كتاب : الحماسة البصرية
المؤلف : أبو الحسن البصري
وأَحْلامُ عادٍ لا يَخافُ جَلِيسُهُمْ ... وإِنْ نَطَقَ العَوْراء، غَرْبَ لِسانِ
إِذا حُدِّثُوا لَمْ يُخْشَ سُوءُ اسْتِماعِهِمْ ... وإنْ حَدَّثُوا أَدَّوْا بحُسْن بَيانِ
قال
كعب بن معدان الأشقري
أموي الشعر
كَمْ حاسِدٍ لكَ قد عَطَّلتَ هِمَّتَهُ ... مُغرىً بِشَتْمِ صُرُوفِ الدَّهْرِ والقَدَرِكأَنَّما أَنتَ سَهْمٌ في مَفاصِلِهِ ... إِذا رآكَ ثَنَى طَرْفاً على عَوَرِ
كَمْ حَسْرَةٍ مِنْكَ تَرْدِي في جَوانِحِهِلَها على القَلْبِ مِثْلُ الوَخْزِ بالإِبَرِ
أَنتَ الكَريمُ الفَتَى لا شَيْءَ يُشْبهُهُلا عَيْبَ فِيكَ سِوَى أَنْ قِيلَ مِن بَشَرِ
قال
القطامي عمير بن شيم
أموي الشعر
جَزَى اللّهُ خَيْراً والجَزاءُ بِكَفِّهِ ... بَنِي دارِمٍ عن كُلِّ جانِ وغَارِمِهُمُ حَمَلُوا رَحْلِي، وأَدَّوْا أَمانَتِي ... إليَّ، وَرَدُّوا فِيَّ رِيشَ القَوادِمِ
ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ قُدُورَهُمْعلى المالِ أَمْثَالُ السِّنِينَ الحَواطِمِ
وأَنَّ مَوارِيثَ الأُلَى يَرِثُونَهُمْ ... كُنُوزُ المَعالي لا كُنُوزُ الدَّارهِمِ
وما ضَرَّ مَنْسُوباً أَبُوهُ وأُمُّهُ ... إلى دارِمٍ أَنْ لا يكونَ لِهاشِمِ
قال
أبو البرج
القاسم بن حنبل المري
وتروى لمرة بن جعدةأَرَى الخُلاَّنَ، بَعْدَ أَبِي خُبَيْبٍ ... بِحَجْرٍ، في رِحابِهِمُ جَفاءُ
مِن البِيضِ الوُجُوهِ بَني سِنانٍ ... لَوَ أَنَّكَ تَسْتَضِيءُ بِهِمْ أَضاءُوا
هُمُ شَمْسُ النَّهارِ إِذا اسْتَقَلَّتْ ... وبَدْرٌ ما يُغَيِّبُهُ العَماءُ
بُناةُ مَكارِمٍ وأُساةُ كَلْمٍ ... دِماؤُهُمُ مِن الكَلَب الشِّفاءُ
فَلوْ أَنَّ السَّماء دَنَتْ لِمَجْدٍ ... ومَكْرُمَةٍ دَنَتْ لَهُمُ السَّماءُ
قال
مطرود بن كعب الخزاعي
إسلامي
ويروى لابن الزبعري، والأول أكثريا أَيُّها الرَّجُلُ المُحَوِّلُ رحْلَهُ ... هَلاَّ نَزَلْتَ بآلِ عَبْدِ مَنافِ
الآخِذُونَ العَهْدَ مِن آفاقِها ... والرَّاحِلُونَ بِرحْلَةِ الإِيلافِ
والخالِطُونَ فَقِيرَهُمْ بغَنِيِّهِمْ ... حتَّى يَعُودَ فَقِيرُهُمْ كالكافِي
والمُطْعِمُونَ إِذا الرِّياحُ تَناوَحَتْ ... ورِجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجافُ
والمُفْضِلُونَ إِذا المُحُولُ تَرادَفَتْ ... والقائِلُونَ هَلُمَّ للأَضْيافِ
هَبِلَتْكَ أُمُّكَ لو نَزَلْتَ برَحْلِهِمْ ... مَنَعُوكَ مِن عُدْمٍ ومِن إِقْرافِ
ويُكَلِّلُونَ جِفانَهُمْ بِسَدِ يفِهِمْ ... حتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ في الرَّجَّافِ
كانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فتَفَلَّقَتْ ... فالمُحُّ خالِصُهُ لعَبْدِ مَنافِ
قال
عبد الله بن الزبعري
عَمْرُو العُلا هَشَمَ الثرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٍ بمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجافِوهُوَ الذي سَنَّ الرَّحِيلَ لِقَوْمِهِ ... رَحَلَ الشِّتاءِ ورِحْلَةَ الأَصْيافِ
قال
قيس بن عنقاء الفزاري
غُلامٌ رَماهُ اللّهُ بالخَيْرِ يافِعاً ... له سِيمِيَاءُ لا تَشُقُّ على البَصَرْكَأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فَوْقَ نَحْرِهِوفي خَدِّه الشِّعْرَى وفي وَجْهِهِ القَمَرْ
إِذا قِيلَتِ العَوْراءُ أَغْضَى كأَنَّهُ ... ذَليلٌ بلا ذُلٍّ، ولَوْ شاء لانْتَصَرْ
قال
مالك بن الريب
إسلامي
لَيَهْنِكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ لكَ عائِباً ... سِوَى حاسِدٍ، والحاسِدُون كَثِيرُوأَنَّكَ مِثْلُ الغَيْثِ، أَمَّا نباتُهُ ... فظِلٌّ، وأَمَّا ماؤُهُ فَطَهُور
قال
إدريس بن أبي حفصة
من مخضرمي الدولتين
لَمَّا أَتَتْكَ، وقَدْ كَانَتْ مُنازِعَةً ... دَانَى الرِّضا بَيْنَ أَيْدِيها بأَقْبادِلَها أَحادِيثُ مِن ذِكْراكَ تَشْغَلُها ... عن الرَّبِيعِ وتَنْهاها عن الزَّادِ
أَمامَها مِنْكَ نُورٌ تَسْتَضِيءُ بهِ ... ومِنْ رجَائِكَ في أَعْقابها حادِي
قال
نصيب بن رباح
أموي الشعر
أَقُول لِرَكْبٍ صادِرينَ لَقِيتُهُمْ ... قَفا ذاتِ أَوْشالٍ ومَوْلاكَ قاربقِفوا خَبِّرُونِي عن سُلَيْمانَ إِنَّنِي ... لِمَعْرُوفِهِ مِن أَهْلِ وَدَّانَ طالِبُ
فقالُوا: تَرَكناهُ وفي كُلِّ لَيْلَةٍ ... يُطِيفُ بهِ مِن طالِبِي العُرْفِ راكِب
فَعاجُوا فأَثنَوْا بالذي أَنتَ أَهْلُهُ ... ولَوْ سَكَنُوا أَثنَت عليكَ الحَقائِب
هو البَدْرُ والنَّاسُ الكَواكِبُ حَوْلَهُ ... وهَلْ يُشبِهُ البَدْرَ المُضِيء الكَواكِبُ
قال
الفرزدق همام بن غالب
المجاشعي
وتروى لأخيه الأخطل بن غالب وأدخلها الفرزدق في شعرهوَركبٍ كأَنَّ الرِّيحَ تَطلُبُ عِندَهُمْ ... لَها تِرَةً مِن جَذبِها بالعَصائِبِ
سَرَوْا يَرْكَبُونَ اللَّيْلَ، وَهْيَ تَلُفُّهُمْإِلى شُعَبِ الأَكوارِ ذاتِ الحَقائِبِ
إِذا ما اسْتَدَارُوا وِجْهةَ الرِّيحِ أَعْصَفَتتَصُكُّ وُجُوهَ القَوْمِ بَيْنَ الرَّكائِبِ
إِذا آنَسُوا ناراً يَقُولُونَ لَيْتَها ... وقَدْ خَصِرَت أَيْدِيهُمُ نارُ غالِب
رَأَوْا ضَوْء نارٍ في يَفاعٍ تَقَلَّبَت ... يُؤَدِّي إِلَيْها لَيْلُها كُلَّ ساغِبِ
تُشَبُّ لِمَقرُورِينَ طالَ سُراهُمُ ... إِلَيْها، وقَدْ أَصْغَت تَوالِي الكَواكِب
تُرَى تَيْسَباً مِن صادِرِينَ وَوُرَّدٍ ... إِذا راكِبٌ وَلَّى أَناخَت براكِبٍ
إِلى نارِ ضَرَّابِ العَراقِيبِ لَمْ يَزَلْ ... لَهُ مِن ذُبابَىْ سَيْفِهِ خَيْرُ حالِبِ
تَدُرُّ له الأَنساءُ في لَيْلَةِ الصَّبا ... وتَمْرِي بهِ اللَّباتُ عندَ التَّرائِبِ
وإنما لم تذكر هذه الأبيات في باب الأضياف لأجل قصتها مع نصيب لما أنقد شعره قبله.
قال
الأخطل غياث بن غوث
ولِواؤُكَ الخَطَّارُ يَخطِرُ تَحْتَهُ ... مِن فَوْقِ رَأْسِكَ أَسْمَرٌ خَطَّارُفكَأَنَّ خِلْطَ سَوادِهِ وبَياضِهِ ... لَيْلٌ يُزاحِمُ طُرَّتَيْهِ نَهارُ
خَرِسٌ فإِن كَثُرَ الخِطابُ لِشَمْأَلٍ ... أَو لاجَجْتهُ فإِنَّهُ مِهذارُ
قال
جرير بن الخطفي
أموي الشعر
تَعَزَّت أُمُّ حَزرَةَ ثُم قالتْ ... رَأَيْتُ المُورِدِينَ ذَوِي لِقاحِسَأَمْتاحُ البُحُورَ فَجنِّبِينِي ... أَذاةَ اللَّوْمِ وانتَظِرِي امْتِياحي
تُعَلِّلُ، وَهْيَ ساغِبَةٌ، بَنِيها ... بأَنفاسٍ مِن الشَّبِمِ القَراحِ
ثِقِي باللّهِ ليْس له شَرِيكٌ ... ومِن عِندِ الخَلِيفَةِ بالنَّجاحِ
فإِنِّي قد رَأَيْتُ عَلَيَّ حَقّاً ... زِيارَتِيَ الخَلِيفَةِ وامْتِداحِي
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا ... وأَندَى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ
أَبَحْتَ حِمَى اليَمامَةِ بَعْدَ نَجْدٍ ... وما شَيْءٌ حَمَيْتَ بمُسْتَباحِ
لَكُمْ شُمُّ الجِبالِ مِن الرَّواسِي ... وأَعْظَمُ سَيْلِ مُعْتَلَجِ البِطاحِ
قال
ابن الرقاع العاملي
أموي الشعر
لا خَيْرَ في الحُرِّ لا تُرْجَى فَواضِلُهُ ... فاسْتَمْطِرُوا مِن قُرَيْشٍ كُلَّ مُنخَدِعتَخالُ فِيه إِذا خَاتَلتَهُ بَلَهاً ... في مالِهِ وَهْوَ وافِي العَقلِ والوَرَعِ
قال
زهير بن أبي سلمى
وأَبْيَضَ فَيّاضٍ يَداهُ غَمامَةٌ ... على مُعْتَفِيهِ ما تُغِبُّ فَواضِلُهْ
غَدَوْتُ عَلَيْهِ غُدْوَةً فوَجَدْتُهُ ... قُعُوداً لَدَيْهِ بالصَّرِيمِ عَواذِلُهْ
يُفَدِّينَهُ طَوْراً وطَوْراً يَلُمْنَهُ ... جَمُوعٌ على الأَمْرِ الذي هو فاعِلُهْ
أَخُو ثِقَةٍ لا تُذهِبُ الخَمْرُ مسالَهُ ... ولكنَّهُ قد يُذهِبُ المالَ نائِلُهْ
تَراهُ إِذا ما جِئتَهُ مُتَهَلِّلاً ... كأَنَّكَ تُعْطِيهِ الذي أَنتَ سائِلُهْ
قال
الحطيئة جرول بن أوس
العبسي، مخضرم
وغارَةٍ كشُعاعِ الشَّمْسِ مُشْعَلَةٍ ... تَهْوِي بكُلِّ صَبِيحِ الوَجْهِ بَسّامِقُبِّ البُطُونِ مِن التَّعْداءِ قد عَلِمَتْ ... أَنْ كُلُّ عامٍ عليها عامُ إِلْجامِ
مُسْتَحْقِباتٍ رَواياها حَجافِلَها ... يَسْمُو بِها أَشعَرِيٌّ طَرْفُهُ سامِ
قال
الأخطل غياث بن غوث
المنْعِمُونَ بَنُو حَرْبٍ وقَدْ حَدَقَتْ ... بِيَ المَنِيَّةُ واسْتَبْطَأَتُ أَنْصارِيقَوْمٌ إِذا حارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ ... دُونَ النِّساءِ ولَوْ باتَتْ بأَطْهارِ
قال
علي بن جبلة العكوك
وتروى لخلف بن مرزوق، مولى ريطةأَنتَ الذي تُنْزِلُ الأَيَّامَ مَنْزِلَها ... وتَنْقُلُ الدَّهْرَ مِن حالٍ إِلى حالِ
وما مَدَدْتَ مَدَى طَرْفٍ إِلى أَحَدٍ ... إِلاَّ قَضَيْتَ بأَرْزاقٍ وآجالِ
تَزْوَرُّ سُخْطاً، فتُمْسِي البيضُ راضِيَةً ... وتَسْتَهِلُّ فتَبْكِي أَعْيُنُ المالِ
قال
أبو الطمحان القيني
حنظلة بن شرقي
وإِنِّي مِن القَوْمِ الَّذِينَ هُمُ هُمُ ... إِذا ماتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قامَ صاحِبُهْنُجُومُ سَماءٍ، كُلَّما غابَ كَوْكَبٌ ... بَدا كَوْكَبٌ تَأْوِي إِليهِ كَواكِبُهْ
وما زَال فِيهِمْ حيثُ كانَ مُسَوَّدٌ ... تَسِيرُ المَنايا حيثُ سارَتْ رَكائِبُهْ
أَضاءتْ لَهُمْ أَحْسابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْدُجَى اللَّيلِ حتَّى نَظَّمَ الجَزْعَ ثاقِبُهْ
قال
إبراهيم بن هرمة
من مخضرمي الدولتين
إِذا قِيلَ: أَيُّ فَتىً تَعْلَمُونَ ... أَهَشُّ إلى الطَّعْنِ بالذَّابِلِوأَضْرَبُ لِلْقَرْنِ يومَ الوَغَى ... وأَطْعَمُ في الزَّمَنِ المَاحِلِ
أَشارَتْ إِليكَ أَكُفُّ الأَنامِ ... إِشارَةَ غَرْقَى إِلى ساحِل
قال
مروان بن أبي حفصة
مَعْنُ بنُ زائِدَةَ الذي زِيدَتْ به ... شَرَفاً إلى شَرَفٍ بَنُو شَيْبانِإِن عُدَّ أَيّامُ الفَخارِ فإِنَّما ... يَوْمانُ: يَوْمُ نَدىً، ويَوْمُ طِعانِ
يَكْسُو المَنابِرَ والأَسِرَّةَ بَهْجَةً ... ويَزِينُها بِجَهارَةٍ وبَيانِ
تَمْضِي أَسِنَّتُهُ ويُسْفِرُ وَجْهُهُ ... في الرَّوْعِ عندَ تَغَيُّرِ الأَلْوانِ
مازِلْتَ يَوْمَ الهاشِمِيَّةِ مُعْلِماً ... بالسَّيْفِ دُونَ خَلِيفَةِ الرَّحمْنِ
فحَمَيْتَ حَوْزَتَهُ وكُنْتُ وِقاءهُ ... مِن ضَرْبِ كُلِّ مُهَنَّدٍ وسِنانِ
أَنتَ الذي تَرْجُو رَبِيعَةُ سَيْبَهُ ... وتُعِدُّهُ لِنوائِبِ الحَدَثانِ
فُتَّ الذين رَجَوْا نَداكَ، ولَمْ يَنَلْ ... أَدْنَى بِنائِكَ في المَكارِمِ بانِ
قال
مسلم بن الوليد
اللّهُ أطْفَأَ نارَ الحَرْبِ إِذْ سُعِرَتْ ... شَرْقاً بمُوقِدِها في الغَرْبِ داودِيَلْقَى المَنِيَّةَ في أَمْثالِ عُدَّتِها ... كالسَّيْلِ يَقْذِفُ جُلْمُوداً بجُلْمُودِ
يَجُودُ بالنَّفْسِ إِنْ ضَنَّ الجَوادُ بِها ... والجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ
عَوَّدْتَ نَفْسَكَ عاداتٍ خُلِقْتَ لَها ... صِدْقَ اللِّقاءِ وإِنْجازَ المَواعِيدِ
نَفْسِي فِداؤُكَ يا داودُ إِذْ عَلِقَتْ ... أَيْدِي الرَّدَى بِنواصِي الضُّمَّرِ القُودِ
مَلأَتَها جَزَعاً أَخْلَى مَعاقِلَها ... مِن كُلِّ أَبْلَخَ سامِي الطَّرْفِ صِنْدِيدِ
لَمَسْتَهُمْ بِيَدٍ للعَدْوِ مُتَّصِلٌ ... بِها الرَّدَى بَيْنَ تَلْيِينٍ وتَشْدِيدِ
وطارَ في إِثْرِ مَن طارَ الفِرارُ بهِ ... خَوْفٌ يُعَارِضُهُ في كُلِّ أُخْدُودِ
قال
الحطيئة العبسي بن أوس
وإِنَّ التي نَكَّبْتُها عن مَعاشِرٍ ... عَلَيَّ غِضابٍ أَنْ صَدَدْتُ كما صَدُّواأَتَتْ آلَ شَمّاسِ بنِ لأَيٍ وإِنَّما ... أَتاهُمْ بِها الأَحْلامُ والحَسَبُ العِدُّ
أبُوهُمْ وَدَى عَقْلَ المُلُوكِ تَكَلُّفاً ... وما لَهُمُ مِمَّا تَكَلَّفَهُ بُدُّ
أُولئكَ قَوْمٌ إِنْ بَنَوْا أَحْسَنُوا البِناوإِنْ عاهَدُوا أَوْفَوْا، وإِنْ عَقَدُوا شَدُّوا
وإِنْ كانَتْ النُّعْمَى عليهمْ جَزَوْابِها ... وإِنْ أَنْعَمُوا لا كَدَّرُها ولا كَدُّوا
وإِنْ قالَ مَوْلاهُمْ على جُلِّ حادِثٍمِن الدَّهْرِ: رُدُّوا فَضْلَ أَحْلامِكُمْ رَدُّوا
مَطاعِينُ في الهَيْجَا، مكاشِيفُ للدُّجَى ... بَنَى لَهُمْ آباؤُهُمْ وبَنَى الجَدُّ
يَسُوسُونَ أَحْلاماً بَعِيداً أَناتُها ... وإِنْ غَضِبُوا جاء الحَفِيظَةُ والجِدُّ
أَقِلُّوا عليهمْ، لا أَباً لأَبيكُمُ ... مِن اللَّوْمِ أَو سُدُّوا المَكانَ الذي سَدُّوا
قال
أيضا
ًوأَدْماءَ حُرْجُوجٍ تَعالَلْتُ مَوْهِناً ... بِسَوْطِيَ، فارْمَدَّتْ نَجاء الخَفَيْدَدِ
كَأنَّ هَوِيَّ الرِّيحِ بَيْنَ فُرُوجِها ... تَجاوُبُ أَظْآرٍ على رُبَعٍ رَدِي
تُلاعِبُ أَثْناء الزِّمامِ وتَتَّقِي ... عُلالَةَ مَلْوِيٍّ مِن القِدِّ مُحْصَدِ
تَرَى بَيْنَ لَحْيَيْها إِذا ما تَزَعَّمَتْ ... لُغاماً كبَيْتِ العَنْكَبُوتِ المُمَدَّدِ
وكادَتْ على الأَطْواءِ أَطْواءِ ضارِجٍ ... تُساقِطُنِي والرَّحْلَ مِن صَوْتِ هُدْهُدِ
وتَشْرَبُ في القَعْبِ الصَّغِيرِ، وإِنْ تُقَدْبمِشْفَرِها يَوْماً إلى الرَّحْلِ تَنْقَدِ
وتُضْحِي الجِيالُ الغُبْرُ خَلْفِي كأَنَّها ... مِن الآلِ حُفَّتْ بالمُلاءِ المُعَضَّدِ
وإِنْ آنَسَتْ وَقْعاً مِن السَّوْطِ عارَضَتْبِيَ الجَوْرَ حتَّى تَسْتَقِيمَ ضُحَى الغَدِ
إِذا نَظَرَتْ يَوْماً بِمُؤْخِرِ عَيْنِها ... إِلى عَلَمٍ بالغَوْرِ قالَتْ له ابْعَدِ
يَظَلُّ الغُرابُ الأَعْوَرُ العَيْنِ واقِعاًمع الذِّئْبِ تَعْتَسَّانِ نَارِي ومِفْأَدِي
فما زالَتِ الوَجْناءُ تَجْرِي ضُفُورُها ... إليكَ ابنَ شَمّاسٍ تَرُوحُ وتَغْتَدِي
إِلى ماجِدٍ يُعْطِي على الحَمْدِ مالَهُ ... ومَنْ يُعْطِ أَثْمانَ المَحامِدِ يُحْمَدِ
فأَنتَ امْرُؤٌ مَن تُعْطِهِ اليومَ نائِلاً ... بكَفِّكَ لا تَمْنَعْهُ مِن نائِلِ الغَدِ
كَسُوبٌ ومِتْلاف إِذَا مَا أتَيْتَهُ ... تَهَلَّلَ واهْتَزَّ اهْتِزازَ المُهَنَّدِ
مَتَى تَأَتهِ تَعْشُو إِلى ضَوْءِ نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عِنْدَها خَيرُ مُوقِدِ
هو الواهِبُ الكُومَ الصَّفايا لجارِهِ ... يُرَوِّحُها العِبْدانُ في عازِبٍ نَدِي
يَرَى الجُودَ لا يُدْنِي مِن المَرْءِ حَتْفَهويَعْلَمُ أَنَّ البُخْلَ لَيْسَ بِمُخْلِدِ
قال
أبو الهندي
نَزَلْتُ على آلِ المُهَلَّبِ شاتِياً ... غَرِيباً عن الأَوْطانِ في الزَّمَنِ المَحْلفما زالَ بي إِحْسانُهُمْ وافْتِقادُهُمْ ... وإِيناسُهُمْ حتَّى حَسِبْتُهُمُ أَهْلي
قال
زياد بن حمل
بن سعد بن عميرة بن حريث
لا حَبَّذا أَنتِ يا صَنْعاءُ مِن بَلَدٍ ... ولا شَعُوبُ هَوىً مِنِّي ولا نُقُمُولَنْ أُحِبَّ بِلاداً قد رَأَيْتُ بِها ... عَنْساً، ولا بَلَداً حَلَّتْ به قُدُمُ
إِذا سَقَى اللّهُ أَرْضاً صَوْبَ غادِيَةٍ ... فلا سَقاهُنَّ إِلاَّ النَّارَ تَضْطَرِمُ
وحَبَّذَا حينَ تُمْسِي الرِّيحُ بارِدَةً ... وادِي أُشَىَّ وفِتْيانٌ به هُضُمُ
الواسِعُونَ إِذا ما جَرَّ غَيْرُهُمُ ... على العَشِيرةِ والكافُونَ ما جَرَمُوا
والمُطْعِمُونَ إِذا هَبَّتْ شَآمِيَةً ... وباكَرَ الحَيَّ مِن صُوّادِها صِرَمُ
وشَتْوَةٍ فَلَّلُوا أَنْيابَ لَزْبَتِها ... عَنْهُمْ إِذا كَلَحَتْ أَنْيابُها الأُزُمُ
حتَّى انْجَلَى حَدُّها عَنْهُمْ، وجارُهُمْ ... بنَجْوَةٍ مِن حِذارِ الشَّرِّ مُعْتَصِمُ
هُمُ البُحُورُ عَطاءً حينَ تَسْأَلُهُمْ ... وفِي اللِّقاءِ إِذا تَلْقَى بِهِمْ بُهَمُ
وهُمْ إِذا الخَيْلُ حالُوا في كَواثِبها ... فَوارِسُ الخَيْلِ لا مِيلٌ ولا قَزَمُ
لَمْ أَلْقَ بَعْدَهُمُ حَبّاً فأَخْبُرَهُمْ ... إِلاَّ يَزِيدُهُمُ حُبّاً إِليَّ هُمُ
كَمْ فِيهِمُ مِن فَتىً حُلْوٍ شَمائِلُهُ ... جَمِّ الرَّمادِ إِذا ما أَخْمَدَ البَرَمُ
تُحِبُّ زَوْجاتُ أَقْوامٍ حَلائِلَهُ ... إِذا الأُنُوفُ امْتَرَى مَكْنُونَها الشَّبَمُ
تَرَى الأَرامِلَ والهُلاَّكَ تَتْبَعُهُ ... يَسْتَنُّ مِنْه عليهمْ وابِلٌ رَذِمُ
كأَنَّ أصْحابَهُ بالقَفْرِ يُمْطِرُهُمْ ... مِن مُسْتَحِيرٍ غَزِيرٍ صَوْبُهُ دِيَمُ
غَمْرُ النَّدَى، لا يَبِيتُ الحَقُّ يَثْمُدُهُإِلاَّ غَدا وَهْوَ سامِي الطَّرْفِ يَبْتَسِمُ
إِلى المَكارِمِ يَبْنِيها ويَعْمُرُها ... حتَّى يَنالَ أُمُوراً دُونَها قُحَمُ
تَشْقَى به كُلُّ مِرْباعٍ مُوَدَّعَةٍ ... عَرْفاء يَشْتُو عَلَيْها تامِكٌ سَنِمُ
تَرَى الجِفانَ مِن الشِّيَزى مُكَلَّلَةً ... قُدَّامَهُ زانَها التَّشْرِيفُ والكَرَمُ
يَنُوبُها النَّاسُ أَفْواجاً، إِذا نَهِلُواعَلُّوا كَما عَلَّ بَعْدَ النَّهْلَةِ النَّعَمُ
زارَتْ رُوَيْقَةُ شُعْثاً بَعْدَ ما هَجَمُوا ... لَدَى نَواحِلَ في أَرْساغِها الخَدَمُ
وقُمْتُ للزَّوْرِ مُرْتاعاً، فَأَرَّقْنِي ... فقلتُ: أَهْيَ سَرَتْ، أَمْ عادَنِي حُلُم
وكانَ عَهْدِي بِها والمَشْيُ يَبْهَظُها ... مِن القَرِيبِ، ومِنْها النَّوْمُ والسَّأَمُ
وبالتَّكالِيفِ تَأْتِي بَيْتَ جارَتِها ... تَمْشِي الهُوَيْنا وما يَبْدُو لها قَدَمُ
سُودٌ ذَوائِبُها بِيضٌ تَرائِبُها ... دُرْمٌ مَرافِقُها في خَلْقِها عَمَمُ
رُوَيْقَ إِنِّي وما حَجَّ الحَجِيجُ لهُ ... وما أَهَلَّ ، بجْنَبَيْ نَخْلَةَ، الحُرُمُ
لَمْ يُنْسِنِي ذِكْرَكُمْ مُذْ لَمْ أُلاقِكُمُ ... عَيْشٌ سَلَوْتُ به عنكمْ ولا قِدَمُ
ولَمْ تُشارِكْكِ عندِي بَعْدَ غانِيَةٌ ... لا والذي أَصْبَحَتْ عِنْدِي له نِعَمُ
مَتَى أَمُرُّ على الشَّقْراءِ مُعْتَسِفاً ... خَلَّ النَّقا بِمَرُوحٍ لَحْمُهَا زِيَمُ
والوَشْمِ قَد خَرَجَتْ مِنْه وقابَلَها، ... مِن الثَّنايا التي لَمْ أَقْلِها، ثَرَمُ
يا لَيْتَ شِعْرِيَ عن جَنْبَيْ مُكَشَّحةٍ ... وحَيْثُ يُبْنَى مِن الحِنّاءةِ الأُطُمُ
عن الأَشاءةِ هل زَالَتْ مَخارِمُها ... وهَلْ تَغَيَّرَ مِن آرامِها إِرَمُ
وجَنَّةٍ ما يَذُمُّ الدَّهْرَ حاضِرُها ... جَبَّارُها بالنَّدَى والحَمْلِ مُخْتَزِمُ
فِيها عَقائِلُ أَمْثالُ الدُّمَى خُرُدٌ ... لَمْ يَغْدُ هُنَّ شَقا عَيْشٍ ولا يُتُمُ
يَنْتَابُهُنَّ كِرامٌ ما يَذُمُّهُمُ ... جارٌ غَرِيبٌ، ولا يُؤْذَى لَهُمْ حَشَمُ
مُخَدَّمُونَ، ثِقالٌ في مَجالِسِهِمْ، ... وفِي الرِّحالِ إِذا صاحَبْتَهُمْ خَدَمُ
لا يَرْفَعُ الضَّيْفُ طَرَفاً في مَنازِلِهِمْإِلاَّ يَرَى ضاحِكاً مِنْهُمْ ومُبْتَسِمُ
يا لَيْتَ شِعْرِي متى أَغْدُو تُعارِضُنِي ... جَرْداءُ سابِحَةٌ أَو سابِحٌ قُدُمُ
نَحْوَ الأُمَيْلِحِ أَو سَمْنانَ مُبْتَكِراً ... بفِتْيَةٍ فِيهِمُ المَرّارُ والحَكَمُ
لَيْسَتْ عليهمْ، إِذا يَغْدُونَ، أَرْدِيَةٌ ... إِلاَّ جِيادَ قِسِيِّ النَّبْع واللُّجُمُ
مِنْ غَيْرِ عُدْمٍ، ولكنْ مِن تَبَذُّلِهِمْللصَّيْدِ، حَتَّى يَصِيحَ القانِصُ اللَّحِمُ
فيَفْزَعُونَ إِلى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ ... أَفْنَى دَوابِرَهُنَّ الرَّكْضُ والأَكَمُ
يَرْضَخْنَ صُمَّ الحَصَى في كُلِّ هاجرَة ... كما تَطايَرَ عن مِرْضاخِهِ العَجَمُ
يَغْدُو أَمامَهُمُ في كُلِّ مَرْبَأَةٍ ... طَلاَّعُ أَنْجدَةٍ في كَشْحِهِ هَضَمُ
قال
بكر بن النطاح
وجاء باستطراد فيه هجاء ومدحعَرَضْتُ عَلَيْها ما أَرادَتْ مِن المُنَى ... لِتَرْضَى، فقالتْ: قُمْ فَجِئْنِي بكَوْكَب
فقلتُ لها: هذا التَّعَنُّتُ كُلُّهُ ... كمَنْ يَتَشَهَّى لَحْمَ عَنْقاء مُغْرِبِ
سَلِي كُلَّ شَيْءٍ تَسْتَقِيمُ طِلابُهُ ... ولا تَذْهَبِي يا بَدْرُ بِي كُلَّ مَذْهَبِ
فأُقْسِمُ لو أَصْبَحْتُ في عِزِّ مالِكٍ ... وقُدْرَتِهِ ما نالَ ذلكَ مَطْلَبِي
فَتىً شَقِيَتْ أَمْوالُهُ بِهِياتِهِ ... كما شَقِيَتْ بَكْرٌ بأَرْماحِ تَغْلِبِ
قال
ثروان عبد بني قضاعة
فلَوْ كنتُ مَوْلَى قَيْسِ عَيْلانَ لَمْ تَجِدْ ... عَلَيَّ لإنْسانٍ مِن النَّاسِ دِرْهَماولكنَّنِي مَوْلَى قُضاعَةَ كُلِّها ... فلَسْتُ أُبالِي أَن أَدِي،َ وتَغْرَما
أُولئكَ قَوْمِي بارَكَ اللّهُ فِيهِمُ ... على كُلِّ حال ما أَعَفَّ وأَكْرَما
قال
مسلم بن الوليد
أَجِدَّكِ ما تَدْرِينَ أَنْ رُبَّ لَيْلَةٍ ... كأَنَّ دُجاها مِن قُرُونِكِ يُنْشَرُلَهَوْتُ بِها حتَّى تَجَلَّتْ بِغُرَّةٍ ... كَغُرَّةِ يَحْيَى حينَ يُذْكَرُ جَعْفَرُ
قال
علي بن جبلة
مُوَفَّقُ الرَّأْيِ لا زالَتْ عَزائِمُهُ ... تَكادُ مِنْها الجِبالُ الصُّمُّ تَنْصَدِعُكأَنَّما كانَتْ الآراءُ مِنْه بِها ... نَواظِرُ في قُلُوبِ الدَّهْرِ تَطَّلِعُ
قال
يزيد بن محمد بن المهلب
بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة
رَهَنْتَ يَدِي بالعَجْزِ عن شُكْرِ بِرِّهِ ... وما فَوْقَ شُكْرِي للشَّكُورِ مَزِيدُولو كانَ مِمّا يُسْتَطاعُ اسْتَطَعْتُهُ ... ولكنَّ ما لا يُسْتطاعُ شَدِيدُ
قال
امرؤ القيس بن حجر
ولأَشْكُرَنَّ غَرِيبَ نِعْمَتِهِ ... حتَّى أَمُوتَ، وفَضْلُهُ الفَضْلُأَنتَ الشُّجاعُ إِذا هُمُ نَزَلُوا ... عندَ المَضِيقِ، وفِعْلُكَ الفِعْلُ
قال
بعض الخوارج
فإِنْ كانَ مِنْكُمْ كانَ مَرْوانُ وابْنُهُ ... وعَمْرُو ومنكُمْ هاشِمٌ وحَبيبُفمِنَّا حُصَيْنٌ والبَطِينُ وقَعْنَبٌ ... ومِنَّا أَمِيرُ المُؤمِنين شَبيبُ
فلما ظفر به هشام قال: أنت القائل:
ومِنَّا أَمِيرُ المُؤْمِنينَ شَبِيبُ
فقال لم أقل إلا:
ومِنَّا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ شَبِيبُ
وهذا يسمى المواربة، يقول المتكلم شيئاً يتضمن ما ينكر عليه بسببه.
ثم يتخلص منه إن فطن له إما بتحريفه بزيادةٍ أو نقصانٍ أو إبدال أو تصحيف. ومن طريف ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لما قال العباس بن مرداس السلمي:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العُبَيْ ... دِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ
وما كانَ حِصْنٌ ولا حابِسٌ ... يَفُوقانِ مِرْداسَ في مَجْمَعِ
وما أَنا دُونَ امْرِىءٍ مِنْهُما ... ومَنْ تَضَعِ اليومَ لا يُرْفَعِ
اقطع لسانه عني. فأعطاه مائة ناقةٍ، وقال: أمضيت ما أمرت.
قال
الأعشى
إِنَّ الذي فِيه تَمارَيْتُما ... بُيِّنَ للسَّامِع والنَّاظِرِحَكَّمْتُمُوهُ فَقَضَى بَيْنَكُمْ ... أَبْلَجُ مِثْلُ القَمَرِ الزَّاهِرِ
لا يَأَخُذُ الرُّشْوَةَ في حُكْمِهِ ... ولا يُبالِي غَبَنَ الخاسِرِ
لا يَرْهَبُ المُنْكِرَ مِنْكُمْ ولا ... يَرْجُوكُمُ إِلاَّ تُقَى الآمِرِ
قال
النابغة الذبياني
فللَّهِ عَيْنا مَن رَأَى مِثْلَهُ فَتىً ... أَضَرَّ لِمَنْ عادى وأكْثَرَ نافِعاوأَعْظَمَ أَحْلاماً، وأَكْبَرَ سَيِّداً ... وأَفْضَلَ مَشْفُوعاً إليهِ وشافِعا
قال
مسلم بن الوليد الأنصاري
يَنالُ بالرِّفْقِ ما يَعْيا الرِّجالُ بهِ ... كالمَوْتِ مُسْتَعْجِلاً يَأَتِي على مَهَلِيَكْسُو السُّيُوفَ دِماء النَّاكِثِينَ بهِ ... ويَجْعَلُ الهامَ تِيجانَ القَنا الذُّبُلِ
حَذارِ مِن أَسَدٍ ضِرْغَامةٍ بَطَلٍ ... لا يُولِغُ السَّيْفَ إِلاَّ مُهْجَةَ البَطَلِ
مُوفٍ على مُهَجٍ في يَوْمِ ذِي رَهَجٍ ... كأَنَّهُ أَجَلٌ يَسْعَى إِلى أَمَلِ
قد عَوَّدَ الطَّيْرَ عاداتٍ وَثِقْنَ بِها ... فهُنَّ يَتْبَعْنَهُ في كُلِّ مُرْتَحَلِ
تَراهُ في الأَمْنِ في دِرْعٍ مُضاعَفَةٍ ... لا يَأَمَنُ الدَّهْرَ أَنْ يُدْعَى على عَجَلِ
فالدَّهْرُ يَغْبِطُ أُولاهُ أَواخِرَهُ ... إِذْ لَمْ يَكُنْ كانَ في أَعْصارِهِ الأُوَل
فاسْلَمْ يَزِيدُ، فَما في المُلْكِ مِن وَهَنٍإِذا سَلِمْتَ ولا في الدِّينِ مِن خَلَلِ
ما كانَ جَمْعُهُمُ لَمَّا لَقِيتَهُمُ ... إِلاَّ كَمِثْلِ جَرادٍ رِيعَ مُنْجَفِلِ
قال
حسان بن ثابت الأنصاري
إِنَّ الذَّوائِبَ من فِهْرٍ وإِخْوَتِهِمْ ... قد بَيَّنُوا سُنَّةً للنَّاسِ تُتَّبعُيَرْضَى بِها كُلُّ مَنْ كانتْ سَريرَتُهُ ... تَقْوَى الإِلهِ، وبالأَمْر الذي شَرَعُوا
إِنْ كانَ في القَوْمِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمُ ... فكُلُّ سَبْقٍ لأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
خُذْ مِنْهُمُ ما أَتَوْا عَفْواً إِذا غَضِبُواولا يَكُنْ هَمُّكَ الأَمْرَ الذي مَنَعُوا
لا يَرْقَعُ النَّاسُ ما أَوْهَتْ أَكُفُّهُمُ ... عندَ الدِّفاعِ، ولا يُوهُونَ ما رَقَعُوا
لا يَجْهَلُونَ وإِنْ جاوَلْتَ جَهْلَهُمُ ... في فَضْلِ أَحْلامِهِمْ عن ذاكَ مُتَّسَعُ
قال
آخر
في خالد بن عبد الله القسريهذا الذي آمُلُ تَعْمِيرَهُ ... لِدَفْعِ ما أَخْشَى مِن الدَّهْرِ
ما قالَ لا قَطُّ ولَوْ قالَها ... صامَ لَها العَشْرَ مِن الشَّهْرِ
قال
لبيد بن ربيعة العامري
وبَنُو الدَّيَّانِ لا يَأَتُونَ لا ... وعلى أَلْسُنِهِمْ خَفَّتْ نَعَمْزَيَّنَتْ أَحْسابَهُمْ أَحْلامُهُمْ ... وكَذاكَ الحِلْم زَيْنٌ لِلكَرَمْ
قال
آخر
لَزِمْتَ نَعَمْ حتَّى كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْبِلا عارِفاً في سالِفِ الدَّهْرِ والأُمَمْوأَنْكَرْتَ لا حتَّى كأَنَّكَ لَمْ تكُنْ ... سَمِعْتَ مِن الأَشْياء شيئاً سِوَى نَعَمْ
قال
أبو دهبل الجمحي
في عبد الله بن عبد الرحمن الهبرزي. وقيل في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:عُقِيمَ النِّساءُ فما يَلِدْنَ شَبِيهَهُ ... إِنَّ النِّساء بمِثْلِهِ عُقْمُ
مُتَقارِبٌ بنَعَمْ، بِلا مُتَباعِدٌ ... سِيَّانِ مِنْه الوَفْرُ والعُدْمُ
نَزْرُ الكَلامِ مِن الحَياءِ تَخالُهُ ... ضَمِناً، ولَيْس بجِسْمِهِ سُقْمُ
قال
آخر في ضده
مَنَّيْتَنِي بنَعَمْ، حتَّى إِذا وَجَبَتْ ... أَلْحَقْتَ لا بنَعَمْ، ما هكّذا الجُودُفصِرْتَ مِثْلَ جَوادٍ بَذَّ حَلْبَتَهُ ... بَذَّ الجِيادِ، له في الأَرْضِ تَخْدِيدُ
حتَّى إِذا ما دَنا مِن رَأْسِ غايَتِهِ ... أَعْيا، ومَرَّتْ به المَهْرِيَّةُ القُودُ
قال
أبو العتاهية
جَزَى اللّهُ عنِّي صالِحاً بجَزائِهِ ... وأَضْعَفَ أَضْعَافاً له في جَزائِهِبَلَوْتُ رجالاً بَعْدَه في إِخائِهمْ ... فما ازْدَدْتُ إِلاَّ رَغْبَةً في إِخائِهِ
خَلِيلٌ إِذا ما جئْتُ أَبْغِيهِ عُرْفَه ... رَجَعْتُ بِما أَبْغِي ووَجْهِي بِمائِهِ
قال آخر
إِذا ما أَتاه السَّائِلُون تَوَقَّدَتْ ... عليه مَصابيح الطَّلاقَةِ والبِشْرِ
له في ذَوي المَعْروفِ نُعْمَى كأَنَّها ... مَواقِع ماءِ المزْنِ في البَلَدِ القَفْرِ
قال آخر
أَخٌ لَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ أَشْكُر برَّه ... تَجِلُّ أَيادِيهِ عن الوَصْفِ والذِّكْرِ
شَكَرْتُ له حسْنَ الإِخاءِ فعادَ لي ... بإِحْسانِهِ حتَّى عَجِزْتُ عن الشُّكْرِ
قال
مارح بن مهاجر
أَرَى الحَيَّيْنِ مِن قَيْسٍ وكَلْبٍ ... إِذا ذُكِرَتْ عِراصكُم الرِّحابُوأَيَّامٌ لَكُمْ طالَتْ سَناءً ... فلَيْسَ لِعائِبٍ فِيها مَعابُ
يَغُضُّونَ الجفُونَ قِلىً ومَقْتاً ... ويَظْهَر مِنْهم الحَسَد العُجابُ
فقَيْسٌ لا تُقاسُ بِكُمْ سَماحاً ... وكَلْبٌ دُونَ مَجْدِكُمُ كِلابُ
أُولئكَ مَعْشَرٌ خَبُثُوا وقَلُّوا ... وأَنْتمْ مَعْشَرٌ كَثُرُوا وطابُوا
قال
جرير بن الخطفي
يمدح عمر بن عبد العزيزإِنَّا لَنَرْجُو إِذا ما الغَيْثُ أَخْلَفَنا ... مِن الخَلِيفَةِ ما نَرْجُو مِن المَطَرِ
نالَ الخِلافَةَ إِذْ كانَتْ له قَدَراً ... كما أَتَى رَبَّهُ مُوسَى على قَدَر
أَأَذْكُرُ الجَهْدَ والبَلْوَى التي نَزَلَتْ ... أَم قد كَفانِي الذي بُلِّغْتَ مِن خَبَري
مازِلْتُ بَعْدَكَ في دارٍ تَعَرَّقُنِي ... قَدْ عَيَّ في الحَيِّ إصْعادِي ومُنْحَدَرِي
لا يَنْفَعُ الحاضِرُ المَجْهُودُ بادِيَهُ ... ولا يَعُودُ لَنا بادٍ على حَضَرِ
كم بالمَواسِمِ مِن شَعْثاء أَرْمَلَةٍ ... ومِن يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ والنَّظَرِ
يَدْعُوك دَعْوَةَ مَلْهُوفٍ كأَنَّ بهِ ... مَسّاً مِن الجِنِّ أَو خَبْلاً مِن النُّشَرِ
مِمَّنْ يَعُدُّكَ تَكْفِي فَقْدَ والِدِهِكالفَرْخِ في العُشِّ لَمْ يَدْرُجْ ولَمْ يَطِرِ
يَرْجُوكَ مِثْلَ رَجاءِ الغَيْثِ تَجْبُرُهُمْ ... بُورِكْتَ جابرَ عَظْمٍ هِيضَ مُنْكَسِر
هَذِي الأَرامِلُ قد قَضَّيْتَ حاجَتَها ... فمَنْ لحاجَةِ هذا الأَرْمَلِ الذَّكَر
قال
حاتم الطائي
إِنْ كُنْتِ كارِهَةً لِعِيشَتِنا ... هاتا، فَحُلِّي في بَنِي بَدْرِالضَّارِبِينَ لَدَى أَعِنَّتِهِمْ ... والطَّاعِنينَ وخَيْلُهُمْ تَجْرِي
جاوَرْتُهُمْ زَمَنَ الفَسادِ، فنِعْ ... مَ الحَيُّ في العَوْصاءِ واليُسْرِ
فسُقِيتُ بالماءِ النَّمِيرِ ولَمْ ... أَنْزِلْ أُلاطِسُ حَمْأَةَ الجَفْرِ
ودُعِيتُ في أُولى النَّدِيِّ ولَمْ ... يُنْظَرْ إِليَّ بَأَعْيُنٍ خُزْرِ
الخالِطُونَ نَحِيتُهُمْ بنُضارِهِمْ ... وذَوِي الغِنَى مِنْهمْ بذِي الفَقْر
قال
الحطيئة جرول بن أوس
وفِتْيانِ صِدْقٍ مِن عَدِيٍّ عليهمُ ... صفائِحُ بُصْرَى عُلِّقَتْ بالعَواتِقِإِذا ما دُعُوا لَمْ يَسْأَلُوا مَن دَعاهُمُولَمْ يُمْسِكُوا فَوْقَ القُلُوبِ الخَوافِقِ
وطارُوا إِلى الجُرْدِ العِتاقِ فأَلْجَمُوا ... وشَدُّوا على أَوْساطِهِمْ بالمَناطِقِ
أُولئكَ آسادُ الغَرِيفِ، وغاثَةُ ال ... صَّرِيخِ، ومَأَوَى المُرْمِلِينَ الدَّرادِقِ
أَحَلُّوا حِياضَ المَوْتِ فَوْقَ جباهِهِمْ ... مَكانَ النَّواصِي مِن وُجُوهِ السَّوابقِ
قال
أوس بن حجر
وما كانَ وَقَّافاً إِذا الخَيْلُ أَحْجَمَتْ ... وما كانَ مِبْطاناً إذا ما تَجَرَّداكَثِيرُ رَمادِ القِدْرِ غَيْرُ مُلَعَّن ... ولا مُؤْيس مِنْها إِذا هو أَخْمَدا
قال
الفرزدق
همام بن غالب المجاشعي
ومِنَّا الذي اخْتِيرَ الرِّجالَ سَماحَةً ... وجُوداً إِذا هَبَّ الرِّياحُ الزَّعازِعُومِنَّا الذي أَعْطَى الرَّسُولُ عَطِيَّةً ... أَسارَى تَمِيمٍ، والعُيُونُ دَوامِعُ
ومِنّا الذي أحْيا الوَئِيدَ، وغالِبٌ ... وعَمْرٌو، ومِنَّا حاجِبٌ والأَقارِعُ
أُولئكَ آبائِي، فَجِئْنِي بِمِثْلِهمْ ... إِذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجامِعُ
فيا عَجَباً حتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّني ... كأَنَّ أَباها نَهْشَلٌ أَو مُجاشِعُ
تَنَحَّ عن العَيْناءِ إِنَّ قَدِيمَها ... لَنا والجِبالُ الباذِخاتُ الفَوارِعُ
أَخَذْنا بآفاق السَّماءِ عليكمُ ... لَنا قَمَراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ
قال
مروان بن أبي حفصة
تَدارَكَ مَعْنٌ قُبَّةَ الدِّينِ بَعْدَما ... خَشِينا على أَوْتادِهِ أَنْ تُنَزَّعاأَقامَ على الثَّغْر المَخُوفِ، وهاشِمٌ ... تَساقَى سِماماً بالأَسِنَّةِ مُنْقَعا
وما أَحْجَمَ الأَعْداءُ عنكَ بَقِيَّةً ... عَلَيْكَ، ولكنْ لَمْ يَرَوْ فِيكَ مَطْمَعا
رَأَوْا مُخْدِراً قد جَرَّبُوهُ وعايَنُوا ... لَدَى غِيلِهِ مِنْهمْ مَجَرّاً ومَصْرَعا
لقَدْ أَصْبَحَتْ في كُلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبٍ ... بِسَيْفِكَ أَعْناقُ المُرِيبِينَ خُضَّعا
قال
عبيد الله بن قيس الرقيات
إِنَّ الأَغَرَّ الذي أَبُوهُ أَبُو ال ... عاصي عليهِ الوَقارُ والحُجُبُيَعْتَدِلُ التَّاجُ فَوْقَ مَفْرِقِهِ ... على جَبِينٍ كأَنَّهُ الذَّهَبُ
ما نَقَمُوا مِن بَنِي أُمَيَّةَ إِلاَّ ... أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا
وأَنَّهُمْ مَعْدِنُ الكِرامِ، وما ... تَصْلُحُ إِلاَّ عليهمُ العَرَبُ
إِنْ جَلَسُوا لَمْ تَضِقْ مَجالِسُهمْ ... والأُسْدُ أُسْدُ العَرين إنْ رَكِبُوا
قال
أبو العتاهية
ولَقَدْ تَنَسَّمْتُ الرِّياحَ لِحاجَتِي ... فإِذا لَها مِن راحَتَيْكَ نَسِيمُوَرَمَيْتُ نَحْوَ سَماءِ جُودِكَ ناظِرِي ... أَرْعَى مَخايِلَ بَرْقِها وأَشِيمُ
ولَرُبَّما اسْتَيْأَسْتُ ثُمَّ أَقُولُ: لا ... إِنَّ الذي وَعَدَ النَّجاحَ كَرِيمُ
قال
أيضا
ًنَفْسِي بشَيْءٍ مِن الدُّنْيا مُعَلَّقَةٌ ... اللّهُ والقائِمُ المَهْدِيُّ يَكْفِيها
إِنِّي لأَيْأَسُ مِنْها ثُمَّ يُطْمِعُنِي ... منها احْتِقارُكَ للدُّنْيا وما فِيها
قال
أشجع السلمي
إِليكَ أَبا العَبّاسِ سارَتْ نَجائِبٌ ... لها هِمَمٌ تَسْرِي إِليكَ وتَنْزِعُ
بذِكْرِكَ نَحْدُوها إِذا ما تَأَخَّرَتْ ... فَتَمْضِي على هَوْلِ المُضِيِّ وتُسْرِعُ
فما للِسانِ المَدْحِ دُونَكَ مَشْرَعٌ ... وما لِلْمَطايا دُونَ بابِكَ مَتْرَعُ
إِذا ما حِياضُ المَجْدِ قَلَّتْ مِياهُهَا ... فحَوْضُ أَبِي العَبْاسِ بالجُودِ مُنْزَعُ
فُزْرهُ تَزُرْ عِلْماً وحِلْماً وسُؤدُداً ... وبَأَساً به أَنْفُ الحَوادِثِ يُجْدَعُ
قال
يزيد بن مفرغ
أموي الشعر
عَدَسْ ما لِعَبّادٍ عليكِ إَمَارَةٌ ... نَجَوْتِ وهذا تَحْمِلِينَ طَلِيقُلَعَمْرِي لقَدْ أَنْجاكِ مِن هُوَّةِ الرَّدَى ... إمامٌ وحَبْلٌ للإِمامِ وَثِيقُ
سأَشْكُرُ ما أَوْلَيْتَ مِن حُسْنِ نعْمَة ... ومِثْلِي بشُكْرِ المُنْعِمِينَ حَقِيقُ
قالت
الخنساء بنت الشريد
جارَي أَباهُ فأَقْبَلا وَهُما ... يَتَعاوَرانِ مُلاءةَ الحُضْرِوَهُما وقَدْ بَرَزا كَأنَّهُا ... صَقْران قد حَطَّا إِلى وَكْرِ
حتَّى إِذا نَزَتِ القُلُوبُ وقَدْ ... لُزَّتْ هناكَ العُذْرَ بالعُذْرِ
وعَلا هُتافُ النَّاسِ: أيُّهُما؟ ... قال المُجِيبُ هناكَ: لا نَدْرِي
بَرَقَتْ صَحِيفَةُ وَجْهِ والِدِهِ ... ومَضَى على غُلْوائِهِ يَجْرِي
أَوْلَى فَأَوْلَى أَنْ يُساوِيَهُ ... لَوْلا جَلالُ السِّنِّ والكِبْرِ
قال
ربيعة بن مقروم الضبي
وقَدْ سَمِعْتُ بقَوْمٍ يُمْدَحُونَ فلَمْ ... أَسْمَعْ بمِثْلِكَ لا حِلْماً ولا جُوداوقَدْ سَبَقْتَ لِغاياتِ الجِيادِ وقَدْ ... أَشْبَهْتَ آباءكَ الصِّيدَ الصَّنادِيدا
هذا ثَنائِي بما أَوْلَيْتَ مِن حَسَنٍ ... لا زِلْتَ عَوْضُ قَرِيرَ العَيْنِ مَحْسُودا
قال
الأعشى ميمون
وإِنَّ أَمْرءًا أَسْرَى إِليْك ودُونَهُ ... مِن الأَرْضِ مَوْماةٌ وجَرْداءُ سَمْلَقُلَمَحْقُوقَةٌ أَنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتهِ ... وأَنْ تَعْلَمِي أَنَّ المُعانَ مُوَفَّقُ
لَعَمْرِي لقَدْ لاحَتْ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ ... إِلى ضَوْءِ نارٍ في يَفاعٍ تَحَرَّقُ
تُشَبُّ لِمَقْرُورَيْن يَصْطَلِيانِها ... وباتَ على النَّارِ النَّدَى والمُحَلَّقُ
رَضِيعَيْ لَبانِ ثَدْيِ أُمٍّ تَحالَفا ... بأَسْحَم داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ
يَداكَ يَدا صِدْقٍ، فَكفٌّ مُفِيدَةٌ ... وأُخْرَى إِذا ما ضُنَّ بالزَّادِ تُنْفِقُ
تَرَى الجُودَ يَجْرِي ظاهِراً فَوْقَ وَجْهِهِكما زانَ مَتْنَ الهِنْدُوانِيِّ رَوْنَقُ
وإِنَّ عِتاقَ العِيسِ سَوْفَ يَزُورُكُمْ ... ثَناءُ على أَعْجازِهِنَّ مُعَلَّقُ
ويَقْسِمُ أَمْرَ النَّاسِ يَوْماً ولَيْلَةً ... فهُمْ ساكِتُونَ والمَنِيَّةُ تَنْطِقُ
جِماعُ الهَوَى في الرُّشْدِ أَدْنَى إِلى التُّقَىوتَرْكُ الهَوَى في الغَيِّ أَدْنَى وأَرْفَقُ
قال
عمرو بن العاص
يمدح علياً رضي الله عنهطَعامُ سُيُوفِهِ مُهَجُ الأَعادِي ... وفَيْضُ دَمِ النُّحُورِ لها شَرابُ
كأَنَّ سِنانَ عامِلِهِ ضَمِيرٌ ... فلَيْسَ عن القُلُوب له ذهابُ
قال
كعب بن زهير
إسلامي
صَمُوتٌ وقَوّالٌ، فلِلْحِلْمِ صَمْتُهُوبالعِلْمِ يَجْلُو الشَّكَّ مَنْطِقُهُ الفَصْلُفَتىً لَمْ يَدَعْ رُشْداً، ولَمْ يَأَتِ مُنْكَراًولَمْ يَدْرِ مِن فَضْلِ السَّماحَةِ ما البُخْلُ
به أنْجَبتِ للْبدر شَمْسٌ مُنِيرةٌ ... مُبارَكَةٌ يَنْمِي بِها الفَرْعُ والأَصْلُ
إِذا كانَ نَجْلُ الفَحْلِ بَيْنَ نَجِيبَةٍ ... وبَيْنَ هِجانٍ مُنْجِبٍ كَرُمَ النَّجْلُ
قال
الأخطل غياث بن غوث
رَماهُمْ على بُعْدٍ برَأْيٍ مُسَدَّدٍ ... فأَفْناهُمُ مِن قَبْلُ تَأَتِي كتَائِبُهْوحارَبَهُمْ بالبِيضِ حتَّى إِذا أَتَوْا ... لِما شاء، قامَ العَفْوُ فِيهمْ يُحاربُهْ
قال
دعبل الخزاعي
مُسَدَّدُ الرَّأْيِ، إِنْ تَلْحَظْ مَكايِدَهُمَكايِدُ الدَّهْرِ لَمْ يَثْبُتْ لها قَدَمُلا يَعْرفُ العَفْو إلاَّ بَعْدَ مَقْدِرَة ... ولا يُعاقبُ حتَّى تَنْجَلي التُّهَمُ
قال
النابغة الذبياني
مَهْلاً فِداءٌ لكَ الأَقْوامُ كُلُّهُمُ ... وما أُثَمِّرُ مِن مالٍ ومِن وَلَدِلا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاء لهُ ... وإِنْ تَأَثَّفَكَ الأَعْداءُ بالرِّفَدِ
فلا لَعَمْرُ الذي مَسَّحْتُ كَعْبَتَهُ ... وما هُرِيقَ على الأَنْصابِ مِن جَسَدِ
والمُؤْمِنِ العائِذاتِ الطَّيْر يَمْسَحُهارُكْبانُ مَكَّةَ بَيْنَ الغَيْلِ والسَّنَدِ
ما إِنْ أَتَيْتُ بشَيْءٍ أَنتَ تَكْرَهُهُ ... إِذَنْ فلا رَفَعَتْ سَوْطِي إِليَّ يَدِي
فما الفُراتُ إِذا جاشَتْ غَوارِبُهُ ... تَرْمِي أَواذِيُّهُ العِبْرَيْنِ بالزَّبَدِ
يَظَلُّ مِن خَوْفِهِ المَلاَّحُ مُعْتَصِماًبالخَيْزُرانَةِ بَعْدَ الأَيْنِ والنَّجْدِ
يَوْماً بأَجْوَدَ مِنْهُ سَيْبَ نافِلَةٍ ... ولا يَحُولُ عَطاءُ اليومِ دُونَ غَدِ
هذا الثَّناءُ، فإِنْ تَسْمَعْ لِقائِلِهِ ... فما عَرَضْتُ أَبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ
قال
أمية بن أبي الصلت
جاهلي
لِيَطْلُبِ الوِتْرَ أَمْثالُ ابنِ ذِي يَزَنٍ ... لَجَّجَ في البَحْرِ للأَعْداءِ أَحْوالاأَتَى هِرْقَلاً وقَدْ شَالَتْ نَعامَتُهُ ... فلَمْ يَجِدْ عِندَهُ النَّصْرَ الذي سالا
ثُم انْتَحى نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ سابِعَةٍ ... مِن السِّنِينَ لقَدْ أَبْعَدْتَ قَلْقَالا
حَتَّى أَتَى بِبَنِي الأَحْرارِ يَقْدُمُهُمْتَخالُهُمْ فَوْقَ سَهْلِ الأَرْضِ أَجْبالا
للّهِ دَرُّهُمُ مِن فِتْيَةٍ صُبُرٍ ... ما إِنْ رَأَيْتُ لَهُمْ في النَّاسِ أَمْثالا
بِيضٌ مَرازِبَةٌ، غُلْبٌ أَساوِرَةٌ، ... أُسْدٌ تُرَبِّبُ في الغاباتِ أَشْبالا
حَمَلْتَ أُسْداً على سُودِ الكِلابِ فقَدْ ... أَضْحَى شَرِيدُهُمُ في البَحْرِ فُلاَّلا
اشْرَبْ هَنيئاً، عليكَ التَّاجُ، مُرْتَفِقاً ... في رَأْسِ غُمْدانَ داراً مِنْكَ مِحْلالا
ثم اطَّلِ المِسْكَ إِذ شالَتْ نَعامَتُهُمْ ... وأَسْبِلِ اليومَ في بُرْدَيْكَ إِسْبالا
هَذِي المَكارِمُ، لا قَعْبانِ مِن لَبَنٍ ... شِيبا بماءٍ فَعادا بَعْدُ أَبْوالا
قال
الأحوص بن عبد الله الأنصاري
فخَرَتْ وانْتَمَتْ فقُلْتُ ذَرِينِي ... لَيْسَ جَهْلٌ أَتَيْتِهِ ببَدِيعِفَأَنا ابنُ الذي حَمَتْ لَحْمَهُ الدَّبْ ... رُ قَتِيلُ اللِّحْيانِ يومَ الرَّجِيعِ
غَسَّلَتْ خالِيَ المَلائِكَةُ الأَبْ ... رارُ مَيْتاً طُوبَى لهُ مِن صَريع
قال
أعشى همدان
وإِذا سأَلْتَ: المَجْدُ أَيْنَ مَحَلُّهُ ... فالمَجْدُ بَيْنَ محمدٍ وسَعِيدِبين الأَشَجِّ وبينَ قَيْسٍ باذخٌ ... بَخْ بَخْ لِوالِدِهِ وللْمَولُودِ
ما قَصَّرَتْ بكَ أَنْ تَنالَ مَدَى العُلَى ... أَخْلاقُ مَكْرُمَةٍ وإِرْثُ جُدُودِ
وإِذا دَعا لِعَظِيمَةٍ حَشَدَتْ له ... هَمْدانُ تحتَ لِوائِهِ المَعْقُودِ
وإِذا دَعَوْتَ بآلِ كِنْدَةَ أَجْفَلَتْ ... بكُهُولِ صِدْقٍ سَيِّدٍ وَمَسُودِ
وشَباب مَلْحَمَةٍ كأَنَّ سُيُوفَهُمْ ... في كُلِّ مَلْحَمَةٍ بُرُوقُ رُعَودِ
قال
عبد الله بن أبي معقل الأوسي
إِنْ يَعِشْ مُصْعَبٌ فنحنُ بخَيْرٍ ... قد أَتانا مِن عَيْشِهِ ما نُرَجَّىمَلِكٌ يُطْعِمُ الطَّعامَ ويَسْقِي ... لَبَنَ البُخْتِ في عِساسِ الخَلَنْجِ
قال
الحسن بن هانئ الحكمي
أَنتَ الذي تَأْخُذُ الدُّنْيا بحُجْزَتِهِ ... إِذا الزَّمانُ على أَبْنائِهِ كَلَحاوَكَّلْتَ بالدَّهْرِ عَيْناً غيرَ غافِلَةٍ ... مِن جُودِ كَفِّكَ تَأْسُو كُلَّما جَرَحا
قال
مسكين الدارمي
ربيعة بن عامر، أموي الشعر
إِليكَ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ رَحَلْتُها ... تُثِيرُ القَطا لَيْلاً وهُنَّ هُجُودُعلى الطَّائِرِ المَيْمُونِ والجَدُّ صاعِدٌ ... لكُلِّ أُناسٍ طائِرٌ وجُدُودُ
إِذا المِنْبَرُ الغَرْبِيُّ خَلاَّ مَكانَهُ ... فإِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ يَزِيدُ
قال
مسلم بن الوليد الأنصاري
لو أَنَّ خَلْقاً يُخْلَقُونَ مَنِيَّةً ... مِن بَأْسِهِمْ كانُوا بَنِي جِبْرِيلاقَوْمٌ إِذا احْمَرَّ الهَجيرُ مِن الوَغَى ... جَعَلُوا الجَماجمَ للسُّيُوفِ مَقِيلا
قال
أبو دهبل الجمحي، أموي الشعر
تَحْمِلُهُ النَّاقَةُ الأَدْماءُ مُعْتَجِراًبالبُرْدِ كالبَدْرِ جَلَّى لَيْلَةَ الظُّلَمِوكَيْفَ أَنْساكَ، لا نُعْماكَ واحِدَةٌ ... عِنْدِي ولا بالذي أَسْدَيْتَ مِن قِدَمِ
قال
بشار بن برد، من مخضرمي الدولتين
دَعانِي إِلى عُمَرٍ جُودُهُ ... وقَوْلُ العَشِيرَةِ بَحْرٌ خِضَمْوَلَولا الذي خَبُرُوا لَمْ أَكُنْ ... لأَمْدَحَ رَيْحانَةً قَبْلَ شَمْ
إِذا أَيْقَظَتْكَ حُرُوبُ العِدَى ... فنَبِّهْ لَها عُمَراً ثُمَّ نَمْ
فَتىً لا يَنامُ على دِمْنَةٍ ... ولا يَشْرَبُ الماءَ إِلاَّ بدَمْ
قال
رباح بن سبيح
يمدح الفرزدق ويهجو
جريراًإِنَّ الفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ عادِيَّةٌ ... طالَتْ، فلَيْسَ تَنالُها، الأَوْعالا
قد قِسْتُ شِعْرَكَ يا جَرِيرُ وشِعْرَهُ ... فَنَقُصْتَ عنه يا جَرِيرُ وطالا
وَوَزَنْتُ فَخْرَكَ يا جَرِيرُ وفَخْرَهُ ... فخَفَفْتَ عنه حِينَ قُلْتَ وقالا
والزَّنْجُ لو لاقَيْتَهُمْ في صَفِّهِمْ ... لاقَيْتَ ثَمَّ جَحا جِحاً أَبْطالا
قال
كثير بن أبي جمعة
تَقُولُ حَلِيلَتِي لمَّا رَأَتْنِي ... أَرِقْتُ وضافَنِي هَمٌّ دَخِيلُكَأَنَّكَ قد بَدا لَكَ بَعْدَ مُكْثٍ ... وطُولِ إِقامَةٍ فِينا رَحِيلُ
فقُلْتُ: أَجَلْ، فبَعْضَ اللَّوْمِ إِنِّي ... قَدِيماً لا يُلائِمُنِي العَذُولُ
إِلى القَرْمِ الذي فاتَتْ يَداهُ ... بفِعْلِ الخَيْرِ بَسْطَةَ مَن يُنِيلُ
كِلا يَوْمَيْهِ بالمعْرُوفِ طَلْقٌ ... وكُلُّ فَعالِهِ حَسَنٌ جَمِيلُ
لأَهْلِ الوُدِّ والقُرْبَى عليهِ ... صَنائِعُ بَثَّها بَرٌّ وَصُولُ
وعَفْوٌ عن مُسِيئِهِمُ وصَفْحٌ ... يَعُودُ به إِذا غَلِقَ الجَهُولُ
إِذا هو لَمْ يُذَكِّرْه نَهاهُ ... وقَارُ الدِّينِ والرَّأْيُ الأَصِيلُ
جَنابٌ واسِعُ الأَكْنافِ سَهْلٌ ... وظِلٌّ في مَنادِحِهِ ظَلِيلُ
قال
أبو زبيدٍ الطائيسأَقْطَعُ ما بَيْنِي وبينَ ابنِ عامِرٍ ... قَطِيعَةَ وَصْلٍ لا القَطِيعَةَ جافِيا
فَتىً يُتْبِعُ النُّعْمَى تَرُبُّها ... ولا يُتْبِعُ الإِخْوانَ بالذَّمِّ زَارِيا
إِذا كانَ شُكْري دُونَ فَيْضِ بَنانِهِ ... وطاوَلَنِي جُوداًن فكَيْفَ احْتِيالِيا
قال
عمارة بن عقيل
بَنِي دارِمٍ إِنْ يَفْنَ عُمْرِي فإِنَّهُ ... سَيَبْقَى لَكُمْ مِنِّي ثَناءُ مُخَلَّدُبَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُمْ، فَأَثْنَيْتُ جاهِداًفإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ، والعَودُ أَحْمَدُ
قال
أبو علي البصير
لَئِنْ كانَ يَهْدِيني الغُلامُ لِوِجْهَتِيويَقْتادُنِي في السَّيْرِ إِذْ أَنا رَاكِبُلقَدْ يَسْتَضِيءُ القَوْمُ بي في أُمُورِهِمْويَخْبُو ضِياءُ العَيْن والرَّأْيُ ثاقِبُ
قال
الكروس بن سليم اليشكري
حَنِيفَةُ عِزٌّ ما يُنالُ قَدِيمُهُ ... به شَرُفَتْ فوقَ البِناءِ قُصُورُهاهُمُ في الذُّرا مِن فَرْعِ بَكْرِ بن وائِلٍ ... وهُمْ عندَ إِظْلامِ الأُمُورِ بُدُورُها
يَطِيبُ تُرابُ الأَرْضِ إِنْ نَزَلُوا بِها ... وأَطْيَبُ مِنه في المَماتِ قُبُورُها
إِذا أُخْمِدَ النِّيرانُ مِن حَذَر القِرَىهَدَى الضَّيْفَ لَيْلاً في حَنِيفَةَ نُورُها
قال
الحطيئة جرول بن أوس
يمدح طريف بن دفاع الحنفيتَفَرَّسْتُ فيه الخَيْرَ لمَّا لَقِيتُهُ ... لِما أَوْرَثَ الدَّفّاعُ غَيْرَ مُضِيعِ
فَتىً غَيْرُ مِفْراحٍ إِذا الخَيْرُ مَسَّهُ ... ومِن نائِباتِ الدَّهْرِ غَيْرُ جَزُوعِ
فذاكَ فَتىً إِنْ تَاْتِهِ لِصَنِيعَةٍ ... إِلى مالِهِ لا تَأْتِهِ بِشَفِيع
قال
أيضا
ًأَلاَ أَبْلِغْ بَنِي عَوْفِ بنِ كَعْبٍ ... وهَلْ قَوْمٌ على خُلُقٍ سَواءُ
أَلَمْ أَكُ جارَكُمْ ويكُونَ بَيْنِي ... وبَيْنَكُمُ المَودَّةُ والإِخاءُ
فلا وأَبِيكَ ما ظَلَمَتْ قُرَيْعٌ ... ولا بَرِمُوا لِذاكَ ولا أَساءُوا
بِعَثْرَةِ جارِهِمْ أَنْ يَجْبُرُوها ... فيَغْبُرَ حَوْلَهُ نَعَمٌ وشاءُ
فيَبْنِي مَجْدَها ويُقِيمَ فيها ... ويُمْشِيَ إِنْ أُرِيدَ به المَشاءُ
وإِنّ الجارَ مِثْلُ الضَّيْفِ يَغْدُو ... لِوِجْهَتِهِ وإِنْ طالَ الثَّواءُ
وإِنِّي قد عَلِقْتُ حِبالَ قَوْمٍ ... أَعانَهُمُ على الحَسَبِ الوَفَاءُ
إِذا نَزَلَ الشِّتاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... تَجَنَّبَ جارَ بَيْتِهِمُ الشِّتاءُ
لعَمْرُكَ ما رَأَيْتُ المَرْءَ تَبْقَى ... طَرِيقَتُهُ وإِنْ طالَ الثَّواءُ
إِذا ذَهَبَ الشَّبابُ فَبانَ مِنْهُ ... فلَيْسَ لِمَا مَضَى مِنْه لِقاءُ
يَصَبُّ إلى الحَياةِ ويَشْتَهِيها ... وفي طُول الحياةِ لهُ عَنَاءُ
قال
محمد بن عبد الله بن المولى
من مخضرمي الدولتين
يا واحِدَ العَرَبِ الذي ... أَمْسَى ولَيْسَ له نَظِيرُلو كانَ مِثْلُكَ واحِداً ... ما كانَ في الدُّنْيا فَقِيرُ
قال
أيضا
ًوإِذا تُباعُ كَرِيمَةٌ أَوْ تُشْتَرَى ... فسِواكَ بائِعُها وأَنْتَ المُشْتَرِي
وإِذا تَخَيَّلَ مِن سَحابِكَ لامِعٌ ... سَبَقَتْ مَخايِلُهُ يَدَ المُسْتَمْطِرِ
وإِذا صَنَعْتَ صَنِيعَةً أَتْمَمْتَها ... بِيَدَيْنِ لَيْسَ نَداهُما بمُكَدَّرِ
قال
أبو الشيص الخزاعي
مَلِكٌ لا يُصَرِّفُ الأَمْرَ والنَّهْ ... يَ لهُ دُونَ أَمْرِهِ الوُزَراءُحَلَّ في الدَّوْحَةِ التي طالَتِ النَّا ... سَ جَمِيعاً فَما إِلَيْها ارْتِقاءُ
وَسِعَتْ كَفُّهُ الخَلائِقَ جُوداً ... فاسْتَوَى الأَغْنِياءُ والفُقَراءُ
قال
أبو دهبل الجمحي
أموي الشعر
جِئْتُكَ مِن بَلْدَةٍ مُبارَكَةٍ ... أَقْطَعُها بالزَّمِيلِ والعَنَقِأَمُتُّ بالوُدِّ والقَرابَةِ والنُّصْ - حِ وقَطْعِي إِلَيْكُمُ عُلَقِي
وإِنَّنِي والذي يَحُجُّ لهُ النّا ... سُ بِجَدْوَى سِواكَ لَمْ أَثِقِ
ما زِلْتُ في العَفْوِ للذُّنُوبِ وإِطْ ... لاقٍ لِعانٍ بِجُرْمِهِ غَلِقِ
حتَّى تَمنَّى البُراءُ أَنَّهُمُ ... عندَكَ أَمْسَوْا في القِدِّ والحَلَق
قال
الفضل بن العباس
بن عتبة بن أبي لهب
إِنَّما عَبْدُ مَنافٍ جَوْهَرٌ ... زَيَّنَ الجَوْهَرَ عَبْدُ المُطَّلِبْمَنْ يُساجِلْنِي يُساجِلْ ماجِداً ... يَمْلأُ الدَّلْوَ إِلى عَقْدِ الكَرَبْ
إِنَّ قَوْمِي ولِقَوْمِي بَسْطَةٌ ... مَنَعُوا ضَيْمِي وأَرْخَوْا مِن لَبَبْ
تَرَكُوا عَقْدَ لِسانِي مُطْلَقاً ... بَفَعالٍ أَثَّلُوهُ ونَسَبْ
أَنتَ إِنْ تَأْتِهِمُ تَنْزِلْ بِهِمْ ... باغِياً لِلعُرْفِ فِيهمْ لا تَخِبْ
وأَنا الأَخْضَرُ مِنْ بَيْنِهِمْ ... أَخْضَرُ الجِلْدَةِ مِن بَيْتِ العَرَبْ
قال
الأعشى ميمون
إنَّ مَحَلاّ وإِنَّ مُرْتَحَلا ... وإِنَّ في السَّفْرِ إِذْ مَضَوْا مَهَلاوقدْ رَحَلْتُ المَطِيَّ مُنْتَخِلاً ... أُزْجِي ثِقالاً وقُلْقُلاً وقِلا
بِسَيْرِ مَنْ يَقْطَعُ المَفاوِزَ وال ... بُعْدَ إِلى مَنْ يُثِيبُهُ الإِبِلا
يَكْرِمُها ما ثَوَتْ لَدَيْهِ ويَجْ ... زِيها بِما كانَ خُفُّها عَمِلا
أَبْلَجُ، لا يَرْهَبُ الهُزالَ، ولا ... يَقْطَعُ رِحْماً ولا يَخُونُ إِلا
اسْتَأْثَرَ اللّهُ بالوفَاءِ وبال ... عَدْلِ ووَلَّى المَلامَةَ الرَّجُلا
قَدْ عَلِمَتْ فارِسٌ وحِمْيَرُ وال ... أَعْرابُ بالدَّسْتِ أَيُّكُمْ نَزَلا
لَيْثٌ لَدَى الحَرْبِ أَو تَدُوخَ لهُ ... قَسْراً، وَبَذَّ المُلُوكَ ما فَعَلا
قال
الأخطل
دَعِ المُغَمَّرَ لا تَسْأَلْ بمَصْرَعِهِ ... واسْأَلْ بمَصْقَلَةَ البَكْرِيِّ ما فَعَلاجَزْلُ العَطاءِ، وأَقْوامٌ إِذا سُئِلُوا ... يُعْطُونَ نَزْراً كما تَسْتَوْكِفُ الوَشَلا
وفارِسٌ غَيْرُ وقّافٍ بِرابِيَةٍ ... يومَ الكَرِيهَةِ حتَّى يَخْضِبَ الأَسَلا
قال
الفرزدق همام بن غالب
أموي الشعر
ومُسْتَنْفِراتٍ للقلوبِ كأَنَّها ... مَهاً حَوْلَ مَنْتوجاتِهِ يَتَصَرَّفإِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَدِيثَ كأَنَّهُ ... جَنا النَّحْلِ، أَو أَبْكارُ كَرْمٍ يُقْطَّف
مَوانِعُ للأَسْرارِ إلاَّ لأَهْلِها ... ويُخْلِفْنَ ماظَنَّ الغَيُورُ المُشَفِشِف
لَبِسْنَ الفِرَنْدَ الخسْرُوانِيَّ دُونَهُ ... مَشاعِرَ مِن خَزِّ العِراقِ المُفَوَّف
إِليكَ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ رَمَتْ بِنا ... هُمُومُ المُنَى والهَوْجَلُ المُتَعَسَّفُ
وعَضُّ زَمانٍ يا ابْنَ مَرْوانَ لَمْ يَدَعْ ... مِن المالِ إِلاَّ مُسْحَتاً أَو مُجَلَّفِ
إِذا اغْبَرَّ آفاق السَّماءِ، وكَشَّفَتْ ... كسُورَ بُيُوتِ الحَيِّ نَكْباءُ حَرْجَفُ
وأَوْقَدَتِ الشِّعْرَى مع الليلِ نارَها ... وأَمْسَتْ مُحُولاً جلْدُها يَتَوسَّفُ
وأَصْبَحَ مُبْيَضُّ الصَّقِيعِ كأَنَّهُ ... على سَرَواتِ النِّيبِ قطْنٌ مُنَدَّفُ
وقاتَلَ كَلْبُ الحَيِّ عن نارِ أَهْلِهِ ... لِيَرْبِضَ فِيها، والصَّلا مُتَكَنَّفُ
وَجَدْتَ الثَّرَى فِينا، إِذا يَبِسَ الثَّرَى ... ومَن هُو يَرْجُو فَضْلَهُ المُتَضَيِّفُ
وإِنِّي لِمَنْ قَوْمٍ بِهِمْ يُتَّقَى العِدَىورَأْبُ الثَّأَى، والجانِبُ المُتَخَوَّفُ
وما حُلَّ مِنْ جَهْلٍ حُبَى حُلمائِنا ... ولا قائِلٌ بالعُرْفِ فِينا يُعَنَّفُ
وما قامَ مِنّا قائِمٌ في نَدِيِّنا ... فَيَنْطِقَ إِلاَّ بالتي هي أَعْرَفُ
وَبيْتانِ: بَيْت اللّهِ نحن وُلاتهُ، ... وبَيْتٌ بأَعْلَى إِيلياء مُشَرَّفُ
إِذا هَبَطَ النّاسُ المُحَصّبَ مِن مِنىً ... عَشِيْةَ يومَ النَّحْرِ مِن حَيْثُ عَرَّفُوا
تَرَى النّاسَ ما سِرْنا يَسِيرُونَ خَلْفَناوإِنْ نحنُ أَوْمَأْنا إلى النّاسِ وَقَّفُوا
فَلَوْ تَشْرَبُ الكَلْبَى المِراضُ دِماءنا ... شَفَتْها، وذُو الخَبْلِ الذي هو أَدْنَفُ
لَنا العِزَّةُ العَلْياءُ والعَدَدُ الذي ... عليه إِذا عُدّ الحَصَى يَتَخَلَّفُ
قال
السفاح بن بكير
بن معدان اليربوعي
يا فارساً ما أَنتَ مِن فارِسٍ ... مُوَطَّأ الأَكْنافِ، رَحْبِ الذِّراعْقَوّالِ مَعْرُوفٍ وفَعَّالِهِ ... عَفّارِ مَثْنَى أُمَّهاتِ الرِّباعْ
يَجْمَعُ حِلْماً وأَناةً مَعاً ... ثُمَّتَ يَنْباعُ انْبِياعَ الشُّجَاعْ
قال
عوف بن محلم السعدي
يا ابنَ الذي دَانَ له المَشْرِقانْ ... وأُلْبِس العَدْلَ بهِ المَغْرِبانْإِنَّ الثَّمانِينَ، وبُلِّغْتَها ... قد أَحْوَجَتْ سَمْعِي إِلى تُرْجُمانْ
وَبَدَّلَتْنِي بالشَّطاطِ انْحِنا ... وكنتُ كالصَّعْدَةِ تحتَ السِّنانْ
وما بَقَى فيّ لِمُسْتَمْتِعٍ ... إِلاَّ لِسانِي وبِحَسْبِي لِسانْ
أدْعُو به اللّهَ وأَثْنِي بهِ ... على الأَمِيرِ المُصْعَبيِّ الهِجانْ
قال
ذو الرمة غيلان
إِذا مُضَرُ الحَمْراءُ عَبَّ عُبابُها ... فمَنْ يَتَصَدَّى مَوْجَها حِينَ تَطْحَرُلنا مَوْقِفُ الدَّاعِينَ شُعْثاً عَشِيَّةً ... وحَيْثُ الهَدايا بالمَشاعِرِ تُنْحَرُ
وكُلُّ كَرِيمٍ مِن أُناسٍ سَوائِنا ... إِذا ما الْتَقَيْنا خَلْفَنا يَتَأَخَّرُ
هلِ النّاسُ إِلاَّ نحنُ، أَم هل لغَيْرِنا ... بَنِي خِنْدِف إِلاَّ العَواريَ مِنْبَرُ
قال
أيضا
ًلَدَى مَلِكٍ يَعْلُو الرِّجالَ بَصِيرَةً ... كما يَبْهَرُ البَدْرُ النُّجُومَ السَّواريا
فلا الفُحْشَ مِنْه يَرْهَبُون ولا الخَنا ... عليهمْ، ولكنْ هَيْبَةٌ هيَ ماهِيا
فَتَى السِّنِّ، كَهْلِ الحِلْمِ، تَسْمَعُ قَوْلَهُيُوازِنُ أَدْناهُ الجِبالَ الرَّواسِيا
إِذا انْعَقَدَتْ نَفْسُ البخِيلِ بمالِهِ ... وأَبْقَى على الحَبِّ الذي لَيْسَ باقِيا
تَفِيضُ يَداهُ الخَيْرَ مِن كُلِّ جانِب ... كما فاضَ عَجّاجٌ يُرَوِّي التَّناهِيا
إِذا أَمْسَتِ الشِّعْرَى العَبُورُ كأَنَّها ... مَهاةٌ عَلَتْ مِن رَمْلِ يَبْرينَ رابِيا
فما مَرْبَعُ الجِيرانِ إِلاَّ جِفانُكُمْ ... تَبارَوْنَ أَنتمْ والشَّمالُ تَباريا
قال
الحطيئة جرول بن أوس
قالتْ أُمامَةُ: لا تَجْزَعْ، فقلت لها: ... إِنَّ العَزاء وإِنَّ الصَّبْرَ قد غُلِباسِيرِي أُمامَ، فإِنَّ الأَكْثَرِينَ حَصىً ... والأَطْيَبينَ إِذا ما يُنْسَبُونَ أَبا
قَوْمٌ إِذا عَقَدُوا عَقْداً لِجارهِمُ ... شَدُّوا العِناجَ وشَدُّوا فَوْقَهُ الكَرَبا
قَوْمٌ هُمُ الأَنْفُ، والأَذْنابُ غَيْرُهُمُومَنْ يُساوِي بأَنْفِ النَّاقَةِ الذَّنَبا
قَوْمٌ يَبِيتُ قَرِيرَ العَيْنِ جارُهُمُ ... إِذا لَوَى بقُوَى أَطْنابِهِمْ طُنُبا
قال
إبراهيم بن هرمة القرشي
وناجِيَةٍ صادِقٍ وَخْدُها ... رَمَيْتُ بِها حَدَّ إِزْعاجِهاوكَلَّفْتُها طامِساتِ الصُّوَى ... بتَهْجِيرِها ثم إِدْلاجِها
إِلى مَلِكٍ لا إلى سُوقَةٍ ... كَسَتْهُ المُلُوكُ ذُرَى تاجِها
إذا قِيلَ مَنْ خَيْرُ مَنْ يُرْتَجَى ... لِمُعْتَرِّ فِهْرٍ ومُحْتاجِها
ومَنْ يَقْرَعُ الخَيْلَ تحتَ العَجاجِ ... بإِلْجامِها ثُمَّ إِسْراجِها
أَشارَتْ نِساءُ بَنِي غالِب ... إِليكَ به قَبْلَ أَزْواجِها
قال
أيضا
ًأَعَبْدَ الواحِدِ المَحْمُودَ إِنِّيأَغصُّ حِذارَ شَخْصِك بالقراحِ
إِذا فخَّمْتُ غيْرَك في ثنائِي ... ونُصْحِي في المَغِيبَةِ وانْتِصاحِي
فإِنَّ قصائِدِي لك فاصْطنِعْنِي ... كرائِمُ قد عُضِلْن عن النِّكاحِ
فإِنْ أَكُ قد هَفوتُ إِلى أَمِيرٍ ... فعَنْ غيْرِ التَّطوُّعِ والسَّماحِ
ولكِنْ سَقْطةٌ كُتِبَتْ عَليْنا ... وبَعْضُ القَوْلِ يَذْهَبُ بالرِّياحِ
وَجَدْنا غالِباً خُلِقَتْ جَناحاً ... وكانَ أَبُوكَ قادِمَةَ الجَناحِ
وأَنتَ مِن الغَوائِلِ حينَ تُرْمَى ... ومِن ذَمِّ الرِّجالِ بمُنْتَزاحِ
قال
جرير بن الخطفي
مُضَرٌ أَبِي وأَبُو المُلُوكِ، فهَلْ لكُمْ ... يا خُزْرَ تَغْلِبَ مِن أَبٍ كأَبِيناهذا اب،ُ عَمِّي في دِمشْقَ خَلِيفَةٌ ... لو شِئْتُ ساقَكُمُ إِليَّ قَطِينا
إِنَّ الذي حَرَمَ المَكارِمَ تَغْلِباً ... جَعَلَ الخِلافَةَ والنُّبُوَّةَ فِينا
قال
الأعشى عبد الرحمن بن عبد الله
الهمداني
أَيُّها القَلْب المُطِيعُ الهَوَى ... أَنَّى اعْتَراكَ الطَّرَبُ النَّازِحُتَذْكُرُ جُمْلاً فإِذا ما نَأَتْ ... طارَ شعَاعاً قَلْبُكَ الطَّامِحُ
مالَكَ لا تَتْرُكُ جَهْلَ الصِّبا ... وقَدْ عَلاكَ الشَّمْطُ الواضِحُ
فصارَ مَنْ يَنْهاكَ عن حُبِّها ... لَمْ تَرَ إِلاَّ أَنَّهُ كاشِحُ
يا جُمْلُ ما حُبِّي لكُمْ زائِلٌ ... عنَّي، ولا عن كَبِدِي نازِحُ
إِنِّي تَوَهَّمْتُ امْرَءًا صادِقاً ... يَصْدُقُ في مِدْحَتِهِ المادحُ
ذُؤابَةُ العَنْبَرِ فاخْتَرْتُهُ ... والمَرْءُ قَدْ يَنْعَشُهُ الصَّالِحُ
أَبْلَجُ بُهْلُولٌ وظَنِّي بِهِ ... إِنَّ ثَنائِي عندَه رابِحُ
نِعْمَ فَتَى الحَيِّ إِذا لَيْلَةٌ ... لَمْ يُورِ فِيها زَنْدَهُ القادِحُ
وهَبَّت الرِّيحُ شَآمِيَّةً ... فانْجَحَرَ القابِسُ والنَّابِحُ
قال
كعب بن زهير
مَن سَرَّهُ كَرَمُ الحياةِ فلا يَزَلْ ... في مِقْنَبٍ من صالِحي الأَنْصارِالنَّاظِرِينَ بأَعْيُنٍ مُحْمَرَّة ... كالجَمْرِ، غيرِ كَلِيلَةِ الإِبْصارِ
والذَّائِدِينَ النَّاسَ عن أَدْيانِهِمْ ... بالمَشْرَفِيِّ وبالقَنا الخَطَّارِ
والباذِلِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ ... يومَ الهِياجِ وقُبَّةِ الجَبّارِ
وهُمُ إِذا خَوَتِ النُّجُومُ وأَمْحَلُوا ... لِلَّطائِفِينَ السَّائِلينَ مقَارِي
والمُنْعِمِينَ المُفْضِلينَ إِذا شَتَوْا ... والضَّارِبينَ عِلاوَةَ الجَبّارِ
وَرِثُوا السِّيادَةَ كابِراً عن كابِرٍ ... إِنَّ الكِرامَ همُ بَنُو الأَخْيارِ
لو يَعْلَمُ الأَحْياءُ عِلْمِي فِيهمُ ... حَقّاً لَصَدَّقَنِي الذين أُماري
قال
جرير بن الخطفي
وكائِن بالأَباطِحِ مِن صَدِيقٍ ... يَرانِي، لو أُصِبْتُ، هو المُصاباومَسْرُورٍ بأَوْبَتِنا إِليهِ ... وآخَرَ لا يُحِبُّ لنا إِيابا
إِذا سَعَرَ الخَلِيفَةُ نارَ حَرْبٍ ... رَأَى الحَجّاجَ أثْقَبَها شِهابا
عَفارِيتُ النِّفاقِ شَفَيْتَ مِنْهُمْ ... فأَمْسَوْا خاضِعِينَ لكَ الرِّقابا
تَشُدُّ فلا تُكَذِّبُ يومَ زَحْفٍ ... إِذا الغَمَراتُ زَعْزَعَتِ العُقابا
قال
أبو نواس الحكمي
أَنتَ على ما بِكَ مِن قُدْرَةٍ ... فلسْتَ مِثْلَ الفَضْلِ بالواجِدِأَوْجَدَهُ اللّهُ فما مِثْلُهُ ... لِطالِبٍ فِيه ولا ناشِدِ
لَيْسَ على اللّهِ بمُسْتَنْكَرٍ ... أَنْ يَجْمَعَ العالَمَ في واحِدِ
قال
سلم بن عمرو
كَيْفَ القَرارُ، ولَمْ أَبْلُغْ رِضَى مَلِكٍ ... تَبْدُو المَنايا بكَفَّيْهِ وَتَحْتَجِبوأَنتَ كالدَّهْرِ مَبْثُوثاً حبائِلُهُ ... والدَّهْرُ لا مَلْجَأٌ مِنه ولا هَرَبُ
ولَوْ مَلَكْتُ عِنانَ الرِّيحِ أَصْرفُهُ ... في كُلِّ ناحِيَةٍ ما فاتَكَ الطَّلَبُ
قال
مروان بن أبي حفصة
أَحْيا أَمِيرُ المُؤْمِنين محمدٌ ... سُنَنَ النَّبِيِّ حَرامَها وحَلالَهامَلِكٌ تَفَرَّعَ نَبْعَةً مِن هاشِمٍ ... مَدَّ الإِلهُ على الأَنامِ ظِلالَها
وقَعَتْ مَواقِعَها بعَفْوِكَ أَنْفسٌ ... أَذْهَبْتَ بَعْدَ مَخافَةٍ أَوْجالَها
ونَصَبْتَ نَفْسَكَ خَيْرَ نَفْسٍ دُونَها ... وجَعَلْتَ مالَكَ واقِياً أَمْوالَها
قَصُرَتْ حَمائِلهُ عليهِ فَقَلَّصَتْ ... ولقَدْ تَحَفَّظَّ قَيْنها فأَطالَها
هل تَطْمِسُون مِن السَّماءِ نجُومَها ... بأَكفِّكمْ أَو تَسْتُرُونَ هِلالَها
أَو تَدْفَعُونَ مَقالَةً عن رَبِّهِ ... جِبْرِيلُ بَلَّغَها النَّبِيَّ فَقالَها
شَهِدَتْ مِن الأَنْفالِ آخِرُ آيةً ... بتراثِهِمْ فأَرَدْتمُ إِبْطالَها
فدَعُوا الأُسُودَ خَوادِراً في غِيلِها ... لا تولِغَنَّ دِماءَكمْ أَشْبالَها
قال
خريم بن أوس
بن حارثة بن لأم الطائي
أَنتَ لمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ ال ... أَرْض وضاءتْ بنوركَ الأُفقفنحن في ذلكَ الضِّياءِ وفِي النُّ ... ور وسُبُل الرَّشادِ نَخْتَرِق
مِن قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلالِ وفِي ... مُسْتَوْدَعٍ حيثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
ثُمَّ هَبَطْتَ البِلادَ لا بَشَرٌ ... أَنتَ ولا مُضْغَةٌ ولا عَلَقُ
بل نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْراً وأَهْلَهُ الغَرَقُ
تُنْقَلُ مِن صالِبٍ إِلى رَحِمٍ ... إِذا مَضى عالَمٌ بدَا طَبَقُ
قال
كثير بن أبي جمعة
يمدح عمر بن عبد العزيزوَلِيتَ فلَمْ تَشْتِمْ عَلِيّاً، ولَمْ تُخِفْبَرِيّاً، ولَمْ تَتْبَعْ مَقالَةَ مُجْرِم
وقلتَ فصَدَّقْتَ الذي قلتَ بالذي ... فَعَلْتَ فأَمْسَى راضِياً كُلَّ مُسْلِمِ
أَلا إِنَّما يَكْفِي الفَتَى بَعْدَ زَيْغِهِ ... مِن الأَوْدِ الباقِي ثِقافُ المُقَوِّمِ
وما زِلْتَ سَبَّاقاً إِلى كُلِّ غايَةٍ ... صَعِدْتَ بِها أَعْلَى البِناءِ بسُلَّمِ
فَلَّما أَتاكَ المُلْكُ عَفْواً ولَمْ يَكُنْ ... لِطالِبِ دُنْيا بَعْدَهُ مِن تَكَلُّمِ
تَرَكْتَ الذي يَفْنَى وإِنْ كانَ مُونِقاً ... وآثَرْتَ ما يَبْقَى بِرَأْيٍ مُصَمِّم
فما بَيْنَ شَرْقِ الأَرْضِ والغَرْبِ كُلِّها ... مُنادٍ يُنادِي مِن فَصِيحٍ وأَعْجَمِ
يقولُ: أَمِيرَ المُؤْمِنينَ ظَلَمْتَنِي ... بأَخْذٍ لِدينارٍ وأَخْذٍ لِدِرْهَمِ
باب التأبين والرثاء
وقال المُغِيَرة أبو سُفْيان بن الحارث بن عبد المطلبلَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنا وجَلَّتْ ... عَشِيَّةَ قِيَل قد قُبِضَ الرَّسُولُ
وأَضْحَت أَرضُنا مِمّا عَراها ... تَكادُ بِنا جَوانِبُها تَمِيلُ
فَقَدْنا الوَحْيَ والتَّنْزِيلَ فِينا ... يَرُوُح بهِ ويَغْدُو جَبْرئِيل
وذاك أَحَقُّ ما ذَهَبَتْ عليهِ ... نُفُوسُ النّاسِ أو كَرَبَتْ تَزُولُ
أفاطِمَ إِنَ جَزِعْتِ فذاك عُذْرٌ ... وإنْ لَمْ تَجْزعَي ذاكَ السَّبِيلُ
فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قبْرٍ ... وفِيه سَيِّدُ النّاسِ الرَّسُولُ
وقال عبد الله بن أُنَيْس، إسلامي:
نَفَى الَنْوْمَ ما لا تَعْتَلِيهِ الأضالِعُ ... وخَطْبٌ جَلِيلٌ للْخلائِقِ فاجِع
غَدَاة نَعَى النَّاعِي إلَيْنا محمداً ... وتلكَ تَسْتَكُّ مِنْها المَسامِعُ
فواللهِ لا آسَى على هُلْكِ هالِكٍ ... مَن الناسِ ما أَرْسَى ثَبِيرٌ وفارِعُ
وقال عَمْرو بن سالِم الخُزاعِي، إسلامي:
لَعَمْرِي لئِنْ جادَت لكَ العَيْنُ بالبُكا ... لَمَحْقُوقَةٌ أَنْ تَسْتَهِلَّ وتَدْمَعا
فيا حَفْصَ إِنَّ الأَمْرَ جَلَّ عن البُكا ... غَداةَ نَعَى النِّاعِي النَّبِيَّ فأَسْمَعا
فواللهِ ما أَنْساهُ ما دُمْتُ ذاكِراً ... لِشَيءٍ وما قَلَّبْتُ كَفًّا وإِصْبَعا
وقال حسَّان بن ثابِت الأَنْصَاري
إذا تَذَكَّرْتَ شَجْواً مِن أخِي ثِقَةٍ ... فاذْكُرُ أخاكَ أَبا بَكْرٍ بما فَعَلا
خَيْرَ البَرِيَّة أَتْقاها وأَعْدَلَها ... بَعْدَ النبيِّ وأَوْفاها بما حَمَلا
والثَّانِيَ التَّالِيَ المَحْمودَ مَشْهَدُهُ ... وأوَّلَ الناسِ منهمْ صَدَّق الرُّسُلا
مَضَى حَمِيداً لأمْرِ الله مَتَّبِعاً ... لِهَدْي صاحِبِه الماضي وما انْتَقَلا
وقال الشمّاخ بن ضِرار الذُّبْياني، ويُرْوَى لأخيه مُزَرِّد:
جُزِيتَ عن الإِسلام خَيْراً وبَاركَتْ ... يَدُ الله في ذاكَ الأَدِيمِ المُمَزَّقِ
فمَنْ يَسْعَ أو يَرْكَبْ جَناحَيْ نَعامَةٍ ... لِيُدْرِكَ ما قَدَّمْتَ بالأَمْسِ يُسْبَقِ
قضَيْتَ أمُوراً، ثم غادَرْتَ بَعْدَها ... بَوائِقَ في أكْمامِها لَمْ تُفْتَّقِ
أَبَعْدَ قَتِيلٍ بالمدينِة أَظْلَمَتْ ... له الأرضُ تَهْتَزُّ العِضاهُ بأَسْوُقِ
تَظَلُّ الحَصانُ البِكْرُ يُلْقِي جَنِينَها ... نَثا خَبَرٍ فَوْقَ المَطِيَّ مُعَلَّقِ
وما كنتُ أَخْشَى أنْ تكُونَ وفَاتُهُ ... بكَفَّيْ سَبَنْتَى العَيْنِ مُطْرِقِ
وقال الولِيد بن عُقْبَة بن أبي مُعَيْط
ألا مَنْ لِلَيْلٍ لا تَغُورُ كَواكِبُهْ ... إذا غارَ نَجْمٌ لاحَ نَجْمٌ يُراقِبُه
بَنِي هاشِمٍ لا تُعْجِلُونا فإنَّهُ ... سَواءٌ عَلَيْنا قاتِلاهُ وسالِبُهُ
وإنَّا وإِيَّاكُمْ وما كانَ مِنْكُمُ ... كَصَدْعِ الصَّفا لا يَرْأبُ الصَّدْع شاعِبُهْ
بَنِي هاشِمٍ كَيْفَ الهَوادُة بَيْنَنا ... وعندَ عَلِيٍّ سَيْفُهُ ونَجائِبُهْ
لَعَمْرُك ما أَنْسَى ابْنَ أَرْوَى وقَتْلَهُوهَلْ يَنْسَيَنَّ الماءَ ما عاشَ شارِبُهْ
هُمُ قَتَلُوهُ كَيْ يكُونُوا مَكانَهُ ... كما فَعَلَتْ يوماً بكِسْرَى مَرازِبُهْ
وقالت لَيْلَى الأَخْيَلِيَّة، إسلامية:
أَبَعْدَ عُثمانَ تَرْجُو الخَيْرَ أُمَّتُهُ ... وكانَ آمَنَ مَنْ يَمْشِي على ساقِ
خَلِيفةِ الله أَعْطاهُمْ وخَوَّلَهُمْ ... ما كانَ من ذَهَبٍ حَوْمٍ وأَوْراقِ
فلا تَقُولَنَّ لشيءٍ لَسْتُ أَفْعَلُهُ ... قد قَدَّرَ اللهُ ما كُلّ امْرِءٍ لاقِ
وقال أبو الأَسْود الدُّؤَلي:
أَلاَ أَبِلْغْ مُعاوِيَةَ بنَ حَرْبٍ ... فلا قَرَّتْ عُيُونُ الشَّامِتينا
أَفِي الشَّهْرِ الحَرامِ فَجَعْتُمُونا ... بخَيْرِ النَّاس طُرّاً أجْمَعِينا
قَتَلْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا ... وأَكْرَمَهُمْ ومَنْ رَكِبَ السَّفِينا
ومَنْ لَبِسَ النِّعال ومَنْ حَذَاها ... ومَنْ قَرَأَ المَثانِيَ والمِئِينا
إذا اسْتَقْبَلْتَ وَجْه أَبِي حُسَيْنٍ ... رَأيْتَ البَدْرَ رَاقَ النَّاظِرِينا
وقد عَلِمَتْ قريشٌ حيثُ كانَتْ ... بأَنَّك خَيْرُهُمْ حَسَبْا ودِينَا
وقال دِعْبِل بن عليّ بن رَزِين الخُزاعِيّ
مَدارِس آياتِ خَلَتْ مِن تِلاَوةٍ ... ومَنْزِلُ وَحْي مُقْفِرُ العَرَصَاتِ
لآل رَسُولِ الله بالخَيْفِ مِن مِنىً ... وبالبَيْتِ والتَّعْرِيفِ والجَمَراتِ
ديارُ عليٍّ والحُسَيْنِ وجَعّفَرٍ ... وحَمْزَةَ والسَّجادِ ذيِ الثَّفِناتِ
قفا نَسْأَلِ الدَّارَ التي خَفَّ أَهْلُها ... مَتَى عَهْدُها بالصَّوْمِ والصَّلواتِ
وأَيَن الأَلَى شَطَّتْ بِهمْ غَرْبَةُ النَّوَى ... أفَانِينَ في الآفاقِ مُفْتَرِقاتِ
أُحِبُّ قَصِيَّ مِن أجْلِ حُبِّهِمْ ... وأهْجُرُ فيِهِم زَوْجَتِي وبَنَاتِي
أَلمْ تَرَ أَنِّي مُذْ ثَلاثُونَ حِجَّةً ... أَروُحُ وأَغْدُو دائِمَ الحَسَراتِ
أَرَى فَيْئَهُم في غَيْرِهِمْ مُتَقَسَّماً ... وأَيْدِيهمُ مِنْ فَيئِهِمْ صَفِراتِ
فإنْ قُلْتُ عُرْفاً أَنْكَروُهُ بمُنْكَرٍ ... وغَطَّوْا على التَّحْقِيق بالشُّبُهاتِ
قُصارايَ منْهُمْ أَنْ أَؤُوبَ بغُصَّةٍ ... تَرَدَّدُ بَيْنَ الصَّدْرِ واللَّهَواتِ
كأنَّكَ بالأضْلاعِ قد ضاقَ رُحْبُها ... لِما ضُمِّنَتْ مِن شِدَّةِ الزَّفَراتِ
لَقَدْ خِفْتُ في الدُّنيا وأَيّامِ عَيْشِها ... وإنِّي لأَرْجُو الأَمْنَ بَعْدَ وَفاتي
وقال سُلَيْمان بن قَتَّة العَدَوِي وهو مَوْلَى عمر بن عمر بن عبد الله التَّيْمِي:
مَرَرْتُ على أبْياتِ آل محمدٍ ... فلَمْ أَرَها أَمْثالَها يومَ حُلَّتِ
فلا يُبْعِدِ الله الدِّيارَ وأَهْلَها ... وإنْ أَصْبَحَتْ مِن أهْلِها قد تَخَلَّتِ
أَلاَ قَتْلَى الطَّفِّ مِن آلِ هاشِمٍ ... أَذَلَّتْ رِقاباً مِن قريشٍ فَذَلَّتِ
وكانُوا غِياثاً، ثم أَضْحَوْا رَزِيَّةً ... لَقَدْ عَظُمَتْ تلكَ الرَّزايا وجَلّتِ
فما حَفِظُوا قُرْبَى النَّبِيِّ وحَقَّهُ ... لَقَدْ عَمِيَتْ عن ذاكَ مِنْه وصَمَّتِ
وقال دعْبَل الخُزاعِي
رَأَسُ ابنِ بِنْتِ محمدٍ ووَصِيِّةِ ... يا للرِّجال على قَناةٍ تُرْفَعُ
والمُسْلِمُون بمَنْظَرٍ وبِمَسْمَعٍ ... لا جازِعٌ مِن ذا ولا مُتَخَشِّعُ
أَيْقَظْتَ أَجْفاناً وكُنْت لها كَرىً ... وأَنَمْتَ عَيْناً لَمْ تَكُنْ بكَ تَهْجَعُ
كُحِلَتْ بمَنْظَرِكَ العُيُونُ عَمايَةً ... وأَصَمَّ نَعْيُكَ كُلَّ أُذْنٍ تَسْمَعُ
ما رَوْضَةٌ إلاَّ تَمَنَّتْ أَنَّها ... لكَ مَضْجَعٌ، ولخَطِّ قَبْرِكَ مَوْضِعُ
وقال حَسّان بن ثابِت الأَنْصارِي
بَكَتْ عَيَني وحُقَّ لها بُكاها ... وما يُغْنِي البُكاءُ ولا العَوِيلُ
على أسدٍ الإِلهِ غَداةَ قالُوا ... أَحَمْزَةُ ذلكَ الرَّجلُ القَتِيلُ
أصِيبَ المُسْلِمُونُ به جَميعاً ... هناكَ، وقَدْ أصِيبَ به الرَّسُولُ
وقال جَرير بن الخَطَفي
إنِّي تُذَكِّرُنِي الزُّبيْرَ حمامَةٌ ... تَدْعُو بمَجْمَعِ نَخْلَتَيْنِ هَدِيلا
قالَتْ قريشٌ: ما أَذَلَّ مُجاشِعاً ... جاراً، وأَكْرَمَ ذا القَتِيل قَتِيلا
أَفَتَى النَّدَى وفَتَى الطِّعان قَتَلْتُمُ ... وفَتِي الرِّياح إذا تَهُبُّ بَلِيلا
وقال أيضا
إنَّ الرَزِيَّةَ مَنْ تَضَمَّنَ قَبْرَهُ ... وادِي السِّباعِ، لكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
لمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَضَعْضَعَتْ ... سُورُ المدينِة والجبالُ الخُشَّعُ
وقالت عاتِكَة بنت نُفَيْل في زَوْجِها عبد الله بن أبي بكْر الصّديق رضي الله عنه:
فللّهِ عَيْنا مَنْ رَأْى مِثْلَهُ فتىً ... أَكَرَّ وأَحْمَى في الهِياجِ وأَصْبَرا
إذا شَرَعَتْ فيه الأَسِنَّةُ خاضَها ... إلى الموتِ حتى يَتْرُكَ المَوْتَ أَحْمَرا
فآليْتُ لا تَنْفَكُّ عَيْنِي سَخِينَةً ... عليكَ، ولا يَنْفَكُّ جِلْدِيَ أَغْبَرا
مَدَى الدَّهرِ ما غَنَّتْ حَمامةُ أَيْكَةٍ ... وما طَرَدَ الليلُ النهارَ المُنَوَّرا
وقالت في زَوْجها عُمَر بن الخَطّاب رضي الله عنه
عَيْنُ جُودِي بعَبْرَةٍ ونَحِيبِ ... لا تَمَلِّي على الإمامِ النَّجِيبِ
فجَعَتْنا المَنُونُ بالفارِسِ المُعْ ... لِمِ يومَ الهِياجِ والتَّلْبِيبِ
عَصْمَةُ الدِّينِ، والمُعِينُ على الدَّهْ ... رِ، غِياثُ المُنْتابِ والمَحْرُوبِ
قُلْ لأهْلِ الضَّرَّاء والبُؤْسِ مُوتُوا ... قد سَقَتْهُ المَنوُن كَأْسَ شَعُوبِ
وقالت في زَوْجِها الزُّبَيْر بن العَوّام رضي الله عنه
غَدَرَ ابنُ جُرْمُوزٍ بفارِس بُهْمَةٍ ... يومَ اللِّقاءِ وكانَ غَيْرَ مُعَرِّدِ
يا عَمْرُو لو نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهُ ... لا طائِشاً رَعِشَ الفؤادِ ولا اليَدِ
شُلَّتْ يَمِينُكَ، إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِماً ... حَلَّتْ عليكَ عُقُوبةُ المُتَعَمِّدِ
إنَّ الزُّبَيْرَ لَذُو بَلاءٍ صادِقٍ ... سَمْحٌ سجِيَّتُهُ، كَرِيمُ المَحْتِدِ
كم غَمْرَةٍ قد خاضَها لَمْ يَثْنِهِ ... عنها طِرادُكَ يا ابنَ فَقْعِ القَرْدَدِ
فاذْهَبْ، فما ظَفِرتْ يداكَ بمِثْلِهِ ... فِيما مَضَى مِمَّنْ يرَوُحُ ويَغْتَدِي
وقالت في زَوْجِها الحُسَيْن بن عليّ عليه السلام
واحُسَيْنَا، فلا عَدِمْتُ حُسَيْناً ... أقْصَدَتُه أَسِنَّةُ الأَعْداءِ
غادَرَتْهُ بِكَرْبَلاءٍ صرِيعاً ... جادَتْ المُزْنُ في ذَرَى كَرْبَلاءِ
وهؤلاء قِتُلُوا عنها جميعاً، فكان عبدُ الله بن عُمرَ يَقُول: مَنْ أَرادَ أنْ يُرْزَقَ الشَّهادَةُ فليتَزوج عاتكةَ بنتَ نُفَيْل.
ومما يُنْسَبُ إلى آدمَ عليه السّلام
تَغَيَّرَتِ البِلادُ ومَنْ عَلَيْها ... فوجْهُ الأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي رِيحٍ وطَعْمٍ ... وَقلَّ بَشاشَةَ الوَجْهُ المَلِيحُ
أرَى طُولَ الحياةِ عَلَيَّ غَمّاً ... فَهَلْ أنا مِن حياتِيَ مُسْتَرِيحُ
وقال بعضُ أَوْلادِ رَوْح بن زِنْباع الجُذامِي
أَيا مَنْزِلاً بالدَّيْرِ أَصْبَحَ خَالِياً ... تَلاعَبُ فيهِ شَمْأَلٌ ودَبُورُ
كأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بِيضٌ أَوانِسٌ ... ولَمْ يَتَبَخْتَرُ في فِنَائِكَ حُورُ
وأَبْناءُ أَملاكٍ عباشِمُ سادَةٌ ... صَغِيرُهُمُ عِنَدَ الأَنامِ كَبِيرُ
إذا لَبِسُوا أَدْراعَهُمْ فَعنابِسٌ ... وإنْ لَبِسُوا تِيجانَهُمْ فبُدُورُ
على أَنَّهُمْ يومَ اللِّقاءِ ضَراغِمٌ ... وأَنَّهُمُ يومَ النَّوالِ بُحُورُ
ولَمْ تَشْهَدِ الصَّهْرِيجَ والخَيْلُ حَوْلَهُ ... لَدَيْهِ فَساطِيطٌ لَهُمْ وخُدُورُ
وَحْولَكَ راياتٌ لَهُمْ وعَساكِرٌ ... وخَيْلٌ لها بَعْدَ الصَّهِيلِ شَخِيرُ
لَيَالِي هِشَامٌ بالرُّصافَةِ قاطِنٌ ... وفِيكَ ابنُهُ يا دَيْرُ وهْوَ أَمِيرُ
إذ العَيْشُ غَضٌّ، والخِلاَفَةُ لَدْنَةٌ ... وأَنْت طَرِيرٌ، والزَّمانُ غَرِيرُ
ورَوْضُك مُرْتاضٌ، ونَوْرُكَ نَيِّرٌ ... وعَيْشٌ بَنِي مَرْوَانَ فيكَ نَضِيرُ
بَكَى فَسَقَاكَ الغَيْثُ صَوْبَ غَمامَةٍ ... عليكَ لها بَعْدَ الرَّواحِ بُكُورُ
تَذَكَّرْتُ قَوْمِي خَالِياً فَبَكَيْتُهُمْ ... بشَجْوِ، ومِثْلِي بالبُكاء جَدِيرُ
فَعزَّيْتُ نَفْسِي، وهْيَ إذا جَرَى ... لها ذِكْرُ قَوْمِي أَنَّةٌ وزَفِيرُ
لَعَلَّ زَماناً جارَ يَوْماً عَلَيْهُمُ ... لَهُمْ بالذي تَهْوَى النُّفُوسُ يَدُورُ
فيَفْرَحَ مَحْزُونٌ، ويَنْعَمَ بَائِسٌ ... ويُطْلَقَ من ضِيقِ الوَثَاقِ أسِيرُ
رُوَيْدَكَ، إِنَّ اليومَ يَتْبَعُهُ غَدٌ ... وإِنَّ صُرُوفَ الدَّائِرَاتِ تَدُورُ
وقال زِياد الأعْجَم يَرْثِي المُغِيرَة بن المُهَلَّب:
قُلْ لِلْقَوافِلِ والغَزِيَّ إذا غَزَوْا ... والباكِرينَ وللمُجِدِّ الرِّائِحِ
إنَّ السَّماحَةَ والشَّجاعَةَ ضُمِّنا ... قَبْراً بِمَرْو على الطَّرِيقِ الواضِحِ
وإذا مَرَرْتَ بقَبْرِهِ فاعْقِرْ به ... كُومَ الهِجانِ وكُلَّ طِرْفٍ سابِحِ
وانْضَحْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بدِمائِها ... فَلقَدْ يكُون أخا دَمٍ وذبائِحِ
ماتَ المُغِيَرةُ بَعْدَ طُولِ تَعَرُّضٍ ... للقَتْلِ بَيْنَ أَسِنَّةٍ وصَفائِحِ
فانْعَ المُغِيَرةَ للمُغِيرَة إذْ بَدَتْ ... شَعْواءَ مُحْجِرَةً لِنْبحِ النَّابِحِ
مَلِكٌ أَغَرُّ مُتَوَّجٌ يَسْمُو له ... طَرْفُ الصَّدِيقِ، وغُضَّ طَرْفُ الكاشِحِ
يَا لَهْفتا يا لَهْفتا لكَ كُلَّما ... خِيفَ الغِرارُ على المُدِرِّ الماسِحِ
فَلقَدْ فَقَدْت مُسَوَّدًا ذا نَجْدَةٍ ... كالبَدْرِ أَزْهَرَ ذا جَداً ونَوافِحِ
كانَ المِلاكَ لِدِينِنا ورجَاءَنا ... ومَلاذَنا في كُلِّ خَطْبٍ فادِحِ
وقال أشْجَع بن عَمْرو السُّلَمِي:
مَضَى ابنُ سَعِيدٍ حينَ لَمْ يَبْقَ مَشْرِقٌ ... ولا مُغْرِبٌ إلاَّ له فِيهِ مادِحُ
وما كُنْتُ أَدْرِي ما فواضِلُ كَفِّهِ ... على النّاسِ حتى غَيَّبَتْه الصَّفائِحُ
فأَصْبَحَ في لَحْدٍ مِن الأَرْضِ مَيِّتاً ... وكانَتْ به حَيًّا تَضِيقُ الصَّحاصِحُ
سأَبْكِيكَ ما فاضَتْ دُمُوعِي، فإنْ تَغِضْ ... فَحَسْبُكَ مِنِّي ما تُجِنُّ الجَوانِحُ
فما أنا، مِن زُرْءٍ وإنْ جَلَّ، جازِعٌ ... ولا بسُرورٍ بَعْدَ مَوْتِكَ فارِحُ
كَأَنْ لَمْ يَمُتْ حَيٌّ سِواكَ، ولَمْ تَقُمْ ... على أحَدٍ إلاَّ عليكَ النَّوائِحُ
لَئِنْ حَسُنَتْ فَيكَ المَراثِي وذِكْرُها ... لقَدْ حَسُنَتْ مِن قَبْلُ فِيكَ المَدائِحُ
وقال عبيدُ الله بن قَيْس الرُّقَيَّات، أموي الشعر
نَضَرَ اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوها ... بِسِجِسْتانَ طَلْحَةَ الطَّلَحاتِ
كانَ لا يَحْرِمُ الخَلِيلَ، ولا يُعْ ... تَلُّ بالبُخْلِ، طَيِّبَ العَذِراتِ
سَبِطَ الكَفِّ بالنَّوالِ إذا ما ... كانَ جُودُ الخَلِيلِ حُسْنَ العِداتِ
فَلَعَمْرُ الذي اجْتَباكَ لقَدْ كُنْ ... تَ رَحِيبَ الفِناءِ سَهْلَ المَباةِ
لَمْ أجِدْ بَعْدَكَ الأَخِلاَّءَ إلاّ ... كَثِماد مَنْزُوحَة وقِلاتِ
وقال عَبْدَة بن الطَّبِيب، إسلامي
عليكَ سلامُ اللهِ قَيْسَ بن عاصِمٍ ... ورَحْمَتُهُ ما شاءَ أنْ يَتَرَحَّما
تَحِيَّةَ مَنْ غادَرْتَهُ غَرَضَ الرَّدَى ... إذا زارَ عن شَحْطٍ بِلادَكَ سَلَّما
فما كان قَيْسٌ هُلكُهُ هُلْكُ واحِدٍ ... ولكنَّه بُنيْانُ قَوْمٍ تَهَدَّما
وقال مَرْوان بن أبي حَفْصَة
مَضَى لِسَبِيلِهِ مَعْنٌ وأبْقَى ... مَحامِدَ لَنْ تَبِيدَ ولَنْ تُنالا
هَوَى الجَبَلُ الذي كانَتْ نِزارٌ ... تَهُدُّ مِن العَدُوِّ به جِبالا
فإن يَعْلُ البِلادَ به خُشُوعٌ ... فقَدْ كانَتْ تَطُولُ به اخْتِيالا
ولَمْ يَكُ طالِبُ المَعْرُوفِ يَنْوِي ... إلى غَيْرِ ابنِ زائِدَة ارْتِحالا
وكانَ النّاسُ كلُّهُمُ، لمَعْنٍ ... إلى أنْ زارَ حُفْرَتَهُ، عِيالا
ثَوَى مَنْ كانَ يَحْمِلُ كُلَّ ثِقْلٍ ... ويَسْبِقُ قَيْضُ راحَتِهِ السُّؤَالا
مَضَى لِسَبيلِهِ مَنْ كنتَ تَرْجُو ... بهِ عَثَراتُ دَهْرِكَ أَنْ تُقالا
فَلسْتُ بمالِكٍ عَبَراتِ عَيْنِي ... أَبَتْ بدُمُوعِها إلاَّ انْهِمالا
كَأَنَّ الشَّمْسَ يومَ أُصِيبَ مَعْنٌ ... مِن الإظْلامِ مُلْبَسَةٌ جلالا
يَرانا النّاسُ بَعْدَكَ فَلَّ دَهْرِ ... أَبَى لجُدُودنِا إلاَّ اغْتِيالا
فَلَهْفَ أبِي عليكَ إذا العطَايا ... جُعِلْنَ مُنىً كَواذِبَ واعْتِلالا
ولَهْفَ أبي عليكَ إذا الأُسارَى ... شَكَوْا حَلَقاً بأَسْوُقِهمْ ثِقالا
ولَهْفَ أبِي عليكَ إذا القَوافِي ... لِمُمتَدَحٍ بِها ذَهَبَتْ ضَلالا
أقمْنا باليمَامةِ بَعْدَ مَعْنٍ ... مُقاماً لا نُرِيدُ به زِيالا
وقُلْنا: أَيْنَ نَذْهَبُ بُعْدَ مَعْنِ، ... وقَدْ ذَهَبَ النَّوال فلا نَوالا
فما بَلَغَتْ أَكُفُّ ذَوِي العَطايا ... يَمِيناً مِن يَدَيْكَ ولا شِمالا
وقال الحُسَين بن مُطَير الأَسَدِي ؟أَلِمّا على مَعْن وقُولا لِقَبْرِهِ: سَقَتْكَ الغَوادِي مَرَبْعاً ثمُ مَرْبَعاً
فيا قَبْرَ مَعْنٍ كَيْف وارَيْتَ جُودَهُ ... وقَدْ كانَ مِنْه البَرُّ والبَحْرُ مُتْرعَا
بَلَى قد وَسَعْتَ الجُودَ، والجُودُ مَيِّتٌ ... ولَوْ كانَ حَيًّا ضِقْتَ حتَّى تَصَدَّعَا
ويا قَبْرَ مَعْنٍ أَنْتَ أَوَّلُ حُفْرَةٍ ... مِن الأرْض خُطَّتْ للسَّماحَةِ مَضْجَعا
فتىً عِيش في مَعْرُوفِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ... كما كانَ، بَعْدَ السَّيْل، مَجْراهُ مَرتْعَا
ولمَّا مَضَى مَعْنٌ، مَضَى الجُودُ وانْقَضَى، ... وأَصْبَحَ عِرْنينُ المَكارِمِ أَجْدَعا
وقال لَبِيد بن رَبِيعَة العامِرِيّ، مخضرم
بَلِينا، وما تُبْلَى النُّجوُم الطَّوالِعُ ... وتَبْقَى الجِبالُ بَعْدَنا والمصَانِعُ
فلا جَزَعٌ إنْ فَرَّقَ الدَّهْر بَيْنَنا ... وكُلُّ فَتىً يوماً به الدَّهرُ فاجِعُ
وما المَرْءُ إلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ ... يَحُورُ رَماداً بَعْدَ إِذْ هو ساطِعُ
وما البِرُّ إلاًّ مُضْمَراتٌ مِن التُّقَى ... وما المالُ إلاّ عارَةٌ وودَائِعُ
أَلَيْس وَرائِي إنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِي ... لُزوُمُ العَصا تُحْنَى عليها الأَصابعُ
أَخَبِّرُ أَخْبار القُرونِ التي مَضَتْ ... أَدِبُّ كأَنِّي كُلَّما قُمْتُ راكِعُ
فأَصْبَحْتُ مِثْلَ السَّيْفِ أَخْلَقَ جَفْنَهُتَقادُمُ عَهْدِ القَيْنِ، والنَّصْلُ قاطِعُ
وقَد كنتُ في أَكْنافِ دارِ مَضَنَّةٍ ... فَفارَقَنِي جارٌ بأَرْبَدَ فاجِعُ
فلا تَبْعَدَنْ، إنَّ المَنِيَّةَ مَوْعِدٌ ... عَلَيْنا، فَدانٍ للطُّلُوعِ وطالِعُ
لَعَمْرُكَ ما تَدْرِي الضَّوارِبُ بالحَصَى ... ولا زاجِراتُ الطَّيْرِ ما الله صانِعُ
أعاذِلُ ما يُدْرِيكِ إلاَّ تَظَنِّياً ... إذا رَحَلَ السُّفَّارُ مَنْ هو راجِعُ
أَتَجْزَعُ مِمّا أَحْدَثَ الدِّهْرُ بَيْنَنا ... وأَيُّ كَرِيمٍ لم تُصِبْهُ القَوارِعُ
وما النَّاسُ إلاّ كالدِّيارِ وأَهْلِها ... بها يومَ حَلُّوها وغَدْواً بَلاقِعُ
وقال أيضا
أَخْشَى على أَرْبَدَ الحُتُوفَ ولا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّماكِ والأَسَدِ
أفْجَعَنِي الرَّعْدُ والصواعِقُ بال ... فارِسِ يومَ الكَريهَةِ النَّجُدِ
وقال مُتَمِّم بن نَوْيَرَة
لَقدْ لامَنِي عند القُبُورِ على البُكا ... رَفِيقي لِتَذْرافِ الدُّمُوعِ السَّوافِكِ
فقالَ: أَتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأَيْتهُ ... لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى والدِّكادِكِ
فقلْتُ: إنَّ الأَسَى يَبْعَثُ الأَسَى ... ذَرُونِي، فهذا كُلُّهُ قَبْرُ مالِكِ
وقال أيضا
لَعَمْرِي وما عَمْرِي بَتأْبِينِ هالِكٍ ... ولا جَزَعٍ مِمّا أَصابَ فأَوْجَعا
لَقْدَ غَيَّبَ المِنْهالُ تَحْتَ رِدائِهِ ... فتًى غَيْرَ مِبْطان العَشِيّاتِ أَرْوعَا
ولا بَرَماً تُهْدِي النِّساءُ لِعَرْسِهِ ... إذا القَشْعُ عِنْ بَرْدِ الشِّتاءِ تَقَعْقَا
لَبِيباً، أَعانَ اللُّبَّ مِنْه سَماحَةٌ ... خَصِيباً إذا ما راكِبُ الجَدْبِ أَوْضَعا
تَراهُ كَنصْلَ السَّيفِ، يَهْتَزُّ للنَّدَىإذا لَمْ تَجِدْ عِنْدَ امْرِئِ السَّوْءِ مَطْمَعا
وإنْ ضَرَّسَ الغَزْوُ الرِّجالَ رَأَيْتَهُأَخا الحَرْبِ صَدْقاً في اللِّقاءِ سَمَيْدَعا
وما كانَ وَقَّافاً إذا الخَيْلُ أَحْجَمَتْ ... ولا طائِشَاً عِنْدَ اللّقاءِ مُدَفَّعا
ولا بِكَهامٍ بَزُّةُ عن عَدُوِّهِ ... إذا هو لاقَى حاسِراً أو مُقَنَّعا
فَعَيْنِيَّ هَلاَّ تَبْكِيانِ لمالِكٍ ... إذا أَذْرَتِ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعا
وللشَّرْبِ فابْكِي مالِكاً ولِبُهْمَةٍ ... شَدِيدٍ نَواحِيه على مَنْ تَشَجَّعا
وضَيْفٍ إذا أَرْغَى طُروقاً بَعِيرَهُ ... وعانٍ ثَوَى في القِدِّ حتى تَكَنَّعا
وأَرْملةٍ تَمشِي بأَشعَثَ مُحْثَلٍ ... كَفرِخْ الحُبَارَى رَأْسُه قد تَصَوَّعا
وكنّا كنَدْمانَيْ جَذِيمَة حِقْبَةً ... مِن الدهرِ حتى قِيل لن يَتَصَدَّعا
وعِشْنا بخيْرٍ في الحياةِ وقَبْلَنا ... أصابَ المنايا رَهْطَ كِسْرَى وتُبَّعا
فلما تَفَرَّقنا كأَنِّي ومالِكاً ... لطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً معا
فإنْ تكُنِ الأيامُ فَرَّقْنا بَيْنَنا ... فقَدْ بانَ محموداً أخِي حينَ وَدَّعا
تقولُ ابنةُ العَمْرِيّ: مالَكَ بَعْدَما ... أراكَ حَدِيثاً ناعمَ البالِ أَفْرَعا
فقلتُ له: طُولُ الأَسَى إذْ سَأَلْتِني ... ولَوْعَةُ حُزْنٍ تترُكُ الوجْه أَسْفَعا
فَقِعْدَكِ أَلاَّ تُسْمِعِينِي مَلامَةً ... ولا تَنْكَئِي قَرْحَ الفُؤادِ فَيِيجَعا
فحَسْبُكِ أَنِّي قد جَهَدْتُ فَلْم أَجِدْ ... بكَفَّيَّ عَنْه للمَنِيَّة مَدْفَعا
أُقولُ وقَدْ طارَ السَّنا في رَبابِهِ ... وجَوْنٍ يَسُحُّ الماءَ حتَّى تَرَيَّعا
سَقَى اللهُ أَرْضاً حَلَّها قَبْرُ مالِكٍ ... ذِهابَ الغوادِي المُدْجِنات فأَمْرَعا
فَما وَجْدُ أُظْآرٍ ثلاثٍ رَوائِمٍ ... رَأيْنَ مَجَرًّا مِن حُوارٍ ومَصْرَعا
يُذَكِّرْنَ ذا البَثِّ الحَزِين بِبَثِّهِ ... إذا حَنَّتِ الأُوَلَى سَجَعْنَ لَها مَعا
بأَحْزَنَ مِنِّي يومَ فارَقْتُ مالِكاً ... وقامَ به النَّاعِي الرَّفِيعُ فَأْسْمَعا
فإنْ يَكُ حُزْنٌ أو تَتابُعُ عَبْرَةٍ ... أَذابَتْ عَبِيطاً مِن دَمِ الجَوْفِ مُنْقَعا
تَجَرَّعْتُها في مالِكٍ واحْتَسَيْتُها ... لأَعْظَمُ مِنْها ما احْتَسَى وتَجَرَّعا
وقال أيضا
أَرِقْتُ ونامَ الأَخْلِياءُ وهاجَنِي ... مَع اللَّيلِ هَمٌّ في الفُؤادِ وَجِيعُ
وَهِيَّجَ لي حُزْناً تَذَكُّرُ مالِكٍ ... فَما بِتُّ إلاَّ والفُؤادِ مَرُوعُ
إذا عَبْرَةٌ وَزَّعْتُها بَعْدَ عَبْرةٍ ... أبَتْ، واسْتَهَلّتْ عَبْرةٌ ودُمُوعُ
لِذِكْرَى حَبِيبٍ بَعْدَ هَدْءٍ ذَكَرْتُهُ ... وقَدْ حانَ مِن تالِي النُّجُومِ طُلُوعُ
إذا رَقَأَتْ عَيْنايَ ذَكَّرَنِي بهِ ... حَمامٌ تَنادَى في الغُصُونِ وُقُوعُ
كَأَنْ لَمْ أَجَالسْهُ، ولَمْ أُمْسِ لَيْلَةٍ ... أَراهُ، ولَمْ يُصْبِحْ ونحنُ جَمِيعُ
وقال أبو خِراش الهَذلِيّ
تقولُ: أَراهُ بَعْدَ عُرْوَةَ لاهِياً ... وذلك رُزْءٌ لو عَلِمْتِ جَلِيلُ
فلا تَحْسَبِي أنِّي تَناسَيْتُ عَهْدَهُ ... ولكنَّ صَبْرِي يا أُمَيْمَ جَمِيلُ
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنْ قد تَفَرَّقَ قَبْلَنا ... خَلِيلا صَفاءٍ: مالِكٌ وعَقِيلُ
أَبَى الصَّبْرَ أَنِّي لا يَزالُ يَهِيجُنِي ... مَبِيتٌ لَنا فِيما مَضَى ومَقِيلُ
وأَنِّي إذا ما الصُّبْحُ آنَسْتُ ضَوْءهَ ... يُعاوِدُنِي قِطْعٌ عليَّ ثَقِيلُ
وقالت قُتيلَة بِنْت النَّضْر بن الحارث وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد قَتَل أباها صَبْراً، وهو أَوّلُ مَن ضُرِبَت رَقَبتُه في الإِسْلام. وقاتِلُه عليّ بن أبِي طالِب عليه السّلام
يا راكِباً إنَّ الأُثَيْلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خامِسَةٍ وأَنتَ مُوَفَّقُ
بَلِّغْ به مَيْتاً فإنَّ تَحِيَّةً ... ما إنْ تَزالُ بها الرّكائِبُ تَخْفُقُ
مِنِّي إليكَ، وعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جادَتْ لِمائِحِها وأُخْرَى تَخْنُقُ
فَلْيَسْمَعَنَّ النَّضْرُ إنْ نادَيْتُه ... إنْ كانَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ أو يَنْطِقُ
ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيِه تَنُوشُهُ ... للهِ أَرْحامٌ هُناكَ تُمَزَّقُ
أَمحمدُ، ولأَنْتَ نَجْلُ نَجِيبَةٍ ... مِن قَوْمِها، والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ
ما كانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ، ورُبَّما ... مَنَّ الفَتَى، وهُوَ المَغيطُ المُحْنَقُ
والنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَصَبْتَ وَسِيِلَةً ... وأَحَقُّهُمْ إنْ كانَ عِتُقٌ يُعْتَقُ
لو كنتَ قابِلَ فِدْيَةً لَفَدَيْتُهُ ... بأعَزِّ ما يُغْلِي به مَنْ يُنْفِقُ
وقال مُلَيل بن دِهقانَة التَّغْلِبِيّ
ألا لَيْسَ الرَّزِيَّة فَقْدَ مالٍ ... ولا شاةٌ تَمُوتُ ولا بَعِيرُ
ولكنّ الرَّزِيَّة فَقْدُ قَوْمٍ ... يمُوتُ لِمَوْتِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرُ
وقال العَطَوِيّ ؟وَلَيْسَ صَرِيرُ النَّعْشِ ما تَسْمعُونَهُ ولكنّه أَصْلابُ قَوْمٍ تَقَصَّفُ
وَلَيْسَ نَسِيمُ المِسْكَ رَيّا حَنُوطِهِ ... ولكَّنه ذاكَ الثَّناءُ المُخَلَّفُ
وقال آخر
يا قَبْرُ لا تُظْلِمُ عليه فطالَما ... جَلَّى بغُرَّتِهِ دُجَى الإِظْلامِ
إِعْجَبْ لِقَبْرٍ قِيسَ شِبْرٍ قد حَوَى ... لَيْثاً وبَحْرَ نَدىً وبَدْرَ تَمامِ
فلَطالَما اصْطَكَّت على أبوابِهِ ... رُكَبُ المُلُوكِ وجِلَّةُ الأَقْوامِ
يا وَيْحَ أيْدٍ أَسْلَمَتْكَ إلى الثَّرَى ... ما كنتَ تُسْلِمُها إلى الإِعْدامِ
وقال أَبو خِراش خُوَيْلِد بن مُرَّة وكان قد خَرَج خِراشٌ ولَدُه وأخُوه عُرْوَة. فأغارا على ثُمالَة فَنذَر بهما حَيَّان. فأَمّا بنو بلال فأخذُوا عُرْوَة فقَتَلُوه. وأمَا بنو رِزام فأخذُوا خِراشا فأَرادُوا قَتْلَه، فأَلقَى رجلٌ مِنْهُم رداءَه عليه، وقال: انْجُ. ففَحْص كأنه ظبيٌ فَفاتَهُم. فأَتَى أباه فأَخْبَرَه خَبَرَه فقال:
حَمِدْتُ إلهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إذْ نَجَى ... خَراشٌ وبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِن بَعْضِ
فوالله لا أَنْسى قَتِيلاً رُزِئْتُهُ ... بجانِبِ قُوسَى ما مَشَيْتُ على الأَرْض
على أَنَّها تَعْفُو الكُلُومُ، وإنّما ... نُوَكَّلُ بالأدْنَى، وإنْ جَلَّ ما يَمْضِي
ولَمْ أَدْرِ مَن أَلْقَى عليه رِداءَهُ ... على أنَّه قد سُلّ مِن ماجِدٍ مَحْضِ
ولَمْ يَكُ مَثْلُوجَ الفُؤادِ مَهَيَّجاً ... أَضاعَ الشَّبابَ في الرَّبِيلَةِ والخَفْضِ
ولكَّنه قد نازَعَتْهُ مَجاوِعٌ ... على أنّه ذُو مِرَّةٍ صادِقٌ النَّهْضِ
وقال قُس بن ساعِدَة الإِيادِيّ وكان له أخَوان يَصْحَبانِه فماتا قَبْلَه فأقامَ على قَبْرِيْهِما حتّى لَحِق بِهما
خَلِيليَّ هُبَّا طالَما قد رَقَدْتُما ... أَجِدَّكُما لا تَقْصِيانِ كَراكُما
أَلَمْ تَعْلَما أَنِّي بِسَيْحانَ مُفْرَداً ... وما لِيَ مِن نَدِيمٍ سِواكُما
أُقِيمُ على قَبْرَيْكُما لستُ بارِحاً ... طَوالَ اللَّيالِي أو يُجِيبُ صَداكُما
كَأنَّكُما والمَوْتُ أقَرَبُ غايَةٍ ... بجِسْمِيَ في قَبْرَيْكُما قد أَتاكُما
وذَكُروا أنّ رَجُلِيْنَ مِنْ بَنِي أَسد خَرَجَا في بَعْث الحَجّاج فآخيا دِهْقانا في مَوْضع يُقال له رَاوَئْد. فمات أحدُهما وبقِي الآخرُ والدِّهْقانُ يُنادِمان قَبَرَه، يَشْرَبان وَيُصّبان على قبرهِ كأساً. فماتَ الدِّهقانُ وبقِي الأَسَدِيّ، وكان اسمُه عِيسَى بن قُدامَة الأسدي يُنادِم قَبْرَيْهما وَيشْرَب قَدَحاً ويَصَبّ على قبريْهما قَدَحَيْن ويتَرَنّم بهذه الأبيات. وقيلَ كانُوا ثلاثة من أهل الكُوفَةِ في بَعْث الحَجّاجِ يَتَنادَمُون ولا يُخالِطون أحداً. فمات أحدهُما وبقِيَ صاحِباه، فماتَ الآخرُ، وبَقِيَ عِيسى بن قُدامة، وكان أحد الثلاثة، فقال:
خَلِيلَيَّ هُبّا طالَما قد رَقَدْتُما ... أجِدَّكُما لا تَقْضِيان كَراكُما
جَرَى النَّوْمُ مَجْرَى العَظْمِ واللَّحْم فِيكُماكأَنّ الذي يَسْقِي العُقارَ سَقاكُما
فأيُّ أخٍ يَجْفُو أخاً بَعْدَ مَوْتِهِ ... فلستُ الذي مِن بَعْدِ مَوْتٍ جَفاكُما
أصُبُّ على قَبْرِيْكُما مِن مُدامَةٍ ... فإنْ لَمْ تَذُوقَاها تُرَوِّي ثَراكَما
أَنادِيكُما كَيْما تُجِيبا وتَنْطِقَا ... ولَيْس مُجاباً صَوْتُهُ مَن دَعاكُما
أَمِنْ طُولِ نَوْمٍ لا تُجيبانِ داعِياً ... خَلِيلَيَّ، ما هذا الذي قد دَهاكُما
قَضَيْتُ بأَنِّي لا مَحالَةَ هالِكٌ ... وأَنِّي سَيَعْرُونِي الذي قد عَراكُما
سأبْكِيكُما طُولَ الحَياةِ، وما الذي ... يَرُدُّ على ذيِ عَوْلَةٍ إنْ بَكاكُما
وقال الطِّرِمّاح
فَتىً لو يُصاغُ الموتُ صِيغَ كَمِثْلِهِ ... إذا الخَيْلُ جالَتْ في مَساجِلِها قُدْما
ولَوْ أنَّ مَوْتاً كان سالَمَ رَهْبَةً ... مِن النّاسِ إنْساناً لَكانَ له سِلْما
وقال آخر
يَرُوُم جَسِيماتِ العُلَى فَينالُها ... فتىً في جَسِيماتِ المَكارِمِ راغِبُ
فإنْ تُمْسِ وَحْشاً دَارُهُ فلرُبَّما ... تَواهَق أَفْواجاً إِلَيْها المَواكِبُ
يُحَيُّونَ بَسّاماً كأَنَّ جَبِينَه ... هِلالٌ بَدا وانْجابَ عَنْه السّحائِبُ
وما غائِبٌ مَن كان يَرْجَى إِيابُهُ ... ولكنَّه مَن غَيَّبَ الموتُ غائِبُ
وقال دُرَيْد بن الصِّمَّة، مخضرم ؟نَصَحْتُ لِعارِضٍ وأَصْحابِ عارِض ورَهْطِ بَني السَّوْداءِ والقَوْمُ شُهَّدِي
فقلتُ لهُمْ: ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ... سَراتُهُمُ في الفارِسِيِّ المُسرَّدِ
فلّما عَصَوْنِي كنتُ مِنْهُمْ، وقَدْ أَرَى ... غَوايَتَهُمْ وأَنَّنِي غَيْرُ مُهْتَدِ
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بمُنْعَرِج اللِّوَىفَلْم يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلاّ ضُحَى الغَدِ
وهَلْ أنا إلاّ مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ، وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
تَنادَوْا فقالُوا: أَرْدَتِ الخَيْلُ فارِساً ... فقلتُ أَعبْدُ الله ذلكُمُ الرَّدِي
فجِئْتُ إليه والرِّماحُ تَنُوشُهُ ... كَوقْعِ الصَّياصِي في النَّسِيجِ المُمَدَّدِ
فكنتُ كذاتِ البَوِّ رِيعَتْ فأَقْبَلَتْ ... إلى جَلَدٍ مِن مَسْكِ سَقْبِ مُقَدَّدِ
فطاعَنْتُ عنه الخَيْلَ حتَّى تَبَدَّدَتْ ... وحتَّى عَلانِي حالِكُ اللَّوْنِ أَسْوَدِي
قِتالَ امْرِئٍ آسَى أَخاهُ بنَفْسِه ... ويَعْلَمُ أَنَّ المَرْءَ غيرُ مُخَلَّدِ
صَبُورٍ علي وَقْعِ المَصائِبِ حافِظٍ ... مِن اليوم أَعقابَ الأَحادِيثِ في غَدِ
فإنْ يَكُ عبدُ الله خَلَّى مَكانَهُ ... فما كانَ وَقَّافاً ولا طائِشَ اليَدِ
كَمِيشُ الإِزارِ، خارِجٌ نِصْفُ ساقِهِ ... بَعِيدٌ عن الآفاتِ، طَلاّعُ أنْجُدِ
تَراهُ خَمِيصَ البَطْنِ والزَّادُ حاضِرٌ ... عَتِيدٌ، ويُغْدُو في القَمِيص المُقَدَّدِ
وإنْ مَسَّهُ الإِقْواءُ والجَهْدُ زادَهُ ... سَماحاً وإتْلافاً لما كانَ في اليَدِ
صَبا ما صَبا، حتَّى عَلا الشَّيْبُ رَأْسَهُ ... فلَّما عَلاهُ قال لِلْباطِلِ ابْعُدِ
وَطَّيبَ نَفْسِي أَنَّنِي لم أقُلْ لهُ ... كَذَبْتَ، وَلْم أَبْخَلْ بِما مَلَكَتْ يَدِي
وقال آخر
عَصانِيَ قَوْمِي، والرَّشادُ الذي به ... أَمَرْتُ، ومَنْ يَعْصِ المُجَرِّبَ يَنْدَمِ
فَصْبراً بَنِي بَكْرٍ على الموتِ إِنَّنِي ... أَرَى عارِضاً يَنْهَلُّ بالمَوْتِ والدَّمِ
وقال عبد الرحمن بن زيْد
ذَكَرْتُ أَبا أرْوَى فنَهْنَهْتُ عَبْرَةًمِن الدّمْعِ ما كادَتْ عن العَيْنِ تَنْجَلِي
أَبَعْدَ الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيْكِبٍ ... رَهِينَةِ رَمْسٍ ذِي تُرابٍ وَجْندَلِ
أَذَكَّرُ بالبُقْيا على مَنْ أصابَنِي ... وبُقْيايَ أَنِّي جاهِدٌ غيرُ مُؤْتَلِي
يقولُ رِجالٌ ما أصِيبَ لَهُمْ أَبٌ ... ولا مِن أخٍ: أَقْبِلْ على المالِ تُعْقَلِ
أَنَخْتُمْ عَلَيْنا كَلْكَلَ الحَرْبِ مَرَّةً ... فنحنُ مُنِيخُوها عليكُمْ بَكَلْكَلِ
وقالت الخَنْساء بنت الشَّريد، مخضرمة
تَعَرَّقَنِي الدَّهْرُ نَهْساً وحَزّاً ... وأَوْجَعَنِي الدَّهْرُ قَرْعاً وغَمزا
وأفْنَى رجالي فبادُوا جَمِيعاً ... وأَصْبَحَ قَلْبِي بِهِمْ مُسْتَفَزَّا
كَأنْ لم يَكُونُوا حِمىً يُتَّقَى ... إذِ النّاسُ إِذْ ذاكَ مَنْ عَزَّ بَزّا
وكانُوا سَراةَ بَنِي مالِكٍ ... وَزيْنَ العَشِيرَةِ فَخْراً وعِزّا
هُمُ مَنَعُوا جارَهُمْ، والنِّسا ... ءُ يَحْفِزُ أَحْشاءَها الموتُ حَفْزا
وخَيْلٍ تَكَدَّسُ بالدَّارِ عِينَ ... وتَحْتَ العَجاجَةِ يَجْمِزْنَ جَمْزا
بِبِيضِ الصِّفاحِ وسُمْرِ الرِّماحِ ... فبِالبِيض ضَرْباً وبالسُّمْرِ وخْزا
جَزَزْنا نواصِيَ فُرسانِهِمْ ... وكانُوا يظُنُّونَ أنْ لا تُجَزَّا
ومَنْ ظَنَّ أنْ سُيلاقِي الحُرُوبَ ... بأَنْ لا يُصابَ فَقدْ ظَنَّ عَجْزا
نُضِيفُ ونَعْرِفُ حَقَّ القِرَى ... ونَتَّخِذُ الحَمْدَ ذُخْراً وكَنْزا
وقالت ترْثِي أخاها صخْراً
يا صخْرُ وَرّادَ ماءٍ تَناذَرَهُ ... أَهْلُ المَوارِدِ، ما في وِرْدِهِ عارُ
مَشَى السَّبَنْتَي إلى هَيْجاءَ مُعْضِلَةٍ ... لَها سِلاحانِ أَنْيابٌ وأَظْفارُ
فما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطِيفُ به ... لَها حَنينانِ إِصغارٌ وإِكْبارُ
تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتّى إذا أدَّكَرَتْ ... فإنّما هي إِقْبال وإَدْبارُ
يوماً بأَوْجَدَ مِنِّي يومَ فارَقَنِي ... صَخْرٌ، وللدَّهرِ إِحْلالٌ وإمْرارُ
وإنَّ صَخْراً لَتَأْتَمُّ الهُداةُ به ... كَأَنّه عَلَمٌ في رَأْسِهِ نارُ
وإنَّ صَخْراً لَوالِينا وَسيِّدُنا ... وإنَّ صَخْراً إذا نَشْتُو لَنَحَّارُ
حامِي الحَقِيقَةِ، مَرْضِيُّ الخَلِيقَةِ، مَهْ ... دِيُّ الطَرِيقَةِ، نَفَّاعٌ وضرّارُ
جَوَّابُ قاصِيَةٍ، جَزَّازُ ناصِيَةٍ، ... عَقّادُ أَلْوِيَةٍ،للخَيْلِ جَرّارُ
لَمْ تَرَهُ جارةٌ يَمْشِي بساحَتِيها ... لِرِيبَةٍ حينَ يُخْلِي بَيْتَهُ الجارُ
ألا يا صَخْرُ لا أنْساكَ حتّى ... أُفارِقَ مُهْجَتِي ويُشَقَّ رَمْسِي
وَلوْلا كَثْرَةُ الباكِينَ حَوْلِي ... على إخْوانِهِمْ لَقَتَلْتُ نفْسِي
وما يَبْكُونَ مِثْل أَخِي ولكنْ ... أُعَزِّي النَّفْسَ عنه بالتَّأَسِّي
يُذَكِّرُنِي غُرُوبُ الشَّمْسِ صَخْراً ... وأَذْكُرُه لُكلِّ طُلُوعِ شَمسِ
وقالت أيضاً
وما كَرَّ إلاّ كانَ أوَّلَ طاعِنٍ ... ولا أَبْصَرَتْهُ الخَيْلُ إلاّ اقْشَعَرَّتِ
فَيُدْرِكَ ثَأْراً، وهْوَ لَمْ يُخْطِهِ الغِنَىفمثْلُ أَخِي يوماً به العَيْنُ قَرَّتِ
فلستُ أَزَرَّى بَعْدَه بِزَرِيَّةٍ ... فَأَذْكرَهُ إلاَّ سَلَتْ وتَجلَّتِ
وقالت أيضاً
أَبَعْدَ ابنِ عَمْرٍ مِن آلِ الشَّرِي ... دِ حَلَّتْ به الأَرْضُ أَثْقالها
فَأَقْسَمْتُ آسَى على هالِكٍ ... وأَسْأْلُ نائِحَةً ما لَها
لِتَجْرِ الحَوادِثُ بَعْدَ الفَتَى ... المُغادِرِ بالمَحْوِ أَذْلاَلَها
سأَحْمِلُ نَفْسِي على آلةٍ ... فإمّا عَلَيْها وإمّا لها
هَمَمْتُ بنَفْسِي كُلَّ الأُمُورِ ... فأَوْلَى لِنَفْسِيَ أَوْلَى لَها
وَخِيْل تَكَدَّسُ بالدَّارَعِي ... نَ نازَلْتَ بالسَّيفِ أَبْطالَها
نُهِينُ النُّفُوسَ وهُونُ النُّفُو ... سِ يومَ الكَرِيهِة أَبْقَى لَها
وقافَيِةٍ مِثْلِ حَدِّ السِّنا ... نِ نبقى وَيذْهَبُ مَنْ قالَها
وقالت أيضا وتُرْوَى لصخْر أخِي الخَنْساء
إذا امْرُؤٌ أهْدَى لِمَيْتٍ تَحِيَّةً ... فحَيّاك رَبُّ الناس عَنِّي معُاوِيا
وهَوَّنَ وَجْدِي أَنَّنَِي لم أَقُلْ له ... كَذَبْتَ، وَلمْ أَبْخَلْ عليه بِمالِيا
وقالت أيضاً
أَعَينَيَّ جُودَا ولا تَجْمُدا ... ألا تَبْكِيانِ لِصَخْرِ النَّدَى
طَوِيلُ النِّجادِ، رَفِيعُ العِما ... دِ سادَ عَشِيرَتَهُ أَمْرَدَا
يُكَلِّفُهُ القَوْمُ ما غالَهُمْ ... وإن كانَ أصْغَرَهُمْ مَوْلِدا
وقالت الفارِعَة بنت شَدّاد المُرِّيَّة في أخيها
هَلاَّ سَقَيْتُمْ بني جَرْمٍ أسِيرَكُمْ، ... نَفْسِي فِداؤُكَ مِن ذِي غُلَّةٍ صادِي
شَهّادُ أَنْدِيَةٍ، رَفّاعُ أَلْوِيةٍ ... سَدّادُ أَوْهِيَةٍ، فَتَّاحُ أَسْدادِ
نَحّارُ راغِيةٍ، قَتَّالُ طاغِيَةٍ، ... حَلاّلُ رابِيَةٍ فَكَّاك أَقْيادِ
قَوَّالُ مُحْكَمَةٍ نَقَّاضُ مُبْرَمَةٍ ... فَرّاجُ مُبْهَمَةٍ، طَلاَّعُ أَنْجادِ
وقالت لَيْلَى الأَخْيَلِيْة ترثي توبة بن الحُمَيِّر
لَعَمْرُكَ ما بالمَوْتِ عارٌ على الفَتَى ... إذا لَمْ تُصِبْهُ في لحَياةِ المَعايِرُ
وما أَحَدٌ حَيٌّ وإِنْ كان سالماً ... بأَخْلَدَ مِمَّنْ غَيَّبَتْهُ المَقابِرُ
ومَن كان مِمَّا يُحْدِثُ الدَّهْرُ جازِعاً ... فلا بُدَّ يوماً أَنْ يُرَى وهُوَ صابِرُ
وليس لِذي عَيْشٍ من المَوْتِ مَهْرَبٌ ... ولَيْسَ على الأَيَّامِ والدَّهرِ غابِرُ
وكُلُّ جَدِيدٍ أو شَبابٍ إلى بِلىً ... وكُلُّ امْرِئٍ يوماً إلى الله صائِرُ
وكُلُّ قَرِينَيْ أَلْفَةٍ لِتَفَرُّقٍ ... شَتاتاً وإنْ عاشا وطالَ التَّعاشُرُ
فلا يُبْعِدَنْكَ اللهُ يا تَوْبُ هالِكاً ... أخا الحَرْبِ إذ دارَتْ عليكَ الدَّوائِرُ
فأُقْسِمُ لا أَنْفَكُّ أَبْكِيكَ ما دَعَتْ ... على فَنَنٍ وَرْقاءُ أو طارَ طائِرُ
قَتِيلُ بَنِي عَوْفٍ فيا لَهْفَتا لهُ ... وما كنُتُ إِيّاهُمْ عليه أَحاذِرُ
ولكنَّنِي قد كُنت أَخْشَى قَبِيلَةً ... لَها بدُرُوبِ الشَّامِ بادٍ وحاضِرُ
وقالت أيضا
فإِنْ تَكْنِ القَتْلَى بَواءً فإِنَّكُمْ ... فَتىً ما قَتَلْتُمْ آل عَوْفِ بن عامِرٍ
فلا يُبْعِدَنْكَ الله يا تَوْبَ إِنَّما ... لِقاءُ المَنايا دارِعاً مِثْلُ حاسِرِ
أَتَتْهُ المَنايا دُونَ دِرْعٍ حَصِينَةٍ ... وأَسْمَرَ خَطِّيِّ وأَرْقَبَ ضامِرِ
فنِعْمَ الفَتَى إِذنْ كان تَوْبَةُ فاجِراً ... وفوقَ الفَتَى إنْ كانَ لَيْس بفاجِرِ
فتىً يُنْهِلُ الحاجاتِ ثم يَعُلُّها ... فيُطْلِعُها عنه ثَنايا المَصادِرِ
فتىً كانَ أحْيا مِن فَتاةٍ حَيِيَّةٍ ... وأَشْجَعَ مِن لَيْثٍ بِخَفّانَ خادِرِ
فتىً كانَ للمَوْلَى سَناءً ورِفْعَةً ... وللطَّارِقِ السَّارِي قِرىً غيرَ باسِرٍ
فتىً لا تَخَطَّاهُ الرِّكابُ، ولا يَرَى ... لِقِدْرٍ عِيالاً دُونَ جارٍ مُجاوِرِ
كَأَنَّ فتَى الفِتْيان تَوْبَةَ لَمْ يُنِخْ ... قَلائِصَ يَفْحَصْنَ الحَصَى بالكَراكِرِ
وقالت أيضاً
لقَدْ عَلِمَ الجُوعُ الذي باتَ سارِياً ... على الضَّعِيفِ والجِيرانِ أَنَّكَ قاتِلُه
وأَنَّكَ رَحْبُ الباعِ يا تَوْبَ للقِرىَ ... إذا ما لَئِيمُ القَوْمِ ضاقَتْ مَنازِلُه
يَبِيتُ قَرِيرَ العَيْنِ مَنْ كان جارَهُ ... ويُضْحِي بخَيْرٍ ضَيْفُهُ ومُنازِلُهْ
أَتّتْهُ المَنايا حينَ تَمَّ شَبابُهُ ... وأَقْصَرَ عنه كُلُّ قِرْنٍ يُنازِلُهْ
وعادَ كَلْيْثِ الغابِ يَحْمِي عَرِينَهُ ... ويَرْضَى به أشْبالُهُ وحَلائِلُهْ
وقالت زَيْنَب بنت الطَّثْريَة، أموية الشعر
أَرَى الأَثْلَ مِن بَطْنِ العَقِيقِ مُجاوِرِيمُقِيماً، وقَدْ غالَتْ يَزِيدَ غَوائِلُهْ
فتىً قُدَّ قَدَّ السِّيفِ، لا مُتضَائِلٌ، ... ولا رَهِلٌ لَبّاتُهُ وأَباجِلُهْ
فتىً لا تَرَى قَدَّ القَمِيصِ بخَصْرِهِ ... ولكنَّما تُوهِي القَمِيصِ كَواهِلُهْ
يَسُرُّكَ مَظْلُوماً، ويُرْضِيكَ ظالِماً، ... وكُلُّ الذي حَمَّلْتَهُ فَهْوَ حامِلُهْ
إذا جَدَّ عِنْدَ الجِدِّ أَرْضاكَ جِدُّهُ ... وذُو باطِلٌ إِنْ شِئْتَ أَرْضاكَ باطِلُهْ
إذا القومْ أَمَّوا بَيْتَهُ فهْوَ عامِدٌ ... لأَحْسَنِ ما ظَنُّوا به فهْوَ فاعِلُهْ
إذا نَزَلَ الضِّيفانُ كان عَذَوَّراً ... على الحَقِّ حتَّى تَسْتَقِلَّ مَراجِلُهْ
وقَدْ كان يُرْوِي المَشْرَفِيَّ بكَفِّهِ ... ويَبْلُغُ أَقْصَى حَجْرَةِ الحَيِّ نائِلُهْ
فَتَى لَيْسَ لابْنِ العَمِّ كالذِّئْبِ إنْ رَأَى ... بصاحِبِهِ يوماً دَماً فهْوَ آكِلُهْ
مَضَى ووَرِثْناهُ دَرِيسَ مَفاضَةٍ ... وأَبْيَضَ هِنْدِياً طَوِيلاً مَحامِلُهْ
وقال الشَّمَرْدَل اليَرْبُوعيّ، أموي الشعر
لَعَمْرِي لَئِنْ غالَتْ أَخِي دَارُ غَرْبَةٍ ... وآبَ إِلْينا سَيْفُهُ ورَواحِلُهْ
وحَلَّتْ به أَثْقالَها الأَرْضُ وانْتَهَى ... بمَثْواهُ مِنْها وهْوَ عَفٌّ مَآكِلُهْ
لقَدْ ضُمِّنَتْ جَلْدَ القُوَى كان يُتَّقَى ... به جانِبُ الثَّغْرِ المَخُوفِ زَلازِلُهْ
وَصُولٌ إذا اسْتَغْنَى، وِإنْ كانَ مُقْتِراًمِن المالِ لَمْ يُحْفِ الصَّدِيقَ مَسائِلُهْ
إلى الله أَشْكَو لا إلى النَّاسِ فَقْدَهُ ... ولَوْعَةَ حُزْنٍ أَوْجَعَ القَلْبَ داخِلُهْ
أَبَى الصَّبْرَ أَنَّ العَيْنَ بَعْدَكَ لم تَزَلْيُخالِطُ جَفْنَيْها قَذىً ما تُزايِلُهْ
وكنتُ أُعِيرُ الدَّمْعَ قَبْلَكَ مَن بَكَى ... فأنتَ على مَنْ مات بَعْدَكَ شاغِلُهْ
يُذَكِّرُني هَيْفُ الجَنُوبِ ومُنْتَهَى ... نَسِيم الصَّبا رَمْساً عليه جَنادِلُهْ
وسَوْرَةُ أَيْدِي القَوْمِ إِذ حُلَّتِ الحُباحُبا الشِّيبِ واسْتَغْوَى أخا الحِلْمِ جاهِلُهْ
لَعَمْرُكَ إِنّ المَوْتَ مِنَّا لَمُولَعٌ ... بِمَنْ يُرْجَى نَفْعُهُ ونَوافِلُهْ
فعَيْنيَّ إِنْ أَبْكاكُما الدَّهْرُ فابْكِيا ... لِمَنْ نَصْرُهُ قد بانَ عَنَّا ونائِلُهُ
إذا اسْتَعْبَرَتْ عُوذُ النِّساءِ وشَمَّرَتْ ... مآزِرُ يَوْمٍ لا تُوارَى خَلاخِلُهْ
أخِي لا بَخِيلٌ في الحَياةِ بِمالِهِ ... عليَّ، ولا مَسْتَبَطَأٌ الفَرْضِ خاذِلُهْ
فَما كنتُ أَلْقَى لامْرِئٍ عندَ مَوْطِن ... أَخاً كَأخِي لو كانَ حَيًّا أُبادِلُهْ
وقالت جَنُوب أُخْتُ عَمْرو ذي الكَلْب الهُذَلِيَّة، جاهلية
سأَلْتُ بِعَمْرو أخِي صَحْبَهُ ... فأفْظَعِنِي حينَ رَدُّوا السُّؤَالا
أتِيحَ له نَمِرا أَجْبُلٍ ... فَنالا لَعَمْرُكَ مِنْه مَنالا
فأُقْسِمُ يا عَمْرُو لو نَبَّهاكَ ... إِذَنْ نَبَّها مِنْكَ داءً عُضالا
إِذَنْ نَبَّها لَيْثَ عِرِّيسَةٍ ... مَفِيتاً مفيداً نُفُوساً ومَالا
إِذَنْ نَبَّها غَيْرَ رِعْديدَةٍ ... ولا طائِشاً دَهِشاً حِينَ صَالا
وقَدْ عَلِمَ الضَّيْفُ والمَرْمِلُونَ ... إذا اغْبَرَّ أفْقٌ وهَبَّتْ شَمالاً
بأَنَّكَ كنتَ الرَّبِيعَ المُغِيثَ ... لِمَنْ يَعْتَفِيكَ وكنتُ الثِّمالا
وخَرْقٍ تجاوَزْتَ مَجْهُولَهُ ... بأَدْماءَ حَرْفٍ تَشَكَّى الكَلالا
فكنتَ النَّهارَ به شَمْسَهُ ... وكنتَ دُجَى اللَّيلِ فيهِ الهِلالا
وقالت الخنساء
وقائِلةٍ، والنَّعْشُ قد فات خَطْوَها ... لِتُدْرِكَهُ يا لَهْفَ نَفْسِي على صَخْرِ
ألا ثَكِلِتْ أُمُّ الذين غَدَوْا به ... إلى القَبْرِ، ماذا يَحْمِلُونَ إلى القَبْرِ
وماذا يُوارِى اللَّحْدُ تحتَ تُرابِهِ ... مِن الجُودِ والأفْضالِ والنَّائِل الغَمْرِ
فَشْأنُ الَمنايا إذْ أصابَكَ سَهْمُها ... لِتَعْدُو على الفِتْيان بَعْدَكَ أو تَسْرِي
وقالت أيضا
وما الغَيْثُ في جَعْدِ الثَّرَى دَمِثِ الرُّبَى ... تَعَبَّقَ فيه العارِضُ المُتَهَلِّلُ
بأَجْزَلَ سَيْباً مِن يَدَيْكَ ونِعْمَةً ... تَجُودُ بِها، بل سَيْبُ كَفِّكَ أجْزَلُ
وجارُكَ مَمْنُوعٌ مَنِيعٌ بنَجْوَةٍ ... مِن الضَّيْمِ، لا يُزْرَى ولا يَتَذَلَّلُ
فما بَلَغَتْ كَفُّ امْرِئٍ مُتَناولاً ... مِن المَجْدِ إلاّ حيثُ ما نِلْتَ أفْضَلُ
ولا بَلَغَ المُهْدُوَن في القَوْلِ مِدْحَةً ... ولَوْ أَكْثَرُوا إلاّ الذي فِيكَ أَفْضَلُ
وقالت عَمْرَة الخَثْعَمِيّة ترثي ولَدَيْها
لقَدْ زَعَمُوا أَنِّي جَزِعْتُ عَلَيْهِما ... وهَلْ جَزَعٌ أَنْ قُلْتُ: وابأباهُما
هُما أَخَوا في الحَرْبِ مَن لا أخا لَهُ ... إذا خافَ يوماً نَبْوَةً مَنْ دَعاهُما
هُما يَلْبَسانِ المَجْدَ أَحْسَنَ لِبْسَةٍ ... شَحِيحانِ، ما اسْطاعاً عليه كِلاهُما
شِهابِان مِنَّا أُوقِدا ثُم أُخْمِدا ... وكان سَناً لِلْمُدِلِجِينَ سَناهُما
إذا نَزَلا الأَرْضَ المَخُوفَ بِها الرَّدَى ... يُخَفِّضُ مِن جَأْشَيْهِما مُنْصُلاهُما
إذا اسْتَغْنَيا حُبَّ الجَمِيعُ إِلَيهِما ... وَلمْ يَنْأَ عن نَفْعِ الصَّدِيِق غَناهُما
إذا افْتَقَر لَمْ يَجْثِما خَشْيَةَ الرَّدَى ... ولَمْ يَخْش رُزْأً مِنْهُما مَوْلَياهُما
وقالت صَفِية الباهِلِيّة
كُنّا كغُصْنَيْنِ في جُرْثُومَةٍ سمَقَا ... حِيناً بأَحْسَنِ ما يَسْمُو له الشَّجْرُ
حتَّى إذا قِيلَ قد طالَتْ فُرُوعُهُما ... وطابَ فَيْئاهُما واسْتُيْنِعَ الثَّمَرُ
أَخْنَى على واحِدِي رَيْبُ الزّمانِ، وما ... يُبْقِي الزَّمانُ على شَيْء ولا يَذَرُ
كُنّا كأَنْجُمِ لَيْل بَيْنَها قَمَرٌ ... يَجْلُو الدُّجَى، فهَوَى مِن بَيْنِها القَمَرُ
فاذْهَبْ حَمِيداً على ما كانَ مِن مَضَضٍ ... فقَدْ ذَهَبْتَ وأنتَ السَّمْعُ والبَصَرُ
وقالت الخِرنِق بنت هِفَّان ترثي زَوْجَها
لا يُبْعِدَنُ قَوْمي الذي همُ ... سُمُّ العُداوةِ وآفَةُ الجُزْرِ
النَّازِلِينْ بكُلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطَّيِّبِين مَعاقِدَ الإُزْرِ
قومٌ إذا رَكبُوا سَمِعْتَ لَهُمْ ... لَغَطاً مِن التَّأْيِيه والزَّجْرِ
والخالِطِينَ نَحِيتَهُمْ بِنُضارهم ... وذَوِي الغِنَى مِنْهُمْ بذِي الفَقْرِ
هذا ثَنائِي ما بَقِيتُ لَهُمْ ... وإذا هَلَكْتُ أَجَنَّنِي قَبِرْي
وقالت امرأةٌ في أبِيها
إذا ما دَعا الدَّاعِي عِلَيًّا وَجَدْتُنِي ... أُراعُ كما راعَ العَجُولَ مُهِيبُ
وكَمْ مِن سَمِيٍّ لَيْس مِثْلَ سَمِيِّهِ ... وإنْ كَانَ يُدْعَى باسْمِهِ فيُجِيبُ
وقالت زَهْراء الكِلابِيَّة
تَأَوَّهْتُ مِن ذِكْرَى ابْنِ عَمِّي، ودُونَه ... نقاً هائِلٌ جَعْدُ الثَّرَى وصَفِيحُ
وكنتُ أنامُ اللَّيلَ مِن ثِقَتِي بهِ ... وأَعْلَمُ أَنْ لا ضَيْمَ وهُوَ صَحِيحُ
فأَصْبَحْتُ سالَمْتُ العَدُوَّ ولَمْ أجِدْ ... مِن السِّلْمِ بُدّاً والفُؤادُ جَرِيحُ
وقالت فاطِمة بنت الأَحَجْم الخُزاعِيَة
يا عَيْنُ جُودِي عنَد كُلِّ صَباحِ ... جُودِي بأَرْبَعَةٍ علي الجَرّاحِ
قد كنتَ لِي جَبَلاً أَلُوذُ بِظِلِّهِ ... فَتَركْتَنِي أَمْشِي بأَجْرَدَ ضاجِ
قد كنتُ ذاتَ حَمِيَّةٍ ما عِشْتَ لِي ... أَمْشِي البَرازَ وكنتَ أنت جَناحِي
فاليومَ أَخْضَعُ للذَّلِيلِ وأَتَّقِي ... مِنْه، وأَدْفَعُ ظالِمِي بالرّاحِ
وأَغْضُّ مِن بَصَرِي وأَعْلَمُ أَنَّهُ ... قد بانَ حَدُّ فَوارِسِي ورِماحِي
وإذا دَعَتْ قُمْرِيَّةٌ شَجَناً لَها ... يوماً على فَنَنٍ دَعَوْتُ صبَاحِي
وقالت الخِرنِق بنت قُحافَة
أعاذِلَتِي على رُزْءٍ أفِيقِي ... فقَدْ أشْرَقْتِنِي بالعَذْلِ رِيقِي
فلا وأَبِيك آسَى بَعْدَ بِشْرٍ ... على حَيٍّ يَمُوتُ ولا صَدِيقِ
وقالت لَيْلَى بنت طَرِيف التَّغْلِبية وقيل اسمها سَلْمَى ترثي أخاها الوَلِيد
بِتَلِّ بُناثا رَسْمُ قَبْرٍ كأَنَّهُ ... على عَلَمٍ فوقَ الجِبالِ مُنِيفِ
تَضَمَّنَ جُوداً حاتِمِيًّا ونائِلاً ... وسَوْرَةَ مِقْدامٍ وقَلْبَ حَصِيفِ
ألاَ قاتَل اللهُ الجُثا حيثُ أَضْمَرَتْ ... فَتىً كان للمَعْرُوِفِ غيرَ عَيُوفِ
خَفِيفٌ على ظَهْرِ الجَوادِ إذا عَدا ... ولَيْسَ على أَعْدائِهِ بخَفِيفِ
أيا شَجَرَ الخابُورِ مالَكَ مُورِقاً ... كأَنَّك لمْ تَحْزَنْ على ابنِ طَرِيفِ
فتىً لا يُحِبُّ الزَّادَ إلاّ مِن التُّقى ... ولا المالَ إلاّ مِن قَناً وسُيُوفِ
فَقدْناهُ فِقْدانَ الرَبِيعِ، ولَيْتَنا ... فَدَيْناهُ مِن ساداتِنا بأُلُوفِ
وما زالَ حتّى أَرْهَقَ الموتُ نَفْسَهُ ... شَجىً لِعَدُوٍّ أو لَجاً لِضَعَيفِ
فإنْ يكُ أَرْداهُ يَزِيدُ بنُ مَزْيَدٍ ... فرُبَّ زُحُوفٍ لَفّها بِزُحُوفِ
عليكَ سَلامُ اللهِ وَقْفاً، فإِنَّنِي ... أَرَى المَوْتَ وَقَّاعاً بكُلِّ شَرِيفِ
وقال أبو ذُؤَيْب الهُذَلِّي، مخضرم
أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ ... والدَّهْرُ لَيْس بمُعْتِبٍ مَن يَجْزَعُ
ولَقْد أَرَى أَنَّ البُكاءَ سَفاهَةٌ ... ولسَوْفَ يُولَعُ بالبُكا مَنْ يُفْجَعُ
قالَتْ أُمَيْمَةُ: ما لِجِسْمِكَ شاحِباً ... منذُ ابْتَذَلْتَ ومِثْلُ مالِكَ يَنْفَعُ
أَمْ لِجَنْبِكَ لا يُلائِمُ مَضْجَعاً ... إلا أقَضَّ عليكَ ذاكَ المَضْجَعُ
فأَجَبْتُها أمَّا لِجِسْمِيَ أَنَّهُ ... أَوْدَى بَنِيَّ مِن البِلادِ فَودَّعُوا
أَوْدَى بَنِيَّ وأَعْقَبُونِي حَسْرَةً ... بَعْدَ الرُّقادِ وعَبْرَةً ما تُقْلِعُ
فالعَيْنُ بَعْدَهُمْ كأَنَّ حِداقَها ... سُمِلَتْ بشَوْكٍ فهْيَ عُورٌ تَدْمَعُ
سَبَقُوا هَوَىً وأَعْنَقُوا لِهَواهُمُ ... فَفَقَدْتُهُمْ، ولِكَلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
فَلَبِثْبُ بَعْدَهُمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ ... وإخالُ أَنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ
ولَقْد حَرَصْتُ بأَنْ أُدافِعَ عنهمُ ... فإِذا المَنِيَّةُ أَقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ
وإذا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفارَها ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَعُ
وتَجَلُّدِي للشَّامِتينَ أُرِيهُمُ ... أنِّي لرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَضَعْضَعُ
حتّى كَأَنِّ للحَوادِثِ مَرْوَةٌ ... بصَفا المُشَرَّقِ كُلَّ يومٍ تُقْرَعُ
والنَّفُسُ راغِبَةٌ إذا رَغَّبْتَها ... وإذا تُرَدُّ إلى قَلِيلٍ تَقْنَعُ
ولَئِنْ بِهِمْ فَجَعَ الزَّمانُ وَريْبُهُ ... إِنِّي بأَهْلِ مَوَدَّتي لَمُفَجَّعُ
كم مِن جَمِيع الشَّمْلِ مُلْتَئِم القُوَى ... كانُوا بعيْشٍ قَبْلَنا فتَصَدَّعُوا
ولَقْد ثَوَى تحتَ الضَّرِيحِ مُكَرَّمٌ ... وصِلاتُ إخْوانٍ ورَأْيٌ مُصْقِعُ
لو آذَنُوا بالحَرْبِ وَهْناً هَيَّجُوا ... ضِرْغامَةً يَحْمِي العَرِينَ وَيَمنَعُ
وقال مُنْقِذ بن عبد الرحمن الهِلالي من مخضرمي الدولتين:
الدَّهْرُ لاَءَم بَيْنَ أُلْفَتِنا ... وكذاكَ فَرَّقَ بَيْنَنا الدَّهْرُ
وكذاكَ يَفْعَلُ في تَصَرُّفِهِ ... والدَّهْرُ لَيْس يَنالُهُ وِتْرُ
كنتُ الضَّنِينَ بمَنْ أُصِبْتُ به ... فسَلَوْتُ حينَ تَقادَمَ الأَمْرُ
ولَخَيْرُ حَظِّكَ في المُصِيبَةِ أَنْ ... يَلْقاكَ عِنْدَ نُزُولِها الصَّبْرُ
وقال الشَّمَرْدَل اللَّيْثِيّ أمويُّ الشعر
لَهْفَي عليكَ لِلَهْفَةٍ مِن خائِفٍ ... يَبْغِي جِوارَك حينَ لَيْسَ مُجِيرُ
أمَّا القُبُورُ فإنَّهُنَّ أَوانِسٌ ... بجِوارِ قَبْرِكَ، والدِّيارُ قُبُورُ
عَمَّتْ مَواهِبُهُ فعَمَّ مُصابُهُ ... فالنَّاسُ فِيه كُلُّهُم مَأْجُورُ
يُثْنِي عليَك لِسانُ مَن لَمْ تُولِهِ ... خَيْراً، لأَنَّكَ بالثَّناءِ جَديرُ
رَدَّتْ صنائِعُهُ إِليه حَياتَهُ ... فَكَأَنَّهُ مِن نَشْرِها مَنْشُورُ
فالنّاسُ مَأْتُمُهُمْ عليهِ واحِدٌ ... في كُلِّ دارٍ رَنَّةٌ وزَفِيرُ
عَجَباً لأَرْبَعِ أَذْرُعٍ في خَمْسَةٍ ... في جَوْفِها جَبَلٌ أشَمُّ كَبِيرُ
وقال النَّابِغَة الذُّبيانِيّ جاهلِي، واسمه زياد
لا يَهْنَئ النّاسَ ما يَرْعوْنَ مِن كَلأٍ ... وما يَسُوقُونَ مِن أَهْلٍ ومِن مالِ
بَعْدَ ابِن عاتِكَةَ الثَّاوِي بِبَلْقَعَةٍ ... أَمْسَى ببلَدَةِ لا عَمٍّ ولا خالِ
سَهْلِ الخَلِيقَةِ، مَشَّاءٍ بأَقْدُحِهِ ... إلى ذَواتِ الذُّرَى، حَمَّالِ أثْقالِ
حَسْبُ الخَلِيَلْينِ نَأْيُ الأرضِ بَيْنَهُما ... هذا عَلَيْها وهذا تَحْتَها بالِ
وقال رُبَيِّعَة بن عُبَيْد القُعَيْنِي وليس في العَرَب رُبَيِّعَة غَيْرَه
أَبْلِغْ قَبائِلَ جَعْفَرٍ إِنْ جِئْتَها ... ما إِنْ أُحاوِلُ جَعْفَرَ بنَ كِلابِ
إنَّ الهَوادَةَ والمَوَدَّةَ بَيْنَنا ... خَلَقٌ، كسَحْقِ اليُمْنَةِ المُنْجابِ
أَذُؤابُ إِنِّي لَمْ أَهْنِكَ ولَمْ أَقُمْ ... للبَيْعِ يومَ تَحَضُّرِ الأَجْلابِ
إِنْ يَقْتُلُوكَ فقَدْ ثَلَلْتَ عُرُوشَهُمْ ... بِعُتَيْبَةَ بن الحارِثِ بن شِهابِ
بأَشَدَّهِمْ كَلَباً على أَعْدائِهِ ... وأَعَزِّهِمْ فَقْداً على الأصْحابِ
وعمادِهِمْ في كُلِّ يومِ كَرِيهَةٍ ... وثِمالِ كُلِّ مَعَصَّبٍ قِرْضابِ
وقال مِكْرَز بن حَفْص بن الأَخْيَف الكِنانِّي، جاهِلي
لا يَبْعَدَنَّ رَبِيعَة بنُ مُكَدَّمٍ ... وسَقَى الغوادِي قَبْرَهُ بذَنُوبِ
نَفَرَتْ قَلُوصِي مِن حِجارَةِ حَرَّةٍ ... بُنِيَتْ على طَلْقِ اليَدَيْنِ وهُوبِ
لا تَنْفِري يا ناقَ مِنْه فإِنَّهُ ... شِرِّيْبُ خَمْرٍ مِسْعَرٌ لِحُرُوبِ
لَوْلا السِّفارُ وبُعْدُ خَرْقٍ مَهْمَهٍ ... لَتَرَكْتُها تَحْبُو على العُرْقُوبِ
وقال كَعْب الأشقَرِي
لَحاكِ الله يا شَرَّ المَطايا ... أَعنْ قَبْرِ المُهَلَّبِ تَنْفِرينا
فَلوْ لا أنَّني رَجُلٌ غَرِيبٌ ... لكُنْتِ على ثلاثٍ تَحْجِلِينا
وقال الأَزْرَق بن المُكَعْبَر
أَتَنْفِرُ عن عَمْروٍ بِبَيْداءَ ناقَتِي ... وما كانَ سارِي اللَّيلِ يَنْفِرُ عن عَمْرِو
لَقْد حَبَّبَتْ عِنْدِي الحَياةَ حَياتُهُوحَبَّبَ سُكْنَى القَبْرِ مُذْ صارَ في القَبْرِ
وقال كَعْب بن سَعْد بن عُقْبة الغَنَوِيّ، جاهلي.
تَقولُ سُلَيْمىَ ما لجِسْمِكَ شاحِباً ... كَأَنَّكَ يَحْمِيك الطَّعام طَبِيبُ
فقلتُ ولَمْ أعْيَ الجَوابَ لِقَوْلِها ... وللدَّهْرِ في صُمٍّ الصِّلابِ نَصِيبُ
تَتابُعُ أَحْداثٍ تَخَرَّ مْن إخْوَتِي ... وَشَيَّبْنَ رَأْسِي، والخُطُوبُ تُشِيبُ
أَتَى دُونَ حُلُوِ العَيْشِ حتّى أَمَرَّهُ ... نُكُوبٌ على آثارهِنَّ نُكُوبُ
لَعَمْرِي لَئِنْ كانتْ أَصابَتْ مُصِيبَةٌ ... أخِي، والمَنايا للرِّجالِ شَعُوبُ
لَقدْ عَجَمَتْ مِنِّي الحَوادِثُ ماجِداً ... عَرُوفاً لِصَرْفِ الدَّهْرِ حينَ يَنُوبُ
وَقُورٌ، فأَمَّا حِلْمُهُ فمُرَوَّحٌ ... عَلَيْنا، وأمَّا جَهْلُهُ فعَزِيب
فتَى الحَرْبِ إِنْ حارَبْتَ كنتَ سِهامَها ... وفي السِّلْمِ مِفْضالُ اليَدَيْنِ وَهُوبُ
فتىً لا يُبالِي أنْ يكُونَ بِجِسْمهِ ... إذا نالَ خَلاَّتِ الرِّجالِ شُحُوبُ
غَنِينا بخَيْر حِقْبَةً ثم جَلَّحَتْ ... عَلَيْنا التي كُلَّ الأَنامِ تُصِيبُ
فَلوْ كان حَيٌّ يُفْتَدَى لفَدَيْتُهُ ... بِما لَمْ تكُنْ عنه النُّفُوسُ تَطِيبُ
فإنْ تَكُن الأَيامُ أَحْسَنَّ مَرَّةً ... إليَّ، فَقدْ عادَتْ لهُنَّ ذُنُوبُ
وخَبَّرْتُمانِي أَنَّما المَوْتُ بالقُرَى ... فكَيْفَ وهاتا هَضْبَةٌ وقَلِيبُ
أخِي ما أخِي لا فاحِشٌ عندَ بَيْتِهِ ... ولا وَرَعٌ عندَ اللِّقاءِ هَيُوبُ
إذا ما تراآهُ الرِّجالُ تَحَفَّظُوا ... فَلمْ تُنْطَقِ العَوْراءُ وهْوَ قَرِيبُ
على خَيْرِ ما كانَ الرِّجالُ نَباتُهُ ... وما الخَيْرُ إلاّ قِسْمَةٌ ونَصِيبُ
حَلِيفُ النَّدَى يَدْعُو النَّدَى فيُجِيبُه ... سَرِيعاً، ويَدْعُوهُ النَّدَى فيُجِيبُ
هو العَسَل الماذِيُّ حِلْماً وشِيمَةً ... وَلَيْثٌ إذا يَلْقَى العَدُوَّ غَضُوبُ
حَليمٌ إذا ما سَوْرَةُ الجَهْلِ أُطْلَقَتْحُبَي الشِّيبِ، للنَّفْسِ اللَّجُوجِ غَلُوبُ
هَوَتْ أُمُّه! ما يَبْعَثُ الصُّبْحُ غادِياً ... وماذا يُؤَدِّي الليلُ حينَ يَؤُوبُ
كَعالِيَةِ الرُّمْحِ الرَّدَيْنِيِّ، لمْ يكُنْإذا ابْتَدَرَ القَوْمُ الفَعالَ يَخِيبُ
أَخُو شَتَواتٍ يَعْلَمُ الحَيُّ أَنَّهُ ... سَيَكْثُرُ ما فِي قِدْرِهِ ويَطِيبُ
إذا حَلَّ لَمْ يُقْصِ المَقامَةَ بَيْتَهُ ... ولكنَّه الأَدْنَى بَحَيْثُ يَثُوبُ
كأَنَّ أَبا المِغْوارِ لَمْ يُوفِ مَرْقَباً ... إذا رَبَأ القَوْمَ الغداةَ رَقيبُ
ولَمْ يَدْعُ فِتْياناً كِراماً لِمَيْسِرٍ ... إذا اشْتَدَّ مِن رِيحِ الشِّتاءِ هُبُوبُ
لِيَبْكِكَ عانٍ لَمْ يَجِدْ مَن يُعِنُهُ ... وطاوِي الحَشا نائِي المَزارِ غَرِيبُ
بَكَيْتُ أخا لأْواءَ يُحْمَدُ يَوْمُهُ ... كَرِيمٌ، رُؤُسَ الدَّارِعِينَ ضَرُوبُ
حَبِيبٌ إلى الزُّوّارِ غِشْيَانُ بَيْتِهِ ... جَمَيلُ المُحَيّا، شَبَّ وهْوَ أَدِيبُ
فتىً أَرْيَحِيٌّ كانَ يَهْتَزُّ للنَّدَى ... كما اهْتزَّ ماضِي الشَّفْرَتَيْنِ قَضِيبُ
كَأْنَّ بُيُوتَ الحَيِّ ما لَمْ يكُنْ بِها ... بَسابِسُ لا يُلْقَى بِهِنَّ عَرِيبُ
ودَاعٍ دَعا: يا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدَى ... فَلمْ يَسْتَجِبْهُ عندَ ذاكَ مُجِيبُ
فقلتُ: ادْعُ أَخْرَى وارْفَع الصَّوْتَ دَعْوَةًلَعَلَّ أَبِي المِغْوارِ مِنْكَ قَرِيبُ
ومثل قوله إذا ما تراآه الرجالَ تحفظو...البيت قول مُهَلْهل
نُبِّئْتُ أَنَّ النَّارَ بَعْدَكَ أَوقِدَتْ ... واسْتَبَّ بُعْدَكَ يا كُلَيْبُ المَجْلِسُ
وتَفاوَضُوا في أَمْرِ كُلِّ عَظِيمةٍ ... لو كنتَ شاهِدَهُمْ بِها لَمْ يَنْبِسُوا
فإذا تَشاءُ رَأَيْتَ وَجْهاً واضِحاً ... وذِراعَ باكِيَةٍ عَلَيْها بُرْنُسُ
تَبْكِي عليكَ، ولَسْتُ لائِمَ حُرَّةٍ ... تَأْسَى عليكَ بعَبْرَةٍ وَتَنَفَّسُ
وقال يَحْيَى بن زِياد الحارِثِيّ من شعراء الدولة العباسية
نَعى ناعِيا عَمْروٍ بلَيْلٍ فَأَسْمَعا ... فَراعا فُؤاداً كان قِدْماً مُرَوَّعا
دَفَعْنا بكَ الأيّامَ حتّى إذا أَتَتْ ... تُرِيدُكَ لَمْ نَسْطِعْ لها عنكَ مَدْفَعا
فطابَ ثَرىً أَفْضَى إليكَ، وإنَّما ... يَطِيبُ إذا كانَ الثَّرَى لكَ مَضْجَعا
مَضَى صاحِبِي واسْتَقْبَل الدَّهْرُ مَصْرَعِيولا بُدَّ أَنْ أَلْقَى حَمامِي فأُصْرَعا
مَضَى فَمَضَتْ عنِّي به كُلُّ لَذَّةٍ ... تَقَرُّ بَها عَيْنايَ فانْقَطَعا مَعا
وما كنتَ إلاّ السِّيْفَ لاقَى ضَرِيبَةً ... فقَطَّعَها، ثُم انْثَنَى فَتقطَّعا
وقال أبو تَمَّام حَبِيب بن أُوْس الطَّائِي
أصَمَّ بكَ الناعي وإنْ كان أَسْمَعا ... وأَصْبَحَ مَغْنَى الجُودِ بَعْدَكَ بَلْقَعا
مَصِيفاً أفاض الحُزْنُ فِيه جَداوِلاً ... مِن الدَّمعِ حتَّى خِلْتُهُ صارَ مَرْبَعا
وما كنتَ إلاّ السَّيْفَ لاقَى ضَرِيبَةً ... فقَطَّعَها ثم انْثَنَى فتَقَطَّعا
فتىً كانَ شِرْباً للعُفاةِ ومَرْتَعاً ... فأَصْبَحَ لِلهِنْدِيَّةِ البِيضِ مَرْتَعا
فتىً كُلَّما ارْتادَ الشُّجاعُ مِن الرَّدَىمَفَرّاً غَداةَ المَأْزِقِ ارْتادَ مصْرَعا
إذا ساءَ يَوْماً في الكَرِيهَةِ مَنْظرٌ ... تَصَلاَّهُ، عِلْماً أَنْ سيَحْسُنُ مَسْمَعا
وقالت ماوِيَّة بنت الأحَتّ في بَنَيها
هَوَتْ أُمُّهُمْ ماذا بِهِمْ يومَ صُرِّعُوا ... بِجَيْشانَ مِن أَوْتادِ مُلْكٍ تَهَدَّما
أَبَوْا أَنْ يَفِرُّوا والَقنا في نُحُورِهِمْوأَنْ يَرْتَقُوا مِن خَشْيَةِ المَوْتِ سُلَّما
ولَوْ أنَّهُمْ فَرُّوا لَكانُوا أَعِزَةً ... ولكنْ رَأَوْا صَبْراً على المَوْتِ أَكْرَما
وقال أبو مُكْنِف أبو سُلْمَى من ولد زُهَيْر بن أبي سُلْمَى
أَبَعْدَ أَبِي العَبّاسِ يُسْتَعْتَبُ الدَّهْرُوما بَعْدَهُ للدّهِر عُتْبَى ولا عُذْرُ
إذا ما أَبو العَبّاسِ خَلَّى مَكانَهُ ... فلا حَمَلَتْ أُنْثَى ولا مَسَّها طُهْرُ
ولا أَمْطَرَت أَرْضاً سَماءٌ، ولا جَرَتْ ... نُجُوُمٌ، ولا لَذَّتْ لِشارِبهِا الخَمْرُ
كَأن بَنِي القَعْقاعِ يومَ وَفاتِهِ ... نُجومُ سَماءٍ خَرَّ مِنْ بَيْنِها البَدْرُ
تُوُفِّيَتِ الآمالُ بَعْدَ انْقِضائِهِ ... وأَصْبَحَ في شُغْلِ عن السَّفَرِ السَّفْرُ
وقال أبو تَمَّام حَبِيب بن أُوْس الطّائِي
كذا فَلْيَجِلَّ الخَطْبُ ولْيَفْدَحِ الأَمْرُفَلَيْسَ لِعَيْنٍ لَمْ يَفِضْ ماؤُها عُذْرُ
وما كانَ إلاّ مال مَن قَلّ مالُهُ ... وذُخْراً لمَنْ أَمْسَى وَلْيَس له ذُخْرُ
تُوُفِّيَتْ الآمال بَعْدَ محمد ... وأَصْبَحَ في شُغْلٍ عن السَّفَرِ السَّفْرُ
وما كانَ يَدْرِي المُجْتِدِي جُودِ كَفِّهِ ... إذا ما اسْتَهَلَّتْ أَنَّه خُلِقَ العُسْرُ
ألا في سَبِيل الله مَن عُطِّلَتْ له ... فِجاجُ سَبِيل الله وانْثَغَرُ الثَّغْرُ
فتىً سَلَبَتْهُ الخيْلُ وهُوَ حِمىً لَها ... وَبَزَّتْهُ نارُ الحَرْبِ وهُوَ لها جُمَرُ
فتىً كلّما فاضَتْ عُيُونُ قَبِيلَةٍ ... دَماً ضَحِكَتْ عنه الأَحادِيثُ والذِّكْرُ
فتًى ماتَ بَيْنَ الطَّعْنِ والضَّرْب مِيتَةًتقومُ مَقامَ النَّصْرِ إذْ فاتَهُ النَّصْرُ
وما ماتَ حتّى مات مَضْرِبُ سَيْفِهِ ... مِن الضَّرْبِ واعْتَلَّتْ عليه القَنا السُّمْرُ
وقَدْ كانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلاً فَرَدّهُ ... إليه الحِفاظُ المُرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ
ونَفْسٌ تَخافُ العارَ حتّى كأَنَّهُ ... هو الكُفْرُ يَومَ الرَّوْعِ أَو دُونَه الكُفْرُ
فأَثْبَتَ في مُسْتَنْقَعِ المَوْتِ رِجْلَهُ ... وقال لَها مِن تَحْتِ أَخْمَصِكِ الحَشْرُ
تَرَدَّى ثِيابَ المَوْتِ حُمْراً فما أُتَىلَها الَّليلُ إلا وهْيَ مِن سُنْدُسٍ خُضْرُ
كأَنّ بَنِي نَبْهانَ يومَ وَفاتِهِ ... نُجومُ سماءٍ خَرَّ مِن بَيْنِها البَدْرُ
سَقَى الغَيْثُ غَيْثاً وارَتِ الأَرضُ شَخْصَهُوإِنْ لِمْ يَكُنْ فِيه سَحاب ولا قَطْرُ
وكَيْفَ احْتِمالِي للسَّحابِ صَنِيعَةً ... بإسْقائِها قَبْراً وفِي لَحْدِهِ البَحْر
مَضَى طاهِرَ الأَثْوابِ لَمْ تَبْقَ بُقْعَةٌمِن الأرْضِ إلاّ واشْتَهَتُ أَنّها قَبْرُ
ثَوَى في الثَّرَى مَن كانَ يَحْيا به الثَّرَىويَغْمُرُ صَرْفُ الدَّهْرِ نائِلُهُ الغَمْرُ
أمِنْ بَعْدِ طَيِّ الحادِثاتِ محمداً ... يكُونُ لأثْوابِ النَّدَى أَبَداً نَشْرُ
لَئِنْ غَدَرَتْ في الرَّوْعِ أيّامُهُ بهِ ... فَما زالَتْ الأيَّامُ شِيمَتُها الغَدْرُ
عليكَ سلامُ الله وَقْفاً فإِنَّنِي ... رَأَيْتُ الكَرِيمَ الحُرِّ لَيْسَ له عُمْرُ
وقال عبد السّلام بن رَغْبان دِيك الجِنّ
علي هذه كانتْ تَدُورُ النَّوائِبُ ... وفي كُلِّ جَمْعٍ للذَّهابِ مَذاهِبُ
نَزَلْنا على حُكْمِ الزَّمانِ وأمْرِهِ ... وقَدْ يَقْبَلُ النِّصْفَ الأَلَدُّ المُشاغِبُ
وتَضْحَكُ سِنُّ المَرْء والقَلْبُ عابسٌ ... ويَرْضَى الفَتَى عن دَهْرهِ وهُوَ عاتِبُ
ألا أيُّها الرُكْبانُ والرَّدُّ واجِبٌ ... قِفُوا خَبِّروُنا ما تقولُ النَّوادِبُ
إلى أيِّ فِتْيانِ النَّدَى قَصَدَ الرَّدَى ... وأيَّهُمُ انْتابَتْ حِماهُ النَّوائِبُ
ألاَ يا أَبا العَبَّاسِ كَمْ رُدَّ راغِبٌ ... لِفَقْدِكَ مَلْهُوفاً وكَمْ جُبَّ غارِبُ
ويا قَبْرُ جُدْ كُلَّ القُبُورِ بجُودِهِ ... ففِيكَ سَماءٌ ثَرَّةٌ وسحائِبُ
فإنَّكَ لو تَدْرِي بما فِيكَ مِن عُلاً ... عَلَوْتَ، فَلاَحتْ في ذُراكَ الكَواكِبُ
أخٌ كنتُ تُدْمَى مُهْجَتِي وهُوَ نائمٌ ... حِذارًا، وتَعْمَى مُقْلَتِي وهُوَ غائِبُ
فماتَ فما صَبْرِي على الأجْرِ واقِفاً ... ولا أَنا في عُمْرٍ إلى الله راغِبُ
أَأَسْعَى لأَحْظَى فيك بالأَجْرِ أنَّهُ ... لَسَعْيٌ إِذَنْ مِنِّي إلى الله خائِبُ
وما الإِثْمُ إلاَّ الصَّبْرُ عنكَ وإِنَّما ... عَواقِبُ حَمْدٍ أَنْ تُذَمَّ العواقِبُ
يَقَولُونَ: مِقْدارٌ على الحُرِّ واجِبٌ ... فقلتُ: وإِعْوَالٌ على الحُرِّ واجِبُ
هو القَلْبُ لمَّا حانَ يومُ ابْنِ أُمِّهِ ... وَهَي جانِبٌ مِنْه وخَلِّفَ جانِبُ
فتىً كان مِثْلَ السَّيْفِ مِن حيثُ جِئْتَهُ ... لِنائِبَةٍ نابَتْكَ فهْوَ مُضارِبُ
بَكاكَ أَخٌ لَم تَحْوِهِ بقَرابَةٍ ... بَلَى إِنَّ إخْوانَ الصَّفاءِ أقارِبُ
وَأَظْلَمَتِ الدُّنْيا الَّتي كنتَ جارَها ... كأَنَّكَ للدُّنْيا أَخٌ ومُناسِبُ
يُبَرِّدُ نِيرانُ المَصائِبِ أَنَّنِي ... أَرَى زَمَناً لَمْ تَبْقَ فِيه مَصائِبُ
وقال
أبو ذُؤَيْب خُوَيْلِد بن مُحَرِّثالهُذَلِيّ
عَرَفْتُ الدِّيارَ كَرَقْمِ الدَّوا ... ةِ يَزْبُرُها الكاتِبُ الحِمْيَرِيُّ
على أَطْرِقا بالِياتِ الخِيا ... مِ إلاَّ الثُّمامُ وإلاَّ العِصِيُّ
ولَمْ يَبْقَ مِنْها سِوَى هامِدٍ ... وسَفْعُ الخُدُودِ مَعاً والنُّئِيُّ
وأَنْسَى نُشَيْبَةَ والجاهِلُ ال ... مَغَمَّرُ يَحْسِبُ أَنِّي نَسِيُّ
على حِينَ أَنْ تَمَّ فِيه الثَّلا ... ثُ: حَزْمُ وجُودٌ ولُبٌّ رَخِيُّ
وصَبْرٌ على نائِباتِ الأُمُورِ ... وحِلْمٌ رَزِينٌ وقَلْبٌ ذَكِيُّ
وقال المُتَنَخِّل
مالِك بن غَنْم الهُذَليّ
أٌقولُ لمّا أتانِي النّاعِيانِ به ... لا يَبْعَدِ الرُّمْحُ ذُو النَّصْلَيْنِ والرَّجُلُ
رَبّاءُ شَمَّاءُ لا يَأْوِي لِقُلَّتِها ... إلاَّ السَّحابُ وإلاَّ الأَوْبُ والسَّبَلُ
وَيْلُ اَمِّهِ رَجَلاً تَأْبَى به غَبَناً ... إذا تَجَّردَ لا خالٍ ولا بَخَلُ
السَّالِكُ الثُّغْرَةَ اليَقْظانَ كالِئُهامَشْىَ الهَلُوكِ عَلَيْها الخَيْعَلُ الفُضُلُ
فاذْهَبْ فأَيُّ فَتىً في النَّاسِ أَحْرَزَهُ ... مِن حَتْفِهِ ظُلَمٌ دُعْجٌ ولا جَبَلُ
وقال أبو الهَيْذام
عامِر بن عُمارة المُرِّي
سأَبْكِيكَ بالبِيض الرِّقاقِ وبالقَنا ... فإنَّ بِها ما يُدْرِكُ الماجِدُ الوِتْرا
ولَسْتُ كمَنْ يَبْكِي أَخَاهُ بعَبْرَةٍ ... يُعَصِّرُها مِن جَفْنِ مُقْلَتِهِ عَصْرا
وإِنَّا أناسٌ ما تَفِيضُ دُمُوعُنا ... على هالِكٍ مِنّا وإنْ قَصَمَ الظَّهْرا
وقال عَقِيل بن عُلَّفَة المُرِّي
لِتَغْدُ المَنايا كَيْفَ شاءَتْ فإنَّها ... مُحَلَّلةٌ بَعْدَ الفَتَى ابنِ عَقِيلِ
فتًى كان مَوْلاهُ يَحُلُّ بَنَجْوَةٍ ... فجَلَّ المَوالِي بُعْدَهُ بِمَسِيلِ
طَوِيلُ نِجادِ السَّيْفِ وَهْمٌ كأَنَّما ... يَصُولُ إذا اسْتَنْجَدْتَهُ بِقَبِيلِ
كأَنَّ المَنايا تَبْتَغِي في خِيارِنا ... لَها تِرَةً، أَو تَهْتَدِي بدَلِيلِ
وقال طَرِيف أبو وَهْب العَبْسِيّ
في ابْنِه
لقَدْ شَمِتَ الأَعْداءُ بِي وتَغَيَّرَتْ ... عُيونُ أَراها بَعْدَ مَوْتِ أَبِي عَمْرِو
تَجَرَّى عليّ الدَّهُر لمَّا فَقَدْتُهُ ... ولَوْ كانَ حَيّاً لاَجْتَرَأْتُ على الدَّهْرِ
ألا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، ولَيْتَنِيسَبَقْتُكَ إِذْ كُنَّا إلى غايَةٍ نَجْرِي
وكنتُ به أُكْنَى فأَصْبَحْتُ كُلَّما ... كُنِيتُ به فاضَتْ دُمُوعِي على نَحْرِي
وقَدْ كنتُ ذا نابٍ وظُفْرِ على العِدَى ... فأَصْبَحتُ لا يَخْشُوْنَ نابِي ولا ظُفْرِي
وقاسَمَنِي دَهْرِي بُنَىً مُشاطِرًا ... فلمَّا تَقَضَّى شَطْرُهُ عادَ في شَطْرِي
وقال شُقْران العُذْرِيّ
أَموي الشعر
أجِدَّكَ لَنْ تَزالَ الدَّهْرَ عَيْني ... لَها في إِثْر ذِي ثِقَةٍ سُجُومُ
وإخْوانٍ رُزِئْتُهُمُ فبانُوا ... كما انْقَضَتْ مِن الفَلَكِ النُّجُومُ
وقال
أبو قُحْفانالأعْشَى عامِرِ بن الحارِث بن عَوْف الباهِلِيّ وتُرْوَى للدَّعْجاء ابنةِ المُنْتَشِرِ، وتُرْوَى للَيْلَى بنت وَهْب الباهِلِيّة أخْت المُنْتِشَر
إِنِّي أَتَتْنِي لِسانٌ لا أُسَرُّ بِها ... مِن عَلْوَ، لا عَجَبٌ مِنْها ولا سَخَرُ
فَظَلْتُ مُكْتَئِباً حَرّانَ أَنْدُبُهُ ... وكنتُ أَحْذَرُهُ لو يَنْفَعُ الحَذَرُ
فهاجَتِ النَّفْسُ لمّا جاءَ جَمْعُهُمُ ... وراكِبٌ جاءَ مِن تَثْلِيثَ مُعْتَمِرُ
يَأْتِي على النَّاسِ لا يَلْوِي على أَحَدٍ ... حتَّى الْتَقَيْنا وكانَتْ دُونَنا مُضَرُ
إنّ الذي جِئْتَ مِن عَلْياءَ تَنْدُبُهُ ... مِنْه السَّماحُ ومِنْهُ النَّهْيُ والغِيَرُ
تَنْعَى امْرَءً لا تُغِبُّ الحَيَّ جَفْنَتُهُ ... إذا الكَواكِبُ خَوَّى نَجْمَها المَطَرُ
وتَذْعَرُ البُزْلُ مِنْه حينَ تُبْصِرُهُ ... حتَّى تَقَطَّعَ في أَعْناقِها الجِرَرُ
وراحَتِ الشَّوْلُ مُغْبَرًّا مَناكِبُها ... شُعْثاً تَغَيَّرَ مِنْها النَّيُّ والوَبَرُ
مَنْ لَيْسَ في خَيْرِهِ مَنٌّ يُكَدِّرُهُ ... على الصَّدِيقِ ولا في صَفْوِهِ كَدَرُ
مُهَفْهَفٌ أَهْضَمُ الكَشْحَيْنِ مُنْخَرِقٌعَنْه القَمِيصَ، لسَيْرِ اللَّيلِ مُحْتَقِرُ
أَخُو رَغائِبَ يُعْطِيها ويُسْأَلُها ... يأْبَى الظُّلاَمَةَ مِنْه النَّوْفَلُ الزُّفَرُ
لَمْ تَرَ أَرْضاً ولَمْ تَسْمَعْ بساكِنِها ... إلاَّ بِها مِن بوادِي وَقْعِهِ أثَرُ
ولَيْسَ فِيه إذا اسْتَنْظَرْتَهُ عَجَلٌ ... ولَيْس مِنْه إذا ياسَرْتَهُ عَسَرُ
لا يُعْجِلُ القَوْمَ أَنْ تُغْلِي مَراجِلُهُمْويُدْلِجُ اللَّيْلَ حتَّى يَفْسُحَ البَصَرُ
عَلْيه أَوَّلُ زادِ القَوْمِ إِنْ رَحَلُوا ... ثُم المَطِيُّ إذا ما أَرْمَلُوا جُزُرُ
لا تَأْمَنُ البازِلُ الكَوْماءُ ضَرْبَتَهُ ... بالمَشْرَفِيَّ إذا ما اخْرَوَّطَ السَّفَرُ
لاَ يأْمَنُ القَوْمُ مُمْساهُ ومُصْبَحَهُمِنْ كُلِّ أَوْبٍ، وإنْ لَمْ يَغْزُ يُنْتَظَرُ
لا يَتَأَرَّى لِما في القِدْرِ يَرْقُبُهُ ... ولا يَزالُ أَمامَ القَومِ يَقْتَفِرُ
لا يَغْمِزُ السَّاقَ مِن أَيْنَ ولا وَصَبٍ ... ولا يَعَضُّ على شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ
تَكْفِيهِ قِطْعَةُ فِلْذٍ إِنْ أَلَمَّ بِها ... مِن الشِّواءِ ويُرْوِي، شُرْبَهُ الغُمَرُ
لا يَصْعُبُ الأَمْرُ إِلاَّ رَيْثُ يَرْكَبُهُوكلَّ شَيْءٍ سِوَى الفَحْشاءِ يَأْتَمِرُ
مِردَى حُرُوبٍ ونُورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ ... كما أَضاءَ سوادَ الطَّخْيَةِ القَمَرُ
طاوِي المَصِير، على العَزّاءِ مُنْجَرِدٌ ... بالقَومِ لَيْلَةَ لا ماءٌ ولا شَجَرُ
إِنْ تَقْتُلُوهُ فقَدْ أَشْجاكُمُ حِقَباًكذلَكَ الرُّمْحُ بَعْدَ الطَّعْنِ يَنْكَسِرُ
فإنْ جَزِعْنا فِمثْلُ الخَطْبِ أَجْزَعَنا ... وإنْ صَبَرْنا فإِنَّا مَعْشَرٌ صُبُرُ
إِمَّا سَلَكْتَ سَبِيلاً أَنتَ سالِكُها ... فاذْهَبْ فلا يُبْعِدَنْكَ اللهُ مُنْتَشِرُ
إِمَّا عَلاكَ عَدُوٌّ في مُناوأةٍ ... يوماً فقَدْ كنتَ تَسْتَعْلِي وتَنْتَصِرُ
كَأنَّهُ عِنْدَ صِدْقِ القَوْمِ أَنْفُسَهُمْباليَأْسِ تَلْمَعُ مِن قُدَّامِهِ البُشُرُ
أَصَبْتَ في حَرَمٍ مِنَّا أَخا ثِقَةٍ ... هِنْدَ بن أَسْماءَ، لا يَهْنِيءْ لكَ الظَّفَرُ
وقال الحُطَيْئَة
رثِي عَلْقَمَة بن عُلاثَة الكِلابِيُّ
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الحَيُّ مِن آلِ جَعْفَرِ ... بحَوْرانَ أَمْسَى أَعْلقَتْهُ الحَبائِلُ
لقَدْ غادَرَتْ حَزْماً وجُوداً ونائِلاً ... وحِلْماً أَصِيلاً حالَفْتهُ المَجاهِلُ
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الَمْرءُ لا واهِنُ القُوَى ... ولا هو للمَوْلَى على الدَّهْرِ خاذِلُ
وما كانَ بيْنِي لو لَقِيْتُكَ سالِماً ... وبَيْن الغِنَى إلاّ لَيالٍ قَلائِلُ
فإنْ تَحْيَ لَمْ أَمْلَلْ حياتِي، وإِنْ تَمُتْ ... فَما في حياتِي بَعْدَ مَوْتِكَ طائِلُ
إلى القائِلِ الفَعّالِ عَلْقَمِةِ النَّدَى ... رَحَلَتْ قَلُوصِي تَجْتَوِيها المَناهلُ
وقال خَلفَ بن خَلِيفَة الباهليّ
أموي الشعر
أُعاتِبُ نَفْسِي أَنْ تَبَسَّمْتُ خالِياً ... وقَدْ يَضْحَكُ المَوْتُورُ وهُوَ حَزِينُوبالدير أشجاني وكم من شج له ... دوين المصلى بالبقيع شجون
رُبىً حَوْلَه أَمْثالُها، إِنْ أَتَيْتَها ... قَرَيْنَك أَشْجاناً وهُنَّ سُكُونُ
كَفَى الهَجْر أَنّا لَمْ يَضِحْ لكَ أَمْرُنا ... ولَمْ يَأْتِنا عمَّا لَدَيْكَ يَقِينُ
وقال عبد الملك بن عبد الرَّحيم الحارِثي
وإِنِّي لأَرْبابِ القُبُور لَغابِطٌ ... بِسُكْنَى سَعِيدٍ بَيْنَ أَهْلِ المقَابِرِ
وإِنِّي لَمْفُجوعٌ به إذ تَكاثَرَتْ ... عُداتِي فلَمْ أَهْتِفْ سِواهُ بناصِرِ
فكنتُ كمَغْلُوبٍ على نَصْلِ سَيْفِه ... وقَدْ حَزَّ فيه نَصْلُ حَرَّانَ ثائِرِ
أَتَيْناهُ زُوّاراً فأَمْجَدَنا قِرىً ... مِن البَثِّ والدَّاءِ الدَّخِيلِ المَخامِرِ
وأَبْنا بَزرْعٍ قد نَما في صُدُورِنا ... مِن الوَجْد يُسْقَى بالدُّمُوعِ البَوادِرِ
ولمَّا حَضَرْنا لاِقْتِسامِ تُراثِهِ ... أَصَبْنا عَظِيماتِ اللُّهَى والمَآثِرِ
وأَسْمَعَنا بالصَّمْتِ رَجْعَ حَدِيثِهِ ... فأَبِلْغِ به مِن ناطِقٍ لَمْ يُحاوِرِ
وقال سَلَمَة بن يَزِيد بن مُجَمِّع
الجُعْفِي
أقولُ لَنفْسِي في الخَلاَءِ أَلُومُها: ... لكِ الويْلُ ما هذا التَّجَلُّدُ والصَّبْرُ
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنْ لَسْتُ ما عِشْتُ لاقِياًأخي إذْ أَتَى مِن دُونِ أُوْصالِهِ القَبْرُ
وكنتُ أَرَى كالمَوْتِ مِن بَيْنِ لَيْلَةٍ ... فكيْفَ بِبَيْنٍ كان مِيعادَهُ الحَشْرُ
وَهوَّنَ وَجْدِي أَنَّني سَوْفَ أَغْتَدِيعلى إِثْرِهِ يَوْماً، وإِنْ نُفِّسَ العُمْرُ
فتىً كان يُعْطِي السِّيْفَ في الرَّوْعِ حَقَّهُإذا ثَوَّب الدَّاعِي، وتَشْقَى به الجُزْرُ
فتىً كان يُدْنِيهِ الغِنَى مِن صَديقهِ ... إذا ما هو اسْتَغْنَى ويُبْعِدُهُ الفَقْرُ
وقال مَرْوان بن أبِي حَفْصَة
لقَدْ أَصْبَحَتْ تَخْتالُ في كُلِّ بَلْدَةٍ ... بقَبْرِ أَمَيرِ المُؤْمِنين المَقابِرُ
أَتَتْهُ التي ابْتَزَّتْ سُلَيْمانَ مُلْكَهُوأَلْوَتْ بِذِي القَرْنَيْنِ مِنْها الدَّوابِرُ
أتَتْهُ فغالَتْهُ المَنايا، وعَدْلُهُ ... ومَعْرُوفُهُ في الشَّرْقِ والغَرْبِ ظاهِرُ
ولُوْ كان تَجْرِيدُ السُّيوفِ يَرُدُّها ... ثَنَتْ حَدَّها عَنْه السُّيوفُ البواتِرُ
بأَيْدٍ تُعْطَى الصَّوارِمُ حَقَّها ... وتُرْوَى لَدَى الرَّوْعِ الرِّماحُ الشَّواجِرُ
وقالت امرأةٌ من بَلْحَرِث بن كَعْب
فارِساً ما غادَرُوهُ مُلْحَماً ... غَيْرَ زُمَّيْلٍ ولا نِكْسٍ وَكَلْ
لو يَشَأْ طارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍ ... لاحِقُ الآطال نَهْدٌ ذوُ خُصَلْ
غَيْرَ أَنَّ البَأْسَ مِنْه شِيمَةٌ ... وصُرُوفُ الدَّهْرِ تَجْرِي بالأجَلْ
وقال عَبْد الأَعْلى بن كُناسَة المازِنِيّ
أَبْعَدْتَ مِن يَوْمِكَ الفِرارُ فما ... جاوَزْتَ حيثُ انْتَهَى بكَ القَدَرُ
لَوَ كان يُنْجِي مِن الرَّدَى حَذَرٌ ... نَجَّاكَ مِمْا أَصابَكَ الحَذَرُ
يَرْحَمُكَ الله مِن أخِي ثِقَةٍ ... لَمْ يكُ في صَفْوِ وُدِّهِ كَدَرُ
فهَكذا يَذْهَبُ الزَّمانُ ويَفْ ... نَى العِلْمُ فِيه ويَدْرُسُ الأَثَرُ
وقال
إذا ما امرؤٌ أَثْنَى بآلاءٍ مَيِّتٍ ... فلا يُبْعِدُ الله الوَلِيدَ بنَ أَدْهَمافما كان مِفْراحا إذا الخَيْرُ مَسَّهُ ... ولا كانَ مَنّاناَ إذا هو أَنْعَما
لَعَمْرُكَ ما وارَى التُّرابُ فَعالَهُ ... ولكنَّه وارَى ثِياباً وأَعْظُما
وقال النَّابِغَة الذُّبْيانِيّ
فإنْ يَهْلِكْ أبو قابُوسَ يَهْلِكْ ... رَبِيعُ النّاسِ والشَّهْرُ الحَرامُ
ونَأْخُذْ بَعْدَهُ بذِنابِ عَيْشٍ ... أَجَبِّ بالظَّهْرِ لَيْس له سَنامُ
وقال محمد بن بَشير بن خارِجَة
العَدْوانِيّ، وتُرْوى لأبِي البَلْهَاء عُمِيْر بن عامِر، مولى يَزِيد بن مَزْيَد
نِعْمَ الفَتَى فَجَعتْ به إِخْوانَهُ ... يَوْمَ البَقِيع حوادِثُ الأَيّامِ
سَهْلُ الفِناءِ إذا حَلَلْتَ بِبابِه ... طَلْقُ اليَدَيْنِ مُؤَدَّبُ الخُدّامِ
وإذا رَأَيْتَ خَلِيلَهُ وشَقِيقَهُ ... لَمْ تَدْرِ أَيُّهما أَخُو الأَرْحامِ
وقال
حاطِب بن قَيْسسلامٌ على القَبْرِ الذي ضَمَّ أَعْظُماً ... تَحُومُ المعالي حَوْلَهُ فَتُسَلَّمُ
سلامٌ عَلَيْهِ كُلَّما ذَرَّ شارِقٌ ... وما امْتَدَّ قِطْعٌ مِن دُجَى اللَّيلِ مُظْلِمُ
فيا قَبْرَ عَمْروٍ جادَ أَرْضاً تَعَطَّفَتْ ... عليك مُلِثٌّ دائِمُ القَطَّرِ مُرْزِمُ
تَضَمَّنْتَ جِسْماً طابَ حَيًا ومَيِّتاً ... فأَنتَ بِما ضُمِّنْتَ في الأَرْضِ مُعْلَمُ
فلا يُبْعِدَنْكَ الله يا عَمْرُو هالِكاً ... فقَدْ كنتَ نُورَ الخَطْبِ والخَطْبِ مظْلِمُ
وقال الرَّبِيع بن زياد العَبْسِيّ
جاهلي
إِنِّي أَرِقْتُ فَلْم أُغَمِّضْ حارِ ... مِن سَيِّئِ النَّبإ الجَلِيلِ السَّارِيمِن مِثْلِهِ تُمْسِي النِّساءُ حَواسِراً ... وتَقُومُ مُعُوِلَةً مع الأسْحارِ
أفَبعْدَ مَقْتَلِ مالِكِ بنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النِّساءُ عَواقِبَ الأَطْهارِ
ما إِن أَرَى في قَتْلِهِ لِذَوِي النُّهَى ... إلاَّ المَطِيَّ تُشَدُّ بالأَكْوارِ
مَن كان مَسْرُوراً بمَقْتَلِ مالِكٍ ... فَلْيَأتِ نِسْوَتَنا بوَجْهِ نَهارِ
يَجِدِ النِّساءَ حَواسِراً يَنْدُبْنَهُ ... بالصُّبْحِ قَبْلَ تَبَلُّجِ الأَسْحارِ
قد كُنَّ يَخْبَأْنَ الوُجُوهَ تَسَتُّراً ... فاليومَ حينَ بَدَوْنَ للنُّظَّارِ
يَضْرِبْنَ حُرَّ وُجُوهِهِنَّ على فتىً ... عَفِّ الشَّمائِلِ طَيِّبِ الأَخْبارِ
وقال عكرشة العبسي
وكان قد خرج إلى الشام فهلك بنوه بالطاعون
سَقَى اللهُ أجْداثاً وَرائِي تَرَكْتُها ... بحاضِرِ قِنِّسْرِينَ مِن سَبَلِ القَطْرِمَضَوْا لا يُرِيدُونَ الرَّواحَ، وغالَهُمْ ... مِن الدَّهْرِ أَسْبابٌ جَرَيْنَ على قَدْرِ
لَعَمْرِي لَقَدْ وارَتْ وضَمَّتْ قُبُورُهُمْأَكُفَّا شِدادَ القَبْضِ بالأَسَلِ السُّمْرِ
ولَوْ يَسْتَطِيعُون الرَّواحَ تَرَوَّحُوا ... مَعِي، وغَدَوْا في المَصْبِحِينَ على ظَهْرِ
غَطَارِفَةٌ زُهْرٌ مَضَوْا لِسَبِيلهِمْ ... فَلهْفِي على تلكَ الغَطارِفَةِ الزُّهْرِ
أَبَعْدَ بَنِّي الدَّهْرَ أَرْجُو غَضَارَةًمِن العَيْشِ أو آسَى لِما فاتَ مِن عُمْرِي
يُذَكِّرُنِيهِمِ كُلُّ خَيْرٍ رَأْيْتُهُ ... وَشَرُّ، فما أَنْفَكُّ مِنْهُمْ على ذُكْرِ
وآخِرُ عَهْدٍ منكَ يا شَغْبُ شَمَّةٌ ... بِشَرْحَ وَداعاً والمَطِيُّ بِنا تَسْرِي
فكانَ وَداعاً لا تَلاقِيَ بَعْدَهُ ... بَعِيداً إلى يومِ القِيامَةِ والحَشْرِ
وأَبْدَى لِيَ الشَّحْناءَ مَنْ كان مَخْفِياً ... عَداوَتَهُ لمَّا تَغَيَّبَ في القَبْرِ
وقال مُرَّة بن مالِك الغُذْرِيّ
وباكيَةٍ تُبْكِي عَدِيًّا، وإنَّما ... نَثَتْ لِيَ أَحْزاناً فَثابَ عُرامُها
قُبُورٌ تحاماها الجُيُوشُ مَهابَةً ... وخَوْفاً وإنْ لَمْ يَبْدُ إلاّ رِماقُها
إذا ذَكَرَ الأَعْداءُ وَقْعَ سُيُوفِها ... وطَعْنَ قَناها لَمْ يُطِعْها مَنامُها
تَفانُوْا فَلَمْ يَبْقَوْا، وكُلُّ قَبِيلَةٍ ... سَرِيعٍ إلى وِرْدِ الحِمام كِرامُها
وقال عَدِيّ بن رَبِيعَة
جاهلي، يَرْثِي أخاه مُهَلْهِلا
ضَرَبَتْ صَدْرَها إليّ وقالتْ ... يا عَدِيٌّ لَقَدْ وَقَتْكَ الأَواقِي
ما أُرَجِّي في العَيْشِ بَعْدَ نَدامَى ... قد أَراهُمْ سُقُوا بِكأْسِ حَلاقِ
إنَّ تَحْتَ الأَحْجارِ حَزْماً وعَزْماً ... وخَصِيماً أَلَدَّ ذا مِغْلاقِ
حَيَّةٌ في الوِجارِ أَرْبَدُ لا يَنْ ... فَعُ مِنْه السَّلِيمَ نَفْثَهُ راقِ
فارِسٌ يَضْرِبُ الكَتِيبَةَ بالسَّيْ ... فِ دِراكاً كَلاعِبِ المِخْراقِ
وقال نَهار بن تَوْسِعَة
ألا ذَهَبَ الغَزْوُ المُقَرِّبُ لِلْغَنى ... وماتَ النَّدَى والحَزْمُ بَعْدُ المُهَلَّبِ
أقاما بِمَرْوِ الرُّوذِ رَهُنَ ضَرِيحَةٍ ... وقَدْ غُيِّبا في كُلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبِ
وقال سَلم الخاسِر
في محمد المَهْدِيّ
بمَوْتِ أميرِ المُؤْمِنينَ محمدٍ ... زَها الموتُ واخْتالَتْ عليه المَقابِرُ
رأيتُ المَنايا يَفْتَخِرْنُ بمُوْتِهِ ... كأَنَّ المَنايا تَبْتَغِي مَن تُفاخِرُ
فَلوْ بَكَتِ الأَيَّامُ مَيْتاً بكَتْ لهُ ... سَوالِفُها والباقيات الغوابِرُ
وما النّاسُ إلاّ للفَناءِ مَصِيرُهُمْ ... لِكلِّ امْرِئٍ مِن يَوْمِهِ ما يُحاذِرُ
وقال
آخر وتُروى لعليّ عليه السّلاملكُلِّ اجْتِماعٍ مِن خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ ... وكُلُّ الذي دُونَ المَمات قَلِيلُ
وإنَّ افْتِقادِي واحِداً بَعْدَ واحِدٍ ... دَلِيلٌ على أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ
وقال
كَعْب بن جُعَيْلأموي الشعر
برابِيَةِ الثَّرْثارِ قَبْرٌ تُرابُهُ ... يضُمُّ الغَمامَ الجَوْدَ والشَّمسَ والبَدْرارَأَتْ تَغْلِبُ العَلْياءُ عِنَد مُصابِهِ ... عُيُونَ الأَعادِي نَحْوَ أَعْيُنِها خُزْرا
وَودَّتْ نُجُومُ الجَوِّ يَوم حَمَلْنَهُ ... على النَّعْشِ لو كانتْ بِأَجْمَعِها قَبْرا
مُنافَسَةُ مِنْها عَلَيْهِ وضِنَّةً ... على التُّرْبِ أَنْ يَحْوِي المَآثِرَ والفَخْرا
وما بَخِلَتْ عَيْناي بالدَّمْعِ بَعْدَهُ ... على هالَكٍ إلاّ ذَكَرْتُ لها عَمْرا
فتَسْمَحُ لِي بالدَّمْعِ حُزْناً لِذِكْرِهِ ... وتَبْعَثُ مِنْه لا بَكِيًّا ولا نَزْرا
وقال ابنُ أم حَزْنَة
واسمه ثَعْلَبَة بن حَزْن بن زَيْد مَناة، إسلامِي، ورواها الخالِدِيّان لمالك بن نُوَيْرَة وليست له
أَلُومُ النَّائِباتِ مِن اللَّيالي ... وما تَدْرِي اللَّيالِي مَن أَلُومُ
وكان أخِي زَعِيمَ بَنِي تَمِيمٍ ... وكُلُّ قَبِيلةٍ فَلها زَعِيمُ
وكَان إذا الشَّدائِدُ أَرْهَقَتْنِي ... يَقُومُ بها وأَقْعُدُ لا أَقُومُ
وقال عُمارَة بن عَقِيل
رَحِم الله خَالِداً فلَقَدْ ما ... تَ حِمِيداً وعاشَ ذا إِفْضالِ
لَمْ يَمُتْ مُوسِراً مِن المالِ ولكنْ ... مُوسِراً مِن مَحامِدٍ وفَعالِ
وقال الضَّحاك بن عُقَيْل
دِيارٌ أَقْفَرَتْ من بَعْدِ قَوْمٍ ... بِهِمْ يُسْتَمْطَرُ البَلَدُ المَحُولُ
وَرِثْناهُمْ مَنازِلَهُمْ فزالَوا ... وأَيُّ نَعِيمِ دُنْيا لا يَزُولُ
وقال
آخر
عافُوا حِياضَ المَوْتِ فاخْتَلَجَتْهُمُ ... حِياضَ المَنايا عن لَئِيمِ المشَارِبِفماتُوا جَميعاً خَشْيَةَ العارِ وابْتَنُوْا ... مَكارِمَ ناطُوا عِزَّها بالكَواكِب
شَرَوْا أَنْفُساً قَدِيماً أَضِنَّةً ... بِها، طَمَعاً في باقِياتِ العَواقِبِ
وَأَضْحُوْا وهُمْ سَنُّوا الوَفاءَ وأَوْرَثُوا ... مَوارِيثَ مَجْدٍ ذِكْرُها غَيْرُ ذاهِب
وقال العَطَمّش الضَّبّى
سَقَى الله قَبْراً كنتِ رَوْضَةَ عَيْشِهِوجَنَّتَهُ، كَيْفَ اسْتَبَدَّ بِكِ الدَّهْرُ
لقَدْ كنتِ عن لَحْظِ العُيُونِ رَقِيقَةًيُؤَثِّرُ فِيكِ اللَّحْظُ والنَّظَرُ الشَّزْرُ
جَمِيلٌ وحَقِّ الله في مِثْلِكِ البُكا ... وأَجْمَلُ لِي مِنْهُ التَجَلُّدُ والصَّبْرُ
فإِنْ صَبَرَتْ نَفْسِي فذلكَ شِيمتِي ... وإِنْ جَزِعَتْ يوماً فأنِت لها عُذْرُ
وقال تُوْبَة بن مُضَرِّس العُذْرِي
رَأَتْ إِخْوتِي بَعْدَ اجتِماعٍ تَفَرَّقُوا ... فَلمْ يَبْقَ إلاَّ واحِدٌ مِنْهُمُ فَرْدُ
تقَسَّمَهُمْ رَيْبُ المَنُونِ كأَنَّما ... على الدَّهْرِ فِيهمْ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ عَهْدُ
وقال
آخر
فما تَقْشَعِرُّ الأَرضُ إِنْ نَزَلُوا بِها ... ولكنَّها تَزْهُو بِهِمْ وتَطيبُأصابَ الحَيا تلكَ القُبُورَ وشُقِّقَتْ ... عَلَيْهِنَّ مِنْ غُرِّ السَّحابِ جُيُوبُ
وقال أبو عَطاءَ السِّنْدِيّ
في نَصْر بن سَيّار، من مخضرمي الدولتين
فاضَتْ دُمُوعي على نَصْرِ وما ظَلَمَتْ ... عَيْنٌ تَفِيضُ على نَصْرِ بن سَيّارِ
يا نَصْرُ مَن لِلقاءِ الحَرْبِ إِنْ لَقِحَتْ ... يا نَصْرُ بَعْدَكَ أَو للضَيْفِ والجارِ
الخِنْدِفِيُّ الذي يَحْمِي حَقِيقَتَهُمْ ... في كُلِّ يَوْمٍ مَخُوفِ الشَّيْنِ والعارِ
والقائد الخيل قبا في أعنتها ... بالقوم حتى يلنى الغار بالغار
مِن كُلِّ أَبْيضَ كالمِصْباحِ مِن مُضَرٍ ... يَجَلُو بسُنَّتِهِ الظَّلْماءَ للسّارِي
ماضٍ على الهَوْلِ مِقْدامٌ إذا اعْتَرَضَتْ ... سُمْرُ الرِّمِاح وولَّى كُلُّ فَرَّارِ
إنْ قالَ قَوْلاً وَفَى بالقَوْلِ مَوْعِدُهُ ... إِنَّ الكِنانِيَّ وافٍ غيرُ غَدّارِ
وقال أُهْبان بن هَمَّام
بن نَضْلَة الأَسَدِي
خَلِيلَيَّ عُوجا إِنَّها حاجَةٌ لَنا ... على قَبْرِ هَمّامٍ سَقَتْهُ الرَّواعِدُ
على قَبْرِ مَنْ يُرْجَى نَداهُ ويُبْتَغَى ... قِراهُ إذا لَمْ يَحْمَدِ الأَرْضَ حامِدُ
كَرِيمُ النَّثا حُلْوُ الشَّمائِلِ بَيْنَهُ ... وبَيْنَ المُزَجَّى نَفْنَفٌ مُتباعِدُ
إذا نازَعَ القَوْمُ الأَحادِيثَ لم يَكُنْ ... عَيِيًّا ولا عِبْئاً على مَنْ يُقاعِدُ
وَضَعْنا الفَتَى كُلَّ الفَتَى في حَفِيرَةٍ ... بِحُرِّينَ قد ناحَتْ عليهِ العَوائِدُ
صَرِيعاً كنَصْلِ السِّيْفِ تَضْرِبُ حَوْلَهُ ... تَرائِبَهُنَّ المُعْوِلاتُ الفَواقِدُ
وقال الفَضْل بن عبد الصَّمَد
الرَّقاشِيّ في جَعْفَر بن يَحْيَى البَرْمَكِيّ
أما والله لَوْلا خَوْفُ واشٍ ... وعَيْنٌ للخَلِيفَةِ لا تَنامُ
لَطُفْنَا حَوْلَ جِذْعِكَ واسْتَلَمْنا ... كما للنّاس للحَجَرِ اسْتِلامُ
فما أَبْصَرْتُ بَعْدَكَ يا ابْنَ يَحْيَى ... حُساماً قَدَّهُ السَّيْفُ الحُسامُ
على المَعْرُوفِ والدُّنْيا جَمِيعاً ... ودَوْلَةِ آلِ بَرْمَكٍ السّلامُ
وقال أَوْس بنَ حَجَر التَّمِيمي
جاهلي
أَيَّتُها النَّفْسُ أَجْمِلي جَزَعاً ... إِنَّ الذي تَحْذَرِينَ قد وَقَعاإنّ الذي جَمَّعَ السَّماحَةَ والنَّ ... جَدَةَ والبَأْسَ والنَّدَى جُمَعا
الأَلْمَعِيُّ الذي يَظُنُّ بِكَ الظَّ ... نَّ كأنْ قد رَأَى وقَدْ سَمِعا
وقال مُسْلِم بن الوَلِيد الأَنْصاري
وإِنِّي وإِسْماعِيلَ يومَ وَفاتِهِ ... لَكَالجَفْنِ يَوْمَ الرَّوْعِ فارَقَهُ النَّصْلُ
يُذَكِّرُنِكُ الجُودُ والفَضْلُ والحِجَى ... وقِيلُ الخَنا والحِلْمُ والعِلْمُ والجَهُلُ
فَأَلْقاكَ في مَذْمُومِها مَتَنَزِّهاً ... وأَلْقاكَ في مَحْمُودِها ولكَ الفَضْلُ
وأَحْمَدُ مِن أَخْلاقِكَ البُخْلُ، إنَّهُ ... بِعِرْضِكَ لا بالمالِ حاشَا لكَ البُخْلُ
؟
وقال
مُرّة بن مُنْقِذ التَّنُوخِيّويُرْوَى لمُقَرَّب التَّنوخي
جَسُورٌ لا يُرَوَّعُ عندَ هَمٍّ ... ولا يَثْنِي عَزِيَمتَهُ اتِّقاءُ
حَلِيمٌ في شَراستِهِ إذا ما ... حُبا الحُلَماءِ أَطْلَقَها المِراءُ
فإِنْ تكُنِ المَنِيَّةُ أَقْصَدَتْهُ ... وحُمَّ عليه بالتَّلَفِ القَضاءُ
فقَدْ أَوْدَى به كَرَمٌ ومَجْدٌ ... وعُوْدٌ بالمَكارِمِ وابْتِداءُ
وقال عَدِيّ بن الرِّقاع العامِلِي
يخاطِبُ مَنازِلَ قَوْمِه
فسُقِيتِ مِن دارٍ وإِنْ لَمْ تَسْمَعِي ... أصْواتَنا صَوْبَ الغَمامِ المُسْبِلِ
ورُعِيتِ مِن دارٍ وإِنْ لَمْ تَنْطِقِي ... بِجَوابِ حاجَتِنا وإنْ لَمْ تُعْقِلِي
قد كانَ أَهْلُكِ بُرْهَةً لَكِ زِينَةً ... فَتَبَّدلُوا بَدَلاً ولَمْ تَسْتَبْدِلي
فابْكِي إذا بَكَتِ المَنازِلُ أَهْلَها ... مَعْذُورَةً، وظَلَمْتِ إِنْ لَمْ تَفْعَلِي
وقال رجل من بني تَمِيم
ولَوْ لمْ يُفارِقْنِي عَطِيَّةُ لم أَهُنْ ... ولَمْ أُعْطِ أَعْدائِي الذي كنتُ أَمْنَعُ
شُجاعٌ إذا لاقَى، ورامٍ إذا رَمَى، ... وهادٍ إذا ما أَظْلَمَ اللَّيلُ مِصْدَعُ
سَأَبْكِيكَ حتَّى تُنْفِدَ العَيْنُ ماءَها ... ويَشْفِىَ مِنِّي الدَّمْعُ ما أَتَوَجَّعُ
وقال الفَرَذْدَق
أَلَمْ تَرَ أَنِّي يومَ جَوِّ سُوَيْقَةٍ ... بكَيْتُ، فنادَتْنِي هُنَيْدَةُ مالِيا
فقلتُ لها: إِنَّ البُكاءَ لرَاحَةٌ ... به يَشْتَفِي مَنْ ظَنَّ أَنْ لا تَلاقِيا
وقال آخر
أَمِنْتُ شَبا الزَّمانِ فما أُبالِي ... أَيَعْدِلُ بَعْدَ يَوْمِك أَمْ يَجورُوكنتَ سُرُورَ قَلْبِي والمُرَجِّي ... فلمَّا مُتَّ فارَقَنِي السُّرُورُ
وقال الصِّينِيّ
لمَّا مَضَتْ قَبْلَهُ اللَّيالِي ... وأَحْدَثَتْ بَعْدَهُ أُمُورُ
واعْتَضْتُ باليَأْسِ عنه صَبْراً ... فاعْتَدَلَ الحُزْنُ والسُّرُورُ
فَلسْتُ أَخْشَى ولا أُبالِي ... ما فَعَلَتْ بَعْدَكَ الدُّهُورُ
فَلْيَجْهَدِ الدَّهرُ في مَساتِي ... فما عَسَى جُهْدُهُ يَصِيرُ
وله في طاهِر بن الحُسَيْن
وقُوفُكَ تحتَ ظِلالِ السُّيوفِ ... أَقَرَّ الخِلافَةَ في دارِها
كأَنَّك مُطَّلِعُ في القُلُوبِ ... إذا ما تَناجَتْ بِأَسْرارها
فَكَّراتُ طَرْفِكَ مُرْتَدَّةٌ ... إليكَ بِغامِضِ أَخْبارِها
وفِي راحَتَيْكَ الرَّدَى والنَّدَى ... وكِلْتاهُما طُوْعُ مُمْتارِها
وأَقْضِيةُ اللهِ مُحْتُومةٌ ... وأَنتَ مُنَفِّذُ أَقْدارِها
وقال عِكْرِشَة أَبو الشَّغْب
في وَلَدِه
قد كان شَغْبٌ لَوَ أَنَّ الله عَمَّرَهُ ... عِزًّ تُزادُ به في عِزِّها مُضَرُ
لَيْتَ الجِبالَ تَداعَتْ يَوْمَ مَصْرَعِهِ ... دَكًّا فلَمْ يَبْقَ مِن أَحْجارِها حَجَرُ
فارَقْتُ شَغْباً وقَدْ قَوَّسْتُ مِن كِبَرٍبِئْسَ الحَلِيفانِ: طُولُ الحُزْنِ والكِبُر
وقال آخر
لا يُبْعِدِ الله أَقْواماً رُزِئْتُهُمُ ... بانُوا لِوقْتِ مَناياهُمْ وقَدْ بَعُدُواأَضْحَتْ قُبُورُهُمُ شَتَّى وَيَجْمَعُهُمْ ... حَوْضُ المَنايا وَلمْ يَجْمَعْهُمُ بَلَدُ
رَعَوْا مِن المَجْدِ أَكْنافاً إلى أَجَلٍ ... حتّى إذا بَلَغَتْ أَظْماؤُهُمْ وَرَدُوا
كانَتْ لَهُمْ هِمَمٌ فَرَّقْنَ بَيْنَهُمُ ... إذا القَعادِيدُ عن أَمْثالِها قَعُدُوا
بَذْلُ الجَمِيلِ وتَفْرِيجُ الجَلِيل وإعْ ... طاءُ الجَزِيلِ إذا لَمْ يُعْطِهِ أَحَدُ
وقال حارِثَة بن بَدْر
في زياد بن أَبيه
صَلَّى الإِلهُ على قَبْرٍ وطَهَّرَهُ ... عِنْدَ الثَّوِيَّةِ يُسْفَى فَوْقَهُ المُورُ
رَمَتْ إليه قُرَيْشٌ نَعْشَ سَيِّدِها ... فَثمَّ كُلُّ التُّقَى والبِرِّ مَقْبُورُ
قد كان عِنْدَكَ بالمَعْرُوفِ مَعْرِفَةٌ ... وكانَ عندَكَ للنَّكْراء تَنْكيرُ
وكنتَ تُغْشَى وتُعْطِي المالَ مِن سَعَةٍ ... الآنَ بَيْتُكَ أَضْحَى وهُوَ مَهْجُورُ
النّاسُ بَعْدَكَ قد خَفَّتْ حُلُومُهُمُ ... كأَنَّما نَفَخَتْ فِيها الأَعاصِيرُ
وقالت امرأةٌ في زَوْجِها
لَعَمْرِي وما عَمْرِي عليَّ بهَيِّنِ ... لَنِعْمَ الفَتَى غادَرْتُمُ آلَ خَثْعَما
وكانَ إذا ما أَوْرَدَ الخَيْلَ بِيشَةً ... إلى جَنْبِ أَشْراحِ أَناخَ فَأَلْجَما
فَأَرْسَلَها رَهْواً رِعالاً كأَنَّها ... جَرادٌ زَفَتْهُ رِيحُ نَجْدٍ فأَتْهَما
وقالت امرأةُ في أخِيها
هل خَبَّرَ القَبْرُ سائِليهِ ... أَمْ قَرَّ عَيْناً بِزائِرِيهِ
أَمْ هل تَراهُ أَحاطَ عِلْماً ... بالجَسَدِ المُسْتَكِنِّ فِيهِ
لو يَعْلَمُ القَبْرُ ما يُوارِي ... تاهَ على كُلِّ ما يَلِيهِ
يا مَوْتُ لو تَقْبَلُ افْتِداءً ... كنتُ بنَفْسِي سأَفْتَدِيهِ
أَنْعَى بُرَيْداً إلى حُرُوبٍ ... تَحْسِرُ عن مَنْظَرِ كَرِيةِ
يا جَبَلاً كان ذا امْتِناعٍ ... ورُكْنَ عِزِّ لآِهِلِيهِ
ويا مَرِيضاً على فِراشٍ ... تُؤْذِيهِ أَيْدِي مُمَرِّضِيهِ
ويا صَبُوراً على بلاءٍ ... كانَ به الله يَبْتَلِيهِ
ذَهَبْت يا مَوْتُ بابنِ أُمِّي ... بالسَّيِّدِ الفاضِل النَّبِيهِ
تَحْلُو نَعَمْ عِنْدَه سَماحاً ... ولَمْ يَقُلْ قَطُّ لا بِفِيهِ
يا مَوْتُ ماذا أَردْتَ مِنِّي ... حَقَّقْتَ ما كنتُ أَتَّقِيهِ
دَهْراً رَمانِي بفَقْدِ إِلْفِي ... أَذُمُّ دَهْرِي وأَشْتَكِيهِ
آمَنَكَ الله كُلَّ رَوْعٍ ... وكُلَّ ما كُنْتَ تَتَّقِيهِ
وقالت امرأةُ مِن بَنِي عُذْرَةَ
لَقدْ غادَرَ الرَّكْبُ اليَمانُونَ خَلْفَهُمْشَدِيدَ نِياطِ القَلْبِ ذا مِرَّةٍ شَزْرِ
تَرَى خَيْرَهُ في السَّهْلِ لا حَزْنَ بُعْدَهُإذا كانَ بَعْضُ الخَيْرِ في جَبَلٍ وَعْرِ
وقال آخر
فإنْ يَكُنِ الفِراقُ عَدا عَلَيْنا ... فَفاقَمَ شَعْبَنا بَعْدَ اتِّفاقِفكُلُّ هَوىً يَصِيرُ إلى انْقِضاءٍ ... كما صارَ الهِلالُ إلى مَحاقِ
فإنْ تَكُ قد نَأَتْ ونَأَيْتُ عَنْها ... وَفرَّق بَيْنَنا حَدَثُ الشِّقاقِ
فكُلُّ قَرِينَةِ وقَرِينِ إِلْفٍ ... مَصِيرُهُما إلى أَمَدِ الفِراقِ
وقال آخر
وكنتُ مُجاوِراً لَبَنِي سَعِيدٍ ... فَأَفْقَدَنِيهُمُ رَيْبُ الزَّمانِفلمَّا أَنْ فَقَدْتُ بَنِي سَعيدٍ ... فَقدْتُ الوُدَّ إلاَّ باللِّسانِ
وقال لَبِيد بن رَبِيعَة العامِرِيّ
يا أَرْبَدَ الخَيْرِ الكَرِيمَ جُدُودُهُ ... أَفْرَدْتَني أَمْشِي بقَرْنٍ أَعْضَبِ
إنَّ الرَّزِيَّةَ لا رَزِيَّةَ مِثْلَها ... فِقْدانُ كُلِّ أَخٍ كَضَوْءِ الكَوْكَبِ
ذَهَبَ الذين يُعاشُ في أَكْنافِهِمْ ... وَبقِيتُ في خَلْفٍ كجِلْدِ الأَجْرَبِ
يَتَأَكَّلُونَ مَغالَةً وخِيانَةً ... ويُعابُ قائلُهُمْ وإِنْ لَمْ يَشْغَبِ
وقال أيضا
ًلَعَمْرِي إذا كانَ المُخبِّرُ صادِقاً ... لقَدْ رُزِئَتْ في حادِثِ الدَّهْرِ جَعْفَرُ
أَخاً لي، أَمَّا كُلَّ شَيْءٍ سَأَلْتَهُ ... فيُعْطِي، وأَمّا كُلَّ ذَنْبٍ فَيغْفِرُ
فإنْ يَكُ نُوْءٌ مِن سَحابٍ أصابَهُ ... فَقدْ كانَ يَعْلُو كُلَّ قِرْنٍ ويَظْفَرُ
وقال كُثَيِّر بن أبِي جُمْعَة المُلَحِيّ
عَدانِي أَنْ أَزْورَكَ غَيْرَ بُغْضِ ... مَقامُكَ بَيْنَ مُصْفَحَةٍ شِدادِ
فلا تَبْعَدْ فُكلُّ فَتىً سيَأْتِي ... عليه المَوْتُ يَطْرُقُ أو يُغادِي
وكُلُّ ذَخِيرَةٍ لا بُدَّ يَوْماً ... وِإنْ بَقِيتْ تَصِيرُ إلى نَفادِ
فَلْو فُودِيتَ مِن حَدَثِ اللَّيالِي ... فَدَيْتُكَ بالطَّرِيفِ وبالتِّلادِ
وقال عَتِيك بن قَيْس
بِرُغْمِ العُلَى والجُودِ والمَجْدِ والنَّدَى ... طَواكَ الرَّدَى، يا خَيْرَ حافٍ وفاعِلِ
لقَدْ غالَ صَرْفُ الدَّهْرِ منكَ مَرَزَّأ ... نَهُوضاً بأَعْباءِ الأُمورِ الأَثاقِلِ
فإما تصبك الحادثات بنكبة ... رمتك بها إحدى الدواهي الضابل
فلا تَبْعُدَنْ إنَّ الحُتُوفَ مَوارِدٌ ... وكُلُّ فتىً مِن صَرْفِها غَيْرُ وائِلِ
وقال عُمْرو بن أَحْمَر الباهِلِيّ
أَبَتْ عَيْناكَ إلاّ أَنْ تَلِجَّا ... وتَخْتالا بمائِهِا اخْتِيالا
كأَنَّهُما شَعِيبا مُسْتَغِيثٍ ... يُزَجِّي طالِعا بِهِما ثِفالا
وَهَي خَرَزاهُما فالماءُ يَجْرِي ... خِلالَهما ويَنْسَلُّ انْسِلالا
على حَيَّيْنِ في عامَيْنِ شَتَّى ... فَقْد عَنّا طِلابُهُما وطَالا
وأَيّامَ المَدِينَةِ وَدَّعُونا ... فلَمْ يَدَعُوا لِقائِلَةٍ مَقالا
فأَيَّةُ لَيْلَةٍ تَأْتِيكَ سَهْواً ... فتُصْبِحُ لا تَرَى مِنْهُم خَيالاً
يُؤَرِّقُنا أبُو حَنَشٍ وطَلْقٌ ... وعَمَّارٌ وآوِنَةً أُثالا
أَراهُمْ رُفْقَتِي حَتّى إذا ما ... تَجافَى اللَّيْلُ وانْخَزَل انْخِزالا
إذا أنا كالذي يَجْرِي لِورْدٍ ... إلى آلٍ فَلْم يُدْرِك بِلالا
وقال أبو حُزابَة الحَنْظَلِيّ
لَعَمْرِي لقَدْ هَدَّتْ قُرَيشٌ عُرُوشَنا ... بأَبْيَض نَفَّاحِ العَشيّاتِ أَزْهَرا
وكانَ حَصاداً لِلْمَنايا زَرَعْنَهُ ... فهَلاَّ تَرَكْنَ النَّبْتَ ما دامَ أَخْضَرا
لَحا الله قَوْماً أَسْلَمُوك وجَرَّدُوا ... عَناجِيجَ أَعْطَتْها يَمِينُكَ ضُمَّرا
أما كان فِيهِمْ ماجِدٌ ذُو حَفِيظَةٍ ... يَرَى المُوْتَ في بُعْضِ المَواطِنِ أَفْخَرا
وقال أبو عَدِيّ العَبْلي
تقولُ أُمامَةُ لمَّا رَأَتْ ... نُشُوزِي عن المَضْجَعِ الأَنْفَسِ
وقِلَّةِ نُوْمِي على مَضْجَعِي ... لَدَى هَجْعَةِ الأَعْيُنِ النُّعَّسِ
أبِي ما عَراكَ؟ فقلتُ: الهُمُومُ ... عَرَيْنُ أباكِ فلا تُبْلِسِي
لِفَقْدِ الأَحِبَّةِ إِذْ نالَها ... سِهامٌ مِن الحَدَثِ المُبْئِسِ
فذَاكَ الذي غَالَنِي فاعْلَمِي ... ولا تَسْأَلِي بِامْرِئٍ مُتْعَسِ
أَذَلُّوا قَناتِي لمَنْ رامَها ... وقَدْ أَلْصَقُوا الرَّغْمَ بالمَعْطِسِ
؟
وقال
أبو محمد التَّيْمِيفي يَزِيد بن مَزْيَد
أحَقٌّ أَنَّهُ َأوْدَى يَزِيدُ ... تَبَيَّنْ أَيُّها الدّاعِي المُشِيدُ
أَتَدْرِي مَنْ نَعَيْتَ وكَيْفَ فاهَتْ ... به شَفَتاكَ، واراكَ الصَّعِيدُ
أحامِي المَجْدِ والإِسْلامِ تَنْعَى ... فما للأَرْضِ وَيْحَكَ لا تَمِيدُ
تأَمَّلْ هل تَرَى الإِسْلامَ مالَتْ ... دَعائِمُهُ وهَلْ شابَ الوَلِيدُ
وهَلَ تَسْقِي البِلادَ عِشارُ مُزْنٍ ... بِدِرَّتِها وهَلْ يَخْضَرُّ عُودُ
أَلَمْ تَعْجَبْ له أَنَّ المَنايا ... فَتَكْنَ به وهُنَّ له جُنُودُ
لِيَبْكِكَ شاعِرٌ لَمْ يُبْقِ دَهْرٌ ... له نَشَباً، وقَدْ كَسَدَ القَصِيدُ
وقال يُعْقُوب بن حارِثَة بن الرَّبِيع
في امرأَتِه
فَلوْ أَنَّنِي إِذْ حُمَّ يوُم وَفاتِهاأُحَكَّمُ في عُمْرِي إِذَنْ لَشاطَرْتُها عُمْرِي
فحَلَّ بِنا المَقْدُورُ في ساعَةٍ معاً ... فماتَتْ ولا أَدْرِي ومُتُّ ولا تَدْرِي
وقال
دِيك الجِنّ عبد السَّلامفي مَعْناه
لا مُتُّ قَبْلَكِ بل نَحْيا وأنتِ معاً ... ولا بَقِيتُ إلى يومٍ تَمُوتِينا
لكنْ نَعيشُ كما نَهْوَى ونَأْمَلُهُ ... ويُرْغِمُ اللهُ فِينا أَنْفُ واشِينا
حتّى إذا ما انْقَضَتْ أَيّامُ مُدَّتِنا ... وحانَ مِنْ يَوْمِنا ما كان يَعْدُونا
مُتْنا كِلانا كغُصْنَيْ بانَةٍ ذَبَلا ... مِن بَعْدِ ما اسْتَوْرَقا واسْتُنْظِرا حِينا
وقال آخر
لَئِنْ كانتِ الأَحْداثُ طَوَّلْنَ عَبْرَتِيلفَقْدِك أو أَسْكَنَّ قَلْبِي التَّخْضُّعالَقَدْ أَمِنَتْ نَفْسِي المَصائِبَ كُلَّها ... فأَصْبَحْتُ مِنْها آمِناً أَنْ أُروَّعا
فَما أَتَّقِي في الدَّهْرِ بَعْدَك نَكْبَةًولا أَرْتَجِي للدَّهْرِ ما عِشْتُ مُرْجِعا
وقال أَشْجَع السُّلَمِيّ
حَلَفْتُ لقَدْ أَنْسَى يَزِيدُ بنُ مَزْيَدٍ ... رَبِيعَةَ مِنْها فَقْدَ كُلِّ فَقِيدِ
فَتىً يَمْلأُ العَيْنَيْنِ حُسْناً وبَهْجَةً ... ويَمْلأُ هُمًّا قَلْبَ كُلِّ حَسُودِ
وقال آخر
رَمَتْنا المَنايا يَوْمَ ماتَ بحادِثٍ ... بَطِيءٍ تُدانِي شُعْبِهِ المُتَبَدِّدِفقُلْ للمَنايا: ما تَرَكْتِ بَقِيَّةً ... عَلَينا، فعِيثِي كَيْفَ شِئْتِ وأفْسِدِي
وقال الحَكَمِيّ
طَوَى المَوْتُ ما بَيْنِي وبَيْنَ محمدٍ ... ولَيْسَ لِما تَطْوِى المَنِيَّةُ ناشِرُ
وكنتُ عليه أَحْذَرُ المْوتَ وَحْدَهُ ... فَلمْ يَبْقَ لِي شَيْءٌ عليهِ أُحاذِرُ
وقال محمد بن يَزِيد الأُموي
هانَتْ عَلَيَّ نَوائِبُ الدَّهْرِ ... فَلْتَجْرِ كيفَ تُحِبُّ أَنْ تَجْرِي
هل بَعْدَ يُوْمِكَ ما أُحاذِرُهُ ... يا بَكْرُ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَكْرُ
وقال الفَرَذْدَق هَمّام بن غالِب
أبا خالِدٍ ضاعَتْ خُراسانُ بَعْدَكُمْ ... وقال ذَوُو الحاجاتِ أيْنَ يَزَيدُ
فلا قَطَرَتْ بالرِّيِّ بَعْدَكَ قَطْرَةٌ ... ولا اخْضَرَّ بالمَرْوَيْنِ بَعْدَكَ عُودُ
وقال الأُبَيْرِد بن المُعَذَّر اليَرْبُوعِي
تَطاوَلَ لَيْلِي لا أَنامُ تَقَلُّباً ... كأَنَّ فِراشِي حالَ مِن دُونِهِ الجَمْرُ
أُراقِبُ مِن لَيْلٍ التِّمامِ نُجُومَهُ ... لَدُنْ غابَ قَرْنُ الشَّمس حتّى بَدا الفَجْرُ
تَذَكُّرَ عِلْقٍ بانَ مِنّا بنَصْرِهِ ... ونائِلِهِ، يا حَبَّذا ذلكَ الذِّكْرُ
فإنْ تكُنِ الأَيّامُ فَرَّقْنَ بَيْنَنا ... فقَدْ عَذَرَتْنا في صَحابَتِهِ العُذْرُ
أحَقًّا عِبادَ اللهِ أَنْ لَسْتُ لاقِياًبُرَيْداً طَوالَ الدَّهْرِ ما لأْلأَ العُفْرُ
فتىً ليس كالِفْتيان إلاّ خِيارُهُمْ ... مِن القَوْمِ جَزْلٌ لا قَلِيلٌ ولا وَعْرُ
فتىً إنْ هو اسْتَغْنَى تَخَرَّقَ في الغِنَىوِإنْ كانَ فَقْرٌ لَمْ يَؤُدْ مَتْنَه الفَقْرُ
تَرَى القوْمَ في العزَّاءِ يَنْتَظِرُونَهُإذا ضلَّ رَأْيُ القَوْمِ أو حَزَبَ الأَمْرُ
فلَيْتَكَ كنتَ الحَيَّ في النّاسِ باقِياً ... وكنتُ أنا المَيْتَ الذي أَدْرَكَ الدَّهْرُ
؟؟
وقال
الغَطَمّش الضَّبيإلى الله أشْكُو لا إلى النّاسِ حاجَتِي ... أَرَى الأَرْضَ تَبْقَى والأَخِلاّءُ تَذْهَبُ
أخِلاّيَ لو غَيْرُ الحِمامِ أصابَكُمْ ... عَتَبْتَ، ولكنْ ما على الدَّهْرِ مَعْتَبُ
وقال الأَشهَب بن رُمَيْلَة
وإنَّ الذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْ ... هُمُ القَومُ كُلُّ القومِ يا أُمَّ خالِدِ
هُمُ ساعِدُ الدَّهْرِ الذي يُتَّقَى به ... وما خَيْرُ كَفٍّ لا تَنُوءُ بساعِدِ
أُسُودُ شَرىً لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ ... تَساقَتْ على لَوْحٍ سِمامَ الأَساوِدِ
وقال الحارِث بن ضِرار النَّهْشَلِي
سَقَى جَدَثاً أَمْسَى بِدُومَةَ ثاوِياً ... مِن الدَّلْوِ والجَوْزاءِ غادٍ ورائِحُ
لِيَبْكِ يَزِيدَ ضارِعٌ لِخُصُومَةٍ ... ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوائِحُ
وقال ذُو الإِصْبَع
حُرْثان بن مُحَرِّث العَدْوانِيّ
عَذِيرِي الحَيِّ مِنْ عَدْوا ... نَ كانُوا حَيَّةَ الأَرْضِ
بَغَى بَعْضُهُمُ بَعْضاً ... فَلَمْ يُرْعُوا على بُعْضِ
فَقَدْ أَمْسَوْا أَحادِيثَ ... برَفْعِ القَوْلِ والخَفْضِ
ومنهُمْ كانتِ السَّادا ... تُ والمُوفُونَ بالقَرْضِ
ومنهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي ... فلا يُنْقَضُ ما يَقْضِي
ومنهُمْ مَن أجازَ الحَ ... جَّ بالسُّنّةِ والفَرْضِ
وهُمْ كانُوا فلا تَكْذِبْ ... ذَوِي العِزَّةِ والنَّهْضِ
لهمْ كانَتْ جِمامُ الما ... ءِ لا المُزْجَى ولا البَرْضِ
وقال آخر
ألاَ اللهِ ما مِرْدَى حُرُوبٍ ... حَواهُ بَيْنَ حِضْنَيْهِ الظَّلِيمُوقَدْ باتَتْ عليه مَها رُماحٍ ... حَواسِرَ ما تَنامُ ولا تُنِيُم
وقال العَبّاس بن الأحْنف
في رواية بَعْضِهِم
إذا ما دَعَوْتُ الصَّبْرَ بَعْدَكَ والبُكاأجابَ البُكا طَوْعاً ولَمْ يُجِبِ الصَّبْرُ
فإِنّ يَنْقطِعْ منكَ الرَّجاءُ فإِنَّه ... سَيْبقَى عليكَ الحُزْنَ ما بَقِيَ الدَّهْرُ
وقال آخر
لَعَمْرُكَ ما خَشِيتُ على أَبِيٍّ ... رِماحَ بَنِي مُقَيِّدَةِ الحِمارِولكنِّي خَشِيتُ على أَبَيٍّ ... رِماحَ الجِنِّ أَوْ إِيَّاكَ حارِ
وقال أبو العَتاهِية
طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرِكَ بَعْدَ نَشْرٍ ... كذاكَ خُطُوبُه نَشْراً وَطيَّا
بَكَيْتُكَ يا أَخِيَّ بَدمْعِ عَيْنِي ... فَلْم يُغْنِ البُكاءُ عليكَ شَيّا
كَفَى حَزَناً بدَفْنِكَ ثمّ إِنِّي ... نَفَضْتُ تُرابَ قَبْرِكَ مِن يَدَيّا
وكانَتْ في حَياتِكَ لي عِظاتٌ ... فأَنتَ اليومَ أَوْعَظُ مِنْك حَيّا
وقال الفَرْزْدَق
نَعاء ابِنَ لَيْلَى للسَّماحِ وللنَّدَى ... وأَيْدِي شَمالٍ بارِداتِ الأَنامِلِ
يَعَضُّونَ أَطْرافَ العِصِيِّ تَكُفُّهُمْ ... مِن الشّام حَمْراءُ السُّرَى والأَصائِلِ
سَرَوْا يَرْكَبُونَ اللَّيلَ حتّى تَفَرَّجَتْ ... دُجاهُ لهَمُ عن واضِحٍ غيرِ خامِلِ
وَقدْ خَمَدَتْ نارُ النَّدَى بَعْدَ غالِبٍ ... وقَصَّرَ عن مَعْرُوفِهِ كُلُّ فاعِلِ
ألاَ أَيُّها الرُّكْبانُ إِنّ قِراكُمُ ... مُقِيمٌ بشَرْقِيِّ المَقَرِّ المُقابِلِ
وقال جَرِير بن الخطَفَي
يَرْثِي عُمَر بن عبد العزيز
نَعَى النُّعاة أميرَ المُؤْمِنينَ لَنا ... يا خَيْرَ مَن حَجَّ بيتَ اللهِ واعْتَمَرا
حُمِّلْتَ أَمْراً عَظِيماً فاصْطَبْرتُ له ... وقُمْتُ فِيه بإِذْنِ اللهِ يا عُمَرا
الشَّمْسُ طالِعَةٌ ليسَتْ بكاسِفَةٍ ... تُبْكِي عليك، نُجُوَمَ الليلِ والقَمَرا
وقال النَّابِغَة الجَعْدِي
سأَلَتْنِي جارَتِي عَن أُمَّتِي ... وإذا ما عَيَّ ذُو اللُّبِّ سأَلْ
سَأَلْتَنِي عن أُناسٍ هَلَكُوا ... شَرِبَ الدَّهْرُ عَلَيْهِمْ وأَكَلْ
وأرانِي طَرِباً مِن بُعْدِهِمْ ... طَرَبَ الوالِهِ كالمُخْتَبَلْ
وقال أعرابي
يَرْثِي وَلَدَ عمر بن عبد العزيز
تَعَزَّ أمِيرَ المُؤْمنين فإِنَّهُ ... لِما قد تَرَى يُغْذَى الوَلِيدُ ويُولَدُ
هلِ ابنُكَ إلاّ مِن سُلالَةِ آدمٍ ... لكلٍّ على حَوْضِ المَنِيَّةِ مَوْرِدُ
وقال دِيك الجِنّ عبد السَلام
لَيْسَ يَخْشَى جَيْشَ الحَوادِثِ مَنْ جُنْ ... داهُ وَفْداً صَبابَةٍ ودُموعِ
قَمَرٌ حينَ هَمَّ أَنْ يَتَجَلَّى ... سارَ فيه المُحاقُ قَبْل الطُّلُوعِ
فِلْذَةٌ مِن صَمِيمِ قَلْبِي، وجُزْءٌ ... مِن فُؤادِي، وقِطْعَةٌ مِن ضُلُوعِي
لصَغِيرٍ أَعارَ رَزْءَ كَبِيرٍ ... وفَرِيدٍ أَذاقَ فَقْدَ جَمِيعِ
إن تكُنْ في التُّرابِ خَيْرَ ضَجِيعٍ ... كنتَ لِي في المَعادِ خَيْرَ شَفِيعِ
وقال
إسْحَق بن خَلَففي بِنْتٍ له
أَضْحَتْ أُمَيْمَةُ مَعْمُوراً بِها الرَّجَمُلَقَا صَعِيدٍ عَلَيْها التُّرْبُ مَرْتَكِمُ
قد كنتُ أَخْشَى عَلَيها أَنْ تُقَدِّمَنِي ... إلى المَماتِ فيُبْدِي وَجْهَها العَدَمُ
للمَوْتِ عِنْدِي أَيادٍ لَسْتُ أَكْفُرُها ... أَحْيا سُرُوراً وبِي مِمَّا أَتَى أَلَمُ
وقال أيضا
ًأُمَيْمَةُ تَهْوَى عَيْشَ شَيْخٍ يَسُرُّهُلَها المَوْتُ قَبْلَ الوَيْلِ، لو أَنَّها تَدْرِي
يَخافُ عَلَيْها نَكْبَةَ الدَّهْر بَعْدَهُ ... وهَلْ خَتَنٌ يُرْجَى أَعَفُّ مِن القَبْرِ
وقال آخر يُحِبّ امرأته
رَأَيْتُ رِجالاً يَكْرَهُونَ بَناتِهُمْ ... وفِيهِنَّ لا تُكْذَبْ نِساءٌ صوالِحُ
وفيهِنَّ والأيّامُ تَذْهَبُ بالفَتَى ... عَوائدُ لا يَمْلَلْنَهُ ونَوائِحُ
وقال عِمْران بن حِطّان الشَّيْبانِيّ
وأَبو رِياش نَسَبها إلى محمد بن عبد الله الأَزْدِي وتروى لابن العَرَبِيّة اليَشْكُرِي
لَقدْ زادَ الحَياةَ إلَيّ حُبًّا ... بَناتِي أَنّهُنَّ مِن الضِّعافِ
مَخافَةَ أَنْ يَرَيْنَ البُؤْسَ بَعْدِي ... وأَنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بَعْدَ صافِ
وأَنْ يَعْرَيْنَ إِنْ كُسِيَ الجَوارِي ... فيُبْدِي الضُّرُّ عن كَرَمٍ عِجافِ
وأَنْ يَضْطَرَّهُنَّ الدَّهْرُ بَعْدِي ... إلى قَحَمٍ غَلِيظِ القَلْبِ جافِ
وَلوْلاهُنَّ قد أَبْصَرْتُ رُشْدِي ... وفي الرَّحمنِ للضُّعَفاءِ كافِ
وقال إِسْحَاق بن خَلَف
لَولا أُمَيْمَةُ لم أجْزَعْ مِن العَدَمِوَلَم أُجُبْ في الدِّياجِي حِنْدِسَ الظُّلَمِ
مَخافَةَ الفَقْرِ يَوماً أَنْ يُلِمِّ بها ... فَيَكْشِفَ السِّتْرَ عن لَحْمٍ على وَضَمِ
للَموْتِ عِنْدِيِ أَيادٍ لستُ ناسِيهَا ... لَمّا كَفانِيَ ما أَخْشَى على الحُرَمِ
قد كنتُ أَحْذَرُ أَنْ يَبْتَزَّنِي عَدَمٌ ... فيَكْشِفَ السِّتْرَ عن خِيمٍ وعَنْ كَرَمِ
تَهْوَى حَياتِي وأَهْوَى مَوْتَها شَفَقاً ... والموتُ أَكْرَمُ نَزّالٍ على الحُرَمِ
وزادِنِي رَغْبَةً في العَيْشِ مَعْرِفَتِي ... ذًلَّ اليتِيمةِ يَجْفُوها ذَوُو الرَّحِمِ
إذا تَذَكَّرْتُ بِنْتِي حيَن تُنْدُبُنِي ... فاضَتْ لرَحْمَةِ بِنْتِي عَبْرَتِي بِدَمِ
وقال
حِطّان بن المُعَلَّىأَنْزَلَنِي الدَّهْرُ على حُكْمِهِ ... مِن شامِخٍ عالٍ إلى خَفْضِ
وغالَنِي الدَّهْرُ بوَفْرِ الغِنَى ... فَلَيْس لِي مالٌ سِوَى عِرْضِي
أَبْكانِيَ الدَّهْرُ ويا رُبَّما ... أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بِما يُرْضِي
لَوْلا بُنَيَّاتٌ كَزُغْبِ القَطا ... رُدِدْنَ من بَعْضٍ إلى بَعْضِ
لَكانَ لِي مُضْطَرَبٌ واسِعٌ ... مِن لأَرْضِ ذاتُ الطُّولِ والعَرْضِ
وإنّما أوْلاُدنا بَيْنَنا ... أَكْبادُنا تَمْشِي على الأَرْضِ
وقال بَشِير بن النِّكْث الثَّقفِي
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي إِنْ سُلَيْمَةُ فاتَهابِيَ المَوْتُ ما تَلْقَى من النَاسِ والدَّهْرِ
إذا ظَلَمُوها حَقَّها، وتَناصَرُوا ... عَلَيْها، ولَجُّوا في القَطِيعةِ والهَجْرِ
فتَدْعُو أَباها، والصَّفائِحُ دُونَهُ ... ولَبَّيْكِ! لَوْ أَنِّي أَجَبْتُ مِن القَبْرِ
وقال جَرِير بن الخَطَفى
لَوْلاَ الحَياءُ لَعادَنِي اسْتِعْبارُ ... ولَزُرْتُ قَبْرَكِ والحَبِيبُ يُزارُ
كانَتْ إذا هَجَر الضَّجِيعُ فِراشَها ... صِينَ الحَدِيثُ وعَفَّتِ الأَسْرارُ
كانُوا الخَلِيطَ هُم الخَلِيطُ فَزايَلُوا ... ولَقَدْ تَبَدَّلُ بالدِّيارِ دِيارُ
وقال ثابِت قُطْنَة بن كَعْب العَتَكِيّ
كُلُّ القَبائِل بايَعُوك على الذي ... تَدْعُو إليه طائِعِينَ وسَارُوا
حتَّى إذا حَمِيَ الوَغَى وتَرَكْتَهُمْ ... نَصْبَ الأَسِنَّةِ أَسْلَمُوكَ وطَارُوا
إنْ يَقْتُلُوكَ فإِنَّ قَتْلَكَ لَمْ يَكُنْ ... عاراً عليكَ، ورُبَّ قَتْلِ عارُ
آخر
اسْأَلِ الرِّيحَ إِنْ أَحارَتْ جَوابا ... واسْأَلَنْ إنْ أَجِبْتَ عَنّا السَّحاباهل جَرَى ذَيْلُ تِيكَ أو جادَ هذا ... لأُناسٍ أعَزَّ مِنّا جَنابا
خُلِقَ النَّاسُ سُوقَةً وعَبِيداً ... وخُلِقْنا المُلُوكَ والأَرْبابا
كانَ ذُو أَصْبَحَ الرَّبِيعَ غِياثا ... يُحْسِبُ النَّاسَ سَيْبُهُ إِحْسابا
يُمْطِرُ البُؤْسَ والنَّعِيمَ وتُبْدِي ... رَاحتاهُ مَثُوبَةً وعِقابا
وَطِئَ الأَرْضَ بالجُنُودِ اقْتِداراً ... واقْتِساراً حتَّى أَذَلَّ الصِّعابا
وتُغُضُّ العُيُونَ مِنْ دُونِه الأَمْ ... لاكُ إِمَّا بَدا وتَحْنُو الرِّقابا
فَرَماهُ الزَّمانُ مِنْه بيَوْمٍ ... غادَرَ المُعَمَّرَ الخَصِيبَ خَرابا
فكَأَنَّ الجُمُوعَ والعَدَدَ الدُّهْ ... مَ وذاكَ النَّعِيمَ كان تُرابا
وقال
أبو دُؤاد الإِيادِيّلا أَعُدُّ الإِقْتارَ عُدْماً، ولكنْ ... فَقْدُ مَن قد رُزِئْتُهُ الإِعْدامُ
مِن شَبابٍ كَأَنَّهُمْ أُسْدُ غِيلٍ ... خالَطَتْ فَرْطَ حَدِّها الأَحْلامُ
وكُهُولٍ بَنَى لَهُمْ أَوَّلوهُمْ ... مَأْثَراتٍ تَهابُها الأَقْوامُ
فَهُمْ لِلُملايِنِين لَيانٌ ... وعُرامٌ إذا ما يُرادُ العُرامُ
وسماحٌ لَدَى الجُدُوبِ إذا ما ... قَحَطَ العامُ واسْتَقَلَّ الرِّهامُ
سُلِّطَ الموتَ والمَنُونُ عليهِمْ ... فلَهُمْ في صَدَى المَقابِرِ هامُ
فَعَلى مِثْلِهِمْ تَساقَطُ نَفْسِي ... حَسَراتٍ، وذِكْرُهُم لِي سَقامُ
نُبَذٌ مِن قَوْلِ مَنْ رَثَى نَفْسَه حَياًّ قال
مالك بن الرِّيْب
بن قُرْط التَّمِيمِيّ
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبَيْتَنَّ لَيْلَةًبوادِي الغَضا أُزْجِي القِلاصَ النَّواجِيا
تَذَكَّرْتُ مَنْ يَبْكِي عَلَيَّ فلَمْ أجِدْسِوَى السَّيفِ والرُّمْحِ الرُّدَيْنِيِّ باكِيا
وأشْقَرَ مَحْبُوكٍ يَجُرُّ عَنانَهُ ... إلى الماءِ لَمْ يَتْرُكْ له الموتُ ساقِيا
يُقادُ ذَلِيلاً بَعْدَ ما ماتَ رَبُّهُ ... يُباعُ بِبَخْسٍ بَعْدَ ما كان غالِيا
أُقَولُ لأَصْحابِي: ارْفَعُونِي فإِنَّنِي ... يَقِرُّ بعَيْنِي أَنْ سُهَيْلٌ بَدا لِيا
فيا صاحِبَيْ رَحْلِي دَنا المَوْتُ فانْزِلا ... بِرابِيَةٍ، إِنِّي مُقِيمٌ لَيالِيا
وخُطَّا بأَطْرافِ الأَسِنَّةِ مَضْجَعِي ... ورُدّا على عَيْنَيَّ فَضْلَ رِدائِيا
ولا تَحْسُدانِي، بارَكَ الله فِيكما ... مِن الأَرْضِ ذاتِ العَرْضِ أَنْ تُوسِعا لِيا
فقَدْ كنتُ عَطَّافاً إذا الخَيْلُ أَحْجَمَتْسَرِيعاً لَدَى الهَيُجا إلى مَنْ دَعانِيا
فَطَوْراً تَرانِي في طِلاءٍ ونِعْمَةٍ ... وطَوراً تَرانِي والعَتاقُ رِكابِيا
ويوماً ترانِي في رَحىً مُسْتَدِيَرَةٍ ... تُخَرِّقُ أَطْرافُ الرِّمِاح ثِيابِيا
فلا تَنْسَيا عَهْدِي خَلِيلَيَّ إِنَّنِي ... تَقَطَّعُ أَوْصالي وتُبْلَى عِظامِيا
وقُوماً على بِئْرِ الشُّبِيْكِ فأَسْمِعا ... بِها الوَحْشَ والبِيضَ الحِسانَ الرَّوانِيا
بَأنَّكُما خَلَّفْتُمانِي بِقَفْرَةٍ ... تُهِيلُ عليَّ الرِّيحُ فِيها السَّوافِيا
يقولُونَ: لا تُبْعَد وهُمْ يَدْفِنُونَنِي ... وأَيْنَ مَكانُ البُعْدِ إلاّ مكَانِيا
غَداةَ غَدٍ يا لَهْفَ نَفْسِي على غدٍ ... إذا راحَ أَصْحابِي وخُلِّفْتُ ثاوِياً
وأَصْبَحَ مالِي مِن طَرِيفٍ وتالِدٍ ... لَغيْرِي، وكانَ المالُ بالأَمْسِ مالِيا
فيا راكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فبَلِّغَنْ ... بَنِي مالِكِ بنِ الرَّيْبِ أَنْ لا تَلاقِيا
وعَطِّلْ قَلُوصِي في الرِّكابِ، فِإِنَّها ... سَتُبْرِدُ أَكْباداً وتُبْكِي بَواكِيا
أُقَلِّبُ طَرْفِي في الرِّفاقِ فلا أَرَى ... بِه مِن عُيُونِ المُؤْنِساتِ مُراعِيا
وبالرَّمْلِ مِنّا نِسْوَةٌ لو شَهِدْنَنِي ... بَكَيْنَ وفَدَّيْنَ الطَّبِيبَ المُداوِيا
عَجُوزٌ وأَخْتايَ اللَّتانِ أُصِيبتَا ... وبنْتُ أَبِي لَيْلَى تَهِيجُ البَواكِيا
صَرِيعٌ على أَيْدِي الرِّجالِ بقَفْرةٍ ... يُسَوُّونَ لَحْدِي حيثُ حُمَّ قَضائِيا
وقال
عمرو بن أَحْمَر الباهِليّشَربْتُ الشُّكاعَى، والتَدَدْتُ أَلِدَّةً ... وأَقْبَلْتُ أَفْواهَ العُرُوقِ المَكاوِيا
لأُنْسَأَ في عُمْرِي قَلِيلاً، وما أَرَى ... لِدائِيَ إِنْ لَمْ يَشْفِهِ الله شافِيا
فيا صاحِبَيْ رَحْلِي سَواءٌ عليكُما ... أَدَوايْتُما العَصْرانِ أمْ لَمْ تَداوِيا
وفِي كُلِّ عامٍ تَدْعُوانِ أَطِبَّةً ... إليَّ، ما يَجْدُونَ إلاَّ هَواهِيا
فإنْ تَحْسِما عِرْقاً من الدَّاءِ تَتْرُكا ... إلى جَنْبِهِ عِرْقاً مِن الدّاءِ ساقِيا
؟؟
وقال
أبو الطَّمَحان القيْنِيّألا عَلِّلانِي قَبْل نَوْحِ النَّوائِحِ ... وقَبْلَ ارْتِقاءِ النَّفْسِ بَيْنَ الجَوانِحِ
وَقَبْلَ غَدٍ، يا لَهْفَ نَفْسِي على غَدٍ ... إذا راحَ أَصْحابِي ولَسْتُ بِرائِحِ
إذا راحَ أَصْحابِي تَفِيضُ عُيُونُهُمْ ... وغُودِرْتُ في لَحْدٍ عليَّ صَفائِحِي
يقولُون هل أَصْلَحْتُمُ لأَخِيكُمْ ... وما القَبْرُ في الأَرضِ الفَضاءِ بِصالحِ
وقال لَبِيد بن رَبِيعة العامِرِيّ
تَمَنَّى ابْنَتايّ أَنْ يَعِيشَ أَبُوهُما ... وهَلْ أَنا إلاَّ مِن رَبِيعَة أو مُضَرْ
فإنْ حانَ يومٌ أَنْ يَمُوتَ أَبُوكُما ... فلا تَخْمِشا وَجْهاً ولا تَحْلِقا شَعَرْ
وقُولا: هو المَرْءُ الذي لا خَلِيلَهُ ... أضاعَ، ولا خانَ الصَّدِيقَ ولا غَدَرْ
إلى الحَوْلِ، ثُم اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُماومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كامِلاً فَقَد اعْتَذَرْ
وقال هُدْبَة بن خَشْرَم
ولا تَنْكِحِي إنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَناأَغَمَّ القَفا والوَجْهِ لَيْسَ بأَنْزَعا
وقال عَبْدَةَ بن الطَّبِيب
أَبَنِيَّ إِنِّي قد كَبِرْتُ ورابَنِي ... بَصَرِي وفيَّ لِمُصْلِحٍ مُسْتَمْتَعُ
فلَئِنْ هَلَكْتُ فقَدْ بَنَيْتُ مَساعِياً ... يَبْقَى لَكُمْ مِنْها مَآثِرُ أَرْبَعُ
ذِكْرٌ إذا ذُكِرَ الكِرامُ يَزِيُنكُمْ ... ووِراثَةُ الحَسَبِ المُقَدَّمِ تَنْفَعُ
ومَقامُ أَيّامٍ لَهُنَّ فَضِيلَةٌ ... عِنْدَ الحَفِيظَةِ والمَجامِعُ تُجْمَعُ
ولُهىً مِن الكَسْبِ الذي يُغنِكُمُ ... يَوْماً إذا احْتَضَرَ النُّفُوسَ المَطْمَعُ
ونَصِيحَةٌ في الصَّدِر ثابِتَةٌ لكُمْ ... ما دُمْتُ أُبْصِرُ في الحَياةِ وأَسْمَعُ
أُوصِيكُمُ بِتُقَى الإِله فإِنَّهُ ... يُعْطِي الرَّغائِبَ مَنْ يَشاءُ ويَمْنَعُ
وبِبرِّ والِدِكُمْ وطاعَةِ أَمْرِهِ ... إنَّ الأَبَرَّ مِن البَنِينَ الأَطْوَعُ
إن الكَبِيرَ إذا عَصاه أَهْلُهُ ... ضاقَتْ يَداهُ بأَمْرِهِ ما يَصْنَعُ
ودَعُوا الضَّغِينَةَ لا تكُنْ مِنْ شَأْنِكُمْ ... إنَّ الضَّغائِنَ لِلقَرابَةِ تَقْطَعُ
واعْصُوا الذي يُزْجِي الضَّغائِنَ بَيْنَكُمْ ... متَنَصِّحاً، ذاكَ السِّمامُ المُنْقَعُ
يُزْجِي عَقارِبَهُ ليَبْعَثَ بَيْنَكُمْ ... حَرْباً، كما بَعَثَ العُرُوقَ الأَخْدَعُ
ولقَدْ عِلمْتُ بأَنَّ قَصْرِي حُفْرَةٌ ... غَبْراءُ يَحْمِلُنِي إليها شَرْجَعُ
إنّ الحَوادِثَ يَخْتَرِمْنَ، وإنَّما ... عُمْرُ الفَتَى في أَهْلِهِ مُسْتَوْدَعُ
يَسْعَى ويَجْمَعُ جاهِداً مُسْتَهْتِراً ... جِدًّا، ولَيْسَ بآكِل ما يَجْمَعُ
وقال
أَراكَة بن عبد الله بن سُفْيانالثَّقْفِي
لَعَمْري لقَدْ أَرْدَى ابنُ أَرْطاةَ فارِساًبصَنْعاءَ كالَّليْثِ الهِزَبْرِ أَبِي أَجْرِ
فقلْتُ لعبدِ اللهِ إِذْ خَنَّ باكِياً ... بدَمْعِ على الخَدَّيْنِ مُنْهَمِلٍ يَجْرِي
تَبَيِّنْ، فإِنْ البُكا رَدَّ هالِكاً ... على أَحَدٍ، فاجْهَدْ بكُاكَ على عَمْرِو
ولا تَبْكِ مَيْتاً بَعْدَ مَيْتٍ أَجَنَّهُ ... عَلِيٌّ وعَبّاسٌ وآلُ أبِي بَكْرِ
تَمَّ بابُ المَراثِي ؟؟
باب الأدب
قال
عليّ بن أَبِي طالِبعليهِ السّلام وتُرْوَى لحَسَّان بن ثَابِت الأَنْصَارِيّ
إذا اشْتَمَلَتْ على اليَأْسِ القُلُوبُ ... وضاقَ لِما به الصَّدْرُ الرَّحِيبُ
وأُوطِنَتِ المَكارِهُ واطْمَأَنَّتْ ... وأَرْسَتْ في مَكامِنِها الخُطُوبُ
ولَمْ يُرَ لانْكِشافِ الضُّرِّ وَجْهٌ ... ولا أَغْنَى بحيِلَتِهِ الأَرِيبُ
أَتَاكَ على قُنُوطٍ مِنْكً غَوْثٌ ... يَجِيءُ به القَرِيبُ المُسْتَجِيبُ
وكُلُّ الحادِثاتِ وإِنْ تَناهَتْ ... فَموْصُولٌ بِها الفَرَجُ القَرِيبُ
وقال
الأَعْوَر الشَّنِّيّهَوِّنْ عليكَ، فإِنَّ الأُمُورَ ... بكَفِّ الإِلَهِ مقادِيرُها
فَلَيْسَ بِآتِيكَ مَنْهِيُّها ... ولا قاصِرٌ عَنْكَ مَأْمُورُها
وقال آخر
لا تَيْأَسَنَّ وإِنْ طالَتْ مُطالَبَةٌ ... إذا اسْتَعَنْتُ بصَبْرٍ أَنْ تَرَى فَرَجاإِنَّ الأُمُورَ إذا اسْتَدَّتْ مَسالِكُهافالصَّبْرُ يَفْرُجُ مِنْها كُلَّ ما ارْتَتَجا
ولا يَغُرَّنْكَ صَفْوٌ أَنتَ شارِبُهُ ... فرُبَّما كانَ بالتَّكْدِيرِ مُمْتَزِجا
أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بحاجَتِهِومُدْمِنِ القَرْعِ لِلأَبْوابِ أَنْ يَلِجا
؟
وقال
أبو طالِب بن عبد المُطّلِب بن هاشِملا تَيْأَسَنَّ إِذا ما ضِقْتَ مِن فَرَجٍ ... يَأْتِي به اللهُ في الرَّوْحاتِ والدُّلَجِ
فما تَجَرَّعَ كَأْسَ الصَّبْرِ مُعْتَصِمٌ ... باللهِ إلاَّ أَتاهُ اللهُ بالفَرَجِ
وقال الأَضْبَط بن قُرَيْع السَّعْدِيّ
لكُلِّ ضِيقٍ مِن الأُمُورِ سَعُهْ ... والصُّبْحُ والمُسْمىُ لا بَقاءَ مَعَهْ
اِقْنَعْ مِن العَيْشِ ما أَتاكَ بهِ ... مَن قَرَّ عَيْناً بعَيْشِهِ نَفَعَهْ
قد يَجْمَع المالَ غيرُ آكِلِهِ ... ويَأْكُلُ المالَ غيرُ مَنْ جَمَعَهْ
فلا تُهِينَ الكَرِيمَ علَّكَ أَنْ ... تَرْكَعَ يوماً والدَّهْرُ قد رَفَعَهْ
فَصِلْ حِبالَ البُعِيدِ إِنْ وَصَلَ ال ... حَبْلَ، واقْصِ القَرِيبَ إِنْ قَطَعَهْ
وقال دِعْبِل بن رَزِين الخُزاعِيّ
وإِنَّ أَوْلَى البَرايا أَنْ تَواسِيَهُ ... عِنْدَ المَسَرَّةِ مَنْ آساكَ في الحَزَنِ
إنَّ الكِرامَ إذا ما أَسْهَلُوا ذَكَرُوامَنْ كانَ يَأْلَفُهُمْ في المَوْطِنِ الخَشِنِ
وقال أَوْس بن حَجَر
ولَيْسَ أَخُوكَ الدَّائِمُ العَهْدِ بالذي ... يَسُوءُكَ إِنْ وَلَّى ويُرْضِيكَ مُقْبِلا
ولكنَّه النَّائِي إذا كنتَ آمِناً ... وصاحِبُكَ الأَدْنَى إذا الأَمْرُ أَعْضَلا
؟
وقال
المُقَنَّع الكِنْدِيوإذا رُزِقْتَ مِن النَّوافِلِ ثَرْوَةً ... فامْنَحْ عَشِيرَتَكَ الأَقارِبَ فَضْلَها
واسْتَبْقِها لِدِفاعِ كُلِّ مُلِمَّةٍ ... وارْفُقْ بِناشِئِها وطاوَعْ كَهْلَها
واحْلُمْ إِذا جَهِلَتْ عليكَ غُواتُها ... حتَّى تُرُدَّ بفَضْلِ حِلْمِكَ جَهْلَها
واعْلَمْ بأَنّك لا تَسُودُ عَشِيرَةً ... حتَّى تُرَى دَمِثَ الخَلائِقِ سَهْلَها
عُبَيْد الله بن زِياد الحارِثِي
لا يَبْلُغُ المَجْدَ أَقْوامٌ وإِنْ كَرُمُواحَتَّى يَذِلُّوا وإنْ عَزُّوا لأِقْوامِ
ويُشْتَمُوا، فَتَرى الأَلْوانَ مُسْفِرَةً ... لا عَفْوَ ذُلٍّ، ولكِنْ عَفْوَ أَحْلامِ
وإِنْ دَعا الجارُ لَبَّوْا عِنْدَ دَعْوَتِهِ ... في النَّائِباتِ بإِسْراجٍ وإِلْجامِ
وقال
آخر
الزَّبِيْرُ بن عبد المُطَّلِبلقَدْ تَرْجُو فيَعْسُرُ ما تُرَجِّي ... عليكَ، ويَنْجَحُ الأَمْرُ العَسِيرُ
وما تَدْرِي أَفِي الأَمْرِ المُرَجَّى ... أَمِ الأَمْرِ الذِي تَخْشَى السُّرُورُ
لَوَ أَنَّ الأَمْرَ مُقْبِلُهُ جَلِيٌّ ... كمُدْبِرهِ لَما عَيَّ البَصِيرُ
إذا ما العَقْلَ لم يُعْقَدْ بقَلْبٍ ... فَليْسَ يَجِيءُ بالعَقْلِ الدُّهُورُ
ولَيْسَ الفَقْرُ مِن إِقْلالِ مالٍ ... ولَكِنْ أَحْمَقُ القَوْمِ الفَقِيرُ
صَغِيرُ القَوْمِ في التَّأْدِيبِ يُرْجَى ... ولا يُرْجَى على الأَدَبِ الكَبِيرُ
تُصِيبُ الخَيْرَ مِمَّنْ تَزْدَرِيهِ ... ويُخْلِفُ ظَنَّكَ الرَّجُلُ الطَّرِيرُ
مَتَى تُطْفِي كَبِيرَ الشَّرِّ يُطْفَى ... وإنْ أَوْقَدْتَهُ كَبُرَ الصَّغِيرُ
كَمالُ المَرْءِ حُسْنُ الدِّينِ مِنْهُويَنْقُصُهُ وإنْ كَمَلَ الفُجُورُ
إذا لَمْ تَدْرِ ما الإِنْسانُ فانْظُرْ ... مَنِ الخِدْنُ المُفاوِضُ والوَزِيرُ
وقال
أبو البِلادِ الطُّهَوِيّوإِنّا وَجَدْنا النَّاسَ عُودَيْنِ: طَيِّباً،وعُوداً خَبِيثاً لا يَبِضُّ على العَصْرِ
تَزِينُ الفَتَى أَخْلاقُهُ وتَشِينُهُ ... وتُذْكَرُ أَخْلاقُ الفَتَى وهْوَ لا يَدْرِي
وقال آخر
هي المَقادِيرُ تَجْرِي في أَعِنَّتِها ... فاصْبِرْ، فلَيْس لها صَبْرٌ على حالِيَوماً تَرِيشُ خَسِيسَ القَوْمِ تَرْفَعُهُ ... دُونَ السَّماءِ، ويَوْماً تَخْفِضُ العالِي
وقال إياس بن القائِف
يُقِيمُ الرِّجالُ الأَغْنِياءُ بأَرْضِهِمْوتَرْمِي النَّوَى بالمُقْتِرِينَ المَرامِيا
فَأَكْرِمْ أَخاكَ الدَّهْرَ ما عِشْتُما معاً ... كَفَى بالمَماتِ فُرْقَةً وتَنائِيا
إذا جِئْتُ أَرْضاً بَعْدَ طُولِ اجْتِنابِها ... فَقَدْتُ صَدِيقِي، والبِلادُ كما هِيا
وقال مَعْن بن أَوْس
وكانَ مُزَوَّجاً بأُخت صَدِيقٍ له: فَطَّلَقَها، فَأَقْسَم أَنْ لا يُكَلِّمَه فقال يَسْتَعْطِفُه:
لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإِنِّي لأَوْجَلُ ... على أَيِّنا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
وإنِّي أَخُوكَ الدَّائِمُ العَهْدِ لم أَحُلْإِنَ ابْزاكَ خَصْمٌ أَوْ نَبا بِكَ مَنْزِلُ
أُحارِبُ من حارَبْتَ مِن ذِي عَداوَةِ ... وأَحْبِسُ مالِي إِنْ غَرِمْتَ فأَعْقِلُ
وإنْ سُؤْتَنِي يَوْماً صَفَحْتُ إلى غدٍ ... ليُعْقِبَ يوماً مِنْكَ آخَرُ مُقْبِلُ
كَأَنَّكَ تَشْفِي مِنْكَ داءً مَساءَتِي ... وسُخْطِي، وما في رَيْثَتِي ما تَعَجَّلُ
وإنِّي على أَشْياءَ مِنْكَ تُرِيبُنِي ... قِدْماً لَذُو صَفْحٍ على ذَاكَ مُجْمِلُ
سَتَقْطَعُ في الدُّنيا إذا ما قَطَعْتَنِي ... يَمينَكَ، فانْظُرْ أَيَّ كَفٍّ تَبَدَّلُ
وفي النَّاسِ إِنْ رَثَّتْ حِبالُكَ واصِلٌ ... وفي الأَرضِ عن دارِ القِلَى مُتَحَوَّلُ
إذا أنْتَ لَمْ تُنْصِفُ أخاكَ وَجَدْتَهُ ... على طَرَفِ الهِجْرانِ إنْ كان يَعْقِلُ
ويَرْكَبُ حَدَّ السَّيْفِ مِن أَنْ تُضِيمَهُإذا لم يَكُنْ عن شَفْرَةِ السَّيْفِ مَزْحَلُ
وكنتُ إذا ما صاحِبٌ رامَ ظِنَّتِي ... وبَدَّلَ سُوءاً بالذي كنتُ أَفْعَلُ
قَلَبْتُ له ظَهْرَ المِجَنِّ فلَمْ أَدُمْ ... على ذاكَ إلاَّ رَيْثَ ما أَتَحَوَّلُ
إذا انْصَرَفَتْ نَفْسِي عن الشَّيْءِ لمْ تَكَدْ ... إليه بوَجْهٍ آخِرَ الدَّهْرِ تُقْبِلُ
وقال العَبَّاس بن مِرْداس السُّلَمِي
تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيفَ فتَزْدَرِيهِ ... وفي أَثْوابِهِ أَسَدٌ مَزِيرُ
ويُعْجِبُك الطَّرِيرُ فتَبْتَلِيهِ ... فيُخْلِفُ ظَنَّكَ الرَّجُلُ الطَّرِيرُ
فما عِظَمُ الرِّجالِ لَهُمْ بفَخْرٍ ... ولكنْ فَخْرُهُمْ كَرَمٌ وخِيرُ
بُغاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُها فِراخاً ... وأُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاتٌ نَزُورُ
ضِعافُ الطَّيْرِ أَطْوَلُها جُسُوماً ... ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقُورُ
لَقدْ عَظُمَ البَعِيرُ بغَيْرِ لُبٍّ ... فَلمْ يسْتَغْنِ بالعِظَمِ البَعيرُ
يُصَرِّفُهُ الصَّبِيُّ بكُلِّ وَجْهٍ ... ويَحْبِسُهُ على الخَسْفِ الجَرِيرُ
وتَضْرِبُهُ الوَلِيدَةُ بالهَراوَي ... فلا غِيَرٌ لَدَيْه ولا نَكِيرُ
فإنْ أَكُ في شِرارِكُمُ قَلِيلاً ... فإِنِّي في خِيارِكُمُ كَثِيرُ
وقال رجلٌ مِن بَنِي فَزارَةَ
أَكْنِيهِ حينَ أُنادِيهِ لأُكْرِمَهُ ... ولا أُلَقِّبُهُ، والسَّوْأَةَ اللَّقَبا
كَذاكَ أَدَّيْتُ حتّى صارَ مِن خُلُقِي ... أَنِّي وَجَدْتُ مِلاكَ الشِّيمَةِ الأَدَبا
وقال القَتَّال الكِلابِيّ
عبد الله بن المَضْرَحِيّ، أموي
لاَ يَسْتَطِيعُ جَميعُ النّاسِ أَنْ يجِدُوامِثْلِي، وإنْ كان شَخْصِي غَيْرَ مَشْهُورِ
أُبْدِي خَلائِقَ للأَعْداءِ طَيِّبَةً ... مِنِّي، وأَقْسِرُ نَفْسِي غَيْرَ مَقْسُورِ
وأَتْرُكُ الأَمْرَ في قَلْبِي تَلَهُّبُهُ ... حِيناً، وأَضْحَكُ مِنْهُ غَيْرَ مَسْرُورُ
حتَّى أرى فُرْصَةً مِمَّنْ أَكاشِرُهُ ... والحَزْمُ أَمْرُكَ أَمْراً بَعْدَ تَقْدِيرِ
وقال
مالِك بن النُّعْمانوتُرْوى لمحمد بن عَوْف الأَزْدِي
وإِنِّي لأسْتَبْقِي إذا العُسْرُ مَسَّنِي ... بَشاشَةَ وَجْهِي حينَ تَبْلَي المَنافِعُ
مَخافَةَ أَنْ أُقْلَى إذا جئْتُ زائِراً ... وتَرْجِعَنِي نَحْوَ الرِّجالِ المَطامِعُ
فأَسْمَعُ مَنّا أو أُشَرِّفُ مُنْعِماً ... وكُلُّ مُصادِي نِعْمَةٍ مُتَواضِعُ
وقال حاتِم بن عبد الله الطَّائِيّ
وعاذِلَتَيْنِ هَبَّتا بَعْدَ هَجْعَةٍ ... تَلُومانِ مِتْلافاً مُفِيداً مُلَوَّما
تَلُومانِ لمَّا غَوَّرَ النَّجْمُ ضَلَّةًفَتىً لا يَرَى الإِنْفاقَ في الحَمْدِ مَغْرَما
فقلتُ وقَدْ طالَ العِتابُ عَلَيْهِما ... وأَوْعَدَتانِي أَنْ تَبِينا وتَصْرِما
ألا لا تُلُومانِي على ما تَقَدَّما ... كَفَى بصُرُوفِ الدَّهْرِ للمَرْءِ مُحْكِما
فإِنَّكُما لا ما مَضَى تُدْرِكانِهِ ... ولَسْتُ على ما فاتَنِي مُتَنَدِّما
فنَفْسَكَ أَكْرِمُها، فإِنَّكَ إِنْ تَهُنْعليكَ فَلْن تَلْقَى لَها الدَّهْرَ مُكْرِما
أَهِنْ للذي تَهْوَى التِّلاَدَ فإِنَّهُ ... إذا مُتَّ كانَ المالُ نَهْباً مُقَسَّما
ولا تَشْقَيَنْ فيه فيَسْعَدَ وارِثٌ ... به، حِينَ تَغْشَى أَغْبَرَ الجَوْفِ مُظْلِما
يُقَسِّمُه غُنْماً، ويَشْرِي كَرامةً، ... وقَدْ صِرْتَ في خَطٍّ مِن الأَرضِ أَعْظُما
قَلِيلاً به ما يَحْمَدَنَّكَ وارِثٌ ... إذا نالَ مِمّا كنتَ تَجْمَعُ مَغْنَما
تَحَلَّمْ عن الأَذْنَيْنَ واسْتَبْقِ وُدَّهُمْولَنْ تَسْتَطِيعَ الحِلْمَ حَتَّى تَحَلَّما
مَتَى تَرْق أَضْغانَ العَشِيرَةِ بِالأَناوتَرْكِ الأذَى يُحْسَمْ لَكَ الدَّاءُ مَحْسَما
وعَوْراءَ قد أَعْرَضْتُ عَنْها فَلْم تَضِرْ ... وذِي أَوَدٍ قَوَّمْتُهُ فتَقَوَّما
وأَغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيمِ ادِّخارَهُ ... وأَعْرِضُ عن شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّما
ولا أخْذُلُ المَوْلَى وإنْ كان خاذِلاً ... ولا أَشْتُمُ ابنَ العَمِّ إِنْ كان مُفْحَما
ولا زادَنِي عنه غِنائِي تَباعُداً ... وإنْ كانَ ذا نَقْصٍ مِن المالِ مُصْرِما
ولَيْلٍ بَهِيمٍ قد تَسَرْبَلْتُ هُوْلَهُإِذا اللَّيلُ بالنِّكْسِ الدَّنِيِّ تَجَهَّما
ولَنْ يَكْسِبَ الصُّعْلُوكُ حَمْداً ولا غِنىًإذا هو لَمْ يَرْكَبْ مِن الأَمْرِ مُعْظَما
لَحا الله صُعْلُوكاً مُناهُ وَهمُّهُ ... مِن العَيْشِ أَنْ يَلْقَى لَبُوساً ومَطْمَعا
يَنامُ الضُّحَى حتَّى إذا يَوْمُه اسْتَوَى ... تَنَبَّهَ مَثْلُوجَ الفُؤادِ مُوَرَّما
مُقِيماً مع المُثْرِينَ لَيْس بِبارِحٍ ... إذا نالَ جَدْوَى مِن طَعامٍ ومَجْثِما
والله صُعْلُوكٌ يُساوِرُ هَمَّهُ ... ويَمْضِي على الأَحْداثِ والدَّهْرِ مُقْدِما
فَتَى طَلِباتٍ لا يَرَى الخَمْصَ تَرْحَةً ... ولا شَبْعَةً إنْ نالَها عَدَّ مَغْنَما
يَرَى الخَمْصَ تَعْذِيباً وإنْ يَلْقَ شَبْعَةًيَبِتْ قَلْبُهُ مِن قِلَّةِ الهَمِّ مُبْهَما
إذا ما رَأَى يوماً مَكارِمَ أَعْرَضَتْ ... تَيَمَّمَ كبُراهُنَّ ثُمَّتَ صَمَّما
ويَغْشَى إِذا ما كانَ يومُ كَرِيهَةٍ ... صُدُورَ العَوالِي فهْوَ مُخْتَضِبٌ دَما
يَرَى رُمْحَهُ ونَبْلَهُ ومِجَنَّهُ ... وذا شُطَبٍ عَضْبِ الضَّرِيبَةِ مِخْذَما
وأَحْناءَ سَرْجٍ قاتِرٍ ولجامَهُ ... عَتادَ فتَى هَيْجا وطِرْفاً مُسَوَّما
فذلكَ إِنْ يَهْلِكُ فحُسْنُ ثَناؤُهُ ... وِإنْ عاشَ لم يَقْعُدْ ضَعِيفاً مُذَمَّما
وقال أيضا
ًوعاذِلَةٍ هَبَّتْ بلَيْلٍ تَلُومُنِي ... وقَدْ غابَ عَيُّوقُ الثُّرَيّا فعرَّدا
تلُومُ على إِعْطائِيَ المالَ ضَلَّةً ... إذا ضَنَّ بالمالِ البَخِيلُ وصَرَّدا
تقولُ ألاَ أَمْسِكْ عليكَ، فإِنَّنِي ... أَرَى المالَ عِنْدَ المُمْسِكِينَ مُعَبَّدا
ذَرِينِي ومالي، إنَّ مالَكِ وافِرٌ ... وكُلُّ امْرِئٍ جارٍ على ما تَعَوَّدا
ذَرِينِي يَكُنْ مالِي لِعِرْضِيَ جُنَّةً ... يَقِي المالُ عِرْضِي قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّدا
أَرِينِي جَواداً ماتَ هُزْلاً لَعَلَّنِي ... أَرَى ما تَريْنَ، أَو بَخِيلاً مُخَلَّدَا
وإِلاَّ فُكفِّي بَعْضَ لَوْمِكِ واجْعَلِيإلى رَأْيِ مَنْ تَلْحَيْنَ رَأْيَكِ مُسْنَدا
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي إذا الضَّيْفُ نابَنِي ... وَعزَّ القِرَى السَّدِيفَ المُسَرْهَدا
وإِنِّي لأِعراضِ العَشِيرَةِ حافِظٌ ... وحَقِّهِمُ حتَّى أَكُونَ مُسَوَّدا
يَقولُونَ لِي، أَهْلَكْتَ مالَكَ فاقْتَصِدْ،وما كنتُ لَوْلا ما يَقُولُونَ سَيِّدا
سأَذْخُرُ مِن مالِي دِلاصاً وسابِحاً ... وأَسْمَرَ خَطِّيًّا وعَضْباً مُهَنَّدا
فذلكَ يَكْفِينِي مِن المالِ كُلِّهِ ... مَصُوناً إذا ما كانَ عِنْدِيَ مُتْلَدا
وقال أيضا
ًوما أهْلُ طَوْدٍ مُشْمَخِرٍّ حُصُونُهُمِن المَوْتِ إِلاَّ مِثْلُ مَنْ حَلَّ بالصَّحْرِ
وما دارِعٌ إلاَّ كآخَرَ حاسِرٍ ... وما مُقْتِرٌ إلاَّ كآخَرَ ذِي وَفْرِ
تَنُوطُ لنا حُبَّ الحياةِ نَفوسُنا ... شَقاءً، ويَأْتِي الموتُ مِن حيثُ لا نَدْرِي
ولا أَخْذُلُ المَوْلَى لسُوءِ بَلائِهِ ... وإنْ كان مَحْنِيَّ الضُّلُوعِ على غِمْرِ
وقال قَيْس بن الحطِيم
وما بَعْضُ الإِقَامةِ في دِيارٍ ... يُهانُ بِها الفَتَى إلاَّ بَلاءُ
وبَعْضُ خَلائِقِ الأَقْوامِ داءٌ ... كَداءِ البَطْنِ لَيْسَ لَهُ دَواءُ
وبُعْضُ الدَّاءِ مُلْتَمَسٌ شِفاهُ ... ودَاءُ النُّوكِ لَيْسَ له شِفاءُ
فَما يُعْطَى الحَرِيصُ غِنىً بِحرْصٍ ... وقَدْ يَنْمِي على الجُودِ الثَّراءُ
ولَمْ أَرَ كامْرِئٍ يَدْنُو لخَسْفٍ ... له في الأَرْضِ سَيْرٌ وانْتِواءُ
وقال النَّابِغَة عبد الله بن المُخارِق
الشَّيْبانِيّ
غَنِيُّ النَّفْسِ ما اسْتَغْنَتْ غَنِيٌّ ... وفَقْرُ النَّفْسِ ما عَمِرَتْ شَقاءُ
وَلَيْسَ بنافِعٍ ذا البُخْلِ مالٌ ... ولا مُزْرٍ بصاحِبِهِ السَّخاءُ
ومَنْ يَكُ سالِماً لَمْ يَلْقَ بُؤْساً ... يُنِخْ يَوْماً يعَقْوَتِهِ البَلاءُ
وكُلُّ شَدِيدَةٍ نَزَلَتْ بقَوْمٍ ... سَيَأْتِي بَعْدَ شِدَّتِها رَخاءُ
فقُلْ للمُتَّقِي عَرَضَ المَنايا ... تَوَقَّ فَلْيس يَنْفَعُكَ اتِّقاءُ
يُعَمَّرُ ذُو الزَّمانَةِ وهُوَ كَلٌّ ... على الأَدْنَى ولَيْسَ له غَناءُ
ويَرْدَى المَرْءُ وهْوَ عَمِيدُ قَوْمٍ ... ولَوْ فادَوْهُ ما قُبِلَ الفِداءُ
فلا تَجْعَلُ طَعامَ اللَّيْلِ ذُخْراً ... حِذارُ غَدٍ، لكُلِّ غَدٍ غِذاءُ
وكُلُّ جِراحَةٍ تُوسَى فتَبْرَى ... ولا تَبْرَى إِذا جَرَح الهِجاءُ
وقال
جَمِيل بن المُعَلَّى الفَزارِيّوأُعْرِضُ عن مَطاعِمَ قد أَراها ... وأَتْرُكُها وفي بَطْنِي انْطِواءُ
فلا وأَبِيكِ ما في العَيْشِ خَيْرٌ ... ولا الدُّنْيا إذا ذَهَبَ الحَياءُ
يَعِيشُ المَرْءُ ما اسْتَحْيا بخَيْرٍ ... ويَبْقَى العُودُ ما بَقِيَ اللِّحاءُ
وقال عبد الله بن كُرَيْز
لَيْتَ شِعْرِي عن أمِيرِي ما الذي ... غالَهُ في الحُبِّ حتَّى وَدَعَهْ
لا تُهِنِّي بَعْدَ إِكْرامِكَ لِي ... فشَدِيدٌ عادَةٌ مَنْتَزَعَهْ
واذْكُرِ البَلْوَى التي أَبْلَيْتَنِي ... ومَقالاً قُلْتَهُ في المَجْمَعَهْ
لا يَكُنْ بَرْقُكَ بَرْقاً خُلَّباً ... إِنَّ خَيْرَ البَرْقِ ما الغَيْثُ مَعَهْ
كَمْ بجُودٍ مُقْرِفٍ نالَ العُلَى ... وكَرِيمٍ بُخْلُهُ قد وَضَعَهْ
وقال الشَّنْفَرى
وَلوْلا اجْتِنابُ الذَّامِ لم يُلْفَ مَشْرَبٌ ... يُعاشُ به إلاَّ لَدَىِّ ومَأْكَلُ
ولكنَّ نَفْساً حُرَّةً ما تُقِيمُ بِي ... على الضَّيْمِ إِلاَّ رَيْثَما أَتَحَوَّلُ
أُدِيمُ مِطالَ الجُوعِ حتَّى أُمِيتَهُ ... وأَضْرِبُ عنه الذِّكْرُ صَفْحاً فأَذْهَلُ
وأَسْتَفُّ تُرْبَ الأَرْضِ كيْ لا يَرَى لهُ ... عَليَّ مِن الطَّوْلِ امْرؤٌ مُتَطَوِّلُ
وَلْيَلةِ قُرٍّ يَصْطَلِي القَوْسَ رَبُّها ... وأقْطُعَهُ اللاَّتِي بِها يَتَنَبَّلُ
دَعَسْتُ عَلى غَطْشٍ وبَغْشِ وصُحْبَتِي ... سُعارٌ وإِرْزِيرٌ ووَجْرٌ وأَفْكُلُ
وأصْبَحَ عَنِّي بالغُمَيْصاءِ جالِساً ... فَرِيقانِ مَسْؤُولٌ وآخَرُ يَسْأَلُ
فأَيَّمْتُ نِسْواناً وأَيْتمْتُ إِلْدَةً ... وعُدْتُ كما أَبْدَأْتُ واللَّيْلُ أَلْيَلُ
ويومٍ مِن الشِّعْرَى يَسِيلُ لُعابُهُ ... أفاعِيهِ في رَمْضائِهِ تَتَمَلْمَلُ
نَصَبْتُ له وَجْهِي ولا كِنَّ دُونَهُ ... ولا سِتْرَ إلاَّ الأَتْحَمِيَّ المُرَعْبَلُ
نَفَرَتْ سَوْدَةُ عَنِّي أَنْ رَأَتْ ... صَلَعَ الرّأْسِ وفي الجِلْدِ وَضَحْ
قلتُ: يا سُوْدَةُ هذا والذي ... يَفْرِجُ الكُرْبَةُ عَنِّي والكَلَحْ
هو زَيْنٌ لِي في الوَجْهِ كما ... زَيَّنَ الطِّرْفَ تَحاسِينُ القَرَحْ
.....
تِلْكَ عِرْسايَ تَنْطِقانِ بهُجْرِ ... وتقُولانِ قَوْلَ أَثْرٍ وعَتْرِ
ساَلَتانِي الطَّلاقَ أنْ رَأَتانِي ... قَلَّ مالي، قد جِئْتُمانِي بنُكْرِ
فَلَعلِّي أَنْ يَكْثُرَ المالُ عِنْدِي ... ويُخَلَّى مِن المَغارِمِ ظَهْرِي
ويْكَ أنْ مَنْ يَكُنْ له نَشَبٌ يُحْ ... بَبْ، ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
....
ألَمْ تَرَ أَنَّ المَرْءَ مِن ضِيقِ عَيْشِهِ ... يُلامُ على مَعْرُوفِهِ وهُوَ مُحْنُ
وما كان مِنْ بُخْلِ مِن ضراعَةٍ ... ولكِنْ كما يَزْفِنْ له الدَّهْرُ يَزْفِنُ
.....
تُسائِلُنِي هَوازِنُ أيْنَ مالي ... وهَلْ لِي غَيرُ ما أَنْفَقْتُ مالُ
فقُلْتُ لَها: هَوازِنُ إنَّ مالِي ... أَضَرَّ به المُلِمَّاتُ الثِّقالُ
أَضَرَّ به نَعَمْ، ونَعَمْ قَدِيماً ... على ما كانَ مِن مالٍ وبَالُ
.....
وإنِّي لَعَفٌّ عن زِيارَةِ جارَتِي ... وإنِّي لَمَشْنُوءٌ إليَّ اغْتِيَابُها
إذا غابَ عَنْها بَعْلُها لم أكنْ لها ... زَءُوراً، ولَمْ تَنْبَحُ عليَّ كِلابُها
ولا أنا بالدَّارِي أَحادِيثُ بَيْتِها ... ولا عالمٌ من أَيِّ حَوْكٍ ثِيابُها
وإنَّ قِرابَ البَطْنِ يَكْفِيكَ مَلْؤُهُ ... ويَكْفِيكَ سَوْءاتِ الرِّجِالِ اجْتِنابُها
وقال جُؤَيَّة بن النَّضْر
قالَتْ طُرَيْفَةُ: ما تَبْقَى دَراهِمُنا ... وما بنا سَرَفٌ فِيها ولا خُرُقُ
إنّا إذا اجْتَمَعَتْ يوماً دَراهِمُنا ... ظَلَّتْ إلى طُرُقِ المَعْرُوفِ تَسْتَبِقُ
ما يَأْلَفُ الدِّرْهَمُ الصَّيَّاحُ صَرَّتَنا ... إلاّ يَمُرُّ عَلَيْها وهْوَ مُنْطَلِقُ
حتَّى يَصِيرَ إلى نَذْلٍ يُخَلِّدُهُ ... يَكادُ مِن صَرِّةِ إيّاهُ يَنْمَزِقُ
وقال الفَرَذْدَق
أَلَمْ تَرَنِي عاهَدْتُ رَبِّي وإِنَّنِي ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قائِمٌ ومَقامِ
على حَلْفَةٍ لا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِماً ... ولا خارِجاً مِن فِيَّ زُورُ كَلامِ
وإنَّ ابنَ إِبْلِيسٍ وإِبْليِسَ أَلْبَنا ... لَهُمْ بعذابِ النَاسِ كُلَّ غُلامِ
هُما نَفَثا فِي فِيَّ فَمَوَيْهِما ... على النَّابِحِ العاوِي أَشَّدَ رِجامِ
وكَمْ مِن قُرُونٍ قد أَطاعُوكَ أَصْبَحُوا ... أَحادِيثَ كانُوا في ظِلالِ غَمامِ
؟
وقال
تَأَبَّط شَرّاًعاذِلَتِي إنَّ بَعْضَ اللَّوْمِ مَعْنَفَةٌ ... وهَلْ مَتاعٌ وإِنْ أَبْقَيْتِهِ باقِ
يقولُ أَهْلَكْتُ مالاً لو قَنِعْتُ بهِ ... مِن ثَوْبِ صِدْقٍ ومِنْ بَزٍّ وأعْلاقِ
إنِّي زَعِيمٌ لَئِنْ لَمْ تَتْرُكِي عَذَلِي ... أَنْ يَسْأَلَ الحَيُّ عنِّي أَهْلَ آفاقِ
يا صاحِبَيَّ وَبَعْضُ القَوْلِ مَعْنَفَةٌ ... وهَلْ مَتاعٌ وإنْ أَبْقَيْتَهُ باقِ
سَدَّدَ خِلالَكَ مِن مالٍ تُجَمِّعُهُ ... حتَّى تُلاقِي الذي كُلَّ امْرِئٍ لاقِ
لَتَقْرَعِنَّ عليَّ السِّنَّ مِن نَدَمٍ ... إذا تَذَكَّرْتِ يوماً بَعْضَ أخْلاقِي
أن يَسْأَلَ الحَيُّ عنِّي أَهْلَ مَعْرِفَةٍ ... فلا يُخَبِّرُهُمْ عن ثابِتٍ لاقِ
لا شَيْء أَسْرَعُ منِّي غيرُ ذِي عُذَرٍ ... أو ذِي جَناحٍ بأَعْلَى الجَوِّ خَفّاقِ
ولا أقولُ إذا ما خُلَّةٌ بَخِلَتْ ... يا وَيْحَ نَفْسِيَ مِن شَوْقٍ وإشْفاقِ
لَكِنَّما عِوَلِي أنْ كنتُ ذَا عِوَلٍ ... على بَصِيرٍ بكَسْبِ المَجْدِ سَبّاقِ
سَبّاقِ غاياتِ مَجْدٍ في عَشِيرَتِهِ ... مُرَجِّعِ الصّوْتِ هَدّاً بَيْنَ أَرْفاقِ
عارِي الظَّنابِيبِ مُمْتَدٍ نَواشِرُهُ ... مِدْلاجِ أَدْهَمَ واهِي الماءِ غَسّاقِ
حَمّالِ أَلْوِيَةٍ شَهّادِ أَنْدِيَةٍ ... هَبَّاطِ أَوْدِيَةٍ جَوَّالِ آفاقِ
وقال حُمَيْد بن ثَوْر الهِلالِي
وإنْ قال غاوٍ مِن تَنُوخٍ قَصِيدَةً ... بِها جَرَبٌ كانَتْ عليَّ بِزَوْبَرا
ويَنْطِقُها غَيْرِي وأُكْلَفُ جُرْمَها ... فهذا قَضاءٌ حُكْمُهُ أنْ يُغَيَّرا
كذاكَ وإنْ غَنَّتْ بأَيْكٍ حَمامَةٌ ... دَعَتْ ساقَ حُرٍّ قَبْلَ صَوْتِ ابنِ أحْمرَا
وقال الحُسَيْن بن مُطَيْر الأَسَدِيّ
وما الجُودُ عن فَقْرِ الرِّجالِ ولا الغِنَى ... ولَكِنَّه خِيمُ الرِّجالِ وخِيرُها
وقَدْ تَخْدَعُ الدُّنْيا فيُمْسِي غَنِيُّهافَقِيراً، ويَغْنَى بَعْدَ عُسْرٍ فَقِيرُها
ومَنْ يَتَّبِعْ ما يُعْجِبُ النَّفْسَ لا يَزَلْمُطِيعاً لَها في كُلِّ أَمْرٍ يَضِيرُها
فَنفْسَكَ أَكْرِمْ عن أُمُورٍ كَثِيرَةٍ ... فمالَكَ نَفْسٌ بَعْدَها تَسْتَعِيرُها
ولا تَقْرَبِ الشَّيْءِ الحَرامَ فإِنَّما ... حَلاوَتُهُ تَفْنَى ويَبْقَى مَرِيُرها
ولا تُلْهكَ الدُّنْيا عن الحَقِّ واعْتَمِلْ ... لآخِرةٍ لابُدَّ أنْ سَتَصِيرُها
؟
وقال
العُدَيْل العِجْلِيّأفِي الحَقِّ أَنْ يُعْطِي الفَرَزْدَقُ حُكْمَهُوتَخْرُجُ كَفِّي مِن نَوالِكُمُ صِفْرا
أَهُمُّ فتَثْنِينِي أَواصِرُ بَيْنَنا ... وأَيْدٍ حِسانٍ لا أُؤَدِّي لها شُكْرا
وقال المُثَقّب العَبْدِيّ
لا تَقُولَنَّ إذا مَا لمْ تُرِدْ ... أَنْ تُتِمَّ الوَعْدَ في شَيْءٍ: نَعَمْ
حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ مِن بَعْدِ لا ... وقَبِيحٌ قَوْلُ لا بَعْدَ نَعَمْ
إِنَّ لا بَعْدَ نَعَمْ فاحِشَةٌ ... فبِلا فابْدَأْ إذا خِفْتَ النَّدَمْ
وقال المُتَوَكِّل اللّيْثِي
بن عبد الله بن نَهْشَل
لا تَنْهَ عن خُلُقِ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وأَقِمْ لمَنْ صافَيْتَ وَجْهاً واحِداً ... وخَلِيقَةً إِنَّ الكَرِيمَ قَؤُومُ
وإذا أَهَنْتَ أخَاكَ أو أَفْرَدْتَهُ ... عَمْداً، فأَنتَ الواهِنُ المَذْمُومُ
وإذا رَأَيْتَ المَرْءَ يَقْفُو نَفْسَهُ ... والمُحْصَناتِ فما لِذاكَ حَرِيمُ
وُمعَيِّرِي بالفَقْرِ قلتُ له اتَّئِدْ ... إنّي أَمامَكَ في الأَنامِ قَدِيمُ
قد يُكْثِرُ النِّكْسُ المُقَصِّرُ هَمُّهُ ... وَيَقِلُّ مالُ المَرْءِ وهْوَ كَرِيمُ
وقال عمرو بن الأَهْتَم المِنْقَرِيّ
مخضرم
أَلَمْ تَرَ ما بَيْنِي وَبَيْنَ ابنِ عامِرٍ ... مِن الوُدِّ قد بالَتْ عليه الثَّعالِبُوَأَصْبَحَ باقِي الوُدِّ بَيْنِي وبَيْنَهُكأَنْ لَمْ يَكُنْ، والدَّهْرُ فِيه العَجائِبُ
فقلتُ: تَعَلَّمْ أَنَّ وَصْلَكَ جاهِداً ... وهَجْرُكَ عِنْدِي شِقُّهُ مُتَقَارِبُ
فما أنا بالباكِي عليكَ صَبابَةً ... ولا بالذي تَأْتِيكَ مِنِّي المَثالِبُ
إذا المرءُ لم يُحْبِبْكَ إلاّ تكَرُّهاً ... بَدا لك مِن أَخْلاقِهِ ما يُغالِبُ
فدَعْهُ، وصَرْمُ الكَلِّ أَهْوَنُ حادِثٍ ... وفي الأرضِ للمَرْءِ الجَلِيدِ مَذاهِبُ
وقال كُثَيِّر بن أبِي جُمْعَة المُلَحِيّ
وَمنْ لا يُغَمِّضْ عَيْنَهُ عن صَدِيقِهِ ... وعن بَعْضِ ما فِيه يَمُتْ وهْو عاتِبُ
ومَنْ يَتَتَبَّعْ جاهِداً كُلَّ عَثْرَةٍ ... يَجِدْها، ولَمْ يَسْلَمْ له الدَّهْرَ صاحِبُ
وقال سُحَيْم عَبْدُ بَنِي الحَسْحاس
إسلامي
وما كنتُ جَنْدَلاً أَنْ يَبيعَنِي ... بِشَيءٍ، وإنْ أَضْحَتْ أَنامِلُهُ صِفُراأَخُوكُمْ ومَوْلَى مالِكُمْ ورَبِيبُكُمْ ... ومَنْ قَد ثَوَى فِيكُمْ وعاشَرَكُمْ دَهْراً
أَشَوْقاً ولمَّا تَمْضِ لِي غيرُ لَيْلَةٍ ... فَكيْفَ إذا سارَ المَطِيُّ بِنا عَشْرا
وقال عبد القَيْس بن خُفاف
أَجُبَيْلُ إنَّ أَباكَ كارِبُ يَوْمِهِ ... فإذا دُعِيتَ إلى المَكارِمِ فاعْجَلِ
واعْلَمْ بأَنَّ الضَّيْفَ مَخْبِرُ أَهْلِهِ ... بمَبِيتِ لَيْلِتهِ وإِنْ لَمْ يُسْأَلِ
واتْرُكْ مَحَلَّ السَّوْءِ لا تَنْزِلْ به ... وإذا نَبا بِكَ مَنْزِلٌ فتَحَوَّلِ
وإذا افْتَقَرْتَ فلا تَكُنْ مَتَخَشِّعاً ... تَرْجُو فَواضِلَ عِنْدَ غَيْرِ المِفْضَلِ
وإذا هَمَمْتَ بأمْرِ شَرٍّ فاتَّئِدْ ... وإذا هَمَمْتَ بأَمْرِ خَيْرِ فافْعَلِ
وإذا تَشاجَرَ في فُؤَادِكَ مَرَّةً ... أَمْرانِ فاعْمِدْ للأَعَفِّ الأَجْمَلِ
وقال مُهَلْهِل بن مالِك الكِناني
وتُرْوَى لمحمد بن عِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التِّيْمي
ولا تَقْطَعْ أخاً لكَ عِنْدَ ذَنْبٍ ... فإِنَّ الذَّنْبَ يَغْفِرُهُ الكَرِيمُ
ولا تَعْجِلْ على أَحِدٍ بظُلْمٍ ... فإنَّ الظُّلْمَ مَرْتَعُهُ وَخِيمُ
ولا تُفْحِشْ وإنْ مُلِّئْتَ غَيْظاً ... على أَحَدٍ فإِنَّ الفُحْشَ لُومُ
وقال يَزِيدَ بن الحَكَم الثَّقَفِي
تَرَى المَرْءَ يَخْشَى بَعْضَ مالا يَضِيرُهُ ... ويَأْمُلُ شَيْئاً دُونَهُ الموتُ واقِعُ
وما المالُ والأَهْلوُنَ إلاّ وَدائِعٌ ... ولا بدَّ يوماً أَنْ تُرَدَّ الوَدائِعُ
وكُلُّ أَمانِيِّ امْرِئٍ لا يَنالُها ... كأَضْغاثِ أَحْلامٍ يَراهُنَّ هاجِعُ
وفي اليَأْسِ عن بَعْضِ المَطامِع راحَةٌ ... ويا رُبَّ خَيْرٍ أَدْرَكَتْهُ المَطامِعُ
أَبَى الشَّيْبُ والإِسْلامُ أَنْ أتْبَعَ الهَوَىوفي الشَّيْبِ والإِسلامِ للمَرْءِ رادِعُ
وقال البَحْتَرِيّ بن أبِي صُفْرَة
وإِنِّي لَتَنْهَانِي خَلائِقُ أَرْبَعٌ ... عن الفُحْشِ فِيها للكَرِيمِ رَوادِعُ
حَياءٌ وإِسْلامٌ وشَيْبٌ وعِفَّةٌ ... وما المَرْءُ إلاّ ما حَبَتْهُ الطَّبائِعُ
فما أنا مِمَّنْ تَطَّبِيهِ خَرِيدَةٌ ... ولَوْ أَنَّها بَدْرٌ مِن الأُفْقِ طالِعُ
وقَدْ كنتُ في عَصْرِ الشّباب مُجانِباً ... هَوايَ، فأنِّي الآنَ والشَّيْبُ وازِعُ
محمد بن حازِم
وتُرْوَى لأبِي الأَسْوَد الدُّؤلِيّ
وإنِّي لَيَثْنِيَنِي عن الجَهْلِ والخَنا ... وعَن شَتْمِ أَقْوامٍ خَلائِقُ أَرْبَعُ
حَياءٌ وإِسلامٌ وبُقْيا وأَنَّنِي ... كَرِيمٌ، ومِثْلِي قد يَضُرُّ ويَنْفَعُ
فَشتَّانَ ما بَيْنِي وبَيْنَكَ، إِنَّنِي ... على كُلِّ حالٍ أسْتَقِمُ، وتَظْلَعُ
آخِرُ الجُزْءِ الأَوَّلِ من الحَماسَةِ البَصْرِيّة. يَتْلُوه في الجُزْء الثَّانِي إنْ شاء الله تَعالَى: قال إِسْحَق بن إبراهيم المَوْصِليَ.
الحَمْدُ للهِ وحْدَه، وصَلواتُه على سَيَّدِنا محمد وآلِهِ وسَلَّم تَسْلِيماً كثيراً.
الجزء الثّانيِ من الحَماسة
تأليف الشَّيخ العَلاّمة، شيخُ الأَدَب وحُجَّة العَرَب، صَدْر الدِّين عليّ بن أبي الفَرَج بن الحَسَن البَصْرِي. وفَقَّه الله لمَرْضاتِهِ.
بسم الله الرحمن الرحيم رب يَسِّر وقال إسْحَق بن إبراهيم المَوْصِلِيّ
وآمِرَةٍ بالبُخْلِ، قُلتُ لها: اقْصِري ... فذلكَ شَيْءٌ ما إليه سَبِيلُ
فمِنْ خَيْرِ حالاتِ الفَتَى لو عَلِمْتِهِ ... إذا نالَ شَيْئاً أنْ يَكُونَ يُنِيلُ
فإِنِّي رَأَيْتُ البُخْلَ يُزْرِي بأَهْلِهِ ... فأَكْرَمْتُ نَفْسِي أنْ يُقالَ بَخِيلُ
فِعالِي فِعالُ المُكْثِرِينَ تَكَرُّماً ... ومالِي قد تَعْلَمِينَ قَلِيلُ
أَرَى النّاسَ خُلاّنَ الجَوادِ، ولا أرَى ... بَخِيلاً له في العَالَمِينَ خَلِيلُ
وكَيْفَ أَخافُ الفَقْرَ أو أحْرَمُ الغِنَى ... ورَأْيُ أَمِيرِ المُؤْمِنينَ جَمِيلُ
وقال
آخر
وما كانَ ظَنِّي أَنْ تُرَى لِيَ زَلَّةٌ ... ولكنْ قَضاءُ الله ما عَنْه مَذْهَبُإذا اعْتَذَرَ الجانِي، مَحا العُذْرُ ذَنْبَهُوكُلُّ امرئٍ لا يَقْبَلُ العُذْرَ مُذْنِبُ
وقال آخر
كَفَى حَزَناً أنَّ الغِنَى مُتَعَذِّرٌ ... عليّ، وأَنِّي بالمَكارِمِ مَغْرَمُوما قَصَّرَتْ بِي في المَكارِمِ هِمَّةٌ ... ولكّننِي أسْعَى إليها فأُحْرَمُ
وقال طُرَيْح بن إسماعيل الثَّقَفِيّ
ما لِي أَذادُ وأُقْصَى حينَ أَقْصِدُكُمْ ... كما تُوَقَىَ مِن ذِي العُرَّةِ الجَرَبُ
كَأَنَّنِي لَمْ يكُنْ بَيْنِي وبَيْنكُمُ ... إِلٌّ ولا خُلَّةٌ تَرْعَى ولا نَسَبُ
لو كانَ بالوُدِّ يُدْنَى مِنْكَ أَزْلَفَنِي ... بِقُرْبِكَ الوُدُّ والإِشْفاقُ والحَدَبُ
وكنتُ دُونَ رجِالٍ قد جَعَلْتَهُمُ ... دُونِي، إذا ما رَأَوْنِي مُقْبِلاً قَطَبُوا
رَأَوْا صُدُودَكَ عَنِّي في اللِّقاءِ فقَدْتَرامَسُوا أَنَّ حَبْلِي مِنْكَ مُنْقَضِبُ
فإِنْ وَصَلْتَ فأَهْلُ العُرْفِ أَنتَ، إِنْ ... تَدْفَعُ يَدَيَّ فلِي بُقْيا ومُنْقَلَبُ
أَينَ الذَّمامَةُ والحَقُّ الذي نَزَلَتْ ... بِحِفْظِهِ وبتَعْظِيمٍ له الكُتُبُ
وهَزِّيَ العِيسَ مِن أَرْضِ يَمانِيَةٍ ... إليكَ خُوصاً، بِها التَّعْيِينُ والنَّقَبُ
يَقُودُنِي الوُدُّ والإِخْلاصُ مُخْتَرمِي ... مِن أَبْعَدِ الأَرْضِ حتَّى مَنْزِلي كَثَبُ
وحَوْكِيَ الشِّعْرَ أُصْفِيهِ وأَنْظِمُهُنَظْمَ القِلاَدَةِ فِيها الدُّرُّ والذَّهَبُ
وكنتُ جاراً وضَيْفاً منكَ في خَفَرٍ ... قد أَبْصَرَتْ مَنْزِلِي في ظِلِّكَ العَرَبُ
وكانَ مَنْعُكَ لِي كالنَّارِ في عَلَمٍ ... فَرْدٍ يَشُبُّ سَناها الرِّيحُ والحَطَبُ
وقَدْ أَتاكَ بقَوْلِ آثِمٍ كَذِبٍ ... قَوْمٍ بغَوْنِي، فَنالُوا فيَّ ما طَلَبُوا
وما عَهِدْتُكَ فِيما زَلَّ تَقْطَعُ ذا ... قُرْبَى ولا تَدْفَعُ الحَقَّ الذي يَجِبُ
فقَدْ تَقَرَّبْتُ جُهْدِي في رِضاكَ بِما ... كانَتْ تُنالُ بِه مِن مِثْلِكَ القُرَبُ
فلا أَرانِي، بإِخْلاصِي وتَنْقِيَتِي ... لكَ الثَّناءَ وقُرْبَى، مِنْكَ أَقْتَرِبُ
قد كنْتُ أَحْسَبُنِي غيرَ الغَرِيبِ، فقَدْأصْبَحْتُ أُعْلِنُ أَنِّي اليومَ مُغْتَرِبُ
أَمُشْمِتٌ بِيَ أَقْواماً صُدُورُهُمُ ... عليَّ فِيكَ إلى الأَذْقانِ تَلْتَهِبُ
فاحْفَظُ ذِمامَكَ، واعْلَمْ أَنَّ صُنْعَكَ بِيبِمَسْمَعٍ مِن عُداةٍ ضِغْنُهُمْ ذَرِبُ
إِنْ يَعْلَمُوا الخَيْرَ يُخْفُوهُ، وإِنْ عَلِمُواشَرّاً أَذاعُوا، وإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا كَذَبُوا
وقال
عِصام بن عُبَيْدَة الزِّمّانِيأَبْلِغْ أبا مِسْمَعٍ عنّي مُغَلْغَلَةً ... وفي العِتابِ حَياةٌ بَيْنَ أَقْوامِ
أدْخَلْتَ قَبْلِيَ قَوْماً لم يَكُنْ لَهُمُفي الحَقَّ أَنْ يَلِجُوا الأَبْوابَ قُدّامِي
لو عُدَّ قَبْرٌ وقَبْرٌ كنتُ أَكْرَمَهُمْ ... مَيْتاً، وأَبْعَدَهُمْ عن مَنْزِل الذَّامِ
فقَدْ جَعَلْتُ إذا ما حَاجَتِي عَرَضَتْ ... بِبابِ دارِكَ أَدْلُوها بأَقْوامِ
وقال الأَعْوَر الشَّنِّي
يا أُمَّ عُقْبَةَ إِنِّي أَيُّما رَجُلٍإذا النُّفُوسُ ادَّرَعْنَ الرُّعْبَ والرَّهَبا
لا أَمْدَحُ المَرْءَ أَبْغِي فَضْلَ نائِلِهِ ... ولا أَظَلُّ أُداجِيهِ إذا غَضِبا
ولا تَرانِي على بابٍ أَراقِبُهُ ... أَبْغِي الدُّخُولَ إذا ما بابُهُ حُجِبا
وقال آخر
أَبَيْتُ، ويَأْبَى البَأْسُ لِي أَنْ يُذِلَّنِي ... وُقُوفُ بِبابٍ صَدَّنِي عنه حاجِبُأَاُوجِبُ حَقاً لامْرِيءٍ غَيْرِ مُوجِبٍ ... لِحَقِّي، لقَدْ ضاقَتْ عليَّ المَذاهِبُ
؟
وقال
مَسْعُود بن شَيْبان المُرِّيّما بالُ حاجِبِنا يَعْتامُ بِزَّتَنا ... ولَيْس للحَسَبِ الزّاكِي بمُعْتامِ
تَدْعُو أَمامِي رِجالاً لا يُعَدُّ لَهُمْ ... جَدٌّ كَجَدِّي ولا عَمٌّ كأَعْمامِي
مَتَى رَأَيْتَ الصُّقُورَ الجُدْلَ يَقْدُمُها ... خِلْطانِ مِن رَخَمٍ قُرْعٍ ومِن هامِ
لو كانَ يَدْعُو على الأَحْسابِ قَدَّمَنِي ... مَجْدٌ تَلِيدُ وَجدٌّ رَاجِحٌ نامِي
وقال أبو المَيّاح العَبْدِي
إذا خِفْتَ مِن دارٍ هَواناً فَولِّها ... سِوَاكَ، وعن دارِ الأَذَى فتَحَوَّلِ
ولا تَكُ مِمَّنْ يَغْلِقُ الهَمُّ بابَهُ ... عَلَيْه بِمِغْلاقٍ مِن العَجْزِ مَقْفَلٍ
وما المَرْءُ إلاَّ حيثُ يَجْعَلُ نَفْسَهُ ... فَفِي صالِح الأَعمالِ نَفْسَكَ فاجْعلِ
وقال كَعْب بن زُهَيْر
بن أَبِي سُلْمَى
لو كنتَ أَعْجَبُ مِن شَيءٍ لأَعْجَبَنِي ... سَعْيُ الفَتَى وهْوَ مَخْبُوءٌ له القَدَرُ
يَسْعَى الفَتَى الأُمُورِ لَيْس يُدْرِكُها ... فالنَّفْسُ واحِدَةٌ والهَمُّ مُنْتَشِرُ
والمَرْءُ ما عاشَ مَمْدُودٌ له أَمَلٌ ... لا تَنْتَهِي العَيْنُ حتَّى يَنْتَهِي الأَثَرُ
وقال الحارِث بن خالِد
بن العاصِ المَخْزُومِي
عليَّ لإِخْوانِي رقِيبٌ مِن الصَّفا ... يَبيدُ اللَّيالِي وهْوَ لَيْسَ يَبِيدُ
يُذَكِّرُنِيهِمْ في مَغِيبٍ ومَشْهَدٍ ... فَسِيَّانِ عِنْدِي غُيِّبٌ وشُهُودُ
وإِنِّي لأسْتَحْيِي أخِي أَنْ أَبَرَّهُ ... قَرِيباً، وأَجْفُو والمَزارُ بَعِيدُ
وقال أَنس بن زُنَيْم
لمَّا طال مَقامُه ببابِ عُمَر بن عُبَيْد اللهِ التَّيْمِيّ
لقَدْ كنتُ أَسْعَى في هَواكَ، وأَبْتَغِي ... رِضاكَ، وأَعْصِي أُسْرَتِي والأَدَانِيا
حِفاظاً وإشْفاقاً لِما كانَ بَيْنَنا ... لِتَجْزِيَنِي يَوْماً، فما كنتَ جازِيا
أَرانِي إذا ما شِمْتُ مِنْكَ سَحَابَةً ... لُتْمِطرَنِي عادَتْ عَجاجاً وسافِيا
إذا قُلْتُ نَالَتْنِي سَماؤُكَ، يَمانَتْ ... شَآبِيبُها واثْعَنْجَرَتْ عن شماليا
وأَدَلَيْتُ دَلْوِي في دِلاءٍ كَثِيرةٍ ... فأُبْنَ ملاءً غَيْرَ دَلْوِي كما هِيا
أَأُقْصَى، ويُدْنَى مَنْ يُقَصِّرُ رَأْيُهُومَنْ لَيْسَ يُغْنِي عَنْكَ مِثْلَ غَنائِيا
؟
وقال
الحَجَّاج كُلَيْب بن يُوسف الثًّقَفِيّوكَتَب بها إلى عبد الملك
إذا أنا لم أَطْلُبْ رِضاكَ وأَتَّقِي ... أَذاكَ، فَيْومِي لا تُوارَى كَواكِبُهُ
أسالِمُ مَن سالَمْتَ مِن ذِي قَرابَةٍ ... وإنْ لَمْ تُسالِمْهُ فإِنِّي مُحارِبُهُ
إذا قارَفَ الحَجَّاجِ فِيكَ خَطِيَّةً ... فقامَتْ عليه في الصَّباحِ نَوادِبُهُ
إذا أَنا لَمْ أُدْنِ الشَّفِيقَ لِنُصْحِهِ ... وأُقْصِ الذي تَسْرِي إليَّ عَقارِبُهُ
وأْعْطِي المَواسِي في البَلاءِ عَطِيَّةً ... تَرُدُّ الذي ضاقَتْ عليه مَذاهِبُهُ
فمَنْ يَتَّقِي يَوْمِي، ويَرْعَى مَوَدَّتِي،ويَخْشَى غَدِي، والدَّهْرُ جَمٌّ عَجائِبُهُ
وإلاَّ فَذَرْنِي في الأُمُورِ فإِنَّنِي ... شَفِيقٌ رَفِيقٌ أَحْكَمَتْهُ تَجارِبُهُ
وقال الحارِث بن خالِد بن العاص
بن هِشام بن المُغِيرةَ المَخْزُومي
لمَّا أقام ببابِ عبد الملك ولم يَصِلْ إليه فكَرّ رَاجِعاً، وقال:
صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْها غِشاوَةٌ ... فلمَّا انْجَلَتْ قَطَعْتُ نَفْسِي أَلُومُها
وما بِي، وإنْ أَقْصَيْتَنِي، مِن ضَراعَةٍ ... ولا افْتَقَرَتْ نَفْسِي إلى مَنْ يَضِيمُها
عَطَفْتُ عليكَ النَّفْسَ حتَّى كَأَنَّما ... بِكَفَّيْكَ بُؤْسِي، أو إليكَ نَعِيمُها
وكتَبَها الوَليدُ بن يَزِيد إلى هشام بن عبد الملك:
أَليْسَ عَظِيماً أَنْ أَرَى كُلَّ وارِدٍ ... حِياضَكَ يوماً صادِراً بالنَّوافِلِ
فأَرْجِعُ مَجْدُودَ الرِّجاءِ مَصَرَّداً ... بتَحْلِئَةِ عن وِرْدِ تلْكَ المَناهِلِ
فأَصْبَحْتُ، مِمَّا كنتُ آمُلُ مِنْكُمُ ... ولَيْسَ بِلاقٍ ما رَجَا كُلُّ آمِلِ
كمُقْتَبِضِ يوماً على عَرْضِ هَبْوَةٍ ... يَشُدُّ عَلَيْها كَفَّهُ بالأَنامِلِ
وقال آخر:
أَرَى دُوَلاً هذا الزَّمانَ بأَهْلِهِ ... وبَيْنَهُمُ فيه تكونُ النَّوائِبُ
فلا تَمْنَعَنْ ذا حاجةٍ جاء طالِباً ... فإِنَّكَ لا تَدْرِي متى أَنتَ طالِبُ
وإنْ قلتَ، في شَيْءٍ: نَعَمْ، فأَتِمَّهُ ... فإنَّ نَعَمْ حَقٌّ على الحُرِّ واجِبُ
وإلاَّ فقُلْ: لا، تَسْتَرِحُ وتَرِحُ بِها ... لِكَيْ لا يَقُولَ النّاسُ إِنَّكَ كاذِبُ
وقال ثابت قُطْنَة العَتَكِيّ:
أَصْبَحْتُ لا المالُ في الدُّنْيا يُطاوِعُنِي ... لكَنَّه كيْفَ ما قَلَّبْتُ يَعْصِينِي
وكَمْ طَمِعْتُ، فما حَصّلتُ مِن طمَعٍ ... غيرَ العَناءِ، وقوْلٍ ليس يرْضينِي
وما اشْتَرَيْتُ بمالِي قَطُّ مَحْمَدَةً ... إلاَّ تَيَقنْتُ أَنِّي غيرُ مَغْبُونِ
وما دُعُيِتُ إلى مَجْدٍ ومَكْرُمَةٍ ... إلاّ أَجَبْتُ إليه مَن يُناديِني
كَمْ مِن عَدُوٍّ رَمانِي، لو قَصَدْتُ لهلَمْ يَأْخُذِ النِّصْفَ مِنِّي حينَ يَرْمِينِي
وقالت امرأةٌ من بَنِي سُلَيْم:
هَلاَّ سأَلتِ خَبِيرَ قَوْمٍ عنهمُ ... وشِفاءُ عِلْمِكِ خابِراً أَنْ تَسْأَلِي
يُبْدِي لكِ العِلْمَ الجَلِيَّ بفَهْمِهِ ... فَيَلُوُح قَبْلَ تَفَهُّمٍ وتَأَمُّلِ
وقال آخر:
اسْتَخْبِرِ النّاسَ عمّا أنتَ جاهِلُهُ ... مِن الأُمُورِ، فقَدْ يَجْلُو العَمَى الخَبَرُ
فإنْ أَقَمْتَ على أنْ لا مُساءَلَةٌ ... فلَسْتَ تَعْرِفُ ما تَأْتِي وما تَذَرُ
وقال حاتم الطّائِي:
وإنِّي لَتَهْوانِي الضُّيُوفُ إذا رَأَتْ ... بِعَلْياءَ نارِي آخِرَ اللَّيْلِ تُوقَدُ
ولا أَشْتَرِي مالاً بَغَدْرٍ عَلِمْتُهُ ... ألا كُلُّ مالٍ خَالَطَ الغَدْرَ أَنْكَدُ
وقال عبد الله بن عبد السّلام العَبْدِيّ:
إذا غَدَوْتُ فلا أَغْدُو على حَذَرٍ ... مِن خَيفَةٍ الشّمْسِ أَخْشاها ولا زُحَلِ
الله يُمْضِي الذي يَقْضِي عليَّ، فَلَمْ ... أَخْشَ البَوائِقَ من ثَوْرٍ ومنْ حَمَلِ
وقال القُطامِيّ، عُمَيْر بن شُيَيْم التَّغْلِبِي:
أَرَى اليَأْسَ أَدْنَى للرَّشادِ، وإنَّما ... دَنا الغَيُّ للإِنْسانِ مِن حَيْثُ يَطْمَعُ
فَدَعْ أَكثْرَ الأَطماعِ عنكَ فإنَّها ... تَضُرُّ، وإنَّ اليَأْسَ ما زالَ يَنْفَعُ
وقال كَعْب بن بِلال:
ولمَّا رَأَيْتُ الوُدَّ ليس بِنافعِي ... لَدَيْهِ، ولا يَرثِي لحاجَةِ مَوجَعِ
زَجَرْتُ الهَوَى، إنِّي امْرُؤٌ لا يقُودُنِي ... هَوايَ ولا رَأْيِ إلى غَيْرِ مَطْمَعِ
وقال كُثِيرِّ عَزَّة:
أَوَدُّ لكُمْ خَيْراً وتَطَّرِحُونَنِي ... أَكَعْبَ عَمْرِو لاخْتِلافِ الصَّنائِعِ
وكَيْفَ لكُمْ صَدْرِي سَلِيمٌ، وأَنْتُمُ ... على حَسَكِ الشَّحْناءِ حِنْوُ الأَضالِعِ
إذا قَلَّ مالِي زادَ عِرْضِي كَرامَةً ... عليَّ، ولم أَتْبَعْ دِقاقَ المَطامِعِ
وقال المَرَّار بن سَعِيد:
إذا شِئْتَ يوماً أَنْ تَسُودَ عَشِيرَةً ... فبالحِلْمِ سُدْ، لا بالتَّسَرُّعِ والشَّتْمِ
وَللْحِلْمُ خَيْرٌ فاعْلَمَنَّ مَغَبَّةً ... مِن الجَهْلِ، إلاَّ أَنْ تَشَمَّسَ من ظُلْمِ
وقال الحَكَم بن عَبْدَل أموي الشعر:
أَطْلُبُ ما يَطْلُبُ الكَرِيمُ مِن الرِّزْ ... قِ بنَفْسِي، وأَجْمِلُ الطَّلبَا
وأَحْلُبُ الدِّرَّةَ الصَّفِيَّ، ولا ... أَحْمَدُ أَخْلافَ غَيْرِها حَلَبا
إنِّي رَأَيْتُ الفَتى الكَرِيمَ إذا ... رَغَّبْتَهُ في صَنِيعَةٍ رَغبا
والعَبْدُ لا يَطْلُبُ العَلاءَ ولا ... يُعْطِيكَ شَيْئاً إلاَّ إذا ُرهِبا
مِثْلُ الحَمارِ المُوَقًّعِ السَّوْءِ لا ... يُحْسِنُ مَشْياً إلاَّ إذا ضُرِبا
قد يُرْزِقُ الخافِضُ المُقِيمُ وما ... شَدَّ لِعَنْسِ رَحْلاً ولا قَتَبا
ويُحْرَمُ الرِّزْقَ ذُو المَطِيَّةِ والرَّحْ ... لِ ومَن لا يَزالُ مُغْترِبا
وقال آخر:
ولا يَرْهَبُ ابنُ العَمِّ ما عِشْتُ سَطْوَتِيولا أَخْتَتِي مِن صَوْلَةِ المُتَهَدِّدِ
وإِنِّي وإنْ أَوْعَدْتُهُ، أبو وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعادِي، ومُنْجِزُ مَوْعِدِي
وقال المُقَنَّع الكِنْدِي محمد بن عُمَيْر:
يُعاتِبُني في الدِّيْنِ قَوْمِي، وإِنَّما ... دُيُونِيَ في أَشْياءَ تُكْسِبُهُمْ حَمْدا
أَسُدُّ به ما قَدْ أَخْلُّوا وضَيَّعُوا ... ثُغُورَ حُقُوقٍ ما أطاقُوا لها سَدّا
فما زَادَنِي الإقْتارُ إلاَّ تَقَرُّباً ... وما زادَنِي فَضْلُ الغِنَى مِنْهُمُ بُعْدا
وفي جَفْنَةٍ لا يُغْلَقُ البابُ دُونَها ... مُكَلَّلَة لَحْماً مُدَفَّقَةٍ ثَرْداً
وفي فَرَسٍ نَهْدٍ عَتِيقٍ جَعلْتُهُ ... حِجاباً لبَيْتِي، ثُم أَخْدَمْتُهُ عَبْداً
وإنّ الذي بَيْنِي وبَيْنَ بَنِي أَبِي ... وبَيْنَ بَنِي عَمِّي لُمَخْتَلِفٌ جِدّا
أَرَاهُمْ إلى نَصْرِي بِطاءً، وإنْ هُمُ ... دَعَوْنِي إلى نَصْرٍ أَتَيْتُهُمُ شَدّا
فإنْ أَكَلُوا لَحْمِي وَفَرْتُ لُحُومَهُمُوإنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْداً
وإنْ ضَيَّعُوا غَيْبَي حَفِظْتُ غُيُوبَهُمْوإنْ هُمْ هَوُوا غَيِّي هَوِيتُ لَهْمْ رَشْداً
وإنْ زَجَرُوا طَيْراً بنَحْسِ تَمُرُّ بِي ... زَجَرْتُ لَهُمْ طَيْراً تمُرُّ بهِمْ سَعْدا
ولا أَحْمِلُ الحِقْدَ القَدِيمَ عليهمُ ... ولَيْس رَئَيسُ القَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الحِقْدا
لهُمْ جُلُّ مالِي إنْ تَتابِعَ لِي غنىً ... وإنْ قَلَّ مالِي لَمْ أُكَلِّفْهُمُ رِفْدا
وإنِّي لَعَبْدُ الضَّيْفِ ما دام ثاوِياً ... وما شِيَمةٌ لِي غَيْرَها تُشْبِه العَبْدا
على أنَّ قَوْمِي ما تَرَى عَيْنُ ناظِرٍ ... كَشِيبِهمُ ولا مُرْدِهِمْ مَرْدا
بِفَضْلٍ وأحْلامٍ وجُودٍ وسُؤْدُدٍ ... وقَوْمِي رَبِيعٌ في الزَّمانِ إذا اشْتَدّا
وقال القُطامِيّ:
والعَيْشُ لا عَيْشَ إلاَّ ما تَقَرُّ به ... عَيْنٌ، ولا حالَ إلاّ سَوْفَ تَنْتَقِلُ
قد يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حاجَتِهِ ... وقَدْ يكونُ مع المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلَ
ورُبَّما فاتَ قَوْماً بعضُ أَمْرِهِمُ ... مِن التَّأَنِّي، وكانَ الحَزْمُ لو عَجِلُوا
وقال محمد بن أمية:
ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل
وقال عبد الله بن عبد الأعلى القرشي
إسلامي
عزف فلم تكسر، وإن هي مزقت ... فالوهن والكسير للمتبددفمبثل هذا الدهر ألف بينتا ... بتواصل وتراحم وتودد
وقال آخر
كأَنَّ الغَدْرَ لم يُخْلَقْ لحُرٍّ ... فلَسْتَ تَراهُ إلاّ في لَئِيمِيُمَيِّزُ بَيْنَ أَقَوامٍ فيُبْدِي ... صَمِيمَ القَوْمِ مِن غَيْرِ الصَّمِيمِ
فهذا لَيْس يُوجَدُ في لَئِيمٍ ... وهذا ليس يُوجَدُ في كَرِيمِ
وقال الأبَيْرِد الرِّياحِيّ
أموي الشعر
مَتَى تَرْءَ مَوْصُوفاً مِن الناسِ غائِباً ... تَراهُ عِياناً دُونَ ما قالَ واصِفُوما المَرْءُ في الأَخْلاقِ إلاّ كإِلْفِهِ ... وأَخْدَانِهِ، فانْظُرْ مَن المَرْءُ آلِفُ
ويا رُبَّ كُرْهٍ جاءَ مِن حيثُ لم تَخَفْ ... ومَيْسُورِ أَمْرٍ في الذي أَنتَ خائِفُ
وقال المُرَقِّشُ الأَصْغَر بن سُفْيان
متى ما يَشَأْ ذُو الوُدِّ يَصْرِمُ خَلِيلَهُ ... وَيَعْبَدْ عليه لا مَحالَةَ ظالِما
فمَنْ يَلْقَ خَيْراً يَحْمِدَ النّاسُ أمْرَهُ ... ومَنْ يَغْوِ على الغَيِّ لائِما
أَلَمْ تَرَ أنَّ المَرْءَ يَجْذِمُ كَفَّهُ ... ويَجْشَمُ مِن لَوْمِ الصَّدِيقِ العَظائِما
وقال النَّمِر بن تَوْلَب العُكْلِي
قالَتْ، لِتَعْذِلَنِي من اللّيلِ: اسْمَعِ، ... سَفَهاً تَبَيُّتُكِ المَلامَةَ فاهْجَعِي
لا تَعْجَلِي لغَدٍ، فأمْرُ غدٍ له ... أَتعَجَّلينَ الشَّرَّ ما لَمْ تَمْنَعِي
قامَتْ تُبَكِّي أَنْ سَبَأْتُ لِفْتْيَةٍ ... زِقاً وخابِيَةً بِعَوْدٍ مُقُطَعِ
لا تَجْزَعِي إنْ مَنْقفساً أَهْلَكْتُهُ ... وإذا هَلَكْتُ فعِنْدَ ذلكِ فاجْزَعِي
وإذا أتانِي إخْوَتِي فَذَرِيهِمُ ... يَتَعَلَّلُوا في العَيْشِ أو يَلْهُوا مَعِي
لا تَطْرُدِيهِمْ عن فِراشِيَ إنَّهُ ... لا بُدَّ يوماً أنْ سيخْلُو مَضْجَعِي
وقال عُمَيْر بن مِقْدام الأَسَدِيّ
مَضَى ما مَضَى مِن حُلْوِ عَيْشٍ ومُرِّهِ ... كأَنْ لم يَكُنْ إلاّ كأَحْلامِ راقِدِ
وما الدَّهْرُ إلاَّ ليلةٌ مِثْلُ لَيْلَةٍ ... ويَوْمٌ كَيْومٍ، صادِرٌ مِثْلُ وارِدِ
وقال آخر
إذا أَنْتَ لم تَسْتَقْبِلِ الأَمْرَ لَمْ تَجِدْ ... لِكَفِّكَ في إِدْبارِهِ مُتَعَلَّقافإنْ أَنْتَ لم تَتْرُك أَخاكَ وزَلَّةً ... إذا زَلَّها أَوْشَكْتُما أَنْ تَفَرَّقا
إذا كَدِرَتْ أَخْلاقُ مَوْلاكَ فاقْتَصِرْ ... على ما صَفا مِنْهُ وَدَعْ ما تَرَنَّقَا
وقال بَشّار بن بُرْد
أَخُوكَ الذي إْن تَدْعُهُ في مُلِمَّةٍ ... يُجِبْكَ، وإنْ عاتَبْتَهُ لانَ جانِبُهْ
إذا كنتُ في كُلِّ الأُمُورِ مُعاتِباً ... صَدِيقَكَ، لم تَلْقَ الذي لا تُعاتِبُهْ
فعِشْ واِحداً، أو صِلْ أخاك، فإنَّهُ ... مُقارِفُ ذَنْبٍ تارَةً ومُجانِبُهْ
إذا أنتَ لم تَشْرَبْ مِراراً على القَذَى ... ظَمِئْتَ، وأيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشارِبُهْ
إذا كانَ ذَوَّاقاً أَخُوكَ مِن السُّرَى ... مَوَجَّهَةً في كُلِّ فَجٍّ رَكائِبُهْ
فخلِّ له وَجْهَ الطَّرِيقِ، ولا تَكُنْ ... مَطِيَّةً رَحّالٍ كَثِيرٍ مَذاهِبُهْ
وما النّاسُ إلاّ حافِظٌ ومُضَيِّعٌ ... وما العَيْشُ إلاّ ما تَطِيبُ عَواقِبُهْ
وقال مِسْكِين الدّارِمِي
رَبِيعَة بن عامر
إذا ما خَلِيلِي خانَنِي وائْتَمَنْتُهُ ... ويَكْفِيكَ مِن قُبْحِ الأُمُورِ اسْتِماعُها
نَبَذْتُ إليه وَدَّهُ وتَرَكْتُهُ ... مُطَلَّقَةً لا يُسْتَطاعُ ارْتِجاعُها
وفتْيانِ صِدْقٍ لستُ مُطْلِعَ بَعْضِهِمْ ... على سِرِّ بَعْضِ غيرَ أَنِّي جِماعُها
يَظَلُّونَ شَتَّى في البِلادِ، وسِرُّهُمْ ... إلى صَخْرَةٍ أَعْيا الرِّجالَ انْصِداعُها
لكُلِّ امْرِئٍ شِعْبٌ مِن القَلْبِ فارِغٌ ... ومَوضِعُ نَجْوَى لا يُرامُ اطِّلاعُها
وقالت امرأةٌ كان زوجُها في بَعْثِ عمر بن الخطّاب
تَطاوَلَ هذا الليلُ وازْوَرَّ جانِبُهْ ... ولَيْس إلى جَنْبِي حَبِيبٌ ألاعِبُهْ
فوالله لَوْلا الله لا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَزُعْزِعَ مِن هذا السَّرِيرِ جَوانِبُهْ
مَخافَةَ رَبِّي والحَياءُ يَصُونُنِي ... وأُكْرِمُ زَوْجِي أَنْ تُنالَ مَراكِبُهْ
وقال الأَقْرع بن حابِس
أَصُدُّ صُدُودَ امْرِئٍ مُجْمِلٍ ... إذا حالَ ذُو الوُدِّ عن حالِهِ
ولَسْتُ بِمُسْتَعْتِبٍ صاحِباً ... إذا جَعَلَ الهَجْرَ مِن بالِهِ
ولكنَّنِي قاطِعٌ حَبْلَهُ ... وذلكَ فِعْلِي بأَمْثالِهِ
وإنِّي على كُلِّ حالٍ له ... مِن ادْبارِ وُدٍّ وإِقْبالِهِ
لَراعٍ لأَحْسَنِ ما بَيْنَنا ... بِحِفْظِ الإِخاءِ وإجْلالِهِ
وقال مَعْن بن أَوس المُزَنِيّ
وذِي رحِمٍ قَلَّمْتُ أَظْفارَ ضِغْنِهِ ... بِحِلْمِيَ عَنْهُ، وهُوَ لَيْسَ له حِلْمُ
يُحاولُ رَغْمِي لا يُحاوِلُ غَيْرَهُ ... وكالمْوتِ عِنْدِي أَنْ يَحِلَّ به الرَّغْمُ
فإنْ أَعْفُ عنه أُغْضِ عَيْناً على القَذَى ... ولَيْسَ بالعَفْوِ عن ذَنْبِه عِلْمُ
وإِنْ أَنْتَصِرْ مِنْه أَكُنْ مِثْلَ رائِشِ ... سِهامَ عَدُوٍّ يُسْتَهاضُ بِها العَظْمُ
فبادَرْتُ مِنْه النَّأْيَ، والمَرْءُ قادِرٌ ... على سَهْمِهِ ما دامَ في كَفِّهِ السَّهْمُ
حَفِظْتُ له ما كان بَيْنِي وبَيْنَهُ ... وما يَسْتَوِي حَرْبُ الأَقارِبِ والسِّلْمُ
ويَشْتِمُ عِرْضِي في المُغَيَّبِ جاهِداً ... ولَيْس له عِنْدِي هَوانٌ ولا شَتْمُ
إذا سُمْتُهُ وَصْلَ القَرابَةِ سامَنِي ... قَطِعيَتَها، تلكَ السَّفَاهَةُ والظُّلْمُ
وإن أَدْعُهُ للنِّصْفِ يَأْبَى ويَعْصِنِي ... ويَدْعُ بحُكْمٍ جائِرٍ غَيْرُهُ الحُكْمُ
وَلوْ لا اتقاءُ الله والرَّحِمُ التي ... رِعايَتُها بِرُّ وتَعْطِيلُها إِثْمُ
إذَنْ لَعلاهُ بارِقِي، وخَطَمْتُهُ ... بوَسْمِ شَنارٍ لا يُشارِكُهُ وَسْمُ
يَوَدُّ لَوَ أَنِّي مُعْدِمٌ ذُو خَصاصَةٍ ... وأَكْرَهُ جُهْدِي أَنْ يُلِمَّ به العُدْمُ
ويَعْتَدُّ غُنْماً في الحَوادِثِ نَكْبَتِي ... ولَيْسَ له فِيها سَناءٌ ولا غُنْمُ
رَأَيْت انْثِلاماً بَيْنَنا فَرقَعْتُهُ ... برِفْقِي وإحْيائِي، وقَدْ يُرْقَعُ الثَّلْمُ
وأَدْفَعُ عنه كُلَّ أَبْلَخَ ظالِمٍ ... أَلَدَّ، شَدِيدِ الشَّغْبِ، غايَتُهُ الغَشْمُ
فما زِلْتُ في لِينِي له وتَعَطُّفِي ... عَلَيْهْ، كما تَحْنُو على الوَلَدِ الأَمُّ
وَقْولِي إذا أَخْشَى عليه مُصِيبَةً ... ألا اسْلَمْ، فذاكَ الخالُ والأَبُ والعَمُّ
وصَبْرِي على أَشْياءَ مِنْهُ تَرِيبنِي ... وَكَظْمِي على غَيْظِي، وقدْ يَنْفَعُ الكَظْمُ
لأَسْتَلَّ مِنْه الضَّغْنَ، حتَّى اسْتَلَلْتُهُوقَدْ كان ذا حِقْدِ يَضِيقُ به الجِرْمُ
فأَبْرَأْتُ ضِغْنَ الصَّدْرِ مِنْهِ تَوَسُّعاًبِحِلْمِي، كما يُشْفَى بأَدْوِيةٍ سُقْمُ
وأَطْفَأْتُ نارَ الحَربِ بَيْنِي وبَيْنَهُفأَصْبَحَ بَعْدَ الحَرْبِ وهْوَ لَنا سِلْمُ
وقال
نَهْشَل بن حَرِّيّومَوْلىً عَصانِي، واسْتَبَدَّ بَرأْيِهِ ... كما لَمْ يُطَعْ بالبَقَّتَيْنِ قَصِيرُ
فَلَّما رَأَى ما غِبَّ أَمْرِي وأَمْرِهِ ... وناءَتْ بأَعْجازِ الأُمُورِ صُدُورُ
تَمَنَّى نَئِيشاً أَنْ يَكُونَ أَطاعَنِي ... وقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأُمُورِ أُمُورُ
وقال الأَحْوص عبد الله بن محمد الأَوْسِي
أَرانِي إذا عادَيْتُ قَوْماً رَكَنْتُمُ ... إليهمْ، فآيَسْتُمْ مِن النَّصْرِ مَطْمَعِي
وكَمْ نَزَلَتْ بِي مِن أُمُورٍ مُمِضَّةٍ ... خَذَلَتُمْ عَلَيْها، ثَم لَمْ أَتَخَشَّعِ
فأَدْبَرَ عنِّي كَرْبُها لَمْ أُبالِهِ ... ولَمْ أَدْعُكُمْ في هُوْلِها المُتَطَلِّعِ
أُؤَمِّلُ فِيكمْ أَنْ تَرَوْا غَيْرَ رَأْيِكُمْوَشِيكاً، وكَيْما تَنْزِعُوا خَيْرَ مُنْزَعِ
وقَدْ أَبْقَتِ الحَرْبُ العَوانُ وعَضُّها ... على خَذْلِكُمْ مِنِّي فَتىً غيرَ مُقْمَعِ
وقال عَمْرو بن أُمَيَّة
وتُرْوُى للغَطْمَّش الضَّبِّيّ
وإنِّي لأَسْتَبْقِي ابنَ عَمِّي واتَّقِي ... مُعاداتَهُ حتَّى يَرِيعَ ويَعْقِلا
وأَلْبَسْتُهُ مِن فَضْلِ حِلْمِي خَلِيقَةً ... تكونُ لِذِي رَأْيٍ مِن الجَهْلِ مَوْئِلا
أُعِدُّ له مالِي إذا اعْتَلَّ مالُهُ ... رُجُوعاً عَلَيه بالنَّدَى وتَفَضُّلا
لِيُعْتِبَ يوماً أو يُراجِعُ عَقْلَهُ ... فيُصْبِحَ ما في نَفْسِهِ قد تَبَدَّلا
وآخُذُ أَقْصَى حَقِّهِ مِن عَدُوِّهِ ... له، وأُدُاجِيهِ وإنْ كان مُوغِلا
ولا طَوْلَ إلاّ لامْرِئٍ صانَ عِرْضَهُ ... وحاوَلَ بالمَعْرُوفِ أَنْ يَتَطَوَّلا
وقال المُغِيرَة بن حَبْناء التَّمِيميّ
إذا ما رَفيقِي لَمْ يَكُنْ خَلْفَ ناقَتِي ... له مَرْكَبٌ فَضْلٌ، فلا حَمَلَتْ رَحْلِي
وَلَمْ يَكُ مِن زادِي له نِصْفُ مِزْوَدِي ... فلا كنتُ ذا زادٍ ولا كنتُ ذا رَحْلِ
شَرِيكَيْنِ فِيما نحنُ فيه، وقَدْ أَرَى ... عليَّ له فَضْلاً بما نالَ مِن فَضْلِي
وقال حاتِم الطّائِيّ
إذا كنتَ رَبًّا للقَلُوصِ فلا تَدَعْ ... رَفِيقَكَ يَمْشِي خَلْفَها غيرَ راكِبِ
أَنِخْها، فأَرْدِفْهُ، فإنْ حَمَلَتْكُما ... فذاكَ، وإِنْ كان العِقابُ فعاقِبِ
وما أنا بالسَّاعِي بِفَضْلِ زِمامِها ... لِتَشْرَبَ ما في الحَوْضِ قَبْل الرَّكائِبِ
إذا أَوْطَنَ القومُ البُيوتَ وَجَدْتَهُمْ ... عُماةً عن الأخْبارِ خُرْقَ المَكاسِبِ
وقال عُمارَة بن عَقِيل
تَجَرَّمْتَ لِي مِن غَيْرِ جُرْمٍ عَلِمْتُهُسِوَى أَنْ يكُونَ الدَّهْرُ لي قد تَغَيَّرا
فَأقْبَلَ بالأَعْداءِ مِن كُلِّ جانِبٍ ... عليَّ، ووَلَّى بالصَّدِيقِ فأَدْبَرا
وقَدْ كنتَ لِي عُوْناً على الدَّهِر ناصِراً ... عَزِيزاً، وغَيْثاً كلَّما شِئْتُ أَمْطَرا
وما كنتُ غَدَّاراً كُفُوراً، فلا تَكُنْ ... بِصاحِبِكَ الوافِي أَعَقَّ وأَغْدَرا
فما أَنتَ إلاَّ مِن زَمانِكَ إنَّهُ ... زَمانٌ جَفَتْ خُلاَّنُهُ وَتَنَكَّرا
؟
وقال
الأَخْطَل غِياث بن غَوْثأَبَنِي أُمَيَّةَ إنْ أَخُذْتُ كَثيِرَكُمْ ... دُونَ الأَنامِ فَما أَخَذْتُمُ أَكْثَرُ
أَبَنِي أُميَّةَ لِي مَدائِحُ فِكُمُ ... تُنْسَوْنَ إنْ طالَ الزَمانُ وتُذْكَرُ
وقال مَعْن بن أَوْس المُزَنِيّ
لَعَمْرُكَ ما أَهْوَيْتُ كَفِّي لرِيبَةٍ ... ولا حَمَلَتْنِي نَحْوَ فاحِشَةٍ رِجْلي
وأَعْلَمُ أَنِّي لم تُصِبْنِي مُصِيبَةٌ ... مِن الدَّهْرِ إلاّ قد أَصابَتْ فَتىً قَبْلِي
ولا قادَنِي سَمْعِي ولا بَصَرِي لَها ... ولا دَلَّنِي رَأْيٌ عَلَيْها ولا عَقْلِي
ولا مُؤْثِراً نَفْسِي على ذِي قَرابَةٍ ... وأُثِرُ ضَيْفِي، ما أَقامَ، على أَهْلِي
وقال عاصِم بن هِلال النَّمِريّ
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي، لكُلِّ مُلِمَّةٍ ... تَحَيَّفُ أَمْوالَ الرِّجالِ، رَؤُمُ
وأَنَّ النَّدَى مَوْلَى طَرِيفي وتالِدِي ... وأَنِّي قَرِيبٌ للعُفاةِ حَمِيمُ
أصُونُ ببَذْلِ المالِ عِرْضاً تَكَشَّفْت ... صُرُوفُ اللّيالِي عَنْهُ وهْوَ سَليمُ
وقال صالِح بن عَبْد القُدُّوس الأَزْدِيّ
من شعراء الدولة العباسية
رَأَيْتُ صَغِيرَ الأَمْرِ يَنْمِي شُؤُونُهْ ... فَيَكْبُرُ حتَّى لا يُحَدَّ، ويَعْظُمُوإنَّ عَناءً أنْ تُفَهِّمَ جاهِلاً ... ويَحْسِبُ جَهْلاً أنَّه مِنْكَ أَفْهَمُ
متى يَبْلُغُ البَنْيانُ يَوْماً تَمامُهُ ... إذا كنتَ تَبْنِيهِ وغَيْرُكَ يَهْدِمُ
وقال أيضا
ًما يَبْلُغُ الأَعْداءُ مِن جاهِلٍ ... ما يَبْلُغُ الجاهِلُ مِن نَفْسِهِ
والشَّيْخُ لا يَتْرُكُ أَخْلاقَهُ ... حتَّى يَوارَى في ثَرَى رَمْسهِ
إذا ارْعَوَى عادَ إلى جَهْلِهِ ... كذِي الضَّنا عادَ إلى نَكْسِهِ
وإنَّ مَنْ أَدَّبْتَهُ في الصَّبا ... كالعُودِ يُسْقَى الماءَ في غَرْسِهِ
حتَّى تَراهُ مُورِقاً ناضِراً ... بَعْدَ الذي أَبْصَرْتَ مِن يُبْسِهِ
فالْقَ أَخا الضَّغْنِ بإِيناسِهِ ... لتُدْرِكَ الفُرْصَةَ في أُنْسِهِ
وقال أيضا
إذا ما أَهَنْتَ النَّفْسَ لَمْ تَلْقَ مُكْرِماً ... لها، بَعْدَ إِذْ عَرَّضْتَها لِهوانِإذا ما لَقِيتَ النّاسَ بالجَهْلِ والخَنا ... فَأَيْقِنْ بُذلِّ مِن يَدٍ ولِسَانِ
لَعَمْرُكَ ما أَدَّى امرؤٌ حَقَّ صاحِبٍ ... إذا كانَ لا يَرْعاهُ في الحَدَثانِ
ولا أَدْرَكَ الحاجاتِ مِثْلُ مُثابِرٍ ... ولا عاقَ عَنْها النُّجْحَ مِثْلُ تَوانِ
وقال صالِح بن جَناح اللَّخْمِيّ
أحد الحُكَماء
أَلا إنَّما الإِنْسانُ غِمْدٌ لقَلْبِهِ ... ولا خَيْرَ في غِمْدٍ إذا لَمْ يَكُنْ نَصْلُ
وإنْ تُجْمَعِ الآفاتُ، فالبُخْلُ شَرُّها ... وشَرٌّ مِن البُخْلِ المَواعِيدُ والمَطْلُ
ولا خَيْرَ في وَعْدٍ إذا كان كاذِباً ... ولا خَيْرَ في قَوْلٍ إذا لَمْ يَكُنْ فِعْلُ
وقال مُحَلِّم بن بَشامَة
ورُبَّ ابنِ عَمٍّ سَنَّ لي حَدَّ سَهْمِهِ ... ونَكَّبَ عَمْداً عن مَقاتِلِهِ سَهْمِي
رَعَيْتُ الذي لم يَرْعَ بَيْنِي وبَيْنَهُ ... وعادَ إلى ما دَلَّ مِنْ حِلْمِهِ حِلْمِي
وقال آخر
هَبَّتْ تلُومُ وتَلْحانِي على خُلُقٍ ... عُوِّدْتُهُ عادَةٌ، والخَيْرُ تَعْوِيدُقالَتْ: رَأَيْتُكَ مِتْلافاً لِما مَلَكَتْ ... مِنْكَ اليَمِينُ، فَهلاَّ فيكَ تَصْرِيدُ
قلتُ: اتْرُكِينِي أبعْ مالِي بمَكْرُمَةٍ ... يَبْقَى ثَنائِي بِها ما أَوْرَقَ العُودُ
إنَّا إذا ما أَتَيْنا فِعْلَ مَكْرُمَةٍ ... قالَتْ لَنا أَنْفُسٌ مَحْمُودَةٌ: عُودُوا
؟؟
وقال
أُحَيْحَة بن الجُلاح جاهِلياسْتَبْقِ مالَكَ، لا يَغْرُرْكَ ذُو نَشَبٍ ... مِن ابنِ عَمِّ ولا عُمٍّ ولا خالِ
فَلنْ أَزالَ على الزَّوْراءِ أَعْمُرُها ... إنَّ الحَبيبَ إلى الإخْوانِ ذُو المالِ
كُلُّ النِّداءِ إذا نادَيْتُ يَخْذُلُنِي ... إلاّ نِدايَ إذا نادَيْتُ يا مالِي
وقال أيضا
وما يَدْرِي الفَقِيرُ مَتَى غِناهُ ... وما يَدْرِي الغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُوما تَدْرِي إذا يَمَّمْتَ أَرْضاً ... بأَيِّ الأَرْضِ يُدْرِكُكَ المَقِيلُ
وقال أبو دُؤاد الإِيادِيّ
لا يَخافُ النَّدِيمُ جَهْلِي على الكَأْ ... سِ، ولا يَحْذَرُ الصَّدِيقُ عُقُوقِي
أَمْنَعُ النَّفْسَ لَذَّةَ الماءِ ظَمْآ ... نَ إذا لَمْ إذا لَمْ يَنَلْهُ قَبْلُ رَفِيقِي
وأُبِيحُ الصَّدِيقَ جاهِي ومالِي ... إنْ دَعانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ صَدِيقِي
طامِحُ الطَّرْفِ، لا يُدَنِّسُ عِرْضِي ... طَمَعٌ عِنْدَ ناقِصٍ مَرْزُوقِ
وقال
عبد الله بن المُخارِقتَوَدُّ عَدُوِّي، ثُمَّ تَزْعَمُ أَنَّنِي ... صَدِيقُكَ، إنَّ الرَّأْيَ مِنْكَ لَعازِبُ
ولَيْس أخِي مَنْ وَدَّنِي بِلِسانِهِ ... ولكنْ أخِي مَنْ وَدَّنِي وهْوَ غائِبُ
وقال عبد الله بن مُعاوِية الطَّالِبيّ
أنَّى يكُونُ أَخاً ذا مُحافَظَةٍ ... مَن أنتَ مِن غَيْبِهِ مُسْتَشْعِرٌ وَجَلا
إذا تَغَيَّبْتَ لَمْ تَبْرَحْ تَظُنُّ به ... ظَنَّاً، وَتَسْأَلُ عَمّا قالَ أو فَعَلا
وقال آخر
إذا ما كنتَ في أَرْضٍ غَرِيباً ... تَصِيدُ بها ضَراغِمَها البُغاثُفكُنْ ذا بِزَّةٍ، فالمَرْءُ يُزْرِي ... به في الحَيِّ أَثْوابٌ رِثاثُ
وقال مالِك بن حَرِيم الهَمْدانِيّ
وتُرْوَى لكَعْب بن سَعْد الغَنَوِيّ
وذِي نَدَبٍ دامِي الأظَلِّ قَسَمْتُهُ ... مُحافَظَةً بَيْنِي وبَيْنَ زَمِيلِي
وزادٍ رَفَعْتُ الكَفَّ عَنْه تَجَمُّلاً ... لأُوثِرَ في زادٍ عليّ أَكِيلِي
وما أنا للشَّيْءِ الذي ليس نافِعِي ... ويَغْضَبَ منه صاحِبِي، بقَؤُولِ
ولَنْ يَلْبَثَ الجُهَّالُ أَنْ يَتَهَضَّمُوا ... أخا الحِلْمِ ما لَمْ يَسْتَعِنْ بجَهُولِ
وقال عَدِيّ بن الرِّقاع
وفراقِ ذِي حَسَبٍ ورَوْعَةِ فاجِعٍ ... دَارَيْتُهُ بَتَجمُّلٍ وعَزاءِ
ليَرَى الرِّجَالُ الكاشِحُون صَلابَتِي ... وأكُفُّ ذاكَ بِعِفَّةٍ وحَياءٍ
وقال آخر
وذِي لَطَفٍ عَزَْتُ النَّفْسَ عَنْهُ ... حِذارَ الشَّامِتِينَ وقَدْ شَجانِيقَطَعْتُ قَرِينَتي مِنْهُ فأَغْنَى ... غِناهُ، فَلنْ أَراهُ ولَنْ يَرانِي
وقال آخر
لَعَمْرُكَ ما أَتْلَفْتُ مالاً كَسَبْتُهُ ... إذا كنتُ مُعْتاضاً بإِتْلافِهِ نُبْلاًولا قِيلَ لي، والحَمْدُ لله: غادِرٌ ... ولا اسْتَحْسَنَتْ نَفْسِي على صاحِبِ تَبْلا
ولا نَزَلَتْ بي للزَّمانِ مُلِمَّةٌ ... فأَحْدَثْتُ مِنْها حينَ تَنْزِلُ بي ذُلاّ
صَبَرْتُ لرِيْبِ الدَّهْر يَفْعَلُ ما اشْتَهَى ... فلمَّا رَأَى صَبْرِي لأَفْعالِه مَلاً
وقال آخر
إذا مُتُّ فابْكِيني بشَيْئَيْنِ لا يُقَلْ ... كَذَبْتِ، وشَرُّ الباكِياتِ كَذُوبُهابعِفَّةِ نَفْسٍ حِينَ يُذْكَرُ مَطْمَعٌ ... وعِزَّتِها إنْ كان أَمْرٌ يُرِيبُها
فإنْ قُلْتِ: سَمْحٌ بالنَّدى، لَمْ تُكَذَّبِي ... فأمَّا تُقَى نَفْسِي فَرَبِّي حَسِيبُها
وقال آخر
أَبْقَى لِيَ الدَّهْرُ أَقْواماً أُجامِلُهُمْفي شَتْمِ عِرْضِيَ، لا يَأْلُونَ ما قَدَحُواتَدْنُو مَوَدَّتُهُمْ مِنِّي إذا افْتَقَرُوايوماً إليَّ، وإنْ نالُوا الغِنَى نَزَحُوا
وقال زُهَيْر بن أبِي سُلْمَى
ومَنْ يَعْصِ أطرافَ الزِّجاجِ فإنَّه ... يُطِيعُ العَوالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ
ومَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ، ومَنْ يُفْضِ قَلْبُهُإلي مُطْمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ
ومضنْ هابَ أسْبابَ المَنايا يَنَلْنَهُ ... ولَوْ رامَ أَنْ يَرْقَى السَّماءَ بسُلَّمِ
ومَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ، فَيبْخَلْ بفَضْلِهِ ... على قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْه ويُذْمَمِ
ومَنْ لا يَزَلْ يَسْتَرْحِلُ النّاسَ نَفْسَهُولضمْ يُعْفِها يَوْماً مِن الذُلّ يَنْدَمِ
ومَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُوَّاً صَدِيقَهُ ... ومَنْ لا يُكَرّمْ نَفْسَهُ لا يُكَرَّمِ
ومَنْ لا يَذُدْ عن حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ ... يُهَدَّمْ، ومَنْ لا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
ومَنْ لا يُصانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرةٍ ... يُضَرَّسْ بأَنْيابٍ ويُوطَأْ بمَنْسِمِ
ومَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِن دُونِ عِرْضِهِيَفِرْهُ، ومَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَياةِ، ومَنْ يَعِشْ، ... ثَمانِينَ عاماً لا أُبالَكَ، يَسْأَمِ
رَأَيْتُ المَنايا خَبْطَ عَشْواءَ، مَن تُصِبْتُمتْهُ، ومَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فيَهْرَمِ
وَمَهْما تَكُنْ عندَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍولَوْ خالَها تَخْفَى على النَّاسِ تُعْلَمِ
وأَعْلَمُ ما فِي اليومِ والأمْسِ قَبْلَهُ ... ولكنَّنِي عن عِلْم ما فِي غَدٍ عَمِ
وقال طَرَفة بن العبد
جاهلي
سَتُبْدِي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهِلاً ... ويأْتِيكَ بالأَخْبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِويَأْتِيكَ بالأَنْبَاءِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لهبَتاتاً، ولَمْ تَضْرِبْ له وَقْتَ مَوْعِدِ
لعَمْرُكَ ما الأيّامُ إلاَّ مُعارَةٌ ... فما اسْطَعْتَ مِن مَعْروفِها فَتَزَوَّدِ
عن المَرْءِ لا تَسْأَلْ، وأَبْصِرْ قَرِينَهُ ... فإنَّ القَرِينَ بالمُقارَنِ مُقْتَدِي
وقال الحسَن بن عَمْرو الإباضِيّ
وتُرْوَى لأبِي محمد التَّيْمِيّ
إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يوماً فلا تَقُلْ ... خَلَوْتُ، ولكنْ قُلْ عليَّ رَقِيبُ
ولا تَحْسَبَنَّ الله يَغْفُلُ ساعَةً ... ولا أَنَّ ما يَخْفَى عليه يَغِيبُ
إذا كانتِ السَّبْعُونَ أُمَّكَ لمْ يكُنْ ... لِدائِكَ إلاّ أنْ تَمُوتَ طَبِيبُ
وإنَّ امرأً قد سارَ سَبْعِينَ حِجَّةً ... إلى مَنْهَلٍ مِنْ وِرْدِهِ لَقَرِيبُ
إذا ما انْقَضَى القَرْنُ الذي أَنْتَ مِنْهُمُ ... وخُلِّفْتَ في قَرْنٍ فأَنتَ غَرِيبُ
وقال آخر
إذا قَلَّ إنْصافُ الفَتَى لِصَدِيقِهِ ... على غَيْرِ مَعْرُوفٍ فلا لَوْمَ في الهَجْرِوما النَّاسُ إلاَّ مُنْصِفٌ في مَوَدَّةٍ ... وإلاّ مُعِينٌ للصَّدِيقِ على الدَّهْرِ
وقال آخر
سأَبْعُدُ ضارِباً في الأَرْضِ حتَّى ... أَفُوتَ الفَقْرَ، أو يَفْنَى الطَّرِيقُولا أُلْفَى على الإَخْوانِ كَلا ... يُمِلُّهُمُ غُدُوِّي والطُّرُوقُ
وقال مُسْلِم بن الوَلِيد
فإنَّ الهُوَيْنا تَخُونُ الرِّجالَ ... إذا ما الشَّدائِدُ لم تُرْكَبِ
ولَمْ أَرَ كابْنِ السُّرَى في الفَلا ... أُسَرَّ بِعاقِبَةِ المَطْلَبِ
وقال المُمَزَّق العَبْدِيّ
ولَنْ يَسْتَطِيعَ الدَّهْرَ تَغْيِيرَ طَبْعِهِ ... لَئِيمٌ، ولا يَسْطِيعُهُ مُتَكَرِّمُ
كما أنَّ ماءَ المُزْن، ما ذِيقَ، سائِغٌ ... زُلالٌ، وماءَ البَحْرِ يَلْفِظُهُ الفَمُ
وقال عَدِيّ بن زَيْد العِبادِيّ
وعاذِلَةٍ هَبَّتْ بلَيْلٍ تلُومُنِي ... فلمَّا غَلَتْ في اللَّوْمِ، قلتُ لها: اقْصِدِي
أعاذِلَ إنَّ الجَهْلَ مِن لَذَةِ الفَتَى ... وإنَّ المنَايا للرِّجالِ بِمَرْصَدٍ
أَعاذِلَ ما يُدْرِيكِ أَنَّ مَنِيَّتِي ... إلى ساعةٍ في اليومِ أو ضُحَى الغَدِ
ذَرِيني ومالِي، إنَّ مالِيَ ما مَضَى ... أَمامِيَ من مالٍ إذا خَفَّ عُوَّدِي
وللوارِثِ الباقِي مِن المالِ فاتْرُكِي ... عِتابِيَ، إنِّي مُصْلِحٌ غيرُ مُفْسِدِ
كَفَى زاجِراً للمَرْءِ أَيّامُ دَهْرِهِ ... تَرُوحُ له بالواعِظاتِ وتَغْتَدِي
بَلَيْتُ وأُبْلَيْتُ الرِّجالَ، وأَصْبَحَتْ ... سِنُونَ طِوالٌ قد أَتَتْ دُونَ مَوْلِدِي
فما أنا بِدْعٌ مِن حَوادِثَ، تَعْتَرِي ... رِجالاً، أَتَتْ مِن بَعْدِ بُؤْسٍ بأَسْعُدِ
فَنَفْسَكَ فاحْفَظْها مِن الغَيِّ والخَنا ... مَتَى تَغْوِها يَغْوَ الذي بِكَ يَقْتَدِي
وإنْ كانتِ النَّعْماءُ عندَكَ لامْرِئٍ ... فَمِثْلاً بِها فاجْزِ المُطالِبَ وازْدَدِ
إذا ما امْرؤٌ لم يَرْجُ منكَ هَوادَةً ... فلا تَرجُها مِنْهُ ولا حِفْظَ مَشْهَدِ
إذا أنتَ فاكَهْتَ الرِّجالَ فَلا تَمِلْ ... وقُلْ مِثْلَ ما قالُوا ولا تَتزيَّدِ
ولا تَقْصَرَنْ عن سَعْي مَن قد ورِثْتَهُ ... وما اسْطَعْتَ مِن خَيْرٍ لنفْسِكَ فازْدَدِ
وقال آخر
ولا تُفْشِيَنْ سِرّاً إلى غَيْرِ حِرْزِهِ ... ولا تُكْثِرِ الشَّكْوَى إلى غَيْرِ عائِدِفيارُبَّ مَنْ يَشْجَى بِسِرِّكَ شامِتٍ ... ومَوْلىً، وإنْ قَرَّبْتَهُ، مُتَباعِدِ
ومَعْذِرَةٍ جَرَّتْ إليكَ مَلاَمَةً ... وطارِفِ مالٍ هاجَ إتْلافَ تالِدِ
وقال أَوْس بن حَجَر
جاهلي
وقَوْمُكَ لا تَجْهَلْ عليهمْ، ولا تكُنْ ... لَهُمْ هَرِشاً تَغْتابُهُمْ وتُقاتِلُفما يَنْهَضُ البازِي بغَيْرِ جَناحِهِ ... وما يَحْمِلُ الماشِينَ إلاَّ الحوامِلُ
ولا قائِمٌ إلا بِساقٍ سَليمةٍ ... ولا باطِشٌ ما لَمْ تُعْنْهُ الأَنامِلُ
إذا أَنْتَ لَمْ تُعْرِضُ عن الجَهْلِ والخَنا ... أُصَبْتَ حَلِيماً أو أصابَكَ جاهِلُ
وقال سالِم بن وابِصَة
أُحِبُّ الفَتَى يَنْفِي الفَواحِشَ سَمْعُهُ ... كأَنَّ به عن كُلِّ فاحِشَةٍ وَقْرا
سَلِيمُ دَواعِي الصَّدْرِ، لا باسِطاً أَذىً، ... ولا مانِعاً خيْراً، ولا قائِلاً هُجْرا
إذا ما أَتَتْ مِن صاحِبٍ لكَ زَلَّةٌ ... فكُنْ أَنْتَ مُحْتالاً لِزَلَّتِهِ عُذْرا
غِنَى النَّفْسِ ما يُغْنِيكَ مِنْ سَدِّ خَلَّةٍفإنْ زادَ شَيْئاً عادَ ذاكَ الغِنَى فَقْرا
وقال قَتادَة بن جَرِير
وتُرْوَى لعبد الله بن أُبَيّ
ولَمْ أَرْ مِثْلَ الحَقِّ أَنْكَرَهُ امْرُؤٌولا الضَّيْمَ أَعْطاهُ امرؤٌ وهْوَ طائِعُ
متى ما يَكُنْ مَولاكَ خَصْمَكَ جاهِداً ... تُضَلَّلْ، ويَصْرَعْكَ الذين تُصارِعُ
وهَلْ يَنْهَضُ البازِي بغَيْرِ جَناحِهِ ... وإنْ جُذَّ يَوْماً رِيشُهُ فَهْوَ واقِعُ
وقال نُصَيْب بن رَباح
وما ضَرَّ أَثْوابِي سَوادِي، وإنَّنِي ... لَكالمِسْكِ، لا يَسْلُو عن المِسْكِ ذائِقُهُ
ولا خَيْرَ في وُدِّ امرئٍ مُتَكارِهٍ ... عَليكَ، ولا في صاحِبٍ لا تُوافِقُهْ
إذا المَرْءُ لم يَبْذُلْ مِن الوُدِّ مِثْلَما ... بَذَلْتُ له، فاعْلَمْ بأَنّي مُفارِقُهْ
وقال سُحَيْم عَبْد بَنِي الحَسْحاس
أَشْعارُ عبدِ بَنِي الحَسْحاسِ قُمْنَ له ... يَوْمَ الفَخارِ مَقامَ الأَصْلِ والوَرِقِ
إنْ كُنتُ عَبْداً فَنَفْسِي حُرَّةٌ كَرَماًأَو أُسْودَ اللَّوْنِ، إنّي أَبْيَضُ الخُلُقِ
وقال الأحْوَص
وإنِّي لآتِي البَيْتَ ما إنْ أُحِبُّهُ ... وأُكْثِرُ هَجْرَ البَيْتِ وهْوَ حَبِيبُ
وإنِّي إذا ما جِئْتُكُمْ مُتَهَلِّلاً ... بَدا مِنْكُمُ وَجْهٌ عليَّ قَطُوبُ
وأُغْضِي على أشْياءَ مِنْكُمْ تُرِيبُنِي ... وأُدْعَى إلى ما سَرَّكُمْ فأُجِيبُ
وقال قُراد بن أَقْرم الفَزارِيّ، أموي الشعر
أَبِي الإِسْلامُ، لا أَبَ لي سِواهُ ... إذا هَتَفُوا بِبَكْرٍ أو تَمِيمِ
دَعِيُّ القَوْمِ يَنْصُرُ مُدَّعِيهِ ... فيُلْحِقُهُ بذِي النَّسَبِ الصَّمِيمِ
وقال آخر
وزَهَّدَنِي في النَّاسِ مَعْرِفَتِي بِهِمْ ... وطُولُ اخْتِبارِي صاحِباً بَعْدَ صاحِبِفلَمْ تُرِنِي الأَيَّامُ خِلاًّ تَسُرُّنِي ... بَوادِيهِ إلاّ ساءَنِي في العَواقِبِ
ولا قُلْتُ أَرْجُوه لِدَفْعِ مُلِمَّةٍ ... مِن الدَّهْرِ إلاّ كانَ إحْدَى النَّوائِبِ
وقال عَقِيل بن عُلَّفَة
وللدَّهْرِ أَثْوابٌ، فكُنْ في ثِيابِهِ ... كَلِبْسَتِهِ يَوْماً أَجَدَّ وأَخْلَقا
وكُنْ أَكْيَسَ الكَيْسَى إذا كُنْتَ فيهمُ ... وإنْ كنتَ في الحَمْقَى فكُنْ أنتَ أَحْمقا
وقال آخر
إلى كَمْ يكُونُ الجَهْلُ مِنْكَ وأَحْلُمُ ... وتَظْلِمُنِي حَقِّي ولا أَتكَلَّمُوأَسْكُتُ عن شَكْواكَ، والحالُ ناطِقٌ ... وتَعْتُبُ أَفْعالِي وإنْ سكَتَ الفَمُ
وما بِي قُصُورٌ، لو عَلِمْتَ، عن الأَذَى ... ولكنْ ثَنانِي عن أَذاكَ التَّكَرُّمُ
فَلَوْ قَدْ عَرَفْتَ الحَقَّ، لا كنتَ عارِفاً ... للامَكَ دُونِي مِن سَجاياكَ لُوَّمُ
وقال آخر
يَقِرُّ بعَيْنِي، وهْوَ يَنْقُصُ مُدَّتِي ... مَمَرُّ اللَّيالِي أن يَشُبَّ حَكِيمُمَخافَةَ أَنْ يَغْتالَنِي الموتُ قَبْلَهُ ... فَيغْشَى بُيُوتَ الحَيِّ وهْوَ يَتِيمُ
وقال أبو الولِيد الكِنانِيّ
أُسَرُّ بمَرِّ يومٍ بَعْدَ يَوْمٍ ... وبالحَوْلَيْنِ والعامِ الجَدِيدِ