } .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَفَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو { عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَكَانَ عِرْبَاضٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَامَ فَوَعَظَ النَّاسَ وَرَغَّبَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ، ثُمَّ قَالَ اُعْبُدُوا اللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَطِيعُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ وَلَا تُنَازِعُوا الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ وَعَلَيْكُمْ بِمَا تَعْرِفُونَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَى نَوَاجِذِكُمْ بِالْحَقِّ .
} حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ } .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ قَالَ ثنا عِكْرِمَةُ
بْنُ عَمَّارٍ قَالَ ثنا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ { عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ دَخَلْت مَسْجِدَ دِمَشْقَ أَوْ حِمْصَ فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُهُمْ فَقَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَاقْشَعَرَّتْ مِنْهَا الْجُلُودُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ : كَأَنَّ هَذَا عِنْدَ الْوَدَاعِ مِنْك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَوْصِنَا قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَلُزُومِكُمْ مِنْ بَعْدِي سُنَّتِي وَسُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الْهَادِيَةِ الْمَهْدِيَّةِ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي هَذِهِ الْآثَارِ تَشْدِيدُ مَا فِي الْآثَارِ الَّتِي فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ ، وَكُلُّهَا يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتُخْبِرُ أَنَّ الْأَزْمِنَةَ تَخْتَلِفُ وَتَتَبَايَنُ وَأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ مِنْهَا لَهُ حُكْمُهُ الَّذِي قَدْ بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَأَعْلَمَهُمْ إيَّاهُ وَعَلَّمَهُمْ بِمَا يَعْمَلُونَهُ فِيهِ فَعَلَى النَّاسِ التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ ، وَلُزُومُهُ وَوَضْعُ كُلِّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ الَّذِي أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِهِ فِيهِ ، وَأَنْ لَا يَخْرُجُوا عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا سِوَاهُ .
وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي طَرِيقٍ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ } ) .
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي طَرِيقٍ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ } حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي سِكَّةٍ فَاجْعَلُوهَا سَبْعَ أَذْرُعٍ ثُمَّ ابْنُوا } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْت الزُّبَيْرَ بْنَ الْخِرِّيتِ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي طُرُقِهِمْ أَنَّهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ } .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ ثنا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ ثنا قَتَادَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا تَدَارَأْتُمْ فِي طَرِيقٍ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُسَدَّدٌ قَالَ ثنا يَحْيَى عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَدَعُوا سَبْعَ أَذْرُعٍ } .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
إذَا اُخْتُلِفَ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ عَلَى سَبْعِ أَذْرُعٍ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ مَعْنًى أَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُصْرَفَ وَجْهُهُ إلَيْهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا اُخْتُلِفَ مُبْتَدَؤُهَا فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يُوقِفُونَهُ لَهَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحَاوِلُونَ اتِّخَاذَهَا فِيهَا كَالْقَوْمِ يَفْتَتِحُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَدَائِنِ الْعَدُوِّ فَيُرِيدُ الْإِمَامُ قَسْمَهَا بَيْنَهُمْ وَيُرِيدُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا طُرُقًا لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْلُكَهَا مِنْ النَّاسِ إلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْبُلْدَانِ ، وَلَا يَجِدُهَا مِمَّا قَدْ كَانَ الْمُفْتَتَحَةُ عَلَيْهِمْ أَحْكَمُوا ذَلِكَ فِيهَا فَيُجْعَلُ سَعَةَ كُلِّ طَرِيقٍ مِنْهَا سَبْعَ أَذْرُعٍ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا الْأَرْضُ الْمَوَاتُ يُقْطِعُهَا الْإِمَامُ رَجُلًا ، وَيَجْعَلُ إلَيْهِ إحْيَاءَهَا وَدَفْعَ طَرِيقٍ مِنْهَا لِاجْتِيَازِ النَّاسِ فِيهِ مِنْهَا إلَى مَا سِوَاهَا ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الطَّرِيقُ كَذَلِكَ سَعَتُهُ هَذَا الْمِقْدَارُ وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَعْنًى هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ يَعْنِي فِي الْوُقُوفِ } ) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ ثنا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيّ قَالَ ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ ، وَشِعَابُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَلَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي إسْنَادِهِ أَتَمَّ مِنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ وَقَدْ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ بِهِ نَاقِصًا فِي إسْنَادِهِ وَفِي مَتْنِهِ جَمِيعًا حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادًا عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { ارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ وَعَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَاحْتَجْنَا إلَى الْوُقُوفِ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ } مَا الَّذِي يُرِيدُ بِهِ ؟ هَلْ هُوَ لِأَنَّ بَطْنَ عُرَنَةَ لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ الَّتِي يُوقَفُ بِهَا لِلْحَجِّ أَمْ لِغَيْرِ ذَلِكَ ؟ فَوَجَدْنَا بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ هَذِهِ عَرَفَةُ وَهَذَا الْمَوْقِفُ وَعَرَفَةُ
كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَجُمَعُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ } وَوَجَدْنَا يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ } .
وَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ تَمَّامٍ الْكَلْبِيَّ أَبَا الْكَرَوَّسِ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر قَالَ حَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْت أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي حُسَيْنٍ يُخْبِرُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَطَاءٌ جَالِسٌ يَسْمَعُ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ : سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ } وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَاحْتَجْنَا إلَى أَنْ نَقِفَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ أُمِرَ بِالرَّفْعِ عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ مَا الْمُرَادُ بِهِ فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ زَبَّارٍ الْكَلْبِيُّ قَالَ ثنا شَرْقِيُّ بْنُ قُطَامِيٍّ عَنْ أَبِي طَلْقٍ الْعَائِذِيِّ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ الْقَعْقَاعِ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ مَعْدِيِّ يَقُولُ : كُنَّا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِبَطْنِ
عُرَنَةَ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَخْطَفَنَا الْجِنُّ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَجِيزُوا إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ إنْ أَسْلَمُوا إخْوَانُكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو أُمَيَّةَ فَإِنَّهُمْ إنْ أَسْلَمُوا إخْوَانُكُمْ وَهُوَ عِنْدَنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَإِنَّهُمْ إذْ أَسْلَمُوا إخْوَانُكُمْ أَيْ إذْ صَارُوا مُسْلِمِينَ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقِفُونَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِبَطْنِ عُرَنَةَ خَوْفًا مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنْ يَخْطَفَهُمْ الْجِنُّ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا إلَيْهِمْ أَيْ مَا سِوَى بَطْنِ عُرَنَةَ مِنْ عَرَفَةَ ، وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي كَانَتْ الْجِنُّ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَكَانُوا يَتَخَوَّفُونَ إنْ وَقَفُوا بِهَا مِنْ غَوَائِلِهِمْ مَا كَانُوا يَتَخَوَّفُونَهُ فَأَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ إخْوَانُهُمْ إذْ قَدْ أَسْلَمُوا وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِذَلِكَ كَانَ بَعْدَ إسْلَامِ الْجِنِّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجِنُّ كَانُوا قَبْلَ إسْلَامِهِمْ يَحُجُّونَ قِيلَ لَهُ وَمَا تُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ ، قَدْ كَانَ كُفَّارُ الْآدَمِيِّينَ يَحُجُّونَ كَمَا يَحُجُّ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } وَكَانَ ذَلِكَ النَّسْخُ مِمَّا كَانَ مِنْ النِّذَارَةِ الَّتِي أُنْذِرُوا بِهَا فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّهَا أَبُو بَكْرٍ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ ، وَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِمَّا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّلِيلِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } الْآيَةَ ) .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَنْبَأَ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِمِنًى مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَرَكِبَ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَنُصِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرَحَلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى إذَا أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقِفُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي خِلَافِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِفُ النَّاسُ بِهِ الْيَوْمَ بِعَرَفَةَ لِحَجِّهِمْ ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُجَاوِزُ الْحَرَمَ وَلَا تَقِفُ لِحَجِّهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ وَكَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَتْ تَقِفُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِيهِ هُوَ الْمُزْدَلِفَةُ كَمَا حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيّ قَالَ ثنا الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ { مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذَهَبْت أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي يَوْمَ عَرَفَةَ فَخَرَجْت فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ بَيْنَ النَّاسِ فَقُلْت إنَّ هَذَا مِنْ الْحُمْسِ فَمَا لَهُ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ يَعْنِي
بِالْحُمْسِ قُرَيْشًا وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقِفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَتَقُولُ نَحْنُ الْحُمْسُ لَا نُجَاوِزُ الْحَرَمَ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ رَاهْوَيْهِ قَالَ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ ثنا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقِفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَتَسَمَّوْا الْحُمْسَ ، وَسَائِرُ الْعَرَبِ تَقِفُ بِعَرَفَةَ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَدْفَعَ مِنْهَا وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُ وَلِتَوَلِّيهِ لَهُ قَدْ كَانَ يَقِفُ يَوْمَ عَرَفَةَ حَيْثُ يَقِفُ النَّاسُ سِوَى قُرَيْشٍ ، وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ قَدْ كَانَ مِنْهُمْ قَبْلَهَا وُقُوفٌ فِيهِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ { عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ أَتَانَا ابْنُ مِرْبَعٍ الْأَنْصَارِيُّ بِعَرَفَةَ وَنَحْنُ بِمَكَانٍ مِنْ الْمَوْقِفِ بَعِيدٍ يُبْعِدُهُ عَمْرٌو فَقَالَ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْكُمْ يَقُولُ كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ هَذِهِ فَإِنَّكُمْ عَلَى إرْثٍ مِنْ إرْثِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
هَكَذَا حَدَّثَنَا يُونُسُ وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ الْمُزَنِيّ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ ثنا الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَلَمْ
يَذْكُرْ عَمْرًا عَنْ خَالٍ لَهُ قَالَ كُنَّا فِي مَوْقِفٍ لَنَا بِعَرَفَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ عَرَفَةَ قَدْ كَانَتْ مِنْ مَوَاقِفِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ حَيْثُ يَقِفُ النَّاسُ الْيَوْمَ لِحَجِّهِمْ ، وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالِارْتِفَاعِ عَنْ مُحَسِّرٍ ، وَمُحَسِّرٌ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَذَلِكَ لِمَعْنًى سِوَى هَذَا الْمَعْنَى قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَشَاعِرِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ النَّاسَ بِالرَّفْعِ عَنْهُ وَبِالرُّجُوعِ إلَى مَشَاعِرِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ فِي ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو دَاوُد قَالَ ثنا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْت حَفْصَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحَدِّثُ { عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ قَائِمًا يُصَلِّي فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا صَلَّى أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَنَعَك أَنْ تُجِيبَنِي أَمَا سَمِعْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ } الْآيَةَ ، ثُمَّ قَالَ لِي أَلَا أُعَلِّمُك سُورَةً أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَمَشَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَبْلُغَ بَابَ الْمَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ { عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَصَلَّى ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ مَا مَنَعَك أَنْ تُجِيبَنِي إذْ دَعَوْتُك قَالَ إنِّي كُنْت أُصَلِّي قَالَ : أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ } الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ أَلَا أُعَلِّمُك أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَكَأَنَّهُ نَسِيَهَا أَوْ نُسِّيَ ، ، قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِي قُلْت قَالَ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ قَالَ ثنا جَهْضَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَسُورَةً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا ، فَسَأَلَهُ أُبَيٌّ عَنْهَا فَقَالَ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْبَابِ حَتَّى تَعْلَمَهَا فَجَعَلْت أَتَبَاطَأُ ثُمَّ سَأَلَهُ أُبَيٌّ عَنْهَا فَقَالَ كَيْفَ تَقْرَأُ إذَا قُمْت فِي صَلَاتِك قُلْت أُمَّ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ أَوْ قَالَ الْفُرْقَانِ مِثْلَهَا إنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ } حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلَهَا إنَّهَا لَسَبْعٌ مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ } حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { { الْحَمْدُ لِلَّهِ } هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي
أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } قَالَ وَقَرَأَهَا عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْآيَةَ السَّابِعَةَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : قَدْ أَخْرَجَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ ، وَمَا أَخْرَجَهَا لِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي } قَالَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَالَ هِيَ الْآيَةُ السَّابِعَةُ ، وَقَرَأَ عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ كَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ خِلَاف مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَرْزُوقٍ وَذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ .
وَفِي حَدِيثِ بَكَّارٍ هَذَا أَنَّهَا السَّبْعُ مِنْ الْمَثَانِي ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي } فَاتِحَةَ الْكِتَابِ الْمُرَادَةَ بِأَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَأَنَّ مَعْنَى وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ أَيْ وَآتَيْنَاكَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ بِالنَّصْبِ وَلَمْ يَجِئْ بِالْخَفْضِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي السَّبْعِ الْمَثَانِي مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْهُ أَنَّهَا السَّبْعُ الطِّوَالُ كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي } قَالَ السَّبْعُ الطِّوَالُ وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ مَا يُوَافِقُ مَا
رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْهُ مِمَّا ذَكَرْنَا .
وَيُخَالِفُ مَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ .
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ يَعْنِي الْبَطِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُوتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي الطِّوَالِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ أَنْبَأَ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي } قَالَ السَّبْعُ الطِّوَالُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَكَانَ الْأَوْلَى بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا فَاتِحَةُ الْكِتَابِ كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ ثنا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ السُّدِّيِّ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ خَيْرٍ الْهَمْدَانِيَّ قَالَ سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي } قَالَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ قَالَ ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى طَلَبِ الْمَعْنَى لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى وَلِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْنَا ذَلِكَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا الْقُرْآنُ كُلُّهُ أَيْ فِي الثَّوَابِ بِهَا أَنَّهُ كَالثَّوَابِ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي { { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أَنَّ الثَّوَابَ بِهَا كَالثَّوَابِ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ } .
وَأُطْلِقَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّهَا ثُلُثُ الْقُرْآنِ كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي
قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَالُوا وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ قَالَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } } وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ ثنا بَشِيرٌ أَبُو إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَقَرَأَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } حَتَّى خَتَمَهَا } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمُنْقِرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : جَزَّأَ اللَّهُ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءٌ مِنْهُ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ } ( ) .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَوْ يُغْلَبَ أَنْ يَقْرَأَ كُلَّ لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَكَأَنَّهُ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ثُلُثُ الْقُرْآنِ }
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ ثنا حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ قَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُلُثُ الْقُرْآنِ بِمَعْنَى أَنَّهَا ثُلُثُ الْقُرْآنِ بِالثَّوَابِ بِهَا ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَلَّلُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ ثنا أَبُو مَعْمَرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْهُذَلِيُّ الْقَطِيعِيُّ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةَ بْنُ النُّعْمَانِ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يُرَدِّدُهَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ فُلَانًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَقَرَأَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يُرَدِّدُهَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ } حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُوسَى الصَّغِيرِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ جَمِيعًا قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فَقَالَ ثُلُثُ الْقُرْآنِ أَوْ تَعْدِلُهُ } وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُسَدَّدٌ قَالَ ثنا يَحْيَى ، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اُحْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ إنِّي أَرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ ، فَقَالَ إنِّي قُلْت لَكُمْ إنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ أَلَا إنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ
الْقُرْآنِ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ مَعْنَى مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ أَنَّ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنَ هُوَ مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا قَبْلَهَا فِي { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أَنَّهَا ثُلُثُ الْقُرْآنِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا فِي الثَّوَابِ كَثُلُثِ الْقُرْآنِ جَازَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا فِي الْآثَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِيهَا الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهَا الْقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا فِي الثَّوَابِ بِهَا كَالثَّوَابِ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ .
وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ لِلنَّاسِ بِالِاقْتِدَاءِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَالتَّمَسُّكِ بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ } ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ يَعْنِي حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ إبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ السَّقَطِيُّ ، قَالَ ثنا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ ثنا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ بَعْدِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ ثنا سُفْيَانُ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ ثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ وَحَدَّثَنِيهِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ أَخْبَرَنِي زَائِدَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً فِي إسْنَادِهِ وَفِي مَتْنِهِ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ ثنا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ هِلَالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد وَهَكَذَا كَانَ فِي كِتَابِهِ يَعْنِي الْأُوَيْسِيَّ عَنْ مَنْصُورٍ لَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ حَدَّثَنِيهِ ابْنُ أَبِي دَاوُد مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ ثنا الْأُوَيْسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ هِلَالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً .
وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَالرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ جَمِيعًا قَالَا ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ ثنا سَالِمٌ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلَيْكُمْ بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ سَالِمٌ أَبُو الْعَلَاءِ هَذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ الْأَنْعُمِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ .
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَقَالَ هُوَ سَالِمُ بْنُ الْعَلَاءِ أَبُو الْعَلَاءِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَكَانَ مَا فِيهِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالِاقْتِدَاءِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعْنَاهُ عِنْدَنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَمْتَثِلُوا مَا هُمَا عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَحْذُوا حَذْوَهُمَا فِيمَا يَكُونُ مِنْهُمَا فِي أَمْرِ الدِّينِ ، وَأَنْ لَا يَخْرُجُوا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ الِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِ عَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَجَدْنَا الِاهْتِدَاءَ هُوَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَكَانَ عَمَّارٌ مِنْ أَهْلِهَا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَهْتَدُوا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهَا ، وَأَنْ يَكُونُوا فِيهَا كَهُوَ فِيهَا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخْرِجٍ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِمِثْلِ هَذَا إلَى الْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِهِ لَا يَنْفِي بَقِيَّةَ أَهْلِهِ أَنْ يَكُونُوا فِيهِ مِثْلَهُ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ مَوْضِعُ فُلَانٍ مِنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ آخَرُونَ فِي الْعِبَادَةِ مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ مِمَّنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا فِي الِاهْتِدَاءِ بِهِمْ فِي ذَلِكَ كَالِاهْتِدَاءِ بِهِ فِيهِ .
وَقَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ ثنا قَابُوسُ وَهُوَ ابْنُ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَا ظَبْيَانَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ الْهَدْيَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ ذَلِكَ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ ، وَالْهَدْيُ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي عَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يَهْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ وَأَنْ يَجْعَلُوهُ إمَامَا لَهُمْ فِيهِ لَا عَلَى إخْرَاجٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَاهُ مِنْ أَصْحَابِهِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا فِي ذَلِكَ كَهُوَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ ثنا عُيَيْنَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ { كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْشِي جَمِيعًا فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ بَيْنَ أَيْدِينَا يُصَلِّي يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا قَالَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ } .
فَكَانَ الْهَدْيُ الْقَاصِدُ فِي هَذَا هُوَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُرَادِ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْقَصْدِ لِيَدُومَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَدَلَّ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْهَدْيَ هُوَ الْعَمَلُ الْمُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ } مَا الَّذِي أَرَادَهُ بِهِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ { مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } وَكَانَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُمْ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْهَدْيِ .
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِّهِ وَهَدْيِهِ وَسَمْتِهِ وَكَانَ عَلْقَمَةُ يُشَبَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ وَكَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ جَامِعٍ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ أَبْصَرَ حُذَيْفَةُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حِينَ خَرَجَ مِنْ دَارِهِ فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ دَلًّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَدُنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا مِنْ صَاحِبِ هَذِهِ الدَّارِ وَلَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسِيلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ ثنا غُنْدَرٌ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ لَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسِيلَةً قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَلَمَّا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِنْ الْهَدْيِ وَمِنْ الدَّلِّ فِي الدُّنْيَا وَمِنْ قُرْبِ الْوَسِيلَةِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانَ حَرِيًّا أَنْ يُتَمَسَّكَ بِعَهْدِهِ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ إلَى أَنْ يُوَافِيَهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ أَنْ يَكُونَ فِي صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ مَنْزِلَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي تِلْكَ مَنْزِلَتُهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَمِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ التَّمَسُّكِ بِعَهْدِهِ مِثْلَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
( بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ } ) حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ ثنا حُصَيْنٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ { لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَإِمَّا إلَى سُنَّةٍ وَإِمَّا إلَى بِدْعَةٍ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى سُنَّتِي فَقَدْ اهْتَدَى ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى سُنَّةٍ فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُسَدَّدٌ قَالَ ثنا يَحْيَى يَعْنِي : ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ ذُكِرَ { لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تُصَلِّي وَلَا تَنَامُ وَتَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ ، فَقَالَ : أَنَا أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَلِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى سُنَّةٍ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ تَكُنْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ ضَلَّ } .
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْت أَنَا وَيَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ .
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ
قَالَ ثنا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ النَّحْوِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : دَخَلْت أَنَا وَيَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مَوْلَاةً لِمَوَالِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ { وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ثُمَّ تَكُونُ شِرَّتُهُ إلَى فَتْرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى سُنَّتِي فَقَدْ هُدِيَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ ضَلَّ إنِّي لَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً وَإِنَّ لِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً ، فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَرَّبَ فَارْجُوهُ ، وَإِنْ أُشِيرَ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوهُ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَطَلَبْنَا مَعْنَى هَذِهِ الشِّرَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ قَالَ ذُكِرَ الِاجْتِهَادُ فَقِيلَ تِلْكَ حِدَّةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى سُنَّةٍ فَقَدْ هُدِيَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى بِدْعَةٍ أَوْ ضَلَالَةٍ فَقَدْ ضَلَّ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْحِدَّةُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يُرِيدُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ الَّتِي يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ مِنْهُمْ فِيهَا مَا دُونَ الْحِدَّةِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ التَّقْصِيرِ عَنْهَا وَالْخُرُوجِ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِمَا قَدْ يَجُوزُ دَوَامُهُمْ عَلَيْهِ ، وَلُزُومُهُمْ إيَّاهُ حَتَّى يَلْقَوْا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَشْفِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنَّهُ { أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ } وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ ، وَمَا قَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فَغَنِينَا بِذَلِكَ عَنْ إعَادَتِهِ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ قُرَّةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي خَلِيفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الْأَزْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ ثنا قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ { قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ إلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْنَا هَلْ عَهِدَ إلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً قَالَ لَا إلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا ، فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ } فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ جَمِيعًا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِشَرِيفٍ عَلَى وَضِيعٍ فَضْلٌ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ رَدًّا عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي تَرْكِهِمْ قَتْلَ الشَّرِيفِ بِقَتْلِهِ الْوَضِيعَ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ عَقَلْنَا بِهِ أَنَّ النِّسَاءَ فِي جَرْيِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ كَمَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ } فَوَجَدْنَا الذِّمَّةَ الْمُرَادَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفْيَ الْأَمَانِ ، وَأَنَّهُ إذَا أَعْطَى الرَّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعَدُوَّ أَمَانًا جَازَ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخْفِرُوهُ .
وَمِثْلُ هَذَا مَا قَدْ رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمَانِ زَيْنَبَ ابْنَتِهِ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ الَّذِي كَانَ زَوْجُهَا } كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ قُدِمَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِيرًا فَبَعَثَ إلَى زَوْجَتِهِ أَنْ خُذِي لِي جِوَارًا مِنْ أَبِيك ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَخْرَجَتْ زَيْنَبُ وَجْهَهَا وَقَالَتْ : أَنَا زَيْنَبُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي قَدْ أَمَّنْتُ أَبَا الْعَاصِ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ هَذَا أَمْرٌ مَا عَلِمْتُ بِهِ حَتَّى الْآنَ وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ } وَكَمَا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ الرَّبَعِيُّ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَصَالِحٍ يَعْنِي : ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ زَيْنَبَ هَاجَرَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ ، ثُمَّ لَحِقَ زَوْجُهَا بِالشَّامِ فَأَسَرَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا الْعَاصِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ : إنِّي قَدْ أَجَرْت أَبَا الْعَاصِ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَاهُ ، وَقَالَ : يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّ الْجِوَارَ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِوَارِ مِنْ كُلِّهِمْ ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ { قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ } يَكُونُ ذَلِكَ إرَادَةً مِنْهُ أَنَّ أَدْنَاهُمْ الْمَرْأَةُ ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَدْنَاهُمْ هُوَ الْعَبْدُ ، وَيَكُونَ لَمَّا كَانَ أَدْنَاهُمْ وَكَانَ أَمَانُهُ جَائِزًا عَلَيْهِمْ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْهُ ، وَأَنْ يَكُونَ مَا كَانَ مِنْ خِطَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ مِنْ هَذَا إعْلَامًا لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْجِوَارَ لَمَّا كَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَانَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ أَحْرَى .
ثُمَّ تَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ : فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمَعْنَى لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ فَيَكُونُ الْكَافِرُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ هُوَ الْكَافِرُ غَيْرُ ذِي الْعَهْدِ ، وَهُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّ الْمُؤْمِنَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا ، وَمِمَّنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْكَافِرُ الْمُعَاهَدُ لَا يُقْتَلُ فِي عَهْدِهِ عَلَى كَلَامٍ مُسْتَقْبَلٍ بَعْدَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ، وَبَعْدَ انْقِطَاعِ مَعْنَاهُ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَتَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَقْتُلْ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ ، وَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ مُعَاهَدٍ فَأَمَّا تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ { لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِعَهْدِهِ } فَإِنَّا لَا نَرْوِي عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَلَمَّا أَشْكَلَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْنَا وَوَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا تَأَمَّلْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِيهِ ، أَوْ عَلَى كَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بِمَعْنَى وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَوَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ ذَا الْعَهْدِ جَائِزٌ قَتْلُهُ بِمَنْ يَقْتُلُهُ قَوَدًا بِهِ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ عَلَى حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ مَا كَانَ فِي عَهْدِهِ ، وَلَمَا وَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ فِي عَهْدِهِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ .
عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَنْ لَا يُقْتَلَ فِي عَهْدِهِ إنَّمَا هُوَ بِأَنْ لَا يُقْتَلَ بِمَعْنًى خَاصٍّ ، وَلَا خَاصَّ فِي هَذَا غَيْرُ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ انْعَطَفَ عَلَيْهِ فَصَارَ الْمُرَادُ بِأَنْ لَا يُقْتَلَ أَيْ : بِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُؤْمِنُ الْمَذْكُورُ قَتْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَعَادَ مَعْنَى قَوْلِهِ { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } إلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ ، وَذُو الْعَهْدِ كَافِرٌ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْكَافِرُ غَيْرُ ذِي الْعَهْدِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِمَعْنَاهُ لَوْ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ
وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ كَمِثْلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } بِمَعْنَى : وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ، وَهَذَا قَوْلٌ النَّظَرُ يُوجِبُهُ ، وَالْقِيَاسُ يَشُدُّهُ ؛ لِأَنَّا رَأَيْنَا ذَا الْعَهْدِ حَرُمَ دَمُهُ بِعَهْدِهِ كَمَا حَرُمَ مَالُهُ بِعَهْدِهِ ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ حَلَالَ الدَّمِ حَلَالَ الْمَالِ ، ثُمَّ صَارَ بِالْعَهْدِ حَرَامَ الدَّمِ حَرَامَ الْمَالِ ، وَكَانَ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِهِ مَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي مِثْلِهِ قُطِعَ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إذَا سَرَقَهُ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْمَالِ بِالْعَهْدِ كَحُرْمَتِهَا بِالْإِسْلَامِ فِيمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً ، أَوْ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ عَلَى مُنْتَهِكِهَا كَالْعُقُوبَةِ عَلَى مُنْتَهِكِ مِثْلِهَا مِمَّا قَدْ حَرُمَ بِالْإِسْلَامِ .
وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الدِّمَاءِ كَذَلِكَ ، وَأَنْ يَكُونَ الدَّمُ الَّذِي قَدْ حَرُمَ بِالْعَهْدِ كَالدَّمِ الَّذِي قَدْ حَرُمَ بِالْإِسْلَامِ ، وَأَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ بِانْتِهَاكِهِ لِحُرْمَتِهِ بِالْعَهْدِ كَالْعُقُوبَةِ فِي انْتِهَاكِهِ مِثْلَهُ لِحُرْمَتِهِ بِالْإِسْلَامِ ، بَلْ قَدْ رَأَيْنَا حُرْمَةَ الدِّمَاءِ فِي هَذَا فَوْقَ حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْعَبْدَ يَسْرِقُ مَالَ مَوْلَاهُ فَلَا يُقْطَعُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَرَقَهُ مِنْ حِرْزٍ وَرَأَيْنَاهُ يَقْتُلُ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَيُقْتَلُ فَكَانَ الدَّمُ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْحُرْمَةِ أَغْلَظَ مِنْ الْمَالِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْحُرْمَةِ ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَكَانَتْ الْعُقُوبَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا فِي غَيْرِ الْأَوْكَدِ سَوَاءً ، كَانَتْ الْعُقُوبَةُ فِي الْأَوْكَدِ مِنْهُمَا فِيمَا حَرُمَ بِالْإِسْلَامِ وَفِيمَا حَرُمَ بِالذِّمَّةِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَا سَوَاءً أَوْ أَنْ تَكُونَ
الْعُقُوبَةُ فِي انْتِهَاكِ الدِّمَاءِ الْمُحَرَّمَةِ بِالْمِلَّةِ وَبِالذِّمَّةِ سَوَاءً كَالْعُقُوبَةِ فِي الْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ بِالْمِلَّةِ وَالذِّمَّةِ الَّتِي قَدْ جُعِلَتْ سَوَاءً .
فَقَالَ قَائِلٌ فَهَلْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ ذِي الْعَهْدِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قِيلَ لَهُ نَعَمْ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ : قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْ الْعِبَادِ فَذَهَبَ أَخُوهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ يُقْتَلَ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : اُقْتُلْ حُنَيْنُ ، فَيَقُولُ : حَتَّى يَجِيءَ الْغَيْظُ ، قَالَ : فَكَتَبَ أَنْ يُودَى وَلَا يُقْتَلَ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَهَذَا عُمَرُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ فَقَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُودَى وَلَا يُقْتَلَ ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَانَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَا كَانَ مِنْ أَخِي الْمَقْتُولِ ، لَمَّا أُبِيحَ لَهُ قَتْلُ قَاتِلِ أَخِيهِ بِأَخِيهِ ، فَكَانَ يَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَجِيءَ الْغَيْظُ فَدَخَلَتْ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ مِنْهُ احْتَمَلَتْ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ مِنْهُ بِمَعْنَى الْعَفْوِ عَنْ قَاتِلِ أَخِيهِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْغَيْظُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَفْوُ فِي تِلْكَ الْحَالِ بُطْلَانًا لِحَقِّهِ فِيهَا وَفِيمَا بَعْدَهَا ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا لَا عَفْوَ فِيهِ فِيهَا وَلَا فِيمَا بَعْدَهَا فَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِدَرْءِ الْقَوَدِ وَإِيجَابِ الدِّيَةِ مَكَانَهُ ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ دُخُولِ الشُّبَهِ بِدَرْءِ الْقَوَدِ ، وَيُوجِبَ الدِّيَاتِ مَكَانَهَا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ جَوَابًا لِابْنِ عُمَرَ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ أَخْذِهِ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ صَرْفِ يَوْمِكُمَا وَافْتَرَقْتُمَا ، وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ } حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ قَالَ ثنا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ يَعْنِي : عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ { ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي حُجْرَةِ حَفْصَةَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ رُوَيْدَك أَسْأَلُك إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالنَّقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ صَرْفِ يَوْمِكُمَا وَافْتَرَقْتُمَا ، وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ } .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ ثنا إسْرَائِيلُ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ { لَا بَأْسَ إذَا أَخَذْت بِسِعْرِ يَوْمِكَ } .
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي ( ح ) وَحَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ( ح ) وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالُوا ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْجُدِّيُّ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الرَّبِيعِ اللُّؤْلُؤِيُّ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ أَبُو بِشْرٍ ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ ذَكَرُوا جَمِيعًا مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَاءَ بِهِ عَلَى لَفْظِ حَدِيثِ أَبِي أُمَيَّةَ وَجَاءَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى لَفْظِ حَدِيثِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ ، فَقَالَ
قَائِلٌ مَا مَعْنَى سِعْرِ الْيَوْمِ الَّذِي يَتَصَارَفَانِ فِيهِ ، وَقَدْ رَأَيْنَا الْبِيَاعَاتِ تَجُوزُ بَيْنَ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا وَبِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهَا ، وَبِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهَا لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَفِي جَوَازِهِ وَفِي اسْتِقَامَتِهِ ، فَمَا بَالُ سِعْرِ يَوْمِهَا اُلْتُمِسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي سُؤَالِهِ إيَّاهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْوَرَعِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا سَأَلَهُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ لَوْ جَرَى بِخِلَافِهِ فِيمَا سَأَلَهُ عَنْهُ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَوُجُوبِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ دَنَانِيرُ عَلَى رَجُلٍ أَوْ كَانَتْ لَهُ دَرَاهِمُ فَجَاءَ يَطْلُبُهَا مِنْهُ ، فَبَدَّلَ لَهُ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ أَوْ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ ، وَدَعَاهُ إلَى أَخْذِهَا بِاَلَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهَا جَازَ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ مِنْهُ أَنْ يَهْضِمَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ بِإِعْطَائِهِ بِهِ غَيْرَهُ وَتَدْعُو الضَّرُورَةُ صَاحِبَ الدَّيْنِ إلَى أَخْذِ ذَلِكَ ، وَاحْتِمَالِ الضَّيْمِ فِيهِ وَالْهَضِيمَةِ مِنْ دَيْنِهِ فَعَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ مَا يَكُونُ إذَا فَعَلَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَأَنْ يَكُونَ يَعْتَبِرُ سِعْرَ يَوْمِهِ فِيمَا يُعْطِيهِ غَرِيمُهُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ مَا يُعْطِيهِ فَإِنْ كَانَ مَا يُعْطِيهِ سِعْرَ يَوْمِهِ يَهْنَأُ لِغَرِيمِهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ إلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْبَاعَةِ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ بِمِثْلِ دَيْنِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ فَيَنْصَرِفُ مَوْفُورًا وَيَصِيرُ أَخْذُهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ غَرِيمِهِ كَأَخْذِهِ إيَّاهُ مِنْ غَرِيمِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَادَ إلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ .
وَاسْتَوَى أَخْذُهُ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ
غَرِيمِهِ ، وَأَخْذُهُ إيَّاهُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ غَرِيمِهِ وَإِذَا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ سِعْرِ يَوْمِهِ خِلَافَ دَيْنِهِ مِمَّا إذَا تَحَوَّلَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبَاعَةِ ، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِهِ مِثْلَ دَيْنِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ لَمْ يُعْطِهِ ذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الْهَضِيمَةِ فَعَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ التَّوَرُّعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَاسْتِعْمَالَ مَا لَا هَضِيمَةَ فِيهِ عَلَى غَرِيمِهِ ، وَمَا يَسْتَطِيعُ غَرِيمُهُ أَنْ يَتَعَوَّضَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِثْلَ دَيْنِهِ لَا مَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ، وَهَذِهِ حِكْمَةٌ جَلِيلَةٌ لَا يَحْتَمِلُهَا إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ الَّتِي يَنْبَغِي لِذِي الْمُعَامَلَاتِ أَنْ لَا يَعْدُوَهَا فِي مُعَامَلَاتِهِمْ إلَى مَا سِوَاهَا مِنْ أَضْدَادِهَا ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُعَائِهِ لِأَهْلِ مَدِينَتِهِ أَنْ يُبَارَكَ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ } ) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَفِي مُدِّهِمْ يَعْنِي : أَهْلَ الْمَدِينَةِ } حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إبْرَاهِيمُ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهُمْ ، وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ وَدَعَوْت لَهُمْ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يُبَارَكَ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { : كَانَ النَّاسُ إذَا رَأَوْا الثَّمَرَ جَاءُوا بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّهُ دَعَا لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ ، قَالَ ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الْآثَارَ وَمَا فِيهَا مِنْ قَصْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُعَائِهِ بِالْبَرَكَةِ إلَى الصَّاعِ وَالْمُدِّ وَالْمِكْيَالِ فَكَانَ
ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إرَادَةً مِنْهُ بِهِ الْبَرَكَةَ فِيمَا يُكَالُ بِالصَّاعِ وَالْمُدِّ وَالْمِكْيَالِ مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي هِيَ أَمْوَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَمِنْهَا عَيْشُ سَاكِنِيهَا ، وَكَانَ قَصْدُهُ بِذَلِكَ إلَى الصَّاعِ وَالْمُدِّ وَالْمِكْيَالِ قَصْدًا مِنْهُ إلَى الْمَكِيلِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَمِثْلُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا } وَكَانَتْ الْمَدِينَةُ دَارَ الثِّمَارِ لَا مَا سِوَاهَا ، فَقَصَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّعَاءِ لِأَهْلِ تِلْكَ الثِّمَارِ بِالْبَرَكَةِ فِيمَا يَعْتَبِرُونَ ثِمَارَهُمْ ، وَفِيمَا يَبِيعُونَهَا بِهِ ، وَفِيمَا يَقْضُونَ دَيْنَهُمْ مِنْهَا بِهِ ، وَفِيمَا يَعُولُونَ بِهِ مَنْ يَعُولُونَهُ ، وَلَمْ تَكُنْ دَارَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ سِوَى الْمَكَايِيلِ مِنْ الْمَوَازِينِ ، فَيَحْتَاجُوا إلَى الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ فِي مَوَازِينِهِمْ كَمَا احْتَاجَ إلَى الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ فِي مَكَايِيلِهِمْ ، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةٍ } ) .
حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ ثنا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا ثَمَرَةٌ وَلَا زَرْعٌ حِينَئِذٍ ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } .
وَإِنَّمَا كَانَتْ بَلَدَ مَتْجَرٍ يُوَافِي الْحَاجُّ إلَيْهِ بِالتِّجَارَاتِ فَيَبِيعُونَهَا هُنَاكَ بِالْأَثْمَانِ الَّتِي تُبَاعُ بِهَا التِّجَارَاتُ ، وَكَانَتْ الْمَدِينَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا دَارُ النَّخْلِ وَمِنْ ثِمَارِهَا حَيَاتُهُمْ ، وَكَانَتْ الصَّدَقَاتُ تَدْخُلُهَا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهَا مِنْ الصَّدَقَةِ يُؤْخَذُ كَيْلًا فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْصَارَ كُلَّهَا لِهَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ أَتْبَاعًا ، وَكَانَ النَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَى الْوَزْنِ فِي أَثْمَانِ مَا يَتَبَايَعُونَ ، وَفِيمَا سِوَاهَا مِمَّا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ مِنْ التَّرْوِيجَاتِ وَمِنْ الْعُرُوضِ وَمِنْ أَدَاءِ الزَّكَوَاتِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُسْلِمُونَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَأْكُلُونَهَا ، وَكَانَتْ السُّنَّةُ قَدْ مَنَعَتْ مِنْ إسْلَامِ مَوْزُونٍ فِي مَوْزُونٍ وَمِنْ إسْلَامِ مَكِيلٍ فِي مَكِيلٍ وَأَجَازَتْ إسْلَامَ الْمَكِيلِ فِي الْمَوْزُونِ وَالْمَوْزُونِ فِي الْمَكِيلِ وَمَنَعَتْ مِنْ بَيْعِ الْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَمِنْ بَيْعِ الْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَ الْمَوْزُونُ فِي ذَلِكَ أَصْلُهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ يَوْمَ قَالَ لَهُمْ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ وَكَانَ الْمَكِيلُ فِي ذَلِكَ أَصْلُهُ مَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَتَغَيَّرُ عَنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ غَيَّرَهُ النَّاسُ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ إلَى مَا سِوَاهُ مِنْ ضِدِّهِ فَيَرْجِعُونَ بِذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَاتِ الَّتِي لَهَا حُكْمُ الْمِكْيَالِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَكَايِيلِ فِيهَا يَوْمَئِذٍ وَإِلَى الْأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَاتِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمِيزَانِ فِيهَا يَوْمَئِذٍ وَأَنَّ أَحْكَامَهَا لَا تَتَغَيَّرُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَا تَنْقَلِبُ عَنْهَا إلَى أَضْدَادِهَا وَمِنْ هَذَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ مَا لَزِمَهُ اسْمُ مَخْتُومٍ أَوْ اسْمُ قَفِيزٍ أَوْ اسْمُ مَكُّوكٍ أَوْ اسْمُ مُدٍّ أَوْ اسْمُ صَاعٍ فَهُوَ كَيْلٌ يَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْكَيْلِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا وَأَنَّ كُلَّ مَا لَزِمَهُ اسْمُ الرِّطْلِ وَالْوُقِيَّةِ فَهُوَ وَزْنٌ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الرَّبِيعِ اللُّؤْلُؤِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُحْكَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابُ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَبِّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَعِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ جَمِيعًا ، قَالَا : ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو وَهُوَ ابْنُ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَحَبُّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يُفْطِرُ يَوْمًا وَيَصُومُ يَوْمًا ، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ } .
وَحَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَحَبُّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ ، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَرْقُدُ شَطْرَ اللَّيْلِ ثُمَّ يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ بَعْدَ شَطْرِهِ ثُمَّ يَرْقُدُ آخِرَهُ } فَقُلْت لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ كَانَ يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ بَعْدَ شَطْرِهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْهُ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ قَالَ ثنا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : صَلَاةٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ فَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ قَالَ : شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ } قَالَ فَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي يُدْعَى الْمُحَرَّمَ ، فَكَيْفَ يَكُونُ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صَوْمِ سِوَاهُ مِمَّا هُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ صَوْمَ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُصَامُ فِيهَا التَّطَوُّعُ ، فَكَانَ ذَلِكَ صَوْمًا خَاصًّا فِي وَقْتٍ مِنْ الدَّهْرِ خَاصٍّ ، وَكَانَ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ صَوْمًا دَائِمًا ، وَكَانَ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَدْوَمَهَا وَإِنْ قَلَّ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَكَانَ تَصْحِيحُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ مَعَ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ فَضْلَ الْوَقْتِ ، وَكَانَ مَعَ الصَّوْمِ الْآخَرِ الدَّوَامُ ، فَكَانَ بِذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ وَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ لِدَوَامِ الَّذِي مَعَهُ ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَوْقَاتِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي يُتَطَوَّعُ بِالصَّوْمِ لَهُ فِيهَا هُوَ الْمُحَرَّمُ ، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ مَا مُرَادُهُ بِذَلِكَ الْقِيرَاطِ ) .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ سَمِعْت أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ ؛ فَاخْرُجْ مِنْهَا } قَالَ فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا فَقَالَ قَائِلٌ كَيْف تَقْبَلُونَ هَذَا ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ ذِكْرَ الْقِيرَاطِ جَارِيًا عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ جَمِيعًا وَمَذْكُورًا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ سِوَى الْبَلَدِ الَّذِي أُضِيفَ ذَلِكَ الْقِيرَاطُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَى أَهْلِهِ ، وَتَجِدُونَ ذِكْرَهُ أَيْضًا فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْرَقِيُّ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَاعِيَ غَنَمٍ قَالُوا وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ كُنْت أَرْعَى بِالْقَرَارِيطِ } وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ مَشَى مَعَ جِنَازَةٍ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا أَنَّ لَهُ قِيرَاطًا ، وَأَنَّهُ إنْ انْتَظَرَ دَفْنَهَا كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ
صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ } .
وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ فِي ذِكْرِ الْقِيرَاطِ كَمَا وَصَفَ ، وَالْقِيرَاطُ الْمُرَادُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي رَوَيْنَا لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْقَرَارِيطِ الْمَذْكُورَاتِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الَّتِي وَعَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِافْتِتَاحِهَا ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَهْلَهَا وَرَحِمَهُمْ بِهِ وَأَوْصَاهُمْ بِهِمْ خَيْرًا وَهِيَ مِصْرُ وَمَوْجُودٌ فِي كَلَامِ أَهْلِهَا أَعْطَيْت فُلَانًا قَرَارِيطَهُ إذَا سَمَّعَهُ مَا يَكْرَهُهُ وَإِذَا خَاطَبَهُ بِمَا لَا يُحِبُّ مُخَاطَبَتَهُ بِهِ ، وَيُحَذِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَقُولُ اذْهَبْ عَنِّي لَا أُعْطِيكَ قَرَارِيطَكَ يَعْنِي : سِبَابَكَ وَإِسْمَاعَكَ الْمَكْرُوهَ الَّذِي لَا تُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَهُ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَوْجُودٍ فِي كَلَامِ أَهْلِ مَدِينَةٍ سِوَى أَهْلِ مِصْرَ فَكَانَ إعْلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَوَعْدُهُ إيَّاهُمْ بِفَتْحِ مَدِينَتِهِمْ الَّتِي يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فِيهَا ، وَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ سَتَقَعُ عَلَيْهَا حَتَّى يَكُونُوا ذِمَّةً لَهُمْ وَحَتَّى يَسْتَعْمِلُوا فِيهِمْ مَا أَمَرَهُمْ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِمْ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِيرَاطِ الْمُسْتَحَقِّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ هَلْ هُوَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا خَاصَّةً أَوْ بِمَا سِوَاهُ مَعَهُ مِنْ تَشْيِيعِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا ) حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد وَفَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ جَمِيعًا قَالَا ثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ أَتَى الْجِنَازَةَ عِنْدَ أَهْلِهَا فَمَشَى بِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ مِثْلُ أُحُدٍ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ جَاءَ جِنَازَةً فَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَإِنْ مَضَى مَعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ مِثْلُ أُحُدٍ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَعِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِثْلَ أُحُدٍ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْقِيرَاطَانِ ؟ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي عَلَيْهَا ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَلَمَّا
بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَقَدْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ( ح ) وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْت نَافِعًا قَالَ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { : مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ } فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَكْثَرَ عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا فَصَدَّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ مَشَى مَعَ جِنَازَةٍ حَتَّى تَفْرُغَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ ، وَمَنْ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، قَالَ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْقِيرَاطُ ؟ قَالَ مِثْلُ أُحُدٍ } حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ ثنا عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ بُرْدِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ سَمِعْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ شَيَّعَ جِنَازَةً حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ مَشَى مَعَ جِنَازَةٍ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ قِيرَاطَانِ وَالْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ } .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ قَالَ مَنْ مَشَى مَعَ جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ فَإِنْ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ وَالْقِيرَاطَانِ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُزَاحِمٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ انْتَظَرَ حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ : وَمَا الْقِيرَاطَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ } حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِهِ مِنْ أُحُدٍ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِنْ الثَّوَابِ الْمَذْكُورِ فِيهَا لِلْمُصَلِّينَ عَلَى الْجِنَازَةِ هُوَ بِالتَّشْيِيعِ لَهَا مِنْ أَهْلِهَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ لَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا خَاصَّةً غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى ذَكَرَ الْمَشْيَ مَعَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَفِي ذَلِكَ إحَاطَتُنَا عِلْمًا أَنَّ الْمُشَيِّعَ لَهَا بِالرُّكُوبِ مَعَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْمَاشِي مَعَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى الرَّاكِبِ اخْتِيَارًا مَعَ إطَاقَتِهِ الْمَشْيَ ، فَأَمَّا الرَّاكِبُ اضْطِرَارًا لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَشْيِ فَكَالْمَاشِي مَعَهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آثَارٌ فِي
هَذَا الْمَعْنَى بِاسْتِحْقَاقِ هَذَا الثَّوَابِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا غَيْرُ مَذْكُورٍ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ ثنا ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ ( ح ) وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ ، وَالْقِيرَاطَانِ مِثْلُ أُحُدٍ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى قَالَ ثنا مُسَدَّدٌ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ ، وَالْقِيرَاطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ انْتَظَرَ حَتَّى يُقْضَى قَضَاؤُهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَاتَّبَعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَّبِعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ مِثْلُ أُحُدٍ } فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ فَهَذِهِ الْآثَارُ فِيهَا ذِكْرُ اسْتِحْقَاقِ الْقِيرَاطِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ خَاصَّةً أَفَتَجْعَلُونَ هَذَا مُضَادًّا لِمَا فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ مِنْ
اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الْقِيرَاطِ أَنَّهُ بِالْمَشْيِ مَعَهَا مِنْ أَهْلِهَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا لَا بِدُونِ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ : لَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا بِتَضَادٍّ وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى حِفْظِ بَعْضِ رُوَاتِهَا لِمَا أَغْفَلَهُ بَقِيَّتُهُمْ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ ذَلِكَ الْقِيرَاطَ هُوَ بِالْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ مِنْ أَهْلِهَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا ، وَيَكُونُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَشْيِ مَعَهَا إغْفَالًا مِنْ رُوَاتِهَا ، وَمَنْ حَفِظَ شَيْئًا كَانَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَهَلْ جُزْءُ الْقِيرَاطِ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مَوْجُودٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : مَا وَجَدْنَا لِذَلِكَ ذِكْرًا فِي شَيْءٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِ شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ قَدْ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ النُّعْمَانِ الْمَكِّيُّ قَالَ ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي قَالَ ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الدِّينَارُ كَنْزٌ وَالدِّرْهَمُ كَنْزٌ وَالْقِيرَاطُ كَنْزٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَمَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُمَا فَمَا الْقِيرَاطُ قَالَ نِصْفُ دِرْهَمٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ } فَكَانَ ذَلِكَ مِقْدَارَ الْقِيرَاطِ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الصَّرْفَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ عَدْلُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا عَلَى مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ مَنْ يَجْعَلُ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا .
وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُ الدِّيَةَ مِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَدْلَ الدِّينَارِ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ عِنْدَهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، وَعَلَى أَنَّ الْقَرَارِيطَ جُمْلَتُهَا الدِّينَارُ كَانَ عِنْدَهُمْ عِشْرِينَ قِيرَاطًا ، وَكَانَ
الْقِيرَاطُ مِنْهَا نِصْفَ دِرْهَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ كَانَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ فَهَلْ وَجَدْتُمْ لِلشَّيْءِ الَّذِي الْقِيرَاطُ مِنْهُ ذِكْرَ مِقْدَارٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ ؟ قِيلَ لَهُ : مَا وَجَدْنَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا هُوَ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخْفَى ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَهُ أَهْلُهُ إذَا لَقَوْهُ عَزَّ وَجَلَّ { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَسْرِ عَظْمِ الْمَيِّتِ ) حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَسْرُ عِظَامِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عِظَامِ الْحَيِّ } حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ ثنا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمُؤْمِنِ مَيِّتًا مِثْلُ كَسْرِهِ حَيًّا } .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ أَنْبَأَ سُفْيَانُ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ مَيِّتًا كَكَسْرِهِ حَيًّا } فَقَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِتَأْوِيلِ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْزَمُكُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ تَجْعَلُوا فِي كَسْرِ عِظَامِ الْمَوْتَى مِثْلَ الَّذِي تَجْعَلُونَهُ فِي كَسْرِ الْأَحْيَاءِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَلْزَمَنَاهُ لَا يَلْزَمُنَا ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا عَظْمَ الْحَيِّ لَهُ حُرْمَةٌ ؛ وَفِيهِ حَيَاةٌ يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ سَبَبًا لِإِخْرَاجِهَا مِنْهُ وَإِعَادَتِهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَى الْمَوَاتِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقِصَاصِ ، وَمِنْ أَرْشٍ وَكَانَ عَظْمُ الْمَيِّتِ لَا حَيَاةَ فِيهِ وَلَهُ حُرْمَةٌ ، فَكَانَ كَاسِرُهُ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ كَكَاسِرِ عَظْمِ الْحَيِّ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْكَسْرُ إخْرَاجَ الْحَيَاةِ مِنْهُ حَتَّى عَادَ بِهَا مَوَاتًا كَمَا يَكُونُ فِي كَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ كَذَلِكَ فَانْتَفَى السَّبَبُ الَّذِي يُوجِبُ فِي كَسْرِ
عَظْمِ الْحَيِّ مَا يُوجِبُ مِنْ قِصَاصٍ وَمِنْ دِيَةٍ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ ، وَكَانَتْ حُرْمَتُهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَوَاتًا لَمَّا كَانَتْ بَاقِيَةً كَانَ مُنْتَهِكُهَا بَعْدَ أَنْ صَارَ مَوَاتًا كَهُوَ فِي انْتِهَاكِهَا لَمَّا كَانَ حَيًّا ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ) .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ وَهْبِ بْنِ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ وَإِنْ بَدَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَقَامَ إلَيْهَا ، ثُمَّ رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ } .
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَوَارِبِيُّ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ ثنا خَالِدٌ وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهْبُ بْنُ حُذَيْفَةَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ، وَقَالَ مَرَّةً مَنْ قَعَدَ مَقْعَدَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ } .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى قَالَ ثنا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } فَقَالَ قَائِلٌ
أَفَيَكُونُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ مِنْ النَّاسِ إذْ كَانَ ذَلِكَ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْمَجَالِسَ الْعَامِّيَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَاتٍ لَا الْمَجَالِسَ الْخَاصِّيَّةَ الْمَمْلُوكَاتِ كَالْمَسَاجِدِ وَكَالصَّحَارِيِ الَّتِي يَنْزِلُهَا النَّاسُ ، وَكَالْمَوَاضِعِ مِنْ الْأَمْصَارِ الْمَأْذُونِ لِلنَّاسِ فِيهَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَوْدَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيَامِ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُرِيدَ الْعَوْدُ إلَيْهِ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرَ ، وَلَكِنَّهُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي قَامَ عَنْهُ صَاحِبُهُ الْقِيَامَ الَّذِي لَمْ يُرِدْ بِهِ تَرْكَهُ إنَّمَا قَامَ لِأَمْرٍ عَرَضَ لَهُ عَلَى أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَيَرْجِعَ إلَى الْجُلُوسِ فِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ قِيَامِهِ عَنْهُ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِمَجْلِسِهِ ذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَ هُوَ وَسَائِرُ النَّاسِ فِيهِ سَوَاءً مَنْ سَبَقَ مِنْهُمْ إلَيْهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
( بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا صَرُورَةً فِي الْإِسْلَامِ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَزْرَقُ قَالَ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي الْخُوَارِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَلَمْ نَجِدْ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهَا فَمِنْهَا مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا صَرُورَةً فِي الْإِسْلَامِ إنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْطِمُ وَجْهَ الرَّجُلِ وَيَقُولُ إنَّهُ صَرُورَةً فَقِيلَ لِعِكْرِمَةَ وَمَا الصَّرُورَةُ قَالَ يَقُولُونَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ وَمِنْهُ مَا قَدْ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْن عَبَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ } قَالَ سُفْيَانُ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إذَا لَمْ يَحُجَّ هُوَ صَرُورَةً ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَرُورَةً فِي الْإِسْلَامِ .
وَمِنْهُ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ ثنا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ قَالَ ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا صَرُورَةً فِي الْإِسْلَامِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْطِمُ وَجْهَ الرَّجُلِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، ثُمَّ يَقُولُ إنِّي صَرُورَةً فَيُقَالَ ذَرُوا صَرُورَةً وَجَهْلَهُ ، وَلَوْ أَلْقَى سُلَاحَهُ فِي رَحْلِهِ قُلْت لِعِكْرِمَةَ وَمَا الصَّرُورَةُ ؟ قَالَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ ، أَوْ قَالَ وَلَمْ يُضَحِّ أَوْ كَمَا قَالَ .
وَمِنْهُ مَا يُرْوَى مَوْقُوفًا عَنْ عِكْرِمَةَ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ بِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ صَرُورَةً .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الصَّرُورَةِ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ فِي الْإِسْلَامِ مَا هِيَ فَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ فَهْدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْطِمُ وَجْهَ الرَّجُلِ ، وَيَقُولُ إنَّهُ صَرُورَةً فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَلْطُومُ هُوَ الصَّرُورَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ ، وَاحْتُمِلَ أَنَّ اللَّاطِمَ هُوَ الصَّرُورَةُ فَيُعْذَرُ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَقِفَ عَلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ اللَّاطِمَ هُوَ الْمُرَادُ فِي ذَلِكَ لَا الْمَلْطُومَ وَأَجَازَ لَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْقَلَانِيُّ مَا ذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْغَلَّابِيَّ حَدَّثَهُ إيَّاهُ قَالَ ثنا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي : الزُّبَيْرِيَّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يَلْطِمُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقُولُ أَنَا صَرُورَةً فَيَقُولُ دَعُوا الصَّرُورَةَ بِجَهْلِهِ وَإِنْ رَمَى بِجَعْرِهِ فِي رَحْلِهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ } فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَحْقِيقُ مَا ذَكَرْنَا .
ثُمَّ احْتَجْنَا أَنْ نَقِفَ عَلَى إبَاحَةِ هَذَا الِاسْمِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي مَنْ لَمْ يَحُجَّ أَوْ فِي كَرَاهَتِهِ ، وَالنَّهْيِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ } فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ يُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يَبْقَى فِي الْإِسْلَامِ أَحَدٌ حَتَّى يَحُجَّ ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ انْقِطَاعُ هَذَا الِاسْمِ عَنْ النَّاسِ جَمِيعًا فِي الْإِسْلَامِ فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الرَّجُلَ قَدْ يَعْجَزُ عَنْ الْحَجِّ إمَّا لِزَمَانَةٍ فِي بَدَنِهِ ، وَإِمَّا لِقِلَّةٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ وَلَا يَحُجُّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَيَكُونُ مَنْ حَمَلَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ } .
أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ بَعِيدًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُتَخَلِّفَ عَنْ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانَ تَخَلُّفُهُ عَجْزًا لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا بِذَلِكَ أَوْ يَكُونَ هَذَا الِاسْمُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا مِمَّا أُرِيدَ بِهِ ذَمُّ مَنْ يُسَمَّى بِهِ يَلْزَمُهُ ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَا التَّأْوِيلُ عَقَلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ أَنْ لَا يُقَالَ هَذَا الْقَوْلُ لِأَحَدٍ ، وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي حَدِيثِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ صَرُورَةً وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعًا مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُنَا لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ .
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إنِّي صَرُورَةً فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِصَرُورَةٍ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ بِشْرٍ أَبِي إسْمَاعِيلَ قَالَ قُلْت لِعَامِرٍ الصَّرُورَةُ ، فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ الصَّرُورَةُ ؟ لَيْسَ الصَّرُورَةُ شَيْئًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا أَوْلَى عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الصَّرُورَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الصَّرُّ عَلَى شَيْءٍ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَمَنْ كَانَ تَخَلُّفُهُ عَنْ الْحَجِّ لَيْسَ لِإِصْرَارِهِ عَلَى أَنْ لَا يَحُجَّ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِعَجْزٍ أَوْ لِمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْحَجِّ عَنْهُ ، فَلَيْسَ صَاحِبُهُ بِمُصِرٍّ الْإِصْرَارَ الْمَذْمُومَ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُصِرًّا لَمْ يَكُنْ صَرُورَةً فَأَمَّا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إبَاحَةُ هَذَا الْقَوْلِ .
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ قَالَ ثنا حَجَّاجٌ قَالَ ثنا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ كَانَ عَطَاءٌ يُقَالُ لَهُ الصَّرُورَةُ فَلَا يُنْكِرُهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ هَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ بِحَالٍ مَذْمُومَةٍ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } ) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ { جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا ، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَاسْتَفَاءَهُ فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا ، وَلَا يُنْكَحَانِ إلَّا وَلَهُمَا مَالٌ ، فَقَالَ سَيَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ الْمِيرَاثِ فَبَعَثَ إلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَلَكَ مَا بَقِيَ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَآيَةُ الْمِيرَاثِ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } الْآيَةَ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي دَاوُد بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّ امْرَأَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَعْدًا هَلَكَ وَتَرَكَ ابْنَتَيْهِ وَأَخَاهُ فَعَمَدَ أَخُوهُ فَقَبَضَ مَا تَرَكَ سَعْدٌ ، وَإِنَّمَا تُنْكَحُ النِّسَاءُ عَلَى أَمْوَالِهِنَّ فَلَمْ يُجِبْهَا فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ جَاءَتْهُ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنَتَا سَعْدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُدْعِي أَخَاهُ فَجَاءَ فَقَالَ : ادْفَعْ إلَى ابْنَتَيْهِ الثُّلُثَيْنِ وَإِلَى امْرَأَتِهِ الثُّمُنَ وَلَكَ مَا بَقِيَ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ عَزَّ
وَجَلَّ { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } فَكَانَ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إنَّمَا جُعِلَ لِمَنْ فَوْقَ الِاثْنَتَيْنِ مِنْ الْبَنَاتِ لَا الِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ قَوْمٌ ، وَذَهَبُوا إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي الِاثْنَتَيْنِ مِنْ الْبَنَاتِ أَنَّ لَهُمَا النِّصْفَ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِمَا كَمَا يَكُونُ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ الْبَنَاتِ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِمَا ، وَأَنَّ الثُّلُثَيْنِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْبَنَاتِ مَنْ كَانَ عَدَدُهُ فَوْقَ الِاثْنَتَيْنِ ثَلَاثٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ نَجِدْهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ .
وَوَجَدْنَا قَوْلَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ بَعْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى خِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } فِي هَذَا عِنْدَهُمْ فِي مَعْنَى فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً اثْنَتَيْنِ ، وَقَوْلُهُ فَوْقَ صِلَةٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ } فِي مَعْنَى فَاضْرِبُوا الْأَعْنَاقَ ، وَقَالَ { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ } وَهِيَ الْأَعْنَاقُ وَفَوْقَ صِلَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ هُوَ عِظَامُ الرَّأْسِ ، وَلَيْسَتْ الْأَعْنَاقُ مِنْهَا فِي شَيْءٍ وَالضَّرْبُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ هُوَ ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ لَا مَا سِوَاهَا .
وَوَجَدْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ تَوْرِيثِهِمْ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ مَا فِي آخِرِ السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا هَذِهِ الْآيَةُ ، وَهِيَ سُورَةُ النِّسَاءِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } فَكَانَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ
لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مِيرَاثِ أُخْتِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا جَعَلَ لِلْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ، وَكَانَتْ الْبِنْتُ أَوْكَدَ نَسَبًا مِنْ أَبِيهَا مِنْ الْأُخْتِ مِنْ أُخْتِهَا ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ } يَعْنِي مِنْ الْأَخَوَاتِ { فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } يَعْنِي : مَا تَرَكَهُ أَخُوهُمَا فَلَمَّا كَانَ لِلِاثْنَتَيْنِ مِنْ الْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَهُ أَخُوهُمَا كَانَتْ الِاثْنَتَانِ مِنْ الْبَنَاتِ فِيمَا تَرَكَهُ أَبُوهُمَا بِذَلِكَ أَوْلَى وَاسْتِحْقَاقُهُمَا إيَّاهُ مِنْهُ أَحْرَى ، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ بِهَا قَتْلَهُ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ يَعْنِي : ابْنَ أُمِّ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ } حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أُمِّ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ قَالَ ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ ، ثُمَّ وَضَعَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ } قَالَ الْفَضْلُ يَعْنِي ضَرَبَ بِهِ .
حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْلَدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ قَالَ ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا مَعْمَرٌ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ بِهَا قَتْلَهُ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ } مَا ذَلِكَ الْوُجُوبُ ؟ فَرَأَيْنَا الرَّجُلَ يَقُولُ قَدْ وَجَبَ دَيْنِي عَلَى فُلَانٍ يَعْنِي : دَيْنَهُ الَّذِي كَانَ آجِلًا فَحَلَّ لَهُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ قَدْ حَلَّ دَيْنِي عَلَى فُلَانٍ ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ أَيْ : فَقَدْ
حَلَّ دَمُهُ فَقَالَ قَائِلٌ : فَلِمَ لَمْ يَقُلْ فَقَدْ حَلَّ لَهُ دَمُهُ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّ قَتْلَهُ قَدْ حَلَّ لِلَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ بِالْحَدِيدَةِ وَلِمَنْ سِوَاهُ مِنْ النَّاسِ مِمَّا يُحَاوِلُ دَفْعَهُ عَنْهُ وَيَمْنَعُ وُقُوعَ سِلَاحَهُ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ بِالْحَدِيدَةِ لَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ عَاجِزًا بِمَا سِوَى الزَّمَانَةِ عَنْ قَتْلِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِالْحَدِيدَةِ لِيَقْتُلَهُ بِهَا أَنَّ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْقُوَّةُ أَنْ يَقْتُلَهُ حَتَّى لَا يُتِمَّ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ إشَارَتِهِ بِالْحَدِيدَةِ إلَى صَاحِبِهِ لِيَقْتُلَهُ بِهَا ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْصِدْ بِوُجُوبِ الدَّمِ إلَى الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ بِالْحَدِيدَةِ خَاصَّةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِالْحَدِيدَةِ إلَى صَاحِبِهِ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ إذَا تَمَّ مِنْهُ فِيهِ وَجَبَ دَمُهُ لِلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِالْحَدِيدَةِ فَلَمَّا كَانَ دَمُهُ يَجِبُ لَهُ بِذَلِكَ وَجَبَ لَهُ أَخْذُ دَمِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِالْحَدِيدَةِ قَبْلَ إمْضَائِهِ إيَّاهَا فِيهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابُهُ يَذْهَبُونَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَيُعِلُّونَهُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَ .
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ ثنا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ شَهَرَ السِّلَاحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ : حَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ قَالَ وَلَوْ كَانَ الَّذِي شَهَرَ السِّلَاحَ مَجْنُونًا فَشَهَرَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ دِيَتِهِ ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَهُمْ ، وَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ الَّذِي ذَكَرْنَا لَوْ تَمَّ مَا أَشَارَ بِهِ فِي الَّذِي أَشَارَ بِهِ إلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ بِهِ دَمُهُ فَلَمَّا كَانَ دَمُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ بِإِمْضَائِهِ مَا أَشَارَ بِهِ إلَيْهِ فِيهِ كَانَ بِإِشَارَتِهِ إلَيْهِ أَحْرَى
أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ بِذَلِكَ دَمُهُ .
وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ ، وَمَا تَأَوَّلَهُ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى فِي قَوْلِهِ ثُمَّ وَضَعَهُ أَنَّهُ عَلَى وَضْعِهِ إيَّاهُ فِي الَّذِي شَهَرَهُ عَلَيْهِ ، فَذَلِكَ تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلَّذِي أُشِيرَ بِهِ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ مَا أُشِيرَ بِهِ إلَيْهِ فِيهِ حِلًّا كَانَ بَعْدَ وَضْعِهِ إيَّاهُ فِيهِ أَحْرَى أَنْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ مُخَالَفَةً لِذَلِكَ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أَنْبَأَ يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ شَهَرَ سَيْفَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَطَعَ بِهِ يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ السَّيْفُ قَالَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِهِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خِلَافًا لِهَذَا الْحَدِيث ، وَلَكِنَّهُ عَلَى أَنَّ الشَّاهِرَ عَلَيْهِ السَّيْفَ لَمَّا قَطَعَ يَدَهُ كَفَّ عَنْ إشْهَارِهِ إيَّاهُ عَلَيْهِ ، فَحَرُمَ بِذَلِكَ قَتْلُهُ عَلَى الَّذِي شَهَرَ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ قَطْعِهِ يَدَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِمَّا شَهَرَ بِهِ سَيْفَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ بِذَلِكَ فِي حُكْمِهِ قَبْلَ قَطْعِهِ يَدَهُ وَفِي أَسْوَإِ حَالٍ مِنْهُ وَمَعْقُولٌ فِيهِ أَنَّ حِلَّ دَمِهِ لَهُ حِينَئِذٍ فَوْقَ حِلِّ دَمِهِ لَهُ قَبْلَ قَطْعِ يَدِهِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
.
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَا الْعَاضِّ ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ أَنْبَأَ سَعِيدٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ { أَنَّ رَجُلًا عَضَّ آخَرَ عَلَى ذِرَاعِهِ فَجَذَبَهَا فَانْتُزِعَتْ ثَنِيَّتَاهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ أَوْ تَقْضَمَ شَكَّ سَعِيدٌ لَحْمَ أَخِيكَ كَمَا يَأْكُلُ أَوْ يَقْضَمُ الْفَحْلُ فَأَبْطَلَهَا } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَكَ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ { أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَا الْعَاضِّ فَارْتَفَعَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْبَكْرُ ، فَأَبْطَلَهَا } حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ حَدَّثَهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ { غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْعُسْرَةِ ، وَكَانَتْ أَوْثَقَ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي فَكَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَانْتَزَعَ أُصْبُعَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَ
ثَنِيَّتَيْهِ } قَالَ عَطَاءٌ : حَسِبْتُ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ فَتَقْضُمَهَا كَقَضْمِ الْجَمَلِ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ عَمَّيْهِ سَلَمَةَ بْنِ أُمَيَّةَ وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَا { خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَمَعَنَا صَاحِبٌ لَنَا ، فَقَاتَلَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَضَّ الرَّجُلُ ذِرَاعَهُ فَجَذَبَهَا مِنْ فِيهِ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ ، فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَمِسُ الْعَقْلَ ، فَقَالَ يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ فَيَعَضُّهُ عَضِيضَ الْفَحْلِ ثُمَّ يَأْتِي يَطْلُبُ الْعَقْلَ لَا عَقْلَ لَهُ فَأَبْطَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَهَذَا مِنْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُشْكِلٍ ؛ لِأَنَّ صَفْوَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي جُمَحَ وَيَعْلَى صَاحِبُ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ حَلِيفٌ لَهَا وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَدِيمُ السُّكْنَى بِمَكَّةَ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ وُقُوفِنَا عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُبْطِلُ عَقْلَ ثَنِيَّتَيْ الْعَاضِّ عَنْ الْمَعْضُوضِ ، مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَحْوَالِ شَاهِرِ السِّلَاحِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيهِ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا حَلَّ لِلْمَشْهُورِ عَلَيْهِ دَمُ الشَّاهِرِ إذْ كَانَ الشَّاهِرُ لَوْ تَمَّ مِنْهُ فِي الَّذِي شَهَرَ عَلَيْهِ السِّلَاحَ مَا شَهَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ فَقَالَ قَائِلٌ فَالْعَضُّ مِمَّا لَا قَوَدَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ
كَسْرٌ لِلْعَظْمِ الْمَعْضُوضِ .
أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ فَتَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَسْرَ الْعَظْمِ ، وَكَسْرُ الْعَظْمِ لَا قَوَدَ فِيهَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَوْنِهِ أَنَّ الْقَضْمَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ هُوَ كَسْرُ الْعَظْمِ كَمَا تُوُهِّمَ ؛ لِأَنَّ الْقَضْمَ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الْقَضْمُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ هَذَا ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَبْلُغُهُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْخَضْمُ وَهُوَ التَّمَكُّنُ بِالْأَسْنَانِ كُلِّهَا فَذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَأْتِي عَلَى الْعَظْمِ وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا كَمَا وَصَفْنَا كَانَ الْقَضْمُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى جِلْدَةِ الذِّرَاعِ أَوْ يَتَجَاوَزُهَا إلَى اللَّحْمِ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ فَإِذَا تَجَاوَزَهَا إلَى ذَلِكَ أَوْضَحَ الْعَظْمَ فَعَادَ مَعْنَاهُ فِي الذِّرَاعِ إلَى مَعْنَى الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ ، وَفِيهَا الْقَوَدُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَمِثْلُهَا وُضُوحُ عَظْمِ الذِّرَاعِ فَفِيهِ الْقَوَدُ أَيْضًا ، وَلَمَّا كَانَ فِيهِ الْقَوَدُ إذَا تَمَّ ذَلِكَ الْعَقْلُ كَانَ لِلَّذِي قَصَدَ بِهِ إلَيْهِ إزَالَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيَصِلَ بِذَلِكَ إلَى الْوَاجِبِ لَهُ فِيمَا حَلَّ بِهِ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ الْعَاضُّ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَبْلُغْ فَكَانَ مِنْ الْمَعْضُوضِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، كَانَ عَلَى الْمَعْضُوضِ قِيمَةُ ثَنَايَاهُ فَقَدْ وَافَقَ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ مَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
( بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَاتِ أَنَّهَا كَالْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَاتِ فِي دُخُولِ الرِّبَا فِيهَا كَدُخُولِهِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَاتِ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ فَقَالَ : لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا ، وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا الْوُحَاظِيُّ قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ فَقَالَ : لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا هَذَا بِثَمَنِهِ وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ } .
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى خَيْبَرَ أَمِيرًا فَقَدِمَ عَلَيْهِ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ يَعْنِي طَيِّبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ تَبِيعُ هَذَا وَتَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ } .
وَحَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ الْمَدِينِيُّ قَالَ ثنا أَبِي قَالَ ثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ يَعْنِي : طَيِّبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ بِعْ هَذَا وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا فَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ } .
حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ قَالَ ثنا أَبِي قَالَ ثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِ مُصْعَبٍ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَنَّهُ أَصْلُ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نُعَيْمٍ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَكَانَ عَبْدِ الْمَجِيدِ أَبَا سُهَيْلٍ وَاَلَّذِي قَالَ مُصْعَبٌ فِي هَذَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ رَدُّ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ الْمِيزَانِ فِي دُخُولِ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَةِ بِهِ كَدُخُولِهَا فِي الْمِكْيَالِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَاتِ بِهِ .
وَلَمْ يَقْصِدْ فِي ذَلِكَ إلَى مَأْكُولٍ وَلَا إلَى مَشْرُوبٍ دُونَ مَا سِوَاهُمَا مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ ، فَكَانَ ظَاهِرُ ذَلِكَ يُوجِبُ مَا قَالَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا يَجُوزُ الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ وَلَا النُّحَاسُ بِالنُّحَاسِ وَلَا الرَّصَاصُ بِالرَّصَاصِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمَّا كَانَتْ مَوْزُونَةً فِي دُخُولِ الرِّبَا إيَّاهَا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي دُخُولِ الرِّبَا إيَّاهُمَا وَكَالْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَاتِ مِنْ التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي دُخُولِ الرِّبَا إيَّاهُمَا كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيهِ وَحَمْلِهِمْ ذَلِكَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَاتِ مِمَّا يُؤْكَلُ وَمِمَّا يُشْرَبُ خَاصَّةً دُونَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُشْرَبُ فَقَالَ قَائِلٌ : مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ إنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَدْ ذَهَبَ فِي هَذَا الْمَعْنَى إلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ فِيهِ ، وَإِلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ الْآخَرُونَ إلَيْهِ فِيهِ وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ وَقَالَ فَإِلَى قَوْلِ مَنْ خَالَفْتُمْ قَوْلَ سَعِيدٍ هَذَا فَقِيلَ لَهُ إلَى قَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ الَّذِي يُخَالِفُهُ فَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَعْلَى مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ .
وَاَلَّذِي يُرْوَى عَنْ عَمَّارٍ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَرْدِيُّ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ جَدِّهِ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الْعَبْدُ خَيْرٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ ، وَالْأَمَةُ خَيْرٌ مِنْ الْأَمَتَيْنِ ، وَالْبَعِيرُ خَيْرٌ مِنْ الْبَعِيرَيْنِ ، وَالثَّوْرُ خَيْرٌ مِنْ الثَّوْرَيْنِ ، فَمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسَاءِ لَا مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ ثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : وَالثَّوْرُ خَيْرٌ مِنْ الثَّوْرَيْنِ وَقَالَ مَكَانَ ذَلِكَ ، وَالثَّوْبُ خَيْرٌ مِنْ الثَّوْبَيْنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَلَمَّا كَانَ أَوْكَدُ الْأَشْيَاءِ فِي دُخُولِ الرِّبَا عَلَيْهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ، وَلَيْسَا بِمَأْكُولَيْنِ وَلَا مَشْرُوبَيْنِ عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا دُخُولُ الرِّبَا إلَى الْوَزْنِ فِيمَا يُوزَنُ ، وَالْكَيْلُ فِيمَا يُكَالُ مَأْكُولًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ مَشْرُوبًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَمِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ حَتَّى ذَكَرَ سِهَامَ الْخَيْرِ وَمَا يُجْزَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا بِقَدْرِ عَقْلِهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ ثنا مَنْصُورُ بْنُ سُقَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَتَّى ذَكَرَ سِهَامَ الْخَيْرِ وَمَا يُجْزَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا بِقَدْرِ عَقْلِهِ } فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا مَنْ صَلَّى صَلَاةً مُقْبِلًا عَلَيْهَا حَتَّى وَفَّاهَا خُشُوعَهَا وَقِيَامَهَا وَقِرَاءَتَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَسَائِرَ مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِيهَا مِنْ فَرَائِضِهَا وَمِنْ سُنَنِهَا وَمِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَتَرْكِ التَّشَاغُلِ بِغَيْرِهَا عَنْهَا كَانَ جَزَاؤُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ جَزَائِهِ لَوْ صَلَّاهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ الْخُشُوعِ فِيهَا وَبِالتَّشَاغُلِ بِغَيْرِهَا عَنْهَا حَتَّى كَانَ فِيمَا أَتَى بِهَا عَلَيْهِ ضِدًّا لِأَحْوَالِهِ الْأُوَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِمَّا هُوَ مَحْمُودٌ عَلَيْهَا ، وَكَانَ فِي صَلَاتِهِ إيَّاهَا عَلَى أَحْوَالِ الْحَمْدِ عَاقِلًا لَهَا وَفِي صَلَاتِهِ إيَّاهَا عَلَى أَحْوَالِ الذَّمِّ غَافِلًا عَنْهَا يُجْزَى بِمِقْدَارِ عَقْلِهِ فِيهَا خِلَافَ مَا يُجْزَى عَلَى أَحْوَالِهِ فِي غَفْلَتِهِ عَنْهَا وَمِنْ هَذَا عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إلَّا نِصْفُهَا .
ثُمَّ ذَكَرَ أَجْزَاءَهَا حَتَّى تَنَاهَى إلَى عُشْرِهَا ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الزَّكَاةُ إذَا وَضَعَهَا فِي الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا بِأَعْلَى مَرَاتِبِ أَهْلِهَا فِيهَا مِنْ الْفَقْرِ
إلَيْهَا ، وَمِنْ الزَّمَانَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ غَيْرِهَا فِيمَا يُغْنِي عَنْهَا ، وَمِنْ التَّعَفُّفِ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، وَتَرْكِ الْمَسْأَلَةِ لَهَا وَلِمَا سِوَاهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ يَكُونُ جَزَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ خِلَافَ جَزَاءِ مَنْ وَضَعَهَا فِي مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لِسُؤَالِهِ النَّاسَ وَاعْتِرَاضِهِ إيَّاهُمْ وَقُوَّتِهِ عَلَى اكْتِسَابِ مَا يُغْنِيهِ عَنْهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } .
فَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ قَالَ يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَعْنِي الَّتِي يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ كَمَنْ يُعْطِيهَا مَنْ حَضَرَهُ بِغَيْرِ الْتِمَاسِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ فِي تَرْكِ اللَّغْوِ فِيهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ فِيهِ جَزَاءُ مَنْ أَتَى بِهِ ، كَذَلِكَ خِلَافُ جَزَاءِ مَنْ أَتَى بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ مَنْ جَاءَ بِهِ بِلَا رَفَثٍ وَلَا فُسُوقٍ وَلَا جِدَالٍ فِيهِ فَكَانَ جَزَاؤُهُ عَلَيْهِ خِلَافَ جَزَاءِ مَنْ جَاءَ بِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْمُودَةِ فِي الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَتُعْقَلُ مِنْ فَاعِلِيهَا لِأَفْعَالِهِمْ الَّتِي فَعَلُوهَا فِيهَا حَتَّى كَانُوا بِذَلِكَ مُسْتَحِقِّينَ لِمَا قَدْ وُعِدُوا عَلَيْهَا ، وَكَانُوا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِمَّنْ شَغَلَتْهُ الْغَفْلَةُ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى عَادَ بِذَلِكَ مَذْمُومًا فِي غَفْلَتِهِ تِلْكَ جَاهِلًا بِمَا لَزِمَ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ سِهَامِ الْإِسْلَامِ هِيَ عَلَى هَذَا
الْمَعْنَى فَكَانَ جَزَاءُ مَنْ عَقَلَهَا حَتَّى وَفَّاهَا مِنْ نَفْسِهِ خِلَافَ جَزَاءِ مَنْ جَهِلَهَا حَتَّى أَغْفَلَهَا وَلَمْ نَجِدْ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا ذَكَرْنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ مَا أَذِنَ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ) حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { مَا يَأْذَنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِشَيْءٍ مَا يَأْذَنُ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ } فَتَأَمَّلْنَا مَعْنَى مَا أُرِيدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، فَوَجَدْنَا الْإِذْنَ فِي هَذَا هُوَ الِاسْتِمَاعُ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أَيْ : تَسَمَّعَتْ مَا يَأْمُرُهَا رَبُّهَا عَزَّ وَجَلَّ بِهِ ، وَلِمَا يُحِبُّهَا مِنْهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا يَأْذَنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِشَيْءٍ مَا يَأْذَنُ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ } أَيْ : مَا يَسْتَمِعُ لِشَيْءٍ مَا يَسْتَمِعُ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ مِنْ تَحْسِينِهِ بِهِ صَوْتَهُ طَلَبًا لِرِقَّةِ قَلْبِهِ بِهِ لِمَا يَرْجُو فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوَابِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ) حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ } .
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَمِعْتُ فَهْدًا يَقُولُ قَالَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ لَنَا اللَّيْثُ بِالْعِرَاقِ يَعْنِي : فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ ثنا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ قَالَا ثنا اللَّيْثُ ( ح ) وَأَنْبَأَ بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ قُرِئَ عَلَى شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، ثُمَّ اجْتَمَعَا جَمِيعًا قَالَا : قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ أَنْبَأَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ قَالَ ثنا اللَّيْثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعِيدٍ أَوْ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْنَا مَعْنَى هَذَا
الْحَدِيثِ فَوَجَدْنَا النَّاسَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَوْمٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْقُرْآنِ عَنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِذَلِكَ الْجَزَاءُ الْجَزِيلُ فِي الْآخِرَةِ ، وَالْوُصُولُ بِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى عَاجِلِ خَيْرِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ هُوَ عَلَى تَحْسِينِ الصَّوْتِ لِيَرِقَّ لَهُ قَلْبُ مَنْ يَقْرَؤُهُ فَالْتَمَسْنَا الْأَوْلَى مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِمَعْنَاهُ .
فَوَجَدْنَا بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ قَالَ ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هَكَذَا قَالَ : وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِي نَهِيكٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَإِذَا رَجُلٌ رَثُّ الْبَيْتِ رَثُّ الْمَتَاعِ فَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ } فَقُلْت لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَوْتٌ وَلَمْ يُحَسِّنْ ؟ قَالَ يُحَسِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ .
وَوَجَدْنَا فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا يَسْرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ قَالَ ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ هَكَذَا قَالَ لَنَا فَهْدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَدَخَلْنَا عَلَى رَجُلٍ رَثِّ الْبَيْتِ رَثِّ الْمَتَاعِ رَثِّ الْحَالِ فَسَأَلَنَا فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَكُلُّنَا انْتَسَبَ لَهُ قَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا تُجَّارٌ كَسَبَةٌ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ } .
فَقُلْت لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلْقٌ حَسَنٌ ؟ قَالَ يُحَسِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ فَكَانَ مَعْنَى مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو لُبَابَةَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ لِمَا رَأَوْهُ بِهِ مِنْ رَثَاثَةِ الْحَالِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ حُسْنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ طَلَبْنَا هَذَا الْبَابَ هَلْ نَجِدُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدْنَا إبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ } ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى طَلَبِ الْأَوْلَى بِهِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا فَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ذَمًّا لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُعَاضُ مَنْ كَانَتْ أَوْ تَكُونُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا نَحْنُ ذَاكِرُوهَا فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الذَّمِّ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَعَلَى الْمَعْنَى لَهُ مِنْهُ .
وَوَجَدْنَا مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ بِغَيْرِ تَحْسِينٍ مِنْهُ لَهُ صَوْتَهُ مُرِيدًا بِقِرَاءَتِهِ إيَّاهُ الْأَحْوَالَ الْمَحْمُودَةَ مُثَابًا عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ مَذْمُومٍ عَلَيْهِ ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ هَذَا الْمَعْنَى ، وَلَمَّا انْتَفَى ذَلِكَ الْمَعْنَى عَنْهُ ، وَلَمْ يُقَلْ فِي تَأْوِيلِهِ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَانْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ مِنْهُمَا وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ سِوَاهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا ) حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ ثنا أَبِي قَالَ سَمِعْت يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ قَالَ شَهِدْت كَابُلَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَصَابَ النَّاسُ غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَنْ انْتَهَبَ مِنْ هَذَا الْغَنَمِ شَيْئًا فَلْيَرُدَّهُ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { مَنْ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا } .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ قَالَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ قَالَ ثنا أَبُو عُمَيْرٍ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا } .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ ثنا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ انْتَهَبَ نُهْبَةً فَلَيْسَ مِنَّا } حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ انْتَهَبَ نُهْبَةً مَشْهُورَةً فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا } وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةَ قَالَا ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّهْبَةِ ،
وَقَالَ مَنْ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا } حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُمَيْدًا .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا أَبُو غَسَّانَ قَالَ ثنا زُهَيْرٌ قَالَ ثنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ أَنْبَأَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ الْحَكَمِ أَخُو بَنِي لَيْثٍ أَنَّهُ رَأَى { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقُدُورٍ فِيهَا لَحْمُ غَنَمٍ انْتَهَبُوهَا فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ ، وَقَالَ : إنَّ النُّهْبَةَ لَا تَحِلُّ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ عَلَى كُلِّ نُهْبَةٍ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى خَاصٍّ مِنْهَا فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ .
فَوَجَدْنَا بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَانَا قَالَا ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ ثنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لُحَيٍّ هُوَ أَبُو عَامِرٍ الْهَوْزَنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَحَبُّ الْأَيَّامِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ فَقَرَّبْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ خَمْسًا أَوْ سِتًّا فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إلَيْهِ بِأَيَّتِهَا يَبْدَأُ فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا قَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً لَمْ أَفْقَهَّا فَقُلْت لِلَّذِي كَانَ إلَى جَنْبِي مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : قَالَ مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ } حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ ثنا الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ { عَنْ نَاجِيَةَ صَاحِبِ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عُدِمَ مِنْ الْبُدْنِ ؟ قَالَ : انْحَرْهُ ثُمَّ اغْمِسْ قِلَادَتَهُ فِي دَمِهِ ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا صَفِيحَتَهُ } هَكَذَا قَالَ : وَإِنَّمَا هِيَ صَفْحَتُهُ ثُمَّ
خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ .
حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ ثنا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ { نَاجِيَةَ أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْحَرْهَا ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُونَهَا } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إبَاحَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ يَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ الْهَدْيُ أَخْذَ مَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ ذَلِكَ الْهَدْيِ بِغَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ إلَى نَاسٍ بِأَعْيَانِهِمْ ، وَبِغَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ إلَى مِقْدَارٍ مِنْ الْهَدْيِ لِمَنْ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ النُّهْبَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ ، وَنَفَى مَنْ فَعَلَهَا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ هِيَ خِلَافُ هَذِهِ النُّهْبَةِ ، وَأَنَّهَا نُهْبَةُ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي نُهْبَتِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيَّةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مَنْ كَانَتْ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَمَالِكٌ وَأُسَامَةُ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا } حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ ثنا يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ثنا أَبُو أُسَامَةَ وَيَحْيَى بْنُ بُرَيْدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ قَالَ فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَنْ كَانَ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى .
ثنا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ أَنْبَأَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا } حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَنَفَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مِنْهُ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَا : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي مَالِكٌ بْنُ الْخَيْرِ الزِّيَادِيُّ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا } فَدَخَلَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَعْنَى مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ .
حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ ثنا الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَعْجَبَهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ بِطَعَامٍ مَبْلُولٍ ، فَقَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِصُبْرٍ مِنْ طَعَامٍ يُبَاعُ فِي السُّوقِ فَكَانَ فِي أَسْفَلِهِ بَلَلٌ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا أَصَابَهُ الْمَاءُ فَقَالَ : أَفَلَا أَظْهَرْتُمُوهُ لِلنَّاسِ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي } .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَدَخَلَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَعْنَى مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَوْفٍ عَنْ خَالِدٍ الْأَحْدَبِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ أُغْمِيَ عَلَى أَبِي
مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَبَكَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكُمْ مِمَّا بَرِئَ إلَيْنَا مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَلَا خَرَقَ وَلَا سَلَقَ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ سَلَقَ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْكَلَامُ بِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ لَمَّا أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بَكَى عَلَيْهِ ، فَرَفَعَ عَنْهُ الثَّوْبَ وَقَالَ : أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَيْسَ مِنِّي مَنْ حَلَقَ وَلَا خَرَقَ وَلَا سَلَقَ } .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ ثنا الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ } حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالَ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ ثنا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ النَّحْوِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَلَا خَرَقَ وَلَا سَلَقَ } حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ } .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ ثنا أَبِي عَنْ الْأَعْمَشِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَدَخَلَ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي
مَعْنَى مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِلْحَيَّاتِ مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ فَمَنْ تَرَكَهُنَّ خِيفَتَهُنَّ فَلَيْسَ مِنَّا } .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ قَالَ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ قَالَ ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ خَشِيَ ثَأْرَهُنَّ فَلَيْسَ مِنَّا } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدَخَلَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَعْنَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ ثنا هُشَيْمٌ قَالَ أَنْبَأَ حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُغِيرَةُ الضَّبِّيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَصُومُ النَّهَارَ قَالَ : قُلْت نَعَمْ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قَالَ : قُلْت نَعَمْ .
قَالَ : لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنَامُ وَأَمَسُّ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدَخَلَ مَعْنَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا أَبُو غَسَّانَ قَالَ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الطَّائِيُّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ خَبَّبَ امْرَأَةَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَلَيْسَ مِنَّا } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدَخَلَ مَعْنَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ أَبُو الْمُنِيبِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي قَالَهَا ثَلَاثًا } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدَخَلَ مَعْنَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ .
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَاصِمٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ { خَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ جُلُوسٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ : إنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَصَدَّقَهُمْ عَلَى كَذِبِهِمْ ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَيْسَ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ } .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمُنْقِرِيُّ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ أُعِيذُكَ بِاَللَّهِ مِنْ إمْرَةِ السُّفَهَاءِ إنَّهَا سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ ، وَصَدَّقَهُمْ عَلَى كَذِبِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ } .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو غَسَّانَ قَالَا ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قُعَيْسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { خَرَجَ إلَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَخَمْسَةٌ مِنْ الْمَوَالِي فَقَالَ : هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ فَمَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ ، وَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ ، وَغَشِيَ أَبْوَابَهُمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَيْسَ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ ، وَمَنْ لَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ ، وَلَمْ يَغْشَ أَبْوَابَهُمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ } .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَعَاذَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ بَعْدِي ، فَقَالَ وَمَا هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ قُصُورَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى جَوْرِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ حَوْضِي } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدَخَلَ مَعْنَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ وَطِئَ حُبْلَى } فَدَخَلَ مَعْنَى مَا فِي هَذَا فِي مَعَانِي مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَارِبَهُ فَلَيْسَ مِنَّا } ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدَخَلَ مَعْنَى مَا فِي هَذَا فِي مَعَانِي مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي نَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ
فِيهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ مَذْمُومَةً فَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ اخْتَارَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمُورَ الْمَحْمُودَةَ وَنَفَى عَنْهُ الْأُمُورَ الْمَذْمُومَةَ ، فَكَانَ مَنْ عَمِلَ الْأُمُورَ الْمَحْمُودَةَ مِنْهُ ، وَمَنْ عَمِلَ الْأُمُورَ الْمَذْمُومَةَ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا حَكَى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَبِيِّهِ إبْرَاهِيمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي ذُرِّيَّتِهِ { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا لِعِبَادِهِ فِي قِصَّةِ نَبِيِّهِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهْرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } فِي أَمْثَالٍ لِهَذَا مَوْجُودَةٍ فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا ، فَدَلَّ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ عَمَلًا عَلَى شَرِيعَةِ نَبِيِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَتْبَاعُهُ فَإِنَّهُ مِنْهُ ، وَأَنَّ كُلَّ عَامِلٍ عَمَلًا تَمْنَعُ مِنْهُ شَرِيعَةُ نَبِيِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَتْبَاعُهُ لَيْسَ مِنْهُ ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَا دَعَاهُ إلَيْهِ ، وَعَنْ مَا هُوَ عَلَيْهِ إلَى ضِدِّ ذَلِكَ ، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِ عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْقَوْمِ وَعِنْدَ الْقِيَامِ عَنْهُمْ ، وَهَلْ سَلَامُ مَنْ انْتَهَى إلَيْهِمْ يَكُونُ بَعْدَ أَنْ يَجْلِسَ ) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ فَإِنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ } .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا مِثْلَهُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَنْبَأَ أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ يَعْنِي : الْمَعْرُوفَ بِصَاعِقَةَ قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ أَهْلُ الْأَسَانِيدِ فِيمَا سَمِعْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ : يَسْتَحْسِنُونَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي عَاصِمٍ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ مَا لَا يَسْتَحْسِنُونَهُ هُوَ عَنْهُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ وَفِيمَا رَوَيْنَا أَنَّ سَلَامَ الْجَائِي يَكُونُ عَلَى الْقَوْمِ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إلَيْهِمْ قَبْلَ جُلُوسِهِ مَعَهُمْ .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ ثنا الْجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَجْلَانَ يَقُولُ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلِّمْ وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ سَلَامَهُ عَلَيْهِمْ يَكُونُ بَعْدَ جُلُوسِهِ مَعَهُمْ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ يَتْبَعُ مِثْلَ هَذَا يَطْلُبُ بِهِ التَّمْوِيهَ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ بِاللُّغَةِ هَذَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَلَكِنَّهُ عَلَى سِعَةِ اللُّغَةِ ، وَأَخْلِقْ بِمَا ظَنَنْت أَنَّهُ اخْتِلَافٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنْكَرٍ ؛ لِأَنَّهُمْ عَرَبٌ وَلُغَتُهُمْ يَتَّسِعُ لَهُمْ هَذَا فِيهَا ، وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ هَذَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } فَكَانَ ذَلِكَ مَذْكُورًا بِبُلُوغِ الْأَجَلِ وَلَا إمْسَاكَ لِلْمُطَلِّقِينَ بَعْدَ بُلُوغِ الْمُطَلَّقَاتِ آجَالَهُنَّ ؛ لِأَنَّهُ انْقِضَاءُ عِدَدِهِنَّ مِنْهُمْ ، وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } .
إنَّمَا هُوَ عَلَى قُرْبِ بُلُوغِ الْأَجَلِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ بُلُوغِهِ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْقَوْمِ فَلْيُسَلِّمْ } يُرِيدُ بِهِ حَقِيقَةَ مَوْضِعِ السَّلَامِ ، وَقَوْلُهُ إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلِّمْ يُرِيدُ بِهِ قُرْبَ قُعُودِهِ مَعَهُمْ مِنْ انْتِهَائِهِ إلَيْهِمْ لَا حَقِيقَةَ الْقُعُودِ مَعَهُمْ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ) حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ قُرَّةَ الرُّعَيْنِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ سَلَامَةَ الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالَ قَائِلٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ شِرَائِهِ أَبَاهُ مَمْلُوكًا لَهُ حَتَّى يَعْتِقَهُ ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمْ الْفُتْيَا فِي الْأَمْصَارِ لَا يَقُولُونَ هَذَا مَعَ اسْتِقَامَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِمْ فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَوْهِينِهِمْ إيَّاهُ وَرَغْبَتِهِمْ عَنْهُ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ - بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ - أَنَّ الَّذِي تَوَهَّمَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِيهِ إذْ كَانَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ أَيْ : فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ شِرَاؤُهُ إيَّاهُ فَقَالَ : فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ - بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ - دَلِيلَنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُشَرِّكَانِهِ } فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى تَهْوِيدِهِمَا إيَّاهُ وَلَا تَنْصِيرِهِمَا إيَّاهُ تَهْوِيدًا وَتَنْصِيرًا يَسْتَأْنِفَانِهِ فِيهِ ، وَلَكِنْ يَكُونُ كَذَلِكَ سَبَبٌ مِنْهُمَا يُوجِبُ ذَلِكَ فِيهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ لَيْسَ عَلَى عَتَاقٍ
يَسْتَأْنِفُهُ فِيهِ بَعْدَ شِرَائِهِ إيَّاهُ ، وَلَكِنَّ سَبَبَهُ مِنْهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ مَعَهُ بَعْدَ مِلْكِهِ إيَّاهُ بَقَاءُ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدِ وَفِي الْخُفِّ الْوَاحِدِ ) حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ لِيَنْعَلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا } .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ ، وَقَالَ { : إنَّ الشَّيْطَانَ يَمْشِي بِالنَّعْلِ الْوَاحِدَةِ } حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ } .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ ثنا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَكَّ زُهَيْرٌ - يَقُولُ { إذَا انْقَطَعَ أَوْ مَنْ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ فَلَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ وَلَا يَمْشِي فِي خُفٍّ وَاحِدٍ } .
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ بِالْآثَارِ كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْهُ ، فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا مِنْدَلٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { رُبَّمَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ } قَالَ
فَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ لَا نُحِبُّ لَكُمْ أَنْ تُضِيفُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِثْلِ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَكَافُؤِ الْأَسَانِيدِ فِيهِ ، وَثُبُوتِ الرِّوَايَاتِ لَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ كَمَا ذَكَرْت ، وَبَعْضُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيهَا وَلَا مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يُعَارِضَ بِمَا رَوَى مَا رَوَاهُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ عَائِشَةَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ مِنْدَلٍ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الثَّبْتِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَبْلَهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَا سِيَّمَا ، وَإِنَّمَا رَوَى مَا ذَكَرْت عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ لَيْسَتْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَسَانِيدِ الْقَوِيَّةِ ، وَاَلَّذِي ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُخَالِفُهَا عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَبِسَ نَعْلًا وَاحِدَةً أَوْ خُفًّا وَاحِدًا كَانَ بِذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ سَخِيفًا وَسَخِرُوا مِنْهُ ، فَمِثْلُ هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَهْيٌ وَجَبَ أَنْ يُنْتَهَى عَنْهُ ، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِغْفَارِهِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لِلْمُحَلِّقِينَ مَرَّتَيْنِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً ) حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ } .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قِيلَ : وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قِيلَ : وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ : وَالْمُقَصِّرِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لِلْمُحَلِّقِينَ مَرَّتَيْنِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً قَالَ قَائِلٌ : قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ فِي الْإِحْرَامِ وَوَصَفَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ بِدُخُولِهِمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَيْهِ ، وَوَعَدَهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمَنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ } فَكَأَنَّ الْمُحَلِّقِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَلَقُوا وَالْمُقَصِّرِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ قَصَّرُوا ، فَمِنْ أَيْنَ فُضِّلَ الْمُحَلِّقُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُقَصِّرِينَ ؟ قِيلَ لَهُ لِمَعْنًى قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَصَّرَ آخَرُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ : وَالْمُقَصِّرِينَ قَالُوا فَمَا بَالُ الْمُحَلِّقِينَ ظَاهَرْتَ لَهُمْ بِالتَّرَحُّمِ ؟ قَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر قَالَ ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ ظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً ؟ قَالَ : لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا فَكَانَ فِيمَا رَوَيْنَا تَفْضِيلُ الْمُحَلِّقِينَ عَلَى الْمُقَصِّرِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا فَكَانَ فِي ذَلِكَ إثْبَاتُ الشَّكِّ مِنْ الْمُقَصِّرِينَ .
فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَمَا كَانَ شَكُّ الْمُقَصِّرِينَ فِي ذَلِكَ ؟ قِيلَ لَهُ : كَانَ لِمَعْنًى ذَكَرَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَبُو حَمَّةَ قَالَ ثنا أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ { حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقَ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حِينَ رَأَوْهُ حَلَقَ ، وَأَمْسَكَ آخَرُونَ فَقَالُوا : وَاَللَّهِ مَا طُفْنَا بِالْبَيْتِ فَقَصَّرُوا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ