كتاب : فاكهة الخلفاء و مفاكهة الظرفاء
المؤلف : ابن عربشاه
إلى ما قال فاهل التحقيق وذو والنظر الدجقيق راقبوا المعاني ولم ينظروا إلى القوالب والمباني فان سليمان عليه السلام وهو ملك الجن والأنام والوحوش والطير والهواء والهوام ونبي مرسل وملك ذو فضل وسلطان الفصل بالعدل استفاد النصائح من نملة وجمع هدهده مع ملكة سبأ شمله ويوجد في السقاط ما لا يوجد في الأسفاط ولقد ينطق بالفوائد من هو كافر وجاحد فيؤخذ من أقواله ولا يقتدي بافعاله وقد قيل إن الحسن البصري رحمة الله عليه دخل صبي مسجده وصلى بين يديه فرآه لا يتم سجوده ولا يرضي بصلاته معبوده فدعاه وخاطبه وأنكر عليه وعاقبه وقال له تمم سجودك ترض معبودك فقال يا شيخ المتقين هذه سجدات شخص من المؤمنين لو سجد إحداها ابليس لا آدم لما كان من الملعونين ولو سجدها فرعون مرة لكان من المسلمين ولم يصر من أهل العناد المطرودين (ورأى يوماً صبياً ومعه سراج وهو سالك في منهاج فساله عن ناره وما فيها من أنواره من أين أخذها وكيف افتلذها فلم يجاو به إلا باطفاء السراج وسؤاله أين ذهب ذلك النور الوهاج قل لي أين ذهبت تلك الأنوار أقل لك من أين جاءت تلك النار ثم أن العقاب ولي الحجل ما تحت يده من رقاب وقدمه على سائر الخدم وصنوف الطير وأجناسه من الأمم وجعله الدستور الأعظم والوزير المقدم المكرم وفي هذا المقام أمسك الحكيم حسيب عن الكلام وختم ما افتتحه من الحكم والأحكام بالدعاء والثناءوالصلاة والسلام قال الشيخ أبو المحاسن المخجل بأدبه امرأ القيس وأبا فراس فلما انتهى الحكيم في مقترحه وما قصده من بيان محاسنه وملحه إلى هذا المحل وفصل من فضله ما أجمل من جمل نهض الوزير وقبل قدميه واعترف له بالفضل المنعم به عليه وأنه مالك أزمة الأنشاء وملك الكلام يصرفه كيف شاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكما أنه شيخ المنقول وأستاذ المقول فمن أنواره ألفاظه تنير العقول ومن كنوز عباراته تستخرج جواهر المعقول وأما أخوه الملك فطار بسروره به عن سريره واتخذ في مهام أموره مقام أميره ثم أدت آراء فكرته أن يستعمل أخاه لكشف كربته ويمشي مفي السعي بينه وبين أخوته لرتق ما انفق وسد ما خرقه سيل الحسد فانبثق أمره العالي ونهض بأمر الله المتعالي وأنفق من جواهر أفكاره في سوق المناصحة الرخيص والغالي ورصع ما استخرجه من بواقيت تلك من عباراته بما يستعبده عقود الاآلي وتعاطي الإصلاح وساعده لحسن النية وخلوص الطوية السعد والنجاح:
وهذب في الفضل ما رتبه ... ورتب بالفضل ما هذبه
وأعجب ذا اللب ما شاده ... فأثنى عليه بما أعجبه
وأغرب في السبق أشرافه ... فالله ذا السعد ما أغربه
فما شذ بالصدق عن نصحه ... ولا شذ خل لما
فاستمال الخواطر النافره وأطفا بزلال ألفاظه العذبة شواظ الناثرة وسكن بنسيم ملاطفاته قتام الأخلاق الثائرة فاطمأنت القلوب وطهرت من غش التشاحن الجيوب واتصل بالمحب المحبوب وحصل الأمن والأمان ومساعدة الزمان ومعاضدة الأخوان ومصافاة الخلان وطيب العيش والمكان وأفضل من هدا جميعه شفقة السلطان والاستقامة على الإسلام والإيمان ونسأل الله تعالى إتمام نعمه وإسبال ذيل إحسانه وكرمه واللطف في القضا والعفو عما مضى والمعاملة بإحسانه الجزيل وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار من الأختان والأصهار والمهاجرين والأنصار وسلم تسليماً يطيب الاعطار ويتمسك بأذيال عرفه خياشيم الأزهار في الأسحار ما دامت الإعصار ودارت الأدوار وترادف الليل والنهار وحشرنا في زمنهم مع المصطفين الأخيار أنه كريم ستار حليم غفار (قال مؤلفه رحمه الله تعالى) نمقة مؤلفه ولفقة مصنفه فقير عفواً لله تعالى من غير تردد ولا تفكر ولا تعمق في تدبر مع توزع أحمد بن محمد بن عرب شاه الحنفي سامحه الله تعالى وعامله بما يرضيه تفصيلاً وإجمالاً لا بما يقتضيه عدلاً وجلالاً في أواخر شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثمانمائة أحسن الله خاتمها وعاقبتها وجعل آخرها خير من أولها بمنه وكرمه.