كتاب : الحماسة المغربية
المؤلف : الجرّاوي
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله علَى سيدنا محمد وعلى آلهالحمد لله علَى آلائه الوافرة الأعداد، المتصلة الأمداد؛ والصلاة علَى محمد رسوله الدَّاعي إلى سبيل الرشاد، المنقذ برسالته من مهاوي الضلال والإلحاد.
والرضى عن الإمام المعصوم، المهديّ المعلوم؛ القائم بالحق بعد ظهور الفساد، الفائضة أنوار هدايته على الأغوار والأنجاد؛ وعن الخليفتين الإمامين المنصورين الناصرين المتكفلين لدين الله بالإعانة والإنجاد، المستوليين في كل مأثرةٍ على العباب والآماد.
والدعاء بتيسير المأمول وتسهيل المراد، ونجاح الإصدار والإيراد، لسيدنا ومولانا أمير المؤمنين بن سيدنا أمير المؤمنين؛ أبي يوسف عصمة الإسلام وكاشف الظلم والظلام؛ البعيد مدى الهمم، الجزيل البأس والكرم؛ يبلى الزَّمان ولا تبلى مفاخره، ويحصى الحصا قبل أن تحصى مآثره.
جاءتْ بهِ هذهِ الدُّنيا فلوْ سُئلتْ ... شِبهاً لقالتْ قياسٌ غيرُ مطَّردِ
ماضي العزمات، وكاشف الأزمات؛ وكافل الأمة وكافيها، وناصر الشريعة وحاميها
تقلَّدَ سيفَ الحقِّ يمضي بحدِّهِ ... على كلِّ منْ ناواهُ حُكم المصاحفِ
بهرت مناقبه الأنوار، وغمرت مواهبه البحار، وصدّقت سحائب جوده يمينه مخايل برق جبينه.
ما شامَ برقَ جبينهِ مسترفدٌ ... إلاَّ استهلَّتْ كفُّهُ أنواء
سنام الشرف وذروته، ونخبة المجد وصفوته؛ ومعنى الجود وسرُّه، وشمس الزَّمان وبدره.
غريبةٌ لمْ يعاينْها بنُو زمنٍ ... ونُدرةٌ لا تراها العينُ في الحُلُمِ
ثمال المعتفين، وموئل الخائفين؛ ورحمة الله الَّتي ورد الخلق زلالها، وتفيؤوا ظلالها، فلله خلافته السعيدة لقد تم جمالها، وراقت غررها وأحجالها.
منْ كانَ مولدُهُ تقدَّمَ قبلَهَا ... أوْ بعدَهَا فكأنَّهُ لم يولدِ
خرق العوائد بأساً وسماحاً، وحلماً راجحاً وإسجاحا. وأبَّر على الملوك مضاءً وتصميماً وإنشاءً وتتميماً.
وجَرَى فقصَّرَ عنْ مداهُ في العُلا ... أهلُ الزمَّانِ وأهلُ كلِّ زمانِ
بهرت آياته الألباب، وأعجزت غاياته الطُّلاب، وتحيرت في كنهه الأوهام، وقصرت عن وصفه ألسن الأنام والأقلام.
جلَّتْ عن المدحِ واستغنتْ فضائلُهُ ... والشَّمْسُ تكبُرُ عنْ حليٍ وعن حللِ
لا زالت خلافته تروق حسناً وجمالاً، وتوسع البرية إحساناً وإجمالاً.
ولما فرغ العبد من جمع الكتاب المترجم بصفوة الأدب، ونخبة ديوان العرب " فجاء خالصاً خلوص الذهب الإبريز، منفرداً دون ما تقدمه في فنِّه بالسبق والتبريز، نفذ الأمر المطاع باختصاره والاختيار من مختاره.
وكتاب " النخبة " وإن كان فيه بعض الطول فإنَّه بما اشتمل عليه من غرائب المنظوم وعجائبه غير مملول. وقد احتوى هذا المختصر منه على جملةٍ كافيةٍ، ولغليل المتعطش إلى الأدب شافية، وبغرض المتمثل والمحاضر وافية. وأثبت مدح النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم بكماله، وأقر في الديوانين على حاله، لم يذهب فيه إلى الاختصار كما فُعل في غيره من الأشعار، رغبةً في كثرته وتبرُّكاً بتفصيله وجملته. وإنَّما تلقَّى العبد الأمر العالي وامتثله ووقف جهد استطاعته عند ما حُدَّ له، فإن أصاب الغرض وطبَّق المفصل فسهمٌ سدَّده راميه، وسيفٌ انتضاه منتضيه؛ وإن تكن الأخرى فقد استوفى جهده، وأبلغ النفس عذرها لنيل ما عنده.
نسأل الله دوام من دامت لنا به سوابغ النّعم؛ وشفانا بتعليمه النافع، وإحسانه المتتابع، من الجهل والعدم؛ إنَّه سميع الدُّعاء، جزيل المواهب والآلاء، لا ربَّ غيره، ولا خير إلاَّ خيره.
باب
المدح
مدح النَّبيّ صلى الله عليه وسلّمقال عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه:
ألمْ ترَ أنَّ اللهَ أبلَى رسولَهُ ... بلاءَ عزيزٍ ذي اقتدارٍ وذي فضلِ
بما أنزلَ الكفَّارَ دارَ مذلَّةٍ ... فلاقَوْا هواناً من إسارٍ ومن قتلِ
فأمسَى رسولُ اللهِ قدْ عزَّ نصرُهُ ... وكانَ رسولُ اللهِ أُرسلَ بالعدلِ
فجاءَ بفرقانٍ منَ اللهِ منزلٍ ... مبيَّنةٌ آياتُهُ لذوي العقلِ
فآمنَ أقوامٌ بذاكَ وأيقنوا ... فأمسَوْا بحمدِ اللهِ مُجتمعي الشَّملِ
وأنكرَ أقوامٌ فزاغتْ قلوبهمْ ... فزادهُمُ ذو العرشِ خبلاً على خبلِ
وأمكنَ منهمْ يومَ بدرٍ رسولَهُ ... وقوماً غِضاباً فعلُهم أحسنُ الفعلِ
وقال عمر بن الخطَّاب، رضي الله عنه:
ألمْ ترَ أنَّ اللهَ أظهرَ دينَهُ ... على كلِّ دينٍ قبلَ ذلكَ حائِدِ
وأمكنَهُ من أهلِ مكَّةَ بعدَمَا ... تداعَوْا إلى أمرٍ منَ الغيِّ فاسِدِ
غداةَ أجالَ الخيلَ في عَرَصاتِها ... مسوَّمةً بينَ الزُّبيرِ وخالِدِ
فأمسَى رسولُ اللهِ قد عزَّ نصرُهُ ... وأمسَى عِداهُ من قتيلٍ وشارِدِ
وقال العباس بن عبد المطّلب، رضي الله عنه:
من قبلِها طبتَ في الجنانِ وفي ... مستودَعٍ حيثُ يُخْصَفُ الورَقُ
ثمَّ هبطتَ البلادَ لا بشَرٌ ... أنت ولا مُضْغَةٌ ولا عَلَقُ
بل نطفةٌ تركبُ السّفينَ وقد ... ألجمَ نسْراً وقومَهُ الغَرَقُ
تُنقلُ من صالبٍ إلى رَحِمٍ ... إذا مضى عالمٌ بدا طبَقُ
حتَّى احتوَى بيتكَ المهيمنُ من ... خِنْدفَ علياءَ تحتَها النُّطقُ
وأنتَ لمّا وُلدتَ أشرقتِ ال ... أرضُ وضاءتْ بنورِكَ الأُفقُ
فنحنُ في ذلكَ الضِّياءِ وفي النُّ ... ورِ وسُبْلَ الرَّشادِ نخترِقُ
وقال طالب بن أبي طالب:
فما إنْ جَنَينا في قريشٍ عظيمةً ... سِوى أنْ حَمَينا خيرَ منْ وطئَ التُّربا
أخا ثقةٍ في النَّائباتِ مُرَزَّأٍ ... كريماً ثناهُ لا بخيلاً ولا ذَرْبا
يطيفُ به العافونَ يغشَوْنَ بابَهُ ... يؤمُّونَ نهراً لا نَزُوراً ولا صَرْبا
وقال عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه:
إنِّي تفرّست فيكَ الخيرَ أعرفهُ ... واللهُ يعلمُ أنْ ما خانني البصرُ
أنتَ النَّبيّ ومن يحرمْ شفاعتَهُ ... يوم الحسابِ فقد أزرى به القدرُ
فثبّت اللهُ ما آتاك من حسنٍ ... تثبيتَ موسى ونصراً كالَّذي نُصروا
وقال كعب بن مالك، رضي الله عنه:
ألا هلْ أتَى غسَّانَ في نأيِ دارِها ... وأخبَرُ شيءٍ بالأُمورِ عليمُها
بأنْ قد رمتْنا عن قسيٍّ ضوامرٍ ... معدٍّ جهَّالُها وحليمُها
لأنَّا عبدْنا الله لم نرجُ غيرَهُ ... رجاءَ الجِنانِ إذْ أتانا زعيمُها
نبيٌّ لهُ في قومِهِ إرثُ عزَّةٍ ... وأعراقُ صدقٍ هذَّبتها أرُومُها
فسارُوا وسرْنا والتقينا كأنَّنا ... أسودُ لقاءٍ لا يرجَّى كليمُها
ضربناهُمُ حتَّى هوَى في مَكَرِّنا ... لمنخَرِ سوءٍ من لؤيٍّ عظيمُها
وقال أيضاً:
سائلْ قريشاً غداة السَّفحِ من أُحدٍ ... ماذا لقينا وما لاقَوْا من الهربِ
كنَّا الأُسودَ وكانوا النّورَ إذْ زَحَفوا ... ما إنْ نراقبُ من إلٍّ ولا نسبِ
فكمْ تركنا بها من سيِّدٍ بطلٍ ... حامي الذِّمارِ كريمِ الجدِّ والحسبِ
فينا الرَّسولُ شهابٌ ثمَّ يتبعُهُ ... نورٌ مضيءٌ له فضلٌ على الشُّهبِ
الحقُّ منطقُهُ والعدلُ سيرتُهُ ... فمن يُجبْهُ إليه ينجُ من تَبَبِ
نجدُ المقدَّمِ ماضي الهمِّ معتزمٌ ... حينَ القلوبُ على رجفٍ من الرُّعبِ
يمضي ويذمُرُنا من غيرِ معصيةٍ ... كأنَّهُ البدرُ لم يُطبعْ على الكذبِ
بَدَا لنا فاتَّبعناهُ نصدِّقُهُ ... وكذَّبوهُ فكنَّا أسعدُ العربِ
جالُوا وجلْنا فما فاؤُوا ولا رجَعُوا ... ونحنُ نَثْفِنُهم لم نأْلُ في الطَّلبِ
ليسا سواءً وشتّى بينَ أمرِهما ... حزبُ الإلهِ وأهلُ الشِّركِ والنُّصبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
قضيْنا مِن تِهامَةَ كلَّ ريبٍ ... وخيبَرَ ثمَّ أجمعْنا السُّيوفا
نخيِّرُها ولوْ نطقتْ لقالتْ ... قواطعهنَّ دَوْساً أوْ ثَقيفا
أجدَّهُمُ أليسَ لهمْ نصيحٌ ... منَ الأقوامِ كانَ بِنا عَريفا
يخبِّرهمْ بأنَّا قدْ جمعْنا ... عتاقَ الخيلِ والنُّجُبَ الطُّروفا
رئيسهُمُ النَّبيّ وكانَ صُلباً ... نقيَّ القلبِ مصطبراً عَزُوفا
نُطيعُ نبيَّنا ونُطيعُ ربّاً ... هوَ الرَّحمنُ كانَ بنا رَؤُوفا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
عصيتُم رسولَ اللهِ أُفٍّ لدينكمْ ... وأمرِكم السَّيئِ الَّذي كانَ غاوِيا
وإنِّي وإنْ عنَّفتُموني لقائلٌ ... فدًى لرسولِ اللهِ أهلي ومالِيا
أطعناهُ لم نعدلْهُ فينا بغيرِهِ ... شِهاباً في ظلمةِ اللَّيْلِ هادِيا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وفينا رسولُ الله نتبعُ أمرَهُ ... إذا قالَ فينا القولَ لا نتطلَّعُ
تَدَلَّى عليهِ الرُّوحُ من عندِ ربِّهِ ... ينزَّلُ من جوِّ السَّمَاءِ ويرفَعُ
نُشاوره في ما نريدُ فقصرُنا ... إذا ما اشتهَى أنَّا نُطيع ونسمَعُ
وقالَ رسولُ الله لمَّا بدَوْا لهُ ... ذَرُوا عنكُم هولَ المنيَّةِ واطْمَعُوا
وكونُوا كمنْ يَشري الحياةَ تقرُّباً ... إلى ملكٍ يُحيى لديهِ ويُرجَعُ
وقال حسَّان بن ثابت، رضي الله عنه:
عدِمْنا خيلَنَا إنْ لم تَرَوْها ... تثيرُ النَّقعَ موعدُها كَداءُ
يبارينَ الأعنَّةَ مُصغياتٍ ... على أكتافِها الأَسَلُ الظِّماءُ
تظلُّ جيادُنا مُتَمَطِّراتٍ ... يلطِّمهنَّ بالخُمُرِ النِّساءُ
فإمَّا تعرضُوا عنَّا اعْتَمَرنا ... وكانَ الفتحُ وانكشَفَ الغطاءُ
وإلاَّ فاصبِرُوا لجلادِ يومٍ ... يعزُّ اللهُ فيه مَن يشاءُ
وجبريلٌ رسولُ اللهِ فينا ... وروحُ القدسِ ليسَ له كِفاءُ
وقالَ اللهُ قد أرسلتُ عبداً ... يقولُ الحقَّ إن نفعَ البلاءُ
شهدتُ لهُ فقوموا صدّقوه ... فقلتم لا نقومُ ولا نشاءُ
وقالَ اللهُ قد سيَّرتُ جُنداً ... هُم الأنصارُ عُرْضَتُها اللِّقاءُ
وقال أيضاً:
صلَّى الإلهُ على ابنِ آمنةَ الَّذي ... جاءتْ بهِ سبطَ البَنانِ كريما
يا أيُّها الرَّاجونَ منهُ شفاعةً ... صلُّوا عليهِ وسلِّموا تسليما
وقال أيضاً:
مَتَى يبدُ في الدَّاجي البهيمِ جبينُهُ ... يَلُحْ مثلَ مصباحِ الدُّجَى المتقِّدِ
فمنْ كانَ أوْ مَنْ قد يكونُ كأحمدٍ ... نظاماً لحقٍّ أوْ نكالاً لمُفسِدِ
وقال أيضاً:
أظنّ عُيينَةُ إذْ زارَهَا ... بأنْ سوفَ يهدمُ فيها قُصُورا
فعفْتَ المدينةَ إذْ زُرتَهَا ... وآنستَ للأُسدِ فيها زئيرا
أميرٌ عَلَيْنا رسولُ الملي ... كِ أحببْ بذاكَ إلينا أميرا
رسولٌ نصدِّقُ ما قالَهُ ... ويتلُو عَلَيْنا كتاباً مُنيرا
وقال أبو الطُّفيل عامر بن واثلة:
إنَّ النَّبيّ هوَ النُّورُ الَّذي كشفتْ ... بهِ عمايَةُ ماضينا وباقينا
ورَهْطُه عِصمةٌ في ديننا ولهم ... حقٌّ عَلَيْنا وفضلٌ واجبٌ فينا
وقال العباس بن مرداس:
يا خاتمَ النُّبَآءِ إنَّكَ مُرسلٌ ... بالحقِّ كلُّ هُدى السَّبيل هُداكا
إنَّ الإلهَ بنى عليك محبَّةً ... في خلقِهِ ومحمَّداً سمَّاكا
ثمَّ الَّذين وَفَوا بما عاهدتهمْ ... جندٌ بعثتَ عليهمُ الضَّحّاكا
رجل به ذَرَبُ السِّلاحِ كأنَّهُ ... لمَّا تكنَّفهُ العدوُّ يَرَاكا
يغشَى ذوي النَّسبِ القريبِ وإنَّما ... يبغي رضَى الرَّحمنِ ثمَّ رِضاكا
أُنبيكَ أنِّي قد رأيتُ مَكَرَّهُ ... تحتَ العجاجةِ يدمَغُ الإشراكا
طوراً يعانقُ باليَدَينِ وتارةً ... يفري الجماجمَ صارماً بتّاكا
يغشَى بهِ هامَ الكُماةِ ولو تَرَى ... منهُ الَّذي عاينتُ كانَ شِفاكا
وبنو سُليمٍ مُعنقونَ أمامَهُ ... ضرباً وطعناً في العدوِّ دِراكا
يمشُونَ تحتَ لوائِهِ وكأنَّهمْ ... أُسدُ العرينِ أردْنَ ثَمَّ عِراكا
لا يرتجونَ منَ القريبِ قرابةً ... إلاَّ لطاعةِ ربِّهمْ وسِواكا
هذي مشاهدُنا الَّتي كانتْ لنا ... معروفةٌ ووَلِيُّنا مولاكا
وقال أيضاً:
يا أيُّها الرَّجلُ الَّذي تهوي بهِ ... وجناءُ مُجمرَةُ المناسِمِ عِرمِسُ
إمَّا أتيتَ على الرَّسولِ فقلْ لهُ ... حقّاً عليكَ إذا اطمأنَّ المجلسُ
يا خيرَ مَنْ ركبَ المطيَّ ومن مشَى ... فوقَ التُّرابِ إذا تعدُّ الأنفسُ
إنَّا وفيْنا بالَّذي عاهدْتنا ... والخيلُ تُقدَعُ بالكُماةِ وتضرَسُ
إذا سالَ من أفناءِ بَهْثَةَ كلِّها ... جمعٌ تظلُّ به المخارم ترجُسُ
حتَّى صَبَحْنا أهلَ مكَّة فيلقاً ... شهباء يقدمُها الهمامُ الأشوَسُ
نمضي ويحرُسُنا الإلهُ بحفظِهِ ... واللهُ ليسَ بضائعٍ مَنْ يحرُسُ
وقال أيضاً:
فمنْ مُبلغُ الأقوامَ أنَّ محمَّداً ... رسولَ الإله راشدٌ حيثُ يمَّما
دَعَا ربَّهُ واستنصَرَ اللهُ وحدَهُ ... فأصبحَ قدْ وفَّى إليهِ وأنْعَمَا
سَرَينا وواعدْنا قُدَيداً محمَّداً ... يؤُمُ بنا أمراً من اللهِ مُحكَمَا
وقال كعب بن زهير من قصيدة:
نُبِّئتُ أنَّ رسولَ اللهِ أوعَدَني ... والعفوُ عندَ رسولِ اللهِ مأمولُ
مهلاً هداكَ الَّذي أعطاكَ نافِلةَ ال ... قُرآنِ فيها مواعيظٌ وتفصيلُ
إنَّ النَّبيّ لنورٌ يستضاءُ بهِ ... مهنَّدٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ
في عصبةٍ من قريشٍ قالَ قائلهمْ ... ببطنِ مكَّةَ لمَّا أسلَمُوا زُولوا
شُمّ العرانين أبطالٌ لبوسهُمُ ... من نسج داوُدَ في الهَيْجا سرابيلُ
ليسُوا مفاريحَ إنْ نالَت رماحهُمُ ... قوماً وليسُوا مجازيعاً إذا نِيلوا
لا يقعُ الطَّعنُ إلاّ في نحورهمُ ... ليسَ لهمْ عن حياضِ الموتِ تهليلُ
وقال أيضاً، وتروى لأبي دهبل:
تحملُهُ النَّاقَةُ الأدماءُ مُعتجراً ... بالبُرْدِ كالبدرِ جَلَى ليلَةَ الظَّلَمِ
وفي عطافيهِ أو أثناءَ بُردتِهِ ... ما يعلمُ اللهُ من دينٍ ومن كرمِ
وقال مازن بن الغَصوبة:
إليكَ رسولُ الله خَبَتْ مطيَّتي ... تجوبُ الفيافي من عُمَانَ إلى العرجِ
لتشفَعَ لي يا خيرَ من وطئَ الحَصَى ... فيغفرَ لي ربِّي فأرجعَ بالفلجِ
قال أبو دهبل في بعض الروايات:
إنَّ البيوت معادنٌ فنجارُهُ ... ذهبٌ وكلُّ بيوتهِ ضَخْمُ
عُقِمَ النِّساءُ فما يلدنَ شبيهَهُ ... إنَّ النِّساء بمثلِه عُقْمُ
مُتهلّل بنَعَمْ بلا متباعِدٌ ... سيَّان منهُ الوفرُ والعُدْمُ
نَزْرُ الكلامِ من الحياءِ تخالُهُ ... ضِمْناً وليسَ بجسمهِ سقْمُ
وقال مالك بن عوف:
ما إنْ رأيتُ ولا سمعتُ بمثلِهِ ... في النَّاسِ كُلّهم كمثلِ محمَّدِ
أوفَى وأعطَى للجزيل إذا اجتُدِي ... ومَتَى تَشَأْ يخبرْكَ في الغدِ
وإذا الكتيبةُ عرَّدت أنيابُها ... بالسَّمهريِّ وضربِ كلِّ مهنَّدِ
فكأنَّهُ ليثٌ على أشبالِهِ ... وسطَ الهباءةِ خادرٌ في مرصدِ
وقالت عاتكة بنت عبد المطَّلب:
ألا بأبي يومَ اللِّقاءِ محمَّداً ... إذا عضَّ من عُودنِ الحروبِ الغواربُ
كما برَدَتْ أسيافُهُ عن مليلةٍ ... زعازعَ وِردٍ بعدَ إذْ هيَ صالبُ
وما فرَّ إلاَّ رهبَةَ الموتِ منهُمُ ... حكيمٌ وقدْ أعيتْ عليهِ المذاهبُ
وقال سواد بن غزيَّة الأنصاريّ:
أتاني نجييّ بعد هدْءٍ ورَقدةٍ ... ولم يكُ فيما قد بلوتُ بكاذبِ
ثلاث ليالٍ قَولُه كلّ ليلةٍ ... أتاك نبيٌّ من لُؤيّ بنِ غالبِ
فرفَّعتُ أذيالَ الإزار وشمَّرتْ ... بيَ العِرمسُ الوجناءُ حولَ السَّباسبِ
فأشهدُ أنَّ الله لا شيءَ غيرهُ ... وأنَّكُ مأمونٌ علَى كلِّ غائبِ
وأنَّك أدنَى المرسلينَ وسيلةً ... منَ الله يا ابنَ الأكرمينَ الأطايبِ
فمُرْنا بما يأتيك من وحيِ ربّنا ... وإنْ كانَ فيما جئتَ شيبُ الذّوائبِ
وكنْ لي شَفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ... بمغنٍ فَتيلاً عن سَوادِ بنِ قاربِ
وقال عبد الله بن الزِّبَعْرى:
يا رسولَ المليكِ إنَّ لساني ... راتقٌ ما فتقتَ إذْ أنا بُورُ
يشهدُ السَّمعُ والفؤادُ بما قُلْ ... تُ ونفسي الشَّهيدُ وهي الخبيرُ
إنَّ ما جئْتَنا بهِ حقُّ صدقٍ ... ساطعٌ نورُهُ مضيءٌ منيرُ
جئْتَنا باليقينِ والصِّدقِ والبِ ... رِّ وفي الصِّدقِ واليقينِ سرورُ
أذْهَبَ اللهُ ضلَّةَ الجهلِ عنَّا ... وأتانا الرَّخاءُ والميسورُ
وقال أيضاً:
فاليومَ آمَنَ بعدَ قسوتِهِ ... عَظْمي وآمَنَ بعدَهُ لَحْمي
بمحمَّدٍ وبما يجيءُ بهِ ... مِنْ سُنَّةِ البرهانِ والحُكْمِ
وقال أيضاً:
يا خيرَ مَن حملتْ على أوصالِها ... عيرانةٌ سُرُح اليدينِ غَشومُ
إنِّي لمعتذرٌ إليكَ من الَّذي ... أسديتُ إذْ أنا في الضَّلالِ أهيمُ
فاليومَ آمَنَ بالنَّبيِّ محمَّدٍ ... قلبي ومُخطئُ هذِهِ محرومُ
فاغفرْ فدًى لكَ والدايَ كلاهُما ... وارحمْ فإنَّكَ راحمٌ مرحومُ
وعليكَ من سمةِ المليكِ علامةٌ ... نورٌ أغرُّ وخاتمٌ مختومُ
أعطاكَ بعدَ محبَّةٍ برهانَهُ ... شرفاً وبرهانُ الإلهِ عظيمُ
ولقد شهدتُ بأنَّ دينَكَ صادقٌ ... حقٌّ وأنَّكَ في العبادِ جسيمُ
واللهُ يشهدُ أنَّ أحمَدَ مصطفًى ... مستقبلٌ في الصَّالحينَ كريمُ
وقال سُراقة بن جُعْشُم:
أبا حَكَمٍ واللهِ لو كنتَ شاهداً ... لأمرِ جوادي إذْ تسوخُ قوائمُهْ
علِمتَ ولم أشكُكْ بأنَّ حمَّداً ... رسولٌ ببرهانٍ فمنْ ذا يقاومُهْ
عليكَ بكفِّ النَّاسِ عنِّي فإنَّني ... أَرَى أمرَهُ يوماً ستبدُو معالمُهْ
بأمرٍ يودُّ النَّاسُ فيهِ بجمعهمْ ... بأنَّ جميعَ النَّاسِ طرّاً يسالمُهْ
وقال مالك بن نَمَط الهَمْدانيّ، رضي الله عنه:
ذكرتُ رسولَ اللهِ في فحمةِ الدُّجَى ... ونحنُ بأعلى رَحْرَحَان وصَلْدَدِ
وهنَّ بنا خُوصٌ طلائحُ تغتلي ... برُكبانها في لاحبِ متمدّدِ
حلفتُ بربِّ الرَّاقصاتِ إلى منًى ... صوادرَ بالرُّكبانِ من ظهرِ قردَدِ
بأنَّ رسولَ اللهِ فينا مصدَّقٌ ... رسولٌ أتَى من عندِ ذي العرشِ مُهتدِ
فما حملتْ من ناقةٍ فوقَ رحلِها ... أشدَّ على أعدائِهِ من محمَّدِ
وأعطَى إذا ما طالبُ العُرفِ جاءَهُ ... وأمضَى بحدِّ المشرفيِّ المهنَّدِ
وقال أنس بن زنيم الدِّيليّ:
وأنتَ الَّذي تُهدى مَعَدٌّ لأمرِهِ ... بل اللهُ يهديهمْ وقالَ لكَ اشهدِ
وما حملتْ من ناقةٍ فوقَ رحلِها ... أبرَّ وأوفَى ذمَّةً من محمَّدِ
أحثَّ على خيرٍ وأوسعَ نائلاً ... إذا راحَ كالسَّيفِ الصَّقيلِ المهنَّدِ
وأكسَى لبُردِ الخالِ قبلَ سؤالِهِ ... وأعطَى لرأسِ السَّابقِ المتجرِّدِ
تَعَلَّمْ رسولَ اللهِ أنَّكَ مُدركي ... وأنَّ وعيداً منكَ كالأخذِ باليدِ
تَعَلَّمْ رسولَ اللهِ أنَّكَ قادرٌ ... على كلِّ صِرْمٍ مُتهيمنٍ ومُنجِدِ
وقال جَنابٌ الكلبيّ، رضي الله عنه:
يا ركنَ معتمدٍ وعصمةَ لائذٍ ... وملاذَ ممتنعٍ وجارَ مُجاوِرِ
يا مَنْ تخيَّرهُ الإلهُ لخلقِهِ ... وَحَباهُ بالخُلُقِ الزَّكيِّ الطَّاهرِ
أنتَ النَّبيّ وخيرُ عصبةِ آدمٍ ... يا مَنْ يجودُ كفيضِ بحرٍ زاخرٍ
مِيكالُ معكَ وجبرَئيلُ كلاهُما ... مَدَدٌ لنصركَ من عزيزٍ قادرِ
وقال عمرو بن سالم الخُزاعيّ، رضي الله عنه:
يا ربِّ إنِّي ناشدٌ حمَّدا
حِلْفَ أبيهِ وأبينا الأتْلَدَا
إنَّ قريشاً أخلَفوكَ الموعِدا
ونَقَضوا مِيثاقَكَ المؤكَّدا
وجَعَلوا لي في كداءٍ رَصَدا
وزَعَمُوا أنْ لستُ أدعُو أحدا
وهمْ أذلُّ وأقلُّ عَدَدا
همْ بَيَّتُونا بالوتيرِ هُجَّدا
وقَتَلُونا رُكَّعاً وسُجَّدا
فادْعُوا عبادَ اللهِ يأتُوا مَدَدا
فيهمْ رسولُ اللهِ قد تجرَّدا
أبيض مثل البدرِ يَنْمي صُعُدا
في فيلقٍ كالبحرِ يرمِي مُزبدا
فانصُرْ هَداكَ اللهُ نصراً أيَّدا
وقال زهير بن صُرَد، رضي الله عنه:
امنُنْ عَلَيْنا رسولَ اللهِ في كرمٍ ... فإنَّكَ المرءُ نرجوهُ وننتظرُ
يا خيرَ طفلٍ ومولودٍ ومُنتخبٍ ... في العالمينَ إذا ما حُصِّل البَشَرُ
إنْ لم تداركهمُ نعماءُ تنشُرُها ... يا أرجَحَ النَّاسِ حلماً حينَ يُختبرُ
يا خيرَ مَنْ مرحَتْ كُمْتُ الجياد بهِ ... عندَ الهياجِ إذا ما استوقِدَ الشَّررُ
إنَّا لنشكُرُ آلاءً وإنْ كُفرتْ ... وعندَنَا بعدَ هذا اليومِ مدَّخَرُ
إنَّا نؤمِّلُ عفواً منكَ تلبسُهُ ... هذي البريَّة إذْ تعفُو وتنتصرُ
فاغفرْ عَفَا اللهُ عمَّا أنتَ راهبُهُ ... يومَ القيامةِ إذْ يُهدَى لكَ الظَّفَرُ
وقال النَّابغة الجعديُّ، رضي الله عنه:
لَوَى اللهُ علمَ الغيبِ عن كلِّ خلقهِ ... ويعلمُ منهُ ما مَضَى وما تأخَّرا
خليليَّ قدْ لاقيتُ ما لمْ تُلاقيا ... وسيَّرتُ في الأحياءِ ما لمْ تُسيّرا
أتيتُ رسولَ اللهِ إذْ قامَ بالهدَى ... ويتلُو كِتاباً كالمجرَّةِ نيِّرا
وقال رافع بن عميرة مكلِّم الذِّئب:
رعيتُ الضَّأنَ أحْميها بكلبي ... منَ اللّصْتِ الخفيِّ وكلُّ ذيبِ
فلمَّا أنْ سمعتُ الذِّئبَ نادَى ... يُبشِّرُني بأحمَدَ مِن قريبِ
سعيتُ إليه قد شمَّرتُ ثَوبي ... عن السَّاقينِ قاصدة الرَّكيبِ
فألفيتُ النَّبيّ يقولُ قولاً ... صَدوقاً ليسَ بالقولِ الكذوبِ
فبشَّرني بدينِ الحقِّ حتَّى ... تبيَّنتِ الشَّريعةُ للمُنيبِ
وأبصرتُ الضّياءَ يضيءُ حولي ... أمامي إن سعيتُ ومِن جَنوبي
وقال لهب بن مالك:
أَرَى لقومِي ما أَرَى لنفْسي
أنْ يتْبَعُوا خيرَ نبيِّ الإنْسِ
بُرهانُهُ مثلُ شُعاعِ الشَّمْسِ
يُبعثُ في مكَّةَ دارِ الحُمسِ
بمُحْكَمِ التَّنزيلِ غيرِ اللَّبْسِ
وقال أبو قيس صرمة بن أبي أنس، رضي الله عنه:
ثَوى في قريشٍ بضعَ عشرَةَ حجَّةً ... يذكِّرُ لو يلقَى صديقاً مُواتيا
ويعرضُ في أهلِ المواسمِ نفسَهُ ... فلمْ يَرَ منْ يُؤوي ولم يَرَ داعيا
فلمَّا أتانا أظهَرَ اللهُ دينَهُ ... وأصبَحَ مسروراً بطيبةَ راضِيا
وألْفى صديقاً واطمأنَّتْ بهِ النَّوَى ... وكانَ لنا عوناً منَ اللهِ بادِيا
يقُصُّ لنا ما قالَ نوحٌ لقومهِ ... وما قالَ موسى إذا أجابَ المُناديا
وأصبحَ لا يخشَى منَ النَّاسِ واحداً ... قريباً ولا يخشَى من النَّاسِ نائِيا
قال فَضالة بن عُمير اللَّيثي، رضي الله عنه:
قالتْ هلمَّ إلى الحديثِ فقلتُ لا ... يأبَى عليكِ اللهُ والإسلامُ
لو ما رأيتِ محمَّداً وقبيلَهُ ... بالفتحِ يومَ تُكسَّرُ الأصنامُ
لرأيتِ دينَ اللهِ أضحَى بيِّناً ... والكفرُ يغشَى وجهَهُ الإظلامُ
وقالت قُتيلة بنت النَّضْر بن الحارث:
أمُحمَّدٌ ها أنتَ ضِئْنُ نَجيبةٍ ... في قومِها والفحلُ فحلٌ مُعرِقُ
ما كان ضَرَّكَ لو منَنْتَ فرُبّما ... منَّ الفَتَى وهو المغيظَ المُحنقُ
والنَّضْرُ أقرَبُ من قتلتَ قرابةً ... وأحقُّهمْ إن كانَ عتقٌ يُعتقُ
وقال أبو طالب بن عبد المطَّلب:
إذا اجتمعتْ يوماً قريشٌ لمفخرٍ ... فعبدُ منافٍ سرُّها وصميمُها
وإنْ حُصِّلتْ أشرافُ عبدِ منافِها ... ففي هاشم أشرافُها وقديمُها
وإنْ فَخَرتْ يوماً فإنَّ محمَّداً ... هو المصطفَى من سرِّها وكَريمها
تداعتْ قريشٌ غَثُّها وسَمينُها ... عَلَيْنا ولم تظهرْ وطاشتْ حُلومُها
وكنَّا قديماً لا نقرُّ ظُلامَةً ... إذا ما ثَنَوا صُعْرَ الخُدودِ نُقيمُها
وقال أيضاً من قصيدة:
أعوذُ بربِّ النَّاسِ من كلِّ طاعنٍ ... عَلَيْنا بسوءٍ أوْ مُلِحٌّ بباطلِ
كذبتمْ وبيتِ اللهِ نُبزى محمَّداً ... ولمَّا نطاعنْ دونهُ ونُناضِلِ
ونُسلمُهُ حتَّى نُصرّعَ حولَهُ ... ونذهَلَ عن أبنائنا والحلائلِ
وما تركُ قومٍ لا أبا لك سيّداً ... يحوطُ الذِّمارَ غير ذربٍ مُواكلِ
وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجههِ ... ثُمالُ اليتامى عِصمةٌ للأراملِ
يلوذُ بهِ الهلاكُ من آلِ هاشمٍ ... فهمْ عندهُ في نعمةٍ وفواضلِ
وقد علِموا أنَّ ابنَنَا لا مُكذَّبٌ ... لدينا ولا يُعنى بقولِ الأباطلِ
فأصبَحَ فينا أحمدٌ في أرُومةٍ ... تُقصِّرُ عنها سَورَةُ المتطاولِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ألمْ تعلَمُوا أنَّا وَجُدْنا محمَّداً ... نبيّاً كموسى خُطَّ في أوَّلِ الكُتْبِ
وأنَّ عليهِ في العبادِ محبَّةً ... ولا خيرَ ممَّن خصَّهُ اللهُ بالحبِّ
وقال تُبَّع أبو كَرِب:
شهدتُ على أحمد أنَّهُ ... رسولٌ من اللهِ باري النَّسَمْ
فلو مُدَّ عمري إلى عمرِهِ ... لكنتُ وزيراً لهُ وابنَ عمّ
وجاهدتُ بالسَّيفِ أعداءَهُ ... وفرَّجتُ عن قلبهِ كلَّ همّ
وقال ورقة بن نوفل:
لججتُ وكنتُ في الذِّكرى لجوجا ... لهمٍّ طالما بعَثَ النَّشيجا
ووصفٍ مِن خديجةَ بعدَ وصفٍ ... فقدْ طالَ انتظاري يا خديجا
ببطنِ المكَّتينِ على رَجاءٍ ... حديثكِ أن أَرَى منهُ خُروجا
بما حدَّثْتنا من قولِ قسٍّ ... من الرُّهبانِ أكرَهُ أن يَعُوجا
بأنَّ مُحَمَّداً سيسودُ قوماً ... ويخصمُ مَنْ يكونُ لهُ حَجيجا
ويظهرُ في البلادِ ضياء نُورٍ ... يقيمُ بهِ البريَّة أن تَمُوجا
فيلقَى مَنْ يحاربُهُ خَسَاراً ... ويلقَى من يسالمُهُ فُلوجا
فيا ليتَنِي إذا ما كانَ ذاكمْ ... شهدتُ وكنتُ أوَّلهمْ وُلوجا
وُلوجاً في الَّذي كرِهتْ قريشٌ ... ولو عجَّتْ بمكَّتها عَجيجا
أُرجِّي بالَّذي كرِهوا جميعاً ... إلى ذي العرشِ إنْ سَفَلوا عُروجا
وهلْ أمرُ السَّفاهةِ غيرُ كفرٍ ... بمنْ يختارُ مَنْ سَمَكَ البُروجا
فإنْ يبْقَوا وأبْقَ تكنْ أمورٌ ... يضجُّ الكافرونَ لها ضَجيجا
وإنْ أهلكْ فكلُّ فتًى سيلقَى ... من الأقدارِ مَتْلَفَةً حَرُوجا
وقال لَبيد بن ربيعة:
أتيناكَ يا خيرَ البريَّةِ كلِّها ... لترحَمَنا ممَّا لقِينا منَ الأزلِ
أتيناكَ نشكُو خطَّةً جلَّ أمرُها ... لسبعِ سنين وافراتٍ على كحلِ
فإنْ تدعُ أُخرى بالقحوطِ فإنَّنا ... أحاديثُ طَسْمٍ ما دعاؤك بالهزلِ
وإنْ تدعُ بالسُّقيا وبالعفوِ تُرسل السَّ ... ماءُ لنا والأمرُ يبقَى على الأصلِ
أتيناكَ والعذراءُ تَدْمى لِثاتُها ... وقد ذهلتْ أُمُّ الصَّبيِّ عن الطِّفلِ
وألْقى بكفَّيهِ الشُّجاعُ استكانةً ... من الجوعِ صمتاً ما يُمرُّ وما يُحلي
وأنتَ لدُنْيانا وأنتَ لديننا ... تُؤمَّلُ للدُّنيا وللموقفِ الفصلِ
لنا منكَ في يومِ الحسابِ شفاعةٌ ... تُفرِّجُ عنَّا والشَّفاعَةُ في الأهلِ
وليسَ لنا إلاَّ إليكَ فِرارُنا ... وأينَ فِرارُ النَّاسِ إلاَّ إلى الرُّسْلِ
وقال أعشى بكر، واسمه ميمون بن قيس من قصيدة:
ألا أيُّهذا السَّائلي أينَ يمَّمْتَ ... فإنَّ لها في أهلِ يثربَ موعِدا
وآليتُ لا أرثِي لها من كلالةٍ ... ولا من وَجًى حتَّى تُلاقي مُحَمَّدا
مَتَى ما تُناخِي عندَ بابِ ابنِ هاشمٍ ... تُراحِي وتلقَيْ من فواضلهِ يَدَا
نبيٌّ يَرَى ما لا تروْنَ وذكرُهُ ... أغارَ لَعَمْرِي في البلادِ وأنْجَدَا
لهُ صدقاتٌ ما تُغَبُّ ونائلٌ ... وليسَ عَطَاءُ اليوم مانعَهُ غَدَا
وقال أيضاً أبو عزَّة الجُمحيّ:
فمنْ مبلغٌ عنِّي الرَّسولَ مُحَمَّداً ... بأنَّكَ حقٌّ والمليكُ حميدُ
وأنتَ امرؤٌ تدعُو إلى الدِّينِ والهُدى ... عليكَ من اللهِ العظيمِ شهيدُ
وأنتَ امرؤٌ بُوّئتَ فينا مباءةً ... لها درجاتٌ سهلةٌ وصُعودُ
وإنَّكَ مَنْ حاربتَهُ لمحارَبٌ ... شقيٌّ ومَنْ سالمتَهُ لسعيدُ
سائر الأمداح
قال امرؤ القيس بن حجْر الكنديّ:كأنِّي إذْ نزلتُ على المُعلَّى ... نزلتُ على البواذِخِ مِنْ شَمامِ
فما مَلِك العراقِ على المعلَّى ... بمقتدرٍ ولا الملكُ الشَّآمي
أصدَّ نَشاصَ ذي القرنينِ حتَّى ... تولَّى عارضُ الملكِ الهُمامِ
أقرَّ حَشَا امرئِ القيسِ بنِ حُجْرٍ ... بنُو تميمٍ مصابيحُ الظَّلامِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لعمركَ ما سعدٌ بخلَّةٍ آثِمِ ... ولا نَأنَأٍ يومَ الحِفاظِ ولا حَصِرْ
وتعرفُ فيهِ من أبيهِ شمائلاً ... ومن خالهِ ومِن يزيدَ ومن حُجُرْ
سَمَاحَة ذا وبرّ ذا ووفاءَ ذا ... ونائل ذا إذا صَحَا وإذا سَكِرْ
وقال النَّابغة الذُّبيانيُّ واسمه زياد بن معاوية:
الواهبُ المئةَ المِعكاءَ زيَّنَها ... سعدانُ تُوضحَ في أوبارِها اللَّبَدُ
والأُدْمُ قدْ خُيِّستْ فُتلاً مرافقُها ... مشدودةً برحالِ الحيرةِ الجُدُدِ
والرَّاكضاتُ ذُيُولَ الرَّيْطِ فانَقَها ... بَردُ الهواجِرِ كالقِرْلانِ بالجَرَدِ
والخيلُ تمزَعُ غرباً في أعنَّتها ... كالطَّيرِ تنجُو من الشُّؤبُوبِ ذي البَرَدِ
فما الفراتُ إذا هبَّ الرِّياحُ لهُ ... ترمي غواربُهُ العِبْرَينِ بالزَّبدِ
يمدُّهُ كلٌّ وادٍ مترعٍ لَجبٍ ... فيه ركامٌ من اليَنْبوتِ والخَضَدِ
يظلُّ من خوفهِ الملاَّحُ معتصماً ... بالخيزُرانةِ بعدَ الأيْنِ والنَّجَدِ
يوماً بأجودَ منهُ سيبَ نافلةٍ ... ولا يحولُ عطاءُ اليومِ دونَ غَدِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا ما غَزَوا بالجيشِ حلَّقَ فوقهمْ ... عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ
يُصاحبْنَهُم حتَّى يُغرنَ مغارَهُم ... من الضَّارياتِ بالدِّماءِ الدَّواربِ
تراهنَّ خلفَ القومِ خُزْراً عيونُها ... جلوسَ الشُّيوخِ في ثيابِ المرانبِ
جوانِحَ قد أيقنَّ أنَّ قبيلَهُ ... إذا ما التقى الجمعانِ أوَّلُ غالبِ
لهنَّ عليهمْ عادةٌ قد عرفْنَهَا ... إذا عُرِّضَ الخطِّيُّ فوقَ الكواثبِ
على عارفاتٍ للطِّعانِ عوابسٍ ... بهنَّ كلومٌ بيمَ دامٍ وجالبِ
إذا استنزلُوا عنهنَّ للطَّعن أرقلُوا ... إلى الموتِ إرقالَ الجِمالِ المصاعبِ
فهمْ يتساقَوْن المنيَّةَ بينهُمْ ... بأيديهمُ بيضٌ رقاقُ المضاربِ
يطيرُ فُضاضاً بينَهَا كلُّ قَوْنَسٍ ... ويتبعها منهمْ فراشُ الحواجبِ
ولا عيبَ فيهمْ غيرَ أنَّ سيوفهمْ ... بهن فُلولٌ من قِراعِ الكتائبِ
تُورِّثنَ من أزمانِ يومِ حليمةٍ ... إلى اليومِ قد جُرِّبنَ كلَّ التَّجاربِ
تقُدُّ السَّلوقيّ المضاعَف نسجُهُ ... وتُوقدُ بالصُّفَّاحِ نارَ الحباحِبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
فإنَّك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ ... إذا طلعتْ لم يبدُ منهنَّ كوكبُ
ألم ترَ أنَّ الله أعطاكَ سَورَةً ... ترى كلَّ ملكٍ دونَها يتذبذبُ
وقال علقمة بن عَبدة التَّميميّ من قصيدةٍ:
إلى الحارثِ الوهَّابِ أعملتُ ناقَتي ... لكلكلِها والقُصْرَيينِ وجيبُ
إليكَ أبيتَ اللَّعنَ كانَ وجيفُها ... بمُشتبهاتٍ هولُهنَّ مَهيبُ
وأنتَ امرؤٌ أفضتْ إليكَ أمانَتي ... وقبلكَ ربَّتْني فضِعْتُ رُبُوبُ
فأدَّتْ بَنُو عوفِ بنِ كعب رَبيبَها ... وغُودرَ في بعضِ الجنودِ رَبيبُ
فواللهِ لولا فارس الجَوْنِ منهُمُ ... لآبُوا خَزايا والإيابُ حَبيبُ
تقدِّمُهُ حتَّى تغيبَ حُجُولهُ ... وأنتَ لبَيْضِ الدَّارعينَ ضَروبُ
تجودُ بنفسٍ لا يُجادُ بمثلها ... وأنتَ بها يومَ اللِّقاءِ تطيبُ
وفي كلِّ حيٍّ قد خَبَطتَ بنعمةٍ ... فحُقَّ لشأسٍ مِن نداكَ ذنوبُ
وقال زهير بن أبي سلمة المزنيُّ من قصيدةٍ:
علَى مُكثريهمْ رزقُ مَن يعْتريهمُ ... وعند المُقلِّينَ السَّماحةُ والبَذْلُ
وإنْ جئتهمْ ألفيتَ حولَ بيوتهمْ ... مجالسَ قدْ يُشفَى بأحلامِها الجهلُ
وإنْ قامَ فيهمْ حاملٌ قالَ قاعدٌ ... رَشَدتَ فلا غُرمٌ عليكَ ولا خذلُ
سعى بعدهُم قومٌ لكي يدركوهُمُ ... فلم يفعلُوا ولم يُلاقوا ولم يألوا
فما يكُ من خير أتَوْهُ فإنَّما ... توارثهُ آباءُ آبائهم قبلُ
وهل يُنبتُ الخَطّيّ إلاَّ وشيجُهُ ... وتُغرسُ إلاَّ في منابتها النَّخلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
قد جعَلَ المبتغونَ الخيرَ في هرِمٍ ... والسَّائلونَ إلى أبوابه طُرقا
إنْ تلقَ يوماً على علاّتهِ هرماً ... تَلقَ السَّماحةَ منه والنَّدى خُلُقا
وليسَ مانعَ ذي قُربى وذي نسبٍ ... يوماً ولا مُعدماً من خابطٍ وَرَقا
ليثٌ بِعَثَّرَ يصطادُ الرِّجالَ إذا ... ما كذَّبَ اللَّيثُ عن أقرانِهِ صَدَقا
يطعنهمْ ما ارتَمَوا حتَّى إذا اطَّعنوا ... ضارَبَ حتَّى إذا ما ضارَبُوا اعْتَنَقا
هذا وليسَ كمنْ يعيا بخطَّتهِ ... وسْطَ النَّديَّ إذا ما ناطقٌ نَطَقا
يطلبُ شأْوَ امرأَيْنِ قدَّما حسناً ... نالا الملوكَ وبذَّا هذهِ السُّوَقَا
هوَ الجوادُ فإنْ يلحقْ بشأوِهِما ... على تكاليفِهِ فمثلُهُ لَحِقا
أوْ يسبقاهُ على ما كانَ من مَهَلٍ ... فمثلُ ما قدَّما مِنْ صالحٍ سَبَقا
أغرُّ أبيضُ فيَّاضٌ يفكُّك عنْ ... أيدي العُناةِ وعن أعناقِها الرَّبقا
لو نالَ حيٌّ من الدُّنيا بمنزلةٍ ... أُفقَ السَّماءِ لنالتْ كفُّه الأُفقا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وأبيضَ فيَّاضٍ يداهُ غمامةٌ ... على معتفيهِ ما تغبُّ فواضلُهْ
تراهُ إذا ما جئتَهُ متهلِّلاً ... كأنَّكَ تُعطيه الَّذي أنتَ سائلُهْ
حُذَيفَةُ ينْميهِ وبدرٌ كلاهما ... إلى باذخٍ يعلُو على مَن يُطاولُهْ
ومَن مثلُ حِصْنٍ في الحروبِ ومثلُهُ ... لإنكار ضيمٍ أو لأمرٍ يحاولُهْ
أبَى الضَّيمَ والنُّعمان يحرقُ نابَهُ ... عليهِ فأفْضى والسُّيوفُ معاقلُهْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنَّ البخيلَ مَلومٌ حيث كانَ ول ... كنَّ الجوادَ علَى عِلاّته هَرِمُ
هو الجوادُ الَّذي يُعطيكَ نائلَه ... عفْواً ويُظلمُ أحياناً فَيظَّلِمُ
وإنْ أتاهُ خليلٌ يوم مَسْغَبَةٍ ... يقولُ لا غائبٌ مالِي ولا حَرِمُ
ومن ضَريبته التَّقوى ويعصمُه ... من سيِّئِ العَثَراتِ اللهُ والرَّحِمُ
مُورّث المجدِ لا يغتالُ همَّتهُ ... عن الرِّياسةِ لا عجزٌ ولا سأمُ
كالهُندوانيِّ لا يُخزيكَ مشهدُهُ ... وسطَ السُّيوفِ إذا ما تُضرب البُهَمُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
تاللهِ قد علمتْ سراةُ بني ... ذُبيانَ عامَ الحبسِ والأصْرِ
أن نِعْمَ مُعتَرَكُ الجياعِ إذا ... خبَّ السَّفيرُ وسابِئُ الخمرِ
ولنعمَ حشوُ الدِّرعِ أنتَ إذا ... دُعيتْ نَزَالِ وَلُجَّ في الذُّعرِ
حامي الذِّمارِ على محافظةِ ال ... جُلّى أمينُ مُغَيَّبِ الصَّدرِ
فلأنتَ أشجَعُ حينَ تتَّجه ال ... أبطالُ من ليثٍ أبي أجرِ
لو كنتَ من شيءٍ سِوى بَشَرٍ ... كنتَ المنوِّرَ ليلَةَ البدرِ
والسّترُ دونَ الفاحشاتِ وما ... يلقاكَ دونَ الخيرِ من سِتْرِ
وقال أيضاً:
أنِّي سترحَلُ بالمطيِّ قصائِدِي ... حتَّى تَحُلَّ على بني ورقاءِ
مِدَحاً لهُم يتوارثونَ ثناءَهَا ... رهناً لآخرهمْ بطول بقاءِ
حُلماءُ في النَّادي إذا ما جئتهمْ ... جُهلاءُ يومَ عجاجَةٍ ولقاءِ
مَنْ سالَموا نالَ الكرامَةَ كلَّها ... أوْ حارَبوا ألْوى مع العَشَّاءِ
وقال أيضاً أُميَّة بن أبي الصَّلت:
أأذكر حاجتي أمْ قدْ كفاني ... حياؤُكَ إنَّ شيمتكَ الحياءُ
وعِلمكَ بالحقوقِ وأنتَ فرعٌ ... لكَ الحَسَبُ المهذَّبُ والسَّناءُ
خليلٌ لا يغيِّرُهُ صباحٌ ... عن الخُلُقِ الجميلِ ولا مساءُ
وأرضُكَ كلُّ مكرمةٍ بَنَتْها ... بنو تَيْمٍ وأنتَ لها سماءُ
إذا أثنى عليكَ المرءُ يوماً ... كفاهُ من تعرُّضهِ الثَّناءُ
تُباري الرِّيحَ مكرمةً وجوداً ... إذا ما الكلبُ أجحرَهُ الشِّتاءُ
وقال أعشى بكر من قصيدة:
وبيداءَ قفرٍ كبُردِ السَّديرِ ... مناهلُها داثراتٌ أُجُنْ
قطعتُ إذا خبَّ ريعانُها ... بدَوْسَرَةٍ جَسرةٍ كالفَدَنْ
تيمَّمُ قيساً وكم دونَهُ ... من الأرضِ من مهمهٍ ذي شَزَنْ
أخا ثقةٍ عالياً كعبُهُ ... جزيلَ العطاءِ كريمَ المِنَنْ
كريماً شمائلُهُ من بَني ... مُعاويةَ الأكرمينَ السُّنَنْ
رفيعَ العمادِ طويلَ النِّجا ... دِ ضخمَ الدَّسيعةِ رحبُ العَطَنْ
فإنْ يتبَعُوا أمرهُ يرشُدوا ... وأنْ يسألُوا مالَهُ لا يضنّ
عليهِ سلاحُ امرئٍ ماجدٍ ... تمهَّلَ للحربِ حتَّى امتحنْ
يطوفُ العُفاةُ بأبوابهِ ... كطوفِ النَّصارى ببيتِ الوَثَنْ
ونُبِّئتُ قيساً ولم أبلُهُ ... كما زَعُموا خيرَ أهلِ اليَمَنْ
فأقبلتُ أرتادُ ما خبَّروا ... ولولا الَّذي خبَّروا لمْ تَرَنْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وغَريبةٍ تأتي الملوكَ حكيمةٍ ... قدْ قلتُها ليُقالَ منْ ذا قالَها
وجَزور أيْسارٍ دعوتُ إلى النَّدَى ... ونياطِ مُقْفرةٍ أخافُ ضِلالَها
بجُلالةٍ سُرُحٍ كأنَّ بغَرْزِها ... هِرّاً إذا انتعلَ المطيُّ ظِلالَها
فإذا تُجَوِّزُها حِبالَ قبيلةٍ ... أخذَتْ من الأُخرى إليكَ حِلالَها
فكأنَّها لمْ تلقَ ستَّةَ أشْهُرِ ... ضُرّاً إذا وضعَتْ إليكَ جِلالَها
عَوَّدْتَ كِنْدةَ عادةً فاصْبِرْ لها ... اغْفرْ لِجاهِلها ورَوِّ سِجالَها
وإذا تَحُلُّ من الخُطوبِ عَظيمةٌ ... أهلي فِداؤكَ فاكْفِهمْ أثْقالَها
وسعَى لِكندةَ غيرَ سِعْيِ مُواكِلٍ ... قَيْسٌ فَضرَّ عدُوَّها وبنى لها
الواهِبُ المئةَ الهِجانَ وعبدَها ... عوذاً تُزَجّي خلْفَها أطفالَها
والقارِحُ الأحْوى وكُلَّ طِمرَّةٍ ... ما إنْ تنالُ يدُ الطَّويلِ قَذالَها
ثَقِفٌ إذا نالتْ يداهُ غنيمةً ... شدَّ الرّكابَ لِمثْلها لِينالَها
وإذا تَجيءُ كتيبةٌ مَلْمومَةٌ ... خَرْساءُ تُغْشي من يذودُ نِهالَها
تأوي طَرائفُها إلى مُخْضرَّةٍ ... مكروهَةٍ يَخْشى الكُماةُ نِزالَها
كنتَ المقدَّمَ غيْرَ لابسِ جُنَّةٍ ... بالسَّيفِ تَضربُ مُعْلِماً أبطالَها
وعلمْتَ أنَّ النَّفْسَ تلقى حَتْفها ... ما كانَ خالقُها المليكُ قضى لها
وقال أيضاً من قصيدة:
فتًى لو يُنادي الشَّمسَ ألقَتْ قِناعَها ... أوْ القمر السَّاري لألْقى المقالِدا
ويُصبحُ كالسَّيف الصَّقيلِ إذا غدا ... على ظهر أنماطٍ لهُ ووسائدا
يرى البُخْلَ مُرّاً والعطاء كأنَّما ... يلذُّ بهِ عذباً من الماءِ بارِدا
تضيَّفْتُه يوماً فقرّبَ مقعدي ... وأصْفَدني على الزَّمانةِ قائدا
وأمْتَعني على العشا بِوليدةٍ ... فأُبْتُ بخيرٍ منكَ يا هوذَ حامِدا
يرى كُلَّ ما دون الثلاثين رُخْصةً ... ويَعْدو على جميع الثَّمانين واحِدا
وقال أيضاً من قصيدة:
إلى هَوْذَةَ الوهَّابِ أهْدَيتُ مِدْحتي ... أُرجّي نوالاً فاضلاً من عَطائكا
تجانَفُ عن جُلِّ اليمامةِ ناقتي ... وما قصدَتْ من أهْلها لِسوائكا
ألمَّتْ بأقوامٍ فعافَتْ حِياضهُمْ ... قَلوصي وكان الشَّربُ منها بِمائكا
سمعتُ بأهل الجودِ والجدّ والنُّهى ... فأدْليتُ دَلْوي فاستقَتْ بِرشائكا
وفي كلِّ عامٍ أنتَ جاشمُ غزوةٍ ... تشدُّ لأقصاها عزيمَ عزائِكا
مُورِّثةٍ مالاً وفي المجدِ رِفعةٌ ... لِما ضاعَ فيها من قُروءِ نِسائكا
وقال أيضاً من قصيدة:
يا هَوْذُ إنَّك من قومٍ ذوي كرمٍ ... لا يَفْشلون إذا ما آنسوا فَزعا
من يرَ هوذةَ يسجُدْ غيرَ مُتَّئبٍ ... إذا تعصَّبَ فوقَ التَّاجِ أوْ وضعا
ترى أكاليلَ بالياقوتِ فصَّلَها ... صوَّاغُها لا ترى عيباً ولا طبعا
أغَرُّ أبلجُ يُسْتسقى الغمامُ بهِ ... لو صارعَ القومَ عن أحلامهِمْ صرَعا
قد حمَّلوهُ حديثَ السِّنِّ ما حملتْ ... ساداتهُمْ فأطاقَ الحملَ واضْطَلعا
لا ترقَعُ النَّاسُ ما أوْهى وإنْ جهدوا ... طولَ الحياةِ ولا يوهونَ ما رَقعا
ترى لهُ سادةَ الأقوامِ تابعةً ... كلٌّ سيرضى بأنْ يُدْعى له تَبعا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وبَيْداءَ يلمعُ فيها السَّرا ... بُ لا يَهْتدي القومُ فيها مسيرا
قطعْتُ إذا سمعَ السَّامعو ... نَ للجُنْدبِ الجَوْنِ فيها صريرا
إلى ملكٍ كهِلالِ السَّما ... ءِ أزكى وفاءً ومجداً وخيرا
طويلِ النِّجادِ رفيعِ العِما ... دِ يحمي المُضافَ ويُعْطي الفَقيرا
أهَوْذُ وأنتَ امرؤٌ ماجدٌ ... وبحركَ في النَّاس يعلو البُحورا
منَنْتَ عليَّ نداكَ الجزيلَ ... وقد قصَّر الظَّنُّ منّي كثيرا
ومن نسْجِ داوودَ موضونةٌ ... تُساقُ معَ الحيِّ عيراً فعيرا
فأنتَ الجوادُ وأنت الَّذي ... إذا ما النُّفوسُ ملأْنَ الصُّدورا
جديرٌ بِطعْنةِ يومِ اللِّقا ... ءِ تضربُ منها النِّساءُ النُّحورا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أبا مالكٍ سارَ الَّذي قدْ صنعْتُمُ ... فأنجَدَ أقوامٌ بذاكَ وأعْرَقوا
يداكَ يدا صدْقٍ فكفٌّ مُفيدةٌ ... وكفٌّ إذا ما لانتِ النَّاسُ تصدُقُ
ترى الجودَ يجري ظاهراً فوقَ وجههِ ... كما زانَ متنَ الهندوانيِّ رَوْنقُ
وإنَّ عِتاقَ العيسِ سوف يزوركُمْ ... ثناءٌ على أعجازهِنَّ مُعلَّقُ
بهِ تُنْفضُ الأحْلاسُ في كلِّ منزلٍ ... وتُعْقدُ أطرافُ الرِّحالِ وتُطْلقُ
لَعَمْرِي لقدْ لاحتْ عيونٌ كثيرةٌ ... إلى ضوءِ نارٍ باليفاعِ تُحرَّقُ
تُشبُّ لِمَقْرورَيْنِ يَصْطليانها ... وباتَ على النَّارِ النَّدَى والمحلَّقُ
رضيعَيْ لِبانٍ ثدْيَ أُمٍّ تَحالفا ... بأسحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نتفرَّقُ
نفى الذَّمَّ عن آلِ المحلِّقِ جَفْنةٌ ... كجابيةِ السّيْحِ العراقيِّ تفهَقُ
وقال حسان بن ثابت يمدحُ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:
جزى اللهُ خيراً والجزاءُ بكفِّهِ ... أبا حسنٍ عنّا ومَنْ كأبي حسنْ
سبقْتَ قُريشاً بالذي أنتَ أهلُهُ ... فصدرك مشروحٌ وقلبُكَ مُمْتَحنْ
تمنَّتْ رجالٌ من قريشٍ أعزَّةٌ ... مكانكَ هيهاتَ الهُزالُ من السِّمَنْ
قضيْتَ لنا إذْ قامَ عمرٌو بخُطَّةٍ ... أماتَ بها التَّقوى وأحيى بها الإحنْ
حفظْتَ رسول الله فينا وعهدَهُ ... إليكَ ومن أوْلى بهِ منكَ منْ ومنْ
وقال أيضاً:
لله درُّ عصابةٍ نادمتهمْ ... يوماً بجلّقَ في الزَّمَان الأوّلِ
أولادُ جفنةَ حول قبرِ أبيهمِ ... قبرِ ابن ماريةَ الكريمِ المفضلِ
بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابهمْ ... شمّ الأنوفِ من الطِّراز الأوّلِ
يغشونَ حتّى ما تهرّ كلابهُمْ ... لا يسألونَ عن السَّوادِ المُقْبلِ
المُلحقين فقيرهم بغنيّهِمْ ... والمشفقين على السَّقيمِ المُرْملِ
وقال الحجاج بن علاط السُّلميّ يمدح عليّ بن أبي طالب:
لله أيُّ مُذبِّبٍ عن حُرْمةٍ ... أعني ابنَ فاطمةَ المُعمَّ المُخْوِلا
سبقَتْ يداكَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ ... تركَتْ طُلَيْحة للجبينِ مُجدَّلا
وشددْتَ شدَّةَ باسلٍ فتركتهُمْ ... بالجرّ إذْ يَهْوونَ أخْولَ أخولا
وقالت الخنساء بنت عمرو بن الشَّريد:
دلَّ على معروفهِ وجهُهُ ... بورِكَ هذا هادياً من دَليلْ
تحسبهُ غضْبانَ من عزّهِ ... ذلك منهُ خُلُقٌ ما يحولْ
ويْلُ امِّهِ مِسْعرَ حربٍ إذا ... أُلقيَ فيها وعليهِ الشَّليلْ
وقال الحطيئة العبسيّ من قصيدةٍ، واسمه جرول بن أوس:
أولئك قومٌ إن بنوا أحسنوا البُنى ... وإن عاهدوا أوفَوْا وإن عقدوا شدُّوا
وإن كانت النَّعماءُ فيهم جَزَوْا بها ... وإن أنعموا لا كدَّروها ولا كدُّوا
وإن قالَ مولاهُمْ علَى جلِّ حادثٍ ... من الدَّهرِ رُدُّوا فضلَ أحلامكم ردُّوا
مَطاعينُ في الهيجا مكاشيفُ للدُّجا ... بنى لهمُ آباؤهم وبنى الجدُّ
يَسوسونَ أحلاماً بعيداً أناتُها ... وإنْ غَضبوا جاءَ الحفيظةُ والجدُّ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
فما زالَت الوجناءُ تجري ضُفورُها ... إليكَ ابنَ شمَّاسٍ تروحُ وتغتدي
إلى ماجدٍ يُعطي علَى الحمد مالَهُ ... ومن يعطِ أثمانَ المحامدِ يُحمَدِ
وأنتَ امرؤٌ مَنْ تُعطهِ اليومَ نائلاً ... بكفِّكَ لا يمنعْكَ من نائلِ الغَدِ
مُفيدٌ ومِتلافٌ إذا ما أتيتَهُ ... تهلَّلَ واهتزَّ اهتزازَ المهنَّدِ
مَتَى تأتِهِ تعشُو إلى ضوءِ نارِهِ ... تجدْ خيرَ نارٍ عندَها خيرُ موقدِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
سيري أُمامُ فإنَّ الأكثرينَ حصًى ... والأكرمينَ إذا ما يُنسبونَ أبا
قومٌ همُ الأُنفُ والأذنابُ غيْرهُمُ ... ومن يُساوي بأنفِ النَّاقةِ الذَّنَبا
قومٌ إذا عقدُوا عقداً لجارهمُ ... شدُّوا العِناجَ وشدُّوا فوقَهُ الكَرَبا
قومٌ يبيتُ قريرَ العينِ جارهُمُ ... إذا لَوَى بقُوى أطنابهمْ طُنُبا
وقال الفرزدق، واسمه همَّام بن غالب:
أصبحْتُ قد نزلت بحمزةَ حاجتي ... إنَّ المنوَّهَ باسمهِ الموثوقُ
بأبي عمارةَ خير من وطئَ الثَّرى ... وجرَتْ له في الصالحين عُروقُ
بين الحواريّ الأغرّ وهاشمٍ ... ثمَّ الخليفةُ بعدُ والصِّدِّيقُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ترى الشُّمَّ الجحاجِحَ من قريشٍ ... إذا ما الأمرُ في الحَدثانِ عالا
بني عمِّ الرَّسولِ ورهطِ عمرٍو ... وعُثمان الذينَ علوا فعالا
قياماً ينظرونَ إلى سعيدٍ ... كأنَّهمُ يرَوْنَ بهِ هِلالا
وقال أيضاً من قصيدة يمدح عليّ بن الحُسينّ رضي الله عنه:
هذا سليلُ حُسين وابنِ فاطمةٍ ... بنتِ الرَّسولِ الَّذي انجابَتْ بهِ الظُّلَمُ
هذا الَّذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ ... والبيتُ يعرفهُ والحِلُّ والحرمُ
هذا ابن خيرِ عبادِ الله كُلّهمِ ... هذا التَّقيُّ النَّقيُّ الطَّاهرُ العلَمُ
ينْمي إلى ذروةِ العزّ الَّتي قصرتْ ... عن نيْلها عربُ الإسلامُ والعجمُ
أيُّ القبائلِ ليسَتْ في رقابهِمُ ... لأوّليَّةِ هذا أوْ لهَ نِعمُ
يكادُ يُمسكهُ عِرْفانَ راحتِه ... رُكْنُ الحطيمِ إذا ما جاءَ يستلِمُ
في كفّهِ خَيْزُرانٌ ريحهُ عبقٌ ... من كفِّ أروعَ في عِرْنينه شممُ
يُغْضي حياءً ويُغضى من مهابته ... فما يُكلَّمُ إلاَّ حينَ يبتسمُ
إذا رأتْهُ قريشٌ قال قائلُها ... إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرمُ
مٌشْتقَّةٌ من رسول الله نَبْعتهُ ... طابت عناصرُه والخيمُ والشِّيمُ
من معشرٍ حُبُّهم دينٌ وبُغضهمُ ... كفرٌ وقُرْبهمُ منجًى ومُعتصمُ
مُقدَّمٌ بعد ذكرِ الله ذكرهم ... في كلِّ أمرٍ ومختومٌ به الكَلِمُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنِّي رأيتُ يزيدَ عندَ شبابِ ... لبِسَ التُّقى ومهابةَ الجبَّارِ
ملكٌ عليهِ مهابةُ الملكِ التَقى ... قمرُ الزَّمانِ به وشمسُ نهارِ
وإذا الرِّجالُ رأوا يزيدَ رأيتهُمْ ... خُضعَ الرِّقابِ نواكسَ الأبصارِ
أمَّا العراقُ فلم تكنْ تُرْجى بها ... حتَّى رجعْتَ عواقبُ الأطهارِ
جمّعْتَ بعدَ تفرُّقٍ أجْنادَها ... وأقمْتَ ميلَ بنائها المُنْهارِ
ما زالَ مُذْ عقدَتْ يداهُ إزارَهُ ... فدنا فأدركَ خمسةَ الأشبارِ
يُدني خوافقَ من خوافقِ تلتقي ... في ظلِّ مُعتركِ الفِجاجِ مُثارِ
وقال جرير بن الخَطَفى من قصيدة:
ألستُمْ خيرَ من ركبَ المطايا ... وأنْدى العالمينَ بُطونَ راحِ
أبحْتَ حمى تِهامةَ بعدَ نجدٍ ... وما شيءٌ حميْتَ بِمُستباحِ
فما شجراتُ عيصكَ في قريشٍ ... بِعشَّاتِ الفُروعِ ولا ضواحي
رأى النَّاسُ البصيرةَ فاسْتقاموا ... وبيَّنتِ المِراضُ من الصِّحاحِ
وقال أيضاً يمدحُ عمر بن عبد العزيز من قصيدة:
فما كعبُ بنُ مامة وابنُ سُعْدى ... بأكرمَ منكَ يا عمرَ الجوادا
يعودُ الحلمُ منكَ على قريشٍ ... وتُفرجُ عنهمُ الكُرَبَ الشِّدادا
وقد أمَّنْتَ وحشهُمُ برفقٍ ... ويُعْيي النَّاسَ وحشُكَ أنْ يُصادا
وتبني المجدَ يا عمر بن ليلَى ... وتكفي المحْمِلَ السَّنةَ الجمادا
وتدعو الله مُجتهداً ليرضى ... وتذكرُ في رعيَّتكَ المعادا
وقال أيضاً من قصيدة:
إنِّي شكرْتُ وقدْ جرَّبتُ أنَّكمُ ... على رجالٍ وإن لم يشكروا عُطفُ
يا رُبَّ قومٍ وقومٍ حاسدين لكمْ ... ما فيهمُ بدلٌ منكم ولا خلفُ
إنَّ القديمَ وأسلافاً تُعدُّ لكمْ ... نِعمَ القديمُ إذا ما عُدَّ والسَّلفُ
وما بنى النَّاسُ من بُنيانِ مكرمَةٍ ... إلاَّ لكمْ من يبني العلا غُرفُ
ضخمُ الدَّسيعةِ والأبياتِ غُرَّتهُ ... كالبدرِ ليلةَ كادَ الشَّهرُ ينتصفُ
هذي البريَّةُ ترضى ما رضيتَ لها ... إن سرْتَ ساروا وإن قلتَ ارْبَعوا وقفوا
وقال أيضاً من قصيدة:
لكَ الغُرُّ السوابقُ من قريشٍ ... فقد عُرفَ الأغرُّ من البهيمِ
تواصَتْ من تكرُّمِها قريشٌ ... بِرَدِّ الخيلِ داميةَ الكُلومِ
لك المتخيَّرانِ أباً وخالاً ... فأكرمْ بالخؤولة والعُمومِ
فما الأمُّ الَّتي ولدَتْ أباكُم ... بمُقْرفةِ النِّجارِ ولا عقيمِ
وما قرمٌ بأنجبَ من أبيكم ... وما خالٌ بأكرمَ من تميمِ
وقال أيضاً من قصيدة:
لمّا كفيْتَ قريشاً كلَّ مُعْضلةٍ ... قالتْ قريشٌ فدتْكَ المُرْدُ والشِّيبُ
إنّا أتيناكَ نرجو منكَ نافلةً ... من رملِ يَبْرينَ إنَّ الخيرَ مطلوبُ
تُخْدى بنا نُجبٌ أفنى عرائكها ... خمسٌ وخِمْسٌ وتأويبٌ وتأويبُ
وقال أيضاً يمدح عمر بن عبد العزيز من قصيدة:
إنَّا لنرْجو إذا ما الغيثُ أخلفنا ... من الخليفةِ ما نرجو من المطَرِ
نالَ الخلافة إذْ كانتْ له قدراً ... كما أتى ربَّهُ موسى على قدرِ
كم بالمواسمِ من شعْثاءَ أرْمَلةٍ ... ومن يتيمٍ ضعيفِ الصَّوتِ والنَّظرِ
ممَّنْ يعدُّك تكفي فقدَ والدِه ... كالفرخِ في العُشِّ لم يدرُجْ ولم يطِرِ
هذي الأرامِلُ قد قضَّيْتَ حاجتها ... فمنْ لحاجةِ هذا الأرملِ الذَّكر
أنتَ المباركُ والمَرْضيُّ سيرتُهُ ... تَعْصي الهَوَى وتقومُ اللَّيل بالسُّوَرِ
وقال أيضاً يمدحُه:
إنَّ الَّذي بعثَ النَّبيّ محمّداً ... جعل الخلافة في الإمام العادلِ
قد نال عدلكَ منْ أقامَ بأرضنا ... فإليك حاجةُ كل وفدٍ راحلِ
إنِّي لآملُ منكَ خيراً عاجلاً ... والنَّفسُ مولعةٌ بحُبّ العاجلِ
وقال بلال بن جرير يمدح عبد الله بن مصعب:
مدَّ الزُّبيرُ عليكَ إذْ يبني العُلا ... كفَّيْهِ حتَّى نالتا العَيُّوقا
ولوَ أنَّ عبد الله فاخرَ منْ نرى ... فاتَ البريَّةَ عِزَّةً وسُموقا
قرْمٌ إذا ما كان يومُ نُفورهِ ... جمع الزُّبيرَ عليكَ والصِّدِّيقا
لو شئْتَ ما فاتوكَ إذْ جاريتَهُمْ ... ولكنتَ بالسَّبْقِ المُبرِّ حقيقا
لكنْ أتيْتَ مُصلّياً برّاً بهمْ ... ولقد ترى ونرى لديْكَ طريقا
وقال الأخطل من قصيدة:
وإذا عدلْتَ به رجالاً لم تجدْ ... فيضَ الفُراتِ كراشحِ الأوشالِ
وإذا أتى بابَ الأميرِ لحاجةٍ ... سَمتِ العُيونُ إلى أغرَّ طُوالِ
ضخمٌ سُرادقهُ يُعارضُ سَيْبُهُ ... نفحاتِ كلِّ صبا وكلِّ شمالِ
ليسَتْ عطيَّتُهُ إذا ما جئتَهُ ... نَزْراً وليسَ سِجالُه كسجالِ
فهوَ الجوادُ لمنْ تعرَّضَ سيْبَهُ ... وابنُ الجوادِ وحاملُ الأنفالِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنِّي حلفْتُ بربِّ الراقصاتِ وما ... أضحى بمكّةَ من حُجْبٍ وأستارِ
لألْجأتْني قريشٌ خائفاً وجِلاً ... وموَّلَتْني قريشٌ بعدَ إقْتارِ
المنعمونَ بنو حربٍ وقد حدقَتْ ... بيَ المنيَّةُ واسْتَبطأتُ أنصاري
بهم تُكشَّفُ عن أحيائها ظلمٌ ... حتَّى ترفَّع عن سمعٍ وأبصارِ
قومٌ إذا حاربوا شدُّوا مآزرَهُمْ ... دونَ النِّساء وقد باتَتْ بأطهارِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إلى إمامٍ تُغادينا فواضلُهُ ... أظْفرَهُ الله فلْيهْنَأ لهُ الظَّفرُ
الخائضُ الغمرَ والمَيمونُ طائرُهُ ... أغرُّ أبلجُ يُستسقى به المطَرُ
والهمُّ بعد نجيِّ النَّفسِ يبعثُهُ ... بالحزْمِ والأصمعانِ القلبُ والحذرُ
صمٌّ عن الجهلِ عن قيل الخنا خُرسٌ ... إذا ألمَّتْ بهمْ مكروهةٌ صبروا
شُمْسُ العداوةِ حتَّى يُستقادَ لهمْ ... وأعظمُ النَّاس أحلاماً إذا قدروا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
نبتَتْ قناتُكَ منهمُ في أسرةٍ ... بيضِ الوجوه مصالتٍ أخيارِ
قومٌ إذا بسطَ الإلهُ ربيعهُمْ ... صابَتْ رحاهُ بِمُسبلٍ درَّارِ
وإذا أُريدَ بهم عُقوبةُ فاجرٍ ... مطرَتْ صواعقُهم عليه بنارِ
تَسمو العيونُ إلى عزيزٍ بابُهُ ... مُعطى المهابةِ نافعٍ ضرَّارِ
وترى عليه إذا العيونُ شزَرْنهُ ... سيما الحليمِ وهيبةَ الجبّارِ
شُدَّتْ رحائلُ خيلهِ وتكشَّفَتْ ... عنهُ الحُروبُ بفارسٍ مِغْوارِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنِّي دعاني إلى بشرٍ فواضلُهُ ... والخيرُ قد علِمَ الأقوامُ مُتَّبَعُ
يا بِشرُ لو لم أكنْ منكُمْ بمنزلةٍ ... ألقى يديْهِ عليَّ الأزْلَمُ الجذعُ
ليسوا إذا طردوا يُحْمى طريدهُم ... ولا تنالُ أكفُّ النَّاسِ ما منعوا
فاليومَ أجهدُ نفسي ما وسعْتُ لكم ... وهلْ تكلَّفُ نفسٌ فوقَ ما تسعُ
وقال ذو الرُّمة، واسمه غيلان بن عُقبة:
ولكنني أقبلت من جانبَيْ قسا ... أزورُ فتًى محضاً نجيباً يمانيا
من آلِ أبي موسى ترى النَّاس حولَهُ ... كأنَّهمُ الكِرْوانُ أبصرْنَ بازيا
مُرمِّينَ من ليثٍ عليهِ مهابةٌ ... تفادى الأسودُ الغُلْبُ منهُ تفاديا
فما يعرفون الضِّحكَ إلاَّ تبسُّماً ... ولا ينبسونَ القولَ إلاَّ تناجيا
لدى ملكٍ يعلو الرّجالَ بضوْئهِ ... كما يبهَرُ البدرُ النُّجومَ السَّواريا
وما الفُحشَ منه يرهبونَ ولا الخنا ... عليهمْ ولكن هيبةٌ هيَ ماهيا
فتى السِّنّ كهلُ الحلمِ تسمعُ قولهُ ... يُوازنُ أدناهُ الجِبالَ الرّواسيا
وأنتمْ بني قيسٍ إذا الحربُ شمَّرتْ ... حُماةُ الوغى والخاضبونَ العَواليا
فما مربعُ الجيرانِ إلاَّ جِفانُكمْ ... تبارَوْنَ أنتم والرِّياح تَباريا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أنتَ الرَّبيعُ إذا ما لم يكنْ مطرٌ ... والسَّائسُ الحازِمُ المفعولُ ما أمرا
ما زلتَ في درجاتِ العزِّ مُرْتقياً ... تسمو وينمي بك الفَرْعانِ من مُضَرا
حتَّى بهرْتَ فما تخفى على أحدٍ ... إلاَّ على أحدٍ لا يعرفُ القمرا
حللْتَ من مُضرَ الحمراء ذُرْوَتها ... وباذخ العزِّ من قيسٍ إذا هدرا
بنو فزارةَ عن آبائهمْ ورثوا ... دعائمَ الشَّرفِ العاديَّةَ الكُبَرا
المانعونَ فما يُسْطاعُ ما منعوا ... والمُنْبتونَ بجلْدِ الهامةِ الشَّعَرا
وقال أيضاً:
أتَتْنا من نَداكَ مُبشِّراتٌ ... ونرجو فضلَ سَيْبكَ يا بلالُ
دعا لكمُ الرَّسولُ فلنْ تضِلُّوا ... هُدًى ما بعدَ دعوتِه ضلالُ
بنى لكمُ المكارِمَ أوَّلوكُمْ ... فقدْ خلدَتْ كما خلدَ الجِبالُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
سمعتُ النَّاسُ يَنْتجعونَ غيثاً ... فقلْتُ لصَيْدَحَ انتجعي بلالا
تُناخي عندَ خيرِ فتًى يمانٍ ... إذا النَّكْباءُ عارضَتِ الشَّمالا
وأبْعدِهم مسافةَ غَوْرِ عقلٍ ... إذا ما الأمرُ ذو الشُّبهاتِ عالا
وخيرهِمُ مآثِرَ أهلِ بيتٍ ... وأكرمهِمْ وإنْ كَرُموا فَعالا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا لبسَ الأقوامُ حقّاً بباطلٍ ... أبانتْ لهُ أحْناؤهُ وشواكِلُهْ
فعفٌّ ويستحْيي ويعلمُ أنَّهُ ... مُلاقي الَّذي فوقَ السَّماءِ فسائلُهْ
ترى سيفَهُ لا تنصُفُ السَّاقَ نعلُهُ ... أجلْ لا وإنْ كانتْ طوالاً حمائلُهْ
يُنيفُ على القومِ الطِّوالِ برأسهِ ... ومَنْكبهِ قرمٌ سِباطٌ أناملُهْ
وقال نُصيب:
أقولُ لركبٍ صادرينَ لقيتُهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قاربُ
قِفوا خبِّروني عن سليمانَ إنَّني ... لمعروفه من أهل ودّان طالبُ
فعاجوا فأثْنَوا بالذي أنتَ أهلهُ ... ولو سكتوا أثْنت عليكَ الحقائبُ
هو البدرُ والنَّاسُ الكواكبُ حولَهُ ... وهلْ يشبهُ البدرَ المُنيرَ الكواكبُ
وقال كُثيّر بن عبد الرَّحمن، من قصيدة:
رأيتُ ابنَ ليلَى يعْتَري صُلْبَ مالهِ ... مسائلُ شتَّى من غنيٍّ ومُصْرمِ
مسائلُ إن توجدْ لديكَ تجُدْ بها ... يداكَ وإن تُظلمْ بها تتظلَّمِ
يداكَ ربيعٌ يُنتوى فضلُ سَيْبهِ ... ووجهُكَ بادي الخيرِ للمتوسِّمِ
مَتَى ما أقُلْ في آخرِ الدَّهرِ مدحةً ... فما هي إلاَّ في ابن ليلَى المكرَّمِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لقد جهدَ الأعداءُ فَوْتكَ جهدهُمْ ... وضافتْكَ أبكارَ الخُطوبِ وعونُها
فما وجدوا فيكَ ابنَ مروانَ سَقْطةً ... ولا جهلةً في مأزقِ تَسْتكينُها
إذا ما أراد الغَزْوَ لم يثنِ همَّهُ ... حَصانٌ عَلَيْها نظْمُ دُرٍّ يزينُها
نهَتْهُ فلمّا لم ترَ النَّهْيَ عاقهُ ... بكتْ فبكى ممّا شجاها قطينُها
ولكنْ مضى ذو مِرَّةٍ مُتَثبِّتٌ ... لسنَّةِ حقٍّ واضحٍ مُستبينُها
وقال أيضاً من قصيدةٍ يمدح عمر بن عبد العزيز:
فكمْ من يتامى بُؤَّسٍ قد جبرْتَها ... وألبستَها من بعد عُريٍ ثِيابها
وأرْملةٍ هَلْكى ضعافٍ وصَلْتها ... وأسْرى عُناةٍ قد فككْتَ رقابها
فتًى ساد بالمعروفِ غيرَ مُدافَعٍ ... كُهولَ قريشٍ كُلّها وشبابَها
أراهُمْ مناراتِ الهدى مُستنيرةً ... ووافقَ منها رُشدها وصوابَها
وراضَ برفقٍ ما أرادَ ولمْ تزَلْ ... رياضتُهُ حتَّى أذلَّ صِعابها
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أحاطَتْ يداهُ بالخلافةِ بعدما ... أرادَ رجالٌ آخرون اغتيالَها
فما تركوها عنوةً عن مودَّةٍ ... ولكنْ بحدِّ المشرفيِّ استقالَها
سموْتَ فأدركْتَ العلاءَ وإنَّما ... يُلقّى عليّاتِ العُلا من سما لها
وصُلْتَ فنالَتْ كفُّكَ المجدَ كلَّهُ ... ولم تبلغ الأيدي السَّوامي مصالَها
وقال الشَّمّاخ، واسمه معقل بن ضِرار، من قصيدة:
رأيتُ عَرابةَ الأوْسيَّ يسمو ... إلى الخيراتِ مُنقطعَ القَرينِ
إذا ما رايةٌ رُفعتْ لمجدٍ ... تلقَّاها عرابةُ باليمينِ
فمثلُ سَراةِ قومِكَ لم يُجارَوا ... إلى رُبْعِ الرِّهانِ ولا الثَّمينِ
رِماحُ رُدينةٍ وبحارُ لُجٍّ ... غواربُها تلاعَبُ بالسَّفينِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وأشعثَ قد قدَّ السِّفارُ قميصَهُ ... وجرُّ شِواءٍ بالعصا غير مُنضجِ
دعوْتُ إلى ما نابني فأجابني ... كريمٌ من الفتيانِ غيرُ مُزلَّجِ
فتًى يملأُ الشِّيْزى ويُروي سنانَهُ ... ويضربُ في رأسِ الكريمِ المدجَّجِ
فتًى ليسَ بالرَّاضي بأدنى معيشةٍ ... ولا في بيوتِ الحيِّ بالمتولّجِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إليكَ نشكو عرابَ اليوم فاقَتَنا ... يا ذا العلاءِ ويا ذا السُّؤددِ الباقي
يا ابن المجلِّي عن المكروبِ كُرْبتهُ ... والفاتحِ الغُلَّ عنهُ بعدَ إيثاقِ
والشَّاعبُ الصَّدْعَ قد أعْيى تلاحُمهُ ... والأمر تفتحَهُ من بعدِ إغلاقِ
في بيتِ مأثُرَتيْ عزٍّ ومكرمةٍ ... سبَّاقِ غاياتِ مجدٍ وابنِ سبَّاقِ
وقال إبراهيمُ بن عليّ بن هرمة من قصيدة:
نرجو السَّريَّ ونرجو فضل نائلهِ ... وما لنا غيرَهُ بالشَّرْقِ آرابُ
لا قَصرَ عنكَ ولا مَعْدى لِحاجتنا ... وأنتَ للخيرِ يا ابنَ الخيرِ وهَّابُ
ما نمتَ عن شرفٍ يُبْنى ولا كرمٍ ... ولا عُدِدْتَ مع القومِ الأُولى عابوا
مرتْ يديْكَ من العبّاسِ مكرمةٌ ... فوقَ السِّماكِ وأعْراقٌ وأنسابُ
ماتوا كِراماً ولم يعمُر جنابَهُمُ ... ذُلٌّ وعاشوا وهمْ للنَّاسِ أرْبابُ
بيضٌ مصاليتُ إن لاقَوا عدُوَّهمُ ... فيهمْ حياءٌ وأحلامٌ وألبابُ
يلقى لديكَ ذوي الحاجاتِ إن طرقوا ... بابٌ يُرحِّبُ بالعافي ونُوَّابُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أمّا السَّريُّ فإنِّي سوفَ أمدحُهُ ... ما المادحُ الذَّاكرُ الإحسانَ كالهاجي
ألقى إليَّ بحبْلَيْهِ فأنقذني ... فلستُ ناسيَ إنقاذي وإخراجي
ليثٌ بحجرٍ إذا ما هاجَهُ فزعٌ ... سعى إليه بإلجامٍ وإسْراجِ
لأحْبُونَّكَ ممّا أصْطفي مِدَحاً ... مُصاحِباتٍ لعُمَّارٍ وحُجَّاجِ
أسْدى الصَّنيعةَ من برٍّ ومن لطَفٍ ... إلى قروعٍ لبابِ الملكِ ولاَّجِ
كم من يدٍ لكَ في الأقوام قد سلفَتْ ... عند امرئٍ ذي غِنًى أوْ عند مُحتاجِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
فدونكَ فاسمعْ مدحةً رِشْتُ نبلَها ... لخيرِ جميعِ النَّاس فرْعاً وعُنْصرا
يُحيَّى به بدرُ المجرَّةِ قاعداً ... وإن قامَ فينا قامَ أبلجَ أزهرا
وقد ضمنتْ أطرافُ فِهْرِ بن مالكٍ ... لهُ يومَ فخرِ النَّاسِ دُرّاً وجوهرا
أبى جعفرٌ إلاَّ ارتفاعاً بنفسهِ ... وإلاَّ اجتناءَ الحمدِ من حيثُ أنشرا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنَّ ابنَ ضَمْرَة قد حوى خصلَ العلا ... قِدْماً وجلّى سابقاً لا يُلحَقُ
وجرى النَّعيمُ عليهِ فهو كأنَّهُ ... سيفٌ جرى في صفحتَيْهِ روْنَقُ
يذرُ الجيادَ إذا حرى مُتمهِّلاً ... حسرى وليس لها بهِ مُتعلَّقُ
إنِّي رأيتُكَ ما خلقْتَ فَرَيْتهُ ... وسواكَ لا يفري إذا ما يخلُقُ
ورأيتُ جاركَ مُؤْثراً بكَ آمناً ... جذلانَ يُصبحُ من نداكَ ويُغْبقُ
وصفا لكَ الحسبُ الزَّكيُّ وقدّمت ... مجدَ الحياةِ لكَ القُرومُ السُّبَّقُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
كريمٌ له وجهانِ وجهٌ لدى الرِّضى ... طليقٌ ووجهٌ في الكريهةِ باسِلُ
له لحظاتٌ عن حِفافَيْ سريرهِ ... إذا كرَّها فيها عِقابٌ ونائلُ
فأُمُّ الَّذي أمَّنْتَ آمنَةُ الرَّدى ... وأمّ الَّذي حاولْتَ بالثُّكلِ ثاكِلُ
وقال عديّ بن الرقاع العامليّ من قصيدة:
صلَّى الإله على امرئٍ ودَّعْتهُ ... وأتمَّ نعمتهُ عليكَ وزادَها
وإذا الرَّبيعُ تتابعَتْ أنْواؤهُ ... فسقى خُناصرةَ الأحصِّ فجادَها
نزلَ الوليدُ بها فكانَ لأهلها ... غيثاً أغاثَ أنيسها وبلادَها
أو لا ترى أنَّ البريَّةَ كُلَّها ... ألقَتْ خزائِمَها إليهِ فقادَها
ولقدْ أرادَ اللهُ إذْ ولاّكَها ... من أمَّةٍ إصلاحَها ورَشادَها
غلبَ المساميحَ الوليدُ سماحةً ... وكفى قريشاً ما ينوبُ وسادَها
تأتيهِ أسْلابُ الأعزَّة عنْوَةً ... قسْراً ويجمعُ للحروبِ عتادَها
وفي هذه القصيدة يقول، وهو من التشبيه الغريب المُصيب، وهو من باب الأوصاف:
تُزْجي أغنَّ كأنَّ إبْرةَ روقهِ ... قلمٌ أصابَ من الدَّواةِ مِدادَها
وقال مروان بن أبي حفصة من قصيدة:
نِعمَ المناخُ لراغبٍ أوْ راهبٍ ... ممَّنْ تُصيبُ جوائحُ الأزمانِ
معنُ بنُ زائدة الَّذي زيدَتْ بهِ ... شرفاً على شرفٍ بنو شَيْبانِ
جبلٌ تلوذُ به نزارٌ كُلُّها ... صعبُ الذُّرى مُتمنِّعُ الأرْكانِ
إنْ عُدَّ أيّامُ الفخارِ فإنَّما ... يوماهُ يومُ ندًى ويومُ طِعانِ
يكسو المنابرَ والأسِرَّةَ بهجةً ... ويزينُها بجهارةٍ وبيانِ
تمضي أسنَّتُهُ ويُسفرُ وجههُ ... في الرَّوع عند تغيُّرِ الألوانِ
أنتَ الَّذي ترجو ربيعةُ سَيْبَهُ ... وتُعدُّوه لنوائبِ الحدثانِ
مطرٌ أبوك أبو الفوارسِ والَّذي ... بالخيلِ حازَ هجائنَ النُّعْمانِ
فُتَّ الذين رجَوا مداكَ ولم ينلْ ... أدنى بنائكَ في المكارمِ بانِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
حليفُ النَّدَى معنُ بنُ زائدة الَّذي ... تُعَلُّ بحوضَيْهِ الظِّماءُ وتُنْهلُ
تجنّب لا في القولِ حتَّى كأنَّهُ ... حرامٌ عليهِ قولُ لا حينَ يُسألُ
شريكيَّةٌ صَوْلاتهُ مطريَّةٌ ... مُجرَّبةٌ فيها السِّمامُ المثمَّلُ
تشابهَ يوماهُ عَلَيْنا فأشْكَلا ... فلا نحنُ ندري أيّ يوميه أفضلُ
أيومُ نداهُ الغمر أم يومُ بأسهِ ... وما منهُما إلاَّ أغرُّ مُحجَّلُ
بنو مطرٍ يومَ اللِّقاءِ كأنَّهمُ ... أسودٌ لها في غيل خَفّانَ أشبلُ
هم يمنعون الجارَ حتَّى كأنَّما ... لجارهُم بين السِّماكينِ منزلُ
بهاليلُ في الإسلامِ سادوا ولم يكنْ ... كأوّلهمْ في الجاهليّةِ أوَّلُ
هم القومُ إن قالوا أصابوا وإن دُعوا ... أجابوا وإن أعطَوا أطابوا وأجزلوا
وما يستطيعُ الفاعلون فعالهُمْ ... وإنْ أحسنوا في النّائباتِ وأجْمَلوا
تُلاثُ بأمثالِ الجبالِ حُباهمُ ... وأحلامهُمْ منها لدى الوزنِ أثقلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
كفى القبائلَ معنٌ كلّ مُعْضلةٍ ... يُحمى بها الدّينُ أوْ يرعى بها الحسبُ
فما الشجاعةُ إلاَّ دونَ نجدتهِ ... وما المواهبُ إلاَّ دونَ ما يهبُ
عادت نزارُ نزاراً إذْ تداركها ... مُباركٌ من بني شَيْبان منتخَبُ
فرعٌ نماهُ شريكٌ وابنهُ مطرٌ ... والصلب عمرو فتلك السَّادةُ النُّجبُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
جرى للمجدِ زائدةُ بنُ معنٍ ... فبرَّزَ غيرَ مُضْطربِ العِنانِ
إذا شهدَ الرِّهانَ بنو شريكٍ ... حوَتْ أيديهم قصبَ الرِّهانِ
فتًى بلغتْ يداهُ من المعالي ... مبالغَ ما دنَتْ منها يدانَ
وليس بمُدْركٍ أُخرَ اللَّيالي ... نِزاريٌّ نَداهُ ولا يمانِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
مسحَتْ ربيعةُ وجهَ معنٍ سابقاً ... لمّا جرى وجرى ذَووا الأحسابِ
وجرَتْ بهِ غُرٌّ سوابقُ زانَها ... كرمُ النِّجارِ وصحّةُ الأنسابِ
قومٌ رِواقُ المكرماتِ عليهمُ ... عالي العِمادِ ممدّد الأطْنابِ
وهم النُّضارُ إذا القبائلُ حصَّلَتْ ... أنسابَها ولُبابُ كلِّ لُبابِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
قدْ أمَّنَ الله من خوفٍ ومن عدمٍ ... من كانَ معنٌ له جاراً من الزَّمنِ
معنُ بنُ زائدةَ الموفي بذمَّتهِ ... والمشتري الحمدَ بالغالي من الثَّمنِ
يرى العطايا الَّتي تبقى محامدُها ... غُنْماً إذا عدَّها المعطي من الغَبنِ
بنى لشيبان مجْداً لا زوالَ لهُ ... حتَّى تزولَ ذُرى الأركانِ من حضنِ
وقال أبو السَّمط بن أبي حفصة من قصيدة:
فتًى لا يُبالي المدلجونَ بِنورهِ ... إلى بابهِ ألاّ تُضيءَ الكواكبُ
لهُ حاجبٌ عن كلِّ أمرٍ يعيبُهُ ... وليسَ له عن طالب العُرفِ حاجبُ
وقال مسلم بن الوليد الأنصاري من قصيدة:
يا مائلَ الرَّأسِ إنَّ اللَّيثَ مُفترسٌ ... ميلَ الجماجمِ والأعْناقِ فاعْتدِلِ
حذارِ من أسدٍ ضِرْغامةٍ بطلٍ ... لا يولغُ السَّيفَ إلاَّ مُهجةَ البطلِ
سدَّ الثُّغورَ يزيد بعد ما انفرجَت ... بقائم السَّيف لا بالختلِ والحِيَلِ
موفٍ على مهجٍ في يومِ ذي رهجٍ ... كأنَّهُ أجلٌ يسعى إلى أملِ
ينالُ بالرِّفْقِ ما يعيا الرِّجالُ به ... كالموتِ مُستعجلاً يأتي على مهلِ
يكسو السُّيوفَ دِماءَ النَّاكثينَ به ... ويجعلُ الهامَ تيْجانَ القنا الذُّبُلِ
قد عوَّدَ الطَّيرَ عاداتٍ وثِقْنَ بها ... فهنَّ يَتْبَعْنهُ في كلِّ مُرتحلِ
تراهُ في الأمنِ في درْعٍ مُضاعفةٍ ... لا يأمنُ الدَّهرَ أن يُدعى على عجلِ
إذا انتضى سيفَهُ كانتْ مسالكُهُ ... مسالكَ الموتِ في الأبْدانِ والقُلَلِ
فالدَّهرُ يَغْبطُ أُولاهُ أواخرَهُ ... إذْ لم يكنْ كان في أعصارهِ الأُولِ
إذا الشَّريكيُّ لم يفخرْ على أحدٍ ... تكلَّمَ الفخرُ عنهُ غيرَ مُنتحَلِ
الزَّائديُّونَ قومٌ في رماحهِمُ ... خوفُ المخيفِ وأمنُ الخائف الوجلِ
كبيرهُمْ لا تقومُ الرَّاسياتُ له ... حلماً وطفلهمُ في هدْيِ مُكتهلِ
فاسلمْ يزيدُ فما في الملك من وهنٍ ... إذا سلمْتَ وما في الدِّينِ من خللِ
لله من هاشمٍ في أرضهِ جبلٌ ... وأنتَ وابنكَ رُكْنا ذلك الجبلِ
تشاغلَ النَّاس بالدُّنيا وزُخْرُفها ... وأنتَ من بذلك المعروفَ في شُغلِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لو أنَّ قوماً يُخلقونَ منيَّةً ... من بأسهِمْ كانوا بني جِبريلا
قومٌ إذا حَمِيَ الهجيرُ من الوغى ... جعلوا الجماجمَ للسُّيوفِ مقيلا
إذْ لا حمى إلاَّ الرِّماحُ وبينها ... خيلٌ يطأْنَ بقاتلٍ مقْتولا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لولا يزيدُ وأيّامٌ له سلفَتْ ... عاشَ الوليدُ مع الغاوينَ أعْواما
سلَّ الخليفةُ سيفاً من بني مطرٍ ... يمضي فيخترقُ الأجسادَ والهاما
كالدَّهرِ لا ينثني عمَّا يهمُّ بهِ ... قد أوسعَ النَّاسَ إنْعاماً وإرغاما
تظلَّمَ المالُ والأعْداءُ من يدهِ ... لا زالَ للمالِ والأعداءِ ظلاَّما
أردى الوليدَ هُمامٌ من بني مطرٍ ... يزيدهُ الرَّوعُ يومَ الرَّوع إقْداما
صمصامةٌ ذكرٌ يعدو به ذكرٌ ... في كفّه ذكرٌ يفري به الهاما
يُمضي المنايا كما يُمضي أسنَّتهُ ... كأنَّ في سرجه بدراً وضرغاما
لا يستطيعُ يزيدٌ من طبيعتهِ ... عن المنيَّةِ والمعروفِ إحجاما
أذكرتَ سيفَ رسول الله سُنَّتهُ ... وبأسَ أوَّل من صلَّى ومن صاما
إن يشكرِ النَّاس ما أوليْتَ من حسنٍ ... فقد وسعْتَ بني حوَّاءَ إنعاما
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
داوى فلسطينَ من أدوائها بطلٌ ... في صورةِ الموتِ إلاَّ أنَّهُ رجلُ
به تعارفت الأحياءُ وائتلفَتْ ... إذْ ألَّفَتْهمْ إلى معروفهِ السُّبُلُ
كأنَّهُ قمرٌ أوْ ضيغمٌ هَصِرٌ ... أوْ حيَّةٌ ذكرٌ أوْ عارضٌ هطلُ
لا يضحكُ الدَّهر إلاَّ حين تسألُهُ ... وليسَ يعبسُ إلاَّ حينَ لا يُسَلُ
في عسكرٍ تشرَقُ الأرضُ الفضاءُ به ... كاللَّيلِ أنجمهُ القُضبانُ والأسلُ
لا يمكنُ الطَّرفَ منه أن يحيطَ به ... ما يأخذُ السَّهْلُ من عرضيْهِ والجبلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أعددتَ للحربِ سيفاً من بني مطرٍ ... يمضي بأمركَ مخلوعاً لهُ العذرُ
لاقَى بنُو قيصرٍ لمَّا هممتَ بهمْ ... مثلَ الَّذي سوفَ تلقَى مثلَهُ الخزرُ
لقد بعثتَ إلى خاقانَ جائحةً ... خرقاءَ حصَّاء لا تُبقي ولا تذرُ
أمضَى من الموتِ يعفُو عند قدرتِهِ ... وليسَ للموتِ عفوٌ حينَ يقتدرُ
ما إنْ رَمَى بالمُنى في ملكِهِ طمعٌ ... ولا تخطَّاهُ التَّأييدُ والظَّفرُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
يلقَى المنيَّةَ في أمثالِ عدَّتها ... كالسَّيلِ يقذفُ جلموداً بجلمودِ
إنْ قصَّرَ الرُّمحُ لمْ يمشِ الخُطا عدداً ... أوْ عرَّدَ السَّيْفَ لم يهمُمْ بتعريدِ
نفسي فداؤُكَ يا داود إذْ علقتْ ... أيدي الرَّدَى بنواصي الضُّمَّرِ القودِ
داويتَ من دائِها كرمانَ وانتصفتْ ... بكَ المنونَ لأقوامٍ مجاهيدِ
ملأتَهَا فَزَعاً أخلَى معاقلَهَا ... من كلِّ أبلَخَ سامي الطَّرفِ صنديدِ
لمَّا نزلتَ على أدنى بلادهمِ ... ألقَى إليكَ الأقاصي بالمقاليدِ
أتيتهمْ من وراءِ الأمنِ مطَّلعاً ... بالخيلِ تَرْدى بأبطالٍ مناجيدِ
تلكَ الأزارِقُ إذْ جارَ الدَّليلُ بها ... لم يُخْطها القصدُ من أسيافِ داوودِ
كانَ الحُصينُ يرجِّي أن يفوتَ بها ... حتَّى أخذتَ عليهِ بالأخاديدِ
دبَّتْ إليه بُنيَّاتُ الرَّدَى عَنَقاً ... حُمراً وسُوداً على راياتكَ السُّودِ
ما زالَ يعنُف بالنُّعمى ويغمِطُها ... حتَّى استقلَّ به عودٌ على عودِ
تعدُو السِّباعُ فترميهِ بأعيُنِها ... تستنشقُ الجوَّ أنفاساً بتصعيدِ
ورأس مِهرانَ قد ركبتْ قلَّتَهُ ... لدْناً كفاهُ مكانَ اللَّيتِ والجيدِ
تجودُ بالنَّفسِ إذْ ضنَّ الجوادُ بها ... والجودُ بالنَّفسِ أقصى غايةِ الجودِ
لم تقْبَل السِّلمَ إلاَّ بعدَ مقدرةٍ ... ولا تألَّفتْ إلاَّ بعدَ تبديدِ
لم يبعث الدَّهْرُ يوماً بعدَ ليلتهِ ... إلاَّ انبعثتَ له بالبأسِ والجودِ
عوَّدتَ نفسَكَ عاداتٍ خُلقتَ لها ... صدقَ اللِّقاءِ وإنجازَ المواعيدِ
كَفَيتَ في الملكِ حتَّى لم يقفْ أحداً ... على ضياعٍ ولم يحزَن لمفقودِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ولَوَ انَّ في كبدِ السَّمَاءِ فضيلةً ... لسَمَا لها زيدُ الجوادُ فنالا
تلقاهُ في الحربِ العَوَانِ مشمِّراً ... كاللَّيثِ يحمي حولَهُ أشبالا
ما مِنْ فتًى إلاَّ وأنتَ تطولُهُ ... شرفاً وإنْ عزَّ الرِّجالَ فَطَالا
نَفَحاتُ كفِّكَ يا ذؤابةَ وائلٍ ... تركتْ عليكَ الرَّاغبينَ عِيالا
وكَّلتَ نفسَكَ بالمحامِدِ والعُلا ... فجعلْتَها لَكَ دهرَهَا أشغالا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
نهضَ ابنُ منصورٍ فأدرَكَ غايةً ... قَعَدتْ مآثرُها بكلِّ مسوَّدِ
أعْطَى فما ينفكُّ تنزعُ همَّةٌ ... أملاً إليهِ من المحلِّ الأبعدِ
سَبَقتْ عطيَّتهُ مُنى مُرتادِها ... واستحدَثَتْ همماً لمن لم يرتدِ
تلك العُلا حُكِّمنَ في أموالِهِ ... فَأَعضْنَهُ منها جوارَ الفرقدِ
يتجنَّبُ الهفواتِ في خَلَواتِهِ ... عفُّ السَّريرةِ غيبُهُ كالمشهدِ
وله إذا فنيَ السُّؤالُ مذاهبٌ ... في الجودِ تبحثُ عن سؤالِ المجتدِي
يستصغرُ الدُّنيا إذا عرضتْ لهُ ... في همَّةٍ أوْ نائلٍ أوْ موعدِ
أعطيتَ حتَّى ملَّ سائلُكَ الغِنى ... وعلوتَ حتَّى ما يقالُ لكَ ازددِ
ما قصَّرتْ بكَ غايةٌ من غايةٍ ... فاليومَ مجدكَ مثلُ مجدكَ في غدِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وردنَ رواقَ الفضلِ فضلِ بنِ جعفرٍ ... فحطَّ الثَّناءَ الجزلَ نائلُهُ الجزلُ
فتًى ترتعي لآمالُ مُزنةَ جودِهِ ... إذا كانَ مرعاها الأمانيُّ والمطلُ
تُساقطُ يُمناهُ ندًى وشمالهُ ... ردًى وعيونُ القولِ منطقهُ الفضلُ
كأنَّ نعمْ في فيهِ يجري مكانَهَا ... سُلافةُ ما مجَّتْ لأفراخِها النَّحلُ
أنافَ بهِ العلياءَ يحيى وجعفرٌ ... فليسَ لهُ مثلٌ ولا لهما مثلُ
لهمْ هضبةٌ تأوي إلى ظلِّ برمكٍ ... منوطاً بها الآمالُ أطنابُها السُّبلُ
وَقَوْا حرَمَ الأعراضِ بالبيضِ والنَّدَى ... فأموالهمْ نهبٌ وأعراضهمْ بسلُ
جرَى آخذاً يحيى مقلَّدَ جعفرٍ ... وصلَّى إمامُ السَّابقين ابنُهُ الفضلُ
بكفِّ أبي العبَّاسِ يُستمطرُ الغِنى ... وتُستنزلُ النُّعمى ويُسترعفُ النَّصلُ
مَتَى شئتَ رفَّعتَ الرّواق عنِ الغِنَى ... إذا أنتَ زُرتَ الفضلَ أوْ أذنَ الفضلُ
وقال بشَّار بن برد من قصيدةٍ:
إنَّما لذَّةُ الجوادِ ابنِ سلْمٍ ... في عطاءٍ ومركبٍ للِّقاءِ
ليسَ يعطيكَ للرَّجاءِ ولا الخوْ ... فِ ولكنْ يلذُّ طعمَ العطاءِ
يسقُطُ الطَّيرُ حيثُ ينتثرُ الحَ ... بُّ وتُغشى منازلُ الكرماءِ
فَعَلى عُقبَةَ السَّلامُ مُقيماً ... وإذا سارَ تحتَ ظلّ اللِّواءِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
دعاني إلى عُمرٍ جودُهُ ... وقولُ العشيرةِ بحرٌ خِضَمْ
ولولا الَّذي زَعَموا لم أكنْ ... لأحمدَ رَيْحانةً قبلَ شَمّ
فتًى لا يبيتُ على دِمنةٍ ... ولا يشرَبُ الماءَ إلاَّ بدَمْ
إذْ أيقظتْكَ حروبُ العِدا ... فنبِّهْ لها عُمَراً ثمَّ نَمْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لَعَمْرِي لئنْ أحببتُ قيساً وحُطْتُها ... وحاميتُ عنها وامتدحتُ خِيارَهَا
لقدْ مدحتْ قيساً قريشٌ ولم تزلْ ... لها مُضَرُ الحمراءُ تخشَى تَبَارَهَا
إذا ما كبارُ النَّائباتِ تتابعتْ ... تُدافعُ قيسٌ عن معدٍّ كِبارَهَا
وإنْ سَنَةٌ شهباءُ خيفَ عثارُها ... كفتْ مضراً والخلقَ طرّاً عِثارَهَا
تميدُ نواحي الأرضِ منهمْ ولا تَرَى ... من الأرضِ إذْ يغزُونَ إلاَّ غُبارَهَا
تُطيعُ المنايا قيسَ عَيْلانَ في الوَغَى ... وتحفظُ منها كلَّ مَنْ كانَ جارَهَا
جبابرَةُ الأعْدَا تُعيَّرُ أنَّها ... تلاقي بقيسٍ في الحروبِ دَمَارَهَا
ولا اعتذرتْ قيسٌ من الطَّعنِ في الوَغَى ... ولا جعلتْ إلاَّ السُّيوفَ اعتذارَهَا
فبقَّى من العيدانِ ربُّ محمَّدٍ ... لقيسٍ على رغمِ العدوّ نُضارَهَا
بدورُ الدُّجَى في النَّاسِ والأنجُمُ الَّتي ... أبى اللهُ من بينِ النُّجومِ غِيارَهَا
لئنْ خافتِ الأحياءُ قيساً فبالحَرى ... وقدْ خفضتْ من خوفِها الأسدُ زارَهَا
لقد ضَبَنتْ قيسٌ على الأُمم الَّتي ... على الدِّينِ تعدُو ليلَهَا ونهارَهَا
إذا نزلتْ من قبَّةِ الدِّينِ بلدةٌ ... كَسَا اللهُ أمناً برَّها وبحارَهَا
بنتْ مجدَهَا حذوَ النُّجومِ وأوقدتْ ... على الهامةِ العلياءِ بالسَّيفِ نارَهَا
وقال مروان بن صُرَد:
إنَّ السِّنانَ وحدَّ السَّيْفِ لو نَطَقا ... لحدَّثا عنكَ يومَ الرَّوعِ بالعَجَبِ
أنفقتَ مالَكَ تُعطيهِ وتبذلُهُ ... يا متلفَ الفضَّةِ البيضاءِ والذَّهبِ
أمَّا أبوكَ فأنْدى العالمينَ يداً ... وكانَ عمُّكَ معنٌ سيِّدَ العربِ
عِيدانكمْ خيرُ عيدانٍ وأطيَبُها ... عيدانُ نبعٍ وليسَ النَّبعُ كالغَرَبِ
وقال عليّ بن جَبَلة من قصيدةٍ:
كلُّ منْ في الأرضِ من ملكٍ ... بين باديهِ إلى حضرِهْ
مستعيرٌ منكَ مكرمةً ... يكتسيها يومَ مفتَخَرِهْ
إنَّما الدُّنيا أبو دُلَفٍ ... بينَ مبداهُ ومحتَضَرِهْ
فإذا ولَّى أبو دُلَفٍ ... ولَّتِ الدُّنيا على أثرِهْ
وقال أيضاً من أرجوزةٍ:
كأنَّهُ الرَّعدُ إذا الرَّعدُ قصفْ
كأنَّهُ البرقُ إذا البرقُ خطفْ
كأنَّهُ الموتُ إذا الموتُ أزِفْ
إلى الوَغَى تحملُهُ الخيلُ القُطُفْ
إن سارَ سارَ المجدُ أوْ حلَّ وقفْ
انظُرْ بعينيكَ إلى أسنَى الشَّرفْ
وروضةِ المجدِ ومرعاهُ الأُنُفْ
هلْ نالَهُ بقدرةٍ أوْ بكُلَفْ
خلْقٌ من النَّاسِ سِوى أبي دُلَفْ
وقال أيضاً:
دِجلَةُ يسقي وأبو غانمٍ ... يُطعمُ مَنْ يسقي من النَّاسِ
يرتُقُ ما تفتُقُ أعداؤُهُ ... وليسَ يأسُو فتقَهُ آسِ
فالنَّاسُ جسمٌ وإمامُ الهُدى ... رأسٌ وأنتَ العينُ في الرَّاسِ
وقال أبو العتاهية، واسمه إسماعيل بن القاسم، من قصيدةٍ:
أتتهُ الخلافةُ منقادةً ... إليه تجرّرُ أذيالَها
ولو رامَهَا أحدٌ غيرهُ ... لزُلزلتِ الأرضُ زلزالَهَا
فلمْ تكُ تصلحُ إلاَّ لهُ ... ولم يكُ يصلحُ إلاَّ لها
ولو لم تطعْهُ بناتُ القُلو ... بِ لما قبلَ اللهُ أعمالَهَا
وإنَّ الخليفةَ مِنُها بُغض لا ... إليهِ ليُبغضُ مَن قالَهَا
وقال أيضاً:
أمينَ اللهِ أمنُكَ خيرُ أمنٍ ... عليكَ من التُّقى فيه لِباسُ
تُساسُ منَ السَّمَاءِ بكلِّ برٍّ ... وأنتَ به تسوسُ كما تُساسُ
كأنَّ الخلقَ رُكّبَ فيه روحٌ ... لهُ جسدٌ وأنتَ عليهِ راسُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
علمَ العالمُ أنَّ المنايا ... سامعاتٌ لكَ في مَنْ عَصَاكا
فإذا وجَّهتَهَا نحوَ طاغٍ ... رجعتْ ترعُفُ منهُ قَنَاكا
ولَوَ انَّ الريحَ بارتْكَ يوماً ... في سماحٍ قصَّرتْ عنْ نَدَاكا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أني أمنتُ منَ الزَّمَانِ وَرَيبِهِ ... لمَّا علقتُ منَ الأميرِ حِبالا
لو يستطيعُ النَّاسُ من إجلالِهِ ... لحَذَوْا له حُرَّ الوجوهِ نِعالا
ما كانَ هذا الجودُ حتَّى كنتَ يا ... عُمَراً ولو يوماً تزولُ لَزَالا
إنَّ المطايا تشتكيكَ لأنَّها ... قطعتْ إليكَ سَباسباً ورِمالا
فإذا وردنَ بِنا وردنَ مُخفَّةً ... وأيضاً رجعنَ بنا رجعنَ ثِقالا
قال منصور النَّمريّ:
إنَّ المكارمَ والمعروف أوديةٌ ... أحلَّكَ اللهُ منها حيثُ تجتمعُ
إذا رفعتَ امرأ اللهُ رافعُهُ ... ومَن وضعتَ من الأقوامِ مُتَّضعُ
مَن لم يكنْ بأمينِ اللهِ معتصماً ... فليسَ بالصَّلواتِ الخمسِ ينتفعُ
إنْ أخلَفَ الغيثُ لم تخلفْ أناملهُ ... أوْ ضاقَ أمرٌ ذكرناهُ فيتَّسعُ
وفي هذه القصيدة يقول في ذكر الشَّباب:
ما تنقَضِي حسرةٌ منِّي ولا جَزَعُ ... إذا ذكرتُ شباباً ليسَ يُرتجعُ
ما كنتُ أُوفي شبابي كُنْهَ غرَّتهِ ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تَبَعُ
قدْ كِدتَ تقضي على فَوْتِ الشَّبابِ أسًى ... لولا تعزِّيكَ أنَّ الأمرَ منقطعُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ، وتروى لمسلم بن الوليد:
لو لم يكنْ لبَني شيبانَ من حَسَبٍ ... سوَى يزيدَ لفاقُوا النَّاسَ في الحَسَبِ
لا تحسَبُوا النَّاسَ قد حابَوْا بني مطرٍ ... إذْ سلَّموا الجودَ منهمْ عاقدَ الطِّنُبِ
الجودُ أخشَنُ مسّاً يا بني مطرٍ ... مِن أنْ تَبُزَّكُمُوهُ كفُّ مستلبِ
ما أعرَفَ النَّاسَ أنَّ الجودَ مدفعةٌ ... للذَّمِّ لكنَّهُ يأتي على النَّشَبِ
وقال أشجع بن عمرو السُّلميّ من قصيدةٍ:
برَقَتْ سماؤكَ في العدوِّ فأمطرتْ ... هاماً لها ظلُّ السُّيوفِ غمامُ
تُثني على أيَّامكَ الأيَّامُ ... والشَّاهدانِ الحِلُّ والإحرامُ
وإذا سيوفكَ صافحتْ هامَ العِدا ... طارتْ لهنَّ عنِ الرّؤوسِ الهامُ
وعلى عدوِّكَ يا ابنَ عمِّ محمَّدٍ ... رصَدَانِ ضوءُ الصُّبحِ والإظلامُ
فإذا تنبَّهَ رُعتَهُ وإذا غَفَا ... سلَّتْ عليهِ سيوفكَ الأحلامُ
وقال أيضاً:
بديهتُهُ وفكرتُهُ سواءٌ ... إذا اشتبهتْ على النَّاسِ الأُمورُ
وأحزَمُ ما يكونُ الدَّهْرَ رأياً ... إذا عيَّ المُشاورُ والمُشيرُ
وصدرٌ فيه للهمِّ اتِّساعٌ ... إذا ضاقتْ من الهمِّ الصُّدورُ
وقال أيضاً:
في سيفِ إبراهيمَ خوفٌ واقعٌ ... بذوي النِّفاقِ وفيهِ أمنُ المسلمِ
ويبيتُ يكلأُ والعيونُ هواجعٌ ... مالَ اليتيمِ ومُهجَةَ المستسلِمِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
شدَّ الخِطامَ بأنفِ كلّ مخالفٍ ... حتَّى استقامَ لهُ الَّذي لم يُخطمِ
ومنَ الوُلاةِ مقحّمٌ لا يتَّقي ... والسَّيْفُ تقطُرُ شفرتاهُ من الدَّمِ
منعتْ مهابتُكَ النّفوسَ حديثَهَا ... بالشَّيءِ تكرهُهُ وإن لم تعلمِ
وقال محمد بن مناذر:
أتانا بنُو الأملاكِ من آلِ برمكٍ ... فيا طيبَ أخبارٍ ويا حُسْنَ منظَرِ
إذا نَزَلوا بطحاءَ مكّةَ أشرقتْ ... بيحيَى وبالفضلِ بن يحيَى وجعفرِ
لهم رِحلةٌ في كلِّ عامٍ إلى العدَا ... وأُخْرى إلى البيتِ العتيقِ المُطهّرِ
فتُظلمُ بغدادُ ويجلُو لنا الدُّجَى ... بمكَّةَ ما حجُّوا ثلاثَةُ أقمُرِ
فما خُلقتْ إلاَّ لجودٍ أكفُّهمْ ... وأقدامهُمْ إلاَّ لأعوادِ مِنْبرِ
إذا راضَ يحيى الأمرَ ذلّتْ صِعابُهُ ... وحسبُكَ من راعٍ له ومُدبِّرُ
تَرَى النَّاس إجلالاً لهُ وكأنَّهمْ ... غرانيقُ ماءٍ تحت بازٍ مُصَرْصِرِ
وقال الحسن بن هانئ من قصيدةٍ:
رأيتُ لفضلٍ في السَّماحةِ همَّةٌ ... أطالتْ برغمٍ غيظَ كلِّ جوادِ
فتًى لا تلوكُ الخمرُ شحمَةَ مالِهِ ... ولكنْ أيادٍ عُوَّدٌ وبوادِ
تَرَى النَّاسَ أفواجاً إلى بابِ دارِهِ ... كأنَّهُمُ رِجْلا دَباً وجَرادِ
فيوماً لإلحاقِ الفقيرِ بذي الغِنَى ... ويوماً رقابٌ بُوكرتْ بحصادِ
فأغنتْ أياديهِ مَعَدّاً وأشرقتْ ... على حِمْيَرٍ في دارها ومُرادِ
وكنَّا إذا ما الحائنُ الجَدِّ غرَّهُ ... سَنَا برقٍ غادٍ أوْ ضجيجُ رعادِ
تردَّى لهُ الفضلُ بنُ يحيى بنِ خالدٍ ... بماضي الظُّبى يزهاهُ طولُ نجادِ
أمامَ خميسٍ أُرجُوانٍ كأنَّهُ ... قميصٌ مَحوكٌ من قناً وجيادِ
فما هوَ إلاَّ الدَّهْرُ يأتي بصرفِهِ ... على كلِّ مَنْ يشقَى بهِ ويُعادي
وقال أيضاً:
سادَ الملوكَ ثلاثةٌ ما منهُمُ ... إن حُصِّلوا إلاَّ أغرُّ قريعُ
سادَ الرَّبيعُ وسادَ فضلٌ بعدَهُ ... وعلتْ بعبَّاسِ الكريمِ فروعُ
عبَّاسُ عبَّاسٌ إذا احتَدَمَ الوَغَى ... والفضلُ فضلٌ والرَّبيعُ ربيعُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لقدْ نزلتَ أبا العبَّاسِ منزلةً ... ما إنْ تَرَى خلفَهَا الأبصارُ مطَّرَحا
وكّلتَ بالدَّهْرِ عيناً غيرَ غافلةٍ ... بجودِ كفِّكَ تأسُو كلَّ ما جَرَحا
أنتَ الَّذي تأخُذُ الأيدي بحُجْزَتِهِ ... إذا الزَّمَانُ على أولادِهِ كَلَحا
كأنَّ فيضَ يديهِ حينَ تسألهُ ... بابُ السَّمَاءِ إذا ما بالحَيا انفَتَحا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وإذا المطيّ بنا بلغنَ محمَّداً ... فظهورُهُنَّ على الرِّجالِ حرامُ
قرَّبننا من خيرِ منْ وطئَ الثَّرى ... فلها عَلَيْنا حرمةٌ وذِمامُ
رُفِعَ الحجابُ لنا فلاحَ لناظرٍ ... قمرٌ تَقطَّعُ دونَهُ الأوهامُ
ملكٌ أغرُّ إذا شرِبْتَ بوجهِهِ ... لم يُروِكَ التَّبجيلُ والإعظامُ
فالبَهو مُشتملٌ بنورِ خليفةٍ ... لبسَ الشَّبابَ بعدلهِ الإسلامُ
سَبْطُ البَنَانِ إذا احتبَى بنجادِهِ ... غمرَ الجماجمَ والسِّماطُ قِيامُ
ملكٌ إذا اقتسَرَ الأُمورَ مَضى بهِ ... رأيٌ يفلُّ السَّيْفَ وهو حُسامُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
هارونُ ألَّفنا ائتلافَ مودَّةٍ ... ماتتْ لها الأحقادُ والأضغانُ
في كلِّ عامٍ غزوةٌ ووفادةٌ ... تنبَتُّ بينَ نَواهُما الأقرانُ
ألِفتَ منادمةَ الدِّماءِ سيوفهُ ... فَلَقلَّما تحتازُها الأجفانُ
حتَّى الَّذي في الغيبِ لم يكُ صورةً ... لفؤادِهِ من خوفِهِ خَفَقانُ
حذَرَ امرئٍ نصرتْ يداهُ على العِدا ... كالدَّهْرِ فيه شراسةٌ ولِيانُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
يا ناقُ لا تسأمي أو تبلُغِي ملِكاً ... تقبيلُ راحتهِ والرُّكنِ سيّانِ
متى تحطّي إليهِ الرّحلَ سالمةً ... تستجمِعِي الخلقَ في تمثيلِ إنسانِ
مقابَلٌ بينَ أملاكٍ تفضِّلُهُ ... وِلادَتَانِ من المنصورِ ثِنتانِ
مدَّ الإلهُ عليهِ ظلَّ مملكةٍ ... يَحْيى القصُّ بها والأقرَبُ الدَّاني
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لقدْ طابت الدُّنيا بطيبِ محمَّدٍ ... وزادتْ بهِ الأيَّامُ حُسناً إلى حُسنِ
لقدْ فكَّ أغلالَ العُناةِ محمَّدٌ ... وأنزَلَ أهلَ الخوفِ في كَنَفِ الأمنِ
إذا نحنُ أثنينا عليكَ بصالحٍ ... فأنتَ كما نُثني وفوقَ الَّذي نُثني
وإنْ جَرَتِ الألفاظُ يوماً بمدحةٍ ... لغيركَ إنساناً فأنتَ الَّذي نَعْني
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
فاسلُ عن نوْءٍ تُؤمِّلُهُ ... حسبكَ العبَّاسُ من مطرِهْ
ملكٌ قلَّ الشَّبيهُ لهُ ... لمْ تقعْ عينٌ على خَطَرِهْ
وكريمُ الخالِ مِنْ يَمَنٍ ... وكريمُ العمِّ مِن مُضَرِهْ
لا تغطَّى عنهُ مكرمةٌ ... بِرُبى وادٍ ولا خمَرِهْ
ذُلِّلتْ تلكَ الفِجاجُ لهُ ... فهوَ مختارٌ على بصرِهْ
وإذا مجَّ القَنَا عَلَقاً ... وتراءى الموتُ في صورِهْ
راحَ في ثَنْيَْ مُفاضتِهِ ... أسدٌ يدمَى شَبَا ظُفُرِهْ
تَتَأيَّا الطَّيرُ غُدوَتَهُ ... ثقةٌ بالشَّبعِ مِن جُزُرِهْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا لمْ تَزُرْ أرضَ الخصيبِ ركابُنَا ... فأيُّ فتًى بعدَ الخصيبِ نَزورُ
فتًى يَشترِي حُسنَ الثَّناءِ بمالِهِ ... ويعلَمُ أنَّ الدَّائراتِ تَدورُ
فما فاتَهُ جُودٌ ولا حلَّ دونَهُ ... ولكنْ يَصيرُ الجُودُ حيثُ يصيرُ
وقال بكر بن النّطّاح الحنفيّ:
وإذا بَدَا لكَ قاسمٌ يومَ الوَغَى ... يختالُ خلتَ أمامَهُ قِنديلا
وإذا تعرَّضَ للعمودِ ولَيِّهِ ... خلتَ العمودَ بكفِّه مِنديلا
قالُوا وينظِمُ فارِسَينِ بطعنةٍ ... يومَ اللِّقاءِ ولا يراهُ جَليلا
لا تعجَبُوا فلَوَ أنَّ طولَ قَنَاتِهِ ... مِيلٌ إذن نَظَم الفوارسَ مِيلا
وقال أيضاً:
يا عِصمَةَ العربِ الَّتي لو لم تكنْ ... حيّاً إذنْ كانتْ بغيرِ عمادِ
إنَّ العيونَ إذا رأتكَ حِدادُها ... رجعتْ منَ الإجلالِ غيرَ حِدادِ
وإذا رميتَ الثَّغرَ منكَ بعزمَةٍ ... فتَّحْتَ منهُ مواضعَ الأسدادِ
فكأنَّ رمحَكَ منقعٌ في عُصفرٍ ... وكأنَّ سيفَكَ سُلَّ مِن فِرْصادِ
لو صالَ من غضبٍ أبو دُلَفٍ على ... بِيضِ السُّيوفِ لَذُبْنَ في الأغمادِ
أذْكى وأوقَدَ للعداوةِ والقِرى ... نارَيْنِ نارَ وغًى ونارَ رمادِ
وقال أيضاً:
لهُ هممٌ لا مُنتَهَى لِكِبارِها ... وهمَّتُهُ الصُّغرى أجلُّ منَ الدَّهْرِ
لهُ راحةٌ لو أنَّ مِعشارَ جودِها ... على البَرِّ صارَ البرُّ أنْدى من البحرِ
ولو أنَّ خلقَ اللهِ في مَسْكِ فارسٍ ... وبارَزَهُ كانَ الخليُّ منَ العمرِ
وقال أيضاً:
لم ينقطعْ أحدٌ إليكَ بودّهِ ... إلاَّ اتَّقتهُ نوائبُ الحَدَثانِ
كلُّ السُّيوفِ تَرَى لسيفكَ هيبةٌ ... وتخافُكَ الأرواحُ في الأبدانِ
قالتْ مَعَدٌّ والقبائلُ كلُّها ... إنَّ المنيَّةَ في يَدَيْ خِرْبانِ
ملكٌ إذا أخَذَ القناةَ بكفِّهِ ... وثِقتْ بقوَّةِ ساعِدٍ وبنانِ
وقال أيضاً:
يا طالباً للكِيمياءِ وعلمِها ... مدحُ ابنِ عيسَى الكيمياءُ الأعظمُ
لو لمْ يكنْ في الأرضِ إلاَّ درهمٌ ... ومدحتَهُ لأتاكَ ذاكَ الدِّرهَمُ
وقال أبو الغول الطُّهَويّ:
فدتْ نفسي وما ملكتْ يميني ... فوارسَ صدَّقوا فيهم ظُنوني
فوارِس لا يَمَلُّونَ المنايا ... إذا دارتْ رَحَا الحربِ الزَّبُونِ
ولا يجزونَ مِنْ حسنٍ بِسَيْءٍ ... ولا يجزُونَ من غِلَظٍ بلينِ
ولا تبلَى بسالتُهُمْ وإنْ هُمُ ... صَلُوا بالحربِ حيناً بعدَ حينِ
هُمُ منَعُوا حِمى الوَقَبى بضربٍ ... يؤلِّفُ بينَ أشتاتِ المَنونِ
فنكَّبَ عنهُمُ درْءَ الأعادي ... وداوَوْا بالجنُونِ منَ الجُنونِ
ولا يرعَوْنَ أكنافَ الهُوَيْنى ... إذا حلُّوا ولا روضَ الهدُونِ
وقال الكميت بن زيد الأسديّ:
فما غابَ عن حِلمٍ ولا شهدَ الخَنَا ... ولا استعذَبَ العَوْراءَ يوماً فقالَهَا
يدومُ على خيرِ الخِلالِ ويتَّقي ... تصرُّفَها من شيمةٍ وانْفِتالَها
وتفضُلُ أيمانَ الرِّجالِ شِمالهُ ... كما فَضَلتْ يُمنى يديْهِ شِمالَهَا
وتبتذِلُ النَّفسَ المصُونةَ نفسُهُ ... إذا ما رأى حقّاً عليهِ ابْتِذالَهَا
بَلَوْناكَ في أهلِ النَّدَى ففَضَلْتهمْ ... وباعَكَ في الأبواعِ قِدماً فَطَالَهَا
وقال آخر:
سأشكرُ عَمْراً ما تراختْ منيَّتي ... أياديَ لم تُمنَنْ وإنْ هي جلَّتِ
فتًى غيرُ محجوبِ الغِنَى عن صديقهِ ... ولا مُظهرُ الشَّكوى إذا النَّعل زَلَّتِ
رَأى خلَّتي من حيثُ يَخْفى مكانُها ... فكانتْ قَذى عينيهِ حتَّى تجلَّتِ
وقال أبو زياد الأعرابيّ:
لهُ نارٌ تشبُّ بكلِّ وادٍ ... إذا النّيرانُ أُلبستِ القِناعا
ولمْ يكُ أكْثَر الفتيانِ مالاً ... ولكنْ كانَ أرحبَهُمْ ذِراعا
وقال العَرَنْدَس الكلابيّ:
هَيْنونَ لَيْنونَ أيسارٌ ذوُو كرمٍ ... سُوّاسُ مكرمةٍ أبناءُ أيسارِ
إنْ يُسألُوا الخيرَ يُعْطوهُ وإنْ جَهِدوا ... فالجهدُ يكشفُ منهمْ طيبَ أخبارِ
فيهمْ ومنهمْ يعدُّ الخيرُ مُتّلداً ... ولا يعدُّ نَثَا خِزْيٍ ولا عارِ
لا ينطقونَ عنِ الفحشاءِ إنْ نَطَقوا ... ولا يُمارُون إنْ مارَوْا بإكثارِ
منْ تلقَ منهمْ تَقُلْ لاقيتُ سيّدهمْ ... مثلَ النُّجومِ الَّتي يَسْري بها السَّاري
وقال حسين بن مُطير الأسديّ:
له يومُ بؤسٍ فيه للنَّاس أبؤسٌ ... ويومُ نعيمٍ فيه للنَّاس أنعُمُ
فيُمطرُ يومَ الجودِ في كفِّه النَّدَى ... ويمطرُ يومَ البُؤس من كفِّه الدَّمُ
فلو أنَّ يومَ البُؤس خلَّى عقابَهُ ... علَى النَّاسِ لمْ يُصبحْ علَى الأرضِ مُجرمُ
ولو أنَّ يومَ الجودِ خلَّى يَمينهُ ... علَى النَّاسِ لم يصبحْ علَى الأرضِ مُعدمُ
وقال داوود بن سَلْم:
وكنَّا حديثاً قبلَ تأميرِ جعفرٍ ... وكانَ المنى في جعفرٍ أن يُؤمَّرا
حَوَى المنبرينِ الطَّاهرينِ كليهِما ... إذا ما خَطَا عنْ منبرٍ أمَّ منبَرَا
كأنَّ بني حوَّاءَ صُفُّوا أمامَهُ ... فخُيِّرَ في أحسابهم فتخيَّرا
وقال القاسم بن حنبل المرّي:
منَ البيضِ الوجوهِ بنِي سِنانٍ ... لَوَ أنَّك تَستضيءُ بهمْ أضاؤُوا
هُمُ شمسُ النَّهار إذا استقلَّتْ ... ونورٌ ما يغيِّبُهُ العَمَاءُ
همُ حلُّوا من الشَّرف المُعلَّى ... ومن حسبِ العَشيرةِ حيثُ شاؤُوا
بُناةُ مكارمٍ وأُساةُ كلْمٍ ... دماؤهُمُ من الكَلَبِ الشَّفاءُ
فأمَّا بيتكم إنْ عُدَّ بيتٌ ... فطالَ السَّمْكُ وارتفَعَ السَّماءُ
وأمَّا أُسُّهُ فَعَلى قديمٍ ... من العاديِّ إنْ ذُكِرَ السَّناءُ
فلوْ أنَّ السَّماءَ دنتْ لمجدٍ ... ومكرمةٍ دنتْ لكُم السَّماءُ
وقال أبو جُوَيرية:
لو كانَ يقعدُ فوق الشَّمسِ منْ كرمٍ ... قومٌ بأوَّلهمْ أوْ مجدهمْ قَعدوا
أوْ خلَّدَ الجود أقواماً ذوي حسبٍ ... فيما يُحاولُ من آجالهمْ خَلَدوا
قومٌ سِنانٌ أبوهمْ حين تَنْسبُهُم ... طابُوا وطابَ من الأولادِ ما وَلَدوا
جِنٌّ إذا فزِعُوا إنسٌ إذا أمِنُوا ... مُرَزَّؤنَ بهاليلٌ إذا احْتَشَدوا
مُحَسّدون علَى ما كانَ من نِعَمٍ ... لا ينزعُ اللهُ منهمْ مالَهُ حُسِدوا
وقال آخر:
آلُ المهلَّبِ قومٌ خُوِّلوا شَرَفاً ... ما نالَهُ عربيٌّ لا ولا كادَا
لو قيلَ للمجدِ حِدْ عنهمْ وخالِهِم ... بما احْتكمتَ من الدُّنيا لمَا حادَا
إنَّ المكارمَ أرواحٌ يكونُ لها ... آلُ المهلَّبِ دونَ النَّاسِ أجسادَا
آلُ المهلَّبِ قومٌ إنْ مدحتهُمُ ... كانُوا الأكارمَ آباءً وأجدادَا
إنَّ العَرَانينَ تلقاها مُحَسَّدةً ... ولا تَرَى للِئامِ النَّاسِ حُسَّادا
وقال سليمان بن قَتَّة؛ وتُروى لغيره:
نجوتِ نْ حلٍّ ومنْ رحلةٍ ... يا ناقُ إنْ قرَّبْتني من قُثَمْ
إنَّكِ إنْ بلَّغْتنيهِ غداً ... عاشَ لنا اليسرُ وماتَ العَدَمْ
في باعِهِ طولٌ وفي وجههِ ... نورٌ وفي العِرْنينِ منهُ شَمَمْ
لمْ يدرِ ما لا وبلى قد دَرَى ... فعافَهَا واعتاضَ منها نَعَمْ
أصمُّ عن ذكرِ الخَنَا سمعُهُ ... وما عَن الخيرِ بهِ مِنْ صَمَمْ
وقال آخر؛ وتُروى إلى ليلَى الأخيليَّة:
كريمٌ يغضُّ الطَّرفَ فضلُ حيائهِ ... ويدنُو وأطرافُ الرِّماحِ دَوانِ
وكالسَّيف إن لاينتَهُ لانَ متنُهُ ... وحَدَّاهُ إن خاشنْتَهُ خَشِنانِ
وقال أعرابيّ:
كم قدْ ولدتُم من رئيسٍ قَسْورٍ ... دامي الأظافِرِ في الخميسِ الممطرِ
سَدِكَتْ أناملُهُ بقائِمِ مرهفٍ ... وبنشرِ فائدةٍ وذروةِ منبرِ
ما إنْ يريدُ إذا الرِّماحُ تشاجرتْ ... دِرعاً سِوى سِربالِ طيبِ العُنصرِ
يلقى السُّيوفَ بوجههِ وبنحرهِ ... ويُقيمُ هامتهُ مقامَ المغفرِ
ويقولُ للطَّرفِ اصطبرْ لِشَبا القَنَا ... فعقرتُ ركنَ المجدِ إن لم تُعقرِ
وإذا تأمَّل شخصَ ضيفٍ مقبلٍ ... متسربلٍ سِربالَ ليلٍ أغبرِ
أوْمى إلى الكوماءِ هذا طارقٌ ... نَحَرتنيَ الأعداءُ إنْ لم تُنْحَري
وقال ابن المولى:
وإذا تباعُ كريمةٌ أوْ تُشترَى ... فسِواكَ بائعُها وأنتَ المُشتري
وإذا توعَّرت المسالكُ لم يكنْ ... فيها السَّبيلُ إلى نداكَ بأوعَرِ
وإذا صنعتَ صنيعةً أتممْتَهَا ... بيدينِ ليسَ نداهُما بمكدَّرِ
وإذا هممتَ لمعتفيكَ بنائلٍ ... قالَ النَّدَى فأطعتَهُ لكَ أكثِرِ
يا واحدَ العربِ الَّذي ما إنْ لهمْ ... من مذهبٍ عنهُ ولا منْ مقصَرِ
وقال حبيب بن أوس الطائي من قصيدةٍ:
السَّيْفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ ... في حدِّهِ الحدُّ بينَ الجِدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لا سودُ الصَّحائفٍ في ... متونهنَّ جلاءُ الشَّكِّ والرَّيبِ
والعلمُ في شُهُبِ الأرماحِ لامعةً ... بينَ الخميسينِ لا في السَّبعةِ الشُّهبِ
فتحُ الفتوحِ تعالَى أن يُحيطَ بهِ ... نظمٌ منَ الشِّعرِ أوْ نثرٌ من الخُطَبِ
تدبيرُ معتصمٍ باللهِ منتقمٍ ... للهِ مرتقبٍ في اللهِ مرتغِبِ
ومُطعَمِ النَّصرِ لم تَكْهَمْ أسنَّتُهُ ... يوماً ولا حُجبتْ عن روحِ مُحتجبِ
لمْ يرمِ قوماً ولم ينهدْ إلى بلدٍ ... إلاَّ تَقَدَّمهُ جيشٌ من الرُّعُبِ
لو لمْ يقُدْ جحفلاً يومَ الوَغَى لَغَدا ... من نفسِهِ وحدَهَا في جحفلٍ لَجِبِ
رَمى بكَ اللهُ بُرجَيْها فهدَّمَهَا ... ولو رمَى بكَ غيرُ اللهِ لم يصِبِ
من بعدِ ما أشَّبُوها واثقينَ بها ... واللهُ مفتاحُ بابِ المعقِلِ الأشِبِ
عَداكَ حرُّ الثُّغورِ المستضامَةِ عنْ ... بردِ الثُّغورِ وعنُها سلسالِها الحصِبِ
أجبتَهُ معلَماً بالسَّيْفِ مُنصلتاً ... ولو دُعيتَ بغيرِ السَّيْفِ لم تُجِبِ
حتَّى تركتَ عمودَ الشِّركِ منعفِراً ... ولم تعرِّجْ على الأوتادِ والطُّنُبِ
لمَّا رأى الحربَ رأيَ العينِ تُوفَلِسٍ ... والحربُ مشتقَّةُ المعنَى منَ الحربِ
غَدَا يصرِّفُ بالأموالِ جِرْيتَهَا ... فعزَّهُ البحرُ ذو التَّيَّارِ والحدبِ
هيهاتَ زُعزعت الأرضُ الوَقورُ بهِ ... عن غزوِ مُحتسبٍ لا غزوِ مكتسِبِ
لم ينفِقِ الذَّهب المُرْبي بكثرتِهِ ... على الحَصَى وبه فقرٌ إلى الذَّهبِ
إنَّ الأُسودَ أُسودَ الغابِ همَّتُها ... يومَ الكريهةِ في المسلوبِ لا السَّلَبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لم يجتمعْ قطُّ في مصرٍ ولا بلدٍ ... محمَّدُ بنُ مروانَ والنُّوَبُ
لي منْ أبي جعفرٍ آخِيَّةٌ سَبَبٌ ... إنْ تبقَ يُطلبْ إلى معروفيَ السَّبَبُ
صحَّتْ فما يَتَمارى مَن تأمَّلَهَا ... من فرطِ نائلِهِ في أنَّها نَسَبُ
أمَّتْ نداهُ بيَ العيسُ الَّتي شهدتْ ... لها السُّرى والفيافي أنَّها نُجُبُ
رِدْءُ الخلافةِ في الجُلّى إذا نزلتْ ... وقيِّمُ الملكِ لا الوانِي ولا النَّصِبُ
جفنٌ يعافُ لذيذَ النَّومِ ناظرُهُ ... شحّاً عَلَيْها وقلبٌ حولَهَا يجِبُ
وزيرُ حقٍّ ووالي شرطةٍ ورَحَا ... ديوانِ ملكٍ وشيعيٌّ ومُحتسبُ
كالأرحبيِّ المُذَكِّي هزَّهُ المَرَطى ... والمَلْعُ والوخْدُ والتَّقريبُ والخَبَبُ
ثبْتُ الخطابِ إذا اصطكَّتْ بمظلمةٍ ... في رحلِهِ ألسُنُ الأقوامِ والرُّكَبُ
لا المنطقُ اللَّغْوُ يزكُو في مقاومِهِ ... يوماً ولا حجَّةُ الملهوفِ تُستلبُ
كأنَّما هو في نادي قبيلتِهِ ... لا القلبُ يهفُو ولا الأحشاءُ تضْطربُ
لا سَورةٌ تُتَّقى منه ولا بَلَهٌ ... ولا يَحيفُ رضًى منهُ ولا غضبُ
لا نجمَ من معشرٍ إلاَّ وهمَّتُهُ ... عليكَ دائرةٌ يا أيُّها القُطُبُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إليكَ جزعنا مغرِبَ المُلكِ كلَّما ... وسطْنا مَلاً صلَّتْ عليكَ سباسبُهْ
إلى ملكٍ لم يلقِ كَلْكل بأسهِ ... على ملكٍ إلاَّ وللذُّلِّ جانبهْ
إلى سالبِ الجبَّارِ بيضةَ مُلكهِ ... وآملهُ غادٍ عليهِ فسالبُهْ
سما للعلا من جانبَيْها كلَيْهما ... سُموَّ عُبابِ البحرِ جاشَتْ غواربُهْ
فنوَّلَ حتَّى لم يجدْ من يُنيلهُ ... وحاربَ حتَّى لم يجدْ من يُحاربُهْ
وذو يقظاتٍ مُستمرٍّ مريرُها ... إذا الخطبُ لاقاها اضمحلَّتْ نوائبُهْ
فيا أيُّها السَّاري اسرِ غيرَ مُحاذرٍ ... جَنانَ ظلامٍ أوْ ردًى أنتَ هائبُهْ
فقدْ بثَّ عبد الله خوفَ انتقامهِ ... على اللَّيل حتَّى ما تدبُّ عقاربُهْ
إذا ما امرؤٌ ألْقى بربعكَ رَحْلهُ ... فقد طالبَتْهُ بالنَّجاحِ مطالبُهْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
رواحِلُنا قد بزَّنا الهمُّ أمرَها ... إلى أن حسِبْنا أنَّهنَّ رواحلُهْ
إذا خلعَ اللَّيلُ النَّهارَ رأيتَها ... بإرْقالها في كلِّ وجهٍ تُقاتلُهْ
إلى قطبِ الدُّنيا الَّذي لو بمدْحِهِ ... مدحْتُ بني الدُّنيا كفَتْهُمْ فضائلُهْ
جلا ظلماتِ الظُّلمِ عن وجهِ أمَّةٍ ... أضاءَ لها من كوكبِ الحقِّ آفلُهْ
لقد حانَ من يُهدي سُوَيداءَ قلبهِ ... لحدّ سنانٍ في يدِ الله عاملُهْ
إذا مارقٌ بالغدرِ حاولَ غَدْرةً ... فذاك حريٌّ أن تئيمَ حلائلُهْ
وإنْ يبن حيطاناً عليهِ فإنَّما ... أولائكَ عُقَّالاتهُ لا معاقلُهْ
بِيُمْنِ أبي إسحاق طالتْ يدُ الهدى ... وقامتْ قناةُ الدِّينِ واشتدَّ كاهلُهْ
هو البحرُ من أيِّ النَّواحي أتيتهُ ... فَلُجَّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلُهْ
تعوَّدَ بسطَ الكفِّ حتَّى لوَ انَّهُ ... دعاها لقبضٍ لم تُجِبْهُ أناملُهْ
ولو لم يكن في كفِّهِ غيرُ نفسهِ ... لجادَ بها فليتَّقِ الله سائلُهْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا العيسُ لاقتْ بي أبا دلفٍ فقدْ ... تقطَّعَ ما بيني وبينَ النَّوائبِ
تكادُ مغانيه تهِشُّ عِراصُها ... فتركبُ من شوقٍ إلى كلِّ راكِبِ
يرَى أقبحَ الأشياءِ أوبَةَ آملٍ ... كستْهُ يدُ المأمولِ حُلّةَ خائبِ
وأحسنُ من نوْرٍ يفتِّحهُ النَّدَى ... بياضُ العطايا في سوادِ المطالبِ
إذا افتخرتْ يوماً تميمٌ بقَوْسها ... وزادتْ علَى ما وطَّدَتْ من مناقبِ
فأنتُمْ بذي قارٍ أمالتْ سيوفُكمْ ... عُروشَ الَّذين استَرْهنُوا قوسَ حاجبِ
مكارمُ لجَّتْ في علوٍّ كأنَّما ... تحاولُ ثأراً عندَ بعضِ الكواكبِ
ولو كانَ يفنَى الشّعرُ أفناهُ ما قَرَتْ ... حياضُكَ منهُ في العصورِ الذَّواهبِ
ولكنَّه صوبُ العقولِ إذا انجلتْ ... سحائبُ منهُ أُعقبتْ بسحائبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنّ الَّذي خلقَ الخلائقَ قاتَها ... أقْواتها لتصرُّفِ الأحْراسِ
فالأرضُ معروفُ السَّماءِ قِرًى لها ... وبنو الرَّجاءِ لهمْ بنو العبَّاسِ
هدأتْ على تأميلِ أحمد همَّتي ... وأطافَ تقليدي به وقياسي
بالمُجْتبي والمُصطفي والمُشتري ... للحمدِ والحالي به والكاسي
فرعٌ نما من هاشمٍ في تُربةٍ ... كان الكفيءَ لها منَ الأغْراسِ
نَوْرُ العرارةِ نورهُ ونسيمُه ... نشرُ الخُزامى في اخضرار الآسِ
أبليتَ هذا المجدَ أبعدَ غايةٍ ... فيه وأكرمَ شيمةٍ ونِحاسِ
إقْدام عمرٍو في سماحةِ حاتمٍ ... في حلمِ أحنف في ذكاءِ إياسِ
لا تُنْكروا ضربي لهُ من دونه ... مثلاً شروداً في النَّدَى والباسِ
فالله قد ضرب الأقلَّ لنورهِ ... مثلاً من المِشكاةِ والنِّبْراسِ
وقال أيضاً، وتروى لبكر بن النَّطَّاح:
أقولُ لمُرْتادِ النَّدَى عندَ مالكٍ ... تعوَّذْ بجدوى مالكٍ وصِلاتهِ
فتًى جعلَ المعروفَ من دون عِرضهِ ... سريعاً إلى المُمْتاحِ قبل عِداتهِ
ولو قصَّرَتْ أموالهُ عن سماحةٍ ... لقاسمَ من يرجوهُ شطرَ حياتهِ
ولو لم يجد في قسمةِ العمرِ حيلةً ... وجازَ له الإعطاءُ من حسناتهِ
لجادَ بها من غيرِ كُفْرٍ بربِّهِ ... وآساهمُ من صومهِ وصلاتهِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
مَنْ كانَ مرعى عزمهِ وهُمومِه ... روضُ الأماني لم يزلْ مَهْزولا
بالسَّكسكيِّ الماتعيّ تمتَّعَتْ ... هممٌ ثنتْ طرفَ الزَّمانِ كليلا
لا تدعوَنْ نوحَ بنَ عمرٍو دعوةً ... للخطبِ إلاَّ أن يكونَ جليلا
يقظٌ إذا ما المُشكلاتُ عروْنَهُ ... ألفَيْنهُ المتبسِّمَ البُهْلولا
ثبتُ المقامِ يرى القبيلة واحداً ... ويُرى فيحسَبُهُ القبيلُ قبيلا
كم وقعةٍ لك في المكارمِ ضخمةٍ ... غادرْتَ فيها ما ملكْتَ قتيلا
فاشْدُدْ يديْكَ بحبلِ نوحٍ مُعْصِماً ... تلقاهُ حبلاً بالنَّدى موصولا
ذاكَ الَّذي إنْ كانَ خلَّكَ لم تقلْ ... يا ليتني لم أتَّخِذْهُ خليلا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لهانَ عَلَيْنا أنْ نقولَ وتفعَلا ... ونذكُرَ بعضَ الفضلِ منكَ وتفْضلا
أبا جعفرٍ أجريتَ في كلِّ تلعةٍ ... لنا جعفراً من فيضِ كفَّيكَ سلسَلا
فكمْ قَد أثَرْنا منْ نوالِكَ معدِناً ... وكمْ قدْ بَنَيْنا في ظِلالكَ مَعقِلا
رددتَ المُنى خُضراً تَثَنَّى غصونُها ... عَلَيْنا وأطلقتَ الرَّجاءَ المُكبَّلا
وما يلحظُ العافي جَداكَ مُؤمَّلاً ... سِوى لحظةٍ حتَّى يَروحَ مُؤمَّلا
لقد زِدتَ أوضَاحي امْتداداً ولم أكُنْ ... بَهيماً ولا أرضي من الأرضِ مَجْهلا
ولكنْ أيادٍ صادَفَتْني جِسامُها ... أغرّ فأوفَتْ بي أغَرَّ مُحَجَّلا
إذا أحسنَ الأقوامُ أن يتطوَّلوا ... بلا مِنَّةٍ أحسنتَ أنْ تتطوَّلا
وجدناكَ أنْدى من رجالٍ أناملاً ... وأحسَنَ في الحاجاتِ وجهاً وأجْملا
تُضيءُ إذا اسودَّ الزَّمان وبعضهم ... يرى الموتَ أن ينهلَّ أوْ يتهلَّلا
فوالله ما آتيكَ إلاَّ فريضةً ... وآتي جميعَ النَّاسِ إلاَّ تنفُّلا
وإنَّ صريحَ الحزْمِ والعزْمِ لامرئٍ ... إذا أدركتْهُ الشَّمْسُ أن يتحوَّلا
لئن هِمَمي أوجدْنَني في تقلُّبي ... مآلاً لقدْ أفقدْنَني منكَ مَوْئلا
وإن عفْتُ أمراً مُدْبرَ الوجهِ إنَّني ... لأتْركُ حظّاً في فنائكَ مُقبلا
وإن كنتُ أخطو ساحةَ المحلِ إنَّني ... لأتْرُكُ روضاً من جداكَ وجدْولا
فوالله لا أنفكُّ أُهدي شوارداً ... إليكَ يُحمَّلْنَ الثَّناءَ المنخَّلا
تخالُ به بُرْداً عليك مُحبَّراً ... وتحسبُهُ عِقْداً عليكَ مُفصَّلا
ألذَّ من السَّلوى وأطيبَ نفحةً ... من المسكِ مفتوقاً وأيْسرَ محملا
أخفَّ على روحٍ وأثقل قيمةً ... وأقصرَ في سمعِ الجليسِ وأطْولا
وقال أيضاً:
كُفِّي وغاكِ فإنَّني لكِ قالِ ... ليستْ هوادي عَزْمتي بِتَوالِ
أنا ذو عرفتِ فإنْ عَرَتكِ جهالةٌ ... فأنا المقيمُ قيامَةَ العذَّالِ
عطَفَت ملامَتَها على ابنِ مُلمَّةٍ ... كالسَّيْفِ جَأبِ الصَّبرِ شَخْتِ الآلِ
عادتْ له أيَّامُهُ مسودَّةً ... حتَّى توهَّمَ أنَّهنَّ ليالِ
لا تُنكري عطَلَ الكريمِ منَ الغِنَى ... فالسَّيلُ حربٌ للمكانِ العالي
وتبصَّري خببَ الرِّكابِ ينصُّها ... مُحيي القريضِ إلى مُميتِ المالِ
لمَّا بلغنا ساحَةَ الحسنِ انقضَى ... عنَّا تملُّكُ دولةِ الإمحالِ
بسَطَ الرَّجاءَ لنا برغمِ نوائبٍ ... كثرتْ بهنَّ مصارعُ الآمالِ
أغلَى عَذَارى الشِّعر أنَّ مُهُورها ... عندَ الكريمِ إذا رخصنَ غوالِ
تردُ الظُّنون بهِ على تصديقها ... ويحكِّمُ الآمالَ في الأموالِ
أضحى سمِيُّ أبيك فيك مصدّقاً ... بأجلّ فائدةٍ وأيمنِ فالِ
ورأيتني فسألتَ نفسَكَ سيبَهَا ... لي ثمَّ جُدتَ وما انتظرتَ سؤالي
كالغيثِ ليسَ لهُ أُريدَ غمامُهُ ... ولم يُرَدْ بدٌّ منَ التَّهطالِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
بزهرٍ والحذاقِ وآلِ بردٍ ... ورتْ في كلِّ صالحةٍ زنادِي
وإن يكُ من بني أُدَدٍ جَناحي ... فإنَّ أثيثَ ريشي من إيادِ
غدوت بهم أمدَّ ذويَّ ظِلاًّ ... وأكثر من ورائي ماءَ وادِ
همُ عُظمُ الأثافي من نزارٍ ... وأهلُ الهضْبِ منها والنِّجادِ
إذا حُدثُ القبائلِ ساجلوهُمْ ... فإنَّهمُ بنو الدَّهْرِ التِّلادِ
تُفرِّجُ عنهمُ الغمراتِ بيضٌ ... جِلادٌ تحتَ قسطلةِ الجِلادِ
وحشوُ حوادثِ الأيَّام منهمْ ... معاقِلُ مُطْردٍ وبنو طِرادِ
لهُمْ جهلُ السِّباعِ إذا المنايا ... تمشَّتْ في القنا وحلومُ عادِ
لقدْ أنْسَتْ مساوئَ كلِّ دهرٍ ... محاسنُ أحمد بن أبي دُوادِ
مَتَى تَحْلُلْ به تحللْ جناباً ... رضيعاً للسَّواري والغوادي
تُرشَّحُ نعمةُ الأيَّام فيه ... وتقسَمُ فيه أرْزاقُ العِبادِ
وما اشتبهَتْ طريقُ العُرفِ إلاَّ ... هداكَ لقبلة المعروفِ هادِ
وما سافرْتُ في الآفاقِ إلاَّ ... ومن جدواكَ راحلَتي وزادي
مُقيمُ الظَّنِّ عندكَ والأماني ... وإن قلقَتْ رِكابي في البلادِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ديمةٌ سمحةُ القيادِ سَكوبُ ... مُستغيثٌ بها الثَّرى المكروبُ
لو سعتْ بُقعةٌ لإعظامِ نُعْمى ... لَسَعى نحوَها المكانُ الجَديبُ
لذَّ شُؤبوبها وطابَتْ فلو تَسْ ... طيعَ قامتْ فعاتبتْهَا القلوبُ
فهو ماءٌ يجري وماءٌ يليهِ ... وعزالٍ تنشا وأخرى تذوبُ
أيُّها الغيثُ حيِّ أهلاً بِمغْدا ... كَ وعندَ السُّرى وحينَ تؤوبُ
لأبي جعفرٍ خلائقُ يحكي ... هِنَّ قد يُشبهُ النَّجيبَ النَّجيبُ
أنتَ فينا في ذا الأوانِ غريبٌ ... وهو فينا في كلِّ وقتٍ غريبُ
خُلقٌ مشرقٌ ورأيٌ حسامٌ ... وودادٌ عذبٌ وريحٌ جَنوبُ
ما الْتقى وفرُه ونائلهُ مذْ ... كانَ إلاَّ ووفْرُهُ المَغْلوبُ
فهو مُدْنٍ للجودِ وهو بغيضٌ ... وهو مقصٍ للمالِ وهو حبيبُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
فاطْلب هُدوّاً في التَّقَلْقُلِ واستثِرْ ... بالعيس من تحتِ السُّهادِ هُجودا
من كلِّ مُعْطيةٍ على علَلِ السُّرى ... وَخْداً يبيتُ النَّومُ عنهُ شريدا
تجري بِمُنْصلتٍ يظلُّ إذا ونى ... ضُرَباؤهُ حِلْساً لها وقُتودا
جعلَ الدُّجى جمَلاً وودَّعَ راضياً ... بالهونِ يتّخذُ القُعودَ قَعودا
طلبتْ ربيع ربيعةَ المُمْهي لها ... فوردْنَ ظلَّ ظلالها مَمْدودا
بكريّها علويّها صعْبيَّها ال ... حصْنيَّ شَيْبانيَّها الصِّنْديدا
ذُهْليَّها مُرِّيَّها مطريَّها ... يُمْنى يديْها خالدَ بن يزيدا
نسباً كأنَّ عليه من شمسِ الضُّحى ... نوراً ومن فلقِ الصَّباحِ عمودا
عُرْيانَ لا يكبو دليلٌ من عمًى ... فيه ولا يبغي عليه شهودا
شرفٌ على أُوَلِ الزَّمان وإنَّما ... خلقُ المناسبِ ما يكون جديدا
لو لم تكنْ من نبعةٍ نجديَّةٍ ... علويّة لظننْتُ عودكَ عودا
مطرٌ أبوكَ أبو أهلَّةِ وائلٍ ... ملأ البسيطةَ عُدَّةً وعديدا
أكفاؤهُ تلدُ الرِّجالَ وإنَّما ... ولدَ الحتوفُ أساوداً وأُسودا
ورثوا الأبُوَّةَ والحُظوظَ فأصبحوا ... جمعوا جدوداً في العلا وجدودا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لقد آسفَ الأعداءَ مجدُ ابن يوسف ... وذو النَّقصِ في الدُّنيا بذي الفضلِ مولَعُ
هو السَّيل إن واجهتَهُ انقَدْتَ طوعَهُ ... وتقتادهُ من جانبيْهِ فيتْبَعُ
ولم أرَ نفعاً عندَ من ليسَ ضائراً ... ولم أرَ ضُرّاً عند من ليس ينفَعُ
رأى البخلَ من كلِّ فظيعاً فعافَهُ ... على أنَّه منهُ أمرُّ وأفظعُ
وكلُّ كُسوفٍ في الدَّراريِّ شُنْعةٌ ... ولكنَّه في الشَّمْسِ والبدرِ أشنعُ
ويومٍ يظلُّ العزُّ يحفظُ وسطَهُ ... بِسُمرِ العوالي والنُّفوسُ تُضيَّعُ
مصيفٍ من الهيجا ومن جاحمِ الوَغَى ... ولكنَّهُ من وابلِ الدَّمِ مربعُ
شققْتَ إلى جبَّارهِ حومةَ الوَغَى ... وقنَّعْتهُ بالسَّيْفِ وهو مقنَّعُ
أظلّتْكَ آمالي وفي البطشِ قوَّةٌ ... وفي السَّهْمِ تسديدٌ وفي القوسِ منزَعُ
رأيتُ رجائي فيك وحدكَ همَّةً ... ولكنَّهُ في سائرِ النَّاس مطمعُ
وكمْ عاثرٍ منّا أخذتَ بضبعه ... فأضحى لهُ في قُلّة الخطْبِ مطلعُ
وما السَّيْفُ إلاَّ زُبْرَةٌ لو تركتَهُ ... على الخلقة الأولى لما كان يقطعُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
عندي من الأيَّام ما لو أنَّه ... بإزاءِ شاربِ مُرْقِدٍ ما غمَّضا
ما عُوِّضَ الصَّبرَ امرؤٌ إلاَّ رأى ... ما فاتهُ دونَ الَّذي قد عُوِّضا
يا أحمد بن أبي دُوادٍ دعوةً ... ذلَّتْ بشكرِكَ لي وكانتْ رَيِّضا
كم محضرٍ لك مُرْتضى لم تدّخرْ ... محمودَهُ عندَ الإمامِ المُرتضى
قد كانَ صوَّحَ بيتُ كلِّ قرارةٍ ... حتَّى تروَّحَ في ثراكَ وروَّضا
أمَّا القريضُ فقد جذبْتَ بضبْعِه ... جذْبَ الرِّشاءِ مُصرِّحاً ومُعرَّضا
أحْيَيتهُ ولَخِلْتُ أنِّي لا أَرَى ... شيئاً يعودُ إلى الحياةِ وقد قضى
وحملتَ عبءَ الدَّهر مُعتمداً على ... قدمٍ وقاك أمينُها أن تدْحضا
ثِقْلاً لوَ انَّ مُتالعاً حملَ اسمهُ ... لا جسمهُ لم يستطعْ أن ينهضا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وأروعَ لا يُلقي المقاليدَ لامرئٍ ... وكلُّ امرئٍ يُلقي لهُ بالمقالدِ
له كبرياءُ المُشتري وسعودهُ ... وسطْوةُ بَهْرامٍ وظرفُ عُطاردِ
أغرُّ يداهُ فُرْضَتا كلِّ طالبٍ ... وجدواهُ وقْفٌ في سبيلِ المحامدِ
فتًى لم يقُمْ فرداً ليومِ كريهةٍ ... ولا نائلٍ إلاَّ كفى كلَّ قاعدِ
ولا اشتدّتِ الأيامُ إلاَّ ألانَها ... أشمُّ شديدُ الوطءِ فوقَ الشَّدائدِ
غدا قاصداً للحمدِ حتَّى أصابهُ ... وكم من مُصيبٍ قصدُه غيرُ قاصدِ
يصدُّ عن الدُّنيا إذا عنَّ سؤددٌ ... ولو برزَتْ في زيِّ عذراءَ ناهدِ
إذا المرءُ لم يزهَدْ وقد صُبغَتْ لهُ ... بِعُصفرِها الدُّنيا فليسَ بزاهدِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أضحَتْ إيادٌ في معدٍّ كلّها ... وهم إيادُ بنائِها المَمْدود
يَنْميكَ في قُلَلِ المكارمِ والعُلا ... زُهرٌ لزهرِ أُبوَّةٍ وجدودِ
إن كنتمُ عاديَّ ذاكَ النَّبعِ إنْ ... نُسبوا وفلقةَ ذلك الجُلمودِ
وشَركْتُموهمْ دوننا فلأنْتمُ ... شُركاؤُنا من دونهم في الجودِ
كعبٌ وحاتمٌ اللَّذان تقاسما ... خُططَ العلا من طارفٍ وتليدِ
هذا الَّذي خلفَ السَّحابَ وماتَ ذا ... في الجودِ ميتةَ خِضرمٍ صِنْديدِ
إنْ لا يكنْ فيها الشَّهيدَ فَقومهُ ... لا يسمحونَ به بألفِ شهيدِ
نفسي فداؤُكَ أيُّ بابِ مُلمَّةٍ ... لم يُرْمَ فيه إليكَ بالإقليدِ
لمّا أظلّتني غمامُك أصبحَتْ ... تلكَ الشُّهودُ عليّ وهي شُهودي
من بعدِ ما ظنُّوا بأن سيكونُ لي ... يومٌ ببغْيهمُ كيومِ عبيدِ
نزعوا بسهمِ قطيعةٍ يهفو به ... ريشُ العُقوق فكان غيرَ سديدِ
وإذا أرادَ الله نشرَ فضيلةٍ ... يوماً أتاحَ لها لسانَ حسودِ
لولا اشتعالُ النار فيما جاورَتْ ... ما كان يُعرفُ طيبُ نشرِ العودِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
يومٌ أضاءَ بهِ الزَّمانُ وفتَّحتْ ... فيهِ الأسنَّةُ زهرةَ الآمالِ
لولا الظَّلام وقلّةٌ علقوا بها ... بانَتْ رقابُهمُ بغيرِ قِلالِ
فَلْيشكروا جُنْحَ الظَّلامِ ودَرْوذاً ... فهمُ لِدرْوَذَ والظَّلام مَوالِ
برزَتْ بهمْ هفواتُ عِلْجهمُ وقدْ ... يُرْدي الجِمالَ تعسُّفُ الجمّالِ
فكأنَّما احتالَتْ عليهِ نفسهُ ... إذْ لم تنلْهُ حيلةُ المحتالِ
ألْوت به يومَ الخميسِ كتائبٌ ... أرْسَلنهُ مثلاً من الأمثالِ
ريحانِ من نصرٍ وصبرٍ أبْلَيا ... رَبْعَيْهِ لا ريحا صَبا وشَمالِ
إنَّ الرِّماحَ إذا غرسْنَ بمشهدٍ ... فجنى العوالي في ذُراهُ مَعالِ
فاسْلمْ أميرَ المؤمنين لأمّةٍ ... أبْدَلتَها الإمْراعَ بالإمْحالِ
أمسى بكَ الإسلامُ بدراً بعدما ... مُحقَتْ بشاشتُهُ مِحاقَ هِلالِ
ألبسْتَهُ أيَّامكَ الغُرَّ الَّتي ... أيَّامُ غيركَ عندهُنَّ ليالِ
وعزائماً في الرَّوعِ مُعْتَصميَّةً ... مَيْمونة الإدْبار والإقْبالِ
فتعمُّقُ الوزراءِ يَطْفو فوقها ... طَفْوَ القذى وتعقُّبُ العُذَّالِ
والسَّيْفُ ما لم يُلْفَ فيه صقيلٌ ... من سنخهِ لم ينتفِعْ بصِقالِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
بمهديّ بن أصرمَ عادَ عودي ... إلى إيراقهِ وامتدَّ باعي
أطالَ يدي على الأيَّام حتَّى ... جزيْتُ صُروفها صاعاً بصاعِ
إذا أكْدى سوامُ الشِّعْرِ أضحَتْ ... عطاياهُ وهنَّ لهُ مَراعِ
عميدُ الغَوْثِ إنْ نُوَبُ اللَّيالي ... سطَتْ وقريعُها عندَ القِراعِ
جعلْتَ الجودَ لألاءَ المساعي ... وهلْ شمسٌ تكونُ بلا شعاعِ
ولم يحفظْ مُضاعَ المجدِ شيءٌ ... من الأشياءِ كالمالِ المضاعِ
رعاكَ الله للمعروفِ إنِّي ... أراكَ لسرْحِ مالكَ غير راعِ
فعزْمُكَ مثلُ عزمِ السَّيْلِ شُدَّتْ ... قُواهُ بالمذانبِ والتِّلاعِ
ورأيُكَ مثلُ رأيِ السَّيفِ صحَّتْ ... سُبورة حدّهِ عندَ المِصاعِ
فلو صوَّرْتَ نفسكَ لم تزِدْها ... على ما فيكَ من كرمِ الطِّباعِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
رأيتُ لعيّاشٍ خلائقَ لم تكنْ ... لِتكْمُلَ إلاَّ في اللُّبابِ المُهذَّبِ
لهُ كرمٌ لو كان في الماءِ لم يَغِضْ ... وفي البرقِ ما شامَ امرؤٌ برقَ خُلَّبِ
أخو أزماتٍ بذلُه بذلُ مُحسنٍ ... إلينا ولكنْ عُذرهُ عذرُ مُذنبِ
إذا أمَّهُ العافونَ ألفوا حياضَهُ ... مِلاءً وألفوا روضَهُ غيرَ مُجدبِ
إذا قال أهلاً مرحباً نبعَتْ لهمْ ... مياهُ النَّدَى من تحتِ أهلٍ ومرحَبِ
يهولُكَ أن تلقاهُ صدراً لمحفِلٍ ... ونحراً لأعْداءٍ وقلباً لموْكبِ
هُمامٌ كنصلِ السَّيفِ كيفَ هززْتَهُ ... وجدْتَ المنايا منهُ في كلّ مضربِ
تركْتَ حُطاماً منكِبَ الدَّهر إذْ نوى ... زِحاميَ لمّا أن جعلتُكَ مَنْكبي
فقوّمتَ لي ما اعوجَّ من قصدِ همّتي ... وبيَّضْتَ لي ما اسودَّ من وجهِ مطْلَبي
وهاكَ ثيابَ الحمدِ فاجْرُرْ ذُيولَها ... عليكَ وهذا مركبُ الحمدِ فاركبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
رُبَّ خفضٍ تحتَ السُّرى وغناءٍ ... من عناءٍ ونضرةٍ من شحوبِ
لا تُذيلَنْ صغيرَ همِّكَ وانظرْ ... كمْ بذي الأثْلِ دوحةً من قضيبِ
ما على الوسَّج الرَّواتكِ من عَتْ ... بٍ إذا ما أتتْ أبا أيُّوبِ
سُرحٌ قولهُ إذا ما استمرَّتْ ... عُقْدةُ العيِّ في لسانِ الخطيبِ
واجدٌ بالخليلِ من بُرحاءِ الشَّ ... وقِ وِجْدانَ غيرهِ بالحبيبِ
كل شعبٍ كنتُم بهِ آل وهْبٍ ... فهو شِعْبي وشعبُ كلِّ أديبِ
بُؤتمُ بالمكروهِ دوني وأصْبحْ ... تُ الشَّريكَ المختارَ في المحبوبِ
إن قلبي لكمْ لكالكبد الحرَّ ... ى وقلبي لغيركُمْ كالقلوبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لله وَخْدُ المهارى أيَّ مكرُمةٍ ... هزَّتْ وأيَّ غمامٍ قلقلتْ خَضِلِ
مُلبِّياً طالما لبَّى مُناديَهُ ... إلى الوَغَى غيرَ رِعْديدٍ ولا وَكِلِ
خيرُ الأخلاّءِ خيرُ الأرضِ همَّتهُ ... وأفضلُ الرَّكبِ يَقْرو أفضلَ السُّبُلِ
حُطَّت إلى عُمْدةِ الإسلام أرْحلهُ ... والشَّمسُ قد نفضَتْ ورْساً على الأُصلِ
ومُحْرماً أحرمتْ أرضُ العراقِ لهُ ... من النَّدى واكتستْ ثوباً من البَخَلِ
وسافكاً لدماءِ البُدْنِ قد سُفكتْ ... به دماءُ ذوي الإلحادِ والنِّحَلِ
ورامياً جمراتِ الحجّ في سنةٍ ... رمى بها جمراتِ اليومِ ذي الشُّعلِ
يردي ويُرْقلُ بين المَرْوتينِ كما ... يردي ويُرْقِلُ نحوَ الفارسِ البطلِ
تُقبِّلُ الرُّكنَ رُكنَ البيتِ نافلةً ... وظهرُ كفِّكَ معمورٌ من القَبَلِ
لمَّا تركْتَ بيوتَ الكُفْرِ خاويةً ... بالغزو آثرْتَ بيتَ الله بالقَفلِ
فالحجُّ والغزو مَقْرونان في قرنٍ ... فاذهبْ فأنتَ ذعاف الخيل والإبلِ
ساري الهمومِ طموحُ العزمِ صادقُهُ ... كأنَّ آراءهُ تنحطُّ من جبلِ
نبَّهْتَ نبهانَ بعدَ النوم فانسكبَتْ ... بكَ الحياةُ على الأحياءِ من ثُعَلِ
إن حنَّ نجدٌ وأهْلوهُ إليكَ فقدْ ... مررْتَ فيه مرورَ العارضِ الهَطِلِ
وأيُّ أرضٍ به لم تُكْسَ زَهْرتها ... وأيُّ وادٍ به حرَّانَ لم يسلِ
ما زال للصَّارخِ المُعْلي عقيرَتهُ ... غوثاً من الغوثِ تحتَ الحادثِ الجللِ
من كلِّ أبيضَ يجلو منه سائلهُ ... خدّاً أسيلاً به خدٌّ من الأسلِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أنَخْنا في ديارِ بني حبيبٍ ... بناتِ السَّيرِ تحتَ بني العزيمِ
وما إن زال في جرم بن عمرٍو ... كريمٌ من بني عبد الكريمِ
يكادُ نَداهُ يتركهُ عديماً ... إذا هطلَتْ يداهُ على عديمِ
تراهُ يذُبُّ عن حرمِ المعالي ... فتحسِبُه يُدافعُ عن حريمِ
سيفهُ الرُّمْحِ جاهلهُ إذا ما ... بدا فضل السَّفيهِ على الحليمِ
أولئكَ قد هُدوا من كلّ مجدٍ ... إلى نهْجِ الطَّريقِ المُستقيمِ
لهمْ غُرَرٌ تُخالُ إذا استنارتْ ... بواهِرُها ضرائرَ للنُّجومِ
إذا نزلوا بمَحْلٍ روَّضوهُ ... بآثارٍ كآثارِ الغُيومِ
لكلٍّ من بني حوّاءَ عذرٌ ... ولا عذرٌ لطائيٍّ لئيمِ
أحقُّ النَّاس بالكرمِ امرؤٌ لم ... يزلْ يأوي إلى أصلٍ كريمِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
تداوَ من شوقِكَ الأقصى بما فعلَتْ ... خيلُ ابن يوسفَ والفُرسانُ تطَّرِدُ
ذاكَ السُّرورُ الَّذي آلتْ بشاشتُه ... ألاَّ يجاورَها في مهجةٍ كمدُ
لقيْتَهُم والمنايا غيرُ دافعةٍ ... لِما أمرْتَ به والمُلتقى كبدُ
في موقفٍ وقفَ الموتُ الزُّعاف به ... فالموتُ يوجَدُ والأرواحُ تُفْتقدُ
في حيثُ لا مرتَعُ البيضِ الخِفافِ إذا ... أُصْلِتنَ جدبٌ ولا وِرْدُ القنا ثمدُ
مُسْتصحباً نيّةً قد طالما ضَمِنتْ ... لك الخطوبَ فأوْفَتْ بالذي تعِدُ
ورُحْبَ صدرٍ لوَ أنَّ الأرضَ واسعةٌ ... كوُسعهِ لم يضقْ عن أهلهِ بلدُ
صدعْتَ جِرْيتهُمْ في عصبةٍ قُللٍ ... قد صرَّح الماءُ عنها وانجلى الزَّبدُ
من كلِّ أروعَ ترتاعُ المَنونُ لهُ ... إذا تجرَّدَ لا نِكْسٌ ولا جَحِدُ
يكادُ حين يُلاقي القرنَ من حنقٍ ... قبلَ السِّنانِ على حوبائهِ يردُ
قلُّوا ولكنَّهُم طابوا فأنْجدهُمْ ... جيشٌ من الصَّبرِ لا يُحصى له عددُ
إذا رأوا للمنايا عارضاً لبسوا ... من اليقينِ دُروعاً ما لها زَردُ
نأوا عن المُصْرخِ الأدنى فليسَ لهم ... إلاَّ السُّيوفُ على أعدائهم مددُ
ولَّى مُعاويةٌ عنهُمْ وقد أخذتْ ... فيه القنا فأبى المِقدارُ والأمدُ
أنهبْتَ أرواحَهُ الأرْماحَ إذْ شُرعَتْ ... فما تُردُّ لريْبِ الدَّهر عنهُ يدُ
كأنَّها وهي في الأوداجِ والغَةٌ ... وفي الكُلى تجدُ الغيظَ الَّذي نجدُ
من كلِّ أزرقَ نظّارٍ بلا نظرٍ ... إلى المقاتلِ ما في مَتْنهِ أوَدُ
كأنَّهُ كان تِرْبَ الحُبِّ مُذْ زمنٍ ... فليسَ يُعْجزهُ قلبٌ ولا كبدُ
إنَّ ابن يوسف نجَّى الثَّغْر من سنةٍ ... أعْوامُ يوسفَ عيشٌ عندها رغَدُ
آثارُ أموالكَ الأدْثارُ قد خَلُقتْ ... وخلَّفتْ نِعماً آثارُها جُددُ
فافْخَر فما من سماء للعُلا رُفعَتْ ... إلاَّ وأفعالُكَ الحُسْنى لها عمدُ
واعذُرْ حسودك فيما قد خُصِصْتَ به ... إنَّ العلا حسنٌ في مثلها الحسدُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
يَهني الرَّعيَّةَ أنَّ الله مُقتدراً ... أعطاهمُ بأبي إسحاقَ ما سألوا
لو كان في عاجلٍ من آجلٍ بدلٌ ... لكانَ في وعدهِ من رِفْدهِ بدلُ
تغاير الشِّعْرُ فيه إذْ سهرْتُ له ... حتَّى ظننْتُ قوافيهِ سَتَقْتتلُ
صلّى المَليكُ على العبّاسِ وانْبجسَتْ ... على ثرى حلِّه الوكَّافةُ الهُطلُ
ذاكَ الَّذي كانَ لو أنَّ الأنامَ لهُ ... نسلٌ لما عابهم جُبْنٌ ولا بخلُ
أبو النُّجومِ الَّتي ما ضرَّ ثاقبَها ... أن لم يكنْ بُرجهُ ثورٌ ولا حملُ
من كلّ مُشتهرٍ في كلَّ مُعتركٍ ... لم يُعرف المُشتري فيه ولا زُحلُ
يحميهِ لألاؤهُ ولوْذَعيَّته ... من أن يُذالَ بمن أوْ ممَّن الرَّجلُ
آل النَّبيّ إذا ما ظُلمةٌ طرقَتْ ... كانوا لها سُرُجاً أنتم لها شُعلُ
قومٌ إذا وعدوا أوْ أوعدوا غَمَروا ... صِدقاً ذوائبَ ما قالوا بما فعلوا
يَسْتعذبونَ مناياهُمْ كأنَّهم ... لا يَيْأسونَ من الدُّنيا إذا قُتِلوا
أُسدُ العرينِ إذا ما الرَّوعُ صبَّحها ... أوْ صبَّحَتْهُ ولكن غابُها الأسلُ
تناولُ الفَوْتَ أيدي الموتِ قادرةً ... إذا تناولَ سيفاً منهم بطلُ
قد جاء من وصفك التَّفسيرُ مُعْتذراً ... بالعجزِ إن لم يُغِثْني الله والجُمَلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أبا جعفرٍ إنَّ الجهالة أُمُّها ... وَلودٌ وأمُّ العلمِ جدَّاءُ حائلُ
أَرَى الحشوَ والدَّهْماءَ أضحوا كأنَّهمْ ... شعوبٌ تلاقَتْ دوننا وقبائلُ
غَدَوا وكأنَّ الجهلَ يجمعُهمْ بهِ ... أبٌ وذَوو الآدابِ فيهم نوافلُ
فكنْ هضبةً نأوي إليها وحرَّةً ... يُعرّد عنها الأعْوجيّ المناقلُ
فإنَّ الفَتَى في كلّ ضربٍ مناسبٌ ... مناسبَ روحانيّةً من يُشاكلُ
ولن تنظمَ العقد الكعابُ لزينةٍ ... كما تنظمُ الشَّمْلَ الشَّتيتَ الشَّمائلُ
وأنت شهابٌ في الملمّاتِ ثاقبٌ ... وسيفٌ إذا ما هزَّكَ الحقُّ قاصِلُ
من البيضِ لم تنضُ الأكفُّ كنصلهِ ... ولا حملَتْ مِثلاً إليه الحمائلُ
مُورّث نارٍ والإمامُ يشبُّها ... وقائلُ صدقٍ والخليفةُ فاعلُ
وإنَّك إن صدَّ الزَّمان بوجْههِ ... لطلْقٌ ومن دون الخلافةِ باسلُ
لئن نَقموا حوشيَّةً فيكَ دونها ... لقد علموا عن أيّ عِلْقٍ تُناضلُ
هو الشيءُ مولى المرء قرنٌ مُباينٌ ... لهُ وابنه فيه عدوٌّ مقاتلُ
وخطب جليلٍ دونها قد شغلْتَهُ ... وفي دونه همٌّ لغيركَ شاغلُ
رددْتَ السَّنا في شمسه بعد كُلْفةٍ ... كأنَّ انتصافَ اليومِ منها أصائلُ
تَرَى كلَّ نقصٍ تاركَ العِرضِ والتُّقى ... كمالاً إذا المُلك اعتدى وهو كاملُ
جمعْتَ عُرى أعماله بعد فُرقةٍ ... إليكَ كما ضمَّ الأنابيبَ عاملُ
فأضحَتْ وقد ضُمَّت إليكَ فلم تزلْ ... تُضمُّ إلى الجيشِ الكثيفِ القنابلُ
وقال أيضاً، بعد وصف القلم ممّا ثبت في باب الأوصاف:
أَرَى ابنَ أبي مروانَ أمّا عطاؤهُ ... فَطامٍ وأمّا حكمهُ فهو عادلُ
هو المرءُ لا الشُّورى استبدَّت برأيه ... ولا قبضَتْ من راحتيْهِ العواذلُ
تَرَى حبلَهُ عُرْيانَ من كلّ غدرةٍ ... إذا نُصبتْ تحت الحبال الحبائلُ
فتًى لا يرى أنَّ الفريصةَ مقتلٌ ... ولكن يرى أنَّ العيوبَ مَقاتلُ
أبا جعفرٍ إنَّ الخليفةَ إن يكنْ ... لِوُرَّادنا بحراً فإنَّك ساحلُ
تقطّعت الأسبابُ إن لم تُغْرِ لها ... قُوًى ويَصِلْها من يمينكَ واصلُ
سوى مطلبٍ يُنضى الرَّجاء بطولهِ ... وتُخلقُ إخلاقَ الجُفونِ الوسائلُ
وقد تألَفُ العينُ الدُّجى وهو ضدُّها ... ويُرْجى شفاءُ السُّمِّ والسُّمُّ قاتلُ
وإنَّ جزيلاتِ الصَّنائعِ لامرئٍ ... إذا ما اللَّيالي باكرتْهُ معاقلُ
أكابِرَنا عطفاً عَلَيْنا فإنَّنا ... بنا ظمأُ برْحٌ وأنتمْ مناهلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
بسابغِ معروفِ الأميرِ محمَّدٍ ... حدا هجماتِ المالِ من كان مُصْرما
وحطَّ النَّدَى في الصَّامتيّين رَحْلهُ ... وكان زماناً في عديِّ بن أخْزما
لقد أصبح الثّغران سدَّيْنِ بعدما ... رأوا سرعان الذُّلِّ فذّاً وتوءما
وكنتَ لناشيهمْ أباً ولكَهْلهمْ ... أخاً ولذي التَّقويسِ والكبرةِ ابْنَما
ومن كان بالبيضِ الكواعب مُغرماً ... فلا زلْتَ بالبيضِ القواضبِ مُغْرَما
ومن تيَّمتْ سمرُ الحِسانِ وأُدْمُها ... فما زلتَ بالسُّمْرِ العوالي مُتيَّما
ونعمَ الصَّريخُ المُسْتجاشُ محمدٌ ... إذا حنَّ نوءٌ للمنايا وأرْزما
أشاحَ بفتيانِ الصَّباحِ فأكرهوا ... صدورَ القنا الخطِّيِّ حتَّى تحطّما
هو اللَّيثُ ليثُ الغابِ بأساً ونجدةً ... وإن كانَ أحيا منهُ وجْهاً وأكرما
جديرٌ إذا ما الخطبُ طالَ فلم تُنَلْ ... ذُؤابتهُ أن يجعلَ السَّيْفَ سُلَّما
كريمٌ إذا زُرْناهُ لم يقتصرْ بنا ... على الكرمِ المولودِ أوْ يتكرَّما
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لقد لبسَ الأفْشينُ قَسْطلةَ الوَغَى ... مُشيحاً بنصلِ السَّيفِ غيرَ مواكلِ
وسارتْ به بينَ القنابلِ والقنا ... عزائمُ كانتْ كالقنا والقنابلِ
رأى بابك منه الَّتي لا شوى لها ... فتُرجى سوى نزعِ الشَّوى والمفاصلِ
تراهُ إلى الهيجاءِ أوَّلَ راكبٍ ... وتحت صبيرِ الموتِ أوَّلَ نازلِ
تسربلَ سِرْبالاً من الصَّبرِ وارْتدى ... عليه بعضبٍ في الكريهةِ قاصلِ
وقد ظُلِّلَتْ عِقبانُ أعلامهِ ضُحًى ... بعقبانِ طيرٍ في الدِّماءِ نواهلِ
أقامَتْ مع الرَّايات حتَّى كأنَّها ... من الجيشِ إلاَّ أنَّها لم تُقاتلِ
وما هو إلاَّ الوحيُ أوْ حدُّ مُرْهفٍ ... تُميلُ ظُباهُ أخْدَعَيْ كلِّ مائلِ
فهذا دواءُ الدَّاءِ من كلِّ عالمٍ ... وهذا دواءُ الدَّاءِ من كلِّ جاهلِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أيَّامُنا مَصْقولةٌ أطرافُها ... بكَ واللَّيالي كلُّها أسحارُ
تَنْدى عُفاتُكَ للعُفاةِ وتغتدي ... رُفقاً إلى زوَّاركَ الزُّوَّارُ
هِمَمي مُعلَّقةٌ عليكَ رقابُها ... مغلولةٌ إنَّ الوفاءَ إسارُ
والنَّاسُ غيركَ ما تغيَّرُ حُبْوَتي ... لفراقهِمْ هل أنْجدوا أوْ غاروا
فاسْلم ولا تنفكُّ يخطؤُكَ الرَّدى ... فينا وتسقُطُ دونكَ الأقْدارُ
وقال مخلّد بن بكّار الموصليّ من قصيدةٍ:
يطلُعُ النَّجمُ على صَعْدته ... فإذا واجه نحراً أفَلا
يُعشبُ الصَّلْدُ إذا سالمَهُ ... وإذا حاربَ روضاً أمْحلا
سُخطُ عبد الله يُدْني الأجلا ... ورضاهُ يتعدَّى الأملا
ملكٌ لو نُشرَتْ آلاؤهُ ... وأياديهِ على اللَّيل انْجلى
حطَّ رَحْلي في ذراهُ جودهُ ... وتمشَّى في نَداهُ الخَيْزلى
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لمحمدٍ بيتٌ بناهُ بسيفه ... أطنابُ حُجرتهِ النُّجومُ الكُنَّسُ
جعلَ السَّبيلَ إلى العلاءِ محمَّدٌ ... بيضاً تسيلُ على ظُباها الأنفُسُ
تلقى الأمان على حياضِ محمدٍ ... ثوْلاءُ مُخرفةٌ وذئبٌ أطلسُ
قد شرَّدَ الأعداءَ عن عَرَصاتهِ ... سيفٌ يمجُّ دماً وعزٌّ أقْعسُ
وإذا تناضلَتِ الملوكُ بفَخْرها ... فسهامُ فخركَ كُلُّهنَّ مُقَرْطسُ
وإذا صرفْتَ الطّرْفَ في ذي نجوةٍ ... فالموت في قَسماتهِ يُتفرَّسُ
لا السَّملقُ الفيَّاحُ يمنعُ هارباً ... في البُعدِ منكَ ولا البِناءُ مُترِّسُ
طهَّرْتُ أشعاري بعرْضكَ بعدما ... كانتْ بأعراضِ اللَّئيمِ تُدنَّسُ
وقال أبو الشِّيص الخُزاعيّ؛ واسمه محمد بن عبد الله:
وركائبٍ صرفَتْ إليكَ وجوهها ... نكباتُ دهرٍ للفَتَى عضَّاضِ
قطعوا إليكَ نياط كلّ تنوفةٍ ... ومهامهٍ مُلْسِ المُتونِ عِراضِ
أكل الوَجيفُ لحومهم ولُحومها ... فأتوكَ أنْقاضاً على أنقاضِ
ولقد أتتْكَ على الزَّمان سواخطاً ... فرجعْنَ عنكَ وهنَّ عنهُ رواضِ
إنَّ الأمانَ من الزَّمانِ وريْبهِ ... يا عُقْبَ شطّا بحركَ الفيَّاضِ
بحرٌ يلوذُ المُعْتفونَ بنيله ... فَعْمُ الجداولِ مُترعُ الأحواضِ
ملكٌ يفُكُّ عُرا الأمورِ إذا الْتوتْ ... منهُ برأيٍ مُبرمٍ نقَّاضِ
لأبي محمدٍ المؤمَّل راحتا ... ملكٍ إلى أعلى العُلا نهَّاضِ
فيَدٌ تدفَّقُ بالغِنى لصديقهِ ... ويدٌ على الأعداءِ سُمٌّ قاضِ
وقال محمد بن وهيب الحِمْيَري:
ثلاثةٌ تُشرق الدُّنيا ببهجتهِمْ ... شمسُ الضُّحَى وأبو إسحاق والقمرُ
فالشَّمْسُ تحكيهِ في الإشراقِ طالعةً ... إذا تقطَّعَ عن إدراكها البصرُ
والبدرُ يحكيه في الظَّلماءِ مُنْبلجاً ... إذا اسْتنارتْ لياليهِ به الغُررُ
يحكي أفاعيلهُ في كلِّ نائبةٍ ... الغيثُ واللَّيثُ والصَّمْصامةُ الذَّكرُ
فالغيْثُ يحكي ذَرى كفَّيه مُنْهمراً ... إذا استهلَّ بصوبِ الدِّيمةِ المطرُ
ورُبَّما صالَ أحياناً على حنقٍ ... شبيهَ صولَتهِ الضِّرْغامةُ الهَصِرُ
والهُنْدوانيُّ يحكي من عزائمهِ ... صريمةَ الرَّأيِ منهُ النَّقْضُ والمِرَرُ
وأنتَ جامعُ ما فيهنَّ من حسنٍ ... فقد تكاملَ فيكَ النَّفعُ والضَّررُ
وقال أبو الحسين أحمد بن محمد الكاتب:
إذا أبو قاسمٍ جادتْ لنا يدهُ ... لم يُحمد الأجْودانِ البحرُ والمطرُ
وإن أضاءتْ لنا أنوارُ غُرَّتهِ ... تضاءلَ النَّيِّرانِ الشَّمْسُ والقمرُ
وإن مضى رأيه أوْ حدُّ عَزْمتهِ ... تأخَّرَ الماضيان السَّيْفُ والقدرُ
من لم يبِتْ حذِراً من خوفِ سطوتهِ ... لم يدرِ ما المُزْعجانِ الخوفُ والحذرُ
كأنَّه الدَّهْرُ في نُعْمى وفي نِعمٍ ... إذا تعاقبَ منه النَّفْعُ والضَّررُ
كأنَّهُ وزِمامُ الدَّهْرِ في يدهِ ... يرى عواقبَ ما يأتي وما يذرُ
ينالُ بالظَّنِّ ما يعي العيانُ به ... والشَّاهدان عليه العينُ والأثرُ
وقال أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتريّ من قصيدة:
أحيى الخليفةُ جعفرٌ بفعالهِ ... أفعالَ آباءٍ لهُ وجُدودِ
ولهُ وراءَ المُذنبينَ ودونهُمْ ... عفوٌ كظلِّ المُزنةِ الممدودِ
وأناةُ مُقتدرٍ تُكَفْكفُ بأسهُ ... وقفاتُ حلمٍ عندهُ موجودِ
أمْسَكْنَ من رمقِ الجريحِ ورُمْنَ أن ... يُحْيينَ من نفسِ القتيل المودي
حاطَ الرَّعيَّة حينَ ناط أُمورها ... بثلاثةِ بَكروا وُلاة عُهودِ
لن يجهلَ السَّاري المحجَّةَ بعدما ... رُفعتْ لنا منهم بدورُ سعودِ
نعتدُّ عزَّكَ عِزَّ آلِ محمدٍ ... ونرى بقاءكَ من بقاءِ الجودِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
اليومَ أُطلعَ للخلافةِ سعدُها ... وأضاء فيها بدْرُها المُتهلِّلُ
لبسَتْ جلالةَ جعفرٍ فكأنَّها ... سحَرٌ تجلَّلهُ النَّهارُ المُقبلُ
جاءتْهُ طائعةً ولم يُهْزز لها ... رُمحٌ ولم يًشهر عَلَيْها مُنصلُ
أوما تَرَى حُسنَ الزَّمان وما بدا ... وأعادَ في أيَّامه المُتوكِّلُ
أشرقْنَ حتَّى كادَ يُقْتبسُ الدُّجَى ... ورطُبْنَ حتَّى كادَ يجري الجندَلُ
ملكٌ أذلَّ المعتدين بوطأةٍ ... ترسو على كبدِ الزَّمان وتثْقُلُ
نفسٌ مُشيَّعةٌ ورأيٌ مُحصدٌ ... ويدٌ مؤيَّدةٌ وقولٌ فيصلُ
ولهُ وإن غدَتِ البلادُ عريضةً ... طرفٌ بأطرافِ البلادِ موكَّلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لولا عليّ بنُ مُرٍّ لاسْتمرَّ بنا ... خِلفٌ من العيشِ فيه الصَّابُ والصَّبرُ
ألحَّ جوداً ولم تَضْرر سحابَتهُ ... ورُبَّما ضرَّ في إلحاحهِ المطرُ
لا يُتْعبُ النَّائلُ المَبْذولُ همَّتَهُ ... وكيفَ يُتعبُ عينَ النّاظرِ النّظرُ
مواهبٌ ما تجشَّمْنا السُّؤالَ لها ... إنَّ الغمامَ قليبٌ ليسَ يُحْتفرُ
ما زالَ يسبقُ حتَّى قالَ حاسدهُ ... له طريقٌ إلى العلياءِ مُخْتصرُ
إذا ارْتقى في أعالي الرَّأي لاحَ له ... ما في الغُيوبِ الَّتي تخفى وتستترُ
مُجرِّبٌ طالما أشجَتْ عزائمهُ ... ذوي الحجا وهو غِرٌّ بينهم غُمرُ
ألْوى إذا شابكَ الأعداءَ كدَّهمُ ... حتَّى يروحَ وفي أظفارهِ الظَّفرُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
خلافةُ جعفرٍ أمْنٌ وفضلٌ ... وعدلٌ لم يزلْ يَسَعُ الأناما
غريبُ المكرماتِ تَرَى لديهِ ... رقابَ المالِ تُهتضمُ اهْتضاما
إذا وهبَ البُدورَ رأيتَ وجهاً ... يُخالُ لحُسنه البدرَ التَّماما
غنيٌّ أن يُفاخرَ أوْ يُسامي ... جليلٌ أن يُفاخَرَ أوْ يُسامى
غمرْتَ النَّاسَ إفضالاً وفضلاً ... وإنعاماً مُمِرّاً وانتقاما
مكارم قد وزنَتْ بها ثبيراً ... فلم يرجُح وطُلتَ بها شِماما
فلو جُمعَ الأئمّةُ في مكانٍ ... تكونُ به لكنتَ لهمْ إماما
ومنها يصف مبانيه:
أَرَى المُتوكِّليَّةَ قد تعالَتْ ... محاسنُها وأكملت التَّماما
قُصورٌ كالكواكبِ لامعاتٌ ... يكدْنَ يُضئْنَ للسَّاري الظَّلاما
وبرٌّ مثلُ وشيِ البُرْدِ فيه ... جنى الحَوْذانِ يُنشرُ والخُزامى
غرائبُ من فُنون النَّبتِ فيها ... جنى الزَّهرِ الفُرادى والتُّؤامى
تُضاحكُها الضُّحَى طوراً وطوراً ... عَلَيْها الغيثُ ينسجمُ انْسجاما
ولو لم يستهلّ لها غمامٌ ... بريِّقهِ لكنتَ لها غَماما
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
قد قلتُ للغيث الرُّكامِ ولجَّ في ... إبْراقهِ وألحَّ في إرْعادهِ
لا تعرضَنَّ لجعفرٍ مُتَشبِّهاً ... بندى يديْهِ فلسْتَ من أندادهِ
اللهُ شرَّفهُ وأعلى ذِكرهُ ... ورآهُ غيثَ بلادهِ وعبادهِ
يزدادُ إبقاءً على أعدائهِ ... أبداً وإفضالاً على حسَّادهِ
أمرَ العطاءَ ففاضَ من جمّاتهِ ... ونهى الصَّفيحَ فقرَّ في أغمادهِ
يا كالئَ الإسلامِ بعدَ نِفارهِ ... ومُقيمَ نَهْجيْ حجِّهِ وجِهادهِ
تهْنيكَ في المعتزّ بُشرى بيَّنتْ ... فينا فضيلةَ هَدْيهِ ورشادهِ
قد أدركَ الحُلمَ الَّذي أبْدى لنا ... عن حِلمه ووقارهِ وسدادهِ
ومباركٌ ميلادُ مُلْككَ مُخْبراً ... لقريبِ عهدٍ كان من ميلادهِ
تمَّتْ لكَ النَّعْماءُ فيه مُمتَّعاً ... بعُلوّ همَّتِه وورْي زنادهِ
وبقيتَ حتَّى يُستضاءَ برأيهِ ... وتَرَى الكُهولَ الشِّيبَ من أولادهِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ورمَتْ بنا سمْتَ العراقِ أيانقٌ ... سُحْمُ الخدودِ لُغامهنَّ الطُّحْلبُ
يحملْنَ كلَّ مُتوَّجٍ في همَّةٍ ... سَعةٍ يضيق بها الفضاء السبسبُ
ركبوا الفراتَ إلى الفراتِ وأمَّلوا ... نشوانَ يُبْدعُ في السَّماحِ ويُغْربُ
في غايةٍ طُلبتْ فقصَّر دونها ... من رامها فكأنَّها ما تُطْلبُ
كرمٌ يُرجّى منهُ ما لا يُرْتجى ... عُظْماً ويوهبُ منهُ ما لا يوهبُ
يتسرَّعونَ إلى الحُتوفِ كأنَّها ... وفْرٌ بأرضِ عدوِّهِمْ يُتنهَّبُ
ما إن تَرَى إلاَّ توقُّدَ كوكبٍ ... في قونسٍ قد غارَ فيه كوكبُ
فمجدَّلٌ ومُرَمَّلٌ وموسَّدٌ ... ومضرَّجٌ ومضمَّخٌ ومخضَّبُ
سُلِبوا وأشرقت الدِّماءُ عليهمُ ... مُحمَرَّةً فكأنَّهم لم يُسْلبوا
ولوَ انَّهمْ ركبوا الكواكبَ لم يكنْ ... لِمُجدِّهِمْ عن حدّ بأسكَ مهرَبُ
ما جُهِّزت راياتُكم لِمُخالفٍ ... إلاَّ تهدّمَ كهْفُهُ المُستصعَبُ
وإذا توثَّبَ خالعٌ في جانبٍ ... ظلَّتْ سيوفُكم عليه توثَّبُ
وإذا تأمَّلْتُ الزَّمان رأيتُه ... دُوَلاً على أيديكُم تتقلَّبُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لقد حمل المعتزُّ أُمَّةَ أحمدٍ ... على سَننٍ يهدي إلى الحقِّ لاحِبُهْ
تدارك دينَ الله من بعد ما عفَتْ ... معالمُه فينا وغارَتْ كواكبُهْ
وضمَّ شعاعَ المُلكِ حتَّى تجمَّعتْ ... مشارقهُ موفورةً ومغاربُهْ
مُدبِّرُ دُنيا أمسكتْ يقظاته ... بآفاقِها القُصْوى وما طرَّ شاربُهْ
تغمَّد بالصّفح الذُّنوبَ وأسْجحتْ ... سجاياهُ في أعدائهِ وضرائبُهْ
نضا السَّيف حتَّى انقادَ من كان آبياً ... فلمّا استقرّ الملكُ شيمتْ مضاربُهْ
وما زال مصْبوباً على من يُطيعهُ ... بفضلٍ ومنصوراً على من يحاربُهْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
هل الفتحُ إلاَّ البدرُ في الأُفقِ المُضْحي ... تجلَّى فأجْلى الليلَ جِنحاً على جنحِ
أو الضَّيغمُ الضِّرغامُ يحمي عرينَهُ ... أو الوابلُ الدَّاني من الدِّيمةِ السّحِّ
وأشرَقَ عن بشرٍ هو النُّورُ في الضُّحَى ... وصافى بأخلاقٍ هي الطّلُّ في الصُّبحِ
وما أُقفلتْ عنَّا جوانبُ مطلبٍ ... نحاولُهُ إلاَّ فتحناهُ بالفتحِ
فتًى ينطوي الحسَّادُ من مكرماتِهِ ... ومن مجدِهِ الأوْفى على كَمَدٍ برحِ
يجدُّ فتنقادُ الأُمورُ لجدِّهِ ... وإنْ راحَ طلقاً في الفكاهةِ والمزحِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
يعشَى على المجدِ الغبيِّ ولنْ تَرَى ... في سؤددٍ أرَباً لغيرِ أريبِ
لا تغلُ في جودِ الرِّجالِ فإنَّني ... لم أرضَ جوداً غير جُودِ أديبِ
والأرضُ تخرجُ في الوهادِ وفي الرُّبا ... عمم النَّباتِ وكلُّ ذلكَ مُوبِ
وإذا أبو الفضلِ استعارَ سجيَّةً ... في المكرُماتِ فمن أبي يَعقوبِ
لا يحتذي خُلُقَ القصيِّ ولا يُرى ... متشبّهاً في سؤددٍ بغريبِ
شرفٌ تتابعَ كابراً عن كابرٍ ... كالرُّمحِ أُنبوباً على أُنبوبِ
وأرى النّجابةَ لا يكونُ تمامُها ... لنجيبِ قومٍ ليسَ بابنِ نجيبِ
قمرٌ من الفتيانِ أبيضُ صادعٌ ... لدُجى الزَّمَانِ الفاحمِ الغربيبِ
وإذا اجْتداهُ المجتدونَ فإنَّه ... يهبُ العُلا في نيلِهِ الموهوبِ
دانٍ علَى أيدي العُفاة وشاسعٌ ... عن كلِّ ندٍّ في العُلا وضريبِ
كالبدرِ أفرَطَ في العُلوِّ وضوؤهُ ... للعُصبةِ السَّارينَ جِدُّ قريبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أقولُ لركبٍ مُعتفين تَدَرَّعوا ... على عجلٍ قطعاً من الليلِ غَيْهَبَا
رِدُوا نائلَ الفتحِ بنِ خاقانَ إنَّه ... أعمُّ ندًى فيكمْ وأقربُ مطلَبَا
هو العارضُ الثجّاجُ أخضلَ جودهُ ... وطارتْ حواشي برقهِ فتلهّبا
إذا ما تلظَّى في وغًى أصعقَ العِدا ... وإنْ فاضَ في أكرومةٍ غمرَ الرُّبا
رزينٌ إذا ما القومُ خفّتْ حلومهمُ ... وقورٌ إذا ما حادثُ الدَّهْرِ أجلَبَا
فتًى لم يضيِّعْ وجهَ حزمٍ ولم يبتْ ... يلاحظُ أعجازَ الأمورِ تعقُّبا
وما نقمَ الحسَّادُ إلاَّ أصالةً ... لديكَ وفعلاً أريحيّاً مهذَّبا
وقد جرَّبوا بالأمسِ منكَ عزيمةً ... فضلْتَ بها السَّيْفَ الحُسام المُجرَّبا
غداةَ لقيتَ اللَّيثَ والليثُ مُخْدِرٌ ... يُحدِّدُ ناباً للِّقاء ومِخْلَبا
شهدتُ لقد أنصفتَهُ يومَ تنبَري ... لهُ مُصلتاً عضْباً من البِيضِ مِقضَبَا
فلم أرَ ضِرغامين أصدَقَ منكُما ... عِراكاً إذا الهيّابةُ النكس كذَّبا
هزبرٌ مَشَى يبغي هزبراً وأغلبٌ ... من القومِ يغشَى باسلَ الوجه أغلبا
أدلّ بشغبٍ ثمَّ هالَتْهُ صوْلةٌ ... رآكَ لها أمْضى جَناباً وأشغَبَا
فأحْجَم لمَّا لم يجدْ فيكَ مطمَعاً ... وأقدمَ لمَّا لم يجدْ عنكَ مَنْكَبَا
حملتَ عليه السَّيف لا عزمُك انثنى ... ولا يدُك ارتدَّتْ ولا حدَّه نبا
ألنتَ ليَ الأيَّامَ من بعدِ قسوةٍ ... وعاتبتَ لي دهري المسيءَ فأعتبا
وألبستني النُّعمى الَّتي غيَّرت أخي ... عليَّ فأمسى نازحَ الودِّ أجنبا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
فدتكَ أكفُّ قومٍ ما استطاعُوا ... مساعيكَ الَّتي لا تُستطاعُ
علوتهمْ بجمعكَ ما أشَتُّوا ... من العليا وحفظكَ ما أضاعُوا
ففعلكَ إن سُئلتَ لنا مطيعٌ ... وقولكَ إنْ سألتَ لنا مطاعُ
وهبتَ لنا العنايَةَ بعدَما قدْ ... نَرَاها عندَ أقوامٍ تُباعُ
مكارم منكَ إن دلفت إلينا ... صروفُ الدَّهر فهي لنا قِلاعُ
خلالُ النُّبلِ في أهلِ المعالي ... مفرَّقةٌ وأنتَ لها جَماعُ
دنوتَ تواضعاً وبعُدتَ قدراً ... فشأناكَ انحدارٌ وارتفاعُ
كذاكَ الشَّمْسُ تبعُدُ أن تُسامى ... ويدنو الضَّوءُ منها والشُّعاعُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لا أدَّعي لأبي العلاءِ فضيلةً ... حتَّى يسلِّمها إليهِ عِداهُ
طمحتْ عيونُ الكاشحينَ فغضَّها ... شرفٌ بناهُ اللهُ حيثُ بناهُ
لا عذرَ للشَّجرِ الَّذي طابت لهُ ... أعراقهُ ألاّ يَطيبَ جناهُ
لا أرتضي دُنيا الشَّريفِ ودينَهُ ... حتَّى يزيّنَ دينُهُ دُنياهُ
ليسَ التفرُّد بالسِّيادةِ عندهم ... أنْ يوجدَ الضُّرَباءُ والأشباهُ
سمَّتهُ أُسرتُهُ العلاءَ وإنَّما ... قصدُوا بذلك أن يتمَّ عُلاهُ
ما الطَّرفُ ترجعُهُ بأقصَرَ من مَدى ... أُكرومةٍ طالتْ إليهِ خطاهُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنَّ الرَّعيَّةَ لم تزلْ في سيرةٍ ... عُمَريَّةٍ مذْ ساسَهَا المتوكِّلُ
اللهُ آثرَ بالخلافةِ جعفراً ... ورآهُ ناصرَهَا الَّذي لا يُخذلُ
هي أفضلُ الرُّتبِ الَّتي جُعلتْ لهُ ... دونَ البريَّةِ وما هو منها أفضلُ
ملكٌ إذا عاذَ المُسيءُ بعفوِهِ ... غفرَ الإساءَةَ قادرٌ لا يعجَلُ
وعَفَا كما سفَحَ السَّحابُ ورغدُهُ ... قصِفٌ وبارقُهُ حريقٌ مُشعلُ
لا يعدِمَنْكَ المُسلمونَ فإنَّهمْ ... في ظلِّ ملككَ أدركُوا ما أمَّلوا
حصَّنتَ بيضَتَهم وحُطتَ حريمهمْ ... وحملتَ من أعبائهمْ ما اسْتَثْقلوا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لقد قُلتُ للمُعلي إلى المجدِ طرفَهُ ... دعِ المجدَ فالفتحُ بنُ خاقانَ شاغلُهْ
رمى كلَبَ الأعداءِ عن حدِّ نجدةٍ ... بها قطعت تحتَ العجاجِ مناصلهْ
وما السَّيْفُ إلاَّ بَزُّ غادٍ لِزِينةٍ ... إذا لم يكنْ أمْضى من السَّيْفِ حاملهْ
فأفضيتُ من قربٍ إلى ذي مهابةٍ ... أُقابلُ بدرَ التِّمِّ حينَ أُقابلهْ
إلى مسرفٍ في الجودِ لو أنَّ حاتماً ... لديهِ لأمسَى حاتمٌ وهو عاذلهْ
بَدَا ليَ محمود السَّجيَّةِ شُمِّرتْ ... سرابيلُهُ عنهُ وطالتْ حمائلهْ
كما انتصبَ الرُّمحُ الرُّدينيُّ ثُقِّفتْ ... أنابيبهُ للطَّعنِ واهتزَّ عاملهْ
وكالبدرِ وافتهُ لِتِمٍّ سعودُهُ ... فتمَّ سناهُ واستقلَّتْ منازلهْ
فسلَّمتُ واعتاقتْ جَنانيَ هيبةٌ ... تُنازعُني القولَ الَّذي أنا قائلهْ
فلمَّا تأمَّلتُ الطَّلاقَةَ وانثنَى ... إليَّ ببشرٍ آنستْني مخايلهْ
صفتْ مثلَما تصفُو المُدامُ خِلالهُ ... ورقَّتْ كما رقَّ النَّسيمُ شمائلهْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ولقد سريتُ معَ الكواكبِ راكباً ... أعجازَهَا بعزيمةٍ كالكوكبِ
والليلُ في لونِ الغرابِ كأنَّهُ ... هوَ في حُلوكتِهِ وإن لم يَنعبِ
حتَّى تجلَّى الصُّبحُ عن جَنَباتِهِ ... كالماءِ يلمَعُ مِنْ خلالِ الطُّحلبِ
والعيسُ تنصُلُ من دُجاهُ كما انجلَى ... صِبغُ الخِضابِ عن القَذالِ الأشيبِ
يطلُبنَ مُجتمع العُلى مِن وائلٍ ... في ذلكَ الأصلِ الزَّكيِّ الأطيبِ
وبقيَّةَ العُربِ الَّذي شهدتْ لهُ ... أبناءُ أُدٍّ في الفخارِ ويعربِ
مَلِك لهُ في كلِّ يومِ كريهةٍ ... إقدامُ عزٍّ واعتزامُ مُجرّبِ
وتراهُ في ظُلمِ الوَغَى فتخالُه ... قمراً يشُدّ علَى الكُماةِ بكوكبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
للصَّامتيِّ أبي سعيدٍ عزمةٌ ... تُبدي لها نوبُ الزَّمَانِ خُضُوعا
متيقِّظُ العَزَماتِ أصبَحَ للعِدا ... حتفاً يبيدُ وللعُفاةِ رَبيعا
تلقاهُ يقطُرُ سيفهُ وسنانُهُ ... وبنانُ راحتِهِ ندًى ونَجيعا
متنصِّتاً لصدَى الصَّريخِ إلى الوَغَى ... ليجيبَ صوتَ الصَّارخِ المسمُوعا
للهِ درُّك يومَ بابَكَ فارساً ... بطلاً لأبوابِ الحُتوفِ قَرُوعا
لمَّا أتاكَ يقودُ جيشاً أرعناً ... يُمشى عليه كثافةٌ وجُمُوعا
وزَّعتَهمْ بينَ الأسنَّةِ والظُّبا ... حتَّى أبدتَ جموعهمْ توزيعا
في معركٍ ضنكٍ تخالُ بهِ القَنَا ... بينَ الضُّلوعِ إذا انحَنَيْنَ ضُلُوعا
ما إنْ تَنِي فيهِ الجماجمُ والطُّلى ... لظُبَا الفوارِسِ سجَّداً ورُكُوعا
لمَّا رأوْكَ تبدَّدتْ آراؤهمْ ... وَغَدا مُصارعُ مجدهمْ مصرُوعا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أسقَى محلّتكَ الغمامُ ولا يزلْ ... روضٌ بها خضِلٌ ونَوْرٌ جاسِدُ
ولقدْ عهدتُ العيشَ في أفيائها ... فَينانَ يحمَدُ مُجتناهُ الرَّائدُ
هل يشكرُ الحسَنَ بنَ مخلَدٍ الَّذي ... أولاهُ محمودُ الثَّناءِ الخالِدِ
بلغتْ يداهُ إلى الَّتي لم أحتسبْ ... وثَنى لأُخرى فهو بادٍ عائدُ
هو واحدٌ في المكرماتِ وإنَّما ... يكفيكَ عاديَةَ الزَّمَانِ الواحدُ
غنيتْ بسؤددِهِ مَزاربُ فارسٍ ... هذا لهُ عمٌّ وهذا والدُ
وزَرُ الخلافةِ حينَ يُعضلُ حادثٌ ... وشهابُها في المُظلماتِ الواقدُ
المَذهَبُ الأَمَمُ الَّذي عُرفتْ لهُ ... فيهِ الفضيلَةُ والطَّريقُ القاصدُ
وليَ الأُمورَ بنفسِهِ ومحلُّها ... متقاربٌ ومرامُها مُتباعدُ
إنْ غارَ فهوَ منَ النَّباهةِ مُنجدٌ ... أو غابَ فهوَ منَ المهابةِ شاهدُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وَهَب ابنُ وَهْب وفرَهُ حتَّى لقد ... أوْفى على شرقِ الثَّناءِ وغربِهِ
وإذا استهلَّ أبو عليٍّ للنَّدى ... جاءَ الغمامُ المُستهلُّ بسكبِهِ
وإذا احْتَبَى في عقدةٍ من حلمِهِ ... يوماً رأيتَ مُتالعاً في هضبِهِ
وإذا تألَّقَ في النَّديِّ كلامَهُ ال ... مصقولُ خِلتَ لسانَهُ في عضْبِهِ
وإذا دجتْ أقلامُهُ ثمَّ انتحتْ ... بَرَقتْ مصابيحُ الدُّجى في كتبهِ
باللَّفظِ يقرُبُ فهمُهُ في بعدِهِ ... منَّا ويبعدُ نيلهُ في قربهِ
حِكَمٌ فَسَائحُها خلالَ بنانِهِ ... متدفِّقٌ وقليبُها في قلبِهِ
كالرَّوضِ مُؤتلِقاً بحمرةِ نَوْرِهِ ... وبياضِ زهرتِهِ وخضرةِ عُشبِهِ
وكأنَّها والسّمعُ معقودٌ بها ... شخصُ الحبيبِ بَدَا لعينِ محبّهِ
كاثرتُهُ فإذا المروءَةُ عندَهُ ... تُعدي المُفاوِضَ من أقاصي صحبِهِ
ووجدتُ في نفسي مخايلَ سؤددٍ ... إذْ كنت يوماً واحداً من شَربِهِ
فصبغتُ أخلاقي برونقِ خُلقِهِ ... حتَّى عدلتُ أُجاجهنَّ بعذبِهِ
كم آمرٍ ألاّ تجودَ وعاتبٍ ... في أنْ تجودَ أبتّه في عَتبِهِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
اللهُ مكَّنَ للخليفةِ جعفرٍ ... ملْكاً يحسِّنُهُ الخليفَةُ جعفرُ
عمَّتْ فواضلكَ البريَّةَ فالتقَى ... فيها المقلُّ على الغِنَى والمكثرُ
بالبرِّ صُمتَ وأنتَ أفضَلُ صائمٍ ... وبسنَّةِ اللهِ الرَّضيَّةِ تفطرُ
فانعمْ بيومِ الفطرِ عيناً إنَّه ... يومٌ أغرُّ منَ الزَّمَانِ مشهَّرُ
أظهرتَ عزَّ الملكِ فيه بجحفلٍ ... لجِبٍ يحاطُ الدِّينُ فيهِ وينصَرُ
خِلنا الجبالَ تسيرُ فيهِ وقد غدتْ ... عدداً يسيرُ بها العديدُ الأكثَرُ
فالخيلُ تصهَلُ والفوارسُ تدَّعي ... والبِيضُ تلمَعُ والأسنَّةُ تزهَرُ
والأرضُ خاشعةٌ تميلُ بثقلِها ... والجوُّ معتكرُ الجوانبِ أغبَرُ
حتَّى انتهيتَ إلى المُصلَّى لابساً ... ثوبَ الهُدى يبدُو عليكَ ويظهَرُ
ومشيتَ مِشيةَ خاشعٍ متواضعٍ ... للهِ لا تزْهى ولا تتكبَّرُ
فلَوَ أنَّ مُشتاقاً تكلَّفَ فوقَ ما ... في وسعِهِ لسَعَى إليكَ المنبَرُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا استصعَبَتْ مقادَةُ أمرٍ ... سهَّلتْها أيدي المَهارى القُودِ
حاملاتٍ وفدَ الثَّناءِ إلى أب ... لَج صبٍّ إلى ثناءِ الوُفُودِ
صارِم العزمِ حاضِرَ الحزمِ سارِي ال ... فِكْرِ ثبتَ المقامِ صلْبَ العودِ
وجَّهَ الحقَّ بينَ أخذٍ وإعطا ... ءٍ وقصدٍ في الجمعِ والتَّبديدِ
واستوى النَّاسُ فالقريبُ قريبٌ ... عندَهُ والبعيدُ غيرُ بعيدِ
لا يميلُ الهَوَى بهِ حينَ يُمضي ال ... أمرَ بين المُقليِّ والمودودِ
يا بنَ عبد المَليك ملَّكك الحمْ ... دَ وقوفٌ بين النَّدَى والجودِ
ما فقدْنا الإعدامَ حتَّى مددْنا ... أمَلاً نحوَ سَيبكَ الممدودِ
سؤددٌ يُصطفى ونيلٌ يُرجَّى ... وثناءٌ يَحيى ومالٌ يُودي
لتَفَنَّنتْ في الكتابةِ حتَّى ... عطَّلَ النَّاسُ فنَّ عبدِ الحميدِ
في نظامٍ من البلاغةِ ما شكَّ ... امرؤٌ أنَّهُ نِظامُ فريدِ
مشرقٌ في جوانبِ السَّمعِ ما يُخْ ... لِقُهُ عَوْدهُ علَى المُستعيدِ
ومعانٍ لو فصَّلتها القوافي ... هجَّنتْ شعرَ جَرْوَلٍ ولبيدِ
حُزنَ مُستعملَ الكلام اختياراً ... وتجنَّبنَ ظُلمةَ التَّعقيدِ
وركبْنَ اللَّفظَ القريبَ فأدركْ ... نَ بهِ غايةَ المُرادِ البعيدِ
قد تلقَّيتَ كلَّ يومٍ جديدٍ ... يا أبا جعفرٍ بمجدٍ جديدِ
وأَرَى الخلقَ مُجمعينَ علَى فَضْ ... لِكَ مِنْ بينِ سيِّدٍ ومَسودِ
عرفَ العالمونَ فضلكَ بالعلْ ... مِ وقالَ الجُهَّال بالتَّقليدِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
بَني أحوذيٍّ يغمُرُ السَّيْفَ مُوفياً ... ببسطتِهِ والسَّيْفُ وافي الحمائِلِ
تضيقُ الدُّروعِ التُّبَّعياتُ منهُمُ ... على كلِّ رحبِ الباعِ سبطِ الأناملِ
عراعرُ قومٍ يسكُنُ الثَّغرُ إنْ مَشَوا ... على أرضهِ والثَّغرُ جمُّ الزَّلازِلِ
فكم فيهُمُ من مُنعمٍ مُتطوِّلٍ ... بآلائِهِ أو مُشرفٍ متطاوِلِ
إذا سُئلوا جاءتْ سيوبُ أكفّهمْ ... نظائرَ جمَّاتِ التِّلاعِ السَّوائِلِ
خَليقونَ سَرْواً أنْ تُلينَ أكفُّهمْ ... عرائكَ أحداثِ الزَّمَانِ الجلائِلِ
وما زالَ لحظُ الرَّاغبينَ معلَّقاً ... إلى قمرٍ منهمْ رفيعِ المنازِلِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
قلْ للخلفةِ جعفرِ ال ... متوكّلِ بنِ المعتصِمْ
المُرتَضَى بن المُجتَبَى ... والمُنعمِ بنِ المنتقِمْ
أمَّا الرَّعيَّةُ فهي مِنْ ... أَمَناتِ عدلكَ في حَرَمْ
نعمٌ عَلَيْنا في بَقَا ... ئكَ فلتُتِمّ لنا النِّعمْ
ملكٌ غَدَا وجبينُهُ ... شمسُ الضُّحَى بدرُ الظُّلَمْ
لقد اصطَفَى ربُّ السَّما ... ءِ لهُ الخَلائق والشِّيَمْ
يا بانيَ المجدِ الَّذي ... قد كانَ قُوِّضَ فانهَدَمْ
نِلنا الهُدى بعدَ العَمى ... بكَ والغِنَى بعدَ العَدَمْ
فاسلمْ لدينِ محمَّدٍ ... فإذا سلمتَ فقدْ سَلِمْ
وقال عليّ بن العبَّاس الرُّوميّ من قصيدةٍ:
قالوا أبو الصَّقرِ من شَيبانَ قلتُ لهمْ ... كلاَّ لَعَمْرِي ولكنْ منهُ شَيبانُ
وكمْ أبٍ قد عَلا بابنِ ذُرَا شرفٍ ... كما عَلا برسولِ الله عدنانُ
تسمُو الرِّجالُ بآباءٍ وآونةً ... تسمُو الرِّجالُ بأبناءٍ وتزدانُ
ولم أُقصِّرْ بشيبانَ الَّتي بلغتْ ... بها المبالغُ أعراقٌ وأغصانُ
للهِ شيبانُ قومٌ لا يشوبهُمُ ... روعٌ إذا الرَّوعُ شابتْ منهُ وِلدانُ
قومٌ سماحتَهُم غيثٌ ونجدَتُهم ... غوثٌ وآراؤهمْ في الخطبِ شُهبانُ
تلقاهُم ورماحُ الخطِّ حولهُمُ ... كالأُسدِ ألبَسَها الآجامَ خفَّانُ
صانوا النُّفوسَ عن الفحشاءِ وابتَذَلوا ... منهنَّ في سبلِ العلياءِ ما صانُوا
المنعمونَ وما منُّوا على أحدٍ ... يوماً بنُعمى ولو منُّوا لَمَا مانُوا
يفديهِ مَنْ فيهِ عن مقدارِ فديتِهِ ... عندَ المُفاداةِ تقصيرٌ ونُقصانُ
قومٌ كأنَّهم موتى إذا مُدحوا ... وما كُسُوا من حَبيرِ الشِّعرِ أكفانُ
صاحِي الطِّباعِ إذا ساءلتَ هاجسَهُ ... وإنْ سألتَ يديهِ فهوَ نشوانُ
يُصحيهِ ذهنٌ ويأبى صحوَهُ كرمٌ ... مُستحكمٌ فهو صاحٍ وهو سكراُنُ
فردٌ جميعٌ يراهُ كلُّ ذي بصرٍ ... كأنَّهُ النَّاسُ طرّاً وهو إنسانُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
في وجهِهِ روضةٌ للحُسنِ مُونقةٌ ... ما رادَ في مثلِها طرفٌ ولا سَرَحَا
طلُّ الحياءِ عَلَيْها ساقطٌ أبداً ... كاللّؤلؤِ الرَّطبِ لو رقرقتَهُ سَفَحا
أنا الزَّعيمُ لمكحولٍ بغرَّتِهِ ... ألاَّ يَرَى بعدَهَا بؤساً ولا تَرَحا
مهما أتى النَّاسُ من طَوْلٍ ومن كرمٍ ... فإنَّما دخَلُوا البابَ الَّذي فَتَحا
يُعطي المزاحَ ويُعطي الجدّ حقَّهما ... فالموتُ إن جدَّ والمعروفُ إن مَزَحا
وافى عُطاردَ والمِرّيخَ مولدُهُ ... فأعطَيَاهُ من الحظَّينِ ما اقْتَرَحا
إن قالَ لا قالَهَا للآمِرِيه بها ... ولم يقلْها لمنْ يَستمنحُ المِنَحَا
في كفِّه قلمٌ ناهيكَ مِن قلمٍ ... نُبلاً وناهيكَ من كفٍّ بها اتَّشحا
يمحُو ويُثبتُ أرزاقَ العبادِ بِهِ ... فما المقاديرُ إلاَّ ما مَحَا ووحَى
كأنَّما القلمُ العُلويُّ في يدِهِ ... يُجريهِ في أيِّ أنحاءِ البلادِ نَحَا
أُثني عليكَ بنُعماكَ الَّتي عظمتْ ... وقدْ وجدتُ لها في القولِ مُنْفَسَحا
أمطرْ نداكَ جَنَابي يكسُهُ زَهَراً ... أنتَ المُحيَّا بريَّاهُ إذا نَفَحا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أبا أحمدٍ أبليتَ أُمَّة أحمدٍ ... بلاءً سيرضاهُ ابنُ عمِّكَ أحمدُ
حصرتَ عميدَ الزّنجِ حتَّى تخاذلتْ ... قواهُ وأوْدى زادُهُ المتزوَّدُ
فظلَّ ولمْ تقتلهُ يلفظُ نفسَهُ ... وظلَّ ولم تأسرهُ وهو مقيَّدُ
وكانتْ نواحيهِ كِثافاً فلمْ تزلْ ... تَحَيَّفها نحتاً كأنَّكَ مِبرَدُ
تفرِّقُ عنهُ بالمكايِدِ جندَهُ ... وتزدادُهُمْ جنداً ورأيكَ مُحصدُ
ولابسُ سيف القِرنِ بعدَ استلابِهِ ... أضرُّ لهُ منْ كاسِرِيهِ وأكيَدُ
فما رمتَهُ حتَّى استقلَّ برأسِهِ ... مكانَ قناةِ الظَّهرِ أسمَرُ أجرَدُ
ولمْ تألُ إنذاراً لهُ غيرَ أنَّه ... رأى أنَّ متنَ البحرِ صرحٌ ممرَّدُ
يُقرَّظ إلاَّ أنَّ ما قيلَ دونَهُ ... ويوصَفُ إلاَّ انه لا يحدَّدُ
أرقُّ من الماءِ الَّذي في حسامِهِ ... طباعاً وأمْضى من شباهُ وأنجَدُ
لهُ سَورةٌ مُكتنَّةٌ في سَكينةٍ ... كما اكتنَّ في الغمدِ الجُرازُ المهنَّدُ
كأنَّ أباهُ حينَ سمَّاهُ صاعداً ... رأى كيفَ يرقَى للمَعَالي ويصعَدُ
تراهُ عن الحربِ العَوَانِ بمعزلٍ ... وآثارهُ فيها وإنْ غابَ شُهَّدُ
كما احتجَبَ المقدرُ والحكمُ حكمُهُ ... على الخلقِ طرّاً ليسَ عنهُ معرَّدُ
فتًى روحُهُ ضوءٌ بسيطٌ كيانُهُ ... ومسكَنُ تلكَ الرُّوحِ عنهُ مجسَّدُ
أَرَى مَن تَعَاطى ما بلغتُم كرائمٍ ... مَنَالَ الثُّريَّا وهو أكمَهُ مقعَدُ
كرمتُمْ فجاشَ المُعجمونَ بمدحكمْ ... إذا رجَزُوا فيكمْ أنلتُمْ فقصَّدوا
كما أزهرتْ جنَّاتُ عدنٍ وأثمرتْ ... فأضحتْ وعجمُ الطَّيرِ فيها تغرِّدُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
تغنَوْنَ عن كلِّ تقريظٍ بسرْوِكُمُ ... غنى الظِّباء عن التَّكحيلِ بالكحلِ
تلوحُ في دولِ الأيَّامِ دولتكمْ ... كأنَّها ملَّةُ الإسلامِ في المللِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
مقبَّلُ ظهرِ الكفِّ وهَّابُ بطنِها ... لهُ راحةٌ فيها الحطيمُ وزمزمُ
فظاهرُها للنَّاسِ ركنٌ مقبَّلٌ ... وباطنُها عينٌ من الجودِ عيلَمُ
وقال من أُخرى:
لهُ مواعيدُ بالخيراتِ بادرةٌ ... لكنَّها تسبقُ الميعادَ بالصَّفدِ
يُعطيكَ في اليومِ حقَّ اليوم مبتدئاً ... ولا يضيِّعُ بعدَ اليومِ حقَّ غدِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
كلُّ الخصالِ الَّتي فيكمْ محاسِنكم ... تشابهتْ منكُم الأخلاقُ والخِلَقُ
كأنَّكم شجرُ الأُتْرُجّ طابَ معاً ... حملاً ونَوْراً وطابَ العودُ والوَرَقُ
وقال أبو الطَّيِّب أحمد بن الحسين المتنبِّي من قصيدةٍ:
لكلِّ امرئٍ من دهرِهِ ما تعوَّدا ... وعادَةُ سيفِ الدَّولةِ الطَّعنُ في العِدا
وأن يكذبَ الإرجافَ عنهُ بضدِّه ... ويُمسي بما تنوي أعاديهِ أسعَدَا
ورُبَّ مُريدٍ ضرَّهُ ضرَّ نفسِهِ ... وهادٍ إليهِ الجيشَ أهْدى وما هَدَى
ومُستكبرٍ لم يعرِف اللهَ ساعةً ... رأى سيفَهُ في كفِّهِ فتشهَّدا
هوَ البحرُ غُصْ فيه إذا كانَ ساكناً ... على الدُّرِّ واحْذرهُ إذا كانَ مُزبدا
فإنِّي رأيتُ الدَّهْرَ يعثُرُ بالفَتَى ... وهذا الَّذي يأتي الفَتَى متعمّدا
تظلُّ ملوكُ الأرضِ خاشعةً لهُ ... تُفارقُهُ هَلْكى وتلقاهُ سُجَّدا
ذكيٌّ تَظَنِّيه طليعَةُ عينهِ ... يرى قلبهُ في يومِهِ ما تَرَى غَدَا
وَصولٌ إلى المُستصعباتِ بخيلِهِ ... فلو كانَ قرنُ الشَّمْسِ ماءً لأوْرَدَا
فواعجباً من دائلٍ أنتَ سيفُهُ ... أما يتوقَّى شفرَتَيْ ما تقلَّدا
ومَن يَجعل الضِّرغامَ في الصَّيدِ بازَه ... تصيَّدهُ الضِّرغامُ فيما تصيَّدا
رأيتكَ محضَ الحِلمِ في محضِ قدرةٍ ... ولو شئتَ كانَ الحلمُ منكَ المهنَّدا
وما قتلَ الأحْرار كالعفوِ عنهمُ ... ومَن لكَ بالحُرِّ الَّذي يحفظُ اليَدَا
إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ ... وإنْ أنتَ أكرمتَ اللَّئيمَ تمرَّدا
ووضعُ النَّدَى في موضعِ السَّيْفِ بالعُلا ... مضرٌّ كوضعِ السَّيْفِ في موضعِ النَّدَى
ولكنْ تفوقُ النَّاسَ رأياً وحكمةً ... كما فُقتهمْ حالاً ونفْساً ومحتِدا
وما الدَّهْرُ إلاَّ من رُواةِ قلائِدِي ... إذا قلتُ شِعراً أصبَحَ الدَّهْرُ مُنشِدا
فسارَ بهِ مَن لا يسيرُ مشمِّراً ... وغنَّى بهِ مَن لا يغنِّي مغرِّدا
أجْزِني إذا أُنشدت مَدْحاً فإنَّما ... بشِعري أتاكَ المادحونَ مردّدا
ودعْ كلَّ صوتٍ بعدَ صوتي فإنَّني ... أنا الصَّائحُ المحكيُّ والآخرُ الصَّدى
تركتُ السُّرى خلفِي لمنْ قلَّ مالُهُ ... وأنعلتُ أفراسي بنُعماكَ عسجَدَا
وقيَّدتُ نفسي في ذراكَ محبَّةً ... ومن وجَدَ الإحسانَ قيداً تقيَّدا
إذا سألَ الإنسانُ أيَّامَهُ الغِنَى ... وكنتَ على بعدٍ جعلنَكَ موعِدا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
كلُّ السُّيوفِ إذا طالَ الضِّرابُ بها ... يمسها غير سيفِ الدَّولةِ السَّأمُ
لو كلَّتِ الخيلُ حتَّى لا تحمَّلُهُ ... تحمَّلتهُ إلى أعدائهِ الهممُ
أين البطارِقُ والحلفُ إليَّ حَلَفوا ... بمفرِقِ الملكِ والزَّعمُ إليَّ زَعَموا
ولَّى صوارمَهُ إكذابَ قولهُمُ ... فهنَّ ألسنةٌ أفواهُها القممُ
نواطقٌ مخبراتٌ في جماجِمِهمْ ... عنهُ بما جهلُوا منهُ ما علِموا
وفي أكفّهمُ النارُ الَّتي عُبدت ... قبلَ المجوسِ إلى ذا اليومِ تضطرمُ
هِنديَّةٌ إنْ تصغّرْ أمّةً صَغُروا ... بحدِّها أو تعظَّمْ معشراً أعظَمُوا
قاسمتَهَا تَلّ بطريقٍ فكانَ لها ... أبطالها ولكَ الأطفالُ والحرَمُ
وقد تمنَّوْا غداةَ الدَّربِ في لَجَبٍ ... أن يُبصروكَ فلمَّا أبصرُوكَ عَمُوا
صدمتَهُمْ بخميسٍ أنتَ غرَّتُهُ ... وسمهريَّتُهُ في وجهِهِ غمَمُ
فكانَ أثبَتَ ما فيهمْ جسومهُمُ ... يسقطْنَ حولَكَ والأرواحُ تنهزِمُ
وأسلَمَ ابنُ شمُشقِيقٍ أليَّتُهُ ... إلاَّ انثنَى فهو ينأَى وهي تبتسمُ
لا يأمُلُ النَّفسَ الأقصَى لمهجتِهِ ... فيسرقُ النَّفسَ الأدْنى ويغتنمُ
تردُّ عنهُ قَنَا الفرسان سابغةٌ ... صوبُ الأسنَّةِ في أثنائها ديَمُ
ألقتْ إليكَ دماءُ الرُّومِ طاعتَهَا ... فلوْ دعوتَ بلا ضربٍ أجابَ دَمُ
يسابقُ القتلُ فيهم كلّ حادثةٍ ... فما يُصيبُهُم موتٌ ولا هرَمُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وقدْ طرقتُ فتاةَ الحيّ مُرتدياً ... بصاحبٍ غيرِ عِزْهاةٍ ولا غزِلِ
لا أكسبُ الذِّكرَ إلاَّ من مضاربِهِ ... أو من سنانٍ أصمِّ الكَعْب معتدِلِ
جادَ الأميرُ به لِي في مواهبِهِ ... فزانَهَا وكَسَاني الدِّرعَ في الحللِ
ومن عليّ بنِ عبدِ اللهِ معرفَتِي ... بحملهِ من كعبدِ اللهِ أو كَعَلي
مُعطي الكواعِبِ والجردِ السَّلاهِبِ وال ... بِيضِ القواضبِ والعسَّالةِ الذُّبلِ
ضاقَ الزَّمَانُ ووجهُ الأرضِ عن ملكٍ ... ملءِ الزَّمَانِ وملءِ السَّهل والجبلِ
فنحنُ في جذلٍ والرُّومُ في وجلٍ ... والبَرُّ في شُغُلٍ والبحر في خَجَلِ
مِن تغلبَ الغالبينَ النَّاسَ منصبهُ ... ومن عديٍّ أعادي الجُبنِ والبخلِ
والمدحُ لابنِ الهيجاءِ تُنجدُهُ ... بالجاهليَّةِ عينُ الغيِّ والخَطَلِ
ليتَ المدائحَ تستوفي مناقبَهُ ... فمنْ كليب وأهلُ الأعصُرِ الأُولِ
خذْ ما تراهُ ودعْ شيئاً سمعتَ بهِ ... في طلعةِ الشَّمْسِ ما يُغنيكَ عن زحلِ
وقد وجدتَ مكانَ القولِ ذا سعةٍ ... فإنْ وجدتَ لساناً قائلاً فقُلِ
تُمسي الأمانيُّ صرعَى دونَ مبلغِهِ ... فما يقولُ لشيءٍ ليتَ ذلكَ لي
انظُرْ إذا اجتمعَ السَّيفانِ في رَهَجٍ ... إلى اختلافِهِما في الخلقِ والعملِ
هذا المعدُّ لريبِ الدَّهْرِ مُنصلتاً ... أعدَّ هذا لرأسِ الفارِسِ البطلِ
فالعُربُ منهُ مع الكُدريّ طائرةٌ ... والرُّومُ طائرةٌ منهُ معَ الحجلِ
وما الفرارُ إلى الأجبالِ من أسَدٍ ... تمشي النَّعامُ بِهِ في مَعقلِ الوعِلِ
جازَ الدُّروبَ إلى ما خلفَ خرشنةٍ ... فزالَ عنها وذاك الرَّوعُ لم يزُلِ
فكلَّما حلمتْ عذراءُ عندهُمُ ... فإنَّما حلَمَتْ بالسَّبيِ والجَمَلِ
إنْ كنتَ ترضَى بأنْ يُعطوا الجِزَى بَذَلوا ... منها رضاكَ ومَن للعُورِ بالحولِ
لعلَّ عتبكَ محمودٌ عواقبُهُ ... فربَّما صحَّتِ الأجسامُ بالعللِ
وما سمعتُ ولا غيرِي بمقتدرٍ ... أذَبَّ منكَ لزُورِ القولِ عن رجُلِ
لأنَّ حلمَكَ حلمٌ لا تَكَلَّفهُ ... ليسَ التَّكحُّلُ في العينينِ كالكَحَلِ
وما ثناكَ كلامُ النَّاسِ عن كرمٍ ... ومَن يسدُّ طريقَ العارضِ الهطلِ
أنتَ الجوادُ بلا منٍّ ولا كذبٍ ... ولا مِطالٍ ولا وعْدٍ ولا مَذَلِ
أنتَ الشُّجاعُ إذا ما لمْ يَطَأ فرسٌ ... غيرَ السَّنَوَّرِ والأشلاءِ والقللِ
وردَّ بعضُ القنا بعضاً مقارَعَة ... كأنَّهُ من نفوسِ القومِ في جدلِ
لا زلتَ تضربُ مَن عاداكَ عَن عُرُضٍ ... بعاجِلِ النَّصر في مستأخِرِ الأجلِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وما قَبلَ سيفِ الدَّولةِ أثَّارَ عاشقٌ ... ولا طُلبتْ عندَ الظَّلامِ ذُحولُ
ولكنَّهُ يأتي بكلِّ غريبةٍ ... تروقُ على استغرابِها وتَهُولُ
رَمَى الدَّربَ بالجُردِ العتاقِ إلى العَدا ... وما علمُوا أنَّ السِّهامَ خُيولُ
شوائِل تشْوالَ العقارِبِ بالقَنَا ... لها مرحٌ من تحتِهِ وصهيلُ
وما هي إلاَّ خطرةٌ عرضتْ لهُ ... بحرَّانَ لبَّتْها قناً ونصولُ
هُمَامٌ إذا ما همَّ أمضَى همومَهُ ... بأرعَنَ وطْءُ الموتِ فيهِ ثقيلُ
خيلٍ بَراها الرَّكضُ في كلِّ بلدةٍ ... إذا عرَّستْ فيها فليسَ تَقيلُ
سَحَائب يُمطرنَ الحديدَ عليهُمُ ... فكلُّ مكانٍ بالسُّيوفِ غسيلُ
تُسايرها النِّيرانُ في كلِّ مسلكٍ ... به القومُ صرْعى والدِّيارُ طلولُ
ورُعنَ بنا قلبَ الفراتِ كأنَّما ... تخرُّ عليه بالرِّجالِ سيولُ
يطايرُ فيهِ موجَهُ كلُّ سابحٍ ... سواءٌ عليهِ غمرةٌ ومسيلُ
تراهُ كأنَّ الماءَ مرَّ بجسمِهِ ... وأقبَلَ رأسٌ وحدَهُ وتَليلُ
فأورَدَهمْ صدرَ الحصانِ وسيفَهُ ... فتًى بأسُهُ مثلُ العطاءِ جزيلُ
جوادٌ على العلاَّتِ بالمالِ كلِّهِ ... ولكنَّهُ بالدَّارعينَ بخيلُ
أنا السَّابقُ الهادي إلى ما أقولُهُ ... إذا القولُ قبلَ القائلينَ مَقولُ
أُعادَى على ما يوجبُ الحُبَّ للفَتَى ... وأهدأُ والأفكارُ فيَّ تجولُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ولمْ أرَ كالألحاظِ يومَ رحيلهمْ ... بَعَثْنَ بكلِّ القتلِ من كلِّ مشفِقِ
أَدرنَ عيوناً حائراتٍ كأنَّها ... مركَّبةٌ أحداقُها فوقَ زِئبقِ
نودِّعُهُمْ والبينُ فينا كأنَّهُ ... قَنَا ابنِ أبي الهيجاءِ في قلبِ فيلقِ
وقال بعد صف الرِّماح ممَّا ثبت في باب الأوصاف:
ضروبٌ بأطرافِ السُّيوفِ بنانُهُ ... لعوبٌ بأطرافِ الكلامِ المشقَّقِ
كسائلِهِ مَن يسأل الغيثَ قطرةً ... كعاذلِهِ من قالَ للفلكِ ارفُقِ
لقد جُدتَ حتَّى جُدتَ في كلِّ ملَّةٍ ... وحتَّى أتاكَ الحمدُ في كلِّ منطقِ
رأى ملكُ الرُّومِ ارْتِياحكَ للنَّدى ... فقامَ مقامَ المجتدي المتملِّقِ
وخلَّى الرِّماحَ السَّمهريَّةَ صاغراً ... لأدرَبَ منهُ بالطِّعانِ وأحذقِ
وكاتَبَ من أرضٍ بعيدٍ مرامُها ... قريبٍ على خيلٍ حواليكَ سبَّقِ
وقدْ سارَ في مسراكَ منها رسولهُ ... فما سارَ إلاَّ فوقَ هامٍ مفلَّقِ
فلمَّا دَنَا أخْفى عليهِ مكانَهُ ... شعاعُ الحديدِ البارقِ المتألّقِ
وأقبَلَ يمشي في البساطِ فما دَرَى ... إلى البحرِ يمشي أمْ إلى البدرِ يرتقي
ولمْ يثنكَ الأعداءُ عن مُهجاتِهمْ ... بمثلِ خضوعٍ في كلامٍ منمَّقِ
فيا أيُّها المطلوبُ جاوِرهُ تمتنعْ ... ويا أيُّها المحرومُ يمِّمهُ تُرزقِ
ويا أجبنَ الفرسانِ صاحبْهُ تجترئ ... ويا أشجعَ الشُّجعانِ فارقهُ تفرَقِ
إذا سعتِ الأعداءُ في كيدِ مجدِهِ ... سعَى جدُّهُ في مجدِهِ سعيَ مُحنقِ
وما يَنصرُ الفضلُ المبينُ على العِدا ... إذا لم يكنْ فضل السَّعيدِ الموفَّقِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أَرَى كلَّ ذي مُلكٍ إليكَ مصيرُهُ ... كأنَّك بحرٌ والملوكُ جداولُ
إذا مطرتْ منهمْ ومنكَ سحائبٌ ... فوابلهمْ طلٌّ وطلُّكَ وابلُ
كريمٌ مَتَى استوهبتَ ما أنتَ راكبٌ ... وقد لقحتْ حربٌ فإنَّكَ نازلُ
وقد زعَمُوا أنَّ النُّجومَ خوالدٌ ... ولوْ حارَبَتهُ ناحَ فيها الثَّواكلُ
وما كانَ أدناها له لوْ أرادَهَا ... وألطفَهَا لَو أنَّهُ المُتناولُ
قريبٌ عليهِ كلُّ ناءٍ على الوَرَى ... إذا لثَّمتهُ بالغبارِ القنابلُ
يُذبّرُ شرقَ الأرضِ والغربَ كفُّهُ ... وليسَ لها وقتٌ عن الجودِ شاغلُ
يتبعُ هُرَّابَ الرِّجالِ مرادُهُ ... فمنْ فرَّ حرباً عارضتهُ الغوائلُ
ومنْ فرَّ من إحسانِهِ حسداً لهُ ... تلقَّاهُ منهُ حيثُما سارَ نائلُ
إذا العَرَبُ العرباءُ رازَتْ نفوسَهَا ... فأنتَ فَتَاها والمليكُ الحُلاحلُ
أطاعتكَ في أرواحِها وتصرَّفتْ ... بأمركَ والتفَّتْ عليكَ القبائلُ
وكلُّ أَنابيب القَنَا مَدَدٌ لهُ ... وما تنكُتُ الفرسانَ إلاَّ العواملُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
فؤادٌ ما تسلِّيهِ المُدامُ ... وعمْرٌ مثلُ ما تهبُ اللِّئامُ
ودهرٌ ناسُهُ ناسٌ صغارٌ ... وإنْ كانت لهمْ جثثٌ ضخامُ
وما أنا منهمُ بالعيشِ فيهمْ ... ولكنْ معدنُ الذَّهبِ الرُّغامُ
أرانبُ غيرَ أنَّهمُ ملوكٌ ... مفتَّحةٌ عيونُهُم نيامُ
بأجسامٍ يحرُّ القتلُ فيها ... وما أقرانُها إلاَّ الطَّعامُ
وخيلٍ ما يخرُّ لها طعينٌ ... كأنَّ قَنَا فوارِسِها ثُمامُ
خليلكَ أنتَ لا مَن قلتَ خلِّي ... وإنْ كثرَ التَّجمُّلُ والكلامُ
ولو حِيزَ الحِفاظُ بغير عقلٍ ... تجنَّبَ عنقَ صيقلِهِ الحسامُ
وشبهُ الشَّيءِ منجذبٌ إليهِ ... وأشبهُنا بدُنيانا الطّغامُ
ولو لمْ يعلُ إلاَّ ذو مَحَلٍّ ... تعالى الجيشُ وانحطَّ القَتَامُ
ولو لمْ يرعَ إلاَّ مستحقٌّ ... لرتبتِهِ أسامهُمُ المُسامُ
ومَن خَبرَ الغواني فالغواني ... ضياءٌ في بواطبهِ ظَلامُ
سقى اللهُ ابنَ مُنجبةٍ سَقَاني ... بدرٍّ ما لراضعِهِ فطامُ
ومَن إحدى فوائدِهِ العَطَايا ... ومَنْ إحدى عَطَاياهُ الدَّوامُ
فقد خفيَ الزَّمَانُ بهِ عَلَيْنا ... كسِلكِ الدُّرِّ يخفيهِ النِّظامُ
تلذُّ لهُ المروّةُ وهي تُؤذي ... ومَن يعشقْ يلذُّ لهُ الغرامُ
تعلَّقها هوَى قيسٍ لليلَى ... وواصَلَها فليسَ بهِ سقامُ
يَروعُ ركانةً ويذوبُ ظرْفاً ... فما ندري أشيخٌ أمْ غلامُ
وتملكُهُ المسائلُ في نداهُ ... وأمَّا في الجدالِ فما يرامُ
أقامتْ في الرِّقابِ لهُ أيادٍ ... هي الأطواقُ والنَّاسُ الحَمامُ
إذا عُدَّ الكرامُ فتلكَ عِجلٌ ... كما الأنواءُ حين تعدُّ عامُ
فلو يمَّمتهمْ في الحشرِ تجدُو ... لأعطَوْكَ الَّذي صلّوا وصامُوا
نصرّعهم بأعيُننا حياءً ... وتنبُو عن وجوههمُ السِّهامُ
لقدْ حسُنتْ بكَ الأوقاتُ حتَّى ... كأنَّكَ في فمِ الدَّهْرِ ابتسامُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ ثبت صدرها في باب الفخر:
ولمَّا قلَّت الإبلُ امْتَطَينا ... إلى ابنِ أبي سليمانَ الخُطوبا
مطايا لا تذلُّ لمنْ عَلَيْها ... ولا يبغي لها أحدٌ ركوبا
إلى ذي شيمةٍ شعفت فؤادي ... فلولاهُ لقلت بها النسيبا
عجيبٌ في الزَّمَانِ وما عجيبٌ ... أتى من آلِ سيَّارٍ عجيبا
وشيخٌ في الشَّبابِ وليسَ شيخاً ... يسمَّى كلُّ مَن بلَغَ المَشيبا
قَسَا فالأُسدُ تفزَعُ من يديهِ ... ورقَّ فنحنُ نفزَعُ أن يَذُوبا
أشدُّ من الرِّياحِ الهوج بطشاً ... وأسرَعُ في النَّدَى منها هُبُوبا
وقالُوا ذاكَ أرْمى مَن رأيْنا ... فقلتُ رأيتُمُ الغَرض القريبا
وهلْ يُخطي بأسهمِهِ الرَّمايا ... وما يُخطي بما ظنَّ الغُيوبا
إذا نُكبتْ كِنانَتُه استَبَنَّا ... بأنصُلها لأنصُلها نُدُوبا
يصيبُ ببعضِها أفواقَ بعضٍ ... فلولا الكسرُ لاتَّصلتْ قضيبا
ألستَ ابنَ الأُلى سَعِدوا وسادُوا ... ولم يلدُوا امْرَأ إلاَّ نَجيبا
وما ريحُ الرِّياضِ لها ولكنْ ... كَسَاها دفنُهُمْ في التُّربِ طِيبا
وقال أيضاً من قصيدةٍ ثبت أوَّلها في باب الفخر:
خفَّ الزَّمَانُ على أطرافِ أنملِهِ ... حتَّى توهَّمنَ للأزمانِ أزمانا
يلقَى الوَغَى والقَنَا والنَّازلاتِ بهِ ... والضَّيفَ والسَّيْفَ رحبَ الباعِ جذْلانا
تخالهُ من ذكاءِ القلبِ مُحتمياً ... ومن تكرُّمِهِ والبشْر نشوانَا
وتسحَبُ الحِبَر القَيْناتُ رافلةً ... في جودِهِ وتجرُّ الخيلُ أرسانَا
يعطي المبشّر بالقُصَّادِ قبلهُمُ ... كمنْ يبشّرُهُ بالماءِ عطشانَا
جزتْ بني الحَسَنِ الحُسنى فإنَّهُمُ ... في قومهم مثلُهُم في الغرِّ عدنانَا
ما شيَّدَ اللهُ من مجدٍ لسالفهمْ ... إلاَّ ونحنُ نراهُ فيهمُ الآنا
إنْ كُوتبوا أو لُقُوا أو حُوربوا وُجدوا ... في الخطِّ واللَّفظِ والهيجاءِ فُرسانَا
كأنَّ ألسنهمْ في النُّطقِ قد جُعلتْ ... على رماحهمُ في الطَّعنِ خُرصانَا
كأنَّهم يرِدُونَ الموتَ من ظمأ ... أو ينشُقون منَ الخطِّيِّ رَيْحانَا
الواضحين أبُوَّاتٍ وأجبنةً ... ووالداتٍ وألباباً وأذهانَا
يا صائدَ الجحفَلِ المرهوبِ صوْلَتُه ... إنَّ اللّيوثَ تصيدُ النَّاسَ أُحدانَا
وواهباً كلّ وقتٍ وقتُ نائلِهِ ... وإنَّما يهبُ الوهَّابُ أحيانَا
أنتَ الَّذي سبَكَ الأموالَ مكرمةً ... ثمَّ اتَّخذتَ لها السُّؤَّالَ خُزَّانَا
لا أستزيدكَ فيما فيكَ من كرمٍ ... أنا الَّذي نامَ إنْ نبَّهتُ يقظانَا
قد شرَّفَ اللهُ أرضاً أنتَ سكنُها ... وشرَّفَ النَّاسَ إذْ سوَّاكَ إنسانَا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
بيني وبينَ أبي عليٍّ مثلُهُ ... شمُّ الجبالِ ومثلهنَّ رجاءُ
وعقابُ لُبنانٍ وكيفَ بقطعِها ... وهو الشِّتاءُ وصيفهنَّ شتاءُ
لبسَ الثُّلوجَ بها عليَّ مَسَالكي ... فكأنَّها ببياضِها سوداءُ
وكذا الكريمُ إذا أقامَ ببلدةٍ ... سالَ النُّضارُ بها وأقامَ الماءُ
في كلِّ يومٍ للقوافي جولةٌ ... في قلبِهِ ولأُذنهِ إصغاءُ
وإغارةٌ فيما احتواهُ كأنَّما ... في كلِّ بيتٍ فيلقٌ شهباءُ
مَن يظلمُ اللُّؤماءَ في تكليفهمْ ... أنْ يُصبحوا وهُم لَهُ أكفاءُ
ونَذيمُهم وبهمْ عرفْنا فضلَهُ ... وبضدّها تتبيَّنُ الأشياءُ
مَن نفعهُ في أنْ يُهاجَ وضرُّهُ ... في تركِهِ لو تفطَنُ الأعداءُ
فالسِّلمُ يكسرُ مِن جناحَيْ مالِهِ ... بنوالِهِ ما تجبرُ الهيجاءُ
متفرِّقُ الطَّعمينِ مُجتمعُ القُوى ... فكأنَّهُ السَّرَّاءُ والضرَّاءُ
فإذا سُئلتَ فلا لأنَّك مُحوجٌ ... وإذا كُتمتَ وشتْ بكَ الآلاءُ
وإذا مُدحتَ فلا لتكسبَ رفعةً ... للشَّاكرين على الإلهِ ثناءُ
وإذا مُطرتَ فلا لأنَّكَ مُجدبٌ ... يُسقى الخصيبُ وتمطَرُ الدَّأْماءُ
ولكَ الزَّمانُ منَ الزَّمَانِ وقايةٌ ... ولكَ الحِمامُ من الحِمامِ فداءُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وأَمَقَّ لو خدتِ الشّمالُ براكبٍ ... في عَرضهِ لأناخَ وهو طَليحُ
نازعتُهُ قُلُصَ الرِّكابِ ورَكبُها ... خوفَ الهلاكِ حداهُمُ التَّسبيحُ
لولا الأميرُ مُساورُ بنُ محمَّدٍ ... ما جُشِّمتْ خطراً ورُدَّ نصيحُ
ومَتَى وَنَتْ وأبُو المظفَّرِ أمُّها ... فأتاحَ لي ولَهَا الحِمامَ مُتيحُ
مرجوُّ منفعةٍ مَخوفُ أذيَّةٍ ... مغبوقُ كأسِ محامدٍ مَصبوحُ
حنقٌ على بدرِ اللُّجينِ وما أتتْ ... بإساءةٍ وعن المُسيءِ صَفوحُ
لو فرَّقَ الكرمَ المفرّقَ مالَهُ ... في النَّاسِ لم يكُ في الزَّمَانِ شحيحُ
يغْشى الطِّعانَ فلا يردُّ قناتَهُ ... مكسورةً ومن الكُماةِ صحيحُ
لو كنتَ بحراً لم يكنْ لَكَ ساحلٌ ... أو كنتَ غيثاً ضاقَ عنكَ اللّوحُ
وخَشيتُ منكَ على البلادِ وأهلِها ... ما كانَ أنذرَ قومَ نُوحٍ نوحُ
عجزٌ بحرٍّ فاقةٌ ووراءَهُ ... رزقُ الإلهِ وبابكَ المفتوحُ
وذكيُّ رائحةِ الرِّياضِ كلامُها ... تبغي الثَّناءَ على الحَيَا فتفوحُ
جهدُ المقلِّ فكيفَ بابنِ كريمةٍ ... تُوليهِ خيراً واللّسانُ فصيحُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أأرضى أنْ أعيشَ ولا أُكافي ... على ما للأميرِ منَ الأيادي
ألمْ يكُ بيننا بلدٌ بعيدٌ ... فصيَّرَ طولَهُ عرضَ النِّجادِ
فلمَّا جئتُهُ أعْلى محلِّي ... وأجلَسَني على السَّبعِ الشِّدادِ
تهلَّلَ قبلَ تسليمي عليهِ ... وألْقى مالَهُ قبلَ الوِسادِ
نلومكَ يا عليُّ لغيرِ ذنبٍ ... لأنَّكَ قد زَرَيْتَ على العبادِ
كأنَّ سخاءَكَ الإسلامُ تخشَى ... إذا ما حُلتَ عاقبَةَ ارتدادِ
كأنَّ الهامَ في الهَيْجا عيونٌ ... وقد طُبعتْ سيوفكَ مِن رقادِ
وقد صُغتَ الأسنَّةَ مِن همومٍ ... فما يخطرنَ إلاَّ في فؤادِ
أشرتَ أبا الحسينِ بمدحِ قومٍ ... نزلتُ بهمْ فسِرتُ بغيرِ زادِ
وظنُّوني مدحتهُمُ قديماً ... وأنتَ بما مدحتُهُم مُرادي
وإنِّي عنكَ بعدَ غدٍ لغادٍ ... وقلبي عن فنائكَ غيرُ غادِ
مُحبُّكَ حيثُما اتَّجهتْ رِكابي ... وضيفكَ حيثُ كنت من البلادِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وحُبيتُ في خُوصِ الرِّكابِ بأسودٍ ... من دارِشٍ فغدوتُ أمشي راكِبا
حالاً مَتَى علمَ ابنُ منصورٍ بها ... جاءَ الزَّمَانُ إليَّ منها تائِبا
ملكٌ سنانُ قناتهِ وبنانُهُ ... يَتَبارَيَانِ دماً وعُرفاً ساكِبا
يستصغرُ الخطَرَ الكبيرَ لوفدِهِ ... ويظنُّ دجلَةَ ليسَ تَروي شارِبا
سلْ عن شجاعتِهِ وزُرْهُ مسالماً ... وحذارِ ثمَّ حذارِ منهُ محارِبا
فالموتُ تُعرَفُ بالصِّفاتِ طباعُهُ ... لم تلقَ خلقاً ذاقَ موتاً أيِبا
إنْ تلقَهُ لا تبقَ إلاَّ جحفَلاً ... أو قسطَلاً أو طاعناً أو ضارِبا
أو هارباً أو طالباً أو راغباً ... أو راهباً أو هالكاً أو نادِبا
وإذا نظرتَ إلى الجبالِ رأيتَهَا ... فوقَ السُّهولِ عَواسلاً وقواضِبا
وإذا نظرتَ إلى السُّهولِ رأيتَهَا ... تحتَ الجبالِ فوارساً وجنائِبا
وعجاجةً تركَ الحديدُ سوادَهَا ... زَنْجاً تبسَّمَ أو قَذَالاً شائِبا
فكأنَّما كُسِيَ النَّهارُ بها دُجى ... ليل وأطلَعَت الرِّماحُ كواكِبا
قد عسكرتْ معها الرَّزايا عسكراً ... وتكتَّبتْ فيها الرِّجالُ كتائِبا
أُسدٌ فرائسُها الأُسودُ يقودُها ... أسَدٌ تصيرُ لهُ الأُسودُ ثعالِبا
في رتبةٍ حجَبَ الوَرَى عن نيلِها ... وعلا فسمَّوْهُ عليَّ الحاجِبا
هذا الَّذي أفنى النُّضارَ مواهباً ... وعداهُ قتلاً والزَّمانَ تجارِبا
هذا الَّذي أبصرتَ منهُ حاضراً ... مثلُ الَّذي أبصرتَ منهُ غائِبا
كالبدرِ من حيثُ التفتَّ رأيتَه ... يُهدي إلى عينيكَ نوراً ثاقبا
كالبحرِ يقذفُ للقريبِ جواهراً ... جُوداً ويبعثُ للبعيدِ سحائبا
كالشَّمْسِ في كبدِ السَّمَاءِ وضوؤها ... يَغشى البلادَ مشارقاً ومغاربا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
قومٌ بلوغُ الغلامِ عندهُمُ ... طعنُ نحورِ الكُماةِ لا الحلُمُ
كأنَّما يولَدُ النَّدَى معهمْ ... لا صغرٌ عاذرٌ ولا هرمُ
إذا تَوَلّوا عداوةً كشَفُوا ... وإنْ تَوَلّوا صنيعةً كتمُوا
تظنُّ مِن فقدكَ اعتدادهُمُ ... أنَّهُمُ أنعَمُوا وما علموا
إن برقُوا فالحتوفُ حاضرةٌ ... أو نطقُوا فالصَّوابُ والحكَمُ
أو حلفُوا بالغَموسِ واجتهدُوا ... فقولهم خابَ سائلي القَسَمُ
أو ركبُوا الخيلَ غيرَ مسرجةٍ ... فإنَّ أفخاذهمْ لها حزُمُ
أو شهدُوا الحربَ لاقحاً أخذُوا ... من مهجِ الدَّارعينَ ما احتكمُوا
تشرقُ أعراضهمْ وأوجُهُهمْ ... كأنَّها في نُفُوسهمْ شيَمُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ كُتب صدرها في باب الفخر:
سرى السَّيْفُ ممَّا تطبعُ الهندُ صاحبي ... إلى السَّيْفِ ممَّا يطبعُ اللهُ لا الهندُ
فلمَّا رآني مقبلاً هزَّ نفسَهُ ... إليَّ حسامٌ كلُّ صفحٍ لهُ حدُّ
فلم أرَ قبلي مَن مَشَى البحرُ نحوَهُ ... ولا رجُلاً قامتْ تعانقُهُ الأُسدُ
كأنَّ القسيَّ العاصياتِ تطيعُهُ ... هوًى أو بها في غيرِ أُنْملهِ زهدُ
يكادُ يصيبُ الشَّيءَ من قبلِ رميهِ ... ويمكنُهُ في سهمِهِ المرسلِ الرَّدُّ
وينفذُهُ في العقدِ وهو مضيّقٌ ... من الشَّعرةِ السَّوداءِ والليلِ مسودُّ
فإنْ يكُ سيَّارُ بن مُكرمٍ انْقضَى ... فإنَّكَ ماءُ الوردِ إنْ ذهَبَ الوردُ
مَضى وبنوهُ وانفردتْ بفضلِهِمْ ... وألفٌ إذا ما جُمِّعت واحدٌ فردُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أعلى الممالِكِ ما يُبنى على الأسَلِ ... والطَّعنُ عند مُحبِّيهنَّ كالقُبَلِ
وما تقرُّ سيوفٌ في ممالكها ... حتَّى تقَلْقَلَ دهراً قبلُ في القُللِ
مثلُ الأمير بغى أمراً فقرَّ بهِ ... طولُ الرّماحِ وأيدي الخَيْل والإبلِ
وعزمةٌ بعثَتْها همّةٌ زُحلٌ ... من تحتها بمكانِ التُّربِ من زُحلِ
على الفراتِ أعاصيرٌ وفي حلبٍ ... توحُّشٌ لِمُلقَّى النَّصرِ مُقتبلِ
صانَ الخليفةُ بالأبطال مُهجتَهُ ... صيانة الذَّكرِ الهنديِّ بالخِللِ
تتلو أسنّته الكتْبَ الَّتي نفذتْ ... ويجعلُ الخيل أبدالاً من الرُّسلِ
يلقى المُلوكَ فما يلقى سوى جزرٍ ... وما أعدُّوا فما يلقى سوى نفلِ
قد عرَّضَ السَّيفَ دونَ النَّازلات بهِ ... وظاهرَ الحزمَ بين النَّفسِ والغِيَلِ
ووكّل الظّنّ بالأسرارِ فانْكَشفتْ ... له ضمائرُ أهلِ السَّهلِ والجبلِ
هو الشجاعُ يعدُّ البُخلَ من جبنٍ ... وهو الجوادُ يعدُّ الجبن من بخلِ
إذا خلعتُ على عِرضٍ له حُللاً ... وجدتها منه في أبْهى من الحُللِ
بذي الغباوَةِ من إنشادها ضررٌ ... كما تضرُّ رياحُ الوردِ بالجُعلِ
وقال من قصيدةٍ:
برأيِ من انقادَتْ عُقيلٌ إلى الرَّدى ... وإشماتِ مخلوقٍ وإسخاطِ خالقِ
أرادوا عليّاً بالذي يُعجِزُ الورى ... ويوسعُ قتلَ الجحفلِ المُتضايقِ
فما بسطوا كفّاً إلى غير قاطعٍ ... ولا حملوا رأساً إلى غير فالقِ
لقد أقدموا لو صادَفوا غيرَ آخذٍ ... وقد هربوا لو صادفوا غيرَ لاحقِ
أتاهُمْ بها حشوَ العَجاجة والقنا ... سنابكُها تحشو بُطونَ الحمالقِ
عوابسَ حلّى يابسُ الماءِ حُزْمها ... فهنَّ على أوساطها كالمناطقِ
فليتَ أبا الهيجا يرى خلفَ تدمُرٍ ... طوالَ العوالي في طوالِ السَّمالقِ
وسوقَ عليٍّ من معدٍّ وغيرِها ... قبائلَ لا تُعطي القُفيَّ لسائقِ
قُشيرٌ وبَلْعجلانِ فيها خفيَّةٌ ... كراءيْنِ في ألفاظِ ألثغَ ناطقِ
تُخلِّيهمُ النِّسْوانُ غيرَ فواركٍ ... وهمْ خلّوا النِّسوانَ غيرَ طوالقِ
يفرِّقُ ما بين الكُماةِ وبينها ... بطعْنٍ يُسلِّي حرُّهُ كلّ عاشقِ
أتى الظُّعْنَ حتَّى ما تطيرُ رشاشةٌ ... من الخيلِ إلاَّ في نحورِ العواتقِ
بكلِّ فلاةٍ تنكرُ الإنسَ أرضُها ... ظعائنُ حمرُ الحلي حُمرُ الأيانقِ
توهَّمها الأعرابُ سوْرةَ مُتْرفٍ ... تُذكِّرهُ البيداءُ ظلَّ السُّرادقِ
فذكَّرْتهُمْ بالماءِ ساعةَ غبَّرَتْ ... سماوةُ كلبٍ في أُنوفِ الحزائقِ
وكانوا يروعونَ الملوكَ بأنْ بدوا ... وأنْ نبتتْ في الماءِ نبتَ الغلافقِ
فهاجوكَ أهدى في الفلا من نُجومهِ ... وأبْدى بيوتاً من أداحي النَّقانقِ
وأصبر عن أمواههِ من ضبابهِ ... وآلف منها مُقلةً للودائقِ
تعوَّدَ ألاّ تقضِمَ الحبَّ خيلُهُ ... إذا الهامُ لم ترفعْ جنوبَ العلائقِ
ولا ترِدَ الغدرانَ إلاَّ وماؤُها ... من الدّم كالرّيحانِ تحتَ الشقائقِ
فلم أرَ أرمى منه غيرَ مُخاتلٍ ... وأسرى إلى الأعداءِ غيرَ مُسارقِ
تُصيبُ المجانيقُ العظامُ بكفِّهِ ... دقائقَ قد أعيتْ قسيَّ البنادقِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ولقد ذخرْتَ لكلِّ أرضٍ ساعةً ... تَسْتجفِلُ الضِّرغامَ عن أشبالهِ
تلقى الوجوهُ بها الوجوهَ وبينها ... ضربٌ يجولُ الموتُ في أجوالهِ
وشركْتُ دولةَ هاشمٍ في سيفِها ... وشققْتُ خيسَ المُلكِ عن ريبالهِ
أعطى ومنَّ على الملوكِ بعفوهِ ... حتَّى تساوى النَّاسُ في إفضالهِ
وإذا غنوا بعطائهِ عن هزِّهِ ... والى فأغنى أن يقولوا والهِ
يا أيُّها القمرُ المُباهي وجهَهُ ... لا تُكْذبنَّ فلستَ من أشكالهِ
وإذا طما البحرُ المحيطُ فقلْ لَهُ ... دع ذا فإنَّك عاجزٌ عن حالِهِ
الجيشُ جيشُكَ غيرَ أنَّك جيشُهُ ... في قلْبِهِ ويمينِهِ وشمالِهِ
ترِدُ الطّعانَ المُرَّ عن فُرسانِهِ ... وتُنازلُ الأبطالَ عنْ أبطالِهِ
كلٌّ يريدُ رجالَهُ لحياتِهِ ... يا منْ يريدُ حياتَهُ لرجالِهِ
دونَ الحلاوةِ في الزَّمانِ مرارةٌ ... لا تُختطى إلاَّ على أهوالِهِ
فلذاكَ جاوَزَها عليّ وحدَهُ ... وسعى بِمُنْصلِهِ إلى آمالِهِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
حدقُ الحسانِ من الغواني هِجْنَ لي ... يومَ الفراق صبابةً وغليلا
حدقٌ يُذمُّ من القواتِلِ غيرَها ... بدرُ بنُ عمّارِ بن إسماعيلا
الفارجُ الكُربِ العِظامَ بمثلها ... والتّاركُ الملكَ العزيزَ ذليلا
أعْدى الزَّمان سخاؤُه فسخا بِهِ ... ولقد يكونُ بِهِ الزَّمانُ بخيلا
وكأنَّ بَرْقاً في متونِ غمامةٍ ... هنديّهُ في كفّهِ مسلولا
أمُعفِّر اللّيثِ الهِزَبْرِ بسَوطِهِ ... لمن ادَّخرْتَ الصّارمَ المصقولا
وردٌ إذا وردَ البُحيرة شارباً ... وردَ الفراتَ زئيرُه والنيلا
مُتخضّبٌ بدمِ الفوارسِ لابسٌ ... في غيْلِهِ من لِبْدَتيْه غيلا
ما قوبلَتْ عيناهُ إلاَّ ظُنَّتا ... تحتَ الدُّجَى نارَ الفريقِ حُلولا
في وحدةِ الرُّهْبانِ إلاَّ أنَّهُ ... لا يعرفُ التَّحريمَ والتَّحليلا
يطأ البرى مُترفّقاً من تيهِهِ ... فكأنَّهُ آسٍ يجسُّ عليلا
ويرُدُّ عُفرتهُ إلى يافوخِهِ ... حتَّى تصير لرأسِهِ إكليلا
وتظنُّه ممّا يُزَمجرُ نفسُهُ ... عنها لشدَّةِ غيظِهِ مشغولا
قصرتْ مهابتُهُ الخُطى فكأنّما ... ركبَ الكميُّ جوادهُ مَشْكولا
ألقى فريستَهُ وبربر دونها ... وقربْتَ قُرْباً خالَهُ تَطْفيلا
فتشابه الخلقانِ في إقدامه ... وتخالفا في بَذْلكَ المأكولا
أسدٌ يرى عُضْوَيه فيكَ كليهما ... متناً أزلَّ وساعداً مفتولا
ما زالَ يجمعُ نفسَهُ في زورهِ ... حتَّى حسبْتَ العرضَ منهُ الطُّولا
ويدقُّ بالصَّدرِ الحِجارَ كأنّهُ ... يبغي إلى ما في الحضيض سبيلا
وكأنَّهُ غرَّتْهُ عينٌ فادّنى ... لا يُبصر الخطبَ الجليلَ جليلا
أنَفُ الكريمِ من الدَّنيَّةِ تاركٌ ... في عينِهِ العدد الكثير قليلا
سبق التقاءكَهُ بوثبةِ هاجمٍ ... لو لمْ تُصادمْهُ لجازكَ ميلا
خذلتْهُ قوَّتُه وقد كافحتَهُ ... فاستنْصَر التّسليمَ والتَّجديلا
قبضَتْ منيتُهُ يديْهِ وعُنقهُ ... فكأنَّما صادفتَهُ مغلولا
سمعَ ابن عمّته بِهِ وبحالِهِ ... فنجا يُهرولُ منكَ أمسِ مُهَولا
وأمرُّ ممّا فرَّ منهُ فرارهُ ... وكقتْلِهِ ألاّ يموتَ قتيلا
تلفُ الَّذي اتّخذ الجراءةَ خُلّةً ... وعظَ الَّذي اتّخذَ الفِرارَ خليلا
فلقد عُرفتَ وما عرفتَ حقيقةً ... ولقد جُهلتَ وما جهلتَ خُمولا
نطقَتْ بِسُؤددِكَ الحمامُ تغنّياً ... وبما تُجَشِّمها الجيادُ صهيلا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وفي صورةِ الرُّوميّ ذي التّاج ذِلَّةٌ ... لأبلجَ لا تيجانَ إلاَّ عمائمُهْ
تُقبِّل أفواهُ الملوكِ بساطَهُ ... ويكبُرُ عنها كمُّهُ وبراجمُهْ
له عسْكرا خيلٍ وطيرٍ إذا رمى ... بها عسكراً لم يبقَ إلاَّ جماجمُهْ
سحابٌ من العقبان يزحف تحتَها ... سحابٌ إذا استسْقَتْ سقَتْها صوارمُهْ
سلكتُ صروفَ الدَّهر حتَّى لقيتُه ... على ظهرِ عزمٍ مؤيداتٍ قوائمُهْ
مهالكَ لم تصحَبْ بها الذئبَ نفسُهُ ... ولا حملتْ فيها الغُرابَ قوادمُهْ
فأبصرتُ بدراً لا يرى البدرُ مثلَهُ ... وخاطبْتُ بحراً لا يرى العِبْرَ عائمُهْ
وكنتُ إذا يمَّمْتُ أرضاً بعيدةً ... سريتُ فكنتُ السِّرَّ والليلُ كاتمُهْ
لقد سلَّ سيفَ الدّولةِ المجدُ مُعْلِماً ... فلا المجدُ مُخفيهِ ولا الضّربُ ثالِمُهْ
على عاتقِ الملكِ الأغرِّ نِجادُهُ ... وفي يدِ جبّار السَّماواتِ قائمُهْ
تُحاربُهُ الأعداءُ وهي عبادُهُ ... وتدَّخِرُ الأموالَ وهي غنائمُهْ
ويستكبرونَ الدَّهرَ والدَّهْرُ دونَهُ ... ويستعظمونَ الموتَ والموتُ خادمُهْ
وإنَّ الَّذي سمَّى عليّاً لَمُنْصفٌ ... وإنَّ الَّذي سمَّاهُ سيفاً لظالمُهْ
وما كلُّ سيفٍ يقطعُ الهامَ حدَّهُ ... وتقطعُ لَزْباتِ الزَّمانَ مكارمُهْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
الرَّأيُ قبلَ شجاعةِ الشُّجعانِ ... هي أوَّلٌ وهو المكانُ الثاني
فإذا هما اجْتمعا لنفسٍ حرّةٍ ... بلغتْ منَ العلياءِ كلَّ مكانِ
ولرُبَّما طعنَ الفَتَى أقرانَهُ ... بالرّأيِ قبلَ تطاعُنِ الأقرانِ
لولا العقولُ لكانَ أدنى ضيغمٍ ... أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
لولا سميُّ سيوفِهِ ومضاؤُهُ ... لمّا سللْنَ لكُنَّ كالأجفانِ
تخذوا المجالسَ في البيوتِ وعندهُ ... أنَّ السُّروجَ مجالسُ الفتيانِ
قادَ الجيادَ إلى الطِّعانِ ولم يقُدْ ... إلاَّ إلى العاداتِ والأوطانِ
كلُّ ابن سابقةٍ يغيرُ بحُسنِهِ ... في قلب صاحبِهِ على الأحزانِ
إنْ خلِّيَتْ رُبطتْ بآدابِ الوَغَى ... فدُعاؤها يُغني عن الأرسانِ
في جحفلٍ ستر العيونَ غُبارُهُ ... فكأنَّما يُبْصرنَ بالآذانِ
يرمي بها البلدَ البعيدَ مُظفَّرٌ ... كلُّ البعيدِ له قريبٌ دانِ
فكأنَّ أرجُلها بتربةِ منبجٍ ... يطرحْنَ أيديَها بحصْن الرَّانِ
بحرٌ تعوَّدَ أن يُذمَّ لأهلِهِ ... من دهرِهِ وطوارق الحدثانِ
فتركتَهُ وإذا أذمَّ من الورى ... راعاكَ واستثْنى بني حمْدانِ
المُخْفرينَ بكلِّ أبيضَ صارمٍ ... ذِمَمَ الدُّروعِ على ذوي التّيجانِ
مُتَصعلكينَ على كثافةِ مُلكهمْ ... مُتواضعينَ على عظيم الشأنِ
يتقيّلونَ ظلال كلِّ مُطهَّمٍ ... أجلِ الظَّليمِ ورِبْقةِ السِّرْحانِ
خضعتْ لِمُنْصلكَ المناصل عنوةً ... وأذلَّ دينُك سائرَ الأديانِ
رفعَتْ بك العربُ العِمادَ وصيَّرتْ ... قمم المُلوك مواقدَ النِّيرانِ
أنسابُ فخرهم إليكَ وإنّما ... أنسابُ أصلهِمُ إلى عدنانِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا ساءَ فعلُ المرءِ ساءتْ ظُنونهُ ... وصدَّقَ ما يعتادُهُ من توهُّمِ
وعادى مُحبِّيهِ بقولِ عُداتِهِ ... وأصبح في ليلٍ من الشَّكِّ مُظلِمِ
أُصادقُ نفسَ المرءِ من قبلِ جسمِهِ ... وأعرفُها في فعلِهِ والتَّكلُّمِ
وأحلُم عن خلِّي وأعلمُ أنّه ... مَتَى أجْزِه حلماً على الجهلِ يندمِ
وإن بذلَ الإنسانُ لي جودَ عابسٍ ... جزيتُ بجودِ الباذِلِ المُتبسّمِ
وأهوى من الفتيان كلَّ سَميْدعٍ ... نجيبٍ كصدرِ السَّمْهريّ المُقوّمِ
خطتْ تحتَهُ العيسُ الفَلاةَ وخالطَتْ ... به الخيلُ كبّاتِ الخميسِ العرمرمِ
ولا عِفَّةٌ في سيفِهِ وسنانِهِ ... ولكنَّها في الكفِّ والفرْجِ والفمِ
وما كلُّ هاوٍ للجميل بفاعلٍ ... ولا كلُّ فعّالٍ لهُ بمُتيَّمِ
أبا المسكِ أرجو منك نصراً على العدا ... وآمُلُ عزّاً يخضبُ البيضَ بالدَّمِ
فلو لم تكنْ في مصرَ ما سرْتُ نحوها ... بقلبِ المشوقِ المُستهامِ المتيَّمِ
ولا نبحتْ خيلي كلابُ قبائلٍ ... كأنَّ بها في اللَّيل حمْلاتُ ديلمِ
ولا اتَّبعتْ آثارَنا عينُ قائفٍ ... فلم ترَ إلاَّ حافراً فوقَ منسمِ
لمن تطلبُ الدُّنيا إذا لم تَردْ بها ... سرورَ محبٍّ أو إساءةَ مجْرمِ
رضيتُ بما ترضى به لي محبّةً ... وقُدتُ إليكَ النَّفسَ قودَ المُسلِّمِ
ومثلُكَ من كانَ الوسيطَ فؤادُهُ ... فكلَّمهُ عنّي ولم أتكلَّمِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا كنتَ ترضى أن تعيشَ بذلّةٍ ... فلا تستعِدَّنَّ الحُسامَ اليمانيا
ولا تَسْتطيلَنَّ الرِّماحَ لغارةٍ ... ولا تستجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكيا
فما ينفعُ الأُسدَ الحياءُ من الطَّوى ... ولا تُتّقى حتَّى تكونَ ضواريا
إذا الجودُ لم يُرزقْ خلاصاً من الأذى ... فلا الحمدُ مكسوباً ولا المالُ باقيا
وللنَّفسِ أخلاقٌ تدلُّ على الفَتَى ... أكانَ سخاءً ما أتى أم تساخيا
أقِلَّ اشتياقاً أيُّها القلبُ ربَّما ... رأيتك تُصفي الودَّ من ليسَ جازيا
خُلقْتُ ألوفاً لو رحلتُ إلى الصِّبا ... لفارقْتُ شيبي موجَعَ القلبِ باكيا
ولكنَّ بالفُسْطاطِ بحراً أزرْته ... حياتي ونُصحي والهَوَى والقوافيا
وجُرداً مددْنا بين آذانِها القنا ... فبتْنَ خِفافاً يتّبعْنَ العواليا
تماشى بأيدٍ كلّما وافت الصَّفا ... نقشْنَ بِهِ صدرَ البُزاةِ حوافيا
وينظرْنَ من سودٍ صوادقَ في الدُّجَى ... يرَيْن بعيداتِ الشُّخوصِ كما هيا
وتنصُبُ للجرْسِ الخفيِّ سوامعاً ... يخلْنَ مُناجاةَ الضَّميرِ تناديا
قواصدَ كافورٍ توارِكَ غيرِهِ ... ومن قصَدَ البحرَ استقلَّ السَّواقيا
فجاءتْ بنا إنسانَ عينِ زمانِهِ ... وخلَّت بياضاً خلفها ومآقيا
ترفَّعَ عن عونِ المكارمِ قدْرُهُ ... فما يفعلُ الفَعْلاتِ إلاَّ عذاريا
أبا كلِّ طيبٍ لا أبا المسكِ وحدَهُ ... وكلَّ سحابٍ لا أخُصُّ الغواديا
يدلُّ بمعنى واحدٍ كلُّ فاخرٍ ... وقد جمع الرّحمن فيكَ المعانيا
وغيرُ كثيرٍ أن يزورك راجلٌ ... فيرجعَ ملكاً للعراقَيْنِ واليا
وقد تهبُ الجيش الَّذي جاءَ غازياً ... لسائلكِ الفردِ الَّذي جاء عافيا
وتحتقرُ الدُّنيا احتقارَ مجرِّبٍ ... يرى كلَّ ما فيها وحاشاكَ فانيا
وقال أيضاً من قصيدةٍ ثبت أوَّلها في باب النَّسيب:
ليتَ الحوادثَ باعتْني الَّذي أخذتْ ... منّي بحلمي الَّذي أعطتْ وتجريبي
فما الحداثةُ من حلمٍ بمانعةٍ ... قد يوجد الحلمُ في الشُّبّانِ والشِّيبِ
ترعرعَ الملكُ الأُستاذُ مُكتهلاً ... قبلَ اكتهالٍ أديباً قبلَ تأديبِ
مجرِّباً فهماً من قبلِ تجربةٍ ... مهذَّباً كرماً من قبلِ تهذيبِ
حتَّى أصابَ من الدُّنيا نهايتها ... وهمُّهُ في ابتداءاتٍ وتشبيبِ
يُدبِّر المُلكَ من مصر إلى عدنٍ ... إلى العراقِ فأرضِ الرُّوم فالنُّوْبِ
إذا أتتْها الرياحُ النُّكْبُ من بلدٍ ... فما تهبُّ بها إلاَّ بترتيبِ
ولا تُجاوزُها شمسٌ إذا شرقتْ ... إلاَّ ومنهُ لها إذنٌ بتغريبِ
يصرّفُ الأمرَ فيها طينُ خاتمهِ ... ولو تطلَّسَ منهُ كلُّ مكتوبِ
يحطّ كلَّ طويلِ الرُّمحِ حاملُهُ ... من سرج كلِّ طويلِ الباعِ يَعْبوبِ
كأنَّ كلّ سؤالٍ في مسامعِهِ ... قميصُ يوسفَ في أجفانِ يعقوبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
عدوُّك مذمومٌ بكلّ لسانِ ... ولو كانَ من أعدائكَ القمرانِ
ولله سرٌّ في عُلاكَ وإنَّما ... كلامُ العِدا ضربٌ من الهذيانِ
أتلتمسُ الأعداءُ بعد الَّذي رأتْ ... قيامَ دليلٍ أو وضوحَ بيانِ
رأتْ كلَّ من ينوي لكَ الغدرَ يُبْتلى ... بغدرِ حياةٍ أو بغدرِ زمانِ
قضى الله يا كافورُ أنَّكَ أوّلٌ ... وليسَ بقاضٍ أن يُرى لكَ ثانِ
فما لك تختارُ القسيَّ وإنّما ... عن السّعد يرمي دونَكَ الثَّقلانِ
وما لك تُعنى بالأسنّةِ والقنا ... وجدُّك طعَّانٌ بغيرِ سنانِ
ولم تحمل السَّيْفَ الطّويلَ نجادُهُ ... وأنتَ غنيٌّ عنهُ بالحدثانِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
تركْنا من وراء العيس نجداً ... ونكّبْنا السَّماوةَ والعِراقا
فما زالتْ تَرَى واللَّيل داجٍ ... لسيفِ الدَّولةِ المَلِكِ ائتلاقا
أدلَّتُها رياحُ المسكِ منهُ ... إذا فتحت مناخرَها انتشاقا
ولو سرْنا إليهِ في طريقٍ ... من النِّيرانِ لم نخَفِ احتراقا
إمامٌ للأئمَّةِ من قريشٍ ... إلى من يتَّقونَ لهُ شِقاقا
يكونُ لهم إذا غضبوا حُساماً ... وللهيْجاءِ حين تقومُ ساقا
فلا تستنكرَنَّ له ابتساماً ... إذا فهِقَ المكرُّ دماً وضاقا
فقد ضمنتْ لهُ المُهَجَ العوالي ... وحمَّل همَّهُ الخيلَ العِتاقا
تبيتُ رماحُهُ فوق الهوادي ... وقد ضرب العجاجُ لهُ رِواقا
تميلُ كأنَّ في الأبطال خمراً ... عُلِلْن بها اصطباحاً واغْتباقا
فلا حطَّتْ لكَ الهيجاءُ سرجاً ... ولا ذاقت لكَ الدُّنيا فِراقا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا زارَ سيفُ الدَّولةِ الرُّومَ غازياً ... كفاها لِمامٌ لو كفاهُ لِمامُ
فتًى تتبَعُ الأزمانُ في النَّاسِ خطوَهُ ... لكلِّ زمانٍ في يديهِ زِمامُ
تنامُ لديه الرُّسْلُ أمناً وغبطةً ... وأجفانُ ربِّ الرُّسلِ ليسَ تنامُ
حذاراً لمُعْرَوْري الجيادِ فُجاءةً ... إلى الطَّعن قبلاً ما لهنَّ لِجامُ
وما تنفعُ الخيلُ الكرامُ ولا القنا ... إذا لم يكن فوقَ الكرامِ كرامُ
وكلّ أناسٍ يتبعونَ إمامَهُمْ ... وأنت لأهلِ المكرماتِ إمامُ
ورُبَّ جوابٍ عن كتابٍ بعثتَهُ ... وعنوانُهُ للنَّاظرينَ قَتامُ
تضيقُ به البيداءُ من قبلِ نشرهِ ... وما فُضَّ بالبيداءِ عنهُ ختامُ
حروفُ هجاءِ النَّاسِ فيهِ ثلاثةٌ ... جوادٌ ورمحٌ ذابلٌ وحُسامُ
وما زلتَ تُفني السُّمرَ وهي كثيرةٌ ... وتُفني بهنَّ الجيشَ وهو لُهامُ
وقال أيضاً:
بدرٌ فتًى لو كانَ من سؤّالِهِ ... يوماً توفَّرَ حظُّهُ من مالِهِ
تتحيَّرَ الأفعالُ في أفعالِهِ ... ويقلّ ما يأتيهِ في إقبالِهِ
قمراً نرى وسحابتَيْنِ بموضعٍ ... من وجههِ ويمينِهِ وشمالِهِ
سفَكَ الدِّماءَ بجودِهِ لا بأسِهِ ... كرماً لأنَّ الطَّيرَ بعضُ عِيالِهِ
إن يُفْنِ ما يحوي فقد أبقى بِهِ ... ذكراً يزولُ الدهرُ قبلَ زوالِهِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ويومٍ كليلِ العاشقينَ كمنْتُهُ ... أُراقبُ فيه الشَّمْسَ أيَّان تغربُ
وعيني إلى أذْنَيْ أغرَّ كأنَّهُ ... من اللَّيل باقٍ بين عينيهِ كوكبُ
لهُ فضْلةٌ عن جسمهِ في إهابِهِ ... تجيءُ على صدرٍ رحيبٍ وتذهبُ
شققتُ به الظَّلماءَ أُدْني عنانَهُ ... فيطغى وأُرخيهِ مراراً فيلعَبُ
وأصرَعُ أيَّ الوحشِ قفَّيْتُهُ ... وأُنزلُ عنهُ مثلَهُ حين أركبُ
وما الخيلُ إلاَّ كالصَّديقِ قليلةٌ ... وإنْ كثرت في عين من لا يجرَّبُ
إذا لم تشاهدْ غير حسنِ شياتها ... وأعضائها فالحسنُ عنكَ مُغيَّبُ
وأخلاقُ كافورٍ إذا شئتُ مدحَهُ ... وإن لم أشأ تُملي عليّ وأكتُبُ
فتًى يملأُ الأفعالَ رأياً وحكمةً ... ونادرةً أيَّان يرضى ويغضَبُ
إذا ضربتْ بالسَّيفِ في الحرب كفُّه ... تبيَّنْتَ أنَّ السَّيفَ بالكفِّ يضربُ
تزيدُ عطاياه على اللَّبثِ كثرةً ... وتلبثُ أمْواهُ السَّماءِ فتنْضُبُ
أبا المسك هل في الكأسِ فضلٌ أنالُهُ ... فإنِّي أُغنِّي منذُ حينٍ وتشربُ
وهبْتَ على مقدارِ كفَّيْ زماننا ... ونفسي على مقدارِ كفَّيْكَ تطلُبُ
وكلُّ امرئٍ يولي الجميلَ محبَّبٌ ... وكلُّ مكانٍ يُنبتُ العزَّ طيِّبُ
وأظلمُ أهلِ الظُّلمِ من باتَ حاسداً ... لمن باتَ في نعمائِهِ يتقلَّبُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أنكرتُ طارقةَ الحوادثِ مرَّةً ... ثمَّ اعترفْتُ بها فصارتْ دَيْدنا
وقطعْتُ في الدُّنيا الفلا وركائبي ... فيها ووقتيَّ الضُّحَى والمَوْهنا
ووقفْتُ منها حيثُ أوقفني النَّدَى ... وبلغْتُ من بدرِ بن عمّار المُنى
لأبي الحُسين جداً يضيقُ وعاؤهُ ... عنهُ ولو كان الوعاءُ الأزْمُنا
وشجاعةٌ أغناهُ عنها ذكرُها ... ونهى الجبانَ حديثها أن يجْبُنا
نيطَتْ حمائلُهُ بعاتِقِ محْرَبٍ ... ما كرَّ قطُّ وهل يكرُّ وما انثنى
فكأنَّهُ والطَّعنُ من قُدَّامِهِ ... متخوّفٌ من خلفِهِ أن يُطعنا
نفتِ التَّوهُّمَ عنه حدَّةُ ذهنِهِ ... فقضى على غيبِ الأمورِ تيقُّنا
أمضى إرادتَهُ فسوفَ لهُ قد ... واسْتقربَ الأقصى فثمَّ لهُ هُنا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ومَطالبٍ فيها الهلاكُ أتيْتُها ... ثبتَ الجنانِ كأنَّني لم آتِها
ومقانبٍ بمقانبٍ غادرتُها ... أقواتَ وحشٍ كُنَّ من أقواتِها
أقبلْتُها غُرَرَ الجيادِ كأنَّها ... أيدي بني عمرانَ في جبهاتِها
الثّابتين فروسةً كجلودِها ... في ظهرِها والطَّعنُ في لبَّاتِها
العارفينَ بها كما عرفتْهُمُ ... والرَّاكبين جدودُهم أُمَّاتِها
فكأنَّها نتجتْ قياماً تحتهُمْ ... وكأنَّهم وُلِدوا على صهواتِها
إنَّ الكرامَ بلا كرامٍ منهُمُ ... مثلُ القلوبِ بلا سُوَيْداواتها
تلكَ النُّفوسُ الغالباتُ على العلا ... والمجدُ يغلبُها على شهواتِها
سُقيتْ منابتُها الَّتي سقتِ الورى ... بيديْ أبي أيُّوبَ خيرِ نباتها
ليس التَّعجُّبُ من مواهبِ مالِهِ ... بل من سلامتها إلى أوقاتِها
عجباً له حفظَ العنانِ بأنْملٍ ... ما حفظها الأشياءَ من عاداتِها
كرمٌ تبيّن في كلامكَ ماثلاً ... ويبينُ عتقُ الخيلِ في أصواتِها
ذُكرَ الأنامُ لنا فكانَ قصيدةً ... كنتَ البديعَ الفردَ من أبياتها
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ومهمَهٍ جُبْتهُ على قدمي ... تعجزُ عنهُ العَرامِسُ الذُّلُلُ
إذا صديقٌ نكرْتُ جانبهُ ... لم تُعْيني في فراقِهِ الحيلُ
في سعةِ الخافقَيْنِ مُضطربٌ ... وفي بلادٍ من أختها بدلُ
وفي اعتمادِ الأميرِ بدرِ بن عم ... مارٍ عن الشُّغلِ بالورى شغُلُ
أغرُّ أعداؤهُ إذا سلموا ... بالهربِ استكثَروا الَّذي فعلوا
يُقْبِلهمْ وجهَ كلّ سابحةٍ ... أربعُها قبلَ طرفها تصلُ
جرداءَ ملءَ الحِزامِ مُجْفرةٍ ... تكونُ مثليْ عسيبها الخُصَلُ
إن أدبرَتْ قلتَ لا تليلَ لها ... أو أقبلتْ قلت ما لها كفلُ
والطّعنُ شزْرٌ والأرضُ واجفةٌ ... كأنَّما في فؤادها وهَلُ
قد صبغَتْ خدَّها الدِّماءُ كما ... يصبغُ خدَّ الخريدةِ الخجلُ
والخيلُ تبكي جلودُها عرقاً ... بأدمعٍ ما تسحُّها مُقَلُ
سارٍ ولا قفرَ في مواكبِهِ ... كأنّما كلُّ سبسبٍ جبلُ
يمنعُها أن يُصيبَها مطرٌ ... شدّةُ ما قد تضايقَ الأسلُ
يا بدر يا بحرُ يا غمامةُ يا ... ليثَ الشَّرى يا حمامُ يا رجُلُ
إنّكَ من معشرٍ إذا وهبوا ... ما دونَ أعمارهم فقد بخِلوا
قلوبُهم في مضاء ما امتشقوا ... قاماتُهم في تمام ما اعْتقلوا
كتيبةٌ لستَ ربَّها نفلٌ ... وبلدةٌ لستَ حلْيَها عطُلُ
قُصدَتْ من شرْقِها ومغربها ... حتَّى اشتكَتْكَ الرِّكابُ والسُّبُلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
خليليَّ إنِّي لا أَرَى غيرَ شاعرٍ ... فلمْ منهمُ الدَّعوى ومنّي القصائدُ
فلا تعجبا إنَّ السُّيوفَ كثيرةٌ ... ولكنّ سيفَ الدَّولةِ اليومَ واحدُ
لهُ من كريمِ الطَّبعِ في الحربِ مُنتضٍ ... ومن عادةِ الإحسانِ والصَّفْحِ غامدُ
ولمّا رأيتُ النَّاس دونَ محلّهِ ... تيقّنتُ أنَّ الدَّهر للنَّاسِ ناقدُ
أحقُّهُمُ بالسَّيفِ من ضرَبَ الطُّلى ... وبالأمنِ من هانت عليهِ الشَّدائدُ
فتًى يشتهي طولَ البلادِ ووقتِهِ ... تضيقُ به أوقاتُهُ والمقاصدُ
أخو غزواتٍ ما تُغبُّ سيوفُهُ ... رقابَهُمُ إلاَّ وسيْحانُ جامدُ
فلم يبقَ إلاَّ من حماها من الظُّبا ... لمى شفتَيْها والثُّديُّ النَّواهدُ
تُبكّيْ عليهنَّ البطاريقُ في الدُّجَى ... وهُنَّ لدينا مُلقياتٌ كواسدُ
بِذا قضت الأيَّام ما بينَ أهلِها ... مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ
وكلٌّ يرى طرقَ الشَّجاعةِ والنَّدَى ... ولكنَّ طبعَ النَّفسِ للنَّفسِ قائدُ
نهبْتَ من الأعمارِ ما لو حويْتَهُ ... لهنِّئَتِ الدُّنيا بأنّكَ خالدُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
غيري بأكثر هذا النَّاس ينخدعُ ... إنْ قاتلو جَبُنوا أو حدَّثوا شجُعوا
أهل الحفيظةِ إلاَّ أن تُجرّبهُم ... وفي التّجارب بعدَ الغيِّ ما يزعُ
وما الحياةُ ونفسي بعدما علمَتْ ... أنَّ الحياةَ كما لا تشتهي طبعُ
ليسَ الجمالُ لوجهٍ صحَّ مارِنُهُ ... أنفُ العزيز بفقد العزِّ يُجتدعُ
أأطرَحُ المجدَ عن كِتْفي وأطلبه ... وأتركُ الغيثَ في غمدي وأنْتَجعُ
والمشرفيَّةُ لا زالتْ مُشرَّفةً ... دواءُ كلّ كريمٍ أو هي الوجعُ
وفارسُ الخيلِ من خفّتْ فوقَّرها ... في الدَّربِ والدَّمِ في أعطافها دُفَعُ
بالجيشِ تمتنعُ السّاداتُ كلُّهم ... والجيشُ بابنِ أبي الهيجاءِ يمتنعُ
قادَ المقانبَ أقصى شُربها نهلٌ ... على الشَّكيمِ وأدنى سيرها سِرَعُ
لا يَعْتقي بلدٌ مسراهُ عن بلدٍ ... كالموت ليسَ لهُ ريٌّ ولا شبعُ
حتَّى أقامَ على أرْباضِ خَرْشنةٍ ... تشقى به الرُّومُ والصُّلبانُ والبِيعُ
للسَّبْيِ ما نكحوا والقتلِ ما ولَدوا ... والنَّهبِ ما جمعوا والنّارِ ما زرعوا
يُطمّعُ الطيرَ فيهم طولُ أكلهِم ... حتَّى تكادَ على أحيائهمْ تقعُ
يمشي الكرامُ على آثار غيرهم ... وأنت تخلُقُ ما تأتي وتبتدعُ
وهل يشينُك وقتٌ كنتَ فارسَهُ ... وكان غيرَكَ فيه العاجزُ الضَّرعُ
من كان فوقَ محلِّ الشَّمْسِ موضعُهُ ... فليس يرفعهُ شيءٌ ولا يضعُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
على قدْرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ ... وتأتي على قدْرِ الكرامِ المكارمُ
فتعظُمُ في عين الصَّغيرِ صغارُها ... وتصغر في عين العظيمِ العظائمُ
يكلّفُ سيفُ الدّولة الجيشَ همَّهُ ... وقد عجزتْ عنهُ الجيوش الخضارِمُ
ويطلبُ عندَ النَّاسِ ما عندَ نفسِهِ ... وذلك ما لا تدّعيه الضَّراغمُ
يُفدّي أتمُّ الطّير عمراً سلاحَهُ ... نسورُ الملا أحداثُها والقشاعِمُ
وما ضرَّها خلقٌ بغير مخالبٍ ... وقد خُلقَتْ أسيافُه والقوادمُ
تُفيتُ اللَّيالي كلَّ شيءٍ أخذتَهُ ... وهنَّ لما يأخذْنَ منكَ غوارمُ
إذا كان ما تنويهِ فعلاً مُضارعاً ... مضى قبلَ أن تُلقى عليهِ الجوازمُ
أتوْكَ يجرُّونَ الحديدَ كأنَّما ... سرَوا بجيادٍ ما لهنَّ قوائمُ
إذا برقوا لم تُعْرف البيضُ منهمُ ... ثيابهُم من مثلها والعمائمُ
خميسٌ بشرق الأرضِ والغربِ زحفُهُ ... وفي أُذنِ الجوزاءِ منهُ زمازِمُ
تجمّع فيهِ كلُّ لِسْنٍ وأُمّةٍ ... فما يعرف الحُدّاثَ إلاَّ التّراجمُ
وقفتَ وما في الموتِ شكٌّ لواقفٍ ... كأنّكَ في جفنِ الرَّدى وهو نائمُ
تمرُّ بكَ الأبطالُ كَلْمى هزيمةً ... ووجهُكَ وضَّاحٌ وثغرُكَ باسمُ
ضممْتَ جناحيهم على القلبِ ضمّةً ... تموتُ الخوافي تحتها والقوادمُ
بضرْبٍ أتى الهاماتِ والنّصرُ غائبٌ ... وصارَ إلى اللّبّاتِ والنّصرُ قادمُ
ومن طلبَ الفتحَ الجليلَ فإنَّما ... مفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَّوارمُ
نثرتهُمُ فوق الأُحَيْدبِ كلِّهِ ... كما نُثرتْ فوقَ العروسِ الدَّراهمُ
ولستَ مليكاً هازماً لنظيرِهِ ... ولكنّهُ التَّوحيدُ للشِّركِ هازمُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ولو كنتُ في أسرِ غيرِ الهَوَى ... ضمنْتُ ضمانَ أبي وائلِ
فدى نفسهُ بضمانِ النّضارِ ... وأعطى صدورَ القنا الذّابلِ
ومنّاهُمُ الخيل مجنوبةً ... فجئْنَ بكلّ فتًى باسلِ
كأنَّ خلاصَ أبي وائلٍ ... معاودَةُ القمرِ الآفِلِ
أما للخلافةِ من مُشفقٍ ... على سيفِ دولتها الفاصِلِ
يقدُّ عِداها بلا ضاربٍ ... ويسري إليهم بلا حامِلِ
تركْتَ جماجمهُمْ في النَّقا ... وما يتخلَّصْنَ للنَّاخِلِ
وأنبتَّ منهمْ ربيعَ السِّباعِ ... فأثنَتْ بإحسانكَ الشّامِلِ
وعُدْتَ إلى حلبٍ ظافراً ... كعوْدِ الحُليّ إلى العاطِلِ
فهنّأكَ النّصرَ مُعطيكَهُ ... وأرضاهُ سعيُكَ في الآجِلِ
فذي الدَّارُ أخوَنُ من مومسٍ ... وأخدَعُ من كفِّهِ الحابِلِ
تفانى الرِّجالُ على حُبِّها ... وما يحصُلونَ على طائِلِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أعطى الزَّمانُ فما قبلتُ عطاءهُ ... وأرادَ لي فأردتُ أن أتخيَّرا
أرجانَ أيَّتها الجيادُ فإنَّهُ ... عزمي الَّذي يذرُ الوشيجَ مُكسّرا
أُمّي أبا الفضلِ المُبرَّ أليَّتي ... لأُيمِّمَنَّ أجلَّ بحرٍ جوهرا
صُغْتُ السِّوارَ لأيّ كفٍّ بشَّرتْ ... بابن العميدِ وأيِّ عبدٍ كبَّرا
إن لم تُغثْني خيلُهُ وسلاحه ... فمتى أقودُ إلى الأعادي عسكرا
بأبي وأمّي ناطقٌ في لفظِهِ ... ثمنٌ تُباع به القلوبُ وتُشترى
يتكسَّبُ القصبُ الضَّعيفُ بكفِّهِ ... شرفاً على صُمِّ الرِّماحِ ومفخرا
ويبينُ فيما مسّ منهُ بنانُهُ ... تيهُ المدلِّ فلو مشى لتبَخْتَرا
يا من إذا ورد البلادَ كتابهُ ... قبلَ الجيوشِ ثنى الجيوشَ تحيُّرا
أنتَ الوحيدُ إذا ركبتَ طريقةً ... ومن الرَّديفُ وقد ركبتَ غضَنْفرا
قطفَ الرِّجالُ القولَ قبلَ نباتِهِ ... وقطفْتَ أنتَ القولَ لمّا نوَّرا
فهو المشيَّعُ بالمسامعِ إن مضى ... وهو المضاعَفُ حسنُهُ إن كرّرا
وإذا سكتَّ فإنَّ أبلغَ ناطقٍ ... قلمٌ لكَ اتَّخذ الأصابعَ منبرا
أرأيتَ همَّة ناقتي في ناقةٍ ... نقلتْ يداً سُرحاً وخُفّاً مُجْمرا
تركَتْ دُخانَ الرَّمثِ في أوطانها ... طلباً لقومٍ يوقدونَ العَنْبرا
وتكرَّمتْ رُكباتُها عن مبرَكٍ ... تقعانِ فيهِ وليسَ مسكاً أذْفرا
فأتَتْكَ داميةَ الأظلّ كأنّما ... حُذيتْ قوائمُها العقيقَ الأحمرا
بدرت إليكَ يدُ الزَّمان كأنّما ... وجدتْهُ مشغولَ اليديْن مُفكِّرا
مَنْ مُبلغُ الأعرابِ أنِّي بعدها ... شاهدْتُ رِسطاليسَ والإسْكَندرا
ومللْتُ نحرَ عِشارها فأضافني ... من ينحرُ البدرَ النُّضارَ لمن قرى
وسمعتُ بطليموسَ دارِسَ كُتْبهِ ... مُتَملِّكاً مُتَبدِّياً مُتحضِّرا
ولقيتُ كلَّ الفاضلينَ كأنَّما ... ردَّ الإلهُ نفوسهُمْ والأعْصرا
نُسِقوا لنا نسقَ الحِسابِ مُقدّماً ... وأتى فذلكَ إذْ أتيتَ مؤخَّرا
زُحلٌ على أنَّ الكواكبَ قوْمُهُ ... لو كانَ منكَ لكانَ أكرمَ معشرا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لا يُدركُ المجدَ إلاَّ سيِّدٌ فطنٌ ... لما يشقُّ على السّاداتِ فعّالُ
لا وارثٌ جهلتْ يُمناه ما وهبَتْ ... ولا كَسوبٌ بغيرِ السَّيف سئَّالُ
قال الزَّمَانُ له قولاً فأفهمَهُ ... أنَّ الزَّمان على الإمساكِ عذّالُ
كفاتكٍ ودخولُ الكافِ منقصةٌ ... كالشَّمسِ قلتُ وما للشَّمسِ أمثالُ
القائدُ الأُسدَ غذَّتْها براثنهُ ... بمثلها من عِداهُ وهي أشبالُ
القاتلُ السَّيفَ في جسم القتيلِ بِهِ ... وللسُّيوف كما للنّاسِ آجالُ
تُغيرُ عنه على الأعداءِ هيبته ... ومالُهُ بأقاصي البرِّ أهْمالُ
لهُ من الوحشِ ما اختارتْ أسِنَّتُهُ ... عيْرٌ وهَيْقٌ وخنساءٌ وذيّالُ
لا يعرفُ الرُّزءَ في مالٍ ولا ولدٍ ... إلاَّ إذا احتفز الضّيفانَ ترحالُ
يُريك مخبرهُ أضعافَ منظرهِ ... بينَ الرّجال وفيها الماءُ والآلُ
إذا العِدا نَشِبتْ فيهمْ مخالبُهُ ... لم يجتمعْ لهمُ حلمٌ ورئبالُ
يروعهمْ منهُ دهرٌ صرفُهُ أبداً ... مُجاهرٌ وصروفُ الدَّهر تَغْتالُ
إذا الملوكُ تحلّت كان حليتَهُ ... مهنَّدٌ وأصمُّ الكعبِ عسّالُ
أبو شجاع أبو الشُّجعانِ قاطبةً ... هولٌ نمتْهُ من الهيجاءِ أهوالُ
تملّكَ الحمدَ حتَّى ما لمُفْتخرٍ ... في الحمدِ حاءٌ ولا ميمٌ ولا دالُ
إن كنتَ تكبُرُ أن تختالَ في بشرٍ ... فإنَّ قدركَ في الأقدارِ يختالُ
لولا المشقَّةُ سادَ النَّاسُ كلُّهُمُ ... الجودُ يُفقرُ والإقدامُ قتّالُ
وإنّما يبلغُ الإنسانُ طاقتَهُ ... ما كلُّ ماشيةٍ بالرِّجْلِ شِمْلالُ
إنّا لفي زمنٍ ترْكُ القبيحِ بِهِ ... من أكثرِ النَّاسِ إحسانٌ وإجمالِ
ذِكرُ الفَتَى عُمْرُهُ الثّاني وحاجتُهُ ... ما قاتَهُ وفضولُ العيشِ أشْغالُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أحُلْماً نرى أمْ زماناً جديدا ... أم الخلقُ في شخصِ حيٍّ أُعيدا
تجلّى لنا فأضأنا به ... كأنّا نجومٌ لقينَ السُّعودا
رأينا ببدرٍ وآبائهِ ... لبدْرٍ ولوداً وبدراً وليدا
طلبْنا رضاهُ بتركِ الَّذي ... رضينا لهُ فتركنا السُّجودا
أميرٌ أميرٌ عليهِ النَّدَى ... جوادٌ بخيلٌ بأن لا يجودا
يحدِّثُ عن فضلِهِ مُكرهاً ... كأنَّ لهُ منهُ قلباً حسودا
ويُقْدمُ إلاَّ على أن يفرَّ ... ويقدر إلاَّ على أن يزيدا
ورُبّتما حملةٍ في الوَغَى ... رددْنَ لهُ الذُّبَّلَ السُّمرَ سودا
وهوْلٍ كشفْتَ ونصلٍ قصفْتَ ... ورمحٍ تركتَ مُباداً مُبيدا
ومالٍ وهبْتَ بلا موعدٍ ... وقِرْنٍ سبقتَ إليه الوعيدا
بهجْرِ سيوفِكَ أغمادها ... تمنَّى الطُّلى أن تكونَ الغُمودا
إلى الهامِ تصدُرُ عن مثلِهِ ... تَرَى صدراً عن ورودٍ ورودا
قتلْتَ نفوسَ العِدا بالحدي ... دِ حتَّى قتلْتَ بهنَّ الحديدا
فأنْفدْتَ عن عيشهنَّ البقاءَ ... وأبقيْتَ ممّا ملكْتَ النُّفودا
كأنّك بالفقْرِ تبغي الغِنَى ... وبالموتِ في الحربِ تبغي الخُلودا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
تعرّضَ سيفُ الدَّولةِ الدهرَ كلَّهُ ... يُطبّقُ في أوصاله ويصمِّمُ
فجازَ له حتَّى على الشَّمْسِ حكمُهُ ... وبانَ له حتَّى على البدرِ ميْسَمُ
كأنَّ العِدا في أرضهمْ خلفاؤُه ... فإنْ شاءَ حازوها وإن شاءَ سلَّموا
ولا كُتْبَ إلاَّ المشرفيَّةُ عندهُ ... ولا رسلٌ إلاَّ الخميسُ العَرمْرمُ
فلم يخْلُ من نصرٍ لهُ من له يدٌ ... ولم يخلُ من شكرٍ له من لهُ فمُ
ولم يخلُ من أسمائهِ عودُ منبرٍ ... ولم يخلُ دينارٌ ولم يخلُ درهمُ
يُقرّ له بالفضلِ من لا يودُّهُ ... ويقضي له بالسَّعدِ من لا يُنجِّمُ
أجارَ على الأيَّام حتَّى ظننتُهُ ... تطالبه بالرَّدِّ عادٌ وجُرْهُمُ
ولمّا عرضْتَ الجيشَ كانَ بهاؤه ... على الفارسِ المُرْخى الذُّؤابةِ منهُمُ
حوالَيْهِ بحرٌ للتّجافيفِ مائجٌ ... يسيرُ به طودٌ من الخيل أيْهَمُ
تساوتْ به الأقطارُ حتَّى كأنّما ... يجمّعُ أشتاتَ البلادِ وينظمُ
وكلّ فتًى للحرب فوقَ جبينهِ ... من الضَّرب سطرٌ بالأسنَّةِ مُعجمُ
يمدُّ يديْهِ في المفاضةِ ضيغمٌ ... وعينيهِ من تحتِ التَّريكةِ أرقمُ
على كلّ طاوٍ تحتَ طاوٍ كأنه ... من الدَّمِ يُسقى أو من اللَّحمِ يُطعمُ
لها في الوَغَى زيّ الفوارس فوقها ... فكُلّ حصانٍ دارعٌ مُتَلثِّمُ
وما ذاك بخلاً بالنُّفوس على القنا ... ولكنَّ صدمَ الشَّرِّ بالشَّرِّ أحْزمُ
أتحسبُ بيضُ الهندِ أصلك أصْلها ... وأنَّك منها ساءَ ما تتوهَّمُ
إذا نحنُ سمَّيناكَ خِلْنا سيوفَنا ... من التّيه في أغمادِها تتبسَّمُ
ولم نرَ ملكاً قطّ يُدعى بدونِهِ ... فيرضى ولكنْ يجهلونَ وتحلمُ
أخذتَ على الأرواح كلَّ ثنيَّةٍ ... من العيش تُعطي من تشاء وتحرمُ
فلا موتَ إلاَّ من سنانكَ يُتَّقى ... ولا رزقَ إلاَّ من يمينكَ يُقسمُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
بغيْرِكَ راعياً عبثَ الذئابُ ... وغيرَكَ صارماً ثلَمَ الضِّرابُ
وتملكُ أنفُسَ الثقليْنِ طُرّاً ... فكيفَ تحوزُ أنفسها كلابُ
وما تركوكَ معصيةً ولكنْ ... يُعافُ الوِردُ والموتُ الشرابُ
طلبتَهُمُ على الأمواهِ حتَّى ... تخوَّف أن تفتّشهُ السَّحابُ
فبتَّ ليالياً لا نومَ فيها ... تخبُّ بكَ المسوَّمةُ العِرابُ
يهزّ الجيشُ حولَكَ جانبَيْهِ ... كما نفضتْ جناحيْها العُقابُ
وتسألُ عنهمُ الفلواتِ حتَّى ... أجابكَ بعضُها وهُمُ الجوابُ
إذا ما سرْتَ في آثار قوم ... تخاذلت الجماجِمُ والرّقابُ
وكيفَ يتمُّ بأسك في أُناسٍ ... تصيبهم فيؤلمكَ المُصابُ
ترفَّقْ أيُّها المولى عليهمْ ... فإنّ الرِّفْقَ بالجاني عِتابُ
وإنّهُمُ عبيدكَ حيثُ كانوا ... إذا تدعوا لحادثةٍ أجابوا
وعينُ المُخطئين هم وليسوا ... بأوَّل معشرٍ خَطِؤوا فتابوا
وأنتَ حياتُهم غضبَتْ عليهمْ ... وهجرُ حياتهمْ لهُمُ عقابُ
وما جهلتْ أياديكَ البوادي ... ولكن رُبَّما خفِيَ الصَّوابُ
وكم ذنبٍ موَلِّدُه دلالٌ ... وكم بعْدٍ مولِّده اقترابُ
وجُرمٍ جرَّهُ سُفهاءُ قومٍ ... فحلّ بغيرِ جارمِهِ العذابُ
ولو غيرُ الأمير غزا كلاباً ... ثناهُ عن شُموسهمُ ضبابُ
ولاقى دونَ ثايهِمِ طِعاناً ... يُلاقي عندهُ الذِّئبَ الغُرابُ
وخيلاً تغتذي ريحَ الموامي ... ويكفيها من الماءِ السَّرابُ
ولكنْ ربُّهمْ أسرى إليهمْ ... فما نفَعَ الوقوفُ ولا الذَّهابُ
ولا ليلٌ أجنَّ ولا نهارٌ ... ولا خيلٌ حملْنَ ولا رِكابُ
رميتَهُمُ ببحرٍ من حديدٍ ... لهُ في البرِّ خلفَهُمُ عُبابُ
فمسَّاهُمْ وبُسطهُمُ حريرٌ ... وصبّحهُمْ وبسطهمُ ترابُ
ومن في كفّهِ منهم قناةٌ ... كمنْ في كفِّه منهمْ خِضابُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وما زلتُ أطوي القلب قبل اجتماعِنا ... على حاجةٍ بين السَّنابك والسُّبْلِ
ولو لم تسرْ سرنا إليكَ بأنفسٍ ... غرائبَ يؤثرنَ الجيادَ على الأهلِ
وخيلٍ إذا مرَّت بوحشٍ وروضةٍ ... أنتْ رعيَها إلاَّ ومِرْجلُنا يغلي
ولكنْ رأيتَ الفضل في القصدِ شركةً ... فكانَ لكَ الفضلان في القصدِ والفضلِ
وليسَ الَّذي يتَّبَّعُ الوبلَ رائداً ... كمنْ جاءهُ في داره رائدُ الوبْلِ
وما أنا ممَّنْ يدَّعي الشَّوقَ قلبهُ ... ويحتَجّ في تركِ الزّيارةِ بالشُّغلِ
وأهدَتْ إلينا غيرَ قاصدةٍ بهِ ... كريمَ السَّجايا يسبقُ القولَ بالفعْلِ
تتبّعَ آثارَ الرّزايا بجودِهِ ... تتبُّعَ آثار الأسنّةِ بالفُتْلِ
عفيفٌ تروقُ الشَّمْسَ صورةُ وجههِ ... فلو نزلتْ شوقاً لحادَ إلى الظِّلِّ
شجاعٌ كأنَّ الحربَ عاشقةٌ لهُ ... إذا زارها فدَّتْهُ بالخيل والرَّجْلِ
وما دامَ دِلَّيْرٌ يهزُّ حسامهُ ... فلا نابَ في الدُّنيا للَيْثٍ ولا شبلِ
فتًى لا يُرجّي أن تتم طهارةٌ ... لمن لم يطهِّرْ راحتَيْهِ من البخلِ
وقال أيضاً:
وبمُهْجتي يا عاذلي المَلكُ الَّذي ... أسخطْتُ كلَّ النَّاس في إرضائِهِ
إنْ كانَ قدْ ملَكَ القلوبَ فإنَّهُ ... ملَكَ الزَّمَانَ بأرضِهِ وسمائِهِ
الشَّمْسُ من حُسَّادِهِ والنَّصرُ من ... قُرَنائِهِ والسَّيفُ من أسمائِهِ
أينَ الثَّلاثةُ من ثلاثِ خِصالهِ ... من حسنِهِ وإبائِهِ ومضائِهِ
مضَتْ الدُّهورُ وما أتينَ بمثلهِ ... ولقدْ أتى فعجزْنَ عن نُظرائِهِ
وُقِيَ الأميرُ هوى العيونِ فإنَّهُ ... ما لا يزولُ ببأسِهِ وسخائِهِ
يستأسرُ البطلَ الكميَّ بنظرةٍ ... ويحولُ بين فؤادِهِ وعزائِهِ
إنِّي دعوتُكَ للنّوائِبِ دعوةً ... لم يدْعَ سامعُها إلى أكفائِهِ
فأتيْتُ من فوق الزّمان وتحته ... مَتَصلْصلاً وأمامِهِ وورائِهِ
من للسُّيوفِ بأن يكون سميّها ... في أصلِهِ وفرنْدِهِ ووفائِهِ
طُبعَ الحديدُ فكانَ من أجناسِهِ ... وعليٌّ المطبوعُ من آبائِهِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ ثبت أوَّلها في باب النَّسيب:
من الحلمِ أن تستعمل الجهلَ دونَهُ ... إذا اتّسعت في الحلمِ طرقُ المظالمِ
وأن تردَ الماءَ الَّذي شطرُه دمٌ ... فتُسْقى إذا لم يُسقَ من لم يُزاحِمِ
ومن عرف الأيَّام معرفتي بها ... وبالنَّاسِ روّى رُمحَهُ غيرَ راحمِ
فليسَ بمرحومٍ إذا ظفروا به ... ولا في الرَّدى الجاري عليهم بآثمِ
إذا صُلْتُ لم أترك مصالاً لفاتكٍ ... وإن قلتُ لم أترك مقالاً لعالمِ
وإلا فخانتني القوافي وعاقني ... عن ابن عبيد الله ضعفُ العزائمِ
تمنّى أعاديهِ محلَّ عُفاتِهِ ... وتحسد كفَّيْهِ ثقالُ الغمائمِ
ولا يتلقّى الجهرَ إلاَّ بمُهْجةٍ ... مُعظَّمةٍ مذخورةٍ للعظائمِ
كريمٌ نفضتُ النَّاسَ لمّا بلغتُه ... كأنَّهُمُ ما جفَّ من زادِ قادِمِ
وكادَ سُروري لا يَفي لنَدَامتي ... على تركهِ في عمريَ المُتقادِمِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ ثبت أولها في باب النسيب:
ومنْ تكن الأُسدُ الضَّواري جودَهُ ... يكنْ ليلُه صبحاً ومطعمُهُ غَصْبا
ولستُ أُبالي بعدَ إدراكي العُلا ... أكانَ تراثاً ما تناولتُ أمْ كسبا
وربَّ غلامٍ علَّمَ المجدَ نفسَهُ ... كتعليمِ سيف الدَّولةِ الضّرْبا
إذا الدولةُ استكفتْ بهِ في ملمَّةٍ ... كفاها فكانَ السَّيْفَ والكفَّ والقلبا
تهابُ سيوفُ الهندِ وهي حدائدٌ ... فكيفَ إذا ما كانتْ نِزاريَّةً عُربا
ويرهَبُ نابُ اللَّيثِ واللَّيثُ وحدَهُ ... فكيفَ إذا كانَ اللّيوثُ لهُ صَحْبا
ويخشَى عبابُ البحرِ وهو مكانَهُ ... فكيفَ بمنْ يغشى البلادَ إذا عبَّا
كفى عجباً أن يعجَبَ النَّاسُ أنَّه ... بنى مَرْعشاً تبّاً لآرائهمْ تبَّا
وما الفرقُ ما بينَ الأنامِ وبينَهُ ... إذا حذرَ المحذورَ واستصعَبَ الصَّعبا
لأمرٍ أعدته الخلافةُ للعِدا ... وسمَّتهُ دونَ العالمِ الصَّارمَ العضْبا
ولم تفترق عنهُ الأسنَّةُ رحمةً ... ولم يترُك الشَّامَ الأعادي لهُ حبَّا
ولكنْ نَفَاها عنهُ غيرَ كريمةٍ ... كريمُ النَّثا ما سُبَّ قطّ ولا سَبَّا
وجيشٌ يُثنّي كلّ طودٍ كأنَّهُ ... خَريقُ رياحٍ واجهتْ غُصناً رَطبا
كأنَّ نجومَ الليلِ خافتْ مُغارَهُ ... فمدَّتْ عَلَيْها من عَجَاجتهِ حُجْبا
وقال أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان:
أشدَّةٌ ما أراهُ منكَ أم كرَمُ ... تجود بالنَّفسِ والأرواحُ تُصطلَمُ
يا باذلَ النَّفسِ والأموالِ مُبتسماً ... أما يهولُكَ لا موتٌ ولا عدَمُ
لقد ظننتُكَ بينَ الجَحفلينِ تَرَى ... أنَّ السَّلامَةَ مِن وقعِ القَنَا تَصِمُ
نشدتُكَ الله لا تسمحْ بنفسٍ عُلاً ... حياةُ صاحِبِها تحيا بها الأُمَمُ
هي الشَّجاعَةُ إلاَّ أنَّها سَرَفٌ ... وكلُّ فضلكَ لا قصدٌ ولا أمَمُ
إذا لَقيتَ رقاقَ البِيضِ منفرداً ... تحتَ العجاجِ فلمْ تُستكثَرُ الخدَمُ
مَنْ ذا يقاتلُ مَنْ تلقَى القتالَ بهِ ... وليسَ يفضُلُ عنكَ الخيلُ والبُهَمُ
تضنُّ بالطَّعنِ عنَّا ضّنَ ذي بَخَلٍ ... ومنكَ في كلِّ حال يُعرَفُ الكرَمُ
لا تبخلنَّ على قومٍ إذا قُتلوا ... أثْنى عليكَ بَنُو الهيجاءِ دونهُمُ
همُ الفوارسُ في أيديهمُ أسَلٌ ... فإنْ رأَوْكَ فأُسدٌ والقَنَا أجَمُ
وقال السَّريُّ الموصليّ من قصيدةٍ:
أعزمتكَ الشّهابُ أمِ النهارُ ... أراحتكَ السّحابُ أمِ البحارُ
خُلقتَ منيّةً ومنىً فأضحتْ ... تمورُ بكَ البسيطةُ أو تمارُ
تُحلّي الدينَ أو تحمي حماهُ ... فأنتَ عليه سورٌ أو سوارُ
سيوفكَ من شُكاةِ الثَّغر برءٌ ... ولكنْ للعدَا فيها بَوارُ
وكفَّاكَ الغمامُ الجَودُ يسري ... وفي أحشائهِ ماءٌ ونارُ
يسارٌ من سجيّتها المَنَايا ... ويُمنى من عطيّتها اليسارُ
حضرْنا والملوكُ له قيامٌ ... تغضُّ نواظراً فيها انكسارُ
وزُرْنا منهُ ليثَ الغابِ طَلْقاً ... ولم نَرَ قبلَهُ ليثاً يُزارُ
فكانَ لجوهرِ المجدِ انتظامٌ ... وكانَ لجوهرِ الجودِ انتثارُ
فعشتَ مخيَّراً لكَ في الأماني ... وكانَ على العدوِّ لكَ الخيارُ
فضيفُكَ للحيا المنهلِّ ضيفٌ ... وجارُكَ للرَّبيعِ الطَّلقِ جارُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أقولُ للمُبتغي إدراكَ سؤددهِ ... خفِّضْ عليكَ فليسَ النَّجمُ مطلوبا
إنْ تطلب السِّلمَ تسلمْ من صوارِمهِ ... أو تؤثر الحربَ ترجعْ عنهُ مَحروبا
كمْ منْ جَبينٍ أزارَ السَّيْفَ صفحتَهُ ... فعادَ طِرساً بحدِّ السَّيْفِ مكتُوبا
وكمْ لهُ في الوَغَى من طعنةٍ نَظَمتْ ... عِداهُ أو نثرتْ رُمحاً أنابيبَا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
كالغيثِ يُحيي إنْ همَى والسَّيلِ يُر ... دي إنْ طَمَا والدَّهْرِ يُصمي إنْ رَمَى
شتَّى الخِلال يروحُ إمَّا سالباً ... نِعَمَ العِدا قسراً وإمَّا مُنعما
مثل الشِّهابِ أصابَ فجّاً مُعشباً ... بحريقِهِ وأضاءَ فجّاً مُظلما
أو كالغمامِ الجَوْدِ إن بعثَ الحيا ... أحْيى وإن بعثَ الصَّواعقَ أضْرما
أو كالحسامِ إذا تبسَّم مَتنُهُ ... عَبَس الرَّدَى في حدِّهِ فتجهَّما
كَلِف بدُرّ الحمدِ ينظمُ سلكَهُ ... حتى يُرى عقداً عليهِ مُنظَّما
ويلمُُّ من شَعث العُلا بشمائلٍ ... أحْلى من اللَّعَسِ الممنَّعِ واللَّمى
ولرُبَّ يومٍ لا تزالُ جيادُهُ ... تطأُ الوَشيجَ مخضَّباً ومُحطَّما
باب
الفخر
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:محمدٌ النَّبيّ أخي وصِهري ... وحمزَةُ سيّد الشُّهداء عمِّي
وجعفرٌ الَّذي يُمسي ويُضحي ... يطيرُ مَعَ الملائكةِ ابنُ أُمِّي
وبنتُ محمَّدٍ سَكَني وعِرسي ... مَسوطٌ لحمها بدَمي ولَحمي
وسِبْطا أحمدٍ نجلايَ منها ... فأيَّكُمُ له سهمٌ كَسَهْمي
سبقتكُمُ إلى الإسلام طرّاً ... صغيراً ما بلغتُ أوانَ حِلْمي
وصليت الصلاة وكنت ردأ ... فأيكمْ له يومٌ كيومي؟
وأوجَبَ لي ولايَتَهُ عليكمْ ... رسولُ اللهِ يومَ غَديرِ خُمِّ
وقال سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه:
ألا هَل أتى رسولَ اللهِ أنِّي ... حميتُ صَحابتي بصدورِ نَبْلي
أذودُ بها عدوَّهم ذياداً ... بكلِّ حزُونةٍ وبكلِّ سهلِ
فما يعتدُّ رامٍ من مَعَدٍّ ... بسهمٍ يا رسولَ اللهِ قبلي
وقال معاوية، رضي الله عنه:
قدْ عشتُ في الدَّهْرِ ألواناً على خُلُقٍ ... شتَّى وقاسيتُ فيها اللِّينَ والطَّبَعَا
كُلاًّ بلوتُ فلا النَّعماءُ تُبطِرُني ... ولا تخشَّعتُ مِنْ مكروهِها جَزَعا
لا يملأُ الهولُ قلبي قبلَ موقعِهِ ... ولا أضيقُ بهِ ذَرْعاً إذا وَقَعا
وقال حسان بن ثابت، رضي الله عنه، يذكر مشاهد الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم - وتروى لعبد الرحمن ابنه - :
قومٌ هُمُ شهدُوا بدراً بأجمعهمْ ... مع الرَّسولِ فما أَلَوْا وما خَذَلوا
وبايعُوهُ فلم ينكث بهِ أحدٌ ... منهم ولم يكُ في إيمانهمْ دَخَلُ
ويَوم صبَّحهم بالشّعبِ من أُحُدٍ ... ضربٌ وطعنٌ كجمرِ النَّارِ مُشتعلُ
ويوم ذي قَرَدٍ يوم استنارَ بهمْ ... على الجيادِ فما حَاصوا ولا نَكَلوا
وذا العشيرةِ جاسُوها بخيلهمُ ... معَ الرَّسولِ عَلَيْها البِيضُ والأَسَلُ
ويوم وَدَّانَ أجلَوْا أهلَهُ رَقصاً ... بالخيلِ حتَّى نَهَانا الحزنُ والجَبَلُ
وغزوةً يومَ نجدٍ ثمَّ كانَ لهمْ ... معَ الرَّسولِ بها الأسلابُ والنَّفَلُ
وليلةً بحُنَينٍ جالَدُوا معهُ ... فيها يَعُلُّهمْ بالحربِ إذْ نهَلُوا
وغزوةَ القاعِ فرَّقنا العدوَّ بهِ ... كما تفرَّقَ دونَ المشرَبِ الرَّسَلُ
ويومَ بُويعَ كانُوا أهلَ بيعتهِ ... على الجِلادِ فآسَوْهُ وما عَدَلوا
وغزوةَ الفتح كانُوا في سريَّتهِ ... مُرابطينَ فما طاشُوا وما عَجِلوا
ويوم خَيْبر كانُوا في كتيبتهِ ... يمشُونَ كلُّهم مُستبسلٌ بطَلُ
بالبِيضِ ترعَشُ في الأيمانِ عاريةً ... تعوجُّ في الضَّربِ أحياناً وتعتدِلُ
ويوم سارَ رسولُ اللهِ مُحتسباً ... إلى تبوكَ وهُم راياتهُ الأُوَلُ
وساسَةُ الحربِ إنْ حربٌ بدتْ لهُمُ ... حتَّى بَدَا لهُمُ الإقبالُ والقَفَلُ
أُولئكَ القومُ أنصارُ النَّبيّ وهمْ ... قومي أصيرُ إليهم حينَ أتَّصلُ
ماتُوا كِراماً ملم تُنكثْ عهودهُمُ ... وقتلُهُمْ في سبيلِ الله إذْ قُتلوا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لنا حاضرٌ فَعْمٌ وبادٍ كأنَّهُ ... شماريخُ رَضْوى عزَّةً وتَكَرُّما
متى ما ترزنَا من معدٍّ بعُصبةٍ ... وغسَّانَ نمنعْ حوضَنَا أن يُهدَّما
بكلّ فَتى عاري الأشاجعِ لاحَهُ ... قراعُ الكُماةِ يرشَحُ المسكَ والدَّما
ولدْنا بني العنقاءِ وابنيْ مُحرَّقٍ ... فأكرمْ بنا خالاً وأكرمْ بنا ابْنَمَا
نُسوِّدُ المال القليلِ إذا بدتْ ... مروءتهُ فينا وإنْ كانَ مُعدما
وإنَّا لقوَّالون للخيلِ أقدِمِي ... إذا لمْ يجدْ بعضُ الفوارسِ مَقْدما
لنا الجَفناتُ الغرُّ يلمعنَ بالضُّحى ... وأسيافُنا يقطُرْنَ من نجدةٍ دَما
أبى فعلُنا المعروفَ أن ننطقَ الخَنَا ... وقائلُنا بالعُرفِ إلاّ تكلُّما
وقال النَّابغة الجعديّ من قصيدةٍ:
مَلَكْنا فلم نكشفْ قناعاً لحرَّةٍ ... ولم نستلبْ إلاَّ الحديدَ المُسمَّرا
ولو أنَّنا شِئنا سِوى ذاكَ أصبحتْ ... كرائمُهُمْ فينا تُباعُ وتُشرَى
وإنّا لقومٌ ما نُعوّدُ خَيْلنا ... إذا ما التَقَيْنا أنْ تحيدَ وتَنْفرا
وتُنكرُ يومَ الرَّوعِ ألوانَ خيلِنا ... من الطَّعن حتَّى تحسبَ الجونَ أشقرا
وليسَ بمعروفٍ لنا أنْ نَرُدَّها ... صِحاحاً ولا مُستنكراً أن تُعقّرا
بلغنَا السَّماءَ مجدُنَا وسناؤُنَا ... وإنَّا لنرجُو فوقَ ذلكَ مظهَرَا
وقال عمرو بن كلثوم من قصيدةٍ:
بأنَّا نوردُ الرَّاياتِ بيضاً ... ونُصدرهنَّ حمراً قد رَوينا
مَتَى ننقلْ إلى قومٍ رَحَانا ... يكونُوا في اللِّقاءِ لَهَا طَحينا
يكونُ ثِفالُها شرقيَّ نجدٍ ... ولهوَتُها قُضاعَةَ أجمَعينا
ورثْنا المجدَ قدْ علمتْ مَعَدٌّ ... نُطاعنُ دونَهُ حتَّى يُبينا
ونحنُ الحاكمونَ إذا أُطعْنا ... ونحنُ العازمونَ إذا عُصينا
ونحنُ التَّاركونَ إذا سخطنا ... ونحنُ الآخذونَ إذا رَضينا
وكنَّا الأيْمَنَيْن إذا التَقَيْنا ... وكانَ الأيْسَرَينِ بَنُو أبينا
فصالُوا صولةً فيمنْ يليهمْ ... وَصُلْنا صولةً فيمنْ يَلينا
فآبُوا بالنّهابِ معَ السَّبايا ... وأُبْنا بالمُلوكِ مُصفَّدينا
لَنَا الدُّنيا ومَنْ أضحَى عَلَيْها ... ونَبطشُ حينَ نبطشُ قادِرينا
وقال امرؤ القيس بن حُجر الكنديّ:
فدعْ ذا وسلِّ الهمَّ عنكَ بجَسْرةٍ ... ذَمُولٍ إذا صامَ النَّهارُ وهجَّرا
عَلَيْها فتًى لم تَحمل الأرضُ مثلَهُ ... أبرَّ بميثاقٍ وأوْفى وأصْبَرَا
هو المُنزلُ الأُلاَّف من جوّ ناعِطٍ ... بني أسدٍ حَزْناً من الأرضِ أوْعَرَا
ولو شاءَ كانَ الغزوُ من أرضِ حميَرٍ ... ولكنَّهُ عمداً إلى الرُّومِ أنْفَرَا
بكى صاحبي لمَّا رأى الدَّربَ دونَهُ ... وأيقنَ أنَّا لاحقان بقيصرا
فقلتُ لهُ لا تبكِ عينُكَ إنَّما ... نُحاولُ مُلكاً أوْ نموتُ فنُعذرا
وكنَّا أُناساً قبلَ غزوةِ قَرْمَلٍ ... وَرِثنا الغِنَى وامجدَ أكبر أكْبَرا
وقال طرفة بن العبد من قصيدةٍ:
نحنُ في المشتاةِ ندعُو الجَفَلى ... لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتقرْ
ولقد تعلَمُ بكرٌ أنَّنا ... فاضِلُو الرَّأيِ وفي الرَّوعِ وُقُرْ
يكشفونَ الضُّرَّ عن ذي ضُرِّهمْ ... ويُبرُّون على الآبِي المُبرّ
نُمسكُ الخيلَ على مكروهِها ... حينَ لا يمسِكُها إلاَّ الصُّبُرْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إذا القومُ قالوا مَن فتًى خلتُ أنَّني ... دُعيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبلَّدِ
ولستُ بمحلالِ التِّلاعِ مخافةً ... ولكنْ مَتَى يسترفِد القومُ أرفِدِ
وإنْ أُدعَ للجُلَّى أكُنْ من حُماتِها ... وإن يأتكَ الأعداءُ بالجَهد أجهدِ
أنا الرَّجُلُ الضَّربُ الَّذي تعرفونَهُ ... خُشاشاً كرأسِ الحيَّة المُتوقّدِ
وآليتُ لا ينفكُّ كَشْحي بطانَةً ... لعَضْبٍ رقيقِ الشّفرتين مهنَّدِ
أخي ثقةٍ لا ينثَنِي عن ضَريبةٍ ... إذا قيلَ مهلاً قالَ حاجزُهُ قدِي
حسامٌ إذا ما قُمتُ مُنتصراً بهِ ... كَفَى العَوْدَ منهُ البدءُ ليس بمعضَدِ
إذا ابتدرَ القومُ السِّلاحَ وجدْتَني ... مَنيعاً إذا بلَّتْ قوائمُه يَدِي
وقال عنترة بن شدَّاد العبسيّ من قصيدةٍ:
هلاَّ سألتِ القومَ يا ابنةَ مالكٍ ... إن كنتِ جاهلةً بما لم تعلمِي
يُخبركِ مَنْ شهدَ الوقيعةَ أنَّني ... أغشى الوَغَى وأعفُّ عند المغنمِ
ومدجَّجٍ كرِهَ الكُماةُ نزالَهُ ... لا مُمعنٍ هَرَباً ولا مستسلِمِ
جادتْ يدايَ لهُ بعاجِلِ طعنةٍ ... بمثقَّفٍ صَدْقِ القناةِ مقوَّمِ
فشككتُ بالرُّمحِ الطَّويل إهابَهُ ... ليسَ الكريمُ علَى القَنَا بمُحرَّمِ
وتركتهُ جزر السِّباعِ ينُشْنَهُ ... ما بينَ قلَّةِ رأسِهِ والمعصمِ
لمَّا رأيتُ القومَ أقبلَ جمعهمْ ... يتذامَرُون كررتُ غيرَ مُذمَّمِ
يدعونَ عنترَ والرّماحُ كأنَّها ... أشطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدهمِ
ما زلتُ أرميهمْ بثُغرةِ نحرِهِ ... ولبَانهِ حتَّى تسربَلَ بالدَّمِ
وقال أيضاً:
إنِّي امرؤٌ من خيرِ عبسٍ منصِباً ... شَطْرِي وأَحمِي سَائِرِي بالمُنصلِ
إنْ يُلحَقُوا أكرُرْ وإنْ يُستلحَمُوا ... أشدُدْ وإن يُلفَوْا بضنكٍ أنزلِ
ولقد أبِيتُ علَى الطّوَى وأظَلّهُ ... حتَّى أنالَ بهِ كريمَ المأكَلِ
وإذا الكتيبةُ أحجمتْ وتلاحظتْ ... أُلفيتُ خيراً من معمٍّ مُخوِلِ
والخيلُ تعلمُ والفوارسُ أنَّني ... فرَّقتُ جمعَهُم بطعنةِ فيصلِ
بكرتْ تُخوّفي الحُتوفَ كأنَّني ... أصبحتُ عن غَرَضِ الحُتوفِ بمعزلِ
فأجبتُها أنَّ المنيَّةَ منهلٌ ... لا بدَّ أنْ أُسْقى بكأسِ المنهلِ
فاقْنَيْ حياءَكَ لا أبا لك واعلَمِي ... أنِّي امرؤٌ سأموتُ إن لمْ أُقْتلِ
إنَّ المنيَّةَ لو تُمَثَّلُ مُثِّلتْ ... مثلِي إذا نَزلوا بضنْكِ المنزِلِ
والخيلُ ساهمةُ الوجوهِ كأنَّما ... تُسقى فوارسُها نقيعَ الحنظلِ
وإذا حملتُ على الكريهةِ لم أقُل ... بعدَ الكريهةِ ليتني لم أفعلِ
وقال حاتم الطَّائي:
وإنِّي لعفُّ الفقرِ مُشتركُ الغِنَى ... وتاركُ شكلٍ لا يوافقهُ شكلي
وأجعلُ مالي دونَ عِرضي جُنَّةً ... لنَفسي واستغني بما كانَ من فَضْلي
ولي مَع بذلِ المالِ والمجدِ صولةٌ ... إذا الحربُ أبدتْ عن نَوَاجِذِها العُصْلِ
وقال أيضاً:
وعاذلةٍ قامتْ عليَّ تَلُومُني ... كأنّي إذا أعطيتُ مالي أضيمُها
أعاذلَ إنَّ الجودَ ليسَ بمُهلِكي ... ولا مُخلدُ النَّفسِ الشَّحيحةِ لومُها
وتذكَرُ أخلاقُ الفَتَى وعِظامُهُ ... مغيَّبةٌ في اللَّحدِ بالٍ رميمُها
ومنْ يبتدعْ ما ليسَ من خيْمِ نفسِهِ ... يدعْهُ ويغلبْهُ على النَّفسِ خِيمُها
وقال أيضاً:
مَتَى ما يجئْ يوماً إلى المالِ وارثي ... يجدْ جُمعَ كفٍّ غير مَلأى ولا صِفْرِ
يجدْ فَرَساً طلقَ العنانِ وصارماً ... حساماً إذا ما هُزَّ لم يرضَ بالهبرِ
وأسمَرَ خطِّياً كأنَّ كُعُوبَهُ ... نَوَى القسبِ قد أرْمى ذراعاً على العشرِ
وقال السَّموأل بن عاديا:
إذا المرءُ لمْ يدنسْ منَ اللُّؤمِ عِرضهُ ... فكلُّ رداءٍ يرتديهِ جمِيلُ
وإنْ هو لمْ يحملْ على النَّفسِ ضَيمَها ... فليسَ إلى حسنِ الثَّناءِ سبِيلُ
تُعيِّرنا أنَّا قليلٌ عديدُنا ... فقلتُ لها إنَّ الكرامَ قلِيلُ
وما قلَّ منْ كانتْ بقاياهُ مثلنا ... شبابٌ تَسامى للعُلا وكهولُ
وما ضرَّنا أنَّا قليلٌ وجارُنا ... عزيزٌ وجارُ الأكثرينَ ذلِيلُ
لنا جبلٌ يحتلُّهُ مَن نجيرُهُ ... منيفٌ يردُّ الطَّرفَ وهوَ كلِيلُ
رَسَا أصلهُ تحتَ الثَّرى وسَمَا بهِ ... إلى النَّجمِ فرعٌ لا يُنالُ طوِيلُ
وإنَّا لقومٌ لا نَرَى القتلَ سُبَّةً ... إذا ما رأتهُ عامرٌ وسَلولُ
يقرِّبُ حبَّ الموتِ آجالَنا لنا ... وتكرَهُهُ آجالهمْ فتطُولُ
وما ماتَ منَّا سيِّدٌ حتفَ أنفهِ ... ولا طُلَّ منَّا حيثُ كانَ قتِيلُ
تسيلُ على حدِّ الظُّباتِ نُفوسنا ... وليستْ على غيرِ الظُّباتِ تسِيلُ
صَفَونا فلم نكدرْ وأخلص سِرَّنا ... إناثٌ أطابتْ حملَنَا وفُحُولُ
عَلَونا إلى خيرِ الظُّهورِ وحطَّنا ... لوقتٍ إلى خيرِ البطونِ نزُولُ
فنحنُ كماءِ المزنِ ما في نِصابنا ... كَهامٌ ولا فينا يعدُّ بَخيلُ
وننكرُ إنْ شئنا على النَّاسِ قولهمْ ... ولا ينكرونَ القولَ حينَ نقُولُ
إذا سيِّدٌ منَّا خلا قامَ سيِّدٌ ... قؤولٌ بما قالَ الكرامُ فعُولُ
وما أُخمدتْ نارٌ لنا دونَ طارقٍ ... ولا ذمَّنا في النَّازلينَ نزِيلُ
وأيَّامنا مشهورةٌ في عدوّنا ... لها غُررٌ مشهورةٌ وحُجُولُ
وأسيافُنا في كلِّ شرقٍ ومغربٍ ... بها منْ قراعِ الدَّارعينَ فلُولُ
معوَّدةٌ ألاَّ تُسلَّ نِصالُها ... فتُغمَدَ حتَّى يُستباحَ قبيلُ
وقال أعشى بكر من قصيدةٍ:
إنِّي امرؤ من عصبةٍ قيسيَّةٍ ... سادُوا العداةَ بسامِحِ الأجوادِ
إذْ لا يُرى قيسٌ يكونُ كقيسِنا ... حَسَباً ولا كَبَنيهِ في الأولادِ
الواطئينَ على صُدُور نِعالهمْ ... يمشُونَ في الدَّفَنِيِّ والأبرادِ
والبائعينَ نفوسَهُم ما حارَبُوا ... بالحمدِ يومَ تنازُلٍ وطِرادِ
وقال عمرو بن الأهتم من قصيدةٍ:
ذَريني فإنَّ الشُّحَّ يا أُمَّ هيثمٍ ... لصالحِ أخلاقِ الرِّجالِ سَرُوقُ
ذَريني وحطِّي في هوايَ فإنَّني ... على الحَسَبِ الزَّاكي الرَّفيعِ شفيقُ
ذَريني فإنِّي ذو فَعَالٍ تُهِمُّني ... نوائبُ يغشَى رزؤها وحقوقُ
وكلُّ كريمٍ يتَّقي الذَّمَّ بالقِرى ... وللخيرِ بينَ الصَّالحينَ طريقُ
لَعمركَ ما ضاقتْ بلادٌ بأهلِها ... ولكنَّ أخلاقَ الرِّجالِ تضيقُ
وقال عامر بن الطُّفيل من قصيدة:
وإنِّي وإنْ كنتُ ابنَ فارسِ عامرٍ ... وفي السِّرِّ منها والصَّريحِ المهذَّبُ
فما سوَّدتني عامرٌ عن وراثةٍ ... أبَى اللهُ أنْ أسمُو بأُمٍّ ولا أبِ
ولكنِّي أحمِي حِماها وأتَّقي ... أذاها وأرْمي مَنْ رماها بمقْنَبِ
وقال زيد الخيل:
بني عامرٍ هلْ تعرفونَ إذا غَدَا ... أبو مُكنفٍ قد شدَّ عقدَ الدَّوابِرِ
بجيشٍ تضلُّ البُلقُ في حَجَراتِهِ ... تَرَى الأُكمَ منهُ سجَّداً للحوافرِ
وجمعٍ كمثلِ الليلِ مُرتجسِ الوَغَى ... كثيرٍ تواليهِ سريعِ البوادرِ
أبتْ عادةٌ للوَرْدِ أن يكرهَ الوَغَى ... وحاجَةُ رُمحي في نُميرٍ وعامرِ
وقال قيس بن عاصم:
إنِّي امرؤٌ لا يطَّبي حَسَبي ... دَنَسٌ يفنِّدُهُ ولا أَفْنُ
من مِنْقَرٍ في بيتِ مكرمةٍ ... والأصلُ ينبُتُ حولهُ الغُصنُ
خُطباءُ حينَ يقومُ قائلُهمْ ... بِيضُ الوجوهِ مَصاقِعٌ لُسْنُ
لا يَفْطنونَ لعيبِ جارِهمُ ... وهُم لحفظِ جوارِهمْ فُطْنُ
وقال محمد بن بشير:
لأنْ أُزجِّي عند العُرْي بالخَلَقِ ... وأجتَزي من كثيرِ المالِ بالعُلَقِ
خيرٌ وأكرمُ لي من أن أَرَى مِنَناً ... معقودةً للئامِ النَّاسِ في عُنُقي
إنِّي وإنْ قصَّرتْ عن همَّتي جِدَتي ... وكانَ ماليَ لا يقوَى على خلقي
لتاركٌ كلّ أمرٍ كانَ يُلزمني ... عاراً ويُشرعُني في المنهلِ الرَّنَقِ
وقال ابن الإطنابة:
أبتْ لي عفَّتي وأَبَى بلائي ... وأخذي الحمدَ بالثَّمنِ الرَّبيحِ
وإجشامي علَى المكروهِ نَفسي ... وضَرْبي هامةَ البطلِ المُشيحِ
وقولي كلَّما جَشأتْ وجاشتْ ... مكانكِ تُحْمَدي أوْ تستريحي
لأدفعَ عن مآثرَ صالحاتٍ ... وأحْمي بعدُ عن عِرضٍ صحيحِ
وقال أيضاً:
إنِّي من القومِ الَّذينَ إذا انتدَوْا ... بدَؤُوا بحقِّ اللهِ ثمَّ النَّائِلِ
المانعينَ من الخَنَا جاراتِهِم ... والحاشدينَ على طعامِ النَّازِلِ
والخالطينَ فقيرَهُم بغنيّهمْ ... والباذلينَ عطاءَهُم للسَّائِلِ
والقاتلينَ لدَى الوَغَى أقرانَهُم ... إنَّ المنيَّةَ مِنْ وراءِ الوائلِ
والقائلينَ فلا يعابُ كلامَهُم ... يومَ القيامةِ بالقَضَاءِ الفاصِلِ
وقال أبو الطّمحان القينيُّ:
وإنِّي من القومِ الَّذين هُمُ هُمُ ... إذا ماتَ منهمْ سيّدٌ قام صاحبُهْ
نجومُ سماءِ كلَّما غارَ كوكبٌ ... بدا كوكبٌ تأوي إليه كواكبُهْ
أضاءتْ لهمْ أحسابُهُم ووجوههمْ ... دُجى الليلِ حتَّى نظّم الجزعَ ثاقبُهْ
وما زالَ منهم حيثُ كانوا مسوَّدٌ ... تسيرُ المَنَايا حيثُ سارتْ كتائبُهْ
وقال قيس بن الخطيم:
طعنتُ ابنَ عبدِ القيسِ طعنةَ ثائرٍ ... لها نَفذٌ لولا الشَّعاعُ أضاءها
ملكتُ بها كفّي فأنهرتُ فَتْقها ... يُرى قائماً مِن دونِها ما وَرَاءها
يهونُ عليَّ أن ترُدَّ جِراحَها ... عيونُ الأواسِي إذْ حَمِدتُ بلاءها
وساعَدَني فيها ابنُ عمرو بنِ عامرٍ ... خِداشٌ فأدَّى نعمةً وأفاءها
وكنتُ امرأً لا أسمعُ الدَّهرَ سُبَّةً ... أُسَبُّ بها إلاَّ كشفتُ غطاءها
إذا ما شربتُ أربعاً خطّ مئزري ... وأتبعتُ دَلْوي في السَّماحِ رشاءها
وقال الحُصين بن الحُمام المُرّي:
تأخرتُ أسْتبقي الحياةَ فلمْ أجدْ ... لمِثلي حياةً مثلَ أنْ أتقدَّما
نُفلِّقُ هاماً من رجالٍ أعزَّةٍ ... عَلَيْنا وهُم كانُوا أعَقَّ وأظلما
نحاربهم نستودع البِيضَ هامَهُمْ ... ويستودِعونا السَّمهريَّ المُقوَّما
ولسنا على الأعقابِ تَدمى كُلُومنا ... ولكنْ على أقدامِنا تقطُرُ الدّما
وقال سعيد بن ناشب:
سأغسلُ عنّي العارَ بالسَّيْفِ جالباً ... عليَّ قضاءُ اللهِ ما كانَ جالِبا
وأذهلُ عن دارِي وأجعلُ هَدْمها ... لعِرضيَ من باقي المذمَّةِ حاجِبا
ويصغُرُ في عَيْني تِلادي إذا انثنتْ ... يَميني بإدراكِ الَّذي كنتُ طالِبا
فإن تهدِمُوا بالغَدْر دارِي فإنَّها ... تُراثُ كريمٍ لا يُبالي العَواقبا
أخي عَزَماتٍ لا يريدُ علَى الَّذي ... يهمُّ بهِ من مُفظعِ الأمرِ صاحبا
إذا همَّ لم تُردعْ عزيمةُ همِّهِ ... ولم يأتِ ما يأتي من الأمرِ هائِبا
فيا لَرازمٍ رشَّحُوا بي مُقدَّماً ... إلى الموتِ خوَّاضاً إليهِ الكتائبا
إذا هَمَّ ألْقى بين عَينيهِ عزمَهُ ... ونكّبَ عن ذِكرِ العواقبِ جانِبا
ولمْ يستشرْ في أمرهِ غيرَ نفسِهِ ... ولم يرضَ إلاَّ قائم السَّيْفِ صاحِبا
وقال عمرو بن براقة الهمدانيّ:
تقولُ سُلَيْمَى لا تَعَرَّضْ لتلفةٍ ... وليلُكَ عن ليلِ الصَّعاليكِ نائمُ
وكيفَ ينامُ الليلَ من جُلَّ همِّهِ ... حسامٌ كلونِ الملح أبيضُ صارمُ
ألمْ تعلَمي أنَّ الصَّعاليكَ نومُهُمْ ... قليلٌ إذا نامَ الخليُّ المسالمُ
كذبتمْ وبيتِ اللهِ لا تأخُذونها ... مُراغمةً ما دامَ للسَّيفِ قائمُ
أفَاليومَ أُدعى للهوادةِ بعدَمَا ... أُجيلَ على الحيِّ العتاقُ الصَّلادمُ
وإنَّ حَريماً قدْ رجا أن أرُدَّها ... ويذهبَ مالي يا ابنةَ العمِّ حالمُ
مَتَى تَجمع المالَ الممنَّع بالقنا ... تعش ماجداً أوْ تخترمْكَ المخارمُ
مَتَى تجمع القلبَ الذّكيَّ وصارماً ... وأنفاً حميّاً تجتنبْكَ المظالمُ
وكنتُ إذا قومٌ غَزَوْني غزوتُهُمْ ... فهلْ أنا في ذا يالَ همدانَ ظالم
فلا صُلحَ حتَّى تُقدَعَ الخيلُ بالقَنَا ... وتُضرَبَ بالبِيضِ الرِّقاقِ الجماجمُ
ولا أمنَ حتَّى تغشمَ الحربُ جهرةً ... عبيدةَ يوماً والحروبُ غواشمُ
وقال حُميد بن ثور الهلاليّ:
وإنِّي لعفٌّ عن زيارةِ جارَتي ... وإنِّي لَمَنْشوءٌ إليَّ اغتيابُها
إذا غابَ عنها بعلُها لم أكنْ لها ... زَؤُوراً ولا تأنسْ إليَّ كلابُها
وما أنا بالدَّاري أحاديثَ بينِها ... ولا عالمٌ مِن أيّ حوكٍ ثيابُها
وإنَّ قرابَ البَطن يكفيكَ ملأَهُ ... ويكفيكَ سَوْءاتِ الأُمورِ اجتنابُها
وقال قطريّ بن الفُجاءة:
يا رُبَّ ظلِّ عقابٍ قد وَقَيتُ بها ... مُهري منَ الشَّمْسِ والأبطالُ تجتلدُ
ورُبَّ يومِ حمًى أرعيتُ عقوَتَهُ ... خَيلي اقتصاراً وأطرافُ القنا قصُدُ
ويومِ خفضٍ لأهلِ اللَّهوِ ظلَّ بهِ ... لهوي اصطِلاءَ الوَغَى أو نارُهُ تقدُ
مشهَّراً موقفي والحربُ كاشفةٌ ... عنها القناعَ وبحرُ الموتِ يطَّردُ
وربَّ هاجرةٍ تغلي مراجلُها ... مَخَرتُها بمطايا غارةٍ تخدُ
تجتابُ أوديةَ الأفزاعِ آمنةٍ ... كأنَّها أُسدٌ تقتادُها أُسدُ
فإنْ أمُتْ حتفَ أنفي لا أمتْ كَمداً ... على الطِّعانِ وقصرُ العاجِزِ الكمدُ
ولم أقلْ لمْ أُساقِ الموتَ شاربَهُ ... في كأسِهِ والمنايا شرَّعٌ وُرُدُ
وقال أيضاً:
لا يَركَنَنْ أحدٌ إلى الإحجامِ ... يومَ الوَغَى متخوِّفاً لحِمامِ
فلقدْ أُراني للحِمامِ دريئةً ... مِنْ عَنْ يَميني مرّةً وأمامي
حتَّى خضتُ بما تحدَّرَ من دَمي ... أحناءَ سَرْجي أو عنانَ لِجامي
ثمَّ انصرفتُ وقدْ أصبتُ ولمْ أُصبْ ... جذَعَ البصيرةِ قارِحَ الإقدامِ
وقال علي بن عبد الله بن العبَّاس:
أبي العبَّاسُ قرمُ بني قصيٍّ ... وأخوالي الكرامُ بَنُو وَليعَهْ
هُمُ منَعُوا ذِماري يومَ جاءتْ ... كتائبُ مُسرفٍ وبَنُو اللَّكيعهْ
أرادَ بيَ الَّتي لا عزَّ فيها ... فحالتْ دونَهُ أيدٍ رفيعهْ
وقال حارثة بن بدر:
وشيَّبَ رأسي اليومَ والأمسِ قبلَهُ ... رُعُودُ المنايا فوقَنَا وبروقُها
لَنَا نبعةٌ كانتْ تَقينا فروعُها ... فقد قُطعت إلاَّ قليلاً عروقُها
وإنَّا لتَسْتحلي المنايا نفوسَنَا ... وتترُكُ أُخرى مرَّةً لا تذوقُها
وقال أبو مخزومٍ النَّهشليّ:
إنّا بني نهشلٍ لا ندَّعي لأبٍ ... عنهُ ولا هو بالأبناءِ يَشرينا
إن تُبْتَدَرْ غايةٌ يوماً لمكرُمةٍ ... تلقَ السَّوابقَ منَّا والمُصلّينا
وليسَ يَهلكُ منّا سيدٌ أبداً ... إلاَّ افْتَلَينا غُلاماً سيّداً فينا
إنّا لنُرخِصُ يومَ الرَّوع أنفُسنا ... ولو نُسامُ بها في الأمن أُغلينا
بيضٌ مفارقُنا تغلي مراجلُنا ... نأسوا بأموالنا آثارَ أيدينا
إنّا لمنْ معْشرٍ أفْنى أوائلهُمْ ... قيلُ الكُماةِ ألا أينَ المُحامونا
لو كانَ في الألفِ منّا واحدٌ فدَعَوْا ... مَن فارسٍ خالَهُمْ إيّاهُ يَعنونا
إذا الكُماةُ تنحَّوْا أنْ يصيبهُمُ ... حدُّ الظُّباتِ وَصَلناها بأيدينا
ولا تراهمْ وإنْ جلَّتْ مُصيبتُهمْ ... مع البُكاةِ علَى من ماتَ يبكونا
وقال الفرزدق من قصيدةٍ؛ واسمه همَّام بن غالب:
وركبٍ كأنَّ الريحَ تطلبُ عندهمْ ... لها ترَةً مِنْ جذبِها بالعصائِبِ
سَرَوا يخبِطونَ الرِّيحَ وهي تقلُّهمْ ... إلى شُعَب الأكوارِ ذاتِ الحقائِبِ
إذا آنسوا ناراً يقولونَ ليتَهَا ... وقد خصِرتْ أيديهمُ نارُ غالِبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنَّ الَّذي سَمَكَ السَّماءَ بَنَى لنا ... بيتاً دعائمهُ أعزُّ وأطولُ
بيتٌ زُرارةُ مُحتبٍ بفنائهِ ... ومُجاشعٌ وأبو الفوارسِ نهشلُ
أحلامُنا تزنُ الجبالَ رزانَةً ... وتَخَالُنا جنّاً إذا ما نجهَلُ
يلِجونَ بيتَ مجاشعٍ فإذا احتَبَوْا ... بَرَزوا كأنَّهمُ الجبالُ المُثَّلُ
الأكثرونَ إذا يعدُّ حصاهُمُ ... والأكرمونَ إذا يعدُّ الأوَّلُ
حلَلُ الملوكِ لباسُنا في أهلنا ... والسَّابغاتِ إلى الوَغَى نتسربَلُ
إنِّي ابنُ حنظلَةَ الأغرِّ وإنَّني ... في آلِ ضبَّةَ للمُعمُّ المخوَلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ومنَّا الَّذي اختيرَ الرِّجالَ سماحةً ... وخيراً إذا هبَّ الرِّياحُ الزَّعازعُ
ومنَّا الَّذي أعطى الرَّسولُ عطيَّةً ... أُسارى تميمٍ والعيونُ دوامعُ
ومنَّا خطيبٌ لا يعابُ وحاملٌ ... وعمرٌو ومنَّا حابسٌ والأقارعُ
تعالَوْا فعدُّوا يعلمِ النَّاسُ أيُّنا ... لصاحبِهِ في أولِ الدَّهْرِ تابعُ
وأين تقضَّى المالكانِ أُمورَهَا ... بحقٍّ وأينَ الخافقاتُ اللَّوامعُ
وأينَ الوجوهُ الواضحاتُ عشيَّةً ... على البابِ والأيدي الطِّوالُ اللَّوامعُ
أخذنا بآفاقِ السَّمَاءِ عليكُمُ ... لنا قَمَراها والنُّجومُ الطَّوالعُ
وكنَّا إذا الجبَّارُ صعَّرَ خدَّهُ ... ضربناهُ حتَّى تستقيمَ الأخادعُ
وقال جرير بن عطية من قصيدة:
إنِّي ابنُ حنظلةَ الحِسانِ وجوهُهُم ... والأعظمينَ مساعياً وجُدودا
والأكرمينَ مُركّباً إذا رُكِّبوا ... والأطيبينَ من التُّرابِ صعيدا
إنَّا لنذعَرُ يا قُفيرَ عدوّنا ... بالخيلِ لاحقَةَ الأياطلِ قُودا
ونكرُّ محمِيَةً وتمنَعُ سرحَنَا ... جردٌ تَرَى لمُغارها أُخدودا
أجرَى قلائدَهَا وخدَّدَ لحمَهَا ... ألاَّ يذقنَ مع الشَّكائِمِ عودا
وطَوَى القيادُ مع الطِّرادِ بُطُونها ... طيَّ التِّجارِ بحضْرَمَوتَ بُرُودا
نبني على سَنَنِ العدوِّ بيوتَنَا ... لا نستجيرُ ولا نحلُّ حَريدا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أنا ابنُ الثَّرى أدعُو قُضاعَةَ ناصِرِي ... وآلَ نزارٍ ما أعزَّ وأكثَرَا
أبونا أبو إسحاقَ يجمَعُ بينَنَا ... أبٌ كانَ مَهديّاً نبيّاً مطهَّرا
فيجمعُنا والغُرَّ أبناءَ سارةٍ ... أبٌ لا نبالي بعدَهُ مَنْ تَغَدَّرا
بَنَى قبلَةَ اللهِ الَّتي يُهتدى بها ... فأورَثَنا عزّاً وملكاً معمَّرا
وإنَّ الَّذي أعطَى الخلافَةَ أهلَهَا ... بني ليَ مِن قيسٍ وخِندفَ مفخَرَا
منابرُ ملكٍ كلُّها مضريَّةٌ ... يصلِّي عَلَيْنا من أَعَرْناهُ منبَرَا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
علوتُ عليكَ ذروَةَ خِندفيٍّ ... تَرَى مِن دونِها رَتَباً صِعابا
وموجاً كالجبالِ فإنْ تَرُمهُ ... تُغرَّقْ ثمَّ يرمِ بكَ الجَنَابا
لنا حوضُ الحجيجِ وساقياهُ ... ومَن ورثَ النُّبوَّةَ والكِتابا
أَلَسْنا أكثَرَ الثَّقَلَينِ رَجْلاً ... ببطنِ منًى وأكثرهم قِبَابا
إذا غضبتْ عليكَ بَنُو تميمٍ ... حسبتَ النَّاسَ كلَّهُمُ غِضابا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ألمْ تَرَ أنَّ عزَّ بني تميمٍ ... بناهُ اللهُ يومَ بَنَى الجبالا
بَنَى لهُمُ رَوَاسيَ شامخاتٍ ... وعالى اللهُ ذروتَهُ فطالا
بَنَى ليَ كلّ أزهرَ خِندفيٍّ ... يُباري في سُرادقِهِ الشَّمالا
تَنَصَّفه البريَّةُ وهو سامٍ ... ويُمسي العالَمون لَهُ عِيالا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنِّي امرؤ مِن نزارٍ في أرومَتِهِمْ ... مُستحصدٌ أَجَمي فيهم وعِرِّيسي
قومٌ لهم خصَّ إبراهيمُ دعوتَهُ ... إذْ يرفَعُ البيتَ سوراً فوقَ تأسيسِ
نحنُ الَّذينَ ضربْنا النَّاسَ عن عُرُضٍ ... حتَّى استقاموا وهمْ أتباعُ إبليسِ
كانُوا كهاوٍ رَدٍ مِن حالِقَيْ جبلٍ ... ومُغرَقٍ في عبابِ البحرِ مغْموسِ
وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ... لم يستطعْ صولَةَ البزلِ القناعيسِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
ألا لا تخافا نَبْوتي في ملمَّةٍ ... وخافا المَنَايا أن تفوتَكُما بِيا
فقدْ كنتُ ناراً يَصْطليها عدوُّكمْ ... وحِرزاً لِما ألجأتُمُ من ورائيا
وباسِط خيرٍ فيكُمُ بيمينِهِ ... وقابضَ شرٍّ عنكُمُ بشماليا
وإنِّي لعفُّ الفقرِ مُشتركُ الغِنَى ... سريعٌ إذا لمْ أرضَ داري احتمالِيا
وليسَ لسيفي في العظامِ بقيَّةٌ ... وَلَلسَّيفُ أشوَى وقعةً مِن لِسانيا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أنا ابنُ فروعِ المجدِ قيسٍ وخِندفٍ ... بَنَوا ليَ عاديّاً رفيعَ الدَّعائِمِ
فإنْ شئتَ مِن قيسٍ ذُرى متمنِّعٍ ... وإنْ شئتَ خِندفيَّ المَخَارِمِ
وقيسٌ هُمُ الكهفُ الَّذي نستعدُّهُ ... لدفعِ الأعادي أو لحملِ العَظَائِمِ
بَنُو المجدِ قيسٌ والعواتكُ منهُمُ ... ولَدْنَ بُحُوراً للبُحُورِ الخَضَارِمِ
وما زالَ في قيسٍ فوارسُ مَصدَقٍ ... حماةٌ وحمَّالونَ ثقلَ المغارِمِ
وقيسٌ هُمُ الكهفُ الَّذي نستعدُهُ ... لحملِ المساعِي وابتناءِ المكارِمِ
إذا حدَبَتْ قيسٌ عليَّ وخِندفٌ ... أخذتُ بفضلِ الأكثرينَ الأكارِمِ
وقالت ليلَى الأخيليَّة، وتروى لأبيها:
نحنُ الأخايلُ لا يزالُ غُلامُنا ... حتَّى يدبَّ على العَصَا مَذْكورا
تبكي السُّيوفُ إذا فقدنَ أكُفَّنا ... جَزَعاً ويعلَمُنا الرِّفاقُ بُحُورا
وَلَنحنُ أوثَقُ في صدورِ نسائكمْ ... منكمْ إذا بكَرَ الصُّراخُ بُكُورا
وقال بلال بن جرير:
إذا متُّ فانْعيني لمولًى تظاهرتْ ... عليهِ من الأعداءِ أيدٍ وألسُنُ
ولِلطَّارِقِ الغاشي الَّذي حطَّ رحلَهُ ... إليَّ وقدْ ولَّى منَ الليلِ مَوهنُ
يراني ذَوُو الأوصافِ ملَ صدورهمْ ... إذا شزَرَتْني مِن ذَوي الجوْرِ أعيُنُ
فلم يَرَ منِّي ضعفةً متشدِّدٌ ... ولم يَرَ منِّي شدَّةً متليِّنُ
وقال القطاميُّ:
فمنْ تكنِ الحضارَةُ أعجبتهُ ... فأيَّ رجالِ باديةٍ تَرَانا
ومنْ ربَطَ الجِحاشَ فإنَّ فينا ... قَناً سُلباً وأفراساً حِسانا
وكنَّ إذا أغرنَ على جَنَابٍ ... وأعوزهنَّ نهبٌ حيثُ كانا
أغرنَ منَ الضِّبابِ على حلالٍ ... وضبَّةَ إنَّه مَن حانَ حَانا
وأحياناً على بكرٍ أخينا ... إذا ما لمْ نجدْ إلاَّ أخانا
وقال الفضل بن العبَّاس اللَّهبيُّ:
وأنا الأخضَرُ مَن يعرِفُني ... أخضَرُ الجِلدَةِ مِن بيتِ العَرَبْ
مَنْ يُساجلْني يُساجلُ ماجداً ... يملأُ الدَّلوَ إلى عقدِ الكَرَبْ
وقال بشَّار بن برد من قصيدةٍ:
إذا الملكُ الجبَّارُ صعَّرَ خدَّهُ ... مَشَينا إليهِ بالسُّيوفِ نُعاتبُهْ
وكنَّا إذا دبَّ العدوُّ لسُخطنا ... وظاهَرَنا في ظاهرٍ لا نراقبُهْ
دَلَفنا لهُ جهراً بكلِّ مثقَّفٍ ... وأبيضَ تستسقي الدِّماءَ مضاربُهْ
وجيشٍ كمثلِ الليلِ يرجُفُ بالحَصَى ... وبالشَّوكِ والخطِّيِّ حمرٍ ثعالبُهْ
غَدَونا لهُ والشَّمْسُ في خِدرِ أُمِّها ... تطالعُنا والطَّلُّ لم يجرِ ذائبُهْ
بضربٍ يذوقُ الموتَ مَن ذاقَ طعمَهُ ... وتُدركُ من نجَّى الفرارُ مثالبُهْ
كأنَّ مُثارَ النَّقعِ فوقَ رؤوسهمْ ... وأسيافَنَا ليلٌ تهاوَى كواكبُهْ
بَعَثنا لَهُم نارَ الفُجاءةِ إنَّنا ... بَنُو الموتِ خفَّاقٌ عَلَيْنا سبائبُهْ
فراحُوا فريقاً في الإسارِ ومثلُهُ ... قتيلٌ ومثلٌ لاذَ بالبحرِ هاربُهْ
وأرعَنَ يغْشى الشَّمْسَ لونُ حديدِهِ ... وتخلِسُ أبصارَ الكُماةِ كتائبُهْ
تغصُّ به الأرضُ الفضاءُ إذا غَدَا ... تُزاحمُ أركانَ الجبالِ مناكبُهْ
تَرَكنا بهِ كلْباً وقحطانَ تبتغي ... مُجيراً منَ القتلِ المُطلِّ مقانبُهْ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لقدْ علمَ القبائلُ غيرَ فخرٍ ... على أحدٍ وإنْ كانَ افتخارُ
بأنَّا العاصمونَ إذا استُجرنا ... وأنَّا الحازمونَ إذا استشارُوا
ضمنَّا بيعَةَ الخُلفاءِ فينا ... فنحنُ لها من الخُلفاءِ جارُ
بحيٍّ من بني عجلانَ شُوسٍ ... يشيرُ الموتُ حيثُ يقالُ سارُوا
تَبَغَّ جِوارنا إنْ خفتَ إنَّا ... نُجيرُ الخائفينَ ولا نُجارُ
لنا بطحاءُ مكَّةَ والمصلَّى ... وما حازَ المُحصَّبُ والجِمارُ
وميراثُ النَّبيّ وصاحبيهِ ... تِلاداً لا يباعُ ولا يعارُ
وإنَّ النَّاسَ حيث نغيبُ عنهمْ ... نباتُ الأرضِ أخطَأهُ القطارُ
تجرْنا في المحامدِ والمَعَالي ... ونحنُ كذاكَ في الهَيْجا تِجارُ
إذا دارتْ على قومٍ رَحانا ... تنادَوْا بالجلاءِ أوِ استدارُوا
وما نلقاهُمُ إلاَّ صَدَرْنا ... بريٍّ منهُمُ وهُمُ حِرارُ
إذا ما أقبَلُوا بسوادِ جمعٍ ... نَفَخْنا في سوادهمُ فطارُوا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
إنَّما النَّاسُ مَن دَعَا يالَ قيسٍ ... دعوَةَ العزِّ والمقامِ الكريمِ
لهُمُ في الحديثِ خيرُ حديثٍ ... ولهمْ في القديمِ خيرُ قديمِ
فهُمُ كالنُّجومِ أُطلِعَ منها ... كوكبٌ بعدَ كوكبٍ معلومِ
وهُمُ المطعمونَ في الزَّمنِ الأغْ ... برِ والحاملونَ كلّ عظيمِ
سيّدٌ قائمٌ وآخرُ ماضٍ ... كطُلُوعِ النُّجومِ بعدَ النُّجومِ
خُطباءٌ على المنابِرِ أمثا ... لُ المصابيحِ في خلالِ الغُيُومِ
وقريشٌ أهلُ النُّبوَّةِ منَّا ... وارِثوا الملكِ والكتابِ الحكيمِ
خلفاءُ الإلهِ في سَكَنِ الأرْ ... ضِ وجيرانُ بيتِهِ والحطيمِ
ضرَبُوا النَّاسَ بالكتائِبِ حتَّى ... عادَ مَن رامَ حربَهُم كالرَّميمِ
وتَرَى موقعَ الأسنَّةِ منهمْ ... بنحورٍ تلذُّ وقعَ الكُلُومِ
مضَرُ القرمُ جدُّنا وأبونا ... قيسُ عيلانَ في الذُّرى والصَّميمِ
فحَلَلْنا اليَفاعَ في واسطةِ المج ... دِ محلَّ السَّناءِ والتَّكريمِ
أيُّ قومٍ نالتهُمُ الحربُ منَّا ... لمْ تدعْ دارَهُم كدارِ سَدُومِ
ولَوَ انَّا في الحربِ نضربُ طَوْداً ... لشَقَقْنا صفاهُ شقَّ الأديمِ
وقال أبو دُلَفٍ العجليّ:
يومايَ يومٌ في أوانسَ كالدُّمى ... بيضٍ ويومٌ في قتالِ الدَّيلمِ
هذا حليفُ غلائلٍ مكسوَّةٍ ... مِسكاً وصافيةٍ كلونِ العندَمِ
ولذاكَ ضافيَةُ الدُّروعِ وضُمَّرٌ ... يكسونَنَا رهَجَ الغبارِ الأقتَمِ
ولِيومهنَّ الفضلُ لولا لذَّةٌ ... سبقتْ بطعنِ الدَّيلميِّ المُعلَمِ
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصليُّ:
إذا كانتِ الأحرارُ أصْلي ومَنْصبي ... وقامَ بأمري خازمٌ وابنُ خازِمِ
عطستُ بأنفٍ شامخٍ وتناوَلَتْ ... يدايَ الثُّريَّا قاعداً غيرَ قائِمِ
وقال وعلة الجرميُّ؛ وكتب بها ابنُ الأشعث إلى الحجَّاج:
سائلْ مُجاورَ جرمٍ هل جَنَيتُ لها ... حرباً تفرِّقُ بين الجِيرةِ الخُلُطِ
وهلْ سموتُ بجرَّارٍ لَهُ لَجَبٌ ... جمِّ الصَّواهِلِ بينَ السَّهلِ والفُرُطِ
وهلْ تركتُ نساءَ الحيِّ ضاحيةً ... في ساحةِ الدَّارِ يستوقدنَ بالغُبُطِ
وقال الأحوص بن محمَّدٍ الأنصاريّ:
إنِّي على ما قدْ علمت محسَّدٌ ... أنْمي على البغضاءِ والشَّنآنِ
ما يعتَرِيني مِن خُطُوبِ ملمَّةٍ ... إلاَّ تشرِّفُني وتُعظِمُ شاني
فإذا تَزُول تَزُولُ عنْ متخمِّطٍ ... تُخشى بوادرُهُ على الأقرانِ
إنِّي إذا خفيَ الرِّجالُ وجدْتَني ... كالشَّمْسِ لا تخفَى بكلِّ مكانِ
وقال الطِّرمَّاح بن حكيم:
لقدْ زادني حبّاً إليَّ أنَّني ... بغيضٌ إلى كلِّ امرئٍ غيرِ طائلِ
وإنِّي شقيٌّ باللِّئامِ ولنْ ترَى ... شقيّاً بهمْ إلاَّ كريمَ الشَّمائِلِ
إذا ما رآني قطّعَ الطّرفَ دونَهُ ... ودونيَ فعلَ العارِفِ المُتجاهلِ
ملأتُ عليهِ الأرضَ حتَّى كأنَّها ... منَ الضّيقِ في عينيهِ كِفَّةُ حابلِ
وما مُنعتْ دارٌ ولا عُزَّ أهلُها ... منَ النَّاسِ إلاَّ بالقَنَا والقَنَابِلِ
وقال جعفر بن عُلبة:
إذا ما ابْتَدرنا مأزِقاً فَرَجتْ لنا ... بأيمانِنَا بِيضٌ جَلَتها الصَّياقلُ
لهمْ صدرُ سيفي يومَ صحراءِ سَحْبلٍ ... ولي منهُ ما ضُمَّتْ عليه الأناملُ
وقال أيضاً:
ولا يكشفُ الغمَّاء إلاَّ ابنُ حُرَّةٍ ... يَرَى غمراتِ الموتِ ثمَّ يزورُها
نُقاسمهمْ أسيافَنَا شرَّ قِسمةٍ ... ففينا غَواشيها وفيهمْ صُدُورُها
وقال أبو سعيدٍ المخزوميُّ من قصيدةٍ:
في الخيلِ والخافقاتِ البِيضِ لي شُغُلٌ ... ليسَ الصَّبابَةُ والصَّهباءُ مِن شُغُلي
ما كانَ لي أملٌ في غيرِ مكرمةٍ ... والنَّفسُ مقرونةٌ بالحِرصِ والأملِ
ذَنْبي إلى الخيلِ كَرِّي في جوانِبِها ... إذا مَشَى اللَّيثُ فيها مشيَ محتبلِ
ولي منَ الفيلقِ الجَأْواء غمرَتُها ... إذا تقحَّمها الأبطالُ بالحِيلِ
كمْ جأْنبٍ خشنٍ صبَّحتُ عارضَهُ ... بعارضٍ للمنايا مسبلٍ هطِلِ
وغمرةٍ خُضتُ أعلاها وأسفَلَها ... بالطَّعنِ والضَّربِ بينُ البيضِ والأَسَلِ
سلِ الجَرَادةَ عنِّي يومَ تحملُني ... هلْ فاتَني بطلٌ أو خِمتُ عن بطلِ
وهلْ شآني إلى الغاياتِ سابقُها ... وهلْ فزعتُ إلى غيرِ القَنَا الذُّبلِ
مالِي أَرَى ذمَّتي يستمطرونَ دَمي ... ألستُ أولاهُمُ بالقولِ والععلِ
كيفَ السَّبيلُ إلى وَردٍ خُبَعْثِنَةٍ ... طلائعُ الموتِ في أنيابِهِ العُصُلِ
وما يُريدونَ لولا الجُبنِ مِن أسَدٍ ... باللَّيلِ مشتملٍ بالجمرِ مُكتحِلِ
لا يشرَبُ الماءَ إلاَّ مِن قليبِ دمٍ ... ولا يبيتُ لهُ جارٌ على وَجَلِ
وقال أيضاً:
أدامَ اللهُ عزَّ بني نزارٍ ... على رغمِ الأُنوفِ الرَّاغماتِ
ألسْنَا أكرَمَ الأحياءِ حيّاً ... وَمَيْتاً في الحياةِ وفي المَمَاتِ
أنا ابنُ الضَّامنينَ على اللَّيالي ... إذا نزلتْ بإحدَى المُنكراتِ
أنا ابنُ المُقدِمِينَ على المَنَايا ... بأطرافِ السُّيوفِ المُرهفاتِ
أنا الرَّجلُ الَّذي كِلتا يديهِ ... يمينٌ في صُرُوفِ النَّائباتِ
وفينا الجاهليَّةُ إن جهِلْنا ... وأحلامُ الجبالِ الرَّاسياتِ
طَوَينا طيِّئاً حتَّى أقرَّتْ ... بإغضاءِ الجُفُونِ على التّراتِ
وقال بكر بن النَّطَّاح:
ألا يا قُرَّ لا تَكُ سامريّاً ... فتتركَ مَن يزوركَ في جِهادِ
أتعجبُ أنْ رأيتَ عليَّ دَيْناً ... وقد أوْدى الطَّريف مع التِّلادِ
ملأتُ يَدي من الدُّنيا مراراً ... فما طَمعَ العواذلُ في اقتصادِي
ولا وجَبَتْ عليَّ زكاةُ مالٍ ... وهل تجبُ الزَّكاةُ علَى جَوادِ
وقال أيضاً:
وإنَّا لنلهو بالسُّيوفِ كما لهتْ ... فتاةٌ بعقدٍ أو سِخابِ قرنفُلِ
ونحنُ وُصفنا دونَ كلِّ قبيلةٍ ... ببأسٍ شديدٍ في الكتابِ المنزَّلِ
ومَن يفتقرْ منَّا يعشْ بحُسامِهِ ... ومَن يفتقرْ من سائِرِ النَّاسِ يسألِ
وقال حبيب بن أوس من قصيدةٍ:
لنا غررٌ زيديَّةٌ أُدَدِيَّةٌ ... إذا نجمتْ ذلَّتْ لها الأنجُمُ الزُّهْرُ
لنا جوهرٌ لو خالَطَ الأرضَ أصبحتْ ... وبُطنانُها منهُ وظُهرانُها تبْرُ
مقاماتُنَا وقْفٌ على العلمِ والحِجَا ... وأمرَدُنا كهلٌ وأشيَبُنا حَبْرُ
ألنَّأ الأكفَّ بالعَطَايا فجاوَزَتْ ... مَدى اللِّينِ إلاَّ أنَّ أعراضَنَا صَخْرُ
كأنَّ عَطَايانا يُناسبنَ مَن أتَى ... ولا نسبٌ يُدنيهِ منَّا ولا صهْرُ
لنا الشِّعرُ في قحطانَ والبأسُ والنَّدَى ... هلِ الجودِ إلاَّ المجدُ والبأسُ والشِّعرُ
إذا زينَةُ الدُّنيا منَ المالِ أعرضتْ ... فأزيَنُ منها عِندَنَا الحمدُ والشُّكْرُ
أبَى قدرُنا في الجودِ إلاَّ نباهةً ... فليسَ لمالٍ أبداً عِندَنَا قدْرُ
ليُنجحَ بجودٍ من أرادَ فإنَّه ... عوانٌ لهذا النَّاسِ وهو لَنَا بكْرُ
جَرَى حاتمٌ في حلبةٍ منهُ لو جَرَى ... بها القطرُ شأواً قيلَ أيّهُما القطْرُ
فتًى ذَخَر الدُّنيا أُناسٌ ولم يزلْ ... لها باذِلاً فانْظرْ لمنْ بقيَ الذُّخْرُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
أنا ابنُ الَّذي استرضَعَ الجودُ فيهمُ ... وسمِّي فيهم وهوَ كهلٌ ويافِعُ
سَمَا بيَ أوسٌ في السَّمَاءِ وحاتمٌ ... وزيدُ القَنَا والأثْرَمَانِ ورافِعُ
مَضَوا وكأنَّ المكرماتِ لديهمُ ... لكثرةِ ما أوصَوْا بهنَّ شرائِعُ
فأيُّ يدٍ في المجدِ طالتْ فلمْ تكنْ ... لها راحةٌ من جُودِهِم وأصابِعُ
هُمُ استودَعُوا المعروفَ محفوظَ مالِنا ... فضاعَ وما ضاعتْ لَدَنا الودائِعُ
بهاليلُ لوْ عاينتَ فيضَ أكُفِّهم ... لأيقنتَ أنَّ الرِّزقَ في الأرضِ واسِعُ