كتاب : ربيع الأبرار
المؤلف : الزمخشري
غرضا، وأحرز عرضا، كابر هواه، وكذب مناه؛ جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته؛ ركب الطريقة الغراء، ولزم الحجة البيضاء، أغتنم المهل، وبادر الأجل، وتزود من العمل.
مالك بن دينار: مثل المؤمن مثل اللؤلؤة، أينما ذهبت فحسنها معها.
عبيد بن الأبرص:
الخير أبقى وأن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد
غير خيرك خير غيرك.
أبو الدرداء: رحم الله لقمان، أنه ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال ولا جمال ولا حسب؛ كان عبداً حبشياً، مولى لداود عليه السلام أعتقه، وكان رجلاً سكيتاً عميق النظر، بعيد الفكر، لم ينم نهاراً قط، ولم يره أحد يتبول وينتخع أو يبزق، ومات له أولاد فلم يحزن عليهم، ويأتي أبواب الحكماء ليتفكر وينظر ويعتبر، فلذلك أوتي ما أوتي.
نوف البكالي: سامرت علياً ذات ليلة، فأكثر النظر إلى السماء، ثم قال: يا نوف، أنائم أنت؟ قلت: لا، بل أرمقك بعيني يا أمير المؤمنين، قال يا نوف، طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، أولئك الذين أتخذوا أرض الله بساطاً، وماءها طيبا، وترابها فراشاً، وجعلوا القرآن شعاراً، والدعاء دثاراً، ورفضوا الدنيا رفضاً على منهاج عيسى بن مريم.
أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا؛ قال: فمن أطعم منكم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا؛ قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أجتمعن في أحد إلا دخل الجنة.
ابن عباس: وضع عمر على سريره، فكنفه الناس يدعون ويثنون، فقل علي: ما خلقت أحداً أحب إلى أن ألقى بمثل عمله منك.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب.
وعنه عليه الصلاة والسلام: يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله، وأخذت أنت بحجزتي، أخذك ولدك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم، فترى أين يأمر بنا؟ عبد الله بن طاهر:
أفعل الخير ما أستطعت وإن ... كان قليلاً فلن تحيط بكله
ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركاً لأقله
العوام بن حوشب: ما شبهت الحسن إلا بنبي أقام في قومه ستين عاماً.
كان الحسن إذا أقبل فكأنما أقبل من دفن أمه، وإذا جلس فكأنما قدم لتضرب عنقه، وإذا تكلم فكأنما النار على رأسه.
الشعبي: ما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء إلا مثل الفرس العربي بين المقاريف.
قصد الحسن والشعبي ابن هبيرة، فكان الشعبي يخف للحسن ويعاطيه؛ فقال له ابنه: يا أبت إني أراك تصنع بذا الشيخ شيئاً لم أرك تصنعه بأحد؛ قال: يا بني، قد أدركت سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أر أحداً أشبه بهم من هذا الشيخ.
أبو بردة بن نار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت أحداً، لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم، أشبه بمن صحبه من صاحبكم هذا، يعني الحسن، ولو أنه أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حتاجوا إلى رأيه، وما سمع أحد كلامه إلا أزدرى كلام غيره.
قال أبو العباس السفاح لأبي بكر الهذلي: بم بلغ حسنكم ما بلغ؟ قال: جمع كتاب الله وهو ابن ثنتي عشرة سنة، لم يجاوز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها، ولم يقلب درهماً في تجارة قط، ولم يل عملاً لسلطان، ولم يأمر بشيء حتى يفعله، ولم ينه عن شيء حتى يدعه؛ قال السفاح بهذا بلغ.
وكانت أم سلمة تخرجه إلى الصحابة وهو صغير فكانوا يدعون له؛ ودعا له عمر بن الخطاب فقال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس.
وسمعت عائشة كلامه فقالت: من هذا الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء؟ قيل للمنصور: لا نعلم أحداً ينتحله أهل المذاهب كلها غير عمر ابن عبد العزيز والحسن فقال: تلك نهاية الفضل.
دخل محمد بن أبي علقمة على عبد الملك بن مروان فقال: من سيد الناس بالبصرة؟ فقال: الحسن؛ قال: مولى أو عربي؟ قال: مولى؛ قال: ثكلتك أمك مولى ساد العرب؟ قال: نعم؛ قال: بم؟ قال: أستغنى عما في أيدينا من الدنيا وأفتقرنا إلى ما عنده من العلم؛ قال: صفه لي؛ قال: آخذ الناس بما أمر، وأنهاهم عما نهى عنه.
يظن الناس بي خيراً وإني ... كشر الناس إن لم تعف عني
الجاحظ: كان الحسن يستثنى من كل عاية فيقال: فلان أزهد الناس إلا الحسن، وأفقه الناس إلا الحسن، وأنصح الناس إلا الحسن، وأخطب الناس إلا الحسن.
بعضهم: عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس، لأن عمر ملك الدنيا فزهد فيها، وأويس لم يملكها؛ فقيل: لو ملكها لفعل كما فعل عمر؛ فقال ليس من لم يجرب كمن جرب.
موسى العجلي: ما رأيت أفقه ولا أورع في فقه من محمد بن سيرين، وكان المنمنى إذا تمنى قال: يا ليتني في ورع ابن سيرين قال:
وأنت بالليل ذئب لا حريم له ... وبالنهار على سمت ابن سيرين
كان الحسن يقول في عامر بن عبد الله بن قيس العنبري: لو شاء الله أن يجعل الناس مثل عامر بن عبد الله لفعل.
قال أنس في ثابت البناني: أن للخير مفاتيح، وأن ثابتا من مفاتيح الخير، وأوصى له بمثل نصيب ولده فأبى أن يأخذه. وما رؤي الحسن أوسع لأحد قط في مجلسه إلا لثابت. وكان يقول: ما تركت في المسجد سارية إلا ختمت القرآن عندها.
مطرف أن كان أحد من هذه الأمة ممتحن القلب أن كان مذعور لممتحن القلب، أراد قوله تعالى: " أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى " . وهو مذعور بن الطفيل القيسي، وكان من الأخيار الأبرار؛ قال معاوية: من جاء منكم يا أهل العراق فليكن مثل القيسي.
كان حبيب الفارسي من أخيار الناس، وهو الذي اشترى نفسه من ربه أربع مرات بأربعين ألفاً؛ كان يخرج البدرة فيقول: يا رب أشتريت نفسي منك بهذه، ثم يتصدق بها.
جاء أبو قلابة إلى الحسن يستودعه كتبه، فقال: أستودعها سيد الفتيان، يريد أيوب السختياني.
وكان أيوب من أصحاب الحسن؛ وذكر عند أبي حنيفة رحمه الله فقال: رحم الله أيوب، رحم الله أيوب، لقد شاهدت منه مقاماً عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أذكر ذلك المقام إلا أقشعر جلدي.
وقيل لأيوب: لم أقللت الحديث عن الحسن؟ فقال: كنت إذا قمت عن مجلسه قال هذا سيد الفتيان فتركته.
سفيان الثوري: جهدت جهدي على أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما كان عليه ابن المبارك فلم أقدر.
كان الخليل بن أحمد النحوي من أزهد الناس وأعلاهم نفساً، وكان الملوك يقصدونه وبيذلون له فلا يقبل، وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت.
ابن خارجة: جالست ابن عون عشرين سنة فما أظن الملكين كتبا عليه شيئاً.
وقيل لعبد الله بن المبارك وقد سافر: أين تريد؟ قال: البصرة، قيل: من تقصد بالبصرة؟ قال: ابن عون، آخذ من أخلاقه، آخذ من آدابه.
وقال معاذ بن العنبري: ما أتيت ابن عون قط إلا ورجعت من عنده وأنا أعرف في الزيادة.
قال ابن شبرمة في كرز بن وبرة الحارثي ومحمد بن طارق وكانا أخوين في الله وكانا عابدين.
لو شئت كنت ككرز في عبادته ... أو كأبن طارق حول البيت والحرم
قد حال دون لذيذ العيش خوفهما ... وسارعا في طلاب المجد والكرم
قال عبد الله بن المبارك أنشدتهما شعبة حين قدمت البصرة، فأستعادنيهما فقلت: أبا بسطام ما تصنع بهما؟ فقال: لو كنت في بني يشكر أو في الخريبة لجئتك فيها حتى أسمعهما.
وروى أنه غسل كرز فلم يوجد على جسده مثقال لحم.
سلم سلطاني على حسان بن أبي سنان العابد، فدعا له، فقيل له، فقال: أو ما هو خير مني حين ظن أني خير منه؟.
سعيد بن جبير: لو خيرت عبداً ألقى الله في مسلاخه لأخترت زبيداً، هو زبيد اليامي.
قال الرشيد يوما لأبي يوسف: صف لي أخلاق أبي حنيفة؛ فقال: أن الله تعالى يقول: " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ، فهو عند لسان كل قائل، كان علمي بأبي حنيفة أنه كان شديد الذب عن محارم الله أن تؤتى، شديد الورع أن ينطق في دين الله بما لا يعلم، يحب أن يطاع فلا يعصى، مجانب لأهل الدنيا في دنياهم، لا ينافس في عزها، طويل الصمت، دائم الفكر، على علم واسع، لم يكن مهذاراً ولا ثرثاراً، أن سئل بذولاً للعلم والمال، مستغنياً بنفسه عن جميع الناس، لا يميل إلى طمع، بعيد الغيبة، لا يذكر أحداً إلا بخير.
فقال الرشيد للكاتب: أكتب هذه الصفة، وأدفعها لابني ينظر فيها.
وعن محمد بن الحسن: كان أبو حنيفة واحد زمانه، لو أنشقت عنه الأرض لأنشقت عن جبل من الجبال في العلم والكرم والمواساة والورع.
وعن مسعر: كان أبو حنيفة يقعد بعد صلاة الفجر لمذاكرة العلم إلى العشاء الآخرة، لا يحدث وضوء ولا طعاما ولا نوما، إلا خفقة خفيفة قبل الظهر؛ فقلت: متى يفرغ للعبادة؟ فتعاهدته بعد العشاء الأخرة، فلما هدأ الناس أنتصب في المسجد الليلة كلها، فلما كان السحر دخل منزله فتهيأ للصلاة.
الشعبي: أن كان أهل بيت خلقوا للجنة فهم أهل هذا البيت علقمة والأسود.
قال عون لابنه: يا بني كن ممن الخير منه مأمول، والشر منه مأمون.
حج وكيع بن الجراح أربعين حجة، ورابط في عبادان أربعين ليلة، وختم بها القرآن أربعين ختمة، وتصدق بأربعين ألفاً، وروى أربعة ألاف حديث، وما رؤي واضعاً جنبه.
كان الرشيد يصلي كل يوم مائة ركعة حتى فارق الدنيا، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وإذ حج أحج معه مائة من الفقهاء، وأن لم يحجج أحج ثلثمائة بالنفقة السابعة.
قرة بن هبيرة في يوم شعب جبلة:
أنا الغلام الأعسرالخير في والشروالخير في أكثر
جميع بن عمير: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: فاطمة؛ قلت: إنما أسألك عن الرجال؛ قالت: زوجها، وما يمنعه؟ فو الله أن كان لصواماً قواماً، ولقد سالت نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، فردها إلى فيه. قلت: فما حملك على ما كان؟ فأرسلت خمارها على وجهها وبكت وقالت: أمر قضي علي.
أبو هريرة: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد متدليا من هرشى فقال: نعم العبد خالد.
خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليه العباء، وعلى وجوههم النور، فقال يا أبناء الآخرة ما تنعم المتنعمون إلا بفضل نعمتكم.
وقف عمر بن عبد العزيز على عطاء بن أبي رباح، وهو أسود مفلفل الشعر، يفتى الناس في الحلال والحرام، فتمثل بقوله: تلك المكارم لا قعبان من لبن.
قال عبد الملك لسعيد بن المسيب: صرت أعمل الخير فلا أسر به، وأعمل الشر فلا أساء به؛ فقال: الآن تكامل فيك الموت، يعني موت القلب.
بدوي دخل المدينة، فلما خرج لقيه أنسان فقال: كيف تركت الناس؟ قال بخير، وأن أستطعت أن تكون مثل المنكدر فافعل.
ابن مسعود في عمر: ما رأيته إلا وكأن بين عينيه ملك يسدده.
أبو رائحة صليت مع علي رضي الله عنه، حتى إذا كانت الشمس قيد رمح قلب يده ثم قال: والله رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أريت اليوم أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، بين أعينهم مثل ركب المعزى، لقد باتوا لله سجداً وقياما، يتلون كتاب الله، يراوضون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله ما كان القوم غافلين، ثم نهض فما رؤي بعد ذلك كاشراً حتى ضربه ابن ملجم عدو الله.
سأل المنكدر عائشة رضي الله عنها فقالت: لو كانت عندي عشرة آلاف لبعثتها إليك. فلما خرج جاءتها عشرة آلاف، فبعثتها إليه، فأشترى منها جارية بآلفي درهم، فولدت له محمداً وأبا بكر وعمر فكانوا عباد المدينة.
أنشد الصلصال بن الدلهمس رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تخير قريناً من فعالك إنما ... قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
وإن كنت مشغولاً بشيء فلا تكن ... بغير الذي يرضى به الله تشغل
ولن يصحب الأنسان من قبل موته ... ومن بعده إلا الذي كان يعمل
ألا إنما الأنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلاً عندهم ثم يرحل
علي كرم الله وجهه: لو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثم أتقى الله لجعل له منهما مخرجا.
نظر راهبان إلى الحسن البصري فقال أحدهما لصاحبه مل بنا إلى هذا الذي كأن سمته سمت المسيح، فعدلا إليه فألقياه مفترشاً لذقنه وهو يقول: يا عجبا لقوم قد أمروا بالزاد وأوذنوا بالرحيل، وأقام أولهم على آخرهم!! فيا ليت شعري ما الذي ينتظرون؟ قيل لحكيم: ما غنمت من الحكمة؟ قال: أن صرت كالقائم على الشط أنظر إلى آخرين يتكفأون بين أمواج البحر.
قال الرشيد لسفيان بن عيينة حين زار فضيلا: يا سفيان أن عز التقوى لا يزحمه منكبا أمرة ولا خلافة.
المخبل السعدي:
إني وجدت الأمر أرشده ... تقوى الأله وشره الأثم
رؤي رجل بعرفات وبيده زبيبة وهو ينادي: ألا من ضاعت له زبيبة؛ فقيل له أمسك، فإن هذا من الورع الذي يمقت الله عليه.
قال حكيم لولده: يا بني عليك بالنسك، فإن رأى الناس منك بخلاً قالوا: مقتصد لا يحب الأسراف، وأن رأوا عياً قالوا: يكره أن يتكلم فيما لا يعنيه، وأن رأوا جبناً قالوا: لا يقدم على الشبهات.
نظر عمر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة وقال: لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
كان يحيى بن خالد يقول: إذا تقرأ الشريف تواضع، فأفشى السلام، وصافح العوام، وأنصف الضعفاء، وجالس الفقراء، وعاد المرضى، وشيع الجنائز؛ وإذا تقرأ الوضيع أمر بالمعروف، ووعظ الشريف، وأخذ في الحسبة وأم أهل محلته، وأحتد على من رد عليه، ورأى أن له فضيلة على كل أحد.
الزهادة في الدنيا قصر الأمل، لا أكل الغليظ، ولا شرب الوشل، ولا لبس السمل.
من يتق الله فذاك الذي ... سيق إليه المتجر الرابح
لا يجتلى الحوراء من خدرها ... إلا امرؤ ميزانه راجح
فاسم بعينيك إلى نسوة ... مهورهن العمل الصالح
علي رضي الله عنه: وأعلموا أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا بدنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم؛ سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبارون المتكبرون، ثم أنقلبوا منها بالزاد والمتجر المربح.
وعنه: أتق الله بعض التقى وأن قل؛ وأجعل بينك وبين الله ستراً وأن رق.
وعنه: اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن المشاهد هو الحاكم.
وعنه: الزهد كله بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " . ومن لم يأس على الماضي، ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.
داود الطائي: ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس.
أبو عبد الله النباجي: تقوى المرء أنفع للمؤمنين من دعائه لهم.
أكثر الناس في الزهد بين يدي الزهري فقال: الزاهد من لم يغلب الحرام صبره، ولم يمنع الحلال شكره.
قال رجل للعمري: عظني؛ فأخذ حصاة من الأرض فقال: مثل هذا من الورع يدخل قلبك خير لك من صلاة أهل الأرض.
شميط بن عجلان: المتقون أكياس، أكلوا صفو رزق الدنيا، وورثوا باقي نعيم الآخرة.
حماد بن سلمة في سليمان بن طرخان التيمي: كنا نرى أنه لا يحسن أن يعصى الله.
الثوري: اتقوا الله فإنما هي لحظة وقد تقوض البيت.
عمر بن عبد العزيز: عبد بطى بطين يتمنى على الله منازل الصالحين.
قال رجل لزهير بن نعيم: ألك حاجة؟ قال: نعم، حاجتي أن تتقي الله فو الله لأن تتقي الله أحب إلي من أن ينقلب هذا الحائط ذهباً.
التقوى زمام الأفعال الصالحة، وإمام الأفعال الرابحة.
من طلب مرضاة الله فيما ينتحيه، آتاه الله التوفيق من نواحيه.
جعل لنفسه من دنياه نصيباً، وصير تقواه عليها رقيباً.
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
سفيان: أربع لا يعبأ بهن: نسك المرأة، وزهد الخصي، وتوبة الجندي، وقراءة الحدث.
عيسى عليه السلام: الزهد ثلاث: المنطق، والصمت، والنظر؛ فمن كان منطقه في غير ذكر الله فقد لغا، ومن كان صمته في غير تفكر فقد لها، ومن كان نظره في غير أعتبار فقد سها.
مرحباً بالذي إذا جاء جاء الخير أو غاب غاب عن كل خير أي هو غائب عن الخير جاء الخير أو غاب.
بكر بن عبد الله المزني: إذا رأيت قبيحاً من ناسك فالفظه، وإذا رأيت حسنا من فاتك فأحفظه.
علي رضي الله عنه: كانت العلماء والحكماء والأتقياء يتكاتبون بثلاثة، ليس معهن رابعة، من أحسن سريرته أحسن الله علانيته، ومن أحسن ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا.
وعن ابن عون: كان أهل الخير إذا التقوا تواصوا بثلاث، وإذا غابوا تكاتبوا بها، وذكرهن.
أستأذن أبو ثابت مولى علي رضي الله عنه على أم سلمة، فقالت: مرحباً بك يا أبا ثابت، ثم قالت: يا أبا ثابت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطيرها؟ قال: تبع علياً؛ قالت: وفقت
والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض.
علي رضي الله عنه: لا تقل الخير رياء، ولا تتركه حياء.
كتب الثوري إلى أخ له: إياك وطلب المحمدة إلى الناس وحبها، فإن الزهد فيها أشد من الزهد في الدنيا، وهو باب غامض من الزهد لا يعرفه إلا السماسرة من العلماء.
وعنه: ما رأينا الزهد في شيء أقل منه في الرياسة، لأن الرجل يزهد في الأموال ويسلمها إذا نوزع؛ وإذا نوزع في الرياسة لم يسلمها.
ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح: أن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الأسلام، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو.
أول من سل سيفاً في سبيل الله الزبير؛ وذلك أنه صاح أهل مكة ليلة فقالوا: قتل محمد؛ فخرج متجرداً ومعه سيفه صلتاً، قتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا زبير؟ فقال: سمع أنك قتلت؛ قال: فما أردت أن تصنع؟ قال: أردت والله أن أستعرض أهل مكة؛ وروي: أخبط بسيفي من قدرت عليه؛ فضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه إزاراً فأستتر به، وقال: أنت حواريي، ودعا له.
الأوزاعي: كان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة، لا يدخل بيت ماله منها درهم، كان يتصدق بها؛ وباع داراً له بستمائة ألف درهم، فقيل له: يا أبا عبد الله غبنت؛ قال: كلا والله لتعلمن أني لم أغبن، أشهدكم أنها في سبيل الله.
وجاء عمرو بن جرموز بسيفه إلى علي رضي الله عنه فأخذه وقال: أما والله لرب كربة وكربة فرجها صاحب هذا السيف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمر بن عبد العزيز لابن أبي مليكة: صف لنا عبد الله بن الزبير، فإنه ترمرم على أصحابنا فتغشمروا عليه؛ فقال: والله ما رأيت جلداً قط ركب على لحم، ولا لحما على عصب، ولا عصباً على ركبت بين جنبيه؛ ولقد قام يوماً إلى الصلاة، فمر حجر من حجارة المنجنيق بين لحيته وصدره، فو الله ما خشع لها بصره، ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع. أن ابن الزبير كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها؛ ولقد كان يركع ويسجد كأنه ثوب مطروح.
كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غلمة منهم عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير وعمر بن أبي سلمة، فقيل: يا رسول الله لو بايعتهم فتصيبهم بركتك ويكون لهم ذكراً؛ فأتي بهم، فكأنهم تلعلعوا، فأقتحم ابن الزبير أولهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أنه ابن أبيه.
جابر عبد الله جاء عبد الرحمن بن عوف يوماً إلى عمر رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين أغثني بنفسك وبمن حضر من المسلمين؛ قال عمر: وما ذاك؟ قال: جهزت ألف بعير إلى الشام، فيها مائتا مملوك يمتارون لي ما قدروا عليه من أصناف التجارات، فلما قمت الليلة أصلي وردي، حدثت نفسي، وقدرت الأبل كأنها قدمت، وساومني التجار بما فيها فأضعفوا لي ما كنت أتمناه، فو الله ما أدري على ما أصبحت، على قرآن أم هذيان؟ فدونكها بأجمالها وأقتابها وأحلاسها ومماليكها، فأجعلها في سبيل الله فلا حاجة لي فيما يشغلني عن عبادة ربي فحزر أهل الحزر فإذا هو دية ألف رجل.
هبط جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: من حملك على ظهره؟ وكان حمله طلحة على ظهره حتى استقل على الصخرة، قال: طلحة؛ قال: أقرئه السلام، وأعلمه أني لا أراه في هول من أهوال يوم القيامة إلا أستنقذته منه. ومن هذا على البحر - وهو فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي تعجب الملائكة من فريه؟ قال: علي بن أبي طالب؛ قال: إن هذه هي المواساة؛ قال يا جبريل أنه مني وأنا منه؛ قال: وأنا منكما؛ من هذا عن يمينك؟ قال: المقداد؛ قال: إن الله يحبه ويأمرك بحبه؛ من هذا الذي بين يديك ينفي عنك؟ قال: عمار؛ قال: بشر عمار بالجنة، حرمت النار على عمار، ملىء عمار إيمانا إلى مشاشه.
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد متدلياً من هرشي، فقال نعم الرجل خالد بن الوليد.
مر أبو ذر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجبريل معه في هيئة دحية يناجيه، فلم يسلم فقال
جبريل: هذا أبو ذر لو سلم لرددنا عليه؛ فقال: أو تعرفه يا جبريل؟ فقال: والذي بعثك بالحق لهو في ملكوت سبع السماوات أشهر منه في الأرض؛ قال: بم نال هذه المنزلة؟ قال: زهده في هذا الحطيم الفاني.
لما قدم عمر الشام وقف على طورسينا فأرسل البطريق عظيماً لهم، وقال أنظر إلى ملك العرب، فرآه على فرس، عليه جبة صوف مرقعة، مستقبل الشمس بوجهه، ومخلاته في قربوس السرج، وعمر يدخل يده فيها فيخرج فلق خبز يابس، يمسحها من التبن ويلوكها؛ فوصفه للبطريق فقال: لا يدي لنا بمحاربة هذا، أعطوه ما شاء.
دخل علي رضي الله عنه على عمر، وهو مسجى، فقال: ما على وجه الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى.
قال معاوية لضرار بن ضمرة الكناني: صف لي علياً؛ فأستعفى، فألح عليه؛ فقال: أما إذ لابد، فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته؛ كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويعاقب كفه، ويعاقب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقربه لنا، وقربه منا، لا نكلمه هيبة، ولا نبتدئه لعظمه؛ يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه يقول: يا دنيا التي تعرضت، أم إلي تشوفت؟ هيهات، هيهات، غري غيري، قد بتتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد ووحشة الطريق.
قال: فوكفت دموع معاوية ما يملكها على لحيته، وهو يمسحها، وقد أختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا حسن، كان والله كذلك؛ فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها، فلا ترفأ عبرتها، ولا تسكن حرتها. ثم قام فخرج.
خرج يوماً من منزله فإذا قوم جلوس، قال: من أنتم؟ قالوا نحن شيعتك؛ قال: سبحان الله!! مالي لا أرى عليكم سيما الشيعة؟ قالوا: وما سيما الشيعة؟ قال: عمش العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، دبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين.
حذيفة: ما منا أحد يفتش إلا فتش عن جائفة أو نقلة إلا عمر وابن عمر.
عون: إذا زرى أحدكم على نفسه فلا يقولن ما في خير، فإن فينا التوحيد والأخلاص، ولكن ليقل: خشيت أن يهلكني ما في من الشر.
إسماعيل بن سالم عن عامر: ما ضربت مملوكاً قط، ولا حللت حبوتي إلى شيء يتدافع الناس ينظرون إليه قط، ولا مات ميت من قرابتي عليه دين إلا أديته عنه.
كان رجا في بني إسرائيل يعمل بالمر، فأصاب المر أباه فقال: لا تنفعني يدي هذه بعد هذه أبداً فقطعها؛ فطلبه الملك ليبعثه مع بنت له إلى بيت المقدس، وألح عليه وعزم، فأستأجل حتى قطع مذاكيره، وتعالج حتى برأ، وجعلها في حق وختم عليه، وأستودعه الملك، فلما أنطلق بها، وكانت امرأة مترفة، لم يأمن عليها فكان ينام إلى جنبها يحميها، فلما رجع قال له: بلغني أنك تنام عندها، فما بالك؟ فأطلعه على ما في الحق، وأبلى عذره؛ فقال: لا أرى للقضاء غيرك؛ فأبى، فلم يزل به حتى استقضاه؛ فأحمى مسماراً فأكتحل به مخافة أن يرى من يعرفه فيحيف له؛ فزكاه بنو إسرائيل وجل في عيونهم؛ فقال: يا رب أن قومي زكوني بما لا أدري أزكا عندك أم لا؛ فإن زكا عندك فرد علي بصري وذكري ويدي؛ فردها الله عليه.
محمد بن معبد: أرسلني عمر بن عبد العزيز مع أسارى الروم تفدي بهم أسارى المسلمين؛ فدخلت يوماً على قيصر، وإذا هو جالس على الأرض، قد نزل عن سريره وهو مكتئب، فقلت: ما شأن الملك؟ قال: وما تدري ما حدث؟ مات الرجل الصالح عمر؛ ثم قال: إني لست أعجب ممن أغلق بابه وترهب، ولكن أعجب ممن كانت الدنيا في يده وزهد فيها، إني لأحسب لو كان أحد يحيى الموتى بعد عيسى بن مريم لأحياهم عمر.
كان داود صلوات الله عليه إذا ذكر عذاب الله تخلعت أوصاله، فلا يشدها إلا الأسر، فإذا ذكر رحمة الله رجعت أوصاله.
كانسعيد بن جبير يقول: كان أصحاب عبد الله سرج هذه القرية، يعني الكوفة.
باب
الخلق وصفاتها، وذكر الحسن والقبح
والطول والقصر، والكبر والصغر، والسمن والهزال، وغير ذلك
نظرت عائشة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسمت، فقال لها: مم تبسمت يا عائشة؟ فقالت: تأملت وجهك، ولو كان أبو كبير الهذلي رآك ما قال ما قال؛ فقال عليه الصلاة والسلام: وما قال؟ فأنشدت:وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل
أبو بكر رضي الله عنه: لقيه راهب فقال: صف لي محمداً كأني أنظر إليه، فإني رأيت صفته في التوارة والأنجيل، فقال: لم يكن حبيبي بالطويل البائن ولا بالقصير؛ فوق الربعة، أبيض اللون مشرب بالحمرة، جعد ليس بالقطط، جمته إلى شحمة أذنه، صلت الجبين، واضح الخد، أدعج العينين، أقنى الأنف مفلج الثنايا، وكأن عنقه أبريق فضة، وجهه كدارة القمر، فأسلم الراهب.
وكان علي عليه السلام يقول في نعته: لم يكن بالطويل الممغط، ولا بالقصير المتردد، كان ربعة من الرجال، ولم يكن بالجعد المقطط ولا بالسبط، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في الوجه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، شثن الكف والقدمين، دقيق المسربة، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معاً.
وعن أنس: كان أزهر، ليس بالآدم ولا بالأمهق.
وقالت أم معبد: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزره صقلة، وسيماً قسيما، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثافة، أزج أقرن، أن صمت فعليه الوقار وأن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأجملهم من قريب، كأنما منطقه خرزات نظم ينحدرن، فصل لا نزر ولا هذر، ربعة لا يأس من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين.
عن أبي عمرو بن العلاء: أن قوماً حجوا في الجاهلية، فرجعوا إلى شيخ لهم فقال: ما فعل رجل رأيته بعكاظ أعسر يسراً، لا يصارع أحداً إلا لبج به الأرض، ليكونن خير الناس. يعني عمر رضي الله عنه.
أراد ملك الروم أن يباهي أهل الأسلام، فوجه إلى معاوية رجلين؛ طويلا، وأيداً؛ فدعا للطويل قيس بن سعد بن عبادة، فنزع قيس سراويله، ورمى بها إليه، فنالت ثندؤته؛ فأطرق مغلوبا؛ فليم قيس على التبذل بنزع السراويل فقال:
أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادي نمته ثمود
وإني من القوم اليمانين سيد ... وما الناس إلا سيد ومسود
وبذ جميع الناس أصلي ومنصبي ... وجسم به أعلو الرجال مديد
وكان سناطاً، فكانت الأنصار تقول: لوددنا أنا أشترينا له لحية بأنصاف أموالنا. ودعا للأيد محمد بن الحنفية فخيره بين أن يقعد فبقيمه، أو يقوم فيقعده، فعلبه في الحالتين؛ فأنصرفا مغلوبين.
وروي أن علياً رضي الله عنه لبس درعاً فأستطالها، فقبض محمد بإحدى يديه على ذيلها، وبالأخرى على الموضع الذي حده له، ثم جبذها فقطعها.
ولقد زال المقام عن مكانه، فأراد الحجاج أن يرده برجله، فصاح به محمد، ثم أخذه بيده فرده؛ فقيل له: أنتهز الحجاج وقد قتل ابن الزبير؛ فقال: والله لقد كنت عزمت أن رادني أن أجتذب عنقه فأقطعها.
نظر رسطاليس إلى ذي وجه حسن فأستنطقه فلم يحمده، فقال: بيت حسن لو كان فيخ ساكن.
وقال آخر: طست ذهب فيه خل قال حكيم لشاب قبيح الوجه حسن الأدب: قد عفت محاسن أدبك مقابح وجهك، وما أنصف أدبك وجهك، ولا وجهك أدبك.
أعرابي: كأن خدودهم ورق المصاحف، وكأن أعناقهم أبارق الفضة، وكأن حواجبهم الأهلة.
بعض السلف: جمع الله البهاء والهوج في الطويل، والكيس والدمامة في القصير، وجمع الخير فيما بين ذلك.
الجماز:
لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ... ما كان إلا دون قبح الجاحظ
وإذا المرأة جلت له تمثاله ... لم تخل مقتله بها من واعظ
رجل ينوب عن الجحيم بوجهه ... وهو العمى في عين كل ملاحظ
الأصمعي: رأيت بدوية من أحسن الناس وجهاً لها زوج قبيح، فقلت: يا هذه أترضين أن تكوني تحت هذا؟ فقالت: يا هذا لعله أحسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه، وأسأت فيما بيني وبين ربي فجعله عقوبتي، أفلا أرضى بما رضي الله.
دخل محمد بن عباد على المأمون فجعل يعممه بيده، وجارية على رأسه تبتسم، فقال المأمون: مم تضحكين؟ فقال ابن عباد: أنا أخبرك يا أمير المؤمنين، تتعجب من قبحي وأكرامك لي؛ فقال: لا تعجبي فإن تحت هذه العمة مجداً وكرما.
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم ... إذا كانت الأعراض غير حسان
فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى ... فما كل مصقول الحديد يماني
كان عمر بن أبي ربيعة المخزومي يساير عروة بن الزبير، فقال له: أين زين المواكب؟ يريد ابنه محمد بن عروة، وكان يلقب بذلك لجماله، فقال: هو أمامك؛ فركض يطلبه؛ فقال له عروة: أولسنا أكفاء كراما نصلح لمحادثتك؟ فقال: بلى بأبي أنت وأمي، ولكني مغرى بهذا الجمال أتبعه حيث كان، ثم قال:
إني امرؤ مولع بالحسن أتبعه ... لاحظ لي فيه إلا لذة النظر
ثم مضى عمر حتى لحقه، وجعل عروة يضحك.
كانت لبابة بنت عبد الله بن عباس، وكانت من أجمل النساء، عند الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكانت تقول: ما نظرت إلى وجهي في المرآة ثم أنظر إلى وجه أحد إلا رحمته من حسن وجهي، إلا الوليد، فأني كنت متى أنظر إلى وجهي مع وجهه، رحمت نفسي من حسن وجهه.
قال رجل للأحنف: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!! قال: ما ذممت مني يا ابن أخي؟ قال: الدمامة وقصر القامة؛ قال: لقد عبت علي ما لم أؤامر فيه.
عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة، أصلع الرأس، مراكب الأسنان، أشدق، مائل الذقن، ناتىء الوجنة، باخق العينين، حفيف العارضين، أحنف الرجل، ولكنه إذا تكلم جلى نفسه.
المخارق اليشكري:
وكنت أباهي الرائحين بلمتي ... فأصبح باقي نبتها قد تقضبا
وقد ذهبت إلا شكيراً كأنه ... على ناهض لم يبرح العش أزغبا
خرب القهندز فبرزت جماجم، فتصدعت جمجمة منها، فأنتثرت أسنانها، فوزنت سنان منها فكان وزنها أربعة أرطال؛ فأتي بهما ابن المبارك فجعل يقلبها ويتعجب من عظمها، وقال:
إذا ما تذكرت أجسادهم ... تصاغرت النفس حتى تهونا
الأوقص المخزومي قاضي مكه، كان عفيفاً ظريفاً، فكان يقول: قالت لي أمي، وكانت عاقلة، يا بني إنك خلقت خلقة لا تصلح معها مجامعة الفتيان، لأنك لا تكون مع أحد إلا تخطتك العيون إليه، فعليك بالدين، فإنه يرفع الخسيسة، ويتم النقيصة. فنفعني الله بكلامها.
كان المتوكل أحسن الخلفاء العباسية وجهاً، وأبهاهم منظراً؛ قال المبرد: دخلت عليه، فقال: يا بصري أرأيت أحسن وجهاً مني؟ قلت: ولا أسمح راحة، ثم قلت:
جهرت بحلفة لا أتقيها ... لشك في اليمين أو ارتياب
بأنك أحسن الخلفاء وجهاً ... وأسمح راحتين ولا أحابي
طاف علي بن عبد الله بن عباس بالبيت، وقد فرع الناس، كأنه راكب وهم مشاة، وثم عجوز قديمة، فقالت: من هذا الذي فرع الناس؟ فأعلمت؛ فقالت: لا إله إلا الله! إن الناس ليرذلون، عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض، ويروى: أن علياً كان إلى منكب عبد الله، وعبد الله إلى منكب العباس، والعباس إلى منكب عبد المطلب.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الربعة، ولم يكن بالطويل المشذب؛ وكان إذا مشى مع الطوال طالهم.
اللحية الطويلة عش البراغيث.
ابن عباس يرفعه: من سعادة المرء خفة عارضيه.
نظر يزيد بن مزيد الشيباني إلى رجل ذي لحية عظيمة، قد تلففت على صدره، وإذا هو خاضب، قال: إنك من لحيتك لفي مؤونة! قال: أجل، ولذلك أقول:
لها درهم للدهن في كل جمعة ... وآخر للحناء يبتدران
ولولا نوال من يزيد بن مزيد ... لصبح في حافاتها الجلمان
رأى مزبد رجلاً كثير شعر الوجه فقال: يا هذا، خندق على هذا الوجه كيلا يتحول رأساً.
قال سليمان بن عبد الملك ليزيد بن المهلب: أكره منك ثلاثاً؛ قال: وما هي؟ قال: طيبك يرى، وطيب الرجال توجد له ريحة ولا يرى لونه، وخفك أبيض، وحق الخف أن يخالف لونه لون
الثياب؛ وتكثر مس لحيتك. فغير الطيب والخف، ولم يدع مس لحيته، وقال: ما رأيت عاقلاً يلم به أمر إلا كان معوله على لحيته.
قال المنصور يوماً لعبد الله بن عياش المنتوف: قد نغصت إلي صورتك ونفرت، لئن نتفت شعره من لحيتك لأقطعن يدك؛ فأعفاها حتى عفت؛ فكان عنده يوماً يحدثه بأحاديث أستحسنها، فقال: سلني حاجتك؛ قال: نعم يا أمير المؤمنين، تقطعني لحيتي أعمل بها ما أريد. فضحك وقال: قد فعلت.
أنس: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من أصحابه التزويج، وكان في وجهه دمامة، فقال: أذن تجدني كاسداً؛ فقال: أنك عند الله لست بكاسد.
عون بن عبد الله: من كان في صورة حسنة، ومنصب لا يشينه، ووسع عليه في الرزق، كان من خالصة الله.
ابن عباس رفعه: من آتاه الله وجها حسنا، واسماً حسناً، وجعله في موضع غير شائن له من الحسب فهو من صفوة خلقه.
وعنه عليه الصلاة والسلام: ما حسن الله خلق عبد وخلقه إلا أستحيا أن يطعم لحمه النار.
يقال للجميل المليح: هو مما عمل في طراز الله.
حدق رجل النظر إلى وجه الأمين، فهم به بعض الخدم، فقال بعض الحضور: لا تلمه على النظر إلى زينة الله في عباده.
وكان محمد وأبو عيسى من ولد الرشيد يوسفي زمانهما، وكان الرشيد يقول للمأمون: يا عبد الله أحب المحاسن كلها لك، حتى أنه لو أمكنني أن أجعل وجه أبي عيسى لك لفعلت.
وقال يوماً لأبي عيسى، وهو صبي، ليت جمالك لعبد الله؛ قال: على أن حظه منك لي؛ فعجب من جوابه وضمه إليه.
ولو أنه في عهد يوسف قطعت ... قلوب رجال لا أكف نساء
كثير:
ولو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند لقضى لها
آخر:
للحسن في وجناته بدع ... ما أن يمل الدرس قارئها
قيل لرجل من العرب: ما الجمال؟ قال: غؤور العينين، وأشراف الحاجبين، ورحب الأشداق، وبعد الصوت.
كان مصعب بن الزبير، وكان من أجمل الرجال، جالساً بفنائه بالبصرة، فوقفت امرأة تنظر إليه؛ فقال: ما وقوفك عافاك الله؟ قالت: طفىء مصباحنا فجئنا نقتبس من وجهك مصباحاً.
أراد كاتب أن يكتب جوازاً لرجل وحش الصورة، فلم يقدر على تحليته لفرط دمامته، فكتب: يأتيك بهذا الجواز آية من آيات الله وندره، فدعه يذهب إلى نار الله وسقره.
قال بعض الخلفاء: عرفت أن في وجه بختيشوع قردية؛ فقال نديم له: الغلط من غيرك يا أمير المؤمنين، بل في وجه القرد بختيشوعية.
قال رجل لمنصور بن الحسين الحلاج: أن كنت صادقاً فيما تدعيه فأمسخني قرداً؛ فقال: لو هممت بذلك لكان نصف العمل مفروغاً منه.
ابن الرومي في أبي الصقر:
له محيا يستدل به ... على جميل وللبطنان ظهران
وقل من ضمنت خيراً طويته ... إلا وفي وجهه للخير عنوان
مر أبو الأسود الدؤلي بمجلس لبني قشير فقال بعض فتيانهم: كأن وجهه وجه عجوز قد راحت إلى أهلها بطلاقها.
الجاحظ: ما خجلتني إلا امرأة، حملتني إلى صانع فقالت: مثل هذا؛ فبقيت مبهوتاً، فسألت الصائغ فقال: هي امرأة استعملتني صورة شيطان، فقلت: لا أدري كيف أصوره، فأتت بك فقالت مثله وقرع قوم عليه الباب، فخرج غلامه، فسألوه ما يصنع؛ فقال: هو ذا يكذب على الله؛ قيل كيف؟ قال: نظر في المرآة فقال: الحمد لله الذي خلقني فأحسن صورتي.
كان يقال في الطويل البهاء، وفي القصير الكيس، وفي الربعة الخير كله.
حج مخنث فرأى رجلاً قبيح الوجه يستغفر؛ فقال: يا حبيبي ما أرى لك أن تبخل بهذا الوجه على جهنم.
قال رجل للجماز: خرج بي دمل في أقبح موضع؛ قال: كذبت، هوذا أرى وجهك ليس فيه شيء.
قالت امرأة بشار له: لو رأيت وجهك لائتزرت عليه كما تأتزر على عورتك.
خرج رجل قبيح الوجه إلى اليمن فقال:
لم أر وجها حسنا ... منذ دخلت اليمنا
فيا شقاء بلدة ... أحسن من فيها أنا
محمد بن ياقوت:
كتاب إلى الحسن توقيعه ... من الله في خده قد نزل
آخر:
كأن بهجته أكتسب ... حسن الأقالة للذنوب
العتبي: سرح المهدي لحيته وقبض عليها، فكأنه أستصغرها؛ فأحسن به أعربي فقال: يا أمير المؤمنين، أن لحيتك لجميلة أصيلة، لم تطل فتستسمج، ولم تصغر فتستقبح، بل خرجت بمقدار
من صانع أحكم صنعتها، وأحسن نباتها، فمن رأى صاحبها أفلح. ومن طلب إلى حاملها أنجح؛ ثم قال:
لا تعجبن بلحية ... كث منابتها طويلة
يهوى بها عصف الريا ... ح كأنها ذنب الحسيلة
قد يرزق الشرف الفتى ... يوما ولحيته قليلة
فأعجب بكلامه ووصله.
قال المنصور: لابن عياش المنتوف: لو تركت لحيتك، أما ترى عبد الله بن الربيع ما أحسنه!! قال: يا أمير المؤمنين، والله لأنا أحسن منه؛ قال: يا سبحان الله وتحلف أيضاً!! قال: أن لم دقني فأحلق لحيته، وأقمه إلى جانبي فأنظر أينا أحسن.
باع ولد للحسن أسمه عبد الله، وكان طويل اللحية، فرساً فأستغلاه المشتري، فوضع عنه الحسن مائة درهم؛ فقال عبد الله: هو يسألني أن أضع عنه خمسة أو عشرة، وأنت تضع عنه مائة!! فقال: يا بني أن كان الناس يعطون أجورهم على قدر لحاهم، فقد أعطيت منها حظاً. أراد أستحماقه في رده عليه، وأستكثاره المائة.
عبيد الله بن إسحق بن سلام المكاري:
وتكيد ربك في مغارس لحية ... الله يزرعها وكفك تحصد
تأبى السجود لمن يراك تمرداً ... وترى العبيد الأرذلين فتسجد
كان يقال: من تزوج امرأة، وأتخذ جارية، فليستحسن شعرها، فإن الشعر الحسن أحد الوجهين.
وكان ابن شبرمة يقول: ما رأيت على رجل لباساً أحسن من فصاحة، ولا رأيت على امرأة لباساً أحسن من شعر.
وعن عمر رضي الله عنه: إذا تم بياض المرأة مع حسن شعرها فقد تم حسنها؛ والعجيزة الوجه الثاني.
سأل المتوكل امرأته ريطة بنت العباس أن تطم شعرها وتتشبه بالمماليك؛ فأبت؛ فخيرها بين ذلك وبين الفراق؛ فأختارت الفراق؛ فطلقها. كان طم الشعر عندها أكبر الطامتين.
طخيم بن عبد الله الأسدي، حلق شعره شرطي الكوفة فقال:
وبالحيرة البيضاء شيخ مسلط ... إذا أكد الإيمان بالله برت
لقد حلقوا منها غداقاً كأنه ... عناقيد كرم أينعت فأسبكرت
تظل العذارى حيث تحلق لمتى ... على عجل يلقطنها حيث خرت
كان يزيد بن الطثرية غزلاً، ذا جمة فينانة، وكان ثور أخوه كثير المال؛ فكان يأتي العطار فيقول: أدهني دهنة بناقة من إبل ثور، فأهلك مال أخيه، فأستعدى عليه السلطان، فأمره بحلق رأسه، فقال:
أقول لثور وهو يحلق لمتي ... بعقفاء مردود على نصابها
إلا ربما يا ثور فرق بينها ... أنامل رخصات حديث خضابها
فجاء بها ثور ترف كأنها ... سلاسل درع لينها وأنسكابها
ورحت برأس كالصخيرة أشرفت ... عليها عقاب ثم طارت عقابها
رأى فيلسوف سميناً فقال: ما أكثر عنايتك برفع سور حبستك.
رأى عمر رضي الله عنه رجلاً يأنح ببطنه من السمن، فقال: ما هذا؟ قال: بركة من الله؛ قال: بل هو عذاب يعذبك الله به.
الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: ما رأيت سميناً عاقلاً إلا محمد بن الحسن.
الحسن: ترى أحدهم أبيض بضاً، يملخ في الباطل ملخاً، ينفض مذرويه، ويضرب أسدريه، يقول: ها أنذا فأعرفوني؛ قد عرفناك، فمقتك الله ومقتك الصالحون.
لا أعشق الأبيض المنفوخ من سمن ... لكنني أعشق السمر المهازيلا
إني امرؤ أركب المهر المضمر في ... يوم الرهان فدعني وأركب الفيلا
الشعبي في وفادته على عبد الملك: لما دخلت عليه صعد في البصر ثم صوبه، وقال: يا شعبي إني لأراك ضئيلاً. قلت أصلح الله أمير المؤمنين، إني زوجمت في الرحم؛ وكان الشعبي توأماً، فقال: لئن لطف المنظر فقد عظم المخبر.
دخل الحسن في يوم صائف على الحجاج، وهو في بيت فيه النلج والخلاف، فقال له: أخلع قميصك؛ فجعل يعالج زره فأبطأ، فطأطأ رأسه يريد أن يتعاطاه بيده؛ ثم قال: يا أبا شعيد مالي أراك منهوك الجسم، لعل ذلك من سوء ولاية، وقلة نفقة، ألا نأمر لك بخادم لطيف، ونفقة توسع بها على نفسك! قال: إني من الله في سعة، وإني منه لفي عافية، ولكن الكبر والحر؛ فقال: لا والله، ولكن العلم بالله، والزهد فيما نحن فيه.
قيل لأعرابي: أتعرف الجمال؟ قال: أي لعمري؛ قالوا: وما هو؟ قال: عظم الأنف، وسعة الشدق، وضخم القدمين والكفين.
خطب رجل عظيم الأنف امرأة، فقال لها: قد علمت شرفي، وأنا كريم المعاشرة محتمل للمكاره؛ فقالت: ما أشك في أحتمالك المكروه، مع حملك هذا الأنف منذ أربعين سنة.
ابن الرقيات:
زعم ابن قيس وهو غير مكذب ... أن القباح بقوتهن عوال
أن القباح على الرجال رزية ... لا تنكحن قبيحة بقبال
سأل ابن قريعة القاضي رجل عن حد القفا، يريد تخجيله، فقال: ما أشتمل عليه جربانك، ومازحك فيه أخوانك، وأدبك عليه سلطانك، وباسطك فيه غلمانك؛ هذه حدود أربعة.
كان واصل بن عطاء طويل العنق، فنظر إليه رجل يوماً فقال: لا يفلح هذا ما دامت عليه هذه العنق؛ وفيه يقول بشار:
عنق الزرافة ما بالي وبالكم ... تكفرون رجالاً كفروا رجلاً
قيل لعراقية ظريفة: ما بال شفتيك متشققة؟ فقالت: التين إذا حلا تشقق.
تهمة مشاطة أم البنين: جلوت أم البنين بنت موسى بن عقال على زوجها عمرو ابن الشريد وكيل المهدي، وكانت النساء يتحدثن بجمالها، فعقربت صدغيها، فوقع أحد الصدغين على خال في مؤخر خدها، فمدت يدها إلى وجهها كأنها تميط عنه شيئاً، فنحت صدغها، فبرز الخال كأنه هلال، تجلت عنه غمامة في ليلة مظلمة، فوثب عمرو إليها، فقبل موضع الخال؛ ثم دعا بكيس فيه دنانير، فوهب لي منه قبضة، ثم نثر الباقي على رأسها، وقال: يا تهمة، كتمتني أحسن شيء في وجهها؛ والله ما يسرني أن لي بدلاً من هذا الخال وزارة أمير المؤمنين.
يقال: طول الأذن دليل على طول العمر؛ قال:
بأغضف الأذن طويل العمر ... وأرنب الخلة تلو الدهر
زعموا أن شيخا من الزنادقة قدم للقتل، فعدا إليه غلام فقال: يا سيدي، زعمت أن من طالت أذنه طال عمره، فهو ذا يقتلونك؛ فقال: إنما قلت لو تركوه.
كانت في زمن الحسن فتاة عابدة اسمها بريرة، وكانت بكاءة؛ فقيل له: عظها فأنا نخشى على عينيها؛ فقال لها: أن لعينيك عليك حقاً فأتقي الله؛ فقالت: أن أكن من أهل النار فأبعد الله بصري، وأن أكن من أهل الجنة ليبدلني الله بهما خيراً. فبكى الحسن.
أسحق بن خلف في قصير طويل اللحية:
ماشيت داود فأستضحكت من عجب ... كأنني والد يمشي بمولود
ما طول داود إلا طول لحيته ... يظل داود فيها غير موجود
تكنه خصلة منها إذا نفخت ... ريح الشمال وجف الماء في العود
الجاحظ: ما أكثر من يظن أن الصورة التي ترونها في الحدقة عند المقابلة ثابتة هناك، ويسمونها أنسان العين، وإنما هي صورتك عند نظرك فيها، كما تراها في المرآة.
قالت امرأة من تغلب:
أنا إذا ما أفتخرت تغلب ... منها الأناسي التي في الحداق
أبو الحسن المغربي:
قلبي أسير في يدي مقلة ... ضيقة ضاق لها صبري
كأنها في ضيقها عروة ... ليس لها زر سوى السحر
كان يقال: إذا رأيت طويلاً عاقلاً فأسجد له.
في التوراة: إذا لم يكن القصير خبيثاً فهو مسخ.
نظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة فقال: يا هذا إني لأرى عليك قطيفة من نسج أضراسك.
عمر بن أبي ربيعة:
حسروا الأكمة عن سواعد فضة ... فكأنما انتضيت متون صوارم
قال للقمان الحكيم سيده: أذبح لي شاة وأئتني بأطيب مضغتين فيها؛ فأتاه بالقلب واللسان؛ فسكت عنه ما سكت؛ ثم أمره بذبح شاة وقال: ألق أخبث مضغتين؛ فرمى بالقلب واللسان، وقال: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا. ولا أخبث منهما إذا خبثا.
أبو سليمان الواسطي: إنما القلب بمنزلة المرآة، إذا جليت لم يمر بها شيء إلا مثل فيها، وإذا صدئت لم يمثل فيها شيء.
أبو اليمان كان عندنا شيخ يزعمون أنه يعرف اسم الله الأعظم؛ فسألته، فقال: يا ابن أخي تعرف قلبك؟ قلت: نعم، قال: إذا رأيته قد رق وأقبل، فاسأل الله حاجتك، فذاك اسم الله الأعظم.
رفع رجل من لحية مدني شيئاً، فلم يدع له، فغضب وقال:: أما فيك ما تدعو لي بخير وقد أمطت عنك الأذى؟ قال: يا أخي لا تغضب، ما منعني أن أقول: صرف الله عنك السوء إلا مخافة أن يصرف الله وجهك، فتبقى بلا وجه، وكان دميما.
أسر سلمة من مرة الناموس امرء القيس بن النعمان اللخمي، وكان الناموس قصيراً مقتحما، واللخمي طويلاً جسيماً، فأبصرته بنت له، فقالت: أهذا القصير أسر أبي؟ فقال:
ألا زعمت بنت امرىء القيس أنني ... قصير وقد أعيا أباها قصيرها
ورب طويل قد نزعت سلاحه ... وعانقته والخيل تدمى نحورها
ولو شهدتني يوم ألقيت كلكلي ... على شيخها ما أشتد مني نكيرها
لم يزل شقة بن ضمرة الأسدي يغير على النعمان بن المنذر ينقص أطرافه، حتى عيل صبره، فبعث إليه أن لك ألف ناقة على أن تدخل في طاعتي؛ فوفد عليه، وكان صغير الجثة، فأقتحمته عينه فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه؛ فقال: مهلاً أيها الملك، أن الرجال ليسوا بجزر تراد منهم الأجسام، إنما المرء بأصغر قلبه ولسانه، فإذا نطق نطق بلسان، وأن صال صال بجنان، وأنشأ يقول:
كم من قصير شديد القلب محنتك ... على العشيرة بالأفضال مشتهر
تنبو الحماليق عنه حين تبصره ... ما أن له في دهاس الأرض من أثر
فإن وكلت إليه لم يكن وكلاً ... من الصلادمة المصقولة البتر
يا أيها الملك المرجو نائله ... إني لمن معشر شم الذرى زهر
فلا تغرنك الأجساد أن لنا ... أحلام عاد وأن كنا إلى القصر
فكم طويل إذا أبصرت جثته ... تقول هذا غداة الروع ذو ظفر
فإن ألم به أمر فأفظعه ... رأيته خاذلاً للأهل والزمر
فقال: صدقت، فهل لك علم بالأمور؟ فقال: أني لأنقض منها المفتول، وأبرم منها المسحول، وأحيلها حتى تحول، ثم أنظر فيها إلى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب، من لا ينظر في العواقب؛ قال: فأخبرني ما السوأة السوآء، وما الداء العياء؟ قال: أمما السوأة السوآة فالمرأة الصخابة الوثابة، البذية السبابة، التي تصخب من غير صخب، وتضحك من غير عجب، الكثير عيبها، المخوف غيبها، فأهلها منها في عناء، وزوجها منها في بلاء، وأن كان مقلاً عيرته، وإن كان ذا مال غيرته، فأراح الله منها بعلها، ولا متع بها أهلها.
وأما الداء العياء فجار السوء إذا قاولته شتمك، وأن شاتمته بهتك، وأن غبت عنه سبعك، فإذا كان كذلك فخل له قراراك، وعجل منه فرارك وأن ضننت بالدار، فكن فيها كالكلب الهرار، وقر بالذل والصغار.
قال: فما العجز الظاهر والفقر الحاضر؟ قال: فأما العجز الظاهر فالرجل القليل الحيلة، اللزم للحليلة، الذي يطيع قولها، ويحوم حولها، فإن غضبت ترضاها، وإن رضيت تفداها.
وأما الفقر الحاضر فالرجل الذي لا يشبع نفسه، وإن كان من ذهب حلسه.
قال: فأنعت لي المرأة الصالحة؛ قال: لا ضرع صغيرة، ولا عجوز كبيرة، عاشت في نعيم فأدركتها الفاقة، فخلائق كرم النعيم معها، وبؤس الفاقة فيها، خليعة مع زوجها، حصان من جارها، إذا أجتمعا كانا أهل دنيا، وإذا افترقا كانا أهل آخرة.
فتعجب من فصاحته وعقله، وقال: أنت ضمرة بن ضمرة فأقبض مالك، وأعلمنا شأنك، فإن أقمت آسيناك، وإن شخصت وصلناك؛ قال: قرب الملك سناء ورفعة؛ فأكرمه وأعطاه الأبل، وجعله من ندمائه.
قالوا: عظم الجبين يدل على البله، وعرضه على قلة العقل، وصغره على لطف الحركة، وأستدارته على الغضب. والحاجبان إذا اتصلا على أستقامة دلا على تخنيث وأسترخاء؛ وإذا تزججا منحدرين إلى طرف الأنف دلا على لطف وذكاء؛ وإذا تزججا نحو الصدغين دلا على طنز وأستهزاء.
والعين إذا كانت صغيرة الموق دلت على سوء دخلة، وخبث شمائل؛ وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد؛ والعين المتوسطة دليل فطنة وحسن خلق ومروءة؛ والناتئة على اختلاط عقل؛ والغائرة على حدة؛ والتي يطول تحديقها على قحة وحمق؛ والتي يطول طرفها على خفة وطيش.
والشعر على الأذن يدل على جودة السمع؛ والأذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان.
مسلم بن الوليد:
فغطت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع
كشاجم:
غذتها نعمة ولذيذ عيش ... فأنبت صدرها ثمر الشباب
الصابي:
فقال شفاؤه الرمان مما ... تضمنه حشاه من السعير
فقلت لهم أصاب بغير قصد ... ولكن ذاك رمان الصدور
السري الموصلي:
مقدودة خرطت أيدي الشباب لها ... حقين دون مناط العقد من عاج
رأت عجوز طلحة يوم الجمل فقالت: من هذا الذي وجهه كأنه الدينار الهرقلي؛ ثم رأت الزبير فقالت: من هذا الذي كأنه أرقم يتلمظ؛ ثم رأت علياً فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر.
بكر بن عبد الله: رحم الله امرءاً كان قوياً فأعمل قوته في طاعة الله، وكان ضعيفاً فكف لضعفه عن معصية الله.
وقال بزرجمهر: من يقو فليقو على طاعة الله، ومن ضعف فليضعف عن محارم الله. قال ابن المقفع: ليجهد البلغاء أن يزيدوا في هذا حرفاً.
شاعر:
تأملت أسواق العراق فلم أجد ... دكاكينها إلا عليها المواليا
جلوساً عليها ينفضون لحاهم ... كما نفضت عجف البغال المخاليا
علي بن الجهم:
كنت أشتاق فما يحجزني ... عنك إلا حاجز يحجبني
ناهد في الصدر غضبان على ... قبب البطن وطي العكن
شاخصاً ينظر أعجابا إلى ... غيد الجيد وحسن الذقن
يملأ الكف ولا يقضلها ... وإذا ثنيته لا ينثنى
أبو جهمة الكوذي:
أنا أبو جهمة في جلد الأسد ... علي منه لبد بعد لبد
ململم الهامة مضبور الكتد أجارت أم هانىء بنت أبي طالب الحارث بن هشام يوم الفتح، فدخل عليها علي، فأخذ السيف ليقتله، فوثبت فقبضت على يده، فلم يقدر أن يرفع قدميه من الأرض، وجعل يتفلت منها ولا يقدر. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إليها فتبسم، وقال: قد أجرنا من أجرت؛ ولا تغضبي عليا فإن الله يغضب لغضبه، وقال: يا علي أغبتك امرأة؟ فقال: يا رسول الله، ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض؛ فضحك النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: لو أن أبا طالب ولد الناس لكانوا شجعانا.
أبو طلق عدي بن حنظلة التيمي قال لامرأته ورآها تحتف بخيط كتان:
أستعيني بقطرة من جمال ... هي خير من كل ما تصنعينا
ذاك أدنى للحسن من أن تحفى ... بخيوط الكتان منك الجبينا
أبو مطر البصري النضري: خرجت من باب المسجد، وعلي أزار طويل، ربما عثرت به، وإذا بمن يناديني من خلفي: أي بني أرفع ذيلك فإنه أبقى لثوبك، وأتقى لربك، وخذ من شاربك أن كنت مسلما.
فنظرت فإذا هو علي رضي الله عنه.
أفتقد صالح بن كيسان عمر بن عبد العزيز في صلاة؛ فقال: ما حبسك عن الصلاة؟ قال: كانت مرجلتي تسكن شعري؛ فقال وبلغ من حبك تسكين شعرك ما تتخلف له عن الصلاة. فبلغ ذلك أباه، فأنفذ إليه من لم يكلمه حتى حلق شعره.
كعب الأحبار: قسم الله الحسن عشرة أعشار، فأعطى آدم تسعة أعشار، ونصف العشر الباقي يوسف عليه السلام، والنصف الآخر سائر الناس.
باب
الأخلاق، والعادات الحسنة والقبيحة
والغضب والرفق، والعنف والرقة، والقسوة، وخفة الروح، والثقل
إبراهيم بن العباس: والله لو وزنت كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاسن الناس لرجحت، وهي قوله: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.وعنه عليه السلام: حسن الخلق زمام من رحمة الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الملك، والملك يجره إلى الخير، والخير يجره إلى الجنة. وسوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الشيطان، والشيطان يجره إلى الشر والشر يجره إلى النار.
الحسن بن علي يرفعه: أن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وإنه ليكتب جبارا وما يملك إلا أهله.
الأشعري: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وامرأة بين يديه، فقلت: الطريق لرسول الله! فقالت: الطريق معترض، أن شاء أخذ يمينا، وأن شاء أخذ شمالا. فقال عليه السلام: دعوها فأنها جبارة.
بعض السلف: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب، والسيء الخلق أجنبي عند أهله.
شاعر
إذا رام التخلق جاذبته ... خلائقه إلى الطبع القديم
الأحنف: ألا أخبركم بالمحمدة بلا مرزئة، الخلق السجيح والكف عن القبيح، ألا أخبركم بأدوأ الداء: الخلق الدنيء واللسان البذىء.
عنه عليه السلام: أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن.
عبد الله بن عمرو: ثلاثة من قريش أحسن قريش أخلاقا، وأصبحها وجوها، وأشدها حياء، أن حدثوك لم يكذبوك، وأن حدثتهم بحق أو باطل لم يكذبوك: أبو بكر الصديق أبو عبيدة ابن الجراح، وعثمان بن عفان.
ابن عباس: ورد علينا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان المدينة واليا، وكأن وجهه ورقة من ورق المصاحف، فو الله ما نرك ف(ينا عانيا إلا فكه، ولا غريما إلا أدى عنه، ينظر إلينا بعين أرق من الماء، ويكلمنا بكلام أحلى من الجنى، ولقد شهدت منه مشهداً لو كان من معاوية لذكرته به، تغدينا عنده يوما، فأقبل الخباز بالصحفة فعثر بالوسادة فندرت الصفحة من يده، فو الله ماردها إلا ذقنه، وصار ما فيها في حجره، ومثل الغلام قائما ما معه من روحه إلا ما يقيم رجله، فقام فدخل فغير ثيابه، وأقبل إلينا تبرق أسارير وجهه، فأقبل على الخباز فقال: يا بائس! ما أرانا إلا قد روعناك، أنت وأولادك أحرار لوجه لله تعالى.
النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف، أن قيد أنقاذ، وأن أنيخ على صخرة أستناخ.
أبو رجاء العطاردي: من سره أن يكون مؤمنا ثبتاً فليكن أذل من قعود كل من مر به أرغاه.
فضيل: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلى من أن يصحبني عابد شيء الخلق. أن الفاسق إذا حسن خلقه خف على الناس وأحبوه، والعابد إذا ساء خلقه ثقل عليهم ومقتوه.
شاعر:
كم عزيز أذله خرقه ... وذليل أعزه خلقه
العتاسي:
وكم نعمة آتاكها الله جزلة ... مبرأة من كل شيء يذيمها
فسلطت أخلاقاً عليها ذميمة ... تعاورنها حتى تفرى أديمها
ولوعاً وأشفاقاً ونطقاً من الخنا ... بعوراء يجري في الرجال نميمها
وكنت امرء لو شئت أن تبلغ المدى ... بلغت بأدنى نعمة تستديمها
ولكن فطام النفس أثقل محملاً ... من الصخرة الصماء حين ترومها
أخلاق الملوك مثل في التلون، قال:
ويوم كأخلاق الملوك ملون ... فصحو وتغييم وطل ووابل
أشبهه إياك يا من صفاته ... دنو وأعراض ومنع ونائل
ابن همام السلولي:
أقرب الأشياء من أخلاقه ... كل لون لونت قوس قزح
صالح بن عبد القدوس:
قل للذي لست أدري من تلونه ... أناصح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك نأسوتي
تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل عنك تأتيني
هذان شيئان شتى بون بينهما ... فاكفف لسانك عن شتمي وتزييني
لألف لجوج جموج خير من واحد متلون.
يشبه المتلون بأبي براقش وأبي قلمون، فأبو براقش طائر منقط بألوان النقوش يتلون في اليوم ألواناً، قال:
أن يغدروا أو يجنبوا أو ... يبسخوا لا يحلفوا
وغدوا عليك مرجلين كأنهم لم يفعلوا
كأبى براقش كل لو ... ن لونة يتخيل
وأبو قلمون ضرب من ثياب حرير ينسج بالروم ومصر يتلون ألوانا قال:
أنا أبو قلمون ... من كل لون أكون
وقال أبو بكر الخوارزمي:
والله لا فارقت كفى قفاه ولم ... ينسج أبا قلمون في نواحيه
ويقال للطائش الذي لا ثبات له أبو رياح، تشبيها بتمثال فارس من نحاس بمدينة حمص، على عمود حديد فوق بباب الجامع يدور مع الريح، ويمناه ممدودة، وأصابعها مضمومة إلا السبابة، إذا إذا أشكل عليهم مهب الريح عرفوه به، فإنه يدور بأضعف نسيم يصيبه. والذي يعمل الصبيان من قرطاس على خشبه يسمى أبا رياح أيضا.
شاعر
سريع العلوق إذا ما اشتهى ... سريع النزوع إذا ما علق
فبينا يرى عاشقا إذ صحا ... وبينا يرى صاحيا إذ عشق
له خلق خلق وشأن شائن، وشيمة مشؤومه، وخيم وخيم.
أبى الله لسيء الخلق التوبة، لأنه لا يخرج من ذنب إلا دخل في آخر لسوء خلقه.
النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يعذرون بسوء الخلق: المريض، والصائم، والمسافر.
أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون، فإذا رسول الله قبض قفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: أنيس أذهب حيث أمرتك، والله لقد خدمته تسع سنين، وروي عشر سنين، ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت.
أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المجس ويحدثنا، فإذا قام قمنا قياما واحداً حتي نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه، فحدثنا يوما، فقمنا حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته، وكان رداؤه خشنا، فألتفت فقال له الأعرابي: أحملني على بعيري هذين فإنك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك. فقال: لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا أحملك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني، فكل ذلك يقول له الأعرابي: والله لأقيدكها، ثم دعا رجلا فقال له أحمل له بعيريه هذين، على بعير شعيرا وعلى الآخر تمرا.
جعل عمرو بن الأهتم لرجل ألف درهم على أن يسفه الأحنف فلم يأل في شتمه والأحنف مطرق صامت، فأقبل يعض إبهاميه ويقول: والله ما يمنعه من جوابي إلا هواني عليه، إلى أن أراد القيام إلى الغداء، فقال له: إن غداءنا قد حضر فأنهض بنا إليه أن شئت، فإنك منذ اليوم تحدو بجمل ثقال.
جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه، ولم تكن بمنصب مرضي؛ فأتاه وهو بمصر أمير عليها، فقال: أردت أن أعرف أم الأمير، فقال: نعم، كانت امرأة من عنزة ثم بني عجلان تسمى ليلى وتلقب النابغة، أذهب فخذ فأجعل لك.
وقال رجل لآخر: لو قلت واحدة لسمعت عشرا؛ فقال: لو قلت عشرا لما سمعت واحدة.
سب رجل رجلا فلم يلتفت إليه، فقال له: إياك أعني، قال: وعنك أعرض.
قال شامي: دخلت المدينة فرأيت رجلا على بغلة، لم أر أحسن لباسا منه ولا أفره مركبا، فسألت عنه فقيل الحسن بن علي، فأمتلأت له بغضا، فدنوت منه فقلت: أأنت ابن أبي طالب؟ قال: أنا ابن ابنه، قلت: فبك وبأبيك أسبهما، قال: أحسبك غريبا، قلت: أجل، قال: إن عندنا منزلا واسعا ومعونة على الحاجة ومالا نواسي به، فأنطلقت وما على وجه الأرض أحب إلي منه.
سمعت ببعض الحكماء امرأة وهو صامت، فأشتد غيظها من سكوته، فصبت عليه غسالة الثياب على رأسه وعلى كتاب نفيس في يده، فرفع رأسه وقال: رأيتك من زمان تبرقين وترعدين حتى أمطرت الساعة.
الحسن: أن أفضل رداء تردي به الحلم، وهو والله أحسن عليك من برد الحبر. وفيه نظر أبو تمام حيث قال:
رقيق حواشي الحلم لو أن حلمه ... بكفيك ما ماريت في أنه برد
وبهذا يلجم الغاض منه. كما وصفه المسيب بن علي بالعذوبة والطيب قال:
وكالشهد بالراح أحلامهم ... وأحلامهم منهما أعذب
وكالمسك ترب مقاماتهم ... وترب قبورهم أطيب
وليس يلازم إذا شبه الحلم في رجاحته بالجبل أن لا يشبه في حسنه بالبرد المحبر، وفي طيبه بالشهد مع الراح.
شاعر
وإذا الجهول طمت به غلواؤه ... فأجعل له الحلم الرصين لجاما
الحليم قدام السفيه.
علي عليه السلام: أول غرض لحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل.
أغضب زيد بن جبلة الأحنف فوثب إليه فأخذ بعمامته وتناصيا فقيل له: أين الحلم؟ قال: لو كان دوني أو مثلي لحلمت ورأوه يدق الرماح في الصدور في بعض أيام صفين، فقيل له: أين خلفت الحلم يا أبا بحر؟ قال: عند عقد الحبي.
الحليم سليم، والسفيه كليم.
ما تقلد امرؤ قلادة أحسن من حلم.
الأحنف: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال.
مسكين الدارمي:
وعوراء من قيل امرىء قد رددتها ... بسالمة العينين طالبة عذرا
ولو أنني إذا قالها قلت مثلها ... أو أكبر منها أورثت بيننا غمرا
فأعرضت عنه وأنتظرت به غدا ... لعل غداً يبدي لناظره أجرا
لأنزع ضباً جائماً في فؤاده ... وأقلم أظفاراً أطال بها حفرا
جاء الأحنف إلى باب بعض الأمراء فجلس ينتظر الأذن، فمرت به سقاءة فقالت: يا شيخ أحفظ علي قربتي حتى أعود: فخرج الآذن بالأذن، فقال: أن معي وديعة؛ ولم يزل قاعدا حتى جاءت السقاءة.
وعنه: ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم، فقال له رجل: أنت أعز العرب، قال: الناس يرون الحلم ذلا.
أنتهى الشعبي إلى قوم في المسجد يذكرونه، فأخذ بعضادتي الباب وأنشد:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما أستحلت
وشتمه رجل فقال: أن كنت كاذبا فغفر الله لك، وإن كنت صادقا فغفر الله لي.
محمد بن عجلان: ماشيء أشد على الشيطان من عالم معه حلم، فإن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم، يقول الشيطان ق سكوته أشد علي من كلامه.
علي رضي الله عنه: من لان عوده كثف أعضانه.
شاعر:
إذا كنت تبغي شيمة غير شيمة ... طبعت عليها لم تطعك الضرائب
آخر:
أصعب من نقل جبل ... نقل السجيات الأول
عمر: ليت شعري متى أشفي غيظي؟ حين أقدر فيقال: ألا غفرت؟ أم حين أعجز فيقال: ألا صبرت؟ إبراهيم بن أدهم: أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق فلم أجده.
النبي عليه السلام: أن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألا ترى إذا غضب حمرة عينيه وأنتفاخ أوداجه، فمن وجد من ذاك شيئا فليلصق خده بالأرض.
لقمان: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان، من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.
ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة إن سلما ضربه بأنسياط، فأستشاط وقال: أعلي يجترىء سلم؟ والله لأجعلنه نكالا. فأطرق جلساؤه، ثم هدأ غضبه وجعل يقرأ كتبا بين يديه، فقال ابن عياش، وكان أجرأهم عليه؛: يا أمير المؤمنين قد رأينا من غضبك على سلم ما شغل قلوبنا، وأن سلما لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطأطىء منه ما رفعت، ويفسد ما صنعت فلم يحتمل ذلك، وروي لنا عن جدك عبد الله بن عباس رضي الله عنه: غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وغضب النبطي في استه، فإذا حرى ذهب غضبه. فضحك المنصور وكف عن ذكر سلم.
قيل لأعرابي: كيف وجدت فلانا؟ قال: بخير، زين الحلم، واسع العلم، أن فاخرته لم يكذب، وأن مازحته لم يغضب.
راجز:
أروع بسام وأن لم تعجب ... أقصى أكليله له كالأقرب
أن يمزج القوم به لا يغضب عيسى عليه السلام: يباعدك من غضب الله أن لا تغضب.
وعن علي بن الحسين: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب.
في التوراة: إذكرني إذا غضبت إذكرك إذا غضبت فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت فأصبر وأرض بنصرتي، فإن نصري لك خير من نصرتك لنفسك.
بكر بن عبد الله المزني: اطفئوا الغضب بذكر جهنم.
مورق العجلي: أنه لتأتي علي السنة ما أغضب، ووالله ما قلت في غضبي شيئا أندم عليه إذا رضيت.
كان ابن عون إذا غضب على لسان وبلغ منه قال: بارك الله فيك. وكانت له ناقة كريمة عليه، فضربها الغلام فأندر عينها، فقالوا: أن غضب ابن عون فإنه يغضب اليوم، فقال للغلام: غفر الله لك.
فضيل: بلغني أن لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن شفي غيظه بمعصية الله تعالى.
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي شيء أشد؟ قال: غضب الله، قال: فما يباعدني من غضب الله؟ قال: أن لا تغضب.
أهدى مطيع بن إياس إلى حماد عجرد غلاما وكتب إليه: قد بعثت إليك بغلام يتعلم عليه كظم الغيظ.
أبا العتاهية:
ولم أر في الأعداء حين أختبرتهم ... عدواً لعقل المرء أعدى من الغضب
علي عليه السلام: تجرع الغيظ، فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة، ولا ألذ مغبة. وروي: ما من جرعة أحمد عقبانا من جرعة غيظ تكظمها.
يقال للمغتاظ: بين جنبيه رضفة تتقلى، ويقال: حرك خشاشه، أي أغضبه، ويقال: هرق على جمرك، أي: سكن غضبك.
شاعر:
فتى أن يرض لم ينفعك شيئاً ... وأن يغضب عليك فلا تبالي
عبد الله بن عمرو: إياك وعزة الغضب فيضيرك إلى ذل الأعتذار.
وإذا ما عرتك في الغضب العزة فإذكر مذلة الأعتذار.
يشبه الغضب الذي لا سبب له بغضب الجلاد، وقيل: ثلاث لا يعرف لهن: غضب الجلاد، وفرحة القواد، وشقشقة البعير الهائج.
من أطاع الغضب أضاع الأدب.
لقمان: إذا أردت أن تؤاخي أخاً فأغضبه، فإن أنصفك وهو معضب فآخه، وإلا فأحذره.
أبو هريرة: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
ابن مسعود: كفى بالرجل إثماً أن يقال له أتق له الله فيغضب ويقول: عليك نفسك.
الأحنف: قوة الحلم على الغضب أفضل من قوة الأنتقام. وقال: كنا نعد المروءة الصبر على كظم الغيظ، ومن لم يصبر على كلمة سمع كلمات.
كان علي بن بكار إذا غزا لم يضحكن فقيل له: لم لا تضحك يا أبا الحسن؟ قال: إنما أغزو غضبا لله، والغضبان لا يضحك.
سأل دواد سلمان حين ترعرع عما هو أشد وقعا من الجمر فقال: البهتان عند الغضب.
عروة بن محمد: كلمه رجل بكلام فغضب غضباً شديداً، فقام فتوضأ، ثم جاء فقال: حدثني أبي عن جدي عطية وكانت له صحبة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الغضب من الشيطان، وأن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.
عمر رضي الله عنه غضب يوما فدعا بماء فأستنشق وقال: أن الغضب من الشيطان، وهذا يذهب بالغضب.
عروة بن محمد: لما أستعملت على اليمن قال لي أبي: أوليت؟ قلت: نعم، قال: فإذا غضبت فأنظر إل السماء فوقك وإلى الأرض أسفل منك ثم أعظم خالقهما.
غضب عمر بن عبد العزيز فلما سكت غضبه فقال له ابنه عبد الملك: وأنت في الوضع الذي وضعك الله فيه، وولاك من أمر أمة محمد ما ولاك يبلغ بك الغضب ما أرى! قال: أو ما تغضب يا عبد الملك؟ قال: بلى، ولكن ما تنفع سعة بطني إذا لم أرد فيه غضبي حتى يسكن.
عروة بن محمد: مكتوب في الحكمة إياك وشدة الغضب فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم.
خيثمة: كانوا يقولون: أن الشيطان يقول: وكيف يفلتني ابن أدم؟ وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه، وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه.
جعفر بن محمد: الغضب مفتاح كل شر.
الخدري يرفعه: ألا أن نبي آدم خلقوا على طبقات: منهم بطىء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء.
ألا وإن خيرهم البطىء الغضب السريع الفيء، وشرهم السريع الغضب البطىء الفيء.
كان يقال: أتقوا الغضب فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل.
عبد الله: أنظر إلى حلم الرجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب، وما علمك بآمانته إذا لم يطمع.
سليمان بن داود لأبنه: أياك وغضب الملك الظلوم فإن غضبه لغضب ملك الموت.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فأحبسه، فإذا سكت غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة أسواط.
كان زياد إذا أغضبه رجل حبسه ثلاثة أيام ثم دعا به، فإن رأى عقوبة عاقبه، قال وإنما منعني من عقوبته أول يوم مخافة أن أكون عاقبته للغضب، وإن لم ير عليه عقوبة خلى سبيله.
حكيم: من أجاب شهوته وغضبه قاداه إلى النار.
أمر عمر بن عبد العزيز غلامه بأمر فغضب، فقال له ابنه عبد الملك: ما هذا الغضب والأختلاط؟ فقال: إنك لمتحلم، قال: والله ما هو التحلم ولكنه الحلم، فقال عمر: لولا أن أكون زين لي من أمره ما يزين في عين الوالد من الولد لرأيت أنه أهل للخلافة.
حاتم:
تحلم عن الأذنين وأستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتي تحلما
منى ترق أضغان العشيرة بالأنى ... وكف الأذى يحسم لك الداء محسماً
قيل لابن المبارك: أجمل لنا حسن الخلق في كلمة، قال: ترك الغضب.
المعتمر بن سليمان: كان رجل ممن كان قبلكم يغضب فيشتد غضبه، فكتب ثلاث صحائف، فأعطى كل صحيفة رجلا، وقال للأول: إذا أشتد غضبي فقم إلي بهذه الصحيفة، وقال للثاني: إذا سكن بعض غضبي فأعطنيها.
وقال للثالث: إذا ذهب غضبي فناولنيها وكان في الأولى: أقصر، ما أنت وهذا الغضب! لست بآنه، إنما أنت بشر أوشك أن يأكل بعضك بعضا، فسكن بعض غضبه. وفي الثانية: أرحم من في الأرض يرحمك من في السماء، فسكن بعض غضبه، وفي الثالثة: خذ الناس بحق الله فإنه لا يصلحهم إلا ذاك. وروى أنه أنوشروان.
وهب: قال راهب للشيطان أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم؟ قال: الحدة، أن الرجل إذا كان حديداً قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة.
أغلظ قرشي لعمر بن عبد العزيز فأطرق طويلا ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا.
الحسن يرفعه: من بسط رضاه، وكف غضبه، وبذل معروفه، وأدي أمانته، ووصل رحمه، فهو في نور الله الأعظم.
كان الشعبي أولع شيء بهذا البيت:
ليست الأحلام في حال الرضا ... أنما الأحلام في حال الغضب
وعن المبرد أنه كتبه على ظهر أحضر كتاب له ليكون نصب عينيه.
سعد بن أبي وقاص: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأناس يتجاذون مهراسا فقال: أتحسبون أن الشدة في حمل الحجارة، إنما الشدة في أن يمتلىء أحدكم غيظا ثم يغلبه.
معاذ بن أنس الجهني، عنه عليه السلام: من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخبره في أي الحور شاء، وروي: ملأه الله أمنا وإيمانا.
معاذ بن جبل: أستب رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتي خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب، فقلت: وما هي يا رسول الله؟ قال: اللهم أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم .
الأحنف: لقد مرت على مائة هنة كلها أطأطىء لها رأسي فتجوزني، ولو نصبت لأحداهن لأصطل متني.
ابن السماك: أذنب غلام لأمرأة من قريش فأخذت السوط ومضت نحوه حتى إذا قاربته رمت بالسوط وقالت: ما تركت التقوى أحدا يشفي غيظه.
الشعبي: الجهل خصم، والحلم حاكم. ولم يعرف قدر الأبهة من لم يجرعه الحلم غصص الغيظ.
سقراط: لا تسوطن النار بالسكين، أي لا تهيج الغضبان.
إذا غضب الرجل فليستلق، وإذا أعيا فليرفع رجليه.
شتم رجل رجلا فسكت، فقيل له، فقال: أرأيت أن نبحك كلب أتنبحه؟ وأن رمحك حمار أترمحه؟ وسطاليس: سوء العادة كمج لا يؤمن وثوبه.
العادات قاهرات، فمن أعتاد شيئاً في سره فضحه في علانيته.
تكذب رجل من آل الحارث بن ظالم فقال: والله لقد بلغني أن الحارث غضب يوما فأنتفخ في ثوبه، فندر من عنقه أربعة أزرار فقأت أربع أعين من عيون جلسائه.
قال أبو ذر لغلامه: لم أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعن مع الغيظ أجرا، أنت حر لوجه الله تعالى.
إذا ما حلمنا كان آخر حلمنا ... زيادة باع عن يد المتطاول
وفي الحلم ردع للسفيه عن الأذى ... وفي الخرق اغراء فلا تك أخرقا
تخشى بوادرهم وأن لم يغضبوا ... أن الأسود حليمها غضبان
وإذا الخنا نفض الحبى في مجلس ... ورأيت أهل الطيش قاموا فافه
له خلق على الأيام يصفو ... كما رقت على الزمن العقار
كان عيسى عليه السلام لا يمر بملأ من بني إسرائيل إلا أسمعوه شراً وأسمعهم خيراً، فقال له شمعون في ذلك، فقال: كل امرئ يعطي ما عنده.
عمر رضي الله عنه: لو كان لنا مع إسلامنا أخلاق آبائنا لكنا.
قال أبو العتاهية لابنه: يا بني إنك لا تصلح لمشاهد الملوك؛ قال: لم يا أبت؟ قال: لأنك حار النسيم، بارد المشاهدة، ثقيل الظل.
الأحنف: نزلت في الثقلاء: فإذا طعمتم فانتشروا.
شاعر:
وصاحب أصبح من برده ... كالماء في كانون أو في شباط
ندمائه من ضيق أخلاقه ... كأنه في مثل سم الخياط
نادمته يوماً فألقيته ... متصل الصمت بليل النشاط
حتى لقد أوهمني أنه ... بعض التماثيل التي في البساط
أبو مجلز: قلت لرجل مدني: كيف صار الثقيل أثقل من الحمل الثقيل؟ قال:: لأن الحمل الثقيل يشارك فيه الجسد والروح في حمله، والرجل الثقيل ينفرد الروح بثقله.
وصف العباس بن الحسن العلوي ثقيلاً فقال: ما الحمام على الأصوار، والدين عل الاقتارن وشدة السقم في الأسفار إلا أخف من لقائه.
وصف الجماز ثقيلاً فقال: كأن قيامه من عندنا سقوط جمرة م الشتاء.
زراجز:
كأنه في الدار رب الدار ... أثبت في الدار من الجدار
أطفل من ليل على نهار
رؤية: الثقيل حمى باطنه. وقيل مجالسة الثقيل حمى الربع. إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل.
دخل ثقيل على مريض فقال: هل تعرفني؟ قال: سبحان الله! هل يخفى ثقلك على أحد؟ يقال: أثقل من مصف رحى، وأثقل من طلعة المعلم يوم السبت على صبية الكتاتيب.
كيف لا تحمل الأمانة أرض حملته، وكيف احتاجت إلى الأمانة بعد ما أقلته؟ أنشد المدائني:
وما الفيل تحمله موقراً ... رصاصاً بأثقل من معبد
وكان أبو حنيفة رحمة الله يتمثل كثيراً بهذا البيت:
وما الثقيل تحمله موقراً ... بأثقل من بعض جلاسنا
دخل أبو حنيفة رحمه الله على الأعمش فأطال الجلوس ثم قال: لعلي ثقلت عليك! فقال: إني استثقلك وأنت في منزلك، فكيف وأنت في مزلي؟ شاعر:
أنت والله ثقيل ... وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنس ... أن وفي الميزان فيل
ابن الرومي:
وثقيل كأنه ثقل دين ... تتعداه طالعاً كل عين
حمل الله أرضه ثقيلها ... وبراه علاوة الثقلين
ما هو الأقذى العين، وشجا الخلق، وغصة الصدر، وأذى القلب، وحمى الروح.
شاعر:
مجانسة المنقوص نقص وذلة ... فاياث والمنقوص إن كنت ذا فضل
ولاتك ذا ثقل على الناس واعتقد ... وإن خف منك الروح أنت ذو ثقل
كان أبو هريرة إذا استثقل رجلاً قال: المهم اغفر لنا وله وأرحنا منه.
خاطر الحسن بن وهب أبا العيناء، وكان الخطر عشرة أرطال ثلج، فغلب الحسن فطلب الثلج، فلقيه أبو بكر بن إبراهيم بن عتاب فقال: الحسن ابن وهب يحب لقاك، فذهب ودخل قبله وقال: وجب علي عشرة أرطال ثلج، وجثتك بعدل منه، ثم نادى أدخل يا أبا بكر، فقال الحسن: أوفيت وزدت.
ابن شبرمة: من الناس من يخف علي، ومنهم من بثقل كأنه على ظهري رحا البزر.
قيل للأعمش: ما الذي أعمش عينيك؟ قال: النظر إلى الثقلاء.
مطيع بن إياس:
قل لعباد أجبنا ... يل ثقيل الثقلاء
أنت في الصيف سموم ... وجليد في الشتاء
أنت في الأرض ثقيل ... وثقيل في السماء
قال الرشيد ليختيشوع: هل يحم الروح؟ قال: نعم من مجالسة الثقلاء، أما سمعت قول الحارث بن كلدة:
ولنا في الحي المقت جبل ... راسخ في الطول رأس قد مثل
تمرض الأرواح من رؤيته ... ويغشيها نعاس وكسل
دخل فرقد ومحمد بن واسع على رجل يعودانه، فقال فرقد: بلغني انه قيل يا رسول الله على من تحرم الناس؟ فقال: على الهين القريب السهل، فكتبه محمد بن واسع على ساقه.
صالح المرى في قوله تعالى: اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، قال: يلين القلوب بعد قسوتها.
عبد الله الداراني: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.
أبو بكر رضي الله عنه: فاز بالمروءة من امتطى التغافل، وهان على القرناء من عرف باللجاج.
عائشة رضي الله عنها: عنه عليه السلام: أن الله عز وجل إذا أراد بأهل بيت خيرا أدخل عليهم رفق، وعنه عليه السلام: يا عائشة أنه من أعطى حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة.
جرير بن عبد الله: أن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق، فإذا أحب الله تعالى عبداً أعطاه الرفق. ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا قد حرموا.
أنس: أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف.
علي رضي الله عنه: أن لم تكن حليما فتحلم فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.
وعنه: الجود حارس الأعراض، والحلم فدام السفيه.
الحسن: الرفق يمن، وسوء الخلق شؤم.
وكان يقال: خذوا بالناس اليسر، ولا تملوهم فإن المؤمنين وفقاء حلماء رحماء.
استأذن رخط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السلام عليك؛ فقالت عائشة: بل عليكم السلام واللعنة، فقال عليه السلام: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله؛ فقالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت وعليكم.
عنه عليه السلام: إذا هممت بأمر فعليك فيه بالتؤدة.
سفيان بن عيينة: سمعت ابن أخت وهب يقول: الرفق بني الحلم، وربما قال: الحلم بني الرفق.
كان يقال: ما أحسن الإيمان يزينه العلم! وما أحسن العلم يزينه العمل؟ وما أحسن العمل يزينه الرفق! وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم.
الثوري: قال لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: هو أن تضع الأمور مواضها، الشدة في موضعها، وللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه؛ من الأمور أمور لا يصلح فيها الرفق ولا يصلح فيها إلا الشدة، كالجرح يعالج فإذا احتاجوا إلى الحديد لم يكن منه بد.
عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع، وأنه أراد البداوة مرة فأرسل إلى ناقة محرمة من إبل الصدقة، فقال لي: يا عائشة: ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانة، ولا نزع من شيء قط إلا شانه. وروي كانت معه في سفره، وكانت على بعير صعب فجعلت تصرفه يمينا وشمالا، فقال لها ذلك.
وعنها عنه ليه السلام: من رفق بأمتي رفق الله به، ومن شق على أمتي شق الله عليه.
أبو عون الأنصاري: ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا والى جانبها كلمة ألبن منها تجري مجراها.
قال أبو حمزة الكوفي لعثمان بن عبد الحميد: لا تتخذ من الخدم إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطانا، واعلم أنهم لا يعطونك بالشدة شيئاً إلا أعطوك باللين ما هو أفضل منه.
بزرجمهر:
كن شديداً بعد رفق ... لا رفيقاً بعد شدة
لئن الشدة بعد الرفق عز، والرفق بعد الشدة ذل.
النبي صلى الله عليه وسلم: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك.
قال ابن مناذر: كنت امشي مع الخيل فانقطع شسع نعلي، فخلع فقلت ما تصنع؟ فقال: أواسيك في الحفاء. وهذا باب من حسن الخلق غريب.
شاعر:
وهل ما ترون اليوم إلا طبيعة ... وكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا
وقع ذو الرياستين: أن أسرع النار النهابا أسرعها خمودا، فتأن في أمرك.
أبو أمامة عند عليه السلام: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن نرك المراء ولو كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون؟ أنس: دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يواجه رجلاً في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل ذا عنه.
عائشة: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بئس رجل العشيرة؛ فلما دخل ألان له القول، فقلت: يا رسول الله: ألنت له القول وقد قلت؛ قال: إن شر الناس منزلة يوم القيامة من ودعه الناس لاتقاء فحشه، وروى: يا عائشة أن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم.
أنس: ما رأيت رجلاً التقم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده.
في نوابع الكلم: هذه طرائق ما فيها رائق، وخلائق غيرها بك لائق.
من حسن سجية الحر أن يسحبي معايب أخيه، وأن يعتد بمساويه في جملة مساعيه. قدع السفيه يمثل الأعراض، وما أطلق عنانه بمثل انعراض.
سورة السفيه يكسرها الحلماء، والنار المضطرمة يطفيها الماء.
أبو هريرة رفعه: أن من كمل الإيمان حسن الخلق.
سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان خلقه القرآن خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين.
سئل ابن المبارك عن حسن الخلق فقال: بسط الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى.
ابن عباس: أن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وأن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
على رفعه: عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة.
وروي عنه: ما من شيء في الميزان أثقل من خلق حسن.
علي عليه السلام: عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.
وعنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الجنة؟ قال تقوى الله وحسن الخلق.
وعنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن الناس إيمانا أحسنهم خلقا وأحسنكم خلقاً ألطفكم بأهله، وأنا ألطفكم بأهله.
دخل أبو الهول الحميري على الفضل بن يحيى بعد أن هجاه فأنشده:
سرى نحونا من غضبة الفضل عارض ... له زجل فيه الصواعق والرعد
فجد بالرضا لا نبتغي منك غيره ... ورأيك فيما كنت عودتني بعد
فأخسن إليه ووصله.
النبي صلى الله عليه وسلم: الحلم والتؤدة من النبوة، ومن عجل أخطأ.
علي عليه السلام: التقى رئيس الأخلاق.
وعنه: بالسير العادلة يقهر المناوئ، وبالحلم عن السفيه يكثر الأنصار عليه.
ألو عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل.
كاد يتدرع ذلا من فرط حلمه.
قال الأحنف لرجل: ليت طول حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك.
ابن سيرين: الرفق في كل شيء حسن إلا في ثلاثة أشياء: في الجماع، وأكل البطيخ، وأكل الرمان.
كان إسماعيل بن علي بن عبد بن عباس إذا غضب على أحد ندم وتداركه بضيعة، وكان الرجل إذا احتاج أغضبه. كان جالساً يما فقام ليدخل وترك ألفي دينار في مجلسه، واتبعه صاحب الحرس بالألفين، فاحتد وقال: من أمرك بهذا؟ وشتمه، ثم ندم فوهب له الألفين.
وأغلظ يوماً لام ولد أخيه، ثم أرضاها بمال كثير ودعا بولدها فوهب له وصائف، وأقطعه دار القصب وهي مائة ألف ذراع.
كلم المنصور السفاح في محمد عبد الله بن الحسن فقال: يا أمير المؤمنين آنسهم بالإحسان، فدغ، استوحشوا فالشر يصلح ما عجز عنه الخير، ولا تدع محمداً يمرح في أعنة العقوق. فقال: يا أبا جعفر أنا كذاك، ومن شدد نفر، ومن لان تألف. التغافل من سجايا الكرام. وما أحسن ما قال أعشى وائل: يغضى على العوراء لولا السلحم غيرها انتصاره.
باب
الدين وما يتعلق به من ذكر الصلاة والصوم والحج والصدقات وسائر العبادات والقربات زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة، ثم قال: إخلاصها أن يخرجه مما حرم الله.علي رضي الله عنه: واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد، ولا يزال أبداً ولا يزول.
وعنه: أن الإيمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة. اللمظة هي النكتة من الفرس الألمظ وهو الذي بحفلته شيء.
سئل علي عن التوحيد والعدل فقال: التوحيد أن لا تتوهمه والعدل أن لا تتهمه.
بعضهم: الجنة كثير للمؤمنين لأنها ثواب الله، وما أعطاه من المغفرة أفضل. ولم يخرج من خزائن الله أفضل من التوحيد.
قال الرشيد للأصمعي: هل رأيت في كثرة ما جلت في البدو من يعرف الاختلاف؟ قال: صحبني شاب ما رأيت مثله في فصاحته وعمله بأيام العرب وأشعارها، فأخذت معه في بحره، فضربتني أمواجه حتى إذا خفت الغرق حدت عن سننه، فقلت: قد أحكمت الشعر. ووعي جوفك من كل الآداب فكيف علمك بما تعبد الله به؟ قال: أخذت منه بما لو علمت بعشرة لنلت أوفر نصيب من ثواب الله. قلت: ما تقول في القدر؟ قال: من رد على الله فمأواه سقر. قلت: ما تقول في الجبر؟ قال: إن الله تعالى لغني عن ظلم العباد. قلت ما تقول في الإرجاء؟ قال: الاجتهاد في العمل لله أفضل م الإتكال على الأماني.
علي عليه السلام: كل ما يتصور في الأوهام فالله بخلافه.
حكيم: الواجب على المرء الإقرار بربوبية الله وعبادته وترك البحث عن طلبه، فإن طالبه لا ينال غير الطلب شيئاً.
لبيد بن ربيعة:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
وكل أناس سوف يدخل بينهم ... دويهية تصفر مها الأنامل
وكل امرئ يوما سيعلم سعيه ... إذا حصلت عند الآله الحصائل
الخصائل ما يحصل من الأعمال جمع حصيلة، ومنه كتاب الحصائل لأنه قال حصلت فيه ما فات الخليل.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال على المنبر: أشعر كلما قالتها العرب: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
الشافعي رضي الله عنه: من انتهض لطلب مدبره فغن اطمأن إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه، وإن اطمأن إلى النفي المحض فهو معطل، وإن اطمأن إلى موجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد.
قال يعفوب عليه السلام للبشير: على أي دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام قال: الآن تمت النعمة عل يعقوب وعلى آل يعقوب.
علي عليه السلام: ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإن محمدا عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول، وترفعان العمل. لا يخف ميزان يوضعان فيه، ولا يثقل ميزان يرفعان منه.
وعنه: وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة ممتحنا إخلاصها، معتقدا مصاصا، تتمسك بها أبدا ما أبقانا، ونذهرها لا هاويل ما يلقانا.
وعنه أن علبا اليماني قال له: هل رأيت ربك؟ قال: أفاعبد ما لا أرى؟ قال: وكيف تراه؟ قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان. رأس الدين صحة اليقين.
بعضهم: ما سوى الله أما جسم أو عرض، فالجسم مفتقر إلى الكون لا يوجد إلا معه، والعرض مفتقر إلى الجسم لا يوجد إلا فيه، فالأشياء كلها مفتقرة محتاجة، والغني هو الله وحده.
النبي صلى الله عليه وسلم: أن لله على كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً صالحاً يذب عنه.
يقال: ضرب الدين بجرانه، وبهر ببرهائه.
علي عليه السلام في وصف الله تعالى: لا يقال له متى، ولا يضرب به أمد حتى، ولا يبصر بعين، ولا يحد بأين.
وعنه: ما يسرني أن مت طفلاً، وإني أدخلت الجنة ولم أكبر فأعرف ربي.
من عرف ربه جل، ومن عرف نفسه ذل.
الشعبي: أحبب آل محمد، ولا تكن رافضياً، واثبت وعبد الله ولا تكن موجئاً، ولا تكفر الناس بذنب فتكون خارجيا، وألزم الحسنة ربك والسيئة نفسك ولا تكن قدريا.
هارون بن سعد العجلي:
برئت إلى الرحمن من كل رافض ... يصير بباب الكفر في الدين أعورا
إذا كف أهل الحق عن بدعة مضى ... عليها وإن يمضوا عل الحق قصرا
خف الرافضى مثل في السعة، لأنه لا يرى المسح على الخف فيوسعه ليتمكن من إدخال يده فيه ليمسح برجله.
مجاهد: ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول لا إله إلا الله.
الحسن رحمه الله: كل شيء بقدر، ما خلا هذه المعاصي.
وعنه: قاتل الله أقواما يزعمون أن الله قدر خطايا بعث محمد صلى الله عليه وسلم ينهي عنها.
وعنه: من قال كل شيء بقضاء الله وقدره عز وجل صدق.
وعنه: لا تحملوا ذنوبكم وخطاياكم على الله وتذروا أنفسكم الشيطان.
ذكر القدر والإرجاء عند مسلم بن يسار فقال: واديان عميقان، فقف عند أدناهما، واعمل عمل رجل يعلم أنه لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب له.
قدم ابن أبي مريم الثنوي البصرة، فدعاه موسى الأسوراي إلى الدين، ووصفه له، فقال: ما أحسن دينكم؟ لولا أنكم تقولون ا، الله يقضي هذه الفواحش ثم يعذب عليها، فقال الحسن: هذه حجة الله قامت على لسان ابن أبي مريم، أعلموه أنا لا نقول هذا غنما يقوله السفهاء. فأسلم ابن أبي مريم.
وعنه: ما بال أقوام قاتلهم الله باتوا يحكمون في دماء المسلمين وأموالهم، ثم زعموا أن أقلامهم تجري على أقلام الله، أفكة على الله جهلة بالله، زعموا أن الله أسر كتاباً نهاهم عنه ف العلانية، لقد انهموا ربهم واغتشموه، وقالوا عليه قولا عظيما. والله ما أصبح في جنبات بصرتكم هذه أحد يؤخذ بجرم جاره، فكيف تحملون ذنوبكم على الله ربكم؟ والله ما هم إلا الذين قال رسول الله مجوس أمتي القدرية أم مرضوا فلا تعودوهم، إن ماتوا فلا تشهدوا جنائزهم، فإنهم شر البرية. حق الله أن يحشرهم مع الدجال.
العلاء بن دليل البصري المتكلم في المجبرة:
وهل رافع من وسنة الجهل رأسه ... وهل للهوى في حومة الحق غلب
لقد أوض الله الدليل وانهج ال ... سبيل لكيلا يجهل الحق طالب
عجبت لذى التشبيه كابر عقله ... أم العقل منه حين شبه عازب
لقد أعظموا جوراً وأجور منهم ... لدينا أخو جبر على الله كاذب
وما عرف لله امرؤ متقول ... عليه إليه للقبائح اسب
لقد جئتم أمراً عظيماً وقلتم ... على الله ما منه تشيب الذوائب
عهد ملك إل ابنه فقال: يا بني أن الله يرض لنفسه من بعاده إلا مثل مارضي لهم منه، فإنه رحمهم وأمرهم بالتراحم، وصدقهم وأمرهم بالصدق، وجاد عليهم وأمرهم بالجود، وعفا عنهم وأمرهم بالعفو.
علي عليه السلام: إن دين الله بين المقصر والغالي، فعليكم بالنمرثة الوسطى، فبها يلحق المقصر، وإليها يرجع الغالي.
قال موسى: يا رب أين أجدك؟ قال: يا موسى إذا قصدت غلي فقد وصلت.
كان أبو عمرو الباهلي ينشد كثيرا:
يعيب القول بالأرجاء حتى ... يرى بعض الرجاء م الجرائر
وأعظم من أخي الأرجاء عيباً ... وعيدي أمر على الكبائر
إيمان المرجيء مثل فيما لا يزيد ولا ينقص، لأنه يقول: الإيمان قول فرد لا يزيد ولا ينقص.
الحسن: دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن سلم لكدينك سلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى فنعوذ بالله منها، فأنها نار لا تطفأ، وحجر لا يبلى، ونفس لا تموت.
عيسى عليه السلام: لا يجد العبد حقيقة الإيمان حتى لا يحب أن يحمد على عبادة الله عز وجل.
قباذ بن فيروزك الدين هو العقدة والعمدة والعدة.
لما قتل بزرجمهر وجدوا في بيته رقعة فيها: أن من حق الله على عباده أن يعرفوه، فإذا عرفوه لم يعصوه طرفة عين.
ابن مسعود رضي الله عنه رفعه: ليس الجماعة بكثرة الناس، من كن معه الحق فهو الجماعة وإن كان وحده.
الثوري: الجماعة العالم ولو كان على رأس جبل.
النبي صلى الله عليه وسلم: ما أخاف على أمتي إلا ضعف اليقين.
سفيان الثوري: لو ثبت اليقين في القلوب طارت فرقا أو شوقا، أما شوقاً إلى المجنة أو فرقا من النار.
اختصم رؤية وذو الرمة في مجلس بلال من أبي بردة قاضي البصرة في القدر، فقال رؤبة: ما نحص طائراً فحوصا، ولا تقرمص سبع قوموصاً إلا بقدر الله. فقال ذو الرمة: ما قدر الله على الذئب أن يأكل جلوبة عيائل عالة ضرا بك. فقال رؤبة: ابقدره أكلها؟ هذا كذب على الذئب. قال ذو الرمة: الكذب على الذئب خير من الكذب علي رب الذئب.
صوفي: هذا قلبي فتشوه، فإن وجدتم فيه غير الله فانبشوه.
صحار بن عائد: لقيت الحسن في طريق مكة وهو يحدو ويقول:
يا خالق الإصباح أمن ربي ... وأنت مولاي وأنت حبي
فأصلحن باليقين قلبي ... ونجني من كرب يوم الكرب
علي رضي الله عنه: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فذكرنا الدجال، فاستيقظ محمرا وجهه. فقال: غير الدجال أخوف عندي عليكم من الدجال، أئمة مضلون هم رؤساء أهل البدع.
قال أعرابي بعنجهيته: لما كان الله عن حلي خلقه عاطلا كان القياس باطلا.
أنشد المازني ليهودي:
دعتني إلى الإسلام يوم لقيتها ... فقلت لها لا بل تعالي تهودي
كلانا يرى أن الرشادة دينه ... ومن يهد أبواب المراشد يرشد
ظهرت الزندقة أيام سابور بن أردشير ومؤسسها ماني بن بتك ألف فيها كتبا ودعا إليها سابور فلم يجبه وأمر بقتله، ولم يزل ملوك الفرس يقتلون الزنادقة. وظهر مزدك في أيام قباذ فأباح الزنا وعصب الأموال، وقال: ليس أحد أولى بشيء من أحد إلى سائر ضلالاته، فقبل قباذ دينه، ثم تبرأن منه. ووثب عليه أنوشروان عهد إلى ابنه أن لا يفرط في إبادتهم، وقال: لا أعلم أحدا أجرأ على الله ولا أعظم فرية من هؤلاء الزنادقة، وقد عملنا في تطهير البلاد منهم بما قد علمت، ونرجو أن يكون الله قد أثابتا عليه أحسن الثواب، ولا نعلم قربانا إلى الله أفضل من تفريق جماعتهم واستئصال شأفتهم، فلا تأخذك فيهم رأفة، فليسوا من أهل الرأفة. واجعل ذلك مفتاح عدلك، وليعلم الله منك في ذلك الصدق والجد والتشمير.
سئل صوفي عن الدليل على أن الله واحد فقال: أغني الصباح عن المصباح.
عمرو بن الحسن بن عمرو الإباضي:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفي عليه يغيب
النبي صلى الله عليه وسلمك خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها.
كانت رابعة تصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وتقول: ما أريد به ثواباً، ولكن ليسر رسول الله ويقول للأنبياء: انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها في اليوم والليلة.
واثلة بن الأسقع: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.
جابر بن سمرة عنه عليه السلام: غني لا عرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن ابعث، إني لا عرفه الأن.
أبو هريرة رفعه: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع.
فضيل: لو نشر رجل من أهل الآخرة فأتاه الناس ليخرهم بنا عاين لما أتيته، لأن موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي أصدق مما جاء به.
جابر رفعه: مثلي وملثكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبه عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتلون من يدي.
خطب كعب بن لؤي بن غالب، وبين موته والفيل خمسمائة وعشرون سنة، خطبة بشر بها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أم والله لو كنت فيها ذا سمع وبصر، ويد ورجل، لتنصب فيها تنصب الجمل، ولا رقلت فيها ارقال الفحل ثم قال:
يا ليتني شاهد فحواء دعوته ... حين العشيرة تبغي الحق خذلانا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك الأنصاري: يا مالك مانسي ربك، وما كان ربك نسيا، بيتاً قلته؛ قال: وما و يا رسول؟ قال: أنشده يا أبا بكر، فأنشده:
زعمت سخينة ن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
مر المهدي في طريق بين المقدس بديراني قيل له رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فعدل إليه فقال: رأينه بعينك؟ قال: نعم، قال: إذن مني أقبل عينيك اللتين رأيت بهما رسول الله، فدنا مه فقبل عينيه.
السائب بن يزيد: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة. وروى: بين كتفيه عند ناغض كتفيه اليسرى، وعليه خيلان كأمثال التآليل.
لما ظهر موسى عليه السلام قال سقراط: نحن معار اليونانيين أقوام مهذبون لا حاجة بنا إلى تهذيب غيرنا.
الجاحظ لا نعلم أحداً تنبأ وآمن به قوم، ثم أقر بالكذب والضلال وتاب سوى طليحة بن خويلد الأسدي، وسجاح بنت عقفان.
التميمية فإنهما أظهرا التوبة وجلسا يحدثان من آمن بهما بأنهما مبطلان. وكانت سجاح كاهنة زماناً تدعي أن رئيها ورئي سطيح واحد ثم جعلت ذلك الرئي ملكاً نادعت النبوة، وتجهزة إلى مسيلمة، وتزوجته وآمنت به بعد تكذيبها له. وقال قيس بن عاصم:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم ... على سجاح ومن بالإفك أغرانا
أعني مسيلمة الكذاب لا سفيت ... أصداؤه ماء مزن حيثما كانا
أرسل الله محمداً قمرا منيران وقدرا مبيرا.
علي عليه السلام: شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه على من غالبه، فجعله أمنا لمن علقه، وسلما لمن دخله، وبرهانا لمن تكلم به، وشاهدا لمن خاصم به، ونورا لمن استضاء به، وفهما لمن عقل، ولباً لمن تدبر، وآية لمن توسم، وتبصرة لمن عزم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق وثقة، لمن توكل، وراحة لمن فوض، وجنة لمن ضبر. فهو أبلج المناهج، وأوضح الولائج، مشرف المنار، مشرق الجواد، مضيء المصابيح، كريم المضمار، رفيع الغاية، جامع الحلبة، متنافس السبقة، شريف الفرسان، التصديق منهاجة، والصالحات مناره. والموقف غايته، ولدينا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سيقته.
وعنه: القرآن فيه خبر من قبلكم، ونبأ من بعدكم، وحكم ما بينكم.
نزل الهيردان بن اللعين المنقري برجل من الصلحاء اسمه نبيت فأطعمه وسقاه لبناً، أذن وصلى بهم، فقال:
لخبز يا ثيبت عليه لحم ... أحب إلي من صوت الأذان
قيل لابن عباس: أيجوز تحلية المصحف بالذهب والفضة؟ قال: أن تحليته في جوفه.
النبي صلى الله عليه وسلم: أصفر البيوت جوف صفر من كتاب الله تعالى.
الشعبي: الذي يفسر القرآن إنما يحدث عن ربه.
الحسن: رحم الله امرء عرض نفسه وعلمه على كتاب الله، فإن وافقا ما في كتاب الله حمد الله عليه وسأله الزيادة، وإن خالف ما في كتاب الله أعتب وراجع من قريب.
حفظ عمر رضي الله عنه سورة البقرة فنحر وأطعم.
كان محمد بن أبي محمد الزيدي يدخل على المأمون مع الفجر فيصلي به ويدرس عليه المأمون ثلاثين آية.
وفد غالب بن صعصعة على علي رضي الله عنه ومعه الفرزدق، فقال له: من أنت؟ قال: أنا غالب بن صعصعة المجاشعي، قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم، قال: ما فعلت ابلك؟ قال: أذهبتها النوائب وذعذعتها الحقوق، قال: ذاك خير سبلها، ثم قال: يا أبا الأخطل من هذا الفتى معك؟ قال: ابني وهو شاعر، قال: علمه القرآن فهو خير له من الشعر؛ فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه وآلى أن لا يحل قيده سنة حتى يحفظ القرآن، وذلك قوله:
وما صب رجلي في حديد مجاشع ... مع القدر إلا حاجة لي أريدها
فضيل: بلغني أن صاحب القرأن إذا وقف على معصية الله خرج القرآن من جوفه، فاعتزل ناحية ثم قال: ألهذا حملتني؟ أنس: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أصبحت وإذا أمسيت، فإن القرآن يحيي القلب الميت وينهى عن الفحشاء والمنكر.
من حكايات الحشوية: إن إبراهيم الخواص مر بمصروع فأذن في أذنه، فناداه الشيطان من جوفه دعني أقتله فأنه يقول القرآن مخلوق.
سلم أعرابي باناً له إلى معلم، ثم غاب فقال: في أي سورة أنت؟ قال: في قل يا أيها الكافرون، قال: بئس العصابة أنت فيهم. ثم غاب فسأله، فقال: في إذا جاءك المنافقون، والله ما تنقلت إلى على أوتاد الكفر والنفاق، عليك بنعمك فارعها.
علي عليه السلام: وعليك بكتاب الله فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع، والعصمة للمتمسات. والنجاة.
للمتعلق، لا يعوج فيقام، ولا يزيغ فيستعتب، ولا يخلقه كثرة الرد وولوح السمع، من قال به صدق، ومن عمل به سبق.
وعنه: إن القرآن ظاهرة أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه. ولا تكشف الظلمات إلا به.
كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
وعن مالك بن أنس أنه كان إذا دخل رمضان نفر عن مذاكرة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على قراءة القرآن في المصحف.
وعن كل واحد من أبي حنيفة والشافعي أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة.
سراقة بن مالك بن جعثم الكناني الذي تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهاجره فرسخت قوائم فرسه في الرض فدعا له فتخلص، يخاطب أبا جهل:
أبا حكم والله لو كنت شاهداً ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمداً ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه
عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوماً ستبدو معالمه
بأمر تود النضر فيه بأسرها ... ومن عز من أشيافها أن تسالمه
علي عليه السلام: واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى، أو نقصان في عمى.
واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوه على لأوائكم، فإنه فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال، فأسالوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله. وعلموا أنه شافع مشفع، وقائل مصدق، وإنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه، ومن محل به القرآن بوم القيامة صدق عليه، فإنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا أن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثه القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آرائكم واستغثوا فيه أهواءكم.
وعنه: من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن اتخذ آيات الله هزوا.
قال الله تعالى لموسى: إنما مثل كتاب محمد في الكتب كمثل سقاء فيه لبن كلما مخضته استخرجت زبده.
سالم الخواصك كنت اقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة، فقلت: اقرأ كأنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءت حلاوة قليلة ثم قلت: اقرأ كأنك تسمعه من جبريل، وهو الذي نزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فازدادت الحلاوة، ثم قلت: اقرأ كأنك تسمعه منه تبارك وتعالى حين تكلم به، فجاء الحلاوة كلها.
أبو سليمان الداراني: مر علي صالح بن عبد الجليل وأنا على باب داري اقرأ القرآن، فقال: قم فانظر أظلم بيت في دارك فاجلس فيه، فلأكلك السكر بالرانج أحب إلي من قراءتك القرآن على باب الدار.
عابد: أن الناس يجمزون في قرائتهم ما خلا المحبين فإن لهم خان إشارات، إذا مروا به نزلوا. يريد آيات من القرآن يقفون عندها يتفكرون فيها.
الشعبي: اللسان عدل بين الأذن والقلب، فاقرأ قراءة تسعمها أذنك، ويفهمها قلبك.
صفوان بن سليم: ما من شفيع ملك ولا نبي أفضل من قراءة القرآن. وروي مرفوعاً: ما من شفيع أفضل منزلة عند الله يوم القيامة من القرآن، لا نبي ولا ملك ولا غيره.
ليس شيء أفضل من قراءة العبد القرآن قائماً على قدميه.
عبد الرحمن بن عوف رحمه الله:
أحبت مادى الله لما سمعته ... ينادي إلى الدين الحنيف المكرم
ألا أن خير المرشدين إلى الهدى ... نبي جلا عنا شكوك الترجم
نبي أتى والناس في عنجهية ... وفي سدف من ظلمة الكفر معتم
فأقشع بانلور المضيء ظلامه ... وساعده فيأمره كل مسلم
وخالفه الأشقون من كل فرقة ... فسحقاً لهم في بعد مهوى جهنم
قيل لسائل: ألا تستحي تسأل بالقرآن؟ فقال: اسكتوا، فوالله لو جعتم كما أجوع لبعتم جبريل وميكائيل فضلاً عن القرآن.
النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ القرآن ثم رأى أن أحداً أوتي أفضل ما أوتي نقد استصغر ما عظمه الله.
وعنه: أن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق الخلق بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمه ينزل عليهم هذا، وطوبى لا جواف تحمل هذا، وطوبى ألسنة تنطق بهذا.
وعنه من شغلته قراءة القرآن عن دعائي ومسالتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين.
وعنه: أن القلوب تصدأ الحديد. فقيل: يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن وذكر الموت.
وعنه: الله أشد أذنا إلى قارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينه.
وعنه اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لن ينهك فلست تقرؤه.
أبو إمامة الباهلي: اقرأوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله تعالى لا يعذب قلباً هو وعاء القرآن.
سفيان الثوري: إذا قرأ الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه.
عمرو بن ميمون: من نشر مصحفاً حين يصلي الصبح فقرأ مائة آية رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا.
ابن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، ويحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، ويخشوعه إذا الناس يختالون.
وينبغي لحامل القرآن أن يكون سكيناً ليناً ولا ينبغي أن يكون جافياً ولا ممارياً ولا صياحاً ولا صخابا ولا حديداً.
ميسرة: الغريب هو القرآن في جوف الفاجر.
بعض السلف: إن العبد ليفتح سورة فيصلي عليه حتى يفرغ منها وإن العبد ليفتتح سورة فتلعثه حتى يفرغ مها، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: إذا أحل حلالها وحرم حرامها صلت عليه، وإلا لعنته.
ابن مسعود: أنزل القرآن عليهم ليعلموا به فاتخذوا دراسته عملاً؛ أن أحدهم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا، وقد أسقط العمل به.
علي عليه السلام: من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة فله بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأ وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأ فيغير صلاة وهو على ضوء فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات.
قالوا: أفضل التلاوة على الوضوء والجلوس شطر القبلة، وأن يكون غير متربع ولا متكيء ولا جالس جلسة متكبر، ولكن نحو ما يجلس بين يدي من يهابه ويحتشم منه.
ابن عباس: لئن اقرأ البقرة وآل عمران أرتلها وأتدبرها أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذرمة. وقد نعتت أم سلمة قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفصلة حرفاً حرفاً.
اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا.
وعغن صالح المري: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء.
وعن ابن عباس: إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن القران نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر ا، يختم القرآن في سبع.
وعن عثمان رضي الله كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة غلى المائدة، وليلة السبت بالأنعام إلى هود، وليلة الأحد بيوسف إلى مريم، وليلة الأثنين بطه إلى طسم موسى وفرعون، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص، وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن، ويختم ليلة الخميس.
وقيل أحزاب القرآن سبعة: الحزب الأول ثلاث سور، والثاني خمس، والثالث سبع، والرابع تسع، والخامس أحدى عشرة، والسادس ثلاث عشرة، والسابع المفصل من قبل.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بقراءته، فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون لقراءته ويصلون بصلاته.
قالوا: قراءة القرآن في المصحف أفضل للنظر فيه وحمله. وقيل الختمة من المصحف بسبع.
وعن عثمان رضي الله عنه أنه خرق مصحفين لكثرة قراءته فيهما.
وكان الصحابة يكرهون أن يمضي يوم ولم ينظروا في مصحف.
دخل فقيه من أهل مصر على الشافعي رضي الله عنه وقت السحر ولين يديه المصحف، فقال له: شغلكم الفقه عن القرآن، إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح.
أبطأت عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حبسك؟ قالت: قراءة رجل ما سمعت صوتاً أحسن منه، فقام حتى استمع إليه طويلاً، ثم قال: هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله.
وستمع عليه الصلاة والسلام ومعه العمران إلى ابن مسعود فقال: من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد.
كان عكرمة بن أبي دهل رضي الله عنه لعن أباه إذا نشر المصحف غشي عليه، ويقول: هو كلام ربي، هو كلام ربي.
كان بعض السلف إذا قرأ سورة لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية.
وعن علي عليه السلام: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
مالك بن دينار: ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟ أن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض.
في الخائفين من كان يخر مغشياً عليه عند التلاوة والتدبر، ومن نم قال يوسف بن أسباط: إني لا هم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار.
جعفر الصادق: والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لم يبصروه.
ثابت البناني: كابدت القرآن عشرين سنة، وتنعمت به عشرين سنة.
قيل ليوسف بن أسباط: بم تدعو إذا قرأت القرآن؟ قال: استغفر الله من تقصيري سبعين مرة.
ابن عيينة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علي القراءات فعلى قراءة من تأمرني اقرأ؟ فقال: اقرأ على قراءة أبي عمرو.
وعن أبي عمرو: لم أزل اطلب أن اقرأه كما قأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما أنزل عليه، فأتيت مكة، فلقيت بها عدة من التابعين ممن قرأ على الصحابة فقرأت عليهم، فأشدد بها يديك.
النبي صلى الله عليه وسلم: علم الإيمان الصلاة، فمن فرغ لها قلبه، وحاد عليها بحدودها فهو مؤمن.
عمر رضي الله عنه، قال على المنبر: أن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله صلاة. قيل: وكيف ذاك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله فيها.
بعض العلماء: أن العبد ليسجد السجدة عنده أنه يقرب بها إلى الله، ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل الأرض لهلكوا. قيل: وكيف ذاك؟ قال: يكون ساجداً عند الله وقلبه مصنع إلى هوى.
عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه.
قيل للحسن: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجودها؟ قال: إنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
بعضهم: لا تفوت أحداً صلاة في جماعة إلا بذنب.
أبو سليمان الدارني: أقمت عشرين سنة لم أحتلم، فدخلت مكة فأحدثت بها حدثاً فما أصبحت حتى احتملت. وكان الحدث أن فاتته صلاة العشاء في جماعة.
علي عليه السلام: ما أهمني ذنب أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين كان الحسن بن علي إذا فرغ من وضوئه تغير لونه، فقيل له، فقال: حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغرير لونه.
كلف المنصور أبا دلامة أن يحضر الصلوت في مسجده فقال:
يكلفني الأولى مع العصر دائماً ... فويلي من الأولى وويلي من العصر
وما ضره والله يصلح أمره ... لو أن خطايا العالمين على ظهري
قال شيخ من تميم: صلى بنا سفيان المغرب فقرأ الفاتحة، فلما بلغ نستعين بكى حتى قطع القراءة، عاد، ثم عاد. فلما صلى التفت فقال: ما ينبغي لمثلي أن يتقدم، فما تقدم حتى مات.
بعضهم: صليت خلف ذي النون المصري فلما أراد أن يكبر رفع يديه فقال الله، ثم بهت فبقي كأنه جسد لا روح فيه إعظاماً لربه، ثم قال: الله أكبر، فظننت أن قلبي انخلع من هيبة تكبيره.
أوحى الله إلى داود: يا داود كذب من ادعى محبتي وإذا جنه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه. بركة الأزدي: توضأ مكحول في منزلي، فأتيته بمنديل، فتمسح بقبائه وقال: الوضوء بركة وأنا أحب ا، لا تعدو البركة ثوبي.
الحسن: إذا بكيت من خشية الله فلا تمسح دموعك فإنه أنور لوجهك، وإذا توضأت للصلاة فلا تسمح وضوءك فإنه أنور لوجهك إذا قمت بين يدي ربك.
نظر الجماز إلى رجل يخفف الصلاة فقال: لو رآك العجاج لهزج بك، قال: كيف؟ قال: لأن صلاتك أرجوزة.
قيل لماجن: لم لا تصلي؟ قال: ألا يكفيني أن أدوس الأرض حتى انطحها.
صلى أعرابي صلاة خفيفة ثم قال: اللهم زوجني الحور العين. فقال له عمر: أسأت النقد وأعظمت الخطبة.
استأذن القاضي أبو يوسف على المتوكل فقال لعبادة: اخرج نشاركه على أن يلزم الحائط ساكتاً، وتوعده أن نطق بحرف أن يقبله، فأقبل على القاضي يسأله عن مسائل من الفقه، إلى ا، سأله عن رجل يصلي فرمى بطرفه إلى ثوبه فرأى دابة، فقال يردها إلى سبعين، فإن: فإن رأى أخرى؟ قال يفعل بها مثل ذلك، قال: فإن رأى أخرى؟ فابتدر عبادة فقال: هذا لم يكن في الصلاة إنما كان في االصيد.
عبد الله بن المبارك:
إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع
تقدم أعرابي يصلي بالناس، فقرأ الفاتحة بفصاحة وبيان، ثم قال:
ويوسف إذ دلاه أولاد علة ... فأصبح في قعر الركية ثاويا
كان أويس القرنى لا ينام ليله ويقول: ما بال الملائكة لا تفنر ونحن نفتر.
أنس: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. يعني عمر بن عبد العزيز، وحزروا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده نحوها.
خذيفة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فرع إلى الصلاة.
هشام بن عروة: كان أبي يطيل المكتوبة، ويقول: هو رأس المال.
يونس بن عبيد: ما استخف رجل بالتطوع إلا استخف بالفرائض.
علي رضي الله عنه: لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأوقعه في العظائم.
أبو الطفيل: سمعت أبا بكر الصديق يقول: يا أيها الناس قوموا إلى ناركم ناطفؤها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة غل الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر.
حسان بن عطية: أن الرجلين ليكونان في صلاة واحدة وإن ما بينهما لكما بين السماء والأرض.
جابر: قيل يا رسول الله إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق.
قال: لعل قراءته ستنهان.
وهيب بن الورد: نظرنا في هذا الأمر فلم نجد شيئاً أرد لهذه القلوب ولا أشد استجلاباً للحزن من قراءة القرآن وتدبره.
صلى الحجاج إلى جنب ابن المسيب فرآه يرفع قبل الإمام ويضع، فلما سلم أخذ بثوبه حتى فرغ من صلاته ودعائه، ثم رفع نعليه على الحجاج وقال: يا سارق، يا خائن، تصلي هذه الصلاة! لقد هممت أن أضرب بهما وجهك. وكان الحجاج حاجاً فرجع إلى الشام، وجاء والياً على المدينة، ودخل من فوره المسجد قاصداً مجلس سعيد، فقال له: أنت صاحب الكلمات؟ قال: نعم أنا صاحبها، قال: جزاك الله من معلم ومؤدب خيراً، ما صليت بعدك من صلاة إلا وأنا ذاكر قولك.
جزأ محمد بن المنكدر الليل عليه وعلى أمه وعلى أخته أثلاثاً، فماتت أخته، فجزأه عليه وعلى أمه نصفين، فماتت أمه، فقام الليل كله.
كان مسلم بن يسار إذا أراد أن يصلي في بيته قال لأهله: تحدثوا فلست اسمع حديثكم. وكان إذا دخل البيت سكت أهله لا يسمع لهم كلام، فإذا قام إلى الصلاة تكلموا وضحكوا. ووقع حريق إلى جنبه وهو في الصلاة فما شعر به حتى أطفئ.
قال معاوية بن قرة لمسلم بن يسار أنبئت أنك لا تلتفت في صلاتك، فقال: أن كان البصر لا يلتفت فالقلب يلتفت.
أنس: ما اعرف شيئاً أدركت عليه أصحابي إلا هذه الصلاة، ولقد صنعتم فيها ما لا أعرف.
كان عبد الله بن غالب صاحب ابن مسعود يصلي الضحى مائة ركعة.
كعب: لو أن أحدهم يعلم ما ثوابه في ركعتي التطوع لرآهما أعظم من الجبال الرواس. فما المكتوبة فإنها أعظم من أن يستطيع أحد أن يقول فيها.
كان الحمام يقع على رأس ابن الزبير في المسجد الحرام تجسبه جذعاً منصوباً لطول انتصابه في الصلاة. وكانت العصافير تقع على ظهر إبراهيم بن شريك ساجداً كما تقع على الحائط.
صلى الوليد بن أبي معيط صلاة الفجر بالناس ثملاً أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال: أأزيدكم؟ فقال الحطيئة:
شهد الحطيئة حين يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد تمت صلاتهم ... أأزيدكم سكراً وما يدري
أأزيدكم خيراً ولو سكتوا ... زادت صلاتهم على عشر
ختم القرآن في ركعة واحدة أربعة من الأثمة: عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة.
الثوري: إذا رأيت الرجل يحرص على أن يؤم فأخره.
رأى الأوزاعي شاباً بين القبر والمنبر يتهجد، فلما طلع الفجر استلقى ثم قال: عند الصباح يحمد القوم السرى؛ فقال له: يا ابن أخي لك ولأصحابك، لا للحمالين.
مجاهد: م سجد وهو قابض على شيء لعنه ذلك اليء.
عبد العزيز بن أبي رواد: إشارة العبد باصبعه في الصلاة هي بصبصة العبد.
كان خلف بن أيوب لا يطرد الذباب في الصلاة، فقيل: كيف تصبر؟ قال: بلغني أن الفساق يتصبرون تحت السياط ليقال لفلان صبور، وأنا بين يدي ربي أفلا أصبر على ذباب يقع علي.
كانت أم خالد بنت سعيد تقول لمولياتها في السحر: حللن عقد الشيطان فليست بساعة نوم.
أبو صفوان بن عوافة: ما من منظر أحسن من رجل عليه بياض، وهو قائم في القمر يصلي، كأنه يشبه الملائكة.
الحسن: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورمت قدماها.
لقمان: لا يكن الديك أكيس منك، هو قائم بالأسحار يصلي وأنت نائم.
الأصمعي: كان أبو مهدية من أحسن من رايت تديناً من الأعراب، فدعا يوماً بوضوء متوضا، فقيل له: يا أبا مهدية اتتوضؤون للصلاة؟ فقال: أي والله، أن كان الرجل منا ليتوضا الوضوء تكفيه ثلاثة الأيام والأربعة، حتى جاءت هذه الموالي فجعلت تليق استاهها بالماء الأفه الدواة فأفسدت علينا ما كنا فيه.
قال: وكان أعرابي من بني ضبة إذا توضأ بدأ بوجهه، ثم يتذرع ويتكرع، ثم يغسل فرجه بعد ذلك، وكان يقول لا أبداً بالخبيثة قبل وجهي.
وقال: خرجنا إلى البصرة فنزلنا على ماء لبني سعد، فإذا أعرابية نائمة، فأبهناها للصلاة، فأتت الماء فوجدته بارداً فتركته، وتوجهت إلى القبلة ولم تمس الماء فكبرت ثم قالت: اللهم قمت وأنا عجلى، وصليت وأنا كسلى، فاغفر لي عدد الثرى، قيل عير وما جرى. فقلنا لها، فقالت أن صلاتي هذه صلاتي منذ أربعين سنة.
البحتري:
ملك تحببه الملوك وفوقه ... سيما التقي وتخشع العباد
متهجد يخفي الصلاة وقد أبى ... أخفاها أثر السجود البادي
قال أشعث لفقيه: ما تقول في صلاة صليتها في ثوبين؟ قال: هي جائزة في ثوب فكيف في ثوبين. قال: هما جورب وقلنسوة.
خفف أعرابي صلاته فقام إليه علي رضي الله عنه بالدرة وقال أعدها، فلما فرغ قال: أهذه خير أم الأولى؟ قال: بل الأولى، قال: لم؟ قال: لأن الأولى صليتها لله عز وجل، وهذه فرقاً من الدرة نضحك علي.
ابن مسعود: أن الألتفات في الصلاة لجام الشيطان يلجم به الساهي في صلاته، يجذبه يميناً وشمالاً، ومن فوقه ومن تحته ليفسد عليه صلاته.
النبي صلى الله عليه وسلم: من حافظ على الخمس بإكمال طهورها ومواقيتها كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة، ومن ضيعها حشر مع فرعون رهامان.
الصديق: يقول إذا حضرت الصلاة: فوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فاطفؤوها.
ابن سمعود: الصلاة مكيال، فمن وفى وفى له ومن ظفف فقد علم ما قال الله في المطففين.
جاتم الأصم: فاتتنني الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة الآف، لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا. وكان السلف يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتهم التكبير الأول، وسبعاً إذا فاتتهم الجماعة.
قالرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مرافقتك فالجنة، فقال: أعني بكثرة السجود.
سعيد بن المسيبك ما آسى على شيء من الدنيا إلا على السجود.
ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.
قال عامر بن عبد قيس الوسواس يعتريني في الصلاة؛ فقيل له في أمر الدنيا؟ قال: لئن تختلف في الأسنة أحب إلي من ذاك، ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي وأني كيف انصرف. فعد ذلك وسواساً.
حبيب الفارسي: لو أن الله تعالى أقامني يوم القيامة وقال: هل جئت بسجدة ليس للشيطان فيها نصيب؟ لم أقدر عليها.
العباس بن الوليد البصري:
وأمامنا أبداً يلوك لسانه ... ويفرقع الضادات في القرآن
وإذا تصر خاطباً فكأنما ... في حلقه جملان يقتتلان
وله:
وإن قرا تحسب في حقله ... حسناً من التخمة قد قرقرا
يسمعنا الحمد فشجى بها ... كأنما يسمعنا منكسرا
ويعلك الكوثر حتى ترى ... كان في أضراسه كندرا
الله أن عشت إلى يومه ... لأنثرن اللوز والسكرا
عمر بن أبي جميل
وما زكى الآله صلاة قوم ... يؤم جباههم خصياً مريسي
قيل لصوفي: رفع اليدين في الصلاة أفضل أم إرسالهما؟ فقال: رفع القلب إلى الله أنفع منهما جميعاً.
علي عليه السلام: تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها واستكثروا منها، وتقربوا بها، فإنها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا: ما سلككم في سقر قالوا لم نكن من المصلين؛ وإنها لتحت الذنوب حتى الورق، وتطلقها إطلاق الربق وشبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحمة على باب الرجل فهو يغتسل منها ف اليوم والليلة خمس مرات، فما عسي أن يبقي عليه من الدرن. وقد عرب حقها من المؤمنين الذين لا تشغلهم زينة مناع، ولا قرة عين من ولد ولا مال. يقول الله تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نصباً بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه: أمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها. فكان يأمر أهله يصبر عليها نفسه.
وكتب إلى أمراء الأجنار أما بعد فصلوا بالناس الظهر حين تفئ الشمس من مريض العنز. وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عشو من النهار حين يسار فيها فرسخان، وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم ويدفع الحاج. وصلوا بهم العشاء حين تتوارى الشمس إلى ثلث الليل. وصلوا به الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه. وصلوا بهم صلاة أضعفهم ولا تكونوا فتانين.
وعنه: أن للقلوب اقبالاً وادباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض.
قالوا: خيار المسلمين يتوضؤون قبل الوقت، وأوسطهم في أوله، وأدناهم في آخره.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أذن المؤذن هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء، وهي من المدينة على ثلاثين ميلاً.
كان عثمان بن عفان يقول إذا نودي الصلاة: مرحباً بالقائلين عدلاً، وبالصلاة مرحباً وأهلاً.
سمعت امرأة مؤذناً يؤذن بعد طلوع الشمس ويقول: الصلاة خير من النوم، فقالت: النوم خير من هذه الصلاة.
مر سكران بمؤذن ردئ الحنجرة، فجلد به الأرض وجعل يدوس بطنه، واجتمع عليه الناس فقال: ما بي رداءة صوته، ولكن شماتة ليهود والنصارى بالمسلمين.
العباس المصري:
لقد كانت مساجدنا تنير ... ولم بك في الثغور لها نظير
فلم يزل الحسود لنا حسودا ... إلى أن صار مسجدنا الكبير
يؤذن في منارته ابن أوى ... ويخطب فوق منيره البعير
أبو الدرداء: من فقه الرجل إقباله عل حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ.
النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة عل أثر سواك أفضل من خمس وسبعين صلاة بغير سواك.
حذيفة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك.
عليه السلام: خير خصال الصائم السواك.
وعنه: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب.
وعنه: لو علم الناس ما في السواك لبات مع الرجل في لحافه.
علي عليه السلام: أفواهكم طرق ربكم فنطفوها.
جعفر بن محمد الصادق لمن قال له. أكل من نرى ناس: ألق عنهم تارك السواك. والمستمرة من غير علة، والمشعث من غير مصيبة، والمتربع في المكان الضيق، والمفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم، أولئك كالخلنج يلشط لحاء عن لحاء حتى يعود إلى جوهره.
النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يوم القيامة على كيب من مسك أسود، لا يهمهم حساب، ولا ينالهم فزع حتى يفرغ مما بين الناس: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله تعالى وأم قوماً وهم به راضون، ورجل أذن في مسجد ودعا إلى الله ابتغاء وجه الله تعالى، ورجل ابتلي برق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة.
وعنه عليه السلام: يد الله على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذائه.
قيل في قوله تعالى ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله نزل في المؤذنين.
الخدري رفعه: يغفر للمؤذن مدى صوته، ويشهد له ما سمعه من رطب ويابس.
أنس: من أذن من نية صادق لا يطلب عليه أجراً حشر يوم القيامة فوقف على باب الجنة، فقيل له: اشفع لمن شئت.
أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: معاشر الأنبياء، فنوافي بمن معنا من المؤمنين المحشر، فنحشر على الدواب. ويحشر صالح على ناقته، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة، ويحشر ابنا فاطمة على ناقتي العضباء والقصواء، وأحشر أنا على البراق خطوها عند أقصى طرفها. ينادي بلال بالأذان محضاً وبالشهادة حقاً حقاً، حتى إذا بلغ أشهد أن محمداً رسول الله شهد بها جميع الخلائق من الأولين والآخرين، فقبلت من قبلت، ردت على ممن ردت عليه.
عدي بن حاتم: ما جاء وقت صلاة قط إلا وقد أخذت أهبتها، وما جاءت إلا وأنا إليها بالأشواق.
عامر بن عبد قيس: لا تكن كعبد السوء لا يأتي حتى يدعى، أيت الصلاة قبل النداء.
علي رضي الله عنه: إذا مات العبد بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء.
النبي صلى الله عليه وسلم: زكاة الجسد الصيام.
وعنه عليه السلام: للصائم فرحتان: فرحة عند الإفطار، وفرحة عند لقاء ربه.
وكيع: في قوله تعالى: كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية، هي أيام الصوم، تركوا فيها الأكل والشرب.
سمعت امرأة: صوم يوم كفارة سنة، فصامت إلى الظهر ثم أفطرت وقالت: تكفيني ستى أشهر.
قيل لمدني: أتحب رمضان؟ فقال: لا والله، ما اتهنأ بشهور سائر السنة من أجله، فكيف أحبه؟ ابن الرومي: رمضان بين شعبان وشوال كمخشلبة بني درتين.
النبي صلى الله عليه وسلم: يحبه الصائم الطيب.
على عليه السلام: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم.
أسلم مجوسي فثقل عليه الصوم، فنزل إلى سرداب له وقعد يأكل، فسمع ابنه حسه فقال: من هذا؟ قال: أبوك الشقي يأكل خبز نفسه يفزع من الناس.
محمد بن أسحاق الطرسوسي، وكان ماجناً خليعاً:
نهار الصيام حلول الشقاء ... وليل التراويح ليل البلاء
تمارض تحل لك الطيبات ... وبعض التمارض كل الشفاء
وإن كان لا بد من صومه ... فأكثر من الصوم بعد العشاء
وإن كنت لا تستحل المدام ... فغاد الصيام بخبز وماء
ولا بأس بالفطر نصف النهار ... إذا كنت ذائقة بالخفاء
أنا الطرسوسي طر الهدى ... وسوس التقي وأبو الأشقياء
من أراد المداومة على الصيام فلا يدع ثلاثاً: السحور، والقيلولة، والدهن على رأسه.
أراد يزيد بن ألسود الغزو، فقالوا: لو أفطرت فقال: أفي نفسي تعاتبوني؟ فو الله لا أوطأت لها فراشاً، ولا أشبعتها طعاماً حتى تلحق بالذي خلقها.
أبو هريرة رفعه: من أفطر يوماً في رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر.
الزهري: عجباً للناس تركوا الأعتكاف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه، ولم يترك الأعتكاف منذ دخل المدينة إلى نارق الدنيا.
وعن عطاء الخراساني: مثل المعتكف كمثل عبد ألقى نفسه بين يدي الله، يقول: لا أبرح حتى تغفر لي.
الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيا ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد فقام عليهم فقال: بشر الكاثرين برضف تحمي عليهم في نار جهنم فتوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى تخرج من نغض كتفه، وتوضع على نغض كتفه حتى تخرج من حلمة ثديه. هو أبو ذر الغفاري رحمه الله، وقد رفعه.
أبو هريرة رفعه: يوشك أن يأتي على الناس زمان يشق على الرجل أن يخرج زكاة ماله.
بريدة رفعه: ما حبس قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر.
عائشة رفعته: ما خالطت الزكاة ما لا قط إلا أهلكته.
ابن عباس رفعه: من كان عنده ما يزكى فلم يزك، ومن كان عنده ما يحج به فلم يحج سأل الرجعة. يعين قوله تعالى: رب أرجعون.
محمد بن الحنيفة عن علي عليه السلام أن الله جل وعز افترض عني الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عسروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم عليه ثم يعذبهم.
بكر بن النطاح الحنفي:
ملأت يدي من الدنيا مراراً ... فما طمع العواذل في اقتصادي
ولا وجبت علي زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على جواد
أبو هريرة رفعه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تعطي وأنت صحيح شحيح، نامل البقاء، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا.
أبو ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل مشى به إلى فقير.
علي عليه السلام: إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك، فيوافيك به حيث تحتاج إليه، فاغتنم حمله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده واستغنم من استقرضك في يحال غناك، وقضاك في يوم عسرتك، فإن أمامك عقبه كؤوداً، المخفف فيها أحسن حالاً من المثقل، والمبطئ عليها أقبح أمراً من المسرع، وإن مهبطك منها لا محالة على جنة أو نار.
الصدقة صداق الجنة.
قيل للشبلي: ما يجب في مائتي درهم؟ فقال: أما من جهة الشرع فخمسة دراهم، وأما من جهة الأخلاص فالكل.
عثمان رضي الله عنه: تاجروا الله بالصدقة تربحوا كان أيوب السختياني يؤدي زكاة ماله في السنة مرتين، ويقول: احتلفوا علينا. فيدفعها مرة إلى المساكين، ومرة إلى الإمام.
دخلت امرأة شلاء على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن شللها، فقالت: كان أبي يحب الصدقة وأمي تبغضها، لم تتصدق في عمرها إلا بقطعة شحم وخلقانة، فرأيتها في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأنها قد غطت عورتها بالخلقانة، وفي يدها الشحمة تلحسها من العطش؛ فذهبت إلى أبي، وهو على حافة حوض يسقي الناس، فطلبت منه قدح ماء، فسقيته أمي، فنوديت من فوقي: ألا من سقاها فشل الله يدها، فانتبهت كما ترين.
وقال سائل على امرأة نتعشى، فقامت فوضعت لقمة في فيه، نم بكرت إلى زوجها في مزرعته، فوضعت ولدها، وقامت لحاجة لها فاختلسه الذئب، فوقفت وقالت: يا رب، ولدي. فأتى آت آخذ بعنق الذئب، فاستخرجت ولدها من فيه بغير أذى ولا ضرر، وقال لها: هذه اللقمة بتلك اللقمة التي وضعتها في فم السائل.
عشش ورشان في شجرة في دار رجل، فلما همت فراخه بالطيران زينت له امرأته أخذها، ففعل ذلك مراراً. فشكا الورشان إلى سليمان، عليه السلام فقال: يا رسول الله أردت أن يكون لي أولاد يذكرون الله من بعدي؛ فزجل الرجل، ثم أخذها بأمر امراته، فأعاد الورشان الشكوى؛ فقال صح: إذا رأيتماه يصعد الشجرة فشقاه بنصفين. فلما أراد أن يصعدها اعترضه سائل، فذهب فأطعمه كسرة من خبز شعير، ثم صعد فأخذ الفراخ. فشكا الورشان، فقال للشيطانين، فقالا: اعتراضنا ملكان فأخذا بعنقينا فطرحانا في الخافقين.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أن تقسم شاة، فقالت: يا نبي الله ما بقي منها إلا عنقها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: كلها بقيت إلا عنقها. ومنه قوله:
يبكي على الذاهب من ماله ... وإنما يبقى الذي يذهب
النخعي: كانوا يرون أن الرجل المظلوم إذا تصدق بشيء دفع عنه.
لما بلغ عبد الرحمن بن أبي سبرة ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم كسر صنماً لسعد العشيرة اسمه فراص وأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً، وقال:
تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى ... وخلفت فراصاً بدار هوان
شددت عليه شدة فتركته ... كأن لم يكن والدهر ذو حدثان
ولما رأيت الله أظهر دينه ... أجبت رسول الله حين دعاني
فأصبحت للإسلام ما عشت ناصراً ... وألقيت فيه كلكلي وجراني
فمن مبلغ سعد العشيرة أنني ... شريت الذي يبقي بآخر فإن
كان الرجل يضع الصدقة ويمثل قائماً بين يدي الفقير يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائل. وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير الصدقة ويده هي العليا.
النبي صلى الله عليه وسلم: ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الخلافة على تركته.
وعنه: الصدقة تسد سبعين باباً من الشر.
وعنه: ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام
عيسى عله السلام: من رد سائلاً خائباً لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام.
كان نبينا صلى الله عليه وسلم لا يكل خصلتين إلى غيره: كان يصنع غبره بالليل ويخمره بيده، وكان يناول المسكين بيده.
وعنه: ما من مسلم يكسو مسلماً إلا كان في حفظ الله ما دامت عليه منه رقعة.
عروة بن الزبير: تصدقت عائشة بخمسين درهماً وإن درعها لمرقع.
عبد العزيز بن عمير: الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه.
خرج الربيع بين خثيم في ليلة شاتية فرأى سائلاً، وعليه برنس من خز، فأعطاه إياه، وتلا قوله تعالى: لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون. وكان يصنع الطعام للخبيص. ويأتي بجار له مصاب فيلقمه. فيقولون هذا لا يدري ما يأكل؟ فيقول: لكن الله يدري.
ابن مسعود: إن رجلاً عبد الله سبعين سنة، ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله، ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف، فغفر الله له، ورد عليه عمل السبعين سنة.
يحيي بن معاذ ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة عمر رضي الله عنه: أن الأعمال تباهت فقالت الصدقة أنا أفضلكن.
وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول: سمعت الله تعالى يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، والله يعلم أني أحب السكر عبيد بن عمير: يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط، فمن أطعم لله أشبعه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومن كسا لله كساه الله.
الشعبي: من لم ير نفسه أحوج إلى ثواب الصدقة من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه.
فضيل: بلغني أن رجلاً وامرأته كانا يعيشان بغزلها، فانطلق به إلى السوق يوماً فباعه بدرهم، ثم مر برجلين يختصمان، وقد تأخذا بشعورهما، فسأل: فيم يختصمان؟ فقيل في درهم، فدفع درهمه إليهما وفرع بينهما؛ فقالت امرأته: أصبت ووفقت. فذهب اليوم الآخر بمثله فبار عليه، فلقيه بائع سمكة بارت عليه، فاشتراها منه بغزله، فوجدت إمرأته في جوفها درة، فباعها بمائة وعشرين ألفاً، فوقف سائل على الباب فشاطراه، فذهب ثم رجع وقال: أنا رسول ربك، فقد ابتلاك في الضراء فوجدك صبوراً كريماً، وفي السراء فوجدك شكوراً كريماً، وأعطاك بالدرهم الذي فرعت به أربعة وعشرين قيراطاً، عجل لك منها فيراطاً واحداً، وذخر لك ثلاثة وعشرين قيراطاً يعطيها في الآخرة.
الحسن بن صالح بن حيي كان إذا جاءه سائل فإن كان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه، فإن لم يكن أعطاه دهناً أو غيره مما ينتفع به، فإن لم يكن أعطاه كحلاً، أو خرج بابرة وخيط فرقع به ثوب السائل.
ووقف على بابه سائل بالليل فلم يجد شيئاً، فأخرج إليه قصبة في رأسها شعلة قال خذها وابلغ بها إلى أبواب ناس لعلهم يعطونك.
الربيع بن خثيم ما كان يتصدق إلا برغيف صحيح ويقول: أني لا ستحبى أن تكون صدقتي كسرا.
النبي صلى الله عليه وسلم: اسنفرهوا فمحايكم كأنها مضابكم عل الصراط.
وجه رجل ابنه في تجارة، فمضت أشهر ولم يقف على حبر، فتصدق برغيفين، وأرخ ذلك اليوم؛ فلما كان بعد ذلك بسنة رجع ابنه سالما رابحا؛ فسأله عما أصابه؟ فقال: غرقت السفينه في وسط البحر، فإذا أنا بشابين أخذاني وطراحاني على الشط وقالا: قل لوالدك هذا برغيفين، فكيف لو تصدقت بزيادة.
في الحديث: أن آدم عليه السلام لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا: برصجك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام.
وفيه: أن الله ينظر في كل ليلة إلى أهل الأرض، فأول من ينظر إليه أهل الحرم، وأول من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد الحرام، فمن رآه طائفاً غفر له، ومن رآه مصلياً غفر له، ومن رآه قائماً مستقبل الكعبة غفر له.
مجاهد: أن الحاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل، وصافحوا ركبان الحمر، واعتقوا المشاة اعتناقاً.
كان من سنة السلف أن يشيعوا الغزاة، وأن يستقبلوا الحاج ويقبلوا بين أعينهم، ويسألوهم الدعاء لهم، ويبادروا ذلك قبل أن يتدنوا بالآثام.
النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف، فأن نقصوا اكملهم الله بالملائكة، وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة، وكل من حجها يتعلقون بأستارها، يسعون حولها، حتى تدخل الجنة فيدخلون معها.
في الحديث: أن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة.
وفيه: أعظم الناس ذنباً من وقف بعرفة فظن أن الله تعالى لم يغفر له.
وفيه: استكثروا من الطوان بالبيت، فإنه من أقل شيء تجدونه في صحفكم يوم القيامة، وأغبط عمل تجدونه.
بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة، وهو من أفضل يوم في الدنيا، وفيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع؛ وكان واقفاً إذ نزل قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً. قال أهل الكتاب: لو أنزلت علينا هذه الآية لجعلناها يوم عيد، فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد نزلت في عيد يومين اثنين يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة.
كان بدوي يخاصم حاجاً عند منصرف الناس، فقيل له: أتخاصم رجلاً من الحاج؟ فقال:
يحج لكيما يغفر الله ذنبه ... وبرجع قد حطت عليه ذنوب
كان سعيد بن وهب على البطالة قد رق قلبه، فحج ماشياً، فجهد فقال:
قدمي اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجن من ماء القليب
رب يوم رحتما فيه على ... نضرة الدنيا وفي واد خصيب
فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كل فن بنصيب
قيل لأمرأة: ما يمنعك من دخول الكعبة؟ فقالت: والله ما أرضى قدمي للطواف فكيف أدخل بهما الكعبة؟ مكحول قلت للحسن: إني أريد أن أخرج إلى مكة، فقال: لا تصحبن رجلاً يكرم عليك فينقطع الذي بينك وبينه.
عباد بن عباد أردت الحج فأتاني ابن عون فقال: احفظ عني خلتين. عليك بحسن الخلق والبذل، فرايت في النوم كأن حماد بن زيد أتاني بحلتين وقال لي: أهداهما إليك أبن عون فقلت: قومهما؟ قال: ليس لهما قيمة.
خرج أعش طي وبشار بن برد حاجين فمرا بزرارة فاشتهيا خمرها، فأقاما يشربان ورفضا الحج، فقال الأعشى:
ألم ترني وبشاراً حججنا ... وكان الحج من خير التجارة
خرجنا طالبي سفر بعيد ... فمال بنا الشقاء إلى زرارة
فآب الناس قد حجوا وبروا ... وأبنا موقرين من الخسارة
عمر بن ذر الهمداني لما قضي ماسكه أسند ظهره إلى الكعبة ثم قال مودعاً للبيت: ما زلنا نحل لك عروة ونشد أخرى، ونصعد أكمة ونهبط وادياً، وتخفضنا أرض وترفعنا أخرى، حتى أتيناك غير محجوبين، فليت شعري بم يكون منصرفنا، أبذنب مغفور؟ فاعظم بها من نعمة! أم بعمل مردود؟ فأعظم بها من مصيبة! فيا من إليه خرجنا وإليه قصدنا، وبحرمة انخنا ارحم ملقى الوقد بفنائك. فقد أتينا بها معراة جلودها، ذابلة أسمختها نقبة أخفافها، وإن أعظم الرزية أن ترجع وقد اكتنفنا الخيبة؛ المهم وأن للزائرين حقاً، فاجعل حقنا غفران ذنوبنا، فإنك جواد ماجد لا ينقصك قائل، ولا يحفيك سائل.
عبد العزيز بن أبي رواد: جاورت هذا البيت ستين سنة وحججت ستين حجة فما دخلت في شيء من أعمال البر، فخرجت منه فحاسبت نفسي، إلا وجدت نصيب الشيطان فيه أوفر من مصيب الله تعالى.
حجة جميلة الموصلية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان أخت أبي تغلب صارت تاريخاً مذكوراً، حجت ست وثمانين وثلثمائة فسفت أهل الموسم كلهم السويق بالطبررذ والثلج؛ واستصحبت البقول المزروعة بالمراكن على الجمال، وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين، ونثرت على الكعبة عشرة الآف دينار ولم تستصبح عندها إلا بشموع العبر، واعتقت ثلثمائة عبد ومالتي جارية. وأغنت الفقراء المجاورين.
عمرو بن حيان الضرير:
كأن الحجيج الآن لم يقربوا مني ... ولم يحلموا منه سواكاً ولا نعلا
أتونا فما جاءوا بعود أراكة ... ولا وضعوا في كف طفل لنا مقلا
قيل لمدني: ما عندك من آلة الحج؟ قال: التلبية.
أبو سليمان الداراني: ما يعجبني الرجل يحصي حججة.
لما بنى آدم البيت قال: يا رب أن لكل عامل أجراً فما أجر عملي، قال: إذا طفت به غفرت لك ذنوبك؛ قال: زدني، قال: جعلته لأولادك قبلة؛ قال: زدني، قال: أغفر لكل من استغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك، قال: يا رب حسبي.
قيل للحسن: ما الحج المبرور؟ قل: أن ترجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة.
أبو الشمقمق:
إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله الأكل طيبة ... ما كل من حج بيت الله مبرور
علي عليه السلام: فرض عليكم حج بيته الذي جعله قبلة للأنام، يولهون إليه وله الحمام، وجعله علامة لتواضعهم لعظمته، واذعانهم لعزمة؛ واختار من خلقه سماعاً أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه وملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون موعد مغفرته، جعله الله للإسلام علماً وللعابدين حرماً.
كان أبو ملعب الأسدي يحج كل عام في الجاهلية ويعتمر. وفي ذلك يقول:
حج دراك وعمرة نفل ... ما دمت حياً ودام لي سيد
أو بترك الناس حج ربهم ... وكيف حجي إذا هم قعدوا
سعد أعرابي عند حاكم، فقال المشهود عليه: أتقبل شهادته وله من المال كذا ولم يحج؟ فقال الأعرابي: بلى والله حججت كذا مرة؛ قال: سله اصلحك الله عن مكان زمزم، فسأله فقال: إني حججت قبل أن تحفر زمزم.
قال ابن جريح: ما ظننت أن الله ينفع أحداً بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى سمعت وأنا باليمن منشداً ينشد قوله:
بالله قولي لها في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أورضيت بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
فحركني ذلك على الخروج إلى مكة، فخرجت مع الحاج وحججت.
سمع أبو حازم امرأة حاجة ترفت في كلامها، فقال لها: يا أمة الله ألست حاجة؟ أما تخافين الله؟ فسفرت عن وجهها، فإذا هي أجمل الناس، فقالت: أنا من اللواتي قال فيهن الحارث بن ربيعة:
أماطت كساء الخز عن حر وجهها ... وردت على الخدين برداً مهلهلاً
من اللائي لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليفتن البرئ المغفلا
قال: فإني أسأل الله أن لايعذب هذا الوجه بالنار، فبلغ ذلك سعد بن المسيب فقال: رحمه الله، لو كان من عباد العراق لقال لا اغربي يا عدوة الله، ولكنه ظرف عباد الحجاز.
حج مسروق من الكوفة فلم ينم في سفره إلا ساجداً.
قال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الخشير: عظ أصحابك، فقال: أخاف أن أقول ما لا أفعل؛ فقال الحسن: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؛ يود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
عمد فتيان من قوم عمرو بن الجموح كانوا قد أسلموا قبله إلى صنمه فكسروه وقرنوا به كلباً ميتاً وألقوه في بئر فقال:
تالله لو كنت إلهاً لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن
علي عليه السلام: وما أعمال البر كلها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي، وأفضل ذلك كله كلمة عدل عند سلطان جائر.
علي رضي الله عنه: إياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب. ألا من دعا إلى الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه، يرد شعار الخوارج.
وعنه: أن قوماً عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة لتجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وأن قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار.
شكا نبي من الأنبياء في بيت المقدس إلى ربه فقال: يا رب لواني الجوع، وأضر بي البرد، وأهلكني القمل. فأوحى الله إليه: أما ترضى أن هديتك للإسلام حتى تشكو.
معاذ بن جبل رفعه: ما من مسلم يببت على ذكر طاهراً فيتعار من الليل. فيسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه.
في نوابغ المكلم: طهرت فاك بمساويك لولا أنك بخسته بمساويك.
كان عاصم إذا افتتح القراءة قال قلبها كل يوم: أصبحتم في أجل منفوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابكم، والنار بين أيديكم، وما ترون ذاهب كله، وكان ما مضى لم يكن، فنوقعوا قضاء الله في كل يوم فإنه لا بد منه، ولينظر امرؤ ما قدم لغد فإنه محاسب عليه، وإن ما هو آت قريب، والبعيد الذي ليس بآت.
مر بصلة بن أشيم رجل قد أسبل ازاره فأرادوا أن يأخذوه بألسنتهم، فقال: دعوني أكفكموه، فقال: يا ابن أخي لي إليك حاجة، قال: وما هي يا عم؟ قال: ترفع ازارك، قال: نعم، ونعمة عين. ثم قال: أهذا كان أمثل أم أخذكم إياه بألسنتكم؟ عمر بن حبيب: من أراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليوطن نفسه قبل ذلك على الأذى، وليثق بالثواب من الله، فإنه من يثق بالثواب لم يجد مس الأذى.
الحسين بن علي عليهما السلام: الناس عبيد المال، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا فحصوا بابتلاء قل الديانون.
كان عامر بن عبد قيس يصلي كل يوم ألف ركعة، وكان يقول لنفسه. قومي يا مأوى كل سوء، فما رضيتك لله ساعة قط، فوعزة ربي لأرجفن بك رجوف البعير، ثم يتلوى تلوي على المقلى، ثم يقوم فينادي: اللهم أن النار قد منعتني النوم فاغفر لي.
بلغ عثمان رضي الله عنه أن قوماً على فاحشة، فأتاهم وقد تفرقوا، فحمد الله وأعتق رقبة.
أبو الزاهرية وأسد بن وداعة رفعاه: من نام على وضوء كان فراشه له مسجداً ونومه له صلاة حتى يصبح، ومن نام عل غير وضوء كان فراشه له قبراً وكان كالجيفة حتى يصبح.
كان عمر بن عبد العزيز يصلي على طنفسة وقد طرح على موضع سجوده تراباً.
أول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير وكانت كسوتها المسوح والأنطاع، أنه كان ليطيبها حتى يجد ريحها من داخل الحرم.
سمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن، وهو يجود بنفسه ومنزله قريب من المسجد، فقال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل، فقال: أسمع داعي الله ولا أجيبه؟ فأخذوا بيده، فركع مع الإمام ركعة ومات.
وكان عامر متوجهاً إلى القبلة، يدعو بعد العصر، فمر به أمير المدينة إبراهيم بن هشام، وكان جباراً مهيباً، فسلم عليه، فلم يلن إليه، فخافوا عليه وكلموه، فقال: أظن بني هشام أنه يقبل علي، وأنا مقبل على الله، فأعرض عن الله وأقبل عليه؛ كلا والله! كان حكيم بن حزام يقيم عشية عرفة مائة بدنة ومائة رقبة فيعلق الرقاب عشية عرفة، وينحر البدن يوم النحر، وكان يطوف بالبيت فيقول: لا آله إلا الله وحده لا شريك له، نعم الرب ونعم الآله، أحبه وأخشاه.
دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار، والي شيبة بن عثمان، وقال: يا بني أبي طلحة خالدة تالدة، لا يأخذها منكم إلا ظالم.
قدم جماعة من قريش على معاوية ففضل عليهم في الجائزة طلحة بن عبد الله بن عوف، فعاتبوه فقال: أنتم قدمتموه على أنفسكم حين قدمتوه للصلاة في طريقكم، وهي أفضل عمل الخير.
كان سعد بن أبي وقاص، إذا تمت السنة، نظر إلى ماله فأخرج ثلثه، فتصدق به.
باع طلحة رضي الله عنه ضيعة بخمسين ألف درهم وتصدق بها، ثم راح إلى صلاة الجمعة في قميص مرقوع.
كان محمد بن المنكدر يستقرض المال فيحج، فقيل له: الحج بالدين! فقال: الحج أقضى للدين.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يحفظ ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل إذا لم يحضر من حضر عما قال أو فعل، وكان يتبع أثاره في كل مكان صلى به، وكان يعترض براحلته كل طريق يمر بها ويقول: إني أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على بعض أخفاف راحلة رسول عليه وسلم.
وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فوقف معه بعرفة، فكان كل عام حج وقف ذلك الموضع لا يعدوه. وكان يحج كل عام، فحج عام قتال ابن الزبير مع الحجاج، وكتب إليه عبد الملك أن لا يخالف ابن عمر في الحج، فوقف ابن عمر حيث كان يقف، وكان الموقف بين يدي الحجاج، فأمر من نخس به حتى نفرت ناقته، فردها إلى ذلك الموضع، ففعل به مرة أخرى، فردها إليه، فثقل على الحجاج، فأمر رجلاً كانت معه حربة مسمومة، فلصق به عند الإفاضة، فأمرها على قدمه، فمرض منها ومات. وعاده فقال: من قتلك يا أبا عبد الرحمن؟ قتلني الله أن لم أقتله، فقال: أنت قتلتني.
خرج عمر رضي عنه إلى حائط له، فرجع وقد صليت العصر، فقال: حائطي على المسلمين صدقة، وذلك لغوت الجماعة.
محمد بن كعب القرظي: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: لقد رأيتني وأنا اربط الحجر على بطني في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجوع، وأن صدقتي اليوم أربعون ألف دينار.
عبد الله بن عباس مرض الحسن الحسين وهما صبيان، فعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقال عمر: يا أبا الحسن، لو نذرت في ابنيك نذراً أن لله عافاهما، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله، وكذلك قالت فاطمة. وقال الصبيان: نحن أيضاً نصوم شكراً، وكذلك وقالت جاريتهم فضة فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياماً، وليس عندهم طعام. فانطلق علي عليه السلام إلى جار له يهودي اسمه شمعون، فأخذ منه جزة صوف فغزلتها له فاطمة بثلاثة أصوع شعير فلما قدموا فطورهم جاء مسكين فآثروه به، فبقوا جياعا ليالي صومهم وفيهم نزلت: ويطعمون الطعام على حبه.
محمد بن الحنيفة: جاء سائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل سألت أحداً من أصحابي؟ قال: لا، قال: فائت المسجد فسلهم، فسألهم فلم يعطوه شيئاً، فمر بعلي وسأله وهو راكع، فناوله يده فأخذ خاتمه.
أبو الطفيل: رأيت علياً كرم الله وجهه يدعو اليتامى فيطعمهم العسل، حتى قال بعض أصحابه: لوددت أني كنت يتيماً.
محمد بن الحنيفية: كان أبي يدعو قنبراً بالليل فيحلمه دقيقاً وتمراً، فيمضى إلى أبيات قد عرفها ولا يطلع عليه أحداً؛ فقلت له: يا أبت، ما يمنعك أن يدفع إليهم نهاراً؟ قال: يا بني، صدقة لسر تطفئ غضب الرب.
رؤى الحسين بن علي عليهما السلام يطوف بالبيت، ثم صار إلى المقام فصلى، ثم وضع خده على المقام فجعل يبكي ويقول: عبيدك ببابك، سائلك ببابك، مسكينك ببابك، يردد ذلك مراراً؛ ثم انصرف، فمر بمساكين معهم فلق خبز يأكلون، فسلم عليهم، فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم وقال: لولا انه صدقة لأكلت معكم، ثم قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم، ثم أمر لهم بدراهم.
غسل علي بن الحسين فرأوا على ظهره مجولاً، فلم يدر وما هي. فقال مولى له: كان يحمل بالليل على ظهره إلى أهل البيوتات المستورين الطعام، فإذا قلت له: دعني أكفك، قال: لا أحب أن يتولى ذلك غيري.
قيل لجعفر بن محمد: الرجل تكون له الحاجة يخاف فوتها أيخفف الصلاة؟ قال: أولا يعلم أن حاجته إلى الذي يصلي إليه؟ حج عبد الله بن جعفر معه ثلاثون راحلة، وهو يمشي على رجليه حتى وقف بعرفات، فاعتق ثلاثين مملوكاً، وحملهم على ثلاثين راحلة، وأمر لهم بثلاثين ألفاً، وقال: اعتقهم لله لعله يعتقني من النار.
خرج الفرزدق حاجاً فقيل له: أين تريد؟ فقال:
أبادر يوماً من يفته فماله ... لقاء إذا ما فاته دون قابل
أراد يوم عرفة.
مرت بعيسى عليه السلام امرأة فقالت: طوبى لحجر حملك، وثدي رضعت منه؟ فقال: طوبى لمن قرأ القرآن ثم عمل به.
قيل لكعب: أرأيت لو أن رجلاً رفض الدنيا وتفرغ للعبادة؟ قال: والذي نفس كعب بيدء إني لأجد في كتاب الله المنزل أن العبد إذا فعل ذلك كلفت السماء القطر، والأرض النبات، والعباد العمل، حتى يوفى رزقه.
أبو الجوزاء: نزل جيش من المسلمين بحضرة راهب في صومعته، فنظر إليهم، فنزل وأسلم، وقال: أن أبي عهد إلي قال: إذا رأيت قوماً صدورهم أفاجيل، وقبلة أحدهم رمحه حيث يركز، ويسلم بعضهم على بعض فاتبعهم، فإنهم على الحق.
سمع كعب الأحبار من يقرأ: من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسبناً فالقى إلى مسكين رداءه، فقيل له، فقال: مكتوب في التوراة: ليس ينبغي لأحد أ، يسمعها إلا فلذ من ماله فلذة، ولم يكن معي إلا ردائي.
عن عبدا الله بن الزبير رضي الله عنه أنه جعل دهره ثلاث ليالي: قليلة قائم حتى يصبح، وليلة راكع حتى يصبح، وليلى ساجد حتى يصبح.
الحسن بن علي رضي الله عنه: إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى من المدينة إلى مكة عشرين مرة.
عن الضحاك: يأتي على الناس زمان تكر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف معلقاً عليه الغبار، ما ينظر فيه.
كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ بأذنه ويمدها، ويقول له: ويلك تفسر القرآن ولا تحفظه.
سعيد بن جبير: اقرؤوا القرآن صبيانية ولا تتنطعوا فيه.
أن مثل من تعلم القرآن صغيراً كمثل نقش في صفاة: أن أصابه مطر لم يتغير، ومثل من تعلم القرآن كبيراً كمثل نقش في لبنه، أن أصابه مطر فسد.
مر رجل بابن مسعود رضي الله عنه، فقيل له: هذا يقرأ القرآن بليلة؛ فقال: كأنه أخذ بأسفل جراب دقل فنثره.
كلم رجل عبد الله بن مرزوق في الطواف فلم يجبه، فبكى الرجل، فقال: مالك؟ قال: قد كلمتك فلم تجبني؛ فأخذ بطرف ردائه وقال: أن جاك إنسان فأراد أن يأخذ رداك أيش تفعل؟ قال: امنعه: قال: فأنت تريد ا، تسلبني ما هو خير من كل رداء.
كان أبو حفص الكبير البخاري يقول لأصحابه: استكثروا قراءة القرآن، فعن قريب يذهب القرآن من المصاحف والصدور.
كان بنو إسرائيل إذا أصاب جسدهم بول قطعوا ذلك العضو ولم يجزهم الغسل، وإذا نظر أحدهم إلى حرام أدخل أصبعه في عينه فنزعها. أصابهم قحط فخرجوا إلى الاستسقاء، فأوحى الله إلى عيسى عليه السلام أن قل لقومك: من كان منكم مذنباً فليرجع، فرجعوا غير رجل أعور، فقال له عيسى: ألم تصب ذنباً قط؟ قال: لا، غير أني كنت رجلاً حمالاً، فاحملت فاعييت، فاسترحت ساعة، فنظرت فوقعت أحدى عيني على امرأة، فقلت لها لا تصحبيني وفيك طلبة، فنوعتها وطرحتها. فقال له عيسى: ادع أنت فأؤمن أنا، ففعل فرفع الله عنهم القحط.
وإذا أراد الرجل منه من أن يقول لا إله إلا الله اعتزل امرأته قبل ذلك، ولم يأكل اللحم أربعين يوماً ثم قالها - وفي هذه الأمة يزني الرجل ويفسق أنواع الفسوق، وهو يقولها مع ذلك - وإذا أنذب الرجل أصبح مكتوباً على باب داره فعلت كذا، فإن تاب من ساعته وإلا لم تقبل توبته.
قدم المهدي البصرة وأراد أن يصلي بالناس في جامعها، فقال أعرابي: يا أمير المؤمنين لست على طهر، وقد رغبت إلى الله تعالى في الصلاة خلفك. فقال: انتظروه رحمكم الله، ودخل المحراب ووقف، إلى أن قبل له: قد جاء الرجل فكبر، فعجب الناس من سماحة خلقه.
لما ولي الهادي صلى بالناس الغداة في داره فأرتج عليه، فهابوه أن يلقنوه، فقرأ أليس منكم رجل رشيد، ففتحوا عليه.
باب
الذم والهجو، والشتم، والاغتياب وما شاكل ذلك أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أيها الناس أن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إياكم والغيبة، كان الله حرم أكل لحم الإنسان، كما حرم ماله ودمه.أبو الدرداء رفعه: من ذكر امرء بما ليس فيه ليعيبه حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي ينفذ مما قال فيه.
جابر رفعه: إياكم والعيبة فإن الغيبة أشد من الزنا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عز وجل عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها.
عمر رضي الله عنه: ما يمنعكم إذا رأيتم من خرق أعراض المسلمين أن تعربوا عليه؟ قالوا: تخاف سفهه، قال: ذلك أدنى أن لا تكونوا شهداء. التعريب على الرجل: الرد عليه والتقبيح، وهو من العرب وهو الفساد، لأنك تفسد عليه قوله وتبطله.
أنس: من اغتاب المسلمين وآكل لحومهم بغير حق، وسعى بهم إلى السلطان جئ به يوم القيامة مزراقة عيناه، ينادي بالويل والبثور والنوامة، يعرف أهله ولا يعرفونه.
هشام بن عبد الملك بن مروان لعبد الله بن عمرو بن الوليد المعيطي
أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس عيباً لصاحب
فتبدى له بشراً إذا ما لقيته ... وتلسعه بالغيب لسع العقارب
وعد خالد بن صفوان الفرزدق فسوفه، فتهدده، فقال: أن هذا قد جعل أحدى يديه سطحاً، وملأ الأخرى سلحاً، وقال: أن عمرتم سلحي وإلا لطخكم بسلحي.
صادف الشعبي قوماً في المسجد يغتابونه، فأخذ بعضادتي الباب وقال متمثلاً:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
قاول الحماني بلال بن جرير فقال له: يا ابن أم حكيم! فقال بلال: ما تذكر من ابنة دهقان، وأخيذة رماح، وعطية ملك، ليست كأمك التي بالمروت تغدو على أثر ضأنها، كأنمان عقباها حافرا حمار؛ فقال الحماني: أنا أعلم بأمك، وإنما عتب عليها الحجاج في أمر الله أعلم به، فحلف أن يدفعها إلى الأم العرب، فلما رأى أباك لم يشك.
قيل لنصيب هلا هجوت فلاناً وقد حرمك؛ قال: لآني كنت أحق بالهجاء منه إذ رأيته موضعاً لمدحي.
أبو حنش النميري لجريد:
ولو لا أن يقال هجا نميراً ... ولم يسمع لشاعرها جواباً
رغبنا عن هجاء بني كليب ... وكيف بشاتم الناس الكلابا
كان عبد الله بن الزبير يسب نقيفاً إذا فرغ من خطبته فيقول: قصار الخدود، لئام الجدود، سود الجلود بقية قوم ثمود.
تقول العرب: فلان لا ينير ولا يسدي، ولا يعيد ولا يبدي، ولا يحيي ولا يردي.
أعرابي ما يحث إلى لقائك، ولا تزف نعام القلوب إلى طلعتك، ولا تثنى خناصر الشمال بك ما تظمأ من الجنب. وهو لصدق الرنة بالجنب من العطش، وعادة الأعراب أن يثنوا الخمس من اليمين ثم من اليسار، فأراد أنه لا يعد فيمن يعد رأساً لا أولاً ولا آخراً.
قيل لأبي العيناء: هل بقي في دهرنا من يقلي؟ قال: نعم في البئر.
قال الحجاج للشعبي: يا عامر أرب وافر وعقل فاخر. لعله قال له ذلك على أثر ما غاضه من خروجه مع عبد الرحمن، وإلا فقد علم الحجاج أن عقيله إلى عقل الشعبي سراج فاتر إلى ضياء باهر، وليس بأول ظلم ارتكبه.
قيل لجرير: أن الطرماح قد هجا الفرزق، وقد كبر وضعت، فلو أجبت عنه؛ فقال: صدى الفرزدق يفي بطيء كلنا، وقد أردت ذلك فخفت أن يقال: اجتمع فحلا مضر على مخنث طيء.
قيل لأعرابي فلان يعيبك، فقال: ذاك المائل عن المجد رجلاً، الملطي باللؤم وجهاً، قد ينبح الكلب القمر.
شتم رجل حكيماً، فقيل له: هلا غضبت! فقال: كفاه خسه أن يشتم ولا يشتم.
الحكم بن قنبر:
ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل
تساب بدويان، فقال أحدهما لصاحبه: أراك والله تعطس عن أنف طالما جدع على الهوان. فقال صاحبه: والله لئن لم نكف عني شر لسانك، ولم تستر دوني عورة نسبك لا صدعن صفاتك بمعول لا ينبو عن مضربه، ولا حصدن رأسك بمنجل لا ينثني عن مأخذه. فقال الأول: لا تسعر نارنا، ولا تطلب عوارنا، فإن سفه الجاهل بالسانه وسفه. اللبيبه في يده، وكأني بك وقد وعيت مني كلاماً يمنعك الشراب البارد، ويشمت بك الصادر والوارد، وقل من تمرد على العافية ألا تمرد عليه البلاء. فانقلب عنه مغيظاً يهمهم.
حكيم: أبصر الناس بعوار الناس المعور.
بعض السلف: عجباً لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح؟ عجباً لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب؟ قيل لشبيب بن شيبة: ما بال عبد الله بن الأهتم يتنقصك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجارى في البلد، وشريكي في الصناعة.
إسحاق بن خلف البهراني في بني زياد بن أبيه:
كيت يزهى بنو زياد وفيهم ... ميسم ظاهر بألعى الأنوف
أنت يكفيك أن يقال زياد ... ي فترمى بالواضح المألوف
قيل لبعض ولد أبي لهب: العن معاوية، فقال، ما أشغلني يتبت! قال أبو حنيفة رحمه الله: أنت مطوياً خير منك منشوراً.
الضرب في الجناح والسب في الرياح.
أو سعتهم سباً وأودوا بالأبل.
قال المتوكل لأبي العيناء: ما بقي في المجلس أحد إلا ذمك غيري. فقال:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضباباً علي لئامها
وقال له: ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم؟ فقال: هما الخمر والميسر اثمهما أكبر من نفعهما.
لما هجا محمد بن حازم محمد بن حميد الطائي وأفرط اتفقت على ابن حازم محنة اختفى فيها. فوجه إليه ابن حميد بعشرة الآف، وعشرة أثواب، ويرزون بسرجه ولجامه، وغلام رومي، وكتب إليه: أكرمك الله وابقاك، ذو الأدب تبعثه قدرته على نعت الشيء بخلاف هيئته، ويحمله التظرف على هجاء بعض أخوانه في حال دعابته، وليس ما شاع من هجانك لنا يجري سوى هذا المجرى منا، وقد بلغني من خبرك ما لا غضاضة عليك فيه، مع كبر نفسك وأدبك، إلا عند العامة من الجهال، الذين لا يكرمون ذوي الأخطار إلا على الأموال دون الآداب، ونخن شركاء فيما ملكنا، وقد وجهت إليك ما استفتحت به أن بساطك وأن قل ليكون سبباً إلى غيره.
فرد ابن حازم ما وجه إليه، وكتب:
وفعلت فعل ابن المهلب إذ ... كعم الفرزدق بالنى الغمر
فبعث بالأموال ترغبني ... كلا ورب الشفع والوتر
لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عاراً على الدهر
بعضهم: بت ليلة في البصرة مع المسجديين، فلما كان وقت السحر حركهم واحد فقال: إلى كم هذا النوم عن اعرض الناس؟ قيل لرجل: ما صنع بك فلان؟ قال: متعني لذة الشكوى.
أعرابي: فلان لا يخاف عاجل عار، ولا آجل نار، كالبهيمة تأكل ما وجدت، وتنكح ما لحقت.
وذكر آخر قوماً فقال: سلخت أقفاؤهم بالهجاء، ودبغت جلودهم باللؤم.
آخر: هو عبد البدن، حر الثياب، عظيم الرواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه، لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
قيل لرجل: كيف رأيت فلاناً؟ قل: طويل العنان في اللؤم، قصير الباع في الكرم، وثاباً على الشر، زمناً عن الخير.
أعرابي: من عاب سفلة فقد رفعه، ومن عاب شريفاً فقد وضع نفسه.
كان الجنيد من كبا العمال. وكان يعطي الناس الجوائز السنية ويشتمهم. فقصده شاعر فقال: أعطوا هذا الماص بضر أمه سبعين ألفاً، فقال:
يعطى على شتمة وأن صغرت ... سبعين ألفاً طوبى لمن شتمه
قام رجل إلى سليمان بن عبد الملك فقال: إني مملك بابنه عمي على مائتي دينار، فإن رأى أمير المؤمنين أن يسلفينها، فقال: يا ابن اللخناء، أقسطار أنا حتي أسلفك؟ بل أهب لك مائتي دينار، ومائتي دينار، ولم يزل يكررها حتى انقطع نفسه على ثلاثة آلاف دينار؛ فقبضها، فأتاه الناس يهنؤونه، فقال: أين قوله يا ابن اللخناء؟ فبلغ ذلك سليمان فقال صدق، وددت أني افتديتها بأضعافها ولم أقلها.
نظر بعض السلف إلى رجل يفحش، فقال له: يا هذا إنك تملي على حافظيك كتاباً، فانظر ماذا تقول.
بعضهم: ذم من شئت فهو للذم موضع.
عمر رضي الله عنه: ولو أن امرء كان أقوم من القدح لوجدت له من الناس غامزاً، وما ضرت كلمة لم يكن لها حقيقة.
أبو عبيدة: الأم الناس الأغفال الذين لم يهجوا ولم يمدحوا.
قيل لسقراط: هل من إنسان لا عيب فيه؟ قال: لو كان إنسان لا عيب فيه لكان لا يموت.
ابن عباس: ما الأسد الضاري في فريسته بأسرع من الدنئ في عرض السري.
شاعر:
ومطروفة عيناه في عيب نفسه ... فإن بان عيب من أخيه تبصرا
الرفاء وهو ابن در.
ولو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... ابراً يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك ابرة ... لليخيط قد قميصه لم تفعل
رابعة: الإنسان إذا نصح لله في نفسه أطلعه الجبار على مساوئ عمله، فشاغل بها من دون خلقه.
قال عبد الله بن عروة لابنه: أنه والله ما بنت الدنيا شيئاً إلا هدمه الدين، ولابنى الدين شيئاً فاستطاعت الدنيا هدمه، ألا ترى إلى علي عليه السلام ما تقول فيه خطباء بني أمية من ذمه وعيبه؟ والله كأنما يأخذون بناصيته رفعاً إلى السماء أو ما رأيت ما يندبون به موتاهم؟ والله لكأنما يندبون به جيف حمير.
كان يقال: ما استب اجلان إلا غلب ألأمهما.
وعن بعض الحكماء: لا أحب أن أكون في حرب الغالب فيه شر من المغلوب.
قالوا: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، لأنك أن استودعك أخوك مالاً لم تحدثك نفسك بخيانة، وأنت تغتابه ولا تبالي.
سمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب، فقال: ويحك، إياك والغيبة فإنها أدام كلاب الناس، من كف عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة.
شتم رجل الزهري فقال: أن كنت كما قلت فهو شر لي، وأن لم أكن كما قلت فهو شر لك. وكان يقول: متى قلت لمملوك أخزاك الله فهو حر.
وعن طلحة بن عبيد الله أنه دعا أبا بكر وعمر وعثمان رضي له عنهم، فأبطأ عليهم الغلام بشيء أراده، فقال: يا غلام، فقال لبيك، فقال لا لبيك. فقال أبو بكر: ما سرني أني قلتها وأن لي الدنيا. وقال عمرك ما سرني أني قلتها وأن لي نصف الدنيا، وقال عثمان: ما سرني أني قلتها وأن لي حمر النعم. وصمت عليها طلحة، فلما خرجوا باع صيعة بخمسة عشر ألفاً وتصدق بها.
قيل لابن سيرين: مالك لا تقول في الحجاج شيئاً؟ قال: أقول فيه حتى ينجيه الله لتوحيده ويعذبني باغتيابه. وكان جعل عل نفسه إذا اغتب تصدق بدينار.
وقال له رجل: أننا ننال منك فاجعلنا في حل، فقال: ما كنت لأحل لكم ما حرم الله عليكم، وكان مدح أحداً قال: هو كما شاء الله، وإذ أراد أن يذمه قال: هو كما علم الله.
معاوية بن قرة: كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم نمية.
الأحنف: في خلقان، لا اغتاب جليسي إذا غاب عني، ولا أدخل في أمر قوم لا يدخلونني فيه.
قيل لرجل من العرب: من السيد فيكم؟ قال: الذي إذا أقبل خبناء، وإذا أدبر اغتبناه.
كان ابن عون إذا ذكر عنده الرجل بعيب قال: أن الله رحيم.
القاضي احمد بن أبي دؤاد في محمد بن عبد الملك بن الزيات
أحسن من خمسين بيتاً سدى ... جمعك معناهن في بيت
ما أحوج الملك إلى مطرة ... تغسل عنه وضر الزيت
خالد الزبيدي:
إذا نمري طالب الوتر كفه ... عن الوتر أن يلقى طعاماً فيشيعا
إذا نمري ضاق بيتك فاقره ... مع الكلب زاد الكلب وازجرهما معاً
قيل للربيع بن خثيم: ما نراك تعيب أحداً؛ قال: لست عن نفسي راضياً فأتفرغ لذم الناس، وأنشد:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لنفسي في نفسي عن الناس شاغل
عبد الله المبارك: قلت لسفيان: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة؟ ما سمعته يغتاب أحداً قط؛ قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها.
محمد بن سوقة: ما أحسب رجلاً يفرغ لعيوب الناس إلا من عقلة غفلها عن نفسه.
سئل فضيل عن غيبة الغاسق المعلن، أله غيبة؟ فقال: لا تشتغل بذكره، ولا تعود لسانك الغيبة، عليك بذكر الله، وإياك وذكر الناس، فإن ذكر الناس داء، وذكر الله شفاء.
خزاعي بن عوف:
ولست بدى ثرب في الصدي ... ق مناع خير وسبابها
ولا من إذا كان في مجلس ... أضاع العشيرة واغتابها
ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أتعلم ألقابها
زياد الأعجم:
أني لأكرم نفسي أن أكلفها ... هجاء جرم ولما يهجهم أحد
ماذا يقول لهم من كان هاجيهم ... لا يبلغ الناس ما فيهم وأن جهدوا
فضيل: الغيبة فاكهة القراء، وكان يقول: ما لعنت إبليس قط، وكان يكره إذا كان عالمان في قبيلة أن يفضل أحدهما على الآخر.
ومر بابن سيرين طبيبان ذميان، فقيل له أيهما أطب؟ فقال أخاف أن تكون غيبة.
الأوزاعي: عدنا مكحولاً فقال: اللحوق بمن يرجى خيره خير من البقاء مع من لا يؤمن شره.
ما نار في اليبس بأسرع من الغيبة في الحسنات.
اعتب رجل رجلاً عند معروف الكرخي فقال: اذكر القطن إذا وصعوه على عينيك.
رأت أم البهلول ابن سيأبه فقالت: قبح الله هذا، لو كان داء لما برئ منه.
كان بين سعد بن مالك وبين خالد بن الوليد كلام، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد، فقال: له، أن ما بيننا لا يبلغ ديننا.
لقمان: يا بني، قد دحرجت الحجارة، وقطعت الصخور، فلم أجد شيئاً أثقل من كلمة السوء ترسخ في القلب كما يرسخ الحديد في الماء.
قال حماد عجرد في بشار:
والله ما الخنزير في نتنه ... بربعه في النتن أو خمسه
بل ريحه أطيب من ريحه ... ومسه ألين من مسه
ووجهه أحسن من وجهه ... ونفسه أفضل من نفسه
وعوده أكرم من عوده ... وجنسه أكرم من جنسه
فقال بشار: ويلي على الزنديق لقد نفث ما في صدره؛ قيل: وكيف ذاك أبا معاذ؛ قال: ما أراد إلا قول الله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فأخرج الجحودية مخرج هجائي.
روي انه لم يجزع جزعه من قوله فيه:
ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمي القرد
وأنه بكى لما سمعه، وقل: يراني فيصفني، ولا أراه فأصفه.
جرى في الغواية إلى الغاية، وفي مخالفة النهي إلى النهاية.
مضغوه بالألسنة الجاذبة، ولا كوه في الأحناك الكاذبة.
كثير:
وسعي إلي بغيب عزة نسوة ... جعل الآله خدودهن نعالها
فلان ما يرتح للمدح، ولا يرتاح للذم.
قال ابن مناذر لرجل: مالك أصل فاحفره، ولا فرغ فاهصره.
آخر: لم أجد حسباً فأثلمه، ولا بناء فأهدمه.
توبة:
رماني وليلى الأخيلية قومها ... بأشياء لم تخلق ولم أدر ما هيا
فلان عناما القذاع، عري من حلية التقوى، ومحي عنه طابع الهدى، لا تثنيه يد المراقبة، ولا تكفه خيفة المحاسبه.
قيل لإسماعيل بن حماد: أي اللحمان أطيب؟ قال: لحوم الناس، هي والله أطيب من لحوم الدجاج والدراج، يعني التفكه بأعراضهم واغتيابهم.
مر المسيح في الحوار بين على جيفه كلب، فقال بعضهم: ما أشد نتن ريحه! فقال: هلا قلت: ما أشد بياض أسنانه.
حسل بن عرفطة:
ليهنك بغض في الصديق وظنة ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه
وأنك مشنوء إلى كل صاحب ... بلاك ومثل الشر يكره جانبه
وأنك مهداء الخنا نطف الثنا ... شديد السباب رافع الصوت غالبه
فلم أر مثل الجهل أدنى إلى الردى ... ولا مثل بغض الناس غمض صاحبه
ابن المعتز: لا تذكر الميت بسوء فتكون الأرض أكتم منك عليه.
وكان محمد عبد الملك بن صالح إذا ذكر الميت عند سوء كفوا عن أسارى الثرى.
الريبة عار والغيبة نار، ومن عن الريبة كف عن الغيبة.
محمد بن حرب: أول من عمل الصابون سليمان، وأول من عمل القراطيس يوسف وأول من عمل السويق ذو القرنين، وأول من خبز الجرادق نمرود، وأول من كتب في القراطيس الحجاج، وأول من بني مدينة في الإسلام الحجاج، وأول من اغتاب إبليس اغتاب آدم.
سامع الغيبة أحد المغتابين.
أبو نواس:
ما حطك الواشون عن رتبة ... عندي ولا ضرك متاب
كأنما أثنوا ولم يعلنوا ... عليك عندي بالذي عابرا
آخر:
أبا حسن يكفيك ما فيك شاتماً ... لعرضك من شتم الرجال ومن شتمي
أوحى الله إلى موسى أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، وإن أصر فهو أول من يدخل النار.
اشكاب: لا تأمن من كذب لك أن يكذب عليك، ومن اغتاب عندك غيرك أن يغتابك عند غيرك.
كان أبو الطيب الطاهري يهجو ابني سامان فقال له نصر بن أحمد يوماً: يا أبا الطيب إلى متى تأكل خبزك بلحوم الناس؟ فخجل ولم يعد.
برزجمهر، قال لولده: لا تكونوا عيابين فتكونوا عند الناس إذا أذنبتم أشد عيباً، وأقل عذراً.
علي رضي الله عنه: من نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه.
الحسن: ذم الرجل لنفسه في العلانية مدح لها في السر.
قال الحجاج لابن القرية: من شر الناس؟ قال: الذي يطلب عثرات الناس وهو مصر على الذنوب.
هجا الفرزدق سنان بن سنان الحرامي، فأخذه قومه فربطوه وجاؤا به إلى الفرزدق، وقالوا: هذا أسيرك فافعل به ما شئت، وأنا قد برئنا إليك من جرمه، وإياك وأعرضنا. فقال له: ما دعاك إلى هجائي؟ قال: الحين، قال: أفتعود؟ قال: لا، قال: فاذهب. وقال:
ومن يك خائفاً فرطات شعري ... فقد أمن الهجاء بنو الحرام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
مبارك العلوي:
آبى فلا امدح اللئام معا ... ذا الله مدح اللئام لي دنس
لكن ساهجوهم وإن رغمت ... مما أقول المناخر الفطس
العباس بن يزيد الكندي:
لو اطلع الغراب على تميم ... وما فيهم من السوءات شابا
أتى ابن فسوة عبد الله بن عباس يستوصله، فلم يصله، فقال:
أتيت ابن عباس أرجى نواله ... فلم يرج معروفي ولم يخش منكري
فليت قلوصي عريت أو رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر
فقال به عبد الله بن جعفر: أنا اشتري منك عرض ابن عمي، فقال: اشتر ولا تؤخر. فوصله حتى كف.
سمع أعرابي قوله تعالى: الأعراب أشد كفراً فامتعض؛ ثم سمع: ومن الأعراب من يؤمن بالله: فقال: الله أكبر! هجانا الله ثم مدحنا، وكذلك فعل الشاعر حيث يقول:
هجوت زهيراً ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجي وتمدح
لما قام السفاح قال له أحمد بن يوسف: لو أمرت بلعن معاوية على المنابر كما سن اللعن على علي عليه السلام؛ فأبى وتمثل يقول لبيد:
فلما دعاني عامر لأسبهم ... أبيت وأن كان ابن عيساء ظالما
لو تأمل رجل أفعال فلان ثم اجتنبها لا ستغنى عن الآدب أن يطلبها.
لو أن رجلاً تجنب أخلاقه لقيل قد مد المجد عليه رواقه.
دخل أبو الهندي على أسد بن عبد الله بن كرز البجلي، وعنده رجل من جرم على سريره؛ فتناول أبا الهندي، فقال له أسد: مهلاً يا أخا جرم فإن له لساناً لا يطق؛ فقال أبو الهندي: كم الكبائر؟ قال: بلغني أنهن أربع: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله. قال أبو الهندي: بلغني أنهن خمس: تجفاف على بعير، وسراج في شمس، ولبن في باطية، وخمر في علبة، وجرمي على سرير. فبهت الجرمي.
سأل الفرزدق سيد غدانة عطية بن جعال أن يكف عن هجو قومه، فأجابه ثم قال:
أبني غدانة أنني حررتكم ... فوهبتكم لعطية بن جعال
لو لا عطية لاجتدعت أنوفكم ... من بين الأم آنف وسبال
فقال عطية: سبحان الله! ما أسرع ما رجعت في عطيتك! الفيض بن أبي صالح:
ليس في العير يوم عبر أبي سف ... يان تباً لتلكم من عير
لا ولا في النفير يوم قريش ... حين جدت وأزمعت بالنفير
ذم أعرابي قوماً فقال: هم أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم، وأكثرهم جرماً إلى أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على المنكر، ألسن عامرة من الوعد، وقلوب خربة من المجد.
آخر: أن فلاناً يكاد يعدي بلؤمه من سمي باسمه، ولئن خيبني فلرب قفيه كريمة ضاعت في رجال لئيم.
الحسن: عاش المسلمون برهة من زمانهم وأن الرجل ليحرم غيبة أخيه ودرهمه وسوطه أن يجده ملقى في الأرض حتى يرده عليه، فبيناهم كذلك إذ طعن الشيطان طعنة فنفرت القلوب فصارت وحشا، فإذا هو يستحل دم أخيه ماله، وهو بالأمس يحرم غيبته ودرهمه وسوظه.
علي عليه السلام رفعه: من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه.
علي عليه السلام: الغيبة جهد العاجز. ومنه أخذ المتنبي.
أكبر نفسي عن جزاء بغيبة ... وكل اغتياب جهد من لا له جهد
أبو يزيد العبدي:
ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... أن الكلاب طويلة الأعمار
وأراك تنجني فتسرب جاهداً ... كالكلب ينبح كامل الأقمار
وقف قوم بباب عدي بن الرقاع ليها جوه فقالت لهم بنت له صغيرة:
تجمعتم من كل أوب ووجهة ... على واحد لازلتم قرن واحد
قال الكندي لرجل: أنت والله ثقيل الظل، مظلم الهواء، جامد النسيم.
كلثوم بن أوفي التميمي المعروف بابن قسيمة:
إذا لم يرج قومك منك خيراً ... تجود به ولا خلقاً رغيباً
وكنت عليهم أسداً مدلاً ... وعن أعدائهم درعاً هيوباً
وسبهم العدد فلم تنكسر ... عليه وكنت بعد لهم سبوبا
وأن منيتهم خيراً وعسراً ... وفيت به وكنت به طبيبا
وأن منيتهم شراً وعسراً ... لقومك كنت مخلافاً كذوباً
وأن فسدوا رضيت وأن تراضوا ... ظللت لذاك محتزناً كئيباً
وأن أطعمت بعضهم طعاماً ... مننت به وكنت له طلوباً
فليت الحي قد حفروا بفأس ... قليباً ثم أعمرت القليبا
حكيم قال لرجل: مذكم لسعتك عقرب أو لدغتك حية؟ قال: ما أذكر شيئاً من ذلك؛ قال: فمتى عهدك بمن أغتابك وسبك، وكتم محاسنك، ونشر مساوئك، وسعى في هلاكك؟ قال: أقرب عهد.
وقف جدي على سطح، فمر به ذئب فشتمه، فقال له الذئب: أنت لا تشتمني إنما يشتمني المكان الذي أنت به.
شاعر:
توف ملاحاة الشيوخ وذمهم ... فإن لهم علماً برد المئالب
ذكر خالد بن صفوان اليمانية فقال: ما منكم إلا ناسج برد، وسائس قرد، ودابغ جلد، وراكب غرد، غرقتهم فأرة، وللكتهم امرأة، ودل عليهم الهدهد. قالوا العرد البغل.
هو سيد قريع، بتقديم الراء: أبو الدرداء رضي الله عنه: احذروا الناس، فما ركبوا ظهر بعير ألا أذبروه، ولا ظهر جواد إلا عقروه، ولا قلب مؤمن إلا خربوه.
المخرق بن الممزق:
أنا المخرق أعراض اللئام كما ... كان الممزق أعراض اللئام أبي
مخلد بن علي السلامي الحوراني:
على أبوابه من كل وجه ... قصدت له أخو مر بن أد
أخو لحم أعارك منه ثوباً ... هنيئاً بالقميص لك الأجد
أبوك أراد أمك حين زفت ... فلم توجد لأمك بنت سعد
يعني أن أبوابه مضببة مغلقة، لأن أخا مر هو ضبة، وأخوكم جذام، أر أنه مجذوم، وبنت سعد هي عذرة، أراد لم تكن عذراء.
قال رجل لابن سيرين: إني شتمتك فاجعلني في حل. قال: ما كنت لا حل لك ما حرم الله عليك.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له: بلغني أن قبلك قوم يسبون أبا بكر وعمر فمن قامت عليه بينة عادلة فاضربه ضرب المستطيل في عرض أخيه وهو ساكت.
عامر بن عبد الله بن الزبير: ألا أن الدنيا لم تبن شيئاً إلا هدمته الآخرة، وأن الآخرة لم تبن شيئاً فهدمته الدنيا، وأن بثي أمية لعنو عليا على منابرهم سبعين سنة فما زاده الله إلا رفعة ونبلاً.
استب رجلان، فقال أحدهما: لو قطع زبك ثم علق لم تبق زانية إلا عرفته. وقال الآخر: ما ولدت زانية بالكوفة ولداً إلا وفيه شبه منك. فلم يوجبوا عليها حداً.
عن معاوية بن قرة: كأن أفضلهم عن السلف أسلمهم صدأ، وأقلهم غيبة.
سب عبيد الله بن عمر المقداد فقال عمر: علي نذر أن لم أقطع لسانه فلا يسب أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أراد رجل تطليق امرأته، فقيل له: ما عيبها؟ فقال هل يتكلم أحد بعيب امرأته؟ فلما طلقها قيل له: ما كان عيبها؟ قال هي امرأة غيري، ما لي ومالها؟ عن بعض الصالحين أنه سمع غيبة من امرأة فصاح: الحريق! فازدحم الناس على بابه فلم يروا شيئاً، فقالوا له، فقال: وقع الحريق في وفيها وفي أهلي، وما ملكت يدي حين اغتابت.
كان بعض الصلحاء يضع في كمه الفانيذ، فإذا رأى أحداً يغتاب، يذكر أحداً بسوء لقمه الفانيذة، وقل: هذا أحلى مما تكلمت به فاتركه.
بلغ الحسن البصري أن فلاناً قد اغتابك، فأهدي إليه طبقاً من رطب. فأتاه الرجل وقال: اغتبتك فأهديت إلي؟ فقال الحسن: قد أهديت إلى حسناتك فأردت أن أكافئك.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي إلى السماء رأيت قوماً يأكلون الجيف، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس.
فضيل: لكل شيء ديباج، وديباج القراء ترك الغيبة.
مر عمرو بن العاص على بغل ميت، فقال لأصحابه: والله لئن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم أخيه.
النبي صلى الله عليه وسلم: من اغتيب غيبة غفر الله نصف ذنوبه.
أبو هريرة: لئن أقوم إلى كوز ماء فأشربه في رمضان أحب إلي من أن اغتاب مسلماً.
أحمد بن أبي الحوارى: سمعت سفيان بن عيينة يقول: اسمعوا ما أقول لكم فإنه أنفع لكم من الحديث: لو أن رجلاً أصاب من مال رجل شيئاً فلم يرده عليه في حياته، فتاب بعد موته وجاء إلى ورثته حتى جعلوه في حل لكنا نرى أن ذلك كفارة له، ولو أصاب من عرض رجل، فتاب بعد موته، وجاء إلى ورثته، وإلى جميع أهل الأرض فجعلوه في حل لم يصر في حل، ولم ينج من صاحبه، فافهموا ما يقال لكم، فعرض المؤمن أشد من ماله.
وعن طاووس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجعفر وهو يحجم في رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم. فقال جعفر للحجام: امسح عني فوالله ما احتجمت حتى رأيت رسول الله يحتجم في شهر رمضان. قال جعفر: فلحقت رسول الله فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، ما احتجمت حتى رأيتك تحتجم في رمضان فممرت آنفاً فقلت أفطر الحاجم والمحجوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله يا جعفر هل كنت أنت والحجام تغتايان مسلماً؟ فقال: اللهم نعم. فقال: لغيبتكما إياه أفطرتما. أن الغيبة تفطر الصائم وتفسد الوضوء والصلاة.
باب
الذل والهوان، والضعف والقلة، والخسة وسقوط الهمة، وذكر الرعاع والغفل كلمت النبي صلى الله عليه وسلم جارية من السبي، فقال من أنت؟ قالت: بنت الرجل الجواد حاتم: فقال: ارحموا عزيزاً ذل، وغنياً افتقر، وارحموا عالماً ضاع بين جهال.عمر رضي الله عنه: ليس ينبغي لمن أخذ بالتقى أن يذل نسه لصاحب دنيا.
وعن طارق بن شهاب: أن عمر لما قدم الشام، عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأمسكهما بيده وخاض الماء. فقال له أبو عبيدة قد صنعت اليوم صنعاً عظيماً عند أهل الأرض. فصك في صدره وقال: أوه لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة! إنكم كتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام. فمتى ما تطلبوا العز بغيره يذلكم.
منصور الفقيه:
يا من له من تميم ... عم نبيل وخال
أن لم يكن لك تقوى ... ولم يكن لك مال
فاجلس فأنت ذليل ... بحيث تلقى النعال
تميم الداري: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا ادخله هذا الدين، بعز عزيز يعز به الله الإسلام، وذل ذليل يذل الله به الكفر.
قيل لأعرابي: كيف تقول استخذأت أو استخذيت؟ قال: لا أقوله، قيل؛ ولم؟ قال: لأن العرب لا تستخذي.
أوس بن حارثة الطائي: من قل ذل، ومن أبر فل.
يقال: ما هو إلا جمل السقاية وحمار الحوائج، للممتهن.
يقال: فلان يمزجر الكلب، إذا كان بعيداً من مجلس الناس لمهانته.
وعن بعض السلف: قف لي فوت الرقيب من الأيسار، ومزجر الكلب من السمار وقال أبو سفيان بن حرب:
وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب
ويقال للأراذل والسقاط أبناء درزة، أنشد المبرد لبعض الشعراء في زيد بن علي ومن خرج معه:
يا با حسين والأمور إلى مدى ... أبناء درزة أسلموك وطاروا
وقال: هم خياطون من أهل الكوفة خرجوا معه، ثم انهزموا أسرع شيء.
ويقال لهم أبناء الدهاليز، قال ابن بسام:
يا ابن الدهاليز وأبناء السكك ... ويا ابن عجل لا يجي زوجي يرك
يقال للقيط: ابن عجل عجل.
المتلمس:
أن الهوان حمار الأهل يعرفه ... والحر ينكره والجسرة الأجد
ولا يقيم بدار الهون يعرفها ... إلا الأذلان عير الأهل والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فما يرثى له أحد
علي عليه السلام مسكين ابن آدم مكتوم، الأجل مكتوب العمل، تؤذيه البقة، وتقتله الشرقة، تنتنه العرقة، وتميته الغرقة.
ذمت أعرابية قوماً فقالت: لهم صبر على عض الهوان.
الجاحظ: وجد بعض العرب ثعلبين يبولان على رأس صنمه فقال:
رب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل ما بالت عليه الثعالب
قال وروى: هو ذكر الثعالب. وأنشد:
كم رأينا للدهر من أسد ... بالت على رأسه ثعالبه
لما أحاطت بنو أسد بحجر بن عمرو أبي امرئ القيس قال: يا بؤس للسباع في أيدي الضباع.
زيد بن علي رضي الله عنه: ما أحب أحد الحياة قط إلا ذل.
الحسن. ترى ذل المعاصي في وجوهم وإن دققت بهم الهماليج في ديوان المنظوم:
الموت والهون أن خيرت بينهما ... فعجل الموت لي أن اختر الهونا
تمثل المنصور حين أتاه خروج إبراهيم بن عبد الله بالبصرة، يقول سلامة بن جندل:
وسومة ذل نجعل الموت دونها ... نقول بها للموت أهلاً ومرحبا
يقال للذليل: هو بمدرجة السيل، قال عبد الله بن مكنف المدني.
قد كنت آوي من ... نداك إلى ذرى جبل ظليل
فغبرت بعدك واضعاً ... زجلي بمدرجة السيول
أبو المطرف عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص يخاطب أخاه مروان بن الحكم:
أنك لم تجد طرداً لحر ... كالصادق به طرف الهوان
ولم تجلب مودة ذي وفاء ... بمثل البذل أو لطف اللسان
فلو كنا بمنزلة سواء ... لجئت وأنت مضطرب العنان
في ديوان المنثور: من أهان نفسه لربه فهو مكرم لها غير مهين، ومن امتهن في طاعة الله فذاك عزيز غير مهين، ألا أخبرك بكل مهان ممتهن، في قضية الذل مرتهن، كل متهالك على حب هذه الهلوك، منقطع إلى أحد هؤلاء الملوك، يدين له ويخضع، ويخب في طاعته ويضع؛ لا يطمئن قلبه ولا تهدأ قدمه، ولا ينحرف عن خدمته همه ولا سدمه؛ منتصب قدامه انتصاب الجذل، وهو ملآن من الجذل؛ بعرض تحسبه مصوناً وهو كمنديل الغمر مبتذل. له ركوع في كل ساعة وتكفير، وخرور على ذقنه وتعفير؛ جماً لاحترازه من سخطه الملك واحتراسة، مقسماً أن أقسم جهد اليمين على رأسه.
وفيه: الحر لا يدر على العصاب، ولا يذل وإن مني بالصعاب. أن لم تكن ذا عرنين أشم كنت لريح الذل أشم. استهان قوم بالدين إلا حاق بهم الهوان، وتفاهم الزمان كما ينفي الزوان. أقل من الهمج أكثر هذه الهج. إذا قلت الأنصار كلت الأبصار.
قيس بن الهيثم السلمي:
فقدنا مصعباً وأخاه لما ... نفت عنا سماؤهما المحولا
وكنا لا يرام لنا حريم ... نسحب في مجالسنا الذيولا
فيا لهفي ولهف أبي وأمي ... لقد أصبحت بعدهما ذليلاً
النبي صلى الله عليه وسلم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها، بدعوتهم وصلاتهم واخلاصهم.
عن سعد بن أبي وقاص انه سأل رسول الله: أرأيت الرجل يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه مثل نصيب غيره؟ فقال عليه السلام: ثكلتك أمك يا ابن أم سعد! وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ يقال: ذلت صعبته، ولانت صعدته. وانقبض بعد انبساطه، وتطأطأ بعد اشتطاطه.
قطبة بن الخضراء القيني:
ولست كمن يغمز جانباه ... كغمز التين تجنيه الجواري
رأيت معاشراً في الناس دقوا ... خبت نيرانهم فرقعت ناري
قرطة بن المهزم العبدي:
شر الأنام كليب ... هم اللئام القصار
قوم من الذل فيهم ... قماءة وصغار
للذلة اقتحمتها ال ... قلوب والأبصار
سئل أبو حنيفة رحمة الله عن السفلة فقال: هو كافر النعمة. وعن أبي يوسف: من باع دينه بدنياه. وعن محمد بن الحسن. من يبخل بعطية الحجام والمزبن ويأكل في الطريق. وعن الأصمعي: من لا يبالي بما قال أو قيل له؛ وعن عبد الله بن المبارك: السفلة هم اللذين يتغلسون ويحضرون أبواب القضاة يطلبون الشهادة.
وعن ابن الأعرابي: السفلة الذي يأكل الدنيا بدينه. قيل له: فمن سفلة السفلة: قال الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه.
سئل علي عليه السلام فقال: الذين إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا.
وعن يحيى بن أكتم: السفلة الدباغ والكناس إذا كان من غير العرب.
وجاء رجل إلى بقية فقال له: أن امرأتي قالت لي: يا سفلة! فقلت لها: إن كنت سفلة فأنت طالق؛ فقال: ما صنتعك؟ فقال: سماك، فقال: سفلة والله سفلة.
وقيل لمالك بن أنس: من السفلة؟ قال الذي يسب الصحابه. هبنقة القيسي:
إذا كنت في دار يهينك أهلها ... ولم تك مكبولاً بها فتحولا
وإن كنت ذا مال قليل فلا تكن ... ألوفاً لقعر البيت حتى تمولا
دخل الأجرد الثقفي على عبد الملك بن مروان فأنشده.
من كان ذا عضد يدرك ظلامته ... أن الذليل الذي ليست له عضد
تنبو يداه إذا ما قل ناصره ... ويأنف الضيم أن أثرى له عدد
كان لحطيئة ساقط النفس دنيء الهمة، أتى بني كليب فقالوا: هو أشعر الناس، وهابوه وحكموه، وقالوا: سل ما أحببت يا أبا مليكه وأكثر ولا تبق علينا؟ وحسبوا أنه يسألهم في دية، فقال قصعة من ثريد قالوا: ألف قطعة، قال: لا أريد إلا واحدة، فأكل وشبع وقال:
لعمرك ما المجاور في كليب ... بمقصى في المحل ولا المضاع
ويحرك سر جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقدم المدينة فاستعدوا له من كل جانب، وقال بعضهم: علي عشر من الإبل، وقال آخر: علي خمس، وقال آخر علي ألف درهم، وأعدوا له كل ضرب من الثياب. فلما دخل قام متوكئاً على عصاه فقال: من يحملق علي سمل نعله من يعين بسحق عميمة؟ من يكسو جبيبة صوف؟ فسقط عن أعينهم.
ووفد على سعيد بن العاص فقال لغلامه: أدخله السوق فلا يشير إلى شيء إلا اشتريته له. فمر على صنوف الثياب من الخز والقز فلم يشر إلى شيء إلا إلى قطيفة ومدرعة، فعاتبته امرأته، فندم وقال في سعيد:
سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً ... فتيان لا حمد عليك ولا ذم
عمير بن جعيل التغلبي:
إذا ضيقت أمراً زاد ضيقاً ... وأن هونت ما قد ضاق هانا
سأصبر من صديقي أن جفاني ... على كل الأذى إلا الهوانا
المنتصر بن المتوكل:
الذل يأباه التفى الحر ... ما الكريم معه صبر
لم يعرف الناس الذي مسني ... فليس لي عندهم عذر
وذلك أن أباه كان يمسه بضروب من الهوان، وأنواع من الإمتهان، وكان قد بالغ في ذلك وافرط أول الليلة الذي جرى عليه ا جرى.
عمير بن جعيل التغلبي:
كما الله حيي تغلب ابنة وائل ... من اللؤم أظفاراً بطيئاً نصولها
إذا رحلوا عن دار ذل تعاذلوا ... عليها وردوا وفدهم يستقيلها
حارثة بن بدر الغداني:
وشيب رأسي واستخف تجلدي ... رعود المنايا بيننا وبروقها
وأنا لتستحلي المنايا نفوسنا ... وتترك أخرى مرة ما تذوقها
يريد المذلة.
بشامة بن الغدير المرى:
هوان الحياة وخزي الممات ... وكلاً أراه طعاماً وبيلا
فإن لم يكن غير أحديهما ... فسيروا إلى الموت سيراً جميلاً
ولا تهلكوا وبكم منة ... كفى بالحوادث للمرء غولا
المغيرة بن حيناء:
إذا المرء أولاك الهوان فأوله ... هوانا وأن كانت قريباً أواصره
فإن أنت لم تقدر على أن تهينه ... فدعه إلى اليوم الذي أنت قادره
وقارب إذا ما لم تكن لك حيلة ... وصمم إذا أيقنت أنك عاقره
سأل سلم بن قتيبة طاووساً عن شيء فلم يجبه، فقيل له: هو سلم بن قتيبة أمير خراسان، فقال: ذلك أهون له علي.
أحسن خالد بن برمك إلى عيسى بن زيد حين كان والي الري، فبلغ ذلك المهدي فأغضبه، وبعث إليه المفضل ليشخصه، فلستوهبه المفضل ضيعة له بالري، فأبى. فلما صادره المهدي ثم رضي عنه، وأعاده إلى منزلته، قال للمفضل: سألتني الضيعة وأنا على تلك الحال، فمنعتك كراهة أن تنزل ذلك مني على الضعف والمداراة لك، وتحرزاً من أن يتهمك مولاك.
له همة خامدة، وكف جامدة.
باب
ذكر الله، والدعاء والاستغفار والمناجاة، والتحميد والتسبيح، والاستعاذة، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك قيل لسفيان بن عيينة: ما حديث يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل دعاء أعطيته أنا والنبيون قبلي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؟ قال: ما تنكر من ذا؟ ثم حدث بقوله عليه السلام: من تشاغل بالثناء على الله أعطاه الله فوق رغبة السائلين. ثم قال: هذا أمية بن أبي الصلت يقول لابن جدعان:أذكر حاجي أم قد كفاني ... حياؤك أن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليه المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
فهذا مخلوق يقول لمخلوق، فما ظنك برب العالمين.
ابن عمر: من دعائه عليه السلام: اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان القلوب بذروف الدموع، قبل أن يكون الدمع دماً، ولأضراس جمراً.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أسألك واقية كواقية الوليد.
وعنه عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك.
عن مولى لأم معبد قال: لما كبرت أم معبد ذهب بصرها، فكنت أقودها فكانت تكثر أن تدعو بهذه الكلمات، وتقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، اللهم طهر لساني من الكذب، وقلبي من النفاق، وعملي من الرياء، وبصري من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
علي عليه السلام: ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء.
أنس يرفعه: لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد.
جابر يرفعه: لقد بارك الله للرجل في حاجة أكثر الدعاء فيها، أعطيها أو منعها.
أبو هريرة عنه عليه السلام: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، وأجعل الحياة زيادة في الخير، واجعل الموت راحة لي من كل شر.
جابر: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل ممن كان قبلكم إذ مر بجمجمة نظر إلهيا وقام يفكر، وقال: يا رب أنت أنت، وأنا أنا، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب، ثم خر ساجداً، فقيل له: ارفع رأسك، أنت أنت وأنا أنا، أنت العواد بالذنوب، وأنا العواد بالمغفرة. فغفر له.
وقع ابن المعتز تحت الدعاء بإطالة البقاء: كفى بالانتهاء قصراً.
قالت أعرابية عند الكعبة: الهي لك أذل، وعليك أدل.
شريح: اللهم إني أسلك الجنة بلا عمل عملته، وأعوذ بك من النار بلا ذنب تركتة.
قال عبد الملك بن صالح للرشيد: سرك الله فيما ساءك، لاساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه جزاء للشاكرين، وثواباً للصابرين.
أعرابي: اللهم إني أعوذ بك من الفاجر وجدواه، والغريم وعدواه، كان ابن عمر إذا فرغ من طعامه قال: الحمد الله الذي رزقنا وجعلنا نشتهيه، فرب من بقدر عليه ولا يشتهيه.
كان ابن عمر إذا فرغ من طعامة قال: الحمد الله الذي رزقنا وجعلنا نشتهيه، قرب من بقدر عليه ولا يشتهيه.
أعرابي: اللهم اقذف في قلبي هواك، واقطع رجائي عمن سواك.
أبو المنير العروضي في محمد بن علي بن عيسى بن ماهان:
لا يقطع الله كفاً أنت حاملها ... بها تفرجت البلوى عن الناس
سمعت بدوية تقول في دعائها: يا صباح يا مناح، يا مطعم الواسع يا عريض الحفنة، يأبا المكارم. فزجرها رجل، فقالت: دعني أصف ربي، وأمجد الهي بما يستحقه من العرب.
وسمعت أنا منهم من يدعو عند الركن: يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه وهذا ونحوه مما يدعون به على عادة الجفاء والعنجهية والجهل بالتوقيف. ولكنهم ينحون نحو غرض صحيح من ثنائهم عل الله عز وجل بالكرم والنزاهة عن القبيح على طريق الاستعارة، لأنه لأفضل عندهم بني الكريم أبي المكارم، ولا بين الجواد والعريض الجفنة، ولا بين المنزه والأبيض الوجه.
قيل أعرابي: أتحسن أن تدعو؟ قال: نعم، اللهم أنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك، فلا تحرمنا الجنة ونحن نسألك.
سمع موسى بن جعفر يقول في سجوده آخر الميل: يا رب عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك.
ذكر عند سلام بن أبي مطيع: الرجل تصيبه البلوى فيدعو، فتبطيء عنه الإجابة، فقال: بلغني أن الله تعالى يقول: كيف أرحمه.
يحيى بن معاذ: اللهم إني جعلت الأعتراف بالذنب وسيلة إليك واستطلت بتوكلي عليك، فإن غفرت فمن أولى بذلك، وأن عاقبت فمن أعدل في الحكم منك، اللهم أن نظرت إلى عيون سخطك فلم تغفل عن استنقاذى منها عيون كرمك.
أعرابي دعا لمن أطعمه: أطعمك الذي أطعمني له ما يطعم في الجنة رسله، فقد أحستني بقتل جوعي، ودفعت عني ما لم يكن بمدفوع.
طاووس: إني لفي الحجر لليلة، إذا دخل على بن الحسين، فقلت: رجل صالح من أهل بيت الخير، لا سمعن دعاءه، فسمعته يقول: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك. فما دعوت بهن في كربة الإفرجت.
أعرابية: وقاكم الله هول المطلع، وصرف عنكم سوء المضطجع، واحسن إليكم في المرتجع.
عمر بن ذر اللهم أن كنا عصيناك فقد تركنا من معاصيك أبغضها إليك وهو الإشراك بك، إن كنا قصرنا عن بعض طاعتك فقد تمسكنا منها بأحبها إليك وهي شهادة أن لا آله إلا الله، وإن رسلك جاءت بالحق من عندك.
أبو حيان: نصرك الله معيناً وأعانك ناصراً.
أعرابي: صرف الله محله، وحمل رحله، وسر بأويته أهله، ولا زال آمنا، مقيماً وظاعناً.
أعرابي: اللهم أنا نبات نعمتك، فلا تجعلنا حصاد نقمتك.
ابن المسيب: سمعت من يدعو بين القبر والمنبر: اللهم إني أسلك عملاً باراً ورزقاً داراً، وعيشاً قاراً. فدعوت به فلم أر الأخيرا.
لا أخلاك الله من ثناء صادق، ودعاء صالح واق.
سلام ابن أبي مطيع: اللهم أن كنت قد بلغت أحداً من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنيها بالعافية.
وسارية لم تسر بالليل تبتغي ... مناخاً ولم يقصر لها القيد مانع
تسير وراء الليل والليل ضارب ... بأوراقه فيه سمير وهاجع
إذا وفدت لم يردد الله وفدها ... على أهلها والله راء وسامع
سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ ... لورد ولم يقطع بها البيد قاطع
تفتح أبواب السماوات دونها ... إذا قرع الأبواب منهن قارع
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
أراد الدعوة.
دعت أعرابية بالموقف فقالت: أسالك بسرك الذي لا تزيلة الرياح، ولا تخرقة الرماح.
مخنث: الاستغفار جوارش الذنوب.
حج أعرابي من طيء فكان يدعو ولا يستغفر. فقيل له، فقال: أن تركي الاستغفار مع ما اعلم من عفو الله ورحمته لضعف وإن الاستغفار مع ما أعلم من إصراري اللؤم.
أبو بكر رضي الله عنه اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح شأني كله، لا إله إلا أنت.
لما صاف قتيبة بن مسلم الترك، سأل عن محمد بن واسع، فقيل هو في أقصى الميمنة جانحاً على سية قوسه، منضفنا بإصبعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الأصبع الفاردة أحب إلى من مائة ألف كتيبة بسيف شهير، وسهم طرير.
سمح مطرف ضجة الناس بالدعاء فقال: لقد هممت أن أحلف أن الله غفر لهم. ثم ذكرت أني فيهم عكففت.
قيل لفتح الموصلي: ادع لنا، فقال اللهم هنينا عطاك، ولا تكشف عنا غطاك.
دعاؤه عليه السلام للمتزوج: على اليمن والسعادة، والطير الصالح، والرزق لواسع، والمودة عند الرحم.
خالد: اتقوا مجانيق الضعفاء، أي دعواتهم.
قدم زيادة الخاثر على المهدي فلم ينجح، فقال له وزيره: يصنع الله لك، فقال: ما أردت الدعاء منك، لأني تيقنت أنه لا يجاب.
مؤوق العجلى: سألت الله حاجة منذ أربعين سنة، ما قضاها لي، وما أيست منها.
سأل أعرابي قوماً له: بورك فيك، فقال: وكلكم والله إلى دعوة لا تحضرها نية.
قيل لإبراهيم التميمي: لو دعوت الله أن يفرج عنك! قال: إني لاستحي أن أدعو الله أن يفرج عني ما فيه لي أجر.
بعض السلف: اللهم لا تحرمني خير ما عندك لشر ما عندي، فإن لم تقبل تعبي نصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته.
أعرابي: اللهم انزع ما في قلبي من كذب وخيانة، واجعل مكانه صدقاً وأمانه.
كان المأمون إذا رفعت المائدة من بين يديه قال الحمد الله الذي جعل أرزاقنا أكثر من أقواتنا.
أبو المجيب الأعرابي: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع. اللهم اجعل خير عملي ما ولي أجلي.
الحسن: من دخل المقابر فقالت اللهم رب الأرواح الفانية والأجساد البالية، والعظام النخرة، التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، ادخل عليهم روحاً منك، وسلاماً مني، كتب له بعدد من مات من لدن آدم إلى أن تتقدم الساعة حسنات.
وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دخل الجبانة.
حكى معروف القاص: أن الحجيج كانوا يجتهدون في الدعاء بعرفات وفيهم رجل من التراكمة ساكت، لا يحسن أن يدعو، فحرج صدره ووقع عليه البكاء، فقال بلغته إلهي أنت تعلم أني لا أحسن شيئاً من دعواتهم، فاسألك ما يطلبون؟؟؟ منك بما دعوا. فرأى بعض الصالحين في منامة أن الله قبل حج الناس بدعوة تركماني لما نظر إلى نفسه بالفقر ولفاقة.
علي عنه عليه السلام: سلاح المؤمن الدعاء وعماد الدين ونور السماوات الأرض.
فيما أنزل الله من الكتب: أن الله يبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه.
أبو هريرة يرفعه: اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم.
صلى رجل إلى جنب عبد الله بن المبارك، وبادر القيام، فجذب ثوبه وقال: أما لك إلى الله حاجة.
قيل لعمر بن عبد العزيز: جزاك الله عن الإسلام خيراً، فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيراً.
كان الزهري إذا حدث عن القرآن والسنة تلاه بدعاء: اللهم إني أسألك كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
وهب: مثل الذي يدعو بغير عمل مثل الذي يرمي بغير وتر.
طاووس: اللهم ارزقني الإيمان والعمل، وامتعني المال والولد.
كان عامر بن عبد قيس إذا أصبح قال: اللهم غدا الناس إلى معايشهم وأسواقهم، ولكل منهم إليك حاجة، وحاجتي أن تغفر لي.
كان زبيد اليامي يستتبع الصبيان إلى المسجد، وفي كمه الجوز، ويقول: من يتبعني منكم أعطيته خمس جوزات، فإذا دخلوا المسجد قال: ارفعوا أيديكم وقولوا: اللهم اغفر لزبيد، فيفعلون فيقول: اللهم انعل واستجب لهم، فإنهم لم يذنبوا.
عن بقية: كنا في بحر، فعصفت عليا ريح، وبكى الناس، ومعنا إبراهيم بن أدهم نائماً في كساء، فاستوى جالساً وقال: أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك، فهدأت الريح.
مر معروف الكرخي بسقاء يقول: رحم الله من يشرب من هذا الماء، نشرب وهو صائم، وقال: عسى الله أن يستجيب.
الشعبي: حسدت عبد الملك عل كلمة تكلم بها وهي: اللهم إن ذنوبي كثرت فجلت عن الصفة، اللهم وإنها لصغيرة في جنب عفوك، فاعف عني.
الثوري: كان من دعاء السلف: اللهم زهدنا في الدنيا ووسع علينا فيها، ولا تزوها عنا وترغبنا فيها.
قال جبريل لآدم؛ قل اللهم ألبسني العافية في الدنيا والآخرة حتى تهنأني المعيشة، ثم قال اللهم اختم لي بالمغفرة، فقالها، فقال جبريل: وجبت.
علي عليه السلام: جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته فما شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته، فلا يقنطنك ابطاء إجابته، فغن العطية عل قدر النية، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه، وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صرف عنك بما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته.
رحب واديك، وعز ناديك، لا ألم بك ألم، ولا طاف بك عدم، سلمك الله ولا أسلمك.
قال أعرابي لعبد الله بن جعفر: لا ابتلاك الله ببلاء يعجز عنه صبرك، وأنعم عليك نعمة يعجز عنها شكرك، أبقاك الله ما تناسق الليل والنهار، وتناسخت الظلم الأنوار.
ما قرعت أبواب السماء بمثل مفاتيح الدعاء.
شاعر:
دامت لك النعمة في غبطة ... وكل ما ساء فبي لا بكا
المتنبي:
وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... مرفوعة لقدومك الأبصار
وصدرت أغنم صادر عن مورد ... حيث اتجهت وديمة مدرار
زودك الله الأمن في مسيرك، ونيل الدرك في مصيرك، لا أخلاك الله من شهر تستجده، وخير من الله تستمده، أسعدك الله بإهلاله، وأبقاك لأمثاله.
جعل الله حجك متابا، ودعاك مجابا، ومساعيك مشكورة، وذنوبك مغفورة.
عليكم عند الموت بأوجز الدعاء، والمعروف من الثناء، وإياكم وتحية الوكى، وتقرب الحمقى.
اللهم اكفنا أعدائنا، ومن أراد بنا سوء فليحط به ذلك السوء كإحاطة القلائد بترائب الولائد، ثم ارسخه على هامته كرسوخ السجيل، على هام أصحاب الفيل.
قدس الله مشهده، ورفع في الجنان مصعده، لقاه الله أحسن عمله، وتغمد له فارط زلله.
شاعر:
سقاك ولو لا ما تجن من التقى ... لقلت شآبيب العقار المشعشع
جعل الله ذلك خاتمة الكروب، وقافية الخطوب.
لا أنساك الله مصيبتك بأعظم منها.
جعل الله المصيبة لك لا بك، والعزاء فيك لا عنك.
جعلك الله ممن ينتجز بالصبر ما وعد من البشرى بالصلوات والرحمة والهدى.
في العتزية عن امرأة: لا صفر بيتك، ولا استوحش ربعك، ولا ضاع أجرك، ورحم الله متوفاك.
عزى شبيب بن شيبة يهودياً فقال: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطي أحداً من أهل ملتك.
اتق الله في يوم سرائك يستجب لك في يوم ضرائك.
قيل لسفيان التورى: ادع، فقال: ترك الذنوب هو الدعاء.
الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: اللهم أن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان نائباً فقربه، وإن كان قريباً فيسره، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيراً فبارك لي فيه.
أبو نواس:
أحببت من شعر بشار لحكمته ... بيتاً لهجت من شعر بشار
يا رحمة الله حلي في منازلنا ... وجاورينا فدتك النفس من جار
رحمة الله جارية بصرية كان يشبب بها بشار، وإنما كتبناه على معنى رحمة الله التي وسعت كل شيء، وإنما لهج به ابن هاني لحبيب له اسمه رحمة الله، وكان يتأول على حسب سمته، وتأويلنا أحسن، وما لهجنا به أحق بالله، وأولى أن يعلق بالمهج.
في الدعاء المأثور: اللهم استرنا بسترك الجميل، وأظلما بظلك الظليل.
بعض السلف: احذروا أصابع الأيتام، قال أبو نواس:
رب أمر عففت عنه اختياراً ... حذراً من أصابع الأيتام
بات أبو العيناء مع ابن مكرم في بيت، فتأذى بغطيطه، فتحول إلى الصفة فلحق به، فصعد إلى الغرفة فسمعه، فقال: ما أشبه نخيرك إلا بدعوة المظلوم، والريح العقيم، ليس دونهما حجاب.
عمرو بن عبيد: اللهم اغنني بالإفتقار إليك، ولا تفقرني بالآستغناء عنك، اللهم أعني على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة.
شاعر:
وافق المهرجان والعيد مني ... رقة الحال وهي داء الكرام
فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام
كتب رجل إلى بعض الأجلة: أحسن الله إباءتك، فاستبرد دعاءه فكتب: عجل الله أماتتك.
ابن العميد: لا زال مكانه معاناً للنعم، لا تريمه المواهب، ولا ترومه المصائب.
سمع عمر بن عبد العزيز رجلاً يقول: اللهم زوجني الحور العين، وفي كفه حصى يقلبها، فقال: بئس الخاطب أنت، ألا ألقيت الحصى وأخلصت لربك الدعاء.
يوسف بن أسباط: إن الدعاء ليحسبه عن السماء سوء الطعمة، اللهم أنا نسألك من النعمة أحضرها، ومن العيشة أخضرها.
سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول اللهم اجعلني من الأقلين، فقال: ما أردت بهذا؟ قال قوله تعالى: وما آمن معه إلا قليل، وقوله: وقليل من عبادي الشكور، فقال: عليكم من الدعاء بما يعرف.
سأل أعرابي على باب دار، فقال له صبي: بورك فيك، فقال: قبح هذا الفم، لقد تعلم الشر صغيراً.
سعيد بن المسيب: مر بي صلة بن أشيم فقلت له ادع الله لي، فقال: رغبك الله فيما يبقى، وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليقين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا يعول في الدين إلا عليه.
شكا رجل إلى الحسن رجلاً يظلمه فقال: إذا صليت الركعتين بعد المغرب وسلمت، فاسجد وقل: يا شديد القوى، يا شيديد المحال، يا عزيز، أذللت بعزتك جميع من خلقك، صل على محمد وله، واكفني مؤونة فلان بما شئت. فلم يرع إلا بالواعية في الليل، فسأل عنها، فقيل مات فلان فجأة.
قال موسى عليه السلام: يا رب غنك لتعطيني أكثر من أملي، قال: إنك تكثر قول ما شاء الله، لا قوة إلا الله.
بعض الصالحين كان يقول قبل الصلاة: يا محسن قد جاءك المسئ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك.
أعرابي كان يدعو في صلاته: اللهم ارزقني عمل الخائفين، وخوف العاملين، حتى أنعم بترك النعيم، طمعا بما وعدت، وخوفاً مما أوعدت.
وقفت أعرابية عند جذع جعفر البرمكي حين صلب فأبنته ثم ولت باكية وهي تقول:
عليك من الأحبة كل يوم ... سلام الله ما ذكر السلام
عمر بن عبد العزيز لولا أن ذكر الله فرض لما ذكرته إجلالاً له.
كان مسلمة بن عبد الملك يقول: عونك اللهم على أعباء السؤدد.
استقبل علي بن عيسى بن ماهان في أهل بلخ عصام بن يوسف الزاهد، فسلم عليه، فاعرض عنه عصام ولم يرد عليه، فوقف ابن عيسى ورفع يديه، وأرسل عينيه وقال: اللهم أن هذا الرجل يتقرب إليك ببغضي، وأنا اتقرب إليك يحبه، فإن كنت غفرت له ببغضي، فاغفر لي بحبه، يا كريم.
قالت أم حكيم الخزاعية: سمعته يقول تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاء الوالدة يقضي إلى الحجاب.
كان وزير المأمون إذا دخل عليه حياه بتحية أبرويز: عشت الدهر، ونلت المنى، وجنبت طاعة النساء.
عبد لله بن أبي أقوى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: أصبحنا وأصبح الملك والكبرياء ولعظمة والخلق والأمر والليل والنهار وما يسكن فيهما لله وحده لا شريك له، اللهم اجعل أول هذا النهار صلاحاً، وأوسطه فلاحاً، وآخره نجاحاً، واسألك خير الدنيا وخير الآخرة، يا أرحم الراحمين.
عبد الله بن عمر عن أبي أيوب: ما صليت وراء نبيكم إلا سمعته حين ينصرف يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي وخطيئاتي كلها، اللهم أنعشني، واجبرني، واهدني لصالح الأعمال والأخلاق، إنه لا يهدي لصالحها، ولا يصرف سيئاتها إلا أنت.
كان شداد بن أوس في سفر فقال لغلامه: ائننا بالسفرة نعبث بها؛ فقال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا اخطمها وازمها غير كلمتي هذه، فلا تحفظوها عني، واحفظوا ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك لساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، واستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.
ابن الأسقع: كان يحفظ من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، بكل سبيل أنت مقيم، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى.
الأوزاعي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أسالك التوفيق المحابك من الأعمال، وحسن الظن بك، وصدق التوكل عليك.
اعتمر علي فرأى رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه الحاح الملحين، أذقني برد عفوك، وحلاوة مغفرتك. فقال علي: والذي نفسي بيده، لو قلتها وعليك ملء السماوات والأرضين من الذنوب لغفر لك.
من جامع الدعاء: اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وجملي بالعافية، وكرمني بالتقوى.
كانت أمراة لزوجها: ما رأيت أفسى قلباً، ولا أجمد عينا منك! إن ابنتك ضلت، وتفرق الناس في طلبها، وأنت جالس غير مكترث؛ قال: ويحك، أخذت عليها مجامع الطرق؛ يعني الدعاء واللجا إلى الله تعالى.
أبو ذر رضي الله عنه: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي مع الطعام من الملح.
قالوا من آداب الدعاء أن يترصد الأوقات الشريفة، كما بين الأذان والإقامة، لقوله عليه السلام: الدعاء بني الأذان والإقامة لا يرد، وحالة السجود، ووقت السحر، وأن يدعو مستقبل القبلة، وأن يرفع يديه، لما روي عن سلمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً؛ وعن أبي الدرداء: ارعفوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال، ويمسح بها وجهه بعد الدعاء، قال عمر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مديديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه؛ وأن لا يرفع بصره إلى السماء، لقوله عليه السلام: لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم؛ وأن يخفض صوته، لقوله تعالى: تضرعاً وخفيه، وعن أبي عبد الرحمن الهمداني: صليت مع أبي إسحاق الغداة فسمع رجلاً يجهر بالدعاء، فقال: لكن زكريا نادى ربه نداء خفياً؛ وأن لا يتكلف، ويأتي بالكلام المطبوع غير المسجوع، لقوله عليه السلام: إياكم والسجع في الدعاء، حسب أحدكم أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليه أن من قول.
ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع، فقال أعلى الله تبالغ؟ أشهد لقد رأيت حبيباً الأعجمي يدعو وما يزيد على قوله: اللهم اجعلنا جيدين، اللهم لا تفحصنا يوم القيامة، اللهم وفقنا للخير؛ وقيل: ادع بلسان الذلة والاحتقار، لا بلسان الفصاحة والإنطلاق؛ وكانوا لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها، كما رتى في آخر سورة البقرة.
سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله أجاب دعاء شر الخلق إذ قال: رب فانظرني.
عن بعضهم: أنى أسأل الله منذر عشرين سنة حاجة وما أجابني، وأنا أرجو الإجابة؛ سالته أن يوفقني لثرك ما لا يعنيني.
عنه عليه السلام: إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الإجابة فليقل: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات؛ ومن أبطأ عنه من ذاك شيء فليقل: الحمد لله على كل حال.
ومن الآداب أن يفتح بالذكر ولا يبدأ بالسؤال.
عن سلمة بن الأكوع: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا قال: سبحان ربي الأعلى الوهاب.
وعن أبي سليمان الدارني: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن بدع ما بينهما.
أعرابي: لا ترك اله له شفراً ولا ظفراً، أي عيناً ولا يداً.
جعل الله رزقك فوت فمك: أي تنظر إليه ولا تقدر عليه.
حمل رزام بن حبيب إلى طحان طعاماً، فقال: أنا مشغول عنك؛ فقال: إن طحنت وإلا دعوت على حمارك ورحاك؛ قال: أو مستجاب الدعوة أنت؟ قال: نعم؛ قال: قال: فادع الله تعالى أن يصير حنطتك دقيقاً فهو أروح لك.
من دعاء العرب: فتة الله فتاً، وحته حتاً، وجعل أمره شتاً.
قال رجل لمزيد: أماتك الله؛ قال آمين! بعدك بألف سنة.
أعرابي دعا على مسافر: بالبارح الأشم، والسانح الأعضب، والصرد الأنكد، والكد الملهث، والهم المكرث، والطائر المنحوس، والظهر الموكوس، والرحل المنكوس، فإن عاد فلا عاد إلا بكآبة المنقلب، وخراب المعتقب.
خرج أعرابي وكانت له امرأة تفركه، فأتبعته نواة وقالت: شطت نواك، ونأى سفرك؛ ثم أتبعته روثة وقالت: رئيتك وراث خبرك؛ ثم ابتعته حصاة وقالت: حاص رزقك، وحص أثرك.
قيل لبعض المغفلين: ما تقول في معاوية؟ قال أقول: رحمه الله ورضي عنه؛ قيل: فما تقول في يزيد؟ قال أقول: لعنه الله ولعن أبويه.
أطفأ الله ناره، أي جعله أعمى؛ خلع الله نعليه. أي جعله مقعداً.
سقآك الله دم جوفك، أي قتل ابنك فأخذت ديته فشربت لبنها.
أعرابي: لا رشد قائده، ولا سعد رائده، ولا أورى قادحه، ولا أدلى ماتحه، ولا أصاب غيثاً، لا وافق إلا ليناً.
تقول العرب للحبيب إذا سعل: عمراً وشباباً، وللبغيض: وربا وقحابا.
أعرابي: لا ترك الله لك خفاً يتبع خفاً، ولا ظلفاً يتبع ظلفاً، وخلعك من أهلك خلع الوظيف، وأحوجك إلى بيع الطفيف.
سمع مسلم بن يسار رجلاً يدعو على أخ له ظلمه فقال: لا تدع عليه، ولا تقطع رحمك، وكله إلى الله، إن خطيئته أشد عليه من أعدى عدو له.
رماه الله بليلة لا أخت لها.
علي رضي الله عنه: ضربه الله ببيضاء لا تواريها العمامة. أراد البرص.
شاعر:
ابعث عليه سنة قاشورة ... تحتلق المال احتلاق النورة
شربت قائماً وحلبت قاعداً، دعا عليه بأن يشرب قامئاً كما تشرب العبيد، وأن يحلب الغنم دون الإبل.
أباد الله رواغيه أبقى ثواغيه.
أرانية الله قائماً قاعداً، ضاحكاً عابساً، رفيعاً وضيعاً، أي مصلوباً.
أزال الله دولته.
زال الله دولته سريعاً ... فقد ثقلت على عنق الليالي
ليت السباع لقيته غاديه ... أسأل رب الناس منه العافيه
امرأة من بني ضبة في زوجها:
وما دعوت عليه حين العنه ... إلا وآخر يتلوني بآمين
فليته كان أرض الروم منزله ... وأنني قبله صيرت بالصين
قال عبادة لرجل: من أين أقبلت؟ قال: من لعنة الله، قال: رد الله غربتك.
الأعراب: اللهم صلخاً كصلخ النعامة، يريد به شدة الصمم.
وكان الكيت أصم أصلخ.
والنعامة مثل في الصمم، ونما لقب بيهس بنعامة لفرط صممه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الأحزاب: اللهم أكل سلاحهم، واضرب وجوههم، ومزقهم في البلاد، تمزيق الريح للجراد.
عمر بن عبد العزيز: لا تكن ممن يلعن إبليس في العلانية، ويطيعه في السر.
أعرابي: أعوذ بالله من الأسد والأسود، والذيب الأعقد، ومن الشيطان والإنسان، ومن عمل ينكس برأس المسلم، ويغرى به لئام الناس.
اللهم إني أعوذ بك أن افتقرني غناك، أو اضل في هداك، أو أذل في عزك أو اضام في سلطانك، أو اضطهد والأمر لك.
علي عليه السلام: اللهم صن وجهي باليسار، ولا تذل جاهي بالآقتار، فاسترزق طالبي رزق، واستعطف شرار خلقك، وابتلي بحمد من أعطاني وافتتن بذم من منعني، وأنت من وراء ذلك كله ولي الإعطاء المنع.
الحسن: اللهم إني أعوذ بك من قلب يعرف، ولسان يصف، وأعمال تخالف.
مطرف: كنت أدعو: اللهم إني أعوذ بك من مثل السوء، وسنة السوء، وقدر السوء؛ فسمعت الله تعالى يقول: فقدرنا فنعم القادرون فكرهت أن أدعوها.
كانت رابعة القيسية إذا دق عليها الباب قالت: اللهم إني أعوذ بك من كل جاء يشغلني عن عبادتك، ومن كل عارض يعرض بيني وبين ما اتزود به للقائك.
أعوذ بالله من مقارفة الوصمة، ومفارقة العصمة.
أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وأشبعنا وأروانا، وكفانا وآوانا، فرب مكفي لا يجد مأوى ولا منقلباً، نعوذ بالله من التقلب إلى النار.
اللهم إني أعوذ بك من الوعث يوم البعث.
اللهم إني أعوذ بك من فقر مكب، وضرع إلى غير محب.
ابن عباس، عنه عليه السلام: ما انتهيت إلى الركن اليماني قط إلا وجدت جبريل قد سبقني إليه يقول: قل يا محمد اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر والفاقة، ومن مواقف الخزي.
قال أعرابي، وقد سبق الناس إلى عرفة، اللهم اغفر قبل أن يدهمك الناس.
البراء عنه عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من الشك في الحق بعد اليقين، وأعوذ بك من الشيطان الرجيم، وأعوذ بك من شر يوم الدين.
ابن عباس رفعه: اللهم إني أعوذ بك من شر عرق نعار، ومن شر حر النار، النعار هو الذي لا يرقأ.
وعنه عليه السلام: كم من نعمة لله في عرق ساكن.
علي عليه السلام: العجب ممن يعطب ومعه النجاة؛ قيل: وما هي؟ قل الاستغفار.
أنس يرفعه: إن للقلوب صدأ كصدأ النحاس، وجلاؤها الاستغفار.
بكر بن عبد الله المزني: إنكم تكثرون من الذنوب، فاكثروا من الاستغفار، إن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفار سره مكان ذلك.
احتضر عمرو بن عبيد وهو حاج، فقال لعديله: قد نزل بي الموت ولم أتأهب، ثم قال: اللهم إنك نعلم أني لم يسنح لي أمران لك في أحدهما رضى، وفي الآخر لي هوى، إلا اخترت رضاك على هواى، فاغفر لي.
صالح المرى: اللهم فرغني لما جعلتني له، ولا تشغلني بما تكفلت في به، ولا تحرمني وأنا أسألك، ولا تعذبني وأنا استغفرك.
الربيع بن برة من أصحاب الحسن، وبرة أمه، وأبوه عبد الرحمن السلمة: ندعوه لحظنا فيسرع، ويدعونا لحظنا فنبطئ، فخيره إلينا نازل، وشرنا إليه صاعد، وهو علينا ملك قادر.
شاعر:
استغفر الله من عمر أضعت به ... حظى من الذكر في قيل وفي قال
أعوذ بالله من كل ما يؤدي إلى موارط نقمته، ويحجب عن موارد نعمته.
قيل لبعض المجان: كيف أنت في دينك؟ قال: اخرقه بالمعاصي، وارقعه بالاستغفار.
عن بعض أهل البيت: نعوذ بالله من بيات غفلة، وصباح ندامة.
الخضر عليه السلام: اللهم إني استغفرك لماتبت إليك منه ثم عدت واستغفرت لما وعدتك من نفسي ثم أخلفتك، واستغفرك لما أردت به وجهك فخالطه ما ليس لك، واستغفرك للنعم التي أنعمت بها علي فتفويت بها على معصيتك، واستغفرك، يا عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، من كل ذنب أو معصية ارتكبتها في ضياء النهار وسواد الليل، في ملاء أو خلاء، أو سر أو علانية، يا حليم. قال الأوزاعي: من دعا بها غفر الله له ولو كانت ذنوبه عدد ورق الشجر، ورمل علاج، وقطر السماء.
بعض الصالحين: اللهم إني استغفرك من كل ذنب قوي عليه بدنى بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطت إليه بسعة رزقك، واحتجبت فيه عن الناس بسترك، واتكلت فيه على أناتك وحلمك، وعولت فيه على كرم عفوك.
مطرف: اللهم إني أعوذ بك من شر السلطان ومن شر ما تجري به أقلامهم، وأعوذ بك م أن أقول حفا فيه رضاك التمس به أحداً سواك، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، وأعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك، وأعوذ بك أن يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني مني، وأعوذ بك من أن اسغيث بمعصية لك من ضر يصيبني.
بعض العلماء: العبد بين ذنب ونعمة، لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار.
الربيع بن خثيم: لا يقولن أحدكم استغفر الله وأتوب إليه، فيكون ذنباً وكذباً أن لم يفعل، وليقل اللهم اغفر لي وتب علي.
فضيل: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
من قدم الاستغفار عل الندم كان مستهزئاً بالله وهو لا يعلم.
الحمد لله الذي أحمد جمرته، وسلبه امرأته، وأذل عترته، ولم يقله عثرته.
قال الأصمعي للرشيد الحمد لله عليك، قال: ما معنى هذا الكلام؟ قال: أنت نعمة حمدت الله عليها.
قال مزيد لرجل: من أنت؟ قال: قرشي والحمد الله، قال: بأبي أنت، الحمد في هذا الموضع ريبة.
أوس بن حجر يحمد الله على المطر:
صنعت فلم يصنع صنيعك صانع ... وما يصنع الأقوام أصنع
سري السقطي: أنا استغفر الله من قولي الحمد لله منذ أربعين سنة، قيل: كيف؟ قال: وقع الحريق بالليل فخرجت أنظر دكاني، فقيل الحريق بالبعد من دكانك، فقلت: الحمد الله، ثم قلت: هب دكانك تخلص أما تهتم للمسلمين! الصاحب: الحمد لله الذي لا تحده الأقدار، ولا تحويه الأقطار، وفي مناجاته: إلهي أصبحت منك في نعم وافيه القدر، موفيه على عدد القطر.
استخر الله فإنه لا يحرم مستخيراً، ولا يسلم مستجيراً.
وفد عدي بن الرقاع على عمر بن عبد العزيز فلم يؤذن له، فقال للآذن: أعلم أمير المؤمنين أني قلت شعراً أوله الحمد لله، فأذن له، فقال:
الحمد لله أما بعد يا عمر ... فقد أتتك بنا الأحداث والغير
وأنت رأس قريش وابن سيدها ... والرأس يجعل فيه السمع والبصر
فأمر له بحلية سيفه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسافر: وجهك الله في الخير وزودك التقوى، وجعلك مباركاً أينما كنت.
ويقال في الدعاء له: في حفظ الله وضمانه.
الجاحظ: من حق الملك إذا عطس لا يشمت، وإذا دعا أن لا يؤمن على دعائه.
عطس شبيب بن شيبة عند عمرو بن عبيد ثلاث مرات، كل ذلك لا يشمته، وشبيب يرفع صوته بالتحميد، فقال له عمرو في الثالثة: لو تقطعت نفسك ما سمعتها مني أو تتوب.
أبو هريرة: إذ عطس أحدكم فليقل الحمد الله على كل حال، وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم.
أنس: عطس رجلان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقيل له، فقال: إن هذا حمد الله، وإن هذا لم يحمد الله.
عطس عند عبد الله بن عمر رجل فشمته، ثم عطس فشمته، ثم عطس فأراد أن يشمته، فقيل له: دعه إنه مضنوك.
ابن عباس: من سبق العاطس بالحمد وقي وجع الرأس والأضراس.
عنه عليه السلام: أن أحدكم ليدع تشميت أخيه إن عطس، فيطالبه به يوم القيامة، فيقضى له عليه.
لما نزل خالد بن الوليد الحيرة خرج إليه من قصر بني بقيلة شيخ ابن ثلثمائة وخمسين سنة، معه سم ساعة، فقال له: ما تصنع به؟ قال: أن يكن عندك ما يوافق أهل بلدى حمدت الله وقبلته، وإن تكن الأخرى لم أكن أول من ساق إلى أهله ذلاً فأشربه واستريح، فأخذه منه خالد وقال: باسم الله وبالله رب الأرض والسماء، باسم الذي لا يضر مع اسمه شيء، ثم شربه فعلته غشية، ثم رشح جبينه وقام كأنما نشط من عقال. فرجع الشيخ إلى قومه قال: جئتكم من عمد شيطان، أعطوا هؤلاء ما سألوا. فصالحوهم على مائة ألف درهم.
أتي عمر رضي الله عنه برجل وجب عليه الحد، فأمر أن يقام عليه، فجعل يسبح، فقال عمر: خفف عنه الضرب، فإن المجلود لا يسبح إلا وفي قلبه توبة.
تعالى الله ما ألطف صنعته وأحسن صبغته! عمر بن عبد العزيز: ما أحسن تعزيه أهل اليمن! لا يحزنكم الله، ولا يفنيكم، وأثابكم ما أثاب المتقين، وأوجب لكم الصلاة والرحمة.
الحسن: ثمن الجنة لا إله إلا الله.
أوحى الله إلى موسى: مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكر الله، فإني أذكر م ذكرني منهم باللعنة حتى يسكت.
فضيل: بلغني أن أكرم الخلائق على الله يوم القيامة، وأحبهم إليه، وأقربهم منه مجلساً الحمادون على كل حال.
ابن السماك: تبارك من خلقك، فجعلك تبصر بشحم، وتسمع بعظم، وتنطق بلحم.
سعيد بن جبير: أن أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله في السراء والضراء.
كان ابن عون إذا عزى قوماً قال: اعقبكم الله عقبى صالحة في الدنيا والآخرة.
مر سليمان، والطير تظله، والريح تقله. بعابد من بني إسرائيل فقال: لقد أوتى آل داود ملكاً عظيماً، فسمع ذلك فقال: تسبيحة في صحيفة مسلم خير مما أعطى آل داود.
أبو هريرة يرفعه: سبق المفردون، قيل وما المفردون؟ قال: المستهترون بذكر الله، يضع الذكر أثقالهم عنهم، فيأتون يوم القيامة خفافاً.
عنه عليه السلام: ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الهشيم. وروي كالمقاتل بين الفارين.
وعنه يقول الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه.
وسئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: أن تموت ولسانك رطب بذكر الله.
وعنه: أصبح أمس ولسانك رطب بذكر الله تصبح وتمس وليس عليك خطيئة.
وقال: لذكر لله بالغداة والعشي أفضل من حطم السوف في سبيل الله، ومن إعطاء المال سحاً.
الحسن: الذكر ذكران، ذكر الله بين نفسك وبين الله، ما أعظمه أعظم أجره! وأفضل من ذلك من ذكر الله عندما حرم الله تعالى.
سفيان بن عيينة: إذا اجتمع قوم يذكرون الله اعتزل الشيطان والدنيا، فيقول الشيطان للدنيا: ألا ترين ما يصنعون؟ فتقول الدنيا: دعهم، فإذا تفرقوا أخذت بأعناقهم إليك.
داود عليه السلام: إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر رجلي، فإنها نعمة تنعم بها علي.
دخل أبو هريرة السوق فقال: أراكم ها هنا وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد. فذهبوا إلى المسجد وتركوا السوق؛ فقالوا يا أبا هريرة ما رأينا ميراثاً يقسم؛ فقال: ماذا رأيتم؟ قالوا: رأينا قوماً يذكرون الله ويقرؤون القرآن؛ قال: فذلك ميراث محمد.
عتبة بن الوليد: كانت امرأة من التابعين تقول: سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله! فزدت من عندي: وما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه! مناجاة عبد الله الفقير إليه: اللهم أن الآمال منوطة بكرمك، فلا تقطع علائقها بسخطك، اللهم هذا عبدك الجاني جاث بين يديك، لائذ بحقوي عفوك، فانفح له بسجل من رحمتك، وحام عليه من مناجاة الخيبة ضميره، وأن يزول لضيق القنوط عن سعة رجائه، اللهم إني ابراً من الجول والقوة إلا بك، وأرباً بنفسي عن التوكل على غيرك، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معط لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
ومن دعائه عند المستجار: اللهم ارحم ضعفي وعجزي وفقري ومسكنتي، ولا أقول وغربتي، فان، من في جوارك ليس بغريب.
نادى أعرابي غلامه، فقال لبيك، فقال: لبت الخيل جنبك، من لببت الشيء ألبه لباً إذا شددته بحبل، أراد أسرتك الخيل فربطتك.
النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلت عليه الملائكة ما صلى علي، فليقلل عبد من ذلك أو ليكثر.
وقال: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب.
وقال: إن في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام.
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس أحد يسلم علي إلا رد روحي حتى أرد عليه السلام.
وعن أبي الحسين صاحب الشافعي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله، بم جزي الشافعي حيث يقول في الرسالة: وصلى الله على محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون؟ فقال صلى الله عليه وسلم: جزي عني انه لا يوقف للحساب.
علي رضي الله عنه: اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد علي بالمغفرة. اللهم اغفر لي ما رأيت من نفسي ولم تجد له عندي. اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي: اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ، وسقطات اللفاظ، وسهوات الجنان، وهفوات اللسان.
شاعر:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... رويدك تدر ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء
أنس: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم غصناً فنفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فانتفض، فقال: أن سبحان الله والحمد لله ولا آله إلا الله والله أكبر، تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها.
علي رضي الله عنه رفعه: يقول الله لا إله إلا الله حصني فمن دخله أمن عذابي.
علي عليه السلام رفعه: دعاء أطفال ذريتي مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب.
أيوب بن سعنة النخعي:
رمى الله عين ابن الزبير بلقوة ... يجلها حتى يطول سهودها
يريد عبد الله بن الزبير الأسدي الشعر بفتح الزاي: شمير بن الحارث بن ضرار الصبي:
دعوت الله حتى خفت أن لا ... يكون الله يسمع ما أقول
قيس الأصم الكوفي في الشراة:
قوم إذا ذكروا بالله أو ذكروا ... خروا من الخوف للأذقان والركب
فأصبحت عنهم الدنيا قد انقطعت وبلغوا الغرض الأقصى الذي طلبوا وله:
صلى الآنة على قوم شهدتهم ... كانوا إذا ذكروا أو ذكروا شهقوا
كانوا إذا ذكروا نار الجحيم بكوا ... وأن تلا بعضهم تخويفها صعقوا
عمرو بن الجموح الأنصاري:
أتوب إلى الله مما مضى ... واستغفر الله من ناره
وأثنى عليه باآلائه ... باعلان قلبي وأسراره
النابغة الجعدي:
الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
محارب بن دثار قاضي الكوفة:
أحمد خالقي حمداً كثيراً ... بدا خلقي فأنشأه سويا
ومن علي بالإسلام حتى ... عرفت الدين مقتبلاً صبيا
عن عروة بن رويم اللخمي: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أسألك طريقاً إليك سهلة سمحة، وأعوذ بك من شر كل سلطان ملكته فهو بعز بسلطانه.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه: اللهم ابسط لي الدنيا وزهدني فيها، ولا تزوها عني وترغبني فيها.
علي رضي الله عنه: اللهم إن فهمت عن مسألتي، أو عمهت عن صلبتي، فدلني على مصالحي، وهذ بقلبي إلى مراشدي. اللهم احملني على عفوك، ولا تحملني على عدلك.
ابن المبارك رحمه الله: جاء رجل إلى عبد العزيز بن أبي رواد وأنا عنده فقال: ادع اله لي، فقال: مرانزند خداي روي نيست.
رفع الله عن بني إسرائيل العذاب ستمائة سنة بقولهم: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل.
قال موسى: يا رب ما علامة رضاك عني؟ قال: ذكرك إياي يا ابن عمران.
سمع ذو النون من يقول: اللهم استرنا بسترك، فأمن بعض القوم، فقال ذو النون: واصلح ما تحت الستر.
مر موسى على قرية من قرى بني إسرائيل، فنظر إلى أغنيائهم قد لبسوا المسوح، وجعلوا التراب على رؤوسهم، وهم قيام على أرجهلم، تجري دموعهم على خدودهم، فبكى رحمة لهم، فقال: إلهي هؤلاء بنو إسرائيل حنوا إليك حنين الحمام وعووا عواء الذئاب، ونبحوا نباح الكلاب. فأوحى إليه: ولم ذاك؟ ألئن خزائني قد نفذت أم لئن ذات يدي قد قلت؟ أم لست أرحم الراحمين؟ ولكن أعلمهم أني عليهم بذات الصدور، يدفونني وقلوبهم غائبة عني، مائلة إلى الدنيا.
فضيل كان واقفاً بعرفات، فنظر إلى كثرة الناس فقال: يا له من موقف ما أشرفه! لولا أني فيهم لرجوت أن لا يرد دعاؤهم؛ ثم بكى، ثم قبض على لحيته ورفع رأسه وقال: واسوأتاه لي منك وأن غفرت لي.
كان سفيان الثوري يقول: اللهم سلم سلم.
وكان داود الطائي يقول: اللهم خلص خلص، ويقول: إنما يسأل السلامة من لم يقع، أما من فإنما يسأل الخلاص.
هبط جبريل على يعقوب فقال: يا يعقوب إن الله يقول لك قل يا كثير الخير، يا دائم المعروف، رد علي ابني، فأوحى إليه: وعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك.
قال هرم بن حيان لأويس: صلنا بالزيادة واللقاء، قال أويس: قد وصلتك بما هو أنفع لك، وهو الدعاء بظهر الغيب، لأن الزيارة واللقاء قد يعرض فيهما التزين والرياء.
كان أبو مسلم الخولاني إذا أهمه أمر قال: يا ملك يوم الدين، إياكن نعبدو إياك نستعين.
حسان بن عطية: لا بأس بالتأمين على دعاء الرهبان.
علي عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لامعة العيون علانيتي وتقبح فيما أبطن لك سريرتي.
عن نوف البكالي عنه رضي الله عنه أنه قام من الليل فقال: يا نوف أن داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا ساتجيب له، إلا أن يكون عشاراً أو عريفاً أو شرطياً أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة. العرطبة: الطبل، والكوبة: الطنبور، وقيل على العكس.
حكيم: لسان يذكر به الله لا ينبغي أن يذكر به الرفت.
بلال بن سعد: الذكر ذكران، ذكر الله باللسان، وهو حسن جميل، وذكر الله عندما أحل وحرم، وهو أفضل.
هنيت الفارس الوارد، والسيد الوافد.
مدلك الله البقاء مدا ... حتى ترى نجلك هذا جدا
مؤزرا بمجده مردى ... ثم يفدى مثل ما تفدى
كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلاً محمودة وقدا
أدام الله إمتاعك بهلال أضاء من أفق الفضل، وغصن طلع من دوحة النيل، تفضل الله بإبقائه وإنمائه، كما تفضل بإبدائه وانشائه.
خاف رجل من عبد الملك، فكان لا يقر به مكان، وكان يسيح في الأرض، فقال له عبد من عباد الله في بعض الأودية: وأين أنت من السبع؟ قال: وأي سبع يرحمك الله؟ قال: سبحان الله الواحد الذي ليس غيره آله، سبحان الدائم الذي لا نفاد له، سبحان القديم الذي لا بدر له، سبحان الذي يحيي ويميت، سبحان الذي هو كل يوم في شأن، سبحان الذي خلق ما نرى وما لا نرى، سبحان الذي عمم كل شيء بغير تعليم، اللهم إني أسالك بحق هذه الكلمات وحرمتهن أن تصلي على محمد، وأن تفعل بي كذا، فقالهن، فألقى الله تعالى الأمن في قلبه، فخرج من فوره، ولقي عبد الملك، فقال له: أو قد تعلمت علي السحر؟ قال: ما تعلمت عليك سحراً، ولكن كان من أمري كيت وكيت. قال: فأمنني ووصل مأمني بصلة كبيرة.
استسقى بشر بن مروان في زمن قحط، فأرسل الله تعالى الغيث حتى غرقت ناحية بارق، فخرج بشر ينظر فرأى سراقة بن مرداس البارقي قائماً في الماء، فقال: أصلح الله الأمير، إنك دعوت أمس ولم ترفع يديك فجاء ما ترى، ولو رفعت يديك جاء الطوفان، وقال: كان هشم يقول في العيدين قبل الخطبة: الحمد الله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطى ومن شاء منع، ومن شاء خفض، ومن شاء رفع، ومن شاء ضر ومن شاء نفع.
كان عامر بن عتد الله بن الزبير من أفاضل ولد عبد الله، وكان عابداً ناسكاً متخشعاً، فقال له أبوه: يا بني إني قد رأيت أبا بكر وعمر فلم يكونا هكذا. أراد فرط تخشعه. ومكث بعد قتل أبيه يدعو له سنة لا يخلط به غيره. وانصرف ذات ليلة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العتمة، فلما وقف بباب منزله عرض له الدعاء، فاستقبل القبلة ورفع يديه، فما زال قائماً رافعاً يديه حتى انفجر الفجر. وكان فتيان المدينة يتراهنون على يدي عامر إذا رفعها، يقولون: من يرفع يديه ولا يضعهما حتى يضع عامر. وسرقت نعلاه وهو في دعائه، فكان إذا ابتهل يدعو قالت نفسه نعلك يسرق، فقال: لا أراها تشغلني عن ذكر الله، فترك لبس النعل، وكان يمشي حافياً.
وكان من دعائه: يا باقي، يا دائم، لا تضلل دعائي، ولا تبطل مسالتي.
المسور بن مخرمة: دخلت على معاوية فقال: ما فعل طعنك عل الأئمة يا مسور؟ فاستعفيته، فاقسم علي، فوالله ما تركت عيباً إلا ذكرته، فقال: لا تبرأ من ذنب، فهل لك يا مسور ذنوب تخافها أن تهلك بها أن لم يغفرها الله؟ قلت: نعم، فما أحق أن ترجو المغفرة مني. فكان مسور إذا ذكره استغفر له.
وقال: خصمني كاتب سعد بن أبي وقاص، وكان مستجاب الدعوة، غلاماً له نطلب منه شيئاً فقال: ما عندي ما أعطيك، وكانت له دنانير فخصفها في نعله، فدعا عليه، فصرقت نعلاه.
استعدت أروى بنت أنيس مروان بن الحكم على سعيد بن زيد بن عمرو بن نيل، وقالت: أخذ حقي فادخله في أرضه، فقال سعيد: كيف أظلمها وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتطع شبرا من الرض علماً طوقه أمه تعالى من سبع ارضين يوم القيامة، وبرك لها سعيد ما، ثم قال: اللهم أن كانت أروى ظلمتني فاعم بصرما واجعل فبرها في بئرها، بعميت، وحرجت في بعض حاجتها فوقعت في البئر. تمت وسلت سعيداً حين عميت أن يدعو لها، وقالت: إني قد ظلمتك. فقال: لا أرد ما أعطانيه الله.
كان في دعائهم على الرجل، رفع الله جريبك، وأصله أن عمر رضى الله عنه أمر بجريب من طعام فخبز وثرد بزيت، ثم دعا بثلاثين رجلاً، فجعله غداءهم، ثم عشاهم بمثله، فقال: يكفي الرجل جريبان في كل شهر، فمعناه قطعهم الله عنك بالموت، كما تقول: قطع الله رزقك.
علي بن الحسين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قال كل يوم مائة مرة: لا إله إلا الله الحق المبين كان له أمانا من الفقر، وأونس في وحشة القبر، واستجلب الغناء، واستقرع باب الجنة.
جعفر بن محمد: ما المبتلي الذي اسند بلاؤه بالحق بالدعاء من المعافي الذي لا يأمن البلاء.
كان الزهري يدعو بعد الحديث بدعاء جامع يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
كان عمرو بن العاص يصلي في الليل وهو يبكي ويقول: اللهم أنك آتيت عمرواً مالاً، فإن كان أحب إليك أن تسلب عمراً ماله لا تعنبه بالنار فاسلبه ماله. وإنك آتيت عمراً ولداً، فغ، كان أحب إليك أن تثكل عمراً ولده ولا نعذبه بالنار فأثكله ولده في وأنك آتيت عمراً سلطاناً فإن كان أحب إليك أن تنزع منه سلطانه ولا تغذيه بالنار فانزع سلطانه.
عن عقبة بن عبد الغافر: دعوة في السر أفضل من سبعين دعوة في العلانية، فإذا عمل العبد في العلانية حسناً وعمل مثله في السر قال الله للملائكة هذا عبدي حقاً.
أبو الطفيل رضي الله عنه: ولد لرجل غلام على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به، فدعا له، وأخذ ببشرة جبهته فقال بها كذا وغمز جبهته ودعا له بالبركة فنبت شعره في جبهته كأنها هلبة فرس. فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أحبهم، فسقطت الشعرة عن جبهته، فأخذه أبوه فقيده، ودخلنا عليه، فوعظناه، وقلنا له: ألم تر أن بركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعت من جبهتك؟ فما زلنا به حتى رجع وتاب. فرد الله الشعرة في جبهته.
ابن مسعود رضي الله عنه: ينتهي الإيمان إلى الورع، ومن خير الدين ألا تزال بالاً فاك بذكر الله تعالى.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: من فتح نهاره بذكر الله تعالى، وختم ليله بالاستغفار غفر له ما بين ذلك.
باب
الروائح، وما جاء في الطيب في ألوانه من مفرده ومركبه، والتطيب به واستعماله عثمان بن مظعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بايع قوماً كان بيد رجل منهم ردع خلوق، فبايعه بأطراف أصابعه، وقال: خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه.عائشة رضي الله عنها: كأني انظر إلى ربيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يستجمر بعود غير مطر، وروى الألوة غير مطراة والكافور يطرحه مع الألوة، ثم يقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع.
وعنه عليه السلام في صفة أهل الجنة: ومجامرهم الألوة.
سهل بن سعد رفعه: أن في الجنة مراغاً مثل مراغ دوابكم هذه وعنه عليه السلام في صفتة الكوثر: ماؤه المسك، ورضراضه التؤام أي حمأته.
أنس رضي الله عليه: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ فقال: يا أم سليم، ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك تجعله في طيباً، وهو من أطيب الطيب.
وروي: فجاءت وقد عرق، واستنقع عرقه على سعة أديم على الفراش، ففتحت عتيدها نجعلت لنشف ذلك العرق في قواريرها، فقال: ما تصنعين؟ قالت: عرقك أذوب به طيبي. وروي: نرجو به بركة صبيانناً، فقال: أصبت.
ناول المتوكل ابن أبي فنن فارة مسك، فقال:
لئن كان هذا طيباً وهو طيب ... لقد طيبته من يديك الأنامل
عمر رضي الله عنه: لو كنت تارجاً ما اخترت على العطر، إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه.
أهدي عبد الله بن جعفر لمعاوية قاروة من الغالية فسأله: كم أنفق عليها؟ فذكر مالاً، فقال: هذه غالية، فسميت بذلك.
وشمها مالك بن أسماء بن خارجه من أخته هند بنت أسماء فقال: أعلميني بطيبك، فقالت:لا أفعل، تريد ان تعلمه جواريك، هو لك عندي متى أردته، ثم قالت: والله ما تعلمته إلا من شعرك حيث قلت:
أطيب الطيب طيب أم أبان ... فار مسك بعنبر مسحوق
خلطته بعودها وبنان ... فهو أحوى على اليدين شريق
أو لم المتوكل فلما أرادوا اللعب قال ليحيي بن أكتم: قم: قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأنا نخلط، فقال: أحوج ما تكونون إلى قاض إذا خلفتم. فاستظرفه المتوكل، وأمر أن تغلف لحيته، ففعل، فقال: إنا لله! ضاعت الغالية، كانت هذه تكفيني دهراً لو دفعت إلي، فضحك المتوكل، وأمر له بزورق ذهب مملوء غالية، وردج بخور، فأخذه في كمه وانصرف.
سمع عمر رضي الله عنه قول سحيم عبد بني الحسحاس:
وهبت شمالاً آخر الليل قرة ... ولا ثوب إلا درعها وردائها
فلا زال بردى طيباً من ثيابها ... إلى الحول حتى أنهج البرد بالياً
فقال: إنك مقتول. فاتهم بعد ذلك بامرأة فقتل.
أبو قلابة: كان ابن مسعود إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف جيران الطريق أنه قد مر من طيب ريحه.
الحسن بن زيد الهاشمي عن أبيه: رأيت ابن عباس حين أحرم والغالبة على صلعته كأنها الرب.
عكرمة: كان ابن عباس يطلى جسده، إذا مر في الطري قال الناس: أمر ابن عباس أم من المسك؟ أبو الفيحاء: رأيت على رأس ابن عباس من المسك ما لو كان لي لكان رأس مال.
عمارة بن غزية: لما بنى عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارحة تلك الليلة الغالي.
كان عمر بن عبد العزيز يجعل المسك بين رجله ونعله حين كان أمير المدينة، حتى قيل فيه:
له نعل لا يطبى الكلب ربحها ... وأن وضعت في مجلس القوم شمت
كانت لابن عمر بندقة من مسك، كان يبلها ثم يبوكها بين راحيته فتفوح روايحها، أي يحركها ويدورها.
كان عبد الله بن زيد يتخلق بالخلوق ثم يجلس في المجلس.
كانوا يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسوا مقاديم لحاهم بالطيب.
وعن تميم الداري أنه اشترى حلة بثمانمائة وهيأ طياً، فإذا قام من الليل تطيب ولبس حلته وقام في المحراب.
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: يا جميلة هيئي لي طيباً أمسح به يدي، فإن ابن أم ثابت إذا جاء لا يرضى حتى يقبل يدي. يريد ثابتاً البناني.
الشعبي: الرائحة الطيبة تزيد في العقل.
سلم بن قتيبة: شممت من بنت فلان رائحة أطيب من مشطة العروس الحسناء. في أنف العاشق الشبق.
الفاسق نجس ولو تضمخ بالغالية.
سعيد بن زيد: أتيت قبر عبد الله بن غالب فجعلت أدخل يدي فيه إذا فيه من ريح كل طيب.
يزيد بن قيس النخعي:
فما فارورة ملئت عبيراً ... وكان المسك نش به أداما
بأطيب منه رائحة ونسراً ... إذا صوب الغمام صفا وداما
عرضت مدينة لكثير فقالت: أنت القائل:
فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزة موهناً ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها
ألا قلت كما قال سيدك أمرؤ القيس:
ألم ترأني كلما جئت طارقاً ... وجدت بها طيباً وأن لم تطيب
الجاحظ: العرق الذي يسيل من جبهة الفيل يضارع المسلك في طيبه لا يعرض له إلا في بلاده.
النوى المنقع في المدينة ينتاب أشرافها المواضع التي يكون فيها التماساً لطيب رائحته، وإذا وجدوا رائحته بالعراق هربوا منها لخبثها. ومن اختلف في طرقات المدينة وجد عرقاً طيباً وبنه عجية، ولذلك سميت طيبة.
والزنجية بها تجعل في رأسها شيئاً من بلح وما لا قيمة له فتجد له خمرة لا يعدلها بيت عروس من ذوي الأقدار.
ولو أدخلت كل غالية وعطر قصبة الأهوان وقصبة أنطاكية لوجدتها تغيرت وفسدت في مدة يسيرة.
وأراد الرشيد المقام بأطاكية فقال له شيخ: ليست من بلادك فإن الطيب الفاخر يتغير فيها حتى لا ينتفع منه بشيء، والسلاح يصدأ فيها.
وزعموا أن سيراف لها نفحة طيبة.
فارة المسلك دويبه شبيهة بالخشف تكون في ناحية ثبت تصاد لسرتها، فإذا صادها الصائد عصب سرتها بعصاب شديد وهي مدلاة فيجتمع فيها دماً، ثم يذبحها، وما أكثر من يأكلها، ثم يأخذ السرة فيدفنها في الشعير حتى يستحيل الدم المحتقن فيها مسكاً ذكياً بعد أن كان لا يرام نتناً وقد يوجد في البيوت جرذان سود يقال لها فار المسك ليس عندها ألا رائحة لازمة لها وقد الجاحظ: سألت بعض العطارين من أصحابنا المعتزلة عن شأن المسك فقال: لو لا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تطيب بالمسك ما تطيب به. وأما الزباد فليس يقرب ثيابي. فقلت: فدير تضع الجدي من لبن خنزيرة فلا يحرم لحمه لئن ذلك اللبن استحال لحماً، وخرج من تلك الطبيعة، ومن تلك الصورة، ومن ذلك الإسم، وكذلك لحوم الجلالة. فالمسك غير الدم، والخل غير الخمر، والجوهر لا يحرم لعينه وإنما يحرم للأعراض والعلل فلا تتفزز منه عند تذكر الدم فليس به.
العنبر يأتي طفاوة على الماء لا يدري أحد معدنه، فيقذفه البحر إلى العبر، فلا يأكل منه شيء إلا مات، ولا ينقره طائر إلا بقى منقاره فيه، ولا يقع عليه إلا نصلت أظفاره، والتجار والعطارون ربما وجدوا فيه المنقار والظفر وأن البال وهو سمكة ربما بلغ طولها خمسين ذراعاً ليأكل منه اليسير فيموت.
وسمعت ناساً من أهل مكة يقولون: هو رجيع ثور في بحر الهند، وقيل: هو من زبد بحر سرنديب، وأجوده الأشهب ثم الأزرق، وأدونه الأسود.
وفي حديث ابن عباس: ليس في العنبر زكاة، إنما هو شيء دسره البحر.
شاعر:
والمسك بينا نراه ممتهناً ... بفهر عطاره وساحقه
حتى تراه بعارضي ملك ... أو موضع التاج من مفارقه
الصنوبري في استهداء المسك:
والمسك أشبه شيء بالشباب فهب ... بعض الشباب لبعض لعصبة الشيب
وجد رجل قرطاساً فيه اسم الله فرفعه، وكان عنده دينار، فاشترى به مسكاً قطيبه، فرأى في المنام كأن قائلاً يقول له: كما طيبت اسمي لأطيبن ذكرك.
أبو هريرة عنه عليه السلام: لا تردوا الطيب، فإنه طيب الريح خفيف المحمل.
سرق أعرابي نافجة مسك، فقيل له: ومن يغلل يأت بما غل يوم لقيامة. فقال: إذن أحملها طيبة الريح، خفيفة المحمل.
تبخر بعض الأمراء وعنده مزيد ففرطت منه رويحة خفيفة، وأراد أن يدري هل فطن لها مزيد فقال: ما أطيب هذه المثلثة! قال: نعم، أيها الأمير، ولكنك ربعتها! خالد بن صفوان: حبس يزيد بن المهلب ابن أخ لي، فصرت إلى بابه أنظم له كلاماً كما تنظم الفتاة عقدها لعيدها، فأذن لي، وبين يديه جارية كأنها مهاة، وفي يدها مجمر من ذهب، فلما رأيتها سلبت الكلام الذي أعددته، وحضرتني كلمتان قلت: ما رأيت صدأ المغفر ولا عبق العنبر بأحد أليق به منكم. قال: حاجتك؟ قلت: ابن أخ لي محبوس، قال: يسبقك إلى المنزل، فجئت وقد سبقني إليه.
البديهي:
كأن دخان الد ما بين حجره ... بقايا ضباب في رياض شقيق
أبو بكر الخوارزمي:
وطيب لا يحل بكل طيب ... يحيينا بأنفاس الحبيب
متى يشممه أنف حن قلب ... كأن الأنف جاسوس القلوب
في الحديث المرفوع: إذا شهدت أحداكن العشاء فلا تمسى طيباً. وفيه: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. وليخرجن إذا خرجن تفلات. أي غير متطليبات.
أبو هريرة: مرت به امرأة متطيبة، لذيلها عصرة، فقال لها: أين تريدين يا أمه الجبار؟ فقالت: أريد المسجد فزجرها. هو الغبار الثائر من مجر ذيلها.
خير العود المندلي، وهو منسوب إلى مندل قرية من قرى الهند، وأجوده أصلبه، وامتحان رطبه أن ينطبع فيه نقش الخاتم، واليابس تفصح عنه النار، ومن خصائص أن رائحته تثبت في الثوب أسبوعاً، وأنه لا يقمل ما دامت فيه.
أبو المختار الكلابي في آخر قصيدة كتبها إلى عمر بن الخطاب في ذكر العمال:
نؤوب إذا آبوا ونغروا إذا غزوا ... فأني لهم وفر ولسنا ذوي وفر
إذا التاجر الداري جاء بفارة ... من المسك راحت في مفارقهم تجري
قالوا في الكافور هو ما في جوف شجر مكفور يغرزونه بالحديد، فإذا خرج إلى ظاهر ضربه الهواء فانعقد كالصموغ الجامدة على الأشجار.
والند مصنوع، وهو العود المطرأ بالمسك والعنبر والبان.
وعن الأصمعي قلت لأبي مهدية: كيف تقول ليس الطيب إلا المسك؟ قال: فأين أنت عن العنبر؟ قلت: فقل: ليس الطيب إلا المسك والعنبر. قال: فأين البان؟ قلت: نقل: ليس الطيب إلا المسك والعنبر والبان، فقال فأين أنت عن ادهان يحجر؟ قلت: فقل: ليس الطيب إلا المسك والعنبر والبان وادهان بحجر، قال: فأين أنت عن فارة الإبل صادرة؟ وفي فارة الإبل يقول الشاعر:
كأن فارة مسك في مبائنها ... إذا بدا من ضياء الصبح تبشير
أعرابي: فيه ملذ كف ومشم أنف.
كان لأبي أيوب سليمان بن مخلد المورياني، من موريان بعض قرى الأهواز، وزير المنصور دهن طيب يدهن به إذا ركب لإليه، فلما رأى الناس غلبته على المنصور وطاعته له فيما يريده حتى كان ربما استحضره ليوقع به فلما رآه ابتسم إليه وطابت نفسه - قالوا: دهن أبي أيوب من عمل السحرة، وضربوا به المثل فقالوا لمن تغلب على الإنسان: معه دهن أبي أيوب.
أنشد ابن الأعرابي:
خود يكون بها القليل تمسه ... من طيبها عبقاً يطيب ويكثر
شكر الكرامة جلدها فصفا له ... أن القبيحة جلدها لا يشكر
عيينة بن أسماء الفزاري:
لو كنت أحمل خمراً حين زرتكم ... لم ينكر الكلب أني صاحب الدار
لكن أتيت وريح المسك تقدمني ... والعنبر الورد مشبوباً على النار
فأنكر الكلب ريحى حين خالطني ... وكان يعرف ريح الزق والقار
الأصمعي: ذكر لأيوب هؤلاء الذين يتقشفون فقال: ما علمت أن القذر من الدين.
ريح الكلب مثل النتن. قال:
ريحها ريح كلاب ... هارشت في يوم طل
آخر:
يزداد لؤماً على المديح كما ... يزداد نتن الكلاب في المطر
قالت امرأة لامرئ القيس وكان مفركاً: إنك ثقيل الصدر، خفيف العجزة، سريع الأراقة، بطئ الإناقة، وإنك إذا عرقت ريح كلبة. فقال: صدقت، إن أهلي كانوا أرضعوني مرة بلبن كلبة.
ابن المعتز:
بأنتن من هدهد ميت ... أصيب فكفن في جورب
كان عيسى صلوات الله عليه وسلم يخمر أنفه من الرائحة الطيبة دون الكريهة، فقيل له، فقال: لا حساب في الكريهة وفي الطيبة حساب.
عمر رضي الله عنه: وصل مسك من البحرين فقال: وددت لو أن امرأة جولة وزنته حتى أقسمه بين الناس. فقالت امرأته عاتكة: أنا أجيد الوزن، فقال: لا، أحببت أن تضعيه في الكفة ثم تقولي فيها أثر الغبار، فتمسحي بها عنقك، فتصيبي بذلك فضلاً على المسلمين.
كان يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز مسك المسلمين، فأخذ بأنفه لئلا يصيب الرائحة ويقول: وهل ينتفع إلا بريحه؟ انس رضي الله عنه: كان للنبي صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب بها.
مر قتيبة بن مسلم على عذرة فأخذ بأنفه وقال: أن من ضن بما يصير إلى مثل هذا لبخيل.
كان أبو أيوب الأنصاري يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فإذا رد إليه عن مواضع أصابعه فيتبعها، فصنع له طعاماً فيه ثوم، فلما رد إليه سأل عن مواضع أصابعه، فقيل: لم يأكل، ففزع، فقال: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه.
أبو موسى الأشعري رفعه: أيما امرأة استعطرت فخرجت ليوجد ريحها فهي زانية، وكل عين زانية.
هو كالمسك أن بغته نفق، وإن خبأته عبق.
قيل لخديجة بنت الرشيد: رسل العباس بن محمد بن علي بالباب، معهم زنبيل يحلمه رجلان، فقالت: تراه بعث إلي باقلي فكشف الزنبيل عن جرة مملوءة غالية، فيها مسماة من ذهب وإذا رقعة مكتوب فيها هذه جرة أصيب هي وأختها في خزائن بني أمية، فأما أختها فغلبت عليها الخلفاء، وأما هذه فلم أر أحداً أحق بها منك والسلام.
قال سلمة عياش في جعفر بن سليمان بن علي:
فما شم أنفى ريح مسك رأيتها ... من الناس إلا ريح كفك أطيب
فأمر له بألف دينار، وبمائة مثقال مسك، ومائة مثقال عنبر.
وجه عمر رضي الله عنه إلى ملك الروم بريداً، فاشترت امرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب طيباً بدينار، وجعلته في قارورتين، وأهدته إلى امرأة ملك الروم فرجع البريد بملء القارورتين من الجواهر، فدخل عليها عمر، وقد صبته في حجرها، فقال: من أين لك هذا؟ فأخبرته، فقبض عليه وقال: هذا للمسلمين، فقالت: كيف وهو عوض من هديتي؟ قال: بيني وبينك أبوك، فقال علي: لك منه بقيمة دينارك، والباقي للمسلمين، لأن بريد لمسلمين حمله.
كان أبو محيريز إذا قام إلى الصلاة بالليل دعا بالغالية فيضمخ بها ما يردع ثيابه.
عن إبراهيم بن الشتر في محاربة المختار أهل الشام: إني طعنت رجلاً غربت رجلاه وشرق رأسه فوجدت ريح طيب طيبة، فانظروا لعله ابن مرجانه، وهو عبيد الله بن زياد، فنظروا فإذا هو هو.
باب
الرسوم في معاشرة الناس، وملاقاتهم، ومصافحتهم، ومجالستهم، ومراسلتهم، وذكرهم، وزيارتهم، وذكر السلام والتحية، وآداب النفس، وما يتصل بذلك جابر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراءوا، والمصافحة إذا تلاقوا، والزائر في الله حق على المزور إكرامه.أبو هريرة: عنه عليه السلام: إذا زار العبد أخاه في الله نادى مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك بوئت منزلاً في الجنة.
النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين في.
أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام،: مثل الذي يجلس فيسمع الحكمة من غيره ثم لا يحدث إلا بشر ما سمع مثل رجل أتى راعياً فقال له: أعطني شاة من غنمك، فقال: اذهب فخذ خيرها، فجاء وخذ بأذني الكلب الذي مع الغنم.
ابن عباس رضي الله عنه: أكرم الناس علي جليسي، وإن الذباب يقع على جليسي فيؤذيني. وإني لأستحي م الرجل يطأ بساطي ثلاثاً فلا يرى عليه أثر من بري.
كان القعقاع بن شور إذا جالسه رجل جمل له نصيباً من ماله، وأعانه على حوائجه، وغدا إليه شاركاً.
ودخل على معاوية والمجلس غاص ففسح له رجل حتى جلس إلى جنب معاوية، ثم أمر له بمائة ألف، فجعلها للمفسح، وهو ابن علائة، فقال:
وكنت جليس قعقاع بن شور ... وما يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن أن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس
وجالس رجل بني مخزوم فسعوا به إلى معاوية وأنه يقع في الولاة فقال:
شقيت بكم وكنت لكم جليساً ... ولست جليس قعقاع بن شور
ومن جهل أبو جهل أبوكم ... غزا بدراً بمجمرة وتور
نظر إلى كثير راكباً ومحمد بن علي الباقر يمشي، فقيل له: أيركب وأبو جعفر يمشي؟ فقال هو أمرني بذلك، فأنا بطاعته في الركوب أفضل مني في عصياني إياه بالمشي.
وعن محمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقات: بعثني أبي إلى المعتضد في شي، فقال لي: اجلس، فاستعظمت ذلك، فقلت: إنه لا يجوز. فقال لي: يا محمد، إن أدبك في القبول مني خير من أدبك في قيامك.
قال رجل لأبي خليفة الجمحي: ما أحسبك مثبتني! قال: وجهك يدل عل علو نسبك، والإكرام يمنع من مسألتك فأوجد السبيل إلى معرفتك.
أبو تمام:
يحميه لألاؤه أو لوذعيته ... من أن يذال بمن أو ممن الرجل
وفي معناه:
ارم بعينيك في مفارقنا ... فمعقد التاج غير مكتتم
المعر:
ولو كتموا أنسابهم لعزتهم ... وجوه وفعل شاهد كل مشهد
قيل لفيلسوف: أي الرسل أنجح؟ قال: الذي له جمال وعقل.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أبردتم إلي بريداً فاجعلوه حسن الإسم.
مر رجل بأبي الحارث جمين فسلم عليه بسوط، فلم يرد عليه السلام فقيل له، فقال: سلم علي بالإيماء فرددت عليه بالضمير.
دخل علي معاوية رجل مرتفع العطاء فرأى في عينيه رمصاً فحط عطاءه وقال: أيعجز أحدكم إذا أصبح أن يتعهد أديم وجهه؟ دخل ابن عباس مجلساً فيه الأنصار فقاموا له، فقال: بالأيواء والنصر إلا جلستم، يريد قوله تعالى: والذين آووا ونصروا.
لا تجب من لا يسألك، ولا تسأل من لا يجيبك.
شاعر:
كأنه من سوء آدابه ... أسلم في كتاب سوء الأدب
قيل لصوفي: كيف أصبحت؟ قال: أسفاً على أمسي، كاراهاً ليومي مهتماً لغدي.
وقيل لأعرابي فقال: كما يسؤوك أن كنت صديقاً ويسرك أن كنت عدواً.