كتاب : الأمالي
المؤلف : أبو علي القالي
للناس بيتٌ يديمون الطّواف به ... ولي بمكة لو يدرون بيتان
فواحدٌ لجلال اللّه أعظمه ... وآخرٌ لي به شغلٌ بإنسان
" ما يكون بالصاد والطاء "
قال أبو علي قال الأصمعي إذا ألقت ولدها ولم يشعر أي لم ينبت شعره: قد أملصت وأملطت، وهي ناقة مملصٌ ومملطٌ، وإبلٌ مماليص ومماليط، فإذا كان ذلك من عادتها قيل: مملاص ومملاط، وقد ألقته مليصاً. ويقال: اعتاطت رحمها واعتاصت وهما واحد، وذلك إذا لم تكن تحمل أعواماً.
" ما يكون بالهاء والخاء " قال الأصمعي يقال: اطرهّم واطرخّم إذا كان مشرفاً طويلاً، وأنشد لابن الأحمر:
أرجّى شباباً مطرهّماً وصحةً ... وكيف رجاء الشيخ ما ليس لاقياً
وروى أبو عبيد عن أبي زياد الكلابي: المطرهمّ: الشباب المعتدل التام. وروى في البيت: " وكيف رجاء المرء ما ليس لاقيا " ويقال: بخ بخ، وبه به إذا تُعجب من الشيء . ويقال: صخدته الشمس وصهدته إذا اشتد وقع عليها. ويقال: هاجرةٌ صيخود أي صلبة، وصخرة صيخود، قال الراجز:
كأنهن الصخر الصيخود ... يرفت عقر الحوض والعضود
" ما يكون بالدال والطاء " وقال الأصمعي: يقال مطّ الحرف ومدّه بمعنى واحد. ويقال: قد بطغ الرجل وبدغ إذا تلطّخ بعذرته، وقال رؤبة: " لولا دبوقاء استه لم يبطغ " ويروى: لم يبدغ. والدبوقاء: العذرة ويقال: ماله علىّ إلا هذا فقد، وإلا هذا فقط. والإبعاد والإبعاط واحد.
" ما يكون بالتاء والطاء " قال الأصمعي: الأقطار والأقتار: النّواحي، يقال: وقع على أحد قطريه وعلى أحد قتريه أي إحدى ناحيتيه. ويقال: طعنه فقطّره وقتّره إذا ألقاه على أحد قطريه. ويقال: رجل طبنٌ وتبنٌ أي فطنٌ حاذقٌ. ويقال: ما أستطيع وما أستتيع.
" ما يأتي بالدال واللام " وقال يعقوب بن السّكّيت: المعكول والمعكود: المحبوس. ويقال: معله ومعده إذا اختلسه، وأنشد:
إني إذا ما الأمر كان معلاً ... وأوخفت أيدي الرجال الغسلا
قوله: معلاً أي اختلاساً. وقوله: وأوخفت أيدي الرجال، يريد: قلبوا أيديهم في الخصومة، وقال الآخر:
أخشى عليها طيئاً وأسداً ... وخار بين خرباً ومعداً
أي اختلسا. والخارب: سارق الإبل خاصّة، ثم يستعار فيقال لكل من سرق بعيراً كان أو غيره " تقسيم النساء إلى ثلاثة أضرب والرجال إلى مثلها " قال أبو علي وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال أخبرنا شيخ من بني العنبر قال: كان يقال للنساء ثلاث: فهّينة لينة عفيفة مسلمةٌ، تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها؛ وأخرى وعاء للولد؛ وأخرى غلٌ قملٌ يضعه اللّه في عنق من يشاء.والرجال ثلاثة: فهيّن ليّن عفيفٌ مسلم يصدر الأموال مصادرها ويوردها مواردها؛ وآخر ينتهي إلى رأي ذي اللّبِّ والمقدرة فيأخذ بقوله وينتهي إلى أمره؛ وآخر حائر بائر لا يأتمر لرشد ولا يطيع المرشد.
وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال قال رجل: أحبّ أن أرزق ضرساً طحوناً ومعدة هضوماً، وسرماً منباقاً. قال وأخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قيل لعرابة الأوسيّ: بم سدت قومك؟ قال: بأربع، أنخدع لهم عن مالي؛ وأذلّ لهم في عرضي؛ ولا أحقر صغيرهم؛ ولا أحسد رفيعهم.
وحدّثنا أبو بكر حدّثنا الأشنا نداني عن التّوّزي عن أبي عبيدة قال: قيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قال: ببذل القرى، وترك المرا، ونصر المولى.
" نبذة من كلام الحكماء " وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم سهل بن محمد السّجستاني قال قال عامر بن الظّرب العدواني: يا معشر عدوان، الخير ألوف عروف، وإنه لن يفارق صاحبه حتى يفارقه؛ وإني لم أكن حكيماً حتى صاحبت الحكماء، ولم أكن سيد كم حتّى تعّبدت لكم.
قال أبو علي قرأت علي أبي جعفر أحمد بن عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة عن أبيه قال: نظر الحطيئة إلى ابن عباس في مجلس عمر رضي اللّه عنه فقال: من هذا الذي نزل عن الناس في سنّه وعلاهم في قوله!.
وقرأت عليه أيضاً عن أبيه قال: نظر رجل إلى معاوية وهو غلام صغير فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه، فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إّلا قومه.
" عبد الملك بن مروان وأمية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد "
وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي قال قال عبد الملك بن مروان لأميّة بن عبد اللّه ابن خالد بن أسيد: مالك ولحرثان بن عمرو حيث يقول فيك:
إذا هتف العصفور طار فؤاده ... وليثٌ حديد الناب عند الثّرائد
فقال: يا أمير المؤمنين، وجب عليه حدٌّ فأقمته، فقال: هلاّ درأت عنه بالشّبهات؟ فقال كان الحدّ أبين، وكان رغمه عليّ أهون. فقال عبد الملك: يا بني أمية، أحسابكم أنسابكم لا تعرّضوها للهجاء، وإياكم وما سار به الشعر، فإنّه باقٍ ما بقي الدهر؛ واللّه ما يسرّني أني هجيت بهذا البيت وأن لي ما طلعت عليه الشمس:
يبيتون في المشتى ملاءً بطونهم ... وجاراتهم غرثى يبتن خمائصا
وما يبالي من مدح بهذين البيتين ألا يمدح بغيرهما:
هنا لك إن يستخبلوا المال يخبلوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلّين السّماحة والبذل
وأملى علينا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن أبي عبيدة لخرنق بنت هفّان ترثى زوجها عمرو ابن مرثد وابنها علقمة بن عمرو وأخويه حسّان وشرحبيل:
لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر
النازلون بكل معتركٍ ... والطّيبون معاقد الأزر
ويروى: النازلين والطيبين معاقد الأرز، ويروى: النازلون والطيبين
إن يشربوا يهبوا وان يذروا ... يتواعظوا عن منطق الهجر
قوم إذا ركبوا سمعت لهم ... لغطاً من الّتأبيه والزّجر
والخالطين نحيتهم بنضارهم ... وذوى الغنى منهم بذي الفقر
هذا ثنائي ما بقيت عليهم ... فإذا هلكت أجننّي قبري
قال أبو علي: الهجر: الفحش. واللّغط: الجلبة. والتأبيه: الصّوت، يقال: أيّهت به تأييها إذا صحت به والنّحيت: المنحوت. والنّضار: الذّهب وحدّثني أبو عمرو عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أن غليّماً من بني دبير أنشده:
يا بن الكرام حسباً ونائلاً ... حقًّاً ولا أقول ذاك باطلاً
إليك أشكو الدّهر والزلازلا ... وكلّ عامٍ نقّح الحمائلا
التنقيح: القشر، قال قشروا حمائل السّيوف فباعوها لشدة زمانهم.
وأملى أبو العهد صاحب الزّجّاج قال أنشدنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحى قال أنشدنا أبو عثمان المازني للفرزدق:
لا جير في حبّمن ترجى نوافله ... فاستمطروا من قريش كلّ منخدع
تخال فيه إذا ما جئته بلهاً ... في ماله وهو وافي العقل والورع
وقرأت هذين البيتين في عيون الأخبار على أحمد بن عبد اللّه بن مسلم مكان نوافله فضائله، وفي البيت الثاني مكان:
تخال فيه إذا ما جئته بلها ... في ماله ... ... ... ... ... ...
كأنّ فيه إذا حاولته بلها ... عن ماله ... ... ... ... ... ...
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشي قال أبو العالية الّرياحي:
إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ... ولم أذمم الجبس الليئم المذمّما
ففيم عرفت الخير والشّرّ باسمه ... وشقّ لي اللّه المسامع والفما
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأعرابي سأل رجلاً حاجةً فتشاغل عنه:
كدحت بأظفاري وأعملت معولي ... فصادفت جلموداً من الصّخر أملسا
تشاغل لّما جئت في وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى
وأقبلت أن أنعاه حتى رأيته ... يفوق فواق الموت ثم تنفّسا
فقلت له لا بأس لست بعائدٍ ... فأفرح تعلوه السّمادير مبلساً
السّمادير: ما يتراءى للإنسان عند السكر قال أبو علي أنشدنا أبو بكر بن إبي الأزهر مستملي أبي العباس محمد بن يزيد قال أنشدنا أحمد ابن يحيى النحوي قال أنشدنا الزبير لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود:
غرابٌ وظبيٌ أعضب القرن ناديا ... بصرمٍ وصردانٌ العشيّ تصيح
لعمري لئن شطّت بعثمة دارها ... لقد كنت من وشك الفراق أليح
أروح بهمٍّ ثم أغدوا بمثله ... ويحسب أني في الثياب صحيح
فإن كنت أغدوا في الثياب تجملاً ... فقلبي من تحت الثياب جريح
قال وأنشدنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة لنفسه:
أتراني صبرت عنك إختياراً ... أم تطلّبت إذ ظلمت إنتصارا
لا وغنجٍ بمقلتيك ووردٍ ... فوق خديك يخجل الأنوارا
ما تجافيت عن مرادك إلا ... خوف واش أشعرت منه الحذارا
ورقيبٍ موكلٍ بي طرفاً ... وحسودٍ ينمق الأخبارا
" ما يقال بالياء والهمزة " قال أبو علي يقال: رمحٌ يزنيٌ وأزنيٌ ويزأنيٌ وأزأنيٌ منسوب إلى ذي يزن. ويقال: رجلٌ يلمعيٌ وألمعيٌ إذا كان ظريفاً. ويلملم وألملم: اسم موضوع أو جبل. وقال غيره: يقال لآفةٍ تصيب الزّرع: اليرقان والأرقان، وهذا زرع ميروق وقد يرق، وزرع مأروق وقد أرق. ويقال للرجل الشديد الخصومة والجدل: رجل ألدّ ويلندد وألندد. ويقال: طيرٌ يناديد وأناديد أي متفرقة.
ويقال: للجلود السود: يرندجٌ وأرندج. ويقال للعود الذي يتبخّربه: يلنجوج وألنجوج. ويبرين وأبرين: موضع. وسهمٌ يثربيٌ وأثربيٌ بفتح الراء وكسرها فيهما، منسوب إلى يثرب. وهذه يذرعات وأذرعات. ويقال: في أسنانه يللٌ وأللٌ إذا كان فيها إقبال على باطن الفم. ويقال: قطع اللّه يديه، وحكى اللحياني عن الكسائي أنه سمع بعضهم يقول: قطع اللّه أديه. ويقال للرفيق اليدين: إنه ليديٌ وأديٌ. ويقال: ولته أمه يتناً وأتناً ووتناً، وهو أن تخرج رجلاه قبل رأسه.
ويقال: ما في سيره يتمٌ ولا أتمٌ أي إبطاء. ويقال: أعصر ويعصر. ويقال لدودةٍ تنسلخ فتصير فراشةً: يُسروع وأسروع. ويقال: هي الدودة التي تكون في البقل، ويقال: هي بنات النّقى، وبنات النقى: دود أبيض يكون في الرمل تشبّه به الأصابع، وقال ذو الرمّة:
خراعيب أملودٌ كأن بناتها ... بنات النقى تخفى مراراً وتظهر
" ما جرى بين دريد بن الصمة والخنساء " وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: خرجت تماضر بنت عمرو ابن الحارث بن الشّريد فهنأت ذوداً لها جربى، ثم نضت عنها ثيابها واغتسلت ودريدٌ يراها ولا تراه، فقال دريدُ:
حيّوا تماضر واربعوا صحبي ... وقفوا فإن وقوفكم حسبي
ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم طالي أنيقٍ جرب
متبذلاً تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النّقب
متحسراً نضخ الهناء به ... نضخ العبير بريطة العصب
أخناس قد هام الفؤاد بكم ... واعتاده داءٌ من الحبّ
فسليهم عني خناس إذا ... غضّ الجميع هناك ما خطبي
قال أبو علي: النقّب: القطع المتفرقة من الجرب في جلد البعير، ويقال: النّقب أيضاً بفتح القاف والواحدة نقبة. وغضّ من الغضاضة واللّين.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: خطب دريد بن الصمة خنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، فأراد أخوها معاوية أن يزوجها منه، وكان أخوها صخر غائباً في غزاةٍ له فأبت وقالت: لاحاجة لي به، فأراد معاوية أن يكرهها فقالت:
تباكرني حميدة كلّ يوم ... بما يولي معاوية بن عمرو
فإلا أعط من نفسي نصيباً ... فقد أودى الزمان إذاً بصخر
ويروى:
لئن لم أوف من نفسي نصيباً ... لقد أودى ... ... ...
أتكرهني هبلت على دريد ... وقد أحرمت سيّد آل بدر
معاذ اللّه يرضعني حبركي ... قصير الشّبر من جشم بن بكر
ويروى: ينكحني ومعناها واحد.
يرى مجداً ومكرمةً أتاها ... إذا عشّى الصّديق جريم تمر
ويروى: إذا غدّى الجليس.
قال أبو علي: الحبركي: القصير الرجلين الطويل الظهر والشّبر: الخير والعطاء وقال دريد:
لمن طللٌ بذات الخمس أمسى ... عفا بين العقيق فبطن ضرس
أشبّهها غمامة يوم دجن ... تلألأ برقها أو ضوء شمس
فأقسم ما سمعت كوجد عمرو ... بذات الخال من جنٍّ وإنس
وقاك اللّه يا بنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلةٌ طرقت بنحس
وقالت إنه شيخٌ كبير ... وهل خبّرتها أنّي ابن أمس
تريد أفيحج الرّجلين شثناً ... يقلع بالجديرة كلّ كرس
ويروى:
تريد شرنبث الكفّين شثناً ... يقلع بالجدائر ... ... ...
والشرنبث: الغليظ
إذا عقب القدور عددن مالاً ... تحبّ حلائل الأبرام عرسي
وقد علم المراضع في جمادى ... إذا استعجلن عن حزٍّبنهس
بأني لا أبيت بغير لحم ... وأبدأ بالأرامل حين أمسي
وإني لا يهلا الضيف كلبي ... ولا جاري يبيت خبيث نفس
وأصفرمن قداح النّبع فرع ... به علمان من عقب وضرس
دفعت إلى المفيض إذا استقلوا ... على الركبات مطلع كلّ شمس
ويروى:
دفعت الى النجي وقد تجاثوا ... على الركبات... ... ...
قال أبو علي: الجديرة: الحظيرة. والكرس: ما تكرس أي صار بعضه فوق بعض، ومنه أخذت الكراسة. والأبرام. جمع برمً وهو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر.
قال أبو علي قال لنا أبو بكر قال أبو حاتم عن الأصمعي: هذا غلط، وإنما هو مغرب كل شمس لأن الأيسار إنما يتياسرون بالعشيات، ألم تسمع الى قول النمر بن تولب:
ولقد شهدت إذ القداح توجدت ... وشهدت عند الليل موقد نارها
فلما مات صخر قالت الخنساء تعارض دريدا في كلمته:
يؤرقني التّذكر حين أمسي ... ويردعني مع الأحزان نكسي
على صخرٍ وأيُ فتىً كصخر ... ليوم كريهةٍ وطعان خلس
وعانٍ طارقٍ أو مستضيفٍ ... يروّع قلبه من كل جرس
ولم أر مثله رزءاً لجنٍّ ... ولم أر مثله رزءاً لإنس
أشد على صروف الدهر منه ... وأفصل في الخطوب لكل لبس
ويروى: أشد على صروف الدهر إدّاً
إلا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشقّ رمسي
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عجولاً ... يساعد نائحاً في يوم نحس
تفجع والهاً تبكي أخاها ... صبيحة رزئه أوغبّ أمس
يذكرني طلوع الشمس صخراً ... وأبكيه لكل غروب الشمس
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي
قال أبو علي قال أبو بكر: طلوع الشمس للغارة وغروب الشمس للضيفان.
وقرأت على أبي عمر قال حدّثنا أبوالعباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال يقال: علّ في المرض يعلُّ أي اعتلّ، وعلّ في الشراب يعلُّ ويعلّ علاً. قال يقال: رجل هزرٌ وقنذعلٌ وطيخةٌ وضاجعٌ إذا كان أحمق، وأنشد:
ما للكواعب يا عيساء قد جعلت ... تزورّ عني وتطوي دوني الحجر
قد كنت فتّاح أبواب مغلّقة ... ذبّ الرياد إذا ما خولس النظر
فقد جعلت أرى الشخصين أربعةً ... والواحد اثنين مما بورك البصر
وكنت أمشي على رجلين معتدلاً ... فصرت أمشي على أخرى من الشجر
قال: هو لعبد من عبيد بجيلة أسود.
قال أبو علي يقال: فلان ذبّ الرياد إذا كان لا يستقر في موضع، ومنه قيل للثور والوحشي: ذبّ الرياد، قال ابن مقبل:
أتى دونها ذبّ الرياد كأنه ... فتىً فارسيّ في سراويل رامح
وحدثني أبو عمر عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم:
فتىً مثل ضوء الماء ليس بباخلٍ ... بخيرٍ ولا مهدٍ ملاماً لباخل
ولا قائلٍ عوراء تؤذي جليسه ... ولا رافع رأساً بعوراء قائل
قال أبو علي: هذا عندي من المقلوب، أراد بقائل عوراء.
ولا مظهرٍ أحدوثة السوء معجباً ... باعلانها في المجلس المتقابل
وليس إذا الحرب المهمة شمّرت ... عن الساق بالواني ولا المتضائل
ترى أهله في نعمةٍ وهو شاحبٌ ... طوى البطن مخامص الضحى والأصائل
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال بعض الحكماء: لاغنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ظهير كالمشاورة، ولا ميراث كالأدب.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال جعفر بن سليمان: ما سمعت بأشعر من الذي يقول:
إذا رمت عنها سلوةً قال شافعٌ ... من الحب ميعاد السلوّ المقابر
فقال له رجل: أشعر منه الذي يقول:
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ... سريرة ودٍّ يوم تبلى السرائر
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن معه قال سمعت أعرابياً يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أقول زوراً، أو أغشى فجوراً، أو أكون بك مغروراً.
قال وسمعت عمي يقول: كان يقال: الخطّ يعرب عن اللفظ قال وسمعته يقول: البلاغة أن تظهر المعنى صحيحاً، واللفظ فصيحاً.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال بلغني أنه قيل لمعن بن زائدة: ما أحسن ما مدحت به؟ قال: قول سلمٍ الخاسر:
أبلغ الفتيان مألكةً ... أن خير الودّ ما نفعا
إن قرماً من بني مطرٍ ... أتلفت كفّاه ما جمعا
كلما عدنا لنائله ... عاد في معروفه جذعا
قال أبو علي: المألُكة والمألَكة والألوك: الرسالة، ومنه اشتقاق الملائكة.
قال وحدثنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم للمثقّب، قال: ويروى لعنترة:
وللموت خيرٌ للفتى من حياته ... إذا لم يثب للأمر إلا بقائد
ويروى:
إذا لم يطق علياء إلا بقائد
فعالج جسيمات الأمور ولا تكن ... هبيت الفؤاد همّه للوسائد
ويروى:
.. ... ... ... ... ... ولاتكن ... نكيث القوى ذا نهمة بالوسائد
إذا الريح جاءت بالجهام تشلّه ... هذا ليله شلّ القلاص الطرائد
وأعقب نوء المرزمين بغبرة ... وقطرٍ قليل الماء بالليل بارد
كفى حاجة الأضياف حتى يريحها ... عن الحي منا كل أروع ماجد
تراه بتفريج الأمور ولفّها ... لما نال من معروفها غير زاهد
وليس أخونا عند شرٍّ يخافه ... ولا عند خير ان رجاه بواحد
إذا قيل من للمعضلات أجابه ... عظام اللّهى منّا طوال السواعد
قال أبو علي: الهبيت الفؤاد: الضعيف، يقال: فيه هبتة أي ضعف. والهذاليل واحدها هذلول: وهو ما طال من الرمل وامتدّ، وهذا ليل الريح: ما امتد منها.
قال أبو علي وقرأت على أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش للعطوي:
إذا أنت لم ترسل وجئت فلم أصل ... ملأت بعذر منك سمع لبيب
أتيتك مشتاقاً فلم أر حابساً ... ولا ناظراً إلا بعين غضوب
كأني غريمٌ مقتضٍ أو كأنني ... طلوع رقيب أو نهوض حبيب
فعدت وما فلّ الحجاب عزيمتي ... إلى شكر سبط الراحتين أريب
عليّ له الإخلاص ما ردع الهوى ... أصالة رأيٍ أو وقار مشيب
قال أبو علي يقال: إنه الأصيل الرأي بيّن الأصالة بفتح الهمزة.
قال وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال حدّثنا جعفر بن سليمان عن العباس بن محمد قال: قلنا لأبي المخشّ الغطفاني، أما كان لك ولد؟ فقال: بلى والله، مخشٌّ، وما كان مخش؟ كان خرطمانياً أشدق، إذا تكلّم سال لعابه كأنما ينظر بمثل الفأسين - يعني أن عينيه كانت خضرواين - كأن مشاشة منكبيه كركرة جمل وكأن ترقوته بوانٌ او خالفة، فقأ الله عينيّ هاتين إن كنت رأيت مثله قبله ولا بعده.
قال أبو علي: الكركرة والكلكل والبرك والربكة والجوش والجوشن والجؤشوش والحيزم والحيزوم والحزيم: الصدر، قال رؤبة:
حتى تركن أعظم الجؤشوش ... حدباً على أحدب كالعريش
والجؤجؤ: ما نتأ من الصدر. والبوان: عمود من أعمدة البيت دون الصقوب. والصقوب: عمد البيت، وجمعه بونٌ، مثل خوان وخون، ويقال: بوان وخوان أيضاً بضم أوليهما. والخالفة: عمود يكون في مؤخر البيت.
" ما يقال بالهمز والواو " قال أبو علي قال الأصمعي يقال: أرّخت الكتاب وورّخته. وآكفت الدابة وأوكفتها، وإكاف ووكاف، وكان رؤبة بن العجاج ينشد:
كالكودن المشدود بالوكاف
بالواو. وأكدت العهد ووكّدته. ووسادة وإسادة. ووشاح وإشاح. وولدة وإلدة. وآخيته وواخيته.
وقال الأصمعي: ذأى البقل يذأى ذأواً بلغة أهل الحجاز، وأهل نجد يقولون: ذوى يذوي ذويّاً، وذوي خطأ.
قال أبو علي: وقد حكى أهل الكوفة ذوي أيضاً وليست بالفصيحة. وقال أبو عبيدة: آصدت الباب وأوصدته إذا أطبقته. وقال غيره: ما أبهت له وما وبهت له. والتخمة: أصلها من الوخامة. وتجاه: أصله من الوجه. وتترى: أصلة من المواترة. وتقوى: أصله من وقيت. وتكلان: أصله من وكلت. والمال التليد والتالد أيضاً: أصله من الواو، وهو ما ولد عندهم. والتراث: أصله واو.
" الكلام على العقل وحكم لبعض العرب " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول مروءة الرجل عقله، وشرفه حاله.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال قال الأحنف بن قيس: العقل خير قرين، والأدب خير ميراث، والتوفيق خير قائد.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي عن أبيه قال: العقل عقلان، فعقلٌ تفرّد الله بصنعه، وعقل يستفيده المرء بأدبه وتجربته، ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلا بصحة العقل المركّب، فإذا اجتمعا في الجسد قوّي كل واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلمة نور البصر.
حدّثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يقول: قوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها. قال وسعمت آخر يقول: عزّ النزاهة أشرف من سرور الفائدة.
قال وسمعت آخر يقول: حمل المتن أثقل من الصبر على العدم.
حدّثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن العتبي أنه قال: إن الطالب والمطلوب إليه في الحاجة إذا قضيت اجتمعا في العزّ، وإذا لم تقض اجتمعا في الذلّ، فارغب في قضاء الحاجة لعزّك بها وخروجك من الذل فيها.
وقرأت على أبي عمر المطرّز قال حدّثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: كان رجل من بني أبي بكر بن كلاب يعلّم بني أخيه العلم فيقول: افعلوا كذا وافعلوا كذا، فثقل عليهم، فقال له بعضهم: جزاك الله خيراً يا عمّ فقد علّمتنا كلّ شيء، ما بقي علينا إلا الخراءة، فقال: والله يا بني أخي، ما تركت ذلك من هوانٍ بكم عليّ، اعلوا الضّراء، وابتغوا الخلاء، واستدبروا الريح، وخوّوا تخوية الظليم، وامتشّوا بأشملكم.
قال أبو علي قال ابن الأعرابي: الضراء ما انخفض من الأرض، وسائر اللغويين يقول: الضراء: ما واراك من الشجر خاصة، والخمر ما واراك من الشجر وغيره. ويقال: خوّى الظليم إذا جافى بين رجليه، قال الراحز:
خوّى على مستوياتٍ خمس ... كر كرةٍ وثفناتٍ ملس
والثفنات: ما أصاب الأرض من البعير من صدره وركبتيه ورجليه إذا برك. وامتشوا: امسحوا، يقال: مششت يدي بالمنديل أمشّها مشّاً، قال امرؤ القيس:
نمشّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواءٍ مضهّب
والمنديل يسمى المشوش.
وقرأت على أبي عمر المطرّز قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:
علقت بمن يشبّه قرن شمس ... وعيناه استعارهما غزالا
وهنّ أحبّ من حضن اللواتي ... حواضنهنّ يفتنّ الرجالا
أي هن أحب من حضن العيدان وضرب بها إليّ.
وقرأت عليه قال أنشدني أحمد ين يحيى عن ابن الأعرابي:
ولم أر شيئاً بعد ليلى ألذّه ... ولا مشرباً أروى به فاعيج
كوسطى ليالي الشهر لا مقسئنّةٌ ... ولا وثبى عجلى القيام خروج
أعيج: أنتفع، يقال: شربت دواء فما عجت به أي ما انتفعت به. المقسئنّة: الكبيرة العاسية يقال: قد اقسأنّ العود إذا صلب.
وقرأت عليه أيضاً قال حدّثنا أحمد بن يحيى أن ابن الأعرابي أنشدهم:
ولو كنت تعطى حين تسأل سامحت ... لك النفس واحلولاك كلّ خليل
أجل لا ولكن أنت ألاأم من مشى ... واسأل من صمّاء ذات صليل
يعني الأرض. وصليلها: صوت دخول الماء فيها.
وقرأت عليه قال أنشدنا أحمد بن يحيى لابن الأعرابي:
ترى فصلانهم في الورد هزلاً ... وتسمن في المقاري والحبال
قال: لأنهم يسقون ألبان أمهاتها على الماء، فإذا لم يفعلوا ذلك كان عليهم عاراً، فإذا ذبحوا لم يذبحوا إلا سميناً، وإذا وهبوا فكذلك.
قال أبو علي وقرأت على أبي بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم والرياشي عن أبي زيد قال: المرامق: الجهول العاجز الذي يتّقى سوء خلقه وصحبته في السفر والحضر، قال الراجز:
وصاحب مرامق داجيته ... زجّيته بالقول وازدهيته
إذا أخاف عجزه فدّيته ... على بلال نفسه طويته
حتى أتى الحيّ وما بلوته
قال وقرأت على أبي بكر رحمه اللله قال أنشدنا أبو حاتم قال أنشدنا أبو زيد عن المفضل لحاتم طيئ:
إن كنت كارهةً لعيشتنا ... هاتا فحلّي في بني بدر
جاورتهم زمن الفساد فنع ... م الحيّ في العوصاء واليسر
فسقيت بالماء النمير ولم ... أترك ألاطم حمأة الجفر
وروى أبو حاتم: ألاطس ومعناه كمعنى ألاطم.
ودعيت في أولى النديّ ولم ... ينظر إليّ بأعينٍ خزر
الضاربين لدى أعنّتهم ... والطاعنين وخيلهم تجري
والخالطين نحيتهم بنضارهم ... وذوي الغنى منهم بذي الفقر
قال أبو علي أنشدنا أبو عبيدة هذا البيت الأخير لخرنق، وقد أمليناه فيما مضى من الكتاب. وزمن الفساد: حرب كانت لهم. والعوصاء: الشدة. والماء النمير: الناجع في الأبدان. والجفر: البئر ليست بمطويّة. والنحيت: الخامل الذكر. والنّضار: الرفيع، كذا قال أبو زيد.
قال أبو علي: إن الاشتقاق يوجب أن يكون النحيت الذي ينال ماله وعرضه كل أحد، لأنه لا دفاع عنده فكأنه منحوت.
قال وأنشدنا أبو الحسن بن جحظة للحسن بن الضحاك:
ما زلت أشربها والليل معتكر ... حتى تضاحك في أعجازه القمر
ثم انثنيت على كفيّ وقد أخذت ... مني مآخذ ما في دونها وطر
قال أبو علي وقرأت على أبي عمر قال أخبرنا أحمد بن يحيى أن ابن الأعرابي أنشدهم لسلمى بن غويّة بن سلمى:
لا يبعدن عصر الشباب ولا ... لذّاته ونباته النضر
والمرشقات من الخدود كإي ... ماض الغمام صواحب القطر
وطراد خيل مثلها التقتا ... لحفيظةٍ ومقاعد الخمر
لولا أولئك ما حفلت متى ... غولبت في حرجٍ إلى قبر
هزئت زنيبة أن رأت ثرمي ... وأن انحنى لتقادمٍ ظهري
من بعد ما عهدت فأدلفني ... يومٌ يجيء وليلةٌ تسري
حتى كأني خاتلٌ قنصاً ... والمرء بعد تمامه يحري
لا تهزئي مني زينب فما ... في ذاك من عجبٍ ولا سخر
أو لم ترى لقمان أهلكه ... ما اقتات من سنةٍ ومن شهر
وبقاء نسرٍ كلما انقرضت ... أيامه عادت إلى نسر
ما طال من أمدٍ على لبدٍ ... رجعت محورته إلى قصر
ولقد حلبت الدهر أشطره ... وعلمت ما آتى من الأمر
قال أبو علي: يحري: ينقص، ومنع يقال رماه الله بأفعى حاريةٍ، وهي التي قد نقص جسمها من الكبر.
" الكلام على قلب آخر المضاعف إلى الياء " وقال أبو علي قال أبو عبيدة: العرب تقلب حروف المضاعف إلى الياء فيقولون: تظنّيت، وإنما هو تظنّنت، قال العجاج:
تقضّي الابازى إذا البازى كسر
وإنما هو تقضّض من الانقضاض، وقال الأصمعي: هو تفعّل من الانقضاض فقلب إلى الياء كما قالوا سرّيّة من تسرّرت. وقال أبو عبيدة: رجل ملبٍّ وإنما هو ألببت، قال المضرّب بن كعب:
فقلت لها فيئي إليك فإنّني ... حرامٌ وإنّي بعد ذاك لبيب
بعد ذاك أي مع ذاك. ولبيب: مقيم. وقوله عز وجل: " وقد خاب من دساها " إنما هو من دسّست. وقال يعقوب: سمعت أبا عمرو يقول: لم يتسنَّ: لم يتغيّر، وهو من قوله: " من حمأ مسنون " فقلت لم يتسنَّ من ذوات الياء، ومسنون من ذوات التضعيف، فقال: هو مثل تظنيت. وقال أبو عبيدة: التّصدية: التصفيق، وفعلت منه: صددت، قال اللّه عز وجل: " إذا قومك منه يصدّون " أي يعجّون، وقال أيضاً: " إلا مكاء وتصّديةً " وقال العتابي: قصيت أظافري بمعنى قصصتها. وقال ابن الأعرابي: تلعيت من اللّعاعة، وقال أبو علي: واللّعاعة: نبت ، وقال الشاعر:
رعى غير مذعورٍ بهنّ وراقه ... لعاعٌ تهاداه الدّكادك واعد
الدّكادك: ما علا من الأرض. وأنشد ابن الأعرابي:
نزور إمرأ أمّا الاله فيتّقي ... وامّا بفعل الصالحين فيأتمى
أراد: يأتم فقلب إلى الياء " ما يقال بالدال والذال والكاف والفاء وغير ذلك " وقال الفراء: اردعفّت الإبل واذرعفّت إذا أسرعت. وقال أبو عمرو: ما ذقت عدوفاً ولا عذوفاً. والدّحداح والذّحذاح بالدال والذال، وهو القصير وقال الأصمعي: في قلبه عليه حسيفة وحسيكة أي غدرٌ وعداوة. وقال ابن الأعرابي: الحساكد والحسافد: الصّغار. وقال الأصمعي: ذرق الطائر وزرق. وقال أبو عبيدة: زبرت الكتّاب وذبرته إذا كتبته. وقال الأصمعي: زبرته: كتبته، وذبرته: قرأته قراءة خفيفة.
وقال قال أعرابي حميريٌ: أنا أعرف تزبرتي أي كتابتي. وقال الأصمعي: تريّع السراب وتريّه إذا جاء وذهب.
" عيون من كلام البلغاء " قال وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه تعالى قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: بلغني أن ابن السّمّاك قال للفضل بن يحيى: - وقد سأله رجل حاجة - إن هذا لم يصن وجهه عن مسألته إياك فأكرم وجهك عن ردّك إياه فقضى حاجته.
قال وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن العتبي قال: سأل أعرابي عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى فقال: رجل من أهل البادية ساقته الحاجة وانتهت به الفاقة؛ واللّه سائلك عن مقامي هذا. فقال: واللّه ما سمعت كلمة أبلغ من قائلٍ ولا أوعظ لمقول منها.
قال وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا الأصمعي عن العلاء بن الفضل بن عبد الملك قال قال خالد بن صفوان لفتىً بين يديه: رحم اللّه أباك إن كان ليملأ العين جمالاً، والأذن بياناً.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال أكثم بن صيفي: خير السّخاء ما وافق الحاجة، ومن عرف قدره لم يهلك، ومن صبر ظفر، وأكرم أخلاق الرجال العفو.
قال وقرأت على أبي عمر المطرّز قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن بن الأعرابي قال: زعم الثقفي عثمان بن حفص أن خلفاً الأحمر أخبره عن مروان بن أبي حفصة أن هذا الشّعر لابن أذينة الثقفي:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وينوي من سفاهته كسرى
أعود على ذي الذنب والجهل منهم ... بحلمي ولو عاقبت غرّقهم بحري
أناةً وحلماً وانتظاراً بهم غداً ... وما أنا بالواني ولا الضّرع الغمر
أظنّ صروف الدهر والجهل منهم ... ستحملهم منّي على مركبٍ وعر
ألم تعلموا أنى تخاف عرامتي ... وأن قناتي لا تلين على الكسر
وإني وإياهم كمن نبّه القطا ... ولو لم ينبّه الطير لاتسري
قال أبو علي ويروى: وأنى وهو وجيد.
قال وقرأت عليه أيضاً قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:
ومولىً على ما رابني قد طويته ... حفاظاً وحاربت الذين يحارب
إذا أنت لم تغفر لمولاك أن ترى ... به الجهل أو صارمته وهو عاتب
ولم توله المعروف أوشك أن ترى ... موالي أقوام ومولاك غائب
قال وقرأت على أبي عمر قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الغّلة: خرقة تشدُّ على رأس الإبريق وجمعها غلل. والغّلة: ما تواريت فيه. والغلّة حرارة الجوف من العطش وغيره
قال وقيل لابنة الخسِّ: أيُّ الطعام أثقل؟ قالت بيض نعام، وصرى عام إلى عام. قيل: فأيُّ الطعام أخبث؟ قالت: طريثيبٌ مرّ، أبدى عن رأسه القر.ّ قال: والطرثوث: نبت لا بقل ولا شجر ولا جنبة كأنه من جنس الكمأة ينبت مع العضاه. والذّآنين مع الرمث. وقالت جارية راعية: طرثوثٌ ولا عضاه له، وذؤنون ولا رمثة له وذكرٌ ولا رجل له، ثم قعدت عليه. وقال أبو العباس: كان الضبُّ قد دفن نفسه قي التراب وأخرج ذكره فقالت هذا القول ثم قعدت عليه.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي قال: مرّ أعرابي بأعرابية تبكي زوجها فقال: وما يبكيكِ! لا جمع اللّه بينك وبينه في الجنة، ثم مرّبها بعد ذلك فقال: يا فلانة، رفّئيني فإني قد تزوجت، فقالت: نعم، بالبيت المهدوم، والطائر المشئوم، والرّحم المعقوم.
قال وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: كانت أم كثير الضّبيّة بذيّة، وكان زوجها كذلك، فاختصما عند بعض ولاة المياه فقالت له: اسكت يا منتن الخصيتين، فقال: يحقُّ لهما أن يكونا كذلك وهما طبّقا عجانك منذ ثلاثين عاماً.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قيل لأم كثير: كم تزّوجتِ؟ قالت ثلاثة وكان أبو ابني هذا آخرهم، وكان اللّه مسترخياً ضعيفاً، فنظر إليها الغلام فقال: أبي تذكرين! أما واللّه فلربما رزَّ عجانك رزَّ البيطار جحفلة الحمار.
قال وحدثنا أبو بكر قال: دعا بنانٌ الطّفيلي لرجل فقال: منَّ اللّه عليك بصحة الجسم وكثرة الأكل، ودوام الشهوة، ونقاء المعدة؛ ورزقك ضرساً طحوناً، ومعدة هضوماً، وسُرماً نثوراً قال وقرأت على أبي بكر لسعد بن ناشب:
تفنّدني فيما ترى من شراستي ... وشدّة نفسي أمّ سعدٍ وما تدري
فقلت لها إنّ الكريم وإن حلا ... ليلفى على حال أمرّ من الصبر
وفي اللّين ضعفٌ والشّراسة هيبةٌ ... ومن لا يهب يحمل على مركبٍ وعر
وما بي على من لان لي من فظاظةٍ ... ولكنّني فظٌ أبيٌّ على القسر
أقيم صغا ذي الميل حتى أردّه ... وأخطمه حتى يعود إلى القدر
فإن تعذليني تعذلي بي مرزّأً ... كريم نثا الاعسار مشترك اليسر
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... وصمّم تصميم السّريجيّ ذي الأثر
قال أبو علي: الأثر: فرند السّيف وهو رونقه بفتح الهمزة وسكون الثاء، ومثله في البناء خلاصة السّمن، وهو اختيار ابن الأنباري. قال أبو علي: والذي أختاره كسر الهمزة، كذا قال الأصمعي وأبو نصر واللحياني، وقد اختلف عن أبي عبيد فيه، فروى بعضهم الأثر، وروى بعضهم الأثر، وأنشدوا عنه: " والأثر والصّرب معاً كالآصيه " بالكسر والفتح. والآصية على مثال فاعلة: طعام يصنع مثل الحساء بالتمر. والصّرب اللبن الحامض. ويقال: جئت على إثره بكسر الهمزة وسكون الثاء، وأثره بفتح الهمزة والثاء.
قال وقرأت على أبي بكر قال قرأت على أبي حاتم والرياشي عن أبي زيد قال راجز من قيس:
بئس الغذاء للغلام الشاحب ... كبداء حطّت من صفا الكواكب
أدارها النّقّاش كلّ جانب ... حتّى استوت مشرقة المناكب
يعني رحّى. والكواكب: جبال طوال يقطع منها الأرحاء، واحدها كوكب. وكبداء عظيمة الوسط. وشاحب: متغيّر اللون.
قال وقرأت على أبي بكر لسعد بن ناشب:
أخي عزماتٍ لا يزيد على الذي ... يهمّ به من مقطع الأمر صاحبا
إذا همّ لم تردع عزيمة همّه ... ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا
فيا لرزامٍ وشّحوا بي مقدّما ... إلى الموت خوّاضّاً إليه الكتائبا
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... ونكّب عن ذكر الحوادث جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
قال وقرأت على أبي عمر قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: السّنّة والّلؤمة: الحديدة التي تشقّ بها الأرض. والسّخّين: المرّ. وقال: خلط يخلط خلطاً وأخلط إذا غضب، وأنشد:
لكلّ امرىٍء شكلٌ يقرّ بعينه ... وقرّة عين الفسل أن يصحب الفسلا
وتعرف في جود امرئٍ جود خاله ... وينذل أن تلقى أخا أمّه نذلا
قال وأنشدني أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس:
عليك الخال إنّ الخال يسري ... إلى ابن الأخت بالشّبه المبين
قال وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه في خبر طويل وصله لنا به:
جزى اللّه جوّاباً وعمراً ونائلاً ... جزاء الوصول المنعم المتفضّل
هم خلطوني بالنفوس وأكرموا ال ... ثّواء وجادوا بالسّوام المؤبّل
ولم يسأموا مثواي سبعاً كواملا ... كأنّي فيهم بين أهلي ومحفلي
سأوليهم شكراً يكون كفاءما ... بلوني به ما بلّ ريقي مقولي
رأيت بني الهصّار سادت جدودهم ... لهم شرف يرنو إلى النجم من عل
هم خير من يمشي على الأرض معشرا ... لجارٍ جنيبٍ أو لضيفٍ محوّل
إذا طانبت أبياتهم بيت جارهم ... فقد حلّ حيث العصم من فرع يذبل
معاقلهم في يوم كلّ كريهة ... قواضب تقضي بالحمام المعجّل
مغايير دون المحصنات إذا بدت ... كواكب صبح تحت ظلماء قسطل
إذا البطل المرهوب سطوة بأسه ... تقى لهم الرّوع يوماً بالنجاء الهمرجل
ألاذت بأحقيهم بنوا الحرب في الوغى ... فكانوا لهم ملموت أمنع معقل
بمجدكم آليت أنّ أكفّكم ... على الناس أجرى من رواجس هطّل
وإن لكم في ذروة المجد سورةً ... تقاصر عنها كلّ بدءٍ مرفّل
قال أبو علي: القسطل: الغبار. والهمرجل: السريع. وأحقيهم: جمع حقوٍ. والبدء: السّيّد، قال أوس بن مغراء:
ترى ثنايا إذا ما جاء بدأهم ... وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا
قال أبو علي: الثّنى والثّنيان: دون السّيّد، وقد ذكرنا الإختلاف فيه واشتقاقه في كتابنا المقصور والممدود. والمرفّل: المعظّم، قال الشاعر:
إذا نحن رفّلنا امرأً ساد قومه ... وإن كان فيهم سوقةً ليس يعرف
" ما قيل في كتمان السر " قال وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي رحمه اللّه لقيس بن ذريح:
لو أن امرأً أخفى الهوى من ضميره ... لمتّ ولم يعلم بذاك ضمير
ولكن سألقى اللّه والنفس لم تبح ... بسرّك والمستخبرون كثير
قال وقرأت على أبي بكر بن دريد:
ومستخبرٍ عن سرّ ريّا رددته ... بعمياء من ريّا بغير يقين
فقال ائتمنّي إنني ذو أمانة ... وما أنا إن خبّرته بأمين
قال وقرأت عليه لمسكين:
وفتيان صدق لست مطلع بعضهم ... على سرّ بعضٍ كان عندي جماعها
لكلّ امرئ شعبٌ من القلب فارغٌ ... وموضع نجوى لا يرام اطّلاعها
يظلّون شتّى في البلاد وسرّهم ... إلى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعها
قال وقرأت على أحمد بن عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة عن أبيه قال: قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسرّ؟ أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.
قال وقرأت على أبي بكر في شعر قيس بن الخطيم:
أجود بمضنون التّلاد وإنّني ... بسّرك عمن سالني لضنين
إذا جاوز الإثنين سرٌ فإنه ... بنثً وتكثير الحديث قمين
وإن ضيّع الإخوان سراً فإنني ... كتومٌ لأسرار العشير أمين
يكون له عندي إذا ما ضمنته ... مكانٌ بسوداء الفؤاد كنين
ويروى:.. ... ... إذا ما ائتمنته ... مقرٌ بسوداء الفؤاد كنين
سلي من جليسي في النّدىّ وما لقي ... وهو من لي عند الصفاء خدين
وأيّ أخى حربٍ إذا هي شمّرت ... ومدره خصمٍ يا نوار أكون
ويروى: عند ذاك أكون.
وهل يحذر الجار الغريب فجيعتي ... وخوني وبعض المقرفين خؤن
وما لمعت عيني لغرة جارةٍ ... ولا ودعت بالذّم حين تبين
أبى الذّمّ آباء نمتنى جدودهم ... وفعلي بفعل الصالحين معين
فهذا كما قد تعلمين وإنّني ... لجلدٌ على ريب الخطوب متين
وإني لأعتام الرّجال بخلّتي ... أولى الرأي في الأحداث حين تحين
فأبري صدري وأصفي مودّتي ... وسرّك عندي بعد ذاك مصون
أمرّ على الباغي ويغلظ جانبي ... وذو الودّ أحلولي له وألين
" فصل في ألفاظ معناها واحد وبعض حروفها مختلفة " قال أبو علي الأصمعي يقال: طاروا عبابيد وأباديد أي متفرقين. ويقال: هاث فيه وغاث إذا أفسد وأخذ الشيء بغير رفق. ويقال: بطّ فلان جرحه وبجّه وأنشد:
لجاءت كأنّ القسور الجون بجّها ... عساليجه والثّامر المتناوح
القسور: نبت. والجون: الذي يضرب إلى السواد من شدة خضرته. والعساليج: جمع عسلوج وهي هنات تبسط على الأرض مثل العروق. قال أبو علي: والعساليج أيضاً أغصان الشجر، واحدها عسلوج. والثّامر: الذي نضج ثمره، والمثمر: أول ما يطلع قبل أن ينضج. والمتناوح: المتقابل. ويقال: نبض العرق ينبض، ونبد ينبد إذا ضرب. ويقال: مرث خبزه في الماءومرده، ومرثت الشيء ومردته إذا ليّنته بيدك، وكل شيء مرث فقد مرد قال النابغة الجعدي:
فلما أبى أن ينقص القود لحمه ... رفعت المريذ والمريد ليضمرا
ويقال: ارمدّ وارقدّ إذا مضى على وجهه. قال أبو علي: يريد أنه أسرع، قال ذو الرمة يصف ظليماً :
يرقدّ في ظلّ عرّاصٍ ويتبعه ... حفيف نافجةٍ عثنونها حصب
العرّاص والعرّات: المضرب. والنافجة: أول كلّ ريح تبدو بشدّة. والفودج والهودج. والزّحاليف والزّحاليق: أثر تزلّج الصبيان من فوق إلى أسفل، فأهل العالية يقولون: زحلوقة وزحاليف، وتميم ومن يليهم من هوازن يقولون: زحلوقة وزحاليق. والمحتد والمحفد: أصل كل شيء. وعكرة اللسان وعكدته: أصله ومعظمه. والهزفّ والهجفّ: الجافي. ويقال: استوثق من المال واستوثج إذا استكثر. والمأص والمعص من الإبل: البيض التي قد قارفت الكرم، واحدتها مأصة ومعصة؛ هذا قول أبي بكر بن دريد رحمه اللّه. فأما يعقوب واللحياني فقالا: المغص بالغين المعجمة. ويقال: شاكله وشاكهه. وتفكّه وتفكّن إذا تندّم. ويقال: عليه أمشاجٌ من غزل، وأوشاج أي داخلة بعضها في بعض. ويقال: ملقه بالسّوط وولقه إذا ضربه. قال أبو عبيدة يقال: هو قاد رمحٍ وقاب رمح أي قدر رمح.
" فقر من كلام الحكماء " قال وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي قال قال عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه: ما أقرن شيءٌ إلى شيء أفضل من علم إلى حلم، ومن عفوٍ إلى مقدرة.
قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي قال: بلغني أن لقمان الحكيم كان يقول: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: الحليم عند الغضب، والشجاع عند الحرب؛ وأخوك عند حاجتك إليه.
قال وحدثنا عبد الرحمن عن عمه قال قال بعض الحكماء: أحزم الملوك من ملك جدّه هزله، ورأيه هواه، وأعرب عن ضميره فعله، ولم يخدعه رضاه عن حظّه، ولا غضبه عن كيده.
قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا العكلي عن أبي خالد عن الهيثم قال: قدم حكيمٌ من حكماء أهل فارس على المهلّب فقال: أصلح اللّه الأمير: ما أشخصتني الحاجة، وما قنعت بالمقام، ولا أرضى منك بالنصف إذ قمت هذا المقام، قال: ولم ذلك؟ قال: لأنّ الناس ثلاثة: غنيٌ وفقير ومستزيد، فالغني من أعطي ما يستحقه، والفقير من منع حقه؛ والمستزيد الذي يطلب الفضل بعد الغنى وإني نظرت في أمرك فرأيت أنك قد أديت إليّ حقي فتاقت نفسي إلى استزادتك، فإن منعتني فقد أنصفتني، وإن زدتني زادت نعمتك عليّ فأعجب المهلّب كلامه وقضى حوائجه.
" سؤال بعض خلفاء بني أمية عن أشعر الناس " قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم قال حدّثني عمارة بن عقيل قال حدّثني أبي - يعني عقيل بن بلال - قال سمعت أبي - يعني بلال بن حرير - يقول سمعت جريراً يقول - دخلت على بعض خلفاء بني أمية فقال: ألا تحدثني عن الشعراء؟ فقلت: بلى، قال: فمن أشعر الناس؟ قلت: ابن العشرين - يعني طرفة - قال: فما تقول في ابن أبي سلمى والنابغة؟ قلت: كانا ينيران الشّعر ويسديانه، قال: فما تقول في أمرئ القيس بن حجر؟ قلت: اتخذ الخبيث الشعر نعلين يطؤهما كيف يشاء، قال: فما تقول في ذي الرّمة؟ قلت: قدر من الشعر على ما لم يقدر عليه أحد، قال: فما تقول في الأخطل؟ قلت: ما باح بما في صدره من الشّعر حتى مات، قال: فما تقول في الفرزدق؟ قلت: بيده نبعة الشعر قابضاً عليها، قال: فما أبقيت لنفسك شيئاً! قلت: بلى، واللّه يا أمير المؤمنين، أنا مدينة الشعر التي يخرج منها ويعود إليها، ولأنا سبّحت الشعر تسبيحاً ما سبّحه أحد قبلي قال: وما التسبيح؟ قلت: نسبت فأطرفت، وهجوت فأرذيت، ومدحت فأسنيت، ورملت فأغزرت، ورجزت فأبحرت، فأنا قلت ضروباً من الشعر لم يقلها أحد قبلي.
قال أبو علي: كذا أملى علينا أرذيت، وهو صحيح ومعناه أسقطت، لأنه هاجى في زمانه عدة من الشعراء فأسقطهم غير الفرزدق. والرذية: الساقطة من الإبل من الهزال أو من الإعياء.
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه قال حدّثنا أبوالعباس أحمد بن يحيى النحوي قال حدّثنا عبد اللّه بن شيب قال أنشدنا ابراهيم بن المنذر الحزامي:
فإنك لن ترى طرداً لحر ... كإلصاقٍ به طرف الهوان
ولم تجلب مودةً ذي وفاء ... بمثل البر أو لطف اللّسان
قال وأنشدنا أيضاً أبو العباس:
وجاءت للقتال بنو هليكٍ ... فسحّي يا أسماء بغير قطر
قال أبو العباس: هؤلاء قوم استعظم الشاعر مجيئتهم للقتال وصغر شأنهم عنده فقال: فسحّي يا أسماء بغير قطر، يعني: بدم لا بقطر.
قال وقرأت على أبي عمر قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال يقول: وشع في الجبل يشع وشوعاً، وقل يقل وقولاً، وسند يسند سنوداً، وتوقّل وتوشّع إذا صعّد في الجبل، وأنشد لشيخ من بني منقذ:
ويلمّها لقحة شيخٍ قد نحل ... أبى جوارٍ دردقٍ مثل الحجل
حوساء في السهل وشوعٌ في الجبل ... في الصّيف حسيٌ وهو في المشتى وشل
قال أبو علي: الدردق: الصغار. والحوساء: الشديدة الأكل وقوله: في الصّيف حسيٌ، أي هي غزيرة لا ينقطع لبنها، وفي المشتى وشل، أي إذا انقطعت ألبان الإبل فلبنها يسيل كما يسيل الماء من أعلى الجبل. والوشل: ما يخرج بين الحجارة قليلاً قليلاً فشبّه لبنها به.
قال وقرأت عليه قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال يقال: دّبح ودّبخ، ودربح ودربخ إذا ذلّ. قال والجدّ والجدّة والجِدُّ: شاطئ النهر. وقال سيف باترٌ وبتور. وباضكُ وبضوكٌ أي قاطع. وقال: لا يبضك اللّه يده.
قال وحدثني أبو يعقوب ورّاق أبي بكر بن دريد - وكان من أهل العلم - قال أخبرني مسّبح ابن حاتم قال أخبرنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا يحيى بن سعيد الأموي قال: تزوج رجل من أهل تهامة امرأةً من أهل نجد فأخرجها إلى تهامة فلما أصابها حرّها قالت: ما فعلت ريحٌ كانت تأتينا ونحن بنجد يقال لها الصّبا؟ قال يحبسها عنك هذان الجبلان، فأنشدت:
أيا جبلى نعمان باللّه خلّيا ... نسيم الصّبا يخلص إلى نسيمها
أجد بردها أو تشفِ مني حرارةً ... على كبدٍ لم يبقَ إلا صميمها
فإن الصبا ريحٌ إذا ما تنسّمت ... على نفس مهمومٍ تجلت همومها
قال وقرأت على أبي عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى لعلي ابن الغديّر الغنوي:
فذو الرأي منّا مستقادٌ لأمره ... وشاهدنا قاضٍ على من تغيّبا
إذا غضب المولى لهم غضب الحصى ... فلم تر أثرى من حصاهم وأصلبا
أبى لي أنى لن أعير والدا ... دنيّا ولم يذمم فعالي فأقصبا
ولم أنتسب يوماً سوى الأصل أبتغي ... به مأكلاً يدني يذلٍّ ومشربا
ولم تضرب الأرض العريضة فرجها ... عليّ بأسباب إذا رمت مذهبا
وهلك الفتى أن لا يراح إلى النّدى ... وأن لا يرى شيئاً عجيباً فيعجبا
قال أبو علي: أقصب: أشتم، وأصل القصب القطع. ومنه قيل للجزّار: قصّاب.
قال وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي:
يا قلب إنّك من أسماء مغرور ... فاذكر وهل ينفعك اليوم تذكير
تأتي أمورٌ فما تدري أعاجلها ... خيرٌ لنفسك أم ما فيه تأخير
فاستقدر اللّه خيراً وارضينَّ به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبطاً ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه وليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيّ مسرور
حتى كأن لم يكن إلا تذكّره ... والدهر أيتما حلٍ دهارير
قال أبو علي: الأعاصير جمع إعصار، الريح تثير الغبرة.
قال: وقرأت على أبي عمر قال أملى علينا أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لرافع بن هريم اليربوعي:
وصاحب السوء كالداء الغميص إذا ... يرفضّ في الجوف يجري ها هنا وهنا
يبدي ويظهر عن عورات صاحبه ... وما رأى من فعالٍ صالح دفنا
كمهر سوءٍ إذا سكّنت سيرته ... رام الجماح وإن رفّعته سكنا
إن عاش ذاك فأبعد عنك منزله ... أو مات ذاك فلا تقرب له جنبا
قال أبو علي يقال: غمص وغمض، فمن قال، غمض قال في الفاعل: غميص، ومن قال: غمض، قال في الفاعل: غامض. والجنن والريم والرمس والجدث والجدف: القبر.
قال وقرأت عليه قال أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ... ذا عفاف وحياء وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم
قال وقرأت عليه قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال قيل لأعرابي: أيّما أحبّ إليك، الخبز أو التمر؟ فقال: التمر حلوٌ، وما عن الخبز مصّبر. قال: ومضى هذا الأعرابي الذي قال: التمر حلو ثم عاد، فقيل له: مالك عدت؟ فقال: إن الذئب لا يدع غيطاً شبع فيه.
قال وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: نزل رجلٌ من العرب في قوم عدىً فأساؤوا عشرته، فقيل له، كيف وجدت جيرتك؟ فقال: يغتابنا أقصاهم، ويكذب علينا أدناهم، ويكثرون لدينا نجواهم، ويكشفون علينا خصاهم.
قال وحدثني أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: قرأ إمام " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ ولا يزنون " ثم أرتج عليه، فقال أعرابي من خلفه: إنك يا إمام ما علمت لفعولٌ لما تحيّرت فيه.
قال وأنشدنا أبو بكر:
وكنا كغصني بانةٍ ليس واحدٌ ... يزول على الحلات عن رأي واحد
تبدّل بي خلاً فخاللت غيره ... وخلّيته لمّا أراد تباعدي
ولو أن كفي لم تردني أبنتها ... ولم يصطحبها بعد ذلك ساعدي
ألا قبح الرحمن كلّ مماذق ... يكون أخاً في الخفض لا في الشدائد
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: أنشدنا عبد الله ابن شبيب:
طرقتك بين مسبّح ومكبّر ... بحطيم مكّة حيث كان الأبطح
فحسبت مكّة والمشاعر كلّها ... ورحالنا باتت بمسكٍ تنفح
قال وقرأت على أبي عمر قال: أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
خبّرونا بأنني قد تزوّج ... ت فظلّت تكاتم الغيظ سرا
ثم قالت لأختها ولأخرى ... جزعاً ليته تزوّج عشرا
وأشارت إلى نساء لديها ... لا ترى دونهنّ للسرّ سترا
ما لقلبي كأنّه ليس مني ... وعظامي إخال فيهنّ فترا
من حديث نمي إليّ فظيع ... خلت في القلب من تلظّيه جمرا
قال: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو عثمان الأشنانداني:
بئس قريناً يفنٍ هالك ... أمّ عبيدٍ وأبو مالك
قال: أم عبيد: المفازة. وأبو مالك: الكبر، وأنشد:
أبا مالكٍ إنّ الغواني هجرنني ... أبا مالكٍ إنّي أظنّك دائبا
قال أبو علي قال الأصمعي: يقال: قرقاط وقرطان. وحجرٌ أيرّ إذا كان صلاداً صلباً. ويقال: اغبن من ثوبك واخبن واكبن. ويقال للناس والدواب إذا مرّوا يمشون مشياً ضعيفاً: مرّوا يدبون دبيباً ويدجّون دجيجاً. ويقال: أقبل الحاجّ والدّاجّ، فالحاجّ: الذين يحجّون، والداجّ: الذين يدجّون في أثر الحاج. ويقال للرجل والدابة إذا تعوّد الأمر: قد جرن عليه يجرن جرونا، ومرن عليه مروناً ومرانة.
وقال أبو عبيدة؛ ريحٌ ساكرةٌ وساكنةٌ. والزور والزون: كل شيء يتّخذ ربّاً ويعبد، وأنشد:
جاءوا بزوريهم وجئنا بالأصمّ
وكانوا جاءوا ببعيرين فعقلوهما وقالوا: لا نفرّ حتى يفرّ هذان فعابهم بذلك، وجعلهما ربّين لهم.
قال أبو علي قال أبو عمرو الشيباني: المغطغطة والمغطمطة: القدر الشديدة الغليان. وحكى الفراء عن امرأة من بني أسد أنها قالت: جاءنا سكران ملتكّاً في معنىجاء ملتخاً وهو اليابس من السكر. وقال ابن الأعرابي: شيخٌ تاكٌّ وفاكٌّ، وقحرٌ وقحمٌ.
قال أبو علي قال الأصمعي من أمثال العرب " أشبه شرجٌ شرجاً لو أنّ أسيمراً " يضرب مثلاً للأمرين يشتبهان ويفترقان في شيء. وذكر أهل البادية أن لقمان بن عاد قال للقيم بن لقمان: أقم ها هنا حتى أنطلق إلى الإبل، فنحر لقيمٌ جزوراً فأكلها ولم يخبأ للقمان، فخاف لأتمته فحرّق ما حوله من السمر الذي بشرج - وشرجٌ: وادٍ - ليخفى المكان، فلما جاء لقمان جعلت الإبل تثير بأخفافها الجمر، فعرف لقمان المكان وأنكر ذهاب السّمر، فقال: " أشبه شرج شرجاً لو أن أسيمراً " " كتاب عمر الوراق إلى أبي بكر بن حزم " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي قال: كتب عمر بن عبد العزيز الورّاق رحمه الله إلى أبي بكر بن حزم: إن الطالبين الذين أنجحوا، والتجار الذين ربحوا، هم الذين اشتروا الباقي الذي يدوم، بالفاني المذموم؛ فاغتبطوا ببيعهم، وأحمدوا عاقبة أمرهم، فالله الله، وبدنك صحيح، وقلبك مريح؛ قبل أن تنقضي أيامك، وينزل بك حمامك؛ فإن العيش الذي أنت فيه يتقلّص ظلّه، ويفارقه أهله؛ فالسعيد الموفّق من أكل في عاجله قصداً، وقدّم ليوم فقره ذخراً، وخرج من الدنيا محموداً؛ قد انقطع عنه علاج أمورها، وصار إلى الجنة وسرورها.
قال وأنشدنا أبو عبد الله عن أحمد بن يحيى النحوي لأبي حيّة النميري. قال أبو علي وقرأت البيتين الأولين على أبي محمد عبد الله بن جعفر عن أبي العباس محمد بن يزيد النحوي:
ألا حيّ من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى لمّا لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يومٌ وليلة ... تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا
حنتك الليالي بعدما كنت مرةً ... سويّ العصا لو كنّ يبقين باقيا
قال وقرأت على أبي بكر بن دريد قال قرأت على أبي حاتم والرياشي عن أبي زيد عن المفضل الضّبي للربيع بن ضبع الفزاري:
أقفر من ميّة الجريب إلى الز ... جّين إلا الظباء والبقرا
كأنها درّة منعّمةٌ ... من نسوةٍ كنّ قبلها دررا
أصبح مني الشباب مبتكراً ... إن ينأ عني فقد ثوى عصرا
فارقنا قبل أن نفارقه ... لمّا من جماعنا وطرا
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا
من بعدما قوةٍ أسرّ بها ... أصبحت شيخاً أعالج الكبرا
هأنذا آمل الخلود وقد ... أدرك عمري ومولدي حجرا
أبا امرئ القيس قد سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
" ما يقال بالسين والزاي " وقال الأصمعي: تسلّع جلده وتزلّع إذا تشقّق، قال الراعي:
وغملي نصيٍّ بالمتان كأنّها ... ثعالب موتى جلدها تسلّعا
ويروى: قد تزلّعا. ويقال: ضربه قسلع رأسه أي شقّه. ويقال: خسق السهم وخزق إذا قرطس، وسهمٌ خازقٌ وخاسق. ويقال: مكان شأزٌ وشأسٌ وهو الغليظ. ويقال: نزغه ونسغه وندغه إذا طعنه بيد أو رمح. وقال غيره: الشازب والشاسب: الضامر. وقال الأصمعي: الشازب: الضامر وإن لم يكن مهزولاً. والشاسب والشاسف الذي يبس. قال وسمعت أعرابياً يقول: ما قال الحطيئة أينقاً شزّباً، إنما قال: أغنزا شسبّا. قال ويروي بيت أبي ذؤيب:
أكل الجميم ووطاوعته سمحجٌ ... مثل القناة وأزعلته الأمرع
ويروى: وأسعلته أي نشطته، والزعل: النشاط. وقال أبو عبيدة يقال: معجس القوس وعِجس وعُجس، ومعجز وعِجز وعُجز: للمقبض.
قال أبو علي: اللغويون يذهبون إلى أن جميع ما أمليناه إبدال، وليس هو كذلك عند علماء أهل النحو، وإنما حروف الإبدال عندهم اثنا عشر حرفاً، تسعة من حروف الزوائد، وثلاثة من غيرها، فأما حروف الزوائد فيجمعها قولنا: " اليوم تنساه " وها عمله أبو عثمان المازني.
" أحرف الإبدال "
وأما حروف البدل فيجمعها قولنا: " طال يوم أنجدته " وهذا أنا عملته. فالطاء تبدل من التاء في افتعل إذا كانت بعد الضاد، نحو قولك: اضطهد، وكذلك إذا كانت بعد الصاد في مثل اصطبر وبعد الظاء أيضاً في افتعل. والألف تبدل من الياء والواو إذا كانتا لامين في مثل رحى وغزا. وإذا كانتا عينين في مثل نام وقام، والعاب والماء. وإذا كانت الواو في ياجل وأشباهه. وتكون بدلاً من التنوين في الوقف في حال النصب، مثل رأيت زيداً. وبدلاً من النون الخفيفة في الوقف إذا كان ما قبلها مفتوحاً، نحو قولك: اضربا، وقد أبدلوا اللام من النون، فقالوا أصيلال، وإنما هو أصيلان. والياء تبدل من الواو فاء وعيناً، نحو ميزان، وقيل: وتبدل من الألف والواو في النصب والجر في مسلمين ومسلمين. ومن الواو والألف في بهاليل وقراطيس وما أشبههما إذا حقّرت أو جمعت. وتبدل من الواو إذا كانت عيناً نحو ليّةٍ، وتبدل من الألف في الوقف في لغة من يقول: أفعى وحبلى. وقد أبدلوا من الهمزة فقالوا فقالوا في قرأت: قريت. وتبدل من الحرف المدغم نحو قيراط، ألا تراهم قالوا: قريريط، ودينار ألا تراهم قالوا: دنينير. وتبدل من الواو إذا كانت لاماً في مثل قصيا ودنيا. وتبدل من الواو في مثل غاز ونحوه. وتبدل من الواو في شقيت وعنيت وأشباههما. والواو تبدل من الياء في موقن وموسر ونحوهما. وتبدل من الياء في عمويٍّ ورحويٍّ اذا كانت لاماً في شروي وتقوى ونحوهما. وتبدل مكان الألف في الوقف في لغة من يقول: أفعو وحبلو، كما أبدل مكانها الياء من كانت لغته أفعى وحبلى. وبعض العرب يجعل الواو والياء ثابتتين في الوقف والوصل. وتبدل من الألف في ضورب وتضروب ونحوهما، وضويرب ودوينق في ضارب ودانق وضوارب ودوانق اذا جمعت ضارباً ودانقاً.
وتبدل من الياء في فتوّوفتوة - يريد جمع الفتيان - وذلك قليل، كما أبدلوا الياء مكان الواو في عتيٍّ وعصيٍّ. وتكون بدلاً من الهمزة المبدلة من الياء والواو في التثنية والإضافة نحو كسوان وغطاويّ. والميم تبدل من النون في العنبر وشنباء ونحوهما اذا سكنت وبعدها باء، وقد أبدلت من الواو في فمٍ وذلك قليل، كما أن إبدال الهمزة من الهاء بعد الألف في ماء ونحوه قليل.
والهمزة تبدل من الواو والياء اذا كانتا لامين في قضاء وشقاء ونحوهما. واذا كانت الواو عيناً في أدؤرٍ وأنؤر والسئور ونحو ذلك. وإذا كانت فاء نحو أجوه وإسادة وأوعد. والنون تكون بدلاً من العمزة في فعلان فعلى كما أن الهمزة بدل من ألف حمراء. والجيم تكون بدلاً من الياء المشدّة في الوقف نحو علجّ وعوفجّ يراد عليّ وعوفيّ. والدال تكون بدلاً من التاء في افتعل إذا كانت بعد الزاي في مثل ازدجر ونحوها. والتاء تكون بدلاً من الواو إذا كانت فاء نحو اتّعد واتّهم واتّلج وتراث وتجاه ونحو ذلك. ومن الياء في افتعلت من يئست ونحوها. وقد أبدلت من الدال والسين في ستذٍ، وهذا قليل. وأبدلت من الياء إذا كانت لاماً في أسنتو، وهو قليل أيضاً. والهاء تبدل من الناء التي يؤنّث بها الاسم في الوقف نحو طلحة وما أشبهها. وتبدل من الهمزة في هرقت وهمرت، وقد أبدلت من الياء في هذه، وذلك في كلامهم قليل، كما أن تبيين الحركة بالألف قليل إنما جاء في أنا وحيّهلا.
" وصايا لبعض الحكماء " قال وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم ابن عيّاش قال قال مروان بن زنباع العبسي - وهو مروان القرط - : يا بني عبسٍ، احفظوا عني ثلاثاً: إعلموا أنه لم ينقل أحد إليكم حديثاً إلا نقل عنكم مثله؛ وإياكم والتزويج في بيوتات السوء؛ فإن له يوماً ناجثاً؛ واستكثروا من الصديق ما قدرتم، واستقلّوا من العدو، فإن استكثاره ممكن.
قال أبو علي: الناحث: الحافر، والنّجيثة: ما يخرج من تراب البئر.
قال وحدثنا أبو بكر قال: حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي وعن العتبي أيضاً قالا قال مسلم بن قتيبة: لا تطلبنّ حاجتك إلى واحد من ثلاثة: لا تطلبها إلى الكذاب، فإنه يقرّبها وهي بعيدة ويبعدها وهي قريبو؛ ولا تطلبها إلى الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك وهو يضرّك؛ ولا تطلبها إلى رجل له عند قوم مأكلة، فإنه يجعل حاجتك وفاءً لحاجته.
قال وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت رجلاً في حلقة أبي عمرو بن العلاء يقول: قال الحسن لابنه: يا بني، إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثاً وإن طال حتى يمسك.
قال وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال رجل لابنه: يا يني، لا تلاحينّ حكيماً، ولا تحاورن لجوجاً، ولا تعاشرن ظلوماً، ولا تواخين متهماً.
قال وقرأت على أبي عمر قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لرجل كانت تنحيّ امرأته ابنه عنه:
أزحنة عني تطردين تبدّدت ... بلحمك طيرٌ طرن كلّ مطير
قفي لا تزلّي زلّةً ليس بعدها ... جبورٌ وزلات النساء كثير
فإني وإياه كرجلي نعامةٍ ... على كلّ حالٍ من غني وفقير
قال: كرجلي نعامة في اتفاقنا وأنّا لا نختلف، قال: وليس شيء من البهائم إلا وهو إن انكسرت إحدى رجليه انتفع بالأخرى إلا النعامة، وقال غير ابن الأعرابي: لأنه لا مخّ لها.
" عمرو بن شأس وما كان بين امرأته وابنه عرار " قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي عن الطوسي قال: كانت لعمرو بن شأس امرأة من رهطه يقال لها أم حسان بنت الحارث، وكان له ابن يقال له عرار من أمةٍ له سوداء، فكانت تعيّره وتؤذي عراراً ويؤذيها وتشتمه ويشتمها، فلما أعيت عمراً بالأذى والمكروه في ابنه قال الكلمة التي فيها هذه الأبيات: - قال وقال ابن الأعرابي قالها في الإسلام وهو شيخ كبير -
ألم يأتها أني صحوت وأنّني ... تحلّمت حتى ما أعارم من عرم
وأطرقت إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغاً لنابيه الشجاع لقد أزم
فإن عراراً إن يكن غير واضح ... فإني أحبّ الجون ذا النكب العمم
وإن عراراً إن يكن ذا شكيمة ... تقاسينها منه فما أملك الشيم
أردت عراراً بالهون ومن يرد ... عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم
فإن كنت مني أو تريدين صحبتي ... فكوني له كالسمن ربّ له الأدم
وإلا فسيري مثل ما سار راكبٌ ... تيممّ خمساً ليس في سيره يتم
ويروى: خمساً، يريد خمسة أيام، وإنما أسقط الهاء من خمسة لأنه لم يذكر الأيام، كما تقول صمنا من الشهر خمساً، تريد خمسة أيام.
قال أبو علي يقال: عرم الغلام يعرم عرماً، وغلام عارمٌ، وغلمان عرّام وعرمةٌ. وقال ابن الأعرابي: العرم: وضر القدر ووسخها. وقال غيره: العرام: العراق من اللحم. والعمم: الطول، والعميم: الطويل، فوصفه بالعمم وهو المصدر، كما قالوا: رجل عدل أي عادل. واليتم والأتم: الإبطاء، وقال الطوسي: اليتم: الغفلة، ومنه أخذ اليتيم. قال أبو علي: كأنه يذهب إلى أنه أغفل فضاع. وأما غيره فيقول: اليتيم: الفرد، ويتم إذا انفرد، ومنه الدرّة اليتيمة.
قال وقرأت على أبي بكر بن دريد:
أنزلني الدهر على حكمه ... من شاهقٍ عالٍ إلى خفض
وغالني الدهر بوفر الغنى ... فليس لي مالٌ سوى عرضي
لولا بنيّاتٌ كزغب القطا ... أجمعن من بعضٍ إلى بعض
لكان لي مضطربٌ واسعٌ ... في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض
قال وقرأت عليه لمعن بن أوس:
رأيت رجالاً يكرهون بناتهم ... وفيهنّ لانكذب نساءٌ صوالح
وفيهنّ والأيام يعثرن بالفتى ... عوائد لا يمللنه ونوائح
" ضبط بعض أسماء متشابهة " قال وحدّثنا أبو بكربن الأنباري قال حدّثني أبي عن أشياخه قال: كل ما في العرب عدَس بفتح الدال إلا عدُس بن زيد فإنه بضمها. وكل ما في العرب سدَوس بفتح السين إلا سدُوس بن أصمع في طيّ. وكل ما في العرب فُرافصة بضم الفاء إلا فَرافصة أبا نائلة امرأة عثمان بن عفان رضي اللّه عنه. وكل ما في العرب مِلكان بكسر الميم إلا مَلكان بن حزم زباّن فإنه بفتحها. وكل ما في العرب أسلَم بفتح الهمزة واللام إلا أسلُم بن الحكم من قضاعة.
قال وأنشدنا أبو الحسن الأخفش قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
بكلِّ بلادٍ أم بكلِّ مظنَّةٍ ... أخو أملٍ منَّا يحاول مطعما
كأنَّا خلقنا للنَّوى وكأنما ... حرام على الأيام أن تتجَّمعا
قال وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه اللّه لقطريِّ بن الفجاءة:
لا يركنن أحد إلى الاحجام ... يوم الوغى متخِّوفاً لحمام
فلقد أراني للرِّماح دريئةً ... من عن يميني مرةً وأمامي
حتى خضبت بما تحدَّر من دمي ... أكناف سرجي أو عنان لجامي
ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الأقدام
قال أبو علي: الدريئة مهموزة: الحلقة التي يتعلم عليها الطعن وهي فعيلة بمعنى مفعولة من درأت أي دفعت. والدَّريَّة غير مهموزة: دابة أو جمل يستتر به الصائد فيرمي الصيد، وهو من دريت أي ختلت، وقال الشاعر:
فان كنت لا أدري الظِّباء فإنّني ... أدسُّ لها تحت التّراب الدّواهيا
وبنوه على مثال خديعة إذ كان في معناها، وقوله: " أكناف سرجي أو عنان لجامي " أراد: وعنان لجامي. وقوله: جذع البصيرة أي فتىّالإستبصار أي وأنا على بصيرتي الأولى.
وقوله: قارح الأقدام أي متناه في الأقدام.
قال وأنشدنا أبو علي عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة:
لئن درست أسباب ما كان بيننا ... من الودّ ما شوقي إليك بدارس
وما أنا من أن يجمع اللّه بيننا ... على خير ما كنّا عليه بيائس
قال وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا عبد اللّه بن خلف قال حدّثنا أبو جابر محرز بن جابر قال حدّثنا أبي قال: أرسلت أمّ جعفر زبيدة إلى أبي العتاهية أن يقول على لسانها أبياتاً يستعطف بها المأمون فتأبى، ثم أرسل إليها هذه الأبيات:
ألا إنّ صرف الدهر يدني ويبعد ... ويمتع بالالاف طوراً ويفقد
أصابت بريب الدهر مني يدي يدي ... فسلّمت للأقدار واللّه أحمد
وقلت لريب الدهر إن هلكت يدٌ ... فقد بقيت والحمد للّه لي يد
إذا بقي المأمون لي فالرشيد لي ... ولي جعفرٌ لم يفقدا ومحمد
فلما قرأها المأمون استحسنها وسأل عن قائلها، فقيل: أبو العتاهية، فأمر له بعشرة آلاف درهم وعطف على زبيدة وزاد في تكرمتها وأثرتها: قال وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو عثمان عن التّوّزي عن أبي عبيدة قال قال موسى شهوات يهجو عمر بن موسى بن عبيد اللّه بن معمر ويمدح عمر بن موسى بن طلحة بن عبيد اللّه:
تباري ابن موسى يا بن موسى ولم تكن ... يداك جميعاً تعدلان له يدا
تباري إمرأً يسرى يديه مفيدةٌ ... ويمناها تبني بناءً مشيدّاً
فإنك لم تشبه يداك ابن معمرٍ ... ولكنّما أشبهت عمّك معبدا
وفيك وإن قيل ابن موسى بن معمر ... عروقٌ يدعن المرء إذا المجد قعودا
ثلاثة أعراقٍ فعرقٌ مهذبٌ ... وعرقان شانا ما أصابا فأفدا
قال أبو بكر: وكان معبد مولى وكان أخا أبيه لأمه، وله حديث قد ذكره أبو عبيدة في المثالب قال أبو علي: القعدُدُ والقعدَدُ لغتان: اللئيم الأصل والإقعاد: قلة الأجداد. والاطراف: كثرة الأجداد كلاهما مدح.
قال وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه:
لعمرك ما حقّ امرئٍ لا يعد لي ... على نفسه حقاً عليّ بواجب
وما أنا للنائي عليّ بوده ... بودي وصافي خلتّي بمقارب
ولكنّه إن مال يوماً بجانبٍ ... من الصّدّ والهجران ملت بجانب
قال وأملى علينا أبو الحسن الأخفش قال كتب محمد بن مكرم إلى أبي العيناء: أما بعد فإني لا أعرف للمعروف طريقاً أوعر ولا أحزن من طريقه إلك ولا مستودعاً أقلّ زكاةً وأبعد غنماً من خير يحلّ عندك لأنه يصير منك إلى دينٍ ردي ولسان بذيّ، وجهلٍ قد ملك عليك طباعك؛ فالمعروف لديك ضائع، والصّنيعة عندك غير مشكورة، وإنما غرضك من المعروف أن تحرزه، وفي مواليه أن تكفره.
" شرح بعض الأمثال " قال وقرأت على أبي بكر قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال من أمثال العرب:
" لا أخاف إلا من سيل تعلتي " أي إلا من بني عمي وقرابتي، قال: والتّلعة: مسيل الماء إلى الوادي لأن من نزل التلعة فهو على خطر، إن جاء سيل جرف بهم، وقال هذا وهو نازلٌ بالتّلعة، أي لا أخاف إلا من مأمني.
قال أبو علي: وسألت أبا بكر بد دريد عن المثل الذي تضربه العرب لمن جازى صاحبه بمثل فعله وهو قولهم: " يومٌ بيوم الحفض المجوّر " فقال: أصل هذا المثل أن أخوين كان لأحدهما بنون ولم يكن للآخر ولد، فوثبوا على عمهم فجّوروا بيته أي ألقوه بالأرض ثم نشأ للآخر بنون فوثبوا على عمه فجّوروا بيته فشكا ذلك إلى أخيه، فقال: " يومٌ بيوم الحفض المجّور " قال أبو علي: والحفض: متاع البيت، والحفض أيضاً: البعير الذي يحمل عليه متاع البيت، وإنما سمي حفضاً لأنه منه بسبب، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب، ولذلك قيل للجلد الذي يحمل فيه الماء: راوية، وإنما الراوية: البعير الذي يستقى عليه. وينشد بيت عمرو بن كلثوم على وجهين:
ونحن إذا عماد البيت خرّت ... على الأحفاض نمنع من يلينا
ويروى: عن الأحفاض، فمن روى على أراد متاع البيت، ومن روى عن أراد الجمل الذي يحمل عليه متاع البيت.
" الكلام على مادة هجر " قال أبو علي قال أبو نصر: هجرت فلاناً أهجره هجراناً وهجراً إذا تركت كلامه. وهجر الرجل في منامه يهجر هجراً إذا هذي وتكلَّم في منامه. وأهجر يهجر إهجاراً وهجراً إذا قال هجر أي فحشا وكلاماً قبيحاً. وهجرت البعير أهجره هجوراً وهو أن تشدَّ حبلاً من حقوه إلى خفِّ يده. قال أبو علي: وذلك الحبل يسمَّى الهجار. وروى أبو عبيد عن الأصمعي: هجرت البعير أهجره هجراً وهو أن تشّد حبلاً في رسغ رجله ثم تشده إلى حقوه إن كان عرياً، وإن كان مرحولاً شددته إلى حقيبته.
وذكر الأصمعي في كتاب الصفات نحو قول أبي عبيد. قال: وهو أن تشدّ حبلاً من وظيف رجله إلى حقوه، وأنشد:
فكعكعوهنّ في ضيق وفي دهشٍ ... ينزون من بين مأبوضٍ ومهجور
قال أبو نصر: وهاجر الرجل يهاجر مهاجرة إذا خرج من البدو إلى المدن، قال أبو علي ويقال: هاجر أيضاً إذا خرج من بلد إلى بلد. وقال أبو نصر ويقال لكل ما أفرط في طول أو غيره: مهجر والأنثى مهجرة، ونخلة إذا أفرطت في الطول، قال الراجز:
تعلو بأعلى السّحق المهاجر ... منها عشاش الهدهد القراقر
وقال غيره: الهاجريٌ: الحاذق بالإستقاء. ويقال: هذا أهجر من هذا أي أفضل منه، ويقال لكل شيء فضل شيئاً: هو أهجر منه، ولهذا قيل للّبن الجيد: هجير ويقال: إنّ معاوية رحمه اللّه خرج متنزهاً فمرّ بحواءٍ ضخم فقصد بيت منه، فإذا بفنائه امرأةٌ برزة، فقال لها، هل من غذاء؟ قالت: نعم حاضر قال: وما غذاؤك؟ قالت: خبزٌ خمير، وماءٌ نمير، وحيسٌ فطير، ولبن هجير، فثنى وركه ونزل، فلما تغذّى قال: هل لك من حاجة؟ فذكرت حاجة أهل الحواء، قال: هاتي حاجتك في خاصة نفسك، قالت: يا أمير المؤمنين، أنى أمره أن تنزل وادياً فيرفّ أوله، ويقفّ آخره وقال أبو عبيدة: هذا أهجر من هذا أي أعظم منه.
قال أبو علي وحدثنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال يقال: هذا الطريق أهجر من هذا أي أبعد منه، والهجرة: البعد، وأصل هذه العبارات كلها واحد. وقال غيره: والهاجريّ: البنّاء، وقال بعضهم: والهاجريّ منسوب إلى هجر، فأدخل فيه الألف واللام قال أبو علي: وليس هذا القول بمرضيٍّ، وقال أبو النصر: والهاجرة والهجير والهجر: وقت زوال الشمس، قال الشاعر:
كأنّ العيس حين أنحن هجراً ... معفّاةٌ نواظرها سوامي
ويقال: ما زال ذلك هجيراه، أي دأبه الذي يهجر به، ويقال: إهجيراه أيضاً لغتان. ويقال: أتانا على هجر أي بعد سنة فصاعداً.
" شرح سؤال بعض الأعراب "
قال أبو علي وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس قال: وقف أعرابي في المسجد الجامع في البصرة فقال: قلّ النّيل، ونقص الكيل، وعجفت الخيل؛ واللّه ما أصبحنا ننفخ في وضح، وما لنا في الدّيوان من وشمة، وإنا لعيال جربّة، فهل من معين أعانه اللّه يعين ابن سبيل، ونضو طريق، وفلّ سنة؟ فلا قليل من الأجر ولا غنى عن اللّه، ولا عمل بعد الموت. قال أبو علي الوضح: اللّبن، وإنما سمي وضحاً لبياضه، وقال الهذلي:
عقّوا بسهمٍ فلم يشعر به أحدٌ ... ثم استفاءوا وقالوا حبذّا الوضح
عقّوا: رموه إلى السهام. واستفاءوا: رجعوا. والوشمة مثل الوشم في الذراع، يريد الخطّ. والجربة: الجماعة. ويقال: الجربّة: المتساوون، ويقال: عيال جربّة، أي كبار كلهم لا صغير فيهم، قال الراجز:
جربّة كحمر الأبك ... لا ضرعٌ فيهم ولا مذكّى
والفلّ: القوم المنهزمون، يعني أنه منهزم من الجدب، والفلّ: الأرض التي لم يصبها مطر، وجمعها أفلال.
" وصف أعرابي للسويق " قال وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال أخبرنا أبو حاتم قال قال الأصمعي: عاب رجلٌ السّويق بحضرة أعرابي، فقال: لاتعبه، فإنه عدة المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكر، وبلغة المريض، ويسرو فؤاد الحزين، ويردّ من نفس المحدود وجيدٌ في التسمين، ومنعوتٌ في الطّب، وقفاره يجلو البلغم، وملتوته يصفّي الدّم؛ وإن شئت كان شراباً، وإن شئت كان طعاماً، وإن شئت فثريداً، وإن شئت فخبيصاً قال أبو علي: يسرو: يكشف ما عليه يقال: سراً عنه ثوبه إذا نزعه. والمحدود: الذي قد حدّ أي قد ضرب الحدّ. والقفار: الذي لم يلتّ بشيء من أدم لا زيتٍ ولا سمن ولا لبن، يقال: طعام قفار وعفار وعفير وسخنتيتٌ وحثٌ حدّثني أبو عمرو قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الاعرابي قال: العرب تقول: ماء فراح، وخبزٌ قفار: لا أدم معه. وسويق حثٌ وهو الذي لم يلتّ بسمن ولا زيتٍ. وحنظل مبسل وهو أن يؤكل وحده، قال الراجز:
بئس الطعام الحظل المبسّل ... ييجع منه كبدي وأكسل
ويروى: ياجع قال وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال أعرابي: اعتذارٌ من منع أجمل من وعد ممطول..
" تخاصم مالك بن أسماء بن خارجة وأخيه عيينة وما قاله فيه من الشعر لما حبسه الحجاج " قال أبو علي وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: كان مالك بن أسماء بن خارجة واجداً على أخيه عيينة بن أسماء وطال ذلك حتى تفاقم الأمر بينهما، فأخذ الحجاج عيينة فحبسه لجبايات كانت له، وكتب إلى مالك يعلمه بذلك وهو يظن أنه يسسّره، فلما قرأ الكتاب أنشأ يقول:
ذهب الرّقاد فما يحسّ رقاد ... مما شجاك وملّت العواد
خبرٌ أتاني عن عيينة مفظعٌ ... كادت تقطّع عنده الأكباد
ويروى: عن عيينة موجعٌ.
بلغ النفوس بلاؤه فكأننا ... موتى وفينا الرّوح والأجساد
يرجون غرّة جدّنا ولو أنهم ... لا يدفعون بنا المكاره بادروا
لما أتاني عن عيينة أنه ... أمسى عليه تظاهرالأقياد
نخات له نفسي النّصيحة إنه ... عند الشدائد تذهب الأحقاد
وعلمت أنّى إن فقدت مكانه ... ذهب البعاد فكان فيه بعاد
ورأيت في وجه العدوّ شكاسةً ... وتغيرّت لي أوجهٌ وبلاد
وذكرت أيُّ فتىً يسدُّ مكانه ... بالرّفد حين تقاصر الإرفاد
أمن يهين لنا كرائم ماله ... ولنا إذا عدنا إليه معاد
قال أبو علي: الشكاسة: سوء الخلق، والشكس: السيء الخلق.
وأنشدنا أبو بكر الأنباري قال أنشدنا أبو بكر السمسار قال: أنشدنا أبو بكر الأموي عن الحسين ابن عبد الرحمن للخليل بن أحمد:
إن كنت لست معي فالذّكر منك هنا ... يرعاك قلبي وإن غيبت عن بصري
العين تفقد من تهوى وتبصره ... وناظر القلب لا يخلو من النظّر
قال وأنشدنا أبو بكر أيضاً قال أنشدنا أبو علي العمري قال: أنشد مسعود بن بشر:
أما والذي لو شاء لم يخلق النّوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
يوهّمنيك الشّوق حتّى كأنما ... أناجيك من قربٍ وإن لم تكن قربي
" شعر لنصيب "
قال وحدثنا ابو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه قال: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: قال جرير وددت أنى سبقت ابن السوداء - يعني نصيباً - إلى هذه الأبيات:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الرّكب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
وقل إن ننل بالودّ منك محبةً ... فلا مثل ما لاقيت من حبكم حبُّ
وقل في تجنّيها لك الذّنب إنما ... عتابك من عاتب فيما له عتب
فمن شاء رام الصّرم أو قال ظالماً ... لذي ودّه وليس له ذنب
خليليّ من كعبٍ ألمّا هديتما ... بزينب لا تفقد كما أبداً كعب
من اليوم زوارها فإنّ ركابنا ... غداة غد عنها وعن أهلها نكب
قال أبو علي: النّكب: الموائل.
وقولاً لها يا أمّ عثمان خلّتي ... أسلمٌ لنا في حبّنا أنت أم حرب
وقال رجالٌ حسبه من طلابها ... فقلت كذبتم ليس لي دونها حسب
قال وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأسماء المرّيّة صاحبة عامر الطّفيل:
أيا جبلى وادي عريعرة التي ... نأت عن ثوى قومي وحقّ قدومها
ألا خليّاً مجرى الجنوب لعلّه ... يداوي فؤادي من جواه نسيمها
وكيف تداوى الريح شوقاً مماطلاً ... وعيناً طويلاً بالدّموع سجومها
وقولاً لركبانٍ تميمةٍ غدت ... إلى البيت ترجو أن تحطّ جرومها
بأنّ بأكناف الرّغام غريبةً ... مولهةً ثكلى طويلاً نئيمها
مقطعةً أحشاؤها من جوى الهوى ... وتبريح شوقٍ عاكفٍ ما يريمها
قال أبو علي: النّئيم: الصوت.
قال وقرأت على أبي عمر قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الطّاية والتّاية والغاية والراية والآية، فالطاية: السّطح الذي ينام عليه، والتاية: أن تجمع بين رؤوس ثلاث شجيرات أو شجرتين فتلقى عليها ثوباً فتستظلّ به، والغاية: أقصى الشيء وتكون من الطير التي تغنّي على رأسك أي ترفرف، والآية: العلامة. وبهذا الإسناد قال قال خالد بن صفوان: واللّه ما يأتي علينا يوم إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، وما تزداد لنا إلا تخليّا، وعناّ إلا تولّيا.
" هجو بعض الأعراب للأولاده " قال وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال: أنشدنا الرياشي لأعرابي يهجو بنيه:
إن بنيّ كلّهم كالكلب ... أبرهّم أولاهم بسيّ
لم يغن عنهم أدبي وضربي ... ولا إتّساعي لهم ورحبي
فليتني متّ بغير عقب ... أو ليتني كنت عقيم الصّلب
قال وقرأت على أبي عمر قال: أنشدناأحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لحضين بن المنذر يهجو ابنه غياّظاً:
نسىّلما أوليت من صالح مضى ... وأنت لتأنيبٍ عليّ حفيظ
تلين لأهل الغلّ والغمر منهم ... وأنت على أهل الصّفاء غليظ
عدوّك مسرور وذو الودّ بالذي ... أتى منك من غيظٍ عليّ كظيظ
وسمّيت غيّاظاً ولست بغائظٍ ... عدواًّ ولكنّ الصديق تغيظ
فلا حفظ الرحمن روحك حيّةً ... ولا هي في الأرواح حين تفيظ
قال وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه اللّه:
إن يحسدوني فإنّي غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظاً بما يجد
أنا الذي يجدوني في صدورهم ... لا أرتقى صدراً منها ولا أرد
قال وأنشدنا أبو بكر رحمه اللّه:
أخ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلوّن ألواناً عليّ خطوبها
إذا عبت منه خلّةً فهجرته ... دعتني إليه خلّة لا أعيبها
قال وأنشدني أبو بكر بن أبي الأزهر مستملى أبي العباس قال أنشدنا الزبير بن بكّار لسويد بن الصامت:
ألا ربما تدعو صديقاً ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفرى
لسان له كالشّهد ما دمت حاضراً ... وبالغيب مطرور على ثغرة النّحر
قال أبو علي: مطرور: محدّد، من طررت السكين: حددتها.
" رثاء نهار بن توسعة للمهلب وما ترتب على ذلك " قال وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: مات المهلّب بمرو الرّوذ بخراسان، وكانت ولايته أربع سنين، فقال نهار بن توسعة:
ألا ذهب الغزو المقّرب للغني ... ومات النّدى والحزم بعد المهلّب
أقاما بمرو الرّوذ رهن ضريحه ... وقد غيّبا عن كل شرقٍ ومغرب
ثم ولى بعده قتيبة بن مسلم، فدخل عليه نهار فيمن دخل وهو يعطي الناس العطاء، فقال: من أنت؟ قال: نهار بن توسعة، قال: أنت القائل في المهلّب ما قلت؟ قال: نعم، وأنا القائل:
وما كان مد كنّا ولا كان قبلنا ... ولا كائن من بعد ابن مسلم
أعمّ لأهل الشّرك قتلاً بسيفه ... وأكثر فينا مغنماً بعد مغنم
قال:إن شئت فأقلل، وإن شئت فأكثر، وإن شئت فأحمد، وإن شئت فذمّ، لا تصيب منّى خيراً أبداص، يا غلام، اقرض اسمه من الدفتر، فلزم منزله حتى قتل قتيبة وولى يزيد فأتاه فدخل عليه وهو يقول:
إن كان ذنبي يا قتيبة أنني ... مدحت امرأً قد كان في المجد أوحدا
أبا كلّ مظلومٍ ومن لا أبا له ... وغيث مغيثات أطلن التّلدّدا
فشأنك إن اللّه إن سؤت محسن ... إليّ إذا أبقى يزيد ومخلدا
قال: إحتكم، قال: مائة ألف درهم، فأعطاه إياها. وقال أبو عبيدة مرة أخرى: بل كان الممدوح مخلد بن زيد، وكان خليفة أبيه على خراسان، فكان نهار يقول بعد موته: رحم اللّه مخلداً فما ترك لي بعده من قول.
" مطلب في ألفاظ وردت بمعنى الثبات والإقامة " قال أبو علي قال اللحياني: دجن بالمكان يدجن دجوناً فهو داجن إذا ثبت وأقام، ومثله رجن يرجن رجوناً فهو راجن. وقال غيره ومنه قيل: شاة راجنة إذا أقامت في البيوت على علفها. وقال اللحياني: وتن يتن وتوناً، وقال الأصمعي: الواتن: الثابت الدائم، وقال اللحياني: تنأ يتنأ تنوءاً فهو تانىء، وتنخ يتنخ تنوخاً فهو تانخ، قال أبو بكر بن دريد: ومنه سّميت تنوخ، لأنها أقامت في موضعها. وقال الحياني: وركد يركد ركوداً فهو راكد، وألحم يلحم إلحاماً. وقال يعقوب بن السكيت: وقطن يقطن قطوناً فهو قاطن، قال العجاج: " قواطناً مكة من ورق الحمى " ومكد يمكد مكوداً فهو ماكد، ومنه قيل: ناقة ماكدٌ ومكودٌ إذا ثبت غزرها فلم يذهب. قال أبو علي: وأخبرنا الغالبي عن أبي الحسين بن كيسان عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: زعم الأصمعي أن الغزر لغة أهل البحرين، وأن الغزر بالفتح اللغة العالية وقال يعقوب: ورمك يرمك رموكاً فهو رامك، وثكم يثكم ثكوماً فهو ثاكم، وأرك يأرك أروكاً فهو آركٌ، وإبل آركة في الحمض أي مقيمة، فأما الأوراك فالتي تأكل الأراك، وعدن يعدن عدناً، وزاد اللحياني: وعدوناً، ومنه قيل: جنة عدن أي جنة إقامة، وإبل عودان إذا أقامت في موضع، قال يعقوب: ومنه المعدن، لأن الناس يقيمون فيه في الشتاء والصيف. قال أبو علي: إنما قيل له معدن لثبات ذلك الجوهر فيه، قال العجاج: " من معدن الصّيران عدمليُّ " يعني كناساً فيه وثبات البقر. وقال يعقوب: وتلد يتلد تلوداً وبلد يبلد بلوداً. قال أبو علي: ومنه اشتقاق البليد كأنه ثبت فلم يتخطّ لجوابٍ ولا تصرفٍ. قال يعقوب: وأبد يأبد أبوداً، وألبد يلبد إلباداً فهو مبلد، واللّبد من الجال: الذي لا يبرح منزله قال الراعي:
من أمر ذي بدواتٍ لا تزال له ... بزلاء يعيا بها الجثّامة اللّبد
وألثّ يلثّ فهو ملثٌ، وألثّت السماء إذا دام مطرها، وأربّ يربُّ إرباباً فهو مربٌّ، وألبّ يلبّ إلباباً فهو ملبُّ، ولبّ أيضاً وهي بالألف أكثر، قال ابن أحمر: " لبّ بأرضٍ ما تخطّاها النّعم " قال الخليل: ومنه قولهم لبيك وسعديك كأنه قال: إجابة لك بعد إجابة، ولزوماً لك بعد لزوم، أي كلما دعوتني أجبتك ولزمت طاعتك. ورمأ يرمأ ورموءاً. وخيّم يخيّم تخييماً وريّم يريّم تريّيما. وفنك يفنك فنوكاً، وفنك في الشيء إذا لجّ فيه، وأنشد الفراء:
لما رأيت أمرها في حطّي ... وفنكت في كذبٍ ولطِّ
أخذت منها بقرونٍ شمط ... حتّى علا الرأس دمٌ يغطّى
وأبنّ يبنُّ إبناناً فهو مبنٌّ، قال النابغة:
غشيت منازلاً بعريتناتٍ ... فأعلى الجزع للحيّ المبنّ
وبجد بالمكان يبجد بجوداً فهو باجد، ومنه قيل: أنا ابن بجدتها أي أنا عالم بها. وحكى يعقوب عن الفراء: هو عالم ببجدة أمرك وبجدة أمرك كقولك بداخلة أمرك. وقال ابن الأعرابي: أوصب الشيء ووصب إذا ثبت ودام، وأنشد العجاج:
تعلو أعاصيم وتعلو أحداباً ... إذا رجت منه الذّهاب أوصبا
قال أبو علي: ومن وصب قوله عز وجل: " بعذاب واصبٍ " أي دائم، وقال الأصمعي: ثبيت على الشيء: دمت عليه، وأنشد:
يثبّى ثناءً من كريم وقوله ... ألا أنعم على حسن التّحية وأشرب
وقال أبو عمرو الشيباني: التّثبية: مدح الرجل حياً، وأنشد البيت الذي ذكرناه عن الأصمعي.
وقال غيره: الطّادي: الثابت، قال القطامي: " وما تقضّى بواقي دينها الطّادي " والموطود: المثبت، وموطودُ من وطديطد، واللغويون يقولون: إن هذا من المقلوب. وقال أبو عبيد: والأقعس: والثابت، وأنشد للحارث: وعزّةٌ قعساء " وقال اللحياني: أتم يأتم أتوماً، ووتم يوتم وتوماً إذا ثبت في المكان، قال أبو علي: وهذان الحرفان على غير قياس لأنه قد كان يجب أن يكون مصدرهما أتماً ووتماً. ويقال: أرى بالمكان وتأرى إذا حتبس، قال:
لا يتأرّى لما في القدر يرقبه ... ولا يعضّ على شرسوفه الصفر
وقال آخر:
لا يتأرون في المضيق وإن ... نادى منادٍ كي ينزلوا نزلوا
وقال ابن الأعرابي: وزحك بالمكان إذا أقام فيه.
" وصية عبد اللّه بن شداد لابنه " قال وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال أخبرنا السّكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن أبيه قال: لما حضرت عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد الوفاة دعا ابناً له يقال له محمد، فقال: يا بنيّ، إني أرى داعي الموت لا يقلع، وأرى من مضى لا يرجع، ومن بقى فإليه ينزع؛ وإني موصيك بوصية فاحفظها، عليك بتقوى اللّه العظيم، وليكن أولى الأمور بك شكر اللّه وحسن النية في السر والعلانية، فإن الشّكور يزداد، والتقوى خير زاد؛ وكن كما قال الحطيئة:
ولست أرى السعادة جمع مالٍ ... ولكنّ التقيّ هو السعيد
وتقوى اللّه خير الزاد ذخراً ... وعند اللّه للأتقى مزيد
وما لا بدّ أن يأتي قريبٌ ... ولكنّ الذي يمضي بعيد
ثم قال: أي بنيّ، لا تزهدنّ في معروف، فإن الدهر ذو صروف؛ والأيام ذات توائب، على الشاهد والغائب؛ فكم من راغب قد كان مرغوباً إليه، وطالب أصبح مطلوباً ما لديه؛ واعلم أن الزمان ذو ألوان، ومن يصحب الزمان يرى الهوان؛ وكن أي بنيّ كما قال أبو الأسود الدؤلي:
وعدّ من الرحمن فضلاً ونعمةً ... عليك إذا ما جاء للعرف طالب
وإن امرأً لا يرتجى الخير عنده ... يكن هيناً ثقلاً على من يصاحب
فلا تمنعن ذا حاجة جاء طالباً ... فإنك لا تدري متى أنت راغب
رأيت التوا هذا الزمان بأهله ... وبينهم فيه تكون النوائب
ثم قال: أي بني، كن جواداً بالمال في موضع الحق بخيلاً بالأسرار عن جميع الخلق؛ فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر، وإن أحمد بخل الحرّ الضن بمكتوم السر، وكن كما قال قيس بن الخطيم الأنصاري:
أجود بمكنون التلاد وانني ... بسرك عمن سألني لضنين
إذا جاوز الإثنين سر فإنه ... بنث وتكثير الحديث قمين
وعندي له إذا يوماً ما ائتمنتني ... مكانٌ بسوداء الفؤاد مكين
ثم قال: أي بني، وإن غليت يوماً على المال، فلا تدع الحيلة على حال، فإن الكريم يحتال والدني عيال؛ وكن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مالاً؛ فإن الكريم من كرمت طبيعته، وظهرت عند الإنقاد نعمته؛ وكن كما قال ابن حداق العبدي:
وجدت أبي قد اورثه أبوه ... خلالاً قد تعد من المعالي
فأكرم ما تكون على نفسي ... إذا ما قل في الأزمات مالي
فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... ويجمل عند أهل الرأي حالي
وإن نلت الغنى لم أغل فيه ... ولم أخصص بجفوتي الموالي
ثم قال: أي بني، وإن سمعت كلمة من حاسد، فكن كأنك لست بالشاهد؛ فإنك إن أمضيتها حيالها، رجع العيب على من قالها؛ وكان يقال: الأرنب العاقل، هو الفطن المتغافل؛ وكن كما قال حاتم الطائي:
وما من شيمتي شتم ابن عمي ... وما أنا مخلفٌ من يرتجيني
وكلمة حاسدٍ في غير جرم ... سمعت فقلت مري فانفذيني
فعابوها عليّ ولم تسؤني ... ولم يعرق لها يوماً جبيني
وذو اللّونين يلقاني طليقاً ... وليس إذا تغيّب يأتليني
قال أبو علي: ما ألوت: ما قصرت، وما ألوت: ما استطعت
سمعت بعينه فصفحت عنه ... محافظةً على حسبي وديني
قال أبو علي ويروى: سمعت بغيبه. ثم قال: أي بنيّ، لا تواخ أمرأً حتى تعاشره، وتتفقّد موارده ومصادره؛ فإذا استطعت العشرة، ورضيت الخبرة؛ فواخه على إقالة العثرة، والمواساة في العسرة؛ وكن كما قال المقنع الكندي:
ابل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسّمنّ فعالهم وتفقّد
فإذا ظفرت بذي اللّبانة والتّقى ... فبه اليدين قرير عينٍ فاشدد
وإذا رأيت ولا محالة زلةً ... فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد
ثم قال: أي بني، إذا أحببت فلا تفرط، وإذا أبغضت فلا تشطط؛ فإنه قد كان يقال: أحبيب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما؛ وكن كما قال هدبة بن الخشرم العذريّ:
وكن معقلاً للحلم واصفح عن الخنا ... فإنك راءٍ ما حييت وسامع
وأحبب إذا أحببت حباً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضاً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت راجع
وعليك بصحبة الأخيار وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار فإنه عار، وكن كما قال الشاعر:
اصحب الأخيار وارغب فيهم ... ربّ من صاحبته مثل الجرب
ودع الناس فلا تشمتهم ... وإذا شاتمت فاشتم ذا حسب
إنّ من شاتم وغداً كالذّي ... يشتري الصّفر بأعيان الذّهب
وأصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الناس فمن شاء كذب
قال وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لكعب:
وذي ندب دامي الأظل قسمته ... محافظةً بيني وبين زميلي
وزادٍ رفعت الكفّ عنه تجملاً ... لأوثر في زادي عليّ أكيلي
وما أنا للشيء الذّي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقئول
قال أبو علي: النّدب: الأثر، وجمعه ندوب وأندابٌ، والأظّل: باطن خفّ البعير.
قال أبو علي وأنشدنا أبو بكر رحمه اللّه قال أنشدنا أبو عثمان عن التّوزي عن أبي عبيدة لعروة ابن الورد:
لا تشتمنّي يا بن ورد فإننّي ... تعود على مالي الحقوق العوائد
ومن يؤثر الحقّ النّدوب تكن به ... خصاصة جسم وهو طيّان ماجد
وإني امرؤٌ عافي إنائي شركةٌ ... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
أقسّم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ ... وأحسو قراح الماء والماء البارد
قال وأنشدنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة:
أخط مع الدّهر إذا ما خطا ... وأجر مع الدّهر كما يجري
من سابق الدهر كبا كبوةً ... لم يستلقها من خطا الدّهر
" ما أنشده بعض الأعراب في وصف النار " وأنشد أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة وأبو بكر بد دريد وأبو الحسين لأعرابي في وصف النار:
رأيت بحزن عزّة ضوء نارٍ ... تلألأ وهي واضحة المكان
فشبّه صاحباي بها سهيلاً ... فقلت تبيّناً ما تبصران
أنارٌ أوقدت لتنوّراها ... بدت لكما أم الرق اليماني
كأن النار يقطع من سناها ... بنائق جبّةٍ من أرجوان
وقرأت على أبي بكر لكثير:
رأيت وأصحابي بأيلة موهناً ... وقد غاب نجم الفرقد المتصوّب
لعزّة ناراً ما تبوح كأنها ... إذا ما رمقناها من البعد كوكب
قال أبو علي: تبوخ: تخمد.
قال وقرأت على أبي بكر للشّماخ ويقال إنها لرجل من بني فزارة:
رأيت وقد أتى نجران دوني ... ليالي دون أرحلنا السّدير
لليلى بالعنيزة ضوء نارٍ ... تلوح كأنها الشّعرى العبور
إذا ما قلت أخمدها زهاها ... سواد الليل والريح الدّبور
وما كادت ولو رفعت سناها ... ليبصر ضوءها إلا البصير
فبتُّ كأنني باكرت صرفاً ... معتّقةً حميّاها تدور
أقول لصاحبي هل يبلغنّي ... إلى ليلى التهجّر والبكور
وقرأت عليه لجميل:
أكذبت طرفي أم رأيت بذي الغضا ... لبثنة ناراً فاحبسوا أيها الرّكب
إلى ضوء نارٍ في القتال كأنها ... من البعد والأهوال جيب بها نقب
وما خفيت منّي لدن شبّ ضوءها ... وما همّ حتى أصبحت ضوءها يخبو
وقال صحابي ما ترى ضوء نارها ... ولكن عجلت واستناع بك الخطب
فكيف مع المحراج أبصرت نارها ... وكيف مع الرّمل المنطّقة الهضب
قال أبو علي: الإستناعة: التقدّم. والمحراج: موضع وأنشد بعض أصحابنا:
كأنّ نيراننا في رأس قلعتهم ... مصقّلات على أرسان قصّار
وأنشد أبو بكر عن بعض أشياخه عن الأصمعي:
وإني بنارٍأوقدت عند ذي الحمى ... على ما بعيني من قذّى لبصير
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر الأنباري رحمه اللّه قال حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن الزبير عن شيخ قال حدّثني رجل من الخضر بالسّغد - وهو موضع - قال: جاءنا نصيب إلى مسجدنا فاستنشدته فأنشدنا:
إلا يا عقاب الوكر وكر ضريّةٍ ... سقتك الغوادي من عقابٍ ومن وكر
تمرّ الليالي والشهور ولا أرى ... مرور الليالي منسياتي ابنة العمر
تقول صلينا واهجرينا وقد ترى ... إذا هجرت أن لا وصال مع الهجر
فلم أرض ما قالت ولم أبد سخطةً ... وضاق بما جمجمت من حبّها صدري
ظللت بذي دروان أنشد بكرتي ... ومالي عليها من قلوصٍ ولا بكر
وما أنشد الرّعيان إلا تعلّةً ... بواضحة الأنياب طيّبة النّشر
فقال لي الرّعيان لم تلتبس بنا ... فقلت بلى قد كنت منها على ذكر
وقد ذكرت لي بالكثيب مؤالفاً ... قلاص سليم أو قلاص بني وبر
فقال فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريقٌ قال ويلك ما ندري
قال أبو علي أنشدنا أبو بكر بن دريد بعض هذه الأبيات:
فقال فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريق أيمن اللّه ما ندرى
أما الذّي حجّ الملبّون بيته ... وعظّم أيام الذبائح والنّحر
لقد زادني للجفر حبًّا وأهله ... ليالٍ أقامتهن ليلى على الجفر
فهل يأثمنّي اللّه في أن ذكرتها ... وعلّلت أصحابي بها ليلة النّفر
وسكّنت ما بي من سآمٍ ومن كرىً ... وما بالمطايا من جنوح ولا فتر
قال وقرأت على أبي عمر المطرّز قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال قال أبو زياد الكلابي: إذا إحتبس المطر إشتد البرد، فإذا مطر الناس كان للبرد بعد ذلك فرسخ أي سكون، وسمّي الفرسخ فرسخاً لأن صاحبه إذا مشى فيه استراح عنه وسكن.
قال وقرأت عليه قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العرب تقول: هذا أنتن من مرقات الغنم، والواحدة مرقة، والمرقة: صوف العجاف؛ والمرضى تمرق أي تنتف.
قال وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن أبي زيد للنّظّار الفقعسيّ:
فإن تر في بدني خفّةً ... فسوف تصادف حلمي رزينا
وتعجم ِّمني عند الحفاظ ... حصاةً تفلّ شبا العاجمينا
فايَّاك والبغي لا تستثر ... حديد النّيوب أطال الكمونا
ثوى تحمل السّمّ أنيابه ... وحالف لصباً منيعاً كنينا
رأته الحواة الألى جرّبوا ... فلا يبسطون إليه اليمينا
قال وقرأت على أبي بكر رحمه اللّه من كتابه قال قرأت على الرياشي للأعور الشّنّى. قال أبو علي ويقال إنها لابن خذّاق:
لقد علمت عميرة أنّ جاري ... إذا ضنّ المنمّي من عيالي
قال أبو علي قال أبو بكر: أنكر الرّياشي المنمّي، وقال: لعلّه حرف آخر، ويروى: المثمّر من عيالي. قال أبو علي: المثمّر والمنمّي واحد في المعنى لأنه يقال: نمى المال ينمى، ونمّيته أنا وأنميته.
فإنّي لا أضنّ على ابن عمّي ... بنصري في الخطوب ولا نوالي
ولست بقائلٍ قولاً لأحظى ... بقول لا يصدّقه فعالي
وما التّقصير قد علمت معدّ ... وأخلاق الدّنيّة من خلالي
وجدت أبي قد أورثه أبوه ... خلالاً قد تعدّ من المعالي
فأكرم ما تكون عليّ نفسي ... إذا ما قلّ في الأزمات مالي
فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... وتجمل عند أهل الرّأي حالي
وإن نلت الغنى لم أغل فيه ... ولم أخصص بجفوتي الموالى
ولم أقطع أخاً لأخٍ طريفٍ ... ولم يذمم لطرفته وصالي
وقد أصبحت لا أحتاج فيما ... بلوت من الأمور إلى سؤال
وذلك أننّي أدّبت نفسي ... وما حلت الرجال ذوي المحال
إذا المرء قصّر ثم مرّت ... عليه الأربعون من الرّجال
قال أبو علي قال أبو بكر قال الرياشي: الخوالي أشبه
فلم يلحق بصالحهم فدعه ... فليس بلاحقٍ أخرى اللّيالي
وليس بزائل ما عاش يوماً ... من الدنيا يحول على سفال
" الكلام على الإتباع " قال أبو علي: الإتباع على ضربين: فضرب يكون فيه الثاني بمعنى الأول فيؤتى به تأكيداً، لأن لفظه مخالفٌ للفظ الأول؛ وضرب فيه معنى الثاني غير معنى الأول؛ فمن الإتباع قولهم: " أسوان أتوان " في الحزن، فأسوان من قولهم: أسى الرجل يأسى أسىً إذا حزن، ورجل أسيان وأسوان أس حزين. وأتوان من قولهم: أتوته آتوه بمعنى أتيته آتيه وهي لغة لهذيل، قال قال خالد بن زهير:
يا قوم ما بال أبى ذؤيب ... كنت إذا أتوته من غيب
يشمّ عطفي ويمسُّ ثوبي ... كأننّي أربته بريب
ويقولون: ما أحسن أتويدي الناقة وأتى يديها، يعنون رجع يديها، فمعنى قولهم: أسوان أتوان حزينٌ متردّد يذهب ويجيء من شدة الحزن. ويقولون: عطشان نطشان، فنطشان مأهوذ من قولهم ما به نطيشٌ أي ما به حركة، فمعناه عطشان قلقٌ. ويقولون: خزيان سوآن، فسوآن مأخوذ من قولهم سوأةٌ سوآء أي أمر قبيح، ورجل أسوأ وامرأة سوآء إذا كانا قبيحين، وفي الحيث: " سوآء ولودٌ خيرٌ من حسناء عقيم " . ويقولون: شيطان ليطان، فليطان مأخوذ من قولهم لاط حبّه بقلبي يلوط ويليط أي لصق. ويقال: للولد في القلب لوطةٌ أي حبٌّ لازق. ويقولون: هو ألوط بقلبي منك وأليط أي ألزق، ويقال: ما يليط هذا بقلبي، وما يلتاط أي ما يلصق، ويقال: ألاط القاضي فلاناً بفلان أي ألحفه به، فمعنى قولهم: شيطان ليطانُ لصوقٌ. ويقولون هنيءٌ مريءٌ، وهو من قولهم هنأني الطعام ومرأني، فإذا أفردوا لم يقولوا إلا أمرأني، ولم يقولوا مرأني. ويقولون: عييٌّ شويٌّ، فالشوى مأخوذٌ من الشوى: وهو رذال المال ورديئته، وقال الشاعر:
أكلنا الشّوى حتّى إذا لم ندع شوىً ... أشرنا إلى خيراتها بالأصابع
فمعناه عييٌّ رذلٌ، ويمكن أن يكون مأخوذاً من الشويّة وهي بقيّة قوم هلكوا، وجمهعا شوايا، حدّثني بهذا أبو بكر بن دريد وأنشدني:
فهم شّر الشّوايا من ثمودٍ ... وعوف شرّ منتعلٍ وحافي
ويقولون: عييّ شيءٌّ، وشيءّ أصله شويّ، ولكنه أجرى على لفظ الأوّل ليكون مثله في البناء.
ويقولون: عريض أريض، فالأريض: الخليق للخير الجيد البنات، ويقال: أرض أريضة، قال الشاعر:
بلاد عريضة وأرض أريضة ... مدافع غيثٍ في فضاء عريض
ويقولون: غنيّ مليّ، وهو بمعنى غنيّ. ويقولون: خبيث نبيث، فالنبيث يمكن أن يكون الذي ينبث شّره أي يظهره، أو يكون الذي ينبث أمور الناس أي يستخرجها، وهو مأخوذ من قولهم: نبثت البئر أنبثها إذا أخرجت نبيثتها وهو ترابها، وكان قياسه أن يقول: خبيث نابث، فقيل: نبيث لمجاورته لخبيث. ويقولون: خبيث مجيث، كذا حكاه ابن الأعرابي بالميم، وأحسبه لغةً في نجيث أبدل من النون ميماً وفعل به ما فعل بنبيث لما كان في معناها. ويقولون: خفيف ذفيف، والذّفيف: السريع، ومنه سمّي الرجل ذفافة، ويقال: ذفّف على الجريح إذا أجهز عليه. ويقولون: قسيم وسيم، فالقسيم: الجميل الحسن، يقال: رجل قسيم وامراة قسيمة، والقسام: الحسن والجمال، وأنشد يعقوب:
يسنّ على مراغمها القسام
وقال العجّاج: " وربّ هذا البلد المقسّم " أي المحسّن، وقال الشاعر:
ويوماً توافينا بوجهٍ مقسّمٍ ... كأن ظبيى تعطو إلى وارق السّلم
أي محسّن، والوسيم: الحسن الجميل، يقال: رجل وسيم وامراة وسيمة، والميسم: الحسن والجمال، قال الشاعر:
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسبٍ وميسم
ويقولون: قبيح شقيح، فالشّقيح مأخوذ من قولهم شقّح البسر إذا تغيّرت خضرته بحمرة أو صفرة، وهو حينئذ أقبح ما يكون، وتلك البسرة تسّمى شقحةً، وحينئذ يقال: أشقح النخل، فمعنى قولهم: قبيح شقيح متناهى القبح، ويمكن أن يكون بمعنى مشقوح من قول العرب: لأشقحنّك شقح الجوز بالجندل أي لأكسرنّك، فيكون معناه قبيحاً مكسوراً، وقال الحياني: شقيح لقيح، فالشّقيح هاهنا المكسور على ما ذكرنا، والّلقيح مأخوذ من قولهم لقحت الناقة، ولقح الشجر، ولقحت الحرب، فمعناه مكسور حامل للشرّ، قال وحكي عن يونس: شقيح نبيح، فالنبيح مأخوذ من النّباح ومعناه مكسور كثير الكلام. ويقولون: كثيرُ بثيرُ، فالبثير هو الكثير مأخوذ من قولهم: ماء بثر أي كثير، فقالوا بثيرب لموضع كثير، كما قالوا: مهرة مأمورة، وسكّة مأبورة. وإنّي لآتية بالغدليا والعشايا. ويقولون: كثير بذير، فالبذير: المبذور وهو المفرّق. ويقولون: كثير بجيرٌ، فالبجير لغة في البجيل، وهو العظيم، كما قالوا: وجلت منه ووجرت منه. ويقولون بذير عفير، والبذير: المبذور، والعفير: المفرق في العفر وهو التراب، أو المجعول في العفر. ويقولون: ضئيل بئيل. فالبئيل هو الضئيل.
قال أبو زيد: بؤل الرجل يبؤل بآلة إذا ضؤل. ويقولون: جديدٌ قشيبٌ، فالقشيب: الجديد ويقولون: شحيح نحيح، فالنحيح: الذي إذا سئل عن الشيء تنحنح من لؤمه. ويقولون: سليخ مليخ، للذي لا طعم له، قال الشاعر:
سليخ مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلوٌ ولا أنت مرُّ
فالسّليخ: المسلوخ الطعم، والمليخ المملوخ وهو المنزوع الطعم، مأخوذ من قولهم: ملخت اللّحم من فم الدابة، وملخت اليربوع من الحجر، وملخت قضيباً من الشجرة إذا نزعته نزعاً سهلاً، والملخ في السيّر: السّل منه. ويقولون: فقيرٌ وقيرٌ، فالوقير: الموقور، من قولهم: وقرت العظم أقره، والوقرة: الهزمة في العظم، أنشدنا أبو بكر بن دريد:
رأوا وقرةً في العظم منّي فبادروا ... بها وعيها لما رأوني أخيمها
الوعى: أن يننجبر العظم على غير استواء، والوعى: أيضاً القيح والمدّة، يقال: وعى الجرح يعي وعياً إذا سال منه القيح والمدّة، والقول الثاني لأبي زيد، وأنشد:
كأنما كسّرت سواعده ... ثم وعى جبرها فما التأما
وأخيمها: أجبن عنها، يقال: خام إذا جبن. ويقولون: مليح قزيح، وأصل هذين الحرفين في الطعام، فالقزيح: المقزوح، والمقزوح: الذي فيه الأقزاح، والأقزاح: الأبزار، واحدها قزحٌ، ومليح بمعنى مملوح من قولهم: ملحت القدر أملحها إذا جعلت فيها الملح بقدرٍ، فمعنى قولهم مليح قزيح: كامل الحسن لأن كمال طيب القدر أن تكون مقزوحةً مملوحةً. ويقولون: مضيعٌ مسيعُ، والإساعة: الإضاعة، وناقة مسياعٌ إذا كانت تصبر على الإضاعة و الجفاء، ومعنى أساع ألقى في السّياع وهو الطين، قال القطامي: " كما بطّنت بالفدن السّياعا "
والأصل فيه ما أنبأتك، ثم كثر حتى قيل لكلّ مضياعٍ: مسياعٌ، ولكل مضيعٍ: مسيعٌ. ويقولون: وحيدٌ قحيد، وواحدٌ قاحدٌ، وهو من قولهم: قحدت الناقة اذا عظم سنامها، والقحدو: السَّنام، ويقال أقحدت أيضاً، أنه واحد عظيم القدر والشأن في شيء واحد خاصة. ويقولون: أشر أفر، فالأشر: البطر المرح، وكذلك الأفر عند ابن الأعرابيّ، فأما الأفر والأفور فالعدو، يقال: أفر يأفر أفراً. ويقولون: هذر مذر، فالهذر: الكثير الكلام، والمذر: الفاسد مأخوذ من قولهم:مذرت البيضة تمذر مذراً اذا فسدت، ومذرت معدته أيضاً. ويقولون: لحز لصب، فاللحز: البخيل، واللصب: الذي لزم ما عنده، مأخوذ من قولهم: لصب الجلد باللحم يلصب لصباً اذا لصق به من الهزال، وقال أبو بكر بن دريد: لصب السَّيف يلصب لصباً اذا تشب في جفنه فلم يخرج. ويقولون: حقرٌ نقرٌ، وحقيرٌ نقرٌ، وأصل هذا في الغنم والبقر، فالنقّر: الذي به النقّرة، وهو داء يأخذ الشاة في شاكلتها ومؤخر فخديها، فيثقب عرقوبها ويدخل فيه خيط من عهن ويترك معلقاً، وإذا كانت الشاة كذلك كانت هيّنة على أهلها، قال المرّار العدويّ:
وحشوت الغيظ في أضلاعه ... فهو يمشي حظلاناً كالنّقر
الحظلان: أن يمشي رويداً ويظلع، ويقال: قد حظلت تحظل حظلاً إذا ظلعت، وقال ابن الأعرابي: شاة حظولٌ إذا ورم ضرعها من علّة فمشت رويداً وظلعت، وأصل الحظل المنع، وأنشد يعقوب:
تعيّرني الحظلان أمّ محلمٍ ... فقلت لها لم تقذفيني بدائياً
فإني رأيت الصّامرين متاعهم ... يذمّ ويفنى فارضخي من وعائيا
فلن تجديني في المعيشة عاجزاً ... ولا حصرماً خبّا شديداً وكائيا
الصامرين: المانعين الباخلين، يقال: صمر يصمر صموراً إذا بخل. والحصرم: البخيل أيضاً، وأصل الحصرمة شدّة الفتل، يقال: حصرم حبله وحصرم قوسه إذا شدّ وترها. ويقال: حظلت عليه، وحجرت عليه، وحصرت عليه، وقال يعقوب: الحظلان: مشى الغضبان. وقال يعقوب: قال الغنويّ: عنز نقرةٌ، وتيسنقر، ولم أر: كبشاً نقراً، وهو ظلع يأخذ الغنم، ثم قيل لكل حقير متهاون به: حقر نقر، وحقير نقير، وحقر نقر، ويجوز أن يراد به النقير الذي في النواة ، فيكون معناه حقيرا متناهياً والمذهب الوّل أجود. ويقولون: ذهب دمه خضراً مضراً، أي باطلاً، فالخضر: الأخضر، ويقال: مكان خضر، ويمكن أن يكون مضرلغة في نضر، ويكون معنى الكلام أن دمه بطل كما يبطل الكلأ الذي يحصده كل من قدر عليه، ويمكن أن يكون خضر من قولهم: عشب أخضر اذا كان رطباً، ومضر: أبيض لأن المضر، إنما سمي مضراً لبياضه، ومنه مضيرة الطبيخ، فيكون معناه أن دمه بطل طرياً، فكأنه لما لم يثأر به فيراق لأجله الدم بقي أبيض، وقال بعض اللغويين: الخضرة بقيلة، وجمعها خضر، وأنشد فيه بيتاً لابن مقبل:
تقتادها فرج ملبونة خنف ... ينفخن في برعم الحوذان والخضر
ويقولون: شكس لكس، فالشكس: السَّيَّىء الخلق، واللَّكس: العسير. ويقولون: رطب صقر مقر، فالصَّقر: الكثير الصَّقر، وصقره: عسله، والمقر: المنقوع في العسل ليبقى، وكل شيءأنقعته في شيء فقد مقرته وهو ممقور ومقير، ومنه السمك الممقور وهو الذي قد أنقع في الخل، ويقولون: سغل وغل، قال: السَّغل: المضطرب الأعضاء السيء الخلق، كذا قال الأصمعي؛ وقال غيره: السَّغل: السَّيء الغذاء، فأما الوغل: فالسَّيء الغذاء لا أعرف فيه اختلافاً، والوغل في قول أبي زيد: المقصِّر، وفي قول الأصمعي: الداخل في قوم ليس منهم. ويقولون: سمج لمج، فاللَمج: الكثير الأكل الذي يلمج كلَّ ما وجده أي يأكله، قال لبيد:
يلمج البارض لمجاً في النَّدى ... من مرابيع رياض ورجل
ويقولون: ثقف لقف، وثقف لقف، واللَّقف: الجيَّد الالتقاف. ويقولن: وتح شقن، ووتح شقن، ووتيح شقين. فالوتح: القليل والشَّقن مثله، وتحت عطّيته، وشقنت وأشقنتها أنا. ويقولون: عابس كابس، فالعابس من عبوس الوجه، وكابس يكبس. ويقولون: حائر بائر، فالحائر: المتحيّر، والبائر: الهالك، والبوار: الهلاك، وقال أبو عبيدة: رجل بائر وبور بضم الباء أي هالك، قال ابن الزّبعري:
يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت اذ أنا بور
ويكون البائر الكاسد، من قولهم: بارت السّوق اذاكسدت. ويقولون: حاذق باذق، فباذق يمكن أن يكونلغة في باثق، كما قالوا: قرب حثحاث وحذحاذ، ونبيثة ونبيذةلتراب البئر، فكأن الأصل واللّه أعلم أن رجلاً سقى فأجاد وأكثر، فقيل: حاذق باذق أي حاذق بالسقي، باثق للماء يقولون: حارّيارّ، وحرّان يرّان، وحارّ جارّ، فالجارّ: الذي يجرّ الشيء الذي يصيبه من شدّة حرارته، كأنه ينزعه ويسلخه مثل اللحم اذا أصابه أو ما أشبه، ويمكن أن يكون جارّ لغة في يارّ، كما قالوا: الصّهاريح الصّهارىّ، وصهريح وصهرى، وصهرى لغة تميم. وكما قالوا: شيرة للشجرة وحقّروه فقالوا: شيرة، قال الرياشي: قال أبو زيد: كنا يوماً عند المفضّل وعنده الأعراب فقلت: أيّهم يقول شيرة؟ فقالوها، فقلت له قل لهم يحقّرونها، فقالوا: شييرة. وحدّثني أبو بكر بن دريد قال حدّثني أبو حاتم قال سمعت أمّ الهيثم تقول: شيرة ، وأنشدت:
اذا لم يكن فيكنّ ظلّ ولا جنيً ... فأبعد كنّ واللّه من شيرات
فقلت: يا أم الهيثم صغّيريها، فقالت: شييرة، ويمكن أن يكونوا أبدل من الحاء هاء، كما قالوا: مدحته ومدهته، والمدح والمده، ثم أبدلوا من الهاء ياء، كما أبدلوا في هذه وهذي، وهذا الإبدال قليل في كلامهم، فقد حكى الرّؤاسيّ عن العرب أنهم يقولون: باقلاء هارّ، ويقولون: خاسر دابر، وخاسر دامر، وخسر دمر، وخسر دبر، فالدابر يمكن أن يكون لغة في الدامر وهو الهالك، ويمكن أن يكون الدابر الذي يدبر الأمر أي يتبعه ويطلبه بعد ما فات وأدبر، ومنه قيل لهذا الكوكب الذي بعد الثّريّا: الدّبران، لأنه يدبرالثريا، ومنه الرأي الدّبريّ، وهو الذي لا يأتي الا عن دبر، يقال: فلان لا يأتي الصلاة الا دبرياًّ أي في آخرها، ويمكن أن يكون الدابر الماضي الذاهب، كما قال الشاعر:
وأبى الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدةً كأمس الدابر
أي الذاهب الماضي: ويقولون: ضالُّ تالُّ، فالتالُّ: الذي يتلُّ صاحبه أي يصرعه، كأنه يغويه فيلقيه في هلكة لا ينجو منها، ومنه قوله عز وجل: " وتلّه للجبين " . وقال أبو بكر بن دريد: كل شيء ألقيته على الأرض مما له جثَّة فقد تللته، ومنه سمَّي التَّلُّ من التراب، وقال بعض أهل العلم: رمح متلّ إنما هو مفعلُ من التَّلَّ، وأنشد:
فرّ ابن قهوسٍ الشُّجا ... ع بكفّه رمح متلّ
يعدو به خاظى البض ... يع كأنّه سمع أزلّ
الخاظي: الكثير اللحم، والبضيع: اللحم. ويقولون: جائعٌ نائعٌ: فالنائع فيه وجهان: يكون المتمايل، أنشد بو بكر بن دريد: " مثاله مثل القضيب النائع " ويكون العطشان. وقأت على أحمد بن عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة عن أبيه:
لعمر بني شهابٍ ما أقاموا ... صدور الخيل والأسل النّياعا
يعني الرّماح العطاش. ويقولون: سادمٌ نادمٌ، فالسادم: المهموم، ويقال: الحزين، ويقال: السّدم: الغضب مع همّ، ويقال: غيظ مع حزن. ويقولون: تافهٌ نافهٌ، فالتافه: القليل، والنافه: الذي يعي صاحبه، أنشد أبو زيد:
ولن أعود بعدها كريّاً ... أمارس الكهلة والصّبيا
" والعزب المنفّه الأميّا " وقال: الأميّ: العي القليل الكلام. والمنفّه: الذي قد نفّهه السّير أي أعياه، ويكون النافه المعيي في نفسه. ويقولون: أحمق تاكٌ وفاكٌ، فتاكٌ من قولهم: تكَّ الشيء يتكّه تكاً إذا وطئه حتى يشدخه، ولا يكون ذلك الشيء إلا ليناً مثل الرّطب والبطّيخ وما أشبهما؛ والأحمق مولع بوطء أمثالهما؛ وفاكٌ: من الفكّة وهو الضّعف، قال الشاعر:
الحزم والقوة خيرٌ من الإ ... دهان والفكّة والهاع
وقال ابن الأعرابي: شيخ تاكٌ وفاكٌ، فمعناه أن الشيخ لضعفه إذا وطئ لم يقدر أن يشدخ غير الشيء اللّين، وفاك: هرمٌ، وقد فكّ يفكّ فكاً وفكوكاً فهو فاكّ، ويقال: عنز فاكّة، ونعجة فاكّة. ويقولون: سائغٌ لائغٌ، وسيغٌ ليغٌ، فاللائغ: الذي لا يتبيّن نزوله في الحلق من سهولته، وقال أبو عمرو: الأليغ: الذي لا يبيّن الكلام، وامرأة ليغاء، فأصلها من لاغ يليغ، وإن كان لم يصل إلى الآخر لاغ ويليغ. ويقولون: مائقٌ دائقٌ، فالدّائق: الهالك حمقاً، كذا قال أبو زيد، فأما الدانق بالنون فالساقط المهزول من الرجال، كذا قال أبو عمرو، وأنشد:
إنّ ذوات الدّلّ والبخانق ... قتلن كلّ وامقٍ وعاشقٍ
" حتّى تراه كالسّليم الدّانق " قال أبو علي: البخانق: البراقع الصّغار، واحدها بخنقٌ. ويقولون: عكٌّ أكٌّ، فالعكُّ والعكّة والعيكك: شدّة الحّر، والأكّ والأكة: الحرّ المحتدم، يقال: يوم ذوأكٍّ، والأكُّ أيضاً: الضيق.
قال رؤبة:
تفرّجت أكّاته وغممه ... عن مسثيرٍ لا يردُّ قسمه
ويقال: أكّه يؤكّه أكّاً إذا زحمه، والزّحام: تضييق. ويقولون: كزٌّلزُّ، فاللّزُّ: اللاصق بالشيء من قولهم: لززت الشيء بالشيء إذا ألصقته به وقرنته إليه، والعرب تقول: هو لزاز شرٍّ، ولزيز شرٍّ، ولزّشرٍّ. ويقولون: فدم لدم، فالفدم: العيّ البليد، ويقال: الجبان، واللّدم: الملدوم وهو الملطوم، كما قالوا: ماء سكب أي مسكوب، ودرهم ضرب أي مضروب، أبدلت الطاء دالاً لتشاكل الكلام. ويقولون: رغماً دغماً شنّغماً، فالدّغم والدّغمة: أن يكون وجه الدابة وجحافلها تضرب إلى السواد ويكون وجهها مما بلى جحافلها أشدّ سواداً من سائر جسدها، فكأنه قال: أرغمه اللّه وسوّد وجهه، ويمكن أن يكون الدّغم: الدّخول في الأرض، فيكون من قولهم: أدغمت الحرف في الحرف، وأدغمت اللجام في فم الفرس، فأما شنّغم فلا أعرف له اشتقاقاً، وسألت عنه جميع شيوخنا فلم أجد أحداً يعرفه، وقد ذكره سيبويه في الأبنية، وكان مشايخنا يزعمون أن كثيراً من أهل النحو صحّف في هذا الحرف في كتاب سيبويه، فقال: شنّعم بالعين غير المعجمة، والذي روى ذلك له وجه من الإشتقاق وهو أن تعجل الميم زائدة، كما أنها في زرقمٍ وستهمٍ وجلهمةٍ، ويكون اشتقاقه من الشّناعة كأنه قال: أرغمه اللّه وأدغمه اللّه وشنّع به. ويقولون: فعلت ذلك على رغمه وشنعه. ويقولون: رطبٌ ثعدٌ معدٌ، فالثّعد: اللّين، والمعد: الكثير اللحم الغليظ، وكان أبو بكر بن دريد يقول: اشتقاق المعدة من هذا، ويمكن أن يكون المعد الممعود وهو المنزوع المأخوذ، فأقيم المصدر مقام المفعول، كما قالوا: هذا درهم ضرب الأمير أي مضروب الأمير، ويكون من قولهم: معدت الشيء إذا نزعته واقتلعته. ويقولون: مررت بالرمح وهو مركوز فامتعدته فيكون معناه على هذا رطبٌ ليّن منزوع من الشجرة لوقته. ويقولون: أحمق بلغٌ ملغٌ، قال أبو زيد: البلغ: الذي يسقط في كلامه كثيرا، وقال ابن الأعرابي: يقال: بلغٌ وبلغٌ، وقال أبو عبيدة: البلغ: البليغ بفتح الباء، وقال غيره: البلغ والبلغ: الذي يبلغ ما يريد من قول أو فعل. والملغ: الذي لا يبالي ما قال وما قيل له، هكذا قال أبو زيد، وقال أبو عبيدة: الملغ: الشاطر. وأبو مهديّ الأعرابيّ هو الذي سمّي عطاءً ملغاً. ويقولون: حسنٌ بسنٌ، قال أبو علي: يجوز أن تكون النون في بسنٍ زائدة، كما زادوافي قولهم: امرأة خلبنٌ وهي الخّلابة، وناقة علجن من التّعلّج وهو الغلظ. وامرأة سمعنّة نظرنّة وسمعنّة نظرنّة إذا كانت كثيرة النظر والاستماع، فكان الأصل في بسنٍ بسًّا، وبسّ مصدر بسست السّويق أبسّه بسًّا فهو مبسوس اذا لتتّه بسمن أو زيت ليكمل طيبه، فوضع البّس موضع المبسوس وهو المصدر، كما قلت: هذا درهم ضرب الأمير تريد مضروبه، ثم حذفت إحدى السّينين وزيد فيه النون وبني على مثال حسن، فمعناه حسن كامل الحسن، وأحسن من هذا المذهب الذي ذكرناه أن تكون النون بدلاً من حرف التضعيف، لأن حروف التضعيف تبدل منها الياء مثل تظنّيت وتقضّيت وأشباهما مما قد مضى، فلما كانت النون من حروف الزيادة كما أن الياء من حروف الزيادة، وكانت من حروف البدل كما أنها من حروف البدل، أبدلت من السين إذ مذهبهم في الإتباع أن تكون أواخر الكلم على لفظ واحد، مثل القوافي والسّجع ولتكون مثل حسنٍ. ويقولون: حسن قسن، فعمل بقسن ما عمل ببسن على ما ذكرنا، والقسّن: تتبّع الشيء وطلبه، فكأنه حسن مقسوس أي متبوع مطلوب. ومن الإتباع قولهم: لحمه خطا، وبظا بمعنى خظا وهو كثرة اللحم، ويقولون: بظا يبظو اذا كثر لحمه، فأما قول الرجل لأبي الأسود: خظيت وبظيت فيمكن أن يكون من هذا أي زادت عنده. وسئل ابن الأعرابي عن قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: " الصّدوق يعطى ثلاث خصال الهيبة والملحة والمحبّة " فقال: يمكن أن تكون الملحة من قوله: تملّحت الإبل إذا سمنت، فكأنه يعطى الزيادة والفضل. ويقولون: أجمعون أكتعون، فأكتعون بمعنى أجمعين. وقال أبو بكر بن دريد: كتع الرجل إذا تقبّض وإنضمّ، قال: ويقال: كتع كتعاً إذا شمّر في أمره، فيجوز أن يكون جاءوا أجمعين منضمّين بعضهم إلى بعض. ويقولون: أجمعون أبصعون، فأبصعون من قولهم: تبصّع العرق إذا سال ورشح، وقد روى بيت أبي ذؤيب: " إّلا الحميم فإنه يتبصّع "
أي يسيل سيلاناً لا ينقطع، فكأنه قال: أجمعون متتابعون لا ينقطع بعضهم عن بعض كالشيء السائل. ويقولون: ضيّقُُ ليّقُُ، فالضّيّق: الّلاصق لما تضمّته من ضيق، واللّيّق مأخوذ من قولهم: لاقت الدّواة إذا إلتصقت. ولاقت المرأة عند زوجها أي لصقت بقلبه. قال الأصمعي: ولا أعرف: ضيّق وعيّق. قال أبو علي: فإن قيل: ضيّق عيّق فهو صواب، لأنهم يقولون: ما لاقت المرأة عند زوجها ولا عاقت أي لم تلصق بقلبه. ويقال: عفريتٌ نفريتٌ، وعفرية ونفرية، فعفريت فعليتٌ من العفر، يريدون به شدّة العفارة، ويمكن أن يكون عفريت فعليتاً من العفر وهو التراب، وكأنه شديد التعفير لغيره أي التّمريغ له؛ ونفريتٌ فعليتٌ من النّفور، يمكن أن يكونوا أرادوا شديد النفور، ويمكن أن يكونوا أرادوا شدة التنفير لغيره. ويقال: إنه لمعفتٌ ملفتٌ، فالمعفت: الذي يعفت الشيء أي يدقّه ويكسره، يقال: عفت عظمه إذا كسره، والملفت مثله في المعنى، يقال: ألفت عظمه إذا كسره؛ ويجوز أن يكون الملفت الذي يلفت الشيء أي يلويه، يقال: لفتّ ردائي على عنقي، وأنشد أبو بكر بن دريد: " أسرع من لفت رداء المرتدي " يقال: لقتّ الشيء إذا عصدته، وكلّ معصودٍ ملفوتٌ، ومنه اللفيتة وهي العصيدة، والعصد: الّليّ. ويقولون: سبحلٌ ربحلٌ، فالسّبحل: الضخم، ويقال: سقاء سبحلٌ وسحبلٌ وسبحللٌ؛ قال الأصمعي: ونعتت امرأة من العرب ابنتها فقالت:
سبحلة ربحلة ... نبات النّخلة
وقال أبو زيد: الرّبحلة: العظيمة الجيدة الخلق في طو . وقيل لابنة الخسّ: أيّ الإبل خير، فقالت: السّبحل الرّبحل، الراحلة الفحل. والرّبحل مثل السّبحل في المعنى، ومنه قول عبد المطلب لسيفٍ:
وملكاً ربحلاً ... يعطي عطاءاً جزلاً
يريد ملكاً عظيماً. ويقولون في صفة الذئب: سملّع هملّع، والهملّع: السريع، وكذلك السّملّع؛ أنشدني أبو بكر بن دريد لبعض الرّجاز:
مثلي لا يحسن قول فع فع ... والشّاة لا تمشي على الهملّع
تمشي: تنمى. قال: والفعفعة: زجر من زجر الغنم. ويقولون هو لك أبداً سمداً سرمداً، ومعناها كلها واحد قال وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي قال: سمعت أعرابياً يذمّ مدينةً دخلها وهو يقول: نزلت بذلك الوادي، فإذا ثياب أحرارٍ على أجساد عبيد، إقبال حظّهم، إدبار حظ الكرام.
" سؤال بعض نساء العرب عن آبائهن وشرح وصفهن لهم " قال وحدثنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدّثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: أغار إلى قوم من العرب فقتل منهم عدّة نفر وأفلت منهم رجل، فتعجّل إلى الحيّ فلقيه ثلاث نسوة يسألن عن آبائهن فقال: لتصف كلّ وحداة منكن أباها على ما كان، فقلت إحداهن: كان أبي على شقّاء مقّاء، طويلة الأنقاء؛ تمطق أنثياها بالعرق، تمطق الشّيخ بالمرق، فقال: نجا أبوك. فقالت الأخرى: كان أبي على طويلٍ ظهرها، شديدٍ أسرها، هاديها شطرها، فقال: نجا أبوك. فقالت الأخرى: كان أبي على كزّةٍ أنوح، يرويها لبن اللّقوح، قال: قتل أبوك. فلما انصرف الفلّ أصابوا الأمر كما ذكر.
قال أبو علي: الشّقاء: الطويلة، وكذلك المقّاء، والمقق: الطّول، ورجل أشقّ وأمقّ إذا كان طويلاً. والنّقى: كل عظم فيه مخّ، وجمعه أتقاء، والتّمطق: التّذوّق وهو أن يطبق إحدى الشّقتين على الأخرى مع صوت يكون بينهما، والأسر: الخلق، قال اللّه عز وجل: " وشددنا أسرهم " والهادي: العنق. والأنوح: الكثير الزّجير في جريه، يقال منه: أنح يأنح أنوحاً، وهو ذمّ في الخيل، أنشد يعقوب:
جرى ابن ليلى جرية السّبوح ... جرية لاوانٍ ولا أنوح
قال وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبو العباس لقيس بن ذريح:
وفي عروة العذرىّ إن متُّ أسوةٌ ... وعمرو بن عجلان الذي قتلت هند
وبي مثل ما ماتا به غير أنني ... إلى أجلٍ لم يأتني وقته بعد
هل الحبّ إلا عبرةٌ بعد عبرةٍ ... وحرٌّ على الأحشاء ليس له برد
وفيض دموع العين ياليل كلّما ... بدا علمٌ من أرضكم لم يكن يبدو
قال وأنشدنا أبو بكر بن محمد بن السّريّ السّرّاج قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي ليزيد المهلبي:
لا تخافي إن غبت أن نتناسا ... ك ولا إن وصلتنا أن نملا
إن تغيبي عنّا فسقياً ورعياً ... أو تحلّى فينا فأهلاً وسهلاً
" جملة من أمثال العرب " قال أبو علي قال أبو زيد: من أمثال العرب: " للأفشنّك فشّ الوطب " يقوله الرجل للاخر إذا رآه منتفخاً من الغضب أي لأذهبن إنتفاخك، يقال: فششت الوطب أفشّه فشًّا إذا حللت وكاءه وهو منفوخ فيخرج منه ما فيه من الريح. وقال الأصمعي من أمثالهم: " هما كعكمى عيرٍ " يقال للشيئين المستويين، ويقال: " هما كركبتي البعير " وهو مثله، ويقال: " سواسية كأسنان الحمار " مثله، وسواسية: مستوون، ولم يعرف الأصمعي لسواسية واحدا. ويقال: " هم كأسنان المشط " .
قال اللحياني: يقال: إنتقع لونه، وإستفع لونه من السّفعة وهي السّواد، واهتقع لونه، والتمع لونه،والتمى لونه، وإستقع لونه، والتقع، وإستنقع، وإبتسر، والتهم، وإنتسف، وإنتشف.
" ما يقال في الدعاء على الإنسان " وقال اللحياني: ويقال في الدعاء على الإنسان: ماله عبر وسهر، وحرب وجرب ورجل، قال: ورجل من الرّجلة؛ قال أبو علي: وعبر من العبرة، وحرب من الحرب، والحرب: السّلب، وكان أبو بكر بن دريد يقول: إشتقاق الحرب من الحرب. وقال اللحياني يقال: آم وعام، فآم: ماتت امراته. قال أبو علي: وعام: إشتهى اللّبن، يراد بذلك ذهبت إبله وغنمه فعام إلى اللبن. قال: ويقال: ماله مال وعال، فمال: جار، وعال: إفتقر. ويقال: ماله شرب بلزنٍ ضاحٍ أي في ضيقٍ مع حرّ الشمس. قال أبو علي: اللّزن: الضّيق. والضاحى: البارز للشمس الذي لا يستره شيء. قال ويقال: ماله أحرّ اللّه صداه أي أعطش الّه هامته. قال أبو علي: ومضى هذا الكلام أي قتل فلم يثأر به لأن العرب تزعم أن القتيل يخرج من هامته طائر يسمّى الهامة فلا يزال يصيح على قبره: إسقوني إسقوني حتى يقتل قاتله، ومنه قول ذي الأصبع العدواني:
يا عمرو إلاّ تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة إسقوني
يعني رأسه. ويقولون: ماله أبلاه اللّه بالحرّة تحت القرّة أي العطش والبرد. قال أبو علي: الحرّة: حرارة الجوف من العطش، قال الشاعر:
ما كان من سوقةٍ أسقى على ظمأ ... ماءً بخمرٍ إذا ناجودها بردا
من ابن مامة كعبٍ ثم عيّ به ... زوّ المنية إّلا حّرةً وقدى
قال أبو علي: يريد عيى به. والزّوّ: الهلاك. قال: ويقولون: ماله وراه اللّه، والورى: سعالٌ يقىء منه دماً وقيحاً. والعرب تقول للبغيض إذا سعل: ورياً وقحاباً، فالقحاب: السعال. وللحبيب إذا عطس: عمراً وشباباً. قال أبو علي: الورى مصدر، والورى الاسم؛ قال اللحياني: وحكى عن أبي جعفر قال: العرب تقول: بقيه لبرى - وهو التراب - وحّمى خبيراً - أي خبير - فإنه خسيراً أي ذو خسر.
" وصف أكرم الإبل " قال وحدثنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدّثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: قيل لإمرأة من العرب: أيُّ الإبل أكرم؟ قالت: السريعة الدّرّة، الصبور تحت القرّة، التي يكرمها أهلها إكرام الفتاة الحّرة. قالت الأخرى: نعمت الناقة هذه، وغيرها أكرم منها، قيل: وما هي؟ قالت: الهموم والرّموم، القطوع للدّيموم، التي ترعى وتسوم، أي لا يمنعها مرّها وسرعتها أن تأخذ؛ والرّموم: التي لا تبقي شيئاً، والهموم: الغزيرة.
" وصف سعيد بن العاص لنفسه " قال وحدثنا أبو عبد اللّه قال حدّثنا أحمد بن يحيى قال: قال سعيد بن العاص: ما شتمت رجلاً مذ كنت رجلاً، ولا زاحمته بركبتي، ولا كلّفت ذا مسئلتي أن يبذل ماء وجهه فيرشح جبينه رشح السقاء.
" شعر عبد الرحمن بن حسان في رجل سأله حاجة فلم يقضها وقضاها آخر " قال وحدثنا أبو عبد اللّه قال حدّثنا محمد بن عيسى الأنصاري عن ابن عائشة قال: سأل عبد الرحمن بن حسان رجلاً حاجة فقصّر فيها فسألها غيره فقضاها، فكتب عبد الرحمن إلى الأول:
ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم شكرها واصطناعها
أبى لك فعل الخير رأىٌ مقصرٌ ... ونفسٌ أضاق اللّه بالخير باعها
إذا هي حثّته على الخير مرةً ... عصاها وإن همّت بسوءٍ أطاعها
" تعريض بعض الأعراب لإبنه وقد أسر لينجو بعد أن اشتطّ آسروه في الفداء "
وقرأت على أبي عمر المطّرز قال حدّثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: أسرت طيء رجلاً شاباً من العرب فقدم أبوه وعمّه ليفدياه فاشتطّوا عليهما في الفداء فأعطيا لهم عطية لم يرضوها، فقال أبوه: لا، والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبلي طيء لا أزيدكم على ما أعطيتكم، ثم انصرفا. فقال الأب للعم: لقد ألقيت إلى ابني كليمة، لئن كان فيه خير لينجونّ، فما لبث أن نجا وأطرد قطعة من إبلهم، فكأنّ أباه قال له: الزم الفرقدين على جبلي طيء، فإنهما طالعان عليهما وهما لا يغيبان عنه. وبهذا الإسناد قال ابن الأعرابي: الورث في الميراث، والإرث في الحسب. وقال: إذا نمت من أول الليل نومةً ثم قمت فتلك النّاشئة. قال ويقال: رجل معمٌّ ملمٌّ أي يعمُّ القوم ويجمعهم.
قال وأنشدنا أبو عبد اللّه قال: أنشدنا أحمد بن يحيى:
ثلاثة أبياتٍ فبيتٌ أحبّه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي
فيأيّها البيت الذي حيل دونه ... بنا أنت من بيتٍ وأهلك من أهل
بنا أنت من بيت دخولك لذّةٌ ... وظلّك لو يسطاع بالبارد السّهل
قال وأنشدنا أبو عبد اللّه قال أنشدنا أحمد بن يحيى:
أتيت بني عمّي ورهطي فلم أجد ... عليهم إذا اشتدّ الزمان معوّلا
ومن يفتقر في قومه يحمد الغنى ... وإن كان فيهم ماجد العمِّ مخولا
يمنون إن أعطوا ويبخل بعضهم ... ويحسب عجزاً سمته إن تجمّلا
ويزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أقوى من رجالٍ وأحولا
قال وأنشدنا أبو بكر رحمه اللّه قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه:
الحمد لله حمداً دائماً أبداً ... في كل حال هو المسترزق الوزر
فليس ما يجمع المثرى بحيلته ... وليس بالعجز من لم يثر يفتقر
إنّ المقاسم أرزاقٌ مقدّرة ... بين العباد فمحرومٌ ومدّخر
فما رزقت فإن اللّه جالبه ... وما حرمت فما يجري به القدر
فاصبر على حدثان الدّهر منقبضاً ... عن الدناءة إن الحرّ يصطبر
ولا تبيتنّ ذا همٍّ تعالجه ... كأنه النار في الأحشاء تستعر
على الفراش لنور الصّبح مرتقباً ... كأنّ جنبك مغروز به الإبر
فالهمُّ فضلٌ وطول العيش منقطعٌ ... والرّزق آتٍ وروح اللّه منتظر
قال أبو علي: الرّوح: السّرور والفرح، قال اللّه عز وجل: " فروحٌ وريحانٌ " والرّيحان: الرزق.
" أحسن ما سمع في المدح والهجو " قال وحدثنا أبو عبد اللّه قال حدّثنا محمد بن يزيد الأزدري يعني المبرد قال قال سعيد بن سلم: مدحني أعرابي ببيتين لم أسمع أحسن منهما:
أيا سارياً بالليل لا تخش ضلًّةً ... سعيد بن سلم ضةء كلّ بلاد
لنا مقرم أربى على كلّ مقرم ... جوادٌ حثا في وجه كلّ جواد
فأغفلت صلته فهجاني بيتين لم أسمع أهجى منهما، وهما قوله:
لكلّ أخي مدحٍ ثوابٌ علمته ... وليس لمدح الباهليّ ثواب
مدحت ابن سلمٍ والمديح مهّزةٌ ... فكان كصفوانٍ عليه تراب
وقال وأنشدنا أحمد يحيى:
قد مررنا بمالكٍ فوجدنا ... ه سخّياً إلى المكارم ينمى
ورحلنا إلى سعيد بن سلم ... فإذا ضيفه من الجوع يرمى
يرمى بنفسه أي يموت.
وإذا خبزه عليه سيكفي ... كهم اللّه ما بدا ضوء نجم
وإذا خاتم النبيّ سليما ... ن بن داود قد علاه نجتم
فارتحلنا من عند هذا بحمدٍ ... وارتحلنا من عند هذا بذمّ
قال وأنشدنا أبو عبد اللّه قال أنشدنا أحمد بن يحيى، قال أبو علي: وقرأت هذه الأبيات على أبي بكر بن دريد - والألفاظ في الروايتين مختلفة ولم يسمّ قائلها أبو عبد اللّه - وقال أبو بكر هي لسالم ابن وابصة:
أحبّ الفتى ينفي الفواحش سمعه ... كأنّ به عن كلّ فاحشةٍ وقرا
سليم دواعي الصّدر لا باسطاً أذىً ... ولا مانعاً خيراً ولا ناطقاً هجرا
إذا ما أتت من صاحبٍ لك زلّةُ ... فكن أنت محتالاً لزلّته عذرا
غنى النّفس ما يكفيه من سدّ خلّةٍ ... وإن زاد شيئاً عاد ذاك الغني فقرا
" قصيدة الأفوه الأودى التي منها: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم... البيت " وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه أنشدنا أبو على العنزى للأفوه الأودى: - قال أبو علي: وقرأتها على أبي بكر بن دريد في شعر الأفوه، واسمه صلاءة بن عمرو -
فينا معاشر لم يبنوا لقومهم ... وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا
وروى أبو بكر بن الأنباريا: " معاشر لن يبنوا " .
لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم ... فالجهل منهم معاً واليّ ميعاد
أضحوا كقيل بن عمرو في عشيرته ... إذ أهلكت بالذي سدّى لها عاد
وروى أبو بكر بن الأنباري: حين طاوعه.
والبيت لا يبتنىالاّ له عمدُ ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
وروى أبو بكر: ولا عمود.
فإن تجمّع أوتادُ وأعمدةُ ... وساكنُ بلغوا الأمر الذي كادوا
قال أبو علي: وزادنا أبو بكر بن الأنباري بعد هذا بيتاً وهو:
وإن تجّمع أقوامُ ذوو حسبٍ ... اصطاد أمرهم بالرّشد مصطاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
تبقى الأمور بأهل الرّأي ما صلحت ... فإن تولّت فبالأشرار تنقاد
وروى أبو بكر الأنباري: تهدى الأمور.
إذا توّلى القوم أمرهم ... نما على ذاك أمر القوم فازدادوا
أمارة الغيّ أن يلقى الجميع لذي الا ... برام للأمر والأذناب أكتاد
حان الرحيل ألى قومٍ وإن بعدوا ... فيهم صلاحُ لمرتاد وإرشاد
ووروى أبو بكر بن الأنباري: آن الرحيل. قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد: حان الرحيل، ويروى: لأرحلنّ إلى قوم.
فسوف أجعل بعد الأرض دونكم ... وإن دنت رحمٌ منكم وميلاد
إنّ النّجاء إذا ما كنت ذا نفر ... من أجّة الغيّ إبعادٌ فإبعاد
قال أبو علي: وزادنا أبو بكر بن الأنباري بعد هذا بيتنا وهو:
فالخير تزداد منه ما لفيت به ... والشرُّ يكفيك منه قلّما زاد
" منازعة القتال الكلابي رجلاً من قومه " وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّهخ قال حدّثنا أبو عثمان عن التّوّزي عن أبي عبيدة قال: نازع القتّال الكلابي - وهو عبيد بن المضرحيّ - رجلاً من قومه، فقال له الرجل: أنت كلّ على قومك. واللّه إنك لخامل الذّكر والحسب، ذليل النّفر، خفيفٌ على كاهل خصمك، كلٌّ على ابن عمك، فقال القتال:
أنا ابن أسماء أعمامي لها وأبى ... إذا ترامى بنو الأموان بالعار
لا أرضع الدهر إلا ثدى واضحةٍ ... لواضح الجدّ يحمي الجار
من آل سفيان أو ورقاء يمنعها ... تحت العجاجة ضربٌ غير عوار
يل ليتني والمنى ليست بنافعة ... لمالك أو لحصنٍ أو لسيار
طال أنضية الأعناق لم يجدوا ... ريح الإماء إذا راحت بأزفار
لا يتركون أخاهم في مودأةٍ ... يسفي عليه دليل الذّلّ والعار
ولا يفروّن والمخزاة تقرعهم ... حتى يصيبوا بأيدٍ ذات أظفار
قال أبو علي: النّضيّ: عظم العنق. والأزقار: الأحمال، واحدها زفرٌ. والمودّأة : المضيّقة، من قولهم تودّأت عليه الأرض إذا استوت عليه فوارته.
قال وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي:
أيّ شيء يكون أعجب أمراً ... إن تفكّرت من صروف الزّمان
عارضات السّرور توزن فيه ... والبلايا تكال بالقفزان
قال وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه اللّه لكبشة أخت عمرو بن معد يكرب:
وأرسل عبد اللّه إذ حان حينه ... إلى قومه لا تعقلوا لهم دمى
ولا تأخذوا منهم إفالاً وابكراً ... وأترك في بيتٍ بصعدة مظلم
ودع عنك عمراً إن عمراً مسالمٌ ... وهل بطن عمرو غير شبرٍ لمطعم
؟فإن أنتم لم تقبلوا واتّديتم فمشّوا بآذان النّعام المصلّم
ولا تردوا إلا فضول نسائكم ... إذا ارتملت أعقابهنّ من الدّم
قال أبو علي: الإفال جمع أفيل وهي صغار أولا د الإبل. وارتملت: التطخت يعني إذا حضن.
" انتساب صعصعة بن صوحان لما سأله معاوية عن نسبه " قال وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا العكليّ عن الحرمازي قال حدّثنا الهيثم عن مجالدٍ عن الشّعبي قال: دخل صعصعة بن صوحان على معاوية رضي اللّه عنه أول ما دخل عليه، وقد كان يبلغ معاوية عنه، فقال معاوية رحمه اللّه: ممّن الرجل؟ فقال: رجل من نزار قال: وما نزار؟ قال: كان ذا غزا انحوش، وإذا اصرف انكمش، وإذا لقى افترش؛ قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من ربيعة، قال: وما ربيعة؟ قال: كان يغزو بالخيل، ويغير بالليل، ويجود بالنّيل؛ قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من أمهر، قال: وما أمهر؟ قال: كان إذا طلب أفضى، وإذا أدرك أرضى، وإذا آب أنضى؛ قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من جديلة، قال: وما جديلة؟ قال: كان يطيل النّجاد، ويعدُّ الجياد، ويجيد الجلاد؛ قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من دعميٍّ، قال: وما دعميّ؟ قال: كان ناراً ساطعاً، وشراً قاطعاً، وخيراً نافعاً؛ قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من أفضى، قال: وما أفضى؟ قال: كان ينزل القارات، ويكثر الغارات، ويحمي الجارات؛ قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من عبد القيس، قال: وما عبد القيس؟ قال: أبطالٌ ذادة، جحاجحة سادة، صناديد قادة؛ قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من أفضى، قال: وما أفضى؟ قال: كانت رماحهم مشرعة، وقدورهم مترعة، وجفانهم مفرغة؛ قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من أفصى، قال: وما أفصى؟ قال: كانت رماحهم مشرعة، وقدورهم مترعة، وجفانهم مفرغة، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من لكيز، قال: وما لكيز؟ قال: كان يباشر القتال، ويعانق الأبطال، ويبدّد الأموال، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من عجل، قال: وما عجل؟ قال: الليوث الضّراغمة، الملوك القمامة، القروم القشاعمة، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من كعب، قال: وما كعب؟ قال:كان يسعّر الحرب، ويجيد الضّرب، ويكشف الكرب؛ قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من مالك، قال: وما مالك؟ قال: هو الهمام للهمام، والقمقام، فقال معاوية رحمه اللّه: ما تركت لهذا الحيّ من قريش شيئاً، قال: بل تركت أكثره وأحبّه، قال: وما هو؟ قال: تركت لهم الوبر والمدر، والأبيض والأصفر، والصّفا والمشعر، والقبّة والمفخر، والسّرير والمنبر، والملك إلى المحشر، قال: أما واللّه لقد كان يسوءني أن أراك أسيرا؟ً؟؟؟! قال: وأنا واللّه لقد كان يسوءني أن أراك أميراً؟! ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ثم خرج فبعث إليه فردّ ووصله واكرمه. قال أبو علي: القارات جمع قارة وهي الجبيل الصغير؟؟.
" سؤال معاوية عقالاً بم ساد الأحنف وجوابه " قال أبو علي وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: قال معاوية رحمه اللّه لعقالٍ: بم سادكم الأحنف وهو خارجيّ؟ فقال: إن شئت حدثتك عنه بخصلة، وإن شئت باثنتين، وإن شئت بثلاث، وإن شئت حدثتك إلى الليل، فقال: حدّثني عنه بثلاث خصال، قال: لم أر أحداً من خلق اللّه كان أغلب لنفسه من الأحنف، فقال: نعم واللّه الخصلة! قال: ولم أر أحداًمن خلق اللّه أكرم لجليس من الأحنف، قال: نعم واللّه الخصلة! قال: ولم أر أحداً من خلق اللّه كان أحظى من الأحنف، قال: كان يفعل الرجل الشيء فتصير حظوته للأحنف، قال وأنشدني أبو بكر رحمه اللّه:
بطون الضأن رمحك حين تغدو ... تشدّ به وليس له سنان
سلاحٌ لم يكن إلا لغدرٍ ... به قتل الأشدّاء الجبان
قال: هذا خناقٌ معه وترٌ.
قال وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي:
هو الخبيث عينه فراره ... ممشاه مشى الكلب وازدجاره
قال: نظرك إليه يغنيك عن فرّه أن تختبره.
قال أبو علي وحدثنا أبو بكر الأنباري قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن رواية كثير قال: كنت مع جرير وه يريد الشأم، فطرب فقال أنشدني لأخي بني مليح - يعني كثيراً - فأنشدته حتى انتهيت إلى قوله:
وأدنيتني حتى إذا ما استبيتني ... بقولٍ يحلّ العصم سهل الأباطح
توليّت عني حين لا لي مذهبٌ ... وغادرت ما غادرت بين الجوانح
فقال: لولا أنه لا يحسن بشيخ مثلي النّخير لنخرت حتى يسمع هشام على سريره.
" الكلام على مادّة عدا "
قال الأصمعي يقال: عدا الفرس يعدو عدواً إذا أحضر، وأعديته أنا أعديه إعداءاً إذا استحضرته، قال النابغة الجعدي:
حتى لحقناهم تعدى فوارسنا ... كأننا رعن قفٍّ يرفع الآلا
يريد: يرفعه الآل. وفرسٌ عدوان إذا كان شديد العدو، وكذلك الحمار. ويقال: رأيت عدّى القوم مقبلاً وهم الذين يحملون في الحرب رجالةً، قال مالك بن دينار:
لما رأيت عدىّ القوم يسلبهم ... طلح الشّواجن والطّرفاء والسّلم
قال أبو علي: الشّواجن: مسايل الماء. ويقال: عدا عليه عدواً وعداءً وعدوًّاً إذا جار. وعادى بيت عشرة من الصيد عداءً أي والى موالاةً، قال امرؤ القيس:
فعادى عداءً بين ثورٍ ونعجةٍ ... دراكاً ولم ينضح بماء فيغسل
ويقال: قد تعادى على القوم بالظّلم وتعادوا إليّ بالنصر أي والوا. وقال: أبو نصر: وتعادوا من العدو أيضاً. وتعادى المكان تعادياً فهو متعادٍ إذا كان متفاوتاً وليس بمستو؛ يقال: نمت في مكان متعاد. ويقال: جئت في مركب ذي عدواء إذا لم يكن مطمئناًولا سهلاً، وأتيتك على عدواء الشّغل، أي على اختلاف الأمر بالشّغل وصرف الشّغل. وروى أبو عبيد عن الأصمعي: العدواء: الشّغل. ويقال: عداه عن كذا وكذا يعدوه إذا صرفه، وعدّه عن ذلك أي أصرفه.
والعوادي: الصوارف، واحدتها عاديةٌ؛ قال ساعدة:
هجرت غضوب وحبَّ من يتجنّب ... وعدت عوادٍ دون ذلك وليك تشعب
قال أبو علي وحدثنا أبو عبد اللّه عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال يقال: أعداه المرض، وأنشدنا هو ولم يعزه إلى ابن الأعرابي:
فواللّه ما أدري أطائف جنةٍ ... تأوّبني أم لم يجد أحدٌ وجدي
عشيّة لا أعدي بدائي صاحبي ... ولم أر داءً مثل دائي لا يعدى
وكان الصّبا خدن الشباب فأصبحا ... وقد تركاني في مغانيهما وحدي
قال الأصمعي يقال: ما عدا ذاك بني فلان أي ما جاوزهم. قال وأنشدني أبو عمرو لبشر ابن أبي خازم:
فأصبحت كالشّقراء لم يعد شرّها ... سنابك رجليها وعرضك أوقر
ويقال:الزم أعداء الوادي أي نواحيه. وقال أبو نصر: العدوة والعدوة: السّاحة والفناء. وقال غيره: العدوة والعدوة: جانب الوادي. وقال الأصمعي يقال: نزلت في قومٍ عِدىً وعُدىً أي أعداءٍ. والعِدى أيضاً: الغرباء. وقال أبو حاتم: العِدى: الأعداء، والعِدى: الغرباء، فأما عدىً فليس من كلام العرب إلا أن تدخل الهاء فتقول: عداةٌ. والعادي: العدوُّ. قال الأصمعي: خاصمت بنت حلوى امرأةً فقالت: ألا تقومين؟ أقام اللّه ناعيك، وأشمت اللّه ربُّ العرش عاديك.
" جملة من شعر المغيرة بن حبناء " قال أبو علي وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو عثمان عن التّوّزي عن أبي عبيدة للمغيرة بن حبناء:
خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه ... ولا تك في كل الأمور تعاتبه
فإنك لن تلقى أخاك مهذّباً ... وأيُّ امرئ ينجو من العيب صاحبه
أخوك الذي لا ينقض النأى عهده ... ولا عند صرف الدّهر يزورّ حانبه
وليس الذي يلقاك بالبشر والرّضا ... وإن غبت عنه لسّعتك عقاربه
قال وقرأت على أبي بكر رحمه اللّه للمغيرة:
إذا أنت عاديت امرأً فاظّفر له ... على عثرةٍ إن أمكنتك عواثره
قال أبو علي: اظّفر: افتعل من الظّفر وهو الوثب
وقارب إذا ما لم تجد لك حيلةً ... وصمّم إذا أيقنت أنّك عارقره
فإن أنت لم تقدر على أن تهينه ... فذره إلى اليوم الذي أنت قادره
وفي هذه القصيدة يقول:
وقد ألبس المولى على ضغن صدره ... وأدرك بالوغم الذي لا أحاضره
وقد يعلم المولى على ذاك أنّني ... إذا ما دعا الشّدائد ناصره
وإني لأجزى بالمودّة أهلها ... وبالشّر حتّى يسأم حافزه
وأغضب للمولى فأمنع ضيمه ... وإن كان غشّاً ما تجنّ ضمائره
وأحلم ما لم ألق في الحلم ذلّةً ... وللجاهل العرّيض عندي زاجره
قال أبو علي ويروى: عندي مزاجره.
وإني لخرّاجٌ من الكرب بعد ما ... تضيق على بعض الرجال حظائره
حمولٌ لبعض الأمر حتى أناله ... صموت لاعن الشيء الذي أنا ذاخره
" سبب تسمية الأخطل بهذا اللقب " قال وحدثني أبو عبد الله رحمه الله قال حدّثني محمد بن عبد الله القحطبي قال: إنما سمي الأخطل لأن ابني جعيل تحاكما أيّهما أشعر، فقال:
لعمرك إنني وابني جعيلٍ ... وأمّهما لإستارٌ لئيم
فقيل له: إن هذا الخطل من قولك: فسمّى الأخطل. قال أبو عبيدة: يقال: منطقُُ خطل إذا كان فيه إضطراب، ورمح خطلُُ وأذن خطلاء، قال: والإسار أربعة من كل عدد، قال جرير:
إنّ الفرزدق والبعيث وأمّه ... وأبا البعيث لسرّ ما إستار
قال: والنّواة: خمسة. والأوقيّة: أربعون. والنّشّ: عشرون. والفرق: ستة عشر. قال وأنشدنا أبو بكر محمد بن السّريّ السّراج قال أنشدني أو أنشدنا وكيع - الشك من أبي علي - قال أنشدنا أحمد بن سليمان الراوية:
استر بصبرٍ خللك ... والبس عليه سملك
وكل هز يليك على ال ... راحة واشرب وشلك
إذا اعترتك فاقة ... فارحل برفقٍ جملك
وارغب إلى اللّه ونط ... بما لديه أملك
وآخ في اللّه وصل ... في دينه من وصلك
رزقك يأتيك إلى ... حين تلاقي أجلك
ما لك ما قدّمته ... وليس ما بعدك لك
وللزّمان أكلة ... إذا اشتهاها أكلك
وللرّدى قوس فإن ... رماك عنها قتلك
يا ربّ إني راغب ... أدعو وأرجو نفلك
أنت حفيّ لم تخب ... دعوة راجٍ أملك
فأعطني من سعةٍ ... يا من تعالى فملك
سبحانك اللهمّ ... أجلّ عندي مثلك
قال أبو علي: المثل هاهنا: المقدار.
" قصيدة العطوى في الرد على هشام ومن قال قوله " قال وأنشدنا على بن سليمان بن الفضل الكاتب للعطوى:
جلّ ربّ الأعراض والأجسام ... عن صفات الأعراض والأجسام
جلّ ربّي عن كلّ ما اكتنفته ... لحظات الأبصار والأوهام
برىء اللّه من هشامٍ وممّن ... قال في اللّه مثل قول هشام
أيّ زادٍ تزوّدته يداه ... عامداً من كبائر الآثام
سوف تلقاه حين يلقاه نار ... تتلظّى لأهلها بضرام
كم شديد العناد للإسلام ... بين أبناء ملّة الإسلام
كهشام فإنه خلع الرّب ... قة من كلّ حرمةٍ وذمام
قل لمن قال قوله ورآه ... خير مسترشدٍ وخير إمام
لم أنكرت أن يكون مصيباً ... في مساعيه عابد الأصنام
لم أنكرت قول من عبد الشّم ... س وصلّى للأنجم الأعلام
إن ترم بينها إنفصالاً فهيها ... ت لقد رمت منه صعب المرام
ما الدّليل المبين عن حدث العا ... لم أفصح به لدى الأقوامٍ
لا دليل فلا ترمه وقد قل ... ت كبعض الأنام ربّ الأنام
لم ترد غير قدمة الخلق فاقصد ... قصده دع مناقضات الكلام
قال وقرأت على أبي بكر رحمه اللّه:
ل أدفع ابن العمّ يمشي على شفاً ... وإن بلغتني من أذاه الجنادع
ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه ... لترجعه يوماً إليّ الرّواجع
وحسبك من ذلٍّ وسوء صنيعةٍ ... مناواة ذي القربى وإن قيل قاطع
قال أبو علي: جنادع الشر: أوائله، واحدها جندعة، وأصل الجنادع:دوابّ تكون في حجرة الضّباب فإذا جاء المضبّب فرآها قال: هذه جنادعه. قال وحدّثني أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن يونس قال لما أنشد أبو النجم: " بين رماحي مالكٍ ونهشل " قال رؤبة: أو ليس نهشلٌ من مالك فقال له: يا بن أخي، إن الكمر أشباهٌ، يريد مالك ابن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. قال وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي للمخبّل السّعدي:
إذا أنت عاديت الرجال فلاقهم ... وعرضك عن غبّ الأمور سليم
وإنّ مقادير الحمام إلى الفتى ... لسوّاقة ما لا يخاف هموم
وقد يسبق الجهل النّهي ثمّ انها ... تريع لأصحاب العقول حلوم
وقد تزدرى النفس الفتى وهو عاقل ... ويؤفن بعد القوم وهو حزيم
أي حازم. قال أبو علي: وقرأت هذا البيت على أبي عمر في نوادر ابن الأعرابي قال وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي: " ويؤفن بعض القوم وهو جريم " أي عظيم الجرم، قال أبو علي الجرم: الجسد.
قال وأنشدنا أبو بكر للمغيرة بن حبناء:
إني امرؤٌ حنظلىّ حين تنسبني ... لا ملعتيك ولا أخوالي العوق
لا تحسبنّ بياضاً فيّ منقصةً ... إنّ الّلهاميم في أقرابها البلق
قال أبو علي: الّلهاميم واحدها لهموم: وهو الكثير الجري. والعرب تقول: أضعف الخيل البلق وأشدّها البهم. وأنشدنا أبو بكر بن الورد:
قلت لركبٍ في الكنيف تروّحوا ... عشيّة بتنا عند ماوان رزّح
تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم ... إلى مستراحٍ من عناءٍ مبرّح
ومن يك مثلي ذا عيالٍ ومقتراً ... يغرّر ويطرح نفسه كلّ مطرح
ليبلغ عذراً أو يصيب رغيبةً ... ومبلغ نفسٍ عذرها مثل منجح
قال أبو علي: ماوان: ماء لبنى فزارة. والرازح: الذي قد سقط من الهزال والإعياء، والجميع رزح. قال وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو عثمان عن التّوّزي عن أبي عبيدة لمهن بن أوس:
لعمرك ما أهويت كفّي لريبةٍ ... ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبةُُ ... من الدّهر إلا قد أصابت فتىً قبلي
ولست بماشٍ ما حييت بمنكر ... من الأمر ما يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثراً نفسي على ذي قرابتي ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
قال حدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو معاذ قال حدّثنا محمد بن شيب أبو جعفر النحوي عن ابن أبي خالد عن سفيان بن عمرو بن عتيبة بن أبي سفيان قال: وقع ميراث بين بني هاشم وبين بني أمية تشاحّوا فيه وتضايقوا، فلما تفرّقوا أقبّل علينا أبونا عمرو فقال: يا بنيّ، إن قريش درجاً تزّل عنها أقدام الرجال، وأفعلاً تخشع لها رقاب الأموال، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المسوّمة، وألسناً تكلّ عنها الشّفار المشحوذة، ثم إنه ليخيّل إلى أن منهم ناساً تخلّقوا بأخلاق العوامّ، فصار لهم رفقُُ في اللّؤم، وتخرّق في الحرص، إن خافوا مكروهاً تعجّلوا له الفقر، وإن عجّلت لهم نعمةُ أخّروا عليها الشّكر، أولئك أنضاء الفكر، وعجزة حملة الشّكر.قال وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو معاذ عن محمد بن شبيب النحوي قال: وفد عبيد اللّه بن زياد ابن ظبيان على عتّاب بن ورقاء فأعطاه عشرين ألفاً، فلما ودّعه قال: يا هذا، ما أحسنت فأمدحك، ولا أسأت فأذمّك، وإنك لأقرب البعداء، وأحبّ البغضاء. قال يعقوب يقال: وقع ذلك الأمر في روعي وفي خلدي وفي ضميري ونفسي. وحكى التّوّزيّ: وقع في صفري وفي جخيفي، ومنه قيل: لا يلتاط بصفري، أي لا يلزق بقلبي، وكذلك يقال: لا يليق بصفري.
قال أبو علي: وأخبرنا بعض أصحابنا عن أحمد بن يحيى أته قال: حكى لنا عن الأصمعي أنه قيل له: إن أبا عبيدة يحكى: وقع في روعي وفي جخيفي، قال: أما الرّوع فنعم وأما الجخبف فلا. قال وحدّثنا أبو عبد اللّه قال أخبرني محمد بن يونس عن الأصمعي قال: أتى أبو مهديّة بإناءفيه ماء، فتوضأ فأساء الوضوء، فقيل له: يا أبا مهدية، أسات الوضوء - وكان الإناء يسع أقل من رطل - فقال: القرّشديد، والرّبّ كريم، والجواد يعفو. قال: وقرأت على أبي عمر المطرّز قال حدّثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: قيل لابنة الخسّن: ما أحسن شيء رأيت؟ قالت: غادية، في إثر سارية، في نبخاء قاوية. قال: النّبخاء: الأرض المرتفعة المشرفة، لأن النبات في الموضع المرتفع أحسن.
قال وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو عثمان عن التوّزي عن أبي عبيدة قال: خرج جرير والفرزدق مُرتدفين على ناقة الى هشام بن عبد الملك، فنزل جرير يبول فجعلت الناقة تتلّفت فضربها الفرزدق وقال:
إلام تلّتفتين وأنت تحتي ... وخيرُ الناس كلّهم أمامي
متى تردي الرّصافة تستريحي ... من التهجير والدّبر الدّوامي
ثم قال: الآن يجيء جرير، فأنشدهُ هذين البيتين فيردّ عليّ:
تلفّت أنها تحت ابن قينٍ ... إلى الكيرين والكيرين والفأس الكهام
متى ترد الرّصافة تخز فيها ... كخزيك في المواسم كلّ عام
فجاء جرير والفرزدق يضحك، فقال: ما يضحكك يا أبا فراس؟ فأنشده البيتين، فقال جرير:
تلفت أنها تحت ابن قينكما قال الفرزدق سواءً، فقال الفرزدق: واللّه لقد قلت هذين البيتين، فقال جرير: أما علمت أن شيطانناً واحد.
" محاورة الفرزدق مع بعض الأعراب " قال وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: قيل للفرزدق أن ها هنا أعرابياً قربياً منك ينشد شعراً فقال: إن هذا لقائفُ أو لخائن، فأتاه فقال، مّمن الرجل؟ فقال: رجل من فقعس قال: كيف تركت القنان؟ قال: تركته يسلير لصاف، فقلت: ماأراد الفقعسيّ والفرزدق؟ قال أراد الفرزدق قول الشاعر:
ضمن القنان لفقعسٍ سوآتها ... إن القنان بفقعسٍ لمعمّر
قلت: فما أراد الفقعسيّ بقوله يساير لصاف، قال: أراد قول الشاعر:
وإذا يسرّك من تميم خصلةُ ... فلما يسوءك من تميم أكثر
قد كنت أحسبهم أسود خفيّةٍ ... فإذا لصاف تبيض فيه الحمّر
أكلت أسيدُ والهجيم ودارمُ ... أير الحمار وخصيتيه العنبر
ذهبت فشيشة بالأباعر حولنا ... سرقاً فصبّ إلى فشيشة أبجر
قال: ويروى هرباً.
قال وأملى علينا أبو بكر محمد بن السّريّ السّرّاج:
إذا شئت آداني صرومٌ مشيعٌ ... معي وعقامٌ تتّقى الفحل مقلت
يطوف بها من جانبيها ويتّقى ... بها الشمس حيٌّ في الأكارع ميت
آداني: أعانني وقوّاني. وصروم: صارمٌ يعني قلبه. ومشيعٌ: شجاع كأن معه شيئاً يشيعه. وعقام عقيم مثل صحاح وصحيح وشحاح وشحيح. والمقلت: التي لا يبقى لها ولد كأنها تقلتهم، أي تهلكهم، والقلت: الهلاك. وحكى الأصمعي: إن المسافر وماله لعلى قلتٍ إلا ما وقى اللّه: وقوله: حيٌّ في الأكارع ميت يعني الظّلّ كأنه مات مما سواه من الأكارع وذلك حين يقوم قائم النهار، ومثله: " وانتعل الظلّ فصار جورباً " . ومن أمثال العرب: " إذا اشتريت فاذكر السّوق " يعنون إذا إشتريت فاطلب الصّحة وتجنّب العيوب فإنك ستحتاج إلى أن تقيم السّلعة التي اشتريتها في السّوق يوماً لابد منه.
ومن أمثالهم " ربَّ شدُّ في الكرز " يضرب مثلاً للرجل يحتقر عندك وله خبرٌ قد علمت به أنت؛ وأصل هذا المثل أن رجلاً خلرج يركض فرساً فرمت بمهرها فألقاه في كرز بين يديه. والكرز: الجوالق، فقال له رجل: لم تحمله؟ ما تصنع به؟ فقال: ربَّ شدٍّ في الكرز، يقول: هو شديد الشّد كأمه.
" مقصورة أبي صفوان الأسدي وشرحها " قال وقرأت على أبي عمر في نوادر ابن الأعرابي قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لأبي صفوان الأسدي:
نأت دار ليلى وشطّ المزار ... فعيناك ما تطمعان الكرى
ومرّ بفرقتها بارحٌ ... فصدّق ذاك غراب النّوى
فأضحت ببغدان في منزلٍ ... له شرفاتٌ دوين السّما
وجيشٌ ورابطةٌ حوله ... غلاظ الرّقاب كأسد الشّرى
بأيديهم محدثات الصّقال ... سريجيّة يختلين الطّلى
ومن دونها بلدٌ نازحٌ ... يجيب به البوم رجع الصّدى
ومن منهلٍ آجنٍ ماؤه ... سدىً لا يعاذ به قد طمى
ومن حنشٍ لا يجيب الرّقا ... ة أسملا ذي حمةٍ كالرشا
أصمّ صموتٍ طويل السّبا ... ت منهرت الشّدق حارى القرا
له في اليبيس نفاثٌ يطير ... على جانبيه كجمر الغضى
وعينان حمرٌ مآقيهما ... تبصّان في هامةٍ كالرّحا
إذا ما تثاءب أبدى له ... مذرّبةً عصلاً كالمدى
كأنّ حفيف الرّحا جرسه ... إذا اصطكّ أثناؤه وانطوى
ولو عضّ حرفي صفاةٍ إذاً ... لأنشب أنيابه في الصّفا
كأنّ مزاحه أنسعٌ ... حززن فرادى ومنها ثنى
وقد شاقني نوح قمريةٍ ... طروب العشاء هتوف الضحى
من الورق نوّاحةٍ باكرت ... عسيب أشاءٍ بذات الغضى
فغنّت عليه بلحنٍ لها ... يهيج للصّبّ ما قد مضى
مطوّقةٍ كسيت زينةً ... بدعوة نوحٍ لها إذ دعا
فلم أر باكيةً مثلها ... تبكّي ودمعتها لا ترى
أضلّت فريخاً فطافت له ... وقد علقته حبال الرّدى
فلمّا بدا اليأس منه بكت ... عليه ماذا يردّ البكا
وقد صاده ضرمٌ ملحمُ ... خفوق الجناح حثيث النّجا
حديد المخالب عارى الوظي ... ف ضلرٍ من الورق فيه قنا
ترى الطّير والوحش من خوفه ... جواحر منه إذا ما إغتدى
فبات عذوباً على مرقبٍ ... بشاهقة صعبة المرتقى
فلما أضاء له صبحه ... ونكّب عت منكبيه النّدى
وحتَّ بمخلبيه قارتاً ... على خطمه من دماء القطا
فصعّد في الجوِّ ثم استدا ... ر طار حثيثاً إذا ما انصمى
فآنس سرب قطاً قاربٍ ... جبى منهلٍ لم تمحه الدّلى
غدون بأسقيةٍ يرتوين ... لزغبٍ مطرّحةٍ بالفلا
يبادرن ورداً ولم يرعوين ... على ما تخلّف أو ما ونى
تذكّرن ذا عرمضٍ طامياً ... يجول على حافتيه الغثا
به رفقةٌ من قطاً واردٍ ... وأخرى صوادر عنه روا
فملأن أسقيةً لم تشدّ ... بخرزٍ وقد شدّ منها العرا
فأقعص منهنّ كدريةً ... ومزّق حيزومها والحشى
فطار وغادر أشلاءها ... تطير الجنوب بها والصّبا
يخلن حفيف جناحيه إذ ... تدلّى من الجوّ برقاً بدا
فوليّن مجتهدات النّجا ... جوافل في طامسات الصّوى
فأبن عطاشاً فسقّينهنّ ... مجاجاتهنّ كماء السّلى
وبتن يراطنَّ رقش الظّهو ... ر حمر الحواصل حمر اللّها
فذاك وقد أغتدي في الصباح ... بأجرد كالسّيد عبل الشّوى
له كفلُ أيّد مشرف ... وأعمدةُ لا تشكيّ الوجى
وأذن مؤلّلة حشرة ... وشدق رحاب وجوف هوا
ولحيان مدّا إلى منخرٍ ... رحيبٍ وعوج طوال الخطا
له تسعة طلن من بعد أن ... قصرن له تسعةٌ في الشّوى
وسبع عرين وسبع كسين ... وخمس رواء وخمسٌ ظما
وسبع قربن وسبع بعد ... ن منه فما فيه عيبٌ يرى
وتسع غلاظ وسبع رقاق ... وصهوة عيرٍ ومتنٌ خظا
حديد الثّمان عريض الثّمان ... شديد الصّفاق شديد المطا
وفيه من الطّير خمس فمن ... رأى فرساً مثله يقتنى
غرابان فوق قطاةٍ له ... ونسرُ يعسو به قد بدا
جعلنا له من خيار الّلقا ... ح خمساً مجاليح شمّ الذّرى
يغادي بعضٍّ له دائباً ... ونقفيه من حلبٍ ما اشتهى
فقاظ صنيعاً فلما شتا ... أخذناه بالقود حتّى انطوى
فهجنا به عانةً في الغطاط ... خماص البطون صحاح العجى
فولّين كالبرق في نفرهنّ ... جوافل يكسرن صمّ الصّفا
فصوّبه العبد في إثرها ... فطوراً يغيب وطوراً يرى
كأن بمنكبه إذ جرى ... جناحاً يقلّبه في الهوا
فجدّل خمساً فمن مقعصٍ ... وشاصٍ كراعاه دامي الكلى
وثنتانخضخض قصبيهما ... وثالثةُ رويت بالدّما
فرحنا بصيدٍ إلى أهلنا ... وقد جلّل الأرض ثوب الدّجى
ورحنا به مثل وقف العرو ... س أهيف لا يتشكّى الحفا
وبات النّساء يعوّذنه ... ويأكلن من صيده المشتوى
وقد قيّدوه وغلّوا له ... تمائم ينفث فيها الرّقى
قال أبو علي: نأت: بعدت، يقال: نأى ينأى نأياً، والنّأي، البعد، والنّأئي:البعيد، وأما ناء فنهض. وشطّ: بعد، يقال: شطّ وشطن ونزح ونضب وشسع إذا بعد. والكرى: النّوم، يقال: كرى يكرى كرىً إذا نام. وأما كرا يكرو فلعب بالكرة. ومرّ بفرقتها بارح، قال أبو عبيدة: سأل يونس رؤبة وأنا شاهد عن السّانح والبارح، فقال: السانح: ما ولاّك ميامنه. والبارح: ما ولاّك مياسره. وقال غيره: السانح: ما مرّعلى يمينك، والبارح: ما مر على يسارك. وأكثر العرب تتبرّك بالسانح وتتشاءم بالبارح، وفيهم قوم يتبركّون بالبارح ويتشاءمون بالسانح. والنّوى: البعد، والنّوى: النّيّة للمكان الذي ينوونه. وبغدان فيها أربع لغاتٍ، يقال: بغداد وبغدان ومغدان وبغداذ وهي أقلّها وأردؤها. وشرفات: جمع شرفةوهي معروفة، والرّابطة: القوم الذين قد ربطوا خيولهم. والشّرى: موضع كثير الأسد.. وسريجيّة: منسوبة إلى سريح، يعني السيوف. وكان أبو بكر بن دريد رحمه اللّه يفسر بيت العجّاج: " وفاحماً ومرسناً مسرجاً " قال: يعني أن أنفه كالسيف السّريجيّ في استوائه ودقّته وشممه. ويختلين: يقطعن، وأصله من الخلى وهو الرّطب يقال: خليت الخلى وأخليته، ومنه سّميت المخلاة. والطّلى: جمع طلية - كذا قال الأصمعي - وهي صفحة العنق؛ وأنشد لذي الرمة:
أضله راعياً كلبيّةٍ صدراً ... عن مطلبٍ وطلى الأعناق تضطرب
والمطلب: البعيد الذي يحوجك إلى طلبه. وقال أبو عمرو الشّيباني: واحد الطّلى طلاة، وأنشد:
متى تسق من أنيابها بعد هجعةٍ ... من اللّيل شرباً حين مالت طلاتها
والصّدى هاهنا: الصّوت الذي يجيبك من الجبل. والصّدى أيضاً: ذكر البوم، وقد استقصينا هذا في كتابنا المقصور والممدود. والآجن: المتغيرّ، يقال: أجن الماء يأجن ويأجن أجوتاً، وأسنيأسن ويأسن أسوناً. وقد أجن وأسن، وليسا بالفصيحين. فأما أسن الرجل إذا دير به من خبث رائحة البئر فعلى فعل لا غير. وسدىً: مهمل لا يرده أنيسٌ. ويعاذُ ويلاذ واحد، يقال: عدتُ بالشيء ولذتُ به. وطما: ارتفع، يقال: طما الماء يطمو. والحنش: الحّية. والحمة: سمّه وضرّه. والرّشاء: الحبل ممدود فقصره للضرورة. ومنهرت: واسع مشقّ الشّدق، ويقال: هرت ثوبه وهرده وهرطة، ثلاث لغات. والقرا: الظّهر، وإنما جعله حاري القرا لأنه قد حرى جسمه أي نقص وإذا كان كذلك كان أخبث له، ومنه قولهم: رماه اللّه بأفعى حاريةٍ. والنّفاث جمع نفاثةٍ: وهو ما نفثه من فيه،وإنما شبه بجمر الغضى، لأن جمرها أشدّ حرارة وأكثر بقاء وأحسن منظراً، ولذلك أكثرت الشعراء ذكرها في أشعارهم. والمآقى جمع مأقٍ، وفي مأق العين لغات، يقال: مأق مهموز وماق غير مهموز، وجمعها مثل جمع الأوّل. ومأقٍ وماقٍ فمن همز جمع مآقياً، ومن لم يهمز قال: مواقٍ.ومؤقٍ وموقٍ، وجمعهما كجمع اللذين يليانهما من قبلهما. وموقىءُُ مثل موقع وجمعه مواقىء مثل مواقع. وأمق وجمعه آماق مثل أعناق. وموق العين: الجانب الذي يلي الأنف من العين. والّلحاظ: الذي يلي الصّدغ. وتبصّان: تبرقان، يقال: بصّ يبصّ بصيصاً، ووبص يبص وبيصاً، ورفّ يرفّ، ولصف يلصف لصيفاً، وأل يؤلّ ألاًّ برق. والهفّاف: البّراق، وكذلك المؤتلق والدّليص. وتثأّب: تفعّل من الثّوباء.ومذرّبة: وعصلٌ: معوجّة، يقال: نابٌ أعصل. والمدى: السكاكين، واحدتها مدية؛ قالت الخنساء:
فكأنّما أمّ الزما ... ن نحورنا بمدى الذّبائح
والحفيف: الصّوت، وكذلك الهفيف والعجيج. والجرس: الصّوت وفيه ثلاث لغات، يقال: جرسٌ وجرسٌ وجرس، وكان أبو بكر رحمه اللّه يختار جرساً بفتح الجيم إذا لم يقدّمه حسٌ فإن تقدمه حسٌ اختار الكسر، وقال: هذا كلام فصحاء العرب. والصّكّ: الضّرب. واصطكّ افتعل من الصّكّ. وأثناؤه جمع ثنى يريد أعطافه، وأثناء الوادي: ما انعرج منه، وكذلك محانيه وأصواحه. والصّفاة: الصّخرة وجمعها صفاً، وكذلك الصّفواء والصّفوانة. والأنسع جمع نسع وهو حبل مضفور من آدم. وفرادى: أفراد. وثناء ممدود: اثنان اثنان، وقصرة للقافية ضرورة. وشاقني: شوّقني، لا فرق بينهما على المبالغة والتكثير. والورق: جمع أورق، والورقة: لون الرّماد. والعسيب: السّعف وجمعه عسب. والأشاء: الصّغار من النخل، واحدتها أشاءةٌ. والضّرم: الجائع. والملحم: الذي يرزق اللّحم كثيراً. والملحم: الذي يطعن أفراخه اللحم. والنّجاء: الذهاب والسرعة ممدود فقصرة للضرورة. والمخالب جمع مخلب وهي أظفار السباع وما صاد من الطير؛ فأما الفأر واليربوع والغراب وما أشبهها فيقال لظفرة برثن، كذلك قال الأصمعي. قال أبو زيد: البرثن مثل الإصبع. والمخلب: ظفر البرثن؛ قال النابغة:
فقلت يا قوم إنّ اللّيث منقبضٌ ... على براثنه للوثبة الضّاري
وقال ابن الأعرابي: البرثن: الكّف بكمالها مع الأصابع. والوظيف في كل ذي أبع في رجليه فوق الرّسغ ودون العرقوب، وفي يديه فوق الرسغ ودون الركبة، ففي الرّجل الرّسغ ثم الوظيف ثم العرقوب ثم الساق ثم الفخذ ثم الورك، وفي اليد الرّسغ ثم الوظيف ثم الركبة ثم الذراع ثم العضد ثم الكتف. والقنا: احديدابٌ في المنقار، وفي كل صائد من الطير فيه قناً، والعرب تستحبّ القنا في أنف الناس. وجواحر: جمع جاحرة وهي التي قد لجأت إلى حجرتها. والعذوب: القائم الساكت الذي لا يطعم. والمرقب: المكان المرتفع، وإنما سميّ مرقباً، لأنه يرقب منه أي يحفظ منه ويحرس. والمرتقى: المصعد. ونكّب أصله ميّل، يريد: ألقى. وحتَّ وحكَّ واحد. والقارت: الدم اليابس، يقال: قرت الدم يقرت قروتاً. وانصمى: اندرأ، واندرأ: اندفع، يقال: اندرأ علينا واندره: اندفع ودرأته ودرهته. وآنس: أبصر، قال اللّه عز وجل: " فإن آنستم منهم رشداً " . والسّرب: القطيع من الطير والظباء والنسّاء والبقر، ويقال: فلان واسع السّرب أي رخّى البال. وعلى لفظه هو آمن في سربه بكسر السين أي في نفسه، وهو آمن في سربه بفتح السين أي في جماعته. والسّرب بفتح السين أيضاً: الوجه؛ قال ذو الرمة:
خلّى لها سرب أولادها وهيّجها ... من خلفها لاحق الصّقلين همهيم
وعلى لفظه: السّرب: الإبل وما رعى من المال، يقال: جاء سرب بني فلان أي إبلهم، ومنه قولهم: " اذهب فلا أنده سربك " أي لا أردّ إبلك لتذهب حيث شاءت. وكانت العرب تطلق بقولهم: " اذهبي فلا أنده سربك " وبقولهم: " حبلك على غاربك " . ويقال: سرب الفحل يسرب سروباً إذا ذهب في الأرض؛ قال أخنس بن شهاب:
وكلُّ أناسٍ قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده فهو سارب
والسّرب: سرب الثعلب بفتح الراء، يقال: انسرب الثعلب إذا دخل في سربه، وعلى لفظه السّرب: الماء الذي يخرج من عيون خرز القربة الجديدة؛ قال جرير:
بلى فانهلّ دمعك غير نزرٍ ... كما عيّنت بالسّرب الطّبابا
والطّباب: واحدها طّبة، وهي رقعة تكون في أسفل المزادة، ويقال: سّرب قربتك، أي اجعل فيها الماء حتى تنسدّ عيون الخرز؛ وقال ذو الرمة:
ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلى مفريةٍ سرب
يريد: كأنه سربٌ من كلى مفريّة. وروى أبو عمرو الشّيباني: سربٌ بكسر الراء أي سائل، والأول رواية الأصمعي وهو أجود. وقال الأمويّ: السّرب: الخرز وهو شاذٌ لم يقله أحد غيره. والسّربة: الجماعة من الخيل والحمير والإبل. ويقال: سرّب على الإبل أي أرسلها قطعةً قطعةً. والمسربة: الشعر المستدقّ من الصّدر إلى السّرة؛ قال الشاعر:
الآن لمّا ابيض مسربتي ... وعضضت من نابي على جذم
والقارب: الطالب للماء، يقال: قربت الإبل تقرب، وأقربها أهلها، قال الأصمعي: فهم قاربون، ولا يقال: مقربون، وهذا الحرف شاذٌ. قال أبو علي: إنما قالوا: قاربون، لأنهم أرادوا ذوو قرب ولم يبنوه على أقرب، وليلة القرب: ليلة طلب الماء؛ أنشدني أبو بكر بن دريد:
يقاسون جيش الهرمزان كأنهم ... قوارب أحواض الكلاب تلوب
وتلوب: تحوم حول الماء من العطش، يقال: لابت تلوب لوباً. واللّواب: العطش الذي يحوم صاحبه حول الماء من شدّته. والجبا بفتح الجيم مقصور: ما حول الماء. والجِبا بكسر الجيم مقصور: ما جمعت في الحوض من الماء، ويقال له: جبوةٌ وجباوةٌ؛ وقال الكسائي: جبيت الماء في الحوض جباً مقصور، كذا روى أبو عبيدة عنه، وحكى اللحياني: جبيت وجبوت. والمنهل: الفرصة، والمنهل: الماء أيضاً، وإنما سمّي منهلاً، لأنه ينهل من العطش أي يروي. وقأت على أبي عمر قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:
ومنهلٍ فيه الغراب ميتُ ... كأنه من الأجوان زيت
سقيت منه القوم واستقيت ... وليلةٍ ذات ندىً سريت
ولم يلتني عن سراها ليت ... ولم تضرني كنةٌ وبيت
وجمّةٍ تسألني أعطيت ... وسائلٍ عن خبري لويت
" فقلت لا أدري وقد دريت " قال أبو علي: تصرني: تعطفني وتميلني. والبيت ها هنا: المرأة، يقال: هي بيته أي امرأته. والجمّة: القوم يسألون في الدية. " وسائل عن خبري لويت " هكذا أنشده ابن الأعرابي عن خبري، وأنشدنيه أبو بكر بن دريد عن خبر وهو أجود. وتمحه: تغترفه. والمائح: الذي ينزل في البئر إذا قلّ الماء فيملأ الدلو، أنشدني أبو بكر:
يأيها المائح دلولي دونكما ... إني رأيت النّاس يحمدونكا
" يثنون خيراً ويمجدونكا " ومن هذا قولهم: فلان يستميح فلاناً، وفلان يميح فلاناً؛ فأما الماتح فالذي يقوم على رأس البئر فيجذب الدّلو، قال ذو الرمة:
كأنها دلو بئرٍ جدّ ما تحتها ... حتى إذا ما رآها خانه الكرب
والدّلا: جمع دلاةٍ وهي الدّلو، قال الراجز:
إنّ دلاتي أيما دلاتي ... قاتلتي وملؤها جياتي
ويرتوين: يستقين، قال الأصمعي: يقال: رويت على أهلي أروي رياً فأنا راوٍ إذا أتيتهم بالماء، وقوم رواءٌ. والزّغب جمع أزغب وزغباء؛ وهي ذوات الزّغب، والزّغب: الريش الضعيف أول ما يبدو؛ ويقال للطائر أوّل ما يظهر ريشه: قد بثّر، ثم حمّم، ثم وتّد، ثم زغّب. والفلا: جمع فلاة، قال الشاعر:
إليك أبا حفصٍ تعسّفت الفلا ... برحلي فتلاء الذّراعين جلعد
وجمع الفلا فلّى. والورد: الورود: الإبل التي ترد الماء،كذا حكى الطّوسي عن ابن الأعرابي. ويرعوين: يعطفن ويرجعن. وونى:فتر. والعرمض والطّحلب والغلفق: الخضرة التي تعلو الماء؛ وقال الأصمعي: إذا قدم الماء علته ثلاثة أشياء: الطّحلب والعرمض والغلفق، فالعرمض: خضرة رفيقة، والطّحلب: مثل الرّجرجة تغطّي الماء، والغلفق: مثل صغار الورق ينبت نباتاً من أسفل إلى أعلاه؛ وقال يعقوب بن السّكّيت: العرمض أغلظ من الطّحلب، وأنشد الطّوسي لعمرو:
وماء بموماةٍ قليل أنيسه ... كأنّ به من لون عرمضه غسلا
والغسل: كل ما غسل به الرأس. والغسل ها هنا: الخطميّ. وطامياً: مرتفعاً؛ يقال طمى الماء يطمي طمياً وطماً يطمو طموّاً. والغثاء ممدود إليه فقصره، وهو ما على الماء من كسار العيدان وحطام النّبت. وأقعص: قتل. والإقعاص: أن تضرب الشيء أو ترميه فيموت مكانه؛ يقال منه: أقعصته إقعاصاً، ومثله أصميته إصماء، وزعفته وأزعفته وهو مأخوذ من الموت الزّعاف. والكدريّة: العظيمة من القطا، نسبها إلى الكدر وهي معظم القطا وهي كدر الألوان. والحيزوم: الصّدر. وغادر: ترك، قال عنترة: " هل غادر الشعّراء من متردّم "
والأشلاء: جمع شلو وهو بقّية الجسد. والجوافل: المنكشفة الذاهبة، واحدتها جافلة؛ ومنه قيل: جفلت الريح التّراب إذا كشفته وأذهبته. والطامسات: الدارسات؛ يقال: طمس وطسم إذا درس، وطامسات وطاسمات. والصّوى: الأعلام المنصوبة في الطريق ليهتدي بها واحدتها صوّةٌ؛ ومنه الحديث: " إنّ للإسلام صوىً ومناراً كمنار الطريق " ويقال: قد أصوى القوم إذا وقعوا في الصّوى. وقد استقصينا هذا الحرف في كتابنا المقصور والمدود. وأبن: رجعن، والآئب:الراجع، والإياب: الرّجوع. والمجاجات جمع مجاجةٍ وهي ما مجّته بأفواهها. والسّلى: الجلد الرقيق الذي يخرج على الولد. ويراطنّ: يعجمن، والتّراطن: مالا يفهم من كلام العجم، قال علقمة ابن عبدة:
يوحي إليها بإنقاضٍ ونقنقةٍ ... كما تراطن في أفدانها الرّوم
حدّثني أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال قال أعرابي: واللّه ما أحسن الرّطانة، وإني لأرسب من رصاصة، وما قرقمني إلا الكلام. والمقرقم: البطيء الشّباب، أنشد أبو عبيدة:
أشكو إلى اللّه عيالاً دردقا ... مقرقمين وعجوزاً شملقا
بالشين معجمة وهو أحد ما أخذ عليه. وروى ابن الأعرابي سملقا بالسين غير المعجمة وهو الصحيح. والدّردق: الصّغار. والرّقش: جمع أرقش ورقشاء وهي المنقّّطة، ويقال: رقشت الكتاب رقشاً ورقّشته إذا كتبته ونقطته، قال طرفة:
كسطور الرّقّ ... بالضّحى مرقّشُ يشمه
قال مرقّش الأكبر: - واسمه ربيعة -
الدّار قفرُ والرّسوم كما ... رقّش في ظهر الأديم قلم
وبهذا البيت سمّى مرقشاً. واللّها: جمع لهاةٍ، مثل قطاة وقطاً، وقد مدّه الشاعر للضرورة وهو ردىء جداً ليس كقصر الممدود، أنشدنا الفراء:
يالك من تمرٍ ومن شيشاء ... ينشب في المسعل واللّهاء
والشيشاء: الشّيص. والأجرد: القصير الشعر، وهو مدح في الخيل، قال الشاعر:
وأجرد من فحول الخيل طرف ... كأنّ على شواكله دهانا
والسّيد: الذئب، والعرب تشبّه به الفرس، قال امرؤ القيس:
عليه كسيد الرّدهة المتأوّب
والرّدهة: النّقرة في الجبل يستنقع فيها الماء، وجمعها رداةُ، والوقيعة: مثله، وكذلك الوقط والوجذ والقلت. والعبل: الغليظ، يقال: فرس عبل القةائم وعبل المحزم أي غليظ المحزم، وهو مدح في الخيل، قال امرؤ القيس:
سبيم الشّظى عبل الشّوى النّسا ... له حجبات مشرفاتُ على الفال
أراد الفائل، والفائل: عرقُ في الخربة يستبطن الفخد ويجري إلى الرّجلين. والخربة: النّقرة التي في الورك ليس بينها وبين الجوف عظم إنما هو جلد ولحم، قال الأعشى:
قد نطعن العير في مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل
وذلك أن الفارس الحاذق بالطعن إذا طعن الطّريدة تعمّد الخربة، لأنه ليس دون الجوف عظمُ، ولذلك فخر به الأعشى، أي إنا بصراء بمواضع الطعن. ومكنون الفائل: دمه. والشّوى: الأطراف: اليدان الرجلان، ومنه قيل: رماه فأشواه إذا أخطأه، كأن السهم مرّ بين شواه، ويكون أشواه أيضاً: أصاب شواه وهو غير مقتل. وأيدُ: قويُ، والأيد والآد: القوّة، قال اللّه عز وجل " والسّماء بنيناها بأيدٍ " ويستحب من الفرس أشراف القطاة والحارك، قال النابغة الجعدي:
على أنّ حاركه مشرفُ ... وظهر القطاة ولم يحدب
والأعمدة ها هنا: القوائم، واحدها عمود. والوجى: أن يجد الفرس وجعاً في باطن حافره من غير أن يكون فيه وهىُ ولا خرق، يقال: وجى الفرس يوجي وجىً شديداً. والمؤلّلة: المحدّدة، والعرب تستحبّ التّأليل في أذن لبفرس وتمدح به، قال الشاعر:
يخرجن من مستطير النّقع داميةً ... كأنّ آذانها أطراف أقلام
وحشرةٌ: لطيفة رقيقة، قال الشاعر:
لها أذنٌ حشرةٌ مشرةٌ ... كإعليط مرخٍ إذا ما صفر
المشرة: الورقة، يقال: قد تمشّر الشجر إذا أورق، وتمشّر الرجل إذا اكتسى. والإعليط: وعاء المرخ، والعرب تسبّه به آذان الخيل. وصفر: خلا، وكلّ لطيفٍ دقيق رقيقٍ حشرٌ، يقال:حربة حشرة، قال رؤبة:
ووافقت للرّمي حشرات الرّشق
قال ابن الأعرابي: حشرت العود إذا بريته، وأنشد:
وتلقي لئيم القوم للناس محشرا
أي يقشر أموالهم. والرّحاب والرّحيب: الواسع، مثل طوالٍ وطويل وجسام وجسيم. والهواء ممدودة قصره للضرورة وهو الفرجة بين الشيئين، يريد أنه واسع الجوف، كما قال امرؤ القيس:
وجوفٌ هواءٌتحت صلبٍ كأنّه ... من الهضبة الخلقاء زحلوق ملعب
والّلحيان: تثنية لحى وهما عظما الّلهزمتين وإذا طالا خدّ الفرس، وطول الخدّ مدح الخيل. والعرب تستحبّ سعة المنخر في الفرس، لأنه إذا اتسع منخره لم يحبس الرّبو في جوفه، قال امرؤ القيس:
لها منخرٌ كوجار الضّباع ... فمنه تريح إذا تنبهر
" ما يستحب طوله وقصره من الفرس " وفسر ابن الأعرابي في هذه القصيدة ما نحن ذاكروه، قال ابن الأعرابي: التّسعة الطّوال: عنقه وخدّاه ووظيفا رجليه وبطنه وذراعاه وفخذاه، وتفسيره غير موافق لقول الشاعر، لأنه ذكر عشرة أشياء وقد ذكر الشاعر تسعة، ونازعت فيه أبا عمرو في وقت قراءتي عليه، فقال، قال لنا أبو العباس: هذا غلطٌ من الشاعر، قال أبو علي: ونظرت فإذا لا تصحّ تسعة ولا سبعة فيقع الظنّ أن الراوي أخطأ في النقل، وذلك أنه أراد كل شيء يستحب طوله في القوائم فهي ثمانية: وظيفا الرجلين والذراعان، والثنن وهي الشعر الذي في مؤخّر الرسغ واحدتها ثنّة، ويستحبّ طولها وسوادها، لذلك قال الشاعر:
لها ثننٌ كخوافي العقا ... ب سودٌ يفين إذا تزبئرّ
ويفين: يطلن، يقال: وفي شعره يفي إذا طال. وتزبئرّ: تنتفش، فإن كان الشاعر ذهب إلى هذا وأراد معها العنق جاز وصح قوله، لأنه قال: تسعة في الشوى، والشوى: القوائم. وقال ابن الأعرابي: والتسعة القصار: أربعةٌ: أرساغه ووظيفا يديه وعسيبه وساقاه، وهذا صحيح على ما ذكرنا، لأنه ذكر العسيب مع القوائم فحمل كلامه على الأكثر كما ذكرنا في الأول. وقال ابن الأعرابي: والسبعة العارية: خذّاه وجبهته، والوجه كلّه، وأن يكون عاري القوائم من اللحم، هذه كلها تستحب. وسبع مكسوة: الفخذان وحاميتاه ووركاه وحصيرا جنبيه ونهدتاه وهما في الصدر، قال أبو العباس: كذا قال ابن الأعرابي: نهدتاه، وغيره يقول: فهدتاه، قال أبو علي: الصحيح فهدتاه وهما اللحمتان في الزور كالفهدين، وإن كان كلام ابن الأعرابي يحتمل في الاشتقاق أن يسمّيا النهدتين. وقال ابن الأعرابي: السبع التي قربت، يريد سبع خصالٍ صالحة قربن منه، وسبع خصال رديئة بعدن منه فلسن فيه، وقال ابن الأعرابي: وتسع غلاظ: أوظفته الأربعة وأرساغه الأربعة غلاظ وعكوته غليظة. والسبع الرقاق: منخراه وأذناه وحجفلتاه وشفرته. وحديد الثمان: عرقوباه وأذناه وقلبه ومنكباه . وعريض الثمان: عريض الفخذين والوركين والأوظفة. وفيه من الطير خمس: النسر في باطن الحافر، والغرابان: ما أشرف منوركيه، والصرد: عرقٌ تحت لسانه، وعصفوره: عظم في وسط هامته، هذا جميع ما فسره ابن الأعرابي في هذه القصيدة.
" ما يستحب من الفرس تفصيلاً " قال أبو علي: يستحب من الفرس طول العنق، ولذلك قال امرؤ القيس:
وسالفةٌ كسحوق اّلليا ... ن أضرم فيها الغوىّ السّعر
والّليان: النخل. وقد روى في هذا البيت الّلبان، مكان أبو بكر بن دريد رحمه اللّه يردّ هذه الرواية ويقول: كيف يشّبه طول عنقه بشجرة الّلبان وهي مقدار قعدة الرجل في الأرتفاع!. ويستحبّ هرت الشّدقين وطول الخدّين، ولذلك قال الشاعر:
هريت قصير عذار الّلجام ... أسيلٌ طويل عذار الرّسن
يريد أن مشقّ شدقيه من الجانبين مستطيل فقد قصر عذار لجامه لأنه يدخل في فيه، وأنه أسيل الخدّ. والأسالة: الطّول، فعذار رسنه طويل لطول خدّه، لأن الرسن لا يدخل في فيه، وأنه شيء. ويستحب طول وظيفي الرّجلين، ولذلك شبّّذهت بالنّعام في طول الوظيف، لأن ما يشبّه من خلق الفرس بخلق النعام طول الوظيفين وقصر الساقين، قال أبو دواد:
لها ساقا ظليمٍ خا ... ضبٍ فوجئ بالّرعب
ويستحبّ قصر الظهر مع طول البطن، ويستحبّ طول الذراعين، ولذلك شبّهته العرب بالظبي.ومما يشبّه من خلق الفرس بخلق الظبي طول وظيفي رجليه وتأنيف عرقوبيه، والتأنيف: التحديد، ولذلك قال أبو دواد:
طويلٌ طامح الطّرف ... إلى مفزعة الكلب
حديد الطّرف والمنك ... ب والعرقوب والقلب
لأن حدّة العرقوب تستحبّ من الفرس وهو من الظبي كذلك، وتستحب حدّة القلب والطّرف والمنكب. ويستحب سموّ الطّرف. ومما يشبّه أيضاً من خلق الفرس بخلق الظبي عظم فخذيه وكثرة لحمهما، وعرض وركيه وشدّة متنيه وإجفار جنبيه أي إنتفاخهما، ولذلك قال أبو النجم: " منتفخ الجوف عريضٌ كلكله " وقصر عضديه ونجل مقلتيه ولحوق أياطله، ولذلك قال امرؤ القيس:
له أيطلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ ... وإرخاء سرحانٍ وتقريب تتفل
والسّرحان: الذئب؛ ويقال: إنه أحسن الدوابّ تقريباً، والتقريب: أن يرفع يديه معاً ويضعهما معاً. ومما يشبّه من خلق الفرس بخلق حمار الوحش غلظ اللحم وتعييره، والتعيير: أن يجتمع اللحم على رءوس العظام فيصير كالعير الذي في وسطه نصل السّهم وهو الناشز في وسطه، وكذلك عير الكتف الناشز في وسطه، وظماء فصوصه وسراته وهو أعلى ظهره، ولذلك قال الشاعر:
له متن عيرٍ وساقا ظليم
وتمكّن أرساغه وتمحيصها، والتمحيص ألا يكون على قوائمه لحم، ولذلك قال الشاعر:
وأحمر كالدّيباج أما سماؤه ... فرياّ وأما أرضه فمحول
سماؤه: أعاليه. وأرضه: قوائمه. وعرض صهوته، والصّهوة: موضع الّلبد من الفرس حيث الراكب، وصهوة كل شيء: أعلاه، ولذلك قال امرؤ القيس:
له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ ... وصهوة عيرٍ قائم فوق مرقب
ويستحبّ من الفرس طول الذّنب في كثرة شعر، ولذلك قال طفيلٌ الغنويّ:
وأذنابها وحفٌ كأنّ ذيولها ... مجرّ أشاءٍ سميحة مرطب
ويستحب غلظ الأرساغ، ولذلك قال الجعدي:
كأنّ تماثيل أرساغه ... رقاب وعولٍ على مشرب
ويستحبّ عرض الصدر مع دقة الزّور وهو الجؤجؤ، ولذلك قال امرؤ القيس:
له جؤجؤ حشر كأنّ لجامه ... يعالي به رأس جذعٍ مشذّب
فوصفه بدقّة الزّور وطول العنق. ويستحبّ من الفرس أن يكون إذا استدبرته كالمنكبّ وإذا استقبله كالمقعى وإذا استعرضته مستوياً. قال أبو علي: وحدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال أخبرني عصام بن خليفٍ السّلمى قال قال ابن أقيصر: خير الخيل الذي إذا استدبرته جنأ، وإذا استقبله أقعى، وإذا استعرضه استوى، وإذا مشى ردى، وإذا عدا دحا. فالرّديان: أن يرجم الأرض رجماً بين المشي الشديد والعدو، وإذا رمى بيديه رمياً لا يرفع سنبكه عن الأرض قيل: مرّ يدحو دحواً؛ وبهذا الإسناد قال: حدّثني بعض أهل العلم أن عبد الرحمن الثقفي بن أم الحكم ابنة أبي سفيان - وكان على الكوفة - أرسل ألف فرس في حلبة فعرضها على ابن أقيصر أحد بني أسد بن خزيمة، فقال: تجىء هذه سابقةً، فسألوه، ما الذي رأيت فيها؟ قال: رأيتها مشت فكتفت، وخبّت فوجعت، وعدت فنسفت، قال: فجاءت سابقة.
قال أبو علي: قوله: مشت فكتفت أي حرّكت كتفيها. والكتف: المشي الرّويد، قال الشاعر: " قريح سلاحٍ يكتف المشي فاتر " والوجيف: ضرب من السير فيه بعض السّرعة وهو دون الشّدّ، يقال: وجف يجف وجيفاً. ومثله الوضع، يقال: وضع يضع وضعاً. قال الأصمعي: قيل لرجل أسرع: كيف كنت في سيرك؟ قال كنت آكل الوجبة، وأنجو الوقعة، وأعرّس إذا أفجرت، وأرتحل إذا أسفرت، وأسير الوضع، وأجتنب الملع، فجئتكم لمسى سبع أي لمساء سبع ليال. فالملع: أرفع من الوضع. ونسفت: أدنت سنبكها من الأرض في عدوها؛ يقال للفرس: إنه لنسوف السّنبك.
وحدّثني أبو بكر بالإسناد الذي تقدّم قال: حدّثني رجل من أهل الشام قال: سئل بعض بصراء أهل الشام: متى يبلغ ضمر الفرس؟ فقال: إذا ذبل فريره، وتفلّقت غروره، وبدا حصيره، واسترخت شاكلته. قال الأصمعي: الفرير: موضع المجسّة من عرف الفرس. والغرور: الغضون التي في جلده، واحدها غرٌّ. والحصير: العصبة التي في الجنب في أعلى الأضلاع مما يلي الصلب والشاكلة: الطّفطفة.
" ما في الفرس من أسماء الطير " قال أبو علي: وذكر هذا الشاعر خمسة من الطير في الفرس، وفي كل فرس من أسماء الطير عدّة أكثر من هذه: فمنها العظم الذي في أعلى رأسه؛ وفيه الدماغ، ويقال لها: أمّ الدماغ أيضاً؛ والفرخ أيضاً: وهو الدماغ وجمعه فروخ؛ والنّعامة: الجلدة التي تغطّى الدماغ؛ والعصفور: العظم الذي تنبت عليه الناصية ، قال حميد:
ونكّل الناس عنا في مواطننا ... ضرب الرؤوس التي فيها العصافير
والذّبابة: النّكيتة الصغيرة التي في إنسان العين فيها البصر. والصّردان: عرقان تحت لسانه. والسّمامة: الدائرة التي في صفحة العنق. والقطاة: مقعد الرّديف. والغربان: رأسا الوركين فوق الذّنب حيث يلتقي رأس الورك الأيمن والأيسر. وقال الأصمعي: وفي الورك ثلاثة أسماء: فحرفاها المشرفان على الفخذين: الجاعرتان وهما موضع الرّقمتين من آست الحمار، وحرفاها المشرفان على الذّنب حيث يلتقي رأس الورك الأيمن والأيسر: الغربان. وحرفاهااللّذان يشرفان على الخاصرتين:الحجبتان. والخرب: الهزمة التي بين الحجبة والقصرى. والنّاهض: العظم الذي على أعلى العضد، والجمع نواهض وأنهضٌ، وأنشد أبو عبيد:
وقرّبوا كلّ جماليٍّ عضه ... أبقى السّناف أثراً بأنهضه
والحمامة: القصّ. والنسّر: كالنّوى. والحصى: الصّغار يكون في الحافر مما يلي الأرض، قال الشاعر:
مفجّ الحوامي عن نسورٍ كأنها ... نوى القصب ترّت عن جريمٍ ملجلج
قال أبو علي: مفجٌ: واسع. والحوامي: نواحي الحافر، واحدتها حامية وإنما سّميت حاميةً لأنها تحمى النّسور. وترّت: ندرت ونزت. والجريم: التّمر المجروم وهو المصروم. وملجلج من قولهم لجلج اللقمة في فيه إذا حرّكها، فالملجلج: الحرّك المدار في الفم. والفراش: العظام الرّقاق في أعلى الخياشم وهي تسمّى الخشارم. والسّحاة: كلّ ما رقّ وهشّ من العظام التي تكون في الخياشم وفي رءوس الكتفين. والصّقران: الدائرتان اللتان في مؤخر اللّبد دون الحجبتين. وخظا: ممتلئ. والصّفاق: الجلدة التي تحت الجلدة التي عليها الشعر من السّرّة إلى القنب، والقنب: وعاء قضيبه. واليعسوب: الغرّة تكون على قصبة الأنف فوق الرّثم، ويقال: اليعسوب: كل بياض على قصبة الأنف عرض أو اعتدل لا يبلغ الخليقاء، والخليقاء: حيث التقى عظم أعلى الأنف وعظم الحاجب.والمحاليج: التي تدرّ في الشتاء، واحدها مجالح، وقال الأصمعي: إذا كانت الناقة تدرُّ على الجوع والبرد فهي مجالح وقد جالحت مجالحة، وأنشد:
لها شعرٌ داج وجيدٌ مقلصٌ ... وجسمٌ خدارىٌّ وضرعٌ مجالح
وقال الفرزدق:
مجاليح الشتاء خبعثناتٌ ... إذا النّكباء ناوحت الشّمالا
والخبعثنات: الغلاظ الشّداد،واحدها خبعثنة، ومنه قيل للأسد: خبعثنة. وشمّ: مرتفعة. والذّرى: الأسنمة، واحدها ذروة. وأعلى كل شيء ذروته. ويقال للّسنام: الذّروة والشّرف والقمعة والقحدة والهودة والعريكة والكتر، قال علقمة بن عبدة:
كترٌ كحافة كير القين ملوم
قال الأصمعي: ولم أسمع بالكتر الا في هذا البيت. والعضّ: علف أهل الأمصار مثل القتّ والنّوى، قال الأعشي:
من سراة الهجان صلّبها الع ... ضّ ورعى الحمى وطول الحيال
الرّعى مصدر رعى يرعى رعياً، والرّعى: الكلأ. ونقفيه: نؤثره، والقفيّة: الأثرة. والقفاوة: ما يخصّ به الرجل من الطعام، وقال الشاعر:
ونقفي وليد الحيّ إن كان جائعاً ... ونحبسه إن كان ليس بجائع
وقاظ من القيظ. وصنيع: مصنوعّ. والعانة: جماعة الحمر وجمعها عاناتٌ وعونٌ، قال أبو النجم يذكر امرأة:
تعدّ عانات اللّوى من مالها
وقال حميد الأارقط:
أحقب شحّج مشلّ عون
والغطاط: الصّبح بضم الغين، قال الراجز:
وردت قبل سدفة الغطاط
فأما الغطاط بالفتح: فضرب من القطا، قال الهذلي:
وماءٍ قد وردت أميم طامٍ ... على أرجائه زجل الغطاط
وخماصٌ: ضوامر. والعجى: جمع عجايةٍ، ويقال: عجاوة أيضاً، كذا قال الأصمعي وهي قدر مضغةٍ ملصقةٍ بعصبة تنحدر من ركبة البعير إلى فرسنة، قال امرؤ القيس:
تطاير ظرّان الحصى عن مناسمٍ ... صلاب العجى ملثومها غير أمعرا
وقال أبو عمرو الشيباني: العجاية: عصبة في باطن يد الناقة وهي من الفرس مضيغو. وجدّل: ألقاها على الجدالة، والجدالة: الأرض، أنشد أبو زيد:
قد أركب الآلة ... وأترك العاجز بالجدالة
وشاصٍ: مرتفع، يقال: شصا يشصو إذا ارتفع، قال الأخطل يصف زقاق الخمر:
أناخوا فجرّوا شاصياتٍ كأنها ... رجالٌ من السّودان لم يتسربلوا
والقصب: المعي، وجمعه أقصاب. والوقف: الخلخال ما كان من شيء من فضة أو غيرها وأكثر ما يكون من القرون والعاج. والأهيف: الضّامر. وغّلوا له: أغلوا في الثمن أي ارتفعوا فيهاوالغلوّ: مجاوزة القدر في الشيء والإرتفاع فيه، ومنه سميت الغالية من الروافض. والتّمائم جمع تميمة وهي العوذة، قال أبو ذؤيب:
وإذا المنّية أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمةٍ لا تنفع
قال أبو علي: وحدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا العتبيّ عن أبيه عن جدة قال: وليّ معاوية روح بن زنباع فعتب عليه في جناية فكتب إليه بالقدوم، فلّما قدم أمر بضربه بالسّياط فلما أقيم ليضرب، قال: نشدتك اللّه يا أمير المؤمنين، أن تهدم منّي ركناً أنت بنيته، أو أن تضع منّي خسيسةً أنت رفعتها، أو تشمت بي عدوّاً أنت وقمته، وأسألك باللّه إلاّ أتى وعفوك دون إفساد صنائعك، فقال معاوية: إذا اللّه سنّي عقد أمرٍ تيسّر، خلّوا سبيله.
" كلام خطيب الأزد لما بعث الحجاج خطباء من الأحماس إلى عبد الملك " وحدثنا أبو بكر: قال أخبرنا العكليّ قال حدّثني حاتم بن قبيصة عن شبيب بن شيبة قال: بعث الحجاج خطباء من الأحماس إلى عبد الملك فتكلّموا، فلما إنتهى الكلام إلى خطيب الأزد قام فقال: قد علمت العرب أنا حيّ فعال، ولسنا بحيّ مقال، وأنا نجزي بفعلنا عند أحسن قولهم، إنّ السيوف لتعرف أكفّنا، وإن الموت ليستعذب أرواحنا، وقد علمت الحرب الزّبون أنا نقرع جماحها، ونحلب صراها، ثم جلس.
وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: مر رجل على قبر عامر بن الطّفيل فقال: عم صباحاً أبا عليّ، فلقد كنت سريعاً في وعدك إذا وعدت المولى، بطيئاً في إيعادك إذا أوعدته، ولقد كانت هدايتك كهداية النّجم، وجرأتك كجرأة السيل، وحدّك كحدّ السيف.وحدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: بلغني أن ابن ملجم لعنه اللّه حين ضرب علياً رضوان اللّه عليه، قال: أما أنا فقد أرهفت السيف، وطردت الخوف، وحثثت الأمل، وبقيت الرجل، وضربته ضربةً لو كانت بأهل عكاظ قتلتهم، وفي ذلك يقول النّجاشي:
إذا حيّةٌ أعيا الرّقاة دواؤها ... بعثنا لها تحت الظّلام ابن ملجم
" وصية بعضهم لولده لما أراد التزوّج وجواب ابنة الخس لمن سألها " وقال يعقوب: قال الفراء سمعت الكلابيّ يقول: قال بعضهم لولده: يا بنيّ، لا تتّخذها حنّانةً ولا أنّانة، ولا منّانة، ولا عشبة الدّار، ولا كبّة القفا. الحنّانة: التي لها ولد من سواه فهي تحنّ عليهم.والأنّانة: التي مات عنها زوجها فهي إذا رأت الزوج الثاني أنّت، وقالت: رحم اللّه فلاناً، لزوجها الاوّل، والمنّانة: التي لها مال، فهي تمنّ على زوجها كلما أهوى إلى شيء من مالها. وقوله: عشبة الدار يريد الهجينة. وعشبة الدار: التي تنبت في دمنة الدار وحولها عشبٌ في بياض الأرض فهي أفحم منه وأضخم، لأنها غذتها الدّمنة، وذلك أطيب للأكل رطباً ويبساً، لأنه نبت في أرض طيبة وهذه نبتت في دمنة فهي منتنة رطبةٍ، وإذا يبست صارت حتاتاً وذهب قفّها في الدّمنة فلم يمكن جمعه، وذلك يجمع قفّه لأنه في أرض طيبة، قال أبو العباس أحمد بن يحيى: القفّ: ما يبس من البقل، وسقط على الأرض في موضع نباته. وقوله: كبّة القفا هي التي يأتي زوجها أو ابنها القوم، فإذا انصرف من عندهم قال رجل من جبناء القوم: قد واللّه كان بيني وبين امرأة هذا المولى أو أمه أمرٌ.
وقال بهذا الزبيري: أتى رجلٌ ابنة الخّس يستشيرها في امرأة يتزوجها فقلت: انظر رمكاء جسيمة، أو بيضاء وسيمة؛ في بيت جدٍّ، أو بيت حدّ، أو بيت عز. قال: ما تركت من النساء شيئاً، قالت بلى! شر النساء تركت، السّويداء الممراض، والحميراء المحياض، الكثيرة المظالظ. قال أبو علي: الرّمكاء: السّمراء، والرّمكة: لون الرماد، ومنه قيل: بعير أرمك، وناقة رمكاء. والمظالظ: المشارّة والمشاقّة، قال رؤبة: " لأواءها والأزل والمظاظا " اللأواء: الشدّة. والأزل: الضّيق.
قال وحدثني الكلابي، قال: قيل لابنة الخسّ: أيُّ النساء أسوأ؟ قالت: التي تقعد بالفناء، وتملأ الإناء، وتمدق ما في السّقاء. قيل: فأيّ النساء أفضل؟ قالت: التي إذا مشت أغبرت، وإذا نطقت صرصرت، متورّكة جاريةً، في بطنها جاريةٌ، يتبعها جارية، أي هي مئناث. قال أبو علي أغبرت: أثارت الغبار في مشيتها. وصرصرت: أحدّت صوتها، أنشدني أبو بكر بن دريد رحمه اللّه لجرير.
لكن سواده يجلو مقلتي ضرم ... بازٍ يصرصر فوق المرقب العلي
ويروى: ذاكم سواده.... .قيل: فأيُّ الغلمان أفضل؟ قالت: الأسوق الأعنق، الذي إن شبَّ كأنه أحمق. قيل: فأيُّ الغلمان أفسل؟ قالت:الأويقص القصير العضد، العظيم الحاوية، الأغيبر الغشاء، الذي يطيع أمّه، ويعصي عمّه. قال أبو علي: الأسوق: الطويل الساق. والأعنق: الطويل العنق. والأويقص تصغير أوقص، والأوقص: الذي يدنو رأسه من صدره، قال رؤبة:
أدمّه صياغةً وأرذله ... أوقص يخزى الأقربين عيطله
العيطل: الطويل العنق - وجمعه وقصقٌ، وقد وقص يوقص وقصاً، ومنه الأوقص قاضي المدينة. والحاوية: ما تحّوي من البطن أي استدار مثل الحوايا، والحوايا: جمع حويّة وهو كساء يدار حول سنام البعير يركب عليه الراكب.
" قصيدة مضرس المزني " وأنشدنا أبو بكر رحمه اللّه قال أنشدنا أبو حاتم لمضّرس بن قرط بن الحارث المزني:
أهاجتك آيات عفون خلوق ... وطيف خيانٍ للمحبّ يشوق
وما هاجه من رسم دارٍ ودمنةٍ ... بها من منطافيل الظّباء فروق
تلوح مغانيها بحجرٍ كأنها ... رداء يمانٍ قد أمحّ عتيق
تعذّبني بالودّ سعدى فليتها ... تحمل منا مثله فتذوق
ولو تعلمين العلم أيقنت أنّني ... وربّ الهدايا المشعرات صدوق
أذود سوام الطّرف عنك وماله ... إلى أحدٍ إلا عليك طريق
أهمّ بصرم الحبل ثم يردّني ... عليك من النّفس الشّعاع فريق
تهيّجني للوصل أيامنا الألى ... مررن علينا والزمان وريق
ليالي لا تهوين أن تشحط النّوى ... وأنت خليلٌ لا يلام صديق
ووعدك إيّانا وقد قلت عاجلٌ ... بعيد كما قد تعلمين سحيق
فأصبحت لا تجزينني بمودّتي ... ولا أنا للهجران منك مطيقٌ
وأصبحت عاقتك العوئق إنها ... كذاك ووصل الغانيات يعوق
وكادت بلاد اللّه يا أمّ معمرٍ ... بما رحبت يوماً عليّ تضيق
تتوق إليك النفس ثم أردّها ... حياءً ومثلي بالحياء حقيق
وإنّي وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من احاث الرّدى لشفيق
وإن كنت لمّا تخبريني فسائلي ... فبعض الرجال للرجال رموق
سلي هل قلاني من عشيرٍ صحبته ... وهل ذمّ رحلي في الرّحال رفيق
وهل يجتوى القوم الكرام صحابتي ... إذا أغبرّ مخشيّ الفجاج عميق
وأكتم أسرار الهوى فأميتها ... إذا باح مزّاحٌ بهنّ بروق
ويروى:
... ... ... ... وأميتها ... إذا باح مزاح بهن نزوق
شهدت بربّ البيت أنك عذبة الث ... نايا وأنّ الوجه منك عتيق
وأنك قسّمت الفؤاد فبعضه ... رهينٌ وبعضٌ في الحبال وثيق
سقاك وإن أصبحت وانية القوى ... شقائق مزنٍ ماؤهن فتيق
بأسحم من نوء الثّريّا كأنما ... سفاه إذا جنّ الظّلام حريق
صبوحي إذا ما ذرّت الشمس ذكركم ... وذكركم عند المساء غبوق
وتزعم لي يا قلب أنك صابرٌ ... على الهجر من سعدي فسوف تذوق
فمت كمداً أو عش سقيماً فإنما ... تكلّفني ما لا أراك تطيق
قال أبو علي: الشّعاع: المتفرّق المنتشر، قال قيس بن الخطيم:
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائرٍ ... لها نفذٌ لولا الشّعاع أضاءها
" الكلام على مادة جنب "
قال الأصمعي يقال: جنّب بنو فلان فهم مجنّبون إذا لم يكن في إبلهم لبنٌ. وأهدوا إلى بني فلان منلبنكم فإنهم مجنبون، قال الجميح بن منقذ:
لمّا رأت إبلي قلّت حلوبتها ... وكلّ عام عليها عام تجنيب
ويقال: إنّ عنده لخيراً مجنباً وشراً مجنباً أي كثير. والمجنب: الترّرس، قال الهذلي:
صبّ اللّهيف لها السّبوب بطغيةٍ ... تنبي العقاب كما يلطّ المجنب
اللّهيف: الملهوف وهو المكروب. والسّبوب: الجبال، واحدها سبٌّ؛ قال أبو ذؤيب:
تدلّى عليها بين سبٍّ وخيطةٍ ... شديد الوصاة نابلٌ وابن نابل
والنابل: الحاذق. والطّغية. ناحيةٌ من الجبل يزلق منها، وقال غيره: الطّغية: الشّمراخ نت شماريخ الجبل. ويلّط: يكبّ. ويقال: جنبت الريح تجنب جنوباً إذا هبّت جنوباً. وجنبنا منذ أيامٍ أي أصابتنا الجنوب؛ وأجنبنا منذ أيام دخلنا في الجنوب، وسحابة مجنونة: جاءت بها الجنوب. وجنب فلانٌ في بني فلان إذا نزل فيهم غريباً، ومنه قيل: جانبٌ للغريب وجمعه جنّات أنشدني أبو الياس للقطامي:
فسلّمت والتسليم ليس يضرّها ... ولكنه حتمٌ على كلّ جانب
أي على كل غريب. ورجل جنب: غريب وجمعه أجنابٌ؛ قال اللّه عز وجل: " والجار الجنب " أي الجار الغريب. وقال نعم القوم هم لجار الجنابة أي الغربة، ويقال: جنبت فلاناً الخير أي نحيّته عنه وجنّبته أيضاً بالتثقيل، قال أبو نصر: والتخفيف أجود؛ قال اللّه عز وجل: " واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام " . وجلس فلان جنبةً أي ناحية، قال الراعي:
أخليد إنّ أباك ضاف وساده ... همّان باتا جنبةً ودخيلا
وأصابنا مطر تنبت عنه الجنبة وه نبت، يقال: أعطني جنبة فيعطيه جلد جنب بعيرٍ فيتخذ منه علبة، والعلبة: قدح من جلود يحلب فيه، ويقال: فلان من أهل الجناب بكسر الجيم لموضع بنجد. وفرس طوع الجناب إذا كان سهل القياد. ولجّ فلانٌ في جنابٍ قبيح إذا لج في مجانية أهله، فأما الجناب بفتح الجيم فما حول الرّجل وناحيته وفناء داره؛ وجلس فلان بجنب فلان وجانبه، ويقال: مرّوا يسيرون جنابيه وجنابتيه وجنبتيه إذا مرّوا يسيرون إلى جانبه. وجنبت الدابة أجنبها إذا قدتها. والجنيبة: الدابة تقاد فتسير إلى جنبك؛ وقال يعقوب: الجنيبة: الناقة يعطيها الرجل القوم إذا خرجوا يمتارون، ويعطيهم دارهم يمتارون له عليها، وأنشد:
رخو الحبال مائل الحقائب ... ركابه في القوم كالجنائب
أي هي ضائعة، وقال أبو عبيدة: الجنيب: التّابع، وأنشد لأرطاة بن سهيّة يهجو شبيب بن البرصاء
أبي كان خيراً من أبيك ولم تزل ... جنيباً لآبائي وأنت جنيب
والجنب مفتوحة النون: أن تجنب الدابة، قال امرؤ القيس: " لها جنبٌ خلفها مسبطرّ " أراد ذنبها، كأنها تجنبه. ومسبطرٌّ: ممتدّ. ويقال: جنب البعير يجنب جنباً إذا ظلع من جنبه.
ويقال: الجنب: لصوق الرئة بالجنب من شدة العطش، قال ذو الرمة:
وثب المسحّج من عانات معلقةٍ ... كأنه مستبان الشّكّ أو جنب
والشّكّ: الظّلع الخفيف، ويقال: ضربه فجنبه إذا كسر جنبه.
" قصيدة الحكم بن عبدل الأسدي وقد اجتمع الشعراء بباب الحجاج " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه قال حدّثني أبي قال حدّثني أحمد بن عبيد عن سهل بن محمد قال: اجتمع الشعراء بباب الحّجاج وفيهم الحكم بن عبدلٍ الأسدي فقالوا: أصلح اللّه الأمير، إنما شعر هذا الفأر وما أشبهه، قال: ما يقول هؤلاء يا بن عبدل؟ قال: اسمع أيها الأمير، قال: هات، فأنشده:
وإنّي لأستغني فما أبطر الغنى ... وأعرض ميسوري لمن يبتغي عرضي
وأعسر أحياناً فتشتدّ عسرتي ... فأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي
وما نالني حتّى تجلّت فأسفرت ... أخو ثقةٍ فيها بقرضٍ ولا فرض
ولكنّه سيب الإلهع وحرفتي ... وشدّى حيازيم المطيّة بالغرض
لأكرم نفسي أن أرى متخشّعاً ... لذي مّنة يعطي القليل على النّحض
قد امضيت هذا في وصيّة عبدلٍ ... ومثل الذي أوصى به والدي أمضى
أكفّ الأذى عن أسرتي وأذوده ... على أنني أجزى المقارض بالقرض
وأبذل معروفي وتصفو خليقتي ... إذا كدّرت أخلاق كلّ فتىً محض
وأقضي على نفسي إذا ألحقّ نابني ... وفي الناس من يقضي عليه ولا يقضى
وأمضي هموهي بالزّماع لوجهها ... إذا ما الهموم لم يكد بعضها يمضي
وأستنقذ المولى من الأمر بعد ما ... يزلّ كما زلّ البعير عن الدّحض
وأمنحه مالي وودّي ونصرتي ... وإن كان محنّى الضلوع على بغضي
ويغمره سيبي ولو شئت ناله ... فوارع تبرى العظم من كلمٍ مضّ
ولست بذي وجهين فيمن عرفته ... ولا البخل فاعلم من سمائي ولا أرضي
قال: وسمع الحجاج هذا البيت:
ولست بذي وجهين فيمن عرفته
فضّله على الشعراء بجائزة ألف درهم في كل مرة يعطيهم قال أبو علي: الغرض والغرضة والسّفيف والبطان والوضين: حزام الرّحل. والنّحض: اللحم، ونحضت اللحم عن العظم نحضاً إذا عرقته. والدّحض: الزّلق. والمضّ: مصدر مضّه يمضّه مضاً فأقام المصدر مقام الفاعل، كما قالوا: رجل عدلٌ أي عادل.
" تفسير قوله تعالى : وكان اللّه على كل شيء حسيباً " قال أبو علي وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال: في قوله عز وجل: " وكان اللّه على كل شيء حسيباً " أربعة أقوال؛ يقال: عالما، ويقال: مقتدرا، كافياً، ويقال: محاسباً، فالذي يقول: كافياً، يحتجّ بقوله جل وعز: :يأيّها النّبيّ حسبك اللّه " أي كافيك اللّه، وبقوله عز وجل: " عطاءً حساباً " أي كافياً، وبقول الشاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك سيفٌ مهنّد
أي يكفيك ويكفي الضحاك، وبقول امرئ القيس:
فتملأ بيتنا أقطاً وسمناً ... وحسبك من غنيً شبعٌ ورىّ
أي يكفيك الشّبع والرّيّ، وتقول العرب: أحسبني الشيء يحسبني إحساباً وهو محسبٌ، قال الشاعر:
وإذ ما أرى في الناس حسناً يفوقها ... وفيهنّ حسنٌ لو تأملّت محسب
وبقول الآخر:
ونقفى وليد الحيّ إن كان جائعاً ... ونحسبه إن كان ليس بجائع
أي نعطيه حتى يقول: حسبي أي كفاني، وقالت الخنساء:
يكّبون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تحسب المائة الوليدا
والذي يجعله بمعنى محاسب يحتجّ بقول قيس المجنون:
دعا المحرمون اللّه يستغفرونه ... بمكة يوماً أن تمحّى ذنوبها
وناديت يا ريّاه أوّل سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فمعناها أنت محاسبها على ظلمها. والذي يقول: عالما، يحتج بقول المخبّل السّعدي:
فلا تدخلنّ الدّهر قبرك حوبةً ... يقوم بها يوماً عليك حسيب
أي محاسبك عليها بظلمك. والذي قال مقتدراً، لم يحتجّ بشىء.
قال أبو علي: والقولان الأوّلان صحيحان في الأشتقاق مع الرواية، والقولان الآخران لا يصحّان في الأشتقاق، ألا تراه قال في تفسير بيت المخّبل السّعدي: محاسبك عليها عالم بظلمك، فالحسيب في بيته المحاسب وهو بمنزلة قول العرب: الشّريب للمشارب، وأنشد الفراء:
فلا أسقى ولا يسقى شريبي ... ويرويه إذا أوردت مائي
أي مشاربي. وأنشد أبو بكر بن دريد عن أبي حاتم عن أبي زيد والأصمعي:
ربّ شر يبٍ لك ذي حساس ... شرابه كالحزّ بالمواسي
ليس بمحمودٍ ولا مواسي ... عجلان يمشي مسية النّفاس
ويروي: النّفاس، فمعناه ربّ مشاربٍ لك. والحساس: الشّرّ.
" شرح حديث رب تقبل دعوتي إلخ " قال حدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن خالد البزاز قال حدّثنا عبيد الله ابن عمرو قال حدّثنا يحيى بن سفيان قال: سمعت عمرو بن مرة يقول حدّثنا عبد الله بن الحارث عن طليق بن قيس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء له: " ربّ تقبّل توبتي وأجب دعوتي واغسل حوبتي وثبّت حجتي واهد قلبي وسدّد لساني واسلل سخيمة قلبي " .
قال أبو بكر: الحوبة: الفعلة من الحوب وهو الإثم، يقال: حاب الرجل إذا أثم، قال الله عز وجل: " إنه كان حوباً كبيراً " وقرأ الحسن: إنه كان حوباً كبيراً، فقال الفراء: الحوب المصدر، والحوب الاسم، وقال نابغة بني شيبان:
نماك أربعةٌ كانوا أئمتنا ... فكان ملكك حقاً ليس بالحوب
والسخيمة: الحقد، وفيه لغات؛ يقال: في قلبي علي فلان ضغنٌ، وحقدٌ، وضبٌّ، ووترٌ، ودعثٌ وطائرةٌ، وترةٌ، وذحلٌ، وتبلٌ، ووغمٌ، ووغرٌ، وغمرٌ، ومئرةٌ، وإحنة، ودمنة، وسخيمةٌ، وحسيكةٌ، وحسيفةٌ، وكتيفةٌ، وحشنةٌ، وحزازةٌ، وحزازٌ، ويقال: حزّازٌ، قال الشاعر:
فتىً لا ينام على دمنةٍ ... ولا يشرب الماء إلا بدم
وقال لبيد:
بيني وبينهم الأحقاد والدّمن
وقال الأعشى:
يقوم على الوغم في قومه ... فيعفوا إذا شاء أو ينتقم
وقال أيضاً:
ومن كاشحٍ ظاهرٍ غمره ... إذا ما انتسب له أنكرن
وقال ذو الرمة:
إذا ما امرؤٌ حاولن أن يقتتلنه ... بلا إحنةٍ بين النفوس ولا ذحل
وقال نصيب:
أمن ذكر ليلى قد يعاودني التبل ... على حين شاب الرأس واستوسق العقل
وقال القطامي:
أخوك الذي لا تملك الحسّ نفسه ... وترفضّ عند المحفظات الكتائف
أي الأحقاد، واحدها كتيفة. والكتيفة أيضاً: الضبّة من الحديد. وأنشد أبو محمد الأموي في الحشنة:
ألا لا أرى ذا حشنةٍ في فؤاده ... يجمجمها إلا سيبدو دفينها
وأنشدنا محمد بن القاسم قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي:
إذا كان أولاد الرجال حزازةً ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب
" نزول الأصمعي بقوم من غني وفيهم شيخ عالم بالشعر وأيام الناس " قال وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي قال: نزلت بقوم من غنيّ مجتورين هم وقبائل من بني عامر بن صعصعة، فحضرت نادياً لهم وفيهم شيخ لهم طويل الصمت عالم بالشعر وأيام الناس يجتمع إليه فتيانهم ينشدونه أشعارهم، فإذا سمع الشعر الجيد قرع الأرض قرعةً بمحجنٍ في يده فينفذ حكمه على من حضر ببكٍ للمنشد، وإذا سمع مالا يعجبه قرع رأسه بمحجنه فينفذ حكمه عليه بشاة إن كان ذا غنم وابن مخاض إن كان ذا إبل، فإذا أخذ ذلك ذبح لأهل النادي، فحضرتهم يوماً والشيخ جالسٌ بينهم، فأنشده بعضهم يصف قطاةً:
غدت في رعيلٍ ذي أداوي منوطةٍ ... بلباتها مربوعةٍ لم تمرّخ
قال أبو علي: تمرّخ: تلّين.
إذا سربخٌ عطّت مجال سراته ... تمطّت فحطّت بين أرجاء سربخ
السربخ: الأرض لواسعة. وعطّت: شقّت، فقرع الأرض بمحجنه وهو لا يتكلم، ثم أنشده آخر يصف ليلة:
كأنّ شميط الصبح في أخرياتها ... ملاءٌ ينقّي من طيالسةٍ خضر
تخال بقاياها التي أسأر الدجى ... تمدّ وشيعاً فوق أردية الفجر
فقام كالمجنون مصلتاً سيفه حتى خالط البرك، فجعل يضرب يميناً وشمالاً وهو يقول:
لا تفرغن في أذني بعدها ... ما يستفز فأريك فقدها
إني إذا السيف تولّى ندّها ... لا أستطيع بعد ذاك ردّها
قال أبو علي قال الأصمعي: البرك: إبل أهل الحواء بالغةً ما بلغت، وقال أبو عبيدة: البرك: الإبل البروك، وقال أبو عمرو: البرك: ألف بعير.
" سؤال أعرابي الأصمعي " قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو عثمان الأشنانداني قال: كنا يوماً في حلقة الأصمعي إذ أقبل أعرابي يرفل في الخزوز، فقال: أين عميدكم؟ فأشرنا إلى الأصمعي، فقال: ما معنى قول الشاعر:
لا مال إلا العطاف توزره ... أمّ ثلاثين وابنة الجبل
لا يرتقي النّزّ في ذلاذله ... ولا يعدّى نعليه عن بلل؟
قال: فضحك الأصمعي وقال:
عصرته نطفةٌ تضمّنها ... لصبٌ تلقى مواقع السبل
أو وجبةٌ من جناة أشكلةٍ ... إن لم يرغها بالقوس لم تنل
قال: فأدبر الأعرابي وهو يقول: تالله ما رأيت كاليوم عضلةً! ثم أنشدنا الأصمعي القصيدة لرجل من بني عمرو بن كلاب أو قال من بني كلاب. قال أبو بكر: هذا يصف رجلاً خائفاً لجأ إلى جبل وليس معه إلا قوسه وسيفه، والسيف: هو العطاف، وأنشدنا:
لا مال لي إلا عطافٌ ومدرعٌ ... لكم طرفٌ منه حديدٌ ولي طرف
وقوله:
أم ثلاثين وابنة الجبل
يعني كنانةً فيها ثلاثون سهماً. وابنة الجبل: القوس لأنها من نبع، والنبع لا ينبت إلا في الجبال. وقوله: لا يرتقي النزّ أي ليس هناك نزّ، والنز: الندى لأنه في جبل. والذّلاذل: ما أحاط بالقميص من أسفله، واحدها ذُلذُلٌ وذِلذِلٌ، وقال أبو زيد: وذُلَذِلٌ. وقوله: لا يعدّى نعليه عن بلل أي لا يصرفهما عن بلل أي ليس هناك بلل. والعصرة والعصر والمعتصر: الملجأ. والنطفة: الماء، يقع على القليل منه والكثير وليس بضدٍّ. واللصب كالشق يكون في الجبل. وقوله: تلّقى مواقع السبل أي قبل وتضمن. والسبل: المطر. والوجبة الأكلة في اليوم. وقال الأصمعي سمعت أعرابياً يقول: فلان يأكل الوجبة، ويذهب الوقعة أي يأكل في اليوم مرة ويتبرّز مرة. والجناة والجنى واحد: وهو ما اجتني من الثمر. والأشكلة: سدرٌ جبليٌّ لا يطول، أنشدنا أبو بكر:
عوجاً كما اعوجّت قسيّ الأشكل
وأنشدنا مرة: قياس الأشكل. والأشكل: جمع أشكلة.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عبّاد قال: دخل أعشى بني ربيعة على عبد الملك بن مروان وعنده ابناه الوليد وسليمان، فقال له: يا أبا المغيرة، ما بقي من شعرك؟ فقال: والله لقد ذهب أكثره، وأنا الذي أقول:
ما أنا في أمري ولا في خصومتي ... بمهتضم حقي ولا سالمٍ قرني
ولا مسلم مولاي عند جنايةٍ ... ولا مظهرٍ عيني وما سمعت أذني
وفضّلني في الشعر والعلم أنني ... أقول على علم وأعلم ما أعني
فأصبحت إذ فضّلت مروان وابنه ... على الناس قد فضّلت خير أبٍ وابن
فقال عبد الملك: من يلومني على حبّ هذا! وأمر له بجائزة وقطيعةٍ بالعراق، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الحجّاج علي واحد، فكتب إليه بالصفح عنه، وبحسن صلته، فأمر له الحجاج بذلك.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا ثعلب قال أنشدنا ابن الأعرابي:
ويأخذ عيب المرء من عيب نفسه ... مرادٌ لعمري ما أراد قريب
قال وقال لنا بعض المشايخ: هذا البيت مبني على كلام الأحنف بن قيس وقال له رجل: ادللني على رجل كثير العيوب، فقال: اطلبه عيّاباً فإنما يعيب الناس بفضل ما فيه.
وحدثنا ابن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: نزلت في واد من أودية بني العنبر واإذا هو معانٌ بأهله وإذا فتيةٌ يريدون البصرة، فأحببت صحبتهم فأقمت ليلتي تلك عليهم، وإني لوصبٌ محمومٌ أخاف لا أستمسك على راحلتي، فلما قاموا ليرحلوا أيقظوني، فلما رأوا حالي رحلوا بي وحملوني وركب أحدهم ورائي يمسكني، فلما أمعنوا في السير: تنادوا: ألا فتىً يحدو بنا أو ينشدنا؟ فإذا منشدٌ في جوف الليل بصوتٍ ندٍ حزين يقول:
لعمرك إني يوم بانوا فلم أمت ... خفاتاً على آثارهم لصبور
غداة المنقي إذ رميت بنظرةٍ ... ونحن على متن الطريق نسير
ففاضت دموع العين حتى كأنها ... لناظرها غصنٌ يراح مطير
فقلت لقلبي حين خفّ به الهوى ... وكاد من الوجد المبرّ يطير
فهذا ولمّا تمض للبين ليلةٌ ... فكيف إذا مرّت عليك شهور
وأصبح أعلام الأحبة دونها ... من الأرض غولٌ نازحٌ ومسير
وأصبحت نجدي الهوى متهم النوى ... ازيد اشتياقاً إذ يحن بعير
عسى الله بعد النأي أن يصقب النوى ... ويجمع شملٌ بعدها وسرور
قال: فسكنت عني الحمى حتى ما أحس بها، وقلت لرديفي؛ انزل إلى راحلتك فإني مفيقٌ متماسكٌ، جزاك الله وحسن الصحبة خيرا!.
" تفسير قوله تعالى: وهو شديد المحال " قال وحدثنا أبو بكر عن أبي حاتم عن ابن الأثرم عن أبي عبيدة قال: معنى قوله عز وجل: " وهو شديد المحال " شديد المكر والعقوبة، وأنشدنا ابن الأنباري لعبد المطلب بن هاشم:
لا همّ إنّ المرء يم ... نع رحله فامنع حلالك
لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم غدراً محالك
وقال الأعشى:
فرع نبعٍ يهتز في غصن المج ... د غزير الندى عظيم المحال
معناه عظيم المكر، وقال نابغة بني شيبا:
إنّ من يركب الفواحش سرّاً ... حين يخلو بسره غير خالي
كيف يخلو وعنده كاتباه ... شاهداه وربّه ذو المحال
وقال الآخر:
أبرّ على الخصوم فليس خصمٌ ... ولا خصمان يغلبه جدالا
ولبس بين أقوامٍ فكلٌّ ... أعدّ له الشغازب والمحالا
قال أبو علي: الشغزبية: ضرب من الصراع، يقال: اعتقله الشغزبيّة، وهو أن يدخل المصارع رجله بين رجلي الآخر فيصرعه.
قال أبو بكر سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى النحوي قال يقال: المحال مأخوذ من قول العرب: محل فلانٌ بفلان إذا سعى به إلى السلطان وعرّضه لما يوبقه ويهلكه، قال أبو بكر: ومن ذلك قولهم في الدعاء: اللهم لا تجعل القرآن بنا ماحلاً أي لا تجعله شاهداً علينا بالتضييع والتقصير. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " القرآن شافعٌ مشفّعٌ وما حلٌ مصدّقٌ من شفع له القرآن يوم القيامة نجا ومن محل به القرآن كبّه الله على وجهه في النار " وروى عن الأعرج أنه قرأ: " شديد المحال " بفتح الميم، أي شديد الحول. وتفسير ابن عباس يدّل على فتح الميم، لأنه قال: وهو شديد الحول. والمحالة في كلام العرب على أربعة معانٍ: المحالة: الحيلة؛ والمحالة: البكرة التي تعلّق على رأس البئر؛ والمحالة: الفقرة من فقر الظهر وجمعها محالٌ؛ والمحالة مصدر قولهم: حلت بين الشيئين. قال أبو زيد: ماله حيلةٌ ولا محالة ولا محالٌ ولا محيلةٌ ولا محتالٌ ولا احتيالٌ ولا حولٌ ولا حويلٌ؛ وأنشد:
قد أركب الآلة بعد الآلهوأترك العاجز بالجدالهمنعفراً ليست له محاله
أي حيلة. والجدالة: الأرض، يقال: تركت فلاناً مجدّلاً أي ساقطاً على الجدالة، وأنشدنا أبو بكر ابن الأنباري:
ما للرجال مع القضاء محالةٌ ... ذهب القضاء بحيلة الأقوام
قال وحدثني أبي قال: بعث سليمان المهلبي إلى الخليل بن أحمد بمائة ألف درهم وطالبه لصحبته فردّ عليه المائة الألف وكتب إليه:
أبلغ سليمان أني عنه في سعةٍ ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
شحي بنفسي أني لا أرى أحداً ... يموت هزلاً ولا يبقى على حال
والرزق عن قدرٍ لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
والفقر في النفس لا في المال تعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
قال أبو علي: والعرب تقول: حولق الرجل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ أنشدنا محمد ابن القاسم:
فداك من الأقوام كل مبخّل ... يحولق إما ساله العرف سائل
أي يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال: أحمد بن عبيد: حولق الرجل وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وبسمل الرجل إذا قال: بسم الله. وقد أخذنا في البسملة، وأنشدنا ابن الأعرابي:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ... فيا بأبي ذاك الغزال المبسمل
وقال أبو عكرمة الضبي: قد هيلل الرجل إذا قال: لا إله إلا الله؛ وقد أخذنا في الهيللة. وقال الخليل بن أحمد: حيعل الرجل إذا قال حيّ على الصلاة؛ قال الشاعر:
أقول لها ودمع العين جارٍ ... ألم يحزنك حيعلة المنادي
" تفسير حديث أكل السفرجل يذهب بطخاء القلب " وحدثنا محمد بن القاسم قال حدّثنا محمد بن يونس الكديمي قال حدّثنا إبراهيم بن زكريا البزاز قال: حدّثنا عمرو بن أزهر الواسطي عن أبان عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أكل السفرجل يذهب بطخاء القلب " قال أبو بكر: الطخاء: الثقل والظلمة، ويقال: ليلةٌ طخياء وطاخيةٌ. قال وأنشدنا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي:
ليت زماني عاد لي الأولّ ... وما يردّ ليت أو لعلّ
وليلة طخياء يرمعلّ ... فيها على الساري ندىً مخضلّ
قال أبو علي: يقال: ارمعلّ وارمعنّ إذا سال، وقال الطخاء: الغيم الكثيف. قال أبو علي: لم أسمع الطخاء الغيم الكثيف إلا منه، فأما الذي عليه عامة اللغويين فالطخاء: الغيم الذي ليس بكثيف. وقال الأصمعي: الطخاء والطهاء والطخاف والعماء: الغيم الرقيق، كذلك روى عنه أبو حاتم. وقال أبو عبيد عنه: الطّخاء: السحاب المرتفع، وفسّر أبو عبيد حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطخاء: الغشى والثقل، وهذا شبيه بالقول الأول. قال أبو علي: وحقيقته عندي أي ما جلّل القلب حتى يسدّ الشهوة، ولذا قيل للسحاب: طخاء لأنه يجلّل السماء، ولذلك قيل لليلة المظلمة: طخياء لأنها تجلّل الأرض بظلمتها.
" ما وقع لدريد بن الصمة يوم الظعينة وإغارة بني كنانة على بني جشم " وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: خرج دريد بن الصمّة في فوارس من بني جشم حتى إذا كانوا في واد لبني كنانة رفع لهم رجل في ناحية الوادي ومعه ظعينةٌ، فلما نظر إليه قال لفارس من أصحابه: صح به: خلّ الظغينة وانج بنفسك، وهم لا يعرفونه، فانتهى إليه الفارس، فصاح به وألح عليه، فلما أبى ألقى زمام الراحلة وقال للظغينة:
سيري على رسلك سير الآمن ... سير لرداحٍ ذات جأشٍ ساكن
إنّ انثنائي دون قرني شائني ... أبلى بلائي وأخبري وعايني
ثم حمل عليه فصرعه وأخذ فرسه وأعطاه للظغيتة، فبعث دريد فارساً آخر لينظر ما فعل صاحبه، فلما انتهى إليه ورآه صريعاً صاح به فتصامّ عنه، فظنّ أنه لم يسمع فغشيه، فألقى زمام الراحلة إلى الظغينة ثم رجع وهو يقول:
خلّ سبيل الحّرة المنيعهإنكّ لاقٍ دونها ربيعهفي كفّه خطيّةٌ مطيعه
أولا فخدها طعنةً سريعه ... والطّعن منّى في الوغى شريعه
ثم حمل عليه فصرعه، فلما أبطأ على دريد بعث فارساً ثالثاً لينظر ما صنعا، فلما انتهى إليهما رآهما صريعين ونظر إليه يقود ظغينته ويجرّ رمحه فقال له: خلّ سبيل الظغينة، فقال للظغينة: اقصدي قصد البيوت، ثم أقبل عليه فقال:
ماذا تريد من شتيمٍ عابسألم تر الفارس بعد الفارسأرداهما عامل رمح يابس
ثم حمل عليه فصرعه وانكسر رمحه، وارتاب دريد وظن أنهم قد أخذوا الظغينة وقتلوا الرجل، فلحق ربيعة وقد دنا من الحيّ ووجد أصحابه قد قتلوا، فقال: أيها الفارس، إنّ مثلك لا يقتل ولا أرى معك رمحاً، والخيل ثائرة بأصحابها فدونك هذا الرّمح فإني منصرف إلى أصحابي فمثبطهم عنك، فانصرف دريد وقال لأصحابه: إنّ فارس الظغينة قد حماها وقتل فرسانكم وانتزع دمى ولا مطمع لكم فيه فانصرفوا، فانصرف القوم فقال دريد:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... حامي الظغينة فارساً لم يقتل
أردى فوارس لم يكونوا نهزةً ... ثم استّمر كأنه لم يفعل
متهللاً تبدو أسرّة وجهه ... مثل الحسام جلته كفُّ الصّقيل
يزجى ظغينته ويسحب رمحه ... متوّجهاً يمناه نحو المنزل
وترى الفوارس من مخافة رمحه ... مثل البغاث خشين وقع الأجدل
ياليت شعري من أبواه وأمّه ... يا صاح من يك مثله لا يجهل
قال أبو علي: البُغاث والبِغاث، والبُغاث أكثر وأشهر. وقال ربيعة:
إن كان ينفعك اليقين فسائلي ... عنّي الظغينة يوم وادي الأخرم
إذ هي لأوّل من أتاها نهبةٌ ... لولا طعان ربيعة بن مكدّم
إذ قال لي أدنى الفوارس ميتةً ... خلِّ الظّغينة طائعاً لا تندم
فصرفت راحلة الظّغينة نحوه ... عمداً ليعلم بعض ما لم يعلم
وهتكت بالرّمح الطويل إهابه ... فهوى صريعاً لليدين وللفم
ومنحت آخر بعده جياشةً ... نجلاء فاغرةً كشدق الأضجم
ولقد شفعتهما رآخر ثالثٍ ... وأبى الفرار لي الغداة تكرّمي
ثم لم تلبث بنو كنانة أن أغارت على بني جشم فقتلوا وأسروا دريد بن الصّمّة، فأخفى نفسه؛ فبينا هو عندهم محبوس إذ جاءه نسوةٌ يتهادين إليه، فصرخت إحداهنّ فقالت: هلكتم وأهلكتم! مذا جرّ علينا قومنا! هذا والله لذي أعطى ربيعة رمحه يوم الظعينة! ثم ألقت عليه ثوبها وقالت: يال فراسٍ، أنا جارةٌ له منكم، هذا صاحبنا يوم الوادي، فسألوه: من هو؟ فقال: أنا دريد بن الصّمّة، فمن صاحبي؟ قالوا: ربيعة بن مكدم، قال: فما فعل؟ قالوا قتله بنو سليم، قال؛ فما فعلت الظعينة؟ قالت المرأة؟ أنا هيه وأنا امرأته، فحبسه القوم وآمروا أنفسهم، فقال بعضهم: لا ينبغي لدريد أن نكفر نعمته على صاحبنا. وقال آخرون: والله لا يخرج من أدينا إلا برضا المخارق الذي أسره، فانبعثت المرأة في الليل وهي ريطة بنت جذل الطّعان تقول:
سنجزي دريداً عن ربيعة نعمةً ... وكلّ امرئ بما كان قدّما
فإن كان خيراً كان خيراً جزاؤه ... وإن كان شرّاً مذمما
سنجزيه نعمى لم تكن بصغيرة ... بإعطائه الرّمح الطويل المقوّما
فقد أدركت كفاه فينا جزاءه ... وأهلٌ بأن يجزي الذي كان أنعما
فلا تكفروه حقّ نعماه فيكم ... ولا تركبوا تلك التي تملأ الفما
فلو كان حياً لم يضق بثوابه ... ذراعاً غنياً كان أو كان معدما
ففكّوا دريداً من إسار مخارقٍ ... ولا تجعلوا البؤسى إلى الشر سلّما
فلما أصبحوا أطلقوه، فكسته وجهّزته ولحق بقومه، فلم يزل كافاً عن غزو بني فراس حتى هلك.
" ذكر ما استحسن من شعر قيس بن الخطيم " قال أبو علي: ومما استحسنه من شعر قيس بن الخطيم قال وقرأت شعر قيس بن الخطيم على أبي بكر بن دريد رحمه الله:
إن تلق خيل العامري مغيرةً ... لا تلقهم متقنّعي الأعراف
وإذا تكون عظيمةٌ في عامرٍ ... فهو المدافع عنهم والكافي
الواترون المدركون بتبلهم ... والحاشدون على قرى الأضياف
قال: ومما اختار الناس لقيس بن الخطيم:
أني سربت وكنت غير سروب ... وتقرّب الأحلام غير قريب
ما تمنعي يقظي فقد تؤتينه ... في النوم غير مصردٍ محسوب
كان المنى بلقائها فلقيتها ... فلهوت من لهو امرئٍ مكذوب
فرأيت مثل الشمس عند طلوعها ... في الحسن أو كدنّوها لغروب
قال وحدثني أبو بكر بن دريد قال: قامت لأنصار إلى جرير في بعض قدماته المدينة فقالوا: أنشدنا يا أبا حرزة، قال: أنشد قوماً منهم الذي يقول:
ما تمنعي يقظي فقد تؤتينه ... في النوم غير مصرد محسوب
قال: وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لرجل من بني جعدة:
لا خير في الحبّ وقفاً لا تحركه ... عوارض اليأس أو يرتاحه الطّمع
لو كان لي صبرها أو عندها جزعي ... لكنت أملك ما آتي وما أدع
إذا دعا باسمها داعٍ ليحزنني ... كادت له شعبةٌ من مهجتي تقع
لا أحمل اللّوم فيها والغرام بها ... ما حمّل الله نفساً فوق ما تسع
قال: وأنشدني بعض أصحابنا:
أيا شجر الخابور مالك مورقاً ... كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتىً لا يحبّ الزاد إلا من التّقى ... ولا المال إلا من قناً وسيوف
ولا الذخر إلا كلّ جرداء صلدمٍ ... وكل رقيق الشفرتين حليف
عليك سلام الله حتماً فإنني ... أرى الموت وقّاعاً بكل شريف
قال أبو علي: الجرداء: القصيرة الشعر. والصّلدم: الشديدة، يعني فرساً. والحليف: الحديد، حكى الأصمعي عن العرب: إن فلاناً لحليف اللسان طويل الأمّة أي طويل القامة.
قال: وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم والرياشي عن أبي زيد للأقرع القشيري:
فأبلغ مالكاً عني رسولاً ... وما يغني الرسول إليك مال
تخادعنا وتوعدنا رويداً ... كدأب الذئب يأدو للغزال
فلا تفعل فإنّ أخاك جلد ... على العزّاء فيها ذو احتيال
وإنا سوف نجعل موليينا ... مكان الكليتين من الطّحال
ونغني في الحوادي عن أخينا ... كما تغني اليمين عن الشّمال
قال أبو علي: يأدو: يحتل، أنشد أبو زيد:
أدوت له لآخذة ... فهيهات الفتى حذرا
والعزّاء: الشدّة. ومنه قيل: تعزّز لحم الفرس إذا اشتدّ.
" تفسير قوله تعالى: وليمحص الله الذين آمنوا " قال أبو علي: قرأت على أبي بكر بن الأنباري في قوله جل وعز: " وليحّص الله الذين ىمنوا ويمحق الكافرين " أقوال، قال قوم: يمحّصهم: يجردهم من ذنوبهم؛ واحتجّوا بقول أبي دواد الإيادي يصف قوائم الفرس:
صمّ النسور صحاحٌ غير عاثرة ... ركّبن في محصاتٍ ملتقى العصب
النسور: شبه النوى التي تكون في باطن الحافر. ومحصاتٌ: أراد قوائم منجرداتٍ ليس فيها إلا العصب والجلد والعظم، ومنه قولهم: اللهم محّص عنّا ذنوبنا. قال: وقال الخليل معنى قوله جل وعز: وليمحّص : وليخلّص. وقال أبو عمرو إسحاق بن نزار الشيباني: وليمحّص: وليكشف: واحتجّ بقول الشاعر:
حتى بدت قمراؤه وتمحّصت ... ظلماؤه ورأى الطريق المبصر
قال ومعنى قولهم: اللهم محّص عنا ذنوبنا، أي اكشفها، وقال آخرون: اطرحها عنا: قال أبو علي: هذه الأقوال كلها فيالمعنى واحد، ألا ترى أن التخليص تجريد، والتجريد كشفٌ، والكشف طرح لما عليه.
" الكلام على مهر البغي وحلوان الكاهن " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدّثنا أبو مصعب الزهري عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري قال: نهى رسول الله صلى الله وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن. قال أبو علي قال الأمعي: البغيّ: الأمة، وجمعه بغايا. وفي الحديث : " قامت على رؤوسهم البغايا " وقال الأعشى:
والبغايا يركضن أكسية الإض ... ريح والشرعبيّ ذا الأذيال
وقال الآخر:
فخر البغيّ بحدج ربّ ... تها إذا ما الناس شلّوا
أي طردوا. والبغيّ أيضاً: الفاجرة، يقال: بغت تبغي إذا فجرت. والبغاء: الفجور في الإماء خاصةً قال الله عز وجل: " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء " . والبغيّة: الربيئة؛ قال الشاعر:
وكان وراء القوم منهم بغيّةٌ ... فأوفى يفاعاً من بعيدٍ فبشّرا
وجمعها بغايا؛ وقال طفيل الغنويّ:
فألوت بغاياهم بنا وتباشرت ... إلى عرض جيشٍ غير أن لم يكتّب
يكتّب: يجمع. وقال أبو بكر: في الحلوان أربعة أقوال: أحدها أن الحلوان أجرة ما يأخذه الكاهن على مهانته. والقول الثاني: أن الحلوان الرّشوة التي يرشاها الكاهن على كهانته وغير الكاهن، يقال: حلوت الرجل أحلوه حلواناً؛ قال الشاعر:
كأنّي حلوت الشّعر يوم مدحته ... صفا صخرةٍ صماّء يبسٍ بلالها
والقول الثالث أن الحلوان ما يأخذه الرجل من مهر ابنته، ثم اتّسع فيه حتى قيل في الرشوة والعطية، قالت امراة من العرب تمدح زوجها.
" لا يأخذ الحلوان من بناتيا " والقول الرابع أن الحلوان هو ما يعطاه الرجل مما يستحليه ويستطيبه، يقال منه: حلوت الرجل إذا أعطيته ما يستحليه طعاماً كان أو غيره، كما تقول: عسلت الرجل إذا أطعمته العسل أو ما يستحليه كما يستحلى العسل.
" اجتماع عامر بن الظرب وحممة بن رافع عند ملك من ملوك حمير وتساؤلهما عنده "
وحدّثنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال: كان أبو حاتم يضنّ بهذا الحديث ويقول: ما حدّثني به أبو عبيدة حتى اختلفت إليه مدّةً وتحمّلت عليه بأصدقائه من الثّقفييّن وكان لهم مواخياً. قال حدّثنا أبو حاتم قال حدّثني أبو عبيدة قال حدّثني غير واحد من هوازن من أولى العلم وبعضهم قد أدرك أبوه الجاهلية أو جدّه، قال: اجتمع عامر بن الظّرب العدوانيّ وحممة بن رافع الدّوسي - ويزعم النّسّاب أن ليلى بنت الظّرب أمّ دوس بن عدنان وزينب بنت أم ّثقيف وهو قيسيّ - قال: اجتمع عامر وحممة عند ملك من ملوك حمير فقال: تساءلا حتى أسمع ما تقولان، قال قال عامر لحممة: أين تحبّ أن تكون أياديك؟ قال: عند ذي الرّثية العديم، وذي الخلّة الكريم، والمعسر الغريم، والمستضعف الهضيم. قال: من أحقّ الناس بالمقت؟ قال: الفقير المختال، والضّعيف الصّوّال، والعييّ القوّال. قال: فمن أحقّ الناس بالمنع؟ قال: الحريص الكاند، والمستميد الحاسد، والملحف الواجد. قال: فمن أجدر الناس بالصّنيعة؟ قال: من إذا أعطى شكر، وإذا منع عذر، وإذا موطل صبر، وإذا قدم العهد ذكر. قال: من أكرم الناس عشرة؟ قال: من إن قرب منح، وإن بعد مدح، وإن ظلم صفح، وإن ضويق سمح. قال: من ألأم الناس؟ قال: من إذا سأل خضع، وإذا سئل منع، وإذا ملك كنع، ظاهره جشع، وباطنه طبع. قال: فمن أحلم الناس؟ قال: من عفا إذا قدر، وأجمل إذا انتصر، ولم تطغه عزّة الظّفر. قال: فمن أحزم الناس؟ قال: من أخذ رقاب الأمور بيديه، وجعل العواقب نصب عينيه، ونبذ التّهيب دبر أذنيه. قال: فمن أخرق الناس؟ قال: من ركب الخطار، واعتسف العثار، وأسرع في البدار، قبل الاقتدار. قال: فمن أجود الناس؟ قال: من بذل المجهود، ولم يأس على المعهود. قال: فمن أبلغ الناس؟ قال:من جلّى المعنى المزيز، باللفظ الوجيز، وطبّق المفصل قبل التّحزيز. قال: من أنعم الناس عيشاً؟ قال: من تحلّى بالعفاف، ورضى بالكفاف، وتجاوز ما يخاف الى ما لا يخاف. قال: فمن أشقى الناس؟ قال: من حسد على النّعم، وتسخّط على القسم. واستشعر النّدم، على فوت ما لم يحتم. قال: من أغنى الناس؟ قال من استشعر الياس، وأبدى التّجمّل للناس؛ واستكثر قليل النّعم ولم يسخط على القسم. قال: فمن أحكم الناس؟ قال: من صمت فادّكر، ونظر فاعتبر، ووعظ فازدجر. قال: من أجهل الناس؟ قال: من رأى الخرق مغنماً، والتّجاوز مغرماً.
قال أبو علي: الرّثية: وجع المفاصل واليدين والرجلين، قال أبو عبيدة أنشدت يونس النحويّ:
وللكبير رثيات أربع ... الرّكبتان والنّسا والأخدع
فقال: إي واللّه، وعشرون رثية. والخلّة: الحاجة. والخلّة: الصداقة، يقال: فلان خلّتي، وفلانة خلّتي، الذكر والأنثى فيه سواء. وخلّي وخليلي. والخلّ: الطريق في الرّمل. والخلّ: الرجل الخفيف الجسم، قال وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه اللّه:
فاسقينها يا سواد بن عمروٍ ... إنّ جسمي بعد خالي لخلّ
والخليل أيضاً: المحتاج؛ قال زهير:
وإن أتاه خليلٌ يوم مسألةٍ ... يقول لا غائبٌ مالي ولا حرم
وقد استقصيناه هذا الباب فيما مضى من الكتاب. والكاند: الذي يكفر النعمة. والكنود: الكفور؛ ومنه قول اللّه عز وجل " إنّ الإنسان لربه لكنود " وامرأة كنودٌ: كفورٌ للمواصلة. والمستميد مثل المستمير وهو المستعطي؛ ومنه اشتقاق المائدة لأنها تماد، ولا تسّمى مائدة حتى يكون عليها طعام، فإذا لم يكن عليها طعام فهي خِوانٌ وخُوان، وجمع خِوانٍ خٌونٌ. وكنع: تقبضّ، يقال: قد تكنّع جلده إذا تقبّض يريد أنه ممسك بخيل. والجشع: أسوأ الحرص. والطّبع: الدّنس. ويقال: جعلت الشيء دبر أذني إذا لم ألتفت إليه. والاعتساف: ركوب الطرق على غير هداية وركوب الأمر على غير معرفة. والمزيز من قولهم: هذا أمزُّ من هذا أي أفضل منه وأزيد، قال وحدثني أبو بكر بن دريد قال سأل أعرابيٌ رجلاً درهماً، فقال: لقد سألت مزيزاً، الدرهم: عشر العشرة، والعشرة: عشر المائة، والمائة: عشر الألف، والألف: عشر ديتك. والمطبّق من السيوف: الذي يصيب المفاصل فيفصلها لا يجاوزها.
قال وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: دخلت على امرأة من العرب بأعلى الأرض في خباءٍ لها وبين يديها نبيٌ لها قد نزل به الموت، فقامت إليه فأغمضته وعصّبته وسجّته، ثم قالت: يا بن أخي، قلت: ما تشائين؟ قالت: ما أحقّ من ألبس النّعمة وأطيلت به النّظرة أن لا يدع التّوثق من نفسه قبل حلّ عقدته والحلول بعقوته والمحالة بينه وبين نفسه، قال: وما يقطر من عينها قطرةٌ صبراً واحتساباً، ثم نظرت إليه فقالت: واللّه ما كان مالك لبطنك ولا أمرك لعرسك! ثم أنشدت تقول:
رحيب الذّراع بالتي لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا
قال وأنشدني أبو محمد عبد اللّه بن جعفر النحوي قال أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد قال أنشدني الخثعمي لنفسه:
أيّها النّاعيان من تنعيان ... وعلى من أراكما تبكيان
نعيا الثّاقب الزنّاد أبا إس ... حاق ربّ المعروف والإحسان
إذهبا بي إن لم يكن لكما عق ... ر إلى ترب قبره فاعقراني
وانضحا من دمي عليه فقد كا ... ن دمي من نداه لو تعلمان
" شرح أبيات لضمرة بن ضمرة " قال وقرأت على أبي بكر الأنباري في كتابه، وقرئ عليه في المعاني الكبير ليعقوب بن السّكّيت وأنا أسمع قال وقرأت بعض هذه الأبيات على أبي بكر بن دريد في كتاب النوادر لابن دريد قال ضمرة ابن ضمرة:
بكرت تلومك بعد وهنٍ في النّدى ... بسلٌ عليك ملامتي وعتابي
ولقد علمت فلا تظنّي غيره ... أن سوف تخلجني سبيل صحابي
أأصرّها وبنّي عمّي ساغبٌ ... فكفاك من إبةٍ عليّ وعاب
أرأيت إن صرخت بليلٍ هامتي ... وخرجت منها بالياً أثوابي
هل تخمشن إبلي عليّ وجوهها ... أم تعصبنّ رءوسها بسلاب
قال أبو علي: بكرت: عجلت، ومنه باكورة الرّطب والفاكهة وهو المتعجّل منه، ولم يرد الغدّو، ألا تراه قال: بعد وهنٍ أي بعد نومة، والعرب تقول: أنا أُبكّر إليك العشيّة أي أُعجل ذلك وأسرعه. والبسل: الحرام هاهنا، قال زهير:
بلادٌ بها نادمتهم وألفتهم ... فإن تقويا منهم فإنهما بسل
أي حرام، قال أبو حاتم يقال: للواحد والإثنين والجماعة والمؤنث والمذكر بسلٌ بلفظ الواحد، كما يقال: رجل عدل وقوم عدل. والبسل في غير هذا: الحلال وهو من الأضداد قال أنشدني أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال أنشدنا أبو حاتم عن أبي زيد:
زيادتنا نعمان لا تحرمنّنا ... تقِ اللّه فينا والكتاب الذي نتلو
أيثبت ما زدتم وتلغى زيادتي ... دمي إن أسيغت هذه لكم بسل
أي حلال. وتخلجني: تجذبني، ومنه قيل للماء: خليج لأنه انجذب إلى جهة من الجهات، ومنه قيل للّجام: خليج لأنه يجذب الدابة ويمكن أن يكون فعيلاً في معنى مفعول لأنه يخلج أي يجذب. والسّغب: الجوع والمسغبة: المجاعة؛ والساغب: الجائع. والإبة الحياء، يقال: أوأبته فاتأب مثل اتّعد؛ وحكى يعقوب عن أبي عمرو الشّيباني قال: حضرني أعرابي فقدّمت إليه طعاماً فأكل منه فقلت له: ازدد، فقال: يا أبا عمرو ما طعامك بطعام تؤبةٍ. وقال أبو يزيد لأعرابية بالعيون: مالك لا تصيرين إلى الرّفقة؟ فقالت: أخزى أن أمشي في الرّفاق أي أستحي، والخزاية: الحياء. والعاب: العيب؛ قال أبو زيد سمعت أعرابياً يقول: إن الرّجز لعابٌ أي عيبٌ، والرّجز: أن يرعد عجز البعير إذا أراد النّهوض، وأنشد:
تجد القيام كأنّما هو نجدةٌ ... حتى تقوم تكلّف الرّجزاء
والذّكر أرجز. والسّلاب: خرقة سوداء تتقنّع بها المرأة في المأتم.
قال وقرأت على أبي محمد عبد اللّه بن جعفر قال أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد قال وأنشدني أبو بكر بن الأنباري قال: قرئ على أبي العباس أحمد بن يحيى:
رمتني وستر اللّه بيني وبينها ... عشيةّ أحجار الكناس رميم
فلو كنت أسطيع الرّماء رميتها ... ولكنّ عهدي بالنّضال قديم
رميم التي قالت لجارات بيتها ... ضمنت لكم ألاّ يزال يهيم
قال أنشدني محمد بن السّريّ:
قل لحادي المطيّ خفّض قليلاً ... تجعل العيس سيرهن ذميلا
لا تقفها على السّبيل ودعها ... يهدها شوق من عليها السّبيلا
" من شعر أبي حية النمري " قال وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال قرئ على أبي العباس لأبي حيّة النّميري وأنا أسمع:
وخبّرك الواشون أن لن أحبّكم ... بلى وستور اللّه ذات المحارم
أصدّ وما الصّدّ الذي تعلمينه ... عزاءً بكم إلا ابتلاع العلاقم
حياءً وبقيا أن تشيع نميمةٌ ... بنا وبكم أفٍّ لأهل النّمائم
وإنّ دماً لو تعلمين جنيته ... على الحيّ جاني مثله غير سالم
أما إنه كان غيرك أرقلت ... إليه القنا بالراعفات اللّهاذم
ولكنه واللّه ما طلّ مسلماً ... كغرّ الثّنايا واضحات الملاغم
إذا هنّ ساقطن الأحاديث للفتى ... سقاط حصى المرجان من سلك ناظم
رمين فأقصدن القلوب ولن ترى ... دماً مائراً إلاّ جوىً في الحيازم
قال أبو علي يقال: سنان لهذم ولسان لهذم أي حادّ. والملاغم: ما حول الفم، ومنه قيل: تلغّمت بالطّيب إذا جعلته هناك. والمائر: السائل. قال وأنشدنا أبو عبد اللّه ابراهيم بن محمد بن عرفة قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
فما لك إذ ترمين يا أمّ مالك ... حشاشة قلبي شلّ منك الأصابع
لها أسهم لا قاصرات عن الحشى ... ولا شاخصاتٌ عن فؤادي طوالع
فمنهنّ أيام الشّباب ثلاثةٌ ... وسهمٌ طريرٌ بعد ما شبت رابع
قال وأنشدنا أبو بكر محمد بن السّريّ السّرّاج قال أنشدني ابن الرّومي لنفسه:
لما تؤذن الدّنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطّفل ساعة يوضع
علام بكى لمّا رآها وإنها ... لأرحب مما كان فيه وأوسع
قال وأنشدنا أيضاً لنفسه:
يأيّها الرجل المسوّد شيبه ... كيما يعدّ به من الشّبّان
أقصر فلو سوّدت كلّ حمامةٍ ... بيضاء ما عدّت من الغربان
" تفسير قوله تعالى " ويقولون متى هذا الفتح الآية " قال أبو علي وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري في قوله جل وعز " ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين " معناه متى هذا القضاء والحكم، وأنشد:
ألا أبلغ بني عصم رسولاً ... فإنّي عن فتاحتكم غنيّ
معناه عن محاكمتكم. ومن ذلك قول اللّه جل وعز: " ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ " أي اقض بيننا. وقال الفراء: وأهل عمان يسمّون القاضي الفتّاح. فأما قوله جل وعز: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " ففيه قولان، قال قوم: معناه إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء، وقال آخرون إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أنصر أفضا الدّينين عندك، وأرضاه لديك، فقال اللّه عز وجل: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " ويروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، قال أبو عبيدة: معناه يستنصر، والصّعلوك: الفقير في كلام العرب، قال حاتم بن عبد اللّه:
غنينا زماناً بالتّصعلك والغنى ... فكلاً سقاناه بكأسيهما الدّهر
يعني بالفقر والغنى.
قال وحدّثنا أبو بكر محمد بن القاسم قال حدّثنا خلف بن عمرو العكبريّ قال حدّثنا العكبريّ قال حدّثنا أبو عبد الرحمن ابن عائشة قال حدّثنا عبد الرحمن بن حماد عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن طلحة بن عبيد اللّه قال: رمي إلىّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسفرجلةٍ فقال: " دونكها يا أبا محمد فإنها تجمّ الفؤاد " قال أبو بكر قال خلف بن عمرو قال أبو عبد الرحمن بن عائشة: تجمّ الفؤاد معناه تريحه. قال أبو بكر وقال غيره: تجمّ الفؤاد: تفتحه وتوسعه، من جمام الماء وهو اتّساعه وكثرته، قال امرؤ القيس يصف فرساً:
يجمّ على السّاقين بعد كلاله ... جموم عيون الحسى بعد المخيض
يعني أنه إذا انقطع جريه جاءه جريٌ مستأنف كما ينقطع ماء الحسى ثم يثوب فيأتي منه ماءٌ آخر، قال أبو علي: الحسى: صلابة تمسك الماء وعليها رمل فلا تنشّفه الشمس لأن ذلك الرمل يستره ولا تقبله الأرض لصلابتها فإذا حفر خرج قليلاً قليلاً فربما حفر منه بئر قدر قعدة الرجّل.
قال وحدّثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا العكلي عن الحرمازي قال: بلغني أن مسلمة دخل على عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه وعليه ريطة من رياط مصر فقال: بكم أخذت هذه يا أبا سعيد؟ فقال: بكذا وكذا، قال: فلو نقصت من ثمنها شيئاً أكان ناقصاً من شرفك؟ قال: لا، قال: فلو زدت من ثمنها شيئاً أكان زائداً في شرفك؟ قال: لا، قال: فاعلم يا مسلمة أن أفضل الإقتصاد ما كان بعد الجدة، وأفضل العفو ما بعد القدرة، وأفضل اللّين ما كان بعد الولاية.
" وغود رجل من بني ضنة إلى عبد الملك ومدحه له " قال وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا الرياشي قال حدّثنا مسعود بن بشر عن رجل من ولد عمرو بن مرة الجهني - ولعمرو بن مرة صحبةٌ - قال قال رجل من بني ضنة أو قال: وفد رجلٌ من بني ضنة - وبنو ضنة من سعد هذيم - وفي العرب ضّنتان: ضنّة هذا، وضنّة بن عبد اللّه بن نمير، قال فوفد هذا الضنيّ إلى عبد الملك بن مروان فقال:
واللّه ما ندري إذا ما فاتنا ... طلبٌ إليك من الذّي نتطلّب
فلقد ضربنا في البلاد فلم نجد ... أحداً سواك إلى المكارم ينسب
فاصبر لعادتنا التي عوّدتنا ... أولا فأرشدنا إلى من تذهب
فقال عبد الملك: إليّ إليّ! وأمر له بألف دينار، ثم أتاه في العام المقبل فقال:
يربّ الذي يأتي من الخير إنه ... إذا فعل المعروف زاد وتمّما
وليس كبانٍ حين تمّ بناؤه ... تتّبعه بالنّقض حتى تهدّما
فأعطاه ألفي دينار، ثم أتاه في العام الثالث فقال:
إذا استمطروا كانوا مغازير في النّدى ... يجودون بالمعروف عوداً على بدء
فأعطاه ثلاثة آلاف دينار.
قال وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال أعرابي لابن عمه: اطلب لي امرأةً بيضاء حديدةً فرعاء جعدةً، تقوم فلا يصيب قميصها منها ألا مشاشة منكبيها، وحلمتي ثدييها، ورانفتي أليتيها، ورضاف ركبتيها، إذا استلقت فرميت من تحتها بالأترّجة العظيمة نفذت من الجانب الآخر، وأنيّ بمثل هذه ألا في الجنان!.
قال أبو علي: الرّضاف واحدتها رضفة وهي العظم المطبق على ملتقى مفصل الساق والفخذ. قال وحدّثنا إبراهيم بن محمد الأزدي قال حدّثنا أحمد بن يحيى الشّيباني عن ابن الأعرابي قال: بلغني أن جماعة الأنصار وقفوا على دغفلٍ النّسّابة بعد ما كفّ فسلّموا عليه، فقال: من القوم؟ قالوا: سادة اليمن، فقال: أمن أهل مجدها القديم وشرفها العميم كندة؟ قالوا لا، قال: فأنتم الطّوال قصباً، الممحّصون نسباً بنو عبد المدان، قالوا: لا، قال: فأنتم أقودها للزّحوف، وأخرقها للصّفوف وأضربها بالسّيوف؛ رهط عمرو بن معد يكرب؟ قالوا: لا، قال: فأنتم أحضرها قراء، وأطيبها فناء، وأشدّها لقاء؛ رهط حاتم بن عبد اللّه؟ قالوا: لا، قال: فأنتم الغارسون للنخل، والمطعمون في المحل، والقائلون بالعدل؛ الأنصار؟ قالوا: نعم.
قال أبو علي: القراء بفتح القاف ممدود: القِرى، والقرى بكسر القاف مقصور. سمع القاسم ابن معنٍ من العرب: هو قراء الضيف.
" قصيدة صخر الغي الهذلي وشرحها " قال وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي قال أنشدني خلفٌ الأحمر لأعرابيّ.
تهزأ منّى أخت آل طيسله ... قالت أراه مبلطاً لا شيء له
وهزئت من ذاك أمّ موءله ... قالت أراه دالفاً قد دنى له
مالك لا جنّبت تبريح الوله ... مردودةً أو فاقداً أو مثكله
ألست أيام حضرنا الأعزله ... وقبل إذ نحن على الضّضله
وقبلها عام ارتبعنا الجعله ... مثل الأتان نصفاً جنعدله
وأنا في ضرّاب قيلان القله ... أبقى الزّمان منك ناباً نهبله
ورحماً عند اللقاح مقفله ... ومضغةً بالّلؤم سحّاً مبهله
وما تريني في الوقار والعله ... قاربت أمشي القعولى والفنجله
قال أبو علي: هكذا أنشدناه أبو بكر، وأنشدنا غيره: الفنجلى والقعوله.
وتارةً أنبث نبث النّقثله ... خزعلة الضّبعان راح الهنبله
وهل علمت فحشاء جهله ... ممغوثةً أعراضهم ممرطله
في كلّ ماءٍ آجنٍ وسمله ... كما تماث في الإناء الثمله
عرضت من جفيلهم أن أجفله ... وهل علمت يا قفيّ التّتفله
ومرسن العجل وساق الحجله ... وغضن الضّبّ وليط الجعله
وكشّة الأفعى ونفخ الأصله ... أنّي أفأت المائة المؤبّله
ثم أفئ مثلها مستقبله ... ولم أضع ما ينبغي أن أفعله
وأفعل العارف قبل المسئله ... وهل أكبّ البائك المحفّله
وأمنح الميّاحة السّبحلله ... وأطعن السّحساحة المشلشله
على غشاش دهشٍ وعجله ... إذا أطاش الطّعن أيدي البعله
وصدق الفيل الجبان وهله ... أقصدتها فلم أحرها أنمله
من حيث يمّمت سواء المقتله ... وأضرب الخدباء ذات الرّعله
تردّ في نحر الطّبيب فتله ... وهل علمت بيتنا إلاّ وله
" شربةٌ من غيرنا وأكله " قال أبو علي: طيسلة: اسم. والمبلط: الفقير، يقال: أبلط الرجل فهو مبلط. وقال الأصمعي: أبلط فهو مبلطٌ إذا لصق بالبلاط وهي الأرض الملساء. وموءلة: اسمٌ. والدّالف: الذي يقارب الخطو في مشيه. والشيخ يدلف دليفاً من الكبر. ودنى له أي قوربت خطاه. والأعزلة: موضع. والضّلضلة: الأرض الغليظة تركبها حجارة، كذا روى البصريون عن الأصمعي في هذا الرّجز؛ وفي كتاب الصّفات للأصمعي على مثال فعلله. وذكره أبو عبيدة في باب فعللة وحكى عن الأصمعي: الضّلضلة: الأرض الغليظة؛ ثم ذكر في الباب. الخنثر: الشيء الخسيس من المتاع. والجعلة: أرض لبني عامر بن صعصعة. والجنعدلة: الغليظة الجافية. والقيلان جمع قالٍ، والقال والمقلي: العود الذي تضرب به القلة، والقلة: عود قدر شبر محدّد الطرفين تلعب به الصبيان. والنّهبلة: الهرمة، يقال: قد خنشلت المرأة ونهبلت إذا أسنّت، قال ثابتٌ:
مأوى الضياف ومأوى كلّ أرملة ... تأوي إلى نهبل كالنّسر علفوف
والعلفوف: الجافي. والمبهلة: التي لا صرار عليها، وهذا مثل. والعلة: الجزع. والقعولى: أن يمشي مشية الأحنف وهو أن يتباعد الكعبان ويقبل القدمان. والفنجلة: مقاربة الخطو. والنّقثلة: أن ينثبت التراب في مشيته، وهو مثل النّعثلة. والخزعلة: الظّلع، يقال: ناقة بها خزعال، وليس في الكلام فعلالٌ غيره إلا ما كان مضاعفاً مثل القلقال والزّلزال والقسقاس. والهنبلة: أن ينسف التراب في مشيته. وممغوثة: مدلوكة. وممرطلة: مبلولة. والآجن: المتغيّر. والسّمل: القليل من الماء. وتماث تمرس. والثّملة: بقية الهناء في الإناء. والجفيل: الجمع. والتتّفلة: الأنثى من أولاد الثعالب. والمرسن من الأنف: موضع الرّسن. والغضن: التكسّر، والغضون: الكسور في الجلد. وليط كلّ شيء: قشره، واللّيط: اللّون أيضاً: والكشّة والكشيش: صوت جلد الحية. والأصلة: حية عظيمة. والمؤبّلة: المجتمعة. ويقال: التي حبست للقنية. والبائك: السمينة العظيمة السّنام. والسّبحللة: العظيمة، يقال: سقاء سبحل وسحبل وسبحلل. والسّحساحة: التي تسحّ أي تصبُّ. والمشلشلة: المتداركة القطر. والغشاش: السّرعة والعجلة. والبعل: التحيّر. والوهل: الفزع. والأنمُلة والأنملَة لغتان: طرف الأصبع. قال أبو بكر: والأنملُة أفصح. والخدباء: الضربة التي تهجم على الجوف. وأصل الخدب الهوج. والرّعلة: القطعة تبقى من اللحم معلّقة.
قال وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
خليليّ هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لغدٍ من زفرة قد أطلّت
ومن زفراتٍ لو قصدن قتلنني ... تقضُ التي تبقى التي قد تولّت
" شعر عجوز فصيحة " قال وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثني عبد الرحمن عن عمه قال أنشدتني عجوز بحمى ضريّة:
ومستخفياتٍ ليس يخفين زرننا ... يسحبّن أذيال الصّبابة والشّكل
جمعن الهوى حتى إذا ما ملكنه ... نزعن وقد أكثرن فينا من القتل
مريضات رجع القول خرسٍ عن الخنا ... تألّفن أهواء القلوب بلا بذل
موارق من حبل المحبّ عواطفٍ ... بحبل ذوي الألباب بالجد والهزل
يعنّفنى العدّال فيهنّ والهوى ... يحذّرني من أن أطيع ذوي العذل
قال الأصمعي: فما رأيت امرأة أحلى لفظاً منها ولا أفصح لساناً.
قال: وأنشدنا على بن سليمان لأبي على البصير:
لعمر أبيك ما نسب المعلّي ... إلى كرم وفي الدنيا كريم
ولكنّ البلاد إذا اقشعرّت ... وصوّح نبتها رعى الهشيم
قال أبو علي: صوّح: يبس وتشقّق.
قال: وأنشدنا ابراهيم بن محمد قال أنشدنا أبو العباس:
لعمرك ما يدري الفتى أيّ أمره ... وإن كان محروصاً على الرّشد أرشد
أفي عاجلات الأمر أم آجلاته ... أم اليوم أدنى للسّعادة أم غد
قال وأنشدنا أيضاً عن أبي العباس:
إذا بلغ الرّأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو مشورة حازم
ولا تحسب الشّورى عليك غضاضةً ... مكان الخوافي نافعٌ للقوادم
قال وأنشدنا محمد بن السّريّ للعباس بن الأحنف:
لعمري لئن كان المقرب منكم ... هوىً صادقاً أنّى لمستوجب القرب
سأرعى وما استوجبت منّي رعايةً ... واحفظ ما ضيّعت من حرمة الحبِّ
متى تبصريني يا ظلوم تبيّي ... شمائل بادي البثِّ منصدع القلب
بريّاً تمنّى الذّنب لمّا هجرته ... لكيما يقال الهجر من سبب الذّنب
وقد كنت أشكو عتبها وعتابها ... فقد فجعتني بالعتاب وبالعتب
قال وأنشدنا عبد اللّه بن جعفر النحوي قال أنشدنا أبو العباس عن محمد بن يزيد قال أنشدنا عليّ ابن قطرب لأبيه:
أشتاق بالنّظرة الأولى قرينتها ... كأنّني لم أسلف قبلها نظرا
" تفسير قوله تعالى الصمد " قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر الأنباري قال: في قوله عز وجل الصّمد ثلاثة أقوال؛ قال جماعة من اللغويين: الصّمد: السيّد الذي ليس فوقه أحد لأنه يصمد إليه الناس في أمورهم، قال وأنشدنا:
سيروا جميعاً بنصف اللّيل واعتمدوا ... ولا رهينة إلا سيدٌ صمد
وقال الآخر:
علوته بحسام ثم قلت له ... خذها حذيف فأنت السيّد الصّمد
يعني حذيفة بن بدر، وقال الآخر:
ألا بكر النّاعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيّد الصّمد
قال أبو علي قوله الصمد أي يقصد، قال طرفة:
وإن يلتقي الحيّ الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الكريم المصّمد
قال أبو علي: وهذا القول الذي يصح في الإشتقاق واللغة: قال: وحكى أبو بكر عن الأعمش أنه قال: الصّمد: الذي لا يطعم. وحكى عن السّدّي أنه قال: الصّمد: الذي لا جوف له.
قال وحدّثنا أبو بكر محمد بن القاسم قال حدّثنا محمد بن يونس الكديميّ قال حدّثنا سعيد بن سفيان الجحدريّ قال حدّثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن إغتسل فالغسل أفضل " قال أبو بكر: تفسير فيها فبالرّخصة أخذ، ويقال: بالسّنّة أخذ. ومعنى قوله ونعمت أي نمت الخصلة الوضوء، ولا يجوز ونعمه بالهاء لأن مجرى التاء في نعمت مجرى التاء في قامت وقعدت.
" خروج خمسة نفر من طيء إلى سواد بن قارب ليمتحنوا علمه "
قال وحدّثنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال حدّثني عمي الحسين عن أبيه عن ابن الكلبيّ عن أبيه عن الذّيّال بن نفر عن الطّرمّاح بن حكيم قال: خرج خمسة نفرٍ من طيّء من ذوي الحجا والرأي: منهم برج بن مسهر وهو أحد المعمّرين، وأنيف بن حارثة بن لأم، وعبد اللّه بن سعد بن الحشرج أبو حاتم طيء، وعارفٌ الشاعر، ومرّة بن عبد رضىً، يريدون سواد بن قارب الدّوسي ليمتحنوا علمه، فلما قربوا من السّراة قالوا: ليخبأ كلّ رجل منا خبيئاً ولا يخبر به صاحبه ليسأله عنه، فإن أصاب عرفنا علمه وإن أخطأ ارتحلنا عنه. فخبأ كل رجل منهم خبيئاً ثم صاروا إليه فأهدوا له إبلاً وطرفاً من طرف الحيرة، فضرب عليهم قبّة ونحر لهم. فلما مضت ثلاثٌ دعا بهم فدخلوا عليه، فتكلم برجٌ وكان أسنّهم فقال: جادك السّحاب، وأمرع لك الجناب، وضفت عليك النّعم الرّغاب، نحن ألو الآكال، والحدائق والأغيال، والنّعم الجفال؛ ونحن أصهار الأملاك، وفرسان العراك - يورّى عنهم أنهم من بكر بن وائل - فقال سوادٌ: والسماء والأرض، والغمر والبرض، والقرض والفرض؛ إنكم لأهل الهضاب الشمّ، والنّخيل العمّ، والّصخور الصّمّ؛ من أجأ العيطاء، وسلمى ذات الرّقبة السّطعاء. قالوا أنا كذلك وقد خبأ لك كل رجل منّا خبيئاً لتخبرنا باسمه وخبيئه. فقال لبرج: أقسم بالضّياء والحلك، والنّجوم والفلك، والشّروق والدّلك؛ لقد خبأت برثن فرخ، في إعليط مرخ، تحت آسرة الشّرخ. قال: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قال: أنت برج بن مسهر، عصرة المعمر، وثمال المحجّر، ثم قام أنيف بن حارثة فقال: ما خبيئي وما اسمي؟ فقال: والسّحاب والتراب، والأصباب والأحداب والنّعم الكثاب؛ لقد خبأت قطامة فسيط، وقدّة مريط، في مدرةٍ من مدىّ مطيط. قال: ما أخطأت شيئاً فمن أنا؟ قال: أنت أنيف قاري الضّيف ومعمل السّيف، وخالط الشتاء بالصّيف. ثم قام عبد اللّه بن سعد فقال: ما خبيئي وما أسمي؟ فقال سوادٌ: أقسم بالسّوام العازب، والوقير الكارب، والمجّد الراكب والمشيح الحارب؛ لقد خبأت نفاثة فنن، في قطيعٍ قد مرن أو أديم قد جرن، قال: ما أخطأت حرفاً فمن أنا؟ قال: أنت ابن سعد النّوال، عطاؤك سجال، وشرّك عضال، وعمدك طوال، وبيتك لا ينال ثم قام عارف فقال: ما خبيئي وما اسمي؟ فقال سواد: أقسم بنفنف اللّوح، والماء المسفوح، والفضاء المندوح؛ لقد خبأت رقعة طلاً أعفر، في زعنفة أديمٍ أحمر، تحت حلس نضوٍ أدبر.قال: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قال: أنت عارفٌ ذو الّلسان العضب، والقلب النّدب، والمضّاء الغرب، منّاع السّرب، ومبيح النّهب. ثم قام مرةّ بن عبد رضيً فقال: ما جبيئي وما اسمي؟ فقال السواد: أقسم بالأرض والسماء، والبروج والأنوار، والظّلمة والضياء؛ لقد خبأت دمّةً في رمّة، تحت مشيط لمّة. قال: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قال: أنت مرّة، السّريع الكرّة، البطيء الفرّة، الشديد المرّة. قالوا: فأخبرنا بما رأينا في طريقنا إليك. فقال: والناظر من حيث لا يرى، والسامع قبل أن أن يناجي، والعالم بما لا يدري؛ لقد عنّت لكم عقابٌ عجزاء، في شغانيب دوحة جرداء؛ تحمل جدلاً، فتماريتم إما يداً وإما رجلاً. فقالوا: كذلك، ثمّ مه؟ قال: سنح لكم قبل طلوع الشّرق، سيدٌ أمق، على ماء طرق. قالوا: ثم ماذا؟ قال: تيسٌ أفرق، سند في أبرق، فرماه الغلام الأزرق، فأصاب بين الوابلة والمرفق. قالوا: صدقت، وأنت أعلم من تحمل الأرض، ثم ارتحلوا عنه، فقال عارف:
ألا للّه علمٌ لا يجاري ... إلى الغايات في جنبي سواد
أتيناه نسائله امتحاناً ... ونحسب أن سيعمد بالعناد
فأبدى عن خفيّ ولا مخبّآتٍ ... فأضحى سّرها للناس بادي
حسامٌ لا يليق ولا يثأثى ... عن القصد الميممّ والسّداد
كانّ خبيئنا لما انتجينا ... بعينيه يصّرح أو ينادي
فأقسم بالعتائر حيث فلسٌ ... ومن نسك الأقيصرم العباد
لقد حزت الكهانة عن سطيح ... وشقٍّ والمرفّل من إياد
قال أبو علي: أمرع: أخصب. والجنات: ما حول الدار. والضّافي: السابغ الكثير، يقال: خير فلان ضافٍ على قومه أي سابغٌ عليهم. والرّغاب: الواسعة الكثيرة. ويقال: فلان ذو أكلٍ أي ذو حظٍّ ورزق في الدنيا، والجمع آكال. والأغيال: جمع غيلٍ، والغيل: الماء الجاري على وجه الأرض. وفي الحديث " ما سقي بالغيل ففيه العشر وما سقي بالدّلو فنصف العشر " والغلل: الماء الذي يجري بين الشجر. والجفال: الكثيرة وهذا الجمع قليل جدّاً لم يأت منه إلا أحرف مثل ربابٍ وهو جمع ربّي والرّبّي: الحديثة النّتاج. وفرير لولد البقرة وجمعه فرارٌ، ونعم كثابٌ وهي الكثيرة، وقد جمع بريءٌ براءٌ على فعال. والغمر: الماء الكثير، ويقال: رجل غمر الخلق إذا كان واسع الخلق سخيّاً، قال كثير:
غمر الرّداء إذا تبسّم ضاحكاً ... غلقت لضحكته رقاب المال
يريد بالرداء هاهنا البدن. والعرب تقول: فدىً لك ردائي، وفدىً لك ثوبي. يريدون البدن. والبرض: الماء القليل، وجمعه براض. ويقال: فلان يتبرّض حقّه أي يأخذه قليلاً قليلاً، وتبرّضت الماء. ومنه سّمي الرجل براّضاً. والشّمّ: الطّوال. والعمّ: الطوال أيضاً. وأجأ وسلمى: جبلا طيء. والعيطاء: الطويلة. ويقال: ظبية عيطاء إذا كانت طويلة العنق. والسّطعاء أيضاً: الطويلة. والدّلك: اصفرار الشمس عند المغيب، يقال: دلكت الشمس تدلك دلوكاً. والبرثن: ظفر كل ما لا يصيد من السباع والطير مثل الحمام والضّبّ والفأرة، قال امرؤ القيس:
وترى الضّبّ خفيفاً ماهراً ... ثانياً برثنه ما ينعفر
أي ما يصيبه العفر وهو التراب، وجمع البرثن براثن، فإذا كان مما يصيد قيل لظفره مخلب. والإعليط: وعاء ثمر المرخ، والعرب تشبّه به آذان الخيل. والمرخ: شجر تقدح منه النار. والآسرة والإسار: القدّ الذي يشدّ به خشب الرّحل، وشرخاً الرّحل: جانباه. والممعر: الذي ذهب ماله، ويقال: ما أمعر من أدمن الحجّ. والمحجّر: الملجأ المضيّق عليه. والصّبب: ما انخفض من الأرض. والحدب: ما علا. والقطامة: ما قطمته بفيك، والقطم بأطراف الأسنان. والفسيط: قلامة الظّفر. والقذّة: الريش، وجمعها قذذٌ. والمريط من السهام: الذي قد تمرّط ريشه أي نتف. والمدىّ: جديول يجري منه ما سال مما هرق من الحوض، كذا قال الأصمعي وأنشد:
وعن مطيطات المدّى المدعوق
والمدعوق: الذي قد أكثر فيه الوطء. يقال دعقته الإبل إذا أكثرت فيه الوطء تدعقه دعقاً، ودعق عليهم الغارة أي دفعها. والسّوام: المال الراعي من الإبل. والعازب: البعيد. والوقير والقرة: الغنم، كذا قال أبو عبيدة وأنشد:
ما إن رأينا ملكاً أغارا ... أكثر منه قرةً وقارا
والقار: الإبل، وقال الفراء: الوقير: الغنم التي بالسّواد. والكارب: القريب، وأنشد أبو بكر:
أجبيل إنّ أباك كارب يومه ... فإذا دعيت إلى المكارم فأعجل
والمشيح: الجادّ في لغة هذيل، وفي غيرها: الحاذر. والنّفاثة: ما تنفثه من فيك. والفنن: واحد أفنان الأشجار وهي أغصانها. وجرن: لان. والنّفنف واللّوح واحدٌ وهما الهواء، وإنما أضاف لمّا اختلف اللفظان فكأنه أضاف الشيء إلى غيره.والمسفوح: المصبوب، يقال: سفحت الشيء صببته. والمندوح: الواسع. والزّمعة: الشّعرات المتدلّيات في رجل الأرنب، يقال: أرنب زموع إذا كانت تقارب الخطو كأنها تمشي على زمعتها. وزعانف الأديم: أطرافه مثل اليدين والرجلين وما لا خير فيه، واحدتها زعنفة؛ ومنه قيل لرذال الناس: الزّعانف. والحلس للبعير بمنزلة القرطاط للحافر؛ قال أبو علي يقال: قرطانٌ وقرطاط. والقرطاط: البرذعة، وإنما قيل له: حِلس للزومة الظهر. والعرب تقول: فلان حِلس بيته إذا كان يلزم بيته. وأحلسته أنا بيته إحلاساً إذا ألزمته إياه. والنّدب: الذّكيّ. والغرب: الحدّ. والسّرب: جماعة من الإبل، يقال: جاء سرب بني فلان بفتح السين، والعرب كانت تطلّق في الجاهلية بقولهم: اذهبي فلا أنده سربك أي لا أردّ إبلك لتذهب حيث شاءت. والسّرب بكسر السين: القطيع من الظباء والبقر والنّساء والقطا. ويقال: فلان آمنٌ في سربه بكسر السين: في نفسه. والدّمّة القملة. والرّمّة: العظام البالية. والمرّة القوّة. والعجزاء: التي ابيضّ ذنبها، وفي غير هذا الموضع: التي كبرت عجيزتها. والشّغانيب: ما تداخل من الأغصان. والدّوحة: الشجرة العظيمة. والجدل: العضو وجمعه جدول. والشّرق: الشمس، والعرب تقول " لا أفعل ذلك ما طلع شرقٌ " وشرقت الشمس: طلعت. وأشرقت: أضاءت. والسيد: الذّئب. والأمقّ: الطويل. والطّرق: الماء الذي بوّلت فيه الإبل، يقال: ماء طرقٌ ومطروق. والأبرق والبرقاء والبرقة: غلظٌ من الأرض فيه حجارة ورمل، وجبل أبرق إذا كان فيه لونان. والوابلة: رأس العضد الذي يلي المنكب، وقال الأصمعي للرشيد: ما ألاقتني أرضٌ حتى خرجت إليك يا أمير المؤمنين أي ما أمسكتني. ويثأثئ: يجلس، يقال: ثأثأت عنه غضبه أي أطفأته. والعتائر: جمع عتيرة وهو ذبح كان يذبح للأصنام في الجاهلية. وفلسٌ: صنم. والأقيصر: صنم.
قال وأنشدنا أبو بكر رحمه اللّه تعالى قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي لأعرابية ترقص ابنها وهي تقول:
أحبه حبّ شحيحٍ ماله ... قد ذاق طعم الفقر ثم ناله
إذا أراد بذله بذاله
قال وأنشدنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
أرى كلّ أمري إلى عاصم ... فما أنا لو كان لم يولد
فنفسي فداؤك مستيقظاً ... ونفسي فداؤك في المرقد
ونفسي فداؤك رحب اليمي ... ن بالخير مجتنب الأفند
فلو كانت شيئاً من الأشربات ... لكنت من الأسوع الأبرد
قال وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: كانت امرأة بحمى ضريّة - أحسبها من غنّى - ذات يسار فكثر خطّابها، ثم إنها علقت غلاماً من بني هلال، فضفتها ليلةً وقد شاع في الحاضر شأنها فأحسنت ضيافتي، فلما تعشّيت جلست إلىّ تحدثني فقلت لها: يا أمّ العلاء، إني أريد أن أسائلك عن أمر وأنا أهابك لما أعلم من عفّتك وفضل دينك وشرفك، فتبسمت ثم قالت: أنا أحدثك قبل أن تسألني، ثم قالت:
ألهف أبي لمّا أدمت لك الهوى ... وأضفيت حتى الوجد بي لك ظاهر
وجاهرت فيك الناس حتى أضرّ بي ... مجاهرتي يا ويح فيمن أجاهر
فكنت كفئ الغصن بينا يظلّني ... ويعجبني إذا زعزعته الأعاصر
فصار لغيري واستدارت ظلاله ... سواي وخلاّني ولفح الهواجر
ثم غلبت عليها البكاء فقامت عنّي، فلما أصبحت وأردت الرحيل قالت: يا بن عمي، أنت والأرض فيما كان بيني وبينك؛ فقلت: إنّه، وانصرف عنها.
قال وأنشدني أبو بكر:
وضمّها والبدن الحقاب ... جدّي لكلّ عامل ثواب
الرأس والأكرع والإهاب
فال أبو بكر: هذا صائد يخاطب كلبته، والبدن: الوعل المسنّ. والحقاب: جبل.
قال وقرأت على أبي بكر:
وبيضٍ رفعنا بالضّحى عن متونها ... سماوة جونٍ كالخباء المقوّض
هجومٍ عليها نفسه غير أنه ... متى يرم في عينيه بالشّبح ينهض
البيض أراد بها البيض، وسماوة كلّ شيء: شخصه، يعني الظّليم. والجون: الأسود هجوم عليها يعني على البيض، فإذا أبصر شخصاً نهض عن البيض. والشّبح والشّبح لغتان: الشخص.
قال وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشي لأعرابي:
لقد زاد الهلال إليّ حبّا ... عيونٌ تلتقي عند الهلال
إذا ما لاح وهو شفىً صغيرٌ ... نظرن اليه من خلل الحجال
قال وأنشدنا ابراهيم بن محمد قال أنشدنا أبو العباس لأحمد بن ابراهيم بن اسماعيل يخاطب بعض أهله:
أظنّك أطغاك الغنى فنسيتني ... ونفسك والدّنيا الدّنية قد تنسى
فإن كنت تعلو عند نفسك بالغنى ... فإنّي سيعليني عليك غنى نفسي
" تفسير قوله تعالى :غير مدينين ومعنى الدين " قال أبو علي وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه في قوله عزوجل: " فلولا إن كنتم غير مدينين " معناه غير مجزّيين قال وأنشدنا:
ولم يبق سوى العدوا ... ن دنّاهم كما دانوا
أي جاز يناهم كما جاوزا. ومن ذلك قوله جل وعز: " مالك يوم الدّين " قال قتادة: معناه مالك يومٍ يدان فيه العباد أي يجازون بأعمالهم ويكون الدين أيضاً الحساب قال ابن عباس: معنى قوله مالك يوم الدين أي يوم الحساب. ويكون الدّين أيضاً السّلطان، قال زهير:
لئن حللت بجوٍّ في بني أسدٍ ... في دين عمروٍ وحالت بيننا فدك
معناه في سلطان. ويكون الدّين أيضاً الطاعة. من ذلك قوله جل وعز: " ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك " معناه في طاعة الملك. ويكون الدّين أيضاً العبودية والذّل وجاء في الحديث: " الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت " فمعناه استبعد نفسه وأذلّها للّه عز وجل، قال الأعشى:
هو دان الرّباب إذ كرهوا الدي ... ن دراكاً بغزوةٍ وصيال
ثم دانت بعد الرّباب وكانت ... كعذابٍ عقوبة الأقوال
يعني أنه أذلهمّ فذلّوا وقال القطامي:
رمت المقاتل من فؤادك بعدما ... كانت نوار تدينك الأديانا
معناه تستبعدك بحبها. ويكون الدين أيضاً الملة كقولك: نحن على دين إبراهيم. ويكون الدين العادة، قال المثقب العبدي:
تقول إذا درأت لها وضيني ... أهذا دينه أبداً وديني
أكلّ الدهر حلٌّ وارتحالٌ ... أما يبقى عليّ وما يقيني
ويكون الدين أيضاً الحال، قال النضر بن شميل: سألت أعرابياً عن شيء فقال: لو لقيتني على دينٍ غير هذه لأخبرتك. وروى أبو عبيدة قول امرئ القيس:
كدينك من أمّ الحو يرث قبلها ... وجارتها أمّ الرباب بمأسل
أي كعادتك. والعرب تقول: مازال هذا دينه ودأبه وديدنه وديدانه ودينونه أي عادته.
" تفسير حديث إن أحبكم إلي وأقربكم مني الخ " قال أبو علي حدّثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدّثنا عبد الله بن ناجية قال حدّثنا أبو وائل خالد بن محمد بن خالد وأحمد بن الحسن بن خراشٍ ويحيى بن محمد بن السكن البزاز قال حدّثنا حبان بن هلال قال حدّثنا المبارك بن فضالة عن هبد ربّه بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وأبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون " قالوا يا رسول الله: قد عرفنا الثرثارين والمتشدّقين، فمن المتفيهقون؟ قال: " المتكبرون " . قال أبو بكر قال اللغويون - منهم يعقوب السكّيت - : الثرثارون: الذين يكثرون القول ولا يكون إلا قولاً باطلاً، ويقال: نهر ثرثار إذا كان ماؤه مصوّتاً، ومطرٌ ثرثار، وسحابٌ ثرثار، وأنشد يعقو:
لشخبها في الصحن للأعشار ... بربرةٌ كصخب المماري
من قادمٍ منهمرٍ ثرثار
وكان أبو بكر بن دريد يقول: نهر ثرثار إذا كان ماؤه كثيراً، لذلك سمي النهر المعروف بالثرثار. وناقة ثرّة إذا كانت غزيرة اللبن، وسحابة ثرّة: كثيرة المطر، وعين ثرّة: كثيرة الدموع، وأنشدني:
يا من لعينٍ ثرّة المدامع ... يحشفها الوجد بماءٍ هامع
يحشفها: يستخرج كلّ ما فيها، ومثل قول أبي بكر قاله أبو العباس محمد بن يزيد.