كتاب : الإحكام في أصول الأحكام
المؤلف : علي بن أحمد بن حزم الأندلسي
يقترن إليه وهو الإحرام وجب ألا يصح الاعتكاف إلا بمعنى آخر يقترن إليه وهو الصيام فيقول الشافعي لما كان الوقوف بعرفة لا يقتضي الصيام وجب أن يكون الاعتكاف لا يفتقر إلى الصيام وعلتهم كلهم فيما ذكروا أن الوقوف بعرفة والاعتكاف لبث وإقامة في موضع مخصوص
قال أبو محمد ومثل هذا لا يعجز أن يأتي به من استجاز الهذيان في حال صحته من البرسام ولو تتبعنا ترجيحاتهم العلل لأوردنا من ذلك مضاحك تغني عن كل ملهى وحسبنا الله ونعم الوكيل
ومن تأمل كتب متأخريهم ومناظراتهم وتكلفهم إخراج العلل لكل حكم مختلف فيه أو مجتمع عليه في الشريعة كان فيه نص يعرفونه أو لم يعرفوا فيه نصا رأى كلاما لا يأتي بمثله سالم لدماغ أصلا إلا أن يكون سالكا سبيل المجون والسخافة ونعوذ بالله من الخذلان
فصل الحكيم إلا لعلة
قال أبو محمد وقالوا الحكيم بيننا لا يفعل إلا لعلة صحيحة والسفيه هو الذي يفعل لا لعلة فقاسوا ربهم تعالى على أنفسهم وقالوا إن الله تعالى لا يفعل شيئا إلا لمصالح عباده وراموا بذلك إثبات العلل في الدياتقال أبو محمد وتكاد هذه القضية الفاسدة التي جعلوها عمدة لمذهبهم وعقدة تنحل عنها فتاويهم تكون أصلا لكل كفر في الأرض
وأما على التحقيق فهي أصل لقول الدهرية الذين جعلوا برهانهم في إبطال الخالق لما رأوا الأمور لا تجري على المعهود فيما يحسن في عقولهم وأنه لا بد من علة للمفعولات وإذ لا بد من علة فلا بد لتلك العلة من علة وهكذا أبدا حتى يوجبوا كون أشياء لا أوائل لها
وهي أيضا أصل لقول من قال إن الفاعل للعالم إنما هو النفس وأما الله تعالى فيحل عن أن يحدث هذه الأقذار في العالم وهذا الظلم الظاهر من استطالة بعض الحيوان على بعض
وهي أيضا أصل لقول من قال إن للعالم لم يزل وخالقه تعالى لم يزل لأنهم جعلوا علة الخلق وجوده تعالى ووجوده لم يزل فخلقه لم يزل
وهي أيضا أصل لقول من قال بأن العالم له خالقان من المانية والديصانية لأنهم قالوا تعالى الله عن أن يفعل شيئا من غير الحكمة ولغير مصالح عباده فصح بذلك عندهم أن خالق السفه والشر ومضار العباد خالق آخر تعالى عن ذلك علوا كبيرا
وهي أيضا أصل لقول من قال بالتناسخ لأنهم قالوا محال أن يعذب الحكيم من لم يذنب وأن يفعل شيئا إلا لعلة ومحال أن يعذب أقواما ليعظ آخرين أو ليجازي بذلك آخرين أو ليجازيهم بذلك وهو قادر على المجازاة بلا أذى ذلك هذا عبث فيما بيننا فلما رأيناه تعالى يعذب الأطفال بالجدري والقروح والجوع ويسلط بعض الحيوان على بعض علمنا أن ذلك لذنوب تقدمت لأنفس ذلك الحيوان وأولئك الصبيان وأنهم قد كانوا بالغين عصاه قبل أن تنسخ أرواحهم في أجسام الصبيان والحيوان
وهي أيضا أصل لقول من أبطل النبوات كالبراهمة ومن اتبعها فإنهم قالوا ليس من الحكمة أن يبعث الله تعالى نبيا إلى من يدري أنه لا يؤمن به
قال أبو محمد ثم حسدتهم المعتزلة على هذه القضية فأخرجوا على حكم الله تعالى وعن خلقه وقدرته وجميع أفعال العباد فضلوا ضلالا بعيدا وأثبتوا خالقين كثيرا غير الله تعالى
وسلم الله تعالى من هذه البلية أهل الإثبات فنفس عليهم إبليس اللعين عدو الله السلامة فبغي لهم الغوائل ونصب لهم الحبائل ووسوس لهم القول بالعلل في الأحكام فوقعوا في القضية الملعونة التي ذكرنا
وأصحب الله تعالى عصمته منها أصحاب الظاهر فثبتوا على الجادة المثلى وتبرؤوا إلى الله تعالى من أن يتعقبوا عليه أحكامه أو أن يسألوه لم فعل كذا أو أن يتعدوا حدوده أو أن يحرموا غير ما حرم ربهم أو أن يوجبوا غير ما أوجب تعالى أو أن يحلوا غير ما أحل عز و جل ولم يتجاوز ما أخبرهم به نبيهم صلى الله عليه و سلم فاهتدوا بنور الله التام الذي هو العقل الذي به تعرف الأمور على ما هي عليه ويمتاز الحق من الباطل ثم بنص القرآن وبيان رسول الله صلى الله عليه و سلم للدين إذ لا سبيل إلى السلامة في الآخرة إلا بهذين السبيلين
والحمد لله رب العالمين وهو المسؤول أصحاب الهداية حتى نلقاه على أفضل أحوالنا آمين
قال أبو محمد وكل هذه المقالات الفاسدة التي ذكرنا قد بينا بطلانها بالبراهين الضرورية في كتابنا المرسوم بكتاب الفصل في الملل والنحل والحمد لله رب العالمين
ونقول في ذلك ههنا قولا كافيا يليق بغرض كتابنا هذا إن شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى التوفيق
إن أول ضلال هذه المسألة قياسهم الله تعالى على أنفسهم في قولهم إن الحكم بيننا لا يفعل شيئا إلا لعلة فوجب أن يكون الحكيم عز و جل كذلك
قال أبو محمد وهم متفقون على أن القياس هو تشبيه الشيء بالشيء فوجب أنهم مشبهون الله تعالى بأنفسهم وقد أكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله { فاطر لسماوات ولأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن لأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو لسميع لبصير } ولو أن معارضا عارضهم فقال لما كنا نحن لا نفعل إلا لعلة وجب أن يكون تعالى بخلافنا فوجب ألا يفعل شيئا لعلة لكان أصوب حكما وأشد اتباعا لقوله { فاطر لسماوات ولأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن لأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو لسميع لبصير } وبالله تعالى التوفيق
وأيضا فإنهم بهذه القضية الفاضحة قد أدخلوا ربهم تحت الحدود والقوانين وتحت رتب متى خالفها لزمه السفه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهذا كفر مجرد دون تأويل ولزمهم إن طردوا هذا الأصل الفاسد أو يقولوا لما وجدنا الفعل منا لا يكون إلا جسما مركبا ذا ضمير وفكرة وجب أن يكون الفعال الأول جسما مركبا ذا ضمير وفكرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
قال أبو محمد فهذا يلزمهم كما ذكرنا
ثم نبين بالبرهان الضروري بطلان قضيتهم من غير طريق إلزامهم طردها فنقول بالله تعالى التوفيق إن الحكيم منا إنما صار حكيما لأنه انقاد لأوامر ربه تعالى ولتركه نواهيه فهذا هو السبب الموجب على الحكيم منا ألا يفعل شيئا إلا لمنفعة ينتفع بها في معاده أو لمضرة يستدفعها في معاده
وأما الباري تعالى فلم يزل وحده ولا شيء معه ولا مرتب قبله فلم يكن على الله تعالى رتبة توجب أن يقع الفعل منه على صفة ما دون غيرها بل فعل ما فعل
كما شاء ولم يفعل ما لم يفعل كما لم يشأ فبطل تشبيههم أفعال الحكيم منا بأفعال الباري تعالى
وأيضا فإنا لم نسم الله تعالى حكيما من طريق الاستدلال أصلا ولا لأن العقل أوجب أن يسمى تعالى حكيما وإنما سميناه حكيما لأنه سمى بذلك نفسه فقط وهو اسم علم له تعالى لا مشتق ويلزم من سمى ربه تعالى حتما من طريق الاستدلال أن يسميه عاقلا من طريق الاستدلال وقد بينا فساد هذه الطريقة وبطلانها وضلالها في كتاب الفصل فبطلت قضيتهم الفاسدة جملة وصح أنها دعوة فاسدة منتقضة
وأما قولهم إنه تعالى يفعل الأشياء لمصالح عباده فإن الله تعالى أكذبهم بقوله { وإما تعرضن عنهم بتغآء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا } فليت شعري أي مصلحة للظالمين في إنزال ما لا يزيدهم إلا خسارا بل ما عليهم في ذلك إلا أعظم الضرر وأشد المفسدة ولقد كان أصلح لهم لو ينزل وما أراد الله تعالى بهم مصلحة قط ولكنهم من الذين قال تعالى فيهم { وترى لشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات ليمين وإذا غربت تقرضهم ذات لشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات لله من يهد لله فهو لمهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا }
قال أبو محمد ويقال لهم المصلحة جميع عباده فعل تعالى ما فعل أم لمصلحة بعضهم
فإن قالوا لمنفعة جميعهم كابروا وأكذبهم العيان لأن الله تعالى لم يبعث قط موسى عليه السلام لمنفعة فرعون ولا لمصلحته ولا بعث محمدا صلى الله عليه و سلم لمنفعة أبي جهل ولا لمصلحته بل لمضرتهما ولفساد آخرتهما ودنياهما وهكذا القول في كل كافر لو لم يبعث الله من كذبوه من الأنبياء لكان أصلح لدنياهم وآخرتهم
وأيضا فلا شيء في العالم فيه مصلحة لإنسان إلا وفيه مضرة لآخر فليت شعري ما الذي جعل الصلاح على زيد بفساد عمرو حكمه وكل من فعل هذا بيننا فهو سفيه بل هو أسفه السفهاء والله تعالى يفعل كل ذلك وهو أحكم الحكماء فيلزمهم على قياسهم الفاسد
وأصلهم الفاضح أن يسفهوا ربهم تعالى لأنه عز و جل يفعل ما هو سفه بيننا لو فعلناه نحن وقد وجدنا من أعرى بين الحيوانات بيننا حتى تتقابل كالديكة والكباش والقبج
وقتلها لغير أكل أنه غاية السفه والباري تعالى يفعل كل ذلك ويقتل الحيوانات لغير أكل ويسلط بعضها دون مثوبة للقاتل منهما ولا المقتول وهو أحكم الحاكمين
وهذا خلاف الرتبة بيننا فبطل قوله إن الله تعالى لا يفعل شيئا إلا لمصالح عباده وصح بالضرورة أنه يفعل ما يشاء لصلاح ما شاء ولفساد ما شاء ولنفع من شاء ولضر من شاء ليس ههنا شيء يوجب إصلاح من صلح ولا إفساد من أفسد ولا هدي من هدى ولا إضلال من أضل ولا إحسان إلى من أحسن إليه
ولا الإساءة إلى من أساء إليه لكن فعل ما شاء { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } وهم دائبا يسألون ربهم
لم فعلت كذا كأنهم لم يقرؤوا هذه الآية نعوذ بالله من الخذلان
ونجده عز و جل قد حبب بين زوجين حتى أطاعاه وحبب بين آخرين حتى عصياه واشتغلا بما هما فيه عن الصلاة في أوقاتها وجذم صالحا وطالحا وسلم صالحا وطالحا وابتلى قوما فصبروا وابتلى قوما فكفروا وعافى قوما فصبروا وشكروا وعافى آخرين فبطروا وكفروا وعمر صالحا وصالحا أقصى العمر واخترم صالحا وطالحا في حداثة السن وجعل عيسى عليه السلام نبيا حين سقوطه من بطن أمه وآتى يحيى الحكم صبيا وبسط لفرعون أنواع الغرور حتى قال أنا ربكم الأعلى وخلق قوما ألباء فهماء كفارا كالفيومي اليهودي وأبي ريطة اليعقوبي وقوما ألباء فهماء مسلمين وقوما بلداء كفارا وقوما بلداء مسلمين فبأي شيء استحق عنده هؤلاء أن يرزقهم الفهم وهؤلاء أن يمنعهم إياه
فإن قالوا لو رزق بلداء الكفار الفهم لكانوا ضررا على المسلمين أريناهم من ذكرنا ممن كان ضررا عليهم فصح تناقضهم وأكذبهم الباري عز و جل بقوله إنما نملى لهم ليزدادوا إثما وبقوله تعالى أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات فأخبر تعالى أنه إنما أملى لهم لضررهم لا لنفهم ولا لمصلحتهم وكذلك يكذبهم أيضا إنما يريد الله أن يعذبهم في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون
وكذلك قال تعالى أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فأبان الله تعالى كذبهم في قولهم إن الله تعالى إنما يفعل الشرائع لمصالح عباده وأيضا فقد كان أصلح لهم أن يدخلهم الجنة دون تكليف عمل ولا مشقة واحتج بعضهم في ذلك بقوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننساأها نأت بخير منها أو مثلها
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن الناسخة إنما صارت خيرا لنا معشر المؤمنين بها خاصة إذ جعلها الله تعالى خيرا لنا لا قبل ذلك ولم يكن قط هنا سبب يوجب أن تكون خيرا لنا إلا أنه تعالى شاء ذلك بلا سبب ولا علة أصلا
ويقال لهم وبالله تعالى التوفيق متى كانت الناسخة خيرا لنا إذ نسخ بها ما تقدم أو قد كنت خيرا لنا قبل أن يسنخ ما تقدم
قإن قالوا كانت خيرا قبل أن يخاطبنا بها فقضوا أصلهم وأثبتوا أنه تعالى قد منعنا ما هو خير لنا مدة طويلة وإن قالوا بل صارنت خيرا لنا إذا نسخت هبا ما تقدم وإذ خاطبنا وأبطل بها الرتبة الأولى
قيل لهم وما الذي أوجب أن تصير حينئذ خيرا لنا وما الذي أوجب أن تنتقل الرتبة الأولى عن كونها خيرا لنا أعلة متقدمة حكمت على البارى تعالى بذلك أم أنه شاء ذلك فقط
فإن قالوا بل علة أوجبت ذلك على البارى عز و جل كفروا بإجماع الأمة وجعلوا الله تعالى مدبرا مصرفا تعالى الله عن ذلك
فإن قالوا بل إنه شاء ذلك فقط رجعوا إلى أنه تعالى شاء ما فعل بلا علة أصلا ولم يشأ ما لم يفعل وأنه تعالى يريد ضلال من ضل ولم يرد به الهدى ولا المصلحة أصلا وبالله تعالى التوفيق
وقد بين تعالى ذلك بقوله وفي آذانهم وقرا وبقوله تعالى ختم الله على قلوبهم فليت شعرى أي صلاح إرادة الله تعالى لمن ختم على قلبه وجعل في أذنيه وقرا عن قبول الحق نعوذ بالله من أن يريد منا ما أراد بهؤلاء
ونقول لمن قال إنه تعالى أراد صلاحهم أن يدعو ربه أن يريد به من الصلاح ما أراد بهم
ونجده تعالى خلق الكلب مضروبا به المثل في الرذالة والخنزير رجسا وخلق الخيل في نواصيها الخير فأي علة وأي سبب أوجب على هذه الحيوانات أن يرتبها هكذا وما الذي أوجب أن يخترع بعضها نجسا وبعضها مباركا وبأي شيء استحقت ذلك قبل أن يكون منها فعل أو قبل أن توجد وأي علة أوجبت أن يخلق ما خلق من الأشياء على عدد ما دون ان يخلق أكثر من ذلك العدد أو أقل وأن يخلق الخلد أعمى والسرطان صارفا بصره أمام ووراء أي ذلك شاء والأفعى أضر من الخلد ولها بصر حاد
فإن قالوا خلقها لتعتبر بها وعذب الأطفال بالأمراض ليعوضهم أو ليأخر آباءهم فهذا كله فاسد لأنه قد كان يعتبر ببعض ما خلق كالاعتبار بكله ولو زاد في الخلق لكان الاعتبار أكثر فلزم التقصير على قولهم تعالى الله على ذلك ولا فساد فيما بيننا أعظم من فعل من عذب آخر ليعطيه على ذلك مالا أو من فعل من عذب إنسانا لا ذنب له يعظ به آخر أو ليثبت على ذلك آخر وكل هذا يفعله البارى تعالى وهو أحكم الحاكمين فبطل قولهم إن الحكيم لا يفعل شيئا إلا لعلة قياسا على ما بيننا
وأي فرق بين ذبح صغار الحيوان لمنافعنا وبين ذبح صغارنا لمنافعنا فيذبح ولد عمرو لمصلحة زيد إلا أن الله تعالى شاء فأباحه ولم يشأ هذا فحرمه ولو أحل هذا وحرم ذلك لكان عدلا وحكمة وإذا لم يفعله تعالى فهو سفه ولا علة لكل ذلك أصلا وقد أباح تعالى سبى نساء المشركين وأطفالهم واسترقاقهم قهرا وتملكنا رقابهم وأخذنا أموالهم غصبا لذنوب وقعت من آبائهم والدليل على أن ذلك لذنوب آبائهم أن آبائهم لو أسلموا لحرم علينا سبى أولادهم وتملكهم فما الذي جعل الأبناء مؤاخذين بذنوب غيرهم أو ما الذي جعل مصلحة أولى من مصلحة ابائهم وكل لا ذنب له لو فعل ذلك فاعل بيننا بغير نص من الله تعالى أما كان يكون أظلم الظالمين وأسفه السفهاء
الباب الأربعون وهو باب الكلام في الاجتهاد
ما هو وبيانه ومن هو معذور باجتهاده ومن ليس معذورا به ومن يقطع على أنه خطأ عند الله تعالى فيما أراد إليه اجتهاده ومن لا يقع على أنه مخطىء عند الله عز و جل وإن خالفناهقال أبو محمد علي بن أحمد رحمه الله لفظة الاجتهاد مما يجب معرفة تفسيرها لأن أكثر المتكلمين في الاجتهاد وحكمه لا يعلمون معنا فنقول وبالله تعالى التوفيق
إن حقيقة بناء لفظة الاجتهاد أنه افتعال من الجهد وحقيقة معناها أنه استنفاد الجهد في طلب الشيء المرغوب إدراكه حيث يرجى وجوده فيه أو حيث يوقن بوجوده فيه هذا مالا خلاف بين أهل اللغة فيه والجهد بضم الجيم الطاقة والقوة تقول هذا جهدي أي طاقتي وقوتي والجهد بفتح الجيم سوء الحال وضيقتها تقول القوم في جهد أي في سوء حال فإذ ذلك كذلك فالاجتهاد في الشريعة هو استنفاد الطاقة في طلب حكم النازلة حيث يوجد ذلك الحكم ما لا خلاف بين أحد من أهل العلم بالديانة فيه
قال أبو محمد وإنما قلنا في تفسير الاجتهاد العام حيث يرجى وجوده فعلقنا الطلب بمواضع الرجاء وقلنا في تفسير الاجتهاد في الشريعة حيث يوجد ذلك الحكم فلم نعلقه بالرجاء لأن احكام الشريعة كلها متيقن أن الله تعالى قد بينها بلا خلاف ومن قال إن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم لم يبن لنا الشريعة التي أراها الله تعالى منا وألزمنا إياها فلا خلاف في أنه كافر فأحكام الشريعة كلها مضمونة الوجود لعامة العلماء وإن تعذر وجود بعضها على بعض الناس فمحال ممتنع أن يتعذر وجوده على كلهم لأن الله تعالى لا يكلفنا ما ليس في وسعنا ما نعذر وجوده على الكل فلم يكلفنا الله تعاى إياه قط قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقال تعالى
وما جعل عليكم في الدين من حرج وبالضرورة ندرى أي تكليف أصابه مالا سبيل إلى وجوده حرج فصح قولنا وبالله تعالى التوفيق
ثم اتفق العلماء على أن القرآن وما حكم به رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قاله أو فعلعه أو أقره وقد علمه مواضع لوجود أحكام النوازل واختلفوا في نقل السنن على ما ذكرناه قبل وبينا البرهان هنالك بحول الله تعالى وقوته على وجوب قبول الخبر المسند بنقل العدول
ثم اختلفوا فقالت طائفة لا موضع البتة لطلب حكم النوازل من الشريعة ولا وجود إلا هذه المعادن التي ذكرنا أما نص على اسم تلك النازلة وأما دليل منها على حكم تلك النازلة لا يحتمل إلا وجها واحدا وهذا قول جميع أهل الإسلام قطعا وإن اختلفوا في الطرق التي توصل إلى معرقة السنن وهو قول جميع اصحابنا الظاهريين وبه نأخذ وقد بينا أقسام الدليل المذكور فيما سلف من ديواننا هذا وحضرناها هنالك والحمد لله رب العالمين
وقال آخرون بل ههنا مواضع أخر يطلب فيها حكم النازلة وهي الخبر المرسل وقال الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة إذا اشتهر وقال آخرون وإن لم يشتهر وقول الإمام الوالي منهم ودليل الخطاب والقياس والرأى المجرد والاستحسان وقول أكثر العلماء وعمل أهل المدينة والأخذ بقول عالم وإن كان له مخالف مثله وقد شرحنا معانى هذه الأسماء وأبطلنا الحكم بكلها أو بشيء منها بالبراهين الضرورية فيما سلف من كتابنا هذا والحمد لله رب العالمين
فأما تعلق قوم فيما اعتقدوه من أحكام بعض النوازل بقول صاحب له مخالفون أو بقول تابع أو بقول فقيه من الفقهاء المتقديم وإن خالفه غيره من أهل العلم فهذا هو التقليد الذي قد تكلمنا في إبطاله فيما سلف من كتابنا هذا والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد وليس للمتكلمين في الديانة اليوم قول يكون عندهم اجتهادا غير ما ذكرنا وقد كانت أقوال في ذلك لقوم من أهل الكلام قد درست مثل قول
بعضهم إن ما وقع في النفس من أول الفكر فهو الواجب ان يقال به وقال بعضهم الواجب أن يقال بالأثقل لأنه خلاف الهوى وقال بعضهم بل الأخف منها لقول الله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
قال أبو محمد وهذه أقوال فاسده لأنها كلها دعاوى يعارض بعضها بعضا وكل ما ألزمنا الله تعالى فهو يسر وإن نقل علينا وكل شريعة تتكلف فهى خلاف الهوى لأن تركها كان موافقها للهوى لأنه قد يقع في أوائل الفكر الوسواس وقال تعالى ذاما لقوم شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ومن قطع بشيء مما يقع في نفسه من الدين فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى وقال تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فنص تعالى على أن من لا برهان له فليس بصادق وقال تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم فهذا يدفع قول من قال بالأخف وقال تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج وهذا يدفع قول من قال بالأثقل وصح أنه لا لازم إلا ما ألزمنا الله تعالى وسواء وقع في النقس أو لم يقع وسواء كان أخف أو أثقل
قال أبو محمد وإذ قد انحصرت وجوه الاجتهاد إلى ما قد وضحنا براهينه من القرآن أو الخبر المسند بنقل الثقات إلى النبي صلى الله عليه و سلم أما نصا على الإسم وإما ليلا من النص لا يحتمل إلا معنى واحدا وسقط كل ما عداها من الوجوه التي قد حصرت فالواجب أن ننظر في أقسام المجتهدين فنظرنا في ذلك فوجدنا أقسام المجتهدين بقسمة العقل الضرورية لا تخرج عن ثلاثة أقسام عندنا وأما عند الله تعالى فقسمان لا ثالث لهما
فالقسمان اللذان عند الله تعالى إما مصيب أو مخطىء لا بد أن يكون كل مجتهد عند الله تعالى واقعا في التعيين إما مصيب وإما مخطىء فقد أوضحنا فيما سلف من كتابنا هذا البراهين الضرورية على أن الحق لا يكون في قولين مختلفين في حكم واحد في إنسان واحد في وجه واحد
وأما الثلاثة أقسام التي عندنا فمصيب تقطع على صوابه عند الله عز و جل أو مخطىء نقع على خطئه عند الله عز و جل أو متوقف فيها لا ندري أمصيب عند الله تعالى أو مخطىء وإن أيقنا أنه في أحد الحيزين عند الله عز و جل بلا شك لأن الله تعالى لا يشك بل عنده علم حقيقة كل شيء ولكنا نقول مصيب عندنا أو مخطىء عندنا والله أعلم أو نتوقف فلا نقول إنه مخطىء ولا مصيب وإنما هذا فيما لم يقم على حكمه عندنا دليل أصلا وما كان من هذه الصفة فلا تحل الفتيا فيه لمن لم يلح له وجهه إذ لا شك في أن عند غيرنا بيان ما جهلناه كما أن عندنا بيان كثيرا مما جهله غيرنا ولم يعر بشر من نقص أو نسيان أو غفله
فإذا قال البرهان عند المرء على صحة قوله ما قياما صحيحا فحقه التدين به والعمل به والدعاء إليه والقطع أنه الحق عند الله عز و جل لما ذكرنا قبل وليس من هذا الحكم بالشهادة من العدلين وقد يكونان في باطن أمرهما عند الله تعالى كاذبين أو مغفلين وإذ لم يكلفنا الله تعالى معرفة باطن ما شهدا به ولكن كلفنا الحكم بشهادتهما
وقد عملنا أنه لا يمكن أن يخفى الحق في الدين على جميع المسلمين بل بل لا بد أن تقع طائفة من العلماء على صحة حكمه بيقين لما قدمنا في كتابنا في هذا من أن الدين مضمون بيانه ورفع الإشكال عنه بقول الله تعال تبيانا لكل شيء وبقوله تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم
ولكن قد قال الله تعالى وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم فصح بالنص أن الخطأ مرفوع عنا فمن حكم بقول ولم يعرف أنه خطأ وهو عند الله تعالى خطأ فقد أخطأ ولم يتعمد الحكم بما يدري أنه خطأ فهذا لا جناح عليه في ذلك عند الله تعالى وهذه الآية عموم دخل فيه المفتون والحكام والعاملون والمعتقدون فارتفع الجناح عن هؤلاء بنص القرآن فيما قالوه أو عملوا به مما هم مخطئون فيه وصح أن الجناح إنما هو على من تعمد بقلبه الفتيا أو التدين أو الحكم أو العمل بمن يدرى أنه ليس حقا أو بما لم يقدم إليه دليل أصلا وصح بهذه الآية أن من قام عنده برهان على بطلان قول فتمادى عليه فهو في جناح لأنه قد تعمد بقلبه ذلك
وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران وقد ذكرناه بإسناده فيما سلف من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته فنص رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن الحاكم إذا أخطأ في اجتهاده فله أجر فيما أداه اجتهاده إلى أنه حق عنده وأسقط عنه بذلك الإثم وإن كان مخطئا في الحقيقة عند الله تعالى
قال أبو محمد واعتقاد الشيء والعمل به والفتيا به حكم به فدخل هؤلاء تحت لفظ الحديث المذكور وعمومه فصح ما ذكرناه وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد ثم ينقسم المخطىء المجتهد قسمين لا ثالث لهما إما مخطىء معذور كما قلنا وإما مخطىء غير معذور على ما شهد به قول الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم أن المخطىء المعذور هو الذي يتعمد الخطأ وهو الذي يقدر أنه على حق اجتهاده وأن المخطىء وغير المعذور هو من تعمد بقلبه ما صح عنده أنه خطأ أو قطع بغير اجتهاده
فإن قال قائل فإنكم على هذا يلزمكم أن كل من قال من الصحابة أو من التابعين وفقهاء الأمة وخيارها بقول يخالف قولكم في كل مسألة فإنه داخل فيما ذكرتم من التكفير أو التفسيق أو الكذب وفي هذا ما فيه
قلنا هذه دعوى منكم كاذبة بل هو اللازم لكم ولكل من قال إن الحق في واحد من الأقوال لأنكم في قوله لكم تزعمون في نصركم إياها أنها موافقة لما جاءه من عند الله تعالى إما لقرآن أو لسنة مسندة أو مرسلة وهما عندكم سواء في أمر الله تعالى بقبوله أو لقياس بل هو عندكم مما أمر الله تعالى به فيلزمكم أن كل من خالفكم فيها من صاحب أو تابع أو فقيه مخالف لما جاء من عند الله تعالى والمخالف لما جاء من عند الله تعالى عندكم إما كافر وإما فاسق
فإن قال لا يكون كافرا ولا فاسقا ولا عاصيا إلا أن يعاند الحق الذي جاء من عند الله تعالى وهو يدري أنه حق
قلنا هذا نفس قولنا ولله الحمد فإن كل من خالف قرآنا أو سنة صحيحة أو إجماعا متيقنا وهو لا يلوح له أنه مخالف لشيء من ذلك فليس كافرا ولا عاصيا ولا فاسقا بل هو مأجور أجرا واحدا كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيمن اجتهد فأخطأ ولا خطأ في شيء من الشريعة إلا في خلاف قرآن أو سنة صحيحة فهذا برهاننا من السنة
وأما من القرآن فقوله تعالى للمسلمين { دعوهم لآبآئهم هو أقسط عند لله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في لدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان لله غفورا رحيما } ومن الإجماع أنه لا خلاف بين أحد من الأمة أن من قرأ فبدل من القرآن بلفظ آخر أو أسقط كلاما أو زاد ساهيا مخطئا فإنه لا يكفر ولا يبتدع ولا يفسق ولا يعصي وإنما الشأن فيمن قامت عليه الحجة فعند وخالف الآية بعد أن وقف عليها مقلدا أو متبعا لهواه أو خالف السنة بعد أن عرفها كذلك فهؤلاء هم الذين يقع عليهم التكفير والتفسيق على حسب خلافهم لذلك إن استحلوا خلاف ذلك كفروا وإن خالفوه معاندين غير مستحلين فسقوا
وهكذا القول في الشريعة كلها ووطء الفرج الحرام وأكل الحرام واستباحة العرض الحرام والبشرة الحرام ونحو ذلك كل هذا من فعله مخطئا غير عالم أنه خالف ما جاء من عند الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم فلا يكفر ولا يفسق ولا يعصي ومن فعله عامدا غير معتقد لإباحة ما حرم الله تعالى من ذلك فهو فاسق ومن فعله عامدا مستحلا خلاف الله تعالى فهو كافر وقد نزه الله تعالى كل صاحب وكل فاضل عن هاتين المنزلتين وأوقع فيهما كل فاسق متبع هواه قاصدا إلى نصر الباطل والثبات عليه وهو يدري أنه باطل وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد فإذا قد صح كل ما قلناه فلنبين بحول الله تعالى وقوته وجوه الاجتهاد التي قدمنا وحكم من أخذ بوجه منها وفي أي خبر يقع عندنا من القطع بصوابه أو القطع بخطئه أو التوقف في أمره وبالله تعالى نعتصم
فأول ذلك من تعلق بآية منسوخة فهذا لا يخلو من أحد وجهين إما أن تكون تلك الآية قد جاء نص منقول نقل تواتر بأنها منسوخة أو قال دليل متيقن النص أو الحال بأنها منسوخة فإن كان نسخها ثبت أحد هذه الوجوه فحكمها الثبات على ما بلغه من المنسوخ عند الله عز و جل بلا شك ما لم يثبت البرهان عنده بنسخها معذور مأجور مرتين
فإذ قام عليه البرهان المذكور بأنها منسوخة فتمادى على ذلك من الأخذ بالمنسوخ معتقدا لصوابه في ذلك فهو كافر مشرك حلال الدم كمن تمادى على القول بأن المتوفى عنها وصية إلى الحول أو على القول بالصلاة إلى بيت المقدس وما أشبه ذلك
وأما إن قام الدليل عنده على أنها منسوخة من النص المتيقن كما ذكرنا إلا أنها مما اختلف الناس في نسخها فتمادى على القول بالمنسوخ وهو يعلم خلاف ذلك فهو فاسق عاص لله تعالى لتعمد قلبه القول بمخالفة الحق الصحيح فهو عامد كبيرة وبالله تعالى التوفيق
فإن كانت تلك الآية مما قام الدليل على نسخها من نقل الآحاد وهو ممن يصحح مثل ذلك النقل فتمادى على القول بها فهو فاسق بتعمده مخالفة ما هو الحق عنده وإن كنا لا نقطع على أنه مخطىء وليس هذا فيما لم يأت من جهة الثقات مسندا فقط لكن من جهة من اختلف في توثيقه ولا بد ولا مزيد وهذا كمن رد شهادة العدلين من الحكام فيما يقبلان فيه بغير شيء يوجب رد شهادتهما فهذا فاسق لرده ما هو الحق عنده ولعله في باطن الأرض مصيب في ردها إذ لعلهما كاذبان أو مغفلان أو غاب عنهما سر تلك الشهادة فهذا أفضل
وفصل ثان وهو أن يتعلق بآية مخصوصة مثل قوله { لئن أشركت ليحبطن عملك } فهذه خاصة فيمن مات كافرا ببرهان نص آخر فهذه أيضا ما لم يقم عنده برهان بأنها مخصوصة فحكمه الثبات على المخصوص الذي بلغه وهو مأجور مرتين حتى إذا قام عليه الدليل البرهاني بأنها مخصوصة فكما قلنا في الفصل الذي قبل هذا
وفصل ثالث وهو أن يتعلق بآية قد خص منها بعضها كقوله تعالى { قل لا أجد في مآ أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير لله به فمن ضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } وكقوله تعالى { ولمحصنات من لنسآء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب لله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما ستمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد لفريضة إن لله كان عليما حكيما } إلى قوله { ولمحصنات من لنسآء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب لله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما ستمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد لفريضة إن لله كان عليما حكيما } وكقوله تعالى { ولسارق ولسارقة فقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من لله ولله عزيز حكيم } فهذا أيضا حكمه الثبات على ما بلغه وهو مأجور مرتين فإن قام عليه البرهان فتمادى فإن كان صحيحا عنده فهو كافر كمن أحل الخمر بعموم هذه الآية أو أحل العبيد بملك اليمين
وفصل رابع وهو أن يتعلق بآية مزيد عليها نص آخر كمن تعلق بقوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية إلى قوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقد زيد في هذه الآية تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها
ومثل هذا كثير فهذا أيضا حكمه الثبات على ما بلغه وهو مأجور مرتين ما لم يقل عليه دليل بالزيادة فإن كان الدليل صحيحا عنده فخالفه معتقدا خلاف النص فهو كافر
وفصل خامس وهو أن يتعلق بآية فيصرفها عن وجهها
كمن ادعى في قول الله عز و جل { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } وقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } أنهما مخالفان لما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم من الحكم باليمين مع الشاهد وموجبان ألا يحكم بأقل من الشاهدين أو شاهد وامرأتين
قال أبو محمد وهذا تمويه تعمدوه أو جاز عليهم بغفلة
أو صرف للآيتين عن وجههما وتمويه بوضعهما في غير موضعهما لأنه ليس في الآيتين المذكورتين أمر بالحكم بالشاهدين
أو الشاهد والمرأتين أصلا
ولا دليل على ذلك بوجه من الوجوه
وإنما فيهما الأمر باستشهاد الشاهدين أو الشاهد والمرأتين المداينة والطلاق والرحمة فقط مع ما فيهما من قوله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } دون ذكر عدد إشهاد واحد يقع عليه اسم إشهاد وقوعا صحيحا في اللغة بلا شك فهو جائز بنص القرآن
وكمن تعلق في إيجاب الزكاة بقوله تعالى { وآتوا حقه يوم حصاده } وهذا خطأ لأن إيتاء حق الزكاة فيما أنبتت الأرض لا يمكن يوم الحصاد وهي أيضا مكية والزكاة مدنية
فصح أن من احتج بهذه الآية في أحكام الزكاة فصارف للآية عن وجهها فمن جهل هذه النكتة واحتج بهاتين الآيتين فيما ذكرنا فهو مخطىء لأنه لم يأمره الله تعالى قط بما ذهب إليه لكنه بجهله مأجور مرة معذور فإن وقف على ما ذكرنا فتمادى على قوله فهو فاسق أو كافر على ما قسمنا قبل مخطىء عند الله تعالى بيقين لما ذكرنا قبل
قال أبو محمد وهذه الفصول كلها داخلة على من تعلق بالأحاديث كما ذكرنا قبل سواء بسواء كمن تعلق بحديث منسوخ أو مخصوص أو مخصوص منه أو مزيد عليه فهذا كما
قلنا في الآيات سواء بسواء إلا أنه لا يكفر إلا برد حديث ثبت عنده وإن كان مختلفا في الأخذ به فكما قلنا في الآيات إن خالف في ذلك ما هو الحق عنده معتقدا لذلك فهو كافر مخطىء عند الله تعالى وإن خالف ذلك بلسانه دون قلبه فهو فاسق
ومما ذكرنا أيضا قول من احتج في إباحة الصلاة في المقبرة بصلاة النبي صلى الله عليه و سلم على قبر المسكينة السوداء وهو لا يبيح الصلاة على القبر وأما لو اتخذ بهذا لكان هذا منه قياسا لا صرفا للخبر عن وجهه
وكمن احتج بقوله صلى الله عليه و سلم إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاث في رد الحج عن الميت وترك للصيام عنه وترك كشف رأسه إن مات محرما
ومنها أن يدعي المرء في عموم آية نسخا أو تخصيصا أو تخصيصا منها أو ندبا فإن حق له دعواه في ذلك بنص صحيح فقوله حق مقطوع على صحته عند الله عز و جل ومن قال إن هذه الآية أو الخبر قد نسخها الله عز و جل أو خصهما أو خصص منهما أو يلزمنا ما فيهما أو أراد بهما غير ما يفهم منهما ولم يأت على دعواه بنص صحيح فقد قال الله ما لم يعلم
قال أبو محمد وليس هؤلاء كمن تقدم ذكرنا لهم لأن من تعلق بنص لم يبلغه ناسخه ولا ما خصه ولا ما زيد به عليه فقد أحسن ولزم ما بلغه وليس عليه غير ذلك حتى يبلغه خلافه من نص آخر ومن ذكرنا في هذا الفصل فلم يتعلق بشيء أصلا بل تحكم في الدين كما اشتهى وهذا عظيم جدا فمن قال بهذا ممن نشاهده ساهيا غير عارف بما اقتحم فيه من الدعوى فهو معذور بجهله ما لم ينبه على خطئه فإن نبه عليه فثبت على خلاف ما بلغه عامدا فهذا غير معذور لأنه خالف الحق بعد بلوغه إليه
وأما من روي عنه شيء من ذلك من الصحابة أو التابعين أو ممن سلف ممن يمكن أن يظن به أنه سمع في ذلك نصا شبه له فيه فهؤلاء معذورون لأننا لا نظن بهم إلا أحسن الظن وقد حضنا الله تعالى على أن نقول { ولذين جآءوا من بعدهم يقولون ربنا غفر لنا ولإخواننا لذين سبقونا بلإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنآ إنك رءوف رحيم }
قال أبو محمد ولا يقين عندنا أنهم تحكموا في الدين بلا شبهة دخلت عليهم ولا شك أنهم لم يتبين لهم الحق في ذلك
وأما من نشاهده أو لم نشاهده ممن صح عندنا بيقين حاله ومقدار عمله فنحن على يقين أنه ليس عنده في ذلك أكثر من الدعوى والقول على الله تعالى بما لا يعلم فهؤلاء فساق راكبون أعظم الكبائر ونعوذ بالله من الخذلان
ومنها أن يتعلق بدليل الخطاب أو بالقياس فهذا أيضا معذور مأجور مخطىء عند الله تعالى بيقين إلا أنه لا يفسق ما لم تقم عليه الحجة في بطلان هذين العلمين فإن قام بذلك عنده البرهان من النصوص الثابتة المتظاهرة فتمادى على القول بالقياس أو بدليل الخطاب فهو فاسق لأنه ثابت على ما لم يأذن به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه و سلم كما قدمنا
ومنها أن يتعلق بالرأي والاستحسان وهذا أضعف من كل ما تقدم
إذ الشبهة المتعلق بها في هذين الوجهين في غاية الوهاء لأنه دليل على صحتهما بل البرهان قائم على بطلانهما إلا أنهم قد تعلقوا في ذلك بأثرين واهيين ساقطين مصروفين أيضا عن وجههما أحدهما الحديث المنسوب إلى معاذ إلا أن من شبه عليه فظن أنه مصيب في ذلك فهو معذور مأجور فإن قامت عليه الحجة بطلان الرأي والاستحسان فثبت على القول بهما فهو فاسق لحكمه في الدين بما لم يأذن به الله تعالى
ومنها أن يتعلق بقول صاحب قد خالفه غيره من الصحابة أو بقول عالم ممن دونه ممن قد خالفه غيره من العلماء فهذا هو التقليد بعينه وليس من فعل هذا مجتهدا أصلا وهو حرام لا يحل فمن قد رأته معذور في ذلك ولم يبلغه المنع منه ولا بلغه أن ههنا عالما آخر مخالفا لهذا الذي تعلق به فهو معذور لأنه يظن أن هذا هو الحق وأما إذا بلغه أن عالما آخر مخالفا للذي تعلق هو به فهو فاسق
لأنه ليس بيده شبهة أصلا يتعلق بها في اتباع رجل بعينه دون غيره بل هو ضلال مبين
ونعوذ بالله من الخذلان
وأما الوجوه التي لا تقع فيها على تفسيق المخالف لنا ولا على أنه مخطىء عند الله تعالى بل نقول نحن على الحق عند أنفسنا ومخالفنا عندنا مخطىء مأجور والله أعلم فأدق ذلك وأغمضه أن ترد آيتان عامتان أو حديثان صحيحان عامان أو آية عامة وحديث صحيح وفي كل واحدة من الآيتين أو في كل واحد من الحديثين أو في كل واحد من الآية والحديث تخصيص لبعض ما في عموم النص الآخر منهما وذلك مثل قوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات لأخ وبنات لأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من لرضاعة وأمهات نسآئكم وربائبكم للاتي في حجوركم من نسآئكم للاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم لذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين لاختين إلا ما قد سلف إن لله كان غفورا رحيما } مع قوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات لأخ وبنات لأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من لرضاعة وأمهات نسآئكم وربائبكم للاتي في حجوركم من نسآئكم للاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم لذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين لاختين إلا ما قد سلف إن لله كان غفورا رحيما } وكقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن مع قوله صلى الله عليه و سلم وقد ذكر الإمام وإذا قرأ القرآن فأنصتوا ومثل قوله تعالى { فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين } مع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم فإن خصومنا يقولون { فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين } وقد خص منه الأختين بملك اليمين قوله تعالى { فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين } وقلنا نحن إن قوله تعالى { فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين } خص منه الأختين بملك اليمين قوله تعالى { فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين }
وقال خصومنا لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن خص منه المأموم قوله صلى الله عليه و سلم إذا قرأ القرآن فأنصتوا وقلنا نحن قوله صلى الله عليه و سلم وإذا قرأ القرآن فأنصتوا خص أم القرآن منه قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن
وقال خصومنا قول الله تعالى خص النساء منه قوله صلى الله عليه و سلم لا تسافر امرأة إلا مع زوج أو ذي محرم وقلنا نحن إن قوله صلى الله عليه و سلم لا تسافر امرأة إلا مع زوج أو ذي محرم خص سفر الحج قوله تعالى { فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين }
قال أبو محمد فهذا وإن رجعنا استعمالنا للحديثين بدليل لازم صحيح فإن متعلق خصومنا هنا قوي ووجه خطأ من أخطأ ههنا خفي جدا دقيق البتة لا يؤمن في مثله الغلط على أهل العلم الواسع والفهم البارع والإنصاف الشائع وليس كسائر ما قدمنا مما تقود إليه العصبية ولا يخفى وجه الخطأ فيه على من أنصف أو تورع
هذا ما لم يوجد فيه نص يشهد لأحد الاستعمالين فإن وجد نص صحيح بذلك عاد الأمر إلى ما قد ذكرناه في الفصول المتقدمة ولا بد من وجوده لأن الله تعالى قد ضمن لنا بيان الدين بقوله تعالى { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } فلا يجوز البتة أن يبقى في الدين شيء مشكل بل هو كله مقطوع على أنه بين بيانا جليا والحمد لله رب العالمين
الوجه الثاني أن يرد حديثان صحيحان متعارضان أو آيتان متعارضتان أو آية معارضة لحديث صحيح تعرضا مقاوما في أحد النصين منع وفي الثاني إيجاب في ذلك الشيء بعينه لا زيادة في أحد النصين على الآخر ولا بيان في أيهما الناسخ من المنسوخ كالنص الوارد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم شرب قائما والنص الوارد أنه صلى الله عليه و سلم نهى عن الشرب قائما فإن من ترك الخبرين معا ورجع إلى الأصل الذي كان يجب لو لم يرد ذلك الخبران أو رجع أحد الخبرين على المعارض له بكثرة رواته أو بأنه رواه من هو أعدل ممن روى الآخر وأحفظ وما أشبه هذا من وجوه الترجيحات التي قد أوردناها في باب الكلام في
الأخبار من ديوننا هذا وبيان وجوه الصواب منها من الخطأ فإن هذا أيضا مكان يخفى بيان الخطأ فيه جدا وأما نحن فنقول بالأخذ الزائد شرعا إلا أننا نقول وبالله تعالى التوفيق إن من مال إلى أحد هذه الوجوه في مكان ثم تركه في مثل ذلك المكان وأخذ بالوجه الأخر مقلدا أو مستحسنا فما دام لم يوقف على تناقضه وتفاسد حكمه فمعذور مأجور حتى إذا وقف على ذلك فتمادى فهو فاسق عاص لله عز و جل لاتباعه الهوى قال الله تعالى { يداوود إنا جعلناك خليفة في لأرض فحكم بين لناس بلحق ولا تتبع لهوى فيضلك عن سبيل لله إن لذين يضلون عن سبيل لله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم لحساب } وكل من قال في الدين بقول لم يأت عليه ببرهان لكن بما وقع في نفسه الميل فإنه بيقين متبع لهواه
والوجه الثالث أن يتعلق بحديث ضعيف لم يتبين له ضعفه أو بحديث مرسل أو ادعى تجريحا في راوي حديث صحيح إما بتدليس أو نحوه أو ادعى أن الناقل أخطأ فيه فمن اعتقد صحة ما ذكر من ذلك معذور مأجور حتى إذا ترك في مكان آخر مثل ذلك الحديث أو رد مرسلا آخر لإرساله فقط وأخذ بحديث آخر فيه من التعليل كالذي فيما قد رده في مكان آخر ووقف على ذلك فإن تمادى فهو فاسق وإن لم تقطع على أنه مخطىء عند الله عز و جل لكن لإقدامه على الحكم في الدين بما قد شهد لسانه ببطلانه في موضع آخر فهو متبع هواه فهو ضال بالنص كمن حكم شهادة فاسقين يعلم فسقهما فيما لا يدري هو صحة شهادتهما به أو رد شهادة عدلين يعلم عدالتهما بغير حرج ثبت عنده بل علم منه ببطلان ما شهدا به فهذا فاسق بإجماع الأمة كلها وإن كان في الممكن أن يكون قد صادف الحق عند الله تعالى ولكن لما أقدم على خلاف ما أمر به بغير يقين كان عاصيا لله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان
فإن قال قائل فكيف تقولون فيمن بلغه نص قرآن أو سنة صحيحة بخبر ليس من باب الأمر أنه قد جاء ذلك الخبر في نص آخر باستثناء منه أو زيادة عليه ولم يبلغه النص الثاني
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن هذا بخلاف الأمر لأن الأوامر قد ترد ناسخا بعضها بعضا فيلزمه ما بلغه حتى يبلغه ما نسخه وليس الخبر كذلك بل يلزمنا تصديق
ما بلغنا في ذلك لأن الله تعالى لا يقول إلا الحق وكذلك رسوله صلى الله عليه و سلم وعليه أن يعتقد مع ذلك أن ما كان في ذلك الخبر من تخصيص لم يبلغه أو زيادة لم تبلغه في حق ولا نقطع بتكذيب ما ليس في ذلك الخبر أصلا
وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال لا تصدقوا أهل الكتاب إذا حدثوكم ولا تكذبوهم تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل أو كلاما هذا معناه
فهذا حكم الأخبار الواردة في الوعظ وغيره
وبالله تعالى التوفيق
وما كان من الأخبار لا يحتمل خلاف نصه صدق كما هو ولزم تكذيب كل ظن خالف نص ذلك الخبر
وبالله تعالى التوفيق
وهو حسبنا ونعم الوكيل لا إله إلا هو عليه توكلت
قال أبو محمد علي بن أحمد رضي الله عنه
قد انتهينا من الكلام في الأصول إلى ما أعاننا الله تعالى عليه ويسرنا له على حسب ما شرطنا في أول كلامنا في ديواننا هذا من التقصي والاستيعاب نسأل الله عز و جل أن يجعله لوجهه ودعاء إليه ونصرا له
وأن يدخلنا بما من به علينا من ذلك في جملة من أثنى عليهم بقوله تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى لخير ويأمرون بلمعروف وينهون عن لمنكر وأولئك هم لمفلحون } وبقوله تعالى { لذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا لله ولولا دفع لله لناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها سم لله كثيرا ولينصرن لله من ينصره إن لله لقوي عزيز }
قال أبو محمد فلنختم كلامنا بما ابتدأنا به فنقول والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وسلم تسليما ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم