كتاب : أدب المفتي والمستفتي
المؤلف : عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي
أجاب رضي الله عنه لا يجوز ذلك في الأطلس والحرير وكلما المقصود منه الزينة ولا بأس فيما المقصود منه ستر الميت وصيانته والله أعلم
103 - مسألة وقف على من احتيج إلى سؤال كفن له بالمدينة الفلانية هل يتعين الكفن الواجب أو يجوز الكفن المستحب وهل يعطى القطن مع الكفن وهل يشترط أن يكون من طلب له الكفن فقيرا
أجاب رضي الله عنه يقتصر على ثوب واحد ويكون سابغا ولا يعطى القطن والحنوط فإنه من قبيل الأثواب المستحسنة التي لا يعطى على الأظهر المحفوظ في نظيره ويشترط أن يكون ذو الكفن فقيرا فإن قوله من احتيج إلى سؤال كفن له محمول على السؤال الجائز والسؤال الجائز مخصوص بالفقير والله أعلم
104 - مسألة رجل دفن من مدة سنين في قبر مملوك معقود على ما جرت به عادة أهل دمشق ثم أذن وارثه في أن وضعت فيه امرأة أجنبيه في تابوتها فهل يجوز له ذلك أم يكره وإذا كره ما وجه كراهته وهل يجوز للوارث استدراك ذلك بنقلها وهل يفرق بين أن يكون من عظامه بارز داخل القبر أم لا
أجاب رضي الله عنه والله الموفق بعد المراجعة والنظر أن في دفنها المذكور ارتكاب المنهي عنه من وجوه
أحدها الدفن في التابوت وهو مبتدع منهي عنه وفي النساء أيضا
والثاني الدفن المعهود في القبر المعقود فإنه منهي عنه من حيث إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يبنى القبر وفي رواية وأن يبنى عليه وكلتا الروايتين صحيحتين
إن الكيفية التي يتعاطاها أهل دمشق في ذلك قريبة من فعل الكفار وفي نواويسهم
والثالث الجمع بين الرجل والمرأة الأجنبية في قبر واحد وفيه أن الجمع بين الإثنين في قبر واحد لا يسوغ إلا في حالة العسر والضرورة ومن المعنى فيه أنه بجانب الحرمة والميت محترم وأنه لا يدري حالهما فيتأذى الصالح بالطالح ثم إن الجمع بين الرجل والمرأة الأجنبية يختص بزيادة منع لأن المشروع الثابت من المجانية بينهما لم تزل بالموت من آثار ذلك أنه لا يجوز لأحدهما غسل الآخر وغير هذا من الأحكام ثم بالنظر إلى هذا الوجه ومعنى التشبه بأصحاب النواويس يزداد المحذور فيما إذا لم تكن عظام الرجل كلها مطمورة بالتراب وعند هذا فعلى ولي المرأة وولي الرجل المقبور استدراك الأمر من جميع الوجوه المذكورة فليتخذ
للمرأة حفيرة تدفن فيها من غير تابوت على الوجه المشروع ولو في مكانها ولكن لا مع بقاء هذا القبر المبنى وليس في إخراجها منه محذور ونقل الميت الذي يصحبه النبش وليزل وارث المقبور محذور البناء وغيره فإن تدارك ذلك لم يفت والله أعلم
105 - مسألة تلقين الموتى بعد الدفن هل هو مشروع وإذا شرع ذلك فهل يشرع تلقين الطفل الرضيع وما الدليل على ذلك وعلة تلقين الطفل مطلوب
أجاب رضي الله عنه أما تلقين البالغ فهو الذي نختاره ونعمل به وذكره جماعة من أصحابنا الخراسانيين وقد روينا حديثا من حديث أبي أمامة ليس بالقائم إسناده ولكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام به قديما وهو مختصر وأبي وليس فيه غبه ما يذكره العامة الملقنون من التطويل
قال الجامع لهذه الفتاوى رضي الله عنه وقد أمرني رضي الله عنه بأن أنقله لصاحب الفتوى الواقعة في ذلك وقد نقلته من التتمة وصورته أن يقول يا فلان ابن أمة الله أويقول يا فلان ابن حواء اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا وأما تلقين الرضيع فما له مستند يعتمد ولا نراه
106 - مسألة قول صاحب التنبيه فيما إذا ماتت الحامل وفي جوفها جنين لا ترجى حياته أنه يوضع على بطنها ما يموته
أجاب رضي الله عنه هذا في نهاية الفساد بل الصواب أن يترك حتى يموت من غير ذلك والله أعلم
107 - مسألة في الكفن هل يجوز أن يكتب عليه سور من القرآن يس والكهف وأي سورة أراد أو لا يحل هذا خوفا من صديد الميت وسيلان ما فيه على الآيات وأسماء الله تعالى المباركة المحترمة الشريفة وهل يجوز أن يصحبه في القبر شيء من الثياب المخيطة
أجاب رضي الله عنه لا يجوز ذلك وأما المخيطة فيجوز أن يكفن في قميص والله أعلم
مسألة رجل يزعم أنه يرى النبي صلى الله عليه و سلم في النوم وهو يقول له قولا يتضمن حكما شرعيا فهل يجوز له العمل به
أجاب رضي الله عنه لا يجوز الاعتماد في ذلك على ما يراه في النوم ويسمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس ذلك من أجل عدم الوثوق بأن من رآه صلى الله عليه و سلم فقد رآه حقا فان ذلك موثوق به بل ذلك من أجل عدم الوثوق بضبط الرأي لذلك فإن حالة النوم حالة غيبة وبطلان للقوة الحافظة لما يجري في النوم على التفصيل ونحو هذا وعلى هذا درج أهل العلم وأهل المعرفة الماضون وإنما يعتمد في الأحكام الشرعية ونحوها على الدلائل الشرعية المعلومة والله أعلم
ومن كتاب الزكاة
108 - مسألة الخمسة الأوسق هي خمسة أوسق وهي ألف وستمائة رطل بالبغدادي كم تجيء بالرطل الشامي
أجاب رضي الله عنه هي برطل دمشق ثلثمائة رطل وثلاثة وأربعون رطلا أو قريبا من ذلك والله أعلم
109 - مسألة رجل ملك حليا معدا لاستعمال النساء فهل تجب الزكاة أم تسقط بحكم إعداده لاستعمال النساء مع بقائه على ملك الرجل أم لا
أجاب رضي الله عنه إذا كان مع ذلك مستعملا استعملا مباحا لم تجب زكاته والله أعلم
110 - مسألة امرأة ملكت حليا معدا للباسها فاذا حال الحول فهل تجب الزكاة أم لا
أجاب رضي الله عنه الأظهر أنه لا تجب والأحوط إخراجها والله أعلم
111 - مسألة هل يجوز لابن السبيل والمكاتب والغارم صرف ما يعطون من الزكاة إلى حوائجهم من نفقة زوجات وغير ذلك ويكتسب هذا الأداء النجوم ويشحذ المسافر
في طريقة أو يعمل صنعة توصله ويقضي الغارم من غير هذا المال أم يحجز عليهم في المدفوع ويقال لا يجوز لكم صرفه إلا فيما أنتم بصدده
أجاب رضي الله عنه لا حجز عليهم في ذلك لأنهم ملكوا ذلك ومن ملك شيئا تمكن من صرفه فيما شاء وهذا الحكم منقول في المكاتب والغارم وابن السبيل ملتحقان به ولا ينبغي أن يخرج هذا على الخلاف فيما إذا حصل الاستغناء عن المأخوذ بابراء ونحوه لقيام الفرق والله أعلم
112 - مسألة رجل مقيم ببلد وقد وجبت عليه زكاة وله قريب مقيم ببلد آخر فهل له أن ينقل بعض ما وجب عليه من الزكاة ويدفعها لقريبه المذكور أو يفرقها في الموضع الذي وجبت عليه فيه
أجاب رضي الله عنه الأظهر أن ذلك جائز بشرطه والله أعلم
113 - مسألة فلاح يستقرض من الديون ما يبذره في أرض بيت المال فإذا حصل حاصله أدى القرض وناصفه السلطان في الباقي فأخذ نصفه فهل يجب على الفلاح وحده عشر الجميع إذ بلغ نصابا أو لا
أجاب رضي الله عنه وقال عشر الجميع على الفلاح المالك المبذر فإنه المالك لجميع الزرع والذي يأخذه نائب بيت المال إنما يدفعه الفلاح عوضا عن منفعة الأرض راضيا بذلك كالأجرة والدين لا يمنع وجوب الزكاة وفساد هذه المعاملة لا يجعل الذي دفعه مع رضاه على سبيل العوض داخلا في قبيل المغصوب ولا ينبغي أن يثقل ذلك على الفلاح فإنه يحصل له
إن شاء الله تعالى بإخراجه من البركة أضعاف ما أخرجه وما نقص مال من صدقة
114 - مسألة الفطرة هل يجوز إخراجها على أحد الأصناف الثمانية فإن الثمانية يعجز طلبهم وهل لزكاة الفطر حكم زكاة المال في التقسيم أم لا
أجاب رضي الله عنه يجوز عند بعض أئمتنا قسمتها على ثلاثة من الفقراء ويجوز تقليده في ذلك والله أعلم
115 - مسألة في الحب المخرج في الكفارات الشرعية وزكاة الفطر ونفقة الزوجات هل يجب إخراجه مغربلا نقيا من الغلث أم يجوز أن يكون مما جرت العادة ببيعه في الأسواق وهل يختلف الحال عند من يعتبر المكيل موزونا
أجاب رضي الله عنه أن أخرجه بالوزن فيشترط نقاؤه مما يظهر في الوزن من ذلك وأن أخرجه كيلا فلا بأس بما يحصل من التراب ونحوه في شقوق الحب ولا ينقص به نفس الحب عن كونه صاعا مثلا وعلى الجملة
ينبغي أن يزاد على ما قدر به وزنا مقدارا يقع معه الثقة بالوفاء بالأصل الذي كان يخرج كيلا فإن في الضبط بالوزن اضطرابا والله أعلم
116 - مسألة قوم تزيوا بزي الفقر وهم قادرون على الكسب فهل يحل لهم الأخذ من الزكاة وهل إذا أعطاهم الانسان من الزكاة تبرأ ذمته وهل على ولي الأمر الزامهم الكسب
أجاب رضي الله عنه لا يحل لهم ذلك وهم في ذلك خارجون عن طريقة الأخيار لابتزاز ذمة من دفع إليهم ولا تبرأ ذمة من دفع إليهم الزكاة بسبب الفقر والمسكنة مع قدرتهم على كسب يليق بأمثالهم وعلى ولي الأمر منعهم وإلزامهم الكسب إذا قدروا على كسب لائق بأمثالهم والله أعلم
117 - مسألة أصناف الزكاة في هذا العصر غير خاف أن بعضهم قد عدم وقد عمي خبر من بقي ما خلا الفقراء والمساكين هل على رب المال الزكاة أن يتمهل في كشف حال الغارمين وابن السبيل والرقاب أم يجوز له أن يقتصر على أحد الصنفين بسهولة
ذلك وعسر الباقين وهل المسكين من عنده بعض قوت يومه أم هو من عنده بعض قوت سنة
أجاب رضي الله عنه يفرقها على الموجودين من الأصناف وهم أربعة الفقراء والمساكين والغارمون وأبناء السبيل وإن وجد في بلد السائل المكاتبون صرف إليهم سهمهم وأخره حتى يكشف عنه
والمسكين هو الذي لا يملك تمام كفاية سنة فالعبرة في ذلك بالسنة على الأصح سهم والله أعلم
118 - مسألة الهاشمي إذا كان عاملا على الصدقات هل له أن يأخذ سهم العامل
أجاب رضي الله عنه منهم من أبى ذلك ويتوجه بأنه يأخذ ذلك صدقة وكونه عاملا وصف نيط به الاستحقاق كسائر الأوصاف من الفقر والمسكنة وغيرهما وليس ذلك أجرة على منهاج الأخر فإنه لا يعتبر فيه عقد إجارة ولا ان يكون المقدار معلوما عند عمله ومنهم من سوغ ذلك ويتوجه بأن ذلك في المعنى أجرة فانه مجعول له على عمل يعمله يقابل مثله بالأجرة ويدل على أنه سهم العامل لا يزاد على أجرة المثل وإذا فضل من ثمن الصدقة على ذلك فاضل رد على باقي الأصناف وإنما لم يعتبر فيها العقد وشرطه لأنها ثبتت بجعل الشارع بخلاف الأجر في الأجارات التي هي منوطة بجعل المكلف والله أعلم
ومن كتاب الصوم
119 - مسألة قول الشيخ في الوسيط في الصوم في المجامع إذا نزع مع طلع الفجر يصح صومه ثم أجاب عن سؤال مقدر فإن قيل كيف يمكن اتصال النزع بالصبح قلنا ما قيل إن كان الإحساس لا يتعلق به حكم هل يريد أنه لا يتعلق به حكم الصوم حتى أنه لو أولج فيه ونزع قبل إمكان الاحساس لا يفطر أم لا
أجاب رضي الله عنه وأما قوله لا يتعلق به حكم معناه لا يتعلق به حكم الإفساد ونحوه مما يتعلق بالإيلاج لو تعمده بعد في المعرفة بطلوع الفجر والله أعلم
120 - مسألة امرأة ظهر لها انقطاع الحيض بالليل في شهر رمضان ثم انها تحملت قطنة احتياطا ونوت الصوم وأخرجت القطنة بعد طلوع الفجر ولم تر أثرا فهل يضر هذا الاستخراج في الصوم وكذا اذا أدخلت أصبعها الى باطن الفرج عند الاستنجاء هل يكون ذلك كوصول شيء من الإحليل أم لا
أجاب رضي الله عنه ينبغي أن يكون مخرجا على الخلاف في أن اقتلاع النخامة من الباطن هل يلتحق بالقيء والإفطار والأولى أن لا يفطر وإدخال إصبعها الى باطن الفرج مفطر كما في مثله في المقعدة والله أعلم
ومن كتاب البيع
قال شيخنا الإمام العالم العامل تقي الدين بن الصلاح غفر الله له للغزالي رحمه الله تصرف في استعمال لفظ الركن كرره في تصانيفه وأشكل على الأكثرين تحقيقه وتنقيحه ومع كثرة تداوله في كتبه لم أجد أحدا من أهل العناية بكلامه تقدم بكشفه وقد من الله الكريم بكشفه ووجه الإشكال أن ركن الشيء عند الغزالي وعند غيره ما تركبت حقيقة الشيء منه ومن غيره ثم أنه لا يزال في أمثال هذا يستعمل الركن فيما ليس جزءا من الحقيقة كما فعله هاهنا فإنه عد العاقد والمعقود عليه من أركان عقد البيع وليسا داخلين في حقيقة الشيء قطعا وليس يستقيم أن يقال أنه يجوز فأراد ما لا بد منه في البيع مثلا لأنه يبطل بالزمان والمكان ويبطل بالمشروط فإنها لا بد منها وهو يجعلها غير الأركان فأقول والله الموفق إن ركن الشيء فيما نحن بصدده عبارة عما لا بد لذلك الشيء منه في وجود صورته عقلا أما لكونه داخلا في حقيقته أو لكونه لازما له به اختصاص فنقول لا بد لذلك الشيء في وجود صورته فيه احتراز عن الشرط فإنه لا بد منه في وجود صحته شرعا لا في وجود صورته حسا وذلك فيما نحن فيه لكون المبيع معلوما ومنتفعا به وسائر ما يذكر في قسم الشروط فان صورة العقد موجودة بدون كل ذلك لكن لا توجد صحته شرعا بدونها فهذا ضبط الفرق بين الركن والشرط ومن أجل هذا اعتذر في كتاب النكاح عن عد الشهادة من الأركان فقال هي شرط لكن تساهلنا بتسميتها ركنا وقلنا لكونه داخلا في حقيقته أو لازما له به اختصاص احترازنا به عن الزمان والمكان ونحوها من الأمور العامة التي لا بد منها وقد حوينا بذلك العاقد والمعقود عليه وصيغة العقد فإنها لا تخرج عن ذلك وينبغي أن يقول وصيغة العقد أو ما في معنى الصيغة كما قال قاله في البسيط لأن تغيير الصيغة من قبيل الشروط والله أعلم
121 - مسألة رجل اشترى جارية بثمن معلوم دفعه الى البائع ودفع أجرة الدلالين ثم ظهر بها عيب فردها على البائع بأمر الحاكم واسترجع الثمن فهل له أن يسترجع الدلالة أيضا أم لا
أجاب رضي الله عنه أجرة الدلال على البائع لا على المشتري فإذا وزنها المشتري نظر فإن تبرع بها لم يكن له الرجوع بعد التسليم وكذا إن أداها عن البائع بغير إذنه لم يكن له الرجوع على أحد وإن أداها عن البائع بإذنه فله الرجوع على البائع وإن أداها عن نفسه على ظن أنها واجبة عليه فله الرجوع على الدلال الذي أجرها والله أعلم
122 - مسألة جارية اشترتها مغنية وحملتها على الفساد فامتنعت وطلبت البيع
أجاب رضي الله عنه بانها تباع عليها ممن ليس مبتلى بهذا البلاء ورأيت الحال يقتضي أن ذلك تعين طريقا في خلاصها من الفساد واستروحت إلى فتاوى القاضي حسين فيما رأيته بخط بعض أصحابه عنه أن السيد إذا كلف مملوكه ما لا يطيق يباع عليه وليس ما قاله بعيدا عن قاعدة
المذهب فقد علم أن العبد المسلم يباع على الكافر صيانة له من الذل وقد قال صلى الله عليه و سلم من لا يلائمكم فبيعوه والله أعلم
123 - مسألة رجل اشترى جارية وبعد أيام يسيرة ذكرت أنها طهرت عن الحيض فوطئها وبعد ثمانية أيام ظهر أنها حامل حملا شهد جماعة من القوابل أنه من مدة تزيد على الشهر وباستحالة كونه من ذلك الوطىء عادة مع أن العادة أيضا تحيل ظهور الحمل بعد المعلوق بثمانية أيام ثم وضعت الحمل بعد ثمانية أشهر وخمسة أيام والمشتري يقطع بأن الولد ليس منه فهل يحل له بيعها باطنا وإن لم يحل له ظاهرا بوضعها الولد على فراشه بعد مدة هي مدة الإمكان وهي ثمانية أشهر وخمسة أيام
أجاب رضي الله عنه هذا الولد لاحق بالمشتري حكما وقطعه بأنه ليس منه اعتماد على ما ذكر ليس في محله فإن إمارات الحمل لا توجب
أكثر من الظن لكونه قد تخلف فإذا يكون ما ظهر أولا بهذه الجارية من أمارات الحمل كاذبة ثم حملت من وطىء المشتري واتصلت أمارات الحمل الصادقة بالأمارات الكاذبة وعند هذا فلا يحصل بذلك أكثر من ظن يجري في جواز اعتماده في نفي الولد من الخلاف ما جرى في الظن الحاصل من الاستبراء بعد الوطىء والأحوط للمشتري والحالة هذه أن لا ينتفي من الولد ويلتزم لأمة حكم أمية الولد وعلى تقدير حصول تحقق القطع باطنا يكون هذا الولد ليس منه فينظر فإن سبق من مالك قبله الإقرار بوطىء تقتضي أن يكون هذا الولد منه فلا يجوز والحالة هذه لهذا المشتري بيع الجارية لكونها أم ولد لذلك الواطىء وحكمها الرد عليه وإن لم يكن كذلك والحال هذا للمشتري بيعها وبيع ولدها فان أمية الوالد تثبيت مع مثل هذا الشك مع كراهية شديدة لاحتمال أن يكون الولد من مالك أو شبهه وثبوت الاستيلاء لأمة والله أعلم
124 - مسألة شخص باع من آخر كرما وبقي في يده سنتين واستغله ثم أنكر المشتري العقد وحلف على نفيه فهل للبائع تغريمه ما استغل وأنكر الاستغلال فقامت البينة عليه به
أجاب رضي الله عنه للبائع تغريمه ما استعمل لكونه في زعمه أنما استغل ملكه وهو إنما يدعي عليه الثمن لا غير وقد تعذر عليه بيمين المشتري فسبيله أن يفسخ البيع لأجل تعذر الثمن حتى يحل له التصرف في الكرم المبيع هذا هو الأظهر في ذلك من الوجهين
المسألة بحالها كان على صاحب الكرم دين للمشتري فباعه إياه به أو بمثله حتى وقع التقاص ثم أنكر المشتري على حسب ما تقدم
أجاب رضي الله عنه إن ها هنا يتعين الوجه الآخر من الوجهين وهو أن البائع يبيع الكرم ليستوفي من ثمنه ما أخذه المشتري الدائن على جهة استيفاء الدين ولا يكون له ذلك إلا بعد أن يأخذه منه الدائن وقبله لا يجوز أصلا والفسخ الذي هو الأظهر فيها إذا تعذر الثمن بإنكار المشتري لا يجري ها هنا لأن الثمن قد صار مستوفى بواسطة سقوط الدين عن ذمة البائع أما لكونه ملكه بالبيع حيث وقع البيع على المدين نفسه أو بطريق التقاص إن وقع العقد على مثله وسقط بالتقاص والدين الذي يستوفيه بعد ذلك ظلم فان استوفى جاز للبائع استيفاؤه مما ظفر به من الكرم الذي هو ملكه وإلا فلا والله أعلم
125 - مسألة اشترى رجلا قطعتين من أرض وبينهما نهر عام وهما لمالك واحد هل يدخل كتفا النهر في المبيع وهل للمشتري إن يركب على النهر ركوبا أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم يدخل الكتفان لكونهما من القطعتين ولا يجوز له الركوب على النهر فانه غير لا حق بالطريق العام ويحتمل وجها أنه يجوز
126 - مسألة رجل اشترى من زوجته سهاما في أماكن متعددة بثمن معلوم ثم خرج بعض المبيع مستحقا فهل يبطل البيع مع رضا المشتري بأن يأخذ الباقي بعد المستحق بجميع الثمن
أجاب رضي الله عنه إذا كان الجميع في صفقة واحدة وكان الاستحقاق في بعض الأماكن دون البعض فالبيع باطل في الجميع وإن كان
المستحق جزءا شائعا في الجميع صح البيع فيما ليس مستحقا بسقطه من الثمن المسمى والله أعلم
127 - مسألة رجل اشترى من رجل ثمرة مشمش أخضر بشرط القطع بثمن معلوم قبضه البائع من المشتري وساقاه على بقية الأشجار المثمرة القائمة في أرض البستان الذي اشترى مشمشه الأخضر المذكور مساقاة شرعية بشرطها مدة معلومة وشرط البائع أن للبستان ماء معلوما من نهر معلوم فقل ذلك الماء من أصله ثم إن ملاك البستان باعوا الماء وتصرفوا فيه فلم يصل الماء إلى البستان الذي بيع ثمره المذكور فتلف على المشتري ما بقي من ثمرة الشجرة وبقي له من مدة المساقاة شهران فهل والحالة هذه للمشتري قيمة ما تلف له من الثمر الذي تلف بسبب انقطاع الماء عنها
أجاب رضي الله عنه لا وإنما يلزم المالك للمساقي أجره عمله على الشجرة الذي تلف ثمرها بانقطاع الماء مع تمكن المالك من أن لا يقطعه هكذا قالوا والله أعلم
128 - مسألة رجل اشترى من رجل حلاوة بشرط أنها بسكر وقبضها وتصرف فيها وفوتها جميعا ثم ظهر أنها ممزوجة بعسل فهل ينفسخ العقد أم لا وهل يحل للبائع أخذ الثمن أم لا وهل للمشتري أن يعطيه قيمة ما أخذه من البائع
أجاب رضي الله عنه إذا ظهر فيه من العسل أكثر من القدر المعتاد في السكرية وجب للمشتري بعد فواتها الرجوع بقدر التفاوت من الأمرين أو يسقط ذلك عنه إن لم يكن أدى الثمن ووجب عليه باقي الثمن والله أعلم
129 - مسألة رجلان بينهما دار مشاعة فهل يجوز لأحدهما أن يبيع نصفه من صاحبه بنصفه شائعا أم لا
أجاب رضي الله عنه الأظهر أنه يجوز وإقدام العاقل على ذلك دليل على فائدة له فيه على الجماعة ثم في اشتراط الفائدة في صحة البيع نزاع رحب المجال والله أعلم
130 - مسألة رجل باع عبدا ثم ادعى البائع أنه كان مملوكا حالة البيع فهل تصح دعواه وهل إذا قامت البينة بصدق ما ادعاه له استرجاع العبد أم لا
أجاب رضي الله عنه إذا ادعى أنه كان مملوكا وأن سيده المالك للمبيع لم يأذن وحرر دعواه بشرط فان عرف أن البائع كان مملوكا فالقول قوله مع يمينه إذا لم يقم بينة على خلافه وإن لم يعرف له حال عبودية لم يقبل دعواه المذكورة بغير بينة والله أعلم
131 - مسألة رجل باع لرجل جارية وأقامت عنده مدة شهرين ونصف ثم بعد ذلك جاء وقال إنها مجنونة وادعى عليه عند الحاكم بالجنون فلم يثبت له عنده شيء فادعى عليه بعيب ثان فإذا ثبت له العيب الثاني يجب الثاني عليه الرد أم الأرش لأجل أنه أخذ الجارية عاقلة فردها عليه مجنونة لأجل العيب الثاني وكانت نيته عند الحاكم أنه يثبت العيب إلى ثلاثة أيام وله عشرون يوما ما ثبت له شيء ولا جاء إلى الحاكم
أجاب رضي الله عنه إذا ثبت العيب الثاني متقدما على القبض فله الرد لا الأرش إذا لم يكن قد حدث في يده جنون ولا عيب آخر ولا يمنع من ذلك ما ادعاه من جنون متقدم يتجرد ذلك ولا تأخر اثباته إذا كان لعجزه عنه
واذا كان البائع قد حلف على نفي الجنون المتقدم فيمينه لدفع الرد لذلك لا لإثبات عيب حادث يمنع من الرد بعيب آخر والله أعلم
132 - مسألة رجل جاء إلى خباز مثلا فأعطاه درهما ليبيعه بنصفه خبزا فأعطاه خبزا بنصفه ثم أعطاه نصفا من الفضة من عنده عوضا عن نصف الدرهم الذي له فهل يصح هذه والحالة هذه وما معنى قول الشيخ أبي إسحق في التنبيه ولا يباع الجنس الواحد بعضه ببعض ومع أحد العوضين جنس آخر يخالفه في القيمة فمفهوم هذا يدل على أنه إذا وافقه في القيمة جاز وكيف صورة المخالفة وصورة الموافقة وهل الحكم متحد فيهما أم مختلف
أجاب رضي الله عنه يجوز إذا كان ذلك في عقدين ولم يكن أحدهما مغشوشا غشا مؤثرا ولا يصح ذلك في عقد واحد وقول الشيخ يخالفه في القيمة وصف لازم لاختلاف الجنس فان اختلاف الجنس مظنة اختلاف القيمة فمهما وجد اختلاف الجنس منعنا وإن قضى المقومون باتفاق القيمة لأن التقويم أمر مظنون فبقي الاحتمال والمظنة مهما احتمل اشتمالها على حكمها إذا عرف هذا فالوصف اللازم غير الفارق والاحتراز فيه يطلب بيانه وإنما يذكر لغرض آخر وهو ها هنا مذكور لغرض التنبيه على علة الابطال والله أعلم
133 - مسألة رجل اشترى من بستان معلوم ترابه مساحة ثلاثة أذرع عمقها وهو غير محتفر والحفر يتولاه المشتري فهل يصح
أجاب رضي الله عنه لا يصح هذا البيع لأن الأذرع المباعة لا يمكن استيعابها الا باحتفار ما ليس بمباع ولا ضابط اذا لم يستوعب والله أعلم
134 - مسألة رجل باع دارا من رجل ثم إنه استأجرها من المشتري ثم مات وهي في يد ورثة بيت المال فوضع عليها نائب بيت المال يده بناء على أنها موروثة عنه فأثبت المشتري الشراء والاستئجار فطلب بيت المال بإثبات أنه لما باعها منه كان مالكا لها فهل عليه ذلك
أجاب رضي الله عنه ليس عليه ذلك والله أعلم والحجة في هذا أن الوارث يتنزل منزلة الموروث في ذلك لأنه عنه يتلقى ذلك ومن المعلوم أن البائع المورث المذكور لو أنكر في حياته فأقام المشتري عليه البينة بالبيع لم يكن له مطالبته بإثبات أنه كان مالكا حالة البيع ولم يسمع منه إنكاره لكونه مالكا عند البيع فكذلك من قام مقامه متلقيا عنه والله أعلم
135 - مسألة رجل باع على غائب ملكا بطريق الوكالة ثم ادعى شخص على الغائب دينا وطلبه من الوكيل فأنكر الوكالة فهل يصح بيعه المتقدم مع إنكاره الوكالة
أجاب رضي الله عنه لا يقبل إقراره في حق المشتري وهو مؤاخذ بموجب ما باشره من العقد لا يؤثر فيه مجرد إنكاره ورجوعه والله أعلم ثم وجدته مسطورا وزيادة أنه لو صدقه المشتري على نفي الوكالة لم يقبل قولهما ظاهرا على الموكل والله أعلم
136 - مسألة اشترى جارية فوجد عسرا فهل هذا عيب
أجاب رضي الله عنه أن كانت من قبيل الأعسر اليسر تعمل بيسارها
ويمينها معا فليس ذلك يثبت الخيار لكونه زيادة بلا نقص وإن كانت تعمل بيسارها بدلا عن يمينها فهذا عيب يثبت الخيار والنقص في اليمين لا يجبر بالزيادة في اليسار هذا هو الظاهر
ثم وجدت في الإشراف لأبي سعد الهروي العسر معدودا من جملة العيوب من غير تعرض لم ذكرته من التفصيل وهو متعين والله أعلم
137 - مسألة في عبد اشترى وبوجهه نمش فأراد المشتري رده فقيل كيف خفي عليك وهو بوجهه فقال كان عليه دواء فالقول قول من
قال رضي الله عنه أفتى بعضهم بأن القول قول البائع والفتيا أن القول قول المشتري في عدم إطلاعه عليه لأن مورد النزاع الاطلاع والأصل عدم الإطلاع وليس مورد النزاع وجود الدواء حتى يمسك بأن الأصل عدمه وإنما هو من المشتري تعرض للمستند فيقع فضله زائدة لا عبرة بها حتى لو اقتصرت على دعوى عدم الاطلاع مطلقا لكان القول قوله لأن معه الأصل وخفاؤه عليه يمكن بأسباب والله أعلم
138 - مسألة رجل أعطى اللحام درهما وقال أعطني بنصف درهم لحما والنصف الآخر نصف درهم فأعطاه كما قال فهل يحل ذلك ولو اشترى منه نصف رطل لحم بنصف درهم في الذمة ثم أعطاه درهما
وقال خذ هذا نصفه عن الثمن الذي في ذمتي وأعطني نصف درهم عن النصف الثاني فهل يحل ذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه يجوز هذا الثاني وكذلك يجوز الأول إذا جعلها عقدين والله أعلم
139 - مسألة شريكان في سلعة باعاها بثمن واحد في الذمة ثم مات أحدهما فقبض الآخر نصيبه من الثمن فهل يشاركه فيما قبضه ورثة الميت
أجاب رضي الله عنه لا بل يختص به لأن الإشتراك إنما حصل في الدين والمقبوض إنما يحصل الملك فيه بالقبض والقبض اختص به القابض لاحظ للآخر فيه لأنه ليس وكيلا عنه فيه ولو كان وكيلا لانفسخت الوكالة بالموت ومذهب المزني في مسألة الشركة الطويلة ذات الشعب بعيد خالفه فيه عامة الأصحاب وقالوا يختص البائع القابض للخمس مائة بها لانعزاله بدعواه عن وكالة الذي لم يبع ووجه آخر الصفقة متعددة لتعدد البائع قطعا فقد نفرد كل واحد منهما بالسبب فلا يجري الاشتراك كما في سائر صور تعدد السبب وليس هذا على خلاف ما قطع به صاحب المهذب قريبا من آخر باب الدعاوى والبنيات فيما إذا ابتاع عينا بصفقة واحدة من إثبات الشركة فيما يصير بيده أحدهما أما أولا فلأن ذلك في عين ما ذكرته أو لا فرق بين العين والدين وأما ثانيا فإن الصفقة لا تتعدد بتعدد المشتري على قول ثم إن الشيخ أبا حامد الإسفرائيني رحمه الله قطع في التعليق بعدم الشركة وأباه اختار شيخ أبي اسحق القاضي أبو الطيب الطبري اعتمادا على تعدد الصفقة بتعدد المبتاع والله أعلم
140 - مسألة أتى بها ابن أبي عمران اليهودي المتطبب وفيها خطوط خلق من القضاة والمفتين ممن تقدم وتأخر منهم الدولعي شيخ الفتيا هل يجوز تمليك الذمي مملوكا كافرا بالبيع وغيره وهل يمكن من التصرف فيه بالاستخدام وغيره وهل يمنع منه ونحو هذا فأجابوا له ذلك ولا يمنع وجرى منهم تساهل فامتنعت من الموافقة
وجوابه وبالله التوفيق أن نفس تملكه للكافر لا يمتنع ولا يمنع منه فإنه كافر مثله بخلاف العبدالمسلم حيث قلنا في قوله إن إثبات مثل هذا الملك للكافر عليه إذلال للمسلم غير أنه يمنع من تهويده أو تنصيره إن لم يكن كفر العبد من قبيل ما يقر أهله عليه كما في حق الترك فإن هذا شأنه من الكفار إذا انتقل إلى غير دين الإسلام لم يقر عليه فإنه يريد ان يستحدث عصمه بدين باطل وهذا معروف مقطوع به من غير اختلاف قول وإن كان كفره ممن يقر عليه أهله كما لو كان نصرانيا وأراد المشتري أن يهوده أو بالعكس فهذا فيه قولان والصحيح أنه يمنع منه نص عليه الشيخ أبو سهل الأبيوردي في تعليقه على أن الصحيح انه لا تقرير في هذا أيضا فلا يبقى تمكينه من استتباع المملوك على دينه إلا فيما اذا كان من أهل دينه يهودي تملك يهوديا أو نصراني اشترى نصرانيا ونحو هذا وينبغي أن يمنع مما يظهر من استخدامه له إذا كان مملوكا فارها من تركي أو غيره كما يمنع من ركوب الخيل والسروج فإن المعنى يجمع ذلك في قرن والله أعلم
141 - مسألة قول الغزالي رحمه الله في كتاب البيع في الوسيط أن قطعوا بأن البائع هو الذي يفسخ بإفلاس المشتري والمرأة تفسخ بإعسار الزوج بالنفقة ما هذا القطع
أجاب رضي الله عنه قوله وقالوا القاضي هو الذي يفسخ بعذر العنة هكذا نقله أمامي هذا النقل في نفسه غير صحيح ونسبته إلى إمام الحرمين أيضا غير صحيح والله أعلم أما أنه في نفسه غير صحيح فلأن الثابت عنهم خلاف ذلك وهذا صاحب التتمة من الخراسانيين فقد حكى في الأعسار والعنة كليهما خلافا في أن الذي يتولى الفسخ هو القاضي أو المرأة وزاد وقال في العنة المذهب أن المرأة تتولى الفسخ وذلك بعد ثبوت العنة عند الحاكم وهذا صاحب المهذب من العراقيين قد سوى بين الإعسار والتعنين في أن الفسخ إلى الحاكم بل المصنف نفسه قد حكى ما ينقض ما ذكره في كتاب النكاح من هذا الكتاب فذكر أن القاضي إذا قضى بالعنة فسخت كما في سائر العيوب ثم قال وفيه وجه أن القاضي هو الذي يتعاطى الفسخ وجعل المعتمد أن القاضي لا يفسخ بل المرأة وهذا الذي ذكره هناك في الإعسار وليس في شيء من هذا المنقول الفرق بين الإعسار والعنة فيبطل قطعا ما ذكره من أنهم قطعوا بذلك ويلزم أيضا أن الفرق بينهما ليس وجها صحيحا معتمدا بل غايته أنه وجه لبعض الأصحاب بعيد ضعيف فلا يسوغ له الاقتصار على ذكره من غير تعرض لما هو الصحيح والله أعلم
وأما أنه غير صحيح نسبته إلى إمام الحرمين فإن لفظه في
النهاية لا يشعر به وقد عرف أن نقله منها والله أعلم
وذلك أنه قال فيها قال بعض الأصحاب القاضي هو الذي يفسخ النكاح عند تحقق العنة وجها واحدا والزوجة تتعاطى الفسخ بالإعسار بالنفقة قال ولست أرى بين العنة والإعسار فرقا وذكر ان الوجه أن يجعل فيها وجهان كما في التحالف هذا كلامه وهو لا يعطي الأصح إلا أن بعض الأصحاب قطع بذلك فليس فيه تعرض أصلا لحكاية ذلك عن الأصحاب لأنه لا فرق بين أن يقول القائل قال بعض الأصحاب القاضي يفسخ قطعا وبين أن يقول قال بعض الأصحاب القاضي يفسخ وجها واحدا في أن كل واحد منهما أخبار عن أنه جزم ولم يتردد لا أنه حكاية لذلك عن الأصحاب ثم لو صح له أن ذلك معناه أن بعض الأصحاب حكى ذلك عن جملة الأصحاب فلا يجوز أن ينسب إلى الإمام أنه نقل أن الأصحاب قطعوا بذلك وإنما يصح ذلك أنه لو لم يضفه إلى غيره فإنه فرق بين أن يقول القائل قطع الأصحاب بكذا وبين أن يقول قال فلان قطع الأصحاب بكذا فالأول حكم منه بقطعهم والثاني حكاية عن غيره والله أعلم
142 - مسألة أقوام جرت عادتهم أنهم يكتالون القمح من الملاك ثم بعد ذلك يجبى منهم ثمنه ولم يجر سوى هذا فهل يصح هذا البيع أم لا وإذا لم يصح وطلع المبيع معيبا وتصرف فيه الدقاق وتعذر وجود مثله فهل يستحق صاحب القمح الثمن المسمى أو قيمة المثل وإذا دفع آخذ القمح إلى صاحب القمح أكثر من قيمة المثل لذلك القمح وطالبه صاحب القمح بباقي المسمى فأنكر فهل يجوز له أن يحلف إذا طلب منه الثمن أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يصح البيع إذا لم يوجد عقد ولا معطاة بثمن
معين عند البيع والمعيب ليس بمثلى فيجب فيه قيمة مثله لا غير والحالة هذا وإذا سمى بثمن من غير بيع صحيح ودفع الآخذ قيمته بمثل الحب فله أن يحلف على نفي الزائد والله أعلم
ومن كتاب السلم
143 - مسألة رجل استلم في نخالة معلومة الكيل والجنس موصوفة عند أرباب الخبرة غير مجهولة عندهم بثمن معلوم وأقبضه في المجلس ثمن المسلم فقبضه منه جميعه فهل يصح العقد والحالة هذه
أجاب رضي الله عنه نعم يصح ذلك أن انضبط بالكيل ولا يكثر تفاوته فيه بالأنكباس وضده والله أعلم
144 - مسألة رجل يصبغ بالزنجار ويجبله بالماء على ما تقتضيه الصنعة ثم يخففه فإن كان في الصيف جففه بالشمس وإن كان في الشتاء جففه بالنار فهل يصح السلم فيه أم لا
أجاب رضي الله عنه إن أمكن ضبطه بالصفات التي يختلف بها الغرض جاز السلم فيه بشروطه وإلا فلا والله أعلم
145 - مسألة السلم هل يجوز بلفظ البيع وهل يجوز في الاثمان فعلى هذا اذا قال بعتك هذه الغرارة القمح بعشرين درهما في ذمتك إلى أجل معلوم مثلا يكون هذا سلما في الثمن ولا يجوز التصرف فيه أعني الثمن المسلم فيه قبل القبض فما الفرق بين هذا وبين البيع بثمن في الذمة أنه يجوز التصرف في الثمن قبل القبض على أحد القولين وصيغة العقد واحدة في المسألتين وما الفرق بين السلم بلفظ البيع في الأثمان وبين البيع بثمن في الذمة
أجاب رضي الله عنه ليس ذلك سلما في الثمن وإنما صورة السلم في الثمن أن يقول أسلمت إليك هذا الثوب في عشرة دراهم ولا يذكر أجلا أو يذكره فليست الدراهم هنا ثمنا لأنه ما اقترن بها صيغة الثمن والتفريع عن أن الثمن يتميز بالصيغة لا بكونه دراهم أو دنانير فهذا ونحوه صورة السلم في الأثمان والمراد بالأثمان ها هنا جنس الأثمان أي ما جنسه جنس الثمن يجوز أن يخرج عن كونه ثمنا بأن لا يجعل مسلما فيه الخلاف في صورة التصرف في الثمن مخصوص بما اجتمع فيه كونه ثمنا جنسا وكونه ثمنا صيغة
وأما الفرق في جواز التصرف فهو راجع إلى كون المسلم فيه ثبوته في الذمة على خلاف الأصل لما يتميز به من زيادة التفاوت في الأوصاف وكون الحاجة إلى إثباته في الذمة فيه أقل من الحاجة إلى إثبات الثمن في الذمة وفي صورة السلم في الدراهم والدنانير روعيت المظنة والله أعلم
146 - مسألة رهن شخص عينا يملكها عن دين غيره من غير أن يعيده إياها صلى الله عليه و سلم ليرهنها فهل يصح وإذا صح وكان الدين مؤجلا فمات الراهن فهل يحل الدين
أجاب رضي الله عنه إن الرهن يصح وذلك لأنه كالضامن فكما يصح أن يضمن دين غيره بإذنه وبغير إذنه فكذلك يصح أن يرهن على دين غيره بإذنه وبغير إذنه فالصحيح في المسألة المعروفة وهي ما إذا أعاره
العين ليرهنها أن ذلك ضمان منه في عين ووجدت المسألة قد ذكرها صاحب التتمة في سياق كلامه في تفاريع مسألة الإعارة فإذا علم فإنه لا يحل الدين بموت الراهن لأن هذا ضمان دين في عين معينة لا في الذمة وإنما حل الدين في الذمة لتبرئة ذمته والله أعلم
147 - مسألة امتنع المرتهن من الإذن للراهن في أن يبيع المرهون في إيفاء دينه فهل للراهن والحالة هذه بيع المرهون بغير إذن المرتهن
أجاب رضي الله عنه له أن يبيعه في ذلك من غير إذنه بإذن الحاكم فيرفع الأمر إلى الحاكم حتى يساعده على البيع في ذلك ولا يستقل ووجه ذلك ظاهر وارد وجدته مسطورا
148 - مسألة رجل له دين به رهن وأفضى الأمر إلى الحاكم ببيع الرهن وثمن بعضه يفي بالدين لكن لم يرغب راغب إلا في الرهن كله فهل يبيع الحاكم الرهن كله ويوفي منه دين رب الدين أم يعطل الدين ويؤجره رجاء أن يرغب راغب في شراء البعض
أجاب رضي الله عنه بل يبيعه كله إذا طلب صاحب الدين ذلك والله أعلم
149 - مسألة شخص أقر بدين لبعض أولاده في حال صحته ورهنه به رهنا ثم أقر في مرض موته لآخر من أولاده ورهنه به هنا فهل يصح الرهن الثاني
أجاب رضي الله عنه يصح الرهن وإن كان الرهن بمنزلة التبرع في أنه يمتنع من ولي الطفل وغيره من غير غبطة لأنه لو قضى في مرض الموت دين الوارث كما لو كان قضى دين غيره من الغرماء وله على المذهب
المشهور أن يخصص بالقضاء دين بعض الغرماء دون بعض فإذا جاز تخصيصه بإيفاء أصل الدين فتخصيصه بتعلق دينه ببعض أعيان ماله بطريق الرهن أجوز وأيضا فإنما يمتنع في حق الوارث تبرع من شأنه أن يعتبر من الثلث والرهن ليس كذلك فحده في الوسيط إزالة ملك بغير عرض في مرض الموت هذا هو الظاهر والعلم عند الله تعالى
ومن كتاب التفليس
150 - مسألة من علم يسار شخص في زمان متقادم هل له أن يشهد الآن بيساره وهل يسأله الحاكم عن كونه موسرا حال أداء الشهادة وعليه الشهادة كذلك
أجاب رضي الله عنه أن له أن يشهد الآن بيساره معتمدا على الاستصحاب إلا أن يكون قد طرأ ما أوجب الآن اعتقاده لزواله أو جعله في صورة المتشكك في بقائه وزواله والاعتماد في هذا على الاستصحاب السالم عن طارىء يخدشه كالاعتماد على مثله في الملك ولا يشترط فيه الخبرة الباطنة كما هنالك وما علل به ذلك من أنه لا طريق له إلا الاستصحاب في الباطن لا بد له من الاستصحاب موجودها هنا ومما يدلل من كلامهم على جريانه في نظائره قولهم في البينة الناقلة في الدين في مسألة الابنين المسلم والنصراني وفي غيرها أنها ترجع على المنفية لأنها اعتمدت على زيادة علم والأخرى ربما اعتمدت على الاستصحاب وهذا تجويز منهم لذلك وإلا لكان ذلك قدحا فيها لا من قبيل الترجيح
ثم يكتفي الحاكم بشهادته أنه موسر فإنه يتناول الحال فإن أحوجه إلى ذكر الحالة الراهنة فله أن يشهد كذلك معتمدا على الاستصحاب المذكور بل لا ينبغي أن يفصح بذلك في الشهادة فإنه لا بد من البت بما يشتمل الحال الحاضرة والله أعلم
151 - مسألة من شهد بالرشد ما الذي يجب عليه في شهادته وهل يجب أن يعرف عدالته باطنا وظاهرا أم يكتفي بالعدالة الظاهرة وهل يكتفي في اختياره بالاستفاضة أم لا بد من مباشرة أحواله
أجاب رضي الله عنه الظاهر أنه يكتفي في ذلك بالعدالة الظاهرة ومن شرطها أن لا يكون غريبا عند الشاهد بل يكون متقدم المعرفة به ويكتفي في اختباره بالاستفاضة والشهرة والله أعلم
152 - مسألة بينتي إعسار وملأه تكررتا كلما شهدت احداهما جاءت الأخرى فشهدت أنه في الحال على ضد ما شهدت به الأولى فهل يقبل ذلك أبدا ويعمل بالمتأخر أم لا
أجاب رضي الله عنه يعمل بالمتأخر منهما وإن تكررت إن لم ينشأ من تكررهما بينة ولا تكاد بينة الإعسار تخلو عن الريبة إذا تكررت لأن قبولها منحصر الجهة في تقدير إثباتها طرآن الإعسار بعد الملأة لأنه على تقدير معارضتها ببينة الملأة المناقضة في وقت واحد لا يقبل لترجيح بينة الملأة حينئذ وليس هكذا بينة ملأة فإنها مقبولة على التقديرين ومعمول بها وإن كان ما تشهد به ملأة مستمرة من غير تجدد وطرآن وعند هذا فإذا تكررت بينة الإعسار فقد أثبتت تعاقب ملآة وإعسارات وذلك بعيد لا يكاد ينفك عن الريبة والله أعلم
153 - مسألة رجل عنده صبي يتيم وليس بولي من جهة الشررع ولا وصي ولليتم مال فلو سلمه إلى ولي الأمر خاف على ضياغ المال فهل يجوز له التصرف في المال أم لا وهل يجوز له المؤاكلة مع الصبي واختلاط ماله بماله وهل يجوز له استخدام الصبي على ما جرت به العادة وإذا استخدمه ماذا يجب عليه
أجاب رضي الله عنه يجوز له والحالة هذه الضرورية النظر في أمره والتصرف في ماله ويجوز له مخالطته في الأكل وغيره على ما هو الأصلح له ويجوز له من استخدامه ما هو فيه تخريج له وتدريب قاصدا مصلحته ويجوز من غير ذلك ما لا يعد لمثله أجرة وما سوى ذلك ونحوه لا يجوز إلا بأجرة مثله والله أعلم
154 - مسألة شخص كان تحت حجر أبيه وبلغ ولم يثبت عند أحد من الحكام رشده ولا فك الحجر عنه فتصرف في ماله توكيلا وبيعا وشراء وثبت تلك التصرفات بشهادة العدول على إقراره بها عند جماعة من الحكام من غير أن يتعرضوا للحكم بصحة تلك التصرفات ثم إن الشخص المذكور أقر في مرض موته لبعض ورثته بأعيان وأبرأه من ديون وثبت ذلك الإقرار والإبراء عند حاكم من الحكام ونقل به وكتب المقر له كتابا حكميا إلى بلدة حاكم آخر وشهد عند الحاكم الثاني عدلان أنه ثبت مضمون الكتاب الحكمي عند الحاكم الأول وكان مضمون الكتاب الحكمي يتضمن ما جرت به عادة الكتاب من أن الإقرار والإبراء المذكورين في صحة وجواز أمره فهل تصح تصرفات الشخص المذكور من غير ثبوت رشده عند حاكم ما أم لا
وإن لم تصح تصرفاته من غير ثبوت رشده فهل يكون ثبوت تصرفاته عند
الحكام المذكورين بشهادة العدول على إقراره بذلك من غير حكمهم بصحة ذلك الإقرار دليلا على ثبوت رشده أم لا
وهل للمدعي عليه مطالبة المدعي بثبوت أهلية المقر للإقرار واستجماع شرائط صحة الإقرار أو لا
وإن لم يكن له ذلك فهل يسوغ للحاكم الاستفصال عن استجماع تلك الشرائط أو لا
وإن ساغ له ذلك فهل يكون ثبوت الإقرار عند الحاكم الأول على الوجه المشروح دليلا على استجماع تلك الشرائط وكان المقر به مرهونا حالة الإقرار من جهة المقر فهل يصح إقراره به وهو مرهون أو لا
وإن صح إقراره به وهو مرهون وكان في القرية شيء ليس في يد المقر فهل يصح إقراره بها بما في يده مع اشتماله للإقرار بما ليس في يده أو لا وإن صح فهل يتعين جميع ما يبقى من المقر به مما هو في يده لذلك الإقرار وإن لم يتعين فهل يتضمن ذلك جهالة بالمقر به حتى يحتاج الى تفسير المقر أو لا
وإن احتاج الى التفسير ومات المقر فهل يقوم الوارث مقامه في التفسير أو لا
وإن قام الوارث مقامه وكانوا جماعة من جملتهم المقر له فهل يتعين المقر له الوارث للتفسير أم يتساوى جميع الورثة في ذلك
وإن أثبت المقر له رشد المقر حالة الإقرار وأثبت الخصم له استمرار الحجر عليه أو سفهه حالة الإقرار فأيهما يقدم على الآخر
وإذا علم الحاكم الثاني استمرار الحجر على المقر إلى حالة الإقرار فهل يحكم يعلمه في ذلك أو لا
وإن لم يحكم بعلمه في ذلك فهل تجب اليمين المتوجبة على من أثبت حقا على غائب أو يثبت على مدعي ذلك الإقرار والإبراء أو لا
وإن لم تجب عليه هذا اليمين فهل تجب عليه اليمين بنفي علمه بفسق المشهود له بالإقرار والإبراء المذكورين أو لا
ومتى وجبت عليه يمين وكانت المحاكمة بين ورثة المقر ووكيل المقر له الغائب عن مجلس الحكم فهل يتوقف فصل الخصومة على المقر له أو لا
أجاب رضي الله عنه تصح تصرفاته وأقاريره مهما كان متصرف تصرف المطلقين مبذول اليد ممكنا على الاستمرار فيحكم بصحة تصرفاته اعتمادا على الظاهر ومدعي الحجر الشرعي عليه مطالب بإثباته بالبينة والحالة هذه ولولا هذا لأحوج أكثر الناس من المشايخ فمن دونهم عند التنازع في مثل ذلك إلى إثبات الرشد وفك الحجر بالبينة وذلك خلاف إجماع إجماع الماضين والدليل يأباه ثم إن مضمون الكتاب الحكمي المذكور إذا ثبت أن الحاكم المذكور أثبته فذلك هو موجب الكتاب الحكمي المذكور إذا ثبت أن الحاكم المذكور أثبته فذلك هو موجب ثبوت فك الحجر عن المقر المذكور وإن كان المقر به مرهونا عند الإقرار لم يصح إقراره به في حق المرتهن إذا لم يصدقه ويصح في حق الراهن المقر به مرهونا عند الإقرار لم يصح إقراره به في حق المرتهن إذا لم يصدقه ويصح في حق الراهن المقر عند فكاك الرهن وأما كون بعض المقربة ليس في يده وقد فرضناه مرهونا له
والمرهون المقبوض بيد راهنة ثابتة عليه كما كان في يده أو في يد المرتهن أو في يد عدل نائب عنهما فقد أعلت المسألة فان المراد أن ذلك البعض غير مرهون له حينئذ وليس في يده أصلا حالة الإقرار فإقراره به غير صحيح فإذا وقع الإيهام بينه وبين باقي المقر به الثابتة يده عليه حالة الإقرار فصحة الإقرار بالباقي يتوقف على تفسير المقر أو وارثه بعده ويحتاج في ذلك إلى تفسير جميع ورثته والمقر له منهم وإذا تصادق هو والباقون على تعيين شيء اعتبر ذلك فإن الحق لا يعد وهم وإذا أثبت المقر له رشد المقر حالة الإقرار فإن كان الذي أثبته الخصم استمرار الحجر عليه فإن كان ببنية الرشد الشاهدة به حالة الإقرار وإن كان الذي أثبته الخصم هو سفهه حالة الإقرار فبينة السفه مقدمة وليس للحاكم أن يحكم بعلمه في ذلك وتتوجه اليمين على المقر له إذا كان المقر ميتا وإذا ادعى الخصم عليه علمه بفسق شهوده فالأظهر أنه يتوجه تحليفه ثم لا يتوقف فصل الخصومة والحكم بالبينة بعد تمامها على مثل هذه اليمين من المقر له إذا كان غائبا بل يحكم بالبينة وتؤخر اليمين إلى حين حضوره
وما ترك جوابه من المسائل فلسقوط ما علق عليه من شروط والله أعلم
155 - مسألة أقر بعد ثبوت عسره في كتاب دين استدانه بأنه مليء فهل يبطل إعساره
وقد أجاب الحصيري منهم وغيره من أصحابنا أنه يبطل ويؤاخذ بالدين المستأجر وكان جوابي كذلك من أجل أنه إذا ثبت ملأته بقدر من المال فلا يتعين الدين لصرفه فيه وهو يتمكن به من إيفاء كل دين منه أو بعضها على الاجتماع أو على البدل ولهذا قالوا إذا عرف له مال لم يثبت من الابتداء إعساره إلا ببينة والله أعلم
156 - مسألة في ولي اليتيم إذا احتاج إلى الأكل منه ما قدر ما يتناوله منه وهل يحتاج الى تقدير حاكم
أجاب رضي الله عنه يتناول أقل الأمرين من كفايته بالمعروف أو أجرة عمله ولا يحتاج إلى تقدير حاكم هذا هو الأظهر وليس يترك بما ذكر في الوسيط والله أعلم
157 - مسألة حكام من حاكم المسلمين تحت يده مال لأيتام متعددة فمات الحاكم ولم يوص ولم يعين لأحد مالا فطلب الأيتام مالهم من ورثة القاضي فأنكروا فأقاموا البينة أن لهم في جهة الحاكم كذا وكذا فطلب ورثة القاضي يمين الأيتام أنهم يستحقون في جهة والدهم هذا المبلغ فهل يلزم الأيتام يمين أم لا وهل إذا فعل الحاكم ذلك في أموال اليتامى يفسق ويلزمه الضمان
أجاب رضي الله عنه نعم يتوجه عليهم اليمين المذكور بعد بلوغهم وإنما يجب الضمان عند ثبوت تفريطه ولا يجب بمجرد عدم وجدانها في تركته ولا يفسق بمجرد ذلك والله أعلم
158 - مسألة حاكم من حكام المسلمين تحت يده مال لأيتام
فعامل به معاملات ثم مات الحاكم فطلبوا الأيتام من بعض الخصوم ما عليه بموجب الشرع فادعى تسليم ذلك القدر إلى القاضي المتوفى ولم يحضر بينه وطلب يمين الأيتام المستحقين إن هذا القدر ما وصل إلى القاضي المتوفى فهل يلزم الأيتام يمين أم لا
أجاب رضي الله عنه يتوجه ذلك بعد بلوغهم ويكون اليمين على نفي العلم ولا يقبل قول المدعي إذا كان دينا في ذمته إلا ببينة
159 - مسألة لو اشتهر في بلد من البلدان أن المديون متى طالبه رب المال أقر بجميع ما في يده وما هو منسوب إليه من عين ودين لولده الطفل أو لغيره وشاع فيه هذا وفعله أرباب الأموال الأكابر حتى فعلوا في الدين اليسير بالنسبة إلى أموالهم فلو أن رب المال إذا أثبت دينه عند الحاكم وخاف من المديون أن ينقل ماله الى والده أو الى غيره وطلب من الحاكم الحجر عليه في سائر أمواله إلى أن يقضي دينه فهل يجوز هذا للحاكم وهل يكون هذا كما قاله الشافعي أن المشتري يحجر عليه في المبيع وفي سائر أمواله وهو الحجر الغريب المشهور بين الفقهاء فإن لم يجز للحاكم ذلك ففعله حاكم باجتهاده لمصلحة رآها فهل يقع الموقع وهل لأحد من الحكام نقضه وهل إذا ساغ ذلك يفترق الحال بين أن يشتهر ذلك بين أهل بلده أو لا يشتهر
أجاب رضي الله عنه بعد الاستخارة والتثبت أياما إن هذا من قبيل ما إذا ظهر أمارات الفلس على المديون الذي ماله واف بدينه فإنه إذا ظهر وغلب على الظن مستند يعتمد على مثله في الظنون المعتبرة من حال هؤلاء الموصوفين أنهم متى صاروا بصدد أن يطالبوا بما عليهم من الديون انخلعوا عن أموالهم بالإقرار بها لغيرهم ولكن يستلزم لا محالة ظهور إمارات الفلس
عليهم عند صيرورتهم بتلك الحالة ومعلوم أنه يحجر إذا ظهرت أمارات فلسه بأن يكون خرجه أكثر من دخله فإنه يحجر عليه وإن كان ماله أكثر من دينه على وجه صحيح ادعى بعضهم أنه مذهب الشافعي رضي الله عنه وهو القياس وهو المختار فكذلك إذا ظهرت أمارة فلسه بسبب آخر فإنه لا اثر للاختلاف المبني على الاتفاق في العلة وعند هذا فينبغي إذا ثبت الدين عند الحاكم وغلب على ظنه أن المديون ينخلع من ماله بواسطة الإقرار به لغيره وسأله الغريم الحجر عليه لذلك فله الحجر عليه ولا فرق في ذلك بين أن يشهر ذلك في أهل بلده أو لا يشهر إلا فيما يرجع إلى ثوران الظن وظهور هذه الأمارة وعدم ظهورها فإذا ظهر اشتهار في البلد عن الحاكم من مديون أنه بصدد أن يفلس نفسه بواسطة الإقرار وغلب على ظنه ذلك فالأمر في الجمع عليه على ما تقدم
والذي حكى الإمام أبو المعالي وتلميذه الغزالي في كتاب الشهادات عن القاضي أنه رأى الحجر عليه إذا كان ذا مجال وحيلة إذا فرض ذلك فيما إذا كان احتياله بإخراج ماله عن ملكه فرأيه رأي صحيح لالتحاقه بالقبيل الذي ذكرناه وإن كان مجرد المطال ونحوه فليس كذلك وليس هذا من قبيل الحجر على المشتري فإن التوصل إلى إيصال البائع الى العوض كما وجب وصل المشتري إلى العوض الآخر نظرا لما تقتضيه المعاوضة من التسوية بين المتعاوضين في مثل ذلك ولذلك ثبت الحجر وإن لم يكن المديون مفلسا ولا ظهرت عليه أمارة الفلس ولا هو ذا حيلة ومطال وإذا حكم الحاكم بذلك نفذ حكمه لم يكن لأحد نقضه بشرط أن يصدر ذلك منه بناء على اجتهاد إن كان من أهل الاجتهاد وإن لم يكن فمقلد المجتهد يرى ذلك ممن يجوز له تقليده والله أعلم
160 - مسألة رجل تولى يتيما ولاية شرعية واحتاج الولي أن يأكل من مال اليتيم شيئا فما شرط الحاجة وما مقدار ما يأخذ من مال اليتيم وهل يجوز له أن ينفرد باستباحته بما يأخذه أم لا بد من إذن الحاكم ولو عجز من اثبات كونه ناظرا فهل يجوز له ذلك بغير اذن الحاكم أم لا وهل اذا عمل سنة متبرعا بالعمل ولم يأخذ شيئا واستدان في تلك السنة ما أنفقه على نفسه يجوز له أن يأخذ ما يقضي به دين السنة الماضية وهل ما يأخذه يكون منه بريء الذمة مطلقا أم يجب رد مثله إذا استغنى
ولعل الناظر في هذه الفتيا يصرف عنايته إلى تدبر ذلك مفصلا فمعتما للأجر معينا للمستفتي على براءة ذمته إن شاء الله تعالى
وهل يجوز للولي إذا كان عليه دين أن يقترض من مال اليتيم شيئا ويوفي به دينه إذا اضطر ثم يعيده إن شاء الله تعالى وهل إذا كان الولي من ذوي اليهآت يجوز له ما لا يجوز لمن دونه في الزيادة في الجعل على العمل وهل حكم المتولي لوقف على جهة الأسرى حكم المتولي على يتيم معين فيما ذكر ووصف وهل اذا كان المتوكي متوليا على جهات متعددة وأيتام متعددين وجاز له الأكل من ذلك يقسط على كل بحصته أم يأكل ممن أراد من أكثر الموقوف فعلا أو مالا حاضرا والمتولي عليه ديون كثيرة لا قدرة له على وفائها ويحتاج إلى نفقة فما الذي يجوز لها من ذلك وما الذي يحرم وما الذي يكره
أجاب رضي الله عنه المختار أنه يجوز له مع فقره أن يأخذ من مال موليه أقل الأمرين من كفايته وكفاية من تلزمه نفقته ومن أجره مثل عمله ويستقل بهذا من غير إذن الحاكم ثم لا يجب عليه رد بدله ولا يجوز للغني مثل ذلك استقلالا وإذا قدر له الحاكم أجرة مثل عمله جاز ذلك له وإن كان غنيا وهذا الذي لا يستقل به من غير حاكم ولا يشترط فيه فقر ولا يتقيد
بالكفاية فإذا لم يوجد ذلك ومضى زمان واستدان فيه ما أنفقه لم يكن له قضاء دينه من مال وليه لا بالاعتبار الأول ولا يغيره ولا يجوز له الاقتراض من مال اليتيم لحاجة نفسه من غير حاجة لليتيم إلى الاقتراض
وليس لمتولي وقف الأسرى القسم الأول وله القسم الثاني وهو أخذ أجرة مثله بتقدير الحاكم وفيما أصلته من اعتبار أجرة المثل جواب عما في المسائل فإذا كانت كفايته أقل من أجرة عمله بالنسبه إلى عمله لكل يتيم فالظاهر أن له أخذها من مال أيهم شاء والله أعلم
161 - مسألة حاكم من حكام المسلمين تحت يده مال الأيتام فطلبوا الأيتام أموالهم وأثبتوا أصلها فهل يرجع بها على تركة القاضي أم لا وهل إذا أقاموا ورثة القاضي البينة في حال حياته أنه أقر أنه صرف الى الأيتام كذا وكذا زائدا على نفقة المثل فهل يقبل قوله أم لا
أجاب رضي الله عنه يجب ضمانها في تركة القاضي إذا لم توجد ووجد منه تفريط بأن أقر ببقائها في مرضه ولم يبينها ونحو ذلك أما إذا كان الواقع مجرد عدم وجدانها بعده فلا ضمان لجواز تلفها من غير تفريط منه وإذا كان قد أقر أنه أنفقها على الأيتام ومقدارها زائد على ما ينبغي من النفقة لأمثالهم فعليه ضمان الزائد وإنما يعرف كونه زائدا إذا بين جهة النفقة فإن قال أنفقت ذلك في طعامهم وكسوتهم ونحو هذا أما إذا قال أنفقتها عليهم وأطلق فتعذر معرفة كونه زائدا على المعروف إذا قد يكون قد عرض عارض غير معتاد أوجب الانفاق من غير تفريط والله أعلم
162 - مسألة حاكم من حكام المسلمين شافعي المذهب في يده أموال لأيتام فعامل بها معاملات إلى آجال مختلفة وغرماء مختلفة منهم
الفلاح النازح والبدوي الراحل وغيرهم ولم يستوثق بالرهن فهل يكون ذلك تفريطا موجبا للضمان عليه أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم ذلك تفريط منه موجب لضمان ذلك عليه والله أعلم
163 - مسألة حاكم من حكام المسلمين تحت يده أموال أيتام متعددة فعامل لبعضهم معاملات وكتب بها وثائق ولم يبين أصحابها ولا مستحقيها بل فيها أقر فلان ابن فلان أن عليه وفي ذمته للأيتام كذا وكذا فهل يكون ذلك تفريطا منه أم لا وهل يجب الضمان أم لا
أجاب رضي الله عنه إذا لم يشهد على المعامل بذلك الا هكذا فذلك تفريط منه مضمن له والله أعلم
164 - مسألة هل يجوز للحاكم أن يأمر القوام على أموال اليتامى أن يعاملوا بأموالهم ويعملوا مسألة العينة كما جرت العادة اليوم أو يجب عليه أن يشتري له عقارا أو عروضا للتجارة
أجاب رضي الله عنه أما العينة فلا نأمر بها لكونها مكروهة وأما استنماء أموالهم فعليه الأمر بذلك والسعي فيه ثم يعين جهته من شراء عقار أو مال تجارة موكول إلى رأيه ورأي من ينصبه لذلك متتبعا ما هو الأصلح لهم والله أعلم
165 - مسألة إذا نصب الحاكم أمينا أو حاضنة وأذن لها في الإنفاق على الطفل كذا وكذا درهما من مالهما أو مما يقترضانه ثم جاء
القيم وادعى نفقه ذلك القدر المأذون عليه في المدة فهل يجب أن يحلفه أت يستحب
أجاب رضي الله عنه بل يجب تحليفه والله أعلم
166 - مسألة فرض لصغير قدرا معلوما لنفقته وكسوته كل شهر كذا وكذا في ماله وأذن لحاضنه أما أبوه أو أمه أو وصيه أو من أقامه الحاكم منفقا عليه أن يستدين ذلك ويصرف عليه أو ينفقه عليه من ماله ثم يرجع به على مال الصغير وأشهد الحاكم على نفسه بهذا الإذن ومضت مدة سنة مثلا فحضر المأذون له في الإنفاق وطلب من هذا الحاكم الإذن له أن يعوض عما أنفقه من مال الصغير بقدر ما أنفقه أما من ماله أو مما استدانه وذكر أنه صرف ذلك من ماله واستدانه فهل للحاكم أن يحلفه اليمين الشرعية أنه مستحق الرجوع في مال الصبي بذلك بمتقضى ما صرفه في نفقته وأنه صرف ذلك أم لا وهل تكون اليمين مستحبة أو واجبة أو لا يجب ولا يستحب والحالة هذه
أجاب رضي الله عنه يحلفه وجوابا على ما ذكره من موجب استحقاقه الرجوع واستحقاقه فانه حكم على الصغير والله أعلم
167 - مسألة رجل أثبت دينا على غائب وباع الحاكم داره في وفاء الدين ثم حضر الغائب وأبطل استحقاق الدين عليه بفسق الشهود أو بابقاء الدين والبراءة منه هل يبطل بيع الحاكم للدار أم لا
وإذا مات رجل وله أطفال فأنفق عليهم الحاكم أو الوصي ما خلفه مورثهم ثم ظهر على المورث دين بعد نفاذ المال النفقة هل يرجع به
الغريم على المنفق أم على الأطفال وينتظر به حصول مالهم أم لا يرجع
أجاب رضي الله عنه نعم يبطل المذكور وللغريم المذكور تضمين المنفق وأما الأطفال فان كانوا قد أتلفوا شيئا من عين التركة أكلا وغيره فللغريم تضمينهم وإذا ضمنه الولي كان له الرجوع به عليهم وأما ما اشتراه لهم في الذمة ثم نفذ فيه من عين التركة كما هو المعتاد فلا ضمان فيه على الأطفال والله أعلم
168 - مسألة وردت من بعض القضاة أموال أيتام أهل الذمة إذا كانت بأيديهم ولم يترفعوا فيها إلينا فهل على الحاكم الكشف عنها وذكر السائل أنه لم يجد فيها نقلا عن أصحابنا
أجاب رضي الله عنه أن الحاكم ليس له التعرض فيها بالكشف وغيره مهما لم يترافعوا فيها اليه ولم يتعلق بها حق لمسلم فإن القاعدة المقعدة فيما يجري من أحكامنا عليهم وما لا يجري إنما هو إذا تعلق لمسلم من الحكومات أو كان محظورا في ديننا ودينهم من موجبات العقوبات كالزنا وغيره وأحكامنا فيه جارية عليهم شاءوا أو أبوا ولا يجري عليهم فيما سوى ذلك إلا إذا رضوا بحكمنا
ثم ورد من قاض آخر هل للحاكم النظر في وقف الكنائس فتأملت واستخرت الله تعالى وأجب بمثل ما تقدم وأنه ليس له ذلك إلا برضاهم والله أعلم
169 - مسألة ذمي له حائط في ملكه ولشخص مسلم عليه طرح
خشب والحائط مستهدم وقد امتنع المسلم من العمارة فيه مع الذمي فهل يلزمه الشرع بأن يعمر معه أم لا وإن عمره الذمي دونه من ماله فهل يلزمه العمارة بقدر ما يوجب عليه وهل للذمي إذا عمر الحائط بآلة مستجدة أن يمنع المسلم من الركوب على الحائط إلى أن يوصل اليه قيمته مع الغرامة
أجاب رضي الله عنه لا يلزم المسلم أن يعمر معه إذا كان نفس الحائط كله له وليس للمسلم فيه إلا حق الركوب ولا يلزم المسلم والحالة هذه شيء من غرامة ذلك إذا بناه بآلة جديدة عند تعذر بنائه على الآلة القديمة فذلك جائز وله منع صاحب الركوب حتى يبذل حق الركوب
170 - مسألة رجل له دار ملك له وحيطان الدار خاص له ولرجل آخر حمل خشب على بعض حيطان هذه الدار بحق واجب له ثم إن الحائط الذي له عليه حمل الخشب استهدم فطلب صاحب حمل الخشب من صاحب الدار أن يصلح الحائط فهل يجب على رب الدار إصلاح حائطه يضع عليها خشبه
أجاب رضي الله عنه واختار هذا الجواب نعم يلزمه والله أعلم
171 - مسألة قال رضي الله عنه يمنع أهل الذمة من إشراع الأجنحة إلى طريق المسلمين ومن أجازه فقد غلط وإن جاز لهم الطروق لأنه كإعلائهم البناء على بناء المسلمين بل أبلغ وهي مسألة ذات وجهين قد ذكرها الشاشي وأيضا فهم تبع للمسلم
في الطريق ويضطرون منها الى أضيقها والله أعلم
172 - مسألة رجل له ماء مستحق يجري من قناة إلى ملكه وطريق الماء في ملكه وغير ملكه فتهدم طريق الماء في غير ملكه بفعل ملاك الأرض وبغير فعلهم فهل على ملاك الأرض إصلاح ما تهدم من طريق الماء في أرضهم إذا كان مجراه برسم قديم وعادة مستقرة
أجاب رضي الله عنه نعم يجب عليهم إصلاح ذلك إذا كان عليهم إجراء الماء في أرضهم حقا لازما هذا هو الأصح
173 - مسألة رجل له دار وإلى جانبها عرصة ميزاب الدار يرمي إلى العرصة ثم باع العرصة فهل لمشتريها المنع من ذلك
أجاب رضي الله عنه إن كان ذلك مستندا إلى اجتماع المكانين في ملك مالك واحد وكونه مالكا للتصرف فيها بهذا النوع من التصرف وغيره فلا يبقى ذلك له بعد خروج العرصة من ملكه لزوال ذلك المعنى الذي كان هو المبنى وإن كان ذلك مبنيا على سبب سابق على اجتماعهما في ملكه أوجب جعل هذا حقا من حقوق الملك الذي فيه الميزاب لازما فذلك مستمر بعد بيعه العرصة فلا يجوز لمشتريها المنع من ذلك والله أعلم
174 - مسألة في قناة تحت جدار شخص احتاج صاحبها الى كشفها فمنعه صاحب الجدار فهل يلزم بذلك
أجاب رضي الله عنه نعم إذا كان بحق ثابت لازم وتعذر ما هو المستحق من جريان الماء فيها إلا بالكشف عنها والحفر عليها وعلى الحافر أن يغرم أرش النقص ومما نستشهد به في مثل هذا من المسطور أن من
له حق الماء في ملك الغير له الدخول إليه لاصلاح المجرى في البسيط وغيره فإذا وقع دينار في محبرة من غير تفريط من صاحبها فلصاحب الدار الدينار كسرها وإخراج الدينار مع غرامته أرش الكسر لأنا لو منعنا لضاع حقه من غير بدل وإذا جوزنا له الكسر فلا يضيع حق صاحب المحبرة لما ثبت له من أرض النقص
175 - مسألة رجل ملك قطعة أرض وكان قد أخرج من بعض حدودها من قديم طريق رجل لهم فيها التطرق إلى أملاكهم ليس لهم سوى التطرق وقد بنى مالك الأرض اليوم فيها إلى جانب الطريق المذكور مسكنا فهل له أن يفتح بابا إلى الطريق وهل لمن لا يملك في الطريق سوى التطرق منعه من ذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم للمالك ذلك إذا لم يقترن بذلك إضرار لحق من له التطرق فيها وليس لهم منعه من ذلك والله أعلم
176 - مسألة رجل له على رجل دين وعلى رب الدين دين لرجل آخر فأحال صاحب الدين الأول صاحب الدين الثاني على غريمه والدينان متساويان قدرا وجنسا ولم يرض المحال عليه ولا حضر وقلنا بالصحيح وأنه لا يفتقر إلى رضاه فأحضر المحال المحال عليه وادعى عليه بالدين بسبب الحوالة فاعترف أنه كان عليه الدين واعترف أنه أحال المدعي بذلك ولكنه ادعى أن المحيل أبرأه من الدين الذي كان له عليه قبل وجود الحوالةوأراد إقامة البينة بالإبراء فهل تسمع دعواه بذلك وإقامة البينة مع حضور المحيل في البلد وغيبته عن مجلس الحكم وإمكان إحضاره إذ الغرض دفع المحال عن دعواه أم لا تسع إلا بحضور المحيل والتفريغ على أن الدعوى على الحاضر في البلد لا تسمع إلا بحضوره
أجاب رضي الله عنه يجوز ذلك من غير حضور المحيل الحضور المعتبر ويكفي حضور المحتال المدعي مصير ذلك له وإليه والله أعلم
ومن كتاب الوكالة
177 - مسألة رجل وكل وكيلا وكالة مطلقة يتصرف في أمواله كيف شاء بالبيع والشراء والأخذ والعطاء وأذن له في الأكل وما أراد على طريق الإباحة فهل إذا أخذ من أمواله مثلا مائة درهم هل يحل بالإباحة المطلقة وهل إذا أبرأه الموكل وقال أنت في حل من كل حق يبرأ والحالة هذه
أجاب رضي الله عنه إذا كان لفظ الإباحة شاملا لذلك أخذا أو صرفا فيما يريد أن يفعله بها جاز له ذلك وإذا أبرأه من كل حق له عليه برئ من الجميع وإن لم يعين والله أعلم
178 - مسألة رجل وكلته زوجته وكالة مطلقة في تخليص حقوقها فأحضر الزوج الوكيل رجلا إلى مجلس حاكم من حكام المسلمين وادعى عليه لزوجته ولأختها دعوى شرعية فأنكر المدعي عليه تلك الدعوى فأحضر الزوج الذي هو وكيل زوجته وأختها لأبيه فشهد أبو الوكيل عند الحاكم على المدعي عليه المنكر بتلك الدعوى فهل تقبل شهادته أم لا
أجاب رضي الله عنه الظاهر أنه تقبل شهادة والد الوكيل لموكله وإن كان الموكل زوجته وإن كان فيها تصديق لابنه في شهادته كما يقبل شهادة الأب والابن معا في قضية واحدة والله أعلم
179 - مسألة كان ورد من زمان في شخص وكله آخر في
مخاصمة شخص فطولب الوكيل باثبات أهلية الوكالة بإثبات كونه مطلق التصرف فهل عليه إثبات ذلك
أجاب رضي الله عنه إذا ثبت توكيل الموكل له مقيما إياه في ذلك مقام نفسه كان كنفسه لو ادعى وكسائر المدعين في أنهم لا يطالبون في سماع دعاويهم باثبات هذا أما لأن قصاراه أن يجعل ذلك جملة والدعوى بطريق الضمان حتى كأنه ادعى صريحا أنه مطلق التصرف وأنه يستحق تسليم ما يدعيه إليه ودعواه بكذا مسموعة لا محالة وأما أنه يكتفي في ذلك بظاهر الحال كما اكتفى به في الشهادة على الإقرار في أنه لا يجب التعرض لكون المقر طائعا عاقلا بالغا صحيحا واشتراط التعرض لذلك وجه بعيد في البسيط وغيره أنه على خلاف المذهب المشهور ولا جواب لهذا الوجه في توقف صحة الدعوى على ما تقدم ذكره فانه يشبه أن يكون خرقا للإجماع والله أعلم
ثم حدث بعد ذلك نظيرة لها وهي شخص أثبت دينا على ميت وأقام البينة على ورثته بأنهم قبضوا من تركته من مدة ما يوفي ذلك الدين فهل على المدعي إثبات رشد من كان منهم تحت الحجر عن موت المدين في صحة دعواه عليهم أم لا
أجاب رضي الله عنه يجوز ذلك وإن صحة الدعوى وإقامة البينة لا يتوقفان على إثبات الرشد لمثل ما تقدم وأيضا فما ادعاه من التصرف في التركة على وجه يلزم بإيفاء الدين لا يتوقف حصوله على الرشد لتصوره من غير الرشد أيضا بل يمكن المدعي عليه أن يتخذ دعواه عدم الرشد دافعا للمطالبة عنه إلى وليه فاذا ادعى كونه بعد غير رشيد فالقول قوله مع يمينه والمدعي محوج في توجيه المطالبة نحوه إلى إثبات رشده بالبينة وإلا فليوجه
المطالبة على وليه ليقع الإلزام في ماله والله أعلم
وأما الدعوى نفسها وإقامة البينة بإثبات مضمونها فلا يتصرف بذلك عنه وليس دون الميت والله أعلم ثم وجدته مسطورا أن الدعوى عليه تسمع إلا إذا لم يكن للمدعي بينة فينبني على أن اليمين مع النكول كالإقرار أو البينة والله أعلم
180 - مسألة الوكيل في الخصومة إذا صدقه المدعي عليه في كونه وكيلا فهل تسمع دعواه لإثبات الحق وذكر أن كلام ابن الصباغ يدل على أنها لا تسمع وإن صدقه يعني قول صاحب الشامل أن الذي يجيء على أصلنا أنه لا يسمع دعواه لأن الوكيل في الخصومة لا يصح أن يدعي قبل ثبوت وكالته قال السائل ما معناه لكنه لم يتعرض لأن ذلك كذلك فإن كان مقصوده إثبات الحق دون القبض وقد ذكر الأصحاب وجهين في سماع الدعوى التي يقصد بها إثبات الحق دون المطالبة ويظهر أن هذا مثله ويتصل بهذا أن الوكيل لو أقام البينة على الوكالة والحالة هذه فهل تسمع مع صدق المدعي عليه
أجاب رضي الله عنه أنه تسمع والحالة هذه دعوى الوكيل على المدعي عليه لأصل الحق وما لإثباته عليه وعليه محاكمة الوكيل في ذلك ومخاصمته لتسليم الحق اليه واستحقاقه أخذه منه حتى تثبت وكالته وتصديقه
له في كونه وكيلا لا يستلزم سماع لهذا لأنه وإن ثبت الحق عليه فلا يلزم تسليمه إلا على وجه يبرئه منه وتسليمه إلى الوكيل الذي لم يثبت على الموكل بوكيله لا يبرئه منه فإنه إذا أنكر توكيله إياه فالقول قوله مع يمينه وإذا حلف بقيت مطالبته لمن عليه الحق بحاله والله أعلم
181 - مسألة رجل وكل رجلين في المطالبة بحقوقه هل يستفيد بهذه الوكالة المطالبة بحق تجدد بعدها ثبوته للموكل أم لا
أجاب رضي الله عنه مجرد كونه ثبت بعد الوكالة لا يمنع من تناولها له كما لو وكله في بيع ثمرة شجرة له قبل إثمارها وأنه صحيح وذلك مسطور والفرق بكونه مالكا لأصلها لا يصح في هذا فإذا كانت هذه الوكالة المطلقة جارية على وجه الصحة استفاد بها ذلك والوكالة بالمطالبة بجميع حقوقه صحيحة وممن قطع بصحتها من المصنفين الشيخ أبو حامد في التعليق وصاحب الشامل وفرق بين هذا وبين ما إذا قال وكلتك فيما الي من التصرفات ففيه وجهان لكونه هذا خص نوعا وميزه وذلك ينتشر في الأنواع والله أعلم لكن في الوسيط أنه لا يصح التوكيل في طلاق زوجة سينكحها أو بيع عبد سيملكه غير أنه يجوز أن يستثنى ما يندرج في ضمن العموم والوكالة المطلقة في تعليق الشيخ أبي حامد في مسألة توريث ذوي الأرحام أنه لو جاز ذلك فيما ملكه الآن وفيما ملكه يعد صح والله أعلم
ومن كتاب الشركة
182 - مسألة رجلان اتفقا على عمارة فرن في أرض مستحقة
لأحدهما وعقد الشركة على أن يكون جميع ما ينوب العمارة على مستحق الأرض وعلى الشريك الآخر عمل يده وأن يكون ما يحصل من المغل سنة بينهما لمستحق الأرض ثلثه وللشريك الآخر الثلثان على أن يخبز بيده ويكون ما يلزم الخبز من المؤن بينهما على قدر أنصبتهما فما حكم هذه الشركة وما حكم الشريكين فيها وإذا ادعى الشريك الخباز أنه دفع لشريكه شيئا مما حصل من المغل وأنكر المدعي عليه فهل يكون القول قول المدعي أم لا
أجاب هذه الشركة باطلة وما حصل من أجور الخبز فيه إذا جرى الأمر فيه على ما شرطناه يقسم بينهما باعتبار أحرة المثل فتقوم لمالك نفس الفرن أجرة الفرن محميا ثلث الحمى الموجودة في كل مرة فيقال كم أجرته وهو كذا على هذه الحالة ويقوم للعامل بيديه أجرة مثل عمله في الخبز ونحوه ويقال أيضا كم يساوي ثلثا احمى الحاصل في الفرن الذي هو بدل ثلثي مؤنته ثم أضم هذا الى أجرة عمل يديه ثم يقابل بين ما حسبناه للعامل وما حسبناه لمالك الفرن ويجمع بينهما ويأخذ كل واحد منهما من الحاصل من أجور الخبز على قدر نسبة المحسوب له من أجرة المثل إلى الجملة المجتمعة من الجانبين والعلم عند الله تعالى
وإذا تعذر عليهما الوقوف على تحقيق ذلك فطريقهما أن يصطلحا ويتراضيا بقسمة يتفقان عليها والله أعلم
هذا بيان الحكم في قسمة المثل ثم أنه يجب للمالك على العامل أجرة ثلثي انتفاعه بالفرن بالخبز وما يتبعه الذي أخذ هو مغلها ويجب للعامل على المالك أجرة الثلث الثاني من عمله الذي أخذ المالك مغلة وإن كان
قد عمل في بناء الفرن وعمارته وجب أيضا عليه أجرة ذلك وإذا ادعى الخباز دفع شيء من المغل إلى المالك وأنكر فالقول قول المدعى عليه مع يمينه إذا لم يكن له بينة والله أعلم
183 - مسألة أربعة اشتركوا في حانوت ولأحدهم دابة فجعلها بالتماسهم تعمل في حمل حوائج الحانوت عارية فماتت وهي تعمل في الحانوت
أجاب رضي الله عنه إن ماتت وهي في أيديهم جميعا وجب على الثلاثة المستعيرين ثلاثة أرباع قيمتها وقت التلف وهكذا إن ماتت في يد مالكها ولكن يجب حمل لحملة وعمل تعمله للجميع على الأشهر وإن كانت قد ماتت وهي في يد مالكها خاصة إلا في عمل الجميع فلا يثبت عليهم ضمان بسبب ما جرى من العارية والله أعلم
وفي التهذيب إذا قال لصاحب الدابة احمل متاعي فحمله وتلفت الدابة كان على صاحب المتاع ضمانها
184 - مسألة شخصان تشاركا في متاع فمات أحدهما في ناحية المغرب وخلف بيتا فحمل الشريك باقي المتاع المشترك وسافر به إلى اليمن فباع هناك الجميع على نفسه وعلى اليتيم بثمن في الذمة ثم اشترى ممن باعه متاعا آخر بثمن في الذمة لنفسه ولليتيم بناء على أن يكون له حظ في حصة اليتيم من الربح وتقاصا أحد الثمنين بالآخر وحمل هذا المتاع الى دمشق فباعه فيها وكل ذلك من غير أن يأذن له في تصرفاته في مال اليتيم ممن يعتبر إذنه في ذلك فهل تقع تصرفاته هذه عن اليتيم ويصح له غير موقوفة على إجازة وليه ملحوظا في ذلك دفع العسر الناشيء في بيع الأمتعة
التي تداولها الأيدي المختلفة أو موقوفة على إجازة الولي فيما تعسر تتبعه من تصرفات الفضولي ثم إذا صح كل ذلك لليتيم وحصل الربح مشتركا بينه وبين اليتيم على حسب اشتراكها في أصل المال فهل يسلم له من حصة اليتيم من الربح القدر الذي كان طمع في حصوله له ويحسب له عليه ما التزم فيه من مؤن التجارة والسفر وإن لم يسلم له ذلك فهل يجب له أجرة المثل عن عمله في نصيبه ولا يصح هذه التصرفات لليتيم ولا تقع عنه ويكون بيعه لما باع من الأعيان التي ورث نصفها اليتيم باطلا في نصيبه وينصرف الثمن في الأمتعة التي اشتراها على الاشتراك إليه خاصة لكون الشراء في الذمة وتكون الأثمان وأرباحها كلها له لاحظ فيه لليتيم وإن كان هذا حكمه فكيف السبيل إلى خلاصه من تبعات تصرفاته المذكورة وكيف الحيلة في أن تبرأ ذمته مما ثبت عليه من ثمن الأمتعة ان اشتراها منه ببلاد اليمن مما قاصهم عنه بمال اليتيم وهل إذا غرم ها هنا لليتيم قيمة ما حصل من نصيبه في أيدي أولئك المشترين يكون ذلك سببا لخلاصه عن مثل ذلك القدر مما استحقوه عليه من أثمان سلعهم نظرا إلى أن يثبت له الرجوع عليهم بما غرم من ذلك لكون قرار الضمان عليهم
أجاب رضي الله عنه بيعه لمال المضاربة بعد موت رب المال صحيح وإن لم يحل الإذن له فيه وله ثمنه حصته المشروطة مما حصل فيه من الربح ثم تصرفه والحالة هذه بعد ذلك فيما يختص بالوارث تصرف فاسد يدخل به في ضمانه فعليه بدل ما باعه للميت من أثمان المتاع يؤديه إلى ورثته وما اشتراه بثمن غير معين أوفاه من مال الميت فهو يختص به بربحه كله لا حق للورثة فيه والله أعلم
ومن كتاب الإقرار
185 - مسألة اذا أقر رجل بدين ثم طلب من المقر له اليمين على
أنه لم يكن مضاربة أقر بها دينا على عادة بعض الناس أو على أنه لم يكن مكرها فهل له تحليفه
أجاب رضي الله عنه له أن يحلفه على ذلك ويكفيه أن يحلف على الاستحقاق فلا يكلف أن يحلف على نفي المضاربة والإكراه على الوجه الذي طلب يمينه عليه فقد يكون ذلك الدين ثابت له بسبب آخر
ووجدت من مدة من زمن الفتوى في تعليق القاضي الحسين رحمه الله في مسألة إقباض الرهون والمعروفة أن ما جرت به العادة بكتابته في القبالات من قوله بعت واستوفيت الثمن إذا ادعى فيه أنه ما استوفاه وكتب وأقر على العادة قبل جريانه فدعواه فيه مسموعة ولكن المقر له يحلف بالله بأنه دفع إليه الثمن فلو قال إني استحق عليه الألف يقبل ويسمع لاحتمال أنه أتلف عليه شيئا من ماله قيمة ألف درهم كأنه مفروض فيما لو زال البيع بينهما وأراد المشتري الرجوع عن البائع بالثمن مؤاخذه له بإقراره المذكور والله أعلم
186 - مسألة شخص أقر أنه قبض من فلان كذا درهما وسلمه إلى فلان قضاء عن دين على المقبوض منه ومات المقر والمقبوض منه فهل لوارث المقبوض منه الرجوع في تركة المقر أم لا
أجاب رضي الله عنه له الرجوع هنا لأنه قد اعترف له فيها باليد وبأن يده فيها مثبتة على يده فلا يزول حكم اليد ومقتضاها من الملك بقول القاضي علي تجرده ويبقى ذلك إلى أن يثبت بحجة
ونظيره في المنقول ما ذكره صاحب الروضة وصاحب الإشراف من أنه لو قال أخذت من فلان ألفا كان لي عنده قرضا فإنه يؤمر برده عليه كإقراره بكونه أخذه من ملكه وهو قول أبي يوسف ومحمد وحاصله يرجع إلى أنه أقر له بالملك فيه وادعى انتقاله ولا يقبل إلا ببينة والله أعلم
187 - مسألة رجل قال في مرض موته أشهدوا علي أن جميع مالي بعد موتي لأخي فلان وله بنون يحجبونه فما حكم هذا القول
أجاب رضي الله عنه لا يجعل هذا إقرارا صحيحا لأخيه
بالمالية فإن فيه ما يمنع ذلك من جهات إحداها كما تقرر من أن قوله اشهدوا علي ليس بإقرار بخلاف قوله أشهدكم وقب سبق والثانية قوله مالي مضافا إلى نفسه فإنه ينافي صحة الاقرار والثالثة تعليقه على بعد الموت ثم هو كناية في الوصية فإن ثبت أنه أرادها نفذت في ثلث المال بشرطها والله أعلم
188 - مسألة رجل أقر لبيت المال بأربعة أسهم من بستان
وأربعة أسهم من بستان آخر وهما إذ ذاك ملك غيره حكما وفي يده ثم أقر صاحب اليد لهذا المقر من أحد البستانين بثمانية أسهم وتصادقا على كون الستة عشر سهما لصاحب اليد وأقر له من البستان الآخر بسبعة أسهم وتصادقا على أربعة عشر سهما لصاحب اليد لكون ثلاثة أسهم وقفا على جهة خارجة فهل تصح هذه الأقارير أم لا
أجاب تصح هذه الأقارير إذا كان المقرين أهلا للأقارير واستجمعت سائر شروطها ومنها أن لا يجعل نفس الإقرار تمليكا بل يكون إقراره إخبارا عن ملك متقدم الثبوت عليه وكان مع ذلك صادقا ظاهرا اخباره بذلك كباطنه ومطلقة في ظاهر الحكم يحمل على الصدق ويؤاخذ به والمقر الخارج يؤاخذ بعد إقرار صاحب اليد بما أقر وإنما كان ذلك لأن من أقر لغيره بما هو في يد غيره يؤاخذ به إذا صار بإقرار وفي صحة شراءه كلام ويراعى في إقراره هذا الشيوع وهذا فيه خلاف وفي البيع أيضا إذا قال الشريك في النصف مثلا بعت النصف والشيوع في الإقرار لأنه قد يقر بما في يد غيره وله ولغيره وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في الإقرار ايضا فقد غلب على الظن فساد أصل الإقرار لبيت المال ها هنا فقصدت تقليل ما يؤخذ به منه فيؤاخذ إذا ظاهر البيت المال من البستان الذي سلم له منه بالإقرار ثمانية أسهم بقيراط وثلث قيراط وذلك حصة الثمانية أسهم من الأسهم الأربعة المقر بها ويؤاخذ من البستان الآخر بقيراط وسدس والله أعلم
189 - مسألة رجل أقر أن أولاده قد ملكوا عليه كذا وكذا ملكا صحيحا وانتقل إليهم انتقالا ماضيا ثم أراد الرجوع في ذلك فهل له ذلك
أجاب رضي الله تعالى عنه إن كان قد أسند الملك في إقراره إلى البيع أو غيره من الأسباب التي لا يجوز الرجوع معها فليس له الرجوع وإن كان مطلقا وأراد الرجوع فليس له الرجوع أيضا إلا أن يدعي أنه كان بطريق
الهبة ويريد الرجوع فيها فالقول في ذلك قوله مع يمينه على الأظهر فإذا حلف كان له الرجوع إلا أن يكون قد وجد من الولد ما يبطل رجوع الواهب من رهن أو كتابة أو غيرهما فيمتنع حينئذ الرجوع من هذه الجهة
وهذا الذي أفتيت به هو الذي أفتى به القاضي أبو سعد بن أبي يوسف الهروي صاحب الإشراف على غوامض الحكومات وذكر أن أبا الحسن العبادي أفتى بمنع الرجوع متمسكا بأن الأصل بقاء الملك وتمسك بأن الإقرار المطلق ينزل على أول البنين وأضعفهما كما ينزل على أقل المقدارين استصحابا للأصل القديم وهذا الأصل متقدم على الأصل الذي تمسك به فكان أولى
قلت فإن أورد على هذا ما إذا أقر مطلقا ثم فسر بثمن مبيع لم يقبضه أو بدين مؤجل لا يقبل منفصلا فالجواب أن ذلك يمنع المطالبة والإلزام في الحال فهو مناقض لموجب قوله علي والله أعلم
190 - مسألة شخصان بينهما ملك مشاع لكل واحد منهم اثني عشر سهما فأقر أحدهما لأجنبي بأربعة أسهم من حصته ثم تقار الشريكان في مكتوب كتباه بينهما بأن جميع هذا الملك الثلث منه هو ثمانية أسهم الذي أقر للأجنبي والباقي وهو الثلثان وهو ستة عشر سهما للشريك الآخر وبعد تقارهما بذلك معا ناقض الشريك المقر له بالثلثين شريكه الآخر في جملة الثمانية أسهم التي هي الثلث بملك كان له ثم بعد ذلك ادعى المقر له بالثلثين أن الأربعة التي سبق الإقرار بها للأجنبي داخلة في الثمانية الأسهم فما الحكم في ذلك
أجاب رضي الله عنه إذا خرجت الأسهم الأربعة من البينة فتقارهما على وصف المعية يتضمن رد كل واحد منهما أربعة أسهم من إقرار شريكه له من حيث أن إثباتها لأحدهما أيهما كان لا يجيئ مع إثباتها لصاحبه الآخر فالمقر له بالثمانية قد رد منها أربعة بإقراره لشريكه بالستة عشر والمقر له بالستة عشر قد رد منها أيضا أربعة باقراره لشريكه بالثمانية فعند هذا فلولا ما تعقب هذا من المناقلة لكان هذا يخرج أربعة أسهم من يد كل واحد منهما لأن إن قلنا أن المردود لا يقر في يد كل واحد من المقر والمقر له فظاهر وإن قلنا أنه يقر في يد المقر فمساقه ها هنا بعيد التمانع الواقع أولا لأن ارتداد أربعة على هذا لا يجيئ مع ارتدادهما على ذلك وكذا بالعكس كما سبق ولا سبيل الي تخصيص أحدهما مع التساوي فيتعين التسوية بينهما في النفي لكن لما وجدت المناقلة بعد ذلك مع اشتمالها على توافقهما على ملكه للثمانية كان ذلك إقرارا ثابتا من الآخر له بملكه الثمانية من غير رد منه وبعد هذا فلا تسمع دعوى الشريك الآخر بأن أربعة للأجنبي داخلة في الثمانية لأنها على مناقضة إقراره السابق ضمن المناقلة والله أعلم
191 - مسألة رجل أقر أن جميع ما في يده فالثلث منه لفلان وملكه ثم أقر بعد ذلك أن الذي كان في يده حالة الإقرار ثلاثة آلاف درهم وأنه أنفقها كلها ثم مات المقر فهل يجوز للشاهد أن يشهد بأن المقر له عليه ألف درهم من غير تفصيل ليأخذ ذلك من تركته
أجاب رضي الله عنه بأنه لا يجوز للشاهد ذلك بل يشهد على المقر بالإقرارين علي وجهيهما ثم إذا حلف المقر له مع الشاهد حكم له بضمان ألف درهم في تركته والله أعلم ثم قال بعد ذلك وهذا القول إذا سمع الشاهد إقرار شخص بأن لفلان عليه ألف درهم فله أن يقول أشهد أنه أقر بأن له عليه ألف درهم وليس له بأن يقول أشهد أن له عليه ألف درهم لما بينهما من التفاوت على مالا يخفى والله أعلم
192 - مسألة شخص أقر في ملك هو في يده وتصرفه أنه وقف عليه ثم على جهات بعده هل يثبت هذا الوقف بإقراره
أجاب رضي الله عنه وقال بلغني عن جماعة من المفتيين قبلنا أنهم أفتوا بثبوته وقد ذكر صاحب روضة الحكام فيما لو أقام الخارج بينة بالوقف وأقام صاحب اليد بينة بالوقف أنه هل ترجح بينته فعلى وجهين أحدهما ترجح والثاني لا ترجح لأن اليد تدل على الملك لا على الوقف فعلى هذا ولا ينتفع في هذا بما هو في الإشراف على غوامض الحكومات من أنه إذا أقر صاحب اليد أنه وقف على فلان ولم يذكر واقفه ولم يعرف القاضي واقفه سمع ذلك منه وألزمه حكم إقراره وذلك لأن هذا ليس إثباتا للوقف في نفسه بإقراره بل مؤاخذه له في حق نفسه باقراره والله تعالى أعلم
193 - مسألة رجلان أقرا لزيد بمائة درهم عليهما بالسوية وأشهد عليهما بذلك في مكتوب ثم أشهد أحد المقرين علي نفسه بأن قال جميع الدين المكتب في هذه الحجة انتقل إلى ذمتي انتقالا صحيحا شرعيا دون المقر للآخر ثم طالبهما المقر له وأخذ من كل واحد خمسين درهما فأراد
المقر الذي لم يصدر منه شيء سوى إقراره الأول لرب الدين أن يرجع على صاحبه الذي أقر بانتقال جميع الدين إلى ذمته بما غرمه لرب الدين هل له ذلك
أجاب رضي الله عنه له ذلك كما لو كان لزيد على عمرو دين ولعمر على خالد دين والمديون الأول ممتنع فلزيد أخذ حقه من مديون مديونه وكذا لو أقر خالد بدين لعمرو وجحد ذلك عمرو كان لزيد الأخذ من خالد إذا صدقه وهذا في الباطن أما في ظاهر الحكم فيتوقف على ثبوت ظلم المقر له بذلك وما يوجب رجوعه والله أعلم
194 - مسألة رجل أقر أن جميع ما تشمل عليه الدار الفلانية المعلومة من قماش وغيره ملك زوجته فلانة ثم مات بعد مدة في الدار المذكورة والزوجان ساكنان فأقامت البينة بالإقرار المذكور فأنكر الوارث كون الأعيان الموجودة فيها عند الموت موجودة عند الإقرار وأن الإقرار تناوله وتوجه عليها إقامة البينة على ذلك فطلبت يمينه بأن تلك الأعيان لم تكن موجودة حينئذ وأنها غير داخلة في الإقرار فهل يحلف على نفي العلم أم البت فإن قال الوارث إحلف إنك لا تستحقين مما في الدار إلا حصة الميراث وهو الربع يقنع منه بذلك
أجاب رضي الله تعالى عنه يحلف أنه لا يعلم هذه الأعيان ولا شيئا منها موجودة في الدار المذكورة وقت الإقرار المذكور وأنه لا يعلمه ولا شيئا منها داخلا فيما أقر به لها وما قام مقام هذا من الألفاظ فإن ذلك يمين على نفي ما يتعلق به والقاعدة فيه معروفة ولا يقنع منه بيمينه بأنها لا تستحق ما في الدار سوى حصتها من الميراث وهو الربع فإن المدعية قد أقامت حجة على ما تدعيه ولوقف عليه وتأثيرها على هذه المقدمة التي
طلبت من الخصم تحليفه عليها فعليه أن يحلف على نفيها إن كان صادقا نفيها وإن لم يكن صادقا فقد علم تمام الحجة عليه في نفس الأمر فليس له دفعها بأن يحلف على نفي الحق وإن زعم أنه صادق في نفيه كما لو اعترف ظاهرا بالمقدمة المتممة للحجة وأراد أن تحلف على نفي الاستحقاق زاعما أنه صادق فيه بخلاف النظائر المعروفة التي فيها أن يدعي عليه المدعي قرضا فلا يحلف على نفي القرض ويريد أن يحلف على نفي الاستحقاق فإنه يقنع منه بذلك لأن المدعي لم يقم حجة أصلا لا تامة ولا ناقصة ولم يوجد منه سوى الدعوى التي لا حجة فيها فتقنع منه باليمين على نفي الاستحقاق فلن يلحق به ما بعد إقامة الحجة لما فيه من إلغاء أثر ذلك في ذاك وصار هذا كما إذا أقام المدعي الحجة على المدعى عليه بكتاب قاض أورد فيه الحكم على معين متميز بالاسم والنسب فأنكر المدعى عليه كونه مسمى بذلك الإسم مع النسب فطلب يمينه بأنه ليس مسمى بذلك فحاد عن اليمين على نفي ذلك إلى اليمين على نفي استحقاق ما يدعيه عليه فإنه لا يقنع منه بذلك علي الصحيح خلافا للصيدلاني فهذا من ذلك القبيل ثم ههنا جهة أخرى تمنع من أنا نقنع من الوارث بيمينه أنها لا تستحق من ذلك سوى
حصتها بالإرث وذلك أن لها اليد في نصف ما في الدار المذكورة لكون الزوجين كانا يسكنانها على ما عرف من القاعدة في مثل ذلك فإذا لها أن تحلف على استحقاق نصف هذه الأعيان نظرا إلى اليد وإن قطعنا النظر عن الإقرار ثم لها بعد ذلك الربع من الآخر إذا لم تتم لها فيه حجتها من جهة الإقرار والله أعلم
195 - مسألة إمرأة أقرت أنها لا تستحق مع وارثها فلان شيئا في الحصة الفلانية ثم ماتت فادعى عليه باقي الورثة مشاركته بطريق الإرث عن المقرة فهل تسمع دعواهم وما الحكم إذا أثبتوا كونه محلفا عنها
أجاب رضي الله تعالى عنه إذا كانت قد اعترفت له بأنه مالك للحصة لا تستحق معه فيها شيئا فلا تسمع دعوى سائر الورثة لميراثهم فيها عن المقرة حين يدعوا أنها تلقت عن المقر له الملك في الحصة المذكورة بعد إقرارها والسبب فيه أن الانسان مؤاخذ بإقرار نفسه في المستقبل ولولا ذلك لم يكن في أقاريرهم حجة وفائدة وإن كانت اقتصرت في اعترافها على انها لا تستحق في الحصة شيئا من غير أن تعترف له بملكها فلا تقبل دعواهم حتى يدعوا تجدد الملك لها فيها بعد إقرارها المذكور بمثل ما سبق على ما تقدم والله أعلم
196 - مسألة رجل أقر بما صورته الأملاك التي اشتريتها لولدي فلان وسماها هل هذا إقرار صحيح أم لا فإذا كان صحيحا فهل يعم جميع الأملاك التي اشتراها بدمشق وحمص وحماة وغير ذلك أو لا يعم حتى لو قال أردت بذلك الأملاك التي اشتريتها في سنة عشرين فقط دون سنة إحدى
وعشرين هل يقبل قوله وتفسيره بذلك أم لا فإن قبل منه هذا التفسير فلو مات ولم يفسر بشيء هل للورثة الباقين أن يفسروه بذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه إقراره بأن الأملاك التي اشتراها هي لولده الذي سماه إقرار صحيح محمول على العموم ولا يقبل قوله في الحكم تفسيره بخصوص الأملاك التي اشتراها بدمشق مثلا أو بخصوص الأملاك التي اشتراها في سنة معينة والله أعلم
197 - مسألة رجل مات ووجد له تركة من جملتها حصان أشهب وعليه ديون تستغرق تركته فأحضرت زوجته كتابا صورته أنه أقر في صحة عقله وجسمه قبل موته بمدة طويلة قدرها سنة أو دونها بقليل أن زوجته تستحق في ذمته ألف درهم وأنه عوضها الحصان الأشهب وسلمه إليها ولم يذكر في الكتاب لفظا أكثر من هذا ولا شهد عليه أحد بغير هذا اللفظ ولا أشهدت المرأة عليها في ذلك الوقت وإلى أن مات زوجها بالتعويض ولا بقبوله ولا بقبض شيء وإنما وقع الإشهاد على الزوج فقط فلما مات ووجد حصان أشهب في تركته قالت الزوجة هذا هو الحصان الأشهب الذي عوضني هو وقبلته وقال الغرماء هذا حصان آخر فعليك البينة أنه هو ذلك الحصان الأول فالقول قول من والحالة هذه
أجاب رضي الله عنه إذا حلفت حكم لها به لأن ذلك الحصان باق عملا بالأصل ولا موجود غيره هذا ويلزم من هاتين المقدمتين أن يكون هذا ذاك ونظيره من المسطور ما إذا قال المدع عندي لفلان ثوب وديعة ولم يصفه ثم مات ولم يوجد في تركته غير ثوب واحد فإنه ينزل عليه قوله وقوله عوضتها كقوله بعتها يحمل على الصحيح القابل للملك مطلقة والله أعلم
198 - مسألة رجل له عشر دار شائع فأقر أن فلانا ملك عليه سهما شائعا من عشرة أسهم من جميع الدار وذكرها وقال بعت فلانا سهما شائعا من عشرة أسهم من جميع الدار وذكرها أو قال وهبت له وسلمت إلى المقر جميع السهم المذكور أو قال سلمت إلى البائع السهم المذكور أو الموهوب له فهل ينزل ذلك على ما يختص به دون ما هو مشاع
أجاب رضي الله عنه ينزل ذلك على ما اختص به على الأصح في الصورتين الأخيرتين وأما في الصورة الأولى فقطعا من غير خلاف من أجل قوله ملك عليه والله تعالى أعلم
199 - مسألة إمرأة أقرت وأشهدت عليها أن كل مكتوب يظهر فيه إقرار أبيها لها بدين أو بعين فهو باطل وزور وأنها لا تستحق في ذلك المكتوب شيئا ثم أنها ادعت بعد ذلك على تركة أبيها بأربعة آلاف درهم وأظهرت مكتوبا صورته هذا ما أصدق فلان فلانة وأن أبا المقرة قبض من مهر المقرة أربعة آلاف درهم فضة وأشهد عليه بقبض هذا المال الذي هو مهرها فقال الحاكم الذي ثبت عنده إقرار المقرة بما تقدم قد بطل هذا بإقرارك أن كل مكتوب أقر لك أبوك فيه بدين أو عبن فهو باطل فهل يدخل كتاب الصداق وقبض أبيها مهرها في إبطال ما أبطلت
أجاب رضي الله تعالى عنه لا يبطل بذلك ما تشهد به البينة عليه من أنه قبض ذلك وإنما يقدح ذلك في إقراره بالقبض والأول يجزيها عن الثاني وليس في مكتوب الصداق المذكور إقرار بالقبض فإن قوله وأشهد عليه بالقبض من شاهد القبض من غير أن ينطق بإقرار والله أعلم
ومن كتاب العارية
200 - مسألة رجل أعار رجلا جدارا يضع عليه سترة ليس عليها حمل ثم أراد المعير استرداد عاريته فهل له إزالتها مجانا
أجاب رضي الله عنه ليس له إزالتها مجانا وله ذلك إذا عزم أرش النقص
201 - مسألة في شركاء في ملك شاع يحتمل القسمة باع واحد منهم حصته لأجنبي فحضر بعض الشركاء وطلب أخذ المبيع بالشفعة وحصة هذا الطالب قليلة إذا قسمت لا ينتفع بها ولو طلب قسمتها لا يجاب إلى ذلك على المختار والشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الحاصل للقسمة وهذا الإيجاب إلى القسمة على المختار فهل له أن يأخذ بالشفعة أم لا وهل إذا اجتمع مع بقية الشركاء يحاصصهم أم ينفرد بالأخذ من إذا طلب القسمة أجيب إليها
أجاب رضي الله عنه بل له الشفعة على الصحيح والمذكور في الاستفتاء إنما هو على العكس فإنما يعتبر الإجبار على القسمة في جانب المشتري لا في جانب الشفيع فإذا كان المشتري لو طلب القسمة أجبر له الممتنع عليها والشفعة تثبت للشريك الآخر القديم وإن لم يكن لقلة حصة المشتري فلا شفعة للشريك القديم
202 - مسألة هل يحتاج الشفيع في مقدار اسشفاعه وفي وقت إقامة البينة التي تبين مقدار سهمه
أجاب رضي الله عنه إذا أقام البينة على كونه شريكا كفى ذلك في
ذلك واستحق الشفعة بشرطها ثم وجدت مسطورا ما يدل عليه ولله الحمد
203 - مسألة وجوابها قال رضي الله تعالى عنه إذا تسلم العامل مالا للقراض ثم مات وفي يده أعيان تصلح لأن تكون أعواضا لمال القراض حكم ببقاء مال القرض إذا لم يقم بينة توجب خلاف ذلك لأن الأصل بقاء مال القراض وشأن مال القراض التلف في الأعيان فلا يحكم بعدمه بعدم العين المعقود عليها ويلتحق ذلك بما اذا قال المودع عندي لفلان ثوب ولم يوجد في تركته إلا ثوب واحد فإنه يحمل عليه ويدفع إلى المقر له قطع به صاحب التهذيب ثم ينبغي أن يوفي منها رأس المال نقدا من غير زيادة لأن نشك فينا زاد على ذلك والحالة هذه والله أعلم
204 - مسألة رجل أخذ من آخر مالا قراضا فأكل بعض المال ثم نوى أن يعمل في الباقي ليرد رأس المال فإذا عاد رأس المال فهل يكون ما كسبا بينهما على ما شرطاه ويكون ما خان فيه في ذمته أم يكون الكسب كله للعامل
أجاب رضي الله عنه بل ما أخذه على وجه الخيانة وأتلفه ثابت في ذمته لا يبرأ منه بالكسب والكسب الحاصل من الباقي لا شيء للعامل فيه حتى يجبر رأس المال فإذا أدى إلى رب المال ما أكله برئت ذمته ويحسب ما أداه من رأس المال وحينئذ يكون ما ربحه في المال الباقي إذا فضل عن رأس المال مقسوما حينئذ بينهما والله أعلم
205 - مسألة سلم شخص إلى شخص دراهم ثم اختلفا فقال الدافع أقرضتك إياها وقال القابض إنما قارضتني عليها وكان قد خسر فطالبه الدافع بالجميع
أجاب ضي الله عنه بأن القول القابض مع يمينه عند عدم البينة في نفي الضمان في القدر الذاهب لأنهما اتفقا على الإذن في التصرف واختلفا في شغل الذمة والأصل براءة الذمة قال وهذا أولى وينبغي الضمان مما إذا قال المالك غصبتني وقال القابض أودعتني ففي هذه المسألة وجهان حكاهما صاحب التتمة أحدهما وجوب الضمان ولأن الأصل عدم الإذن فهذا منتفي في مسألتنا واختلافهما في الجهة لا يقدح على أحد الوجهين على ما عرف في موضعه والله أعلم
206 - مسألة رجل عليه حجة ثابتة بمبلغ من الدراهم بعضها في الذمة وبعضها إقراض ثم توفي ووجد في تركته مال ولم يثبت أنه عين مال المضاربة فهل يقدم ببقاء مال المضاربة أو الذي في الذمة أو يقسم بينهما على قدر المالين
أجاب رضي الله عنه إذا أثبت أنه كان في يده رأس مال لنفسه يجوز أن تكون التركة منه ومال المضاربة ويجوز أن تكون التركة منه لكونه من جنس ما أذن له في التجارة فيه ولم تقم بينة مانعة من أحد الجائزين المذكورين فالظاهر أن التركة تقسم بينهما على قدر رأس المالين وإن لم يثبت اشتمال يده على غير مال المضاربة تعينت التركة لجهة المضاربة التي ثبت اشتمال يده على مالها والله أعلم
207 - مسألة رجل أقر أنه قبض مالا نقدا على جهة المضاربة ثم مات وترك أولادا صغارا فحضر وكيل رب المال وهو غائب في بلد آخر وأثبت ذلك ولم يوجد في تركته شيء من جنس المال المقبوض فهل يفتقر الحكم به إلى إثبات تفريط العامل وهل يتوقف الحكم بعد ذلك على يمين رب المال الغائب والمحكوم عليهم أيتام أم لا
أجاب رضي الله عنه مهما وجد في تركة العامل ما يصلح أن يكون للقراض ويجوز اشتراؤه بمال القراض فلا يتوقف الحكم على إثبات تفريط العامل بترك الإيضاح مع تمكنه منه في مخيف مرضه ولا بغيره من أسباب التفريط بل يستصحب بقاؤه في ضمن ما خلف من الأعيان التي بهذه الصفة من حيث أن وضع مال القراض التقلب والنقل في الأعيان فليس يلزم من عدم رأس المال بعينه عدمه
هذا الاستصحاب مقتضى ظاهر المذهب في نظير لها وهي ما إذا ثبت بإقراره أن عنده ثوبا ولم يجد في تركته غير ثوب فإنه يترك الوديعة عليه ذكر صاحب التهذيب وفي التتمة اشارة اليه غير أنه بترتب التضمين على هذا من وجه آخر وهو عدم التمييز فإنه لا يدري كم مال القراض من ذلك والله أعلم فيضمن اذا رأس المال ولا حاجة إلى تفريط غير أنه إذا كان المختار أنه لا يضمن إذا لم يوجد في تركته ما يصلح أن يكون رأس مال القراض فينبغي إذا قصر ما وجد من تركته مما يصلح أن يكون للقراض عن الوفاء برأس المال أن لا يضمن ما يبقى في سائر تركته والله أعلم فإذا لا يزيد على مقدار رأس المال ولا يجاوز ما يصلح أن يكون هذا ومن عوضه والله أعلم
وأما أن لم يوجد في تركته ما يصلح أن يكون من مال القراض وكان
الموجود مما ينفي الحال احتمال كونه من مال القراض فالأظهر أنه لا ضمان وان الايضاح لاحتمال تقدير التلف من غير تفريط والأصل براءة الذمة ويترك الإيضاح علي تقدير التلف الموصوف لا يصير مفرطا ضامنا قطعا لما لا يخفى والله أعلم
والحكم ها هنا يتوقف على يمين الموكل الغائب وهو مفارق في ذلك لمثله في الحكم على الحاضر غير المحجور عليه للمسألة العدالية والعلم عند الله تعالى تلك العلة منتفية في هذا وأيضا فاليمين ها هنا من متممات الحجة والله أعلم
وهو أيضا حكم الغائب على غائب أو شبهه فيضعف لضعف أصل الحكم على الغائب غير أني بعد ذلك رأيتني أجد وقفة عن هذا وفي الوسيط هذا إذا ادعى بنفسه فإن كان ادعى وكيله وهو غائب فلا بد من تسلم الحق بل لو حضر المدعي عليه بإزاء وكيل المدعي وأقيمت البينة عليه فقال إن موكلك أبرأني فارتد يمينه فذكر مسألة القفال وهذا يوجب أن وكيل الغائب المدعي على الغائب لا يحلف فإن سياق كلامه يعطي ذلك ولو كان المدعي ناظرا على جهة وقف عام أو نحوه فلا يمكن ها هنا توقيف الحكم أصلا والله أعلم
208 - مسألة بستان ليتيم أجر وليه بياض أرضه بأجرة بالغة مقدار منفعة الأرض وقيمة الثمر ثم ساقى على الشجر على سهم من ألف
سهم لليتيم والباقي للمستأجر كما جرت العادة ها هنا في دمشق فهل تصح المساقاة
أجاب رضي الله عنه إذا كان ذلك لا يعد في العرف غنى فاحشا في عقد المساقاة بسبب انضمامه إلى عقد الإجارة المذكور وكونه نقصا مجبورا بزيادة الأجر موثوقا به من حيث العادة فالظاهر صحتها والله أعلم
ومن كتاب الاجارة
209 - رجل أجر أرضا من رجل للغراس مدة معلومة ثم عند انقضاء المدة يكون له ما بحكم الشرع المطهر فيها فلما انقضت المدة حضر المؤجر والمستأجر عند حاكم من حكام المسلمين وطلب المؤجر اخلاء أرضه من الغراس فأبى المستأجر فخير الحاكم حينئذ المؤجر بين تمليك الغراس بقيمتها وبين أن يبيقها بأجرة المثل فلما علم المستأجر ذلك اختار القلع وإخلاء الأرض من الغراس من غير أرش نقص فأجيب الى ذلك وأمره الحاكم به فبادر قبل القلع وقبل تمليك المؤجر الغراس وقف الغراس وقفا شرعيا فهل يصح هذا الوقف وإذا صح هذا الوقف فهل للمؤجر قلعه من أرضه أم لا وإذا قلعه فهل عليه أرش نقصه أم لا وإذا أبقاه بأجره فهل تكون الأجرة في فعل الشجر أو على الموقوف عليه فإن كانت الأجرة أكثر من فعل الغراس فممن يأخذ ما يفضل له من الأجرة وأن كان وقفه على مساكين لا مال لهم وكان الغراس لا فعل له فممن يأخذ أجرة أرضه
أجاب رضي الله عنه نعم يصح وقفه على الأظهر كما يصح
وقف المشفوع ثم يبقى المؤجر على خيرته بين الأمور المعروفة فإن اختار قلعه بأرش نقصه وإن اختار أبقاه بأجره فالأجرة في فعله كمونة العمارة في غيره وما لا يفي به فعله من ذلك فالأصح أنه على بيت المال والله أعلم
210 - مسألة رجل استأجر أرض قرية للزراعة وللمستأجر الانتفاع بزرع ذلك كيف شاء والأراضي المأجورة ما زرع منها في سنة براح من الزرع في سنة أخرى على عادة الضياع والقرى والأراضي المأجورة فزرع الجميع فاعترض عليه معترض من أمناء الوقف وقال زرعت جميع الأراضي في سنة واحدة فقال له المستأجر الجميع على ما أراه والبعض على ما أراه من استيفاء جميع حقي أو بعضه
أجاب رضي الله عنه ليس له الانتفاع بذلك إلا على وجه المعتاد وعليه أن يريح المأجور على ما جرت به العادة كما في الدابة المأجورة في السفر فإنه يتبع عادة إلا راحة فيها سيرا وسرا ويجب النزول عنه عند العقاب هذا هو الظاهر والله أعلم
211 - مسألة رجلان أجرا أرضا لرجل يغرس فيها غرسا مدة معلومة فلما انقضت مدة الإجارة خيرهما بين أمرين أحدهما أن يبقياه بأجرة المثل والثاني أن يتملكا الغراس بقيمة مثله ثم أن أحد الشريكين أجر حصته مرة ثانية فهل للشريك الثاني أن يمتلك ببدل أو يبقى بأجرة المثل
أجاب رضي الله عنه إذا كان الأمر فيه على ما ذكر من كون أحد المؤجرين حدد أجارة نصيبه من الأرض المغروسة صحيحة فإنه يسقط خصلة التملك ويتعين خصلة الإبقاء بأجرة المثل والله أعلم
212 - مسألة رجل استأجر أرضا موقوفة للبناء أو الغراس مدة
معلومة وبنى وانقضت مدة الأجارة فهل يكون حكمها حكم المطلق في تملكها بالقيمة أو في القلع وغرم أرش النقص أو تبقيتها بأجرة المثل
أجاب رضي الله عنه يجزي في الوقت من ذلك الإبقاء بأجرة المثل ولا يجزي القلع مع غرامة أرش النقص إلا إذا كان ذلك أصلح للوقف من الإبقاء وكذلك لو غرم غارم الأرش من عنده ولا يجزىء التمليك بالقيمة إلا إذا فإن في شرط الوقف جواز تحصيل مثل ذلك الغراس والبناء لجهة الموقف والله أعلم
213 - مسألة رجل استأجر مكانا إجارة صحيحة واجتمع عليه من الأجرة فطالبه المؤجر بما اجتمع عنده فادعى الإعسار إن ثبت إعساره عند الحاكم هل للآخر الفسخ بهذا أم لا
أجاب رضي الله عنه هذه الإجارات التي تسقط أجورها في عقودها على انسلاخ الشهور ونحوها لا يثبت فيها الفسخ بالإعسار إذ لا فسخ له بأجرة ما لم تحل بعد لأنه لا مطالبة له به الآن ولا فسخ له بما حل وانقضت مدته لأن المعقود عليه فيه هو المنفعة وقد تلفت بمضي زمانه وإنما يجوز بالفلس عند بقاء المعقود عليه ليرجع إلى عين ماله بالفسخ والله أعلم
214 - مسألة رجل استأجر حصة من ناظر إجارة صحيحة شرعية ثم ادعى الناظر أنه كان مكرها أو كان بدون أجرة المثل فهل تسمع
دعواه أم لا وإذا سمعت فهل يجب عليه تفصيل الإكراه أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم تسمع دعواه وعليه تفصيل الإكراه
215 - مسألة رجل قال لرجل خذ هذة الدابة والقمح الذي لي واطحنه وأحمل لك عليها كيلين من الغلة فأخذها وحمل عليها قمحه وقمح صاحب الدابة فسرقت الدابة منه في الطريق فهل يلزمه الضمان
أجاب رضي الله عنه إن فرط وجب عليه الضمان وإن لم يفرط وكان قد جعل حمل الكيلين أجرة فلا ضمان عليه وإن كان ذلك على جهة العارية فعليه ضمان نصفها لا غير
216 - مسألة رجل له أحمال حناء في قيسارية ووضع آخر إلى جانب تلك الأحمال فرده ولم يعلم بها صاحب الأحمال فباعها صاحب الاحمال وهو يعتقد أنها ماله فقبضها المشتري من الوضع الذي وضعها مالكها فيه ولم يستول عليها البائع ولا مسها بيده فهل لمالكها أن يطالب البائع بها أو ببدلها أو يطالب المشتري ولا ضمان له على البائع أصلا أم له أن يطالبهما جميعا ولو عدمت في يد المشتري ولم يعترف المشتري أنها ملك مالكها وقال لا أدري إلا الثمن فقط ولم يكن لصاحبها بينة وقيمتها أكثر من الثمن ومثله فهل يجب على البائع ما زاد على الثمن
أجاب رضي الله عنه مقتضى المذهب أنه يطالب المشتري القابض ولا ضمان على البائع أصلا وإذا اعترف البائع بأن ذلك للمالك المذكور فعلى المشتري عند عدمه تسليم الثمن إلى من اعترف له البائع
باستحقاق عوض ذلك ولا يلزم البائع والمشتري ما زاد على الثمن والله أعلم
217 - مسألة رجل أعطى دابة إلى خاني يحفظها في الخان فانفلتت على هذه الدابة دابة أخرى فقتلتها ولم يقدر الخاني على تخليصها ولم يحضر ذك إلا الخاني فهل يجب ضمانها على الخاني أو على مالك الدابة
أجاب رضي الله عنه لا ضمان على الخاني إذا غلبته ولم يفرط لأنه والحالة هذه لا ينسب إليه ما جرى وأما المالك فان كانت معتادة للوصول على الدواب ولم يعرف بذلك من ترك الدابة المقتولة هناك فعليه ضمانها وإن لم تكن معتادة لذلك ولم يكن معها حينئذ فلا ضمان عليه وفي الإبانة ما يدل على ذلك والله أعلم ومسألة اصطدام السفينتين إذا غلبتهما لا ضمان عليها يدل على أن من في يده الدابة إذا غلبته لا ضمان عليه والله أعلم
218 - مسألة رجل أجر أرضا مدة معلومة بأجرة معلومة ثم باعها من رجل آخر قبل انقضاء الأجارة فهل يصح البيع أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم يصح بشرطه ولا تفسد الأجارة والله أعلم
219 - مسألة رجل استأجر دابة ليركبها إلى قرية معلومة فركبها إلى بعض الطريق ثم رجع راكبا لها من غير إذن المؤجر فهل يجب عليه الأجرة المسماة أو يجب قسط منها وقسط آخر من أجرة المثل لرجوعه
أجاب رضي الله عنه وقال إن حبسها في يده مدة يمكنه المسير فيها إلى القرية المعينة لزمه الأجرة المسماة بكمالها وإن ردها قبل ذلك لم يلزمه قسط ما بقي من المسيرة والله أعلم ثم قال بعد ذلك هذا يستمد من أصلين أحدهما أن المكتري للدابة للركوب أو غيره اذا تسلمها وأمسكها في يده مدة يمكنه فيها استيفاء المنفعة المعقود عليها ولم يستوفها تستقر عليها الأجرة والثاني أنه إذا اكتراها ليركبها الى قرية معينة فركبها الى قرية أخرى في مثل تلك المسافة جاز ذلك واستقرت عليه الأجرة المسماة نظرا إلى القاعدة المقررة في أنه يجوز ابدال المستوفى به كما أنه اذا استأجر لخياطة ثوب معين فأبدله بثوب مثله أو استأجر امرأة لإرضاع صبي فأبدله بصبي آخر وفي ذلك قولان والمختار جواز الإبدال وهذا بين أصلين أحدهما جواز الإبدال في المستوفى به كالراكب والثاني جواز الإبدال في المستوفى منه كالدابة والله أعلم
220 - مسألة رجل استأجر أرضا للزراعة بحقها من الماء فزرع ثم يبس الزرع فهل يلزمه الأجرة
أجاب رضي الله عنه يلزمه أجرة مدة الحرق والزراعة واشتغال الأرض بنبات الزرع ولا يلزمه أجرة مدة تعذر استعماله وانتفاعه بالأرض هذا إذا لم يفسخ وله الفسخ بسبب انقطاع حق المأجور من الماء والله أعلم
221 - مسألة رجل استأجر رجلا على أن يقعد مكانه في الحبس فقعد مكانه مدة فهل يستحق الأجرة على ذلك
أجاب رضي الله عنه أنه يستحق الأجرة ووجهه أن المنافع كأعيان الأموال وهذا استدعاء لإتلاف منافعه بعوض لغرض صحيح فيستحق
العوض كما لو قال ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه وكما لو قال طلق زوجتك وعلي ألف والله أعلم
222 - مسألة شخص استأجر طاحونة سنة ثم أنها احتاجت إلى العمارة فاستقال المستأجر المؤجر ليعمرها المالك فلما عمرها اختلفا فقال المستأجر لم تكن الإقالة إلا في مدة العمارة فحسب وقال الآخر بل كانت في العقد مطلقا في العقد مطلقا في جميع مدته فالقول قول من منهما وإذا كان القول قول المستأجر في بقاء العقد فهل للمالك مطالبته بأجر أيام العمارة أم لا
أجاب رضي الله عنه أن القول قول المستأجر مع يمينه لأن فيما يدعيه نفيا لصحة الإقالة وإثباتا لاستمرار العقد فهذان أصلان في جهتين يعضد أحدهما الآخر وليس مع المؤجر إلا أن الظاهر صحة الاقالة وفي هذا ما يفارق به هذه المسألة مسائل الوجهين فيما إذا تعارض الأصل والظاهر حيث يدعى أحدهما فساد العقد ويدعي الآخر صحته وفيه أيضا ما يمنع من إثبات التخالف بينهما لاختلافهما في مقدار ما وقعت فيه الإقالة ثم ليس للمالك مطالبة بأجرة أمام العمارة لتضمن دعواه نفى استحقاقه لها وما يدفعه المستأجر من الأجرة للمالك أن يأخذ منه مقدار أجرة المثل وما زاد عليها فهو غير مستحق له بزعمه وإن كان صادقا في دعواه فلا يحل له أخذ ما زاد على أجرة المثل والله أعلم
223 - مسألة إنسان أخذ بيد مملوك لغيره وخوفه بسبب تهمة فهرب من ساعته فهل عليه ضمانة
أجاب رضي الله عنه لا يضمنه مهما لم يكن قد نقله من مكان إلى مكان ومن هذا القبيل إذا انتقل العبد معه مستقلا باختياره وهكذا إذا كان قد نقله من مكان إلى مكان ولكن لا على قصد الاستيلاء عليه وخوفه فهرب فلا يضمنه بذلك والله أعلم
نقل أن المذهب فيما إذا أخذ كتابا من بين يدي صاحبه بغير إذنه لا يكون عوضا حتى يكون قاصدا للاستيلاء عليه وكأنه إذا لم يقصد الاستيلاء لا يكون مثبتا لديه والله أعلم
224 - مسألة فلاح فلح أرضا سلطانية ثم جاء آخر فانتزعها منه وزرعها بغير إذن منه له فما الذي يجب عليه للفلاح ثم جاءت أخرى في مستأجر انقضت أجارته وله في الأرض فلاحة وأجرها من غيرها
فكان الجواب في هذه أنه إذا لم يكن قد زرع على هذه الفلاحة ولا انتفع بها فله على مالك الأرض لا على المستأجر الثاني قيمة فلاحته وهي ما زاد في قيمة الأرض بسبب الفلاحة وهي اختيار القول الذي نقول فيه إذا زال عقد المشتري بالفسخ بالفلس وله في المبيع مثل هذا الأثر فإنه يبقى للمشتري حتى أنه بذل له البائع قيمته وهو ما زاد بسببه في المبيع وإلا بيع واختص المشتري بما يخص ذلك من الثمن وهذا القول هو الصحيح هناك وهو جار ها هنا فإنه أثبت في الأرض فلاحة محترمة لكونه يملك ذلك بعقد صحيح وأما المسألة الأولى فهي مخالفة لهذه فإن المعاملة فيها فاسدة ويد الفلاح عليها ضامنة واجبة الإزالة فقد قال لا يجب له ما أحدثه في الأرض ومن أمثال هذا الأثر كما في الغاصب وليس من قبيل المستأجر على هذه الفلاحة إجارة فاسدة حتى يستحق أجرة المثل فإن هذه المزارعة ليس موضوعها ذلك وإنما الفلاح فيها هو المستأجر استأجر الأرض ببعض ما
يزرع فيفلح ويعمل نفسه لصاحب الأرض وليس لصاحب الأرض عليه سوى الجزء من الزرع المشروط ليس له عمل فلاحته ولا غيرها والله أعلم
ولكن الذي استقر عليه الرأي بعد زمان وتوقف مستمر فيما يريد من الاستفتاءات فيما يبقى للفلاحين من الفلاحة في الأراضي التي زارعوا عليها ثم فلحوها وفارقوا قبل زرعهم لها أن للفلاح عوض فلاحته حتى لا يتمكن المالك من الانتفاع بما فلح إلا بعوض الفلاحة لأنه وإن عمل لنفسه فالمفلس أيضا عمل لنفسه وإن كانت المعاملة فاسدة فإذا غرس بإجارة فاسدة لم يكن للمالك قلع غراسه مجانا نظرا إلى وجود الأذن ثم عوض الفلاحة قد سبق كنيتي ولا طرفا من التعرض لكيفية معرفته والله أعلم
وكذلك في الفلس وبينهما فرق من حيث أن ذلك عمل في ملكه وهذا عمل في ملك غيره ولكن هي كعين قائمة له فينبغي أن تجب قيمتها وهو ما زاد في الأرض بسببها على المتلف لها بالانتفاع في المسألة المذكورة أولا ووقعت بعد أخرى فيها أن الأرض السلطانية بيعت فقلت للفالح أن يمنع المشتري من الانتفاع بها إلا بعوض الفلاحة وهو ما زاد في قيمة الأرض بها والله أعلم
225 - مسألة الجابي إذا ادعى تسليم ما جباه إلى الذي استأجره على الجباية وأنكر فالقول قول من
أجاب القول قول الجابي مع يمينه لكونه أمينا في ذلك فهو كالمودع وهذا اختيار لمذهب المؤازرة وفي طريقة العراق وجهان وقد قال الشاشي الأخير المذهب أنه لا يقبل قوله والآخرون يخالفون في هذا وهو أقوى وهذا الخلاف قد ذكر في الوكالة في البيع يجعل إذا ادعى أنه سلم
الثمن الى الموكل وأنكر وهذه الصورة مؤاخية لهذه الحادثة والله أعلم
226 - مسألة من حوران العادة أن يأخذ أحدهم من صاحبه ثوره يضمه إلى ثور نفسه يحرث عليهما يوما ويأخذ الآخر يوما آخر ثور هذا لمثل ذلك فورد ما صورته رجل أخذ من رجل رأس بقر ليحرث عليه بشرط أن يعطيه الآخر رأس بقر ليحرث عليه مثل ما حرث على الذي له فهلك الرأس الأول قبل رده إلى مالكه فهل يجب الضمان أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يثبت في هذا الضمان العارية بل حكمه حكم الأجارة الفاسدة وحكمها الأمانة وعند هذا فلا ضمان عليه إن تلف بغير تفريط وعليه الضمان إن تلف بتفريط أو لم يتلف بتفريط لكن فرط قبل تلفه تفريطا دخل به في ضمانه ثم لم يبرأ من ضمانه حتى تلف والله أعلم
227 - مسألة رجل استأجر مكانا وسلم أجرته إلى الآجر ثم أقر أنه لا حق له عند الآخر إقرارا نافيا لكل حق على الإطلاق ثم بان فساد تلك الاجارة فهل له الرجوع بتلك الأجرة التي أقبضها إياه
أجاب رضي الله عنه له الرجوع لأن الإقرار المذكور بناه على الظاهر من الصحة الذي انكشف خلافه فكأنه تجدد له بعد الإقرار حق بسبب متجدد وهذا أوضح مما جاء منقولا في نحوه مثل ما هو محفوظ في أن المشتري إذا أقر بأن ما اشتراه ملك للبائع ثم قامت البينة بكونه مستحقا فرجع المقر عن إقراره وأراد الرجوع على البائع بالثمن فالذي قطع به كثيرون أو الأكثرون والقفال منهم وهو الصحيح قال الإمام في الدعاوى وإليه ميل المفتين أن له ذلك لأنه بنى إقراره على ظاهر الحال وقد انكشف بالبينة خلافه فكأنه أخبر عن الواقع وهو ثبوت الملك حكما وظاهرا فإذا زال ذلك زال إقراره وأنه لم يقر بسواه وهذا إذا كان إقراره في
ضمن محكامة المستحق على ما أشعر به كلام الغزالي في الدعاوى من الوسيط فإن تقدم الإقرار ثم جرت الخصومة فكذلك العلة المذكورة وفي نهاية المطلب في الضمان بيان هذا
غير أن هذا مطرد في الإقرار على نفسه الذي يستعقب شيئا يثبت بسببه وللمقر له على المقر كما إذا أقر لغيره بدين أو عين ثم رجع وقال بنيته على حال انكشف أما لأنه يلزم منه إبطاله حقا أثبته لغيره وأما لأنه لا بينة تقوم بخلاف ذلك لأنه لا يتمكن هو من إقامتها لما فيه من تكذيب قوله السابق بخلاف مسألة الاستحقاق فإن البينة فيها يقيمها غيره
ثم وجدت الغزالي رحمه الله قد أتى في الوسيط بضابط لم أره لشيخه في النهاية وأراه المعتمد فيما ذكرته فذكر أن الرجوع يقبل على ذلك المذهب المختار عن كل إقرار يستند إلى الظن ولا يتصور في العادة إسناده إلى القطع أما ما يتصور إسناده إلى اليقين فلا يقبل فيه الرجوع ولا يلتفت إلى قوله بنيته على ظن انكشف بالحجة يعد أنه باطل بل إن أراد التحليف بعد ذكره عذرا محتملا فهذا فيه الخلاف المعروف في الإقرار بالقبض في الرهن ثم لا بد من ذكره مستند رجوعه في قبوله دعواه بذلك والله أعلم
228 - مسألة رجل استأجر مكانا معلوما موصوفا مدة معلومة بأجرة مسماة وأبرأ المؤجر المستأجر من الأجرة المذكورة براءة اسقاط لا براءة قبض ثم تقايلا عقد الإيجار وتلفظا بالتقايل وتشاهدا عليه وبعد ذلك طلب المستأجر من المؤجر الأجرة المسماة وقال قد تقايلنا في
المكان وأنت أبرأتني من الأجرة وأنا ما أبرأتك بل أطالبك بالأجرة التي وقع العقد عليها وأبرأتني منها ولم يكن المؤجر قبض من المستأجر شيئا فهل يلزم المؤجر في هذه الصورة شيء أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يلزمه من ذلك شيء ومطالبته بذلك عجب والله أعلم
229 - مسألة رجل ضمن بستانا من رجل فيه أشجار مختلفة الثمار ولم يكن له في أرض زريعة وانقطع الماء فيبست الأشجار وتلفت الثمار ونهب ما سلم ولم يستغل الضامن من هذا الموضوع المذكور شيئا فهل يلزمه الضمان لرب الملك مع أنه لم يأخذ منه شيئا وكان المكان معه عقدا فقطع بعض الشجر فهل ينفسخ العقد بقطع بعض الشجر أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يسقط عنه الأجرة ولا شيء منها بمجرد ما ذكر وإذا لم يكن قد فسخ في حالة انقطاع الماء فلا تنفسخ الإجارة لما ذكر من تجرده والله أعلم
230 - مسألة في امرأة تبصر بالشعير ورجل يضرب بالرمل ويطلع قولهما حق وآخر يبصر بالحصى ويطلع قوله حق هل يجوز ذلك أو يحرم أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يجوز هذا من الفاعل والمفعول والله أعلم
231 - مسألة فيمن استأجر أرضا موقوفة على الجامع ليس فها أجارة صحيحة فلما انقضت استأجرها شخص آخر فهل يصح أجارة هذا المستأجر وما حكم هذا البناء هل يتخير فيه بين الأمور الثلاثة المستأجر أو الناظر أو لا
أجاب رضي الله تعالى عنه استئجار هذا المستأجر هذه الأرض مع شغلها باطل ولا علاقة له مع ذلك في البناء وحكم هذا البناء الإبقاء بأجرة المثل وليس هذا من المواطن التي يطلق فيها ثبوت التخيير بين ذلك وبين النقص بأرش النقص والتملك بالقيمة فإن ذلك لو كان لكان للناظر في الوقف للوقف ومن أجله ولا سبيل إلى النقص ببدل أرش النقص من الوقف فإنه تعاطى إتلافا منه على العين على أن يغرم له من مال الوقف وهو تخيير لا يجهد بجواز مثله ولا ضرورة تلجىء الوقف إليه وهكذا لا سبيل له إلى تملك البناء للوقف بالقيمة فيما إذا وقفت الأرض عرضة فإنه يخرجها بذلك عن الذي وقفت عليه ويجعلها مبنية للوقف وهي موقوفة قضاء وهي تعتبر للوقف لا يجوز للناظر مثله حتى لا يجوز له اتخاذ البستان أو الحمام دارا أو بالعكس وهكذا لا سبيل له إلى ذلك حيث لا يجوز صرف شيء من الموقوف إلى تحديد بناء للوقف لكونه خارجا عن تصرفه عن الجهات المعينة لريعه فإن انتفت هذه الأمور بأن بدل الناظر أرش النقص من ماله لينقص أو كان في ذلك رد للوقف الى حاله كان عليها عند الوقف قبل
صيرورته عرض ولم يكن في ذلك فخالفة للصفة التي وقفت الأرض عليها فلا مانع من ذلك حينئذ لم ينحصر الجائز في الإبقاء بالأجرة والله تعالى أعلم
232 - مسألة رجل اكترى دابة إلى مكان فسافر بها إلى غير ذلك المكان وكان شرط أن لا يحملها إلا في الرجوع فحمل عليها في الرواح والرجوع وحمل أكثر من المقدار المشروط ثم سلم الدابة إلى صاحبها فتلفت فما الذي يلزمه
أجاب رضي الله عنه ينظر فإن كان الطريق الذي خالفه إليه أوعر من الطريق المشروط وأصعب فعليه أجرة المثل للدابة لا الأجرة المسماة ويلزمه ضمان الدابة إذا كان تلفها في يد مالكها بالتعب الناشيء من استعمالها المذكور الخارج عن محل الاذن وإن لم يكن الطريق الذي سلكه أصعب من المشروط فعليه المسمى من المقدار المساوي للمشروط وأجرة المثل للمقدار الزائد عليه مسافة ومحمولا وعليه من ضمانها إذا تلفت من ذلك قسط ما زاد على المشروط إن كان نصفا فنصف فنصفها وإن كان ثلثين فثلثي قيمتها وهكذا هذا على الأصح في ذلك والله أعلم
233 - مسألة رجل استأجر بيت فرن مدة معلومة أجارة صحيحة ثم بعد الإشهاد عليه ذكر في قفا المكتوب أنه التزم لمالك الفرن خبز سبعة أرغفة كل يوم إلى آخر المدة التزاما شرعيا من وجه صحيح شرعي فهل يؤاخذ بهذا الإلتزام أم لا وهل إذا كان يؤاخذ بهذا الالتزام ولم يخبز لمالك الفرن شيئا يكون عليه قيمة ذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يؤاخذ به فان التزام خبز سبعة أرغفة مجهولة
المقدار والكيفية لا طريق شرعيا يصح به التزامه مفعولا في حياته والله أعلم
234 - مسألة رجل استأجر أرضا من قرية وقال في كتاب الأجارة وفي هذه الضيعة عيون ماء نبع برسم سقي ما تركبه الماء من أرضها ولم يعلما مقدار ذلك فهل تفسد الأجارة بذلك وإذا قال بكذا غرارة حنطة جيدة حمراء حورانية بعلى ممتلئة الحب سالمة من كل عيب فهل يجبر على غربلتها اذا أحضرها على ما جرت به العادة من إحضار الغلات من القرى وهل يلزمه تسليمها بالقرية المستأجرة أم يجبر على إحضارها الى البلدة من غير أن يتفقا على شرط في كتاب الأجارة وإذا اختلفا في هذا الشرط فما الحكم
أجاب رضي الله عنه إذا كان الماء المذكور داخلا في الأجارة كفى رؤية العيون وما ينبع منها ويظهر إلى خارجها ولا يشترط معرفة ما يركبه ماؤها من الأراضي وإذا لم يذكر في القمح صغار الحب أو كباره أو وسط لم يصح العقد وإذا استوفيا الأوصاف كفى أن تحضر نقيه على العادة ولا يشترط فيها غربلتها مما لا يعد عيبا فيها ويجب تسليمها في موضع العقد وإذا وجد في ذلك شرط واختلفوا في المشروط يشرع التخالف بأحكامه وتفاصيله والله أعلم
235 - مسألة رجل استأجر طاحونة يديرها الماء وتسلمها وهي دائرة فادعى في أثناء المدة انقطاع دورانها وأنكر الأجر فالقول قول من منهما وعلى من البينة
أجاب رضي الله عنه القول قول الآجر مع يمينه إذا لم يقم المستأجر البينة هذا مقتضى القواعد إذ الأصل عدم الانقطاع والظاهر السلامة من العيب والأصل بقاء العقد ولزومه وقد قبض العين سليمة وقبضها في الحكم يتنزل منزلة قبض المنافع في جواز التصرف فيها بالأجارة وغير ذلك حتى لا يقال الأصل عدم استيفائه المنفعة والله أعلم
236 - مسألة رجل جاء بفرس إلى خان فربطها وقال لصبي لم يبلغ وأشار إلى تبن عندها خدمته وعلق عليها في المخلاة ولم يحذر منها فلما دنا منها الصبي رفسته وهو حاضر فما الذي يجب وقد أنكر أنها رموح
أجاب رضي الله عنه يجب دية الصبي على عاقلة المذكورة فإن لم يكن له عاقلة فعليه في ماله وهذا له نظائر مسطورة في المهذب وغيره وقد علم أنها اذا أتلفت شيئا وجب على من هو معها وإن لم يكن على مالكها ضمانة ولا تنحصر في أن يكون سائقها أو قائدها أو راكبها وفي المهذب أنه لو أرسل كلبه العقور وجب عليه ضمان ما يتلفه وهذا معتمد ها هنا فيما إذا ثبت أنها رموح مع أنه لم يوثق رجلها بقيد ولا إشكال ونحوهما والله أعلم
237 - مسألة وجوابها استفتى في فسخ الأجارة بالإفلاس ما معناه لا يثبت الفسخ في هذه الأجارات التي لا يستحق فيها أجرة كل شهر إلا عند انقضائه لأن الفسخ بالإفلاس من شرطه أن يكون العوض حالا وأن يكون المعوض قائما باقيا فلا يجوز فيها الفسخ إذا قبل انقضاء الشهر لأنه بعد لم يستحق الأجرة ولا بعد انقضاء الشهر لأن المنفعة التي هي المعوض قد فاتت فهي كالبيع إذا تلف وهكذا في كل شهر الأمر بهذه المثابة فيلزم امتناع الفسخ بالفلس في هذه الأجارات أصلا
238 - مسألة مكان موقوف شرط واقفه أنه لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين فأجره الناظر فيه إحدى وعشرين سنة في سبعة عقود متصلة في مجلس واحد عقد أولا على ثلاث سنين ثم عقد عقدا ثانيا على ثلاث متصلة بانقضاء الأول وهكذا فهل تصح هذه الأجارات
أجاب رضي الله عنه يصح العقد الأول ولا يصح فيما سواه وهذا مع أن الأصح عند جماعة من الأئمة والذي أفتى به أنه تصح الأجارة من المستأجر قبل انقضاء أجارته لمدة مستقبلة متصلة بهذه الأجارة الأولى وإنما أفتيت بالإبطال ها هنا بناء علي أن الأصح اتباع شروط الواقف في المنع من الزيادة على المدة التي منع من الزيادة عليها وذلك لأنا إنما صححنا العقد المستأنف مع أن مذهبنا أنه لا تجوز الأجارة على مدة مستقبلة لأن المدتين المتصلتين في العقدين في معنى المدة الواحدة في العقد الواحد وهذا بعينه يقتضي المنع في هذه الصورة فإنه يجعل ذلك بمثابة ما إذا عقد على المدتين في عقد واحد فيقع زائدا على المدة التي شرطها الواقف ومنع من الزياذة عليها والآن فمقصود الواقف المنع من مطلق كل هذه الأجارة من غير مدتين أن يقع ذلك بعقود متواصلة أو بعقد واحد والله أعلم
239 - مسألة أجارة في مكتوبها أنها أجارة صحيحة جامعة لشرائط الصحة عارية عن الشرائط الفاسدة بأجرة هي كذا وكذا من الدراهم والغلة وكذا وكذا من التبن أحمالا من أحمال الجمال ولم يوصف التبن بأكثر من هذا
أجاب رضي الله عنه يحكم بفساد هذه الأجارة ولا يمنع من هذا
قوله أجارة صحيحة جامعة لشرائط الصحة فإنها صفات يأتي بها الكاتب لما ذكره لا لما لم يذكره مما ليس من شأنه أن لا يذكر استغناء بشهرته أو نحوها عن ذكره ووصف ما ذكره بذلك وصف باطل لا يؤاخذ بمثله على ما لا يخفي هذا هو الظاهر ظهورا متلقى من العرف وغيره والله أعلم
240 - مسألة استأجر رجل دارا من رجل شهرا معينا مثلا بمائة قرطاس فهل تصح هذه الأجارة أم لا من حيث أن الفلوس تختلف بالكبر والصغر
أجاب رضي الله عنه قد كنت أقول أن الفلوس لا يجوز العقد عليها في الذمة لأن مقدارها لا ينضبط لأنها إن انضبطت بالعدد فوزنها يختلف وهو مقصود لأن نفس النحاس مقصود وإن ضبطت بالوزن فعددها يختلف وعلى هذا ما يفعله الناس مثل أن يشتري أحدهم من الفامي أو غيره شيئا بقرطاسين في ذمته غير معينة لا يجوز ثم رأيت بعد ذلك أن ذلك جائز إذا ضبطت بالعدد ولا يضر اختلافهما في الصغر والكبر والخفة والثقل لأن جميع ذلك يروج رواجا واحدا وهو المقصود منها وهي في حالة كونها مضروبة لا التفات فيها إلى مقدار الجرم لأنه لا يقصد منها غير عرض النقدية والرواج ومن نظائر هذه الأصنام والملاهي إذا كان رصاصها مقصودا حيث أفسدنا بيعها نظرا إلى منفعتها الحاضرة المقصودة وإعراضا عما ليس بمقصود في الحال والله أعلم
241 - مسألة رجل سلم إلى رجل دراهم وأذن له أن يسلمها الى فلاحين له على سبيل التقوية لهم على العادة الجارية فسلمها إليهم وكتب عليهم بها حجة وأشهد عليهم به فيها ثم بعد مدة وقع النزاع فأنكر
الفلاحين وكانت الحجة قد صاعت من حرز الوكيل وهو بغير جعل فادعى الوكيل التسليم والإشهاد وضياع الوثيقة فالقول من
أجاب رضي الله عنه لا يقبل قول الوكيل بالنسبة إلى الفلاحين من غير بينة والقول قولهم مع أيمانهم ويقبل قوله بالنسبة إلى الموكل في أنه سلم وأشهد وضاعت الوثيقة فإنه أمين له في التسليم إليهم فقبل قوله على من ائتمنه فيه كما يقبل قوله في التسليم إلى الموكل نفسه وهذا قوي يوجب اختيار القول بقبول قول الوكيل في التسليم إلى ثالث في المسائل التي ظهر الخلاف فيها ومن قال بالفرق في ذلك بين التسليم المتعلق بالموكل وبين التسليم المتعلق بثالث فلا يقوى ما يذكره من الفرق ثم إذا قبلنا قوله في التسليم فلا يوجب الضمان عليه كما إذا قصر بترك الإشهاد ويقبل قوله في أنه أشهد وضاعت الوثيقة وإن كان الأصل عدم الإشهاد فإن الأصل والظاهر عدم التقصير وهذا ها هنا أظهر منه في مسألة الوجهين في الضامن إذا قضى أو أراد الرجوع مع إذكار رب الدين القضاء إذا ادعى أنه أشهد عليه ولكن مات شهوده والله أعلم
242 - مسألة نائب على أهل قرية لصاحبها فهل له أن يأكل طعام الفلاحين
أجاب رضي الله عنه وبالله التوفيق أنه لا يحل له ذلك مهما كان في صورة المتولي عليهم وحملوا ذلك إليه على سبيل الهدية وكونه وكيلا مستنابا في قبض ما عليهم من الحقوق لا يقدح في هذا الحكم كعامل الصدقات فإن المسطور والحديث ناطقان فيه بالمنع كما في القاضي وإن كان
حاصلة أنه وكيل في استيفاء الصدقات أما إذا أحضروه بين يديه على سبيل الضيافة فلا بأس به عليه كما في الضيافة للقاضي والله أعلم هذا هو الجواب لا الجواب بالتفصيل بين أن يكون بطيب نفس من الفلاح أو لا يكون
243 - مسألة رجل استأجر أرضا ليبني فيها ويسكن فبنى فيها مسكنا ثم أنه حيل بينه وبين السكنى فيه مدة فهل تسقط عنه أجرة تلك المدة
أجاب رضي الله عنه لا يسقط بمجرد ذلك شيء من الأجرة لأن الأصل الانتفاع منه بالمكان موجود في ذلك المدة بواسطة بنائه القائم فيه والمنع من السكنى ليس له فيه أكثر من نقصان حصل في المنفعة المعقود عليها وذلك لا يوجب سقوط قسط من الأجرة فلا نظير في هذا إلى تنوع المنفعة وله نظير والله أعلم
244 - مسألة رجل استأجر طاحونا وفيها أحجار دائرة ثم نقص الماء في أثناء المدة فتعطل بعضها والعادة جارية بمثل ذلك والمستأجر يعلم ذلك عند العقد ولم يزد النقص عن المعتاد المعلوم فهل له الفسخ بذلك
أجاب رضي الله عنه لينظر فإن استأجر الطاحون والحجارة غير داخلة في الاجارة بأن كانت من عند المستأجر كما يجري في بعض العادة فلا
فسخ له والحالة هذه وكذلك إن كانت الحجارة من عند المؤجر هي داخلة في الأجارة لكن ما أورد العقد عليها بطريق الأصالة فيها بل أورد العقد على الطاحون وذكر الحجارة ذكر الوصف في الطاحون فلا يثبت للمستأجر الفسخ بهذا النقص والتعطيل المعتادين وأما إذا أورد العقد على الحجارة متأصلة مقصودة لا بطريق الوصف والضمن فقال مثلا استأجرت منك هذه الحجارة للطحن بها سنة فيثبت الفسخ له والحالة هذه بما جرى من النقص والتعطيل المعتادين كما في نظائره والله أعلم
245 - مسألة رجل أجر أجارة ثم ادعى أنه كان عند العقد سفيها فهل تسمع دعواه وإذا قامت بينة بالسنة ة وبينة بالرشد أيهما تقدم
أجاب بعضهم أنها لا تسمع دعواه
وأجاب رضي الله عنه تسمع دعواه وهو من قبيل المسائل المعروفة التي منها من ضمن ثم أدعى أنه كان حينئذ مجنونا
ضمن ثم ادعى أنه كان صبيا فانه تسمع دعواه على ما عرف
قلت الآن وهذا بخلاف ما إذا عقد عقدا ثم ادعى أنه لم يكن يملك العقد على ذلك المعقود عليه ثم ادعى ببيعه كان مغصوبا أو أن مطلقته لم تكن زوجة فانه لا تسمع دعواه لأنها متناقضة لما تضمنه إقدامه على العقد من الإقرار بكونه مما يملك العقد عليه وليس يدعى عدم أهليته للإقرار حينئذ فيكون أهلا للإقرار حالة العقد وقد أقر حالة العقد وقد أقر ضمنا فلا يسمع منه ما يناقض إقراره وأما ههنا فنقول الذي وجد مني من الإقرار ضمنا لتصرفي صادق عدم أهليتي فلا أواخذ به قلت ويستغرق من طرف آخر
بين هذا وبين ما إذا ادعى فساد العقد بوجود شرط أو عدم شرط فإنه تسمع دعواه ويقع الخلاف المعروف في أن القول قول من وذلك أن إقدامه على العقد لا يتضمن اعترافه باستيفاء شروطه وتجنب مفسداته فإن إخلال العاقدين بذلك كثير والعاقد لا يعقد إلا على محل قابل للعقد وأما تعارض بينة الرشد وبينة السفه فإن الناقلة منها مقدمة على المستصحبة ويختلف ذلك بحسب اختلاف صورة ما تقع به الشهادة فإذا شهدت بينة السفه بتبذير أو فسق مقارن للبلوغ مستمر الى حين العقد فب هذه تقدم على بينة الرشد على تقديم البينة الخارجة على المعدلة وهكذا ما يجري هذا المجرى وإن شهدت بينة بأنه غير رشيد وبينة بأنه كان عند العقد رشيدا فبينة الرشد أولى وكذا ما جرى في هذا المجرى والله أعلم
246 - مسألة فيمن كان سلطان بلدة وكان من أمره تخريب مساجد ورباطات وغيرها من الأماكن الموقوفة والمملوكة بغير إذن مالكها فهل يكون موجبا لضمان ذلك لكونه أمرا صادرا من سلطان لمأمور من شأنه الاسترسال فيما يأمره به السلطان والجري على الموافقة والامتثال من غير تمييز ومثل ذلك أيضا إكراه وهل إذا أمر ذلك شخص ممن ينسب إلى السلطان من أمير أو شبه أمير يجب على هذا الأمر الضمان لكون المأمور من طباعه أيضا الاسترسال إلى الموافقة والامتثال من غير تمييز ويخشى منه أيضا السطوة عند المخالفة
أجاب رضي الله عنه نعم يجب عليه ضمان ذلك أجمع ويجب الضمان أيضا على من أمر بذلك ممن انتسب إلى ذلك السلطان من أمير أو شبه أمير وولي الأمر وفقه الله تعالى مؤاخذ أشد مؤاخذة ومطالب أوجب مطالبة برفع هذا الضرر ويجبر هذا الكسر وهذه حقوق محققها
الإيمان وحارسها السلطان فكيف يسمح بأن تضيع ويدع الضعيف والذي لا جهة له غبرها أن يعرى وإن ضيعت الآن والعياذ بالله تعالى فسوف يؤديها الجاني عليها يوم فقره أفلس ما يكون وأيأس ما يكون حيث الأهوال تحتوشه وأنياب البلايا تنهشه ونسأل الله العافية والعفو وهو أعلم
247 - مسألة في أجارة حمام لسنة كاملة كتب في كتابها تفصيل الأجرة كل يوم أربعة دراهم والجملة في السنة ألف وأربعمائة وأربعون بزيادة أربعة وعشرين درهما على ما أوجه التفصيل فأيهما هو اللازم
أجاب رضي الله تعالى عنه لينظر في كيفية المكتوب فإن كانت الجملة المذكورة قد جعلت فيه احتمالا للتفصيل المذكور مياومة ولفظه تقتضي كون تلك الجملة إنما ذكرت جمعا لذلك المفرق فإن قيل فذلك أو فمجموع ذلك ألف وأربع مائة وأربعون أو نحو هذا من اللفظ فيلزمه والحالة هذه المفصل على جهة المياومة لا غير ولا يلزمه زيادة الأربعة وعشرين فإن غلط أحدهما فيكون الواجب أحدهما فلا يحكم إلا بألأقل المستيقن كما لو قال له علي أحد هذين المقدارين فلا يلزم إلا بالأقل وإن لم تكن الجملة المذكورة موردة فيه بلفظ الجمع والإجمال لذلك الذي فصل مياومة بأن قيل استأجرها بأجرة مبلغها كل يوم أربعة دراهم وفي السنة ألف وأربعمائة وأربعون وما أشبه هذا من الألفاظ فنحكم عليه في الظاهر بالجملة مع ما فيها من الزيادة فإنه لا منافاة بين المذكورين فالجمع بينهما ممكن أو يكون ذلك تقسيطا لبعض الأجرة دون بعض والله أعلم
248 - مسألة رجل نزل عند قرية عن بغل له فجاء حافظ الزرع فطرد البغل ونفره فذهب وهجم الليل فلم يقدر عليه فلما
أصبحوا وجدوه قد افترسه السبع فهل على الطارد المنفر ضمانه
أجاب رضي الله عنه نعم فإن كان السبع مختارا بحيث يحال عليه مثل هذا الإتلاف حتى لا يجب عند صاحب الشامل والتهذيب والأكثرين فيما علمنا الضمان فيما لو شد يديه ورجليه وطرحه في أرض واسعة مسبعة وافترسه السبع ترجيحا لمباشرته السبع على سببه لكن وهذا وأشباهه لا يقدح في التضمين فيما نحن بصدده لان الب 3 غل المذكور مال بثبت اليد عليه والنقل والطريق في إثبات اليد على الدابة والسوق نقل فيها والطرد والتنفير من قبيل ذلك فيصير كما لو كان المشدود المطروح في مسبعة عبدا فإن ضمانه يجب لا محالة لكونه يكون غاصبا حصل تلف المغصوب في يده باتلاف أجنبي أو حيوان ثم إن صاحب المهذب قد ذهب من غير خلاف ذكره في مسألة المشدود إلي أن الضمان يجب دية مغلظة أن كان المكان مسبعة ومخففة إن لم يكن مسبعة والله أعلم
249 - مسألة رجل استأجر أرضا لها ماء معلوم مدة معينة فانقضت وبقي بعض الأرض مشغولة بزرع المستأجر مدة شهرين فهل لصاحب الأرض مطالبة المستأجر بعوض الماء الذي سقى به وأجرة الأرض كل واحد منهما
أجاب رضي الله عنه يطالبه بأجرة المثل بانتفاعه بأرضه بطريق السقي بمائه ذلك ويجعل الماء في أجرة المثل تبعا اعتبارا بحاله في الأجارة الصحيحة وأجرتها المسماة هذا الذي ظهر والله أعلم
250 - مسألة إذا استأجر أرضا بحقها من الماء ونقصت المنفعة فهل له الفسخ وإذا لم يفسخ فهل يلزمه جميع الأجرة
أجاب رضي الله عنه له الفسخ ويلزمه الأجرة إلى حين الفسخ
والأظهر أنه يسقط عنه منها ما يخص الغائب من المنفعة والله أعلم
251 - مسألة رجل استأجر أرضا لزراعة الشتوي والصيفي مدة معلومة بأجرة معلومة قبل رؤية الأرض فهل تصح هذه الأجارة أم لا وإن كان قد رآها وعقد العقد ثم قال ماؤها على خلاف العادة واستضر المستأجر بذلك ضررا بينا فهل له خيار الفسخ بذلك وإن لم يكن له الفسخ فهل يسقط من الأجرة شيء ينقصان الماء بقسطه أم لا
أجاب رضي الله عنه له الفسخ لعدم الرؤية وله الفسخ بنقصان الماء إذا كان داخلا في الأجارة وإذا لم يفسخ بهذا السبب فله على الأظهر أرش ما نقص من المنفعة من الأجرة المسماة فتوزع على ما فات منها وما بقي منها والله أعلم
252 - مسألة رجل استأجر بيتا في قيسارية وبجنبه مستراح لهم فتفجر على ما في البيت المستأجر منهم فأهلك ما فيه فهل يلزم أصحاب البيت قيمة ما أتلف المستراح
أجاب رضي الله عنه إذا كان ذلك بتفريط من صاحب المستراح وجب عليه ضمان ما تلف بذلك والله أعلم
253 - مسألة قول صاحب المهذب ولا تصح أجارة الأرض حتى يذكر ما تكتري له في الزراعة والغراس والبناء وقال فيما تقدم وإن استأجر أرضا لا ماء لها ولم يذكر أنه يكتريها للزراعة فهل تصح فيه وجهان فلم لا يكون في الأول وجهان أو في هذه وجه واحد لا يصح
أجاب رضي الله عنه ليس الأمر في ذلك على ما توهم بل الكلام
الأول مقتضاه أنه لا يصح حتى يعرف ما نكتري الأرض له وهذا صحيح ولكن لا يشترط في التعريف بكونها للزراعة التصريح لفظا بل يكفي في التعريف قرينة الحال واكتراؤها مطلقا قرينة معينة للزراعة لأنها في العرف إنما تكترى للغراس أو البناء بالتصريح بذلك وإذا أطلق فالغالب إرادتهم الزراعة ثم هل يشترط في دلالة الاطلاق على الزراعة كونها مستقلة فيها الوجهان المذكوران ثم أثر حمل ذلك على الزراعة في المسألة المذكورة الحكم بالبطلان على ما شرح والله أعلم
254 - مسألة تقرر في الإفتاء بالصحة فيما لو أجر المستأجر قبل انقضاء مدته لمدة مستقبلة وإن كان الأصح في الوسيط أنه لا يصح ويجعل كأجر المدة في الأجارة الواحدة وإن العقد صح فيها مع أنها مستقبلة وهذا هو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وهو الأصح عند صاحب التهذيب والأظهر في التنبيه
255 - مسألة رجل استأجر حصة من ناظر أجارة صحيحة شرعية ثم ادعى الناظر أنه كان مكرها أو كان بدون أجرة المثل فهل تسمع دعواه أم لا وإذا سمعت فهل يجب عليه تفصيل الإكراه أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم تسمع دعواه وعليه تفصيل الإكراه والله أعلم
256 - مسألة رجل استأجر مكانا ثم باع المؤجر المكان ثم مات المستأجر فتقابل ورثته والمشتري في عقد الأجارة فهل تصح هذه الإقالة
أجاب رضي الله عنه بأنه لا تصح هذه الإقالة لأنها لم تجر بين المتعاقدين ولو كانت بين الورثة والمؤجر صحت وإن كان قد زال ملك
المؤجر لأن الإجارة باقية وورثة المستأجر قائمون مقامه والله أعلم
257 - مسألة فيما فعله السلطان في سنة تسع وستمائه إذ استخان الفلاحين فبعث من أخذ أكثر غلاتهم من غير أن يقسم القسمة المعهودة ووضعت في الأهراء فلما كان العام المقبل فتحت الأهراء وأعطاهم منها غلالا كثيرة تقوية لهم فزرعوا منها ولما أدركت الزروع وحصلت استرد منهم قرض التقوية وبقي الباقي في أيديهم منه يأكلون ومنه يزرعون وهو أصل غلاتهم فهل هي حلام أم حرام
أجاب رضي الله عنه من كان منهم أخذ من الهري الذي وضعت فيه غلته التي كانت أخذت منه ولم يزد قدر ما أخذه من المخلوط فيه بغلة غيره على قدر ما كان أخذ منه فذلك الذي أخذه وما تفرع منه حلال إن كان أصل ما كانوا أخذوه منه حلالا وتكون هذه قسمة مقررة لحقه من ذلك المخلوط إن قيل بثبوت الاشتراك في مثله على ما حفظ في مسائل الغصب وإن قيل إن ذلك استهلاك من الغاصب المخلوط فذلك يجعله ملكا للغاصب على ما نص عليه على هذا القول فإذا قضى منه ما ثبت في ذمته للمغصوب منه جاز ومن لم يكن منهم في أخذه كذلك فقد أخذ من مال كله أو أكثره حرام وإن كان معظمه القسم المعهود بينهم لجهة السلطان الذي رضي الفلاحون به في المزارعة المتواطىء عليها وذلك لأن المزارعة التي تكون فيها البذر من العامل فاسدة في مذهبنا وباقي المذاهب الأربعة وإن كان بعض أصحاب أحمد أجازها فالظاهر من مذهبه تحريمها وحكمها عند هذا أن يكون البذر كله للعامل ولصاحب الأرض أجرة مثلها ولا تقع الغلة المأخوذة أجرة إلا بمعاوضة ومصالحة لم يوجد شرطها في هذه الحادثة وإذا كان أكثر ذلك حراما فعند صاحب الإحياء فيه أن الأصح في مثله تحريم التناول منه
والمذهب المشهور أنه مكروه والأول أصح وأحوط والله أعلم
258 - مسألة فوت كتاب ملك فما الذي يلزمه من الغرم
أجاب رضي الله عنه لا يلزمه ضمان قيمة ما فيه بل يضمن قيمة نفس الكتاب لكن لا قيمة ورقه سادجة بل قيمة ورقة فيها إثبات ذلك الملك فيقال كم قيمة ورقة يتوصل بها إلى إثبات مثل هذا الملك ثم يوجب ما ينتهي إليه التقويم أيضا من أهله والله أعلم
259 - مسألة رجل استأجر أرض بستان وساقا على شجرها بحق ذلك من الشرب والري من النهر الفلاني ثم أراد الآجر بيع حقه من الماء من النهر المذكور فهل له ذلك وإن جاز فهل للمستأجر إلزامه بتحصيل الشرب أم ليس له إلا الفسخ
أجاب رضي الله عنه بيع الماء على والجه المذكور باطل للجهالة ولعدم الملك فإن أراد بيع ما يملك من مجرى الماء من الأرض فينظر فإن وقع عقد الأجارة على ما هو حقه من ذلك حينئذ وعين في العقد ما يستحقه من الشرب فذلك كبيع المستأجر يجوز على الأصح ولكن لا يبطل حق المستأجر وهكذا إن لم يكن حقه ملك نفس مجرى الماء من الأرض بل حق الآخر فذلك يثبت حق المستأجر فيما يريد بيعه من الحق فأما أن لا يجوز له بيعه كإجارة ما أجره أو يلحق لدوامه بنفس المجرى فيجوز بيعه علي الأصح وعلى كل حال فلا يبطل حق المستأجر وإن كان عقد الأجارة وقع على مطلق الشرب من غير تعيين له فيما يستحقه فله بيع حقه من ذلك ولكن للمستأجر إلزامه على وجه متجه بتحصيل الشرب لما ساقى عليه تمكينا له من الخروج عما التزمه من العمل كتسليم الثوب المستأجر على قصارته
ونحو ذلك وهذا مع خيار الفسخ فيما يمتنع من تحصيل شربه من المأجور والله أعلم
ومن كتاب إحياء الموات
260 - مسألة إذا فرعنا على المذهب في أن الماء يملكه من أحرزه في أثنائه اذا أخذه من المياه المباحة فإن كان لشخص دولاب على نهر عظيم غير مملوك يديره الماء بنفسه وترتفع في جسمه المياه في مواضع مهيأة له فهل يدخل الماء الذي يصير في الدولاب في ملك مالك الدولاب بمجرد صيرورته في كيزان الدولاب كما يملكه لو استقاه بنفسه في إناء ولو كان هذا الماء ينصب من الدولاب المذكور في ساقية مختصة بملك صاحب الدولاب فجاء جار له فخرق الساقية حتى انصب الماء إلى أرض الجار وسقى به أرضه فما الذي يجب على الجار مثل الماء أو ثمن مثله أو يجب عليه أجرة مثل الدولاب للمدة التي انتفع بها الغاصب بالماء وأجرة ما يجري مجراه من السكر والبسوس الذي الناعور راكب عليه والساقية أم يجب عليه مثل الماء والأجرة جميعا
أجاب رضي الله عنه نعم يملكه بمجرد حصول في كيزان الدولاب ويجب على الجار الذي ساق الماء من ساقيته إلى أرض نفسه من غير إباحة من صاحب الدولاب مثل ذلك الماء محصلا في الموضع الذي كان الماء المأخوذ معدا لسقيه به فإن تراضيا على أخذ قيمته جاز ذلك وهذا بخلاف
ما إذا أخذ في البادية ماء أخذا يوجب الضمان حيث قلنا يضمنه في الحضر بقيمته لا بمكانه لأن المقدر تقديره في الحضر ليس مثلا له لما بينهما من التفاوت العظيم في المالية وهذا على الوجه المذكور ولا مفاوتة فيه والماء مثل والله أعلم
261 - مسألة أراد رجل أن يبتني عمارة سكر في النهر الكبير الذي ليس بمملوك ثم يبنى عليه طاحونة وناعورة ولا يضر بمن هو فوقه ولا بمن هو أسفل منه هل له ذلك ويكون ذلك إحياء له ويكون بمنزلة الموات الذي يملك بالإحياء حتى يملك قرار النهر الذي يبتني فيه العمارات ويملك جربه أم لا ولو فعل هذا وكانت الأرض التي على شاطىء النهر من الجانبين أو من أحدهما مملوكة لملاك معينين فهل لمن يريد عمارة السكر والرحى أن يبتني ذلك فإن كان له أن ينشئه فهل يلزمه أن يبقى بين الأرض التي هي الساحل وبين طرف عمارة السكر موضعا يجري منه الماء لضيق الساحل حتى لايمنع منع مالك الأرض من الانتفاع بالماء لضيق أرض أم لا
أجاب رضي الله عنه ليس له ذلك فإنه لا يخلو من ضرر فإنه يمنع من أن ينحدر من مكانه منحدر لسباحة أو سفينة أو نحو ذلك وطريق الماء العام كطريق السلوك العام ولو أراد مريد أن يضع صخرة في طريق شارع واسع منع منه وهذا أشر من ذلك من وجه ولو قدر خلو ذلك عن الضرر وأجيز لما ملك ذلك الموضع كما لا يملك شيء من الطريق الواسعة بشيء من الاختصاصات الجائزة ولو جاز ذلك على الجملة لما جاز فيما هو مشرعه إلى الماء لغيره من الملاك والله أعلم
262 - مسألة رجلان لهما داران متقابلان ملكا لهما بالإحياء
وشارع الطريق في الوسط وكان لواحد منهما عند حائطه على الطريق تل تراب يتعلق به وجاء الآخر وحط مقابله في جانب حائطه على الطريق في الموضع بين الدارين وجاء السيل على وسط الطريق واختنق الموضع المذكور بالماء وتشرب حيطان واحد منهما وهو صاحب التراب الأول ووقع بعض حيطانه فجاء صاحب الحائط وطالب صاحب الدار الأخرى وقال عليك عمارة هذه أيضا لأنه بسبب ترابك قد اختنق الماء ووقع فهلك أيكون له في الشرع هذه المطالبة بالعمارة على الأخرى
أجاب رضي الله عنه إذا كان صاحب الحائط قد علم بوقوف الماء عنده ويمكن إزالته فلم يفعل حتى انهدم فلا شيء له على الآخر هذا هو الظاهر ولو لم يعلم ذلك فاختناق الماء حاصل بالترابين فلا يلزمه إلا نصف أرش النقصان الداخل على القدر المنهدم بذلك وأما نفس العمارة فلا يلزم والله أعلم
263 - مسألة بلد في ظاهره أربع عيون جارية وعليها بساتين وكروم ومزروعات وفي داخل البلد ثلاثون بئرا برسم الشرب وما لأهل البلد شرب إلا منها فقام بعض ملاك العيون فتق فتقا تحت الأرض فنزل جميع مياه العيون والآبار إلى العين التي تختص به ونشفت جميع العيون والآبار وانضروا ويبست بساتينهم وهلكت زروعهم فماذا يجب عليه شرعا فهل يلزمه قيمة الأشجار التي تلفت بسبب سوق الماء وما نقص منها من الثمار أو يلزمه أرش ما نقص
أجاب رضي الله عنه يجب عليه إزالة المانع بحيث تعود المياه إلى مقرها المستحق لهم ويجب عليه ضمان ما تلف ونقص من الأشجار والثمار فليعلم ذلك والله أعلم
264 - مسألة رجل له أرض وإلى جانبه أرض شخص آخر فيها أشجار جوز قد فيأت على وأضربه به فهل له قطعها أم لا وهل له مصالحة صاحبها على شيء من مغلها أم لا
أجاب رضي الله عنه إذا كانت أغصانها قد حصلت في هواء ملكه فله إزالتها عن ملكه ثم ينظر فما أمكن إزالته بأن يلويه ليس له قطعة وما لا يمكن إزالته إلا بالقطع فله قطعه ولا سبيل إلى مصالحته على بعض فعلها ولا عوض غيره ومهما كانت الأشجار غير يابسة كانت المصالحة على مجرد الهواء من غير أن تكون معتمدة على حائط له أو غيره مما له قرار وإن فيأت على ملكه من غير أن يحصل شيء منها في هواء ملكه فله إزالة فيئها عنه على وجه صحيح والله أعلم
265 - مسألة لو كان لرجل حمام وله مداخن يرتفع منها الدخان ومن شرقيها بجوارها دار لرجل آخر فإذا هبت الريح من جهة الغرب حملت الدخان أو بعضه إلى دار الجار فدخل في شباك له إليه فتأذى برائحة الدخان إلا أن الدخان لا يؤذي الدار نفسها ولا شيئا منها بتسويد ولا غيره وكذلك ليس هبوب الريح ووصول الدخان إلى تلك الدار دائما إنما يقع ذلك إذا هبت الريح من جهة الغرب ولا يتأذى به إلا ساكن الدار فقط برائحته فقط ولا يعلم تقدم عمارة الدار على عمارة الحمام أو بالعكس فهل لصاحب الدار منع ارتفاع الدخان إليه وعلى مالك الحمام إزالته ولو بتبطيل الحمام إذا لم يكن إزالته بغيره وقد ذكر الأصحاب في دخان الخبز ثلاثة أوجه الثالث منها أنه لا يمنع لأذى المالك ويمنع لأذى الملك فما المختار الأصلح من هذه الثلاثة والذي ذكر العراقيون وغيرهم من اتخاذ دكانه مقصرة أو مدبغة بين جيران يؤذيهم بالدق أو بالدباغة معروف فهذه المسألة في الحكم كالمقصرة والمدبغة أم لا
أجاب رضي الله عنه أما والواقع أنه لا يعرف ما الحاديث منهما فلا
يمنع صاحب الحمام ومهما علم تقدم الدار على الحمام فالخلاف فيه وفي أمثاله بين أصحابنا وأصحاب أحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم محفوظ معروف ومختارنا الآن أنه يمنع المريد لإحداث ما يؤذي الجار من ذلك من إحداثه وسواء لحق ملكه منه نقص أو لم يلحق بل كان الأذى مختصا بالمالك لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم منع من إيذاء الجار وقال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره وأما الأضرار بالملك فكما يمتنع المالك من إحداث مثل ذلك على دار نفسه ويهون ذلك عليه لما فيه من الأذى فلذلك ينبغي أن يكون بالنسبة إلى جاره وبل أولى والله أعلم
266 - مسألة جماعة منزلون في مدرسة بصدد الاشتغال والبحث على المعيد وشرط الواقف على المعيد أن يجلس لهم في وقت مخصوص والعادة جارية بأن يقدم السابق منهم بالبحث عليه فحضر بينهم مترددون وطلبوا التقدم بسبقهم والتساوي في الدرجة بأن يقدم الأول فالأول فهل لهم ذلك أم لا ولو قلنا ذلك وضاق الوقت ولم يمكن الجمع بين الفريقين إلا بتضيق درس من قد وجب عليه الاشتغال في الموضع والتزام البحث عليه وتعطيل بعضه فهل يمنعون من التقدم لاستيفاء حق المنزلين واستيعاب دروسهم
أجاب رضي الله عنه إذا كان شغل المنزلين بها مشروطا على المعيد في الوقف فليس لواحد أخذ ما جعل له بالاستيعاب جميعهم في الشغل وعليه تقديم المنزلين على السابقين من غيرهم وتنزيلهم منزلة الباعة وعرصات الأسواق المباحة إذا اختصوا بموضع منها سبعا فإنهم إذا قام أحدهم من موضعه بالليل أو ذهب في حاجته ففي اليوم الثاني إذا تأخر سبقه إليه سابق قدم على السابق والله أعلم
267 - مسألة ما مقدار عرض الطريق كم ذراعا تكون إذا وقع النزاع فيه أجاب رضي الله عنه حسبنا في هذا قضاء رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قضى عند الاختلاف في الطريق أن يجعل عرضه سبعة أذرع روياه في صحيحهما
ثم هذا محمول على طريق تكون بين أراضي محياة واختلف أصحابها في مقدار ما يتركونه طريقا أم طريق التي جعلت في الأراضي المملوكة فهي على قدر ما جعله من هو مالك لساحتها والله أعلم وإذا كان الطريق متسعا وحواليها أراضي محياه هل يجوز لبعض المسلمين أن يعمرها وينتفع بها إذا لم يضر بالمارة ولم تضيق الطريق
أجاب رضي الله عنه يجوز عمارة الأرض الموات إلى حول الطريق بشرط أن لا يدخل في عمارته شيئا من الطريق والله أعلم
268 - مسألة هل يجوز استنفاذ كتب المسلمين من بلاد الافرنج والقراءة فيها على أنه متى حاربها دفعها إليه بلا عوض
أجاب رضي الله عنه استنقاذ الكتب المذكورة حسن ثم لا يجوز القراءة فيها والانتفاع بها في الحال والظاهر أنه إذا عرفها سنة كما في تعريف اللقطة جاز له تملكها كما يتملك اللقطة والله أعلم
269 - مسألة رجل لقي طاسة على نهر بين قرى وطريق الناس فأخذها والموضع الذي أخذها منه ما حواليه قرى والقرى بعيدة منه قليلا فأين يجب تعريفها
أجاب رضي الله عنه الطاسة يجب عليه تعريفها في أقرب القرى إلى ذلك الموضع فإن كانت قيمتها ربع دينار عرفها سنة وإن كانت أقل عرفها زمانا يغلب على الظن أن مثلها ينقطع السؤال عنه في مثله والله تعالى أعلم
ومن كتاب الوقف
270 - مسألة وقف ما لم يره فهل يصح
أجاب رضي الله عنه يصح على الأصح من غير خيار يثبت له عند الرؤية والله أعلم أما إن الأصح الصحة فلخلوا الوقف على العوض ومشابهته التحري حتى قال بعض الأصحاب وإن كان غير مختار يصح وقف أحد العبدين كما في العتق وأما عدم ثبوت خيار الرؤية كما لا يثبت في النكاح لذلك وأيضا فقد ذكر صاحب التتمة أن الهبة والرهن إذا صححناهما في الغائب فلا يثبت فيهما خيار الرؤية لكونهما ليسا عقدي معاينة فإنهما بالنسبة إلى الواهب والراهن عين وبالنسبة إلى الموهوب له والمرتهن نفع محض فلا حاجة إلى اثبات الخيار الذي يثب دفعا للعين والوقف في هذا المعنى والله أعلم
271 - مسألة رجل وقف مدرسة وقفا صحيحا شرعيا ودفع إلى الناظر في ذلك دراهم وأذن له أن يشتري بها عقارا ويوقفه على المدرسة المذكورة ثم أن الناظر وكل وكيلا فابتاع مكانا ولم يذكر في كتاب الابتياع بمال الوقف للوقف بل قال مما هو مرصد للوقف فهل يصير وقفا بمجرد
هذا اللفظ أم لا وهل إذا قال في كتاب الابتياع بمال الوقف للوقف هل يصير وقفا أم لا وهل إذا انعزل الناظر وولي غيره ورأى حظا وغيطة ومصلحة في بيع هذا المكان والحالة هذه هل يجوز بيعه
أجاب رضي الله عنه لا يصير وقفا بمجرد هذا اللفظ وكذا إذا قال بمال الوقف فإن ما يشتري بمال الوقف مملوك وضرورة كونه مبيعا والوقوف لا يسري إليه وعلى هذا إذا لم يوقف جاز بيعه للوقف في مصلحته الراجحة والله أعلم
272 - مسألة ادعى أبنية في أرض موقوفة على طائفة الفقهاء الشافعية وزعم أنها كانت مملوكة لمورثه ثم انتقلت إليه بموته فاثبتها القاضي له ببينة شهدت له بذلك ثم أن المدعى عليه سأل القاضي مطالبة المدعي المذكور بأجرة الأرض في مدة شغلها بهذه الأبنية فألزمه بها فهل يلزمه ذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه يلزمه ذلك عند قيام البينة بأداء أجرتها من حين ملك الأبنية ويتعلق أجرة ما كان من ذلك في ملك مورثه لها بتركته والله أعلم
273 - مسألة رجل وقف كتبا على جميع المسلمين وشرط أن ينتفع بها مدة حياته فهل يجوز له أن ينتفع بها بالقراءة وهو لا يمنعها ممن طلبها وهل يكون هذا كما لو وقف مسجدا فان له أن ينتفع به أم لا
أجاب رضي الله عنه الأظهر أن له ذلك ولو لم يشترط انتفاع نفسه والله أعلم
274 - مسألة شخص وقف وقفا مؤبدا على جهة من جهات البر
وشرط النظر لنفسه مدة حياته وجعل له على النظر جزءا معلوما من ريع ذلك الوقف فهل يصح ذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه هذا مبني على أن وقف الإنسان على نفسه هل يصح ونقل تصحيحه عن أبي عبد الله الزبيري وابن شريح وهو مذهب أحمد وظاهر المذهب منعه فإن قلنا بتصحيح وقفه على نفسه صح هذا قطعا وإن قلنا بالمنع ففي جواز هذا وجهان ينبنيان على الخلاف في أن الهاشمي إذا كان عاملا على الصدقات هل له أن يأخذ سهم العامل منهم فمنها من أباح ذلك ويتوجه بأنه يأخذ ذلك صدقة وكونه عاملا وصف ينط به الإستحقاق كسائر الأوصاف من الفقر والمسكنة وغيرها وليس ذلك أجره على منهاج الأجر فإنه لا يعتبر فيه عقد إجارة ولا أن يكون المقدار معلوما عند عمله ومنهم من سوغ ذلك ويتوجه بأن ذلك في المعنى أجره فانه مجعول له على عمل يعمله مقابل مثله بالأجرة ويدل على أنه سهم العامل الا انه لا يزاد على أجرة المثل وإذا فضل من ثمن الصدقة على ذلك فأفضل رد على باقي الأصناف وإنما لم يعتبر فيها العقد وشرطه لأنها ثبتت بجعل الشارع بخلاف الأجر في الأجارات التي هي منوطة بجعل المكلف
إذا عرف هذا فهذا ينساق مثله في مسألتنا في الوقف ثم إن جعلنا الأصح من الرأيين في ذلك القول بالجوار وإياه واختار صاحب نهاية المطلب فيما وجدناه له كان الأصح ها هنا القول بالجواز وإن جعلنا الأصح هناك المنع كان الأصح ها هنا الإفساد وهذا هو اختيار صاحب
التهذيب فيما وجدناه عنه والأول أولى والعلم عند الله تبارك وتعالى ويتقيد ذلك بقدر أجرة المثل وما زاد عليها فلا يسوغه إلا من أجاز الوقف على نفسه والله أعلم
275 - مسألة رجل وقف وقفا على طائفة معينة ثم استثنى مغل الوقف لنفسه مدة حياته وحكم بنفوذ هذا الوقف حاكم حنفي وأنفذ حكمه حاكم شافعي فهل يجوز للواقف نقض هذا الوقف وإبطاله على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وإن لم يجز له ذلك ظاهرا فهل يأثم فيما بينه وبين الله تعالى أن أعدم كتاب الوقف
أجاب رضي الله عنه له نقضه إذا لم يكن ذلك هو الصحيح في مذهب أبي حنيفة رحمه الله وان كان الصحيح من مذهب أبي حنيفة فليس له نقضه في الظاهر ويجوز فيما بينه وبين الله تعالى أن يخرجه عن حكم الوقف ويتصرف فيه تصرف الملاك والله أعلم
276 - مسألة في واقف وقف وقفا صحيحا على أخوين صغيرين ثم من بعدهما على أولادهما ثم من بعدهم على الفقراء وقفا صحيحا متصل الابتداء والإنتهاء فقبل الواقف الناظر في مالهما من الواقف وتسلمه لهما فلما بلغا ردا الوقف هل يرتد بردهما أم لا وما المختار في مذهب الشافعي رضي الله عنه والمعمول به والذي الفتوى عليه في القبول في الوقف الخاص على معين هل من شرط في صحة الوقف عليه أم لا وهل يتفرع رد الصبيين بعدلين بلغا للوقف عليهما على اشتراط القبول أم لا ولو أن رجلا وقف وقفا صحيحا شرعيا خاصا أو عاما وجعل النظر فيه
الى رجل أجنبي عدل ثم أراد أن يعزله ويستبدل به غيره هل له ذلك وينفذ عزله
أجاب رضي الله عنه لا يرتد بردهما والحالة هذه ولو قلنا باشتراط القبول لوجود ما يعتبر من القبول ها هنا بقبول الولي ثم أن بين المصنفين اختلافا في أن الأصح من الرأيين في اشتراط القبول في الوقف لمعين ما إذا الأصح عدم اشتراط القبول فإن الأصح أن الملك في الوقف يزول إلى الله تعالى وإن ألزمنا أنه يرتد برده فمن الجواب عنه أن صاحب التهذيب طرد قياسه في ذلك أيضا واختار أنه لا يرتد برده وهو متجه جيد وأما صحة العزل فيما ذكر فالمختار فيه التفصيل وأنه إن جعل النظر إليه في نفس الوقف عند انشائه لم يصح عزله وإن ولاه بعد الوقف لكون النظر له في ذلك صح عزله ومن المصنفين من نقل في جواز عزله وجهين مطلقا أحدهما أنه يجوز ونسبه إلى الاصطخري وأبي الطيب والثاني لا يجوز وما تقدم أظهر والعلم عند الله تبارك وتعالى
277 - مسألة رجل ناظر على رباط وقف وله من الماء ربع أصبع ويجيء الماء من بعيد مع مياه الناس فباع الناس ماؤهم وبقي ماء الرباط لم يصل إلى الرباط فهل يجوز للناظر حكر الماء المذكور لمن يصل إليه الماء واذا حصل له حكر ماء يصل إلى الرباط احتكره
أجاب رضي الله عنه الظاهر أنه يجوز له أجارة مجراه بحقه من الماء والحالة هذه كما في بيع ما تعذر الانتفاع به من الموقوف وأولى بالجواز وأما احتكار مجرى ماء آخر واصل إلى الرباط فجائز من أجره مجرى مائه المذكور بل يجب صرف ذلك في ذلك ويجوز أن يضاف إلى ذلك من فعل سائر الوقف إن كان في شرطه ما يسوغ ذلك
278 - مسألة في مديون أجر الدائن وقفا عليه بالدين الذي له عليه وضمن ضامن من الدرك ثم بان بطلان الأجارة لمخالفتها شروط الواقف فهل يلزم الضامن شيء
أجاب رضي الله عنه لا يلزم لضامن الدرك شيء لكون المستأجر لم يفت عليه شيء من الأجرة وليس بقاء الدين الذي هو الأجرة بحاله والله أعلم
279 - مسألة رجل كان بيده قيراطان من قرية معينة وقفا من السلطان صلاح الدين رحمه الله لم يزل متصرفا فيها مدة حياته ثم إن الشركاء تغلبوا على الأيتام ووضعوا أيديهم على القرية فلما كبر الأيتام كتبوا محضرا بأن صلاح الدين رحمه الله وقف القيراطين المذكورين على المذكور وعلى عقبه من بعده وحكم به الحاكم واتصل به حكمه فادعى الشركاء أن هذا الوقف منقطع وأنه لا يصح فهل ينقض ذلك بعد اتصال حكم الحاكم به أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يفسد الوقف بانقطاع آخره على الأصح ولا ينقض حكم الحاكم الذي حكم به وذلك الصحيح عنده والله أعلم
280 - مسألة رباط موقوف على الصوفية اقتضت مصلحة أهله أن يفتح فيه باب جديد مضافا إلى بابه القديم فهل يجوز للناظر ذلك وليس في شرط الواقف تعرض لذلك بمنع ولا إطلاق
أجاب رضي الله عنه إن استلزم ذلك تغيير شيء من الموقوف عن هيئة كان عليها عند الوقف إلى هيئة أخرى غير مجانسة لها مثل أن يفتح الباب إلى أرض وقفت بستانا مثلا فيستلزم تغيير محل الاستطراق منه وجعل ذلك القدر طريقا بعد أن كان أرض غرس وزراعة فهذا أو شبهه غير جائز وإن لم يستلزم شيئا من ذلك ولم يكن إلا مجرد فتح باب جديد فهذا لا بأس به عند
اقتضاء المصلحة له وفي الحديث والأثر الصحيحين ما يدل على تسويغه والله أعلم
الحديث قوله صلى الله عليه و سلم أنه لولا حدثان عهد قومك بالكفر لجعلت للكعبة بابين ولا فرق والأثر فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو إجماع ثم وقع قريب منها وكان من الجواب فيه لا بد أن يصان ذلك عن هدم شيء لأجل الفتح على وجه لا
يستعمل في موضع آخر من المكان الموقوف فإن ذلك من الموقوف فلا يجوز إبطال الوقف فيه ببيع وغيره فإذا كان الفتح بانتزاع حجارته بأن يجعل في طرف آخر من المكان فلا بأس والله أعلم
281 - مسألة وقف صورته ما فضل من عمارته وإصلاحه كان أجائزا على ستهم وعلى محاسن وفضلية بينهما بالسواء نصفين وعلى فاطمة بينهم بالسواء أثلاثا ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ثم على نسلهم وعقبهم من بدعهم أبدا ما تناسلوا ودائما ما وجدوا وإذا انقرض كل فريق منهم عاد ما كان جاريا عليهم على الباقين من هؤلاء المذكورين ثم على أولادهم وأولاد أولادهم فإذا انقرضوا بأجمعهم كان جاريا على جهة متصلة فماتت ستهم من غير عقب ثم ماتت محاسن عن ولد ثم أخته فضيلة عن ثلاثة ثم مات ابن محاسن من غير عقب ثم ماتت فاطمة عن ولد فإلى من ينتقل نصيب ستهم ثم إلى من ينتقل نصيب ابن محاسن إلى ابن فاطمة فقط أم اليه والى أولاد بنت فضيلة أم اليهم دونه
أجاب رضي الله عنه لما ماتت ستهم انتقل نصيبها إلى محاسن وفضيلة وفاطمة ثم لما ماتت محاسن انتقل نصيبها إلى فضيلة خاصة هذا هو الظاهر ولما ماتت فضيلة انتقل جميع مالها إلى فاطمة ثم لما ماتت فاطمة انتقل الجميع إلى ولدها ومن هو في طبقته من أولاد فضيلة والله أعلم
282 - مسألة المدارس الموقوفة على الفقهاء هل يجوز لغيرهم دخول بيوت الخلاء فيها والجلوس في مجالسها والشرب من مياهها وما أشبه ذلك
أجاب رضي الله عنه يجوز هذا وأشباهه ما جرت به العادة واستمر به العرف في المدارس وينزل العرف في ذلك منزلة اشتراط الواقف له في وقفه تصريحا لما تقرر من تأثير العرف في ألفاظ العقود مطلقات الأقوال
ومن أمثلة ذلك تنزيل العرف في تبقية الثمار إلى أوان القطاف ومنزلته اشتراط التبقية فيما إذا اشتريت أو استبقيت
وأفتى الغزالي رحمه الله تعالى بنظير هذا ونقل الفتيا إلى الإحياء في آخر الحلال والحرام فيما إذا وقف وقفا على رباط للصوفية وسكانه فذكر أنه يجوز لغير الصوفي أن يأكل معهم برضاهم مرة أو مرتين فإن الواقف لا يقف إلا معتقدا فيه ما جرت به عادة الصوفية فينزل على عادتهم وعرفهم والله أعلم
283 - مسألة في وقف على الصوفية صرف منه ناظره إلى قوم زعموا أنهم لبسوا خرقة التصوف من شيخ وليسوا على هيئة الصوفية المتعارفين فهل يجوز الصرف اليهم بمجرد لبس الخرقة ومن الصوفية وما صفتهم
أجاب رضي الله عنه ما كان موقوفا على الصوفية لا يجوز صرفه إلا إلى من يعد في العرف من الصوفية ويعرف ذلك بأن يكون بحيث إذا نزل بالرباط المخصوص بالصوفية لم يستنكروا نزوله فيه ومقامه بينهم استنكارهم ذلك ممن ليس من جنسهم وقبيلتهم ولا بد فيه من وجود صفات منها الصلاح ومجانيه الأسباب المفسقة ومنها زي الصوفية وأن يكون ساكنا
بينهم في الرباط مخالطا لهم وإن لم يكن على زيهم إذا كان فيه بقية الصفات ومنها أن يكون ذا ثروة ظاهرة ومنه أن لا يكون صاحب حرفة واكتساب يباين حال الصوفية مثل التجارة وكل صناعة يقترن بها العقود في الحانوت ونحوه ولا يقدح في ذلك النسخ والخياطة التي يعتادها كثير من الصوفية ولا كونه فقيها ومن أهل العلم إذا وجد فيه الصفات المذكورة فإن الجهل ليس من شرط الصوفية وأما لبس خرقة التصوف على تجرده فليس كافيا في استحقاق ذلك وليس عدمه قادحا في الاستحقاق والاعتبار في الصفات المذكورة دونه فقد نقل عن الشيخ أبي محمد أنه أبطل الوقف على الصوفية ولأنه لا حق لهم يوقف عليه وصحح الوقف صاحب التتمة ولكن ذاكرته يصرف الى المعرف عن الدنيا المشتغل بالعبادة في أكثر أوقاته والصحيح والله أعلم ما أفتيت به وبمثله أفتى الغزالي وهو موجود في فتاويه ونقله إلى كتابه الإحياء في آخر كتاب الحلال والحرام منه
والله أعلم
284 - مسألة في مدرسة موقوفة على الفقهاء والمتفقهة ووقف لها على فقهاء بها ومتفقهتها هل يستحق منه من يشتغل بها ولا يحضر درس المدرس أو يحضر الدروس ولا يحفظ شيئا ولا يطالع أو يشتغل بالمطالعة وحدها أم لا وهل يستحق منه من يفي بشرط الواقف في بعض الأيام دون بعض وهل يستحق منه من يشتغل بغير الفقه وإذا شرط الواقف قراءة جزء من القرآن العزير في كل يوم ففاته أياما ثم قضاه فهل يجزيه ذلك في ذلك وهذه البطالة المتعارفة في رجب وشعبان ورمضان هل يستحقون فيها أم لا
أجاب رضي الله عنه يلحظ في هذه الأحوال وغيرها شروط الواقف فما كان منها مخلا بما نص الواقف على جعله شرطا في الاستحقاق فهو قادح في الاستحقاق وما لم يكن فيه إخلال بشيء ذكر الواقف اشتراطه في الاستحقاق لكن فيه إخلال بما غلب به العرف واقتضته العادة فالاستحقاق
ينتفي بهذا الإخلال أيضا وإن لم يتعرض الواقف لا شتراط ذلك لفظا بنفي ولا إثبات لتنزل العرف في مثل هذا بمنزلة الاشتراط لفظا على ما تقدم إلا بما إلى بيانه في الفتيا التي قبل هذه ويعني بها العرف الذي قارن الوقف وكان الواقف من أهله وما لم يكن فيه إخلال بما ظهر اشتراطه لفظا وعرفا ولا تردد في كونه من المشروط فلا يقدح في الاستحقاق وما وقع التردد في كونه من المشروط فلا يجعل شرطا في الاستحقاق مع الشك ولا يمنعنا من الحكم بالاستحقاق كوننا ترددنا والأصل عدمه لأن سببه قد تحقق وشككنا في تقييده بشرط والأصل عدم القيد والشرط والحكم لهذا على ذلك
وله في باب الوقف نفسه شاهد مسطور وهو ما ذكره غير واحد فيما لو ندرس شرط الواقف فلم يعلم أنه على ترتيب أو تشريك وتنازع أرباب الوقف في ذلك ولا بينة قالوا يجعل بينهم بالسوية هذا مع أن الشك في الترتيب يوجب شكا في استحقاقه الآن وكذا الشك في التفصيل يوجب شكا في استحقاق بعض ما حكم له بتناوله والأصل عدم الاستحقاق لكن أصل الوقف عليه سبب متحقق فالأصل عدم القيد ومع هذا فالأولى في مثل هذه الحالة أن لا يتناول ومن صورها أن يذكر في كتاب الوقف أمورا غير مقرونة بصيغة الاشتراط فلم يقل فيها وقف على أنهم يفعلون كذا أو يشترط أنهم يفعلون كذا وما أشبه هذا وإنما قيل فيها ليفعلون كيت وكيت أو يفعلوا كذا وكذا فمثل هذا متردد بين أن يكون توصية وبين أن يكون اشتراطا
وبعد هذه الجملة فمن كان من المتفقهة يشتغل بالمدرسة المذكورة ولا يحضر الدرس لا يثبت له استحقاق وحيث أن حضور المتفقهة بالمدرسة درس مدرسها هو العرف الغالب ولم يوجد من الواقف التعرض بإسقاطه فينزل مطلق وقفه عليه وإذا لم يشترط الواقف الحفظ فمن يحضر الدرس ولا
يحفظ ولا يطالع يستحق إن كان فقيها منتهيا أو كان ممن يتفقه بما يسمعه في الدرس يفهم ويعلق بذهنه ولا يستحق إذا لم يكن كذلك فإنه ليس من الفقهاء ولا من المتفقهة وإنما وقف عليهم فحسب وعلى هذا فمن يحضر الدرس وإنما اشتغاله بالمطالعة وحدها يستحق إذا كان منتهيا أو كان ممن يتفقه بذلك ولا يستحق إذا لم يكن بواحد منها
وأما من أخل بشرط الواقف في بعض الأيام دون بعض فينظر في كبفية اشتراط ذلك الشرط الذي أخل به ومنستنذه فإن كان مقتضيا اشتراط في الزمان الذي تركه فيه ويتقيد الاستحقاق في تلك الأيام بالقيام به فيها فيسقط استحقاقه فيها والحالة هذه وإن لم يكن مقتضاه ذلك وكان مشروطا على وجه لا يكون تركه في تلك الأيام اخلالا بما هو المشروط منه فلا يسقط حينئذ استحقاقه في تلك الأيام
ومن هذا القبيل إخلال المتفقهة بالاشتغال في بعض الأيام حيث لا يكون الواقف قد نص على اشتراط وجوده كل يوم فإنما هو المستند في اشتراطه يقتضي اشتراطه على الجملة لا في كل يوم فيلتحق بهذا الإخلال بحضور الدرس في بعض الأيام وعلى وجه لا يكون خارجا عن المتعارف حيث لم ينص على اشتراطه كل يوم ومن القبيل الأول ما ذكر من اشتراطه قراءة جزء من القرآن الكريم كل يوم فأي يوم أخل بذلك سقط استحقاقه فيه ولا يتوهم تعدي سقوط الاستحقاق الى سائر الأيام التي لم يقع فيها اخلال فإن إخلاله بالشرط ذي بعض الأيام بمنزلة عدم وجود هذا المستحق في بعض الأيام كالأيام التي تقدمته وقضاؤه لما فاته من ذلك لا يثبت استحقاقه في تلك الأيام فإن المقيد بوقت لا يتناول ما فعل في غيره
واما من يشتغل بغير الفقه فلا يستحق إلا أن يكون قد صار فقيها فيستحق باعتبار كونه من الفقهاء دون المتفقهة
وأما هذه البطالة الواقعة في رجب وشعبان ورمضان فما وقع منها في رمضان ونصف شعبان لا يمنع من الاستحقاق حيث لا نص من الواقف على اشتراط الاشتغال في المدة المذكورة وما يقع منها قبلها يمنع لأنه ليس فيها عرف مستمر ولا وجود لها في أكثر المدارس والأماكن فإن اتسق بها عرف في بعض البلاد واشتهر وظهر مضطرب فيجري فيها في ذلك البلد الخلاف المحفوظ في ان العرف الخاص هل ينزل في التأثير منزلة العرف العام والظاهر تنزله في أهله بتلك المنزلة ولا يخفى وجه الاحتياط في ذلك والله أعلم
285 - مسألة امرأة وقفت وقفا بعد عينها على من يقرأ على قبرها بعد موتها ثم أنها ماتت ولم يعرف لها قبر فهل يصح هذا الوقف أم لا وهل يصرف إلى من يقرأ ويهدي ثواب القرآن إليها أو يصرف إلى ورثتها والموقوف لا يخرج من ثلثها والوارث لم يخرج ما زاد على الثلث
أجاب رضي الله عنه لا يصح هذا الوقف لأنه مخصوص بجهة خاصة فاذا تعذرت ألغي ولا يكتفي بعموم تضمنه الخصوص كما لو أوصى قائلا اشتروا عبد فلان واعتقوه عني فتعذر شراء عبد فلان فلا يشتري مطلقا عبد آخر ويعتق عنه وليس فساد هذا من جهة كونه وقفا بعد الموت فان ذلك ليس مفسدا على ما أفتى به غير واحد من الأئمة وهو نوع وصيته والله أعلم
286 - مسألة فيمن وقف وقفا صحيحا متصلا أوله وآخره ووسطه على زيد بن فلان بن فلان ثم على أولاده بطنا بعد بطن ثم على الفقراء
وجعل الواقف النظر فيه إلى رجل عدل أجنبي ثم أراد الواقف أن يعزل الناظر ويستبدل به غيره هل له ذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه له ذلك إن ولاه بعد تمام الوقف حيث يملك تولية غيره لكونه شرط النظر لنفسه عند إنشاء الوقف أو فيما إذا أطلق وحكمنا يكون النظر للواقف وأما إذا كان قد شرط النظر للأجنبي المذكور في نفس عقد الوقف فلا ينعزل بعزله على الرأي الأقوى وكان كسائر ما يشترط في الوقف فلا يجوز تغييره والله أعلم
287 - مسألة رجل وقف أملاكا له وقفا وصفه بالاتصال والتأييد على أولاده وسماهم وعينهم ثم قال على أولادهم وأولاد أولادهم وعقبهم ونسلهم أبدا ما تناسلوا وتوالدوا واتصلت أنسابهم بآبائهم وأمهاتهم بالواقف ثم أعاد ذكر أولاده بأسمائهم وقال وأولاد أولادهم ونسلهم وعقبهم ما اعقبوا وأنسلوا فإذا انقرضوا ولم يبق منهم عقب ولا نسل كان ذلك لأولاد أخي الواقف وسماهم للذكر مثل حظ الأنثيين جاريا على ذلك أبدا ما أعقبوا وتناسلوا فإذا انقرضوا ولم يبق لهم عقب ولا نسل كان ذلك لأولاد فاطمة الزهراء رضي الله عنها يكون ذلك كذلك جاريا أبدا وقد بقي الآن من نسل الواقف من ينسب إليه بأحد أبويه ومن ينتسب إليه بأبويه معا ولكن في أجداده أو جداته من ليس من نسل الواقف فاستولى على الوقف من ينتسب بأبيه إلى أخي الواقف وادعى أنه مستحقه دون المذكورين من نسل الواقف واحتج بأن قوله واتصلت أنسابهم بالواقف بآبائهم وأمهاتهم تقتضي أن لا يستحق منهم إلا من يكون أبواه وجميع أجداده وجداته من نسل الواقف فهل الأمر على ما ذكره وإذا لم يكن ذلك كذلك وقد حكم له حاكم فهل يمتنع نقض حكمه مع أن المسألة غير منقولة وهو ليس من أهل الاجتهاد ولا أهلا لاستنباط حكم مثلها يخرجه من منصوصات مذهبه
وقواعده أم لا
أجاب رضي الله عنه ليس الأمر في ذلك على ما ادعاه والذي يوجبه التحقيق ولا محيد لمسدد عنه إن من كان أبواه متصلي النسب بالواقف فلا يمنع بسبب أن يتوسط جدة ليست من نسل الواقف وكذا لو توسط جد ليس من نسله كل من كان من نسل الواقف واتصل نسبه به بأبيه أو أمه فلا يحرم بسبب عدم اتصاله بأبويه جميعا أما الأول وأنه لا يشترط في أحد منهم أن يكون جميع أجداده وجداته من نسل الواقف فلأن قوله واتصلت أنسابهم بآبائهم وأمهاتهم لا يقتضي اشتراط ذلك في الأجداد والجدات لقصور لفظ الآباء والأمهات عن الأجداد والجدات من حيث الحقيقة لما عرف من القاعدة المقررة في ذلك بواضح دليلها وإنما يتناولهم مجازها بضميمة قرينة كما إذا استعمل ذلك في شخص واحد فقيل أبا فلان وأمهاته فيدرج في ذلك أجداده وجداته ضرورة لفظ الجمع وإنه لا يحصل الوفاء بحقيته في الواحد دون إدراج الأجداد والجدات بخلاف ما إذا اضيف ذلك إلى أشخاص فقيل أباؤهم وأمهاتهم على ما يخفى فمن أدرجهم في هذا معتبرا بظهور أدراجهم في ذلك فقد وقع بعيدا وبالجملة فإن انتساب كل واحد منهم بأبويه الاثنين كاف في استحقاقهم إطلاق هذا الوصف عليهم وأن يقال اتصلت أنسابهم بآبائهم وأمهاتهم والمقيد بصفة إذا وجد فيها أصلها وما يطلق عليه لفظها لم تشترط الزيادة على ما عرف وسيزداد ذلك إيضاحا فيما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى
وأما أن الاستحقاق يثبت أيضا لكل من كان من نسل الواقف ولا يشترط منهم الانتساب إليه بالأبوين معا بل يكفي الانتساب إليه بأحد الأبوين فلأنه اذا كان بعضهم منتسبا إلى الواقف بأبيه فحسب وبعضهم منتسبا إليه بأمه فحسب صح أن يقال قد اتصلت أنسابهم به بآبائهم وأمهاتهم فإن من جمع بين أشياء في الذكر فكل واحد منها ينفرد بوصف لا يوجد في الآخر فله كف أوصافها في إرسالها جملة مع أنها متفرقة فيها غير مجتمعة في كل واحد منها
يقول ذلك أهل العلم باللسان ويستعمله أهل العرف أيضا فيقولون مثلا في بني أب أحدهم شجاع غير كريم ولا عالم والآخر منهم كريم وآخر عالم قد أعز الله فلانا بالعلم أولاده وكرمهم وشجاعتهم وتقدم بنو فلان لشجاعتهم وعلمهم وكرمهم ثم أنه لا يتوقف الحكم باستحقاق المذكورين على رجحان هذا المجمل على ما يعارضه بل يثبت ذلك وإن كان محتملا مساويا فإنه قد تقدم على ذلك ذكره لفظ النسل والعقب فيجرى على ذلك اطلاقه ما لم يظهر تقييده ولا يجوز تقييده لمحتمل كذلك على أن ذلك مرتفع عن منزلة المساواة إلى درجة الرجحان والظهور بما دل عليه من الواقف قرينة لفظه وقرينة حاله أما من حيث اللفظ فإنه ذكر أولاد أولاده في جملة من وصفهم باتصال أنسابهم به بآبائهم وأمهاتهم وهذا المحمل لا محالة هو المراد الأولاد فإنه لا يظن به اشتراط انتساب أولاد أولاده إليه بآبائهم وأمهاتهم معا لتعذر ذلك بخلاف وإذا كان مراده في بعض الموصوفين كان هو المراد في الباقين فإنه كلام واحد ولا يخفى هذا وأيضا فاقتصاره أجزأ عن النسل والعقب مطلقا حين اشتراط أقرانهم في استحقاق البطن الآخر يشعر بأن ذلك مراده من قبل وإلا لكان انقطاعا وقد نفى الانقطاع في وقفه أولا حين وصفه بالاتصال ولا يجري في هذا الخلاف المحفوظ فيما إذا قال وقفت على أولادي فإذا انقرض أولاد أولادي فعلى الفقراء في أنه يكون اشتراط النقراضي أولاد الأولاد في استحقاق من بعدهم مثبتا استحقاقهم بل هذا الذي نحن بصدده يرتفع بما أشرنا اليه عن ذلك إلى درجة من الوضوح لأجل دفعها فيه الخلاف الواقع في ذلك ولا يخفى على المتأمل وأما قرينة حالة فكيف يشترط في استحقاق نسله الانتساب بالآباء والأمهات على الاجتماع ولا يشترط ذلك فيمن أخره عنهم من نسل أخيه فيحرم من كان من نسل نفسه لكونه لم يجمع انتسابا اليه
بأبيه وأمه ويعطي من كان من نسل أخيه مع أنه لا يجمع انتسابا بأبويه إلى أخيه هذا مما يأباه ظاهر الحال جدا وبعد هذا فحكم الحاكم المذكور على الوجه المذكور لا يخفى وجوب نقضه إن كان قد حكم باستحقاق المنتسب إلى الأخ فإن استحقاق نسل الأخ مشروط بانقراض نسل الواقف على الإطلاق فسواء استحق من بقي منهم أو لم يستحق فلا حق جزما مع وجودهم لأحد من نسل الأخ وهذا ملزوم به على وجه لا ينفذ حكمه بخلافه وإن كان حكمه ينفي استحقاق من بقي من نسل الواقف غير متعرض لاستحقاق نسل الأخ فحكمه منقوض أيضا نظرا إلى الحاكم وانتفاء أهليته لذلك أنه لم يظهر ذلك بالنظر إلى نفس الحكم والله أعلم
288 - مسألة رجل وقف وقفا وشرط النظر فيه إلى الأرشد من أولاد أولاده فمات الواقف وخلف أولادا بنين وأولاد بنات فعدم الأرشد من أولاد البنين ووجد الأرشد من أولاد البنات فهل يثبت النظر للأرشد من أولاد البنات أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم يثبت النظر للأرشد من أولاد البنات والحالة هذه والله أعلم
289 - مسألة وقف موقوف على الأيتام والأرامل من أولاد الإمامين الحسن والحسين رضي الله عنهما فهل إذا بلغ أحد منهم من الذكور والإناث يصرف اليه من ذلك وهل تكون البنت البكر البالغ من قبيل الأرامل أم لا وما حد الأرملة
أجاب رضي الله عنه لا حق في ذلك لكل بالغ وبالغة والأرملة كل امرأة كان لها زوج فبانت عنه بموت أو بسبب آخر هذا نص الإمام الشافعي رضي الله عنه ويدخل في ذلك البكر التي فارقت زوجها
والظاهر من حيث العرف أنه لا يدخل في ذلك الغنية لقرينة لفظ الوقف العام وإن كان لفظ الأرملة بمجرده يشمل الغنية من حيث العرف واللغة أيضا فليعلم ذلك والله أعلم
290 - مسألة طاحونة موقوفة على جهة بر أجرها الناظر مدة سنة أو نحوها بأجرة معلومة وشهد شاهدان أنها أجرة المثل حالة العقد ثم تغيرت الأحوال وطرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل فهل يتبين بطلان العقد وبطلان الشهادة بأجرة المثل حالة العقد
أجاب رضي الله عنه نعم يتبين بطلان العقد ويتبين أن الشاهد بأجرة المثل لم يثب في شهادته وذلك أن تقويم المنافع في مدة ممتدة وإنما يصح إذا استمر الحال الموجود حالة التقويم التي هي حالة العقد أما اذا لم يستمر تلك الحال وطرأت في أثناء المدة أحوال تختلف بها قيمة المنفعة فإنا نتبن أن المقوم لها أولا لم يطابق تقويمه المقوم وليس هذا كتقويم السلع الحاضرة بإجرائها على ما لا يخفى وإذا ضممنا ما ذكرناه إلى قول من قال من أصحابنا أن الناظر إذا أجر الموقوف بأجرة ثم زاد في الأجرة زائدة في أثنائها أن الأجارة تنفسخ أو تفسخ كان قاطعا باستبعاد من لم ينشرح صدره لما ذكرناه فليعلم ذلك فإنه من نفائس النكت والله أعلم
291 - مسألة رجل أجر وقفا عليه ثم على أولاده بحكم نظره في الوقت لا بحكم استحقاقه للمنافع من ولده مدة وقبض أجرتها ثم توفي المؤجر وورثته وخلف المستأجر قبل انقضاء المدة فهل تنفسخ الأجارة أم لا وإذ انفسخت فهل يثبت الرجوع في تركة المؤجر
أجاب رضي الله عنه نعم ينفسخ عقد الإيجارة والحالة هذه على
الأصح إن كان المستأجر قد انتقل إليه بموت المؤجر جميع المضجر وإن زوحم ثبت الانفساخ في نصيبه ولا يثبت في نصيب غيره على الأصح ويثبت الرجوع بحصته ما بقي من المدة بعد موت المؤجر في تركته على كل حال إلا أنه إذا لم يكن وارث سوى المستأجر فلا فائدة له فيه دينا والله أعلم
ليعلم أن إجارة هذا ليس من قبيل إجارة الناظر بل من قبيل إجارة الموقوف عليه فإن المعنى بالناظر في هذا ان يكون غير الموقوف عليه وحيث يؤجر الموقوف عليه فلا يؤجر إلا بالنظر المجعول له فإن مجرد استحقاقه لا يفيده الولاية في ذلك على الأصح ومع هذا فنظره لا يلحقه بالناظر الأجنبي حتى يقطع بعدم الانفساخ بالموت على الأشهر فإن نظره لا يتعدى إلى غيره من أهل الوقف بخلاف الناظر غير المستحق وبعد هذا فيقع الاختلاف في نصيب غير المستأجر على الأصح من الوجهين ما هو فالشيخ أبو اسحق يرى الأصح أنه لا ينفسخ وجماعة رأوا الأصح ثبوت الانفساخ وأنا الآن أميل اليه وأسأل الله سبحانه وتعالى رضاه وتسديده آمين
292 - مسألة رجل متولي وقفا اجره من غير إشهار هل تصح إجارته
أجاب رضي الله عنه لا تصح من غير إشهار الا اذا أجره بما يغلب على ظنه أنه لا يزداد عليه بالإشهار شيء يؤبه له وهذا مثل ما ينظر في بيع مال المفلس في أنه يباع كل شيء في سوقه فإن باعه في غير سوقة بثمنه في سوقه صح والأمر بالإشهار مسطورا أيضا في مال المفلس والله أعلم
293 - مسألة وقف على الفقهاء أو المتفقهة المالكيين المقيمين بدمشق من أهلها والواردين إليها من أهل الشام دون غيرهم فهل يعتبر أن يكون أحدهم قد ولد بها أو نشأ أولا وما الذي يعتبر
أجاب رضي الله عنه الظاهر أنه لا يشترط الولادة والنشوء في واحد من الموضعين ويكتفي بأن يوجد في أحدهم من الإقامة بدمشق أو بالمكان الذي يرد منه اليها واردهم من سائر الشام ما لا يعد معه من الغرباء بها وفي الإقامة مع الاستيطان ما يتحقق معه هذا وإن تجرد عن الولادة والنشأة ثم رأيت استفتاء متقدما في هذا فيه فتوى جماعة من المالكيين والحنفية والشافعية ونجم بن الحنبلي منهم ابن حمويه ومسعود الحنفي وابن علوش بأنه يكفي الاستيطان بدمشق وإن يعد من سكانها والله أعلم
294 - مسألة وقف على ثلاثة إخوة على أن من مات منهم من غير ولد ولا نسل ولا عقب كان ما كان جاريا عليه على أخويه الآخرين ثم إذا انقرضوا على جهات متصلة فأجر أحد الأخوة الثلاثة نصيبه من الوقف مدة معلومة لرجل ثم مات الآخر والمستأجر قبل انقضاء مدة الأجارة فهل تنفسخ الأجارة من حين موتهما وتنتقل الحصة المأجورة إلى الأخوين المذكورين
أجاب رضي الله عنه لم تبق الأجارة بعد موت الآجر وانتقل ذلك إلى أخوية والله أعلم
295 - مسألة في دار وقف شرط واقفها أنها لا تؤجر أكثر من سنة ثم انهدمت وليس لها جهة عمارة إلا الأجارة مدة سنتين فإن لم تؤجر كذلك دثرت فهل تجوز هذه الأجارة والحالة هذه
أجاب رضي الله عنه بأنه يجوز أن يعقد أولا على سنة ثم يستأنف عقدا ثانيا على سنة ثانيه ثم هكذا إلى أن يستوفي المراد فان كان في شرط الواقف أنه لا يستأنف عقدا قبل انقضاء الأول فهذا الشرط والحالة هذه لا ينفذ ولا يصح من أصله في مثل هذه الحالة التي يقضي العمل بالشرط فيها إلى دثور الموقوف وتعطله لأنه شرط يخالف مصلحة الوقف والله أعلم
296 - مسألة شخص وقف وقفا صورته أقول وأنا فلان وذكر نسبه أنني وقفت كذا أو كذا مواضع ووصفها وحددها على فلان وعينه ثم من بعده على الفقراء والمساكين المسلمين والنظر في هذا الوقف إلى فلان رجل عينه ثم رأى الواقف المصلحة للوقف في أن يجعل الناظر غيره وأن يجعل معه ناظرا فهل له ذلك أم لا وهل إذا جعل الناظر لذلك الشخص في الوقف بعد انتقاله إلى الفقراء والمساكين لا في حال حياة الموقوف عليه وقد يملك الناظر عزل نفسه عن النظر وينفذ عزله أم لا وهل للواقف عزله قبل مصير النظر إليه بموت الموقوف عليه أم لا واذا كان الواقف قد جعل للناظر أن يسند النظر إلى غيره هل للناظر أن يسند النظر الى غيره قبل انتقاله إلى الفقراء والمساكين
أجاب رضي الله عنه ليس للواقف ذلك ولا حكم له في ذلك وأمثاله بعد تمام الوقف بشرطه وإذا عزل الناظر المعين حالة انشاء الوقف نفسه فليس للواقف نصب غيره فانه لا نظر له بعد أن جعل النظر في حالة الوقف لغيره دون نفسه بل ينصب الحاكم من يتولى أمر الوقف وإذا لم يجعل النظر لذلك المعين إلا بعد الموقوف عليه المعين فلا يملك عزل نفسه قبل ذلك وأما الواقف فلا يصح عزله في الحال ولا في ثاني الحال كما تقدم وليس للناظر أن يسند ما جعل له من الإسناد إلى أحد قبل مصير النظر إليه والله أعلم
297 - مسألة في موقوف أجرة الناظر ثم بذلت فيه زيادة فأراد إجارته من باذل الزيادة لكونه لم يثبت عنده ولا عند الحاكم أن العقد وقع بأجرة المثل هل له ذلك
أجاب رضي الله عنه لا يجوز ذلك بناء على مجرد كونه لم يثبت وقوعه بأجرة المثل بل لا بد في ذلك أن يثبت كونه بغير أجرة المثل بطريق من الطرق المثبتة لذلك بحسب اختلاف الأحوال ولما قلنا إذا ادعى المستأجر إجارة موقوف ونحوه فعليه إقامة البينة على كونها بأجرة المثل وقلنا إذا اختلف المتعاقدان في صحة العقد وفساده فالقول قول من يدعي الفساد فلم يسمع في ذلك كله بالتعويل على عدم الثبوت بمجرد بل لا بد من يمين أو بينة يثبت بها ذلك والله أعلم
298 - مسألة رجل أجر ملكه مدة معلومة ثم وقفه ولم يذكر فيه أنه مستأجر ولا أنه ساقط المنفعة فهل يصح ذلك ثم رجع بعد وقفه استأجره من المستأجر
أجاب رضي الله عنه يصح وقفه فإذا انتهت مدة الأجارة صرفت منفعته إلى جهة الوقف والله أعلم
299 - مسألة رجل مالك لربع أرض مشاعا فقال وقفت ملكي هذا مسجدا لله تعالى هل يصح هذا الوقف أم لا وكذا يتنجز وهل إن صح منجزا يحرم على كل جنب أن يدخل إلى الأرض أو الى بعض أجزائها ويمكث فيها وهل يصح القول بأن هذا الوقف لا يصير مسجدا يحرم مكث الجنب فيه بعد القسمة وتمييز الربع الموقوف أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم يصح وقفه ذلك مسجدا ويتنجز وقفيته ويثبت في الحال تحريم المكث في جميع الأرض على الجنب تغليبا للمنع
ولا يصح القول بتأخر ذلك إلى ما بعد القسمة ثم أنه يجب القسمة ها هنا لتعيينها طريقا إلى الانتفاع بالموقوف والله أعلم
300 - مسألة رجل وقف عقارا على ولده زيد وأولاده وأولاد أولاده الذكور دون الإناث الذين يرجعون بنسبتهم إليه بينهم على فرائض الله تعالى ثم مات الموقوف عليه وخلف ابنا ثم مات الابن وخلف ثلاث بنين ثم مات أحد البنين وخلف ابنين فهل يختص بالوقف البطن الأول وهما العمان عملا بقول الواقف بينهم على فيه ثم إذا رأى الحاكم ذلك وحكم للعمين بالوقف دون أولاد أخيهما فهل يجوز له أن يرجع عن الحكم بفتيا من يفتي باشتراكهما الوقف أم لا وهل يجوز له الرجوع بتغيير اعتقاده بعد الحكم أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يختص بذلك البطن الاعلى وقول الواقف على فرائض الله تعالى لا يتقضي الأقرب فالأقرب فإنه دائر بين أن يكون ظاهرا في مقدار ما يأخذونه غير ظاهر في الترتيب فإنه من قبيل الحجب الذي لا يطلق عليه اسم القرض وبين أن يكون ذلك مترددا محتملا لا يصلح أن يترك مقتضى ما ذكره قبله من التعميم به والحاكم إذا حكم بالترتيب بناء على ذلك وليس من أهل الاجتهاد لا الاجتهاد المطلوب ولا الاجتهاد المقيد المختص بمذهب معين فله الرجوع من ذلك والنقض فإنه وأمثاله ليس من قبيل الأمور الظاهرة التي يجوز لمن ليس من أهل الاجتهاد من الحكم فيه والله أعلم
301 - مسألة وقف صورته هذا ما وقف فلان على أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه الراجعين بآبائهم وأمهاتهم إلى الواقف أو بآبائهم فقط فهل ينصرف قوله الراجعين بآبائهم وأمهاتهم الى الواقف أو بآبائهم
فقط إلي قوله ونسله وعقبه حتى يستحق على موجب ذلك ابن بنت الواقف أو ينصرف إلى ولد الولد أيضا فلا يستحق ما الحكم في ذلك
أجاب رضي الله عنه بل يرجع ذلك إلى قوله ونسله وعقبه خاصة ومن ذا الذي يشترط ذلك في ولد ولده مع استحالته في الأنكحة المشروعة وإنما يتصور في أنكحة المجوس وما أشبه وقوله بآبائهم قرينة لذلك فتختص كاختصاصه والله أعلم
302 - مسألة الوقف المرتب على المستحقين لو كان موقوفا على زيد ثم من بعد انقراضه على عمرو ثم من بعده على خالد فلو كان خالد قاضيا وعمرو باق فوقع بين عمرو والمستحق الموقوف الآن وبين رجل أجنبي منازعة في الموقوف أو في بعضه واستولى الأجنبي على جزء من الموقوف فأراد عمرو محاكمته إلى خالد المستحق للوقف بعده هل لخالد أن يحكم بغضب الأجنبي لذلك وعداوته وأن ذلك ملك الواقف إلى أن وقفه وأن عمرا الآن مستحق له بالوقف المشار إليه هل له ذلك مع أن مصيره إليه متى مات عمرو أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم له ذلك فإن كل ذلك حكم للغير ولا التفات إلى أن مصير ذلك اليه كما أنه يحكم بمثل ذلك لمن لا وارث له سواه مع أنه يصير إليه بعد موته ظاهرا وكما يحتمل هذا أن لا يصير اليه كذلك يحتمل أن لا يصير إليه بأن يموت قبل عمرو والله أعلم
303 - مسألة وقف على قراء السبع بدمشق هل يجوز حرمان بعضهم
أجاب رضي الله عنه لا بل يجب استيعابهم لانحصارهم بخلاف
الوقف على الفقراء أو شبههم بل هذا كما لو وقف على فقراء بلدة معينة فإنه يجب استيعابهم عن صاحب التهذيب وغيره غير أن في التنبيه خلافه والله أعلم
304 - مسألة ناظر في وقوف أثبت أهلية نظره في مكان منها بمدينة فهل يعم ما كان في غيرها أم لا
أجاب ضي الله عنه يثبت بذلك بالنسبة إلى غيرها من أوصاف الأهلية جميعها العدالة والعقل والبلوغ والإسلام والحرية إلا الكفاية التي هي أن لا يعجز عن الحفظ والتصرف في المنظور فيه فإذا أثبت مع ذلك كفايته في النظر في سائر الوقوف ثبتت أهليته فيها والله أعلم
305 - مسألة رجل وقف دارا مرخمة الأراضي والحيطان مدرسة والمراد من الرخام الزينة فقط فأشرف على التلف فهل يجوز للواقف وله النظر بيع الرخام وشراء ملك للمدرسة بثمنه تعود غلته على المدرسة ومصالحها
أجاب رضي الله عنه حكم هذا الرخام حكم الجذع من المكان الموقوف اذا أشرف على الإنكسار وفيه بعد بقية المنفعة وفي بيعه عند ذلك وجه مشهور عن أئمة الشافعيين متجه فإن رأى الناظر العمل بذلك فليستخر الله تعالى قبل اقدامه عليه ثم صرف ثمنه إلى ما يعود من صالح المدرسة الأحق بثمن نحاته خشب الواقف المصروف في مصالحه لا بثمن الجذع المصروف في شيء مثله من حيث أن غرض الزينة لا سيما بثمن الرخام المرتفع لا يصار إلى انشأه متصلا في مثل هذا الوقف
ونحوه وإذا لم يتجه صرف ثمنه في إعادة مثله تعين صرفه إلى مصالح المكان وشراء ملك له من الطرف في ذلك ومما قد أجيز المصير إليه في الوقوف ونسأل الله العصمة والتوفيق
306 - مسألة وقف على مقرىء يقرىء الناس كتاب الله تعالى بموضع كذا كل يوم فهل يجوز للمقرىء الاقتصار على ثلاثة لأنه أقل الناس أو يجب عليه إقراء كل من يحضره ويريد القراءة
أجاب رضي الله عنه إن كان من يحضر في ذلك الموضع مريدا للقراءة عددا محصورا فعلى المقرىء في شرط استحقاقه إقراؤهم اجمعين وإن كانوا غير محصورين فله الاقتصار على ثلاثة منهم لأنه لو قال وقفت على الذين يحضرون مريدين للقراءة فصلنا هذا التفصيل فكذلك لو قال وقفت على من يقرىء الناس على هذا الوصف والله أعلم
307 - مسألة قد جرت العادة بترك الإقراء يوم الجمعة في تلك البلد فهل له ترك الإقراء في يوم الجمعة
أجاب رضي الله عنه قوله في كل يوم تصريح منه بالعموم فلا يترك مثله من مثله بعرف خاص فإذا يكون تركه الإقراء يوم الجمعة بمنزلة تركه الإقراء في يوم آخر والله أعلم
308 - مسألة في وقف استأجره لإصلاح الطرقات في المدينة الفلانية فهل إذا لقي انسان في الطريق ترابا يعسر بسببه على الناس العبور في تلك الطريق فهل للناظر الاستئجار من ذلك لرفعه
أجاب رضي الله عنه أن رفعه واجب على ملقيه فلا يستأجر من هذا
الوقف على رفعة ما لم يتعذر رفعه من جهة من ألقاه فإذا تعذر ذلك بتعذر منه أو غير ذلك استؤجر حينئذ من هذا الوقف لرفعه والله أعلم
309 - مسألة وقف وقف على أن يصرف مغلة في قوت من يبيت بموضع كذا من الغرباء الفقراء المحتاجين بمدينة كذا لا يزاد أحد منهم في ذلك على ثلاث ليال متوالية فهل يجب على الفقير المبيت في ذلك الموضع إذا أكل من الوقف وهل إذا أوجب ولم يبت يضمن الناظر ذلك وهل يجب مبيت الليل كله أو أكثره وهل يجوز أن يدفع إلى الفقير ما يشتري به قوتا أو يتعين القوت في الدفع وهل إذا بات أول ليلة فضيفه ثم بات الليلة الثانية في موضع آخر ثم عاد الليلة الثالثة يجوز الدفع اليه أو لا يجوز لقوله ثلاث ليال متوالية وهل يجب على الناظر الكشف عمن يبيت في ذلك مع كثرة الواردين إليه والتباس المستحق بغيره وهل يجوز للناظر أن يستجر من خباز لهم ثم إذا اجتمع له جملة حاسبة ودفع إليه وهل كان الناظر في حمام أو نحوه وطلب منه شيء لبعض جهات الوقف فيكون له أن يقترض ثم يوفي من الوقف
أجاب رضي الله عنه لا يجب عليه المبيت ولكن إذا لم يبت غرم ما أكل ونظيره ابن السبيل الأخذ على عزم السفر إذا أخذ لم يصر السفر بذلك واجبا عليه ولكن إن لم يسافر وجب عليه رد ما أخذه ويحرم على الفقير أن يأكل وهو عازم على ترك المبيت ولا يضمن الناظر إذا لم يبيت الفقير الأكل ونظيره إذا بات مع دفع إليه الإمام الزكاة غير مستحق بأن بان غنيا لأنه أمين غير مفرط والله أعلم
وشرط الاستحقاق يحصل بمبيت معظم الليل ومن نظائره الحالف
ليبيتن هذه الليلة في موضع كذا والله أعلم ويظهر أنه يجوز أن يدفع ثمن القوت إلى الفقير غير ممكن من صرفه إلا في القوت ويجوز أن يصرف إليه القوت نفسه ومن نظائره ما يصرف من سلاح الغازي من الزكاة فمذكور فيه جواز الأمرين والله أعلم
ومن لم يبت في الليلة ثم بات في الليلة الثالثة فجائز الدفع إليه وقوله الواقف لا يزاد على ثلاث ليال متوالية ليس اشتراطا للتوالي في الليالي الثلاث وإنما هو منع من الزيادة على ثلاث ليال إذا وقعت بصفة التوالي وعند هذا فلا يقتضي هذا الكلام بتجرده المنع من أن يزاد على الثلاث من بات ثلاثا متفرقة والله أعلم وعلى الناظر الكشف عن المستحق ويكفيه في ذلك أن يقول أنا بائت الليلة ها هنا فإذا قال ذلك جاز له إطعامه من غير يمين ولم يجب عليه الكشف ثانيا هل حلف فلم يبت أو لم يحلف ونظيره ابن السبيل في الزكاة والله أعلم
وجائز للناظر أن يستأجر من خباز على ما وصف ولكن ليحذر ما اعتيد في بعض المدارس وغيرها من أنهم يأخذون من الخباز من غير أن يعين ثمن ما يؤخذ كل يوم ويؤخرون تقدير الثمن وبيان كيفيته إلى وقت المحاسبة فيطعمون عند ذلك الفقهاء والصوفية والمساكين حراما من السهل أن يوكل الناظر من يجيء بالخبز في أن يعين ثم ما يأخذه كل مرة في يومه ويعقد عليه مع الخباز ثم لا بأس أن يؤخر المحاسبة إلى آخر الشهر أو نحوه والله أعلم
ويجوز للناظر الاقتراض على جهة الوقف عند العذر والمصلحة فإن ذلك ولاية يستفاد بها أمثال ذلك كما في الوصي وغيره هذا ما ظهر وأعوذ بالله من الخطأ والخطل وهو أعلم
310 - مسألة في امرأة وقفت وقفا متصلا غير منقطع على جوار لها قد اعتقتهن ثم بعدهن على أولاد نفسها ثم على جهة معينة في كتاب الوقف ولم يثبت أن المدعيات بالوقف من الموقوف عليهن فهل يعود الوقف على الذين عينوا من أولاد الواقفة أم لا
أجاب رضي الله عنه إذا جهلن فلا يؤثر ذلك في بطلان الوقف ويجري المغل مجرى مال ضائع يحفظ إلى أن يظهر مستحقه فان تعذر صرف في مصالح بيت المال ولا يصرف إلى أولاد الواقفة شيء من ذلك حتى يثبت انقراض الجواري المذكورات
311 - مسألة وقف وقفا على أولاده وجعل النظر للأرشد فالأرشد من أهل الوقف فإن لم يكن فيهم رشيد فإلى حاكم المسلمين فأثبت كل واحد من أولاده بينة أنه الأرشد فما الحكم
أجاب رضي الله عنه يشتركون في النظر من غير استقلال إذا وجدت الأهلية أوصافها في جميعهم وإن وجدت في بعضهم اختص بذلك وذلك أن بيناتهم تعارضت وتساقطت في صفة الأرشد فلم تثبت صفة الأرشد لواحد منهم ولا تعارض بينهما في أصل صفة الأرشد فثبت اشتراكهم في الرشد من غير أن يثبت ترجيح فيصير كما لو قامت البينة برشد الجميع على التساوي والاشتراك من غير تفضيل والحكم في ذلك التشريك بينهم في النظر لعدم مزية بعض على بعض ثم يكون من غير استقلال كما لو أوصى إلى شخصين وأطلق فإنه يحمل على عدم الاستقلال والله أعلم
312 - مسألة مدرس بمدرسة نقض أبنيتها المحكمة من غير
خلل تطرق إليها وعمد إلى مسجد معد فيها لصلاة الجماعة من حين وقفت فجعله دهليزا يدخل منه إلى المدرسة ونقل بألها لأصلي إلى مكان آخر وجعل الدهليز الأصلي مخزنا وجعل المجلس الذي جعله الواقف مجمعا للفقهاء عند الدرس إيوانا وغير بركة فيها من أمام الواقف عن هيآتها وأنفق معظم أموال الوقف في هذه العمائر بحيث منع الفقهاء مع قيامهم بالوظائف عن معلومهم المقدر لهم فهل يحل ذلك وهل يجب عليه ضمان ما أتلفه من أبنيتها وأنفقه من أموالها في العمارة وهل يجب رفع يده عنها وهل له أن ينفرد عن الفقهاء بأخذ جامكيتة ومعلومه وهل يصير فاسقا بهذه الأمور
أجاب رضي الله عنه لا يحل له ذلك وعليه أيضا ضمان ما أتلفه من أبنيتها وما بقي قائما من نقضها فعليه أرش ما نقص منه بالنقص ثم إن حكم الوقف باق في باقي النقص فواجب صيانته عن أن يصرف ببيع أو غيره إلى غير الجهة التي وقف لها ثم أنه يفسق بذلك إذا لم يكن جاهلا بتحريمه جهلا يعذر به أمثاله وعلى ولي الأمر وفقه الله تعالى رفع يده عنها والحالة هذه وعليه أيضا ضمان ما أتلفه من مال الوقف فيما استجده من العمارة فانه لا ولاية له في ذلك يحلك بها ذلك والحالة هذه المذكورة وأما ما أنشأه من العمارات فغير ثابت بها إلى الآن حكم الوقفية وإذا كان اشتراه لآلاتها واقفا كما هو المعتاد بثمن مطلق في الذمة أداه من مال الوقف فهي مملوكة له وعليه ضمان ما أداه من الوقف ثم ينظر فيما وقع منها في مكان المسجد مانعا من استمرار أحكام المساجد فيه أزيل ونقض وهذا لأنا نحكم لذلك بحكم المسجد وإن لم يقم بينة بأن الواقف كان قد وقفه مسجدا استشهادا بما شاهدناه من وضع المساجد وتصرف المسلمين فيه كتصرفهم في المساجد على كونه مسجدا في نفس الأمر وعلى هذا اعتماد المسلمين فيما بينهم من المساجد يجرون عليها أحكام المساجد معتمدين على مجرد ذلك
وهذا بمعزل عن مسألة الخلاف المعروفة في أن المكان هل يصيره مسجدا في نفس الأمر بمثل ذلك ولأن لو لم نكتف بذلك فهذا المكان المذكور قد كان الواقف وقفة مهيئا لمنفعة مخصوصة فلا يجوز تغييره إلى هيئة معدة لمنفعة أخرى مخصوصة إذا لم يكن في شرط الوافق تسويغ ذلك وتفويضه إلى رأي الناظر وهذه قاعدة مقررة حتى إذا وقف دارا فلا يجوز أن يجعل بستانا أو حماما وإذا فعل ذلك نقض وأعيد إلى الهيئة الأولى وكون هذا التغيير الموصوف واقعا في بعض المكان الموقوف وليس مفارقا في ذلك على ما فهم من كلام بعض الأئمة وهو التحقيق عند هذا يجب إعادة الدهليز الذي جعله مخزنا إلى ما كان عليه وهذا الحكم في كل ما جرى فيه نحو ذلك وما سوى ذلك من العمارة التي ليس فيها مثل هذا التغيير الموصوف وكل ما لم يبلغ التغيير فيه إلى حد يمتنع من الناظر لو أراد أن يعيد العمارة بعد الانهدام وكل ذلك قائم في هذا المكان لا للوقف بل للعامر المتعدي وجهة الوقف مفتقرة إلى إعادة مثله موقوفا فإذا لم يبادر المتعدي المذكور بفعله ورضي بأخذ قيمته فينبغي للناظر الآن أن يمتلكه بقيمته للوقف فإن عليه رعاية مصالح الوقف ومقتضياته وهذا أقوم بذلك من نقض ذلك ثم إنشاء عمارة أخرى لما في ذلك من تعطيل كثير من مقتضيات الوقف في مدة العمارة مع تيسر التحرر منه وليس يحتمل مقام الفتوى أكثر من هذا ورآه لتمهيده مجالا رحب وليس له أن ينفرد بأخذ جامكيته عن الفقهاء مع مشاركتهم له في سبب الاستحقاق والله أعلم
313 - مسألة وقف موقوف على الفقهاء والمتفعة المالكيين المقيمين بدمشق من أهلها والواردين إليها من أهل الشام دون غيرهم حصل منه حاصل وتأخر قسمته بينهم حتى ورد وارد من الموصوفين فهل يساهمهم أم لا
أجاب رضي الله عنه أنه لا يساهمهم في الحاصل المذكور فإنهم محصورون والحصر يوجب استحقاق من كان موجودا منهم بدمشق عند حصول الحاصل المذكور لجميعه فمن طرأ عليهم فإنما طرأ بعد أن صار ذلك حقا وملكا لغيره فلا يثبت له فيه حق معهم وهذا لأنهم متى كانوا محصورين فلا يجوز حرمان أحد منهم بل يجب استيعابهم ومع هذا لا يتأخر تملكهم إلى القسمة حتى يشاركهم الطارئون قبلها بل يحصل الملك لهم مع الحصول ويكونون في ذلك كسائر المتعينين في هذا الباب مثل مرتزقة الديوان وغيرهم ومثل فقراء إذا كانوا محصورين في بلدة المال على الأصح الذي لا يجوز فيه نقل الصدقة فلو كان هؤلاء الموقوف عليهم غير محصورين فيجوز حينئذ للوارد الطارىء مشاركة المقيمين قبله في الحاصل المذكور ولايجب استيعابهم بل يجوز الاقتصاد على ثلاثة منهم ولا يجب التسوية وهذا مثاله من المسطور المنقول إذا أوصى لأقاربه أو لفقراء بلدة معينة أو ليتاماها فقد نص غير واحد من المصنفين على الفرق بين الانحصار وعدمه في وجوب الاستيعاب والتسوية ونص الشافعي رضي الله عنه على ما نقله غير واحد من المصنفين على الفرقة في الزكاة بين الحالتين على ما تقدم ذكره والله أعلم غير أنه يظهر ها هنا عدم التسوية وتنزيل المطلق فيه على العرف والعرف بين الفقهاء التفضيل بينهم على مقادير مراتبهم في الفقة والله اعلم
314 - مسألة فتيا وردت من منافارقين حماها الله تعالى في وقف وقف على عمرو ثم على حظ الانثيين ومن مات من المذكورين وله ولد أو ولد ولد فنصيبه لولده أو ولد ولده فإن عدموا فلإخواته وأخوته ومن مات من أولاد الموقوف عليه من البنات فنصيبها
راجع إلى إخوتها وأخواتها ليس لأولادهما فيه نصيب ما دام لها إخوة وأخوات وإن لم يكن لها إخوة وأخوات فنصيبها من بعدها لأولادها ثم لأولادهم ثم هكذا أبدا ما تناسلوا قرنا بعد قرن ومن مات منهم وله ولد فنصيبه لولده وولد ولده للذكر مثل حظ الانثيين وإن لم يكن له إلا ولد واحد فله جميع نصيبه وإن عدم فلإخوته ولأخواته الأقرب فالأقرب ثم ذكر بعد هذا جهات فمات عمرو الموقوف عليه ولم يخلف ذكرا لا ولد ولا ولد ولد بل خلف أربع بنات كريمة وعايدة وأم الكرم وأم العز ثم ماتت كريمة وخلفت أولادا ذكورا وأناثا وأخواتها الثلاث فهل يصرف نصيبها إلى أولادها لكونه شرط في منعهم وجود الإخوة والأخوات ولم يوجد الإخوة أو يصرف الى أخواتها ويكتفي بوجودهن في ذلك فإنه لا ينكر أن الأخوات يقمن مقام الإخوة وجوده في كتاب الله تعالى في حجب الأم من الثلث إلى السدس لكي يحتمل ها هنا أن يكون تخصيص الإخوة بالذكر مقيدا اعتبار وجودهم حملا للكلام على الحقيقة ثم ماتت عايدة وخلفت ولدين وحكمها في ذلك حكم أختها المتقدمة ثم ماتت أم الكرم ولم تخلف ولدا أصلا بل خلفت اختها الرابعة فلا إخوة لها عند موتها ولا أخوات ولها أولاد اختها كريمة المتوفاة وأولاد أولاد أولادها وولد عايدة فهل إذا حكم حاكم وأفتى ففيه بأن ذلك مستحقه أولاد أولاد الموقوف عليه وأولادهم وكذا قال عملا بمقتضى قول الواقفين من مات من بنات الموقوف عليه ولم يكن لها إخوة وأخوات فنصيبها لأولادها ثم لأولادهم ثم لأولاد أولادهم أبدا ما تناسلوا وعملا بقوله ومن مات منهم وله ولد فنصيبه لولده ولولد ولده للذكر مثل حظ الانثيين فقد انتفى وجود الإخوة والأخوات الذي جعله شرطا في حرمان أولاد البنات وقوله ومن مات منهم وله ولد فنصيبه لولده وولد ولده راجع إلى أولاد الأولاد وأولاده فانه مذكور عقيب ذكرهم فهو صريح في أن من مات من أولاد الأولاد فنصيبه لولده وولد ولده فهل صريح في أن من مات من أولاد الأولاد فنصيبه وولده ولده فهل هل صحيح أم لا هذا محصول الاستفتاء وفيه تطويل واعتذر السائل أخرة وهو
قاضيها عن تعرضة لطرف من المباحثه
أجاب رضي الله عنه بعد التمهل والاستخارة لا حق في ذلك لأولاد أولاد الموقوف عليه ولا لأولادهم ما بقيت من بناته المذكورات باقية بل من مات منهن فنصيبها لمن بقي من أخواتها وإن كانت واحدة حتى يثبت نصيب المتوفاة منهن ثالثة مع سائر أنصابهن للرابعة الباقية وإن انفردت وهذا لأن قولها فنصيبها راجع إلى إخوتها وأخواتها آخرة يقتضي تقييد استحقاق ذلك بوجود النوعين الذكور والأناث ولا اشتراط وجود جمع منهم في ذلك وإن مثل هذا يذكر والمراد به النوع ومن ينتسب إلى الجهة المعينة قل أو كثر ويذكر صنفا الذكر والأنثى جميعا لئلا يقتصر على أحدهما دون الآخر إذا وجد ألا يحرم أحدهما إذا وجد الآخر ويذكر لفظ الجمع لا ليمنع من دون عدد الجمع عند انفراده بل ليستوفي عدد الجميع عند وجودهم أما مع الاستيعاب وذلك عند الانحصار أو مع الاتفاء بثلاثة وذلك عند عدم الانحصار ومن شواهد هذا أنه لو قال وقفت على أولادي البنين والبنات ثم على أولادهم بطنا بعد بطن إلى آخر ما يذكر في أمثال ذلك فإنه لو لم يكن له أو لم يبق إلا الذكور فحسب او الإناث فحسب استحقوا الجميع ولو لم يبق من الجميع إلا واحدا استحق الجميع ولا حق فيه لأحد من أولاد الأولاد ما بقي من الأولاد باق وهذا من المشهور عن الجمهور وأمر الشافعي رضي الله عنه على أنه لو أوصى لأقرباء فلان فسواء كان له قريب واحد أو اثنان أو ثلاثة فالوصية لمن وجد منهم وإن خالف في ذلك من أصحابنا مخالف فمطرح خلافه غير معتد به فإن القاعدة المذكورة متأصلة وهي في العرف واللغة متقررة وكثيرا ما يأتي الكلام محمولا على المعنى وهذا نوع ذلك هذا حكم هذا الوقف فإذا ماتت الرابعة اختلف الحكم بين أن تموت
عن ولد أو لا عن ولد وفي ذلك بحث ونظر لما يقدر تقديم التصدي لتقصيه قبل حدوث حادث فليتأخر حادث فليتأخر إلى أن يقع والله أعلم
315 - مسألة شخص توفي فترك لولده ملكا فأقام الولد يستغله مدة ثم أقر بأن هذا الملك وقفه عليه مالك جائز التصرف إلى حين وقفه عليه مالك جائز التصرف إلى حين وقفه على هذا المقر وقفا متصلا وأثبته على حاكم من الحكام ولم يكن أحد وقفه عليه وإنما هو ملكه وقصد بذلك وقفه على نفسه حتى لا يباع ولا يخرج من تحت يده ثم باعه وبطل الوقف فهل يصح بيعه بعد إقراره بالوقف وحكم الحاكم
أجاب رضي الله عنه لا يصح بيعه في ظاهر الحكم وأما في الباطن فإن لم يوجد سوى إقرار المالك ولم يقف ذلك مالك آخر فهو باطل لا يمنع من صحة بيعه
316 - مسألة رجل له ملك يريد أن يقفه وينتفع به مدة حياته فهل يجوز أن يؤجره من شخص مدة معلومة ثم يقف بعد ذلك على ما يختار ثم يستأجر من المستأجرتلك المدة وهل يكفي في الأجارة مجرد العقد أم يحتاج إلى مكتوب بالأجارة وهل يجوز أن يكون العقدان في مجلس واحد أم لا وهل إذا وقفه يحتاج أن يذكر في كتاب الوقف بأنه مشغول بالأجارة أم لا وفي هذا الملك خشب حور له قيمة إذا أدرك فهل يجوز اذا وقف هذا المذكور أن يصرفه الى غير جهة الموقوف عليها بل إلى جهة بعينها الواقف مثل فك أسير أو عتق رقبة على التأبيد ما دام ينبت فيه مثل ذلك الخشب كلما قطع ولا يكون داخلا في سهم الموقوف عليهم
أجاب رضي الله عنه يجوز ذلك على الأصح ويكفي فيه مجرد العقد والمكتوب استيثاق والأولى أن لا يقع العقدان في مجلس واحد وإن وقعا في مجلس واحد صح ذلك أن تخلل بينهما قبض المستأجر للمأجور والأحوط ذكر الإيجارة في كتاب الوقف هو أحوط بالنسبة إلى الأجارة لا إلى
الوقف ويجوز أن يقف قرامي الخشب المذكور على جهة أخرى ويكون ما ينبت بعد الوقف كالثمر يصرفه في مصرف الوقف وأما الحاصل الظاهر الآن فلا يتأتى فيه ذلك
317 - مسألة ساحة موقوفة على سكنى الفقهاء الحنفية المتأهلين فعمر بعض من له السكنى فيها عمارة ثم مات عن ورثة بعضهم ليس من أهل السكنى فهل له أن يشتري باقي الحصص ليبيعها ممن له السكنى أو يؤجره إياها
أجاب رضي الله عنه ليس لمن هو غير أهل أن يتملك العمارة التي فيها لأنها تصير بذلك مقرا لبناء من ليس أهلا وتلك جهة أخرى غير الجهة المعينة في الوقف وعلى هذا يلزم الوارث غير الأهل أن يبيع ممن هو أهل أو نحو ذلك والله أعلم
318 - مسألة اذا وهب شخص شخصا أو تصدق عليه هل للواهب والمتصدق أن يشتريه من الموهوب له والمتصدق عليه أم لا
أجاب رضي الله عنه يصح ذلك ولكن يكره في الصدقة للحديث الصحيح في كتاب مسلم وغيره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل على فرس في سبيل الله تعالى ثم وجده عند صاحبه وقد أضاعه فاستأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في أن يشتريه منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تشتريه وإن أعطيته بدرهم فإن مثل العائد في صدقته كمثل الكلب يعود في قيئه ورواه سفيان بن عيينة رحمه الله وقال لا تشتره ولا شيئا من نتاجه
وقد نص الشافعي رضي الله عنه على كراهة ذلك
أما الهبة فالأمر فيها أهون ومع ذلك فأصل الكراهة في استعادة الموهوب بالشراء ثابت أيضا فيما ظهر لي فإن حديث عمر رضي الله عنه الموهوب المذكور دل على كون المشتري عائد أو العود في الهبة مكروه
وروى البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه
319 - مسألة في حد صلة الرحم وما ورد في الحديث المشهور المذكور وهل يجب على من له صلة الرحم أن يكتب كتابا مع عجزه من السعي إليهم أم لا
أجاب رضي الله عنه صلة الرحم هي أن تكون مع نسيبه وقريبه بحيث يعد واصلا له متجنبا لما يوجب المنافرة بين قلبيهما والمقاطعة وإذا حصل ذلك بمكاتبة الغائب كفى في ذلك والله أعلم
320 - مسألة مشايخ لهم تلاميذ وبعض الناس يعتقد فيهم الخير ولهم
راتب على أوقاف الجامع كل شهر شيء معلوم فهل يحل لهم ذلك أو يأثمون بأخذه
أجاب رضي الله عنه لا يحل لهم ذلك وهو قادح فيهم ويخرجون بسببه عن حيز الشيوخية وتزل به أحوالهم وأقدامهم عن قدم التقوى زلة عافانا الله وإياهم
321 - مسألة يجوز للإنسان أن يسبح بسبحة خيطها حرير والخيط ثخين وهل الدروزة للفقراء على وجه الانكسار
أجاب رضي الله عنه لا يحرم ما ذكره في السبحة المذكورة والأولى إبداله بخيط آخر والدروزة جائزة إن سلمت من التذلل في السؤال ومن الإلحاح في السؤال ومن إيذاء المسؤول وجاز السؤال لمن يحل له السؤال لعجزه عن الكسب ولا مال له فإذا كان سؤاله سليما عن الخلل ومن يسأل له أهل تحل له المسألة فذلك حسن والله أعلم
322 - مسألة رجل وهب وأقبض ومرض ومات وادعى الوارث أن ذلك كان في المرض وادعى الموهوب له أن ذلك في الصحة
أجاب رضي الله عنه قلت هذا مما في أمثاله خلاف محفوظ وظهر إذا لم يكن بينة أن القول قول الموهوب له لأن جانبه بعد تقابل الأصلين أو أصول تترجح بأصل وظاهر من حيث أنهما اتفقا على صحة الهبة والوارث يدعى معارضا بمنع من يرتب حكمها عليها بكماله والأصل والظاهر ينفيانه
323 - مسألة في جماعة مسلمين تصدق عليهم السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى بسهام من قرية معينة ولم يذكر في كتاب الصدقة أولادهم ولا عقبهم من بعدهم فهل ينتقل ذلك إلى الأولاد والعقب بالوفاة بمقتضى هذا الشرط أم لا وهل إذا لم ينتقل وتناولوا منه شيئا يلزمهم إعادة ما أخذوه
لبيت المال وهل يجب على أولي الأمر استعادة ما أخذوه والمطالبة به أم لا
أجاب رضي الله عنه لا ينتقل إليهم ذلك بمجرد ذلك وإذا تناولوا منه شيئا بمجرد ذلك وجب استرداده منهم للجهة المستحقة له بالشرط فيه والله أعلم
324 - مسألة رجل اكتسب مالا من حرام وعنده من المال جملة كبيرة ولم يكن له ولا لعياله شيء فكيف يعمل بهذا المال حتى يخلص من الحرام وكذلك عنده قماش وهو حرام فكيف يعمل به
أجاب رضي الله عنه إذا لم يعرف صاحب المال الحرام ولا يرجو أن يعرفه فليتصدق به عن أصحابه وإذا لم يكن لعياله شيء جاز أن يتصدق عليهم لكفايتهم من ذلك المال الحرام وما اشتراه في ذمته ووزن ثمنه من المال الحرام فليس المشتري بحرام وإنما ذمته مشغولة بثمنه وإذا حضر أحد من الإفرنج ومعه سلعة يريد بيعها فقال له هبني هذه السلعة من غير شرط وأنا أكافئك بأكثر من ثمنها من هذا المال فكان ذلك طريقا فالإفرنجي لعله لا يمتنع من ذلك
325 - مسألة رجل له أولاد وهب أكبرهم من ملكه قدر ما يخصه من ميراثه منه وأزيد ثم كتب كتابا مضمونه أنه وهب ولده الأكبر المذكور بقية الملك الذي يخص بقية الإخوة وأن ولده الاكبر وقفه على أبيه الواهب ثم من بعده على بقية الإخوة الذين هم أولاد الواهب وإخوة الموهوب له الواقف والإخوة إذ ذاك أطفال ثم من بعدهم على فقراء المسلمين فلما كبر بعض الموقوف عليهم أخبره الولد الاكبر الواقف أن والده لم يهبه شيئا ولم
يقبضه ولم يتلفظ بوقف بل أحضر كتابا صورته الهبة الصحيحة والقبض والوقف الصحيح من الموهوب له وقال أشهد عليك بمضمونه فامتثلت أمره وأشهدت علي به وكان هذا الولد الأكبر المخبر رجلا صالحا موثوقا بقوله فهل يجوز لبعض الموقوف عليهم إذا وقر في نفسه صدق خبره أن يتصرف في هذا العقار فيما يخصه بأجارة تزيد على مدة عمره يبطل بها حق الثاني بعده أم لا وهل يكون ذلك بينهما في ذلك بمقتضى أن الوقف لو بطل لأخذ نصيبه منه مع أنا لا نعلم هل يطالب بنصيبه لو بطل الوقف أم لا وقد كان هذا الواقف في حال طفولة أخوته سعى في إثبات هذا الكتاب بعد موت والده ودفع به وارثا اسقطهم بشرط الوقف فهل يكون ذلك قادحا في قوله أو يحمل ذلك منه على الجهل إذا لم يكن ذاك فقيها وكان في شرط الوقف أن لا يؤجر أكثر من سنتين فأجره بعض الموقوف عليهم مائتي سنة في مائة عقد كل عقد سنتين فهل يجوز ذلك أم لا والغرض أنه إذا وقر في نفس بعض الموقوف عليهم صدق خبر الواقف المذكورة وسكنت نفسه إلى قوله فهل يحل له فيما بينه وبين الله تعالى أجارة بعض ما يخصه من الوقف أجارة يبطل بها حق البطن الثاني أم لا ولو كان على هذا الموقوف عليه ديون ليس يقدر على وفائها إلا من إجارة هذا الوقف بهذا التأويل الذي سكنت نفسه إليه فأي الخطرين أعظم البناء على تصديق من يعرف صدقه وصلاحه أو أن يموت وعليه ديون لا يرجى قضاها
أجاب رضي الله عنه لم يبطل الوقف من أصله والأجارة المذكورة لا يبطل بها حق البطن الثاني فإنها لو صحت تبق بعد موت المؤجر الموقوف عليه ولا ينبغي أن يعتمد قول الواقف المذكور فإنه قد ناقض إقراره من قبل وسعيه مع كونه متهما والأجارة المذكورة لا تصح فيما زاد على العقد الأول على الأصح في أمثال هذه الصورة وخطر بقاء الدين في ذمته
أقل من خطر الأجارة المذكورة لو صحت في ظاهر الحكم والله تعالى أعلم
326 - مسألة رجل رأى رجلا يفرق فلوسا في الجامع وهو يتجنب إعطاء الأغنياء ويعطي الفقراء فدفع منها شيئا إل شخص مشتبه الحال وهو في نفس الأمر غني فهل يجوز له التصرف لنفسه أو يجب عليه رده إلى الدافع أو يجوز له صرفه إلى فقير أو لا
أجاب رضي الله تعالى عنه أما من حيث الحكم ظاهرا فهو غير ممنوع من تصرفه فيه لنفسه ولا يوجب عليه رده إلى الدافع لأنه قد يدفع إلى غني ويكون مقصوده مراعاة من كان في المسجد غنيا كان أو فقيرا ظاهر القبض ثبوت المالك ومن مساطير المذهب المنتهضة أصلا بهذا لو دفع المالك الزكاة إلى من ظنه فقيرا فبان كونه غنيا ولم يكن قد ذكر عند الدافع إنها زكاة فليس له الإسترداد ولا يجب على الأخذ الرد نظرا إلى المعنى المذكور وأما في الباطن بينه وبين الله تعالى فإن قام في نفسه أن الدافع أراد الصدقة فيرد المأخوذ علىالدافع ولا يصرفه إلى فقير إلا إذا تعذر عليه الدافع وإن شك فالورع أن يسلك هذا السبيل والله تعالى أعلم
وما يحكى عن عمر رضي الله تعالى عنه في السائل صاحب المخلاة واعتمادا منه على القرينة وهو يبعث على الإحتراز من غير تملك هذا والله تعالى أعلم
ومن كتاب الفرائض
327 - مسألة رجل توفي وترك خالة وابن خال ولا عصبة ولا أحد يرثه إلا بيت المال فهل للخالة وابني الخال شيء أم لا
أجاب رضي الله عنه يصرف ميراثه إلى من يورثه المورثون لذوي الأرحام عند أكابر المتأخرين من المفتين الشافعيين وذلك مذهب أكثر العلماء والله أعلم
328 - مسألة مات رجل وخلف أختا لأب وأخا لأم لا غير
أجاب رضي الله عنه للأخت النصف وللأخ وللأم السدس ثم ينظر فإن كان ذلك في موضع تصرف فيه أموال بيت المال إلى غير وجهها فيرد الباقي على الأخ والأخت أن كانا من الفقراء أو غيرهم ممن يستحق مثل هذا القدر في بيت المال فيقسم المال كله على أربعة للأخت ثلاثة وللأخ سهم وإن لم يكونا بهذه الصفة فيصرف بعض ثقات ذلك المكان الباقي إلى بعض وجوه المصالح وإن كان هناك بيت مال على الوضع المشروع حمل إليه هذا فيه جمع بين الطرفين في أن يفتى بمثله في ذوي الأرحام وإن كان ذلك عند فساد بيت المال في حالة لا يتمكن أحد من ثقات المكان من صرفه إلى شيء من وجوه المصالح فلتقع الفتوى بالرد وبتوريث ذوي الأرحام وإن لم يكن هناك صفة يستحق بها في بيت المال جريا على ما استقرت عليه فتوى أكابر المتأخرين من الأئمة الشافعيين وحكى الفتوى به عن أكثر أصحابنا في مثل زماننا غير واحد من الأئمة منهم أبو المعالي ووالده الشيخ أبو محمد الجويني وأبو حكيم الخبري الفرضي وغيرهم
329 - مسألة ثم وقع زوج عمه وابنتا أخ لأب وأم فقيرات فنظر
فإذا مذاهب المورثين في ذلك مختلفة ورأيت بعد استخارة الله سبحانه وتعالى الفتوى بأن للزوج النصف والباقي بين الثلاث أثلاثا إلا أن تكون العمة للأم فحسب فيكون الباقي بين ابنتي الأخ وذلك أني وجدت العمة تترجح بأن أكثر أهل التنزيل نزلوها أبا وقالوا بتقديمها على ابنة الأخ التي هي منزلة بمنزلة الأخ عند أهل التنزيل أجمعين مع أن القول بالتنزيل به قاله أكثر من أفتى من أصحابنا بتوريث ذوي الأرحام ومع أنه مذهب أكثر من أفتى من أصحابنا بتوريث ذوي الأرحام ومع أنه مذهب أكثر المورثين من الصحابة ومن بعدهم ووجدت ابنة الأخ تترجح أيضا من جهة أن كل أهل القرابة
أبو حنيفة وأصحابه قالوا بتقديم بنت الأخ ووافقهم بعض أهل التنزيل ومنهم من ينزل العمة عما ومنهم الشعبي رووه عن علي رضي الله عنه فقدموا ابنة الأخ عليها كما يقدم الأخ على العم مع أن مذهب المقربين أخذ به من أصحابنا البغوي والمتولي في كتابيهما فرأيت أن أسقط أحدى الجهتين بالأخرى ووجدتهما متعادلتين فسويت بين الثلاث وهو مذهب بعض أهل التنزيل ومنهم منهم من نزل العمة بمنزلة الجد إذا لم تكن للأم فقط ومذهب من أفتى من أصحابنا بتوريث ذوي الأرحام على سبيل المصلحة لا على سبيل الإرث ومنهم الأستاذ أبو إسحق الإسفرائيني قال قريبا من هذا أنه على سبيل الطعمة لا على سبيل
الإرث يرد على هذا أنه ترك لكل واحد من المذهبين الأولين اللذين ذهب اليهما الأكثرون فرأيت والحال على ما وصفت الافتاء بالجمع والتسوية بينهما أقرب الوجوه وأعدل المذاهب وأرعاها للجهات فاستخرت الله تعالى في المصير إليه وهو سبحانه أعلم ووقعت ابنتا اخت وابن بنت فاجتهدت أياما وأفتيت على مذهب أهل التنزيل لابن البنت النصف ولابنتي الأخت النصف بينهما ورأيت الميل إلى التنزيل في الباب لأنه مذهب الأكثر وأقوى والله سبحانه وتعالى أعلم
330 - مسألة امرأة توفيت عن أب وزوج وابن وثلاث بنات ولها تركة من جملتها نصف جارية ونصفها الآخر ملك الابن فاعترف الابن واحدى البنات أن أمهم اعتقت نصيبها من الجارية في حال صحتها وهي حينئذ موسرة بقيمة النصف الأخير وأنكر باقي الورثة العتق فما الحكم في عتق الجارية
أجاب رضي الله عنه يعتق منها النصف الذي اختص بملكه الابن قضية لإقراره فإن الأصح حصول السراية بمجرد اللفظ من غير توقف على أداء القيمة ويعتق من النصف الذي كان للمتوفاة ما يخص الابن بطريق الإرث وما يخص البنت المقرة أيضا فجملة ما يعتق منها الثلثان ونصف سدس العشر ومقداره بالقراريط ستة عشر قيراطا وخمس قيراط ويجب للابن على البنت المقرة من قيمة النصفا الذي عتق بالسراية بحسب نسبة نصيبها من الميراث وهو العشر وسدس العشر سبعة أسهم من ستين سهما إلا أن يزيد مقدار ذلك على ما حصل لها من الميراث فلا يلزمها الزائد ومهما صار الباقي من الجارية على الرق لمن أقر بعتقها عتقعليه وكمل عتقها والله أعلم
331 - مسألة رجل توفي وخلف زوجة وابنا وبنتين ثم ماتت
إحداهما خلفت من خلف ثم ماتت الزوجة وخلفت أما وابنا آخر ومن خلفت ثم وهب أم الزوجة ما حصل لها للابن والبنت الذين للابن الأول على قدر ميراثهما فكيف القسمة وكم يحصل لكل واحد من الباقين رد الشيخ الموفق إمام الحنبليين فقال للابن الأخير قيراطا وسدس وثمن قيراط والباقي للآخر وأخته اثنان وعشرون قيراطا وثلث وربع وثمن وللابن خمسة عشر قيراطا وثمن وتسع ثمن ولأخته سبعة قراريط ونصف ثمن ونصف تسع ثمن والله أعلم
أجاب رضي الله عنه وقال الجواب صحيح فرضا وحسابا وهو مشروط بشرط صحة هبة أم الزوجة نصيبها للابن والبنت ولا يصح إذا كانت تجهل مقداره وهو ثلث قيراط وربع ونصف ثمن فلتعرف ذلك ثم لتهبه منهما على ما اختارت للذكر مثلان وللأنثى مثل والله أعلم
332 - مسألة رجل مات وخلف ولد عم الأب خنثى وابن عم لأب لأبيه وترك مملوكا والمملوك ابن ابن العم المذكور وهو موسر ثم اصطلحا على أن يكون المملوك المتروك بينهما فهل يعتق كله لأنه إن كان الوارث هو ابن العم فقد عتق عليه وإن لم يكن فقد تملك نصفه بالإصطلاح المذكور وهو موسر فسرى عليه ثم إذا اعتق كله فهل يغرم للخنثى شيء أولا من حيث يحتمل حصول عتق الكل عليه بالأرث فلم تشتغل ذمته بيقين هذا معنى ما كتبه واختصاره
أجاب رضي الله عنه يعتق كل المملوك المذكور على أبيه المذكور ثم يغرم الخنثى قيمة النصف فإنه ملك بالإصطلاح جزءا أما أنه يحتمل عدم ثبوته له نظرا إلى احتمال ثبوت الكل لابن العم بطريق الأرث على تقدير أنوثة الخنثى فلا وجود لواحد من هذين الاحتمالين فإنه لا يلزم من احتمال
كون الخنثى أنثى في نفس الأمر أن يكون ابن عم الأب هو الوارث الكل حينئذ في نفس الأمر فان اقتران الإشكال ظاهر بذلك منع من التوريث بنسبة ذلك فإن الإشكال معدود في موانع الإرث النافية له مع قيام عين السبب ووجود نفس السبب وإنما الإصطلاح هو السبب الذي أفاد بها ثبوت الملك وهو أمر محقق موجبه تخصيص كل واحد منهما بالنصف الذي صار إليه ونفيه عن صاحبه الآخر وهذا كذلك في نفس الأمر وظاهرا وباطنا هذا ما ظهر في ذلك والعلم عند الله تعالى
333 - مسألة رجل توفي وخلف زوجة وابنين وبنتا منها للزوجة الثمن ثلاثة قراريط والباقي على خمسة للبنت أربع قراريط وخمس قيراط ولكل واحد من الابنين ثمانية قراريط وخمسا قيراط مات أحدهما عنهما وخلف أما وأخا لأبويه فللأم السدس وهو قيراط وخمسا صار لها أربعة قراريط وخمسا قيراط والباقي وهو سبعة قراريط بين الأخ والأخت للابن أربعة قراريط وثلثا قيراط فصار له ثلاثة عشر قيراطا وثلث خمس قيراط والله أعلم ومن كتاب الوصية
334 - مسألة رجل أوصى له بتسعين درهما فصالحه من هو وصي على التركة على خمسين درهما ثم عزل نفسه فأراد استرجاع الخمسين وزعم أنها كانت من ماله فهل له ذلك وهل للموصي له المطالبة بالتسعين أم لا
أجاب رضي الله عنه شرحا لما كتب إن لم يكن قد قبل الوصية في
الأربعين التي تركها ورد الوصية فيها فالذي جرى نافذ صحيح وليس للوصي الاسترجاع ولا للموصي له المطالبة بتمام التسعين وإن كان قد قبل الوصية بكمالها في جملة التسعين ثم صالحه على الخمسين فهذا صلح حطيطه وابراء عن دين لأن هذه الدراهم قد صارت دينا في التركة ثابتا لأنها دراهم مطلقة غير معينة وهذا حقيقة الدين وإذا كان كذلك فينظر فإن قال أدفع إليك الخمسين بشرط أن تسقط الأربعين أو أتى بغير هذا اللفظ من الألفاظ التي تقتضي جعل الأسقاط معلقا على الدفع بأن يقول اسقطت بشرط أن تدفع الآن خمسين درهما فلا تسقط الأربعون عند هذا وله المطالبة بها ووقعت الخمسون موقعها لأنه يستحقها وإن لم يجعل أحدهما شرطا في الآخر بأن يقول إدفع إلى الخمسين وأنا أسقط الباقي أو ما أشبهه نقدا فهذا صحيح وليس للموصي له المطالبة بالأربعين وهو منزل منزلة إسقاط الدين بعد ثبوته ولا يخرج على الخلاف فيما لو رد الوصية بعد القبول فإن هذا ليس برد لها بل إسقاط يتضمن الثبوت ينافيه الرد هكذا لو جرى ذلك بلفظ المصالحة فينزل على المحمل الثاني ترجيحا لمحمل الصحة هذا هو الأظهر
وأما استرجاع الوصي ما سلم فليس له ذلك لأنه إن كان ما صالح به من التركة فقد سبق بيان أن الخمسين واقعة موقعها على التقارير كلها وإن كان من كسبه فهو صلح من الوصي عن دين ثابت في التركة وصلح الأجنبي عن دين غيره نافذ في الظاهر وأما في الباطن فإن كان بطريق الوكالة أو على سبيل قضاء دين الغير فهو صحيح في الباطن أيضا وإن قصد المعاوضة فهو بيع الدين من غير من عليه ولو صح على أحد الوجهين لم يصح ها هنا لانتفاء البقبض فإنه لا يصح قبضه من نفسه لنفسه فيكون الصلح على هذا التقدير فاسدا لكن لا تسمع منه دعوى فساد التصرف في مثل هذا بعد مباشرته له لا سيما وهو ها هنا دعوى عقد معاوضة والأصل عدمه والله أعلم
335 - مسألة رجل أوصى لزيد مدة حياته بمنافع معلومة من عقار عينه ثم لنسل زيد وعقبه بعد موته فمات وترك زوجة وأولادا فهل تستحق الزوجة شيئا وهل يستحق أولاد الأولاد مع آبائهم أم لا
أجاب رضي الله عنه لا تستحق الزوجة شيئا ويستحق أولاد الأولاد مع أصولهم فيستوي فيها الذكور والإناث وأولاد البنين والبنات قربوا أو بعدوا لتساويهم في الاندراج في كلمتي النسل والعقب وتندرج كذلك أيضا فمتى ظهر لأحدهم حمل وقف نصيبه حتى ينفصل حيا فيستحق النصيب من حين يثبت وجوده وصححنا هذه الوصية مع غرابة وضعها واشتمالها على قصر التمليك فيها على موصى له دون جريان التوريث من الموصى له في الموصى به واشتمالها أيضا على انتسابه للموصى له الوصية للنسل حين لا ومصي وبعد موت الموصي بحين ثم لم يفسدها بواحد من الأمرين
أما الأول فيكون الموصى به منافع يتجدد شيئا فشيئا فهي كأعيان متعددة أوصى ببعضها لمن سمي أولا وببعضها لنسله ليس فيه أنه أوصى له بشيء وأوصى بذلك الشيء بعينه لنسله حتى يكون توقيتا للملك في الموصى به وقصرا له على زمان حياته كما في العمرة الفاسدة
وأما الثاني فلأن هذه الوصية كالايصاء الشائع فيه أن يوصى إلى زيد حياته وبعده إلى عمرو والله أعلم
ثم وجدت بعد الافتاء بهذا عن ابن الحداد في فروعه من غير أن أرى له مخالفا في الصحة أنه لو أوصى له بدينار كل شهر من غلة من داره أو كسب عبده ثم بعده للفقراء صح
336 - مسألة رجل توفي وخلف ابنين صغيرين وزوجة هي أمهما
وذلك في بلد يخاف على مالهما من القاضي ومن تولى على الأيتام إن عرفوا به فهل يجوز لأمهما أن تدفع مالهما إلى أخ لها من أهل الخير والصلاح يتصرف فيه ويتجر لهما كيلا تأكله النفقة مع أنه لا وصية عليهما لواحد منهما ولا لغيرهما ولا أحد لهما
أجاب رضي الله عنه يجوز ذلك للأخ الموصوف والحالة هذه ضرورة لفقدان الحاكم الأهل وعدم من له الولاية شرعا وإذا ضاق الأمر اتسع
ومن نظائر ذلك ما ذكره غير واحد من أصحابنا من أن وقوف المساجد في القرى يصرفها صلحا أهل القرية في عمارة المسجد ومصالحه لعدم من إليه النظر
وينبغي إذا كانت الأم أهلا غير فاسقة أن تأذن لأخيها في ذلك ليحصل به العمل أيضا يقول الإصطخري أنها لها ولاية والله أعلم
337 - مسألة شخص أوصى بخمس مائة دينار لأن يستفك بها أسرى فهل يجوز أن يصرف شيء منها في الإعانة في فك أسير حتى يكون الفك به وبغيره
أجاب رضي الله عنه نعم يجوز ذلك سواء أمكن الصرف في فك جمع أسرى أو لم يكن لأن المفهوم من قولنا أنه فك به أنه اتخذه آلة في الفك وذلك موجود فيما إذا استقل بالفك وفيما إذا كان مع غيره
وقد ورد بعض الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال علمني عملا يدخلني الجنة فقال إن كنت قصرت الخطبة لقد أعرضت
المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة فقال أو ليستا بواحدة قال لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها نعم إن اقترن بذلك منه قرينة تدل على أنه أراد الحصر في فك ما هو جميع فلا يجوز حينئذ إلا ذلك والله أعلم
ولعلنا نجد المسألة مسطورة لأصحابنا
338 - مسألة رجل أوصى على أولاد له ثلاثة صغار وأقرانه لا وارث له سواهم وسوى زوجته وأثبت الوصي ذلك عند الحاكم فطالب بإثبات عدة الورثة بالبينة
أجاب رضي الله عنه لا يحتاج إلى ذلك ويكفي إقرار الميت بأنه لا وارث له سواهم فإنه كما يعتمد إقراره في أصل الإرث يعتمد في الحصر فإنه من قبيل الوصل له هذا هو الظاهر والله أعلم وفي فتاوى القاضي حسين في الإقرار مسألة في هذا الجنس غير هذه وربما دلت بعض الدلالة والله أعلم
339 - مسألة هل يجوز للوصي عزل نفسه بعد موت الموصي
أجاب رضي الله عنه يجوز إلا أن يلزم من عزله نفسه ضياع ما أوصى إليه فيه فلا يجوز حينئذ هذا الاستفتاء
استدراك حسن لا بد منه فإن الالتقاط والاستيداع يجبان في مثل هذه الحالة ولا فرق والله أعلم
340 - مسألة رجل كان له على رجل دين فقال لصاحب الدين متى أنا مت فأنت في حل وقد مات صاحب الدين وعليه دين لناس آخرين أكثر مما خلف فهل تبرأ ذمة المديون الذي في الحياة
أجاب رضي الله عنه لا تبرأ ذمتة بمجرد ذلك ويتوقف ذلك على رضى أصحاب الديون وإذا فصل دينه عن الديون التي على صاحب الدين اعتبر ذلك من الثلث والله أعلم
341 - مسألة رجل أوصى أن يوقف من ماله كيت وكيت أو كذا وكذا على القراء بموضع كذا ولم يذكر جهة أخرى بعد ذلك يتم بها الاتصال فهل تصح هذه الوصية بشرطها ويوقف ذلك على الجهة المعينة ويجعل لها مال متصل
أجاب رضي الله عنه نعم تصح ويفعل ذلك كذلك فإن الوقف المنقطع الانتهاء إن فسد ما صححه صاحب الوسيط فهذا الإيصاء مطلق ومن شأن ما يؤذن فيه أن يوصى به على الاطلاق إن يحمل على الصحيح منه دون الفاسد على ما تقرر وعرف فينزل هذا منزلة ما لو قال له قف على هذه الجهة وقفا صحيحا ولو قال كذلك لتغير القول بصحته وإيجاب إنشاء الوقف على هذه الجهة وعلى جهة أو على جهات بعينها مالا متصلا ولم يبال بعدم تنصيصه على جهة فإنه لو أوصى إليه وقال له قف
على جهة من جهات البر على ما ترى لصح ذلك ولتخير الوصي في الجهات ولكن مع تقييده بما هو الأصلح للواقف والأصلح له ها هنا أهم جهات الخير فلم يكن عدم التعيين مفسدا للوصية فكذلك في هذه الواقعة وإن كان الوقف المنقطع الانتهاء صحيحا على ما صححه القاضي أبو حامد وأبو الطيب الطبري والروياني فقد برح الخفاء وما عليه بأس من إهمال المال ولكن الأولى على هذا القول أيضا أن ينص عند الوقف على المال الذي يعينه مصحح هذا الوقف ولهم فيه خلاف وأهم جهات الخير من أحسن ما قيل في ذلك والله أعلم
342 - مسألة مريض أنفق جميع ماله على الفقراء والجيران والأصدقاء ولم يبق للورثة شيئا أو لبيت المال ولم يكن له وارث معين فهل يأثم بهذا فيما بينه وبين الله تعالى
أجاب رضي الله عنه لا يجوز ذلك فيما زاد على الثلث إذا كان في مرض مخوف وكان له ورثة معينون فإن كان وارثه بيت المال فينبغي أن لا يصرف ذلك إلا في مصارف بيت المال ويجوز ذلك والحالة هذه في جميع ماله والله أعلم
343 - مسألة رجل وصي على يتيمين عمرهما دون سبع سنين والصغيران محتاجان إلى من يقوم بخدمتهما لمصلحتهما فأبى الولي أن يشتري لهما جارية من مالهما فهل يجبر الولي على شراء جارية من مالهما لقيام المصلحة المتعلقة بذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه يلزمه ذلك إذا لم تندفع حاجتهما بأسهل من ذلك
344 - مسألة رجل مات وقد وجب عليه حجة الإسلام وخلف تركة فتبرع الورثة واستأجروا أجيرا ليحج حجة الإسلام عن مورثهم الميت ولم يوص الميت بإخراج ذلك ولا بتحصيل الحج عنه أصلا ثم بعد صحة عقد الأجارة أراد الورثة أن يقبلوا الأخير المستأجر على تحصيل ماعين واتفقوا على الإقالة هل تصح الإقالة في هذا العقد أم لا
أجاب رضي الله عنه لا تصح هذه الإقالة فان المعقود عليه واقع للميت فلا يملكون إبطال ما ثبت له من الحق له فيه بإقالتهم المذكورة والله أعلم
345 - مسألة امرأة أحضرت عندها شهودا وأشهدتهم عليها أن مكانا معينا من ملكها يباع ويصرف الثمن في حجة وفكاك أسير فهل يخرج الثمن مناصفة بين الأسير والحجة أو يستأجر حجة ميقاتية ويصرف الباقي في فكاك أسير فإن الثمن ما يقوم بنصفه بفكاك أسير وإذا أخرج حجة ميقاتية كفى الجميع
والمكان الموصى به مشاع فإذا قسم كان ثمن أكثر مما يكون وهو على الإشاعة فهل يجوز للحاكم قسمته لهذه الغبطة
أجاب رضي الله عنه بل يحمل مطلق ذلك على المناصفة وإذا لم يف النصف بفكاك أسير صرف في بعض الفكاك بمشاركة آخر وللناظر في الوصية من حاكم أو وصي المقاسمة المذكورة بشروطها
346 - مسألة إذا أوصى بمقدار يحج به عنه وهو أكثر من أجرة
المثل ظهر لي أن الأصح نفوذه وإن لم يعين الذي يحج إذا كان يخرج من الثلث لأنه إذا نفذ المشتري بأكثر من ثمن المثل في مرض الموت وجعلت المحاباة وصية فكذا ها هنا يجعل ذلك منه وصية بالمحاباة والله أعلم وهي كالصدقة والهبة في هذا الباب فسواء عين محلها أو لم يعين كالصدقة والله أعلم
ووجدت بعد فتواي أي ذلك عن القفال حكاية وجهين فيما إذا لم يعين أحدهما ما ذكرته والآخر يحج بأجرة المثل والزيادة للوارث
347 - مسألة رجل أوصى أن يتصدق عنه بعد موته كل شهر من ثلث أجور أملاكه بدينار فهل تصح هذه الوصية أم لا وهل يصح بيع الورثة للأملاك وهل يبقى الملك على ذلك الميت حتى تكون الصدقة منه وهل إذا صرف الوصي الدينار وهو يزيد على ثلث الأجور يكون ضامنا أم لا
أجاب رضي الله عنه تصح الوصية بذلك إذا خرج من ثلث ما للموصي وإن لم يحتمل الثلث جميعه ولم تجزه الورثة ففي مقدار ما يحمله وطريق اعتباره من الثلث أن تقوم الأملاك المذكورة مسلوبا من أجورها هذا الدينار المذكور وتقوم سالمة عن ذلك وينظر في التفاوت الحاصل بين القيمتين هل يخرج من الثلث أم لا على ما تقدم ذكره وبيع الورثة للأملاك صحيح وتبقى الوصية حالها ويبقى الملك على الميت فيما أوصى به حكما كما في الوصايا والصارف للزايد على ثلث الأجور ضامن له والله أعلم
شرح في فروع ابن الحداد وشرحه للسنجي والقاضي
حسين أنه إذا أوصى بدينار كل شهر من غلة داره فهل للورثة بيع شيء منها لأنها قد لا تغل غير دينار وهذه المسألة بخلافها لانحصار الدينار في الثلث فقصاراه ان يكون كما لو أوصى بثلث أجورها وفي ذلك لا إشكال في صحة بيع الثلثين مشاعا وأما بيع الثلث الآخر فمقتضى الممكن عن الفروع أنه لا يجوز بيعه وقد قيل أن ذلك مصور فيما إذا أرادوا بيعه على أن تكون الغلة للمشتري فأما بيع مجرد الرقبة فعلى الخلاف في بيع الموصى بمنفعته
قال رضي الله عنه ويكون الأصح ها هنا صحة البيع لأن هذا غير مسلوب المنفعة جزما لأنه قد يستوعب هذا القدر الموصى به جميع الغلة وقد لا يستوعب والله أعلم
348 - مسألة رجل أوصى أن يصرف من مغل أملاكه في كل سنة إلى أقوام عينهم ثلاث غرائر حنطة وخلف من الورثة بنتين وأخا وجعل له وصبيا أوصى إليه في قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه فباع الأخ جميع ما ورثه من الموصي واشترى الوصي بعض الملك من الأخ وكان الأخ قد وقف حصة يسيرة من الملك يفي مغلها بقدر يسير من الحنطة الموصى بها فهل يكون الوقف عوضا عنها أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يكون ذلك عوضا عنها وإذا كانت الوصية خارجة من ثلث ماله أو زائدة عليه وردت الورثة ما زاد فإنه يقسم التركة ويسلم ثلثاها إلى الورثة والثلث يرصد للوصية ثم يصرف من مغله قدر الوصية كل سنة إلى الموصى لهم والفاضل يكون للورثة
ثم يصح تصرف الورثة في الثلثين ولا يصح بيعهم الثلث المرصد
للوصية ولا لشيء منه مع دخول مغل المبيع في البيع فإنه قد لا يفي المتبقى من الثلث بمقدار الوصية في كل سنة ولا يبقى بها إلا مغل جميع الثلث ولا يصح تصرف أحد من الورثة بالبيع ونحوه في شيء من التركة قبل إقرار الثلث لجهة الوصية بالقسمة والعلم عند الله تعالى
349 - مسألة رجل أوصى إلى شخص على ولده فلان ولم يجعل عليه في ذلك ناظرا ولا مشرفا ثم بعد ذلك أوصى إلى شخص آخر على ولده هذا وعلى ولد آخر له وذكر في الوصية ولم يجعل عليه في ذلك ناظرا ولا مشرفا أيضا ولم يذكر عزل الوصي الأول وترك عند رجل مالا وقال له إذا أنا مت فادفع المال إلى فلان يعني عن الوصي الأول فهو لولدي فلان الذي أوصى إليه أولا فهل ينعزل الأول أم يبقى على حاله وللوصي الثاني مشاركته في الوصية أم كيف الحكم في ذلك
أجاب رضي الله عنه لا ينعزل الأول بمجرد ما ذكر ويكون الثاني مشاركا للأول في الإيصاء على الولد المذكور يجتمعان في التصرف ولا ينفرد أحدهما إلا في قبض الدراهم المذكورة فإنه يختص بقبضها الثاني إذا كان قد قال ذلك بعد إيصائه الى الثاني ثم يشتركان في سائر التصرفات فيها هذا هو الظاهر في ذلك فان لفظتي الناظر والمشرف ليستا من حيث العرف ظاهرتين في أحد الشريكين في الوصية التشريك هو مقتضى إطلاق الوصية إلى شخصين على التعاقب فلا يترك ذلك بمثل اللفظ المذكور
ثم قال رضي الله عنه لنا بعد ذلك وعلى هذا المختار في أنه لو أوصى إلى زيد ثم أوصى الى عمرو ولم يذكر عزل الأول فهما يشتركان في الإيصاء ولا ينفرد أحدهما عن الآخر بالتصرف وبهذا قطع صاحب
التتمة وأما صاحب التهذيب فإنه قطع بأن لكل واحد منهما الانفراد بالتصرف والأول أحوط وأولى والله أعلم
350 - مسألة رجل ظلمة الناس في ماله فواحد يحبسه وواحد سرقه وواحد ينكره وواحد ينكره وواحد عجز عن رده وواحد أخذه بغير حق فإذا مات هذا المظلوم في ماله هل له أن يطلب حقه في الآخرة أم يبقى الحق لوارثه
أجاب رضي الله عنه الأظهر أن للمظلوم المطالبة في الآخرة فأما الوارث فهو خليفته في حقوقه كما قيل إن الوراثة خلافة فإذا لم يستوف الوارث الحق بقي للموروث وهذا كالقصاص فإن الوارث يرثه ومع ذلك ورد في الحديث إن القتيل يطالب قاتله في الآخرة
351 - مسألة في وصي اعترف أنه جبا شيئا عينه من مال من هو وصي عليهم ثم أنه قسم عليهم بعد رشدهم ثم وقع النزاع بينه وبينهم في ذلك القدر المجبو فقال ضممته إلى المال وقسمته بينكم أو قالوا لما قسمت بيننا لم تقسم ذلك القدر علينا فهل يصدق عليهم من غير بينة
أجاب رضي الله عنه بعد نزاع جرى فيه أنه لا يصدق في ذلك بغير بينة فإن قوله قسمته بينكم أدعا منه لدفعه إليهم ولا يقبل قوله في ذلك
إلا ببينة وهذا مستمر على ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه ومنصوصه في أن الوصي لا يقبل قوله في دفع المال إلى الوارث إلا ببينة ومندرج تحت القاعدة المحفوظة المقررة في أن من آدعى الرد على غير من ائتمنه لا يصدق من غير بينة ثم أنه يكفي الوصي فيما يقيمه من البينة أن يقيم بينة على قسمته ما لا هو بقدر المال المجبو وعلى صفته ولا يقبل عليه قول الورثة إن ذلك مال لنا آخر ما لم يقيموا حجة توجب ما ادعوه فإن قال المعترض دعواهم على خلاف ظاهر الحال فإن القسمة التي جرت كانت لإيصالهم الى كمال حقهم فعدم نزاعهم حالة القسمة ورضاهم بها دليل على اندراج القدر المجبو في جملة المقسوم بينهم فلا يقبل دعواهم على خلاف ذلك
وأصله ما إذا كان لإنسان على إنسان عشرة أقفزة من صبر فحضر ليقبض منه حقه ثم ادعى بعد القبض والتفرق أنه لم يقبض كمال حقه فانه لا يقبل قوله
قلت هذا إنما يتجه لو كانت القسمة المذكورة القسمة المنشأة لتوزيع جميع ما لهم عليهم وليس في السؤال ما يظهر منه ذلك عند من يميز مواقع للأمر كذلك لكان أيضا القول قول الورثة مع إيمانهم وأما المسألة المستدل بها ممنوعة فالقول فيها أيضا قول القابض على قول لأن الأصل عدم القبض وهذا القول هو الصحيح عند بعض أئمتنا وإن قلنا بالقول الآخر هناك فلا يجيء ذلك القول فيما نحن فيه فإن دعوى القابض هناك وقعت على خلاف الظاهر من حيث أنه يعرف مقدار حقه وحضر ليقبض كمال حقه فالظاهر أنه لا يغادر شيئا منه وهذا غير موجود في الورثة المذكورين الذين لا يدرون كم بقي من مالهم بعدما سبق من المتولي عليهم من الإنفاقات والتصرفات وإن أمكن ذلك فليس بالظاهر من حالهم
فان قال أليس إذا ادعى أحد الشريكين بعد القسمة بقاء شيء من حقه
بسبب الغلط فإنه لا يقبل منه لا يجاب قائل هذا بأكثر من أن نشرح له تلك المسألة بتفاصيلها وعللها حتى يعرف أن ذلك في وادي وهذا في وادي والله أعلم
352 - مسألة في وصي اعترف أنه خبأ شيئا عينه من مال هو وصي عليه ثم إنه قسم عليهم بعد رشدهم ثم وقع النزاع بينه وبينهم في ذلك القدر المخبوء فقال ضممته إلى المال وقسمته بينكم وقالوا لما قسمت بيننا المال لم يقسم ذلك القدر علينا فهل يصدق عليهم من غير بينه
أجاب رضي الله عنه بعد نزاع جرى فيه أنه لا يصدق في ذلك بغير بينة فإن قوله قسمته بينكم ادعاء منه لدفعه إليهم ولا يقبل قوله في ذلك إلا ببينة وهذا مستمر على ظاهر مذهب الشافعي رحمه الله ومنصوصه في أن الوصي لا يقبل قوله في دفع المال إلى الوارث إلا ببينة ويندرج تحت القاعدة المحفوظة المقررة في أن من ادعى الرد على غير من ائتمنه فلا يصدق من غير بينة ثم أنه يكفي الوصي فيما يقيمه من البينة أن يقيم بينة على قسمته مالا هو بقدر ذلك المال المخبوء وعلى صفته ولا يقبل عليه وقول الورثة أن ذلك ما لنا آخر ما لم يقيموا حجة توجب ما ادعوه فإن قال المعترض دعواتهم على خلاف ظاهر الحال فإن القسمة التي جرت كانت لإيصالهم إلى كمال حقهم فعدم نزاعهم حالة القسمة ورضاهم
بها دليل على اندراجه القدر المخبوء في جملة المقسوم بينهم فلا تقبل دعواهم على خلاف ذلك وأصله ما إذا كان لإنسان على إنسان عشرة أنقذه من صرة فحضره ليقبض منه حقه ثم أدعى بعد القبض والتفرق أنه لم يبقض كمال حقه فإنه لا يقبل قوله
قلت هذا إنما يتجه لو كانت القسمة المذكورة القسمة المنشأة لتوزيع جميع مالهم عليهم وليس في السؤال ما يظهر منه ذلك عند من يميز مواقع الألفاظ ولو قدرنا أن الأمر كذلك لكان أيضا القول قول الورثة مع إيمانهم
وأما المسألة المستدل بها والقول فيها أيضا قول القابض على أن الأصل عدم القبض وهذا القول هو الصحيح عند بعض أئمتنا وإن قلنا أن القول الآخر هناك فلا يجيء ذلك القول فيما نحن فيه فإن دعوى القابض هناك وقعت على خلاف الظاهر من حيث أنه يعرف مقدار حقه وحضر ليقبض كمال حقه فالظاهر أنه لا يغادر شيئا منه وهذا غير موجود في الورثة المذكورين الذين لا يدرون كم بقي مما لهم يعد ما سبق من المتولي عليهم من الانفاقات والتصرفات وإن أمكن ذلك فليس بالظاهر من حالهم فإن قال أليس إذا ادعى أحد الشريكين بعد القسمة بقي شيء من حقه سبب الغلط فإنه لا يقبل منه فالإيجاب قائل هذا بأكثر من أن يشرح له تلك المسألة بتفاصيلها وعللها حتى يعرف أن ذلك في واد وهذا في واد والله أعلم
353 - مسألة امرأة سلمت إلى امرأة ألف دينار وقالت لها إن مت من مرضي هذا فأوصليها إلى زوجي وإن لم أمت منه فرديها إلي
أجاب رضي الله عنه قولها فأوصليها إلى زوجي على تجرده وليس بشيء يثبت به حكم ولا يجعل إقرارا ولا وصية له ولا إليه فإنه كناية
مترددة فإن كان هناك قرينة تقتضي أنها أرادت الوصية له بها فلا تنفذ من غير أجازة باقي الورثة أظن أن في كتاب الفرائض من النهاية والعدة نظيرا لهذا والله أعلم -
ومن كتاب النكاح
ما ذكره في الخلاصة من أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من خصائصه جواز نكاح المعتدة في عدتها وهذا مثل غلط وقع فيه صاحب المختصر وهو مختصر الجويني ومنشأه من تصحيف لكلام أتى به المزني رحمه الله354 - مسألة إذا كان الولي فاسقا فهل ينعقد به النكاح أم لا
أجاب رضي الله عنه يلتحق عند بعض أصحابنا بالمستور من غير توقف على إصلاح العمل في المدة المعلومة ولا بأس بالعمل بهذا والمستور يلي التزويج ولا يخرج على الخلاف في الفاسق
355 - مسألة ولي المرأة إذا كان ظاهر العدالة هل يجب على القاضي البحث عن عدالته ورشده في تزويجه موليته أم يجري الحاكم على ظاهر عدالته وما الوجه الصحيح من الخلاف في ظاهر العدالة
أجاب رضي الله عنه ليس عليه ذلك والصحيح إن المستور الظاهر العدالة يلي ويصح تزويجه بشرط والله أعلم
356 - مسألة في الولي إذا كان أبا أو جدا أو غيرهما وهو تارك للصلاة غير عالم بواجباتها هل يجوز أن يباشر عقد نكاح موليته أم لا وهل تنتقل الولاية منه الى الحاكم والحالة هذه
أجاب رضي الله عنه الصحيح في طريقة العراق أنه إن وكل فاسقا لا يلي وفي طريقة خراسان أنه يلي واستفتى الغزالي في ذلك فاختار أنه يلي إن كان بحيث لو سلبناه الولاية لانتقلت إلى الحاكم الذي يرتكب ما يفسقه ولا يلي إن كانت الولاية تنتقل إلى الحاكم الآهل المصون عن المفسقات وهذا رأي حسن والله أعلم
357 - مسألة الخلاف المذكور في ظاهر العدالة هل يجوز للحاكم أن يعقد النكاح بشهادتهما
أجاب رضي الله عنه لا يجوز له ذلك وإنما الخلاف المذكور في غير الحاكم والله أعلم
358 - مسألة رجل تزوج بامرأة بكر عاقلة ولها معه دون السنة ولم يطأها وأن أهلها طلبوا أن يطلقوها منه لذلك والرجل لم يشته أن يطلقها فهل يصح لأهلها أن يطلقوها منه بغير اختياره بناء على كونه عنينا أم لا
أجاب رضي الله عنه ليس ذلك لأهلها استقلالا وإنما ذلك إليها إذا ثبت كونه عنينا بإقراره أو يمينها بعد نكوله والتعنين أن يكون في عضوه مرض دائم قد اسقط قوة انتشاره ثم لا يثبت لها الفسخ بعد ثبوت التعنين حتى يضرب الحاكم له أجل سنة فإذا مضت ولم يطأها فلما الفسخ بحكم الحاكم والله أعلم
359 - مسألة رجل قال لرجل زوجتك بنتي عائشة على مائة دينار مصرية صداقها عليك فقال قبلت هذا النكاح على هذا الصداق وظهرت هذه المسماة بنت ابن المزوج وهو جدها لأبيها هل يصح النكاح أم لا وهل من فرق بين حضور المرأة ولإشارة إليها أو من فرق بين أن لا
يكون للمزوج بنت لصلبه اسمها عائشة أو يكون
أجاب رضي الله عنه أن عيناها بالإشارة ونحوها صح العقد فيها وكذلك إذا عيناها بالنية على المذهب الأشهر وإن لم يوجد ذلك فقوله بنتي جائز إطلاقه على بنت الابن وإذا لم يكن له لصلبه وغير صلبه بنت اسمها عائشة غير هذه صح النكاح فيها وإلا فلا والله أعلم
360 - مسألة رجلان حضرا عقد نكاح بين ولي وزوج ولم يشهدا بعد انعقاد العقد على إقرارها بشيء أصلا وهل لهما أو لاحدهما أن يشهد على إقرار الولي بالتزويج وعلى إقرار الزوج بالقبول وإن شهدا بذلك هل تسمع شهادتهما على الإقرار مع أنهما حصرا مجلس العقد فقط
أجاب رضي الله عنه ليس لواحد منهما أن يشهد بمجرد ذلك بإقرارهما بذلك وإن شهدا بالإقرار مضيفين ذلك إلى ما سمعناه من إنشاء العقد على مجردة ردت شهادتهما تلك وكان لهما أن يعيدا الشهادة بنفس العقد ويسمع ذلك إذا لم يتعمد الكذب في شهادتهما الأولى
361 - مسألة رجل تزوج بامرأة على مبلغ من الفلوس بتبرير في الذمة فانعدم النحاس فهل لهما الرجوع في قيمة الفلوس بقيمة البلد الذي عقد النكاح فيه أم بقيمة البلد الذي يستحق المطالبة عليه شرعا أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يرجع إلى قيمتها أصلا كما لا يرجع إلى قيمة المسلم فيه عند تعذره وإنما يثبت لها الرجوع إلى مهل المثل بالفسخ أو الانفساخ والله أعلم
362 - مسألة رجل زوج ابنه وكان مراهقا من امرأة فقال وليها لأبي
الزوج هذا ابنك فقير وهذا الصداق ألف درهم من أين يؤخذ هذا المبلغ فقال أبو الزوج عندي عندي عندي ما زاد على هذا اللفظ شيئا ثم توفي الزوج وله مال يقوم ببعض الصداق فهل يلزم أب الزوج الصداق والحالة هذه وهل هذا اللفظ مؤذن بالكفالة أم لا وإن كان الزوج دون البلوغ أو بالغا فما الحكم في ذلك وأين يجب الصداق وعلى من يجب
وإنما رجل عليه حجة ثابتة بمبلغ معلوم من الدراهم بعضها في الذمة وبعضها قراض ثم توفي ووجد في تركته مال ولم يثبت أنه عين مال المضاربة فهل يقدم لبقاء مال المضاربة الذي في الذمة أو يقسم بينهما على قدر المالية
أجاب رضي الله عنه لا يلزم الأب ذلك لمجرد ذلك فإنه يحتمل للوعد والكفالة والصداق واجب في ذمة الزوج ولا يجعل الأب ضامنا له بتزويجه والله أعلم
والمتوفى المذكور إذا ثبت أنه كان في يده رأس مال لنفسه يجوز أن يكون التركة منه ومال المضاربة يجوز أن تكون التركة منه لكونه من حسن ما أذن له في التجارة فيه ولم يقم بينة مانعة من أحد الجائزين المذكورين فالظاهر أن التركة تقسم بينهما على قدر رأس المال وإن لم يثبت اشتمال يده على مالها والله أعلم
363 - مسألة رجل تزوج بامرأة بكر ولم يدخل بها فامتنعت من تسليم نفسها لبقية من الصداق بقيت لها وحكم عليها الحاكم بالنفقة فهل له أن يسكنها في غير بيت أبيها حيث يرى
أجاب رضي الله عنه له أن يسكنها في أين أراد في مسكن يليق بمثلها وجواز امتناعها من تسليم نفسها والحالة هذه لا يسقط عنها ما للزوج من حق جنس المسكن وفي إيجاب نفقتها عليه ما يوضح ذلك فإنه يستلزم تفويض الخبرة في السكنى إليه في النفقة والسكنى متبعا فيها اختيار الزوج فيما يشاء من المساكن اللائقة هذا هو الذي يظهر في ذلك والله أعلم
364 - مسألة امرأة وهبت زوجها من صداقها بشرط أن يكرمها ولا يتزوج عليها فهل تصح هذه الهبة والإبراء
أجاب رضي الله عنه لا تصح فإنه إن قلنا الإبراء تمليك أو هو بلفظ الهبة تمليك فهذا تمليك بعوض مجهول لأن ثمنه الشرط المذكور ولا يصح اشتراطه فيسقط وما يقابله مجهول فيثبت بجهالته الجهالة في جملة العوض فيبطل وإن قلنا الإبراء إسقاط فهذا إسقاط بعوض فاسد وبدل ما أسقطته ها هنا هو مثله لأنه من المثليات ولا فائدة مقصودة في إسقاط الدين إلى مثله فيلغوا إلإسقاط من أصله وقد ألم صاحب التتمة بمثل هذا في مسألة أخرى
365 - مسألة امرأة قبضت مقدم صداقها وأعسر الزوج بالباقي وأرادت الفسخ بذلك قبل الدخول
أجاب رضي الله عنه ليس لها ذلك وأشكل ذلك على القاضي فبعث من يستنكر ذلك ويطلب مسطورا به فقلت هذا من الجليات التي لا تحوج إلى مسطور فإنها لو فسخت والحالة هذه لكان الفسخ واردا على البضع أجمع وجميع المعوض مع أنها أقبضت عوض بعضه ولا سبيل إلى الفسخ فيما قبض عوضه بهذا الطريق وبهذا يخالف مثله في
الفسخ بالفلس فإن الفسخ هناك يختص بما يقابل من المبيع القدر الذي تعذر من الثمن ولا يفسخ فيما يقابل منه المقبوض والله أعلم
366 - مسألة رجل رشيد تزوج امرأة على دنانير معلومة في الذمة ثم عوضها أبواه ملكا وأعيانا عقيب العقد عن المهر المذكور من غير أن يسبق ذلك تمليك منها للزوج في العوض المذكور فهل يصح هذا التعويض
أجاب رضي الله عنه وقال الذي ظهر بعد النظر أنه يصح هذا التعويض ويقدر ضمنه في انتقال الملك منهما إلى الزوج ثم منه إلى الزوجة هذا كما إذا قضى عن الغير دينا عليه دنانير ودراهم بدنانير معينة سلمها إلى صاحب الدين فإنه يصح ذلك وإن لم يسبق تمليك في عين تلك الدنانبر التي أداها ويقدر انتقال الملك فيها منه إلى المديون ثم منه إلى صاحب الدين ولا أثر لافتراقهما في كون ذلك متجانسا وهذا غير متجانس فإن العين غير الدين وقد سوينا فيما إذا كان قضاء صادرا من المديون نفسه بين العين المتجانسة والعين غير المتجانسة هكذا يستوي بينهما هكذا كله تفريقا على المختار في جواز الاستبدال عن الثمن قبل القبض والله أعلم
أملاه علي مبسوطا بغير لفظه في ورقة الاستفتاء والله أعلم
367 - مسألة امرأة بقرية ليس لها ولي أذنت في أن يزوجها العاقد في البلد من زوج معين على صداق معين فهل يجوز لأي عاقد كان أن يزوجها بناء على هذا الإذن أم لا
أجاب رضي الله عنه إن اقترنت بإذنها قرينة تقتضي التعيين فلا يجوز ذلك لكل عاقد ومن ذلك أن يسبق إذنها قريب ذكر عاقد معين أو كانت تعتقد أنه ليس في البلد غير عاقد واحد فإن أذنها حينئذ يخص ولا يعم وإن لم يوجد شيء من هذا القبيل فذكرها العاقد محمول على مسمى
العاقد على الإطلاق فيجوز حينئذ لكل عاقد بالبلد تزويجها هذا مقتضى الثقة في هذا والله أعلم
زاد المستفتي وكان من الفقهاء في السؤال وذكر أنها أذنت لواحد لا يعنيه وزعم أنه إبهام فأجيب بما لا يتوهم إن هذا فيه جهالة تمنع الصحة لأنه أذن فإذا تعلق بماله ضابط يضبطه صح وإن لم يكن معينا كما في نظائره في الوكالة منها بوكالة المطلقة وكما لو قالت ولها أولياء رضيت بأن أزوج فإن المذهب أنه يجوز للكل تزويجها وقد منع منه بعض الأصحاب غير معلل بالجهالة بل بأن ذلك لا يشتمل على الإذن للولي والله أعلم
368 - مسألة سفيه تحت حجر الحاكم أو الوصي يريد أن يتزوج فمن هو الولي الذي يفتقر في النكاح إلى استئذانه
ورجل تزوج امرأة ودخل بها ولها ابن وللابن بنت ولبنت الابن بنت ثم طلق زوجته فهل يجوز أن يتزوج بأحد من بنات ابن زوجته أم لا
أجاب رضي الله عنه ولي السفيه الذي تحت حجر الحاكم أو الوصي الوصي في نكاحه هو الحاكم والأولى أن ستأذن الوصي ولا يجب ذلك كما في وصي السفيه
ولا يجوز أن يتزوج بأحد من بنات ابن زوجته المدخول بها وإن سفلن
369 - مسألة ولي فاسق شارب الخمر لا ولي للمرأة غيره هل يتولى نكاحها
أجاب رضي الله عنه لا يتولى نكاحها إلا أن يقع ذلك حيث لا يتعدى فيه لعقود الأنكحة من جهة الولاية العامة الشرعية إلا فاسق فإذا دار
الأمر بين أن يتولى نكاحها فاسق ووليها الخاص بها وبين أن يتولى بها فاسق آخر متباعد عنها فالولي الخاص أولى هذا أصح ما يقال في هذا وللغزالي مسألة في ولاية الفاسق يحتج فيها بأنه لو سلبها وليها المناسب لصار أمرها إلى فاسق أيضا في هذه الأزمنة وهذا التخصيص بهذه الحالة يشبه قول من قال من أصحابنا ان ذوي الأرحام في هذا الزمان يورثون الفساد من يتولى بيت المال والله أعلم
370 - مسألة امرأة أبرأت زوجها من الصداق ثم مات وعليه دين لم يثبت في الحكم وهي ضامنة له فهل لها أن تقيم البينة على صداقها وتحلف عليه وتأخذ من الدين وتوفيه عنه أم لا
أجاب رضي الله عنه إن كانت قد ضمنت عن الزوج الدين بغير إذنه فليس لها ذلك فإن ضمنت بإذنه فطريقها أن تؤدي عنه الدين أولا ثم تحلف على مقدار الصداق أنها مستحقة لهذا المقدار من غير أن تصفه بكونه صداقا فإنها لا يلزمها التعرض لذلك والله أعلم
371 - مسألة رجل خطب لابنه امرأة ودفع مقدم الصداق إلى وليها ثم مات الدافع قبل العقد فهل يقسم المدفوع بين ورثة الخاطب الدافع أم يختص به الابن المخطوب له
أجاب رضي الله عنه لا بل يقسم المدفوع بين ورثة الدافع على فرائض الله تعالى لكونه باقيا على ملكه من حيث كونه جعله أداء لدين آدمي قبل ثبوته وأسأل الله التوفيق
372 - مسألة امرأة لها ولي غائب فدعت الحاكم أو نائبه أن يزوجها من غير كفء فهل يجعل الولي الغائب كالمعدوم ويزوجها من غير
كفء على الأصح أم ينتظر إياب الولي الغائب
أجاب رضي الله عنه لا يجعل ذلك كذلك فإن حق الغائب في الكفاءة وولايته باقيان فلا يصح ذلك مع عدم إذنه في ذلك والله أعلم
373 - مسألة امرأة ادعت على ورثة زوجها بصداقها المسمى لها فأنكروها وعجزت عن إثبات المسمى وثبت لها مهر المثل وكان زائدا على المسمى بزيادة كثيرة فهل يجوز لها أن تقبض الزائد على المسمى وهل ذلك حلال لها وهل يجوز للحاكم أن يخبرهم على إيصال القدر الزائد على المسمى أم لا
أجاب رضي الله عنه لا يثبت لها مهر المثل بمجرد ذلك والحكم فيه أن خصمها إن ادعى قدرا آخر غير ما ادعته شرع التحالف بينهما إن حلفا جميعا أو نكلا وأصرا على النكول جميعا واجب لها مهر المثل إن كان زائدا على ما ادعته على المذهب الأصح فإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي للحالف بما ادعاه وإن قال خصم لا أدري وأصر على ذلك جعل ناكلا وحلفت وقضى لها بما حلفت عليه والله أعلم
374 - مسألة للشيخ أبي اسحق في التنبيه وإن حضر في موضع فيه معاصي من زمر أو خمر على ما فصل ثم قال فإن قعد واشتغل بالحديث والأكل جاز هذا فيما إذا لم يقدر على إزالته وقال في المهذب وإن لم يقدر على إزالته لم يحضر الحديث وقال في الوسيط وإن حضر ورأى ذلك ولم يقدر على التغيير فليخرج لأن الإقامة في مشاهد المنكر حرام والسؤال إن هذه المسألة هل هي خطأ في التنبيه خطأ وإن لم يكن فكيف الجمع بين المسألتين
أجاب رضي الله عنه الذي في التنبيه مرذول والصحيح ما في المهذب والوسيط وهما وجهان أصحهما الثاني والله أعلم
375 - مسألة امرأة زوجها أبوها على صداق معلوم وأقر أنه قبض منه عشرين دينارا لولايته عليها ثم توفي بعد ذلك بما يقارب سبع سنين فادعت ابنته على التركة بما قبضه لها والدها فذكر المجيب عن أيتام والدها المستحقين معها الميراث أن والده ذلك عليها في مصالحها فهل تستحق والحالة هذه وفاء ذلك من تركة والدها أم يقبل قول من ذكر أنه صرف ذلك عليها
أجاب رضي الله عنه إن وجدت في تركته عشرون دينارا على صفة ما قبضه ترك ذلك عليها لأن الأصل بقاؤه ودفع ذلك إلى البنت وإن لم يوجد ذلك فيها فلا يجب ضمانها في تركته من غير بينة تشهد بتفريط منه مضمن ولا يحتاج في ذلك أعني عدم التضمين إلى يمين على أنه صرفها في مصلحتها لا من الورثة ولا من نائبهم هذا هو الأظهر والله أعلم
376 - مسألة إمرأة يأمرها زوجها بالصلاة وما تصلي فهل يجب عليه أن يهجرها في المضجع أو يضربها أو يطلقها
أجاب رضي الله عنه يحسن أن يهجرها في الفراش حتى تصلي ويكرر عليها الأمر بالصلاة فإن بدا منها شتم له ضربها حينئذ وإذا لم يرجى صلاحها فلا بأس عليه في طلاقها ولا كراهة
377 - مسألة هل يجب على الزوج أن يعلم زوجته الفرائض أم لا
أجاب أما تعليم الزوجة ما يجب عليها تعليمه من الفرائض فهو واجب عليه وعلى غيره ممن يتمكن من تعليمها فرضا على الكفاية فإذا لم يقم هو به أثم وأثموا ويتعين عليه الوجوب في تعليمها الواجبات التي تحتاج تعليمها فذلك يحصر الوجوب فيه ذهابا إلى غير المحرم والمرأة لا يجوز له تعليمها والوجهان فيما إذا أصدقها تعليم سورة ثم طلقها قبل التعليم وكذلك يتعين عليه فرض تعليمها إذا لم يعلم بحاجتها إلى التعليم غيره والله أعلم
378 - مسألة رجل أعطى والد امرأة زوجها منه دراهم رشوة على التزويج فهل له الرجوع بها عليه أم لا
أجاب رضي الله عنه له الرجوع بها عليه لأن تزويجه مما لا يجوز له أخذ العوض عليه فإنه ليس متقوما يجوز الاستئجار عليه كما لا يجوز استئجار البياع على كلمة البيع على ما عرف مسطورا وقد نص صاحب الحاوي على أنه يحرم على الشافع فيما ليس بواجب عليه أخذ جزاء على شفاعته ورشوة عليها وهذا في معناه والله أعلم
379 - مسألة ورد من تذمر سؤال عن عقد نكاح عقد على صداق مائة دينار ناصرية وتوفيت الزوجة واختلف ورثتها والزوج في قيمة الدينار الناصري من الدراهم وهم في بلد لم يوجد فيه الدينار الناصري وفيه جرى العقد فالقول قول من هل يتعين قيمته بدمشق وكم هي فيه
أجاب رضي الله عنه لا مساغ لهذا في ذلك فإنه إذا كان العقد قد وقع على الدنانير الناصرية غير مكنى بها عن قيمتها من الدراهم ولا مفسرة بذلك فالمستحق هو الذهب الناصري بعينه ولا يعدل إلى قيمته إلا
بتراضي الخصمين فإن اتفقا على الاستبدال عنه بالدراهم جاز ما اتفقا عليه أي قدر كان إذا لم يتفرقا قبل القبض وإن لم يتفقا فلا حكم لقول أحدهما على الآخر والمستحق هو نفس الذهب لا غير وبه تقع المطالبة وهو موجود غير منقطع وهذا على تقدير ألا يكون الذهب الناصري مغشوشا بالفضة بل غير مغشوش ونقصانه لرداءة نوعه أو هو مغشوش غير الفضة ثم بلغني أنه مغشوش بالفضة وعند هذا لا يجوز أن يعتاض عند بدراهم ولا بدنانير بل بعوض والله أعلم
أرسلت إلى سوق الصرف من سأل عنه فذكر أن بعض الصيارفة أراه جزءا منه وذكر أن قيمة الدينار منه عشرة دراهم ونصف وهو أدفع من الصوري والصوري هو الذي يقومه الناس بتسعة دراهم ولو انقطع لكان يثبت حق الفسخ بسبب التعذر وقد ذكر المتولي في مسألة الاستبدال عن الثمن أنه لا انفساخ بانقطاع جنس الثمن بخلاف المبيع في الذمة وهو المسلم فيه والله أعلم فإن أطلق الدينار الناصري والعرف مستمر في موضع العقد وحالة العقد بالتعبير به عن الدراهم كما شاع من استعمال أهل دمشق نزل ذلك حينئذ على الدراهم فإن كان قدرها معلوما فلا كلام وإن لم يكن بأن كان العرف في القدر مختلفا ولا غالب فيه فالعقد والإصداق فاسد والله أعلم
380 - مسألة وردت من حمص فيما ذكر أصدق رجل زوجته مائتي دينار صورية ثم توفي فقال ورثته هذا صداق مجهول لأن الذهب الصوري مغشوش يحتوي على فضة ونحاس وذهب فلا يجب إلا مهر المثل فهل يكون الحكم كذلك
أجاب رضي الله عنه بعد الاستخارة والتثبيت والبحث ليس الحكم
كذلك ولا يعدل إلى مهر المثل بسبب غشه المذكور بل يجب من الذهب الصوري نفسه من نوعه الغالب في البلد الذي جرى فيه العقد وهو يتنوع إلى عتيق وجديد والعتيق أكثر ذهبا والجديد هو الغالب في البلد فيما أخبرت وبنيت ذلك على أمور منها أن غشه معلوم عند أهله فاسمه موضوع بإزاء ذهب وفضه مثلا معلوم المقدار عند أهله فإذا سماه من لا يعلم مقدارهما كفاه ذكر الاسم الضابط للمسمى ونظيره مسألة القراض اذا شرط له سدس تسع عشر الربح وهو لا يدري مقداره فإن الذي اختاره صاحب الشامل جوازه ومنها النظر في تفصيل المختلطات ومنها النظر إلى الحالة الراهنة التي جميع هذا النوع متساو في الرواج وما هو المقصود منه فإن كان فيه تفاوت في خليطه فإنما يظهر أثره في المقصود عن طريان سبك ولا غيره في مثل هذا بجهالة نظر أمر حالة ستطرأ والله أعلم
381 - مسألة رجل تزوج يتيمة غير بالغة واعترف بالدخول بها وأدعت الزوجة أنه حصل الإفضاء بوطئه إياها فأنكر الزوج الإفضاء ففسخ الحاكم نكاحها منه وعرضها على ثمان نسوة من القوابل معدلات فشهدن بحقيقة الافتضاض فهل للحاكم فسخ نكاحها منه وإيجاب المهر ودية الافتضاض عليه بشهادة المذكورات
أجاب رضي الله عنه إذا لم يكن المزوج لها جدا فنكاحها باطل من أصله ويجب على الزوج بوطئه إياها مهر المثل ولا يجب عليه دية للافضاء بشهادتهن بوجود الإفضاء لجواز أن يكون من غيره وعليه اليمين
382 - مسألة ذمي نصراني تزوج بامرأة ذمية نصرانية وهي زوجة غيره فهل للحاكم أن يفرق بينها وبين هذا الزوج من غير أن يترافع إليه واحد منهما أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم يفرق الحاكم بينهما إذا تظاهرا بذلك وكان ذلك على وجه لا يباح أيضا في دينهما أما الصورة الأولى وكما إذا أظهروا الخمر فأن نريقه عليهم وفي هذا وجه أن لا نتعرض لهم بالتفريق أما الثانية فكما إذا أتوا محرما يوجب الحد في دينهم أيضا فأن نحكم به عليهم ونستوفيه وإن لم يترافعوا إلينا كما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم في اليهوديين الذين زنيا والله أعلم -
ومن كتاب الخلع
383 - مسألة امرأة تحت حجر الحاكم أو حجر وصي مزوجه فكرهت الزوج وأبى الزوج طلاقها إلا خلعا بصداقها فأذن لها الحاكم في الاختلاع أو الوصي فاختلعت نفسها من زوجها بالصداق باذن الحاكم أو الوصي فهل تحصل البينونة بالصداق أم لاأجاب رضي الله عنه لا تحصل البينونة ولا يسقط بذلك صداقها ويقع طلاقها رجعيا إذا لم يستوف العدد وكان بعد الدخول
384 - مسألة رجل خالع زوجته على بعض صداقها وأدى الباقي ثم أثبتت بالبينة عليه الصداق فهل له أن يقول هذا صداق زوجة يجب تسليمها فلتسلم حتى أسلمه أم لا
أجاب رضي الله عنه قوله إنه صداق زوجة يجب تسليمها لا يصح أن يكون دافعا عنه لذلك فإن وجوب تسليمها ثابت بعد الدخول ولا يتوقف عليه وجوب تسليم الصداق بل لو قال هذا صداق والصداق يتوقف وجوب
تسليمه على أصل تسليمها ولو مرة ولم تسلم ولا وجد ما يقرره ويوجب تسليمه من موت أو فرقة غيره تقرر الشطر إذا كان المدعي شطر الصداق فعليها إثبات ذلك فالظاهر أن ذلك يدفع عنه وجوب التسليم حتى تثبت هي ذلك وليس هذا كما إذا أثبت المدعي استحقاق دين عينه فإنه لا يندفع وجوب التسليم عنه بذكره ما يؤخر وجوب التسليم كالأجل وغيره لأن ذلك عارض هناك وهذا لازم في أصل الصداق
385 - مسألة رجل طلق زوجته طلقة ثانية على مهرها فلما أوقع الطلقة المذكورة تبين أنها طلقة ثالثة فهل تقع الثالثة والحالة هذه
أجاب رضي الله عنه تقع طلقة وتكون ثالثة فإنه أوقع طلقة ووصعها بصفة مستحيلة والحالة هذه فلفت الصفة وبقي نفس الطلقة كما في نظائر ذلك المعروفة ثم يلزم بحكم الحال أن تكون ثالثة ثم كونها ثانية ليس شرطا في استحقاق العوض فان في الثالث وفآء بمقصودها من الثانية وزيادة فيما يرجع إلى عوض الخلع ولهذا لو قالت طلقني طلقة بألف فطلقها ثلاثة بألف استحق الألف والله أعلم
386 - مسألة رجل خلع ابنته وهي صغيرة من زوجها على ما تستحقه عليه من باقي صداقها وهو نصف عمارة دار بطلقة واحدة بعد الخلوة الصحيحة قبل الدخول بها وأقر والدها أنه متى طلبت ابنته من الزوج صداقا كان في ذمة الوالد فهل يصح الخلع أو يصح العوض
أجاب رضي الله عنه يصح الخلع بأصله وعلى الأب مهر المثل إذا ضمن ذلك في نفس عقد الخلع وللبنت باقي صداقها على الزوج بحاله
387 - مسألة رجل قال إن وهبتني زوجتي صداقها فهي طالق
طلقة رجعية والصداق في ذمته ولم تكن المرأة حاضرة وكتب بذلك مكتوبا وأشهد عليه فيه وسيره إليها فقالت الزوجة أنها أبرأته عند وقوفها على المكتوب فهل يقع الطلاق بذلك وهل يقبل قول الزوجة أنها وهبته من غير بينة وإذا لم يقبل قولها فأبرأته بعد ذلك بحضرة الشهود هل يقع الطلاق بذلك أم لا
أجاب رضي الله عنه يقع الطلاق بذلك لكن لا يقبل قولها في ذلك بغير بينة ويجزئها في ذلك الإبراء متأخرا عن ذلك ولا يعتبر في هذا ما يعتبر في مثله لو كان خلعا والله أعلم
388 - مسألة رجل له زوجتان فحضرتا في مجلس واحد فعلق الطلاق على شرط ولم يعين واحدة منهما فوجد الشرط المعلق عليه الطلاق فما الحكم في وقوع الطلاق هل يقع على كل واحدة منهما أو يرجع الأمر إليه في التعيين فيمن شاء منهما
أجاب رضي الله عنه إذا كانت يمينه بمطلق الطلاق من غير تعيين ولا لفظ شامل لهما فله أن يعين الطلاق في إحداهما فإذا عين واحدة وقع عليها دون الأخرى
اختار صاحب المهذب فيه سد باب الطلاق في مسألة وقع فيها الدور الحدادية المعروفة بالشريحية و ابن شريح بريء مما نسب إليه فيها والذي عليه الطوائف من أصحاب المذاهب وجماهير أصحابنا أيضا القول بأن لا ينسد باب الطلاق بل يقع في اختلاف في كمية الواقع منها والله أعلم
389 - مسألة رجل قال لزوجته أنت طالق ثم سكت وراجع زوجته وأصحابه ثم قال ثلاثا بأنه على كل مذهب فهل يقع عليه الثلاث أم لا
أجاب رضي الله عنه إن كان قد نوى الثلاث أولا بقوله أنت طالق وقع عليه الثلاث وإن لم ينو ذلك أولا لكن أراد ثانيا بقوله أنت ثلاثا بأنه تتميمه وتفسيره وعنى بقوله ثلاثا بائنة أنها طالق ثلاثا بائنة فيقع عليه الثلاث أيضا وليس هذا من قبيل إيقاع الطلاق بالنية أو بلفظ أشعر بالطلاق بل هو من قبيل إيقاع الطلاق بكلام حذف بعضه أجتزاء بالباقي منه لدلالته عليه بناء على القرينة ومما نص عليه من هذا النوع أنه لو قال ابتداء أنت ثلاثا ونوى الطلاق وقع لمثل ذلك والله أعلم
مسألة رجل رمت زوجته إليه كتاب صداقها وسألته الطلاق ثلاثا فقال لها إن كان هذا كتابك وأبرأتيني منه وأشهدت عليك فأنت طالق ثلاثا فقالت على الفور أبرأتك منه وما أشهدت عليه ثم رجعت في الصداق فما الحكم
أجاب رضي الله عنه أما الطلاق فلا يقع والحالة هذه وأما الإبراء
390 - مسألة رجل طلق زوجته طلقة رجعية ثم جاء بها إلى الذي يعقد ويكتب ليكتب عليه الطلقة فقال له وهو لا يعلم بتقدم الطلقة قل لها خالصتك على باقي صداقك بطلقة فقاله وقبلت وهو يريد بذلك
الطلقة الماضية لا إنشاء طلقة أخرى وهو يريد رجعتها قبل انقضاء عدتها فهل له ذلك ولا يصح هذا الخلع أم لا وهل القول قوله إذا نازعته أو قولها
أجاب رضي الله عنه هذا الخلع والحالة هذه باطل وله مراجعتها إذا كانت الطلقة السابقة رجعية قبل انقضاء عدتها بعدها والقول قوله في دعواه لوقوع الخلع كذلك وفي أمثال هذا يطلقون غالبا الوجهين المعروفين في دعوى الفساد بالصحة على الإطلاق والذي استقر عليه الرأى واعتمدت عليه في الفتوى الفرق في ذلك بين أن يكون مدعي الفساد يدعيه مستندا إلى أمر زائد ومفسد يدعي انضمامه إلى مورد العقد أن يدعيه بدعوى انتفاء بعض أركان الصحة وفي الثاني القول قول من يدعي الفساد
وقد حكى صاحب التهذيب في مثل هذا عن الأصحاب أنه يرجح الفساد والله أعلم
391 - مسألة امرأة لها على زوجها دين حال فقال إن ابرأتني من صداقك وأخرت علي دينك إلى رأس السنة فأنت طالق فقالت أبرأتك وأخرتك فهل يقع خلعا أو طلاقا أو لا يقع شيء وإذا وقع فهل يبرأ من الصداق وهل يتأجل الدين
أجاب رضي الله عنه يكون طلاقا وخلعا ويبرأ من صداقها إذا كان معلوما عندها ولم يكن يحجب بحجب شرعي إلا أن يكون المراد بتأخيرها الدين تأخيرا يصير به مؤجلا فإنه حينئذ يكون عوضا فاسدا فان
الحال لا يتأجل بالتأجيل فيصير ذلك خلعا فاسدا يجب به للزوج مهر مثلها ويبقى عليه صداقها والدين كما كان والله أعلم
392 - مسألة رجل قيل له طلق أمرأتك فقال لشخص أكتب خمسا وعشرين طلقة وآخر قال اكتب ثلاث طلقات فهل يقع عليه بهذا الطلاق
أجاب رضي الله عنه إن نوى بقوله هذا إيقاع الطلاق وقع وإلا فلا والله أعلم
ان استشكل هذا أو قيل لم يقع إذا نوى وليس في هذا اللفظ ما يشعر بالفراق قلت ليس من شروط الكتابات استعمال ألفاظها بالزوال والفراق فإنها تنقسم إلى جلية كقوله أنت بائن وجلية وخفية وهم قسمان أحدهما ما يشتمل على استعارة كقوله حبلك على غاربك والثاني ما يشتمل على تقدير كقوله اعتدي ولتعتد تقديره طلقتك فاعتدي وكقوله لا أنده سربك أي لا أرد أبلك أدعها تذهب حيث شاءت وكلا القسمين من أقسام المجاز
إذا عرف هذا فقوله اكتب بثلاث طلقات فليلتحق بما يشتمل على تقدير وتقديره قد طلقها فاكتب ثلاث طلقات لأنه ذكر لما هو من لواحق الطلاق اجتزاء بذكر الأثر عن ذكر المؤثر كما أن قوله لا أنده سربك ونظائره كذلك والعلم عن الله تعالى
وهذه المسألة تقع في الفتاوى كثيرا وأسأل الله التوفيق ولعل بعض من رأى مسطورا أنه لو قال الزوج لأجنبي اكتب بطلاق امرأتي فكتب ونوى
الزوج لا يقع الطلاق يتوهم أنها مسألتنا هذه وليست كذلك فإن المراد بهذه المسطورة أن ينوي الزوج الطلاق بكتابة الأجنبي على نحو ما ينويه بكتابة نفسه ولهذا اشبهوها بما لو قال لأجنبي قل لأمرأتي أنت بائن فقاله ونوى الزوج وفي مسألتنا إنما نوى الطلاق بقوله اكتب الطلاق لا بفعل الكتابة والله أعلم
393 - مسألة رجل قال لزوجته إن وهبتني مهرك فأنا أطلقكك فقالت إن الله قد وهبك فقال لها أنت طالق ثلاثا فهل يقع الطلاق أم لا
أجاب رضي الله عنه يقع الطلاق الثلاث ويبرأ الزوج من المهر إن كانت أرادت باللفظ المذكور ذلك وإن لم ترده فلا يبرأ فإن انضم إلى عدم إرادتها إرادة الزوج إيقاع الطلاق في مقابلته فلا يقع حينئذ والله أعلم
وشرحه أما وقوع الطلاق فالظاهر أنه طلاق أتى به مجازا ليس بخلع لأنه ليس فيما جرى من اللفظ تعليق الهبة بالطلاق ولا لفظ المعاوضة والمقابلة بينهما وأيضا فلو أرادت التعليق أني قد وهبتك إن طلقتني فعلى ما في الوسيط لا يصح الخلع لأن تعليق الإبراء والهبة لا يصح وطلاق الزوج طبعا في حصول ذلك له من غير لفظ صحيح لا يوجب التزامها عوضا غير أنه قد أفتى في فتاويه بخلاف هذا وهو الصحيح فإن التعليق في هذا الباب معاوضة صحيحة وعلى هذا فيحتمل إن يكون هذا خلعا ثم يكون صحيحا على تقدير أن يكون مرادها قد وهبتك المهر إن طلقتني وقد أجابها فقال أنت طالق فتم الخلع وهذا على هذا التقدير هو الظاهر من حيث قرينة الحال وعلى هذين التقديرين فيبرأ الزوج من المهر بناء على أن هبة الصداق وإن كان دينا صحيحا وإن لم ترد الهبة أصلا أو أرادتها ولكن
أرادت غير ما أراده الزوج من المهر فلا يبرأ الزوج من المهر وينظر في الطلاق فإن كان الزوج أوقعه مجازا فهو واقع وإن أوقعه على ما لم ترده هي في الصورتين معا فلا يقع لأنه لم يوقعه إلا على ذلك ولم يقبل والله أعلم
394 - مسألة رجل قالت له زوجته طلقني قال نعم طلقتك ولم يرد به الطلاق في تلك الحال هل يقع الطلاق أم لا
أجاب رضي الله عنه إذا كان قد قال طلقتك قاصدا لفظ الإيقاع فقد وقع طلاقه والله أعلم
395 - مسألة رجل حلف على زوجته بالطلاق الثلاث على فعل شيء يتكرر لا بد لها منه وهو النزول من منزله بدونه وعليه في ذلك مشقة شديدة هل يباح له الخلع مع كونه شافعي المذهب وكيف صفة الخلع
أجاب رضي الله عنه له الخلع والحالة هذه مع أن الأحوط أن يتجنبه لما فيه من خلاف العلماء وصفته أن تبذل له امرأته الرشيدة شيئا من صداقها أو غيره على أن يطلقها طلقة فيطلقها على ما بذلته بأن تقول طلقني طلقة على كذا وكذا فيقول في الحال طلقتك طلقة على هذا العوض الذي ذكرت ثم بعد ذلك يوجد المحلوف عليه والأولى تأخيره إلى ما بعد انقضاء عدتها ثم تجديد نكاحها بشروطه وتعود إليه بما بقي من عدد طلاقه والله أعلم
396 - مسألة رجل حلف على رجل بالطلاق أن لا يأكل معه ما
داموا في سفرهم ولا يأكل معه إلا عند أهله فطال الأمر بينهم فجلسوا يوما مع جماعة فأكل ناسيا لقيمات يسيرة ثم ذلك الحالف فرفع يده من الطعام فهل وقع عليه الطلاق في نسيانه أم لا وهل يجوز أن يكون هو وصاحبه في بيت واحد أو مكان واحد فيأكل كل واحد منهما منفردا عن صاحبه في ناحية من البيت أو في منزل من منازل الأسفار
أجاب رضي الله عنه يقع عليه الطلاق بفعله المحلوف عليه ناسيا ولا بأس بأن يكونا في بيت واحد أو منزل واحد يأكل واحد منهما وحده بحيث لا يعد أكلا مع صاحبه
397 - مسألة رجل طلق زوجته ثلاثا وانقضت عدتها وتزوجت بزوج غيره ودخل بها ثم إن الزوج الثاني طلقها وأقر في البراءة بعد الدخول بها ثم إنه رجع عن إقراره وقال ما دخلت بها فهل يقبل منه القول الثاني أم الأول والقول قولها في الوطء أو قوله
أجاب رضي الله عنه القول في ذلك قولها وللزوج الأول التزوج بها إذا صدقها على جريان الوطء ولا يمنع من ذلك ما ذكر من إنكار الزوج الثاني والله أعلم
398 - مسألة رجل سافر عن زوجة وقال لجماعة اشهدوا على أني إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج ولا هي لي بامرأة فتكونون المتولين تزويجها فما حكمه
أجاب رضي الله عنه إن كانت قد ضمنت حق الزوج الدين بغير اذنه بعد السنة ولتأقيت زوالها بذلك محل محتمل فيحكم بصحة
الإقرار ظاهرا ويجوز لها التزوج بعد انقضاء عدتها وأما باطنا فيتوقف ذلك على أن يكون قد نوى الطلاق بهذا الكلام أو يوجد منه غيره من أسباب الفرقة والله أعلم
أو لم يجعل هذا إقرارا من أجل قوله اشهدوا علي لأنه ليس بإقرار على ما تقرر في فتيا أخرى بل لقوله إن غبت إلى آخر قوله فإنه خبر مضاف إلى نفسه والله أعلم
399 - مسألة رجل حلف بالطلاق أنه لا يخرج فلانا من الحبس حتى يستوفي منه دينه فوكل وكيلا مطلقا وأخرجه قبل ذلك فهل يقع عليه الطلاق
أجاب رضي الله عنه لا يقع الطلاق إلا أن يكون ممن يعد إخراج الوكيل إخراجا من الموكل بحيث يفهم من مطلق قول القائل لا أخرج فلانا نفي إخراج وكيله بإذنه أيضا والله أعلم
لا ينبغي أن يتسامح مع العامة بالطلاق أنه لا يقع فإنهم لا يعرفون الفرق بين مباشرة الفعل والتسبب إليه في كثير من إطلاقاتهم وأمر الطلاق خطر والله أعلم
400 - مسألة رجل جارى رجلا في مسألة فقال له ذاك إذا قال لها أنت طالق ثلاثا فقال هذا إذا قال أنت طالق ثلاثا وتوسوس فقال مع ذلك في قلبه زوجتي فلأنه خطر له ذلك من غير أن يقصده فهل يقع عليه الطلاق
أجاب رضي الله عنه إذا كان خاطره قد سبق هذا اللفظ المذكور إلى زوجته سبقا هجميا من غير قصد واختيار لذلك فلا يقع بذلك طلاقه كما
في مثله من لفظ الطلاق إذا سبق لسانه فإنه لا يقع عليه به على ما عرف والله أعلم
401 - مسألة رجل قال لامرأته في ثوب متى أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فناولت الثوب شخصا كان بينها وبين الزوج ثم ناوله ذلك الشخص للزوج فهل يقع الطلاق ويصح الخلع
أجاب رضي الله عنه إذا كانت قد ناولته ذلك الشخص لا ليناوله الزوج فالطلاق لا يقع بذلك وإن ناولته ليناوله زوجها مستعينة به في إعطائها إياه فالطلاق يقع لأن الإعطاء لا يتوقف تحققه على مناولة المعطي من يده إلى يده ولهذا إذا أهدى شخص إلى شخص على يد رسول يسمى المهدي معطيا له وقالوا فيما إذا علق الطلاق على عطيتها له يكفي أن يحضر المال ليأخذه وإن لم يأخذه ثم يكون ذلك خلعا صحيحا إذا لم تكن هي تحت الحجر ووجد باقي شروطه الخلع الصحيح
402 - مسألة رجل حلف بإطلاق الثلاث إن فلانة لا تأتي إلى بيته بشيء يساوي فلسا واحدا ونيته أنها لا تأتي بشيء أصلا قليلا كان أو كثيرا فأتت إلى بيته بثلاث أجاصات
أجاب رضي الله عنه إذا كانت نيته بلفظه هذه الطلاق الثلاث فالطلاق واقع سواء كانت الأجاصات تساوي فلسا أو لا تساوي لأنه نوى ما يحتمله لفظه وذلك بأن يجعل قوله لا تأتي بشيء عاما لكل شيء ثم لا يجعل قوله تساوي فلسا وصفا مقيدا بل مشروعا في تفصيل لم يتمم أقسامه كأنه أراد أن يقول تساوي فلسا أو غيره فاقتصر ولم يستوف وهذا على بعده يحتمله أسلوب الكلام فاذا نواه ساغ ولزمه حكمه وبهذا يفارق
مسألة لا أشرب ماء من عطش والله أعلم
403 - مسألة رجل حلف على زوجته بالطلاق أن الشيء الفلاني لم يكن أو كان ظنا منه أنه كذلك فبان الأمر على خلاف ما ظنه
أجاب رضي الله عنه إن طلاقه واقع على أظهر القولين
والمحاملي في رؤوس المسائل لم يذكر إلا الحنث خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
404 - مسألة إذا كرر أنت طالق ثلاثا ولم ينو لا التأكد ولا الاستئناف
أجاب رضي الله عنه يقع الطلاق على أصح القولين والله أعلم أنه الأصح في التنبيه قيل هو مذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما
405 - مسألة رجل قال على الطلاق أني لا أفعل كذا إلا أن يسبقني القضاء والقدر ففعلته ثم إنه فعل قال وأزدت إخراج ما يقدر منه على اليمين فهل يقع الطلاق وقد فعل
أجاب رضي الله عنه لا يقع الطلاق والحالة هذه وهذا يوضحه النظر إلى خروج هذه الصيغة عن صيغة الاشتراط وكونها بصيغة اليمين بالله والمسألة فيها مباحث والله أعلم
406 - مسألة لو قال لزوجته المدخول بها أنت طالق كل الطلاق فقد ذكر الأصحاب أنه يقع الثلاث وهو صريح فيها وأنه بمنزلة قوله أنت طالق أكثر الطلاق وقالوا أن قوله أنت طالق أكثر الطلاق بمنزلة قوله أنت
الطلاق ثلاثا فلو قال الحالف ما أردت بقولي كل الطلاق وقوع الطلاق الثلاث فلا شك أنه لا يقبل قوله في ظاهر الحكم ولكن هل يدين فيما بينه وبين الله تعالى قياسا على بعض مسائل التدبير المختلف فيها أو لا يدين كما قال أنت طالق وكذا لو قال أنت طالق أكثر الطلاق وقال ما أردت الثلاث هل يدين أم لا
أجاب رضي الله عنه إنما يدين إذا ادعى أمرا على خلاف الظاهر لو صدق فيه لم يقع طلاقه وهذا ليس من هذا القبيل فإنه ادعى أنه ما أراد وقوع الثلاث ولو كان صادقا في ذلك لم يمنع من وقوع طلاقيه الثلاث مع إرادته اللفظ الصريح الموقع للثلاث فإن إرادته وقوع الطلاق وغير مشترط وإنما المشترط في ذلك إرادته اللفظ وإن لم يرد حكمه والله أعلم
407 - مسألة رجل أقر أنه طلق زوجته من مدة وذكر مقدارها فهل يجعل ابتداء العدة من حين ذكر أنه أوقع طلاقها أم يجعل من حين إقراره
أجاب رضي الله عنه بل من حين ذكر أنه أوقع طلاقها والله أعلم
408 - مسألة قول صاحب الوسيط رحمه الله في تعليقات الطلاق في المسألة الحادية والعشرين ولا خلاف في أنه لو قصد منعهما عن المخالفة وعلق على فعلها فنسيت لا تطلق وإن أكرهت فيحتمل الخلاف لأنها مختارة فهل يطرد الحكم فيما إذا علقه على فعل غيرهما ففعله ناسيا أو يجري الخلاف كما لو علقه على فعل نفسه ففعله ناسيا أو يقع بلا خلاف لوجود الصفة وإذا اختلف الحكم فيما إذا علقه على فعله أو فعلها أو فعل الغير ففعل ناسيا فما الفرق والفعل والنسيان
موجودان في الصور الثلاث وهل لتصوير الشيخ كون الزوج قصد منعها عن المخالفة تأثير في الحكم إذ لا فرق بين أن يقصد أو يطلق التعليق على مجرد فعلها ففعلته ناسية لم تطلق وكونه ذكر احتمال الخلاف في إكراهها وعلل باختيارها ما وجهه وهل مصدر قضى يقضي ممدود أم مقصور الذي هو القضاء وهل مده أو قصره مقيس أو مسموع
أجاب رضي الله عنه إنما نفي الخلاف فيما إذا قصد بيمينه منعها من المخالفة لأن مستند أحد القولين في وقوع الطلاق مع النسيان أنه علق الطلاق بوجود الصفة مطلقا إطلاقا شاملا لما إذا وجدت من مختار قاصد للمخالفة وأما إذا وجدت من ناس غير قاصد للمخالفة فيصير كما إذا صرح بذلك في يمينه وقال إذا دخلت ناسية أو ذاكرة أو قاصدة للمخالفة أو غير قاصدة فأما إذا نوى حالة المخالفة خاصة قاصدا منعها من الدخول على جهة المخالفة فالدخول مع النسيان خارج عن يمينه قطعا فلا تكون يمينه شاملة فلا يقع الطلاق قطعا إذا عرف ذلك فكذلك إذا علق على فعل الغير الذي يمتنع بيمينه وقصد منعه من المخالفة فلا يقع بفعله مع النسيان قطعا وأما المكره فإنما جرى الخلاف فيه مع قصد الحالف المنع مع المخالفة لأنه عالم باليمين مختار للفعل لكونه متمكنا من تركه فيكون قاصدا المخالفة بخلاف الناس والله أعلم
وأما مصدر قضى يقضي فإنه قضاء بالمد والله أعلم
409 - مسألة رجل طلق امرأته في طهر جامعها فيه فهل يحسب ذلك من الإقراء أم لا
أجاب رضي الله عنه نعم يحسب ذلك من الإقراء إذا كانت عدتها بالإقراء والله أعلم
410 - مسألة رجل حلف بالزوجية ثلاثا وصرح بالطلاق الثلاث على شخص فقام وراح المحلوف عليه فقال مساكم الله بالسعادة فقال الحالف عليكم السلام وما قصد بذلك كلامه وإنما سبق لسانه إليه فهل يلزمه الطلاق أم لا
أجاب رضي الله عنه إن كان قد سبق لسانه لذلك من غير أن يقصد أن يتكلم أصلا مثل ما يجري على لسان النائم فطلاقه لا يقع قولا واحدا والله أعلم
411 - مسألة رجل علق طلاق زوجته على صفة وهو أن قال لها متى غبت عن مدينة دمشق أربعة أشهر ولا أواصلك بنفقة فأنت طالق طلقة ثم سافر وغاب أربعة أشهر فهل تصح شهادة الشهود على أنه لم يواصلها
بنفقة وهل إذا ادعت أنه لم يواصلها بنفقة وحلفت فهل يكون القول قولها مع يمينها ويقع الطلاق أم لا
أجاب رضي الله عنه لا تسمع شهادتهم على نفي مواصلتها بالنفقة والقول قولها مع يمينها فإذا حلفت فالظاهر الحكم بوقوع الطلاق إذا ثبت الوصف المذكور الآخر والله أعلم
412 - مسألة رجل تزوج بامرأة بسؤال أمها وهو يظن أن أمها قالت له في حال صغره أنك ارتضعت مني وهو يشك في قول الأم ولم يتحقق فهل يبطل النكاح بمجرد الشك أم لا
أجاب رضي الله عنه الرضاع المحرم خمس رضعات متفرقات في الحولين فإن كانت إنما أخبرته برضاع أقل من ذلك فلا بأس عليه وإن أخبرته بالرضاع المحرم وليس غيرها يشهد بذلك فلا يثبت التحريم في ظاهر الحكم بل الأحوط أن يطلقها والله أعلم -
ومن كتاب النفقات
413 - مسألة إذا مضى على الزوجة مدة ولم يصل إليها من الزوج كسوة وكانت تحت طاعته فهل يكون ثمنها دينا كالنفقة وهل إذا سكنت في منزلها ومضى عليها مدة هي والزوج ثم ادعت عليه بأجرة مسكن مثلها هل يجب ذلك أم لا وهل يجب أجرة سكناها إذا كان بإذنها ورضاها في الابتداء أم لاأجاب رضي الله عنه لا يصير ثمنها دينا بل هي نفسها تكون دينا
عليه كالنفقة ذهابا إلى أن الأظهر أنه يعتبر في الكسوة التمليك وأما السكنى فتسقط بمضي الزمان فإن المعتبر فيها الانتفاع دون التمليك وكذلك ما يجب لها من أسباب النظافة وأما أجرة سكناه معها في ملكها فإن كانت قد أذنت له في ذلك من الابتداء فهي غير واجبة عليه لأن إذنها المطلق غير مقرون بذكر عوض منزل على الإباحة والإعارة والله أعلم
414 - مسألة رجل يقدر على الكسب بصحة بدنه وله عيال فهل يجب عليه الكسب أو فيه اختلاف عند العلماء
أجاب رضي الله عنه فيه خلاف الأظهر أنه يجب عليه الاكتساب لنفقة من تلزمه نفقته وقد روي عنه صلى الله عليه و سلم كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول وذو المرة السوي معناه ذو القوة السوي الخلقة والله أعلم
415 - مسألة رجل تزوج امرأة من أهل الحضر فأراد نقلها إلى البادية والعيش بها دون عيش أهل الحضر أو إلى بلد يخاف على المقيم به في نفس أو مال أو الطريق إليه يخاف من الأسر فيه أو الغرق أو يكون البلد لأي تمكن الداخل إليه من الخروج منه إلا بعسر أو دار كفر هل يجاب الزوج إلى نقلها إلى ذلك الموضع أم لا
وكذلك هل للزوج أن يسد عليها الكوات في مسكنها ويغلق عليها الأبواب وهي على خلاف المعتاد وهل له أن يمنعها من العمل في منزله من الرقم أو الغزل أو الخياطة وهل لها أن لا تقبل في الكسوة إلا الجديد حتى يكون لها الامتناع من المغسول الذي هو في قوة الجديد وهذا إذا أقرت بدين عليها لتمتنع من السفر مع الزوج ولها مال هل على الحاكم أن يجبرها على دفع الدين إلى الغريم على تسليمه إذا طلب الزوج ذلك ليزول المانع من سفره بها
أجاب رضي الله عنه له نقلها إلى البادية واختلاف العيش لا يمنع من ذلك كما في البلدين المختلفين في العيش ثم لها نفقة معلومة تجب عليه في الحضر والبادية وليس مجرد العيش في الخروج من البلد مانعا من إلزامها موافقته في الانتقال إليها وأما الصور الأخرى فلها الامتناع من موافقته فيها وليس له سد الكوى عليها وله إغلاق باب منزله عليها إذا خاف من ضرر يلحقه في فتحه وليس له منعها من الخياطة والرقم والغزل ونحوها في منزله كما في مثله من المستأجر وأما المغسول القوي في الكسوة فيتبع فيه عادة ذلك البلد فإن العادة في واجب كسوتها معتبرة فإن كان ذلك خارج عن العادة في مثله لم يلزمها قبوله وعلى الحاكم الإجبار المذكور في إبقاء الدين على الوجه المذكور والله أعلم
416 - مسألة رجل تخاصم مع زوجته وغضبت وراحت إلى بيت والدها بغير أمره وأقامت عنده مدة فهل تستحق عليه في تلك المدة نفقة أم لا وإذا رجعت الى الزوج واختلفت هي والزوج في مقدار المدة التي أقامت عند أبيها بغير إذنه فذكرت مدة وذكر الزوج مدة أكثر منها الثبوت قول من
أجاب رضي الله عنه لا كسوة لها ولا نفقة في جميع المدة التي
خرجت من بيتها فيها وأقامت عند أبيها إذا كان ذلك بغيرإذنه وأما اختلافهما في مدة ذلك فإن اتفقا على وقت خروجها وتنازعا متى رجعت إلى طاعته ولا بينة فالقول قول الزوج مع يمينه لأن الأصل عدم رجوعها بغير إذنه فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم خروجها وإن طلقها ذلك فالقول قولها مع يمينها لأن النفقة كانت واجبة وتنازعا فطرأ أن مسقط محل التنازع والأصل عدمه
417 - مسألة وردت من قاض ما الحكم في امرأة غاب عنها زوجها وانقطع خبره ولم يترك لها نفقة هل الفتوى على أن لها المطالبة بالفسخ بسبب ذلك أم لا وكم الأقوال القديمة التي يفتى عليها وما هي
أجاب رضي الله عنه إن الفتيا على أنه مهما كانت واجبة النفقة عليه وتعذرت منه عليها لعدم مال حاضر له مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو كتاب حكمي وغيره لكونه لم يعرف موضعه أو عرف لكن تعذرت مطالبته عرف حاله في اليسار والإعسار أو لم يعرف فلها الفسخ بالحاكم وحكمه كما في الثابت عسره فإن تعذر النفقة بذلك كتعذرها بالإعسار والفرق بينهما بأن الإعسار عيب فرق ضعيف ومن أئمتنا من يرى الافتاء بالمنع من الفسخ لكن الإفتاء بالفسخ هو الصحيح وهو الأصح عند الغزالي رحمه الله ذكر ذلك في مسألة المفقود ولصاحبه أبي الحسن بن الشهرزوري الدمشقي هو صنفها في تصحيحه وتقريره والله أعلم
418 - مسألة إذا غاب الزوج قبل عرضها نفسها عليه وتمكينه منها فكيف الطريق إلى إيجاب نفقتها عليه وهو غائب