كتاب : رسائل الثعالبي
المؤلف : الثعالبي
وأنشدت للحسن المروزي الضرير في غلام نصراني
وما انس لا انس ظبي الكناس ... يريد الكنيسة من داره
فيا حسن ما فوق ازراره ... ويا طيب ما تحت زناره
وكتب السري الموصلي إلى صديق له سرية في يوم الشك ويصف ما عنده من الملاهي
غدات الشك ندعوك ... إلى الراح تغاديها
وعندي قينة تعطيك ... در القول من فيها
إذا دغاغت العود ... حسبانه يناغيها
وراح كللت بالطيب ... من انفاس ساقيها
وورد كخدود الغيد ... تحكيه ويحكيها
وعلق يحمل الراية ... لا غشا ونمويها
" وللصاحب "
ان ابن مسرور فتى كاتب ... يأخذ من كل صديق قلم
مستحسن الشارة ذا شارة ... من أحذق الناس بحمل العلم
ولبعض العصرين من اهل نيسابور
ارسلت في وصف صديق لنا ... ماحقة كتبت بالعسجد
في الحسن طاووس ولكنه ... اسجد في الخلوة من هدهد
ولم اسمع احسن وابدع من قول ابي الحسن الجوهري الجرجاني لبعض الأجلة يتوسل
اليه بخدمته في صباه ويكنى عن المعنى الطف كنايه
الا ايها الملك المعلى ... أنلني من عطاياك الجزيله
لعبدك حرمه والذكر فحش ... فلا تحوج إلى ذكر الوسيلة
ومما يستملح للمطراني الباشي ما كتبه إلى صديق له رأي عنده غلاما
رأيت ظبياً يطوف في حرمك ... أغن مستأنساً الي كرمك
أطمعني فيه انه رشأ ... يرشي ليغشى وليس من خدمك
فاشغله في ساعة إذا فرغ ... ت دواته ان رأيت من قلمك
ومن مليح ما كنى به عن الغلام الوسيم غير الجسيم قول الجماز
ظبيك هذا حسن وجهه ... وما سوى ذاك جميعاً يعاب
فافهم كلامي يا اخي جملة ... لايشبه العنوان ما في الكتاب
ولغيره في معناه
أتيح لي يا سهل مستظرف ... تفتني ألحاظه الساحره
ما شئت من دنيا ولكنه ... منافق لست له آخره
وفي مثل ذلك قال الظرفاء نثراً ليس وراء عبادن الا الخشبات فنظمه ابو نصر
بن المرزبان فقال
يا غزالا وجهه ... كالبدر يجلو الظلمات
ذقت من فيه ومن ... قبلته ماء الحيات
ليس لي من بعد عبا ... دان الا الخشبات
وسمعت بعض العامة يقول بالفارسية في وصف غلام يأخذ من دبره وينفق على قبله
فلان يذيب الالية على الشحم..ثم سمعت بعض العامة يقول في ذلك فلان ينفق من
طسته على ابريقه " وبلغني " أن اصحاب البريد بنيسابور كتب إلى الحضرة
ببخارى في انهاء ما شجر بين بعض المشايخ بها وبين أحد القواد الاتراك فقال
في حكاية ذلك وانه قال له يا مؤاجر فلما نظر وزير الوقت في هذه اللفظة
أنكرها وأكبرها وصرف صاحب البريد عن عمله فلما ورد بخارى وحصل في مجلسه
قرعه على تلك السقطة ووبخه وقال له هلا صنت حضرة السلطان عن مثل تلك
اللفظة القذعة فقال أيد الله الشيخ الجليل فما كنت أكتب إذا وقد أمرت
بانهاء الاخبار على وجوهها فقال أعجزت ويحك أن تكنى عنها فتقول شتمه بما
يشتم به الاحداث أو كلاما يؤدي معناه " فصل في الكناية عما يتعاطى منهم "
حكي المبرد قال كان سليمان بن وهب يكتب لموسى بن بغا ويتعشق مملوكا لموسى
ولا يرى به الدنيا فخرج موسى ذات يوم متصيدا ومعه أبو الخطاب الكاتب فورد
عليه أمر احتاج فيه إلى سليمان فأمر أن يستدعى فقال أبو الخطاب لذلك
الغلام بادر إلى سليمان فاحضره فركض اليه فلما حصل بين يديه تلطف له
سليمان حتى نال ماأحب منه ونهض معه إلى متصيد موسى وامتثل أمره فلما كان
من الغد كتب اليه أبو الخطاب
لا خير عندي في الخليل ... ينام من سهر الخليل
قولا لا كفر من رأي ... ت لكل معروف جليل
هل تشكرن لي الغداة ... تلطفى لك في الرسول
اذ نحن في صيد الجبال ... وأنت في صيد السهول
ومثل هذه الكناية أحسن من كناية ابن الرومي في قوله
هل مانعي حاجتي مليح ... من خلقه البعض واللجاجه
فانما حاجتي اليه ... حاجة ديك إلى دجاجة
وقد مرت في ابيات لابن المعتز في نهاية الملاحة يشتمل البيت الاخير منها
على كناية مستظرفة جدا وهي
وشادن أفسد قلبي ... بعد حسن توبته
جاد بجيش الحسن في ... عديده وعدته
فماتت التوبة لما ... ان بدا من هيبته
وجاء ابليس يهنى ... نظري بطلعته
ولم يزل يذكرني ... ربي وعفو قدرته
وقال لي ما قبلة ... وغيرها في رحمته
وعلى ذكر القبلة فقد أنشدت أبياتاً ليونس العروضي فيها كناية لطيفة عما
يتبع القبلة وهي
اني من حبك ياسيدي ... في خطة هائلة صعبه
وقد أذنت اليوم في قبلة ... راعيت فيها حرمة الصحبه
كأنني اذ نلتها خلة ... قبلت ركن البيت ذي الحجبه
والركن قد فزت بتقبيله ... فكيف لي أن أدخل الكعبه
ومن ظريف الكناية عن القبلة ما أنشدتيه أبو الفضل عبد الله بن أحمد
الميكالي لعبد الله بن النجم
شكي اليك ما وجد ... من خأته فيك الجلد
حيران لو شئت اهتدى ... ظمآن لو شئت ورد
ومن حسن الكناية عن العدول عن مباشرة النسوان إلى مفاخذة الغلمان قول بعضهم
لا أركب البحر ولكنني ... أطلب رزق الله في الساحل
وأبدع ما سمعت في معنى الضيق والسعة بأحسن كناية وألطف عبارة ما أنشدنيه
أبو نصر أحمد بن اكريد الزنجاني لنفسه في غلامه يوسف
مضى يوسف عنا بتسعين درهما ... وعاد وثلت المال في كف يوسف
فكيف يرجي بعد هذا صلاحه ... وقد ضاع ثلثا ماله في التصرف
ونظير هذه الحكاية في فحش المعنى وطهارة اللفظ ما أنشدنيه أبو جعفر محمد
بن موسى الموسوي قال أنشد محمد بن عيسى الدامغاني ولم يسم قائله
تذكر اذ أرسلته بيدقا ... فيك فوا فاني فرزانا
ومن اعارة الشطرنجيين إذا تفرزن بيدق لهم في الرقعة ان يعلموا عليه بما
يتميز معه عن سائر البيادق فقد كنى هذا الشاعر عن ذلك الشئ انه دخل وهو
نظيف وخرج وهو معلم قذر " ومن " نادر الكناية عن اتيان الغلام ما أنشدنيه
القاضي أبو بكر الستي للسرى الموصلي من أبيات
أنخت في حانة أترجة ... وحبذا السكر بها من مناخ
يصافح الخمر بها نفسها ... ونبذر النسل بها في السباخ
فانظر كيف كنى عن اللواطة بالبذر في سباخ لا ينبت " ومن " مشهور ما يليلق
بهذا الفصل قول بعضهم
من كل شيئ قضت نفسي مآربها ... الا من الطعن بالقثاء في التين
لا أغرس الدهر الا في مشرفة ... ولا يجوز الا تحت سرقين
وأنشدني أبو الفتح البستي لنفسه
أفدى الغزال الذي في النحو كلمني ... مناظراً فاجتنبت الشهد من شفته
وأورد الحجيج المقبول شاهدها ... محققاً ليربني فضل معرفته
ثم افترقنا على رأي رضيت به ... فالرفع من صفتي والنصب من صفته
يعني انه كان فاعلا والفاعل مرفوع والغزال مفعولا به منصوب ولابي تمام
فيما يقاريه
وكنت أدعوك عبد الله قبل فقد ... أصبحت أدعوك زيداً غير محتشم
سمحت جودا بما قد كنت تمنعه ... ما كل جود الفتى يدعو إلى الكرم
" وله "
ما كان في المخدع من أمركم ... فانه في المسجد الجامع
يا طول فكري فيك من حامل ... صحيفة مكسورة الطابع
وأما قول ابن المعتز
وجاءني في قميص الليل مستتراً ... يستعجل الخطو من خوف ومن حذر
فبت أفرش خدي في الطريق له ... ذلا وأسحب أذيالي على الأثر
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
فهو كناية عن التصريح: ومثله لعبد الصمد بن المعذل
وإذا هبت النفوس اشتياقاً ... وتشهى الخليل قرب الخليل
كان ما كان بيننا لا اسمي ... ه ولكنه شفاء الغليل
ولبعض أهل العصر والمراد هو البيت الاخير
صفحت لدهري عن جميع هناته ... وغددت يوم الباغي أسنى هباته
وقابلت اشجاراً هناك بقد من ... تعطل غصن البان عن حركاته
ويخجل ورد الباغ عند طلوعه ... ويعزله بالورد في وجناته
ويسجد نور الاقحوان لثغره ... ويقصر نشر الورد عن نفحاته
ولما دجي الليل استعاد سنا الضحى ... بوجه جميع الحسن بعض صفاته
فيالك من ليل رقيق ظلامه ... بتأليف شمل الانس بعد شتاته
ومن ردى هذا الفصل قول بعض الفضلاء
اني إذا حان سكري ... وكان وقت مقيلي
أدخلت اصبع بطني ... في عين ظهر خليلي
ومن جيد الكناية عن التفخيذ قول ابي نواس
وغزال تشره النف ... س إلى حل ازراره
بسطته سورة النا ... س لنا بعد ازوراره
فاطفنا بحواليه ... ولم نعرض لداره
" فصل في الكناية عن اللواط وأهله " إذا كان الرجل يقول بالغلامان دون
النسوان قيل فلان يؤثر في صيد البر على صيد البحر " فلان " يقول بالظباء
ولا يقول بالسمك " وفلان " يحب الحملان ويبغض النعاج قال ابو نواس
اني امرء ابغض النعاج وقد ... يعجنني من نتاجها الحمل
وفلان يميل إلى من لا يحيض ولا يبيض قال الشاعر
جعلت فداك ما اخترناك الا ... لا نك لا تحيض ولا تبيض
ولو ملنا إلى وصل الغواني ... لضاق بنسلنا البلد العريض
وفلان يكتب في الظهور وفلان يحب الميم وببغض الصاد " وقد " اساء ابن
الرومي في قوله
بغضي لصاد شهير انني رجل ... اصفى المودة مني للحواميم
وليس بغضي لقرآن ولا مقتى ... اياه لله بل للصاد والميم
" وقال آخر "
لعجم الصاد ارضى الله قدما ... وعبد الله يعجم كل ميم
ويقال فلان من العطارين والعطار كنايه عن الكناس في كثير من البلدان قال
ابو اسحاق الصابي في ذم اللاطه
لحاجة المرء في الادبار إدبار ... والمآلون إلى الاحراح أحرار
كما من نظيف ظريف باتت ممتطياً ... ظهر الغلام فأضحى وهو عطار
فاذا كان يقول بالمرد الجرد قيل شرطه أهل الجنة لان النبي صلى الله عليه
وسلم قال في وصفهم جرد مرد مكحلون: فاذا كان يقول بالصغار دون الكبار قيل
فلان يؤثر السخال على الكباش " ويروي " ان حماد عجرد لما قعد لتأديب ولد
العباس بن محمد قال بشار بن برد
قل للامير جزال الله صالحا ... لا يجمع الدهر بين السخل والذيب
السخل غر وهم الذئب غفلته ... والذئب يعلم ما بالسخل من طيب
" وقال ايضاً "
يا ابا الفضل لا تنم ... وقع الذئب في الغنم
ان حماد عجرد ... شيخ سوء قد اغتلم
بين فخذيه حربه ... في غلاف من الأدم
وهو ان نال فرصة ... مسح الميم بالقلم
فلما شاعت الابيات امر العباس باخراج حماد " ونظير " هذه السعايه قول ابي
اسخاق الصابي في كتاب
يا ابا الفضل استمع ... قول امرئ يصفيك حبا
سرح غلمانك قد ... أصبح للسرحان نهبا
وكان لابن سكرة الهاشمي غلام يستشرطه فلما كبر اخرجه من داره فقيل له في
ذلك فقال
ما تركناه وفيه ... لمحب من طباخ
هدر الطير ومن ... عاداتنا اكل الفراخ
وإذا كان الرجل يقول بالصغار والكبار قيل فلان يصطاد ما بين الكركي إلى
العندليب " فاذا كان " يقول بالزنا واللواط كلاهما قيل فلان يصيد الطيرين
ويقبض الديوانين وفلان قلم برأسين وينشد
أي دواة لم يلقها قلمه ... وأي سطح لم ينله سلمه
فاذا كان يأتي ويؤتي قيل فلان لحاف ومضربه وفلان يذعن للقصاص فطورا سقف
وطورا أرض " فاذا كان " يقول بحسن الوجه دون الجسامة قيل هو يقول بالدنيا
دون الآخرة " فاذا كان يقول بهما جميعاً قيل هو يقول بالآخرة ولا ينسى
نصيبه من الدنيا " فاذا جمع " الغلام هاتين الصفتين قيل هو دنيا وآخره "
فاذا كان " وسيما غير جسيم قيل هو منافق وقد تقدم ذكره
" فصل في الكناية عن خروج اللحية مدحا وذما " كان ابو نواس يقول
تزودوا من لذة لا توجد في الجنة يكنى عن اتيان المختطين لان اهل الجنة جرد
مرد كلهم " وفي كتاب " لباب الاداب فلان قد غلفته يد الحسن وقد احرقت فضة
خده وطرز ديباج وجهه " ومن " أحسن ما احاضر به في الكناية عن خط اللحية
قول بعض المولدين
كتاب من الحسن توقيعه ... من الله في خده قد نزل
وما أظرف ما كنى عنه الصاحب بزغب الحسن في قوله
هل زغب الحسن به ضائر ... والقمر التم به يقمر
انشدني بديع الزمان لنفسه من أبيات
كن كيف شئت فانني ... قد صغت قلبا من حديد
وجلست انتظر الكسوف ... وليس ذلك بالبعيد
وانما كني بالكسوف عن خروج اللحية كما قال الآخر
واها لبدر قد كسف ... أسفا وهل يغني الاسف
ومن بديع الكناية وخفيها في هذا الفصل قول القاضي ابي الحسن علي بن عبد
العزيز
قد برح الحب بمشتاقكا ... فاوله احسن اخلاقكا
لا تجفه وراع له حقه ... فانه آخر عشاقكا
يكني غن قرب خروج اللحية أو خروجها وانه لا عاشق له بعدها " الباب الثالث
في الكناية عن بعض فضول الطعام وعن المكان المهيأ له " " فصل في مقدمته "
قرأت في المستنير ان يحيى بن زياد ومطيع بن اياس وحماد عجرد اجتمعوا في
مجلس يقصفون ومعهم رجل كان ينادمهم فخرجت منه ريح لها صوت فاستحيا ولم يعد
اليهم فكتب اليه أحدهم
امن قلوص غدت لم يؤذها أحد ... الا تذكرها بالرمل أوطانا
خان العقال لها فانبث اذ نعرت ... وانما الذنب فيها للذي خانا
منحتنا منك هجرانا وتقلية ... وغبت عنا ثلاثا لست تغشانا
خفض عليك فما في الناس من احد ... الا واينقه يفلتن أحيانا
وعرض مثل ذلك لجارية تغني في مجلس فيه الجماز فاحبت ان تنظر ما عنده فقالت
أي شئ تشتهي ان اغنيك فقال غنى
يا ربح ما تنصفين بالدمن ... كم لك من محو منظر حسن
فضحكت وعلمت انه قد أخس بذلك " وعرض " مثل ذلك لرجل في مجلس الصاحب
فاستحيا وانقطع منه فكتب اليه الصاحب
يا ابن الحصيري لا تذهب على خجل ... لحادث كان مثل الناي والعود
فانها الريح لا تستطيع تحبسها ... اذ لست أنت سليمان بن داود
" وعرض " مثل ذلك لفتى في مجلسه ليلا فقال له الصاحب يا صبي لا تنم فخجل
وقال هذا صرير التخت فقال الصاحب احسب ان يكون صرير التخت " ومن " مليح ما
سمعت في هذه الكناية حكاية ابي عبد الله بن الحجاج وهي انه دعا مغنية كان
يتعاشق لها فلما حصلت عنده ليلا ودارت الكؤوس نعس فتفرقع ظهره وهي قاعدة
فغضبت وانصرفت فكتب اليها من الغد
قد غضبت ستي وقد انكرت ... فرقعة تعرض في ظهري
وليس لي ذنب ولكنني ... اصر بالليل ولا ادري
فليت شعري وهي غضابة ... من جحرها اضرط أم جحري
" فصل في عاقبة الاكل "
قد كنى الله تعالى عنها بقوله أو جاء احد منكم من الغائط -
والغائط - المكان المطمئن من الارض وكانوا يأتونه تسترا وانتباذا ثم كثر
ذلك في كلامهم حتى سموا الحدث باسمه واشتقوا منه الفعل تغوط " ومن "
كنايات العامة عن الحاجة إلى دخول الخلا قولهم له حاجة لا يقضيها غيره "
ومن " لطائف الاطباء كنايتهم عن حشو الامعاء بالطبيعة والبراز وعن سيلان
الطبيعة الخلفة وعن القيام لها الاختلاف " ومنه " قول ابي العيناء وقد سئل
فقيل إلى من يختلف فقال إلى من يختلف عليه.. وقد تكني الاطباء عن البول
بالماء والدليل وعن القئ بالتعالج " وقال " بعض المفسرين في قول الله
تعالى " كانا يأكلان الطعام " وقوله " ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي
في الاسواق " انما هو كناية عن الحدث لان من اكل فلا بد له من عاقبة الاكل
ونفض الفضل " وقد " عابهم الجاحظ بهذا التفسير وقال كأنهم لم يعلموا ان مس
الجوع وما ينال أهله من الذلة والعجز أدل دليل على انهم مخلوقون حتى يدعوا
على الكلام شيأ قد أغناهم الله عنه " وعلى " ذكر التفسير فقد قال لي أبو
النصر محمد بن عبد الجبار القبي سألني بعض أهل جرجان عن تفسير قوله تعالى
" وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق " فقلت يعني انه
ليس بملك ولا ملك وذلك ان الملائكة لا يأكلون ولا يشربون والملوك لا
يتسوقون ولا يتبذلون فعجبوا ان يكون مثلهم في الحال يمتاز من بينهم في علو
المحل والجلالة والله أعلم حيث يجعل رسالته " وقرأت " في كتاب المستنير ان
أبا تمام والخثعمي اجتمعا في مجلس أنس فقام أبو تمام إلى الخلا فقال له
الخثعمي ندخلك فقال نعم وأخرجك فتعجب الحاضرون من هذا الابتداء البديع
والجواب العجيب السريع " ومما " يشبه هذه الحكاية ما حدثنيه أبو النصر سهل
بن المرزبان فقال دخل ابن مكرم الي أبي العيناء فسأله ان يقيم عنده فقال
ابن مكرم اذهب واتوضأ فقال ابو العيناء إذا لا يعود الينا منك شئ أي لانه
كله حدث وينشد أصحاب المعاني لابي صعترة
هم منحوك طول الليل سقيا ... خبيث الريح من خمر وماء
يكنى عن انهم ضربوه وهو سكران حتى احدث..وكان بشر المريسي يقول إذا قيل له
فلان قد وضع كتابا الوضع وضعان احدهما له افتخار والآخر له بخار يريد قول
القائل
مررت بدارها فوضعت فيها ... كجثمان القطاة له بخار
وكتب بعض الظرفاء إلى شارب دواء
ابن لي كيف أصبحت ... على حال من الحال
وكم سارت بك الناقة ... نحو المنزل الخالي
وكتب مؤلف الكتاب إلى المجلس العالي آنسه الله في يوم أخذ فيه دواء
يا مالكا حاز أصله الشرفا ... فلم يدع منه للوري طرفا
لما أخذت الدواء والطالع الس ... عد على العزم منك قد وقفا
صقلت سيف العلي وصفيت تبر ... السمجد والعيش منك صفا
لا زلت تحسو السرور في مهل ... وتنفض اليهم عنك والدنفا
والعرب تقول لا رأى لحاقن ولا لحاقب - والحاقن - كناية عمن به بول -
والحاقب - كناية عن الذي احتاج إلى الخلاء فلم يتبرز شبه بالبعير الحاقب
الذي دنا الحقب من قبله فمنعه ان يبول.. وقد ملح منصور الفقيه في الكناية
عن الحدث بقوله
تنبه فجسمك من نطفة ... وأنت وعاء لما تعلم
" فصل في الكناية عن المكان التي تقضي تلك الحاجة اليه " يكنى عنه بالحش
وهو البستان وبالمستراح والمبرز والمذهب والمتوضأ والميضاء.. وما أحسن ما
سمعت في ذلك وأصدقه قول أبي الفتح البكتمري
أحق بيت من بيوت الورى ... يصونه قدما واستاره
بيت إذا ما زاره زائر ... فقد قضى أعظم أوطاره
يدخله المولى بخزكما ... يدخله العبد باطماره
وهو إذا ما كان مستنظفا ... مروة الانسان في داره
وعلى ذكر الكنايات عن ذلك المكان فقد اعترضت حكاية كتبها إلى ابو
سعد دوست باسناد له عن الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الوليد الزبيري
قال قدم رجل من بني هاشم المدينة ومعه جاريتان مغنيتان وبلغه ان بها رجلا
مضحكا فبعث اليه وأحضره وسقاه نبيذاً قد القى اليه سكر العش وهو يسهل
البطن وتناوم الهاشمي وغمز الجاريتين فلما شرب المضحك ثلاثا حركته بطنه
فقال ما أحسبهما الا مكيتين فقال جعلت فدا كما اين بيت المذهب فقالت
احداهما لصاحبتها ما الذي يقول قالت يقول غن لي
ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقا طول هذا التجنب
فصبر على مكروه عظيم ثم قال ما احسبهما الا بصريتين فقال جعلت فداكما اين
بيت الخلا فقالت أحدهما للاخرى ماذا يقول قالت يقول غني
اضحت خلاء واضحي اهلها احتملوا ... اخنى عليها الذي اخني على لبد
قال فصبر على امر عظيم واظلم ما بين عينيه فقال ما احسبهما الا كوفيتين
فقال فديتكما الا تسمعان اين بيت الحش فقالت احداهما للاخرى ماذا يقول
قالت يقول غنى
اوحش الحنبذان فالدير منها ... فقراها فالمنزل المحصور
فقال المضحك ما فهمتا عني وصبر على أشد ما يكون وانفتح بطنه وضاقت حيلته
فقال هما البتة مد نيتان فقال فديتكما أين بيت الكنيف فقالت احداهما
للاخرى ماذا يقول قالت يقول غني لي
تكنفني الهوي طفلا ... فشيبني وما اكتهلا
فقال يا زانيتان أنا اخبركما ما هو فقام رافع ثوبه وسلح عليهما وملأ
المجلس فانتبه الهاشمي وقال ويحك ما صنعت قال اقعدت معي هاتين الزانيتين
ما يحسبان الكنيف الا الصراط المستقيم فهما ينفسان على بان يدلان عليه قال
أفتفسد على ثيابي فقال والله ما افسدت على من بطني أشد مما أفسدت من مجلسك
" وأنا " اختم هذا الفصل بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكناية عن
الاحداث في الشوارع وطرق المارة وهو قوله عليه الصلاة والسلام اتقو
الملاعن وأعدوا السبل
الباب الرابع
الكناية عن المقابح والعاهات والمثالب
" الفصل الأول في القبح والسواد " إذا كان الرجل قبيح الخلقة مشوه الصورة قيل في الكناية عنه له قرابات باليمن لان القرود تكثر بها " ومن مليح " الكناية عن القبح قول أبي نواسوقائلة لها في وجد نصح ... علام هجرت هذا المسهاما
فكان جوابها في حسن مس ... أأجمع بين هذا والحراما
وهذا كقولهم حشفا وسوء كيله.. فاذا كان شديد الادمة مع الدمامة قيل كأن وجهه قمر الثلاثين..ويستحسن لنصيب قوله في الكناية عن سواد بناته في كلام خاطب به عمر بن عبد العزيز ياأمير المؤمنين قد بليت ببنات لي أنفقت عليهن من ضيفي فكسدن فرق له ووصله وفي نصيب قيل
أخ لي من بني حام بن نوح ... كان جبينه حجر المقام
" ويحكى " في قصة طويلة لسكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم انما أمرت باخراج الفرزدق عن دارها وقالت والله انه لا يدخل علي حتى يشيب الغراب فتلطف الفرزدق واحتال وقال لنصيب هل لك أن تدخلني عليها وتأخذ صلتها قال نعم فأستأذن الحاجب لنصيب فاذنت له ودخل الفرزدق على أثره فلما رأته سكينة قالت ياخبيث قد خنتني فقال ياسيدتي قد قلت حتى يشيب الغراب وهذا والله الغراب قد شاب أراد سواد وجهه وبياض شعره فقال نصيب قد علمت انه لا يريد بي خيراً ثم كفرت عن يمينها وأجزلت صلتهما ولم يكن أحد عن الممدوح الاسود بأحسن وأبدع من كناية المتنبي عن سواد كافور الاخشيد بقوله
فجاءت بنا انسان عين زمانه ... وخلت بياضا خلفها واماقيا
فانه جمع الي حسن الكناية حسن التنبيه وجودة التفضل وابدع ما شاء " فصل في الثقل والبرد " حدثني أبو جعفر محمد بن موسي الموسوي قال دخلت يوماً إلى الشيخ أبي نصر بن أربد ببخاري وعنده علوي مبرم تأذى بطول جلوسه وكثرة كلامه فلما نهض قال لي أبو نصر ابن عمك هذا خفيف على القلب فقلت له نعم مساعدا له على رأيه فتبسم ضاحكا من قولي وقال لي أراك لم تفطن للغرض فما ذلت أفكر حتى وقع لي انه أراد خفيفا مقلوبا وهو الثقيل وهذا المعنى أراد سعد دوست بقوله
وأثقل من قد زراني وكأنما ... تقلب في أجفان عيني وفي قلبي
فقلت له لما برمت بقربه ... أراك على قلبي خفيفا على القلب
وكان الناصر العلوي الاطروش إذا كلمه الانسان فلم يسمعه قال له يا هذا
ارفع صوتك فان بادني بعض ما بروحك يكنى عن الثقل " ونظر " بديع الزمان إلى
انسان بارد طويل فقال أقبل ليل الشتاء فاته طويل بارد " ودخل " ابن ابي
أيوب إلى ابن حدار يعوده وقد اقشعر فقاله ما تجد فديتك قال أجدك يكنى عن
البرد " فصل " في الكناية عن الداء الذي لا دواء له الا بمعصية الله يقال
فلان يخبأ العصا وفلان عصي موسى لانها تلقف ما يأفكون وفلان يخبأ العصى في
الدهليز الاقصى " وحدثني " أبو نصر سهل بن المرزبان قال قال بغض بني هاشم
لابي العيناه بلغني انك تخبأ العصى فقال له وتدعونها تظهر وانشدني الطبري
لنفسه في اللجام
رأيت للجام في خلقه ... للشعر تطبيقا وتجنيسا
تخوة فرعون ولكنه ... جانس في حمل العصي موسى
وغش ابليس ولكنه ... خالف في السجدة ابليسا
ويقال فلان ممن يخر للاذقان " وهو " اسجد من هدهد وفي ذلك يقول بعض العصرين
أرسلت في وصف صديق لنا ... ماحقة الكنية بالمسجد
في الحسن طاووس ولكنه ... اسجد في الخلوة من هدهد
وفلان غراب لانه يوارى سوءة أخيه قال منصور الفقيه
ان في امر أحمد بن الطحاو ... ى وفي امر عرسه لعجابا
طلقت نفسها عشية زفت ... واباحته خمرها والثيابا
قيل ما باله فقالت غراب ... هل شرطتم على بعلا غرابا
ومن ملح الصاحب في هذه الكناية قوله ويروى لغيره
له قراح في سراويله ... يزرع فيه قصب السكر
" وقوله "
قد حضر الجامع مع رقة ... احدثها العالم في دينه
والله ما يحضره مسرعا ... الا ارتياحا لا ساطينه
" وقوله "
شاهدته بالامس قد حمل العصى ... فسألته عنها ليوضح عذرا
فاجابني اني بها متشايخ ... هذا ولي فيها مآرب أخرى
" وقوله "
والله ما أتخذ الكتابة حرفة ... الا لحب الدرج والافلام
وأنشدني الاستاذ الطبري لنفسه من قصيدة
وقال انا المليك فقلت حقا ... بقلب اللام نونا في الهجاء
ولم أر من أداة الملك شيئا ... لديك سوى احتمالك للواء
وأنشدني أيضا من أخرى
فلم تضحى على الاسلام سيفا ... وأنت كما علمت من العمود
وتزهد في الصلاة وفي ذويها ... ولكن لست تزهد في السجود
ويروي ابن الاحوص نظر إلى الفرزدق وهو على بغل فقال له يا أبا فراس بغلك
على خمس فقال الخامسة احب اليك وكان الاحوص يرمي بالابنة " ومن " جيد
التعريض بها قول عمرو بن بابة
أقول وقد مر عمرو بنا ... فسلم تسليمة خافية
لئن تاه عمرو بفصل الغنى ... لقد فضل الله بالعافية
" فصل في الكناية عن البرص " كان جزيمة ابرص فكنى عنه بالوضاح والابرش
ولما برص بلعا بن قيس قيل له ما هذا فقال سيف الله جلاه ويروي حلاه بالحاء
وتشديد اللام " وممن " كنى عن البرص بالوضح رجل من بني نهشل حيث قال
نفرت شودة مني اذ رأت ... صلع الرأس بجلدي والوضح
هو زين لي في الوجه كما ... زين الطرف تحاسين الفرح
وقال ابن حسا في الكناية عنه بالبياض
لا تحسبن بياضا فيه منقصة ... ان اللهاميم قي أقرانها بلق
" ولبعضهم "
أخو لخم أعارك منه ثوبا ... هنيئا بالقميص لك الاجد
وأخو لخم هو جذيمة الابرش وكان رجل أبرص اليد يخضبها ليكون أخفى لمل بها
فسئل غلامه عما يصنع فقال يداوي العاج بالمزاج " فصل في الكناية " عن عدة
عاهات يكنى عن الاعمي بالمحجوب وفي ذلك يقول عثمان بن الوليد بن عتبة
لعمري لئن أمست على عماية ... لقد رزىء الابصار قبلي الاكارم
وقد عاش محجوبا أمية وابنه ... أبونا أبو عمرو وحرب وهاشم
ولما أراد للمتوكل أبا العيناء على منادمته فال له يا أمير
المؤمنين أنا محجوب والمحجوب يجور قصده ويقبل على من لا يقبل عليه وكل من
في مجلسك يخدم وأتا أحتاج أن أخدم فيه " ويكنى " عن الاعور بالممتع وعن
الذي في عينه نقطة بياض بالكوكبي والمكوكب وعمن بوجهه أثر بالمشطب " وما "
أحسن ما كنى عوف بن محلم عن الصمم بقوله
ان الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
" فصل في البخل " يكنى عن البخيل بالمقتصد ويقال فلان نظيف المطبخ وفلان
نقي القدر قل الشاعر
بيض المطابخ لا تشكو إمائهم ... طبخ القدور ولا غسل المناديل
" وقال آخر
مطبخ داود في نظافته ... أشبه شيء بعرش بلقيس
ثياب طباخه إذا اتسخت ... أنقى بياضا الفراطيس
أبو نواس
رأيت قدور الناس سودا من الصلى ... وقدر الرقاشبين بيضاء كالبدر
وقال الجماز لرجل رحم الله أباك فقد كلن نظيف منديل الخوان قال الاستاذ
الطبري
فتى محتصر المأكو ... ل والمشروب والعطر
نقى الخبز والقص ... عة والمنديل والقدر
قليل النمل والذبان ... والجرذان والهر
وفي ذكر قلة الجرذان تقول اعرابية لبعض الخلفاء أشكو قلة الجرذان فقال ما
أحسن هذه الكناية لاكثرن جرذانك وأمر لها بطعام كثير ومال ومن نادر
الكناية عن البخل بالطعام قول حمير وقد سئل عمن يحضر مائدة محمد بن يحيى
فقال أكرم الخلق والأمهم يعنى الملائكة والذباب وليس بالبارد قول حماد عجرد
زرت أمرأ في بيته ما جدا ... له حياء وله خير
يكره أن يتخم أضيافه ... ان اذى التخمة محذور
ويشتهي أن يؤجروا عنده ... بالصوم والصائم مأجور
ومن ذلك قول الآخر
على أبوابه أي وجه ... قصدت له أخو مر بن اد
ومما يستحسن في هذا الباب قول ابن طبا طبا العلوي
وكاتب حاسب ان رمت ملتمسا ... ما في يديه إذا ما رحت مجتديه
أضاف تسعين تقفوها ثلاثها ... إلى ثلاثة آلاف وتسعمايه
وقوله في هذه الكناية بعينها
ان رمت ما في يديك مجتديا ... أوجئت أشكو اليك ضيق يدي
عقدت لي باليسار أربعة ... مقبوضة سبعة من العدد
" فصل في الكناية " عن جملة من المعائب والأخلاق المذمومة إذا كان الرجل
جاهلا قيل فلان من المستريحين لقولهم استاح من لا عقل له " فاذا كان "
سليم الناحية ابله قيل فلان من أهل الجنة لان النبي صلى الله عليه وسلم
يقول أكثر أهل الجنة البله " فاذا كان " أحمق قالوا نعته لا ينصرف وأنشدني
" أبو الحسن الشهرزوري قال أنشدتي أبو الحسن اللجام لنفسه في ابن مطران
الشاشي لما صرف عن بريد الترمذية
قد صرفنا وكل من ... قبلنا فهو منصرف
وصرفنا بشاعر ... نعته ليس ينصرف
فاذا كان فضوليا داخلا فيما لا يعنيه متكلفا مالا يلزمه قالوا هو وصي آدم
وقد توضع هذه الصفة موضع المدح كما قال الشاعر
وكات آدم حين حم حمامه ... وصاك وهو يجود بالحوباء
ببليه أن ترعاهم فرعيتهم ... وكفيت آدم غلة الابناء
فاذا كان وقحاً قالوا هناك درقة وحدقة ووجنة مطرقة " وهذه " اللفظة للصاحب
من كتاب له إلى ابي العباس الضبي في ذكر ابي الحسن الجوهري الشاعر فاذا
كان قليل الدماغ قالوا فلان فارغ الغرفة قال الشاعر
صاحبنا احواله عاليه ... لكنما غرفته خاليه
فاذا كان كثير الطيش قالوا احضر معه وتدا " فاذا " كان كذوبا قالوا
الفاختة عنده ابو ذر وهذه اللفظة عذبة من ملج الصاحب ولم اسمع في معناها
احسن وابلغ منها لان الفاخته يضرب بها المثل قال الشاعر
اكذب من فاخته ... تقول وسط الكرب
والطلع لم يبدلها ... هذا اوان الرطب
وابو ذر الغفاري من يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما أظلت الخضراء
وما اقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر " ومن " كناياتهم عن الكذب فلان
يلطم عين مهران " ومهران " رجل يضرب به المثل في الكذب " فاذا " كان ملولا
قيل فلان من بقية قوم موسى كما قال
اراك بقية من قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام
فاذا كان كثير التكلف والبذخ قالوا فلان يكثر الزعفران يشبهونه بالقدر
المتكلف لها فاذا كان جميل المنظر ولا طائل عنده قالوا فلان فلوذج السوق
قال الحجاج
وكما صديق يروق عيني ... في قالب الحسن واللباقة
ليس له في الجميل رأي ... ولا يفعل الجميل طاقة
كانه في القميص يمشي ... فلوذج السوق في رقاقة
" فاذا " كان الردئ الخط قالوا فلان خطه خط الملائكة لان اجود الخط ابينه
وارداه على الضد وخط الملائكة غير واضح للناس " وسمعت " ابا القاسم بن
الحسن الطراني الفقيه يقول سمعت ابا محمد يحيى بن محمد العلوي يقول انما
قيل ذلك لان اردأ الخط الرقم وخط الملائكة رقم كما قال الله تعالى كتاب
مرقوم يشهده المقربون " فاذا كان " لقيطا لا يعرف له اب قالوا هو من تربية
القاضي ومن موالي النبي صلى الله عليه وسلم لان القاضي يأمر بتربية
اللقطاء والانفاق عليهم من اللقط على اعمال البر والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول انا مولى من لا مولى له وهذا المعني اراد ابا نواس بقوله
وجدنا الفضل اكرم من رقاش ... لان الفضل مولاه الرسول
ويحكى ان رجلاً يتهم بالدعوة قال لابي عبيدة لما اتهم بكتاب المثالب أتسب
العرب جميعاً قال وما يضرك أنت من ذلك يعني انه ليس منهم " فاذا " ادعى
النسب في هاشم وهو دعى قالوا هو ابن عم النبي من الدلدل وهي بغلته اي
قرابة ما بينهما كقرابة ما بين النبي وبين البغل وفي ذلك يقول ابو سعد دوست
فديتك ما أنت من هاشم ... وما أنت من احمد المرسل
فان قلت أني ابن عم النبي ... فانت ابن عم من الدلدل
واملح ما سمعت في الكناية عن الدعوة وكذب النسبة قول ابي الفتح كشاجم
شيخ لنا من مشايخ الكوفة ... نسبته في العراق موصوفة
اي مزورة لان المزورة موصوفة للعليل " فاذا كان " ملحدا قالوا فلان حر وهو
من الاحرار يكنون عن انه خارج عن ربقة الشريعة " وربما " كنوا بالخراط اذ
يقال لكلاب مكة الخراطة لان تخرط قلائدها وغدرها فكان الملحد بلا دين كما
ان كلاب مكة بلا غدر " ولابي " دلف الخزرجي قصيدة في مناكاة بني ساسان
ووصف طبقاتهم وفيها في ذكر ملحديهم
رجال فطنوا للنقل ... والاعلال والامر
خليجيون ما حاضوا ... ولا باتوا على طهر
الخليجي الذي لا يغسل استه ما حاضوا اي ما تطهروا رأوا من حكمة خرط
القلادات مع الغدر واهل بغداد يقولون لمن ألحد فلان قد عبر يعنون انه قد
عبر جسر الاسلام وقيل لبعضهم هل عبرت فقال ولدت في ذلك المكان يكنى عن انه
لم يزل كذلك فاذا كان نذلاً خسيساً قيل هو ثامن أصحاب الكهف لان الله
تعالى يقول في قصتهم وثامنهم كلبهم " فاذا " كتنوا في عداد البهائم
والانعام قالوا كما قال الشاعر
الست من ذكر الذي ذكره ... في سورة الجمعة والنحل
يعني قول الله تعالى في سورة الجمعة كمثل الحمار يحمل اسفارا " وفي " سورة
النحل والخيل والبغال والحمير لتركبوها " فاذا كل " اكولاتهما قالوا فلان
ملتهب المعدة وكان في أحشاءه معاوية " فاذا كان " سيئ الادب في المؤاكلة
قالوا تسافر يده على الخوان ويرعى ارض الجيران " فاذا كان " خفيف اليد في
الطر والسرقة قالوا هو أخذ يد القميص ويد القميص هو الكم والسارق يقص كمه
ويخففه ليكون أقدر على عمله قال الفرزدق في عمرو بن هبيرة
أوليت العراق وساكنيه ... فزارياً أخذ يد القميص
وقال ايضاً هو من ابيات المعاني
أظنك مفجوعا بربع منافق ... تلبس أثواب الخيانة والغدر
وانما كنى عن ان يمينه تقطع فيذهب ربع اطرافه " فاذا كان " غير نظيف البدن
مغفلا لتعهده قالوا فلان أظفار حمى وازرة مرعي ومستجاد لابي نواس قوله
من ينأ عنه مصاده ... فمصاد زنبور ثيابه
" وللصاحب "
وحوشه ترتع في ثوبه ... وظفره يركب للصيد
" ومن " كنايات العامة في هذا المعنى قولهم يعرض الجند " وقذ " أجاد سعيد
بن حميدفي الكناية عن الصنان بقوله البي هفان
أمسى يخوفني العبدي صولته ... وكيف آمن بأس الضيغم الهصر
من ليس يحرزني من سيفه أجلى ... وليس يمنعني من كيده حذري
له سهام بلا ريش ولا عقب ... وقوسه أبدا عطل من الوتر
فكيف آمن من القى له عرضا ... وسهمه صائب يخفى عن البصر
وسمعت بعض العجائز تكنى عن الصنان برائحة الشباب " فاذا كان " قوادا قالوا
فلان يجمع شمل الاحباب وفلان يأتي الحبيب " وقد يكنى " به أيضاً عن الرقيب
" فاذا كان " حاذقا قالوا فلان حاذق بالقيادة يجر واحداً بشعرة ويؤلف ما
بين الضب والنون " فاذا كان " اما حسن اللبة واما حسن الصورة وليس وراءه
حاصل ولا لديه طائل قالوا ليس وراء عبادان قرية أنشدني الاستاذ الطبري
لننفسه في أبي سعد دوست بن ملة الهروي
أبو سعد له ثوب مليح ... ولكن حشو ذاك الثوب خريه
فان جاوزت كسوته اليه ... فليس وراء عبادان قرية
فاذا كان لغير رشدة قالوا ابوه قصير الحائط قال الصاحب من ابيات
فمهد على نصبه عذره ... فحيطان دار ابيه قصار
فاذا كان به جنة قالوا فلان مكتوب القميص لان المجنون قد يكتب على قميصه
لا يباع ولا يهب وفي الكناية عن الكشحان يقول أبو سعد بن دوست
ومخالف للحق غير محالف ... للصدق عبد تناظر وحجاج
ترك الحجاج إلى اللجاج فقلت يا ... رجز الدجاج ومنزل الحجاج
وسمعت ابا الفضل عبد الله بن احمد الميكالي يقول قال أبو عبيدة العارضة
كناية عن البذل يقال فلان شديد العارضة والاقتصاد كناية عن البخل فاذا
قالوا غلامك مستعص فتلك كناية عن الجور وقال شريح الحد كناية عن الجهد
والمشقة " فصل في الكناية " عن ذم الشعراء والشعر إذا كان الرجل متشاعرا
غير شاعر قالوا فلان نبي الشعر لان الله تعالى يقول في نبيه صلى الله عليه
وسلم وما علمناه الشعر وما ينبغي له قال مخلد الموصلي
يا نبي الله في الشع ... ر ويا عيسى بن مريم
أنت من أشعر خل ... ق الله ما لم تتكلم
يغنون قول الشاعر
الشعرا فيما علمنا اربعة ... فشاعر يجري ولا يجري معه
وشاعر ينشد وسط المجمعه ... وشاعر من حقه ان تسمعه
وشاعر من حقه ان تصفعه
واياه عني من قال
يا رابع الشعراء فيم هجوتني ... أحسبت اني مفحم لا أنطق
ولبعض أهل العصر
قولا لشاعرنا الثقيل الأول ال ... مربى بطلعته على الرقباء
يا ثاني الموت الزؤام وثالث ... حسين انك رابع الشعراء
فاذا كان بارد الشعر قالوا فلان من آل الصيف قال الجماز في ابي السمط
ان ابا السمط ؟؟ ... وشعره من آله الحر
طوبى لمن في الصيف يروى له ... خمسة ابيات من الشعر
وقال ابن وريق الكوفي في شعر الصولي
داري بلا خيش ولكنني ... أعقد من خيشي طاقين
دار إذا ماشتد حري بها ... أنشدت للصولي بيتين
وقال احمد بن طاهر في الفتح بن خاقان وقد اعتل من حرارة
ما دواء الامير فتح بن خاقا ... ن ؟؟ هذا الزمان
ودواء الامير ان ينشدوه ... بعض ما ؟؟ أبو هفان
وقيل للعتابي قد فلج أبو مسلم الخلق فقال لعله أكل من شعره " واجتمع " قوم
من الشعراء على فالوذجه حارة فقال أحدهم للأخر منهم كأنها مكانك من النار
فقال يصلحه بيت من شعرك " وقيل " للاستاذ طبري شعر فلان ؟؟ ولكن كماء
البئر في الصيف وانما أخذه من قول ابن الرومي
أنت عندي كماء بئرك في الصيف ... ثقيل ؟؟ برد شديد
" وأنشدتني " أبو الحسن الحميري لنفسه في الكناية عن شعر ردى غير سائر
لنا صديق شعره داجن ... لا يألف الاسفار والغربة
لكنني اسمعه راعيا ... لحقه في قدم الصحب
" فصل في السؤال والكدية "
أول من كنى عن السؤال خالد بن برمك وكان عبد الله بن شريك
النميري صار اليه في جماعة من أهل السوتات يستمحونه وكان الزوار يسمون
السؤال فقال خالد انا والله استقبح لهم هذا الاسم وفيهم الاشراف والاجواد
ولكنما نسميهم الزوار فقال له عبد الله والله ما ادرى اميرتنا منك أجل أو
صلتنا أم تسميتنا وقال في ذلك يزيد بن خالد الكوفي المعروف بابن حبيبات
حذا خالد في جوده حز وبرمك ... فمجد له مستطرف وأثيل
وكان بنو الاعدام يعزون قبله ... إلى اسم على الاعدام فيه دليل
يسمون بالسؤال في كل موطن ... وان كان فيهم نابه وجليل
فسماهم الزوار سترة عليهم ... وذلك من فعل الكرام نبيل
وذكر الصولي هذا الخبر لغير خالد باسناد له ان المساور بن النعمان لما ولي
كور فارس أتاه الناس فقيل له قد اجتمع سؤالك فقال ما أقبح هذا من اسم
هؤلاء الزوار فسموا به من ذلك اليوم وفيه يقول زياد الاعجم
ان المساور أعطي في عطيته ... سؤاله أحسن الاسماء للبشر
كانوا يسمون سؤالا فصيرهم ... دون البرية زوار ولم يجر
ويقال فلان من أصحاب الجراب والمحراب وفلان من قراء سورة يوسف لان قراء
السؤال يستكثرون من قراءتها في الاسواق والمجامع والجوامع لانها أحسن
القصص قال محمد بن وهب
لئن كنت بالاشعار والنحو حافظا ... لقد كنت من قراء سورة يوسف
ويقال فلان خليفة الخضر إذا كان جوالاً في الاسفار جوابا للبلاد في الكديه
" وقد " يوصف بهذه الكناية من تكثر نهضاته وتتصل حراكاته وان لغير
الاستماحه ورؤي بعضهم يسأل في قرية فقيل له ما تصنع فقال ما صنع موسى
والخضر يعني انهما استطعما أهل قرية " وحدثني " نصر بن سهل بن المرزبان
قال ولد لابي العيناء ابن فاتاه ابو علي البصير مهنئاً له فقال اي وقت
فارق امه فقال وقت الصبح عند ضرب الدبادب فقال ابو علي ارجو ان يعرفك الله
بركته فما أخطى وقته يريد ان السؤال انما ينتشرون في ذلك الوقت للكديه "
ويقال " سأل رجل بعض المتجملين فقال له المسؤل باطننا كظاهرك والبستان كله
كرفس يعني انه كهوفي الخصاصة والحاجة الى السؤال " وكتب " بعض البلغاء في
اقتضاء ميرة لرجل فلان مقيم على انتظار جوابه وثمرة ايجابه يكنى عن الصلة
بثمرة الايجاب وأحسن جدا " وقلت " انا في الكتاب المبهج من جلب در الكلام
حلب در الكرام " فصل في الكناية عن الفقر وسوء الحال " " يقال " فلان قد
لبس شعار الصالحين اي افتقر " ويقال " فلان رقت حاشية حاله وداره تحكى
فؤاد ام موسى ويقرء سورة الطارق اي ليس بري فيها سوي السماء والنجوم "
ويقال " جاءنا فلان في قميص قد أكل عليه الدهر وشرب وجبة تقرأ إذا السماء
انشقت " وفلان " وطاؤه الغبراء وغطاؤه الخضراء إذا كان لا يستتر من الله
بشئ " ودخل " بو الحسن محمد بن عبد الله المعروف بابن سكرة حمام موسى
ببغداد فسرقت نعله فقال
تكاتفت اللصوص عليه حتى ... ليحفى من يسلم به ويعرا
ولم أقصد به ثوبا ولكن ... دخلت محمدا وخرجت بشرا
يعنى بشرا الحافي " فصل في الكناية عن الصفع " كان أبو هفان يقول انا لا
أمزح الا باليدين والوالدين يكنى عن الصفع والشتم ومن أبلغ ما سمعت في
الكناية عن الصفع قول اسماعيل السبحي في أبي نواس
ولما تصدى لاعراضنا ... ولم يك في عرضه منتقم
كتبنا الهجاء على أخدعيه ... بمزدرج من اكف الخدم
ومما استظرف قول ابن لنك في أبي رياش
أصابعه من الحلواء صفر ... ولكن الاخادع منه حمر
" وقوله "
لم أقبل فاه لكن ... قبلت كفى قفاه
واستحسن قول منصور الفقيه
يا من يراني والبرية ... كلها في العلم دونه
صن ما تزر عليه طو ... قك ان بدا لك ان تصونه
واستجيد ما أنشدنيه أبو بكر الخوارزمي لبعضهم في انسان وقح صفعان
سلاحه في وجهه ... وماله في هامته
فكل ما يملكه ... يجمع في عمامته
وما ألطف قول السرى الموصلي في الكناية عن الصفع
قوم إذا حضر الملوك وفودهم ... نفضت عمائمهم على الابواب
ولم ير في هذا المعنى أملح مما أنشدنيه أبو الحسن علي بن أحمد بن
عبدان لابن سكرة في ابن قريعة
رأيت قلنسوة تستغيث ... من فوق رأس تنادي خذوني
وقد قلقت فهي طور ا تميل ... من عن شمال ومن عن يمين
فقلت لها ما الذي قد دهاك ... فقالت مقال كئيب حزين
دهاني ان لست من قالبي ... وأخشي من الناس أن ينكروني
وان يأخذوا في مزاج معي ... وان فعلوا ذاك بي قطعوني
" فصل في الكناية عن الصناعات الدنية " سئل الشعبي عن رجل خطب امرأة فقال
انه لين الجلسة نافذ الطعنة فزوج فاذا هو خياط وحكي الجاحظ عن النظام انه
كان يكنى عن الحائك باخصر البطن يعني أن الخسف قد خصر بطنه " وسئل " حجام
عن صناعته فقال أنا أكتب بالحديد وأختم بالزجاج " ومن أحسن " ما سمعت في
هذه الكناية ما يحكى أن الفرزدق دخل على بلال بن ابي بردة وهو في ذم مضر
ومدح اليمن فقال الفرزدق ان فضل اليمن لا يدفع سيما الواحدة التي بان بها
أبو موسي فقال بلال ان فضائل ابي موسى كثيرة فايها تعني فقال بنفسه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه دمه يعني انه كان حجمه في بعض
اسفاره فقال بلال اجل قد فعل ذلك برسول الله ولم يفعل بأحد قبله ولا بعده
فقال الفرزدق ان الشيخ كان اتقى لله واعلم به من ان يقدم على نبيه بغير
حذق فسكت بلال وحقدها على الفرزدق وعدت في جوابات الفرزدق المسكتة " ومن
نادر " ما كنى به عن الحجام ومشهوره قول عتبة الاعور لابراهيم بن سيار
يا بن الذي عاش غير مضطهد ... يرحمك الله أيما رجل
له رقاب الملوك خاضعة ... من بين حاف ومنتعل
أبوك أو هي النجاد عاتقه ... كم من كمى أدمي ومن بطل
يأخذ من ماله ومن دمه ... لم يمس من ثائر على وجل
بكفه مرهف يغلبه ... يقطع أعناق سادة نبل
وأخذ الطائف بالكوفة رجلا فقال له من أنت فانشد
انا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وان نزلت يوما فسوف تعود
تري الناس أفواجا إلى باب داره ... إذا ما مضى وفدائته وفود
فخلى عنه وحسبه ابن بعض الاشراف فاذا هو ابن باقلاي " وانشدني " أبو الفضل
الميكالي لابي بكر العلاف في الزجاجي النحوي
لك ود قد جبرنا ... ه فاعيانا صدوعه
فاذا ودك مما ... كنت بالامس تبيعه
" الباب الخامس " " في الكناية عن المرض والشيب والكبر والموت " " فصل في
المرض " هذا الفصل مقصور على الفاظ البلغاء من أهل العصر في الكناية عن
المرض يقع في فصول هذا الباب " فمنها " قولهم خمشه الزمان وهو من قول ابي
الطيب المتنبي لسيف الدولة
تخمشك الزمان هوى وحبا ... وقد يؤذي من المقة الحبيب
" ومنها " قولهم عرضت له فترة أصابت عوده اشتكي الكرم لشكايته عرض له ما
يجعله الله تمحيصا لا تنغيصا وتذكيراً لا نكيراً وأدبا لا غضبا عرض له ما
يمحو ذنوبه ويكفر سيئاته " وكنى الصاحب " عن الجرب بقوله لابي العلاء
الاسدي من أبيات
أبا العلاء مليك الهزل والجد ... كيف النجوم التي تطلعن في الجلد
وسمعت الاستاذ الطبري يقول في ذكر مريض شارف التلف قد اختلف اليه رسل ابي
يحيى " وكتب " ابو منصور الشيرازي في ذكر اشتداد علة بعض الرؤساء طالع
الكرم يترنح يترجح نجمه بين الاضاءة والأفول وتميل شمسه بين الاشراق
والغروب " فصل في كناياتهم عن الشيب " أقبل ليله نور غصن شبابه ذرت يد
الدهر كافورا على مسكه فصص انبوبه لاح الاقحوان في بنفسجه " وأحسن " هذا
كله قول الله عز اسمه وجاءكم النذير وينشد أصحاب المعاني قول بعض العرب
ولما رأيت النسر عز ابن دأية ... وعشش في وكريه جاشت له صدري
والنسر كناية عن الشيب وابن دأية الغراب وكني به عن الشباب " فصل في
كنايتهم عن الاكتهال " استبدل بالادهم الابلق وبالغراب العقعق ارتاض بلجام
الدهر تفض غبرة الصبي ولبي داعية الحجى تجلل ملابس أهل العقول أدرك زمان
الحنكة " فصل في كنايتهم عن الشيخوخة "
والكبر والهرم ومشارفة الموت قد فسح له في المهل قد تصاعفت عقود
عمرة تناهت به السن قد صحت الايام الحاليه فلان شمس العصر على القصر قد
بلغ ساحل الحياة ووقف على ثنية الوداع واشرف على دار المقام وكاد يلحق
باللطيف الخبير " ولما " سقطت ثنية معاوية في الطست اشتد جزعه فقال له ابو
الاعور السلمى خفض عليك يا أمير المؤمنين فو الله ما بلغ أحد سنك الا نقض
بعضه بعضاً " فصل في الكناية عن الموت " استاثر الله به أسعده الله بجواره
نقله الله إلى دار رضوانه ومحل غفرانه كتبت له سعادة المحتضر وافضت به إلى
الامر المنتظر اختار الله له النقلة من دار البوار إلى محل الابرار وانا
استحسن قول المرقش الاكبر
ليس على طول الحياة من ندم ... ومن وراء المرء ما يعلم
وحدثني أبو نصر سهل بن المرزبان قال دخل ابن مكرم إلى ابي العيناء عائداً
فقال له ارتفع فديتك قال رفعك الله اليه اي اماته " وتولع " رجل ببعض
الظرفاء فقال له رأيتك تحتي قال مع ثلاثة مثلي يعني في رفع جنازته " وسمعت
" بعض الحكماء يقول في الكناية عن موت صديق له قد استكمل فلان حد الانسان
لان حد الانسان انه حي ناطق وكثيراً ما يكنون عن القبر بالتربة والمضجع
والمرقد والمشهد " فصل في الكناية عن القتل " صلى بحر مناصل قبل حر النار
وسقى الارض من دمه بطل ووابل عدم برد الحياة وذاق حر المرهفات اروى منه
غلة السيف وأحسن من هذا كله قول الله تعالى فوكذه موسى فقضى عليه اي قتله
" وحدثني " ابو النصر محمد بن عبد الجبار قال كان وزير الوقت سلم بعض
أفاضل العمال إلى ابن ابي البغل عند نهوضه إلى رأس عمله بالاهواز وامره
بتصريفه من اعماله فيما يستصلحه له ليجبر به خلل حاله فاستعمله على بعض
اموال بيت المال ثم قتله تحت المطالبة بما جمعه حكم الاستيفاء عليه وخاف
من درك الانتقام من جنايته على وديعة من لزمه شكر صنيعته فافضى الفكر إلى
تمحل ما يخرجه من عهدة بادرته ويحله من ربقة جنايته فلم يجد لذلك معنى
محيلا ولا لفظ يكون على المراد دليلا وطلب من يفحص عنه بالمعذرة ويوجب له
سبب الانفصال من تبعة تلك المعاملة على شريطة حال يعظم خطره ويظهر في سد
خصاصة الحال اثره إلى ان دل على شيخ من أرباب الصناعة قد اقعدته المحنه
واكسدته العطلة فدعاه واستنشاءه كتاب إلى الوزير في مهمات من وجوه
المعاملات ومن حديث القتل في ضم الكلام فقال له اكتب عذراً بهذا المعنى
فكتب اما فلان فان الوزير رسم باستعماله فلما استعملته استحويته فاديته
فوافق الادب الاجل فتعجب ابن ابي البغل من قدرته وسرعة فطنته وقوة خاطره
على استخلاصه ما للفظ الوجيز والمعنى المحيل عن عهدة جناياته ووصله بمال
جزيل وشغله بعمل جليل قال مؤلف الكتاب اظن الشيخ ألم في معنى ما كتبه
بتوقيع لعبد الله بن طاهر فزاد في تحسينه ولطف تهذيبه وقد كان عبد الله
ضرب بعض قواده ضرباً مبرحاً فمات منه فرفع خبره اليه فوقع ضربناه لذنبه
فمات لاجله
الباب السادس
فيما يوجبه الوقت والحال من الكناية عن الطعام والشراب
وما يتصل بهما
" فصل في الاطعمة وما يتعلق بهما "دخل الشعبي إلى صديق له فعرض عليه الطعام وقال اي التحفتين احب
اليك تحفة مريم ام تحفة ابراهيم فقال اما تحفة ابراهيم فعهدي بها الساعة
فاخرج اليه سلة رطب وانما كنى عن اللحم لان في قصته عليه الصلاة والسلام
فما لبث ان جاء بعجل حينذ وكنى بتحفة مريم عن الرطب لان في قصتها وهزى
اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً " وسمعت " ابا سعد احمد بن محمد
بن ملة الهروي يقول اجتاز المبرد بسداب الوراق وهو على باب داره فقام اليه
وسأله ان يسره بدخول منزله ومساعدته على ما حضر فقال له المبرد ما عندك
فقال يا سيدي عندي أنت وعليه انا يعني اللحم المبرد وعليه السداب فضحك منه
وأجابه " وسمعت " ابا الفضل عبيد الله بن احمد الميكالي يقول قال اعرابي
لامرأته اين بلغت قدركم فقالت قد قام خطيبها تكنى عن الغليان " وقيل "
للجماز اي البقول احب اليك فقال بقلة الذئب يعني اللحم ودخل الي يوماً بعض
الظرفاء من الفقهاء فطاولني الحديث ثم قال لي ما قبل قوله تعالى لقد لقينا
من سفرنا هذا نصباً فقلت آتينا غداءنا قال فاعمل عليه فاستظرفت هذه
النادرة وأمرت بتقديم ما يتناوله " وكان " الطبري يقول إذا رأيت النديم
يقترح ان تغني هذا البيت
خليلي داويتما ظاهراً ... فمن ذا يداوي جوى باطنا
فاعلم انه جائع يريد أن يطعم " قال " ولهذا قصة وهي أن رجلا دخل دعوة وفيه
جوع شديد فسأله المطرب عن المقترح من الغناء فاقترح هذا البيت ففطنت
لمراده جارية صاحب المنزل وقالت لمولاها أطعم الرجل فانه جائع " وقيل "
لبعضهم أي الجوارشات أحب اليك فقال جوارش الحنطة يعني الخبز " وللصوفية "
كنايات عن الاطعمة استظرفت منها قولهم يحمل الشهيد بن الشهيد وللقطائف
قبور الشهداء وللفالوذج خاتمة الخير وللارز بالسكر الشيخ الطبري بالطيلسان
العسكري وللوزينج أصابع الحور وكان الجاحظ يأكل يوما مع محمد بن عبد الملك
الزيات فجئ بفالوذجة فتولع محمد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته مارق من
الجام فأسرع في الاكل حتى نظف ما بين يديه فقال محمد ياأبا عثمان قد تقشعت
سماؤك قبل سماء الناس فقال أصلحك الله لان غيمها كان رقيقا " فصل في
الكناية عن الشراب والملاهي وما يضاف اليهما " الاصل في هذا الفصل قول
الشاعر
ألا فاسقني الصهباء من حلب الكرم ... ولا تسقني خمراً بعلمك أو علمي
أليست لها أسماء شتي كثيرة ... فهات أسقنيها واكن عن ذلك الاسم
" ويقال " استمطر فلان سحاب الانس واستدر حلوبة السرور وقدح زند اللهو
واقتعد غارب الطرب وفلان يروم دم العناقيد ويفصد عروق الدنان وينظم عقود
الاخوان وحكى الصولي قال كان خلاد ينقل أخبار أبي حفص بن أيوب الي ابن
طولون فقال له حفص يا سيدي أبا الفضل انما مجلس المدام مجمع الانسة ومسرح
اللبانة وهداد الهم ومرتع اللهو ومعهد السرور أو بما بواسطته لانك عندي
ممن لايتهم غيبه وكتب الصاحب ينشط مولانا لتناول ما يستمد السرور ويستجلب
الانس ويشرح الصدر " وكتب آخر " إذا حرم الانبساط في وجوه المطالب حل ما
يجمع شمل الاخوان ويفرق أنواع الاحزان " وكنى " عنه بعضهم باكسير السرور
وكيمياء الفرح وترياق الهموم وصابون الغموم ولحام ارحام الكرام " وكتب آخر
" عدنا لقداح اللهو فأجلناه ولمراكب السرور فامتطيناها " وذكر الطبري " في
كتاب الامثال المولدة انه يقال للسكران إذا بلغ غلية السكر قد عبر موسى
البحر " وسئل " عبيد رواية الاعشى عن معنى قول الاعشى
وسبية مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها
فقال قد سألت الاعشى عن ذلك فقال قد شربتها حمراء وبلتها حمراء والجريال
لون الخمر " ويروي " عن الشعبي انه قال ما سمعت في الكنايات والمعاريض
أحسن مما دار بين عبيد الله وبين الحارث بن بدر قال له يوما ما هذا الخدش
بوجهك فقال سقطت عن فرس لي أشقر يعني الخمر فقال أين أنت عن الاشهب الوطيء
يعني الماء " ويقال " في الكناية عن القليل الشرب فلان مسعطى وهو قول ابن
لنك
فديتك لو علمت ببعض مابي ... لما جرعتني الا بمسعط
ووحسبك ان كرما في جواري ... أمر ببابه فأكاد أسقط
وأنشدني أبو جعفر محمد بن موسى الموسوي لبعضهم
ويدعي الشرب في رطل وباطية ... وأم عنترة العبسي تكفيه
يعني زبيبة وكان اسم أم عنترة زبيبة " ومثل هذه " الكناية وان
كان من غير هذا الباب قول ابن طبا طبا
منعم الحسم يحكي الماء رقته ... وقلبه قسوة يحكى أبا أوس
يعني حجراً فوضع مكان الحجر أبا أوس وأبا أوس حجر " ثم نعاه " عليه أبو
مسلم محمد بن بحر فكتب اليه
أبا حسن حاولت ايراد قافيه ... مصلبة المعنى فجاءتك واهيه
وقلت أبا أوس تريد كناية عن ... الحجرالقاسي فأوردت داهيه
فان جاز هذا فاكسرن غير صاغر ... فمن باب القرم الهمام معاوية
يعنى صخراً وهو اسم أبي سفيان
والا نصبنا بيننا لك وقعة ... فتصبح ممنوعا بصفين ثانيه
عاد الحديث إلى شرط الفصل كتب الطبري يصف مطربا فلان طبيب القلوب والاسماع
ومحيي موات الخواطر والطباع " وقال " غيره فلان يطعم الآذان سرورا ويقدح
في القلوب نورا وكتب الصاحب اعلام الانس خافقة وألسن الملاهي ناطقة " وكتب
" أبو الفرج الببغاء قد فض اللهو ختامه ونشر الانس اعلامه " وقال " غيره
قد سمعنا ما يرفع حجاب الاذن ويأخذ بمجامع القلب ويمتزج باجزاه النفس
الباب السابع
في فنون شتى من الكناية والتعريض
مختلفة الترتيب "
" فصل في الكناية عن العزل والهزيمة وبعض الالفاظ السلطانية " قال الرشيد ليحيى بن خالد قد أردت أن أجعل الخاتم الذي الي أخي الفضل إلى أخي جعفر واحتشمت من الكتاب اليه فاكتب أنت اليه واكفتيه فكتب يحيى اليه قد رأى أمير المؤمنين أن يحول الخاتم من شمالك إلى يمينك فأجاب سمعاً وطاعة وما انتقات عني نعمة صارت إلى أخي " وكتب " عامل إلى المصروف به فألطف وطرف قد قلدت العمل بناحيتك فهناك الله بتجديد ولايتك وأنفذت خليفتي بخلافتك فلا تخله من هدايتك إلى أن يمن الله بزيارتك فأجابه بهذه الاحرف ما انتقلت عني نعمة صارت اليك ولا خلوت من كرامة اشتملت عليك واني لاجد صرفي بك ولاية ثانية وصلة من الوزير وافية لما أرجوه بمكانك من حسن الخاتمة ومحمود العاقبة " ومن " ألفاظ الكناية عن العزل قد أغمد سيف كفايته وعطل الديوان من رياسته حط عنه ثقل العمل " وقد يكنى " عن العزل بالصرف وعن المصادرة بالمواقعة وعن الهزيمة بالتراجع والتحيز كما كتب أبو اسحاق الصابي عن بختيار إلى صاحب طرف بازاء عدو وان حزبك أمر يجب الاحتراس منه عملت إلى التحيز إلى الحضرة فانها ممهدة لك غير نائية عنك " ويكنى " عن شغب العسكر باللوئة كما كتب أبو الحسن التومي عن أبي على الصغاوي وقد بدرت من الحشم لوثة أعان الله على استدراكها ومداواتها " ويكنى " عن التقييد فيقال استوثق منه بالحديد " ويروي " ان الحجاج قال للغضبان بن القبعثري لاحملنك على الادهم يكنى عن القيد فتغابي عليه وقال مثل الامير يحمل على الادهم والاشهب قال انه الحديد قال لان يكون حديدا أحب إلى من أن يكون بليدا " ويكنى " عن الرشوة بصب الزيت في القنديل " وربما " قيل لذلك القندلة " وكان " يحيى بن خالد ولي ديوان الخراج رجلاه من أهل خراسان يقال له أبو صالح فارتشى فعزله وولى مكانه سعدان بن يحيى فقيل فيهصب في قنديل سعدا ... ن مع التسليم زيتا
وقناديل بنيه ... قبل أن يخفى الكميتا
فعزله يحيى وأعاد أبا صالح فقيل فيه
قنديل سعدان على ضوئه ... فرخ لقنديل أبي صالح
تراه في مجلسه أحولا ... من لمحه للدرهم اللائح
وفي هذه الكناية أنشدت لابن لنك
أقول لعصبة بالفقه صالت ... وقالت ما خلا ذا العلم باطل
أجل لاعلم بوصلكم سواء ... إلى مال اليتامى والارامل
أراكم تقلبون الحكم قلبا ... إذا ما صب زيت في القنادل
وسمعت أبا زكريا يحيى بن اسماعيل الحربي يقول قد كنى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه عن استخراج الخراج والعشر وسائر حقوق بيت المال بقوله
وأدروا لقحة المسلمين أدار بلقحتهم درة الفيء والخراج التي منها عطاياهم "
ومن ذلك " أن سيدنا عثمان بن عفان لما ولي الخلافة عزل عمر ا بن العاص عن
مصر وكان اميرا عليها من يوم فتحها في خلافة الفاروق إلى أن ولى عثمان
وولي مكانه عبد الله بن سعد بن ابي سرح فارسل الخراج لسنة أربعة عشر ألف
ألف دينار وعمرو بن العاص حاضر اذ ذاك عند عثمان وكان عمرو يرسلها ثلاثة
عشر ألف ألف دينار فقال عثمان قد درت اللقحة يا عمرو قال نعم يا أمير
المؤمنين ولكنكم أجحفتم بفصالها " فصل في الكناية عما يتطير من لفظه "
يكنى عن اللديغ بالسليم وعن الاعمى بالبصير وعن المهلكة بالمفازة وعن ملك
الموت بأبي يحيى وقد ظرف الصاحب في وصف أخوين مليح وقبيح حيث قال
يحيى حكى المحيار ولكن له ... أخ حكى وجه أبي يحيي
ويكني عن الحبشي بأبي البيضاء كما قال الشاعر
أبو صالح ضد اسمه واكتنائه ... كما قد ترى الزنجي يدعي بعنبر
ويكني أبا البيضاء واللون حالك ... ولكنهم جاؤا به للتطير
ولما ورد الخبر على المنصور يخرج محمد بن ابراهيم بن عبد الله بن الحسن
بالبصرة وهو في بستان له ببغداد نظر إلى شجرة فقال للربيع ما اسم هذه
الشجرة فقال طاعة ياأمير المؤمنين وكانت خلافا فتفال المنصور بذلك وعجب من
ذكائه " ونظير " هذه الكناية وان كانت في ليست معناها ما يحكي اذ رجلا مر
في صحن دار رشيد ومعه حزمة خيزران فقال الرشيد للفضل بن الربيع ما ذاك
فقال عروق الرماح ياأمير المؤمنين وكره ان يقول الخيزران لموافقته اسم
والدة الرشيد " فأما " الكناية عما لا ينبغي ان يكنى عنه فهاهنا حكاية
فيها ذكر ابن عبدوس في كتاب الوزراء والكتاب انه عرض على المتوكل أسماء
جماعة من الكتاب ليقلدوا الاعمال فكان ممن عرض عليه اسم طماس بن أخي
ابراهيم بن العباس فضرب عليه وقال لا يولى ولا كرامة فانه يبكي الحجامة
ويسمى الشمس العدوة ويكنى عن الحية بالطويلة وعن الجن بعمار الدار " فصل
في الكناية عن مرمة البدن " سمعت الطبري يقول كنت يوما بين يدي سيف الدولة
بحلب فدخل عليه ابن عم له فاستبطأه الامير وقال له أين كنت اليوم وبم
انشغلت فقال ايد الله مولانا حلقت رأسي وأصلحت شعري وقلمت اظفاري فقال له
قلت أخذت من اطرافي كان أوجز وابلغ وأحسن من هذا قول الله تعالى ثم ليقضوا
تفئهم قال ابو منصور الازهري في كتاب تهذيب اللغة لم يفسر أحد من اللغويين
التفث كما فسره النضر بن شميل اذ جعل التفث الشعث وجعل قضاءه اذهابه بدخول
الحمام والحلق والاخذ من الشعر ونتف الابط وحلق العانة " ومن لطائف "
الاطباء كناياتهم عن الاسهال بالاستفراغ وعن القيء بالتعالج " ووجدت " بخط
ابي الحسن السلامي في دفتر من منتخب شعره اتحف به أبا الحسن محمد بن عبد
الله الكرخي ابياتا له بديعة في الكناية عن النورة
لما التحى اضحت عمامته السوداء تحكي محضر الحنك
وصار يحتال أو بلين بحلق الشعر عن ردفه أو الفتك
في كل يوم تراه متزرا ... بالروض بين الحياض والبرك
وما علمنا بانه قمر ... حتى اكتسي قطعة من الفلك
" فصل فيما شذ من هذا الباب من كنايات اخبار النبي صلى الله عليه وسلم "
" يروي " عن ابي أمامة عن عائشة رضي الله تعالى عنها ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا يقولن أحدكم خبثت نفسي وليقل لقست نفسي " ويروي
" ان بني قريظة وكعب بن أسعد لما عاقدوا النبي صلى الله عليه وسلم على
الموادعة قبلها منهم فلما كان عام الخندق أتاهم جبير بن أخطب وحملهم على
نقض العهود فنقضوها واتى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث رجالا
ليتعرفوا الخبر وقال لهم ان كان حقا فالحنوا به الي لحنا اعرفه ولا تفتوا
في اعضاد الناس وان كانوا على الوفاء فصرحوا واجهروا به فأتوهم فحرقوا
كتابهم الذي عاقدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع القوم فقالوا
عضل أو القارة يكنون عن أنهم غدروا كما غدرت عضل والقارة وهم بنو الهوز بن
خزيمة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا انا فينا برسول الله
اسلاما فابعث الينا نفر من أصحابك يعلموننا فبعث معهم سبعة نفر اميرهم
مرثد فلما كانوا ببطن الرجيع وهو ماء لبني هذيل قال العضليون لمرثد اقيموا
حتى نرتاد لكم منزلا ومضوا حتى اتوا بني لحيان فقالوا هؤلاء نفر من أصحاب
محمد ندلكم عليهم على ان ما أصبتم من هذا بيننا وبينكم قالوا نعم فاستأثر
بعضهم وأبى بعض فقتلوا من لم يستأثر فهذه قصة عضل والقارة وكان اصحاب رسول
الله عليه وسلم إذا قعدوا عنده كان على رؤوسهم الطير فانبرى يوما حسان
فانشده قول الاعشى
كلا ابويكم كان فرعي دعامة ... ولكنهم زادوا واصبحت ناقصا
تبيتون في الشتاة ملأى بطونكم ... وجاراتكم غرثي يبتن خمائصا
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنشد هجاء علقمة فان ابا سفيان
شغب مني عند هرقل فغرب عليه علقمة فقال حسان يا رسول الله من نالتك يده
وجب علينا شكره فما سمع في الكناية عن الوقيعة بأحسن من قوله شغب منى ولا
في الكناية عن الانكار والاحتجاج كقوله فغرب عليه ولا في الاعتذار كقول
حسان من نالتك يده وجب علينا شكره " فصل في ضد الكناية " ومعناه تقبيح
الحسن كما ان معنى الكناية تحسين القبيح " دخل " بعض الظرفاء كرما فنظر
إلى الحصرم فقال اللهم سود وجهه واقطع عنقه واسقني من دمه ويقال ان سليمان
ابن كثير قاله وقد جري بين يديه ذكر ابي مسلم الخراساني فنمى الحديث إلى
ابي مسلم فعاتبه عليه فانكر ان يكون قاله فيه فقال ابو مسلم اخبرني الثقة
عنك بهذا فقال نعم قلته ولكن في كرم كذا لما نظرت إلى الحصرم فاسأل الحاكي
عن ذلك فان ذكر لك حديث الكرم فصدقني فان ذكر لك اني قلته في مكان سوى
الكرم فالامر على ما ظننت وقد نظم بعض هذا النثر من لم يوفه حقه اذ قال
مررت على عنقود كرم معلق ... يقطر بل يوما وقد كان حصرما
فقلت اراني الله وجهك اسودا ... وأسقيت يا عنقود من جوفك الدما
" مر ابن مكرم " على ابي العيناء وهو على مصلى له فاراد ان يجلس عليه معه
فقال لا تقدر على مصلاي فقال بل هو متمرغ فسقك " ولما ولى " سعيد بن حميد
ديوان البريد بالحضرة قال فيه أبو علي البصير
بأبي نفس سعيد ... انا نفس شريفة
لم يزل يحتال حتى ... صار غماز الخليفة
" فصل فيما شذ عن الكتاب من كنايات لاهل بغداد " " يكون " عن اللحية
بالمحاسن فيقولون لمن بلحيته قذاة يدك على محاسنك " ويكنون " عن الزينة
شتمة بالزاي قال بعض اهل العصر
صديق لنا قد كساه الزما ... ن ثياب الغنى رافع شأنه
نراه غليظ مزاج الكلام ... إذا كسر التيه أجفانه
يخاطب بالكاف اخوانه ... ويشتم بالزاي غلمانه
" ويقولون " فيمن يسخر به وهو لا يدري رقص في زورقه " ويدعون " على من
يعاودونه فيقولون سلط الله عليه ما يجتر يعنون السبع ويكنون عن القواد
بالنقيب قال الصاحب
يا بن يعقوب يا نقيب البدور ... كن شفيعي إلى فتي مسرور
قل له ان للجمال زكاة ... فتصدق بها على المهجور
" فصل في فنون من التعريضات "
العرب تستعمل التعريض في كلامها فتبلغ ارادتها بوجه هو ألطف
وأحسن من الكشف والتصريح.. ويعيبون الرجل إذا كان يكاشف في كل وجه يقولون
فلان لا يحسن التعريض الا ثلباً " وقد " جعله الله في خطبة النساء جائزاً
فقال ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكنتم في أنفسكم ولم
يجز التصريح.. والتعريض في الخطبة ان يقول للمرأة والله انك لجميلة وانك
لشابة ولعلى الله ان يرزقك بعلا صالحاً وان النساء لمن حاجتي وأشباهه من
الكلام " وروي " بعض أصحاب اللغة ان قوماً من الاعراب خرجوا يمتارون فلم
صدروا خالف رجل في الليل إلى عكم صاحبه وأخذه وجعله في عكمه فلما أراد
الرحلة وقاما يتعاكمان رأى عكمه يشول وعكم صاحبه يرجح ويثقل فأنشأ يقول
عكم تعشي بعض اعكام القوم ... لم أرى عكما سارقا قبل اليوم
" وعن " سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل حكاية عن
موسى عليه السلام لا تؤاخذني بما نسيت قال لم ينس ولكنها من معاريض الكلام
وأراد ابن عباس انه لم يقل اني نسيت فيكون كاذبا ولكنه قال لا تؤاخذني بما
نسيت فأوهمه النسيان تعريضاً " وساير " شريك النمري عمر بن هبيرة الفزاري
على بغلة فجازت برزون عمر فقال له عمر اغضض من لجامها فقال شريك انها
مكتوبة اراد عمر قول الشاعر
فغض الطرف انك من نمير ... فلا كعب بلغت ولا كلابا
وأراد شريك قول الآخر
لا تأمنن فزارياً خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
" والتقى تميمي ونميري في مجلس وخاضا مع الخائضين فقال التميمي يعجبني من
الجوارح البازي فقال النميري لا سيما إذا كان يصيد القطاة وانما اراد
التميمي قول الشاعر
انا الباز المطل على نمير ... اتيح من السماء لها الصبابا
وأراد النميري قول الطرماح
تميم يطرق اللؤم أهدي من القطا ... ولو سلكت طرق المكارم ضلت
" ودخل " رجل من محارب على عبد الله بن يزيد الهلالي وهو بارميلية فقال
عبد الله ما لقينا البارحة من شيوخ محارب ما تركونا ننام يعني الضفادع
ويريد قول الاخطل
تنق بلا شيئ شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبرى
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
فقال أصلحك الله انهم أضلوا البارحة برقعة فكانوا في طلبه يريد قول الشاعر
لكل هلالي من اللؤم جنة ... ولابن يزيد برقع وجلال
" ومن التعريضات بالفعل " ما يروى ان معاوية ارسل إلى عمرو بن العاص بكلام
فقال للرسول انظر ما يرد عليك فلما تكلم عض عمرو ابهامه حتى فرغ الرسول
ولم يزده على ذلك فلما رجع إلى معاوية اخبره بفعله فقال له معاوية ما اراد
قال لا أدري فقال انما قال أتقرعني وأنا الوك شكيمة قارح " وكان الفضل "
بن الربيع مطعونا عليه في نسبه لان الربيع كان مملوكا ولكنه يلتمى إلى
يونس بن محمد بن أبي فروة مولى عثمان وذلك ان جارية ليونس ولدت الربيع
فانكره يونس فلما ترعرع باعه وتقلبت به احوال واملاك حتى اشتراه زياد بن
عبد الله الحارثي خال السفاح فلما رأى عقله وأدبه أهداه إلى المنصور فلما
أعتقه واصطنعه بلغه انه ينتمي إلى يونس فأديه وقال أعتقتك واستنجبتك ثم
تدعي ولاء عثمان فلهذه القصة كان جعفر بن يحيى الفضل بن الربيع أبا روح
لان اللقيط به يكنى: وأهل المدينة يسمعون اللقيط فرخاً وهو عندهم فرخ زنا
فيحكى ان الرشيد كان يأكل يوما مع جعفر فوضعت له ثلاثة افراخ فقال الرشيد
لجعفر يمازحه قاسمني للستوى في أكلي فقال قسمة عدل أم جور قال قسمة عدل
فأخذ جعفر فرخين وترك واحداً فقال له الرشيد أهذا العدل قال نعم معك فرخان
ومعك فرخان قال فأين الآخر قال هذا وأومأ إلى الفضل بن الربيع وكان واقفاً
على رأسه فتبسم الرشيد وقال يا فضل لو تمسكت بولائنا لسقط هذا عنك ولم
يفهم الفضل ما قالاه الا بعد مدة.. ويروي أن رجلا من بني فزارة رمى إلى
رجل من بني ضبة بخاتم أزرق فشد عليه الضبي سيراً ورده اليه وانما اراد قول
الفزاري الشاعر
لقد رزقت عيناك ياابن مكعبر ... كما كل ضبي من اللؤم أزرق
لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك وأكتبها بأسياري
" وذكر " أبو علي السلامي في كتاب نتف الطرف ان عبد الله بن طاهر ولي بعض بني أعمامه مروا فاشتكاه أهلها فوفد جماعة منهم على عبد الله وشكوه اليه واكثروا القول فيه فقد رانهم يتزيدون عليه فلم يعزله فلما انصرفوا قال بعض المشايخ بها انا أكفيكموه وورد على عبد الله فسأله عن حال البلد فأخبر بالهدو والسكون ثم سأله عن خبر واليهم فوصفه بالفضل والادب وما يجمعه الامير من النسب وبالغ في ذكر الجميل ثم قال الا انه ونقر باصبعه على رأسه نقرة يعني انه خفيف الدماغ فقال عبد الله ماللولاة والطيش أعزاوه فعزله وانصرف الشيخ إلى مرو فأعلمهم انه عزله بنقرة: وسمعت أبا نصر سهل بن المزربان يقول ولد لابن مكرم ابن فجاءه أبو العيناء مهنياً ولما خرج خلف عنده حجراً يعرض بان الولد للفراش وللعاهر الحجر " وحكي " ابن عبدوس في كتاب الوزراء والكتاب ان سليمان بن وهب كان يتقلد الخراج والضياع بمصر والحسين الخادم المعروف بعرق الموت نتقلد البريد بها فحضر يوماً عند الحسين وكان يمازحه كثيراً فاستدعي شربة سكبجية وجيئ بها فلما شربها قال يا غلام أئتني بخلال فعجب من حضر من طلبه الخلال عقب الشراب وانما عرض بالحسين الخادم وأشار إلى ان الخدم إذا أسنوا صنعوا الأخلة فقال الحسين يا غلام إئتنا بخلالين ووضع إحدى سبابتيه على الأخرى كهيئة الصليب يعرض بسليمان بانه كان نصرانياً وكان يتهم بممالثة النصارى والله سبحانه وتعالى أعلم: ثم كتاب النهاية في ان الكناية وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم