كتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الجوزية
و هذه خمرة الدنيا المحرمة المستولية على كل بلية قد اعدها الله
تعالى لأهل الجنة منزوعة البلية موفرة اللذة فلم لا يجوز ان يكون على مثله
الولد انتهى كلامه قلت النافون للولادة في الجنة لم ينفوها لزيغ قلوبهم و
لكن لحديث ابي رزين غير ان لا توالد و قد حكينا من قول عطاء و غيره انهن
مطهارات من الحيض و الولد و قد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف و الخلف
في ذلك قولين وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف و الخلف في ذلك قولين
و حكى قول ابي اسحق بانكاره و قال ابو امامة في حديثه غير ان لا مني و لا
منية و الجنة ليست دار تناسبل بل دار بقاء و خلد لا يموت من فيها فيقوم
نسله مقامه و حديث ابي سعيد الخدري هذا اجود اسانيده اسناد الترمذي و قد
حكم بغرابته و انه لا يعرف الا من حديث ابي الصديق الناجي و قد اضطرب لفظه
فتارة يروى عنه اذا اشتهى الولد و تارة انه ليشتهي الولد و تارة ان الرجل
من أهل الجنة ليولد له فالله اعلم فان كان رسول الله قد قاله فهو الحق
الذي لا شك فيه و هذه الالفاظ لا تنافي بينها و لا تناقض و حديث ابي رزين
غير ان لا توالد اذ ذاك نفى للتوالد المعهود في الدنيا و لا ينفي ولادة
حمل الولد فيها و وضعه و سنه و شبابه في ساعة واحدة فهذا ما انتهى اليه
علمنا القاصر في هذه المسالة و قد اتينا فيها بما لعلك لا تجده في غير هذا
الكتاب و الله اعلم
الباب السابع و الخمسون
في ذكر سماع الجنة و غناء الحور العين و ما فيه من الطرب و اللذةقال تعالى و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فاما اللذين امنوا و عملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون قال محمد بن جرير حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا عامر بن نساف قال سالت يحيى بن ابي كثير عن قوله عز و جل فهم في روضة يحبرون قال الحبرة اللذة و السماع حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير في قوله يحبرون قال السماع في الجنة و لا يخالف هذا قول ابن عباس يكرمون و قال مجاهد و قتادة ينعمون فلذة الاذن بالسماع من الحبرة و النعيم و قال الترمذي حدثنا هناد و احمد بن منيع قالا حدثنا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي قال قال رسول الله ان في الجنة
لمجتمعا للحور العين يرفعن باصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد و نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا و كنا له و في الباب عن ابي هريرة و ابي سعيد وانس و حديث على حديث غريب قلت و في الباب عن ابن ابي اوفى و ابي امامة و عبد الله بن عمر ايضا فاما حديث ابي هريرة فقال جعفر الفريابي حدثنا سعد بن حفص حدثنا محمد بن مسلمة عن ابي عبد الرحمن عن زيد بن ابي انيسة عن المنهال بن عمرو عن ابي صالح عن ابي هريرة قال ان في الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين باصوات حتى يسمعها الخلائق ما يرون في الجنة لذة مثلها فقلنا يا ابا هريرة و ما ذاك الغناء قال ان شاء الله التسبيح و التحميد و التقديس و ثناء على الرب عز و جل هكذا رواه موقوفا و روى لابو نعيم في صفة الجنة من حديث مسلمة ابن علي عن زيد بن واقد عن رجل عن ابي هريرة قال قال رسول الله ان في الجنة شجرة جذوعها من ذهب و فروعها من زبرجد و لؤلؤ فتهب لها ريح فيصطفقن فما سمع السامعون بصوت شيء قط الذ منه و اما حديث انس فقال ابو نعيم انبانا عبد الله بن جعفر حدثنا اسماعيل بن عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن ابراهيم حدثنا ابن ابي فديك عن ابن ابي ذئب عن عون بن الحطاب عن عبد الله بن رافع عن ابي الاسن عن انس قال قال رسول الله ان الحور العين يغنين في الجنة يقلن نحن الحور الحسان خلقن لازواج كرام و رواه ابن ابي الدنيا حدثنا ابو خيثمة حدثنا اسماعيل بن عمر حدثنا ابن ابي ذئب عن ابي عبد الله بن رافع عن بعض ولد انس فذكره و اما حديث ابن ابي اوفى فقال ابو نعيم حدثنا محمد بن جعفر من اصله حدثنا موسى بن هارون حدثنا حامد بن يحيى البلخي حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا الوليد بن ابي ثور و حدثني سعد الطائي عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن ابي اوفى قال قال رسول الله يزوج كل واحد من أهل الجنة اربعة الاف بكر و ثمانية الاف ايم و مائة حوراء فيجتمعن في كل سبعة ايام فيقلن باصوات حسان لم تسمع الخلائق بمثلهن نحن الخالدات فلا نبيد و نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الراضيات فلا نسخط و نحن المقيمات فلا نظعن طوبى لمن كان لنا و كنا له و اما حديث ابي امامة فقال جعفر
الفريابي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد عن ابي
مالك عن ابيهخ عن خالد بن معدان عن ابي امامة عن رسول الله قال ما من عبد
يدخل الجنة الا و يجلس عند راسه و عند رجليه ثنتان من الحور العين يغنيانه
باحسن صوت سمعه الانس و الجن و ليس بمزامير الشيطان و اما حديث ابن عمر
فقال الطبراني حدثنا ابو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى بن الفرات المصري
حدثنا سعيد بن ابي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن ابي كثير عن زيد ابن اسلم
عن ابن عمر قال قال رسول الله ان ازواج أهل الجنة ليغنين لازواجهن باحسن
اصوات ما سمعها احد قط ان مما يغنين به نحن الخيرات الحسان ازواج قوم كرام
ينظرون بقرة اعين و ان مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات
فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه قال الطبراني لم يروه عن زيد بن اسلم
الا محمد تفرد به بن ابي مريم و قال ابن وهب حدثني سعيد ابن ابي ايوب قال
و قال رجل من قريش لابن شهاب هل في الجنة سماع فانه حبب الي السماع فقال
أي و الذي نفس ابن شهاب بيده ان في الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ و الزبرجد
تحته جوار ناهدات يتغنين بالوان يقلن نحن الناعمات فلا نبأس و نحن
الخالدات فلا نموت يتغنين بالوان فاذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فاجبن
الحواري فلا ندري اصوات الحواري احسن ام اصوات الشجر قال ابن وهب و حدثنا
الليث بن سعد عن خالد بن يزيد ان الحور العين يغنين ازواجهن فيقلن نحن
الخيرات الحسان ازواج شباب كرام و نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات
فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نطعن في صدر احداهن
مكتوب انت حبي و انا حبك انتهت نفسي عندك لم تر عيناني مثلك و قال ابن
المبارك حدثنا الاوزاعي حدثنا يحيى بن ابي كثير ان الحور العين يتلقين
اوزواجهن عند ابواب الجنة فيقلن طالما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط و
المقيمات فلا نظعن و الخالدات فلا نموت باحسن اصوات و تقول انت حبي و انا
حبك ليس دونك مقصر و لا وراءك معد فصل و لهم سماع اعلى من هذا
قال ابن ابي الدنيا حدثني دهثم بن الفضل القرشي حدثنا
الاوزاعي قال بلغني انه ليس من خلق الله احسن صوتا من اسرافيل فيامره الله تبارك و تعالى فياخذ في السماع فما يبقى ملك في السماوات الا قطع عليه صلاته فيمكث بذلك ما شاء الله ان يمكث فيقول الله عز و جل و عزتي و جلالي لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري و حدثني داود بن عمر الضيبي حدثنا عبد الله ابن المبارك عن مالك بن انس عن محمد بن المنكدر قال اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين كانوا ينزهون اسماعهم و انفسهم عن مجالس اللهو و مزامير الشيطان اسكنوهم رياض المسك ثم يقول للملائكة اسمعوهم تمجيدي و تحميدي و قال ابن ابي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثني عبد الله بن ابي بكر حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار في قوله عز و جل و ان له عندنا لزلفى و حسن مآب قال اذا كان يوم القيامة امر بمنبر رفيع فوضع في الجنة ثم نودي يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان فذلك قوله تعالى و ان له عندنا لزلفى و حسن ماب و ذكر حماد بن سلمة عن ثابت البناني و حجاج الاسود عن شهر بن حوشب قال ان الله جل ثناؤه يقول للملائكة ان عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من اجلي فاسمعوا عبادي فياخذوا باصوات من تهليل و تسبيح و تكبير لم يسمعوا بمثله قط و قال عبد الله بن الامام احمد في كتاب الزهد لابيه حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثني سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك بن دينار في قوله عز و جل و ان له عندنا لزلفى و حسن ماب قال يقيم الله سبحانه داود عند ساق العرش فيقول يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم فيقول الهي كيف امجدك و قد سلبتنيه في دار الدنيا قال فيقول الله عز و جل فاني ارده عليك قال فيرده عليه فيزداد صوته قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة و قال ابن ابي الدنيا حدثنا مسلم بن ابراهيم الحراني حدثنا مسكين بن بكير عن الاوزاعي عن عبيدة بن ابي لبابة قال ان في الجنة شجرة ثمرها زبرجد و ياقوت و لؤلؤ فيبعث الله ريحا فتصفق فتسمع لها اصوات لم يسمع الذ منها حدثنا أبو بكر بن يزيد وابراهيم بن سعيد قالا حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا رفعة بن صالح عن سلمة بن زهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم فيذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك
الشجرة بكل لهو كان في الدنيا حدثنا ابراهيم بن سعيد حدثنا
ابراهيم بن سعيد حدثنا علي بن عاصم حدثني سعيد بن سعيد الحارثي قال حدثت
ان في الجنة اجاما من قصب من ذهب حملها اللؤلؤ فاذا اشتهى أهل الجنة
يسمعوا صوتا حسنا بعث الله على تلك الاجام ريحا فتاتيهم بكل صوت يشتهونه
فصل
و لهم سماع اعلى من هذا يضمحل دونه كل سماع و ذلك حين يسمعون كلام الرب جل
جلاله و خطابه و سلامه عليهم و محاضرته لم و يقرا عليهم كلامه فاذا سمعوه
منه فكانهم لم يسمعوه قبل ذلك و سيمر بك ايها السني من الاحاديث الصحاح و
الحسان في ذلك ما هو من احب سماع لك في الدنيا و الذ لاذنك و اقر لعينك اذ
ليس في الجنة لذة اعظم من النظر الى وجه الرب تعالى و سماع كلامه منه و لا
يعطى أهل الجنة شيئا احب اليهم من ذلك و قد ذكر ابو الشيخ عن صالح بن حبان
عن عبد الله بن بريدة قال ان أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار جل
جلاله فيقرا عليهم القران و قد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على
منابر الدر و الياقوت و الزبرجد و الذهب و الزمرد فلم تقر اعينهم بشيء و
لم يسمعوا شيئا قط اعظم و لا احسن منه ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين قريرة
اعينهم الى مثلها من الغد
الباب الثامن و الخمسون
في ذكر مطايا أهل الجنة و خيولهم و مراكبهمقال الترمذي حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن ابيه ان رجلا سال النبي فقال يا رسول الله هل في الجنة من خيل قال ان ادخلك الله الجنة فلا تشاء ان تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت قال و سأله رجل فقال يا رسول الله هل في الجنة من ابل قال فلم يقل ما قال لصاحبه قال ان ادخلك الله الحنه يكن لك فيها ما اشتهت نفسك و لذت عينك حدثنا سويد بن نصر انبانا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي نحوه
بمعناه و هذا اصح من حديث المسعودي حدثنا محمد بن اسماعيل بن سمرة الاحمسي حدثنا ابو معاوية عن واصل بن السائب عن ابي سورة عن ابي ايوب قال اتى النبي اعرابي فقال يا رسول الله اني احب الخيل افي في الجنة خيل قال رسول الله اذا دخلت الجنة اتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه ثم طار بك حيث شئت قال الترمذي هذا حديث اسناده ليسي بالقوي و لا نعرفه من حديث ابي ايوب الا من هذا الوجه و ابو سورة هو ابن اخي ابي ايوب يضعف في الحديث ضعفه ابن معين جدا و سمعت محمد بن اسماعيل يقول ابو سورة هذا منكر الحديث يروي مناكير عن ابي ايوب لا يتابع عليه قلت اما حديث علقمة بن مرثد فقد اضطرب فيه علقمة فمرة يقول عن سليمان بن بريدة عن ابيه و مرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن عهمير بن ساعدة قال كنت احب الخيل فقلت هل في الجنة خيل يا رسول الله و مرة يقول قال رجل من الانصار يقال له عمير بن ساعدة يا رسول الله و مرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي و الترمذي جعل هذا اصح من حديث المسعودي لان سفيان احفظ منه و اثبت و قد رواه ابو نعيم من حديث علقمة هذا فقال عن ابي صالح عن ابي هريرة ان اعرابيا قال يا رسول الله افي الجنة ابل قال يا اعرابي ان يدخلك الله الجنة رايت فيها ما تشتهي نفسك و تلذ عينك و رواه أيضا من حديث علقمة عن يحيى ابن اسحق عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة قال قال رسول الله و ذكر الجنة فقال و الفردوس اعلاها سموا و اوسعها منه محلا و منها تفجر انهار الجنة و عليها يوضع العرش يوم القيامة فقام إليه رجل فقال يا رسول الله اني رجل حبب الي الخيل فهل في الجنة خيل قال أي و الذي نفسي بيده ان في الجنة لخيلا و ابلا هفافة تزف بين خلال ورق الجنة يتزاورون عليها حيث شاؤوا فقام اليه رجل فقال يا رسول الله اني حبب الي الابل و ذكر الحديث و اما حديث ابي سورة فلا يعرف الا من حديث واصل بن السائب عنه لم يروه عنه غيره و غير يحيى بن جابر الطائي و قد اخرج له ابو داود حديث ستفتح عليكم الامصار و تجندون اجنادا و اخرج له ابن ماجة عن ابي ايوب رايت النبي توضا فخلل لحيته و حديثا اخر في تفسير قوله تعالى حتى تستانسوا و اخرج له الترمذي حديث خيل الجنة فقط و رواه ابو نعيم من حديث جابر بن نوح عن واصل به و قال ان أهل الجنة ليتزاورون
على نجائب بيض كانها الياقوت و ليس في الجنة من البهائم الا
الخيل و الابل و قال ابو الشيخ حدثنا القاسم بن زكريا حدثنا سويد بن سعيد
حدثنا مروان ابن معاوية عن ابي الحكم عن ابي خالد عن الحسن البصري عن جابر
بن عبد الله عن النبي قال اذا دخل أهل الجنة الجنة جائتهم خيول من ياقوت
احمر لها اجنحة لا تبول و لا تروث فقعدوا عليها ثم طارت بهم في الجنة
فيتجلى لهم الجبار فاذا راوه خروا سجدا فيقول لهم الجبار تعالى ارفعوا
رؤوسكم فان هذا ليس يوم عمل انما هو يوم نعيم و كرامة فيرفعون رؤوسهم
فيمطر الله عليهم طيبا فيمرون بكثبان المسك فيبعث الله على تلك الكثبان
ريحا فتهيجها عليهم حتى انهم ليرجعوا الى أهليهم و انهم لشعث غبر و قال
عبد الله بن المبارك حدثنا همام عن قتادة عن عبد الله بن عمرو و قال في
الجنة عتاق الخيل و كرائم النجائب
الباب التاسع و الخمسون
في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا و تذاكرهم ما كان بينهم في الدنياقال تعالى و اقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم اني كان لي قرين يقول ائنك لمن المصدقين ائذا متنا و كنا ترابا وعظاما ائنا لمدينون قال هل انتم مطلعون فاطلع فراه في سواء الجحيم قال تالله ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين فاخبر الله سبحانه و تعالى ان أهل الجنة اقبل بعضهم على بعض يتحدثون و يسأل بعضهم بعضا عن احوال كانت في الدنيا فافضت بهم المحادثة و المذاكرة الى ان قال قائل منهم اني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث و الدار الاخرة و يقول ما حكاه الله عنه يقول ائنك لمن المصدقين بانا نبعث و نجازى باعمالنا و نحاسب بها بعد ان مزقنا البلى و كنا ترابا و عظاما ثم يقول المؤمن لاخوانه في الجنة هل انتم مطلعون في النار لننظر منزلة قريني هذا و ما صار اليه هذا اظهر الاقوال و فيها قولان اخران احدهما ان الملائكة تقول لهؤلاء المتذاكرين الذين يحدث بعضهم بعضا هل انتم مطلعون رواه عطاء عن ابن عباس و الثاني انه من قوله الله عز و جل لأهل الجنة يقول لهم هل انتم مطلعون والصحيح القول الاول و ان هذا قول المؤمن لاصحابه و محادثيه و السياق كله و الاخبار عنه و عن حال قرينه قال كعب بين الجنة و النار كوى فاذا اراد المؤمن ان ينظر الى عدو كان له في الدنيا
اطلع من بعض تلك الكوى و قوله فاطلع أي اشرف قال مقاتل لما قال لأهل الجنة هل انتم مطلعون قالوا له انت اعرف به منا فاطلع انت فاشرف فراى قرينه في سواء الجحيم و لولا ان الله عرفه اياه لما عرفه لقد تغير وجهه و لونه و غيره العذاب اشد تغيير فعندها قال الله ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أي ان كدت لتهلكني ولولا أن أنعم الله علي بنعمته لكنت من المحضرين معك في العذاب و قال تعالى و اقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا انا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا و وقانا عذاب السموم انا كنا من قبل ندعوه انه هو البر الرحيم و قال الطبراني حدثنا الحسن ابن اسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن شريك عن بشر بن نمير عن القاسم عن ابي امامة قال سئل رسول الله ايتزاور أهل الجنة قال يزور الاعلى الاسفل و لا يزور الاسفل الاعلى الا الذين يتحابون في الله يأتون منها حيث شاؤوا على النوق محتقبين الحشايا و قال الدورقي حدثنا ابو سلمة التبوذكي حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال بلغنا ان أهل الجنة يزور الاعلى الاسفل و لا يزور الاسفل الاعلى و قد تقدم حديث علقمة بن مرثد عن يحيى بن اسحاق عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة رضي الله عنه و قال الطبراني حدثنا محمد بن عبدوس حدثنا الحسن بن حماد حدثنا جابر بن نوح عن واصل بن السائب عن ابي سورة عن ابي ايوب يرفعه ان أهل الجنة يتزاورون على النجائب و قد تقدم فأهل الجنة يتزاورون فيها و يستزير بعضهم بعضا و بذلك تتم لذتهم و سرورهم و لهذا قال حارثة للنبي و قد ساله كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا حقا قال ان لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي و اظمات نهاري و كاني انظر الى عرش ربي بارزا و الى أهل الجنة يتزاورون فيها والى أهل النار يعذبون فيها فقال عبد نور الله قلبه و قال ابن ابي الدنيا حدثنا عبد الله حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن انس قال قال رسول الله اذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الاخوان بعضهم الى بعض قال فيسير سرير هذا الى سرير هذا وسرير هذا الى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيقول احدهما لصاحبه تعلم متى غفر الله لنا فيقول صاحبه يوم كنا في موضع كذا و كذا فدعونا الله
فغفر لنا قال و حدثني حمزة بن العباس انبانا عبد الله بن عثمان انبانا ابن المبارك انبانا اسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن ايوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع ان رسول الله قال ان من نعيم أهل الجنة انهم يتزاورون على المطايا و النجب و انهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث و لا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله عز و جل فياتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رات و لا اذن سمعت فيقولون امطري علينا فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق امانيهم ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف كثائب من مسك عن ايمانهم و عن شمائلهم فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم و في مفارقهم و في رؤوسهم و لكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك اللجام و في الخيل و فيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا الى ما شاء الله تعالى فاذا المراة تنادي بعض اولئك يا عبد الله اما لك فينا حاجة فيقول ما انت و من انت فتقول انا زوجتك و حبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المراة او ما علمت ان الله قال فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون فيقول بلى و ربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف اربعين خريفا لا يلتفت و لا يعود ما يشغله عنها الا ما هو فيه من النعيم و الكرامة حدثني حمزة انباني عبد الله بن عثمان انبانا بن المبارك انبانا رشدين ابن سعد قال حدثني ابن انعم ان ابا هريرة قال ان أهل الجنة ليتزاورون على العيس الجون عليها رحال الميس تثير مناسمها غبار المسك خطام او زمام احدها خير من الدنيا و ما فيها و ذكر ابن ابي الدنيا من حديث ابي اليمان حدثنا اسماعيل بن عياش عن عمرو بن محمد عن زيد بن اسلم عن ابيه عن ابي هريرة عن النبي انه سال جبريل عن هذه الاية و نفخ في الصور فصعق من في السماوات و من في الارض الا من شاء الله قال هم الشهداء يبعثهم الله متقلدين اسيافهم حول عرشه فاتاهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت ازمتها الدر الابيض برحال الذهب اعناقها السندس و الاستبرق و نمارقها الين من الحرير مد خطاها مد ابصار الرجال يسيرون في الجنة على خيول يقولون عند طول النزهة انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه يضحك الله اليهم و اذا ضحك الله الى عبد في موطن فلا حساب عليه قال ابن ابي الدنيا و حدثنا الفضل بن جعفر
ابن حسن حدثنا ابي عن الحسن بن علي عن علي قال سمعت رسول الله
يقول أن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل و من أسفلها خيل من ذهب مسرجة
ملجمة من در و ياقوت لا تروث و لا تبولا لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها
أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين اسفل منهم درجة يا رب بما بلغ
عبادك هذه الكرامة قال فيقال لهم كانوا يصلون في الليل و كنتم تنامون و
كانوا يصومون و كنتم تأكلون و كانوا ينفقون و كنتم تبخلون و كانوا يقاتلون
و كنتم تجبنون فصل
و لهم زيارة أخرى أعلى من هذه و اجل و ذلك حين يزورون ربهم تبارك و تعالى
فيريهم وجهه و يسمعهم كلامه و يحل عليهم رضوانه و سيمر بك ذكر هذه الزيارة
عن قرب ان شاء الله تعالى
الباب الستون في ذكر سوق الجنة و ما اعد الله تعالى فيه لأهلها قال
مسلم في صحيحه حدثنا سعيد بن عبد الجبار الصيرفي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن انس بن مالك ان رسول الله قال ان في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم و ثيابهم فيزدادون حسنا و جمالا فيرجعون الى أهليهم و قد ازدادوا حسنا و جمالا فيقول لهم أهلوهم و الله لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا فيقولون و الله و انتم لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا رواه الامام احمد في مسنده عن عفان عن حماد بن سلمة و قال فيها كثبان المسك فاذا خرجوا اليها هبت الريح و قال ابن ابي عاصم في كتاب السنة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن ابي العسر عن الاوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب انه لقي ابا هريرة فقال ابو هريرة اسال الله ان يجمع بيني و بينك في سوق الجنة فقال سعيد او فيها سوق قال نعم اخبرني رسول الله ان أهل الجنة اذا دخلوها نزلوها بفضل اعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة عن ايام الدنيا فيزورون الله تبارك و تعالى فيبرز لهم عرشه و يتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ياقوتو منابر من ذهب و منابر من فضة و يجلس أدناهم و ما فيها دنى على كثبان المسك و الكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة وهل نرى ربنا عز و جل قال نعم قال هل تمارون في رؤية الشمس و القمر ليلة البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم و لا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول يا فلان ابن فلان أتذكر يوم فعلت كذا و كذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول بلى افلم تغفر لي فيقول بلى فمغفرتي بلغت منزلتك هذه قال فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا تبارك و تعالى قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله و لم تسمع الأذان و لم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه و لا يشترى و في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه و ما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس و الهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه احسن منه و ذلك أنه لا ينبغي لاحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا و أهلا بحبنا لقد جئت و إن بك من الجمال و الطيب افضل مما فارقتنا عليه فتقول أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز و جل و بحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا و رواه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار و ليس في هذا الإسناد من ينظر فيه إلا عبد الحميد بن حبيب و هو كاتب الاوزاعي فلا ننكر عليه تفرده عن الاوزاعي بما لم يروه غيره و قد قال الإمام احمد و أبو حاتم الرازي هو ثقة و أما دحيم و النسائي فضعفاه و لا نعرف أنه حدث عن غير الاوزاعي و الترمذي قال في هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قلت و قد رواه ابن أبي الدنيا عن الحكم بن موسى حدثنا هقل بن زياد عن الاوزاعي قال نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة فذكره و قال الترمذي حدثنا أحمد بن صنيع حدثنا أبو معاوية أنبانا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي بن ابي طالب قال قال رسول الله إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء و لا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل الصورة دخل فيها قال هذا حديث غريب و قال عبد الله بن المبارك أنبانا سليمان التيمي
عن انس بن مالك قال يقول أهل الجنة انطلقوا إلى السوق فينطلقون
إلى كثبان المسك فإذا رجعوا إلى أزواجهم قالوا أنا لنجد لكن ريحا ما كانت
لكن قال فيقلن لقد رجعتم بريح ما كانت لكم إذ خرجتم من عندنا قال ابن
المبارك و أنبانا حميد الطويل عن انس بن مالك قال إن في الجنة سوقا كثبان
مسك يخرجون إليها و يجتمعون إليها فيبعث الله ريحا فتدحلها بيوتهم فيقول
لهم أهلوهم إذا رجعوا إليهم قد ازددتم حسنا بعدنا فيقولون لأهليهم قد
ازددتم أيضا بعدنا حسنا و قال الحافظ محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف
بمطين حدثنا احمد بن محمد بن طريف البجلي حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير
حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله قال
خرج علينا رسول الله و نحن مجتمعون فقال يا معشر المسلمين إن في الجنة
لسوقا ما يباع فيها و لا يشترى إلا الصور من احب صورة من رجل أو امرأة دخل
فيها و الله أعلم
الباب الحادي و الستون
في ذكر زيارة أهل الجنة ربهم تبارك و تعالىقال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مسنده حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع انس بن مالك يقول أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكانت إلى النبي فقال النبي ما هذه قال الجمعة فضلت بها أنت و أمتك فأناس لكم فيها تبع اليهود و النصارى و لكم فيها خير و فيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له و هو عندنا يوم المزيد قال النبي يا جبريل و ما يوم المزيد قال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا افيح فيه كثب المسك فإذا كان يوم القيامة انزل الله تبارك و تعالى ما شاء من ملائكته و حوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين و حف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت و الزبرجد عليها الشهداء و الصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيقول الله تبارك و تعالى أنا ربكم قد صدقتم وعدي فسلوني أعطكم فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم و لكم علي ما تمنيتم و لدي مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير و هو اليوم الذي
استوى فيه ربكم على العرش و فيه خلق آدم عليه الصلاة و السلام و فيه تقوم الساعة و لهذا الحديث طرق سنشير إليها في باب المزيد إن شاء الله تعالى و روى أبو نعيم من حديث شيبان بن خيبر بن فرقد عن الحسن عن أبي برزة الاسلمي عن النبي قال إن أهل الجنة ليغدون في حلة و يروجون في أخرى كغدو أحدكم و رواحه إلى ملك من ملوك الدنيا كذلك يغدون و يروحون إلى زيارة ربهم عز و جل و ذلك لهم بمقادير و معالم يعلمون تلك الساعة التي يأتون فيها ربهم عز و جل قال و روى جعفر بن حسن بن فرقد عن أبيه مثله و ذكر أبو نعيم أيضا من حديث أبي اسحاق عن الحارث عن علي قال إذا سكن أهل الجنة الجنة اتاهم ملك فيقول لهم ان الله تبارك و تعالى يامركم ان تزوروه فيجتمعون فيامر الله تبارك و تعالى داود عيله السلام فيرفع صوته بالتسبيح و التهليل ثم يوضع مائدة الخلد قالوا يا رسول الله و ما مائدة الخلد قال زاوية من زواياه اوسع مما بين المشرق و المغرب فيطعمون ثم يسقون ثم يكسون فيقولون لم يبق إلا النظر في وجه ربنا عز و جل فيتجلى لهم فيخرون سجدا فيقال لهم لستم في دار عمل انما انتم في دار جزاء و قال ابن أبي الدنيا حدثنا أبو موسى اسحاق بن إبراهيم الهروي حدثنا القاسم بن يزيد الموصلي قال حدثني أبو الياس قال حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال قال رسول الله حدثني أبو نعيم حدثنا محمد ابن علي بن حنيش حدثنا إبراهيم بن شريك حدثنا احمد بن يونس حدثنا المعافى بن عمران و كان من خيار الناس قال حدثني إدريس بن سنان عن وهب بن منبه عن محمد بن علي قال إدريس ثم لقيت محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة فحدثني قال قال رسول الله ان في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو سخر الجواد الراكب ان يسير في ظلها لسار فيها مائة عام ورقها برود خضر و زهرها رياض صفر و اقنابها سندس و استبرق و ثمرها حلل و صمغها زنجبيل و عسل و بطحاؤها ياقوت احمر و زمرد أخضر و ترابها مسك و حشيشها زعفران منيع و إلا لنجوج يؤججان من غير وقود و يتفجر من اصلها انهار و السلسبيل و المعين و الرحيق و ظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه و متحدث يجمعهم فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبن جبلت من الياقوت ثم نفخ فيها الروح مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة و حسنا وبرها خز أحمر و مرزعي أبيض مختلطان لم ينظر الناظرون إلى مثلها
عليها رجائل الواحها من الدر و الياقوت مفصصة باللؤلؤ والمرجان و صفافها من الذهب الأحمر ملبسة بالعبقري و الأرجوان فأناخوا إليهم تلك النجائب ثم قالوا لهم إن ربكم تبارك و تعالى يقرئكم السلام و يستزيركم لتنظروا اليه وينظر اليكم و تحيونه و يحييكم و يكلمكم وتكلمونه و يزيدكم من سعته و فضله أنه ذو رحمة واسعة و فضل عظيم فيتحول كل رجل منهم على راحلته ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا لا يفوق منه شيء شيئا ولا يقرب اذن الناقة اذن صاحبتها و لا تركب ناقة بركت صاحبتها و لا يمرون بشجر من اشجار الجنة إلا اتحفتهم بثمرها و رحلت لهم بمن طريقهم كراهية ان ينثلم صفهم أو يفرق بين الرجل و رفيقه فلما دفعوا إلى الجبار تبارك و تعالى اسفر لهم عن وجهه الكريم و تجلى لهم في عظمته العظيمة فقالوا ربنا أنت السلام و منك السلام و لك حق الجلال و الاكرام فقال لهم ربهم تبارك و تعالى إني السلام و مني السلام و لي حق الجلال و الإكرام مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي و راعوا عهدي و خافوني بالغيب و كانوا مني على كل حال مشفقين قالوا و عزتك و جلالك و علو مكانك ما قدرناك حق قدرك و ما ادينا اليك كل حقك فائذن لنا بالسجود لك فقال لهم ربهم تبارك و تعالى إني قد وضعت عنكم مؤنة العباد و ارحت لكم ابدانكم فلطالما ما اتعبتم لي الابدان و اعنيتم لي الوجوه فالان افضيتم إلى روحي و رحمتي و كرامتي فاسئلوني ما شئتم و تمنوا على علي اعطكم أمإنيكم فإني لن اجزيكم اليوم بقدر اعمالكم و لكن بقدر رحمتي و كرامتي و طولي و جلالي و علو مكاني و عظمة شأني فلا يزالون في الأمإني و العطايا و المواهب حتى ان المقتصر من امنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله عز و جل إلى يوم افناها فقال لهم ربهم عز و جل لقد قصرتم في أمإنيكم و رضيتم بدون ما يحق لكم فقد اوجبت لكم ما سألتم و تمنيتم و الحقت بكم ذريتكم و زدتكم ما قصرت عنه أمانيكم و لا يصح رفعه إلى النبي و حسبه ان يكون من كلام محمد بن علي فغلط فيه بعض هؤلاء الضعفاء فجعله من كلام النبي عليه الصلاةو السلام و إدريس بن سنان هذا هو سبط وهب بن منبه ضعفه ابنم عدي و قال الدار قطني متروك و أما أبو الياس المتابع له فلا يدري من هو و أما القاسم بن يزيد الموصلي الراوي عنه فمحمول أيضا و مثل هذا لا يصح رفعه و الله أعلم و قال الضحاك في قوله عز و جل يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال على النجائب عليها الرحال
الباب الثاني و الستون
في ذكر السحاب و المطر الذي يصيبهم في الجنةقد تقدم في حديث سوق الجنة أنه يغشاهم يوم الزيارة سحابة من فوقهم فتمطر عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه قط و قال بقية بن الوليد حدثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال ان من المزيد ان تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون ان أمطركم فلا يتمنون شيئا إلا أمطروا و قال ابن أبي الدنيا حدثني ازهر بن مروان حدثنا عبد الله بن عبد الله الشيبإني عن عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن صفي اليماني قال سأله عبد العزيز بن مروان عن وفد أهل الجنة انهم يفدون إلى الله سبحانه و تعالى كل يوم خميس فتوضع لهم اسرة كل إنسان منهم اعرف بسريره منك بسريرك هذا الذي أنت عليه فإذا قعدوا عليه و اخذ القوم مجالسهم قال تعالى اطعموا عبادي و خلقي و جيراني و وفدي فيطعموا ثم يقول اسقوهم قال فيأتون إنية من الوان شتى مختمة فيشربون منها ثم يقول عبادي و خلقي و جيراني و وفدي قد طعموا و شربوا فكهوهم فتجيء ثمرات شجر تدلى فيأكلون منها ما شاؤا ثم يقول عبادي وخلقي وجيراني ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا اكسوهم فتجيء ثمرات شجر اصفر و أخضر و أحمر و كل لون لم تنبت إلا الحلل فتنشر عليهم حللا و قمصا ثم يقول عبادي و خلقي و جيرإني و وفدي قد طعموا و شربوا و فكهوا و كسوا طيبوهم فيتناثرون عليهم المسك مثل رذاذا المطر ثم يقول عبادي وجيراني وخلقي ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا وكسوا وطيبوا لاتجلين لهم حتى ينظروا الي فإذا تجلى لهم فنظروا إليه نضرت وجوههم ثم يقال لهم ارجعوا إلى منازلكم فتقول لهم أزواجهم خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها فيقولون ذلك ان الله جل ثناؤه تجلى لنا فنظرنا إليه فنضرت وجوهنا و قال عبد الله بن المبارك أنبانا اسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن ايوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع ان رسول الله قال ان من نعيم أهل الجنة انهم يتزاورون على المطايا والنجب وانهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث و لا تبول يركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله فياتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت فيقولون أمطري علينا
فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ثم يبعث الله
ريحا غير مؤذية فتنسف كثبانا من مسك عن ايمانهم وعن شمائلهم فيأخذون ذلك
المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقها وفي رؤوسهم و لكل رجل منهم جمة على ما
اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام و في الخيل و فيما سوى ذلك من
الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله من فإذا المرأة تنادي بعض
أولئك يا عبد الله أما لك فينا من حاجة فيقول ما أنت ومن أنت فتقول أنا
زوجتك وحبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المراة أو ما تعلم ان الله و
تعالى قال فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون
فيقول بلى و ربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف اربعين خريفا ما يشغله
عنها إلا ما هو فيه من النعيم فصل
و قد جعل الله سبحانمه و تعالى السحاب و ما يمطره سببا للرحمة و الحياة في
هذه الدار و يجعله سببا لحياة الخلق في قبورهم حيث يمطر على الأرض اربعين
صباحا مطرا متداركا من تحت العرش فينبتون تحت الأرض كنبات الزرع و يبعثون
يوم القيامة و السماء تطش عليهم و كأنه و الله أعلم اثر ذلك المطر العظيم
كما يكون في الدنيا و يثير لهم سحابا في الجنة يمطرهم ما شاؤوا من طيب و
غيره و كذلك أهل النار ينشئ لهم سحابا يمطر عليهم عذابا إلى عذابهم كما
أنشأ لقوم هود وقوم شعيب سحابا أمطر عليهم عذابا أهلكهم فهو سبحانه ينشئه
للرحمة و العذاب
الباب الثالث و الستون
في ذكر ملك الجنة و ان أهلها كلهم ملوك فيهاقال تعالى و إذا رايت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد ملكا كبيرا قال عظيما و قال استئذان الملائكة عليهم لا تدخل الملائكة عليهم إلا باذن و قال كعب في قوله تعالى و إذا رأيت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا يرسل اليهم ربهم الملائكة فتأتي الملائكة فتستأذن عليهم الملائكة و قال بعضهم الخدم و لا يدخل عليهم الملائكة إلا باذن و قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر مراكب أهل الجنة ثم تلا و إذا رايت ثم رايت نعيما و ملكا كبيرا و قال ابن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول في قوله عز و جل و إذا رأيت
ثم رأيت نعيما و ملكا كبيرا قال الملك الكبير ان رسول الله يأتيه بالتحفة و اللطف فلا يصل إليه حتى يستأذن له عليه فيقول للحاجب استاذن على ولى الله فإني لست اصل إليه فيعلم ذلك الحاجب حاجبا اخر و حاجبا بعد حاجب و من داره إلى دار السلام باب يدخل منه على ربه إذا شاء بلا اذن فالملك الكبير ان رسول الله رسول رب العزة لا يدخل عليه إلا باذن و هو يدخل على ربه بلا اذن و قال ابن أبي الدنيا حدثنا صالح بن مالك حدثنا صالح المري حدثنا يزيد الرقاشي عن انس بن مالك يرفعه ان اسفل اهل الجنة اجمعين درجة من يقوم على رأسه عشرة الاف خادم حدثنا محمد بن عباد بن موسى انبأنا زيد بن الحباب عن أبي هلال الراسبي انبأنا الحجاج بن عتاب العبدي عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي هريرة قال ان ادنى أهل الجنة منزلة و ليس فيهم دنيء من يغدو عليه كل يوم و يروح خمسة عشر ألف خادم ليس منهم خادم إلا و معه طرفة ليست مع صاحبه و حدثني محمد بن عباد حدثنا زيد بن الحباب عن أبي هلال حدثنا حميد بن هلال قال ما من رجل من أهل الجنة إلا و له ألف خازن ليس منهم خازن الاعلى عمل ليس عليه صاحبه و حدثني هارون بن سفيان انبأنا محمد بن عمر انبأنا الفضل بن فضالة عن زهرة بن معبد عن أبي عبد الرحمن الحبلى قال ان العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ حدثني هارون بن سفيان حدثنا محمد بن عمر انبأنا محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة قال ان ادنى أهل الجنة منزلة و ما فيهم دنيء لمن يغدو عليه عشرة الاف خادم مع كل خادم طرفة ليسيت مع صاحبه و قال عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى بن ايوب حدثني عبد الله بن رجز عن محمد بن أبي ايوب المخزومي عن أبي عبد الرحمن المغافري قال أنه ليصف للرجل من أهل الجنة سماطان لا يرى طرفاهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه و قال أبو خيثمة حدثنا الحسن ابن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله ان ادنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم و اثنتان و سبعون زوجة و تنصب له قبة من لؤلؤ و ياقوت و زبرجد كما بين الجابية و صنعاء و قال عبد الله بن المبارك أنبأنا بقية بن الوليد حدثني ارطاة بن المنذر قال سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج قال جلست
إلى أبي امامة فقال ان المؤمن يكون متكئا على اريكة إذا دخل الجنة و عنده سماطان من الخدم و عند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك من ملائكة الله عز و جل ليستأذن فيقوم ادنى الخدم إلى الباب فإذا هو بالملك يستأذن فيقول للذي يليه ملك يستأذن ويقول للذي يليه ملك يستأذنه حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول اقربني إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذي يليه للذي يليه ائذنوا له كذلك حتى يبلغ اقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف و قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثنا قبيصة حدثنا سليمان العنبري عن الضحاك بن مزاحم قال بينا ولي الله في منزله اذ اتاه رسول من الله عز و جل فقال للاذن استأذن لرسول الله على ولي الله فيدخل الاذن فيقول له يا ولي الله هذا رسول من الله يستأذن عليك قال ائذن له فيأذن له فيدخل على ولي الله فيضع ما بين يديه تحفة فيقول يا ولي الله ان ربك يقرا عليك السلام و يأمرك ان تأكل من هذه قال فيشبهه بطعام أكله أيضا فيقول انما أكلت هذا الآن فيقول ان ربك يأمرك أن تأكل منها فيأكل منها فيجد منها طعم كل ثمرة في الجنة قال فذلك قوله تعالى و اتوا به متشابها و في صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي قال سأل موسى عليه السلام ربه ما ادنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يجيء بعد ما ادخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا اخذاتهم فيقال له اترضى ان يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت ربي فيقول له لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامس رضيت ربي فيقول هذا لك و عشرة امثاله و لك ما اشتهت نفسك و لذت عينك فيقول رضيت ربي و ذكر الحديث وقد تقدم ذكره بتمامه وقال الباز في مسنده حدثنا محمد بن المثنى حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب عن الحريري عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال خلق الله الجنة لبنة من فضة و لبنة من ذهب و غرسها بيده و قال لها تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون فدخلتها الملائكة فقالت طوبى لك منزلة الملوك هكذا رواه وهيب عن الحريري موقوفا و رواه عدي بن الفضل عن الحريري فرفعه و قال البزار و لا نعلم أحدا رفعه إلا عدي ابن الفضل بهذا الاسناد و عدي بن الفضل ليس بالحافظ و هو شيخ بصري
قلت عدي ابن الفضل هذا انفرد به ابن ماجة و قد ضعفه يحيى بن
معين و أبو حاتم و الحديث صحيح موقوف و الله أعلم وقد تقدم ذكر التيجان
على رؤوسهم و انما يلبسها الملوك
الباب الرابع و الستون
في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال و ان موضع سوط منها خير من الدنيا و ما فيهاقال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا وما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و تامل كيف قابل ما اخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي اخفاه لهم مما لا تعلمه نفس و كيف قابل قلقهم و خوفهم و اضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا الى صلاة الليل بقرة الاعين في الجنة و في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله قال الله عز و جل اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر مصداق ذلك في كتاب الله فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و في لفظ اخر فيهما يقول الله عز و جل اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما اطلعتكم عليه ثم قرا فلا تعلم نفس وفي صحيح مسلم من حديث سعد بن سهل الساعدي قال شهدت مع النبي مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال اخر حديثه فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب و قد تقدم حديث أبي امامة عن النبي إلا مشمر في للجنة فان الجنة لا خطر لها هي و رب الكعبة نور يتلألأ و ريحانة تهتز و قصر مشيد و نهر مطرد و ثمرة نضيجة و زوجة حسناء جميلة و حلل كثيرة و مقام في ابد في دار سليمة و فاكهة و خضرة و حبرة و نعمة و محلة عالية بهية و لو لم يكن من خطر الجنة و شرفها إلا أنه لا يسأل بوجه الله غيره
شرفا و فضلا وكما في سنن أبي داود من محمد بن سليمان بن معاذ بن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يسأل بوجه الله إلا الجنة و في معجم الطبراني من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون و في صحيح البخاري من حديث سهل ابن سعد قال سمعت رسول الله يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها و قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر حدثنا همام عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول الله لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء و الأرض و هذا الاسناد على شرط الصحيحين و قال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك انبانا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي قال لو ان اقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات و الأرض و لو ان رجلا من اهل الجنة اطلع فبدا اساوره لطمس لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء الكواكب قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه بهذا الاسناد إلا من حديث ابن لهيعة و قد روى يحيى بن ايوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب و قال عن عمر بن سعد ابن أبي وقاص عن النبي قلت و قد رواه ابن وهب انبانا عمرو يعني ابن الحارث أن سليمان بن حميد حدثه ان عامر بن سعد بن أبي وقاص قال سليمان لا أعلم إلا أنه حدثني عن أبيه عن رسول الله عن رسول الله أنه قال لو ان ظفر من الجنة برز للدنيا لتزخرفت له ما بين السماء و الأرض و في الباب عن انس بن مالك و أبي سعيد الخدري و عبد الله ابن عمرو بن العاص و كيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده و جعلها مقرا لاحبابه و ملاها من رحمته و كراماته و رضوانه و وصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة و نقص فإن سألت عن أرضها و تربتها فهي المسك و الزعفران و ان سلالت عن سقفها فهو عرش الرحمن و ان سألت عن بلاطها فهو المسك الاذفر
و ان سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ و الجوهر و ان سألت عن بنائها فلبنة من فضة و لبنة من ذهب و ان سألت عن اشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب و فضة لا من الحطب و الخشب و ان سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد واحلى من العسل و ان سألت عن ورقها فاحسن ما يكون من رقائق الحلل و ان سألت عن انهارها فانهار من لبن لم يتغير طعمه و انهار من خمر لذة للشاربين و انهار من عسل مصفى و ان سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون و لحم طير مما يشتهون و ان سألت عن شرابهم فالتسنيم و الزنجبيل و الكافور و ان سألت عن إنيتهم فانية الذهب و الفضة في صفاء القوارير و ان سألت عن سعة ابوابها فبين المصراعين مسيرة اربعين من الاعوام و ليأتين عليه يوم و هو كظيظ من الزحام و ان سألت عن تصفيق الرياح لاشجارها فانها تستفز بالطرب لمن يسمعها و ان سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها و ان سألت عن سعتها فادنى أهلها يسير في ملكه و سرره و قصوره و بساتينه مسيرة الفي عام و ان سألت عن خيامها و قبابها 2فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلا من تلك الخيام و ان سألت عن علاليها و جواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الانهار و ان سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار و ان سألت عن لباس أهلها فهو الحرير و الذهب و ان سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشة في اعلى الرتب و ان سألت عن ارائكها فهي الاسرة عليها البشخانات و هي الحجال مزررة بازرار الذهب فما لها من فروج و لا خلال و ان سألت عن وجوه أهلها و حسنهم فعلى صورة القمر وان سألت عن اسنانهم فابناء ثلاث و ثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر وسألت عن سماعهم فغناء ازواجهم من الحور العين و اعلى منه سماع اصوات الملائكة و النبيين و اعلى منهما خطاب رب العالمين و ان سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب ان شاء الله مما شاء يسير بهم حيث شاؤوا من الجنان و ان سألت عن حليهم و شارتهم فأساور الذهب و اللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان و ان سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كانهم لؤلؤ مكنون و ان سألت عن عرائسهم و ازواجهم فهن الكواعب الاتراب
اللاتي جرى في اعضائهن ماء الشباب فللورد و التفاح ما لبسته الخدود و للرمان ما تضمنته النهود و اللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور و للرقة و اللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت و يضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين و إذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين و ان ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها و يرى مخ ساقها من وراء اللحم و لا يستره جلدها و لا عظمها و لا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا و لاستنطقت افواه الخلائق تهليلا و تكبيرا و تسبيحا و لتزخرف لها ما بين الخافقين و لا غمضت عن غيرها كل عين و لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم و لامن من على ظهرها بالله الحي القيوم و نصيفها على رأسها خير من الدينا و ما فيها و وصالها اشهى إليه من جميع امانيها لا تزداد على طول الاحقاب إلا حسنا و جمالا و لا يزداد لها طول المدى إلا محبة و وصالا مبرأة من الحبل و الولادة و الحيض و النفاس مطهرة من المخاط و البصاق و البول و الغائط و سائر الادناس لا يفنى شبابها و لا تبلى ثيابها و لا يخلق ثوب جمالها و لا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لاحد سواه و قصر طرفه عليها فهي غاية امنيته و هواه ان نظر اليها سرته و ان امرها بطاعته اطاعته و ان غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني و الأمان هذا و لم يطمثها قبله انس و لا جان كلما نظر اليها ملات قلبه سرورا و كلما حدثته ملأت اذنه لؤلؤا منظورما ومنثورا و إذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا و ان سألت عن السن فاتراب في اعدل سن الشباب و ان سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس و القمر و ان سألت عن الحدق فأحسن سواد في اصفى بياض في احسن حور و ان سألت عن القدود فهل رايت احسن الاغصان و ان سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كالطف الرمان و ان سألت عن اللون فكانه الياقوت و المرجان و ان سألت عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن و الاحسان فاعطين جمال الباطن والظاهر فهن افراح النفوس قرة النواظر و ان سألت عن حسن العشرة و لذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الازواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج فما ظنك
بامراة إذا ضحكت في وجه زوجها اضاءت الجنة من ضحكها و إذا
انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها و إذا حاضرت
زوجها فيا حسن تلك المحاضرة و ان خاصرته فيا لذة تلك المعانقة و المخاصرة
و حديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز
ان طال لم يملل و ان هي حدثت ... ود المحدث انها لم توجز
و ان غنت فيالذة الأبصار و الاسماع و ان انست و امتعت فيا حبذا تلك
المؤانسة و الامتاع و ان قبلت فلا شيء اشهى إليه من ذلك التقبيل و ان نولت
فلا الذ و لا اطيب من ذلك التنويل هذا و ان سألت عن يوم المزيد وزيادة
العزيز الحميد و رؤية وجهه المنزه عن التمثيل و التشبيه كما ترى الشمس في
الظهيرة و القمر ليلة البدر كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه و ذلك
موجود في الصحاح و السنن و المسانيد من رواية جرير و صهيب و انس و أبي
هريرة وأبي موسى و أبي سعيد فاستمع يوم ينادي المنادي يا أهل الجنة ان
ربكم تبارك و تعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون سمعا و طاعة و ينهضون
إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد اعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين
حتى إذا انتهوا إلى الوادي الافيح الذي جعل لهم موعدا و جمعوا هناك فلم
يغادر الداعي منهم أحدا امر الرب تبارك و تعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت
لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ذهب و
منابر من فضة و جلس ادناهم و حاشاهم ان يكون فيهم دنيء على كثبان المسك
وما يرون ان اصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم و
اطمأنت بهم اماكنهم نادى المنادي يا أهل الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد
ان ينجزكموه فيقولون ما هو الم يبيض وجوهنا و يثقل موازيننا و يدخلنا
الجنة و يزحزحنا عن النار فبينما هم كذلك اذ سطع لهم نور اشرقت له الجنة
فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم
و قال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية باحسن من قولهم اللهم
أنت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و الإكرام فيتجلى لهم الرب
تبارك و تعالى يضحك اليهم و يقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعونه منه
تعالى اين عيادي الذين اطاعوني بالغيب و لم يروني فهذا يوم المزيد
فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا
فأرض عنا فيقول يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي
هذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة ارنا وجهك ننظر إليه
فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب و يتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لو لا أن
الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا
حاضره ربه تعالى محاضرة حتى أنه ليقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا و كذا
يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي فيقول بلى بمغفرتي
بلغت منزلتك هذه فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة و يا قرة عيون الأبرار
بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة و يا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة
وجوه يوم ناضرة إلى ربها ناظرة و وجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة
فحي على جنات عدن فإنها ... منازلك الأولى و فيها المخيم
و لكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا و نسلم
الباب الخامس و الستون
في رؤيتهم ربهم تبارك و تعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر و تجليه لهم ضاحكا إليهمهذا الباب اشرف أبواب الكتاب و اجلها قدرا و أعلاها خطرا و اقرها عينا أهل السنة و الجماعة و اشدها على أهل البدعة و الضلالة و هي الغاية التي شمر إليها المشمرون و تنافس فيها المتنافسون و تسابق إليها المتسابقون و لمثلها فليعمل العاملون إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم وحرمانه و الحجاب عنه لأهل الجحيم اشد عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء و المرسلون و جميع الصحابة و التابعون و أئمة الإسلام على تتابع القرون و أنكرها أهل البدع المارقون و الجهمية المتهوكون و الفرعونية المعطلون و الباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون و الرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون و من حبل الله منقطعون و على مسبة أصحاب رسول الله عاكفون و للسنة و أهلها محاربون و لكل عدو لله و رسوله و دينه مسالمون و كل هؤلاء عن ربهم محجوبون و عن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال و شيعة اللعين و أعداء الرسول و حزبه و قد اخبر الله سبحانه و تعالى عن أعلم الخلق به في زمانه و هو كليمه ونجيه و صفيه من
أهل الأرض أنه سال ربه تعالى النظر إليه فقال له ربه تبارك و تعالى لن ترني و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و بيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة أحدها أنه لا يظن بكليم الرحمن و رسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه بل ما هو من ابطل الباطل و اعظم المحال و هو عند فروخ اليونان و الصابئة و الفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل و يشرب و ينام و نحو ذلك مما يتعالى الله عنه فيا لله العجب كيف صار اتباع الصابئة و المجوس و المشركين عباد الأصنام و فروخ الجهمية و الفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عمران و بما يستحيل عليه و يجب له و اشد تنزيها له منه الوجه الثاني ان الله سبحانه و تعالى لم ينكر عليه سؤاله و لو كان محالا لأنكره عليه و لهذا لما سال إبراهيم الخليل ربه تبارك و تعالى ان يريه كيف يحيي الموتى لم ينكر عليه و لما سأل عيسى بن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر عليه سؤاله و لما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله و قال إني اعظك ان تكون من الجاهلين قال رب إني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم و إلا تغفر لي و ترحمني اكن من الخاسرين الوجه الثالث أنه اجابه بقوله لن ترني و لم يقل لا تراني و لا إني لست بمرئي و لا تجوز رؤيتي و الفرق بين الجوابين ظاهر لمن تامله و هذا يدل على أنه سبحانه و تعالى يرى و لكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع و هو قوله و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فأعلمه ان الجبل مع قوته و صلابته لا يثبت لتجليه له في هذه الدار فكيف بالبشر الضعيف الذي خلق من ضعف الوجه الخامس إن الله سبحانه و وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه و ليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن و قد علق به الرؤية و لو كانت مجالا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته و لو كانت الرؤيا محالا لكان ذلك نظير أن يقول إن استقر الجبل فسوف آكل و اشرب و أنام فالأمران عندكم سواء الوجه السادس قوله سبحانه و تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و هذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك و تعالى فإنه إذا جاز ان يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له و لا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه و رسله و أوليائه في دار كرامتهم و يريهم نفسه فأعلم سبحانه
و تعالى موسى إن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر
اضعف الوجه السابع أن ربه سبحانه و تعالى قد كلمه منه إليه و خاطبه و
ناجاه و ناداه ومن جاز عليه التكلم و التكليم و ان يسمع مخاطبه كلامه معه
بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز و لهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار
التكليم و قد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين فأنكروا ان يكلم أحدا أو
يراه أحد و لهذا سأله موسى عليه السلام النظر إليه و اسمعه كلامه وعلم نبي
الله جواز رؤيته من وقوع خطا به و تكليمه لم يخبره باستحالة ذلك عليه و
لكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله كما لم يثبت الجبل لتجليه و أما
قوله تعالى لن تراني فإنما يدل على النفي في المستقبل و لا يدل على دوام
النفي و لو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت قال تعالى و لن يتمنوه أبدا مع
قوله تعالى و نادوا أن يا مالك ليقض علينا ربك فصل
الدليل الثاني قوله تعالى و اتقوا الله و اعلموا أنكم ملاقوه و قوله تعالى
تحيتهم يوم يلقونه سلام و قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه وقوله تعالى
قالوا الذين يظنون انهم ملاقوا الله و قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه و
اجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى و المانع
اقتضى المعاينة و الرؤية و لا ينتقض هذا بقوله تعالى فاعقبهم نفاقا في
قلوبهم إلى يوم يلقونه فقد دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين
يرونه تعالى في عرصات القيامة بل و الكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث
التجلي يوم القيامة و سيمر بك عن قريب إن شاء الله تعالى و في هذه المسألة
ثلاثة اقوال لأهل السنة احدها ان لا يراه إلا المؤمنون و الثاني يراه جميع
أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك و الثالث
يراه المنافقون دون الكفار و الأقوال الثلاثة في مذهب احمد و هي لاصحابه و
كذلك الأقوال الثلاثة بعينها لهم في تكليمه لهم و شيخنا في ذلك منصف مفرد
و حكى فيه أقوال الثلاثة وحجج اصحابها و كذا قوله سبحانه و تعالى يا أيها
الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إن عاد الضمير على العمل فهو رؤيته
في الكتاب مسطورا مثبتا و إن عاد على الرب سبحانه و تعالى فهو لقاؤه الذي
وعد به
الدليل الثالث قوله تعالى و الله يدعو إلى دار السلام و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم للذين احسنوا الحسنى و زيادة و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون فالحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجهه الكريم كذلك فسرها رسول الله الذي انزل عليه القران فالصحابة من بعده كما روى مسلم في صحيحيه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قرا رسول الله للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا و يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا و يبيض وجوهنا و يدخلنا الجنة و يزحزحنا عن النار فيكشف الحجاب فينظرون الله فما أعطاهم شيئا احب إليهم من النظر إليه و هي الزيادة و قال الحسن بن عرفة حدثنا مسلم بن سالم البلخي عن نوح بن أبي مريم عن ثابت عن انس قال سئل رسول الله عن هذه الآية للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال للذين احسنوا العمل في الدنيا الحسنى و هي الجنة و الزيادة و هي النظر إلى وجه الله تعالى و قال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجزة عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن جل جلاله قلت لعطاء هذا هو الخراساني و ليس عطاء بن أبي رباح قال ابن جرير و حدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت زهيرا بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدثوا قال يعقوب ابن سفيان حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي كعب قال سألت رسول الله عن الزيادة في كتاب الله عز و جل قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل و قال أسد السنة حدثنا قيس بن الربيع عن ابان عن أبي تميمة الهيجمي أنه سمع أبا موسى ي أبا موسى يحدث أنه سمع رسول الله يقول يبعث الله عز و جل يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم و اخرهم أن الله وعدكم الحسنى و الحسنى الجنة
و الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل و قال ابن وهب اخبرني
شبيب عن إبان عن ابن تيمية الهجيمي أنه سمع أبا موسى الاشعري يحدث عن رسول
الله أن الله عز و جل يأمر يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت
يسمع أولهم و أخرهم أن الله وعدكم الحسنى و زيادة الحسنى الجنة و الزيادة
النظر إلى وجه الرحمن
و أما الصحابة فقال ابن جرير حدثنا ابن يسار حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي
حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله
عنه للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه الله الكريم و بهذا
الإسناد عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة للذين احسنوا الحسنى و
زيادة قال النظر إلى وجه ربهم تعالى و حدثنا على بن عيسى حدثنا شبابة
حدثنا أبو بكر الهذلي قال سمعت أبا تميمة الهجيمي يحدث عن أبي موسى
الاشعري قال إذا كان يوم القيامة يبعث الله تعالى إلى أهل الجنة مناديا
ينادي هل انجزكم الله ما وعدكم فينظرون إلى ما اعد الله لهم من الكرامة
فيقولون نعم فيقول للذين احسنوا الحسنى و زيادة النظر إلى وجه الرحمن عز و
جل و قال عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي انبأنا أبو تميمة قال
سمعت أبا موسى الاشعري يخطب الناس في جامع البصرة و يقول ان الله يبعث يوم
القيامة ملكا إلى أهل الجنة فيقول يا أهل الجنة هل انجزكم الله ما وعدكم
فينظرون فيرون الحلي و الحلل و الأنهار و الأزواج المطهرة فيقولون نعم قد
أنجزنا الله ما وعدنا ثم يقول الملك هل انجزكم الله ما وعدكم ثلاث مرات
فلا ينقدون شيئا مما وعدوا فيقولون نعم فيقول قد بقي لكم شيء إن الله عز و
جل يقول للذين احسنوا الحسنى و زيادة إلا ان الحسنى الجنة و الزيادة النظر
إلى وجه الله تعالى و في تفسير اسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي مالك
و أبي صالح عن ابن عباس و عن مرة الهمداني عن ابن مسعود للذين احسنوا
الحسنى و زيادة و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة قال أما الحسنى فالجنة و
أما الزيادة فالنظر إلى وجه الله تعالى و أما القتر فالسواد و قال عبد
الرحمن بن أبي ليلى و عامر بن سعد و إسماعيل بن عبد الرحمن السدي و الضحاك
بن مزاحم و عبد الرحمن بن سابط و أبو إسحاق السبيعي و قتادة و سعيد بن
المسيب و الحسن البصري و عكرمة مولى ابن عباس و مجاهد بن جبر الحسنى الجنة
و الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى و قال غير واحد من السلف في الآية و
لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة بعد النظر إليه و الأحاديث
عنهم بذلك صحيحة ولما عطف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي
الجنة دل على إنها أمر آخر من وراء الجنة و قدر زائد عليها و من فسر
الزيادة بالمغفرة و الرضوان فهو من لوازم رؤية الرب تبارك و تعالى فصل
الدليل الرابع قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و وجه
الاستدلال بها أنه سبحانه و تعالى جعل من اعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين
عن رؤيته و استماع كلامه فلو لم يره المؤمنون و لم يسمعوا كلامه كانوا
أيضا محجوبين عنه و قد احتج بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر
الطبراني وغيره من المزي قال سمعت الشافعي يقول في قوله عز و جل كلا انهم
عن ربهم يومئذ لمحجوبون فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم
القيامة و قال الحاكم حدثنا الأصم انبانا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد
بن إدريس الشافعي و قد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز
و جل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فقال الشافعي لما أن حجب هؤلاء في
السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضي قال الربيع فقلت يا
أبا عبد الله و به تقول قال نعم و به أدين الله و لو لم يوقن محمد بن
إدريس أنه يرى الله لما عبد الله عز و جل ورواه الطبراني في شرح السنة من
طريق الأصم أيضا و قال أبو زرعة الرازي سمعت احمد بن محمد بن الحسين يقول
سئل محمد بن عبد الله ابن الحكم هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة
المؤمنون و الكفار فقال محمد ابن عبد الله ليس يراه إلا المؤمنون قال ممد
و سئل الشافعي عن الرؤية فقال يقول الله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون ففي هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عز و جل
فصل الدليل الخامس قوله عز و جل
لهم ما يشاؤن فيها و لدينا مزيد قال الطبراني قال علي بن أبي طالب و انس بن مالك هو النظر إلى وجه الله عز و جل و قاله من التابعين زيد بن وهب و غيره فصلالدليل السادس قوله عز و جل لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار
و الاستدلال بهذا اعجب فانه من أدلة النفاة و قد قرر شيخنا وجه الاستدلال به احسن تقرير و الطفه و قال لي أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا و في ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية و هي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها فان اله سبحانه انما ذكرها في سياق التمدح و معلوم أن المدح إنما يكون بالاوصاف الثبوتية و أما العدم المحض فليس بكمال و لا يمدح به و إنما يمدح الرب تبارك و تعالى بالعدم إذا تضمن امرا وجوديا كتمدحه بنفي السنة و النوم المتضمن كمال القيومية و نفي الموت المتضمن كمال الحياة و نفي اللغوب و الاعياء المتضمن كمال القدرة و نفي الشريك و الصاحبة و الولد و الظهير المتضمن كمال ربوبيته و الهيئة و قهره و نفي الأكل و الشرب المتضمن كمال الصمدية و غناه و نفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده و غناه عن خلقه ونفي الظلم المتظمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان و عزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه و إحاطته و نفي المثل المتضمن لكمال ذاته و صفاته و لهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن امرا ثبوتيا فان المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم و لا يوصف الكامل بامر يشترك هو و المعدوم فيه فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح و لا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك فان العدم الصرف لا يرى و لا تدركه الأبصار و الرب جل جلاله يتعالى ان يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض فاذا المعنى أنه يرى و لا يدرك و لا يحاط به كما كان المعنى في قوله و ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة أنه يعلم كل شيء و في قوله و ما مسنا من لغوب أنه كامل القدرة و في قوله و لا يظلم ربك أحدا أنه كامل العدل و في قوله لا تأخذه سنة و لا نوم أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته و أنه اكبر من كل شيء و أنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الإدراك هو الإحاطة بالشيء و هو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى أنا لمدركون قال كلا فلم ينف ين موسى الرؤية و لم يريدوا بقولهم أنا لمدركون أنا لمرئيون فان موسى صلوات الله و سلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا و اخبر الله سبحانه و تعالى أنه لا يخاف دركهم بقوله و لقد أوحينا إلى موسى إن اسر بعبادتي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا و لا تخشى فالرؤية و الإدراك كل منهما يوجد مع الآخر و بدونه فالرب تعالى يرى و لا يدرك كما يعلم و لا يحاط به و هذا هو الذي فهمه الصحابة و الأئمة من
الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو اعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به اذ كان غير جائز أن يوصف الله عز و جل بان شيئا يحيط به وهو بكل شيئا محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى ليس كمثله شيء وهذا من اعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله و إنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها و إلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة اضرابه فقوله ليس كمثله شيء من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله لا تدركه الأبصار من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فانه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بان عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة و أرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا و تأمل حسن هذه المقابلة لفظا ومعنى وبين قوله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فانه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به وللطفه وخبرته يدرك الأبصار فلا تخفي عليه فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته العالي في قربه القريب في علوه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فصل الدليل السابع قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلا ربها ناظرة و أنت إذا
أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها و الكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا ان الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة و إن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد و الجنة و النار و الميزان و الحساب اسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القران و السنة كذلك و لا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص و يحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص و هذا الذي افسد الدين و الدنيا وأضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية وتعديته بأداة الى الصريحة في نظر العين و إخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله سبحانه و تعالى أراد بذلك نظر العين وإخلاء الكلام من قرينه تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقة وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب جل جلاله فان النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته و تعديه بنفسه فان عدى بنفسه فمعناه التوقف و الانتظار كقوله انظرونا نقتبس من نوركم و أن عدى بفي فمعناه التفكر و الاعتبار كقوله أو لم ينظروا في ملكوت السماوات و الأرض و أن عدى بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله انظروا إلى ثمره إذا أثمر فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر قال يزيد بن هارون أنبانا مبارك عن الحسن قال نظرت إلى ربها تبارك و تعالى فنظرت بنوره فاسمع الان أيها السني تفسير النبي و أصحابه والتابعين و أئمة الإسلام لهذه الآية قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا إبراهيم عن محمد حدثنا صالح بن احمد حدثنا يزيد بن الهيثم حدثنا محمد ابن الصباح حدثنا المصعب بن المقدام حدثنا سفيان عن ثوير بن أبي ناجية عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة قال من البهاء و الحسن إلى ربها ناظرة قال في وجه الله عز و جل و قال أبو صالح عن ابن العباس إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى وجه ربها عز و جل و قال عكرمة وجوه يومئذ ناضرة قال من النعيم إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها نظرا ثم حكى عن ابن عباس مثله و هذا قول كل مفسر من أهل السنة و الحديث
فصل
و أما الأحاديث عن النبي وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها عنه
أبو بكر الصديق و أبو هريرة و أبو سعيد الخدري و جرير ابن عبد الله البجلي
و صهيب بن سنان الرومي و عبد الله بن مسعود الهذلي و علي ابن أبي طالب و
أبو موسى الاشعري و عدي بن حاتم الطائي و انس بن مالك الأنصاري و بريدة بن
الحصيب الاسلمي و أبو رزين العقيلي و جابر بن عبد الله الأنصاري و أبو
امامة الباهلي و زيد بن ثابت و عمار بن ياسر و عائشة أم المؤمنين و عبد
الله بن عمر و عمارة بن رويبة و سلمان الفارسي و حذيفة بن اليمان و عبد
الله ابن عباس و عبد الله بن عمرو بن العاص و حديثه موقوف و أبي بن كعب
وكعب بن عجرة و فضالة بن عبيد و حديثه موقوف و رجل من أصحاب النبي غير
مسمى فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح و المسانيد و السنن و تلقاها بالقبول و
التسليم و انشراح الصدر لا بالتحريف و التبديل و ضيق العطن و لا تكذب بها
فمن كذب بها لم يكن إلى وجه ربه من الناظرين و كان عنه يوم القيامة من
المحجوبين فصل فأما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال الإمام احمد
حدثنا إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني قال حدثني النضر بن شميل المازني قال
حدثني أبو نعامة قال حدثني أبو عنيدة البراء بن نوفل عن دالان العدوي عن
حذيفة عن أبي بكر الصديق قال اصبح رسول الله ذات يوم فصلى الغداة فجلس حتى
إذا كان من الضحى ضحك الرسول ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى و العصر و
المغرب كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الأخيرة ثم قام إلى أهله فقال
الناس لأبي بكر إلا تسال رسول الله ما شانه صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط
قال فسأله فقال نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا و الآخرة فجمع
الأولون و الآخرون في صعيد واحد فقطع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم و
العرق ويكتد يلجمهم فقالوا يا آدم أنت أبو البشر و أنت اصطفاك الله عز و
جل اشفع لنا إلى ربك قال قد لقيت مثل الذي لقيتم انطلقوا إلى أبيكم بعد
أبيكم إلى نوح ان الله
اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين قال فينطلقون إلى نوح عليه الصلاة و السلام فيقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعاءك ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى إبراهيم فإن الله اتخذه خليلا فينطلقون إلى إبراهيم فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا موسى فإن الله عز و جل كلمه تكليما فيقول موسى ليس ذلك عندي انطلقوا الى عيسى ابن مريم فإنه كان يبرأ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى فيقول عيسى ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى سيد ولد آدم انطلقوا إلى محمد فليشفع لكم إلى ربكم قال فينطلق فيأتي جبريل ربه تبارك و تعالى فيقول له الله عز و جل ائذن له و بشره بالجنة فينطلق به جبريل صلى الله عليه و سلم فيخر ساجدا قدر جمعة و يقول الله عز و جل ارفع رأسك و قل تسمع و اشفع تشفع قال فيرفع رأسه فإذا نظر إلى وجه ربه خر ساجدا قدر جمعة أخرى فيقول الله عز و جل ارفع رأسك و قل تسمع و اشفع تشفع قال فيذهب ليقع ساجدا فيأخذ جبريل بضبعيه فيفتح الله عليه من الدعاء شيئا لم يفتحه على بشر قط فيقول أي رب خلقتني سيد ولد آدم و لا فخر و أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة و لا فخر حتى أنه ليرد على الحوض اكثر مما بين صنعاء و ايلة ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي و معه العصابة و النبي معه الخمسة و الستة و النبي ليس معه أحد ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال فإذا فعلت الشهداء ذلك قال فيقول الله عز و جل أنا ارحم الراحمين ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز و جل انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني كنت اسامح الناس في البيع فيقول الله عز و جل اسمحوا لعبدي بسماحته إلى عبيدي ثم يخرجون من النار رجلا يقول له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني امرت ولدي إذا مت فأحرقوني في النار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر على رب العالمين أبدا فقال الله عز و جل له لم فعلت ذلك قال من مخافتك قال فيقول الله عز و جل انظر إلى ملك
اعظم ملك فان لك مثله و عشرة أمثاله قال فيقول أتسخربي و أنت
الملك قال و ذلك الذي ضحكت منه من الضحى فصل
و أما حديث أبي هريرة و أبي سعيد الخدري ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة
أن ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله هل
تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله قال هل تضارون في
رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس
يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس
الشمس و يتبع من كان يعبد القمر والقمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت
الطواغيت و تبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى في صورة غير
صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى
ياتينا ربنا فاذا جاء ربنا عرفناه فياتيهم الله عز و جل في صورته التي
يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصيراط بين
ظهرإني جهنم فاكون أنا و امتي أول من يجيز و لا يتكلم يومئذ إلا الرسل و
دعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم و في جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل
رأيتم السعدان قالوا نعم يا رسول الله قال فانها مثل شوك السعدان غير أنه
لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز و جل تخطف الناس باعمالهم فمنهم الموبق
بعمله و منهم المجازى حتى ينجو فاذا فرغ الله من القضاء بين العباد و أراد
أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار امر الملائكة أن يخرجوا من النار من
كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله ان يرحمه ممن يقول لا اله إلا الله
فيعرفونهم بأثر السجود و تأكل النار من ابن آدم إلا اثر السجود وحرم الله
على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء
الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين
العباد و يبقى رجل مقبل بوجهه على النار و هو آخر أهل الجنة دخولا الجنة
فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار فانه قد شبني ريحها و احرقني ذكاؤها فيدعو
الله
ما شاء الله ان يدعوه ثم يقول الله تبارك و تعالى هل عسيت إن فعلت ذلك أن تسأل غيره فيقول لا اسألك غيره فيعطي ربه من عهود و مواثيق ما شاء الله فيصرف الله عن وجهه عن النار فإذا اقبل على الجنة و رآها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي ربي قدمني الى باب الجنة فيقول الله أليس قد اعطيت عهودك و مواثيقك لا تسألني غير الذي اعطيتك ويلك يا ابن آدم ما اغدرك فيقول أي ربي فيدعو الله حتى يقول له فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره فيقول لا و عزتك فيعطي ربه ما شاء من عهود و مواثيق فيقدمه الله تعالى إلى باب الجنة فإذا قام على باب الجنة أنفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير و السرور فسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب ادخلني الجنة فيقول الله تبارك و تعالى له أليس قد أعطيت عهودك و مواثيقك ان لا تسالني غير ما أعطيت و يلك يا ابن آدم ما اغدرك فيقول أي رب لا أكون أشقى خلقك فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه فإذا ضحك الله منه قال ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله له تمن فيسأل ربه و يتمنى حتى ان الله ليذكره فيقول تمن كذا و كذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله عز و جل ذلك لك و مثله معه قال أبو سعيد الخدري وعشرة أمثاله معه قال عطاء بن يزيد و أبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة قال إن الله عز و جل قال لذلك الرجل و مثله معه قال أبو سعيد و عشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إلا قوله ذلك لك و مثله معه قال أبو سعيد اشهد إني حفظت من رسول الله قوله ذلك لك وعشرة أمثاله قال ابو هريرة و ذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة و في الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب و هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تضارون في رؤيته تبارك و تعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام و الأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله من بر و فاجر و غبرات أهل الكتاب فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير بن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبه و لا ولد فماذا
تبغون قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم إلا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة و لا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر و فاجر اتاهم الله رب العالمين سبحانه و تعالى في أدنى صورة من التي راوه فيها قال فماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم و لم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى ان بعضهم ليكاد ان ينقلب فيقول هل بينكم و بينه آية تعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا اذن الله له بالسجود و لا يبقى من كان يسجد اتقاء و رياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد ان يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم و قد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب لهم الجسر على جهنم و تحل الشفاعة قيل يا رسول الله و ما الجسر قال دحض مزلة في خطاطيف و كلاليب و حسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين و كالبرق و كالريح و كالطير و كأجاويد الخيل و الركاب فناج مسلم و مخدوش مرسل و مكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في استيفاء الحق من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لاخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا و يصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتهم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقيه و إلى ركبتيه فيقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم بقى تدر فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثميقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجون فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا قط و كان أبو سعيد الخدري يقول إن
لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا ان شئتم ان الله لا يظلم مثقال
ذرة و ان تك حسنة يضاعفها و يؤت من لدنه اجرا عظيما فيقول الله عز و جل
شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين
فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوم لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما
فيلقيهم في نهر في افواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة
في حميل السيل إلا ترونها تكون الى الحجر أو إلى الشجر ما يكون منها إلى
الشمس اصيفر و اخيضر و ما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول
الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم
يعرفهم أهل الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين ادخلهم الله
الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه
فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي
افضل من هذا فيقولون يا ربنا و أي شيء افضل من هذا فيقول تعالى رضائي فلا
اسخط عليكم بعده أبدا
فصل و أما حديث جرير بن عبد الله ففي الصحيحين من حديث إسماعيل بن
أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه قال كنا جلوسا مع النبي فنظر إلى القمر ليلة اربع عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و قبل الغروب فافعلوا ثم قرا قوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب رواه عن إسماعيل بن أبي خالد عبد الله بن إدريس الازدي و يحيى بن سعيد القطان و عبد الرحمن بن محمد المحاربي و جرير بن عبد الحميد و عبيد بن حميد و هشيم بن بشير و علي بن عاصم و سفيان بن عيينة و مروان بن معاوية و أبو أسامة و عبد الله بن نمير و محمد بن عبيد و أخوه يعلى بن عبيد و وكيع بن الجراح و محمد بن الفضيل و الطفاوي و يزيد بن هارون و إسماعيل ابن أبي خالد و عنبسة بن سعيد و الحسن بن صالح بن حي و ورقاء بن عمرو و عمار بن زريق و أبو الأعز سعيد ابن عبد الله و نصر بن طريف و عمار بن محمد و الحسن بن عياش أخو أبو بكر و يزيد بن عطاء و عيسى بن يونس و شعبة بن الحجاج و عبد الله بن المبارك و أبو حمزة السكري و حسين بن واقد و معمر بن سليمان و جعفر بن زياد و خداش بن المهاجر و هريم ابن سفيان و مندل بن علي و أخوه سنان بن علي و عمر بن يزيد و عبد الغفار بن القاسمو محمد بن بشير الحريري و مالك بن مغول و عصام بن النعمان و علي بن القاسم الكندي و عبيد بن الاسود الهمدإني و عبد الجبار ابن العباس و المعلى بن هلال و يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة و الصباح بن محارب و محمد بن عيسى و سعيد بن حازم و ابان بن ارقم و عمرو بن النعمان و مسعود بن سعد الجعفي و عثمان بن علي و حسن بن حبيب و سنان بن هارون البرجمي و محمد بن يزيد الواسطي و عمرو بن هشام و محمد بن مروان و يعلى بن الحارث المحاربي و شعيب بن راشد و الحسن بن دينار و سلام ابن أبي مطيع و داود بن الزبرقان و حماد بن أبي حنيفة و يعقوب بن حبيب و حكام ابن سلم و أبو مقاتل بن حفص و مسيب بن شريك و أبو حنيفة النعمان بن ثابت و عمرو بن سمر الجعفي و عمرو بن عبد الغفار التيمي و سيف بن هارون البرجمي أخو سنان و عابد بن حبيب و مالك بن سعير بن الخمس و يزيد بن عطاء مولى أبي عوانة و خالد بن يزيد العصري و عبد الله بن موسى و خالد بن عبد الله الطحان و أبو كدينة يحيى بن المهلب و رقبة بن مصقلة و معمر بن سليمان الرقي و مرحى ابن رجاء و عمرو بن جرير و يحيى بن هاشم السمسار و إبراهيم ابن طهمان و خارجة ابن مصعب و عبد الله بن عثمان شريك شعبة و عبد الله بن فروح و زيد ابن أبي إنيسة و جوده فقال فستعاينون ربكم عز و جل كما تعاينون هذا القمر و أبو شهاب الخياط و قال سترون ربكم عيانا و حارثة بن هرم و عاصم بن حكيم ومقاتل بن سليمان وأبو جعفر الرازي والحسن بن أبي جعفر والوليد بن عمرو وأخوه عثمان بن عمرو وعبد السلام بن عبد الله بن قرة العنبري و يزيد بن عبد العزيز و علي بن صالح بن حي و زفر بن الهذيل و القاسم بن معن تابع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس جماعة منهم بيان بن بشر و مجالد بن سعيد و طارق بن عبد الرحمن و جرير بن يزيد بن جرير البجلي و عيسى بن المسيب كلهم عن قيس ابن أبي حازم عن جرير و كل هؤلاء شهدوا على إسماعيل بن أبي خالد و شهد إسماعيل بن أبي خالد على قيس ابن أبي حازم و شهد قيس بن أبي حازم على جرير بن عبد الله و شهد جرير بن عبد الله على رسول الله فكأنك تسمع رسول الله و هو يقول و يبلغه لامته و لا شيء اقر لاعينهم منه و شهدت الجهمية و الفرعونية و الرافضة و القرامطة و الباطنية و فروخ الصابئة و المجوس و اليونان بكفر من اعتقد ذلك و أنه من أهل التشبيه و التجسيم و تابعهم على ذلك كل عدو للسنة و أهلها
و الله تعالى ناصر كتابه و سنة رسوله و لو كره الكافرون
فصل و أما حديث صهيب فرواه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة
عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز و جل تريدون شيئا أزيدكم يقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة و تنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا احب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية للذين احسنوا الحسنى و زيادة و هذا حديث رواه الأئمة عن حماد و تلقوه عن نبيهم بالقبول و التصديق فصلو أما حديث عبد الله بن مسعود فقال الطبرإني حدثنا محمد بن نصر الازدي و عبد الله بن احمد بن حنبل و الحضرمي قالوا حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي إنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع حدثنا عبد الله بن مسعود عن رسول الله قال يجمع الله الأولين و الاخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال و ينزل الله عز و جل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم و رزقكم و أمركم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا أن يولى كل ناس منكم ما كانوا يتولون و يعبدون في الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم قالوا بلى قال فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا قال فينطلقون و يمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس و منهم من ينطلق إلى القمر و إلى الأوثان من الحجارة و أشباه ما كانوا يعبدون قال و يمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى و يمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير و يبقى محمد و أمته فيأتيهم الرب عز و جل فيقول ما بالكم لا تنطلقون كما انطلق الناس قال فيقولون ان لنا إلها ما رأيناه بعد فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه فيقولون أن بيننا و بينه علامة إذا رأيناها عرفناه قال فيقول ما هي فيقولون يكشف عن ساقه
فعند ذلك يكشف عن ساق فيخرون له سجدا و يبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون و قد كانوا يدعون إلى السجود و هم سالمون ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره على قدر الجبل العظيم يسعى بين أيديهم و منهم من يعطى نورا اصغر من ذلك و منهم من يعطى نورا مثل النخلة بيمينه و منهم من يعطى نورا اصغر من ذلك حتى يكون اخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة و يطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه و مشى و إذا أطفئ قام والرب تبارك و تعالى أمامهم حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف قال و يقول مروا فيمرون على قدر نورهم منهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق و منهم من يمر كالسحاب و منهم من يمر كانقضاض الكوكب و منهم من يمر كالريح و منهم من يمر كشد الفرس و منهم كشد الرحل حتى يمر الذي اعطى نوره على قدر إبهام قدمه يحبو على وجهه و يديه و رجليه تجر يد و تعلق يد و تجر رجل و تعلق رجل و تصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها ثم قال الحمد لله لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا اذ نجاني منها بعد ان رايتها قال فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة و الوانهم فيرى ما في الجنة من خلال الباب فيقول رب ادخلني الجنة فيقول الله تبارك و تعالى له أتسال الجنة و قد نجيتك من النار فيقول يا رب اجعل بيني و بينها حجابا لا اسمع حسيسها قال فيدخل الجنة قال و يرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأنما الذي هو فيه حلم ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول لعلك إن اعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غيره و أي منزل يكون احسن منه قال فيعطاه فينزله قال و يرى أو يرفع له إمام ذلك منزل اخر ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله عز و جل فلعلك إن اعطيتكه تسأل غيره فيقول لا و عزتك لا أسألك غيره وأي منزل يكون احسن منه قال فيعطاه فينزله قال و يرى أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما الذي هو فيه إليه حلم فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله جل جلاله فلعلك إن اعطيتكه تسال غيره قال لا و عزتك لا أسال غيره و أي منزل يكون احسن منه قال فيعطاه فينزله ثم يسكت فيقول الله عز و جل مالك لا تسأل فيقول رب لقد سألتك حتى استحييتك و أقسمت لك حتى استحييتك فيقول الله عز و جل
ألا ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها و عشرة أضعافه فيقول أتستهزئ بي و أنت رب العزة فيضحك الرب عز و جل من قوله قال فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان ضحكت فقال إني سمعت رسول الله يحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه قال فيقول رب العزة عز و جل لا و لكني على ذلك قادر سل فيقول الحقني بالناس فيقول الحق الحق بالناس قال فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا فيقال له ارفع رأسك مالك فيقول رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له إنما هو منزل من منازلك قال ثم يلقى فيها رجلا فيهيأ للسجود فيقال له مه مالك فيقول رأيت انك ملك من الملائكة فيقول له إنما أنا خازن من خزانك عبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه قال فينطلق امامه حتى يفتح له القصر قال وهو في درة مجوفة سقائفها و ابوابها و إغلاقها و مفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى في كل جوهرة سرور و أزواج و وصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها كبدها مرآته و كبده مراتها إذا اعرض عنها اعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك فيقول لها و الله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فتقول له و الله و الله و أنت لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فيقال له اشرف قال فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصره قال فقال عمر إلا تسمع إلى ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا فكيف أعلاهم قال كعب يا أمير المؤمنين فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت أن الله عز و جل جعل دارا فيها ما شاء من الأزواج و الثمرات و الأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل و لا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون قال و خلق دون ذلك جنتين و زينهما بما شاء و أراهما من شاء من خلقه ثم قال من كان كتابه في عليين نزل تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من اهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من
ضوء وجه فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح هذا الرجل من
أهل عليين قد خرج يسير في ملكه فقال ويحك يا كعب هذه القلوب قد استرسلت
فاقبضها فقال كعب و الذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما يبقى من
ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا يخر تربيته حتى أن إبراهيم خليل الله يقول رب
نفسي نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت انك لا تنجو هذا
حديث كبير حسن رواه المصنفون في السنة كعبد الله بن أحمد و الطبراني و
الدار قطني في كتاب الرؤية رواه عن ابن صاعد حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن
المقري قال حدثنا أبي حدثنا ورقاء بن عمر حدثنا أبو طيبة عن كرز بن وبرة
عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة عن عبد الله و رواه من طريق عبد السلام
ابن حرب حدثنا الدالاني حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به و رواه من
طريق زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به و رواه من طريق
احمد بن أبي طيبة عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة
فصل و أما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يعقوب بن
سفيان حدثنا محمد بن المصفى حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله يزور أهل الجنة الرب تبارك و تعالى في كل جمعة و ذكر ما يعطون قال ثم يقول الله تبارك و تعالى اكشفوا حجابا فيكشف حجاب ثم حجاب ثم يتجلى لهم تبارك و تعالى عن وجهه فكأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك و هو قوله تبارك و تعالى و لدينا مزيد فصلو أما حديث أبي موسى ففي الصحيحين عنه عن النبي قال جنتان من فضة آنيتهما و ما فيهما و جنتان من ذهب إنيتهما و ما فيهما و ما بين القوم و بين أن ينظروا إلى ربهم تبارك و تعالى الا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن و قال الإمام احمد حدثنا حسن بن موسى و عثمان قالا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة
فإذا بدا لله أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون
فيتبعونهم حتى يقحمونهم النار ثم يأتينا ربنا عز و جل و نحن على مكان رفيع
فيقول من أنتم فنقول نحن المسلمون فيقول ما تنتظرون فنقول ننتظر ربنا عز و
جل فيقول و هل تعرفونه إن رأيتموه فنقول نعم انه لا عدل له فيتجلى لنا
ضاحكا فيقول أبشروا يا معشر المسلمين فانه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار
يهوديا أو نصرانيا مكانه و قال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة
القرشي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي قال يتجلى لنا ربنا تبارك و
تعالى ضاحكا يوم القيامة و ذكر الدار قطني من حديث إبان بن أبي عياش عن
أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى عن النبي قال يبعث الله يوم القيامة مناديا
بصوت يسمعه أولهم و آخرهم إن الله عز و جل وعدكم الحسنى و زيادة فالحسنى
الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل فصل
و أما حديث عدي بن حاتم الطائي ففي صحيح البخاري قال بينا أنا عند النبي
إذ أتى إليه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتى إليه آخر فشكا إليه قطع السبيل
فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها و قد أنبئت عنها قال فإن طالت بك
حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحدا إلا
الله قلت فيما بيني و بين نفسي فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد و لئن
طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز و لئن
طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه
فلا يجد أحدا يقبله منه و ليلقين الله أحدكم يوم يلقاه و ليس بينه و بينه
حجاب و لا ترجمان يترجم له فيقولن ألم ابعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى
يا رب فيقول ألم أعطك مالا و افضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى
إلا جهنم و ينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم قال عدي بن حاتم سمعت النبي
يقول اتقوا النار و لو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة قال عدي
فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله و كنت
فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز و لئن
طالت بكم حياة لترون ما قال النبي فصل
و أما حديث انس بن مالك ففي الصحيحين من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
عن انس بن مالك قال قال رسول الله يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون
لذلك و في لفظ فيلهمون لذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من
مكاننا هذا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو الخلق خلقك الله بيده و نفخ
فيك من روحه و أمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا عند ربنا حتى يريحنا من
مكاننا هذا فيقول لست هنا كم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها و
لكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله عز و جل قال فيأتون نوحا فيقول لست هنا
كم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها و لكن ائتوا إبراهيم الذي
الذي اتخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي
أصاب فيستحيي ربه منها و لكن ائتوا موسى الذي كلمه الله تكليما و أعطاه
التوراة فيأتون موسى فيقول لست هناكم و يذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه
منها و لكن ائتوا عيسى روح الله و كلمته فيأتون عيسى روح الله وكلمته
فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر قال قال رسول الله فيأتون فاستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا أنا رايته
فاقع ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقال يا محمد ارفع رأسك و قل
تسمع و سل تعط و اشفع تشفع فارفع رأسي فاحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي فأشفع
فيحد لي حدا فأخرجهم من النار و أدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجدا فيدعني
ما شاء الله ان يدعني ثم يقول ارفع رأسك يا محمد قل تسمع وسل تعط واشفع
تشفع فأرفع رأسي فاحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي ثم اشفع فيجد لي حدا
فأخرجهم من النار وأخلهم الجنة قال فلا ادري في الثالثة أو في الرابعة قال
فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القران أي وجب عليه الخلود و ذكر
ابن خزيمة عن ابن عبد الحكم عن أبيه و شعيب بن الليث عن الليث حدثنا معمر
بن سليمان عن حميد عن انس قال يلقى الناس يوم القيامة ما شاء الله أن
يلقوه من الحبس فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم فيشفع لنا إلى ربنا فذكر
الحديث
إلى أن قال فينطلقون إلى محمد فأقول أنا لها فانطلق حتى استفتح باب الجنة فيفتح لي فادخل وربي على عرشه فأخر ساجدا و ذكر الحديث وقال أبو عوانة و ابن أبي عروبة و همام و غيرهم عن انس في هذا الحديث فاستأذن على ربي فإذا رايته وقعت ساجدا و قال عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن انس فآتي ربي و هو على سريره أو كرسيه فأخر له ساجدا له و ساقه ابن خزيمة بسياق طويل و قال فيه فاستفتح فإذا نظرت إلى الرحمن وقعت له ساجدا له ورؤية النبي لربه في هذا المقام ثابتة عنه ثبوتا يقطع به أهل العلم بالحديث و السنة و في حديث أبي هريرة أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة و لا فخر و أنا سيد ولد آدم و لا فخر و أنا صاحب لواء الحمد و لا فخر و أنا أول من يدخل الجنة و لا فخر اخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي فيستقبلني وجه الجبار جل جلاله فاخر له ساجدا و قال الدار قطني حدثنا محمد بن إبراهيم النسائي العدل بمصر حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القاضي حدثنا أبو بكر إبراهيم بن محمد حدثنا الخليل عن عمر الاشج عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن انس عن النبي في قول الله عز و جل للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه الله تعالى عز و جل حدثنا أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد بن هارون الاصبهاني و محمد بن جعفر بن احمد الطبري و محمد بن علي بن إسماعيل الايلي قالوا حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا سلام بن سليمان حدثنا ورقاء و إسرائيل و شعبة و جرير بن عبد الحميد كلهم قالوا حدثنا ليث بن عثمان بن أبي حميد عن انس بن مالك قال قال سمعت رسول الله يقول أتاني جبريل و في كفه كالمرآة البيضاء يحملها فيها كالنكتة السوداء فقلت ما هذه التي في يدك يا جبريل فقال هذه الجمعة فقلت و ما الجمعة قال لكم فيها خير كثير قلت و ما يكون لنا فيها قال يكون عيدا لك و لقومك من بعدك و يكون اليهود و النصارى تبعا لك قلت و ما لنا فيها قال لكم فيها ساعة لا يسأل الله عبد فيها شيئا إلا و هو له قسم إلا أعطاه إياه أو ليس له بقسم إلا ذخر له في آخرته ما هو اعظم منه قلت و ما هذه النكتة التي فيها قال هي الساعة و نحن ندعوه يوم المزيد قلت و ما ذاك يا جبريل قال إن ربك اتخذ في الجنة واديا فيه كثبان من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه فيحف الكرسي بكراسي من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا على تلك الكراسي و يحف
الكراسي بمنابر من نور و من ذهب مكللة بالجوهر ثم يجيء الصديقون و الشهداء حتى يجلسوا على تلك المنابر ثم ينزل أهل الغرف من غرفهم حتى يجلسوا على تلك الكثبان ثم يتجلى لهم الله عز و جل فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي و أتممت عليكم نعمتي و هذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم فيفتح لهم في ذلك ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و ذلك بمقدار منصرفكم من الجمعة ثم يرتفع على كرسيه عز و جل و يرتفع معه النبيون و الصديقون و يرجع أهل الغرف إلى غرفهم و هي لؤلؤة بيضاء و زبرجدة خضراء و ياقوتة حمراء غرفها و أبوابها وأنهارها مطردة فيها و أزواجها و خدامها و ثمارها متدليات فيها فليسوا إلي شيء بأحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلى ربهم و يزدادوا منه كرامة هذا حديث كبير عظيم الشان رواه أئمة السنة و تلقوه بالقبول و جمل به الشافعي مسنده فرواه عن إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر عن عبد الله بن عبد بن عمير انه سمع انس بن مالك فذكر بنحوه و قد تقدم لفظه ثم قال الشافعي أنبانا إبراهيم قال حدثني أبو عمران إبراهيم ابن الجعد عن انس شبيها به و زاد فيه أشياء و رواه محمد بن إسحاق قال حدثني ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن انس به و قال فيه ثم يتجلى لهم ربهم عز و جل حتى ينظروا إلى وجهه الكريم و ذكر باقي الحديث و رواه عمرو ابن أبي قيس عن أبي ظبية عن عاصم عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن انس وجوده و فيه فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا عليها و يجيء أهل الغرف حتى يجلسوا على الكثب قال ثم يتجلى لهم ربهم تبارك و تعالى فينظرون إليه فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي و أتممت عليكم نعمتي و هذا محل كرامتي سلوني فيسألونه الرضى قال رضاي آمن لكم داري و أنا لكم كرامتي سلوني فيسألونه الرضى قال فيشهدهم بالرضاء ثم يسألونه حتى تنتهي رغبتهم و ذكر الحديث و رواه على ابن حرب حدثنا إسحاق ابن سليمان حدثنا عنبسة بن سعيد عن عثمان بن عمير ورواه الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن عثمان و قال فيه ثم يرتفع على كرسيه و يرتفع معه النبيون و الصديقون و الشهداء و يرجع أهل الغرف إلى غرفهم و رواه الدار قطني من طريق آخر من حديث قتادة عن
انس قال سمعته يقول بينا نحن حول رسول الله إذ قال أتاني جبريل في يده كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء قلت يا جبريل ما هذا قال هذا يوم الجمعة يعرضه عليك ربك ليكون لك عيدا و لامتك من بعدك قال قلت يا جبريل ما هذه النكتة السوداء قال هي الساعة و هي تقوم يوم الجمعة و هو سيد أيام الدنيا و نحن ندعوه في الجنة يوم المزيد قال قلت يا جبريل ولم تدعونه يوم المزيد قال إن الله اتخذ في الجنة واديا افيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل ربنا عز و جل على كرسيه إلى ذلك الوادي و قد حف الكرسي بمنابر من ذهب مكاله بالجوهر وقد حفت تلك المنابر بكراسي من نور ثم يؤذن لأهل الغرف فيقبلون يخوضون كثبان المسك إلى الركب عليهم اسورة الذهب و الفضة و ثياب السندس و الحرير حتى ينتهوا إلى ذلك الوادي فإذا اطمأنوا فيه جلوسا بعث الله عليهم ريحا يقال لها المثيرة أثارت ينابيع المسك الأبيض في وجوههم و ثيابهم و هم يومئذ جرد مرد مكحلون أبناء ثلاث و ثلاثين سنة على صورة آدم يوم خلقه الله عز و جل فينادي رب العزة تبارك و تعالى رضوان و هو خازن الجنة فيقول يا رضوان ارفع الحجب بيني وبين عبادي ورواري فإذا رفع الحجب بينه و بينهم فرأوا بهاءه و نوره هموا له بالسجود فيناديهم تبارك و تعالى بصوته ارفعوا رؤسكم فإنما كانت العبادة في الدنيا و أنتم اليوم في دار الجزاء سلوني ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدي و أتممت عليكم نعمتي فهذا محل كرامتي فسلوني ما شئتم فيقولون ربنا و أي خير لم تفعله بنا الست أعنتنا على سكرات الموت و آنست منا الوحشة في ظلمات القبور وآمنت روعتنا عند النفخة في الصور ألست أقلت عثراتنا و سترت علينا القبيح من فعلنا و ثبت على جسر جهنم أقدامنا لست الذي أدنيتنا من جوارك و أسمعتنا لذاذة منطقك و تجليت لنا بنورك ذي خير لم تفعله بنا فنعوذ بالله عز و جل فيناديهم بصوته فيقول أنا ربكم الذي صدقتكم وعدي و أتممت عليكم نعمتي فسلوني فيقولون نسألك رضاك فيقول برضائي عنكم أقلتكم عثراتكم و سترت عليكم القبيح من أموركم و أدنيت مني جواركم و أسمعتكم لذاذة منطقي و تجليت لكم بنوري فهذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يقول عز و جل سلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يقول عز و جل
سلوني فيقولون رضينا و ربنا و سلمنا فيزيدهم من مزيد فضله و
كرامته مالا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و يكون ذلك مقدار
تفرقهم من الجمعة قال انس فقلت بأبي أنت و أمي يا رسول الله و ما مقدار
تفرقهم قال كقدر الجمعة إلى الجمعة قال ثم يحمل عرش ربنا تبارك و تعالى
معهم الملائكة و النبيون ثم يؤذن لأهل الغرف فيعودون إلى غرفهم و هما
غرفتان من زمردتين خضراوين و ليسوا إلى شيء أشوق منهم إلى الجمعة لينظروا
إلى ربهم عز و جل و ليزيدهم من مزيد فضله و كرامته قال انس سمعته من رسول
الله و ليس بيني و بينه أحد و رواه الدار قطني أيضا عن أبي بكر النيسابوري
قال اخبرني أبو العباس بن الوليد بن يزيد قال اخبرني محمد بن شعيب قال
اخبرني عمر مولى عفرة عن انس و رواه محمد بن خالد بن جني حدثنا أبو اليمان
الحكم بن نافع حدثنا صفوان قال قال انس قال رسول الله و رواه أبو بكر بن
أبي شيبة حدثنا عبد الرحمن بن محمد عن ليث عن أبي عثمان عن انس و رواه
إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة عن زهير بن حرب حدثنا جرير عن ليث عن
عثمان بن أبي حميد عن انس و رواه الأسود بن عامر قال ذكر لي عن شريك عن
أبي اليقظان عن انس و رواه ابن بطة في الإبانة من حديث الأعمش عن أبي وائل
عن حذيفة و سيأتي سياقه و قد جمع ابن أبي داود طرقه فصل
و أما حديث بريدة بن الحصيب فقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة
حدثنا أبو خلاد عبد العزيز بن إبان القرشي حدنا بشير بن المهاجر عن عبد
الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله ما منكم من أحد إلا سيحلو الله
به يوم القيامة ليس بينه و بينه حجاب و لا ترجمان فصل
و أما حديث أبي بن رزين العقيلي فرواه الإمام احمد من حديث شعبة و حماد بن
سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن خدش عن أبي رزين قال قلنا يا رسول الله
أكلنا يرى ربه عز و جل يوم القيامة قال نعم قلت و ما آية ذلك في خلقه قال
أليس كلكم ينظر إلى القمر ليلة البدر قلنا نعم قال الله اكبر و اعظم قال
عبد الله قال أبي الصواب حدس و قال أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا موسى
بن
إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به فقد اتفق شعبة و حماد بن سلمة و
حسبك بهما على روايته عن يعلى بن عطاء و رواه الناس عنهما و عن أبي رزين
فيه إسناد آخر قد تقدم ذكره في حديثه الطويل و أبو رزين العقيلي له صحبة و
عداده من أهل الطائف و هو لقيط بن عامر و يقال لقيط بن صبرة هكذا قال
البخاري و ابن أبي حاتم و غيرهما و قيل هما اثنان و لقيط بن عامر غير لقيط
بن صبرة و الصحيح الأول و قال ابن عبد البر من قال لقيط بن صبرة نسبه إلى
جده و هو لقيط بن عامر ابن صبرة فصل
و أما حديث جابر بن عبد الله فقال الإمام احمد حدثنا روح بن جرير اخبرني
أبو الزبير انه سمع جابرا يسأل عن الورود فقال نحن يوم القيامة على كذا و
كذا أي فوق الناس فتدعى الأمم بأوثانها و ما كانت تعبد الأول فالأول ثم
يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول و من تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا فيقول أنا
ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم تبارك و تعالى يضحك قال فينطلق بهم
و يتبعونه و يعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه على جسر
جهنم و عليه كلاليب و حسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافق ثم ينجو
المؤمنون فتنجوا أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر و سبعون ألفا لا
يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء النجوم في السماء ثم كذلك ثم تحل الشفاعة
حتى يخرج من النار من قال لا اله إلا الله و كان في قلبه من الخير ما يزن
شعيرة فيجعلون بفناء الجنة و يجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون
نبات الشيء في السيل و يذهب حراقه ثم يسأل حتى يجعل الله له الدنيا و عشرة
أمثالها معها رواه مسلم في صحيحه و هذا الذي وقع في الحديث من قوله على
كذا و كذا قد جاء مفسرا في رواية صحيحة ذكرها عبد الحق في الجمع بين
الصحيحين نحن يوم القيامة على تل مشرفين على الخلائق و قال عبد الرزاق
أنبانا رباح بن زيد قال حدثني ابن جريج قال اخبرني زياد بن سعد أن أبا
الزبير اخبره عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله يتجلى لهم الرب تبارك
و تعالى ينظرون إلى وجهه فيخرون له سجدا فيقول ارفعوا رؤوسكم فليس هذا
بيوم عبادة و قال الدار قطني أنبأنا احمد بن عيسى بن السكن حدثنا احمد بن
محمد
محمد بن عمر بن يونس حدثنا محمد بن شرحبيل الصنعاني قال حدثني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله يتجلى لنا ربنا عز و جل يوم القيامة ضاحكا ورواه أبو قرة عن مالك بن انس عن زياد بن سعد حدثنا أبو الزبير عن جابر انه سمع رسول الله يقول إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم فذكر الحديث و فيه فيقول أتعرفون الله عز و جل إن رأيتموه فيقولون نعم فيقول و كيف تعرفونه و لم تروه فيقولون نعلم أن لا عدل له قال فيتجلى لهم تبارك و تعالى فيخرون له سجدا و قال ابن ماجة في سننه حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا أبو عاصم العباداني عن فضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب جل جلاله قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم أهل الجنة و هو قول الله عز و جل سلام قولا من رب رحيم فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم و تبقى فيهم بركته و نوره و قال حرب في مسائله حدثنا يحيى ابن أبي حزم حدثنا يحيى بن محمد أبو عاصم العباداني فذكره و عند البيهقي في هذا الحديث سياق آخر رواه أيضا من طريق العباداني عن الفضل بن عيسى بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله بينا أهل الجنة في مجالس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تبارك و تعالى قد اشرف فقال تعالى يا أهل الجنة سلوني قالوا نسألك الرضى عنا قال رضائي أحلكم داري و أنالكم كرامتي هذا أوانها فسلوني قالوا نسألك الزيادة قال فيؤتون بنجائب من ياقوت احمر أزمتها زمرد اخضر و ياقوت احمر فجاءوا عليها تضع حوافرها عند منتهى طرفها فيأمر الله بأشجار عليها الثمار فتجيء جواري الحور العين و هن يقلن نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الخالدات فلات نموت أزواج قوم مؤمنين كرام و يأمر الله عز و جل بكثبان من مسك أبيض اذفر فيثير عليهم ريحا يقال لها المثيرة حتى تنتهي بهم إلى جنة عدن و هي قصبة الجنة فتقول الملائكة يا ربنا قد جاء القوم مرحبا بالصادقين و مرحبا بالطائعين قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تبارك
وتعالى و يتمتعون بنور الرحمن حتى لا يبصر بعضهم بعضا ثم يقول
أرجعوهم إلى القصور بالتحف فيرجعون و قد ابصر بعضهم بعضا فقال رسول الله
فذاك قوله تعالى نزلا من غفور رحيم رواه في كتاب البعث و المنشور و في
كتاب الرؤية قال و قد مضى في هذا الكتاب و في كتاب الرؤية ما يؤكد هذا
الخبر و قال الدارقطني أنبأنا الحسن بن إسماعيل أنبانا أبو الحسن بن
إسماعيل أنبانا أبو الحسن علي بن عبدة حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن
أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال النبي إن الله عز و جل يتجلى
للناس عامة و يتجلى لأبي بكر خاصة فصل
و أما حديث أبي امامة فقال ابن وهب اخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني
عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي امامة
قال خطبنا رسول الله فكان اكثر خطبته ذكر الدجال يحذرنا منه و يحدثنا عنه
حتى فرغ من خطبته فكان فيما قال لنا يومئذ إن الله عز و جل لم يبعث نبيا
إلا حذر أمته و إني آخر الأنبياء و أنتم آخر الأمم و هو خارج فيكم لا
محالة فان يخرج و أنا بين أظهركم فانا حجيج كل مسلم وإن يخرج فيكم بعدي
فكل امرء حجيج نفسه و الله خليفتي على كل مسلم انه يخرج من خلة بين العراق
والشام عاث يمينا و عاث شمالا يا عباد الله اثبتوا و أنه يبدأ فيقول أنا
نبي و لا نبي بعدي ثم يثني فيقول أنا ربكم و لن تروا ربكم حتى تموتوا و
انه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه و
ليقرأ فواتح سورة أصحاب الكهف و انه يسلط على نفس من بني آدم فيقتلها ثم
يحييها و انه لا يعدو ذلك و لا يسلط على نفس غيرها و إن من فتنته إن معه
جنة و نارا فناره جنة و جنته نار فمن ابتلي بناره فليغمض عينيه و ليستغث
بالله تكن بردا و سلاما كما كانت النار بردا و سلاما على إبراهيم و إن
أيامه أربعون يوما يوما كسنة و يوما كشهر و يوما كجمعة و يوما كالأيام
وآخر أيامه كالسراب يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل إن يبلغ بابها
الآخر قالوا فكيف نصلي يا رسول الله في تلك الأيام قال تقدرون كما تقدرون
في الأيام الطوال و رواه الدار قطني عن ابن صاعد عن احمد بن الفرح عن ضمرة
بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرويه
فصل
وأما حديث زيد بن ثابت فقال الإمام احمد حدثنا أبو المغيرة قال حدثني أبو
بكر قال حدثني ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت أن رسول الله علمه دعاء و أمره
أن يتعاهد به أهله كل يوم قال قل حين تصبح لبيك اللهم لبيك لبيك و سعديك و
الخير في يديك و منك و إليك اللهم و ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت
من حلف فمشيئتك بين يديه ما شئت كان و ما لم تشأ لم يكن ولا حول و لا قوة
إلا بك انك على كل شيء قدير اللهم و ما صليت من صلاة فعلى من صليت و ما
لعنت من لعنة أنت وليي في الدنيا و الآخرة توفني مسلما و الحقني بالصالحين
أسألك اللهم الرضا بعد القضاء و برد العيش بعد الموت و لذة النظر إلى وجهك
و الشوق إلى لقائك من غير ضراء و مضرة و لا فتنة مضلة أعوذ بك اللهم أن
اظلم أو اظلم أو اعتدي أو يعتدى علي أو اكسب خطيئة محبطة أو ذنبا لا تغفره
اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة ذا الجلال و الإكرام
فاني اعهد إليك في هذه الحياة الدنيا و أشهدك و كفى بك شهيدا إني اشهد أن
لا اله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك و لك الحمد و أنت على كل شيء
قدير و اشهد أن محمدا عبدك و رسولك و اشهد أن وعدك حق و أن لقائك حق و
الجنة حق و الساعة آتية لا ريب فيها و أنت تبعث من في القبور و اشهد انك
تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة و عورة و ذنب و خطيئة و إني لا أثق إلا
برحمتك فاغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت و تب علي انك أنت
التواب الرحيم رواه أبو داود في صحيحه فصل
وأما حديث عمار بن ياسر فقال الأمام احمد حدثنا إسحاق الأزرق عن شريك عن
أبي هاشم عن أبي مجلز قال صلى بنا عمار صلاة فاوجز فيها فأنكروا ذلك فقال
ألم أتم الركوع و السجود قالوا بلى قال أما إني قد دعوت فيها بدعاء كان
رسول الله يدعو به اللهم بعلمك الغيب و قدرتك على الخلق أحيني ما علمت
الحياة خيرا لي و توفني إذا علمت الوفاة خيرا لي و اسالك خشيتك في الغيب و
الشهادة و كلمة الحق في الغضب و الرضا و القصد في الفقر و الغنى و لذة
النظر إلى وجهك و الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة و لا فتنة
مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين و أخرجه ابن
حبان و الحاكم في صحيحيهما فصل
و أما حديث عائشة ففي صحيح الحاكم من حديث الزهري عن عروة عنها قالت قال
رسول الله لجابر يا جابر إلا أبشرك قال بلى بشرك الله بخير قال شعرت أن
الله أحيا أباك فاقعده بين يديه فقال تمن علي عبدي ما شئت أعطكه قال يا رب
ما عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فاقاتل مع نبيك فاقتل
فيك مرة أخرى قال انه قد سلف مني انك إليها لا ترجع و هو في المسند من
حديث جابر و في مسنده ادخله و للترمذي فيه سياق أتم من هذا عن جابر قال
لما قتل عبد الله بن عمرو ابن حزام يوم أحد قال قال رسول الله يا جابر إلا
أخبرك ما قال الله عز و جل لأبيك قال بلى قال ما كلم الله عز و جل أحدا
إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا فقال يا عبدي تمن علي أعطك قال يا رب
تحييني فاقتل فيك ثانية قال انه سبق مني انهم إليها لا يرجعون قال يا رب
فابلغ من ورائي فانزل الله عز و جل هذه الآية و لا تحسبن الذين قتلوا في
سبيل الله أمواتا الآية قال الترمذي هذا حديث حسن غريب قلت و إسناده صحيح
و رواه الحاكم في صحيحه فصل
وأما حديث عبد الله بن عمر فقال الترمذي حدثنا عبد بن حميد عن شبابة عن
إسرائيل عن ثوير بن أبي فأخته و قال الطبراني حدثنا أسد بن موسى حدثنا أبو
معاوية محمد بن حازم عن عبد الملك بن ابجر عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن
عمر قال قال رسول الله إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي
سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر إلى أزواجه و سرره و خدمه و إن أفضلهم
منزلة من ينظر إلى وجه الله تبارك و تعالى كل يوم مرتين قال الترمذي و روى
هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا و رواه عبد
الملك بن ابجر عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا و روى الاشجعي عبيد
الله عن سفيان الثوري عن مجاهد عن ابن عمر نحوه و لم يرفعه حدثنا بذلك أبو
كريب قلت و رواه الحسن بن عرفة عن شبابة
عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا و زاد فيه ثم قرأ رسول
الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة و قال سعيد بن هشيم بن بشير عن أبيه
عن كريز بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله يوم القيامة أول
يوم نظرت فيه عين إلى الله تبارك و تعالى ورواه الدار قطني عن جماعة عن
احمد بن يحيى بن حبان الرقي عن إبراهيم بن خرزاذ عنه و قال الدارقطني
حدثنا احمد بن سليمان حدثنا احمد بن يونس حدثنا عبد الحميد بن صالح حدثنا
أبو شهاب الخياط عن خالد بن دينار عن حماد بن جعفر عن عبد الله بن عمر قال
سمعت رسول الله يقول إلا أخبركم بأسفل أهل الجنة قالوا بلى يا رسول الله
فذكر الحديث إلى أن قال حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ و ظنوا أن لا
نعيم افضل منه و اشرف الرب تبارك و تعالى عليهم فينظرون إلى وجه الرحمن عز
و جل فيقول يا أهل الجنة هللوني و كبروني و سبحوني بما كنتم تهللونني و
تكبروني و تسبحوني في دار الدنيا فيتجاوبون بتهليل الرحمن فيقول تبارك و
تعالى لداود يا داود قم فمجدني فيقوم داود فيمجد ربه عز و جل و قال عثمان
بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي حدثنا احمد بن يونس عن أبي شهاب
الخياط عن خالد بن دينار عن حماد بن جعفر عن ابن عمر يرفعه إلى النبي إن
أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ و ظنوا أن لا نعيم افضل منه تجلى
لهم الرب تبارك و تعالى فنظروا إلى وجه الرحمن فنسوا كل نعيم عاينوه حين
نظروا إلى وجه الرحمن فصل
و أما حديث عمارة بن رويبة فقال ابن بطة في الإبانة حدثنا عبد الغافر بن
سلامة الحمصي حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي حدثنا أبو اليمان حدثنا
إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي
بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال نظر النبي إلى القمر ليلة البدر فقال
إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضارون في رؤيته فان استطعتم إلا
تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و صلاة قبل غروبها فافعلوا قال ابن بطة و
اخبرني أبو القاسم بن عمر بن احمد عن أبي بكر احمد بن هارون حدثنا عبد
الرزاق بن منصور حدثنا المغيرة حدثنا المسعودى عن إسماعيل بن
أبي خالد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال نظر رسول
الله إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم تبارك و تعالى كما ترون
هذا القمر لا تضامون في رؤيته فان استطعتم أن لا تغلبوا على ركعتين قبل
طلوع الشمس وركعتين بعد غروبها فافعلوا فصل
و أما حديث سلمان الفارسي فقال أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان
عن سلمان الفارسي قال يأتون النبي فيقولون يا نبي الله إن الله فتح بك و
ختم بك و غفر لك قم فاشفع لنا إلى ربك فيقول نعم أنا صاحبكم فيخرج يحوش
الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب فيقرع فيقال من هذا
فيقال محمد قال فيفتح له فيجيء حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود
فيؤذن له الحديث فصل
و أما حديث حذيفة بن اليمان فقال ابن بطة اخبرني أبو القاسم عمر بن احمد
عن أبي بكر احمد بن هارون حدثنا يزيد بن جمهور حدثنا الحسن بن يحيى ابن
كثير العنبري حدثني أبي عن إبراهيم بن المبارك عن القاسم بن مطيب عن
الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان و قال البزار و حدثنا محمد بن معمر
و احمد بن عمرو بن عبيد العصفري قالا حدثنا يحيى بن كثير حدثنا إبراهيم
ابن المبارك عن القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قال
رسول الله أتاني جبريل فإذا في كفه مرآة كأصفى المرايا وحسنها و إذا في
وسطها نكتة سوداء قال يا جبريل ما هذه قال هذه الدنيا صفاؤها و حسناه قال
قلت و ما هذه اللمعة في وسطها قال هذه الجمعة قال قلت و ما الجمعة قال يوم
من أيام ربك عظيم و سأخبرك بشرفه و فضله و اسمه في الآخرة أما شرفه و فضله
في الدنيا فان الله تعالى جمع فيه أمر الخلق و أما ما يرجى فيه فإن فيه
ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تبارك و تعالى فيها
خيرا إلا أعطاهما إياه و أما شرفه و فضله و اسمه في الآخرة فان الله تبارك
و تعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة و أهل النار إلى النار و جرت عليهم
أيامها و ساعاتها ليس بها ليل و لا نهار إلا قد علم الله تبارك و تعالى
مقدار ذلك و ساعاته فإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يبرز أو يخرج فيه
أهل الجنة إلى جمعتهم نادى مناد يا أهل الجنة اخرجوا إلى
دار المزيد لا يعلم سعته و عرضه و طوله إلا الله عز و جل في
كثبان من المسك قال فيخرج غلمان الأنياء بمنابر من نور و يخرج غلمان
المؤمنين بكراسي من ياقوت قال فإذا وضعت لهم و اخذ القوم مجالسهم بعث الله
تبارك و تعالى عليهم ريحا تدعى المثيرة تثير عليهم آثار المسك الأبيض
تدخله من تحت ثيابهم و تخرجه في وجوههم و أشعارهم فتلك الريح اعلم كيف
تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم لو دفع إليها ذلك الطيب بإذن الله تعالى
قال ثم يوحي الله سبحانه إلى حملة العرش فيوضع بين ظهراني الجنة و بينه و
بينهم الحجب فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول أين عبادي الذين أطاعوني في
الغيب و لم يروني و صدقوا رسلي و اتبعوا أمري فسلوني فهذا يوم المزيد قال
فيجتمعون على كلمة واحدة ربنا رضينا عنك فارض عنا قال فيرجع الله تعالى في
قولهم أن يا أهل الجنة إني لو لم ارض عنكم لما أسكنتكم جنتي فسلوني فهذا
يوم المزيد قال فيجتمعون على كلمة واحدة رب وجهك أرنا ننظر إليه قال فيكشف
الله تبارك و تعالى تلك الحجب و يتجلى لهم فيغشاهم من نوره لولا انه قضى
عليهم أن لا يحترقوا إلا احترقوا مما غشيهم من نوره قال ثم يقال ارجعوا
إلى منازلكم قال فيرجعون إلى منازلهم يزاد النور و أمكن و يزاد و أمكن حتى
يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها قال فيقول لهم أزواجهم لقد خرجتم من
عندنا على صورة و رجعتم على غيرها قال فيقولون ذلك بأن الله تبارك و تعالى
تجلى لنا فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم قال فلهم في كل سبعة أيام
الضعف على ما كانوا فيه قال و ذلك قوله عز و جل فلا تعلم نفس ما اخفي لهم
من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون و قال عبد الرحمن بن مهدي حدثنا
إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد السعدي عن حذيفة في قوله عز و جل
للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال النظر إلى وجه الله عز و جل قال الحاكم و
تفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع فصل
وأما حديث ابن عباس فروى ابن خزيمة من حديث حماد بن سلمة عن ابن جدعان عن
أبي نضرة قال خطبنا ابن عباس فقال قال رسول الله
ما من نبي إلا و له دعوة تعجلها في الدنيا و إني اختبأت دعوتي
شفاعة لأمتي يوم القيامة فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فاقرع الباب
فيقال من أنت فأقول أنا محمد فآتي ربي و هو على كرسيه أو على سريره فيتجلى
لي ربي فاخر له ساجدا و رواه ابن عيينة عن ابن جدعان فقال عن أبي سعيد بدل
بن عباس و قال أبو بكر بن أبي داود حدثنا عمى محمد بن الأشعث حدثنا ابن
جبير قال حدثني أبي جبير عن الحسن عن ابن عباس عن النبي قال إن اهل الجنة
يرون ربهم تبارك و تعالى في كل يوم جمعة في رمال الكافور و أقربهم منه
مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة و ابكرهم غدوا فصل
و أما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فقال الصنعاني حدثنا صدقة بن عمرو
العقدي قال قرأت على محمد بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن
عثمان عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص
يحدث مروان بن الحكم و هو أمير المدينة قال خلق الله الملائكة لعبادته
أصنافا فان منهم لملائكة قياما صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة و
ملائكة ركوعا خشوعا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة و ملائكة سجودا منذ
خلقهم إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة و تجلى لهم تعالى و نظروا إلى
وجهه الكريم قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فصل
وأما حديث أبي بن كعب فقال الدار قطني حدثنا عبد الصمد بن علي حدثنا محمد
بن زكريا بن دينار قال حدثني قحطبة بن علاقة حدثنا أبو جلدة عن أبي
العالية عن أبي بن كعب عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و
زيادة قال النظر إلى وجه الله عز و جل و أما حديث كعب ابن عجرة فقال محمد
بن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن كعب
بن عجرة عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال الزيادة
النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى فصل
و أما حديث فضالة بن عبيد فقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا محمد بن
المهاجر عن أبي حليس عن أبي الدرداء أن فضالة يعني ابن عبيد كان يقول
اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء و برد العيش بعد الموت و لذة
النظر إلى وجهك و الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة و لا فتنة مضلة فصل
و أما حديث عبادة بن الصامت ففي مسند أحمد من حديث بقية حدثنا يحيى ابن
سعيد عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة
بن الصامت عن النبي انه قال قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن
مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد اعور مطموس العين ليست بناتئة و لا جحراء
فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور و إنكم لن تروا ربكم حتى
تموتوا و أما حديث الرجل من أصحاب النبي فقال الصنعاني حدثنا روح بن عبادة
حدثنا عباد بن منصور قال سمعت عدي بن ارطاة يخطب على المنبر بالمدائن فجعل
يعظ حتى بكى و أبكانا ثم قال كونوا كرجل قال لابنه و هو يعظه يا بني أوصيك
أن لا تصلي صلاة إلا ظننت أنك إلا تصلي بعدها غيرها حتى تموت و تعال يا
بني نعمل عمل رجلين كأنهما قد وقفا على النار ثم سألا الكرة و لقد سمعت
فلانا نسي عباد اسمه ما بيني و بين رسول الله غيره فقال أن رسول الله قال
إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافتة ما منهم ملك تقطر دمعته من عينه إلا
وقعت ملكا يسبح الله تعالى قال و ملائكة سجود منذ خلق الله السماوات و
الأرض لم يرفعوا رؤوسهم و لا يرفعونها إلى يوم القيامة و صفوف لم ينصرفوا
عن مصافهم و لا ينصرفون إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة فإذا كان
يوم القيامة وتجلى لهم ربهم فنظروا إليه قالوا سبحانك ما عبدناك كما ينبغي
لك أن نعبدك فصل
و هاك بعض ما قاله بعض أصحاب رسول الله و التابعون و أئمة الإسلام بعدهم
قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال أبو إسحاق عن عامر بن سعد
قرأ أبو بكر الصديق للذين احسنوا الحسنى و زيادة فقالوا ما الزيادة يا خليفة رسول الله قال النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا علي بن ميسرة الهمداني حدثنا صالح ابن أبي خالد العنبري عن أبي الاحوص عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة ابن عبيد قال سمعت عليا يقول من تمام النعمة دخول الجنة و النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى في جنته قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم عن زيد عن حذيفة قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم ذكر أبو عوانة عن هلال عن عبد الله بن عكيم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذا المسجد مسجد الكوفة يبدأ باليمين قبل أن يحدثنا فقال و الله ما منكم من إنسان إلا أن ربه سيخلو به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر قال فيقول ما غرك بي يا ابن آدم ثلاث مرات ماذا أجبت المرسلين ثلاثا كيف عملت فيما علمت و قال ابن أبي داود حدثنا احمد بن الأزهر حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثنا أبي عن عكرمة قال قيل لابن عباس كل من دخل الجنة يرى الله عز و جل قال نعم وقال أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي ملك و أبي صالح عن ابن عباس و عن مرة الهمداني عن ابن مسعود لزيادة النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى قول معاذ بن جبل قال عبد الرحمن بن أبي حاتم أنبانا إسحاق بن احمد الخراز حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون بن أبي حمزة قال كنت جالسا عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف إلا تحدثنا عن معاذ بن جبل قال بلى سمعته يقول يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد فينادي أين المتقون فيقومون في كنف واحد من الرحمن لا يحتجب الله منهم و لا يستتر قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك و عبادة الأوثان و اخلصوا لله في العبادة فيمرون إلى الجنة قول أبي هريرة رضي الله عنه قال ابن وهب اخبرني ابن لهيعة عن أبي النصر أن أبا هريرة كان يقول لن تروا ربكم حتى تذوقوا الموت قول عبد الله بن عمر قال حسين الجعفي عن عبد الملك بن ابجر عن ثوير عن ابن عمر قال إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى ملكه ألفي عام يرى أدناه كما يرى أقصاه و إن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى وجه
الله في كل يوم مرتين قول فضالة بن عبيد ذكر الدارمي عن محمد بن مهاجر عن أبي حليس عن أبي الدرداء أن فضالة بن عبيد كان يقول اللهم إني اسألك الرضا بعد القضا و برد العيش بعد الموت و لذة النظر إلى وجهك و قد تقدم قول أبي موسى الاشعري قال وكيع عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة عن أبي موسى قال الزيادة النظر إلى وجه الله ويرى يزيد بن هارون و ابن أبي عدي و ابن علية عن التيمي عن اسلم العجلي عن أبي مزانة عن أبي موسى الاشعري انه كان يحدث الناس فشخصوا بأبصارهم فقال ما صرف أبصاركم عني قالوا الهلال قال فكيف بكم إذا رأيتم وجه الله جهرة قول انس بن مالك قال ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يمان حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن انس بن مالك في قوله عز و جل و لدينا مزيد قال يظهر لهم الرب تبارك و تعالى يوم القيامة قول جابر بن عبد الله قال مروان بن معاوية عن الحكم بن أبي خالد عن الحسن عن جابر قال إذا دخل أهل الجنة الجنة و أديم عليهم بالكرامة جاءتهم خيول من ياقوت احمر لا تبول و لا تروث لها أجنحة فيقعدون عليها ثم يأتون الجبار فإذا تجلى لهم خروا له سجدا فيقول يا أهل الجنة ارفعوا رؤوسكم فقد رضيت عنكم لا سخط بعده قال الطبري فتحصل في الباب ممن روى عن رسول الله من الصحابة حديث الرؤية ثلاث و عشرون نفسا منهم علي و أبو هريرة و أبو سعيد و جرير و أبو موسى و صهيب و جابر وابن عباس و انس و عمار بن ياسر و أبي ابن كعب و ابن مسعود و زيد بن ثابت و حذيفة بن اليمان و عبادة بن الصامت و عدي بن حاتم و أبو رزين العقيلي و كعب بن عجرة و فضالة بن عبيد و بريدة بن الحصيب و رجل من أصحاب النبي و قال الدارقطني أنبأنا محمد بن عبد الله حدثنا جعفر بن محمد الأزهر حدثنا مفضل بن غسان قال سمعت يحيى بن معين يقول عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية كلها صحاح و قال البيهقي روينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق و حذيفة بن اليمان و عبد الله بن مسعود و عبد الله بن عباس و أبي موسى و غيرهم و لم يرو عن أحد منهم نفيها و لو كانوا فيها مختلفين لنقل اختلافهم في ذلك إلينا فلما نقلت رؤية الله سبحانه و تعالى بالأبصار في الآخرة عنهم و لم ينقل عنهم في ذلك اختلاف كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا علمنا انهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين و مجتمعين
فصل
وأما التابعون و نزل الإسلام و عصابة الإيمان من أئمة الحديث و الفقه و
التفسير و أئمة التصوف فأقوالهم اكثر من أن يحيط بها إلا الله عز و جل قال
سعيد بن المسيب الزيادة النظر إلى وجه الله رواه مالك عن يحيى عنه و قال
الحسن الزيادة النظر إلى وجه الله رواه ابن ابي حاتم عنه وقال عبد الرحمن
بن أبي ليلى الزيادة النظر الى وجه الله تعالى رواه حماد بن زيد عن ثابت
عنه و قاله عامر بن سعد البجلي ذكره سفيان عن أبي إسحاق عنه و قاله عبد
الرحمن ابن سابط رواه جرير بن ليث عنه و قاله عكرمة و مجاهد و قتادة و
السدي و الضحاك و كعب و كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله أما بعد فاني
أوصيك بتقوى الله و لزوم طاعته و التمسك بأمره و المعاهدة على ما حملك
الله من دينه و استحفظك من كتابه فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه
و بها رافقوا أنبياءه و بها نضرت وجوههم و نظروا إلى خالقهم و هي عصمة في
الدنيا ومن الفتن و من كرب يوم القيامة و قال الحسن لو علم العابدون في
الدنيا انهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا و قال الأعمش
و سعيد بن جبير أن اشرف أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تبارك و تعالى غدوة و
عشية و قال كعب ما نظر الله سبحانه إلى الجنة قط إلا قال طيبي لأهلك فزادت
ضعفا على ما كانت حتى يأتيها أهلها و ما من يوم كان لهم عيد في الدنيا إلا
و يخرجون في مقداره في رياض الجنة فيبرز لهم الرب تبارك و تعالى فينظرون
إليه و تسفى عليهم الريح المسك و لا يسألون الرب تعالى شيئا إلا أعطاهم
حتى يرجعوا و قد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن و الجمال سبعين ضعفا
ثم يرجعون إلى أزواجهم و قد ازددن مثل ذلك و قال هشام بن حسان أن الله
سبحانه و تعالى يتجلى لأهل الجنة فإذا رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة و
قال طاووس أصحاب المراء و المقاييس لا يزال بهم المراء و المقاييس حتى
يجحدوا الرؤية و يخالفوا أهل السنة و قال شريك عن أبي إسحاق السبيعي
الزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك و تعالى و قال حماد بن زيد عن ثابت عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى انه تلى هذه الآية للذين احسنوا الحسنى و زيادة
قال إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها ما سألوا و ما شاؤا فيقول الله عز
و جل لهم انه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه فتجلى لهم ربهم فلا يكون ما
أعطوه عند ذلك بشيء فالحسنى الجنة
و الزيادة النظر إلى وجه ربهم عز و جل و لا يرهق وجوههم قتر و
لا ذلة بعد نظرهم إلى ربهم تبارك و تعالى و قال علي بن المديني سألت عبد
الله بن المبارك عن قوله تعالى فمن كانا يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا
قال عبد الله من أراد النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى خالقه فليعمل عملا
صالحا و لا يخبر به أحدا و قال نعيم بن حماد سمعت ابن المبارك يقول ما حجب
الله عز و جل أحدا عنه إلا عذبه ثم قرأ كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون
ثم انهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالرؤية ذكره
ابن أبي الدنيا عن يعقوب عن إسحاق عن نعيم و قال عباد بن العوام قدم علينا
شريك بن عبد الله منذ خمسين سنة فقلت له يا أبا عبد الله أن عندنا قوما من
المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث أن الله ينزل إلى السماء الدنيا وأن أهل
الجنة يرون ربهم فحدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا و قال أما نحن قد أخذنا
ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب رسول الله فهم عمن اخذوا و قال عقبة بن
قبيصة أتينا أبا نعيم يوما فنزل إلينا من الدرجة التي في داره فجلس وسطها
كأنه مغضب فقال حدثنا سفيان ابن سعيد و منذر الثوري و زهير بن معاوية و
حدثنا حسن بن صالح بن حي و حدثنا شريك بن عبد الله النخعي هؤلاء أبناء
المهاجرين يحدثوننا عن رسول الله أن الله تبارك و تعالى يرى في الآخرة حتى
جاء ابن يهودي صباغ يزعم أن الله تعالى لا يرى يعني بشر المريسي فصل
في المنقول عن الأئمة الاربعة ونظائرهم وشيوخهم و اتباعهم على طريقهم
ومناهجهم ذكر قول إمام دار الهجرة مالك بن انس قال احمد بن صالح المصري
حدثنا عبد الله بن وهب قال قال مالك بن انس الناس ينظرون إلى ربهم عز و جل
يوم القيامة بأعينهم و قال الحارث بن مسكين حدثنا أشهب قال سئل مالك بن
انس عن قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة أتنظر إلى الله عز و
جل قال نعم فقلت إن أقواما يقولون تنظر ما عنده قال بل تنظر إليه نظرا و
قد قال موسى يا رب ارني انظر إليك قال لن تراني و قال الله تعالى كلا انهم
عن ربهم يومئذ لمحجوبون و ذكر الطبري و غيره انه قيل لمالك بن انس انهم
يزعمون أن الله لا يرى فقال مالك السيف السيف ذكر قول ابن الماجشون قال
أبو حاتم الرازي
قال أبو صالح كاتب الليث أملى على ابن عبد العزيز بن أبي سلمة
الماجشون و سألته عما جحدت الجهمية فقال لم يزل يملي الشيطان حتى جحدوا
قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فقالوا لا يراه أحد يوم
القيامة فجحدوا و الله افضل كرامة الله التي اكرم بها أولياءه يوم القيامة
من النظر إلى وجهه و نضرته إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر فورب السماء
و الأرض ليجعلن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثوابا لينضر بها وجههم دون
المجرمين و تفلح بها حجتهم على الجاحدين و هم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لا
يرونه كما زعموا أنه لا يرى و لا يكلمهم و لا ينظر إليهم و لهم عذاب اليم
ذكر قول الاوزاعي ذكر ابن أبي حاتم عنه قال إني لأرجو أن يحجب الله عز و
جل جهما و أصحابه عن افضل ثوابه الذي وعده الله عز و جل أولياءه حين يقول
وجوه يومئذ ناضرة إلى بها ناظرة فجحد جهم و أصحابه افضل ثوابه الذي وعده
الله أولياءه ذكر قول الليث بن سعد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسماعيل بن أبي
الحارث حدثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول سالت الاوزاعي
و سفيان الثوري و مالك بن انس و الليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها
الرؤية فقالوا تمر بلا كيف قول سفيان بن عيينة ذكر الطبري و غيره عنه انه
قال من لم يقل أن القران كلام الله و أن الله يرى في الجنة فهو جهمي و ذكر
عنه ابن أبي حاتم انه قال يصلي خلف الجهمي و الجهمي الذي يقول لا يرى ربه
يوم القيامة قول جرير بن عبد الحميد ذكر ابن أبي حاتم عنه انه ذكر حديث
ابن سابط في الزيادة إنها النظر إلى وجه الله فأنكره رجل فصاح به و أخرجه
من مجلسه قول عبد الله بن المبارك ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم عنه إن رجلا
من الجهمية قال له يا أبا عبد الرحمن خدارا بان جهان جون ببيند و معناه
كيف يرى الله يوم القيامة فقال بالعين و قال ابن أبي الدنيا حدثنا يعقوب
بن إسحاق قال سمعت نعيم بن حماد يقول سمعت بن المبارك يقول ما حجب الله
عنه أحدا إلا عذبه ثم قرأ كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا
الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال ابن المبارك بالرؤية قول وكيع
بن الجراح
ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه قال يراه تبارك و تعالى المؤمنون في الجنة و لا
يراه إلا المؤمنون
قول قتيبة بن سعيد ذكر ابن أبي حاتم عنه قال قول الأئمة المأخوذ في
الإسلام و السنة و الإيمان بالرؤية و التصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول
الله
في الرؤية
قول أبي عبيد القاسم بن سلام ذكر ابن بطة و غيره عنه انه إذا ذكرت عنده
هذه الأحاديث التي في الرؤية فقال هي عندنا حق و رواها الثقات عن الثقات
إلى أن صارت إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها لنا قلنا لا نفسر منها شيئا
و لكن نمضيها كما جاءت قول اسود بن سالم شيخ الإمام احمد قال المروزي
حدثنا عبد الوهاب الوراق قال سألت اسود بن سالم عن أحاديث الرؤية فقال
احلف عليها بالطلاق و بالمشي إنها حق قول محمد ابن إدريس الشافعي قد تقدم
رواية الربيع عنه انه قال في قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون
لما حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على ان اولياءه يرونه في الرضا
قال الربيع فقلب يا ابا عبد الله ونقول به قال نعم وبه ابن الله ولو لم
يوقن محمد بن ادريس انه يرى الله عز و جل لما عبده و قال ابن بطة حدثنا
ابن الانباري حدثنا أبو القاسم الأنماطي صاحب المزني قال قال الشافعي رحمه
الله كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون دلالة على إن أولياء الله يرونه يوم
القيامة بأبصارهم و وجوههم
قول إمام السنة احمد بن حنبل قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد أليس ربنا
تبارك و تعالى يراه أهل الجنة أليس تقول بهذه الأحاديث قال احمد صحيح قال
ابن منصور و قال إسحاق بن راهويه صحيح و لا يدعه إلا كل مبتدع أو ضعيف
الرأي و قال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله و قيل له تقول بالرؤية فقال
من لم يقل بالرؤية فهو جهمي قال سمعت أبا عبد الله و بلغه عن رجل انه قال
إن الله لا يرى في الآخرة فغضب غضبا شديدا ثم قال من قال إن الله لا يرى
في الآخرة فقد كفر عليه لعنة الله وغضبه من كان من الناس أليس يقول الله
عز و جل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال كلا انهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون وقال أبو داود سمعت احمد وذكر له عن رجل شيء في الرؤية فغضب وقال
من قال إن الله لا يرى فهو كافر وقال أبو داود وسمعت احمد بن حنبل وقيل له
في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف إن الله لا يرى في الآخرة فقال
لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال أخزى الله هذا وقال أبو بكر
المرزوي قيل لأبي عبد الله تعرف عن يزيد بن هارون عن أبي العطوف عن أبي
الزبير عن جابر إن استقر الجبل فسوف تراني وإن لم يستقر فلا تراني في
الدنيا ولا
في الآخرة فغضب أبو عبد الله غضبا شديدا حتى تبين في وجهه وكان قاعدا و الناس حوله فأخذ نعله و انتعل و قال أخزى الله هذا لا ينبغي ان يكتب و دفع ان يكون يزيد بن هارون رواه أو حدث به و قال هذا جهمي كافر خالف ما قال الله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة و قال كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون أخزى الله هذا الخبيث قال أبو عبد الله و من زعم ان الله لا يرى في الآخرة فقد كفر و قال ابو طالب قال ابو عبد الله قول الله عز و جل هل ينظرون الا ان بأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة وجاء ربك والملك صفا صفا فمن قال ان الله لا يرى فقد كفر وقال إسحاق بن ابراهيم بن هانئ سمعت ابا عبد الله يقول من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي و الجهمي كافر و قال يوسف بن موسى بن محمد القطان قيل لأبي عبد الله أهل الجنة ينظرون إلى ربهم تبارك و تعالى و يكلمونه و يكلمهم قال نعم ينظر اليهم و ينظرون اليه و يكلمهم و يكلمونه كيف شاؤوا إذا شاءوا قال حنبل ابن اسحاق سمعت ابا عبد الله يقول القوم يرجعون إلى التعطيل في اقوالهم ينكرون الرؤرية و الاثار كلها و ما ظننتم على هذا حتى سمعت مقالاتهم قال حنبل و سمعت ابا عبد الله يقول من زعم ان الله لا يرى في الاخرة فهو جهمي فقد كفر و رد على الله و على الرسول و من زعم ان الله لم يتخذ ابراهيم خليلا فقد كفر و رد على الله قوله قال ابو عبد الله فنحن نؤمن بهذه الاحاديث و نقرها و نمرها كما جاءت و قال الاثرم سمعت ابا عبد الله يقول فأما من يقول ان الله لا يرى في الاخرة فهو جهمي قال ابو عبد الله و إنما تكلم من تكلم في رؤية الدنيا و قال ابراهيم بن زياد الصائغ سمعت احمد بن حنبل يقول الرؤية من كذب بها فهو زنديق و قال حنبل سمعت ابا عبد الله يقول ادركنا الناس و ما ينكرون من هذه الاحاديث شيئا احاديث الرؤية و كانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك و لا مرتابين و قال ابو عبد الله قال الله تعالى و ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا و كلم الله موسى من وراء حجاب فقال رب ارني انظر اليك قال لن تراني و لكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فاخبر الله عز و جل ان موسى يراه في الآخرة و قال كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و لا يكون حجاب إلا لرؤية اخبر الله سبحانه و تعالى ان من
شاء الله و من اراد ان يراه و الكفار لا يرونه قال حنبل و سمعت ابا عبد الله يقول قال الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة و الاحاديث التي تروى في النظر إلى الله تعالى حديث جابر بن عبد الله و غيره و تنظرون إلى ربكم احاديث صحاح و قال للذين احسنوا الحسنى و زيادة النظر إلى وجه الله تعالى قال ابو عبد الله نؤمن بها و نعلم انها حق احاديث الرؤية و نؤمن بأن الله يرى نرى ربنا يوم القيامة لانشك فيه ولا نرتاب قال وسمعت ابا عبد الله يقول و من زعم ان الله لا يرى في الاخرة فقد كفر بالله و كذب بالقرآن ورد على الله امره يستتاب فإن تاب و إلا قتل قال حنبل قلت لأبي عبد الله في احاديث الرؤية فقال هذه صحاح نؤمن بها و نقر بها و كلما روى عن النبي اسناده جيد اقررنا به قال ابو عبد الله إذا لم نقر بما جاء عن النبي و دفعناه و رددنا على الله امره قال الله عز و جل و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا قول اسحاق بن راهويه ذكر الحاكم و شيخ الاسلام و غيرهما عنه ان عبد الله بن طاهر امير خراسان سأله فقال يا ابا يعقوب هذه الاحاديث التي يروونها في النزول و الرؤية ما هن فقال رواها من روى الطهارة و الغسل و الصلاة و الاحكام و ذكر اشياء فان يكونوا في هذه عدولا و إلا فقد ارتفعت الاحكام و بطل الشرع فقال شفاك الله كما شفيتني أو كما قال قول جميع أهل الايمان قال امام الأئمة محمد بن اسحاق بن خزيمة في كتابه ان المؤمنين لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد و من انكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين قول المزني ذكر الطبري في السنة عن ابراهيم عن أبي داود المصري قال كنا عند نعيم بن حماد جلوسا فقال نعيم للمزني ما تقول في القرآن فقال اقول انه كلام الله فقال غير مخلوق فقال غير مخلوق قال و تقول ان الله يرى يوم القيامة قال نعم فلما افترق الناس قام اليه المزني فقال يا ابا عبد الله شهرتني على رؤوس الناس فقال إن الناس قد اكثروا فيك فأردت ان ابرئك قول جميع أهل اللغة قال ابو عبد الله بن بطة سمعت ابا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول سمعت ابا العباس احمد بن يحيى ثعلبا يقول في قوله تعالى و كان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه فيها سلام اجمع أهل اللغة على ان اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة و نظرا بالابصار و حسبك بهذا الاسناد صحة و اللقاء ثابت بنص القران كما تقدم و بالتواتر عن النبي و كل احاديث اللقاء
صحيحة كحديث انس في قصة حديث بئر معونة انا قد لقينا ربنا فرضي
عنا و ارضانا و حديث عبادة و عائشة و أبي هريرة و ابن مسعود من احب لقاء
الله احب الله لقاءه و حديث انس انكم ستلقون بعدي اثرة فاصبروا حتى تلقوا
الله و رسوله و حديث أبي ذر لو لقيني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك
بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة و حديث أبي موسى من لقي الله لا يشرك به شيئا
دخل الجنة و غير ذلك من احاديث اللقاء التي اطردت كلها بلفظ واحد فصل
في وعيد منكري الرؤية
قد تقدم قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و قول عبد الله ابن
المبارك ما حجب الله عنه احدا إلا عذبه ثم قرأ قوله تعالى ثم انهم لصالوا
الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالرؤية و روى مسلم في صحيحه
من حديث أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل
تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست فيها سحابة قالوا لا قال هل تضارون
في رؤية القمر ليلة البدر ليس فيه سحابة قالوا لا قال فوالذي نفس محمد
بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية احدهما فيلقى العبد
فيقول أي قل الم اكرمك و اسودك و ازوجك و اسخر لك الخيل و الابل و اذرك
ترأس و ترفع فيقول بلى فيقول أفظننت انك ملاقى فيقول لا فيقول فاني انساك
كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول أي فل الم اكرمك و اسودك و ازوجك و اسخر
لك الخيل و الابل و اذرك تراس و ترفع فيقول بلى أي ربي فيقول أفظننت انك
ملاقي فيقول لا فيقول اني انساك كما نسيتني ثم يلقى الثالث فيقول له مثل
ذلك فيقول يا رب امنت بك و بكتبك و رسلك و صليت و صمت و تصدقت و يثني بخير
ما استطاع فيقول ها هنا إذا ثم يقال الان نبعث شاهدا عليك فيتفكر في نفسه
من الذي يشهد علي فيختم على فيه و يقال لفخذه انطقي فينطق فخذه و لحمه و
عظامه بعمله و ذلك ليعذر من نفسه و ذلك المنافق و ذلك الذي يسخط الله عليه
فاجمع بين قوله فانكم سترون ربكم و قوله لمن ظن انه غير ملاقيه فإني انساك
كما نسيتني و اجماع أهل اللغة على ان اللقاء المعاينة بالابصار يحصل لك
العلم بان منكر الرؤية احق بهذا الوعيد
و من تراجم أهل السنة على هذا الحديث باب في الوعيد لمنكري
الرؤية كما فعل شيخ الاسلام و غيره و بالله التوفيق فصل
قد دل القران و السنة المتواترة و اجماع الصحابة و ائمة الاسلام و أهل
الحديث عصابة الاسلام و نزل الايمان و خاصة رسول الله على ان الله سبحانه
و تعالى يرى يوم القيامة بالابصار عيانا كما يرى القمر ليلة البدر صحوا و
كما ترى الشمس في الظهيرة فإن كان لما اخبر به الله و رسوله عنه من ذلك
حقيقة و ان له و الله حق الحقيقة فلا يمكن ان يروه إلا من فوقهم لاستحالة
ان يروه من اسفل منهم أو خلفهم أو امامهم أو عن يمينهم أو عن شمالهم و ان
لم يكن لما اخبر به حقيقة كما يقوله افراخ الصابئة و الفلاسفة و المجوس و
الفرعونية بطل الشرع و القران فان الذي جاء بهذه الاحاديث هو الذي جاء
بالقران والشريعة والذي بلغها هو الذي بلغ الدين فلا يجوز ان يجعل الله و
رسوله عضين بحيث يؤمن ببعض معانيه و يكفر ببعضها فلا يجتمع في قلب العبد
بعدد الاطلاع على هذه الاحاديث و فهم معناها و انكارها و الشهادة بأن محمد
رسول الله ابدا و الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كان لنهتدي لولا ان
هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق و المنحرفون في باب رؤية الرب تبارك و
تعالى نوعان احدهما من يزعم انه يرى في الدنيا و يحاضر و يسامر و الثاني
من يزعم انه لا يرى في الاخرة البتة و لا يكلم عباده و ما اخبر الله به
ورسوله و اجمع عليه الصحابة و الائمة يكذب الفريقين و بالله التوفيق
الباب السادس و الستون
في تكليمه سبحانه و تعالى لأهل الجنة و خطابه لهم و محاضرته اياهم و سلامه عليهم قال تعالى ان الذين يشترون بعهد الله و ايمانهم ثمنا قليلا اولئك لا خلاق لهم في الاخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر اليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و قال في حق الذين يكتمون ما انزل الله من البينات و الهدى و لا يكلمهم الله يوم القيامة فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم و اعداؤه سواء و لم يكن في تخصيص اعدائه بانه لا يكلمهم فائدة اصلا إذ تكليمه لعباده عند الفرعونية و المعطلة مثل ان يقال يؤاكلهم و يشاربهم و نحو ذلك تعالى الله عما يقولون و قد اخبر الله سبحانه انه يسلم على أهل الجنة و ان ذلك السلام حقيقة و هو قول
من رب رحيم و تقدم تفسير النبي لهذه الاية في حديث جابر في الرؤية و انه
يشرف عليهم من فوقهم و يقول سلام عليكم يا أهل الجنة فيرونه عياينا و في
هذا اثبات الرؤية و التكليم و العلو و المعطلة تنكر هذه الامور الثلاثة و
تكفر القائل بها و تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه في سوق الجنة و قول
النبي ولا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا حاضره الله محاضرة فيقول يا فلان
اتذكر يوم فعلت كذا و كذا الحديث و تقدم حديث عدي بن حاتم ما منكم إلا من
سيكلمه ربه يوم القيامة و حديث أبي هريرة في الرؤية و فيه يقول الرب تبارك
و تعالى للعبد الم اكرمك و اسودك الحديث و حديث بريدة ما منكم من أحد إلا
سيخلوا به ربه و ليس بينه و بينه ترجمان و لا حجاب الحديث و حديث انس في
يوم المزيد و مخاطبته فيه لأهل الجنة مرارا و بالجملة فتامل احاديث الرؤية
تجد في اكثرها ذكر التكليم قال البخاري في صحيحه باب كلام الرب تبارك و
تعالى مع أهل الجنة وساق فيه عدة أخاديث فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه
تنارك وتعالى تكليمه لهم فانكار ذلك انكار لروح الجنة و اعلى نعيمها و
افضله الذي ما طابت لأهلها إلا به و الله المستعان
الباب السابع و الستون
في ابدية الجنة و اها وأنها لا تفنى و لا تبيدهذا مما يعلم بالاضطرارا ان الرسول اخبر به قال تعالى و أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ أي مقطوع و لا تنافي بين هذا و بين قوله إلا ما شاء ربك و اختلف السلف في هذا الاستثناء فقال معمر عن الضحاك هو في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة يقول سبحانه و تعالى انهم خالدون في الجنة ما دامت السماوات و الارض إلا مدة مكثهم في النار قلت و هذا يحتمل امرين احدهما ام يكون الاخبار عن الذين سعدوا وقع عن قوم مخصوصين و هم هؤلاء و الثاني و هو الاظهر ان يكون وقع عن جملة السعداء و التخصيص بالمذكورين هو في الاستثناء و ما دل عليه و احسن من هذين التقديرين ان ترد المشيئة إلى الجميع حيث لم يكونوا في الجنة في الموقف و على هذا فلا يبقى في الاية تخصيص و قالت فرقة اخرى هو استثناء استثناه الرب تعالى
و لا يفعله كما تقول و الله لاضربنك إلا ان ارى غير ذلك و أنت لا تراه بل تجزم بضربه و قالت فرقة اخرى العرب إذا استثنت شيئا كثيرا مع مثله و مع ما هو اكثر منه كان معنى إلا في ذلك و معنى الواو سواء و المعنى عى هذا سوا ما شاء الله من الزيادة على مدة دوام السماوات و الارض هذا قول الفراء و سيبويه يجعل إلا بمعنى لكن قالوا و نظير ذلك لان تقول لي عليك الف إلا الالفين الذين قبلها أي سوى الالفين قال ابن جرير و هذا احب الوجهين إلى ان الله تعالى لا خلف لوعده و قد وصل الاستثناء بقوله عطاء غير مجذوذ قالوا و نظيره ان تقول اسكنتك داري حولا إلا ما شئت أي سوى ما شئت أو لكن ما شئت من الزيادة عليه و قالت فرقة اخرى هذا الاستثناء انما هو مدة احتباسهم عن الجنة ما بين الموت و البعث و البرزخ إلى ان يصيروا إلى الجنة ثم هو الخلود الابد فلم يغيبوا عن الجنة إلا بمقدار اقامتهم في البرزخ و قالت فرقة اخرى العزيمة قد وقعت لهم من الله بالخلود الدائم إلى ان يشاء الله خلاف ذلك اعلاما لهم بأنهم مع خلودهم في مشيئته و هذا كما قال لنبيه و لئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك و قوله فان يشا الله يختم على قلبك و قوله قل لو شاء الله ما تلوته علكم و نظائره و اخبر عباده سبحانه و ان الامور كلها بمشيئته ما شاء الله كان و ما شاء لم يكن و قالت فرقة اخرى الرماد بمدة دوام السماوات و الارض في هذا العالم فأخبر سبحانه أنهم خالدون في الجنة مدة دوام السموات والأرض إلا ما شاء الله ان يزيدهم عليه و لعل هذا قول من قال ان إلا بمعنى سوى و لكن اختلفت عبارته و هذا اختيار بن قتيبة قال المعنى خالدين فيها مدة العالم سوى ما شاء ان يزيدهم من الخلود على مدة العالم و قالت فرقة اخرى ما بمعنى من قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء و المعنى إلا من شاء ربك ان يدخله النار بذنوبه من السعداء و الفرق بين هذا القول و بين اول الاقوال ان الاستثناء على هذا القول من المدة و على ذلك القول من الاعيان و قالت فرقة اخرى المراد بالسماوات و الارض سماء الجنة و ارضها و هما باقيتان ابدا و قوله إلا ما شاء ربك ان كانت ما بمعنى من فهم الذين يدخلون النار ثم يخرجون منها و ان كانت بمعنى الوقت فهو مدة احتباسهم في البرزخ و الموقف قال الجعفي سالت عبد الله بن وهب عن هذا الاستثناء فقال سمعت
فيه انه قدر وقوفهم في الموقف يوم القيامة إلى ان يقضي بين
الناس و قالت فرقة اخرى الاستثناء راجع إلى مدة لبثهم في الدنيا و هذه
الاقوال متقاربة و يمكن الجمع بينها بان يقال اخبر سبحانه وعن خلودهم في
الجنة كل وقت إلا وقتا يشاء ان لا يكونوا فيها و ذلك يتناول وقت كونهم في
الدنيا و في البرزخ و في موقف يوم القيامة و على الصراط و كون بعضهم في
النار مدة و على كل تقدير فهذه الاية من المتشابه و قوله فيها عطاء غير
مجذوذ محكم و كذلك قوله و ما هم منها وقوله ان هذا لرزقنا ما له من نفاد و
قوله اكلها دائم وظلها وقوله دمائهم منها بخرجين و قد اكد الله سبحانه و
تعالى خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القران و اخبر انهما لا
يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى و هذا الاستثناء منقطع و إذا ضممته
إلى الاستثناء في قوله إلا ما شاء ربك تبين لك المراد من الايتين و
استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة
الاولى من جملة الموت فهذه موتة تقدمت على حياتهم الابدية و ذاك مفارقة
للجنة تقدم على خلودهم فيها و بالله التوفيق و قد تقدم قول النبي من يدخل
الجنة ينعم و لا يبؤس و يخلد و لا يموت و قوله ينادي مناد يا أهل الجنة ان
لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا و ان تشبوا فلا تهرموا ابدا و ان تحيوا فلا
تموتوا ابدا و ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي انه قال
يجاء بالموت في صورة كبش املح فيوقف بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل
الجنة فيطلعون مشفقين و يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين فيقال هل تعرفون
هذا فيقولون نعم هذا الموت فيذبح بين الجنة و النار ثم يقال يا أهل الجنة
خلود فلا موت و يا أهل النار خلود فلا موت فصل
و هذا موضع اختلف فيه المتاخرون على ثلاثة اقوال احدها ان الجنة و النار
فانيتان غير ابدتيين بل كما هما حادثتان فهما فانيتان و القول الثاني
انهما باقيتان دائمتان لا يفنيان ابدا و القول الثالث ان الجنة باقية
ابدية و النار فانية و نحن نذكر هذه الاقوال و ما قابلها و ما احتج به
ارباب كل قوله و نرد ما خالف كتاب الله و سنة رسوله فاما القول بفنائهما
فهو قول قاله جهم بن صفوان امام المعطلة الجهمية و ليس له فيه سلف قط من
الصحابة و لا من التابعين و لا أحد
من ائمة الاسلام و لا قال به أحد من أهل السنة و هذا القول مما انكره عليه و على اتباعه ائمة الاسلام و كفروهم به و صاحوا بهم من اقطار الارض كما ذكره عبد الله بن الامام احمد في كتاب السنة عن خارجة بن مصعب انه قال كفرت الجهمية بثلاث ايات من كتاب الله عز و جل بقول الله سبحانه و تعالى اكلها دائم و ظلها و هم يقولون لا يدوم و بقول الله تعالى ان هذا لرزقنا ما له من نفاد و هم يقولون ينفد و بقول الله عز و جل ما عندكم ينفد و ما عند الله باق قال شيخ الاسلام و هذا قاله جهم لا صلة الذي اعتقده و هو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث و جعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم فراى الجهم ان ما يمنع من حوادث لا اول لها في الماضي يمنع في المستقبل كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي و ابو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وافقه على هذا الاصل لكن قال ان هذا يقتضي فناء الحركات لكونها متعاقبة شيئا بعد شيء فقال بفناء حركات أهل الجنة و النار حتى يصيروا في سكون دائم لا يقدر احد منهم على حركة و زعمت فرقة ممن وافقهم على امتناع حوادث لا نهاية لها ان هذا القول مقتضى العقل لكن لما جاء السمع ببقاء الجنة و النار قلنا بذلك و كان هؤلاء لم يعلموا ان ما كان ممتنعا في العقل لا يجيء في الشرع بوقوعه إذ يستحيل عليه ان يخبر بوجود ما هو ممتنع في العقل و كانهم لم يفرقوا بين محالات العقول ومجازاتها فالسمع يجيء بالثاني لا بالاول فالسمع يجيء بما يعجز العقل عن ادراكه و لا يستقل به و لا يجيء بما لا يعلم العقل احالته و الاكثرون الذين وافقوا جهما و ابا الهذيل على هذا الاصل فرقوا بين الماضي و المستقبل و قالوا الماضي قد دخل في الوجود بخلاف المستقبل و الممتنع انما هو دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تقدير دخوله شيئا بعد شيء قالوا أو هذا نظيران يقول القائل لا أعطيك درهما إلا وأعطيتك بعده درهما آخر فهذا ممكن والأول نظير أن يقول لا أعطيك درهما إلا و أعطيك قبله درهما فهذا محال و هؤلاء عندهم وجود ما لا يتناهى في الماضي محال و وجوده في المستقبل واجب و نازعهم في ذلك آخرون فقالوا بل الامر في الماضي كهو في المستقبل و لا فرق بينهما بل الماضي و الاستقبال امر نسبي فكل ما يكون مستقبلا
يصير ماضيا و كل ماض فقد كان مستقبلا فلا يعقل امكان الدوام في أحد الطرفين و احالته في الطرف الآخر الاخر قالوا و هذه مسألة دوام فاعلية الرب تبارك و تعالى و هو لم يزل ربا قادرا فاعل فانه لم يزل حيا عليما قديرا و من المحال ان يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته ثم ينقلب فيصير ممكنا لذاته من غير تجدد شيء و ليس للازل حد محدود حتى يصير الفعل ممكنا له عند ذلك الحد و يكون قبله ممتنعا عليه فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده و يكفي في فساده ان الواقت الذي انقلب فيه الفعل من الاحالة الذاتيه إلى الأماكن الذات إما ان يصح أن يفرض قبله وقت يمكن فيه الفعل اولا لا يصح فان قلتم لا يصح كان هذا تحكما غير معقول و هو من جنس الهوس و ان قلتم يصح قيل و كذلك ما يفرض قبله لا إلى غاية فما من زمن محقق أو مقدر إلا و الفعل مكن فيه و هو صفة كمال و احسان و متعلق حمد الرب وتعالى و ربوبيته و ملكه و هو لم يزل ربا حميدا ملكا قادرا لم تتجدد له هذه الاوصاف كما انه لم يزل حيا مريدا عليما و الحياة و الارادة و العلم و القدرة تقتضي آثارها و متعلقاتها فكيف يعقل حي قدير عليم مريد ليس له مانع و لا قاهر يقهره يستحيل عليه ان يفعل شيئا البتة و كيف يجعل هذا اصل من اصول الدين و يجعل معيارا على ما اخبرالله به و رسوله و يفرق به بين جائزات العقول و محالاتها فإذا كان وهذا شان الميزان فكيف يستقيم الموزون به و أما قول من فرق بان الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل فكلام لا تحقيق وراءه فان الذي يحصره الوجود من الحركات هو المتناهي ثم يعدم فيصير ماضيا كما كان معدوما لما كان مستقبلا فوجوده بين عدمين و كلما انقضت جملة حدثت بعدها جملة اخرى فالذي صار ماضيا هو بعينه الذي كان مستقبلا فان دل الدليل على امتناع ما لا يتناهى شيئا قبل شيء فهو بعينه دال على امتناعه شيئا بعد شيء و أما تفريقكم بقولكم المستقبل نظير قوله ما أعطيك درهما إلا وأعطيك بعده درهما فهذا ممكن والماضي نظير قوله ما أعطيك درهما إلا و أعطيك قبله درهما فهذا الفرق فيه تلبيس لا يخفى و ليس بنظير ما نحن فيه بل نظيره ان يقول ما أعطيك درهما إلا و قد تقدم مني أعطاء درهم قبله فهذا ممكن الدوام في الماضي على حد امكانه في المستقبل و لا فرق في العقل الصحيح بينهما البتة و لما لم يجد الجهم و ابو الهذيل و اتباعهما بين الامرين فرقا قالوا بوجوب تناهي الحركات في المستقبل كما يجب ابتداؤها عندهم
في الماضي و قال أهل الحديث بل هما سواء في الامكان و الوقوع و لم يزل الرب سبحانه تعالى فعالا لما يريد و لم يزل و لا يزال موصوفا بصفات الكمال منعوتا بنعوت الجلال و ليس المتمكن من الفعل كل وقت كالذي لا يمكنه الفعل إلا في وقت معين و ليس من يخلق كمن لا يخلق و من يحسن كمن لا يحسن و من يدبر الامر كمن لا يدبر و أي كمال في ان يكون رب العالمين معطلا عن الفعل في مدة مقدرة أو محققة لا تتناهى يستحيل منه الفعل و حقيقة ذلك انه لا يقدر عليه وإن أبيتم هذا الاطلاق و قلتم ان المحال لا يوصف بكونه غير مقدور عليه فجمعتم بين محالين الحكم باباحة الفعل من غير موجب لاحالته و انقلابه من الاحالة الذاتية إلى الامكان الذاتي من غير تجدد سبب و زعمتم ان هذا هو الاصل الذي تثبتون به وجود الصانع و حدوث العالم و قيامه إلابدان فجنيتم علىالعقل الشرع و الرب تعالى لم يزل قادرا على الفعل و الكلام بمشيئته و لم يزل فعالا لما يريد و لم يزل ربا محسنا و المقصود ان القول بفناء الجنة و النار قول مبتدع لم يقله أحد من الصحابة و لا التابعين و لا أحد من ائمة المسلمين و الذين قالوه انما تلقوه عن قياس فاسد كما اشتبه اصله على كثير من الناس فاعتقدوه حقا وبنوا عليه القول بخلق القران و نفي الصفات و قد دل القرآن و السنة و العقل الصريح على ان كلمات الله وافعاله لا تتناهى و لا تنقطع باخر و لا تحد باول قال تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و قال تعالى و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم فاخبر عن عدم نفاد كلماته لعزته و حكمته و هذان وصفان ذاتيان له سبحانه و تعالى لا يكون إلا كذلك و ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن سليمان بن عامر قال سمعت الربيع بن انس يقول ان مثل علم العباد كلهم في علم الله عز و جل كقطرة من هذه البحور كلها و قد انزل الله سبحانه و تعالى في ذلك و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام الاية و قوله قل لو كان البحر مدادا الاية يقول سبحانه و تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات الله و الشحرة كلها اقلام لانكسرت الاقلام و فني ماء البحر وكلمات الله تعالى باقية لا يفنيها شيء لان احدا لا يستطيع ان يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي بل هو كما اثنى على نفسه ان
ربنا كما يقول وفوق ما يقول ثم ان مثل نعيم الدنيا اوله و آخره
وفي نعيم الاخر كحبة من خردل في خلال الارض كلها فصل
وأما ابدية النار ودوامها فقال فيها شيخ الاسلام فيها قولان معروفان عن
السلف و الخلف و النزاع في ذلك معروف عن التابعين قلت ههنا اقوال سبعة
احدها ان من دخلها لا يخرج منها ابدا بل كل من دخلها مخلد فيها ابد الاباد
باذن الله و هذا قول الخوارج و المعتزلة و الثاني ان أهلها يعذبون فيها
مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم
و هذا قول امام الاتحادية ابن عربي الطائي قال في فصوصه الثناء بصدق الوعد
لا بصدق الوعيد و الحضرة الالهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثني عليها
بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ولم
يقل وعيده بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع انه توعد على ذلك واثنى على
اسماعيل بانه كان صادق الوعد و قد زال الامكان في حق الحق لما فيه من طلب
المرجح
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق عين تعاين
وان دخلوا دار الشقاء فانهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد و الامر واحد ... وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... وذاك له كالقشر والقشر صاين
وهذا في طرف والمعتزلة الذين يقولون لا يجوز على الله ان يخلف وعيده بل
يجب عليه تعذيب من توعده بالعذاب في طرف فاولئك عندهم لا ينجو من النار من
دخلها اصلا و هذا عنده لا يعذب بها أحد اصلا والفريقان مخالفان لما علم
بالاضطرار ان الرسول جاء به واخبر به عن الله عز و جل الثالث قول من يقول
ان أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود ثم يخرجون منها ويخلفهم فيها قوم
اخرون وهذا القول حكاه اليهود للنبي فاكذبهم فيه وقد اكذبهم الله تعالى في
القران فيه فقال تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا اياما معدودة قل اتخذتم
عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من
كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون وقال تعالى
الم تر إلى اوتوا نصيبا من الكتاب
يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون فهذا القول إنما هو قول أعداء الله اليهود فهم شيوخ أر بابه والقائلين به وقد دل القران والسنة وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام على فساده قال تعالى وما هم بخارجين من النار وقال وما هم منها بمخرجين وقال كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقال تعالى كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها وقال تعالى لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها و قال تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وهذا ابلغ ما يكون في الإخبارعن استحالة دخولهم الجنة الرابع قول من يقول يخرجون منها وتبقى نارا على حالها ليس فيها أحد يعذب حكاه شيخ الإسلام والقران والسنة أيضا يردان على هذا القول كما تقدم الخامس قول من يقول بل تفنى بنفسها لأنها حادثة بعد أن لم تكن وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه وأبديته وهذا قول جهنم بن صفوان و شيعته ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار السادس قول من يقول تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادا لا يتحركون ولا يحسون بألم وهذا قول أبى الهذيل العلاف إمام المعتزلة طردا لامتناع حوادث لا نهاية لها والجنة والنارعنده سواء في هذا الحكم السابع قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى فانه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها قال شيخ الإسلام وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبى هريرة وأبى سعيد وغيرهم وقد روى عبد بن حميد وهو من اجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال قال عمر لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه وقال حدثنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون منه ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى لابثين فيها أحقابا فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج ابن منهال وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به وحماد يرويه عن ثابت وحميد
وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال عمر بن الخطاب ولو قدر انه لم يحفظ عن عمر فتداول هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد مع انهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا فلو كان خذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله و سنة رسوله وإجماع الأئمة لكانوا أول منكر له قال ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر و نقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم انهم يخرجون منها وانهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي أما أهل النار الذين هم أهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولا يناقض هذا قوله تعالى خالدين فيها وقوله وما هم منها بمخرجين بل ما اخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه لكن إذا انقضى اجلها وفنيت تفنى الدنيا لم تبق نارا ولم يبق فيها عذاب قال أرباب هذا القول وفي تفسير علي بن ابي طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم قال لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا قالوا وهذا الوعيد في هذه الآية ليس مختصا بأهل القبلة فانه سبحانه ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال اولياء وهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله انم ربك حكيم عليم وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وأولياء الجن من الإنس يدخل فيه الكفار قطعا فانهم أحق بموالاتهم من عصاة المسلمين كما قال تعالى إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وقال تعالى انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وقال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون وقال تعالى افتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو وقال تعالى فقاتلوا أولياء الشيطان وقال تعالى أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
251 - وقال تعالى وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون والاستثناء وقع في الآية التي أخبرت عن دخول أولياء الشياطين النار فمن ههنا قال ابن عباس لا ينبغي لاحد أن يحكم على الله في خلقه قالوا قول من قال أن إلا بمعنى سوى أي سوى ما شاء الله أن يزيدهم من أنواع العذاب وزمنه لا تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه وإن الذي يفهمه المخاطب مخالفة ما بعد لما قبلها قالوا وقول من قال انه لإخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان كزمان البرزخ والموقف ومدة الدنيا أيضا لا يساعد عليه وجه الكلام فانه استثناء من جملة خبرية مضمونها انهم إذا دخلوا النار لبثوا فيها مدة دوام السموات والأرض إلا ما شاء الله وليس المراد الاستثناء قبل الدخول هذا ما لا يفهمه المخاطب ألا ترى انه سبحانه يخاطبهم بهذا في النار حين يقولون ربنا استمتع بعضنا ببعض و بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا فيقول لهم حينئذ النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله و في قوله ربنا استمتع بعضنا ببعض و بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا نوع اعتراف واستسلام وتحسر أي استمتع الجن بنا و استمتعنا بهم فاشتركنا في الشرك ودواعيه وأسبابه و آثرنا الاستمتاع على طاعتك و طاعة رسلك و انقضت آجالنا و ذهبت أعمارنا في ذلك و لم نكتسب فيها رضاك و إنما كان غاية امرنا في مدة آجالنا استمتاع بعضنا ببعض فتأمل ما في هذا القول من الاعتراف بحقيقة ما هم عليه و كيف بدت لهم تلك الحقيقة ذلك اليوم وعلموا أن الذي كانوا فيه في مدة آجالهم هو حظهم من استمتاع بعضهم ببعض ولم يستمتعوا بعبادة ربهم و معرفته وتوحيده ومحبته و إيثارمرضاته وهذامن نمط قولهم لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير و قوله فاعترفوا بذنبهم و قوله فعلموا أن الحق لله و نظائرة والمقصود أن قوله إلا ما شاء الله عائد إلى هؤلاء المذكورين مختصا بهم أو شاملا لهم و لعصاة الموحدين وأما اختصاصه بعصاة المسلمين دون هؤلاء فلا وجه له ولما رأت طائفة ضعف هذا القول قالوا الاستثناء يرجع الى مدة البرزخ والموقف وقد تبين ضعف هذا القول و رأت طائفة أخرى أن الاستثناء يرجع إلى نوع آخر من العذاب غير النار قالوا والمعنى أنكم في النار أبدا إلا ما شاء الله أن يعذبكم بغيرها وهو الزمهرير وقد قال تعالى أن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا قالوا وإلا بدلا يقدر بالأحقاب و قد
قال ابن مسعود في هذه الآية ليأتين يوم على جهنم زمان و ليس فيها أحد و ذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا وعن أبي هريرة مثله حكاه البغوي عنهما ثم قال ومعناه عند أهل السنة أن ثبت انه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان قالوا قد ثبت ذلك عن أبي هريرة و ابن مسعود وعبد الله بن عمر وقد سال حرب اسحق بن راهويه عن هذه الآية فقال سالت إسحاق قلت قول الله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك فقال أتت هذه الآية على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا أبو نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي قال هذه الآية تأتي على القران كله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال المعتمر قال أتى على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا حدثنا عبيد الله حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ما أنا بالذي لا أقول انه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرا قوله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق الآية قال عبيد الله كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين حدثنا أبو معن حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن جابر ابن عبد الله أو بعض أصحابه في قوله خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال هذه الآية تأتي على القران كله و قد حكى ابن جرير هذا القول في تفسيره عن جماعة من السلف فقال وقال آخرون عنى بذلك أهل النار و كل من دخلها ذكر من قال ذلك ثم ذكر الآثار التي نذكرها و قال عبد الرزاق أنبانا ابن التيمي عن أبيه عن أبي نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو عن رجل من أصحاب رسول الله في قوله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال هذه الآية تأتي على القران كله يقول حيث كان في القران خالدين فيها تأتي عليه قال و سمعت أبا مجلز يقول جزاؤه فان شاء الله تجاوز عن عذابه و قال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى أنبانا عبد الرزاق فذكره و قال وحدثت عن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال لا يموتون وما هم منها بمخرجين ما دامت السماوات و الأرض
إلا ما شاء ربك قال استثنى الله قال أمر الله النار أن تاكلهم قال و قال ابن مسعود ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد بعد ما يلبثون فيها أحقابا حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن بيان عن الشعبي قال جهنم أسرع الدارين عمرانا و أسرعهما خرابا و حكى ابن جرير في ذلك قولا آخر فقال و قال آخرون اخبرنا الله عز و جل بمشيئته لأهل الجنة فعرفنا معنى ثنياه بقوله عطاء غير مجذوذ وأنها لفي الزيادة على مقدار مدة السماوات و الأرض قالوا و لم يخبرنا بمشيئته في أهل النار و جائز أن يكون مشيئته في الزيادة و جائز أن تكون في النقصان حدثني يونس أنبانا ابن وهب قال اقل ابن زيد في قوله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك فقرا حتى بلغ عطاء غير مجذوذ فقال اخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة فقال عطاء غير مجذوذ و لم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار و قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان بن احمد حدثنا جبير بن عرفة حدثنا يزيد بن مروان الخلال حدثنا أبو خليد حدثنا سفيان يعني الثوري عن عمرو بن دينار عن جابر قال قرا رسول الله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال رسول الله أن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل و هذا الحديث يدل على أن الاستثناء إنما هو للخروج من النار بعد دخولها خلافا لمن زعم انه لما قبل الدخول و لكن إنما يدل على إخراج بعضهم من النار و هذا حق بلا ريب و هو لا ينفي انقطاعها و فناء عذابها وآكلها لمن فيها و انهم يعذبون فيها دائما ما دامت كذلك و ما هم منها بمخرجين فالحديث دل على آمرين أحدهما أن بعض الأشقياء أن شاء الله أن يخرجهم من النار و هي نار فعل و أن الاستثناء إنما هو فيما بعد دخولها لا فيما قبله و على هذا فيكون معنى الاستثناء ما شاء ربك من الأشقياء فانهم لا يخلدون فيها و يكون الأشقياء نوعين نوعا يخرجون منها النار و نوعا يخلدون فيها فيكونون من الذين شقوا أولا ثم يصيرون من الذين سعدوا فتجتمع لهم الشقاوة و السعادة في وقتين قالوا و قد قال تعالى أن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا و لا شرابا إلا حميما و غساقا جزاء وفاقا انهم كانوا لا يرجون حسابا و كذبوا بآياتنا كذابا فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته ولا يقدر إلا بدي بهذه الأحقاب و لا غيرها كما لا يقدر به القديم و لهذا
قال عبد الله بن عمرو فيما رواه شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن
ميمون يحدث عنه ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد و ذلك
بعدما يلبثون فيها أحقابا فصل
و الذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق أحدها اعتقاد الإجماع فكثير من
الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة و التابعين لا يختلفون فيه و
أن الاختلاف فيه حادث و هو من أقوال أهل البدع الطريق الثاني أن القران دل
على ذلك دلالة قطعية فانه سبحانه و تعالى اخبر انه عذاب مقيم و انه لا
يفتر عنهم وأنه لن يزيدهم إلا عذابا و انهم خالدين فيها أبدا و ما هم
بخارجين منها أي من النار و ما هم منها بمخرجين و أن الله حرم الجنة على
الكافرين وانهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط و انهم لا
يقضي عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها و أن عذابها كان غراما أي
مقيما لازما قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه و استمراره الطريق الثالث أن
السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون
الكفار و أحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من
النار و أن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم و لم
يختص الخروج بأهل الإيمان الطريق الرابع أن الرسول وقفنا على ذلك و علمناه
من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقل معين كما علمنا من دينه دوام
الجنة و عدم فنائها الطريق الخامس أن عقائد السلف و أهل السنة مصرحة بان
الجنة و النار مخلوقتان و انهما لا يفنيان بل هما دائمتان و إنما يذكرون
فناءهما عن أهل البدع الطريق السادس أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار
و هذا مبني على قاعدة و هي أن المعاد و ثواب النفوس المطيعة و عقوبة
النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان
لنظار المسلمين و كثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل
عليه القران في غير موضع كإنكاره سبحانه على من زعم انه يسوى بن الأبرار و
الفجار في المحيا و الممات و على من زعم انه خلق خلقه عبثا و انهم إليها
لا يرجعون و انه يتركهم سدى أي لا يثيبهم و لا يعاقبهم و ذلك يقدح في
حكمته و كماله و انه نسبه إلى ما لا يليق به و ربما قرروه بان النفوس
البشرية باقية و اعتقاداتها و صفاتها لازمة لها لا تفارقها و أن ندمت
عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها بل لو
فارقها العذاب رجعت كما كانت أولا قال تعالى و لو ترى إذ وقفوا على النار
فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون فهؤلاء قد ذاقوا العذاب و باشروه و لم يزل سببه و مقتضيه من نفوسهم بل خبثها و كفرها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا كما كانوا و هذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضى به العقل كما جاء به السمع قال أصحاب الفناء الكلام على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسالة فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم و إنما يظن الإجماع في هذه المسالة من لم يعرف النزاع و قد عرف النزاع فيها قديما و حديثا بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد انه قال إن النار لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا و نحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك بل التابعون حكوا عنهم هذا و هذا قالوا و الإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما و نوع ثالث مختلف فيه و لم يوجد واحد منها في هذه المسالة النوع الأول ما يكون معلوما من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام و تحريم المحرمات الظاهرة الثاني ما ينقل عن أهل الاجتهاد التصريح بحكمه والثالث أن يقول بعضهم القول و ينشر في الأمة و لا ينكره أحد فأين معكم واحد من هذه الأنواع ولو أن قائلا ادعى الإجماع من هذه الطرق و احتج بان الصحابة صح عنهم و لم ينكر أحد منهم عليه لكان اسعد بالإجماع منكم قالوا و أما الطريق الثاني و هو دلالة القران على بقاء النار و عدم فنائها فأين في القران دليل واحد يدل على ذلك نعم الذي دل عليه القران أن الكفار خالدين في النار ابدا وانهم غير خارجين منها وانه لا يفتر عنهم عذابها وانهم لا يموتون فيها و أن عذابهم فيها مقيم و انه غرام لازم لهم و هذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة و التابعين و أئمة المسلمين و ليس هذا مورد النزاع و إنما النزاع في أمر آخر و هو انه هل النار أبدية أو مما كتب الله عليه الفناء و أما كون الكفار لا يخرجون منها و لا يفتر عنهم من عذابها و لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فلم يختلف في ذلك الصحابة و لا التابعون و لا أهل السنة و إنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود و الاتحادية وبعض أهل البدع و هذه النصوص و أمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية و لا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها فالفرق بين من يخرج من الحبس و هو حبس على حاله و بين من يبطل جنسه بخراب الحبس و انتقاضه قالوا و أما الطريق الثالث و هو مجيء
السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك فهي حق لا شك فيه و هي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموحدين منها و هي دار العذاب لم تفن و يبقى المشركون فيها ما دامت باقية و النصوص دلت على هذا وعلى هذا قالوا و أما الطريق الرابع وهو أن رسول الله و قفنا على ذلك ضرورة فلا ريب انه من المعلوم من دينه بالضرورة و أما كونها أبدية لا انتهاء لها و لا تفنى كالجنة فأين من القران و السنة دليل واحد يدل على ذلك قالوا و أما الطريق الخامس و هو أن في عقائد أهل السنة أن الجنة و النار مخلوقتان لا يفنيان أبدا فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية و المعتزلة و هذا القول لم يقله أحد من الصحابة و لا التابعين و لا أحد من أئمة المسلمين و أما فناء النار وحدها فقد أوجدنا كم من قال به من الصحابة و تفريقهم بين الجنة و النار فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع مع انه لا يعرف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين فقولكم انه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم و آرائهم و اختلافهم قالوا و القول الذي يعد من أقوال أهل البدع ما خالف كتاب الله و سنة رسوله و إجماع الأمة أما الصحابة أو من بعدهم و أما قول يوافق الكتاب و السنة و أقوال الصحابة فلا يعد من أقوال أهل البدع و أن دانوا به و اعتقدوه فالحق يجب قبوله ممن قاله و الباطل يجب رده على من قاله و كان معاذ بن جبل يقول الله حكم قسط هلك المرتابون أن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال و يفتح فيها القران حتى يقرؤه المؤمن والمنافق والمرآة والصبي والأسود والأحمر فيوشك أحدهم أن يقول قد قرأت القران فما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع بدلهم غيره فإياكم و ما ابتدع فان كل بدعة ضلالة و إياكم و زيغة الحكيم فان الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة و أن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فان على الحق نورا قالوا و كيف زيغة الحكيم قال هي الكلمة تروعكم و تنكرونها و تقولون ما هذه فاحذروا زيغته و لا تصدنكم عنه فانه يوشك أن يفيء و أن يراجع الحق و أن العلم و الإيمان مكانهما إلى يوم القيامة و الذي اخبر به أهل السنة في عقائدهم هو الذي دل عليه الكتاب و السنة و اجمع عليه السلف أن الجنة و النار مخلوقتان و أن أهل النار لا يخرجون منها و لا يخفف عنهم من عذابها العذاب و لا يفتر عنهم و انهم خالدون فيها و من ذكر منهم أن النار لا تفنى
أبدا فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها و لم يبلغه
تلك الآثار التي تقدم ذكرها قالوا و أما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها
فأخبار عن العقل بما ليس عنده فان المسالة من المسائل التي لا تعلم إلا
بخبر الصادق و أما اصل الثواب و العقاب فهل يعلم بالعقل مع السمع أول لا
يعلم إلا بالسمع وحده ففيه قولان لنظار المسلمين من اتباع الأئمة الأربعة
و غيرهم و الصحيح أن العقل دل على المعاد و الثواب و العقاب إجمالا و أما
تفصيله فلا يعلم إلا بالسمع و دوام الثواب و العقاب مما لا يدل عليه العقل
بمجرده وأنما علم بالسمع و قد دل السمع دلالة قاطعة على دوام ثواب
المطيعين و أما عقاب العصاة فقد دل السمع أيضا دلالة قاطعة على انقطاعه في
حق الموحدين و أما دوامه و انقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النزال فمن
كان السمع من جانبه فهو اسعد بالصواب وبالله التوفيق فصل
و نحن نذكر الفرق بين دوام الجنة و النار شرعا و عقلا و ذلك يظهر من وجوه
أحدها أن الله سبحانه و تعالى اخبر ببقاء نعيم اهل الجنة ودوامه و انه لا
نفاد له و لا انقطاع و انه غير مجذوذ و أما النار فلم يخبر عنها بأكثر من
خلود أهلها فيها و عدم خروجهم منها و انهم لا يموتون فيها و لا يحيون و
إنها مؤصدة عليهم و انهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها و أن
عذابها لازم لهم و انه مقيم عليهم لا يفتر عنهم و الفرق بين الخبرين ظاهر
الوجه الثاني أن النار قد اخبر سبحانه و تعالى في ثلاث آيات عنها بما يدل
على عدم أبديتها الأولى قوله سبحانه و تعالى قال النار مثواكم خالدين فيها
إلا ما شاء الله أن ربك حكيم عليم و الثانية قوله خالدين فيها ما دامت
السموات و الأرض إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد الثالثة قوله لابثين
فيها أحقابا و لولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة و دوامها لكان
حكم الاستثنائين في الموضعين واحدا كيف وفي الايتين من السياق ما يفرق بين
الاستثنائين فانه قال في أهل النار أن ربك فعال لما يريد فعلمنا أنه الله
سبحانه و تعالى يريد أن يفعل فعلا لم يخبرنا به و قال في أهل الجنة عطاء
غير مجذوذ فعلمنا أن هذا العطاء و النعيم غير مقطوع عنهم أبدا فالعذاب
موقت معلق و النعيم ليس بموقت و لا معلق الوجه الثالث انه قد ثبت أن الجنة
لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من المعذبين الذين يخرجهم الله من النار و
أما النار فلم يدخلها من لم يعمل سوءا قط و لا يعذب إلا من عصاه الوجه
الرابع انه قد ثبت أن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يوم
القيامة يسكنهم إياها و لا يفعل ذلك بالنار و أما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله و أما النار فينشئ الله لها خلقا آخرين فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث و إنما هو ما ساقه البخاري في الباب نفسه و أما الجنة فينشئ الله لها خلقا آخرين ذكره البخاري رحمه الله مبينا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلاف هذا و هذا والمقصود انه لا تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق يوضحه الوجه الخامس أن الجنة من موجب رحمته و رضاه و النار من غضبه و سخطه و رحمته سبحانه تغلب غضبه و تسبقه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه انه قال لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي و إذا كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه و ما هو من موجب غضبه ممتنعا يوضحه الوجه السادس أن ما كان بالرحمة و للرحمة فهو مقصود لذاته قصد الغايات و ما كان من موجب الغضب و السخط فهو مقصود لغيره قصد الوسائل فهو مسبوق مغلوب مراد لغيره و ما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه يوضحه الوجه السابع و هو انه سبحانه و تعالى قال للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء و قال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء و عذابه مفعول منفصل و هو ناشئ عن غضبه و رحمته ههنا هي الجنة وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن فههنا أربعة أمور رحمة هي وصفه سبحانه وثواب منفصل هو ناشىء عن رحمه وغضب يقوم به سبحانه و عقاب منفصل ينشا عنه فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب فلان يغلب ما كان بالرحمة لما كان بالغضب أولى و أحرى فلا تقاوم النار التي نشأت عن الغضب الجنة التي نشأت عن الرحمة يوضحه الوجه الثامن أن النار خلقت تخويفا للمؤمنين و تطهيرا للخاطئين و المجرمين فهي طهرة من الخبث الذي اكتسبته النفس في هذا العالم فان تطهرت ههنا بالتوبة النصوح و الحسنات الماحية و المصائب المكفرة لم يحتج إلى تطهير هناك و قيل لها مع جملة الطيبين سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين و أن لم ننطهر في هذه الدار و وافت الدار الأخرى بدرنها و نجاستها و خبثها أدخلت النار طهرة لها و يكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن و الخبث و النجاسة التي لا يغسلها الماء فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من النار و الله سبحانه خلق عباده حنفاء و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها فلو خلوا و فطرهم لما
نشؤا إلا على التوحيد و لكن عرض لا كثر الفطر ما غيرها و لهذا كان نصيب النار اكثر من نصيب الجنة و كان هذا التغيير مراتب لا يحصيها إلا الله فأرسل الله رسله و انزل كتبه يذكر عباده بفطرته التي فطرهم عليها فعرف الموفقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى صحة ما جاءت به الرسل و نزلت به الكتب بالفطرة الأولى فتوافق عندهم شرع الله و دينه الذي أرسل به رسله و فطرته التي فطرهم عليها فمنعتهم الشرعة المنزلة و الفطرة المكملة أن تكتسب نفوسهم خبثا و نجاسة و درنا يعلق بها و لا يفارقها بل كلما ألم بهم شيء من ذلك و مسهم طائف من الشيطان اغاروا عليه بالشرعة و الفطرة فأزالوا موجبه و أثره و كمل لهم الرب تعالى ذلك باقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون تمحص عنهم تلك الآثار التي شوشت الفطرة فجاء مقتضى الرحمة فصادف مكانا قابلا مستعدا لها ليس فيه شيء يدافعه فقال ههنا أمرت و ليس لله سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب كما قال تعالى ما يفعل الله بعذابكم أن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما و استمر الأشقياء مع تغيير الفطرة و نقلها مما خلقت عليه إلى ضده حتى استحكم الفساد و تم التغيير فاحتاجوا في ازالة ذلك إلى تغيير آخر و تطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الله المتلوة و المخلوقة و أقداره المحبوبة و المكروهة في هذه الدار فأتاح لهم آيات آخر وأقضية و عقوبات فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث و النجاسة التي لا تزول بغير النار فإذا زال موجب العذاب و سببه زال العذاب و بقي مقتضى الرحمة لا معارض له فان قيل هذا حق و لكن سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارضا كمعاصي الموحدين أما إذا كان لازما كالكفر و الشرك فان أثره لا يزول كما لا يزول السبب و قد أشار سبحانه إلى هذه المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها قوله تعالى و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فهذا إخبار بان نفوسهم و طبائعهم لا تقتضي غير الكفر و الشرك و إنها غير قابلة للإيمان أصلا ومنها قوله تعالى و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا فاخبر سبحانه أن ضلالهم و عماهم عن الهدى دائم لا يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل و إذا كان العمى و الضلال لا يفارقهم فان موجبه وأثره و مقتضاه لا يفارقهم ومنها قوله تعالى و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو اسمعهم لتولوا و هم معرضون و هذا يدل على انه ليس فيهم خير
يقتضي الرحمة و لو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره و يدل على انهم لا خير فيهم هناك أيضا قوله اخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من خير فلو كان عند هؤلاء أدنى ادنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها مع الخارجين قيل لعمر الله أن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسئلة و أن الأمر لكما قلتم و أن العذاب يدوم بدوام موجبه و سببه و لا ريب انهم في الآخرة في عمى و ضلال كما كانوا في الدنيا و وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا و العذاب مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك و لكن هل هذا الكفر والتكذيب و الخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل أم هو امر عارض طارئ على الفطرة قابل للزوال هذا حرف المسئلة و ليس بأيديكم ما يدل على استحالة زواله و انه أمر ذاتي و قد اخبر سبحانه و تعالى انه فطر عباده على الحنيفية و أن الشياطين اجتالتهم عنها فلم يفطرهم سبحانه على الكفر و التكذيب كما فطر الحيوان البهيم على طبيعته و إنما فطرهم على الإقرار بخالقهم و محبته و توحيده فإذا كان هذا الحق الذي قد فطروا عليه وقد خلقوا عليه قد أمكن زواله بالكفر و الشرك الباطل فإمكان زوال الكفر و الشرك الباطل بضده من الحق أولى و أحرى و لا ريب انهم لو ردوا على تلك الحال التي هم عليها لعادوا لما نهوا عنه و لكن من أين لكم أن تلك الحال لا تزول و لا تتبدل بنشأة أخرى ينشئهم فيها تبارك و تعالى إذا أخذت النار مأخذها منهم و حصلت الحكمة المطلوبة من عذابهم فان العذاب لم يكن سدى و إنما كان لحكمة مطلوبة فإذا حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمر يطلب و لا غرض يقصد و الله سبحانه ليس يشتفي بعذاب عباده كما يشتفى المظلوم من ظالمه و هو لا يعذب عبده لهذا الغرض و إنما يعذبه طهرة له و رحمة به فعذابه مصلحة له و أن تألم به غاية الألم كما أن عذابه بالحدود في الدنيا مصلحة لأربابها و قد سمى الله سبحانه و تعالى الحد عذابا و قد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل داء دواء يناسبه و دواء الضال يكون من اشق الأدوية و الطبيب الشفيق يكون المريض بالنار كيا بعد كي ليخرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة و أن رأى قطع العضو اصلح للعليل قطعه و أذاقه اشد الألم فهذا قضاء الرب و قدره في إزالة مادة غريبة طرأت على الطبيعة المستقيمة بغير اختيار العبد فكيف إذا طرا على الفطرة السليمة مواد فاسدة باختيار العبد و اراداته و إذا تأمل اللبيب شرع الله تبارك و تعالى و قدره في الدنيا و ثوابه و عقابه
في الآخرة وجد ذلك في غاية التناسب و التوافق و ارتباط ذلك ببعضه البعض فان مصدر الجميع عن علم تام وحكمة بالغة و رحمة سابغة و هو سبحانه و الملك الحق المبين و ملكه ملك رحمة و إحسان و عدل الوجه التاسع أن عقوبته للعبد ليست لحاجته إلى عقوبته لا لمنفعة تعود إليه و لا لدفع مضرة و ألم يزول عنه بالعقوبة بل يتعالى عن ذلك و يتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب و النقائص و لا هي عبث محض خال عن الحكمة و الغاية الحميدة فانه أيضا يتنزه عن ذلك و تعالى عنه فأما أن يكون من تمام نيعم أوليائه و أحبابه و أما أن يكون من مصلحة الأشقياء و مداواتهم أو لهذا ولهذا و على التقادير الثلاث فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل لا قصد الغايات و المراد أن الوسيلة إذا حصل على الوجه المطلوب زال حكمها و نعيم أوليائه ليس متوقفا في اصله و لا في كماله على استمرار عذاب أعدائه و دوامه مصلحة الأشقياء ليست في الدوام و الاستمرار و أن كان في اصل التعذيب مصلحة لهم الوجه العاشر أن رضى الرب تبارك و تعالى و رحمته صفتان ذاتيتان له فلا منتهى لرضاه بل كما قال أعلم الخلق به سبحان الله وبحمده عدد خلقه و رضى نفسه و زنة عرشه و مداد كلماته فإذا كانت رحمته غلبت غضبه فان رضى نفسه أعلى و اعظم فان رضوانه اكثر من الجنات و نعيمها و كل ما فيها و قد اخبر أهل الجنة انه يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا و أما غضبه تبارك و تعالى و سخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم يزل و لا يزال غضبان و الناس لهم في صفة الغضب قولان أحدهما انه من صفاته الفعلية القائمة به كسائر أفعاله و الثاني انه صفة فعل منفصل عنه غير قائم به وعلى القوانين فليس كالحياة و العلم و القدرة التي يستحيل مفارقتها له و العذاب إنما ينشا من صفة غضبه وما سعرت النار إلا بغضبه و قد جاء في اثر مرفوع أن الله خلق خلقا من غضبه و أسكنهم بالمشرق و ينتقم بهم ممن عصاه فمخلوقاته سبحانه نوعان نوع مخلوق من الرحمة و بالرحمة و نوع مخلوق من الغضب وبالغضب فانه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلافه و منها انه يرضى و يغضب و يثيب و يعاقب و يعطي و يمنع و يعز و يذل و ينتقم و يعفو بل هذا موجب ملكه الحق و حقيقة الملك المقرون بالحكمة و الرحمة و الحمد فإذا زال غضبه سبحانه و تعالى و تبدل برضاه زالت عقوبته و تبدلت برحمته فانقلبت العقوبة إلى رحمة بل لم تزل رحمة و أن تنوعت صفتها و صورتها كما كان
عقوبة العصاة رحمة و إخراجهم من النار رحمة فتقلبوا في رحمته في الدنيا و تقلبوا فيها في الآخرة لكن تلك الرحمة يحبونها و توافق طبائعهم و هذه رحمة يكرهونها و تشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يضع لحم المريض و يلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة فان قيل هذا اعتبار غير صحيح فان الطبيب يفعل ذلك بالعليل و هو يحبه و هو راض عنه و لم ينشا فعله به عن غضبه بغضبه عليه و لهذا لا يسمى عقوبة و أما عذاب هؤلاء فانه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم و هو عقوبة محضة قيل هذا حق و لكن لا ينافي كونه رحمة بهم و أن كان عقوبة لهم و هذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فانه عقوبة و رحمة و تخفيف و طهرة فالحدود طهرة لأهلها و عقوبة و هم لما أغضبوا الرب تعالى و قابلوه بما لا يليق أن يقابل به و عاملوه اقبح المعاملة و كذبوه و كذبوا رسله و جعلوا اقل خلقه و اخبثهم و امقتهم له ندا له و إلهة معه و اثروا رضاهم على رضاه و طاعتهم على طاعته و هو ولي الإنعام عليهم و هو خالقهم و رازقهم و مولاهم الحق اشتد مقته لهم و غضبه عليهم و ذلك يوجب كمال أسمائه و صفاته التي يستحيل عيله تقدير خلافها و يستحيل عليه تخلف آثارها و مقتضاها عنها بل ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها و كلا التعطيلين محال عليه سبحانه و تعالى فالمعطلون نوعان أحدهما عطل صفاته والثاني عطل أحكامها و موجباتها و كان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه و دواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب فاجتمع فيه الأمران فإذا زال الغضب بزوال المادة الفاسدة بتغيير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الاحقاب عليها وحصلت الحكمة التي اوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها و طلبت أثرها من غير معارض يوضحه الوجه الحادي عشر و هو أن العفو احب إليه سبحانه من الانتقام و الرحمة احب إليه من العقوبة و الرضا احب إليه من الغضب و الفضل احب إليه من العدل و لهذا ظهرت آثار هذه المحبة في شرعه و قدره و يظهر كل الظهور لعباده في ثوابه و عقابه و إذا كان ذلك احب الأمرين إليه و له خلق الخلق و انزل الكتب و شرع الشرائع و قدرته سبحانه صالحة لكل شيء لا قصور فيها بوجه ما وتلك المواد الردية الفاسدة مرض من الأمراض و بيده سبحانه و تعالى الشفاء التام و الأدوية الموافقة لكل داء و له القدرة التامة و الرحمة السابغة و الغنى المطلق بالعبد اعظم حاجة
إلى من يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر و المشقة و قد عرف العبد انه عليل و أن دواءه بيد الغني الحميد فتضرع إليه و دخل به عليه و استكان له و انكسر قلبه بين يديه و ذل لعزته و عرف أن الحمد كله له و أن الحق كله له و انه هو الظلوم الجهول وان ربه تبارك و تعالى عامله بكل عدله لا ببعض عدله و أن له غاية الحمد فيما فعل به و أن حمده هو الذي أقامه في هذا المقام و أوصله إليه و انه لا خير عنده من نفسه بوجه من الوجوه بل ذلك محض فضل الله و صدقته عليه و انه لا نجاة له مما هو فيه إلا بمجرد العفو و التجاوز عن حقه فنفسه أولى بكل ذم و عيب و نقص و ربه تعالى أولى بكل حمد و كمال و مدح فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه و رحمته و كماله و حمده الذي أوجب لهم ذلك فطلبوا مرضاته و لو بدوامهم في تلك الحال و قالوا أن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد وما اوضان الى هذه الحال الا طلب مالا يرضيك فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية ما نقصده و ما لجرح إذا أرضاك من ألم و أنت ارحم بنا من أنفسنا و اعلم بمصالحنا و لك الحمد كله عاقبت أو عفوت لانقلبت النار عليهم بردا و سلاما و قد روى الإمام احمد في مسنده من حديث الأسود بن سريع أن النبي قال يأتي أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا و رجل أحمق و رجل هرم و رجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام و ما اسمع شيئا و أما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والضبيان يحذفوني بالبعر واما الهرم فيقول ربى لقد جاء الاسلام و ما اعقل شيئا و أما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا و سلاما و في المسند أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله و قال فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما و من لم يدخلها يسحب إليها فهؤلاء لما رضوا بتعذيبهم و بادروا إليه لما علموا أن فيه رضى ربهم و موافقة أمره و محبته انقلب في حقهم نعيما و مثل هذا ما رواه عبد الله بن المبارك حدثني رشدين قال حدثني ابن انعم عن أبي عثمان انه حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال أن رجلين ممن دخلا النار يشتد صياحهما فقال الرب جل جلاله أخرجوهما فإذا أخرجا فقال لهما لاي شيء اشتد صياحكما قال فعلنا ذلك لترحمنا قال رحمتي لكما أن تنطلقا
فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار قال فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها الله سبحانه عليه بردا و سلاما و يقوم الآخر فلا يلقي فيقول له الرب تبارك و تعالى ما منعك أن تلقي نفسك كما القى صاحبك فيقول رب إني أرجوك أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها فيقول الرب و تعالى لك رجاؤك فيدخلان الجنة جميعا برحمة الله و ذكر الاوزاعي عن بلال بن سعد قال يؤمر بإخراج رجلين من النار فإذا خرجا و وقفا قال الله لهما كيف وجدتما مقيلكما و سوء مصيركما فيقولان شر مقيل و أسوا مصير صار إليه العبد فيقول لهما بما قدمت ايديكما و ما أنا بظلام للعبيد قال فيؤمر بصرفهما إلى النار فأما أحدهما فيغدوا في أغلاله و سلاسله حتى يقتحمها و أما الآخر فيتلكا فيؤمر بردهما فيقول للذي غدا في أغلاله و سلاسله حتى اقتحمها ما حملك على ما صنعت و قد خرجت منها فيقول إني خبرت من وبال معصيتك و ما لم اكن أتعرض لسخطك ثانيا و يقول للذي تلكأ ما حملك على ما صنعت فيقول حسن ظني بك حين أخرجتني منها أن لا تردني إليها فيرحمهما جميعا و يأمر بهما إلى الجنة الوجه الثاني عشر أن النعيم و الثواب من مقتضى رحمته و مغفرته وبره كرمه و لذلك يضيف ذلك إلى نفسه و أما العذاب و العقوبة فإنما هو من مخلوقاته و لذلك لا يسمى بالمعاقب و المعذب بل يفرق بينهما فيجعل ذلك من أوصافه و هذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة كقوله تعالى نبئ عبادي إني أنا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الأليم و قال تعالى اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم إن ربك لسريع العقاب و انه لغفور رحيم و مثلها في آخر الأنعام فما كان مقتضى أسمائه و صفاته فانه يدوم بدوامها و لا سيما إذا كان محبوبا له و هو غاية مطلوبة في نفسها و أما الشر الذي هو العذاب فلا يدخل في أسمائه و صفاته إن ادخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفنني بخلاف الخير فانه سبحانه و تعالى دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبدا و هو قديم الإحسان ابدي الإحسان فلم يزل و لا يزال معاقبا على الدوام غضبان على الدوام منتقما على الدوام فتأمل هذا الوجه تأمل ففيه في باب أسماء الله و صفاته يفتح لك باب من أبواب معرفته و محبته يوضحه الوجه الثالث عشر و هو قول اعلم خلقه به و اعرفهم بأسمائه و صفاته و الشر ليس إليك و لم يقف على
المعنى المقصود من قال الشر لا يتقرب به إليك بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه لا في ذاته و لا في صفاته و لا في أفعاله و لا في أسمائه فان ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه و صفاته كلها صفات كمال و يحمد عليها و يثنى عليه بها و أفعاله كلها خير و رحمة و عدل و حكمة لا شر فيها بوجه ما و أسماؤه كلها حسنى فكيف يضاف الشر إليه بل الشر في مفعولاته و مخلوقاته و هو منفصل عنه إذ فعله غير مفعول ففعله خير كله و أما المخلوق المفعول ففيه الخير و الشر و إذا كان الشر مخلوقا منفصلا غير قائم بالرب سبحانه فهو لا يضاف إليه و هو لم يقل أنت لا تخلق الشر حتى يطلب تأويل قوله و إنما نفى إضافته إليه وصفا و فعلا و أسماء و إذا عرف هذا فالشر ليس إلا الذنوب و موجباتها و أما الآخر فهو الإيمان و الطاعات و موجباتها و الإيمان و الطاعات متعلقة به سبحانه و لاجلها خلق الله خلقه و أرسل رسله و انزل كتبه و هي ثناء على الرب تبارك و تعالى و إجلاله و تعظيمه و عبوديته و هذه لها آثار تطلبها و تقتضيها فتدوم آثارها بدوام متعلقها و أما الشرور فليس مقصودة لذاتها و لا هي الغاية التي خلق لها الخلق فهي مفعولات قدرت لامر محبوب و جعلت وسيلة إليه فإذا حصل ما قدرت له اضمحلت و تلاشت و عاد الأمر إلى الخير المحض الوجه الرابع عشر انه سبحانه و تعالى اخبر إن رحمته وسعت كل شيء فليس شيء من الأشياء إلا و فيه رحمته ولا ينافي هذا انت ترحم العبد بمات يشق عليه ويؤلمه وتشتد كراهته له فان ذلك من أيضا كما تقدم و قد ذكرنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه آنفا و قوله تعالى لذينك الرجلين رحمتي لكما إن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار و قد جاء في بعض الآثار إن العبد إذا دعى لمبتلى قد اشتد بلاؤه و قال اللهم ارحمه يقول الرب تبارك و تعالى كيف ارحمه من شيء به ارحمه فالابتلاء رحمة منه لعباده و في اثر الهي يقول الله تعالى أهل ذكر أهل مجالستي و أهل طاعتي أهل كرامتي و أهل شكري أهل زيادتي و أهل معصيتي لاقنطهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم و إن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ابتليهم بالمصايب لاطهرهم من المعايب فالبلاء و العقوبة قدرته لإزالة أدواء لا تزول إلا بها و النار هي الدواء الأكبر فمن تداوى في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في الآخرة و إلا فلا بدله من الدواء بحسب دائه و من عرف الرب تبارك و تعالى بصفات جلاله
و نعوت كماله من حكمته و رحمته وبره و إحسانه و غناه و جوده و تحببه إلى عباده و إرادة الأنعام عليهم و سبق رحمته لهم يبادر لا إنكار ذلك إن لم يبادر إلى قبوله يوضحه الوجه الخامس عشر إن أفعاله سبحانه لا تخرج عن الحكمة و الرحمة و المصلحة و العدل فلا يفعل عبثا و لا جورا و لا باطلا بل هو المنزه عن ذلك كما ينزه عن سائر العيوب و النقائص و إذا ثبت ذلك فتعذيبهم إن كان رحمة بهم حتى يزول ذلك الخبث و تكمل الطهارة فظاهر و إن كان لحكمة فإذا حصلت تلك الحكمة المطلوبة زال العذاب و ليس في الحكمة دوام العذاب أبدا الآباد بحيث يكون دائما بدوام الرب تبارك و تعالى و إن كان لمصلحة تعود إلى أوليائه فان ذلك اكمل في نعيمهم فهذا لا يقتضي تأبيد العذاب و ليس نعيم أوليائه و كماله موقوفا على بقاء آبائهم و أبنائهم و أزواجهم في العذاب السرمد فان قلتم إن ذلك موجب الرحمة و الحكمة و المصلحة قلتم ما لا يعقل و إن قلتم إن ذلك عائد إلى محض المشيئة و لا تطلب له حكمة و لا غاية فجوابه من وجهين أحدهما إن ذلك محال على احكم الحاكمين و اعلم العالمين إن تكون أفعاله معطلة عن الحكم و المصالح و الغايات المحمودة و القرآن و السنة و أدلة العقول و الفطر و الآيات المشهودة شاهدة ببطلان ذلك و الثاني انه لو كان الأمر كذلك لكان بقاؤهم في العذاب و انقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته سواء و لم يكن في انقضائه ما ينافي كماله و هو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب و انه لا نهاية له و غاية الأمر على هذا التقدير إن يكون من الجائزات الممكنات الموقوف على حكمها على خبر الصادق فان سلكت طريق التعليل بالحكمة و الرحمة و المصلحة لم يقتض الدوام و إن سلكت طريق المشيئة المحضة التي لا تعلل لم تقتضه أيضا و إن وقف الأمر على مجرد السمع فليس فيه متن يقتضيه الوجه السادس عشر ان رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين فانه أنشأهم برحمته و رباهم برحمته و رزقهم و عافاهم برحمته و أرسل إليهم الرسل برحمته و أسباب النقمة و العذاب متأخر عن أسباب الرحمة طارئة عليها فرحمته سبقت غضبه فيهم و خلقهم على خلقة تكون رحمته إليهم اقرب من غضبه و عقوبته و لهذا ترى الأطفال الكفار قد آلت عليهم رحمته فمن رآهم رحمهم و لهذا نهى عن قتلهم فرحمته سبقت
غضبه فيهم فكانت هي السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم و ابتلائهم و إذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وان عارضها اثر الغضب و السخط فذلك لسبب منهم و أما اثر الرحمة فسببه منه سبحانه و تعالى فما منه يقتضي رحمتهم و ما منهم يقتض عقوبتهم و الذي منه سابق و غالب و إذا كانت رحمته تغلب غضبه فلان يغلب اثر الرحمة اثر الغضب أولى و أحرى الوجه السابع عشر انه سبحانه و تعالى يخبر عن العذاب انه عذاب يوم عقيم و عذاب يوم عظيم و عذاب يوم اليم و لا يخبر عن النعيم انه نعيم يوم و لا في موضع واحد و قد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة و المعذبون متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم و الله سبحانه جعل العذاب على ما كان في الدنيا و أسبابها و ما أريد به الدنيا ولم ولك يرد به الله فالعذاب على ذلك و أما إن كان للآخرة و أريد به وجه الله فلا عذاب و الدنيا قد جعل لها اجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به و أما ما أريد به وجه الله و الدار الآخرة فقد أريد به ما لا يفنى و لا يزول فيدوم بدوام المراد به فان الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة لا تزول ما لم يزل ما تعلق بها بخلاف الغاية المضمحلة الفانية فما أريد به غير الله يضمحل و يزول بزوال مراده و مطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا اضمحلت الدنيا و انقطعت أسبابها و انتقل ما كان فيها لغير الله من الأعمال و الذوات و انقلب عذابا و آلاما لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلاف النعيم الوجه الثامن عشر انه ليس في حكمة احكم الحاكمين إن يخلق خلقا يعذبهم ابد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له و لا انقطاع أبدا و قد دلت الأدلة السمعية و العقلية و الفطرية على انه سبحانه و تعالى حكيم و انه احكم الحاكمين فإذا عذب خلقه عذبهم بحكمة كما يوجد التعذيب و العقوبة في الدنيا في شرعه و قدره فان فيه من الحكم و المصالح و تطهير العبد ومداواته و إخراج المواد الردية عنه بتلك الآلام ما تشهده العقول الصحيحة و في ذلك من تزكية النفوس و صلاحها و زجرها و ردع نظائرها و توقيفها على فقرها و ضرورتها الى ربها و غير ذلك من الحكم و الغايات الحميدة ما لا يعلمه إلا الله و لا ريب إن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب و لهذا يحاسبون إذا قطعوا الصراط على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم
في الدنيا حتى إذا ذهبوا و نفوا أذن لهم في دخول الجنة و معلوم إن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا يصلح إن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين فإذا عذبوا في النار عذابا تخلص نفوسهم من ذلك الخبث و الوسخ و الدرن كان ذلك من حكمة احكم الحاكمين و رحمته و لا يتنافى الحكمة خلق نفوس فيها شر يزول بالبلاء الطويل و النار كما يزول بها خبث الذهب و الفضة و الحديد فهذا معقول في الحكمة و هو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة أما خلق نفوس لا يزول شرها أبدا و عذابها لا انتهاء له فلا يظهر في الحكمة و الرحمة و في وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلاء أعنى ذواتا هي شر من كل وجه ليس فيها شيء من خير أصلا و على تقدير دخوله في الوجود فالرب تبارك و تعالى قادر على قلب الأعيان و إحالتها و إحالة صفاتها فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس و الحكمة المطلوبة من تعذيبها فالله سبحانه قادر إن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة و يرحمها في النشأة الثانية نوعا آخر من الرحمة يوضحه الوجه التاسع عشر و هو انه قد ثبت إن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يسكنهم إياها و لم يعملوا خيرا قط تكون الجنة جزاء لهم عليه فإذا اخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه و بلغت العقوبة مبلغها فانكسرت تلك النفوس و خضعت و ذلت و اعترفت لربها و فاطرها بالحمد و انه عدل فيها كل العدل و إنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه و لو شاء إن يكون عذابهم اشد من ذلك لفعل و شاء كتب العقوبة طلبا لموافقة رضاه و محبته و علم إن العذاب أولى بها و انه لا يليق بها سواه و لا تصلح إلا له فذابت منها تلك الخبائث كلها و تلاشت و تبدلت بذل و انكسار و حمد و ثناء الرب تبارك و تعالى لم يكن في حكمته إن يستمر بها في العذاب بعد ذلك إذ قد تبدل شرها بخيرها و شركها بتوحيدها و كبرها بخضوعها و ذلها و لا ينتقض هذا بقول الله عز و جل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فان هذا قبل مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث و إنما هو عند المعاينة قبل الدخول فانه سبحانه و تعالى قال و لو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون فهذا إنما قالوه قبل إن يستخرج العذاب منهم تلك الخبائث فأما إذا لبثوا في العذاب أحقابا و الحقب
كما رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي امامة رضي الله عنه عن النبي انه قال الحقب خمسون ألف سنة فانه من الممتع إن يبقى ذا الكبر و الشرك و الخبث بعد هذه المدد المتطاولة في العذاب الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز و جل شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول الله الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما و هو الفحم المحترق بالنار و ظاهر السياق انه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير فان لفظ الحديث هكذا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط فهذا السياق يدل على إن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير و مع هذا فأخرجتهم الرحمة و من هذا رحمته سبحانه و تعالى للذي أوصى أهله إن يحرقوه بالنار و يذروه في البر و البحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه و تعالى فهذا قد شك في المعاد و القدرة و لم يعمل خيرا قط و مع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت قال خشيتك و أنت تعلم فما تلافاه إن رحمه الله فلله سبحانه و تعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر و قد ثبت في حديث انس رضي الله عنه إن رسول الله قال يقول الله عز و جل اخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام قالوا و من ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر به يوما واحدا و لا خافه ساعة واحدة و لا ريب إن رحمته سبحانه و تعالى إذا أخرجت من النار من ذكره وقتا أو خافه في مقام ما فغير بدع إن تنفى النار و لكن هؤلاء خرجوا منها و هي نار الوجه الحادي و العشرون إن اعتراف العبد بذنبه حقيقة الاعتراف المتضمن لنسبة السواء و الظلم و اللوم إليه من كل وجه و نسبة و عدل و الحمد و الرحمة و الكمال المطلق إلى ربه من كل وجه يستعطف ربه تبارك و تعالى عليه و يستدعي رحمته
له و إذا أراد إن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه و الرحمة معه و لا سيما إذا اقترن بذلك جزم العبد على ترك المعاودة لما يسخط ربه عليه و علم الله إن ذلك داخل في قلبه و سويدائه فانه لا تتخلف عنه الرحمة مع ذلك و في معجم الطبراني من حديث يزيد بن سنان الرهاوي عن سليمان بن عامر عن أبي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن آخر رجل يدخل الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبطن كالغلام يضربه أبوه و هو يفر منه يعجز عنه عمله إن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة و نجني من النار فيوحي الله تبارك و تعالى اليه عبدي إن أنا نجيتك من النار و أدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك و خطاياك فيقول العبد نعم يا رب و عزتك و جلالك إن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي و خطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه و بين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي و خطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك و خطاياك اغفرها لك و أدخلك الجنة فيقول العبد لا و عزتك و جلالك ما أذنبت ذنبا قط و لا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا و شمالا فلا يرى أحدا فيقول أي رب ارني بينتك فينطق الله تعالى جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد يقول يا رب عندي و عزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك و أدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه فالرب تبارك و تعالى يريد من عبده الاعتراف و الانكسار بين يديه و الخضوع و الذلة له و العزم على مرضاته فما دام أهل النار فاقدين لهذه الروح لروح فهم فاقدون الرحمة فإذا أراد عز و جل إن يرحمهم أو من يشاء منهم جعل في قلبه ذلك فتدركه الرحمة و قدرة الرب تبارك و تعالى غير قاصرة عن ذلك و ليس فيه ما يناقض موجب أسمائه و صفاته و قد اخبر انه فعال لما يريد الوجه الثاني و العشرون انه سبحانه و تعالى أوجب الخلود على معاصي الكبائر و قيده بالتأبيد و لم يناف ذلك انقطاعه و انتهاؤه فمنها قوله تعالى و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و اعد له عذابا عظيما و منها قول النبي من قتل نفسا بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و هو حديث صحيح و كذلك
قوله في الحديث الآخر في قاتل نفسه فيقول الله تبارك و تعالى
بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة و ابلغ من هذا قوله تعالى و من يعص
الله و رسوله فان له نار جهنم خالدا فيها أبدا فهذا وعيد مقيد بالخلود و
التأبيد مع انقطاعه قطعا بسبب العبد و هو التوحيد فكذلك الوعيد العام لأهل
النار لا يمتنع انقطاعه بسبب ممن كتب على نفسه الرحمة و غلبت رحمته غضبه
فلو يعلم الكافر بكل ما عنده من الرحمة لما يئس من رحمته كما في صحيح
البخاري عنه خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة و قال في آخره فلو يعلم
الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم يياس من الجنة و لو يعلم المسلم
بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار الوجه الثالث و العشرون انه
لو جاء الخبر منه سبحانه و تعالى صريحا بان عذاب النار لا انتهاء له و انه
ابدي لا انقطاع له لكان ذلك وعيدا منه سبحانه و تعالى و الله تعالى لا
يخلف وعده و أما الوعيد فمذهب اهل السنة كلهم إن إخلافه كرم و عفو و تجاوز
يمدح الحرب تبارك و تعالى به و يثنى عليه به فانه حق له إن شاء تركه و إن
شاء استوفاه و الكريم لا يستوفي حقه فكيف بأكرم الاكرمين و قد صرح سبحانه
و تعالى في كتابه في غير موضع بأنه لا يخلف وعده و لم يقل في موضع واحد لا
يخلف وعيده و قد روى أبو يعلى الموصلي ثنا هدبة بن خالد حدثنا سهيل بن أبي
حزم ثنا ثابت البنائي عن انس بن مالك رضي الله عنه إن رسول الله قال من
وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه و من واعده على عمل عقابا فهو فيه
بالخيار و قال أبو الشيخ الاصبهاني ثنا محمد بن حمزة ثنا احمد بن الخليل
ثنا الأصمعي قال جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال يا أبا
عمرو يخلف الله ما وعده قال لا قال افرايت من اوعده الله على عمله عقابا
أيخلف الله وعده عليه فقال أبو عمرو بن العلاء من العجمة أتيت يا أبا
عثمان إن الوعد غير الوعيد إن العرب لا تعد عارا و لا خلفا إن تعد شرا ثم
لا تفعله ترى ذلك كرما و فضلا و إنما الخلف إن تعد خيرا ثم لا تفعله قال
فاوجدني هذا في كلام العرب قال نعم أما سمعت إلى قول الأول
و لا يرهب ابن العم ما عشت سطوتي ... و لا اختشي من صولة المتهدد ...
و إني و إن اوعدته أو وعدته ... لمخلف ايعادي و منجز موعدي ... قال أبو
الشيخ و قال يحيى بن معاذ الوعد و الوعيد حق فالوعد حق العباد على الله
ضمن لهم إذا فعلوا كذا و إن يعطيهم كذا و من أولى بالوفاء من الله و
الوعيد
حقه على العباد قال لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فان شاء عفا و
إن شاء اخذ لان حقه و أولاهما بربنا تبارك و تعالى العفو و الكرم انه غفور
رحيم و مما يدل على ذلك و يؤيده خبر كعب بن زهير حين اوعده رسول الله فقال
نبئت إن رسول الله اوعدني ... و العفو عند رسول الله مأمول ...
فإذا كان هذا في وعيد مطلق فكيف بوعيد مقرون باستثناء معقب بقوله إن ربك
فعال لما يريد و هذا أخبار منه انه يفعل ما يريد عقيب قوله إلا ما شاء ربك
فهو عائد اليه ولا بد ولا يجوز ان يرجع الى المستثنى منه وحده بل اما ان
يختص بالمستثنى او يعود اليهما وغير خاف ان تعلقه بقوله الا ما شاء ربك
أولى من تعلقه بقوله خالدين بخالدين فيها و ذلك ظاهر للمتأمل و هو الذي
فهمه الصحابة فقالوا أتت هذه الآية في وعيد القران و لم يريدوا بذلك
الاستثناء وحده فان الاستثناء مذكور في الأنعام أيضا و إنما أرادوا انه
عقب الاستثناء بقوله إن ربك فعال لما يريد و هذا التعقيب نظير قوله في
الأنعام خالدين فيها إلا ما شاء ربك إن ربك حكيم عليم فاخبر إن عذابهم في
جميع الأوقات و رفعه عنهم في وقت يشاؤه صادر عن كمال علمه و حكمته لا عن
مشيئة مجردة عن الحكمة و المصلحة و الرحمة و العدل اذ يستحيل تجرد مشيئته
عن ذلك الوجه الرابع و العشرون إن جانب الرحمة اغلب في هذه الدار من
الباطلة الفانية الزائلة عن قرب من جانب العقوبة و الغضب و لولا ذلك لما
عمرت و لا قام لها وجود كما قال تعالى و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا
بظلمهم ما ترك عليها من دابة و قال و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما
ترك على ظهرها من دابة فلولا سعة رحمته و مغفرته و عفوه لما قام العالم و
مع هذا فالذي أظهره من الرحمة في هذه الدار وانزله بين الخلائق جزء من
مائة جزء من الرحمة فإذا كان جانب الرحمة قد غلب في هذه الدار و نالت البر
و الفاجر و المؤمن و الكافر مع قيام مقتضى العقوبة به و مباشرته له و
تمكنه من إغضاب ربه و السعي في مساخطته فكيف لا يغلب جانب الرحمة في دار
تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة و تسعين ضعفا و قد اخذ
العذاب من الكفار مأخذه و انكسرت تلك النفوس و نهكها العذاب و أذاب منها
خبثا و شرا لم يكن يحول بينها و بين رحمته لها في الدنيا بل كان يرحمها مع
قيام مقتضى العقوبة و الغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب و العقوبة و قوى
جانب
الرحمة أضعاف اضعاف الرحمة في هذه الدار و اضمحل الشر و الخبث الذي فيها فأذابته النار و أكلته و سر الامر إن أسماء الرحمة والإحسان اغلب و اظهر و اكثر من أسماء الانتقام و فعل الرحمة اكثر من فعل الانتقام و ظهور آثار الرحمة اعظم من ظهور آثار الانتقام و الرحمة احب إليه من الانتقام و بالرحمة خلق خلقه و لها خلقهم و هي التي سبقت غضبه و غلبته و كتبها على نفسه و وسعت كل شيء وما خلق بها فمطلوب لذاته وما خلق بالغضب فمراد لغيره كما تقدم تقرير ذلك و العقوبة تأديب و تطهير و الرحمة إحسان و كرم و جود و العقوبة مداواة و الرحمة عطاء و بذل الوجه الخامس و العشرون انه سبحانه و تعالى لا بد إن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه و صدق رسله و إن أعداؤه كانوا هم الكاذبين المفترين و يظهر لهم حكمه الذي هو اعدل حكم في أعدائه و انه حكم فيهم حكما يحمدونه هم عليه فضلا عن أوليائه و ملائكته و رسله بحيث ينطق الكون كله بالحمد لله رب العالمين و لذلك قال تعالى و قضى بينهم بالحق و قيل الحمد لله رب العالمين فحذف فاعل القول لإرادة الإطلاق وان ذلك جار على لسان كل ناطق و قلبه قال الحسن لقد دخلوا النار و إن قلوبهم لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبيلا و هذا هو الذي حسن حذف الفاعل من قوله قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها حتى كان الكون كله قائل ذلك لهم إذ هو حكمه العدل فيهم و مقتضى حكمته و حمده و أما أهل الجنة فقال تعالى و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فهم لم يستحقوها بأعمالهم و إنما استحقوها بعفوه و رحمته و فضله فإذا اشهد سبحانه وتعالى ملائكته و خلقه كلهم حكمه العدل و حكمته الباهرة و ضعه العقوبة حيث تشهد العقول و الفطر و الخليقة انه أولى المواضع و أحقها بها و إن ذلك من كمال حمده الذي هو مقتضى أسمائه و صفاته و إن هذه النفوس الخبيثة الظالمة الفاجرة لا يليق بها غير ذلك و لا يحسن بها سواه بحيث تعترف بها هي من ذواتها بأنها اهل ذلك و إنها أولى به حصلت الحكمة التي لاجلها وجد الشر و موجباته في هذه الدار و تلك الدار و ليس في الحكمة الإلهية إن الشرور تبقى دائما لا نهاية لها و لا انقطاع أبدا فتكون هي و الخيرات في ذلك على حد سواء فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسئلة و لعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب فان قيل فإلي أين أنهى قدمكم في هذه المسئلة العظيمة
الشأن التي هي اكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة قيل إلى قوله تبارك
و تعالى إن ربك فعال لما يريد و إلى هنا قدم أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب رضي الله عنه فيها حيث ذكر دخول الجنة الجنة و أهل النار النار و ما
يلقاه هؤلاء و هؤلاء و قال ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء بل و إلى هنا
ههنا انتهت أقدام الخلائق و ما ذكرنا في هذه المسئلة بل في الكتاب كله من
صواب فمن الله سبحانه و تعالى و هو المان به وما كان من خطا فمني و من
الشيطان و الله ورسوله بريء منه و هو عند لسان كل قائل و قلبه و
الباب الثامن و الستون
قصده و الله اعلم في ذكر آخر اهل الجنة دخولا اليهافي الصحيحين من حيث أبي منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها و آخر أهل الجنة دخولا الجنة رجلا يخرج من النار حبوا فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه إنها ملاى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملاى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه إنها ملاى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملاى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فان لك مثل الدنيا و عشرة أمثالها أو أن لك عشرة أمثال الدنيا قال فيقول أتسخر بي و تضحك بي و أنت الملك قال لقد رأيت رسول الله يضحك حتى بدت نواجذه قال فكان يقول ذلك أدنى أهل الجنة منزلة و في صحيح مسلم من حديث الأعمش عن العمرو بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة و آخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه و ارفعوا عنه كبارها فيعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا و كذا و كذا و كذا و عملت يوم كذا وكذا و كذا و كذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر و هو مشفق من كبار ذنوبه إن تعرض عليه فيقال له فان لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت أشياء لا أراها ههنا فلقد رأيت رسول الله
275 - ضحك حتى بدت نواجذه و قال الطبراني حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى الزرقي حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي قال حدثني أبي عن أبيه قال حدثني أبو يحيى الكلاعي عن أبي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن آخر رجل رجل يدخل الحنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبلعن كالغلام يضربه أبوه و هو يفر منه يعجز عنه عمله أن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة و نجني من النار فيوحي الله تبارك و تعالى إليه عبدي إن أنا نجيتك من النار و أدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك و خطاياك فيقول العبد نعم يا رب و عزتك و جلالك لئن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي و خطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه و بين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي و خطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك و خطاياك اغفرها لك و أدخلك الجنة فيقول العبد لا و عزتك و جلالك ما أذنبت ذنبا قط و لا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا و شمالا فلا يرى أحدا فيقول يا رب ارني بينتك فيستنطق الله جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد فيقول يا ربي عندي و عزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك و أدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه ورواه ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم ثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عن يزيد بن سنان به و في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال آخر من يدخل الحنة رجل فهو يمشي على الصراط مرة و يكبو مرة و تسعفه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال تبارك الله الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين و الآخرين فترتفع له شجرة فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة استظل بظلها و اشرب من مائها فيقول الله تبارك و تعالى يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول لا يا رب و يعاهده إن لا يسأله شيئا غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها ثم ترتفع له شجرة هي احسن من الأولى فيقول يا رب أدنني من هذه لاشرب من مائها و استظل بظلها لا اسالك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني انك لا تسألني غيرها فيقول لعلي إن أدنيتك منها إن
تسألني غيرها فيعاهده إن لا يسأله غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي احسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة لاستظل بظلها و اشرب من مائها لا اسالك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني إن لا تسألني غيرها قال بلى يا رب هذه لا اسالك غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول يا رب ادخلنيها فيقول يا ابن آدم ما يرضيك مني أيرضيك أنى أعطيتك الدنيا و مثلها معها قال يا رب أتستهزئ مني و أنت رب العالمين فضحك ابن مسعود فقال ألا تسألونني مم اضحك قالوا مم تضحك قال ضحك رسول الله فقالوا مم تضحك يا رسول الله قال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ بي و أنت رب العالمين فيقول لا استهزئ بك و لكن على ما أشاء قادر وفي صحيح البرقاني عن أبي سعيد البرقاني من حديث أبي سعيد الخدري نحو هذه القصة و نحن نسوقه بتمامه من عنده و هو بإسناد مسلم سواء قال قال رسول الله إن أدنى أهل النار عذابا منتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه و إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة و مثل له شجرة ذات ظل فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة لاكون في ظلها فقال الله عز و جل هل عسيت إن فعلت إن تسألني غيره قال لا و عزتك فقدمه الله إليها و مثل له شجرة ذات ظل و ثمر أخرى فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة استظل بظلها و آكل من ثمرها قال فقال هل عسيت إن أعطيتك ذلك إن تسألني غيره قال لا و عزتك فيقدمه الله إليها فيمثل الله له شجرة أخرى ذات ظل و ثمر و ماء فيقول أي رب قدمني إلى هذه الشجرة فاكون في ظلها وآكل من ثمرها و اشرب من مائها فيقول هل عسيت إن فعلت ذلك إن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيقدمه الله إليها فتبرز له الجنة فيقول أي رب قدمني إلى باب الجنة فاكون نجاف الجنة و في رواية تحت نجاف الجنة انظر إلى أهلها فيقدمه الله إليها فيرى أهل الجنة و ما فيها فيقول أي رب أدخلني الجنة فيدخله الجنة فإذا دخل الجنة قال هذا لي فيقول الله له تمن قال فيتمنى و يذكره الله سل كذا و كذا فإذا انقطعت به الأماني قال الله هو لك و عشرة أمثاله قال ثم يدخل بيته و يدخل
عليه زوجتاه من الحور العين فيقولان الحمد لله الذي أحياك لنا و
أحيانا لك فيقول ما أعطى أحد مثل ما أعطيت و في صحيح مسلم من حديث المغيرة
ابن شعبة رضي الله عنه عن النبي قال سال موسى ربه من أدنى أهل الجنة منزلة
فقال هو رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول
أي رب و كيف و قد نزل الناس منازلهم و اخذوا اخذاتهم فيقال له أترضى إن
يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقال ذلك لك و مثله و مثله
و مثله و مثله ومثله فيقول في الخامسة رضيت رب فيقول لك هذا و عشرة أمثاله
و لك ما اشتهت نفسك و لذت عينك فيقول رضيت رب قال فأعلاهم منزلة قال ذلك
الذي أردت غرس كرامتهم بيدي و ختمت عليها فلم تر عين و لم تسمع أذن و لم
يخطر على قلب بشر و مصداقه في كتاب الله فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة
أعين
الباب التاسع و الستون
و هو باب جامع فيه فصول منثورة لم تذكر فيما تقدم من الأبواب فصلفي لسان أهل الجنة
قال ابن أبي الدنيا حدثنا القاسم بن هاشم ثنا صفوان بن صالح حدثني رواد ابن الجراح العسقلاني ثنا الاوزاعي عن هارون ابن زباب عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف و على ميلاد عيسى ثلاث و ثلاثون سنة و على لسان محمد جرد مرد مكحلون و روى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال لسان أهل الجنة عربي و قال عقيل قال الزهري لسان أهل الجنة عربي فصل
في احتجاج الجنة و النار
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال احتجت الجنة و النار فقالت هذه يدخلني الجبارون و المتكبرون
و قالت هذه يدخلني الضعفاء و المساكين فقال الله عز و جل لهذه
أنت عن ابي أعذب بك من أشاء و قال لهذه أنت رحمتي ارحم بك من أشاء و لكل
واحدة منكما ملؤها و في رواية أخرى تحاجت النارو الجنة فقالت النار اوثرت
بالمتكبرين و المتجبرين و قالت الجنة ما مالي لا يدخلني ألا ضعفاء الناس و
سقطهم و عجزهم فقال الله سبحانه للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء من عبادي
و قال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي و لكل واحدة منكما ملؤها
فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها فتقول قط قط فهنالك تمتلئ و
ينزوي بعضها على بعض و لا يظلم الله من خلقه أحدا و أما الجنة فان الله عز
و جل ينشئ لها خلقا فصل
في إن الجنة يبقى فيها فضل
فينشىء الله لها خلقا دون النار و في الصحيحين عن انس بن مالك عن النبي
قال لا تزال جهنم يلقى فيها و تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه
فينزوي بعضها إلى بعض و تقول قط قط بعزتك و كرمك و لا يزال في الجنة فضل
حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة و في لفظ مسلم يبقى من الجنة ما
شاء الله إن يبقى ثم ينشىء الله سبحانه لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة وفي
لفظ مسلم يبقى من الجنة ما شاء الله ان يبقى لمما يشاء و أما اللفظ الذي
وقع في صحيح البخاري في حديث أبي هريرة و انه ينشئ للنار من يشاء فيلقى
فيها فتقول هل من مزيد فغلط من بعض الرواة انقلب عليه لفظه و الروايات
الصحيحة و نص القران يرده فان الله سبحانه و اخبر انه يملا جهنم من إبليس
و اتباعه فانه لا يعذب ألا من قامت عليه حجته و كذب رسله قال تعالى كلما
القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير
فكذبنا و قلنا ما نزل الله من شيء و لا يظلم الله أحدا من خلقه فصل
قي امتناع النوم على أهل الجنة
روى ابن مردويه من حديث سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر
رضي الله عنه قال قال رسول الله النوم أخو الموت و أهل الجنة لا
ينامون و ذكر الطبراني من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد ابن المنكدر
عن جابر قال سئل نبي الله فقيل أينام أهل الجنة فقال النبي النوم أخو
الموت و أهل الجنة لا ينامون فصل
في ارتقاء العبد و هو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها
قال الإمام احمد ثنا يزيد أنبانا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن
أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن الله ليرفع
الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول يا رب إن لي هذه فيقول باستغفار ولدك
لك
فصل في إلحاق ذرية المؤمن به في الدرجة و إن لم يعملوا عمله قال
تعالى و الذين آمنوا و اتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم و ما التناهم من عملهم من شيء و روى قيس عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته و إن كانوا دونه في العمل لتقربهم عينه ثم قرا و الذين آمنوا و اتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم و ما التناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين قال ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين و ذكر ابن مردويه في تفسيره من حديث شريك عن سالم الافطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال شريك أظنه حكاه عن النبي قال إذا دخل الرجل الجنة سال عن أبويه و زوجته و ولده فيقال انهم لم يبلغوا درجتك أو عملك فيقول يا رب قد عملت لي و لهم فيؤمر بالإلحاق بهم ثم تلا ابن عباس و الذين آمنوا و اتبعناهم ذرياتهم بإيمان إلى آخر الآية و قد اختلف المفسرون في الذرية في هذه الآية هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان على ثلاثة أقوال و اختلافهم مبني على إن قوله بإيمان حال من الذرية و التابعين أو المؤمنين المتبوعين فقالت طائفة المعنى و الذين آمنوا و اتبعناهم ذرياتهم في إيمانهم فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به و الحقناهم بهم في الدرجات قالوا و يدل على هذا قراءة من قرا و اتبعتم ذريتهم فجعل الفعل في الاتباع لهم قالوا و قد أطلق الله سبحانهالذرية على الكبار كما قال و من ذريته داود و سليمان قال ذرية من حملنا مع نوح و قال و كنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون و هذا قول الكبار و العقلاء قالوا و يدل على ذلك متا رواه قول سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته و إن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه فهذا يدل على انهم دخلوا الجنة بأعمالهم و لكن لم يكن لهم أعمال يبلغوا بها درجة آبائهم فبلغهم إياها و إن تقاصر عملهم عنها قالوا أيضا فالأيمان هو القول و العمل و النية و هذا إنما يمكن من الكبار و على هذا فيكون المعنى إن الله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه إذ هذا حقيقة التبعية و إن كانوا دونه في الإيمان رفعهم الله إلى درجته إقرارا لعينه و تكميلا لنعيمه و هذا كما إن زوجات النبي معه في الدرجة تبعا و إن لم يبلغوا تلك الدرجة بأعمالهن و قالت طائفة أخرى الذرية ههنا الصغار و المعنى و الذين آمنوا و اتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء و الذرية تتبع الآباء و إن كانوا صغارا في الإيمان و إحكامه من الميراث و الدية و الصلاة عليهم و الدفن في قبور المسلمين و غير ذلك ألا فيما كان من أحكام البالغين و يكون قوله بإيمان على هذا في موضع نصب على الحال من المفعولين أي و اتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء قالوا و يدل على صحة هذا القول البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب و العقاب فانهم مستقلون بأنفسهم ليسوا تابعين الآباء في شيء من أحكام الدنيا و لا أحكام الثواب و العقاب لاستقلالهم بأنفسهم و لو كان المراد بالذرية البالغين لكن أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم و تكون أولاد التابعين البالغون كلهم في درجة آبائهم و هلم جرا إلى يوم القيامة فيكون الآخرون في درجة السابقين قالوا و يدل عليه أيضا انه سبحانه جعلهم معهم تيعا في الدرجة كما جعلهم تبعا معهم في الايمان ولو كانوا بالغين لم يكن ايمانهم تبعا بل ايمان استقلال قالوا ويدل عليه ان الله سبحانه و تعالى جعل المنازل في الجنة بحسب الأعمال في حق المستقلين و أما الاتباع فان الله سبحانه و تعالى يرفعهم إلى درجة أهليهم و إن لم يكن لهم أعمالهم كما تقدم وايضا فالحور العين والخدم في درجة اهليهم وان لم يكن لهم عمل بخلاف المكلفين البالغين فانهم يرفعون إلى حيث بلغتهم أعمالهم و قالت فرقة منهم الواحدي الوجه إن تحمل الذرية الصغار و الكبار لان الكبير يتبع الأب بإيمان نفسه
و الصغير يتبع الأب بإيمان الأب قالوا والذرية تقع على الصغير و
الكبير و الواحد و الكثير و الابن و الأب كما قال تعالى و آية لهم أنا
حملنا ذريتهم في الفلك المشحون أي آباءهم و الإيمان يقع على الإيمان
التبعي و على الاختياري الكسبي فمن وقوعه على التبعي قوله فتحرير رقبة
مؤمنة فلو اعتق صغيرا جاز قالوا و أقوال السلف تدل على هذا قال سعيد بن
جبير عن ابن عباس إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته و إن كانوا دونه في
العمل لتقربهم عيونهم ثم قرا هذه الآية و قال ابن مسعود في هذه الآية
الرجل يكون له القدم و يكون له الذرية فيدخل الجنة فيرفعون إليه لتقر بهم
عينه و إن لم يبلغوا ذلك و قال أبو مجلز يجمعهم الله له كما كان يحب إن
يجتمعوا في الدنيا و قال الشعبي ادخل الله الذرية بعمل الآباء الجنة و قال
الكلبي عن ابن عباس إن كان الآباء ارفع درجة من الأبناء رفع الله الأبناء
إلى الآباء و إن كان الأبناء ارفع درجة من الآباء رفع الله الآباء إلى
الأبناء و قال إبراهيم أعطوا مثل أجور آبائهم و لم ينقص الآباء من أجورهم
شيئا وقال ويدل على صحة هذا القول إن القراءتين كالآيتين فمن قرا واتبعتهم
ذريتهم فهذا من حق البالغين الذين تصح نسبة الفعل إليهم كما قال تعالى و
السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار ا و الذين اتبعوهم بإحسان و من
قرا و اتبعناهم ذرياتهم فهذا في حق الصغار الذين اتبعهم الله إياهم في
الإيمان حكما فدلت القراءتان على النوعين قلت و اختصاص الذرية ههنا
بالصغار اظهر لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات و لا يلزم
مثل هذا في الصغار فان أطفال كل رجل و ذريته معه في درجته و الله اعلم
فصل في إن الجنة تتكلم قد تقدم قوله احتجت الجنة و النار و
قوله قالت الجنة يا رب قد أطردت انهاري و طابت ثماري فعجل على بأهلي و قال إسماعيل ابن أبي خالد عن سعيد الطائي أخبرت إن الله تعالى لما خلق الجنة قال لها تزيني فتزينت ثم قال لها تكلمي فتكلمت فقالت طوبى لمن رضيت عنه و قال قتادة لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي فقالت طوبى للمتقين و قال الطبراني حدثنا احمد بن علي ثنا هشام بن خالد ثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس 282 - رضي الله عنهما قال قال رسول الله لما خلق الله جنة عدن
خلق فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ثم قال لها
تكلمي فقالت قد افلح المؤمنون فصل
في إن الجنة تزداد حسنا على الدوام
قال عبد الله بن احمد ثنا خلف بن هشام ثنا خالد بن عبد الله عن يزيد بن
أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال ما نظر الله إلى الجنة ألا قال
طيبي لأهلك فتزداد ضعفا حتى يدخلها أهلها فصل
في إن الحور العين يطلبن أزواجهن اكثر مما يطلبهن أزواجهن
كما تقدم حديث معاذ بن جبل في ذلك و قول الحوراء لامرأته في الدنيا لا
تؤذيه فيوشك إن يفارقك ألينا حديث عكرمة عن النبي في قول الحور العين
اللهم اعنه على دينك و اقبل بقلبه على طاعتك و ذكر ابن أبي الدنيا عن أبي
سليمان الداراني قال كان شابا بالعراق يتعبد فخرج مع رفيق له إلى مكة فكان
إن نزلوا فهو يصلي و إن أكلوا فهو صائم فصبر عليه رفيقه ذاهبا وجائيا فلما
أراد إن يفارقه قال له يا أخي اخبرني ما الذي هيجك إلى ما رأيت قال رأيت
في النوم قصرا من قصور الجنة و إذا لبنة من فضة و لبنة من ذهب فلما تم
البناء إذا شرافة من زبر جدة و شرافة من ياقوت و بينهما حوراء من حور
العين مرخية شعرها عليها ثوب من فضة ينثني عليها معها كلما تثنت فقالت جد
إلى الله في طلبي فقد و الله جددت إليه في طلبك فهذا الذي تراه في طلبها
قال أبو سليمان هذا في طلب حوراء فكيف بمن قد طلب ما هو اكثر منها فصل
في ذبح الموت بين الجنة و النار
قال الله تعالى و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر و هم في غفلة وهم لا
يؤمنون و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله يجاء بالموت
كأنه كبش املح فيوقف بين الجنة و النار فيقال يا أهل الجنة هل
تعرفون هذا فيشرأبون و ينظرون و يقولون نعم هذا الموت ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرأبون و ينظرون ويقولون نعم هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح قال ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت و يا أهل النار خلود فلا موت ثم قرا رسول الله و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر و هم في غفلة و هم لا يؤمنون متفق عليه و في الصحيحين أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال يدخل اهل الجنة الجنة و يدخل أهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول يا أهل الجنة لا موت و يا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه و عنه قال قال رسول الله إذا صار أهل الجنة إلى الجنة و صار أهل النار إلى النار أتي بالموت حتى يجعل بين النار والجنة ثم ينادى مناد يا أهل الجنة لا موت و يا أهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا و يزداد أهل النار حزنا إلى جهنم و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار أتي بالموت ملبيا فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة و أهل النار ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مبشرين يرجون الشفاعة فيقال لأهل الجنة و أهل النار هل تعرفون هذا فيقول هؤلاء و هؤلاء قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور ثم يقال يا أهل الجنة خلود لا موت و يا أهل النار خلود لا موت رواه النسائي و الترمذي و قال حديث حسن صحيح و هذا الكبش و الإضجاع و الذبح و معاينة الفريقين ذلك حقيقة لا خيال و لا تمثيل كما أخطأ فيه بعض الناس خطا قبيحا و قال الموت عرض و العرض لا يتجسم فضلا عن ان يذبح و هذا لا يصح فان الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح كما ينشئ من الأعمال صورا معاينة يثاب بها و يعاقب و الله تعالى ينشئ من الأعراض أجساما تكون الأعراض مادة لها و ينشئ من الأجسام أعراضا كما ينشئ سبحانه و تعالى من الأعراض أعراضا و من الأجسام أجساما فالأقسام الأربعة ممكنة مقدوره للرب تعالى و لا يستلزم جمعا بين النقيضين و لا شيئا من المحال و لا حاجة إلى تكلف من قال أن الذبح لملك الموت فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله و رسوله و التأويل
الباطل الذي لا يوجبه عقل و لا نقل و سببه قله الفهم لمراد الرسول من و كلامه فظن هذا القائل أن لفظ الحديث يدل على أن نفس العرض يذبح و ظن غالط آخر أن العرض يعدم و يزول و يصير مكانه جسم يذبح و لم يهتد الفريقان الى هذا القول الذي ذكرناه و أن الله سبحانه ينشئ من الأعراض أجسام و يجعلها مادة لها كما في الصحيح عنه تجيء البقرة و آل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان الحديث فهذه هي القراءة التي ينشئها الله سبحانه تعالى غمامتين و كذلك قوله في الحديث الآخر أن ما تذكرون من جلال الله من تسبيحه و تحميده و تهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن ذكره احمد و كذلك قوله في حديث عذاب القبر و نعيمه للصورة التي يراها فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح و أنا عملك السيء و هذا حقيقة لا خيال و لكن الله سبحانه أنشأ له من عمله صورة حسنة و صورة قبيحة و هل النور الذي يقسم بين المؤمنين يوم القيامة إلا نفس إيمانهم أنشأ الله سبحانه لهم منه نورا يسعى بين أيديهم فهذا أمر معقول لو لم يرد به النص فورود النص به من باب تطابق السمع و العقل وقال سعيد عن قتادة بلغنا أن نبي الله قال أن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة و بشارة حسنة فيقول له من أنت فوالله أنى لاراك أمرا الصدق فيقول له أنا عملك فيكون له نورا و قائدا إلى الجنة و أما الكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وبشارة سيئة فيقول ما انت فوالله اني لاراك امرا السوء فيقول له انا عملك فينطلق به حتى يدخله النار و قال مجاهد مثل ذلك و قال ابن جريج يمثل له عمله في صورة حسنة و ريح طيبة يعارض صاحبه و يبشره بكل خير فيقول له من أنت فيقول أنا عملك فيجعل له نورا بين يديه حتى يدخله الجنة فذلك قوله يهديهم ربهم بإيمانهم و الكافر يمثل له عمله في صورة سيئة و ريح منتنة فيلازم صاحبه و يلاده حتى يقذفه في النار و قال ابن المبارك ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن انه ذكر هذه الآية افما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى و ما نحن بمعذبين قال علموا أن كل نعيم بعده الموت انه يقطعه فقالوا افما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى و ما نحن بمعذبين قيل لا قالوا أن هذا لهو الفوز العظيم و كان يزيد الرقاشي يقول في كلامه أمن أهل الجنة من الموت فطاب لهم العيش و آمنوا من الأسقام فهنا هم في جوار الله طول يبكي حتى تجري دموعه على لحيته
فصل
في ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي قال
كل يأكل أهل الجنة فيها و يشربون و لا يتخمطون و لا يتغوطون و لا يبولون و
يكون طعامهم ذلك جشاء و رشحا كرشح المسك يلهمون التسبيح و الحمد كما
يلهمون النفس و في رواية التسبيح و التكبير كما تلهمون بالتاء المثناة من
فوق أي تسبيحهم و تحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون انتم النفس فصل
قي تذاكر أهل الجنة ما كان بينهم في دار الدنيا
قال الله تعالى و اقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم اني كان لي
قرين الآيات و قد تقدم الكلام عليها و قال تعالى فاقبل بعضهم على بعض
يتساءلون قالوا أنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا و وقانا عذاب
السموم و ذكر ابن أبي الدنيا من حديث الربيع بن صبيح عن الحسن عن انس
يرفعه إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض فيسير سرير
هذا إلى سرير هذا وسرير هذا الى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيتكىء هذا او
يتكىء هذا فيقول أحدهما لصاحبه تعلم متى غفر الله لنا فيقول صاحبه نعم يوم
كذا و كذا و موضع كذا و كذا فدعونا الله فغفر لنا و إذا تذاكروا ما كان
بينهم فتذاكرهم فيما كان يشكل عليهم في الدنيا من مسائل العلم و فهم
القرآن و السنة و صحة الأحاديث أولى و أحرى فان المذاكرة في الدنيا في ذلك
ألذ من الطعام و الشراب و الجماع فتذاكر في الجنة اعظم لذة و هذه لذة يختص
بها أهل العلم و يتميزون بها على من عداهم
الباب السبعون في ذكر من يستحق هذه البشارة دون غيره قال الله تعالى
و بشر الذين آمنوا و عملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها و قال تعالى ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم و قال تعالى أن الذين قالوا ربناالله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة إلا تخافوا و لا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون و قال تعالى فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب و قال تعالى الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم اعظم درجة عند الله و أولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان و جنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا أن الله عنده اجر عظيم و قال تعالى و الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قال تعالى إنما تنذر من اتبع الذكر و خشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة و اجر كريم و قال تعالى يا أيها النبي أنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا و بشر المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا و قال تعالى و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله و فضل و أن الله لا يضيع اجر المؤمنين و قال تعالى أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم و قال تعالى و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا أنا لله و أنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون و قال تعالى و أخرى تحبونها نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين و قال في الجنة أعدت للمتقين و قال أعدت للذين آمنوا بالله و رسله و قال أن الذين آمنوا و عملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا و قال تعالى قد افلح المؤمنون إلى قوله أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون و في المسند و غيره أن النبي قال قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم تلا قد افلح المؤمنون حتى ختم العشر آيات و قال تعالى أن المسلمين و المسلمات إلى قوله اعد الله لهم مغفرة و آجرا عظيما و قال تعالى التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر و الحافظون لحدود الله و بشر المؤمنين و قال تعالى تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا و قال تعالى و سارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها السماوات و الأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب ألا الله و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون أولئك جزاءهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و نعم اجر العاملين و قال تعالى يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون إلى قوله و بشر المؤمنين و قال تعالى و لمن خاف مقام ربه جنتان و قال تعالى و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى و هذا في القرآن كثير مقداره على ثلاث قواعد إيمان و تقوى و عمل خالص لله على موافقة السنة فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق و عليها دارت بشارات القرآن و السنة جميعها و هي تجتمع في اصلين إخلاص في طاعة الله و إحسان إلى خلقه و ضدها يجتمع في الذين يراءون و يمنعون الماعون و ترجع إلى خصلة واحدة و هي موافقة الرب تبارك و تعالى في محابه و لا طريق إلى ذلك ألا بتحقيق القدوة ظاهرا و باطنا برسول الله و أما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل فهي بضع و سبعون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و بين هاتين الشعبتين سائر الشعب التي مرجعها تصديق الرسول في كل ما أخبر به و طاعته في جميع ما أمر به إيجابا و استحبابا كالإيمان بأسماء الرب و صفاته و أفعاله و آياته من غير تحريف لها و لا تعطيل و من غير تكييف و لا تمثيل كما قال الشافعي رحمه الله الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه و فوق ما يصف به خلقه و كأنه أخذ هذا من قول النبي اللهم لك الحمد كالذي تقول و خيرا مما تقول و قد ذكرنا في اول الكتاب جملة م مقالات أهل السنة و الحديث التي اجمعوا عليها كما حكاه الاشعري عنهم و نحن نحكي اجماعهم كما حكاه حرب صاحب الإمام احمد عنهم بلفظه قال في مسائله المشهورة هذه مذاهب أهل العلم و أصحاب الأثر و أهل السنة المتمسكين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب
النبي إلى يومنا هذا و أدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز و الشام و غيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة و سبيل الحق قال و هو مذهب احمد و إسحاق بن إبراهيم و عبد الله بن مخلد و عبد الله بن الزبير الحميدي و سعيد بن منصور و غيرهم كمن جالسنا و أخذنا عنهم العلم و كان من قولهم أن الإيمان قول و عمل و نية و تمسك بالسنة و الإيمان يزيد و ينقص و يستثنى من الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية سد العلماء فإذا سئل الرجل أمؤمن أنت فانه يقول انا مؤمن أن شاء الله أو مؤمن ارجوا و يقول أمنت بالله و ملائكته و كتبه ورسله و من زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجىء و من زعم أن الإيمان هو القول و الأعمال شرائع فهو مرجئ و من زعم أن الإيمان يزيد و لا ينقص فقد قال بقول المرجئة و من لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ و من زعم أن إيمانه كإيمان جبريل و الملائكة فهو مرجئ و من زعم أن المعرفة في القلب و أن لم يتكلم بها فهو مرجئ و القدر خيره و شره و قليله و كثيره و ظاهره و باطنه و حلوه و مره و محبوبه و مكروهه و حسنه و سيئه و أوله و آخره من الله عز و جل قضاء قضاه على عباده و قدر قدره عليهم لا يعدوا واحد منهم مشيئة الله و لا يجاوزه قضاؤه بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم و هو عدل منه جل ربنا و عز و الزنا و السرقة و شرب الخمر و قتل النفس و أكل المال الحرام و الشرك و المعاصي كلها بقضاء الله من غير أن يكون لأحد من خلقه على الله حجة بل لله الحجة البالغة على خلقه لا يسئل عما يفعل و هم يسئلون و علم الله عز و جل ماض في خلقه بمشيئة منه سبحانه و تعالى فهو سبحانه قد علم من إبليس و من غيره ممن عصاه من لدن عصى الله تبارك وتعالى إلى قيام الساعة المعصية و خلقهم لها وعلم الطاعة اهل الطاعة وخلقهم لها فكل يعمل لما خلق له له و صائر إلى ما قضى عليه لا يعدو أحد منهم قدر الله و مشيئته و الله الفعال لما يريد و من زعم أن الله سبحانه و تعالى شاء لعباده الذين عصوه و تكبروا الخير و الطاعة و أن العباد شاءوا لانفسهم الشر و المعصية فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أن مشيئته العباد اغلب من مشيئة الله تعالى و أي افتراء على الله اكبر من هذا و من زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له أرايت هذه المرأة حملت من الزنا و جاءت بولد هل شاء الله عز و جل أن يخلق هذا الولد و هل مضى في سابق علمه فان قال لا فقد زعم أن مع
الله خالقا و هذا الشرك صراحا و من زعم أن السرقة و شرب الخمر و أكل المال الحرام ليس بقضاء و قدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره و هذا صراح قول المجوسية بل أكل رزقه الذي قضى الله أن يأكله من الوجه الذي أكله و من زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز و جل فقد زعم ان المقتول مات بغير اجله و أي كفر أوضح من هذا بل ذلك بقضاء الله عز و جل و ذلك عدل منه في خلقه و تدبيره فيهم و ما جرى من سابق علمه فيهم و هو العدل الحق الذي يفعل ما يريد و من اقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر و المشيئة على الصغر و القماءة و لا نشهد على أحد من أهل القبلة انه في النار لذنب عمله و لا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء في حديث ولا بنص الشهادة و لا نشهد لأحد انه في الجنة بصالح عمله و لا لخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي و لا بنص الشهادة و الخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان و ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها و لا نخرج عليهم و لا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة و الجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر و لا عدل عادل و الجمعة و العيدان و الحج مع سلطان و أن لم يكونوا بررة عدو لا اتقياء وأتقياء و دفع الصدقات و الخراج و الأعشار و الفيء و الغنائم إليهم عدلوا فيها أو جاروا و الانقياد لمن والاه الله عز و جل أمركم لا تنزع يدا من طاعته و لا تخرج عليه بسيف حتى يجعل الله لك فرجا و مخرجا و لا تخرج على السلطان و تسمع و تطيع و لا تنكث بيعته فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للسنة للجماعة و أن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة و ليس لك أن تخرج عليه و لا تمنعه حقه و الإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب احترامها فان أبتليت فقدم نفسك دون دينك و لا تعن على الفتنة بيد و لا لسان و لكن اكفف لسانك و يدك و هواك و الله المعين و الكف عن أهل القبلة فلا تكفر أحدا منهم بذنب و لا تخرجه عن الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديثا كما جاء و ما روى فتصدقه و تقبله و تعلم انه كما روى نحو كفر من يستحل نحو ترك الصلاة و شرب الخمر و ما أشبه ذلك أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر و الخروج من الإسلام فاتبع ذلك و لا تجاوزه و الأعور الدجال خارج لا شك في ذلك و لا ارتياب و هو اكذب الكاذبين و عذاب القبر حق يسال العبد عن دينه و عن ربه و عن الجنة و عن النار و منكر و نكير حق و هما فتانا القبر نسال الله الثبات و حوض محمد حق حوض ترده أمته و لهم آنية يشربون بها منه و الصراط حق
يوضع على سواء جهنم و يمر الناس عليه و الجنة من وراء ذلك و الميزان حق يوزن به الحسنات و السيئات كما شاء الله أن يوزن و الصور حق ينفخ فيه اسرافيل فتموت الخلق ثم ينفخ فيه الأخرى فيقومون لرب العالمين للحساب و فصل القضاء و الثواب و العقاب و الجنة و النار و اللوح المحفوظ يستنسخ منه أعمال العباد لما سبق فيه من التقادير و القضاء و القلم حق كتب الله به مقادير كل شيء و أحصاه في الذكر و الشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار و يخرج قوم من النار بعدما دخلوها و لبثوا فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من النار و قوم يخلدون فيها أبدا و هم أهل الشرك و التكذيب و الجحود و الكفر بالله عز و جل و يذبح الموت يوم القيامة بين الجنة و النار و قد خلقت الجنة و ما فيها و خلقت النار و ما فيها خلقهما الله عز و جل و خلق الخلق لهما و لا يفنيان و لا يفنى فيهما ما فيهما أبدا فإذا احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز و جل كل شيء هالك إلا وجهه و بنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء و الهلاك هالك و الجنة و النار خلقهما الله للبقاء لا للفناء و لا للهلاك و هما من الآخرة لا من الدنيا و الحور العين لا يمتن عند قيام الساعة و لا عند النفخة و لا أبدا لان الله عز و جل خلقهن للبقاء لا للفناء و لم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع ضل عن سواء السبيل و خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض و سبع أرضين بعضها اسفل من بعض و بين الأرض العليا و السماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام و بين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام و الماء فوق السماء العليا السابعة و عرش الرحمن عز و جل فوق الماء و الله عز و جل على العرش و الكرسي موضع قدميه و هو يعلم ما في السماوات و الأرضين و ما بينهما و ما تحت الثرى و ما في قعر البحر و منبت كل شعرة و شجرة و كل زرع وكل نبات و مسقط كل ورقة عدد كل كلمة و عدد الرمل و الحصى و التراب و مثاقيل الجبال و أعمال العباد و أثارهم و كلامهم و أنفاسهم و يعلم كل شيء و لا يخفى عليه من ذلك شيء و هو على العرش فوق السماء السابعة و دونه حجب من نار و نور و ظلمة و ما هو اعلم به فإذا احتج مبتدع أو مخالف بقول الله عز و جل و نحن اقرب إليه من حبل الوريد و قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم و لا أدنى من ذلك ولا اكثر إلا هو معهم أينما كانوا و نحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم أن الله عز و جل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله و هو بائن
من خلقه لا يخلو من علمه مكان و لله عز و جل عرش و للعرش حملة يحملونه و الله عز و جل مستو على عرشه و ليس له حد و الله عز و جل سميع لا يشك بصير لا يرتاب عليم لا يجهل جواد لا يبخل حليم لا يعجل حفيظ لا ينسى و لا يسهو قريب لا يغفل و يتكلم و ينظر و يبسط و يضحك و يفرح و يحب و يكره و يبغض و يرضى و يغضب و يسخط و يرحم و يعفو و يغفر و يعطي و يمنع و ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء ليس كمثله شيء و هو السميع البصير و قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء و يوعيها ما أراد و خلق آدم بيده على صورته و السموات و الأرض يوم القيامة في كفه و يضع قدمه في النار فتنزوي و يخرج قوما من النار بيده و ينظر إلى وجهه أهل الجنة يرونه فيكرمهم و يتجلى لهم و تعرض عليه العباد يوم القيامة و يتولى حسابهم بنفسه و لا يلى ذلك غير الله عز و وجل والقرآن كلام الله الذي تكلم به وليس بمخلوق فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر و من زعم أن القرآن كلام الله و وقف و لم يقل ليس بمخلوق فهو اخبث من القول الأول و من زعم أن ألفاظنا و تلاوتنا مخلوقة و القرآن كلام الله فهو جهمي و كلم الله موسى تكليما منه إليه و ناوله التوراة من يده إلى يده و لم يزل الله عز و جل متكلما و الرؤيا من الله و هي حق إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس ضغثا فقصها على عالم وصدق فيها فأولها العالم على اصل تأويلها الصحيح و لم يحرف فالرؤيا تأويلها حينئذ حق و قد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيا فأي جاهل اجهل ممن يطعن في الرؤيا و يزعم أنها ليست بشيء و بلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام و قد روى عن النبي أن رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده و قال أن الرؤيا من الله و ذكر محاسن أصحاب رسول الله كلهم و الكف عن ذكر مساويهم التي شجرت بينهم فمن سب أصحاب رسول الله أو واحدا منهم أو نقصه أو طعن عليه أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا بل حبهم سنة و الدعاء لهم قربة و الاقتداء بهم وسيلة و الأخذ باثارهم بها فضيلة و خير الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر بعد ابي بكر و عثمان بعد عمر و علي بعد عثمان و وقف قوم على عثمان و هم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم و لا أن يطعن في واحد منهم بعيب و لا نقص
فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه و عقوبته ليس له أن
يعفو عنه بل يعاقبه و يستتيبه فان تاب قبل منه و أن لم يتب أعاد عليه
العقوبة و خلده في الحبس حتى يموت أو يرجع و نعرف للعرب حقها و فضلها و
سابقتها و نحبهم لحديث الرسول الله فان احبهم إيمان و بغضهم نفاق و لا
نقول بقول الشعوبية و أراذل الموالي الذين لا يحبون العرب و لا يقرون لهم
بفضل فان قولهم بدعة و من حرم المكاسب و التجارات و طلب المال من وجهه فقد
جهل و أخطأ و خالف بل المكاسب من وجوهها خلال قد احلها الله عز و جل و
رسوله فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه و عياله من فضل ربه فان ترك ذلك
على انه لا ير الكسب فهو مخالف و الدين إنما هو كتاب الله عز و جل و اثار
و سنن و روايات صحاح عن الثقات بالإخبار الصحيحة القوية المعروفة يصدق
بعضها بعضا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله و أصحابه رضي الله عنهم و
التابعين و تابعي التابعين و من بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم
المتمسكين بالسنة و المتعلقين بالآثار و لا يعرفون ببدعة و لا يطعن فيهم
بكذب و لا يرمون بخلاف إلى أن قال فهذه الأقاويل التي وصفت مذاهب أهل
السنة و الجماعة و الأثر و أصحاب الروايات و حملة العلم الذين أدركناهم و
أخذنا عنهم الحديث و تعلمنا منهم السنن و كانوا أئمة معروفين ثقات أهل صدق
و أمانة يقتدى بهم و يؤخذ عنهم و لم يكونوا أهل بدعة و لا خلاف و لا تخليط
و هو قول أئمتهم و علمائهم الذين كانوا قبلهم فتمسكوا بذلك و تعلموه و
علموه قلت حرب هذا صاحب احمد و إسحاق و له عنهما مسائل جليلة و أخذ عن
سعيد بن منصور و عبد الله بن الزبير الحميدي و هذه الطبقة و قد حكى هذه
المذاهب عنهم و اتفاقهم عليها و من تأمل المنقول عن هؤلاء و أضعاف أضعافهم
من أئمة السنة و الحديث وجده مطابقا لما نقله حرب و لو تتبعناه لكان
بمقدار هذا الكتاب مرارا و قد جمعت منه في مسالة علو الرب تعالى على خلقه
و استوائه على عرشه وحدها سفرا متوسطا فهذا مذهب المستحقين لهذه البشرى
قولا و عملا و اعتقادا و بالله التوفيق فصل
و نختم الكتابي بما ابتدأنا به أولا وهو خاتمة دعوى أهل الجنة
قال تعالى أن الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من
تحتهم الأنهار
في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم و تحيتهم فيها سلام و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين قال حجاج عن ابن جريج أخبرت أن قوله دعواهم فيها سبحانك اللهم قال إذا مر بهم الطير ليشتهونه قالوا سبحانك اللهم وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما اشتهوا فيسلم عليهم فيردون عليه فذلك قوله تعالى و تحيتهم فيها سلام قال فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم فذلك قوله تعالى و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين قال سعيد عن قتادة قوله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم يقول ذلك دعاؤهم فيها و تحيتهم فيها سلام و قال الاشجعي سمعت سفيان الثوري يقول إذا أرادوا الشيء قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم ما دعوا به و معنى هذه الكلمة تنزيه الرب تعالى و تعظيمه و إجلاله عما لا يليق به و ذكر سفيان عن عبد الله بن موهب سمعت موسى بن طلحة قال سئل رسول الله عن سبحان الله فقال تنزيه الله عن السوء و سال بن الكواء عليا عنها فقال كلمة رضيها الله تعالى لنفسه و قال حفص بن سليمان بن طلحة ابن يحيى بن طلحة عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله قال سالت رسول الله عن تفسير سبحان الله فقال هو تنزيه الله عن كل سوء فأخبر الله تعالى عن أول دعواهم إذا استدعوا شيئا قالوا سبحان الله و عن آخر دعواهم عند ما يحصل لهم هو قولهم الحمد لله رب العالمين و معنى الآية اعم من هذا و الدعوى مثل الدعاء و الدعاء يراد به الثناء و يراد به المسالة و في الحديث افضل الدعاء الحمد لله رب العالمين فهذا دعاء ثناء و ذكر يلهمه الله أهل الجنة فأخبر سبحانه و عن أوله و آخره فأوله تسبيح و آخره حمد يلهمونهما كما يلهمون النفس و في هذا إشارة إلى أن التكاليف في الجنة يسقط عنهم و لا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها و في لفظ اللهم إشارة إلى صريح الدعاء فإنها متضمنة لمعنى يا الله فهي متضمنة للسؤال و الثناء و هذا هو الذي فهمه من قال إذا أرادوا شيئا قالوا سبحانك اللهم فذكروا بعض المعنى و لم يستوفوه مع انهم قصروا به فانهم اوهموا انهم إنما يقولون ذلك عندما يريدون الشيء و ليس في الآية ما يدل على ذلك بل يدل على أن أول دعائهم التسبيح و آخره الحمد و قد دل الحديث الصحيح على انهم يلهمون ذلك كما يلهمون النفس فلا تختص الدعوى المذكورة بوقت إرادة الشيء و هذا كما انه لا يليق بمعنى الآية فهو لا يليق بحالهم و الله تعالى اعلم بالصواب