كتاب : لباب الآداب
المؤلف : أسامة بن منقذ
وقال ابن الملك يوماً لسقراط: إني لمغموم بك. قال: ولم ؟ قال: لما أرى من شدة فقرك. فقال له سقراط: لو علمت الفقر ما هو لشغلك غمك بنفسك عن غمك بي ! الغنى والفقر بعد العرض على الله تعالى .
وقال: اعلم أن حفظك سرك أولى من حفظ غيرك له .
وقال بعض تلامذته: احذر الزمان فإنه أخبث عدو تحذر منه .
وقال: من تكلف ما لا يعنيه فاته ما يعنيه .
وقال: ليس للرجل أن يشغل قلبه بما ذهب منه، لكن ينبغي أن يحفظ ما بقي عليه .
وقال: زهدك في من يرغب فيك قصر همة، ورغبتك فيمن يزهد فيك ذل نفسٍ .
وقال رجل لأرسطاطاليس: بلغني أنك اغتبتني. فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أدع لك خلة من ثلاث. قال: وما الثلاث ؟ قال: إما علم أعمل فكري فيه، وإما لذة أعلل فيها نفسي، وإما إقبال على عمل صالح .
وقال أيضاً: ليس طلبي للعلم طمعاً في بلوغ قاصيه، والاستيلاء على غايته، ولكن التماساً علماً لا يسع جهله، ولا يحسن بالعاقل خلافه .
وقال: الجاهل عدو لنفسه، فكيف يكون صديقاً لغيره .
سئل الاسكندر: أي شيء نلته في ملكك أنت به أشد سروراً ؟ قال: قوتي على مكافأة من أحسن إلي بأكثر من إحسانه .
وقال: محادثتك من لا يعقل بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور .
ومر الاسكندر بمدينةٍ ملكها سبعة بادوا، فقال: هل بقي من نسل الملوك الذين ملكوا هذه المدينة أحد ؟ قالوا: نعم، واحد. قال: دلوني عليه. قيل له: قد سكن المقابر. فدعا به، فأتاه. فقال له: ما دعاك إلى ملازمة المقابر ؟ قال: إني أردت أن أميز عظام عبيدهم من عظام ملوكهم، فوجدت الجميع سواء ! قال: فهل لك في أن تتبعني فأحيي شرفك وشرف آبائك إن كانت لك همة ؟ قال: إن همتي لعظيمة. قال: وما هي ؟ قال: حياة لا موت بعدها، وشباب لا هرم بعده، وغنى لا فقر معه، وسرور بغير مكروه، وصحة من غير سقم !! قال: هذا ما لا تجده عندي. قال: فإنني أطلبه ممن هو عنده. فقال الاسكندر: ما رأيت أحكم من هذا. ثم خرج من عنده، فلم يزل في المقابر حتى مات .
وقال الحكيم: أمر الدنيا أقصر من أن تطالع فيه الأحقاد .
وقال: لأن أدع الحق جهلاً به أحب إلي من أن أدعه زهداً فيه .
رأى أفلاطون رجلاً يكثر الكلام ويقل الاستماع. فقال له: يا هذا، أنصف أذنيك من لسانك، فإن الخالق جل ثناؤه إنما جعل لك أذنين ولساناً واحداً لتسمع ضعف ما تتكلم .
وقال لتلامذته: من شكركم على غير معروف أو بر فعاجلوه بهما، وإلا انعكس الشكر فصار ذماً .
وقال: من لم يراعَ الاخوان عند دولته خذلوه عند فاقته .
وقال: الملك السعيد من تمت رياسة آبائه به، والشقي من انقطعت عنده.
قيل أراد أفلاطون سفراً، فقال لسقراط: أوصي أيها الحكيم. فقال: كن سيء الظن بمن تعرف، وعلى حذر ممن لا تعرف، وإياك والوحدة، وكن كأحد أتباعك، وإياك والضجر وسوء الخلق. وإذا نزلت منزلاً فلا تمشِ حافياً، ولا تذق نبتة لا تعرفها، ولا تغتنم مخاصرة الطرق، وعليك بجوادها وإن بعدت .
وكتب أفلاطون إلى روفسطائيس الملك: " قد أسمعك الداعي، وأعذر فيك الطالب، وانتهت الأمور فيك إلى الرجاع، ولا أحد أعظم رزية ممن ضيع اليقين وأخطأ بالأمل " .
وقيل لأفلاطون: كيف تركت أهل بلدك ؟ قال: بين مظلوم لا ينصف، وظالم لا يقلع .
وقال لديقوميس الملك: اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به ولم تقدر عليه - : بمنزلة ما لم يخطر ببالك .
وقال: ليس الفضيلة في حسن العيش. بل في تدبير حسن العيش .
وقال: البخل في موضعه أفضل من الجود في غير موضعه .
وسئل أفلاطون: أي شيء أهون عليكم معاشر الحكماء ؟ فقال: لائمة الجاهل .
وقال: لقاء أهل الخير عمارة القلوب .
وقال: إذا قارفت سيئةً فعجل نحوها بالتوبة. ولا تؤخر عمل اليوم لغد .
قال مؤلف الكتاب غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين: ما للعلم غاية يدركها الراغب، ولا نهاية يقف عندها الطالب. هو أكثر من أن يحصر، وأوسع من أن يجمع. والأعمار متلاشية منتقصة، وحوادث الزمان فيها معترضة. ولولا أن النفس إذا غولبت غلبت، وإذا زجرت لجت وأبت - : لكان اشتغال من بلغ من السنين إحدى وتسعين بأعمال البر والثواب أجدى عليه من الاشتغال بتأليف كتاب. بعد ما بالغ الزمان في وعظه، بتأثيره في قواه وسمعه وبصره، لا بلفظه. وأنذره تغير حاله دنوار تحاله. فهو مقيمٌ على وفاز، ميت في الحقيقة حي بالمجاز. مستكين لأسر رب العالمين. واثقٌ بما وعد به ابن التسعين، على لسان رسوله الأمين. صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه البررة المتقين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين .
هذا آخر كتاب لباب الآداب
فرحم الله كريماً وقف عليه. وتصدق على مؤلفه بدعوة صالحة يهديها إليه يثيبه الله تعالى عنه، ويجزل حظه منها. فهو سبحانه من الداعي قريب، يسمع ويجيب .وكان الفراغ منه في صفر سنة تسع وسبعين وخمس مائة والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد نبيه وصحبه وسلامه ناسخه الفقير إلى رحمة ربه ...
غنائم الناسخ المعري غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين