كتاب :الأمالي في لغة العرب
المؤلف :أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي
والأرض فيما كان بيني وبينك فقلت إنه وانصرفت عنها ( قال ) وأنشدني أبو بكر
( وضمها والبدن الحقاب ** جدي لكل عامل ثواب ** ألرأس والأكرع والإهاب )
قال أبو بكر هذا صائد يخاطب كلبته والبدن الوعل المسن والحقاب جبل ( قال ) وقرأت على ابي بكر
( وبيض رفعنا بالضحى عن متونها ** سماوة جون كالخباء المقوض )
( هجوم عليها نفسه غير أنه ** متى يرم في عينيه بالشبح ينهض )
البيض أراد بها البيض وسماوة كل شيء شخصه يعني الظليم والجون الأسود هجوم عليها يعني على البيض فإذا أبصر شخصا نهض عن البيض والشبح والشبح لغتان الشخص
( قال ) وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشي لأعرابي
( لقد زاد الهلال إلي حبا ** عيون تلتقي عند الهلال )
( إذا ما لاح وهو شفى صغير ** نظرن إليه من خلل الحجال )
( قال ) وأنشدنا إبراهيم بن محمد قال أنشدنا أبو العباس لأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل يخاطب بعض أهله
( أظنك أطغاك الغني فنسيتني ** ونفسك والدنيا الدنية قد تنسى )
( فإن كنت تعلو عند نفسك بالغنى ** فإني سيعليني عليك غنى نفسي )
( قال أبو علي ) وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله في قوله عز وجل { فلولا إن كنتم غير مدينين } معناه غير مجزيين ( قال ) وأنشدنا
( ولم يبق سوى العدوان ** دناهم كما دانوا )
أي جازيناهم كما جازوا ومن ذلك قوله جل وعز { مالك يوم الدين } قال قتادة معناه مالك يوم يدان فيه العباد أي يجازون بأعمالهم ويكون الدين أيضا الحساب قال ابن عباس معنى قوله مالك يوم الدين أي يوم الحساب ويكون الدين أيضا السلطان قال زهير
( لئن حللت بجو في بني أسد ** في دين عمرو وحالت بيننا فدك )
معناه في سلطان ويكون الدين أيضا الطاعة من ذلك قوله جل وعز { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } معناه في طاعة الملك ويكون الدين أيضا العبودية والذل وجاء في الحديث ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ) فمعناه استعبد نفسه وأذلها لله عز وجل قال الأعشى
( هو دان الرباب اذكر هو الدين دراكا بغزوة وصيال )
( ثم دانت بعد الرباب وكانت ** كعذاب عقوبة الأقوال )
يعني أنه أذلهم فذلوا وقال القطامي
( رمت المقاتل من فؤادك بعدما ** كانت نوار تدينك الأديانا )
معناه تستعبدك بحبها ويكون الدين أيضا الملة كقولك نحن على دين إبراهيم ويكون الدين العادة قال المثقب العبدي
( تقول إذا درأت لها وضيني ** أهذا دينه أبدا وديني )
( أكل الدهر حل وارتحال ** أما يبقى علي وما يقيني )
ويكون الدين أيضا الحال قال النضر بن شميل سألت أعرابيا عن شيء فقال لو لقيتني على دين غير هذه لأخبرتك وروى أبو عبيدة قول امرئ القيس
( كدينك من أم الحويرث قبلها ** وجارتها أم الرباب بمأسل )
أي كعادتك والعرب تقول ما زال هذا دينه ودأبه وديدنه وديدانه وديدبونه أي عادته
( قال أبو علي ) حدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدثنا عبد الله بن ناجية قال حدثنا أبو وائل خالد بن محمد بن خالد وأحمد بن الحسن بن خراش ويحيى بن محمد بن السكن البزاز قال حدثنا حبان بن هلال قال حدثنا المبارك بن فضالة عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( أن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وأبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون قالوا يا رسول الله قد عرفنا الثرثارين والمتشدقين فمن المتفيهقون قال المتكبرون )
قال أبو بكر قال اللغويون منهم يعقوب ابن السكيت الثرثارون الذين يكثرون القول ولا يكون إلا قولا باطلا ويقال نهر ثرثار إذا كان ماؤه مصوتا ومطر ثرثار وسحاب ثرثار وأنشد يعقوب
( لشخبها في الصحن للأعشار ** بربرة كصخب المماري ** من قادم منهمر ثرثار )
وكان أبو بكر بن دريد يقول نهر ثرثار إذا كان ماؤه كثيرا ولذلك سمي النهر المعروف بالثرثار وناقة ثرة إذا كانت غزيرة اللبن وسحابة ثرة كثيرة المطر وعين ثرة كثيرة الدموع وأنشدني
( يا من لعين ثرة المدامع ** يحفشها الوجد ياءها مع )
يحفشها يستخرج كل ما فيها ومثل قول أبي بكر قاله أبو العباس محمد بن يزيد ( قال أبو علي ) حدثني بذلك عبد الله بن جعفر النحوي وأنشدنا أبو العباس لعنترة بن شداد
( جادت عليها كل عين ثرة ** فتركن كل قرارة كالدرهم )
وقال أبو بكر يقال ثررت الشيء وثرثرته إذا فرقته وبددته ( وقال أبو علي ) ومنه قيل ناقة ثرور وهي مثل الفتوح وهي الواسعة الأحاليل وقد فتحت وأفتحت لأن الواسعة الأحاليل يخرج شخبها متفرقا منتشرا ( قال ) غير يعقوب المتفيهق الذي يتسع شدقه وفوه بالكلام الباطل وأصله من الفهق وهو الإمتلاء قال الأعشى
( تروح على آل المحلق جفنة ** كجابية الشيخ العراقي تفهق )
وكان أبو محرز خلف يروي كجابية السيح ويقول الشيخ تصحيف والسيح الماء الذي يسيح على وجه الأرض أي يذهب ويجري والجابية الحوض الذي يجبى فيه الماء أي يجمع وجمعها جواب قال الله عز وجل { وجفان كالجواب } قال وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال قال أبو زرارة بجال بن حاجب العلقمي من ولد علقمة بن
زرارة خرج يزيد بن شيبان بن علقمة حاجا فرأى حين شارف البلد شيخا يحفه ركب على إبل عتاق برحال ميس ملبسة أدما قال فعدلت فسلمت عليهم وبدأت به وقلت من الرجل ومن القوم فأرم القوم ينظرون إلى الشيخ هيبة له فقال الشيخ رجل من مهرة بن حيدان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة فقلت حياكم الله وانصرفت فقال الشيخ قف أيها الرجل نسبتنا فانتسبنا لك ثم انصرفت ولم تكلمنا ( قال أبو بكر ) وروى السكن بن سعيد عن محمد بن عباد شاممتنا مشامة الذئب الغنم ثم انصرفت قلت ما أنكرت سوأ ولكني ظننتكم من عشيرتي فأناسبكم فانتسبتم نسبا لا أعرفه ولا أراه يعرفني قال فأمال الشيخ لثامه وحسر عمامته وقال لعمري لئن كنت من جذم من أجذام العرب لأعرفنك فقلت فإني من أكرم أجذامها قال فإن العرب بنيت على أربعة أركان مضر وربيعة واليمن وقضاعة فمن أيهم أنت قلت من مضر قال أمن الأرحاء أم من الفرسان فعلمت أن الأرحاء خندف وأن الفرسان قيس قلت من الأرحاء قال فأنت إذا من خندف قلت أجل قال أفمن الأرنبة أم من الجمجمة فعلمت أن الأرنبة مدركة وأن الجمجمة طابخة فقلت من الجمجمة قال فأنت إذا من طابخة قلت أجل قال أفمن الصميم أم من الوشيظ فعلمت أن الصميم تميم وأن الوشيظ الرباب قلت من الصميم قال فأنت إذا من تميم قلت أجل قال أفمن الأكرمين أم من الأحلمين أم الأقلين فعلمت أن الأكرمين زيد مناة وأن الأحلمين عمرو بن تميم وأن الأقلين الحرث بن تميم قلت من الأكرمين قال فأنت إذا من زيد مناة قلت أجل قال أفمن الجدود أم من البحور أم من الثماد فعلمت أن الجدود مالك وأن البحور سعد وأن الثماد امرؤ القيس بن زيد مناة قلت من الجدود قال فأنت إذا من بني مالك قلت أجل قال أفمن الذرى أم من الأرداف فعلمت أن الذرى حنظلة وأن الأرداف ربيعة ومعاوية وهما الكردوسان قلت من الذرى قال فأنت إذا من بني حنظلة قلت أجل قال أمن البدور أم من الفرسان أم من الجراثيم فعلمت أن البدور
مالك وأن الفرسان يربوع وأن الجراثيم البراجم قلت من البدور قال فأنت إذا من بني مالك بن حنظلة قلت أجل قال أفمن الأرنبة أم من اللحيين أم من القفا فعلمت أن الأرنبة دارم وأن اللحيين طهية والعدوية وأن القفار بيعة بن حنظلة قلت من الأرنبة قال فأنت إذا من دارم قلت أجل قال أفمن اللباب أم من الهضاب أم من الشهاب فعلمت أن اللباب عبد الله وأن الهضاب مجاشع وأن الشهاب نهشل قلت من اللباب قال فأنت إذا من بني عبد الله قلت أجل قال أفمن البيت أم من الزوافر فعلمت أن البيت بنو زرارة وأن الزوافر الأحلاف قلت من البيت قال فأنت إذا من بني زرارة قلت أجل قال فإن زرارة ولد عشرة حاجبا ولقيطا وعلقمة ومعبدا وخزيمة ولبيدا وأبا الحرث وعمرا وعبد مناة ومالكا فمن أيهم أنت قلت من بني علقمة قال فإن علقمة ولد شيبان ولم يلد غيره فتزوج شيبان ثلاث نسوة مهدد بنت حمران بن بشر بن عمرو بن مرثد فولدت له يزيد وتزوج عكرشة بنت حاجب بن زرارة بن عدس فولدت له المأمور وتزوج عمرة بنت بشر بن عمرو بن عدس فولدت له المقعد فلأيتهن أنت قلت لمهدد قال يا ابن أخي ما افترقت فرقتان بعد مدركة إلا كنت في أفضلها حتى زاحمك أخواك فإنهما أن تلدني أماهما أحب إلي من أن تلدني أمك ياابن أخي أتراني عرفتك قلت إي وأبيك أي معرفة ( قال أبو علي ) الميس ضرب من الشجر يعمل منه الرحال وأرم القوم سكتوا والوشيظ الخسيس من الرجال والصميم الخالص قال وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا الرياشي عن العمري عن الهيثم قال قال لي صالح بن حسان ما بيت شطره أعرابي في شملة والشطر الآخر مخنث يتفكك قلت لا أدري قال قد أجلتك حولا قلت لو أجلتني حولين لم أعرف قال أف لك قد كنت أحسبك أجود ذهنا مما أرى قلت ما هو قال أما سمعت قول جميل
( ألا أيها النوام ويحكم هبوا ** أعرابي في شملة ثم أدركه اللين وضرع الحب ) فقال
( نسائلكم هل يقتل الرجل الحب ** كانه والله من مخنثي العقيق )
( قال أبو علي ) وأملى
علينا أبو بكر بن الأنباري هذه القصيدة لجميل قال وقرأت على أبي بكر بن دريد في شعر جميل وفي الروايتين اختلاف في تقديم الأبيات وتأخيرها وفي ألفاظ بعض البيوت
( ألا ليت أيام الصفاء جديد ** ودهرا تولى يا بثين يعود )
( فنغنى كما كنا نكون وأنتم ** صديق وإذا ما تبذلين زهيد )
( وما أنسى ملأ شياء لا أنسى قولها ** وقد قربت نضوى أمصر تريد )
( ولا قولها لولا العيون التي ترى ** أتيتك فأعذرني فدتك جدود )
( خليلي ما أخفي من الوجد ظاهر ** ودمعي بما أخفي الغداة شهيد )
( ألا قد أرى والله أن رب عبرة ** إذا الدار شطت بيننا ستزيد )
( إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ** من الحب قالت ثابت ويزيد )
( وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به ** مع الناس قالت ذاك منك بعيد )
( فلا أنا مردود بما جئت طالبا ** ولا حبها فيما يبيد يبيد )
( جزتك الجوازي يا بثين ملامة ** إذا ما خليل بان وهو حميد )
( وقلت لها بيني وبينك فاعلمي ** من الله ميثاق له وعهود )
( وقد كان حبيكم طريفا وتالدا ** وما الحب إلا طارف وتليد )
( وإن عروض الوصل بيني وبينها ** وأن سهلته بالمنى لصعود )
( فأفنيت عيشي بإنتظاري نوالها ** وأبليت ذاك الدهر وهو جديد )
( فليت وشاة الناس بيني وبينها ** يدوف لهم سما طماطم سود )
( وليت لهم في كل ممسى وشارق ** تضاعف أكبال لهم وقيود )
( ويحسب نسوان من الجهل أنني ** إذا جئت إياهن كنت أريد )
( فأقسم طرفي بينهن فيستوي ** وفي الصدر بون بينهن بعيد )
( ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ** بوادي القرى إنى إذا لسعيد )
( وهل أهبطن أرضا تظل رياحها ** لها بالثنايا القاويات وئيد )
( وهل القين سعدى من الدهر مرة ** ومارث من حبل الصفاء جديد )
( وقد تلتقي الأهواء من بعد يأسه ** وقد تطلب الحاجات وهي بعيد )
( وهل أزجرن حرفا علاة شملة ** بخرق تباريها سواهم قود )
( على ظهر مرهوب كأن نشوزه ** إذا جاز هلاك الطريق رقود )
( سبتني بعيني جؤذر وسط ربرب ** وصدر كفاثور اللجين وجيد )
( تزيف كما زافت إلى سلفاتها ** مباهية طي الوشاح ميود )
( إذا جئتها يوما من الدهر زائرا ** تعرض منقوض اليدين صدود )
( يصد ويغضي عن هواي ويجتني ** ذنوبا عليها أنه لعنود )
( فأصرمها خوفا كأني مجانب ** ويغفل عنا مرة فنعود )
( فمن يعط في الدنيا قرينا كمثلها ** فذلك في عيش الحياة رشيد )
( يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ** ويحيا إذا فارقتها فيعود )
( يقولون جاهد يا جميل بغزوة ** وأي جهاد غيرهن أريد )
( لكل حديث بينهن بشاشة ** وكل قتيل بينهن شهيد )
( ومن كان في حبي بثينة يمتري ** فبرقاء ذي ضال على شهيد )
( ألم تعلمي يا أم ذي الودع أنني ** أضاحك ذكراكم وأنت صلود )
( قال ) وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال أنشدنا أبو العباس بن مروان الخطيب لخالد الكاتب قال وسمعت شعر خالد من خالد
( راعى النجوم فقد كادت تكلمه ** وانهل بعد دموع يالها دمه )
( أشقى على سقم يشفى الرقيب به ** لو كان أسقمه من كان يرحمه )
( يا من تجاهل عما كان يعلمه ** عمدا وباح بسر كان يكتمه )
( هذا خليلك نضوا لا حراك به ** لم يبق من جسمه إلا توهمه )
( قال أبو علي ) وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد وأبو بكر بن الأنباري في قوله عز وجل { تلك أمة قد خلت } الأمة القرن من الناس بعد القرن والأمة أيضا الجماعة من الناس والأمة أيضا الملة والسنة ومنه قوله عز وجل { إنا وجدنا آباءنا على أمة } أي على دين وكذلك قوله عز وجل { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } أي لولا يكون الناس كفارا كلهم والأمة أيضا الحين قال الله جل وعز { وادكر بعد أمة } أي بعد حين وقرأ ابن عباس وعكرمة وادكر بعد أمه مثل عمه ووله أي بعد نسيان والأمة أيضا الإمام ويقال الرجل الصالح قال الله عز وجل { إن إبراهيم كان أمة قانتا } والأمة أيضا القامة وجمعها أمم قال الأعشى
( وإن معاوية الأكرمين ** حسان الوجوه طوال الأمم )
والأمهة والأمة والأم والإم الوالدة قال الشاعر
( تقبلتها من أمة لك طالما ** تنوزع في الأسواق عنها خمارها )
وقال آخر
( أمهتي خندف والياس أبي ** )
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدثنا إسماعيل بن اسحق القاضي قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام قال حدثنا قتادة عن مطرف بن عبد الله عن أبيه أنه أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر فقال يقول ابن آدم مالي مالي ومالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو تصدقت فأمضيت أو لبست فأبليت قال أبو بكر المال عند العرب الإبل والغنم والفضة الرقة والورق والذهب النضر والنضير والعقيان ( قال ) وحدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال المال عند العرب أقله ما تجب فيه الزكاة وما نقص من ذلك فلا يقع عليه مال ( قال ) وأنشدنا أبو العباس
( ألا يا قرلاتك سامريا ** فتترك من يزورك في جهاد )
( أتعجب أن رأيت علي دينا ** وأن ذهب الطريف مع التلاد )
( ملأت يدي من الدنيا مرارا ** فما طمع العواذل في اقتصادي )
( ولا وجبت على زكاة مال ** وهل تجب الزكاة على جواد )
وأنشد ايضا
( والله ما بلغت لي قط ماشية ** حد الزكاة ولا إبل ولا مال )
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أبو الحسن بن البراء قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز وهو الماجشون قال شتم رجل الوليد بن أبي خيرة فقال الوليد هي صحيفتك فأمل فيها ما شئت ( قال ) وحدثنا أبو الحسن بن البراء قال حدثنا الزبير قال حدثنا سفيان بن عيينة قال قيل لإبن شهاب ما الزاهد قال من لم يمنع الحلال شكره ولم يغلب الحرام صبره ( قال ) وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني مسعود بن بشر عن وهب بن جرير عن الوليد بن يسار الخزاعي قال قال عمرو بن معد يكرب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يا أمير المؤمنين أأبرام بنو مخزوم قال وما ذاك قال تضيفت خالد بن الوليد فأتى بقوس وكعب وثور قال ان في ذلك لشعبة قلت لي أولك قال لي ولك قال حلا يا أمير المؤمنين فيما تقول وإني لآكل الجذع من الإبل أنتقيه عظما عظما وأشرب التبن من اللبن رثيئة وصريفا ( قال أبو علي ) قال الأصمعي القوس البقية من التمر تبقى في الجلة وقال أبو بكر الكعب القطعة من السمن والثور القطعة من الأقط قال الأصمعي يقال أعطاه ثورة عظاما ( قال أبو علي ) والعرب تقول حلا في الأمر تكرهه بمعنى كلا قال وحدثنا غير واحد من مشايخنا منهم ابن دريد بإسناد له وأبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي عن أبي علي العنزي قال حدثنا مسعود بن بشر قال حدثنا أبو الحسن المدائني قال قال الأحنف بن قيس لمصعب بن الزبير وكلمه في رجل وجد عليه فقال مصعب بلغني عنه الثقة فقال الأحنف حلا أيها الأمير ان الثقة لا يبلغ ( وروى ) أبو بكر بن
الأنباري كلا قال وقال أبو بكر التبن أعظم الأقداح ( قال أبو علي ) الغمر القدح الصغير الذي لا يروى ومنه قيل تغمرت من الشراب أي لم أرو ثم القعب وهو فوقه قليلا والصحن قدح عريض قصير الجدار والجنبل قدح ضخم خشب نحيت والوأب القدح المقعر ( قال أبو علي ) وخبرني الغالبي عن أبي الحسن بن كيسان قال سمعت بندارا يقول الوأب الذي ليس بالكبير ولا الصغير ومنه قيل حافر وأب والعلبة قدح من جلود الإبل والرفد والرفد القدح العظيم أيضا قال الأعشى
( رب رفد هرقته ذلك اليوم ** وأسرى من معشر أقتال )
قال أبو بكر والرثيئة التي قد صب عليها ماء وكذلك المرضة قال الشاعر
( إذا شرب المرضة قال أوكي ** على ما في سقائك قدروينا )
والصريف اللبن الذي ينصرف به عن الضرع حارا قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا العنزي قال حدثنا أبو خيرة قال كنا عند أبي داود الطيالسي وهو يملي التفسير ولم يكن يحفظ القرآن فقال ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فقال المستملي ليس هكذا القراءة فقال هكذا الوقف عليها ( قال ) وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا أبو حاتم
( إذا اشتملت على اليأس القلوب ** وضاق بما به الصدر الرحيب )
( وأوطنت المكاره واطمأنت ** وأرست في مكامنها الخطوب )
( ولم تر لإنكشاف الضر وجها ** ولا أغنى بحيلته الأريب )
( أتاك على قنوط منك غوث ** يمن به اللطيف المستجيب )
( وكل الحادثات وإن تناهت ** فمقرون بها الفرج القريب )
قال وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال أنشدني رجل من ولد هشام بن عبد الملك لمعاوية بن أبي سفيان
( قد عشت في الدهر ألوانا على خلق ** شتى وقاسيت فيه اللين والطبعا )
( كلا لبست فلا النعماء تبطرني ** ولا تعودت من مكروهها جشعا )
( لا يملأ الأمر صدري قبل مصدره ** ولا أضيق به ذرعا إذا وقعا )
( قال ) وأنشدنا أبو بكر عن أبي عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة
( أمات الهوى حتى تجنبه الهوى ** كما اجتنب الجاني الدم الطالب الدما )
( وأكثر ما تلقاه في الناس صامتا ** فإن قال بذا القائلين وأفهما )
( وكان يرى الدنيا صغيرا كبيرها ** وكان لأمر الله فيها معظما )
( قال ) وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة
( خاطر بنفسك لا تقعد بمعجزة ** فليس حر على عجز بمعذور )
( إن لم تنل في مقام ما تطالبه ** فأبل عذرا بادلاج وتهجير )
( لن يبلغ المرء بالإحجام همته ** حتى يباشرها منه بتغرير )
( حتى يواصل في أنحاء مطلبها ** سهلا بحزن وإنجادا بتغوير )
( قال أبو علي ) حدثني أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي عن أحمد بن عبيد أنه قال أحجم الرجل عن الأمر إذا كع وأحجم إذا أقدم وقال يعقوب وأحمد بن يحيى أحجم وأحجم إذا كع وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله
( كم من أخ لك لست تنكره ** ما دمت من دنياك في يسر )
( متصنع لك في مودته ** يلقاك بالترحيب والبشر )
( يطرى الوفاء وذا الوفاء ويلحى الغدر مجتهدا وذا الغدر )
( فإذا عدا والدهر ذو غير ** دهر عليك عدا مع الدهر )
( فارفض باجمال مودة من ** يقلى المقل ويعشق المثرى )
( وعليك من حالاه واحدة ** في العسر إما كنت واليسر )
( لا تخلطنهم بغيرهم ** مرن يخلط العقيان بالصفر )
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال أراد قرة بن حنظلة الخزاعي الهجرة فقال أبوه حنظلة
( أقول لقرة إذ سولت ** له النفس ترك الكبير اليفن )
( أقره ربتما ليلة ** غبقتك فيها صريح اللبن )
( أحين فشا الشيب في لمتي ** وأفنى شبابي مر الزمن )
( تروحت في النفر الرائحين ** وخليت شيخك بادي الحزن )
( وأفردته والها في الديار ** يصرفه الدهر في كل فن )
( قليل الكلام بطيء القيام ** يبكي لوحدته ذا شجن )
( أردت به الأجر فما زعمت ** وتركك شيخك عين الغبن )
( قال أبو علي ) اليفن الكبير والغبوق شرب العشي والصبوح شرب الغداة والجاشرية حين جشر الصبح والقيل شرب نصف النهار والغبن في البيع والغبن في الرأي يقال غبن رأيه يغبن غبنا وغبنت فلانا أغبنه غبنا
وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد الأزدي نفطويه لعمر بن أبي ربيعة
( إن طيف الخيال حين ألما ** هاج لي ذكره وأحدث هما )
( جددي الوصل يا سكين وجودي ** لمحب رحيله قد أحما )
( قال أبو علي ) وكان الأصمعي يروى قد أجما ويقول أجم إذا دنا وحان وحم إذا قدر ويروى بيت لبيد
( أن قد أجم من الحتوف حمامها ** ) وغيره يروى أن قد أحم ويقول معناه دنا وقرب على ما قال الأصمعي في معنى أجم
( ليس دون الرحيل والبين إلا ** أن يردوا جمالهم فتزما )
قال وحدثني أبو عبد الله عند قراءتي عليه هذا البيت قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا
عبد الله بن شبيب عن ابن مقمة عن أمه قالت سمعت معبدا بالأخشبين وهو يغني
( ليس بين الحياة والموت إلا ** أن يردوا جمالهم فتزما )
( ولقد قلت مخفيا لغريض ** هل ترى ذلك الغزال الأجما )
( هل ترى فوقه من الناس شخصا ** أحسن اليوم صورة وأتما )
( أن تنيلي أعش بخير وإن لم ** تبذلي الود مت بالهم غما )
قال وقرأت عليه أيضا لعمر
( أيا من كان لي بصرا وسمعا ** وكيف الصبر عن بصري وسمعي )
( وعمن حين يذكره فؤادي ** يفيض كما يفيض الغرب دمعي )
( يقول العاذلون نأت فدعها ** وذلك حين تهيامى وولعي )
( أأهجرها فأقعد لا أراها ** وأقطعها وما همت بقطعي )
( وأصرم حبلها لمقال واش ** وأفجعها وما همت بفجعي )
( وأقسم لو خلوت بهجر هند ** لضاق بهجرها في النوم ذرعي )
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال في قوله عز وجل { وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } قال معناه سجنا وحبسا يقال حصرت الرجل أحصره حصرا إذا حبسته وضيقت عليه قال الله عز وجل { أو جاؤوكم حصرت صدورهم } أي ضاقت صدورهم وقرأ الحسن حصرة صدورهم معناه ضيقة صدورهم ويقال أحصره المرض إذا حبسه والحصير الملك لأنه حصر أي منع وحجب من أن يراه الناس قال الشاعر
( ومقامة غلب الرقاب كأنهم ** جن لدى باب الحصير قيام )
قال وحدثنا أبو بكر قال حدثنا بشر بن موسى الأسدي وخلف بن عمرو العكبري قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا محمد بن طلحة التيمي عن عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأختانا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالأبكار فإنهن أطيب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير
( قال أبو بكر ) قوله صرفا ولا عدلا الصرف الحيلة والعدل الفدية ويقال الصرف الإكتساب والعدل الفدية ويقال الصرف الفريضة والعدل النافلة
ويقال الصرف الدية والعدل الزيادة على الدية ويقال العدل الدية والصرف الزيادة ( قال أبو علي ) قوله والصرف الحيلة والصرف الإكتساب والعدل الفدية والعدل الدية صحيح في الإشتقاق فأما قوله الصرف الفريضة والعدل والنافلة والصرف الدية والعدل الزيادة على الدية فغير صحيح في الإشتقاق ( قال أبو بكر ) والأختان أهل المرأة والأحماء أهل الرجل والأصهار يقع على الأختان والأحماء وقوله فإنهن أنتق أرحاما يعني أكثر ولدا يقال امرأة منتاق إذا كثر ولدها ( قال أبو علي ) ويقال امرأة ناتق إذا كثر ولدها وأنشد الأصمعي للنابغة
( لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ** طفحت عليك بناتق مذكار )
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أبو عبد الله المقدمي القاضي قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عمرو بن صالح الكلابي قال حدثنا إياس بن أبي تميمة الأفطس قال شهدت الحسن في جنازة أبي رجاء العطاردي وهو على بغلة والفرزدق يسايره على نجيب وكنت على حمار لي فدنوت منهما فسمعت الفرزدق يقول للحسن يا أبا سعيد أتدري ما يقول أهل الجنازة قال وما يقولون قال يقولون هذا خير شيخ بالبصرة وهذا شر شيخ
بالبصرة قال إذا يكذبوا يا أبا فراس رب شيخ بالبصرة مشرك بالله فذلك شر من أبي فراس ورب شيخ بالبصرة ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره فذلك خير من الحسن يا أبا فراس ما أعددت لهذا اليوم قال شهادة أن لا إله إلا الله مذ ثمانون سنة ثم قال يا أبا سعيد هل إلى التوبة من سبيل قال إي والله أن باب التوبة لمفتوح من قبل المغرب عرضه أربعون لا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله قال يا أبا سعيد فكيف أصنع بقذف المحصنات قال تتوب الآن وتعاهد الله أن لا تعود قال فإني أعاهد الله أن لا أقذف أو قال أسب محصنة بعد يومي هذا وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أحمد بن عيسى أبو بشر العكلي قال حدثني أو حدثت عن أسد بن سعيد الشك من أبي بكر قال حدثني أبي عن جدي عن عفير قال دخل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال يا أبا جعفر أوصني قال أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا وأوسطهم أخا وكبيرهم أبا فارحم ولدك وصل أخاك وبر أباك وإذا صنعت معروفا فربه ( قال أبو علي ) قوله فربه أي أدمه يقال رب بالمكان وأرب أي أقام به ودام قال بشر
( أرب على مغانيها ملث ** هزيم ودقه حتى عفاها )
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال اختصم أعرابيان إلى شيخ منهم فقال أحدهما أصلحك الله ما يحسن صاحبي هذا آية من كتاب الله عز وجل فقال الآخر كذب والله إني لقارئ كتاب الله قال فاقرأ فقال
( علق القلب ربابا ** بعد ما شابت وشابا )
فقال الشيخ لقد قرأتها كما أنزلها الله فقال صاحبه والله أصلحك الله ما تعلمها إلا البارحة
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد ابن عبيد قال أخبرنا المدائني قال كان بمكة رجل سفيه يجمع بين الرجال والنساء فشكا ذلك أهل مكة إلى الوالي فغربه إلى عرفات فاتخذها منزلا ودخل مكة مستترا فلقى حرفاءه
من الرجال والنساء فقال ما يمنعكم قالوا وأين بك وأنت بعرفات قال حمار بدرهمين وقد صرتم إلى الأمن والنزهة قالوا نشهد أنك صادق وكانوا يأتونه وكثر ذلك حتى أفسد على أهل مكة أحداثهم وسفهاءهم وحواشيهم فعادوا بالشكاية إلى أمير مكة فأرسل إليه فأتي به فقال أي عدو الله طردتك من حرم الله فصرت إلى المشعر الأعظم تفسد فيه وتجمع الفساق فقال أصلح الله الأمير يكذبون علي ويحسدونني قالوا بيننا وبينه واحدة قال ما هي قال تجمع حمير المكارين وترسلها بعرفات فإن لم تقصد إلى بيته لما تعرف من إتيان الخراب والسفهاء إياه فالقول ما قال فقال الوالي أن في هذا لدليلا وأمر بحمير فجمعت ثم أرسلت فقصدت نحو منزله فأتاه بذلك أمناؤه فقال ما بعد هذا شيء جردوه فلما نظر إلي السياط قال لا بد من ضربي أصلح الله الأمير قال لا بد منه قال اضرب فوالله ما في هذا شيء أشد علينا من أن تسخر منا أهل العراق فيقولون أهل مكة يجيزون شهادة الحمير فضحك الأمير وقال والله لا أضربك اليوم وأمر بتخلية سبيله
قال وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي لعمر بن أبي ربيعة
( ما كنت أشعر إلا مذ عرفتكم ** أن المضاجع تمسي تنبت الإبرا )
( لقد شقيت وكان الحين لي سببا ** أن علق القلب قلبا يشبه الحجرا )
( قد لمت قلبي فأعياني بواحدة ** وقال لي لا تلمني وادفع القدرا )
( إن أكره الطرف يحسر دون غيركم ** ولست أحسن إلا نحوك النظرا )
( قالوا صبوت فلم أكذب مقالتهم ** وليس ينسى الصبا أن واله كبرا )
( قال ) وقرأت عليه له أيضا
( بعثت وليدتي سحرا ** وقلت لها خذي حذرك )
( وقولي في ملاطفة ** لزينب نولي عمرك )
( فإن داويت ذا سقم ** فأخزى الله من كفرك )
( فهزت رأسها عجبا ** وقالت هكذا أمرك )
( أهذا سحرك النسوان ** قد خبرنني خبرك )
( وقلن إذا قضى وطرا ** وأدرك حاجة هجرك )
وقرأت عليه أيضا له
( من لعين تذري من الدمع غربا ** معملا جفنها اختلاجا وضربا )
( لو شرحت الغداة يا هند صدري ** لم تجد لي يداك في الصدر قلبا )
( فصلي مغرما بحبك قد كان ** على ما أوليته بك صبا )
( فاعذريني إن كنت صاحب عذر ** واغفري لي إن كنت أحدثت ذنبا )
( لو تحرجت أو تذممت مني ** ما تباعدت كلما ازددت قربا )
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري في قوله عز وجل { فهم في أمر مريج } قال معناه في أمر مختلط يقال مرج أمر الناس أي اختلط وأنشد
( مرج الدين فأعددت له ** مشرف الحارك محبوك الكتد )
وكذا فسر ابن عباس واستشهد بقول أبي ذؤيب
( كأنه خوط مريج ** )
يعني سهما قد اختلط به الدم ويقال أمرجت الدابة أي رعيتها ومرجتها خليتها قال الله جل وعز { مرج البحرين يلتقيان } يعني أرسلهما وخلاهما
( قال ) وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا عبد الله بن ناجية قال حدثنا محمد بن عتاب بن موسى الواسطي العكلي ولقبه سندويه قال حدثني أبي قال حدثنا غياث بن إبراهيم قال حدثنا أشعب الطامع وهو أشعب بن جبير قال أتيت سالم بن عبد الله بن عمرو وهو يقسم صدقة عمر رضي الله عنه فقلت سألتك بالله ألا أعطيتني فقال تعطى وإن لم تسأل وحدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الرجل ليسأل حتى يأتي يوم القيامة وما على وجهه مزعة من لحم قد أخلق من المسئلة قال غياث بن إبراهيم وإنما كتبنا هذا الحديث عن أشعب لأنه كان
عليه يحدث به ويسأل الناس ( قال ) أبو بكر رحمه الله حدثني أبي عن الرستمي عن يعقوب قال المزعة الشيء اليسير من اللحم والنتفة بمنزلتها
قال وحدثنا أبو بكر قال حدثني محمد بن أبي يعقوب الدينوري قال حدثنا روح بن محمد السكوني قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن راشد الرحبي قال قيل لأشعب قد أدركت الناس فما عندك من العلم قال حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله على عبده نعمتان ثم سكت أشعب فقيل له وما النعمتان فقال نسي عكرمة واحدة ونسيت أنا الأخرى ( قال ) وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن العتبي قال كان آخر خطبة خطبها معوية رحمه الله أن صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قبض على لحيته وقال أيها الناس إني من زرع قد استحصد وقد طالت عليكم إمرتي حتى مللتكم ومللتموني وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي وإنه لا يأتيكم بعدي إلا من هو شر مني كما لم يأتكم قبلي إلا من كان خيرا مني وأنه من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائي ثم نزل فما صعد المنبر حتى مات
قال وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا العتبي قال مرض معوية رحمه الله فأرجف مصقلة بن هبيرة فحمله زيادا إلى معوية وكتب إليه أن مصقلة بن هبيرة يجتمع إليه مراق من أهل العراق يرجفون بأمير المؤمنين وقد حملته إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه فوصل مصقله ومعوية قد برأ فلما دخل عليه أخذ بيده وقال يا مصقلة
( أبقى الحوادث من خليلك مثل جندلة المراجم )
( قد رامني الأعداء قبلك فامتنعت عن المظالم ** )
( صلبا إذا خار الرجال ** أبل ممتنع الشكائم )
ثم جذبه فسقط فقال مصقلة يا أمير المؤمنين قد أبقى الله منك بطشا وحلما راجحا وكلا ومرعى لوليك وسما ناقعا لعدوك ولقد كانت الجاهلية فكان أبوك سيدا وأصبح المسلمون اليوم
وأنت أميرهم فوصله معاوية ورده فسئل عن معوية فقال زعمتم أنه كبر وضعف والله لقد جبذني جبذة كاد يكسر مني عضوا وغمز يدي غمزة كاد يحطمها ( قال أبو علي ) أنشدنا أبو عبدالله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لكعب الغنوي يقول لإبنه علي
( أعلى إن بكرت تجاوب هامتي ** هاما بأغبر نازح الأركان )
( وعلمت ما أنا صانع ثم انتهى ** عمري وذلك غاية الفتيان )
( وإذا رأيت المرء يشعب أمره ** شعب العصا ويلج في العصيان )
( فاعمد لما تعنو فما لك بالذي ** لا تستطيع من الأمور يدان )
( وإذا سئلت الخير فاعلم أنه ** نعمى تخص بها من الرحمن )
( شيم تعلق بالرجال وإنما ** شيم الرجال كهيئة الألوان )
قال وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدثنا السكن بن سعيد عن هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال رأيت ببيشة رجلا من أزد السراة أعمى يقوده شاب جميل وهو يقول له يا سمى لا يغرنك أن فسح الشباب خطوك وخلى سربك وأرفه وردك فكأنك بالكبر قد أرب ظوفك وأثقل أوقك وأوهن طوقك وأتعب سوقك فهدجت بعد الهملجه ودججت بعد الدعلجه فخذ من أيام الترفيه لأيام الإنزعاج ومن ساعات المهملة لساعة الإعجال يا ابن أخي أن اغترارك بالشباب كالتذاذك بسمادير الأحلام ثم تنقشع فلا تتمسك منها إلا بالحسرة عليها ثم تعرى راحلة الصبا وتشرب سلوة عن الهوى واعلم أن أغنى الناس يوم الفقر من قدم ذخيره
وأشدهم اغتباطا يوم الحسرة من أحسن سريره ( قال أبو علي ) السرب الطريق والوجه قال ذو الرمة
( خلى لها سرب أولاها وهيجها ** من خلفها لاحق الصقلين همهيم )
والرفه أن تشرب الإبل في كل يوم وأرب شد يقال أربت العقد إذا شددته
والأربة العقدة ( وقال أبو بكر ) يقال ظفت البعير أظوفه إذا دانيت بين قينيه والقينان موضعا القيد من الوظيف ( قال أبو علي ) الأوق الثقل والهملجة سرعة في المشي ( قال يعقوب بن السكيت ) دج يدج دجيجا إذا مر مرا ضعيفا قال الأصمعي هو الدججان أنشد أبو علي
( تدعو بذاك الدججان الدارجا ** ) قال قطرب الدعلجة ضرب من المشى والدعلجة الدحرجة والدعلجة الظلمة والدعلج الحمار والدعلجة الذهاب والمجيء والدعلجة لعبة للصبيان والدعلجة الآكل بنهم وأنشد يأكلن دعلجة ويشبع من عفا والسمادير ما يتراآي للإنسان في نومه من الأباطيل وما يتراآه السكران في سكره وقد قال بعض اللغويين قد اسمدر بصره إذا ضعف ( قال ) وحدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد قال استعمل المهلب يزيد على حرب خراسان واستعمل المغيرة على خراجها ولم يول البختري بن المغيرة بن أبي صفرة فكتب إليه
( اقرا السلام على الأمير وقل له ** إن المقام على الهوان بلاء )
( أصل الغدو إلى الرواح وإنما ** أذني وأذن الأبعدين سواء )
( أجفى ويدعى من ورائي جالسا ** ما بالكرامة والهوان خفاء )
فوجد عليه المهلب وألزمه منزله فكتب إليه
( جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ** وأمسى يزيد لي قد أزور جانبه )
( وكلهم قد نال شبعا لبطنه ** وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه )
( فيا عم مهلا واتخذني لنوبة ** تلم فإن الدهر جم نوائبه )
( أنا السيف إلا أن للسيف نبوة ** ومثلي لا تنبو عليك مضاربه )
فرضي عنه وعزل المغيرة وولاه ( قال ) وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لعمر بن أبي ربيعة
( يا ربة البغلة الشهباء هل لكم ** أن ترحمي عمرا لا ترهقي حرجا )
( قالت بدائك مت أو عش تعالجه ** فما نرى لك فيما عندنا فرجا )
( قد كنت حملتني غيظا أعالجه ** فإن تقدني فقد عنيتنا حججا )
( حتى لو اسطيع مما قد فعلت بنا ** أكلت لحمك من غيظ وما نضجا )
( فقلت لا والذي حج الحجيج له ** ما مح حبك من قلبي وما نهجا )
( ولا رأى القلب من شيء يسربه ** مذبان منزلكم عنا وما ثلجا )
( كالشمس صورتها غراء واضحة ** تغشي إذا برزت من حسنها السرجا )
( ضنت بنائلها عنه فقد تركت ** من غير جرم أبا الخطاب مختلجا )
قال وحدثني أحمد بن يحيى عن حماد بن إسحق الموصلي عن أبيه اسحق قال دخل عمر بن أبي ربيعة المسجد الحرام وهو يحاصر رجلا من قريش فنظر إلى عائشة بنت طلحة جالسة بفناء الكعبة فعدلا إليها وحادثاها فقال عمر ألا أنشدك ما قلت في موسمنا هذا قالت بلى فأنشدها
( يا ربة البغلة الشهباء هل لك في ** أن تنشري عمر ألا ترهقي حرجا )
( قالت بدائك مت أو عش تعالجه ** فما نرى لك فيما عندنا فرجا )
( قد كنت حملتنا ثقلا نعالجه ** فإن تقدنا فقد عنيتنا حججا )
فقالت لا ورب هذه البنية يا أبا الخطاب ما عنيتنا قط طرفة عين ( قال أبو علي ) وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا محمد بن المرز باني لقيس بن ذريح وقرأت جميعها على أبي بكر وأنشدني أحمد بن يحيى بعضها وهي أطول كلمة لقيس
( عفا سرف من أهله فسراوع ** فجنبا أريك فالتلاع الدوافع )
( فغيقة فالأخياف أخياف ظبية ** بها من لبينى مخرف ومرابع )
( لعل لبينى أن يحم لقاؤها ** ببعض البلاد أن ما حم واقع )
( بجزع من الوادي خلاء أنيسه ** عفا وتخطته العيون الخوادع )
( ولما بدا منها الفراق كما بدا ** بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع )
( تمنيت أن تلقى لبيناك والمنى ** تعاصيك أحيانا وحينا تطاوع )
( وما من حبيب وامق لحبيبه ** ولاذي هوى الأله الدهر فاجع )
( وطار غراب البين وانشقت العصى ** ببين كما شق الأديم الصوانع )
( ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ** أحاذر من لبنى فهل أنت واقع )
( وإنك لو أبلغتها قيلك اسلمي ** طوت حزنا وارفض منها المدامع )
( تبكي على لبنى وأنت تركتها ** وكنت كآت غيه وهو طائع )
( فلا تبكين في إثر شيء ندامة ** إذا نزعته من يديك النوازع )
( فليس لآمر حاول الله جمعه ** مشت ولا ما فرق الله جامع )
( كأنك لم تغنه إلا لم تلاقها ** وإن تلقها فالقلب راض وقانع )
( فيا قلب خبرني إذا شطت النوى ** بلبنى وصدت عنك ما أنت صانع )
( أتصبر للبين المشت مع الجوى ** أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع )
( فما أنا إن بانت لبينى بهاجع ** إذا ما استقلت بالنيام المضاجع )
( وكيف ينام المرء مستشعر الجوى ** ضجيع الأسى فيه نكاس روادع )
( فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا ** لبينى ولم يجمع لنا الشمل جامع )
( أليست لبينى تحت سقف يكنها ** وإياي هذا إن نأت لي نافع )
( ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا ** ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع )
( تطأ تحت رجليها بساطا وبعضه ** أطاه برجلي ليس يطويه مانع )
( وأفرح أن تمسي بخير وإن يكن ** بها الحدث العادي ترعني الروائع )
( كانك بدع لم تر الناس قبلها ** ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع )
( فقد كنت أبكي والنوى مطمئية ** بنا وبكم من علم ما البين صانع )
( وأهجركم هجر البغيض وحبكم ** على كبدي منه كلوم صوادع )
( وأعجل للإشفاق حتى يشفني ** مخافة شحط الدار والشمل جامع )
( وأعمد للأرض التي من ورائكم ** ليرجعني يوما عليك الرواجع )
( فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى ** ويا حبها قع بالذي أنت واقع )
( لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعه ** من الناس ما اختيرت عليه المضاجع )
( ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها ** وللبين غم ما يزال ينازع )
( إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به ** جوى حرق قد ضمنتها الأضالع )
( أبائنة لبنى ولم تقطع المدى ** بوصل ولا صرم فييأس طامع )
( يظل نهار الوالهين نهاره ** وتهدنه في النائمين المضاجع )
( سواي فليلى من نهاري وإنما ** تقسم بين الهالكين المصارع )
( ولولا رجاء القلب أن تعطف النوى ** لما حملته بينهن الأضالع )
( له وجبات إثر لبنى كأنها ** شقائق برق في السحاب لوامع )
( نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ** لي الليل هزتني إليك المضاجع )
( أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ** ويجمعني بالليل والهم جامع )
( وقد نشأت في القلب منكم مودة ** كما نشات في الراحتين الأصابع )
( أبى الله أن يلقى الرشاد متيم ** ألا كل أمر حم لا بد واقع )
( هما برحا بي معولين كلاهما ** فؤاد وعين ما قها الدهر دامع )
( إذا نحن أنفدنا البكاء عشية ** فوعدنا قرن من الشمس طالع )
( وللحب آيات تبين بالفتى ** شحوب وتعرى من يديه الأشاجع )
( وما كل ما منتك نفسك خاليا ** تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع )
( تداعت له الأحزان من كل وجهة ** فحن كما حن الظؤار السواجع )
( وجانب قرب الناس يخلو بهمه ** وعاوده فيها هيام مراجع )
( أراك اجتنبت الحي من غير بغضة ** ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع )
( كأن بلاد الله ما لك تكن بها ** وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع )
( ألا إنما أبكي لما هو واقع ** وهل جزع من وشك بينك نافع )
( أحال علي الدهر من كل جانب ** ودامت ولم تقلع علي الفجائع )
( فمن كان محزونا غدا الفراقنا ** فملآن فليبكي لما هو واقع )
( قال أبو علي ) سرف وسراوع وأريك مواضع والتلاع واحدها تلعة وهي مسيل ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي فإذا صغرت التلعة فهي شعبة فإذا عظمت التلعة حتى تصير مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهي ميثاء فإذا عظمت فوق ذلك فهي ميثاء جلواخ والدوافع جمع دافعة وهي التي تدفع الماء وأخياف ظبية موضع والمخرف المنزل الذي يقيم فيه في الخريف وجمعه مخارف والمربع المنزل الذي يقيم فيه في الربيع وجمعه مرابع ويحم يقدر وجزع الوادي منعطفه وكذلك صوحه ومنحناه ومنثناه وعفا درس والخوادع واحدها خادعة وهي التي لا تنام يقال خدعت عينه تخدع إذا لم تنم وأتيناهم بعدما خدعت العين وقال الممزق
( أرقت فلم تخدع بعيني نعسة ** ومن يلق ما لاقيت لا بد يأرق )
أراد من يلق ما لاقيت يأرق على المجازاة لا بد وقال الأصمعي خدع الريق نقص وإذا نقص خنر وإذا خثر أنتن قال سويد بن أبي كاهل
( أبيض اللون لذيذا طعمه ** طيب الريق إذا الريق خدع )
ويروى في الحديث ( أن قبل الدجال سنين خداعة ) يرون أن معناها ناقصة الزكاة والصفا الصخرة والصلد الصلب الذي إذا أصابه شيء صلد أي صوت والشوائع جمع شائعة وهي الظاهرة وقوله وانشقت العصا أي تفرقت الجماعة والعصا الجماعة وارفض يرفض ارفضاضا إذا سال ولا يكون إلا سيالا مع تفرق ومشت مفرق وشطت بعدت والنوى النية والمستشعر الذي لبس شعارا وهو الثوب الذي يلي الجسد والجوى الهوى الباطن والأسى الحزن يقال أسي يأسى أسى ونكاس جمع نكس مثل ترس وتراس وقرط وقراط وروادع جمع رادعة وهي التي تردعه عن الحركة والتصرف ودجا ألبس بظلمته كل شيء والبساط الأرض الواسعة والبساط ما بسط من الفرش وترعني تفزعني والمدى الغاية والصرم القطيعة والصريمة القطعة تنقطع من معظم الرمل والصريمة العزيمة التي قطع عليها صاحبها والصريم الصبح سمى بذلك لأنه انصرم عن الليل والصريم الليل لأنه انصرم عن النهار وليس هو عندنا ضدا والصرمة القطعة من الإبل وسيف صارم قاطع وتهدنه تسكنه ووجبات خفقات والمأق من العين الجانب الذي يلي الأنف واللجاظ الذي يلي الصدغ والآيات العلامات واحدتها آية وشحوب هزال والأشاجع عروق ظاهر الكف واحدها أشجع والظؤار جمع ظئر وهي التي عطفت على ولد غيرها والسواجع واحدتها ساجعة وهي التي تمد حنينها على جهة واحدة يقال سجعت تسجع سجعا والهيام داء يأخذ البعير مثل الحمى فيسخن جلده ويكثر شربه للماء وينحل جسمه يقال بعير هيمان وإبل هيام كقولك عطشان وعطاش وناقة هيمى
( قال وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لحاتم بن عبد الله
( أكف يدي عن أن ينال التماسها ** أكف صحابي حين حاجاتنا معا )
( أبيت هضيم الكشح مضطمر الحشا ** من الجوع أخشى الذم أن أتضلعا )
( وأني لأستحيى رفيقي أن يرى ** مكان يدي من جانب الزاد أقرعا )
( وأنك إن أعطيت بطنك سؤله ** وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا )
( قال أبو علي رحمه الله ) وحدثنا أبو بكر بن البستنبان قال حدثنا أبو يعلى عن الأصمعي قال شهدت أعرابيا عشية عرفة بالموقف فسمعته يقول اللهم إن هذه العشية من عشايا منحتك وأحد أيام زلفتك فيها يقض إليك بالهمم بكل لسان تدعى وكل خيرك فيها يبغى أتتك الضوامر من الفج العميق وجابت إليك المهارق من شعب المضيق ترجو مالا خلف له من وعدك ولا مترك له من عظيم أجرك أبرزت إليك وجوهها المصونة صابرة على لفح السمائم وبرد ليل التمائم ليدركوا بذلك رضوانك ثم انتحب وبكى ورفع يديه وطرفه إلى السماء ثم أنشأ يقول إلهي إن كنت مددت يدي إليك داعيا فطالما كفيتني ساهيا نعمتك تظاهرها على عند القفلة فكيف أيأس منها عند الرجعة ولا أترك رجاءك لما قدمت من اقتراف آثامك وإن كنت لا أصل إليك إلا بك فهب لي يا رب الصلاح في الولد والأمن في البلد وعافني من شر الحسد ومن شر الدهر النكد
( قال ) وحدثنا أبو يعلى عن الأصمعي قال حدثنا محمد بن عبد الله المزني عن أبيه عن بلال بن سعد قال قضى سعد بن أبي وقاص لحرقة بنت النعمان حاجة سألته إياها فكان من دعائها له لا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ولا أزال لك عن كريم نعمة ولا زالت عن عبد صالح نعمة إلا جعلك سببا لردها
وحدثنا أبو بكر بن دريد عن بعض أشياخه قال كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كثيرا ما ينشد شعر عبد الله بن عبد الأعلى القرشي
( تجهزي بجهاز تبلغين به ** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا )
( وسابقي بغتة الآجال وانكمشي ** قبل اللزام فلا منجى ولا غوثا )
( ولا تكدي لمن يبقى وتفتقري ** أن الردى وارث الباقي وما ورثا )
( واخشى حوادث صرف الدهر في مهل ** واستيقني لا تكوني كالذي انتجثا )
( عن مدية كان فيها قطع مدته ** فوافق الحرث موفورا كما حرثا )
( لا تأمني فجع دهر مورط خبل ** قد استوى عنده ما طاب أو خبثا )
( يا رب ذي أمل فيه على وجل ** أضحى به آمنا أمسى وقد جئثا )
( من كان حين تصيب الشمس جبهته ** أو الغبار يخاف الشين والشعثا )
( ويألف الظل كي تبقى بشاشته ** فسوف يسكن يوما راغما جدثا )
( في قعر موحشة غبراء مقفرة ** يطيل تحت الثرى في رمسها اللبثا )
قال الكسائي جئث الرجل جأثا فهو مجؤوث وجث جثا فهو مجثوث وزئد رؤدا وزؤدا فهو مزؤود قال أبو كبير الهذلي
( حملت به في ليلة مزؤدة ** كرها وعقد نطاقها لم يحلل )
وقال أبو زيد شئف شأفا فهو مشؤف إذا فزع وقال غيره الوهل الفزع والإجئلال مثل الإجعلال الفزع وأنشد
( للقلب من خوفه اجئلال ** )
وقال أبو عمرو أذأب فهو مذئب إذا فزع وقال الفراء وترته بغير همز إذا أفزعته ( وقال ) الأصمعي والعله الذي يستخف فيذهب ويجىء من الفزع ( وقال ) أبو عمرو ضاعني الشيء أفزعني ( قال أبو علي ) والضوع عندي الحركة من فزع كان أو غيره قال الشاعر وهو أبو ذؤيب الهذلي
( فريخان ينضاعان في الفجر كلما ** أحسادوي الريح أو صوت ناعب )
ومنه قيل تضوع المسك أي تحرك ريحه وقال غيره الإفزاز الأفزاع وأنشد لأبي ذؤيب
( والدهر لا يبقى على حدثانه ** شبب أفزته الكلاب مروع )
( قال أبو علي ) الشبب والشبوب والمشب المسن من الثيران قال والإفزار عندي الإستخفاف وأفزته استخفته ومنه قيل لولد البقرة فزلانه يستخفه كل شيء رآه أو وأحس به
( قال أبو زيد ) يقال أخذني منه الأزيب أي الفزع وقرأت على أبي عمر في نوادر
ابن الأعرابي عن ابن الأعرابي هذه الأبيات
( اين خليلي الذي أصافيه ** قد بان عني فما ألاقيه )
( حل برمس فما يكلمني ** شغلا وإن كنت قد أناديه )
( قد كان برا فكيف أجفوه ** أيام يدني وكنت أدنيه )
( يا بعد من حل في الثرى أبدا ** عنك وأن حل حيث تأتيه )
( أيام نلهو وبيننا أمد ** نرجوه فيه وقد يرجيه )
( يبسطني مرة ويوعدني ** فضلا طريفا إلى أياديه )
( أيام أن قلت قال في سرع ** وإن كرهنا بدا تأبيه )
( مساعد مونق أخو كرم ** فليس شبه له يدانيه )
( إذ نحن في سلوة وفي غفل ** عن ريب دهر دعت دواعيه )
وقرأت على أحمد بن عبد الله عن أبيه
( أبكي أخا كان يلقاني بنائله ** قبل السؤال ويلقى السيف من دوني )
( إن المنايا أصابتني مصائبها ** فاستعجلت بأخ قد كان يكفيني )
وقرأت عليه أيضا عن أبيه وأنشدنا أبو بكر بن دريد أيضا
( أيغسل رأسي أو تطيب مشاربي ** ووجهك معفور وأنت سليب )
( سيبكيك من أمسى يناجيك طرفه ** وليس لمن وارى التراب نسيب )
( وإني لأستحيي أخي وهو ميت ** كما كنت أستحييه وهو قريب )
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدثني أبي عن بعض أصحابه عن الأصمعي قال رأيت امرأة جا لسة عند قبر تبكي وتقول
( هل خبر القبر سائليه ** أم قرعينا بزائريه )
( أم هل تراه أحاط علما ** بالجسد المستكن فيه )
( لو يعلم القبر من يواري ** تاه على كل ما يليه )
( تحلو نعم عنده سماحا ** ولم تدر قط لا بفيه )
( أنعى بريدا لمعتفيه ** أنعى بريد المجتدبه )
( أنعى بريدا إلى حروب ** تحسر عن منظر كريه )
( أندب من لا يحيط علما ** بكهه بلغ نادبيه )
( يا جبلا كان ذا امتناع ** وطود عز لمن يليه )
( ونخلة طلعها نضيد ** يقرب من كف مجتنيه )
( ويا مريضا على فراش ** تؤذيه أيدي ممرضيه )
( ويا صبورا على بلاء ** كان به الله يبتليه )
( يا دهر ماذا أردت مني ** أخلفت ما كنت أرتجيه )
( دهر رماني بفقد إلفي ** أشكو زماني وأشتكيه )
( آمنك الله كل روع ** وكل ما كنت تتقيه )
( قال الفراء ) يقال أنه لترعية مال إذا كان يصلح المال على يديه ويحسن رعيته والترعية الحسن القيام على المال والرعى له وأنشد
( ترعية قد ذرئت مجاليه ** يقلي الغواني والغواني تقليه )
وقال يعقوب ترعية وترعية بضم التاء وكسرها قال ويقال للراعي الحسن الرعية للمال أنه لبلو من أبلائها قال عمر بن لجأ
( فصادفت أعسل من أبلائها ** يعجبه النزع على ظمائها )
وأنه لعسل من أعسالها وأنه لزر من أزرارها ويقال أن لفلان على ماله إصبعا أي أثرا حسنا قال الراعي
( ضعيف العصا بادي العروق ترى له ** عليها إذا ما أجدب الناس أصبعا )
أي يشار إليها بالأصابع إذا رؤيت ويقال أنه لخال مال وخائل مال إذا كان حسن القيام عليه وأنه لسرسور مال وأنه لصدى مال وأنه لسؤبان مال وقال أبو عمرو وأنه لمحجن مال وأنشد
( قد عنت الجلعد شيخا أعجفا ** محجن مال أينما تصرفا )
الجلعد الناقة القوية الشديدة ويقال للمرأة إذا أسنت وفيها قوة أنها جلعد ويقال هو إزاء مال وإزاء معاش إذا كان يقوم به قياما حسنا وقال حميد بن ثور الهلالي
( إزاء معاش لا يزال نطاقها ** شديدا وفيها سورة وهي قاعد )
أي وثوب وارتفاع ويروى وفيها سؤرة أي بقية من شباب ( وقال الأصمعي ) في قول زهير ابن أبي سلمى
( تجدهم على ما خيلت هم إزاؤها ** وإن أفسد المال الجماعات والأزل )
أي هم الذين يقومون بها المقام المحمود وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة للعتبي
( ينام المسعدون ومن يلوم ** وتوقظني وأوقظها الهموم )
( صحيح بالنهار لمن يراني ** وليلي لا ينام ولا ينيم )
( كأن الليل محبوس دجاه ** فأوله وآخره مقيم )
( لمهلك فتية تركوا أباهم ** وأصغر ما به منهم عظيم )
( يذكرنيهم ما كنت فيه ** فسيان المساءة والنعيم )
( فبالخدين من دمعي ندوب ** وبالأحشاء من وجدي كلوم )
( فإن يهلك بى فليس شيء ** على شيء من الدنيا يدوم )
قال وأنشدني إسحق بن الجنيد قال أنشدني أحمد الجوهري
( واحزني من فراق قوم ** هم المصابيح والحصون )
( والأسد والمزن والرواسي ** والخفض والأمن والسكون )
( لم تتنكر لنا الليالي ** حتى توفتهم المنون )
( فكل نار لنا قلوب ** وكل ماء لنا عيون )
وأملى علينا علي بن سليمان الأخفش قال قال عمرو بن مالك بن يثربي يرثى مسعود بن شداد قال وقال يعقوب هي لأبي الطمحان القيني ثم شك قال والصحيح أنها لعمر وقد قالوا أنها لأمرأة من جرم وإنما وقع الخلاف ههنا ( قال أبو علي ) وقرأتها على أبي عمر المطرز عن أبي العباس عن ابن الأعرابي لفارعة بنت شداد ترثى أخاها مسعود بن شداد وفي الروايتين اختلاف وتقديم وتأخير وزيادة ونقصان ورواية أبي الحسن على الأخفش أتم وهي وهذه الأبيات
( يا عين بكي لمسعود بن شداد ** بكاء ذي عبرات شجوه بادي )
( من لا يذاب له شحم السديف ولا ** يجفوا العيال إذا ما ضن بالزاد )
( ولا يحل إذا ما حل منتبذا ** يخشى الرزية بين الماء والباد )
( قال أبو علي ) لم يرو هذا البيت ولا الذي قبله ابن الأعرابي ويروى معتنزا مكان منتبذا وهما سواء وقال لنا أبو الحسن الأخفش وحفظي والنادي
( قوال محكمة نقاض مبرمة ** فتاح مبهمة حباس أو راد )
وروى ابن الأعرابي فراج مبهمة
( حلال ممرعة فراج مفظعة ** حمال مضلعة طلاع أنجاد )
( قتال طاغية رباء مرقبة ** مناع مغلبة فكاك أقياد )
وروى ابن الأعرابي
( قتال طاغية نحار راغية ** حلال رابية )
( حمال ألوية شداد أنجية ** سداد أوهية فتاح أسداد )
وروى ابن الأعرابي شهاد أنجية رفاع ألوية وزاد ههنا بيتين وهما هذان
( جماع كل خصال الخير قد علموا ** زين القرين ونكل الظالم العادي )
( أباز رارة لا تبعد فكل فتى ** يوما رهين صفيحات وأعواد )
( هلا سقيتم بني جرم أسيركم ** نفسي فداؤك من ذي كربة صادي )
( نعم الفتى ويمين الله قد علموا ** يخلو به الحي أو يغدو به الغادي )
( هو الفتى يحمد الجيران مشهده ** عند الشتاء وقد هموا بإخماد )
( الطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ** مثعنجر بعد ما تغلي بإزباد )
( والسابئ الزق للأصحاب إذ نزلوا ** إذا ذراه وغيث المحوج الجادي )
( لاه ابن عمك لا أنساك من رجل ** حتى يجيء من القبر ابن مياد )
( قال ) أبو الحسن ويروى لاه ابن عمك لا أنسى ابن شداد حتى يجيء من الرمس ويروى لاه ابن عمك لاأنساك يا رجلا حتى يجيء من الرمس
( إني وإياهم حتى نصيب به ** منهم أخاثقة في ثوب حداد )
لم يرو ابن الأعرابي من قوله أباز رارة إلى هذا البيت إني وإياهم وروى
( يا من يرى بارقا قدبت أرمقه ** يسري على الحرة السوداء فالوادي )
ويروى قدبت أرقبه وروى ابن الأعرابي جودا على الحرة السوداء وأتبع هذا البيت البيت الذي هو أول القصيدة
( برقا تلألا غوريا جلست له ** ذات العشاء وأصحابي بأفناد )
( بتنا وباتت رياح الغور تزجله ** حتى استتب تواليه بأنجاد )
( ألقى مراسي غيث مسبل غدق ** دان يسح سيوبا ذات إرعاد )
( أسقى به قبر من أعنى وحب به ** قبرا إلي ولما يفده فادي )
( قال أبو علي ) السديف شحم السنام وهو أجود شحم البعير يقول لا يستأثر به دون ضيفه وعياله والمعتنز والمنتبذ المتنحي المنفرد وقوله بين الماء والبادي يعني بين الحضر والبدو فأما النادي والندي فالمجلس قوال محكمة يعني خطبة أو قصيدة والمبرمة الأمور
التي قد أبرمت أي أحكمت وقوله قتال طاغية ( قال أبو علي ) قال أبو الحسن الهاء في طاغية للمبالغة وإنما أراد طاغيا ورباء فعال من قولهم ربأ للقوم يربأ إذا صار لهم ربيئة أي ديدبانا والأنجية القوم يتناجون أي يتسارون واحدهم نجي والنكل القيد وجمعه أنكال والصادي العطشان ههنا
قال أبو الحسن قوله همو بإخماد يقال خمدت النار إذا سكن لهبها ولم يطفأ جمرها وهمدت إذا طفئ جمرها ( قال أبو علي ) ومنه قيل همد الرجل إذا مات وهمد الثوب إذا أخلق فلم يكن فيه مرقع وإنما قال وقد همو بإخماد أي هموا بان يطفؤا لهب نيرانهم لئلا يبصرها بالليل المتنور فيأتيهم للقرى والنجلاء الواسعة
( قال أبو الحسن ) المثعنجر الدم الكثير ( قال ) والسابئ المبتاع للخمر يقال سبأت الخمر أسبؤها سبأ إذا اشتريتها ( قال أبو علي ) ولا يكون السباء إلا في الخمر وحدها والجادي السائل والمعطي وهو من الأضداد قال الشاعر
( جدوت أناسا موسرين فما جدوا ** ألا الله فاجدوه إذا كنت جاديا )
( قال أبو الحسن ) قوله ثوب حداد يعني ثوب وسخ والبارق السحاب الذي فيه برق والغور تهامة والجلس نجد وجلسنا أتينا الجلس وأنشدني أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى
( إذا ما جلسنا لا تزال ترومنا ** تميم لدى أبياتنا وهوازن )
( قال أبو الحسن ) أفناد موضع كذا أنشدناه تزجله أي تدفعه ولا أحسب هذا محفوظا وإنما هو تزجله أي تدفعه ( قال أبو الحسن ) استتب تهيأ والتأم وأنجاد جمع نجد )
بسم الله الرحمن الرحيم
( قال أبو علي ) إسمعيل بن القاسم القالي رحمه الله تعالى أخبرنا أبو بكر بن دريد الأزدي قال حدثنا الرياشي عن محمد بن سلام قال كتب الحجاج بن يوسف إلى قتيبة ابن مسلم إني نظرت في عمري فإذا أنا قد بلغت خمسين سنة وأنت نحوي في السن وأن امرأ قد سار إلى منهل خمسين عاما لقمن أن يكون دنا منه فسمع التيمي منه هذا فقال ( وان أمرأ قد سار خمسين حجة ** إلى منهل من ورده لقريب )
( قال أبو علي ) قال أبو بكر وحدثنا عبد الأول بن مرثد قال حدثني أحمد بن المعذل
قال رثى محارب بن دثار عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فقال هذه الأبيات
( كم من شريعة حق قد أقمت لهم ** كانت أميتت وأخرى منك تنتظر )
( يا لهف نفسي ولهف الواجدين معي ** على النجوم التي تغتالها الحفر )
( ثلاثة ما رأت عين لهم شبها ** يضم أعظمهم في المسجد المدر )
( فأنت تتبعهم لم تأل مجتهدا ** سقيا لها سننا بالحق تقتفر )
( لو كنت أملك والأقدار غالبة ** تأتي صباحا وتبياتا وتبتكر )
( صرفت عن عمر الخيرات مصرعه ** بدير سمعان لكن يغلب القدر )
( قال ) وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله تعالى قال حدثنا أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي عن العتبي عن أبيه قال رأيت امرأة بضرية جالسة عند قبر تبكي وتقول هذه الأبيات
( ألا من لي بأنسك يا أخيا ** ومن لي أن أبثك ما لديا )
( طوتك خطوب دهرك بعد نشر ** كذاك خطوبه نشرا وطيا )
( فلو نشرت قواك لي المنايا ** شكوت إليك ما صنعت إليا )
( بكيتك يا أخي بدمع عيني ** فلم يغن البكاء عليك شيا )
( وكانت في حياتك لي عظات ** فأنت اليوم أوعظ منك حيا )
( قال ) وأنشدنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش للأبيرد بن المعذر الرياحي يرثي أخاه بريدا
( تطاول ليلى لم أنمه تقلبا ** كأن فراشي حال من دونه الجمر )
( أراقب من ليل التمام نجومه ** لدن غاب قرن الشمس حتى بدا الفجر )
( تذكر علق بان منا بنصره ** ونائله يا حبذا ذلك الذكر )
( فإن تكن الأيام فرقن بيننا ** فقد عذرتنا في صحابته العذر )
( وكنت أرى هجرا فراقك ساعة ** ألا لا بل الموت التفرق والهجر )
( أحقا عباد الله أن لست لاقيا ** بريدا طوال الدهر ما لألا العفر )
( فتى ليس كالفتيان إلا خيارهم ** من القوم جزل لا ذليل ولا غمر )
( فتى إن هو استغنى تخرق في الغنى ** وإن كان فقر لم يؤد متنه الفقر )
( وسامى جسيمات الأمور فنالها ** على العسر حتى يدرك العسرة اليسر )
( ترى القوم في العزاء ينتظرونه ** إذا شك راي القوم أو حزب الأمر )
( فليتك كنت الحي في الناس باقيا ** وكنت أنا الميت الذي ضمه القبر )
( فتى يشتري حسن الثناء بماله ** إذا السنة الشهباء قل بها القطر )
( كأن لم يصاحبنا بريد بغبطة ** ولم تأتنا يوما بأخباره البشر )
( لعمري لنعم المرء عالى نعيه ** لنا ابن عرين بعد ما جنح العصر )
( تمضى به الأخبار حتى تغلغلت ** ولم تثنه الأطباع عنا ولا الجدر )
( فلما نعى الناعي بريدا تغولت ** بي الأرض فرط الحزن وانقطع الظهر )
( عساكر تغشى النفس حتى كأنني ** أخو نشوة دارت بهامته الخمر )
( إلى الله أشكو في بريد مصيبتي ** وبثي وأحزانا يجيش بها الصدر )
( وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ** من الأجر لي فيه وإن سرني الأجر )
( وما زال في عيني بعد غشاوة ** وسمعي عما كنت أسمعه وقر )
( على أنني أقنى الحياء وأتقي ** شماتة أقوام عيونهم خزر )
( فحياك عني الليل والصبح إذا بدا ** وهوج من الأرواح غدوتها شهر )
( سقى جدثا لو استطيع سقيته ** بأود فرواه الرواعد والقطر )
( ولا زال يسقى من بلاد ثوى بها ** نبات إذا صاب الربيع بها نضر )
( حلفت برب الرافعين أكفهم ** ورب الهدايا حيث حل بها النحر )
( ومجتمع الحجاج حيث تواقفت ** رفاق من الآفاق تكبيرها جأر )
( يمين أمرئ إلى وليس بكاذب ** وما في يمين بتها صادق وزر )
( لئن كان أمسى ابن المعذر قد ثوى ** بريد لنعم المرء غيبه القبر )
( هو المرء للمعروف والبر والندى ** ومسعر حرب لا كهام ولا غمر )
( أقام ونادى أهله فتحملوا ** وصرمت الأسباب واختلف النجر )
( فأي امرئ غادرتم في محلكم ** إذا هي أمست لون آفاقها حمر )
( إذا الشول راحت وهي حدب ظهورها ** عجافا ولم يسمع لفحل لها هدر )
( كثير رماد النار يغشى فناؤه ** إذا نودي الأيسار واحتضر الجزر )
( فتى كان يغلي اللحم نيأ ولحمه ** رخيص بكفيه إذا تنزل القدر )
( يقسمه حتى يشيع ولم يكن ** كآخر يضحي من غبيبته ذخر )
( فتى الحي والأضياف إن روحتهم ** بليل وزاد القوم ان أرمل السفر )
( إذا جهد القوم المطي وأدرجت ** من الضمر حتى يبلغ الحقب الضفر )
( وخفت بقايا زادهم وتواكلوا ** وأكسف بال القوم مجهولة قفر )
( رأيت له فضلا عليهم بقوة ** وبالعقر لما كان زادهم العقر )
( غذا القوم أسروا ليلهم ثم أصبحوا ** غدا وهو ما فيه سقاط ولا فتر )
( وإن خشعت اصواتهم وتضاءلت ** من الأين جلي مثل ما ينظر الصقر )
( وإن جارة حلت إليه وفي لها ** فباتت ولم يهتك لجارته ستر )
( عفيف عن الفحشاء ما التبست به ** صليب فما يلفى بعود له كسر )
( سلكت سبيل العالمين فمالهم ** وراء الذي لاقيت معدى ولا قصر )
( وأبليت خيرا في الحياة وإنما ** ثوابك عندي اليوم أن ينطق الشعر )
( ليفدك مولى أو أخ ذو ذمامة ** قليل الغناء لا عطاء ولا نصر )
( قال أبو علي ) قال أبو الحسن من روى لم أنمه جعله مفعولا على السعة كما قالوا اليوم صحيه والمعنى لم أنم فيه وصمت في اليوم جعله مثل زيد ضربته ونصب تقلبا بالمعنى كأنه
قال أتقلب تقلبا لأن لم أنمه بدل منه ( قال أبو علي ) ليل التمام بالكسر لا غير ولا تنزع منه الألف واللام فيقال ليل تمام فأما في الولد فيجوز الكسر والفتح ونزع الألف واللام فيقال ولد الولد لتمام ولتمام وأما ما سواهما فلا يكون فيه إلا الفتح يقال خذ تمام حقك وبلغ الشيء تمامه فأما المثل فبالكسر وهو قولهم ( أبى قائلها إلا تما ) وقرن الشمس حرفها
قال أبو الحسن من رفع تذكر فكأنه قال أمري تذكر علق ومن نصب فكأنه قال أتذكر وما قبله من الكلام بدل منه ( قال أبو علي ) العلق هو الشيء النفيس من كل شيء والعلق الحب والعلاقة أيضا الحب والعرب تقول نظرة من ذي علق أي من ذي حب والعلق الدود الذي يكون في الماء والعلق الدم فأما العلاقة بالكسر فهو ما يعلق به السوط وما أشبهه
قال أبو الحسن أنث عذرتنا لأن العذر في معنى المعذرة والعذرة والعذرى فكأنه قال عذرتنا المعذرة ( قال ) وأخبرني محمد بن يزيد قال العذر جمع عذرة مثل بسرة وبسر ( قال ) وهو أبلغ في المعنى الذي أراد لأنه يكون فيه معنى التكثير يقال عذره عذرا بعد عذر كأنه قال عذرتنا المعاذير
والصحابة والصحبة واحد ( قال أبو علي ) وهذا أمثل لأنه جعل للعذر صحابة قال أبو الحسن وسرق عبد الصمد بن المعذل معنى قوله
( وكنت أرى هجرا فراقك ساعة ** ألا لا بل الموت التفرق والهجر )
فقال
( الموت عندي والفراق ** كلاهما ما يطاق )
( يتعاونان على النفوس ** فذا الحمام وذو السياق )
( لو لم يكن هذا كذا ** ما قيل موت أو فراق )
( قال أبو الحسن ) قوله أحقا عند أهل العربية في موضع ظرف كأنه قال أفي حق عباد الله
ولألأحرك ( قال أبو علي ) العرب تقول لا آتيك ما لألأ العفر أي ما حركت أذنابها قال عدي بن زيد
( يلألئن الأكف على عدي ** ويعطف رجعهن إلى الجيوب )
( قال أبو الحسن ) خيارهم بدل من الفتيان وهذا بدل البعض من الكل كأنه قال فتى ليس إلا كخيار الفتيان
والجزل القوي ومنه قيل حطب جزل إذا كان قويا غليظا
( قال أبو علي ) قال الأصمعي الجزل من الرجال الجيد الرأي ( قال أبو علي ) الغمر والمغمر الذي لم يجرب الأمور والغمر بالفتح السخي الكثير العطاء قال كثير
( غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ** غلفت لضحكته رقاب المال )
وإنما قال غمر الرداء لأنه أراد بقوله سخي الرجال والعرب تفعل هذا فتقول فدى لك ردائي وفدى لك ازاري ويريدون بذلك أبدانهم والغمر الغزير من الماء والغمر القدح الصغير الذي يسع دون الري ومنه قيل تغمرت أي شربت الغمر والغمر الذي يعلق باليد من الزهومة بفتح الغين والميم يقال يد غمرة والغمر الحقد يقال غمر صدره علي ودخلت في غمار الناس وخمار الناس وغمر الناس وخمر الناس أي في جماعتهم والغمرة بفتح الغين وسكون الميم الحيرة ( قال أبو الحسن ) وتخرق توسع والخرق الواسع من الأرض ( قال أبو علي ) والخرق بكسر الخاء السخي من الرجال الذي يتوسع في العطاء قال أبو الحسن يؤد يثقل قال الله عز وجل { ولا يؤوده حفظهما } أي لا يثقله ( قال أبو علي ) وسامى عالى ( قال أبو الحسن ) يقال العسرة والعسر ولا يقال اليسرة كما يقال اليسر ( وقال أبو الحسن ) العزاء الذي يعزك أي يغلبك ويقهرك ( قال أبو علي ) الشهباء السنة التي يكثر الجليد فيها من شدة البرد وهذا أكثر ما يكون عندهم من الشمال لأنها في بلادهم باردة يابسة تفرق السحاب ولذلك سموها محوة غير مصروفة لأنها تمحو السحاب ( قال أبو الحسن ) البشر جمع بشير ( قال ) وكان ينبغي أن يقول البشر فأسكن للضرورة ( قال أبو علي ) وهذا عندي جائز حسن مثل كتب وكتب ورسل ورسل وبالتخفيف يقرأ أبو عمرو بن العلاء في أكثر القرآن ( قال أبو الحسن ) وجنح مال والعصر العشي ( قال أبو علي ) والعصران الغداة والعشي وكذلك البردان ( قال أبو الحسن ) تغلغلت دخلت ويقال
غل في الشيء وانغل فيه إذا دخل فيه ( قال أبو الحسن ) والأطباع أراد بها الخواتم والطابع الخاتم فحذف الزائد فصار طبعا فجمعه على أطباع مثل قتب وأقتاب وجمل وأجمال ( قال ) ويروى الأصناع يريد المصانع وواحدها مصنعة فحذف الهاء لأنها بمنزلة اسم ضم إلى اسم ثم حذف الزائدة الأولى فصار صنعا فجمعه أصناعا
( قال أبو علي ) أصناع جمع صنع وهو محبس الماء ( قال أبو الحسن ) تغولت بي الأرض أي ذهبت بي ومنه ( غالته غول ) أي أذهبته وأهلكته ومنه الغضب غول الحلم ( قال أبو علي ) تغولت تلونت كانه استدارت به الأرض فتلونت في عينه مما أصابه ( قال أبو الحسن ) أقنى ألزم يقال قني حياءه إذا لزمه ( قال أبو الحسن ) أود موضع ويروى أود أيضا فلا أدري أهما اسمان لموضع واحد جاآ على لغتين أو أود غير أود فأما في بيت جرير فلا يروى إلا بالضم وهو قوله
( أهوى أراك برامتين وقودا ** أم بالجنيبة من مدافع أودا )
( قال أبو علي ) الوقود بفتح الواو الحطب وبضمها اللهب
والجأر مصدر جأر يجأر جأرا والجؤار الإسم وهو صوت مع تضرع ( قال أبو علي ) والكهام الكليل الحد من السيوف وأراد به ههنا الرجل
والنجر والنجار والنجار الأصل والنجار أيضا اللون ( قال أبو الحسن ) وقد يكون النجار جمع نجر ( قال ) والغبيبة اللحم المتغير الريح ( قال أبو علي ) والبليل الريح الباردة التي معها بلل ( قال ) وأرمل السفر نفدت أزوادهم وكذلك أقووا وهما عندي من الرمل والقواء وهو القفر كأنه صار بموضع ليس فيه شيء غير الرمل وبالموضع الخالي الذي لا يجد في شيأ ثم كثر ذلك حتى قيل لكل من نفد زاده قد أرمل وقد أقوى قال الله تعالى { نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين } ( قال ) والضفر حبل مضفور يجعل في أعالي الحمل والحقب في أسفله فيقول من شدة ضمره بلغ الأعلى الأسفل وأكسف غير والبال الحال وتضاءلت ضعفت وجلى
بين كذا قال أبو الحسن ( قال أبو علي ) وهو جيد في الإشتقاق وقد روى أبو عبيدة جلي ببصره إذا رمى به ويلفى يوجد ويروى يلقى بالقاف ( قال أبو الحسن ) ينطق الشعر ينطق ههنا يبين ( قال أبو علي ) حدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال حدثنا سعيد بن هرون عن التوزي عن أبي عبيدة قال لما هلك أبان بن الحجاج وأمه أم ابان بنت النعمان بن بشير فلما دفنه قام الحجاج على قبره فتمثل بقول زياد الأعجم
( ألآن لما كنت أكمل من مشى ** وافترنابك عن شباة القارح )
( وتكاملت فيك المروءة كلها ** وأعنت ذلك بالفعال الصالح )
فلما انصرف إلى منزله قال أرسلوا خلف ثابت بن قيس الأنصاري فأتاه فقال أنشدني مرثيتك في ابنك الحسن فأنشده
( قد أكذب الله من نعى حسنا ** ليس لتكذيب موته ثمن )
( أجول في الدار لا أراك وفي الدار أناس جوارهم غبن )
( بدلتهم منك ليت أنهم ** أضحوا وبيني وبينهم عدن )
فقال له الحجاج ارث ابني أبان فقال له إني لا أجد به ما كنت أجد بحسن قال وما كنت تجد به قال ما رأيته قط فشبعت من رؤيته ولا غاب عني قط إلا اشتقت إليه فقال الحجاج كذلك كنت أجد بأبان ( قال أبو علي ) وحدثني أبو عبد الله عند قراءتي عليه قصيدة ابن أحمر
( شط المزار بجدوى وانتهى الأمل ** ) قال مدح بهذه القصيدة النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري وبشير بن سعد عقبي بدري أنصاري والنعمان أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار وآخر من ولي الكوفة لمعاوية بن أبي سفيان وقتلته كلب في فتنة مروان وكان عثمانيا
وقرأت قصيدة زياد الأعجم على أبي بكر بن دريد فقال زياد الأعجم كنيته أبو أمامة وكان في كتابي للصلتان فقال هو هي لزياد الأعجم
وكان ينزل إصطخر ورثى بهذه القصيدة المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة ( قال ) وأنشدنا هذه القصيدة أبو الحسن الأخفش لزياد الأعجم وفي الروايتين اختلاف وتقديم وتأخير في الابيات ورواية أبي بكر أتم أولها في روايته
( يا من بمغدى الشمس أو بمراحها ** أو من يكون بقرنها المتنازح )
وروى أبو الحسن أو من يحل بقرنها وروى هذا البيت في وسط القصيدة
( قل للقوافل والغزاة إذا غزوا ** للباكرين وللمجد الرائح )
وروى أبو الحسن والغزي إذا غزوا والباكرين وهذا البيت أول القصيدة
( إن السماحة والمروءة ضمنا ** قبرا بمرو على الطريق الواضح )
( فإذا مررت بقبره فاعقر به ** كوم الجلاد وكل طرف سابح )
ويروى طرف طامح
( وانضح جوانب قبره بدمائها ** فلقد يكون أخادم وذبائح )
( واظهر ببزته وعقد لوائه ** واهتف بدعوة مصلتين شرامح )
( آب الجنود معقلا أو قافلا ** وأقام رهن حفيرة وضرائح )
( وأرى المكارم يوم زيل بنعشه ** زالت بفضل فواضل ومدائح )
( رجفت لمصرعه البلاد وأصبحت ** منا القلوب لذاك غير صحائح )
( ألآن لما كنت أكمل من مشى ** وافترنابك عن شباة القارح )
( وتكاملت فيك المروءة كلها ** وأعنت ذلك بالفعال الصالح )
( فكفى لنا حزنا ببيت حله ** احدى المنون فليس عنه ببارح )
( فعفت منابره وحط سروجه ** عن كل طامحة وطرف طامح )
( وإذا يناح على امرئ فتعلمن ** أن المغيرة فوق نوح النائح )
( تبكي المغيرة خيلنا ورماحنا ** والباكيات برنة وتصايح )
( مات المغيرة بعد طول تعرض ** للموت بين أسنة وصفائح )
( والقتل ليس إلى القتال ولا أرى ** سببا يؤخر للشفيق الناصح )
( لله در منية فاتت به ** فلقد أراه يرد غرب الجامح )
( ولقد أراه مجففا أفراسه ** يغشى الأسنة فوق نهد قارح )
( في حجفل لجب ترى أبطاله ** منه تعضل بالفضاء الفاسح )
( يقص الحزونة والسهولة إذ غدا ** بزهاء أرعن مثل ليل جانح )
( ولقد أراه مقدما أفراسه ** يدني مراحج في الوغى لمراحج )
( فتيان عادية لدى مرسى الوغى ** سبنوا بسنة معلمين حجاحج )
( لبسوا السوابغ في الحروب كأنها ** غدر تحيز في بطون أباطح )
( قال أبو علي ) كذا أنشدناه أبو الحسن تحيز بالزاي فزاد أبو بكر تحير بالراء ولم ينكر تحيز وكلاهما عندي جائز حسن وروى أبو الحسن رحمه الله تعالى في متون أباطح
( وإذا الضراب عن الطعان بدالهم ** ضربوا بمرهفة الصدور جوارح )
( لو عند ذلك قارعته منية ** قرع الحواء وضم سرح السارح )
( كنت الغياث لأرضنا فتركتنا ** فاليوم نصبر للزمان الكالح )
( فانع المغيرة للمغيرة إذا غدت ** شعواء مجعرة لنبح النابح )
( صفان مختلفان حين تلاقيا ** آبوا بوجه مطلق أو ناكح )
( ومدجج كره الكماة نزاله ** شاكي السلاح مسايف أو رامح )
( قد زار كبش كتيبة بكتيبة ** يودي لكوكبها برأس طامح )
( غيران دون نسائه وبناته ** حامي الحقيقة للحروب مكاوح )
( سبقت يداك له بعاجل طعنة ** شهقت لمنفذها أصول جوانح )
( والخيل تضيح بالكماة وقد جرت ** فوق النحور دماؤها بسرائح )
( يا لهفتا لك كلما ** خيف الغرار على المدر الماسح )
( تشفي بحلمك لأبن عمك جهله ** وتذب عنه كفاح كل مكافح )
( وإذا يصول بك ابن عمك لم يصل ** بمواكل وكل غداة تجالح )
( صل يموت سليمه قبل الرقى ** ومخاتل لعدوه بتصافح )
( وإذا الأمور على الرجال تشابهت ** وتنوزعت بمغالق ومفاتح )
( فتل السحيل بمبرم ذي مرة ** دون الرجال بفضل عقل راجح )
( وأرى الصعالك للمغيرة أصبحت ** تبكي على طلق اليدين مسامح )
( كان الربيع لهم إذا انتجعوا الندى ** وخبت لوامع كل برق لامح )
( كان المهلب بالمغيرة كالذي ** ألقى الدلاء إلى قليب المائح )
( فاصاب جمة ما استقى فسقى له ** في حوضه بنوازع ومواتح )
( أيام لو يحتل وسط مفازة ** فاضت معاطشها بشرب سائح )
لم يرو أبو الحسن رحمه الله تعالى من قوله أن المهالب إلى قوله رفاع ألوية
( أن المهالب لن يزال لهافتى ** يمري قوادم كل حرب لاقح )
( بالمقربات لواحقا آطالها ** تجتاب سهل سباسب وصحا صح )
( متلببا تهفو الكتائب حوله ** ملح المتون من النضيح الراشح )
( ملك أغر متوج يسمو له ** طرف الصديق بغض طرف الكاشح )
( رفاع ألوية الحروب إلى العدى ** بسعود طير سانح وبوارح )
( قال أبو علي ) قال الأصمعي الجلد الكبار من الإبل التي لا صغار فيها وأنشد
( تواكلها الأزمان حتى أجأنها ** إلى جلد منها قليل الأسافل )
والأسافل الصغار ههنا ( قال أبو علي ) وجمعها جلاد وإنما قيل للكبار جلد لأنها قد اشتدت وصلبت ولم يقل الصغار لأنها لينة رطبة ( قال أبو علي ) وقوله مصلتين يعني أصلتوا سيوفهم أن سلوها
والشرامح جمع شرمح وهم الطوال وقوله مجففا أفراسه يعني ألبسها التجافيف وتعضل تنشب ومنه عضلت القطاة إذا نشب
بيضها فلم يخرج وتحيز تدافع والمكافح المجالد بنفسه ومنه لقينه كفاحا
والمكاوح بالواو المجاهد ( قال أبو علي ) ويقال فلان شاكي السلاح وشائك السلاح إذا كانت لسلاحه شوكة وفلان شاك في السلاح إذا دخل في الشكة والشكة السلاح والسرائح السيور واحدها سريحة وهي سيور نعال الإبل
والوكل الذي يتكل على غيره والتجالح التكاشف
( قال ) وأنشدنا أبو بكر ر حمه الله تعالى قال أنشدنا أبو حاتم عن أبي عبيدة لأم عمرو أخت ربيعة بن مكدم ترثى أخاها ربيعة وقتلته بنو سليم
( ما بال عينك منها الدمع مهراق ** سحا فلا عازب عنها ولا راقي )
( أبكي على هالك أودى فأورثني ** بعد التفرق حزنا حره باقي )
( لو كان يرجع ميتا وجد ذي رحم ** أبقى أخي سالما وجدي واشفاقي )
( أو كان يفدى لكان الأهل كلهم ** وما أثمر من مال له راق )
( لكن سهام المنايا من نصبن له ** لم ينجه طب ذي طب ولا راقي )
( فاذهب فلا يبعدنك الله من رجل ** لاقى التي كل حي مثلها لاقي )
( فسوف أبكيك ما ناحت مطوقة ** وما سريت مع الساري على ساقي )
( أبكي لذكرته عبرى مفجعة ** ما إن يجف لها من ذكرة ماقي )
وأنشدنا أبو علي لأبي بكر بن دريد رحمه الله تعالى
( على أي رغم ظلت أغضي وأكظم ** وعن أي حزن بات دمعي يترجم )
( أجدك ما تنفك ألسن عبرة ** تصرح عما كنت عنه تجمجم )
( كأنك لم تركب غروب فجائع ** شباهن من هاتا أحد وأكلم )
( بلى غير أن القلب ينكؤه الاسى الملم وإن جل الجوى المتقدم )
( وكم نكبة زاحمت بالصبر ركنها ** فلم يلف صبري واهيا حين يزحم )
( ولو عارضت رضوى بأيسر درئها ** لظلت ذرى أقذافها تتهدم )
( وقد عجمتني الحادثات فصادفت ** صبورا على مكروهها حين تعجم )
( ومن يعدم الصبر الجميل فإنه ** وجدك لا من يعدم الوفر معدم )
( أصارفة عني بوادر حدها ** فجائع للعلياء توهي وتحطم )
( لها كل يوم في حمى المجد وطأة ** تظل لها أسبابه تتجذم )
( إذا أجشمت جياشة مصمئلة ** قفت إثرها دهياء صماء صيلم )
( أم الدهر أن لن تستفيق صروفه ** مصرفة نحوي فجائع يقسم )
( وساءلت عن حزم أضيع وهفوة ** أطيعت وقد ينبوا الحسام المصمم )
( فلا تشعري لذع الملام فؤاده ** فإنك ممن رعت باللوم ألوم )
( ولم تر ذا حزم وعزم وحنكة ** على القدر الجاري عليه يحكم )
( متى دفع المرء الأريب بحيلة ** بوادر ما يقضى عليه فيبرم )
( ولو كنت محتالا على القدر الذي ** نبابي لم أسبق بما هو أحزم )
( ولكن من تملك عليه أموره ** فمالكها يمضي القضاء فيحتم )
( وما كنت أخشى أن تضاءل همتي ** فأضحي على الأجن الصرى أتلوم )
( كأن نجيا كان يبعث خاطري ** قرين إسار أو نزيف مهوم )
( وما كنت أرضى بالدناءة خطة ** ولي بين أطراف الأسنة مقدم )
( وما ألفت ظل الهوينا صريمتي ** وكيف وحداها من السيف أصرم )
( ألم تر أن الحر يستعذب المنى ** تباعده من ذلة وهي علقم )
( ويقذف بالأجرام بين لها الردى ** إذا كان فيه العز لا يتلعثم )
( سأجعل نفسي للمتالف عرضة ** وأقذفها للموت والموت أكرم )
( بأرضك فارتع أو إلى القبر فارتحل ** فإن غريب القوم لحم موضم )
( تندمت والتفريط يجني ندامة ** ومن ذا على التفريط لا يتندم )
( يصانع أو يغضي العيون على القذى ** ويلذع بالمرى فلا يترمرم )
( على أنني والحكم لله واثق ** بعزم يفض الخطب والخطب مبهم )
( وقلب لو أن السيف عارض صدره ** لغادر حد السيف وهو مثلم )
( إلى مقول ترفض عن عزماته ** أوابد للصم الشوامخ تقضم )
( صوائب يصرعن القلوب كأنما ** يمج عليها السم أربد أرقم )
( وما يدري الأعداء من متدرع ** سرابيل حتف رشحها المسك والدم )
( أبل نجيد بين أحناء سرجه ** شهاب وفي ثوبيه أضبط ضيغم )
( إذا الدهر أنحى نحوه حد ظفره ** ثناه وظفر الدهر عنه مقلم )
( وإن عضه خطب تلوى بنابه ** وأقلع عنه الخطب والناب أدرم )
( ولم تر مثلي مغضيا وهو ناظر ** ولم تر مثلي صامتا يتكلم )
( وبالشعر يبدي المرء صفحة عقله ** فيعلن منه كل ما كان يكتم )
( وسيان من لم يمتط اللب شعره ** فيملك عطفيه وآخر مفحم )
( جوائب أرجاء البلاد مطلة ** تبيد الليالي وهي لا تتخرم )
( ألم تر ما أدت إلينا وسيرت ** على قدم الأيام عاد وجرهم )
( هم اقتضبوا الأمثال صعبا قيادها ** فذل لهم منها الشريس الغشمشم )
( وقالوا الهوى يقظان والعقل راقد ** وذو العقل مذكور وذو الصمت أسلم )
( ومما جرى كالوسم في الدهر قولهم ** على نفسه يجني الجهول ويجرم )
( وكالنار في يبس الهشيم مقالهم ** ألا إن أصل العود من حيث يقضم )
( فقد سيروا مالا يسير مثله ** فصيح على وجه الزمان وأعجم )
( قال ) وحدثني أبو مسهر أن الأحنف بن قيس خرج من عند معاوية رضي الله عنه فخلفه بعض من كان في المجلس فقدح فيه فبلغ ذلك الأحنف فقال ( عثيثة تقرم جلدا أملسا )
( قال ) وأخبرني عبد الله بن إبراهيم الجمعي قال نشأ في قريش ناشئان رجل من بني مخزوم ورجل من بني جمح فبلغا في الوداد ما لم يبلغ بالغ حتى كان إذا رؤي أحدهما فكأن قد رئيا جميعا ثم دخلت وحشة بينهما من غير شيء يعرفانه فتغيرا فلما كان ليلة من الليالي استيقظ المخزومي ففكر ما الذي شجر بينهما وكان المخزومي يقال له محمد والجمعي يحيى فنزل من سطحه وخرج حتى دق عليه بابه فاستيقظ له فنزل إليه فقال له ما جاء بك هذه الساعة قال جئتك لهذا الذي حدث ما أصله وما هو قال قفال والله ما أعرف له أصلا قال عبد الله فبكيا حتى كادا يصبحان ثم عاد كل واحد منهما إلى منزله فأصبح المخزومي وهو يقول
( كنت ويحيى كبدي واحد ** نرمي جميعا ونرامى معا )
( يسرني الدهر إذا سره ** وإن رمينا بالأذى أوجعا )
( حتى إذا ما الشيب في مفرقي ** لاح وفي عارضه أسرعا )
( وشى وشاة فرقوا بيننا ** فكاد حبل الوصل أن يقطعا )
وزاد غير عبد الله بن إبراهيم
( فلم ألم يحيى على وصله ** ولم أقل خان ولا ضيعا )
( قال ) وقال حدثنا أبو سعيد السكري قال أتي عبد الملك بعود فقال للوليد بن مسعدة الفزاري ما هذا يا وليد قال عود يشقق ثم يرقق ثم يلصق ثم تعلق عليه أوتار ويضرب به فيضرب الكرام رؤسها بالحيطان وامرأته طالق إن كان أحد في المجلس ألا ويعلم منه مثل ما أعلم أنت أولهم يا أمير المؤمنين قال اسحق أنشدني غرارة الخباط يهجو أبا السمي المغني
( كأن أبا السمى إذا تغنى ** يحاكى عاطسا في عين شمس )
( يلوك بلحيه طورا وطورا ** كأن بلحيه ضربان ضرس )
( قال إسحق ) وقع بين رجل وامرأته شر فتهاجرا أياما ثم وثب عليها فأخذ برجلها فلما فرغ قالت آخزاك الله كلما وقع بيني وبينك شر جئتني بشفيع لا أقدر علي رده
وأنشد لحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه
( ان يأخذ الله من عيني نورهما ** ففي لساني وقلبي منهما نور )
( قلب ذكي وعقل غير ذي رذل ** وفي فمي صارم كالسيف مأثور )
قال أبو الحسن حفظي غير ذي دخل ( قال ) وقال بعث روح بن حاتم إلى كاتب له بثلاثين ألف درهم وكتب إليه قد بعثت إليك بثلاثين ألف درهم لا أقللها تكبرا ولا أكثرها تمننا ولا أستثيبك عليها ثناء ولا أقطع بها عنك رجاء والسلام وأنشد
( أمد يدا عند الوداع قصيرة ** وأبسطها عند اللقاء فأعجل )
وأنشد أبو هفان عن أسحق لنفسه
( سأشرب ما دامت تغني ملاحظ ** وإن كان لي في الشيب عن ذاك واعظ )
( ملاحظ غنينا بعيشك وليكن ** عليك لما استحسنته منك حافظ )
( فأقسم ما غنى غناءك حاذق ** مجيد ولم يلفظ كلفظك لافظ )
( وفي بعض هذا القول مني مساءة ** وغيظ شديد للمغنين غائظ )
( قال أبو علي ) وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال لقيت أعرابيا بمكة فقلت له ممن أنت قال أسدي قلت ومن أيهم قال نهدي قلت من أي البلاد قال من عمان قلت فأنى لك هذه الفصاحة قال أنا سكنا قطرا لا نسمع فيه ناجخة التيار قلت صف لي أرضك قال سيف أفيح وفضاء صحصح وجبل صردح ورمل أصبح قلت فما مالك قال النخل قلت فأين أنت عن الإبل قال أن النخل حملها غذاء وسعفها ضياء وجذعها بناء وكربها صلاء وليفها رشاء وخوصها وعاء وقروها إناء ( قال أبو علي ) الناجخة
الصوت يقال للمرأة إذا كان يسمع لفرجها صوت عند الجماع نجاخة وفي رجز رؤبة
وازجر بني النجاخة الفشوش والتيار الموج والسيف شاطئ البحر وأفيح واسع والفضاء الواسع من الأرض والصحصح الصحراء والصردح الصلب والأصبح الذي يعلو بياضه حمرة والرشاء الحبل والقرو وعاء من جذع النخل ينبذ فيه وقال الكسائي القرو القدح كما قال الشاعر
( وأنت بين القرو والعاصر ** )
وقال غيره القرو نقير من خشب يجعل فيه العصير والشراب قال أبو عبيد وهذا أشبه ( قال أبو علي ) وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال أخبرنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال كان بالبصرة رجل من موالي بني سعد يقال له ثبيت وكان كثير الصلاة صالحا وكانت الأعراب تنزل عليه فنزل به قوم منهم ليلة فلم يعشهم وقام يصلي فقال رجل منهم
( لخبز يا ثبيت عليه لحم ** أحب إلي من صوت القران )
( تبيت تدهور القرآن حولي ** كأنك عند رأسي عقربان )
( فلو أطعمتني خبزا ولحما ** حمدتك والطعام له مكان )
واختلفوا في العقربان فقال قوم هو ذكر العقارب وقال قوم هو دخال الأذن وهو الوجه ( قال أبو علي ) وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا دماذ قال أخبرنا أبو عبيدة قال كان بالبصرة طفيلي صفيق الوجه لا يبالي ما أقدم عليه فقال فيه بعض البصريين
( يمشي المدعاة مستثفرا ** مشي أبي الحرث ليث العرين )
( لم تر عيني آكلا مثله ** يأكل باليسرى معا واليمين )
( تلعب في القصعة أطرافه ** لعب أخي الشطرنج بالشاه بين )
وعن دماذ أيضا قال كان بالبصرة طفيلي قد آذى الناس فقال فيه بعض ظرفاء البصريين هذه الأبيات
( وضعت يديك في التطفيل حتى ** كأنك من بني جشم بن سعد )
( أو الجعراء جندبها وكعب ** فشيشة أو لضبة بنت أد )
( أو الصعر الأنوف بني هجيم ** لريح قلية العود المغدي )
( قال أبو علي ) وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي
( من كان يزعم أن سيكتم حبه ** حتى يشكك فيه فهو كذوب )
( الحب أغلب للفؤاد بقهره ** من أن يرى للستر فيه نصيب )
( وإذا بدا سر اللبيب فإنه ** لم يبد إلا والفتى مغلوب )
( إني لأبغض عاشقا متسترا ** لم تتهمه أعين وقلوب )
( قال أبو علي ) وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أحمد بن يحيى لعروة ابن الورد يقوله للحكم بن زنباع العبسي
( ولم أسألك شيأ قبل هذا ** ولكني على أثر الدليل )
( قال أبو علي ) قال أبو العباس يقول دلني عليك من يحمدك وهذا مثل معنى قول الأعشى
( فأقبلت أرتاد ما خبروا ** ولولا الذي خبروا لم ترن )
( وقال أبو علي ) حدثنا أبو بكر قال حدثني أبي عن العباس بن ميمون قال حدثني العتبي قال قال أعرابي فلان إذا نظرت إليه مومسة سقط خمارها وإذا رأته العيدان تحركت أوتارها
قال أبو بكر وحدثني أبي قال حدثني أبو سعيد الحارثي عبد الرحمن ابن محمد بن منصور قال حدثنا محمد بن سلام قال سمعت يونس النحوي يقول في قوله جل وعلا { فاليوم ننجيك ببدنك } ننجيك نجعلك على نجوة من الأرض وهي المكان المرتفع ببدنك بدرعك وأنشد لأوس بن حجر
( دان مسف فويق الأرض هيدبه ** يكاد يدفعه من قام بالراح )
( فمن بنجوته كمن بعقوته ** والمستكن كمن يمشي بقرواح )
( قال أبو علي ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن بن خلف قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو عبدالله القرشي قال حدثنا عبد الله بن عبد العزيز قال أخبرنا ابن العلاء أحسبه أبا عمرو بن العلاء أو أخاه عن جويرية بن أسماء عن إسمعيل بن أبي حكيم قال بعثني عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه في الفداء حين ولي فبينا أنا أجول في القسطنطينية إذ سمعت صوتا يتغنى
( أرقت وبان عني من يلوم ** ولكن لم أنم أنا والهموم )
( كأني من تذكر ما ألاقي ** إذا ما أظلم الليل البهيم )
( سليم مل منه أقربوه ** وودعه المداوى والحميم )
( وكم بين العقيق إلى المصلى ** إلى أحد إلى ما حاز ريم )
( إلى الجماء من وجه أسيل ** نقي الخد ليس به كلوم )
( يضىء دجى الظلام إذا يراه ** كضوء البدر منظره وسيم )
( ولما أن دنا منا ارتحال ** وقرب ناجيات السير كوم )
( أتين مودعات والمطايا ** علا أكوارها خوص هجوم )
( فقائلة ومثنية علينا ** تقول وما لها فينا صميم )
( وأخرى لبها معنا ولكن ** تستر وهي واجمة كظوم )
( تعد لنا الليالي تحتصيها ** متى هو حائن منا قدوم )
( متى تر غفلة الواشين عنا ** تجد بدموعها العين السجوم )
قال أبو عبد الله القرشي والشعر لنقيلة الأشجعي ( قال ) وسمعت العتبي يقول صحف في اسمه فقال نفيلة ( قال اسمعيل بن أبي حكيم ) فسألته حين دخلت عليه فقلت له من أنت قال أنا الوابصي الذي أخذت فعذبت فجزعت قد خلت في دينهم فقلت أن أمير المؤمنين
بعثني في الفداء وأنت والله أحب من أفديه إلي إن لم تكن بطنت في الكفر قال والله لقد بطنت في الكفر فقلت له أنشدك الله قال أأسلم وهذان ابناي وإذا دخلت المدينة قال أحدهم يا نصراني وقيل لولدي وأمهم كذلك لا والله لا أفعل فقلت له لقد كنت قارئا للقرآن قال والله لقد كنت من أقرإ الناس فقلت ما بقي معك من القرآن قال لا شيء غير هذه الآية { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } فعلمت أن الشقاوة غلبت عليه ( قال أبو علي ) أنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الله بن خلف قال أنشدني أبو اسحق إبراهيم بن موسى بن جميل
( غزتني بجيش من محاسن وجهها ** فعبالها طرفى ليدفع عن قلبي )
( فلما التقى الجمعان أقبل طرفها ** يريد اغتصاب القلب قسرا على الحرب )
( ولما تجارحنا بأسياف لحظنا ** جعلت فؤادي في يديها على العضب )
( وناديت من وقع الأسنة والقنا ** على كبدي يا صاح مالي وللحب )
( فصرت صريعا للهوى وسط عسكر ** قتيل عيون الغانيات بلا ذنب )
( قال ) وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال أجواد أهل الحجاز ثلاثة عبد الله بن جعفر وعبيد الله بن العباس وسعيد بن العاص وأجواد أهل الكوفة ثلاثة عتاب بن ورقاء وأسماء بن خارجة وعكرمة بن ربعي وأجواد أهل البصرة ثلاثة عبيد الله ابن أبي بكرة وعبيد الله بن معمر وطلحة بن عبد الله الخزاعي
وسأل رجل أبا حاتم عن قول العامة البصرة فقال وهو خطأ إنما سميت البصرة للحجارة البيض التي في المربد وأنشد
( سقى البصرة الوسمي من غير حبها ** فإن بها مني صدى لا يريمها )
وأنشدنا التوزي لعمر بن أبي ربيعة وكان قدم البصرة وأقام بها أياما
( حبذا البصرة أرضا ** في ليال مقمرات )
( قال ) وأنشدنا أبو حاتم لأعرابي من بني تميم قدم البصرة فرأى أهلها
( ما أنا بالبصرة بالبصري ** ولا شبيه زيهم بزيي )
قال أبو حاتم ولو كانت البصرة كما قيل ونسبت إليها لقلت بصري كما قالوا نمري
وأنشدنا أبو حاتم
( لا تأمن الدهر في طرف ولا نفس ** وإن تمنعت بالحجاب والحرس )
( فكم رأيت سهام الموت نافذة ** في جنب مدرع منا ومترس )
وأنشدنا قال أنشدنا الرياشي
( وقد تغدر الدنيا فيضحي غنيها ** فقيرا ويفنى بعد بؤس فقيرها )
( فلا تقرب الأمر الحرام فإنه ** حلاوته تفنى ويبقى مريرها )
( فكم قد رأينا من تكدر عيشة ** وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها )
( وأخبرنا ) قال أخبرنا أبو عثمان عن التوزي عن الأصمعي قال حدثنا عيسى بن عمر قال كان عندنا رجل لحانة فلقي لحانة مثله فقال من أين أقبلت فقال من عند أهلونا فحسده الآخر فقال أنا والله أعلم من أين أخذتها أخذتها من المنزل قال الله عز وجل { شغلتنا أموالنا وأهلونا } وأخبرنا قال أخبرنا السكن بن سعيد قال أخبرنا العباس بن هشام بن محمد بن السائب قال كان أبو جبيل قيس بن خفاف البرجمي أتى حاتم طيء في دماء حملها عن قومه فأسلموه فيها وعجز عنها فقال والله لآتين من يحملها عني وكان شريفا شاعرا فلما قدم عليه قال أنه وقعت بين قومي دماء فتواكلوها وإني حملتها في مالي وأملي فقدمت مالي وكنت أملي فإن تحملها فرب حق قد قضيته وهم قد كفيته وإن حال دون ذلك حائل لم أذمم يومك ولم أيأس من غدك ثم أنشأ يقول
( حملت دماء للبراجم جمة ** فجئتك لما أسلمتني البراجم )
( وقالوا سفاها لم حملت دماءنا ** فقلت لهم يكفي الحمالة حاتم )
( متى آته فيها يقل لي مرحبا ** وأهلا وسهلا أخطأتك الأشائم )
( فيحملها عني وإن شئت زادني ** زيادة من حلت إليه المكارم )
( يعيش الندى ما عاش حاتم طيء ** فإن مات قامت للسخاء مآثم )
( ينادين مات الجود معك فلا ترى ** مجيبا له ما حام في الجو حائم )
( وقال رجال أنهب العام ماله ** فقلت لهم أني بذلك عالم )
( ولكنه يعطي من أموال طيء ** إذا جلف المال الحقوق اللوازم )
( فيعطي التي فيها الغنى وكأنه ** لتصغيره تلك العطية جارم )
( بذلك أوصاه عدي وحشرج ** وسعد وعبد الله تلك القماقم )
فقال له حاتم إن كنت لأحب أن يأتيني مثلك من قومك هذا مرباعي من الغارة على بني تميم فخذه وافرا فان وفى بالحمالة وإلا أكملتها لك وهو مائتا بعير سوى نيبها وفصالها مع أني لا أجب أن توبس قومك بأموالهم فضحك أبو جبيل وقال لكم ما أخذتم منا ولنا ما أخذنا منكم وأي بعير دفعته إلي ليس ذنبه في يد صاحبه فأنت منه برئ فدفعها إليه وزاده مائة بعير فأخذها وانصرف راجعا إلى قومه فقال حاتم في ذلك
( أتاني البرجمي أبو جبيل ** لهم في حمالته طويل )
( فقلت له خذ المرباع رهوا ** فإني لست أرضى بالقليل )
( على حال ولا عودت نفسي ** على علاتها علل البخيل )
( فخذها إنها مائتا بعير ** سوى الناب الرذية والفصيل )
( فلا من عليك بها فإني ** رأيت المن يزري بالجزيل )
( فآب البرجمي وما عليه ** من أعباء الحمالة من فتيل )
( يجر الذيل ينفض مذرويه ** خفيف الظهر من حمل ثقيل )
( قال ) وأخبرنا السكن بن سعيد عن العباس بن هشام عن أبي مسكين الدارمي قال كانت سفانة بنت حاتم من أجود نساء العرب وكان أبوها يعطيها الصرمة من الإبل فتهبها وتعطيها الناس فقال لها أبوها يا بنية أن الغويين إذا اجتمعا في المال أتلفاه فأما أن أعطي وتمسكي وإما أن أمسك وتعطي فإنه لا يبقى على هذا شيء فقالت والله لا أمسك أبدا فقال وأنا والله لا أمسك أبدا قالت فلا نتجاور فقاسمها ماله وتباينا
وحدثنا قال حدثنا السكن بن سعيد عن العباس عن أبيه قال كانت غنية بنت عفيف بن عمرو بن عبد القيس وهي أم حاتم من أسخى النساء وأقراهم للضيف وكانت لا تليق شيأ تملكه فلما رأى اخوتها اتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها فمكثت دهر لا تصل إلى شيء ولا يدفع إليها شيء من مالها حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها كل سنة تسألها فقالت لها دونك هذه الصرمة فخذيها فقد والله مسني من ألم الجوع ما آليت معه أن لا أمنع الدهر سائلا شيأ ثم أنشأت تقول
( لعمري لقدما عضني الجوع عضة ** فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا )
( فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني ** فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا )
( فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ** سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا )
( ولا ما ترون الخلق إلا طبيعة ** فكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا )
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء قال خرج بجبير بن زهير بن أبي سلمى في غلمه يجتنون جنى الأرض فانطلق الغلمة وتركوا ابن زهير فمر به زيد الخيل الطائي فأخذه ودار طيء متاخمة لدور بني عبد الله بن غطفان فسأل الغلام من أنت قال أنا بجير بن زهير فحمله على ناقة وأرسل به إلى أبيه فلما أتى الغلام أباه أخبره أن زيدا أخذه ثم خلاه وحمله وكان لكعب بن زهير فرس من جياد خيل
العرب وكان كعب جسيما وكان زيد الخيل من أعظم الناس وأجسمهم وكان لا يركب دابة إلا أصابت إبهامه الأرض فقال زهير ما أدرى ما أثيب به زيد الأفرس كعب فأرسل به إليه وكعب غائب فلما جاء كعب سأل عن الفرس فقيل له قد أرسل به أبوك إلى زيد فقال كعب لأبيه كأنك أردت أن تقوي زيدا على قتال غطفان فقال له زهير هذه إبلي فخذ منها عن فرسك ما شئت وكان بين بني زهير وبين بني ملقط الطائيين إخاء وكان عمرو بن ملقط وفادا إلى الملوك وهو الذي أصاب بني تميم مع عمرو بن هند يوم أوارة فسأله فيهم فأطلقهم له فقال كعب شعرا يريد أن يلقي بين بني ملقط وبين رهط زيد الخيل شرا فعرف زهير حين سمع الشعر ما أراد به وعرف ذلك زيد الخيل وبنو ملقط فأرسلت إليه بنو ملقط بفرس نحو فرسه وكانت عند كعب امرأة من غطفان لها شرف وحسب فقالت له اما استحييت من أبيك لشرفه وسنه أن تؤبسه في هبته عن أخيك ولامته وكان قد نزل بكعب قبل ذلك ضيفان فنحر لهم بكرا كان لإمرأته فقال لها ما تلومينني إلا لمكان بكرك الذي نحرت لضيوفي فلك به بكران وكان زهير كثير المال وكان كعب مجدودا فقال كعب
( ألا بكرت عرسي بليل تلومني ** وأكثر أحلام النساء إلى الردى )
وذكر في كلمته زيدا فقال زهير لابنه هجوت رجلا غير مفحم وأنه لخليق أن يظهر عليك فأجابه زيد فقال
( أفي كل عام مأتم تجمعونه ** على محمر عود أثيب ومارضى )
( تجدون خمشا بعد خمش كأنما ** على سيد من خير قومكم نعى )
( يحضض جبارا علي ورهطه ** وما صرمتي منهم لأول من سعى )
( ترعي بأذناب الشعاب ودونها ** رجال يصدون الظلوم عن الهوى )
( ويركب يوم الروع فيها فوارس ** بصيرون في طعن الأباهر والكلى )
( تقول أرى زيدا وقد كان مصرما ** أراه لعمري قد تمول واقتنى )
( وذاك عطاء الله في كل غارة ** مشمرة يوما إذا قلص الخصى )
( فلولا زهير أن أكدر نعمة ** لقادعت كعبا ما بقيت وما بقى )
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا العتبي قال قدم وفد العراق على معاوية رضي الله تعالى عنه وفيهم دغفل فقال له معاوية يا دغفل أخبرني عن ابني نزار ربيعة ومضر أيهما كان أعزض جاهلية وعالمية فقال يا أمير المؤمنين مضر بن نزار كان أعز جاهلية وعالمية قال معاوية وأي مضر كان أعز قال بنو النضر بن كنانة كانوا أكثر العرب أمجادا وأرفعهم عمادا وأعظمهم رمادا قال فأي بني كنانة كان بعدهم أعز قال بنو مالك بن كنانة كانو يعلون من ساماهم ويكفون من ناواهم ويصدقون من عاداهم
قال فمن بعدهم قال بنوا الحرث بن عبد مناة بن كنانة كانوا أعز بنيه وأمنعهم وأجودهم وأنفعهم قال ثم من بعدهم قال بنو بكر بن عبد مناة كان بأسهم مرهوبا وعدوهم منكوبا وثأرهم مطلوبا قال فأخبرني عن مالك بن عبد مناة بن كنانة وعن مرة وعامر ابني عبد مناة قال كانوا أشرافا كراما وليس للقوم أكفاء ولا نظراء قال فأخبرني عن بني أسد قال كانوا يطعمون السديف ويكرمون الضيوف ويضربون في الزحوف
قال فأخبرني عن هذيل قال كانوا قليلا أكياس أهل منعة وبأس ينتصفون من الناس قال فأخبرني عن بني ضبة قال كانوا جمرة من جمرات العرب الأربع لا يصطلى بنارهم ولا يفاتون بثارهم
قال فأخبرني عن مزينة قال كانوا في الجاهلية أهل منعة وفي الإسلام أهل دعة قال فأخبرني عن تميم قال كانوا أعز العرب قديما وأكثرها عظيما وأمنعها حريما قال فأخبرني عن قيس قال كانوا لا يفرحون إذا أديلوا ولا يجزعون إذا ابتلوا ولا يبخلون إذا سئلوا قال فأخبرني عن أشرافهم في
الجاهلية قال غطفان بن سعد وعامر بن صعصعة وسليم بن منصور فأما غطفان فكانوا كراما ساده وللخميس قاده وعن البيض ذاده وأما بنو عامر فكثير سادتهم مخشية سطوتهم ظاهرة نجدتهم
واما بنو سليم فكانوا يدركون الثار ويمنعون الجار ويعظمون النار قال فأخبرني عن قومك بكر بن وائل واصدقني قال كانوا أهل عز قاهر وشرف ظاهر ومجد فاخر قال فأخبرني عن اخوتهم تغلب قال كانوا أسودا ترهب وسماما لا تقرب وأبطالا لا تكذب
قال فأخبرني كم أديلوا عليكم في قتلكم كليبا قال أربعين سنة لا ننتصف منهم في موطن نلقاهم فيه حتى كان يوم التحاليق يوم الحرث بن ابن عباد بعد قتلة ابنه بجير وكان أرسله في الصلح بين القوم فقتله مهلهل وقال بؤبشسع نعل كليب فقال الغلام أن رضيت بهذا بنو بكر رضيت فبلغ الحرث فقال نعم القتيل قتيلا أن أصلح الله به بين بكر وتغلب وباء بكليب فقيل له إنما قال مهلهل ما قال الكلمة فتشمر الحرث للحرب وأمر بحلق رؤسنا أجمعين وهو يوم التحاليق وله خبر طويل وقال
( قر بإمربط النعامة مني ** لقحت حرب وائل عن حيال )
( لم أكن من جناتها علم الله ** وإني بحرها اليوم صالى )
( قربا مربط النعامة مني ** أن بيع الكرام بالشسع غالي )
فأدلنا عليهم يومئذ فلم نزل منهم ممتنعين إلى يومنا هذا ( قال ) فمن ذهب يذكر ذلك اليوم قال الحرث بن عباد أسر مهلهلا في ذلك اليوم وقال له دلني على مهلهل بن ربيعة قال مالي ان دللتك عليه قال أطلقك قال على الوفاء قال نعم قال له أنا مهلهل قال ويحك دلني على كفء كريم قال امرؤ القيس وأشار بيده إليه عن قرب فأطلقه الحرث وانطلق إلى امرئ القيس فقتله وبكر كلها صبرت وأبلت فحسن بلاؤها إلا ما كان من
ابني لجيم حنيفة وعجل ويشكر بن بكر فإن سعد بن مالك بن ضبيعة جد طرفة بن العبد هجاهم في ذلك اليوم فقال
( أن لجيما عجزت كلها ** أن يرفدوني فارسا واحدا )
( ويشكر العام على خترها ** لم يسمع الناس لهم حامدا )
وقال فيهم أيضا
( يا بؤس للحرب التي ** وضعت أراهط فاستراحوا )
( إنا وإخوتنا غدا ** كثمود حجر يوم طاحوا )
( بالمشرفية لا نفر ولا نباح ولن نباحوا ** )
( من صد عن نيرانها ** فأنا ابن قيس لا براح )
فقال معاوية أنت والله يا دغفل أعلم الناس قاطبة بأخبار العرب
( قال ) وأخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا ابو عبيدة قال مات الأحنف بن قيس بالكوفة أيام خرج مع مصعب بن الزبير إلى قتال المختار فنزل دار عبد الله بن أبي عصيفير الثقفي فلما حملت جنازته ودلي في قبره جاءت امرأة من قومه من بني منقر عليها قبول من النساء فوقفت على قبره فقالت لله درك من مجن في جنن ومدرج في كفن إنا لله وإنا إليه راجعون نسأل الله الذي فجعنا بموتك وابتلانا بفقدك أن يوسع لك في قبرك وأن يغفر لك يوم حشرك وأن يجعل سبيل الخير سبيلك ودليل الرشاد دليلك ثم أقبلت بوجهها على الناس فقالت معشر الناس إن أولياء الله في بلاده شهود على عباده وإنا قائلون حقا ومثنون صدقا وهو أهل لحسن الثناء وطيب الدعاء أما والذي كنت من أجله في عده ومن الضمان إلى غاية ومن الحياة إلى نهاية الذي رفع عملك عند انقضاء أجلك لقد عشت حميدا مودودا ولقدمت فقيدا سعيدا وأن كنت لعظيم السلم فاضل الحلم وإن كنت من الرجال لشريفا وعلى الأرامل عطوفا وفي العشيرة مسودا وإلى
الخلفاء موفدا ولقد كانوا لقولك مستمعين ولرأيك متبعين ثم انصرفت ( قال ) وحدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن ابن عيينة قال قال عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه موت ألف من العلية خير من ارتفاع واحد من السفلة ( وقال ) وحدثنا أيضا قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال سمعت أعرابيا يقول عود لسانك الخير تسلم من أهل الشر ( قال ) وحدثني العكلي عن ابن خالد عن الهيثم بن عدي قال حدثنا ملحان بن عركي عن أبيه قال حدثنا عدي بن حاتم قال شهدت حاتما وهو يجود بنفسه فقال لي يا بني أعهدك من نفسي ثلاثا ما خالفت إلى جارة لسوء قط ولا اؤتمنت على أمانة قط إلا أديتها ولا أتى أحدا من قبلي سوء
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي لأعرابي
( أما والذي لا يعلم الغيب غيره ** ومن هو يحيي العظم وهي رميم )
( لقد كنت أطوي البطن والزاد يشتهى ** محافظة من أن يقال لئيم )
( وإني لأستحيى أكيلي ودونه ** ودون يدي داجي الظلام بهيم )
وأنشدنا أيضا قال أنشدنا أبو حاتم ولم يسم له قائلا
( إذا ما الحي عاش بذكر ميت ** فذاك الميت حي وهو ميت )
( يقول بني أبي وبنت جدودي ** وهدمت البناء وما بنيت )
( ومن يك بيته بيتا رفيعا ** ويهدمه فليس لذاك بيت )
( قال ) وأخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا شيخ من أهل البصرة قال أتى سليمان بن يزيد العدوي رجل فقال إني قد قلت بيتا فأجزه لي قال هات فقال الرجل
( فإنك لو رأيت مسير عمري ** إذا لعلمت أني قد فنيت )
فقال سليمان
( فإن تك قد فنيت فبعد قوم ** طوال العمر بادوا قد بقيتا )
( فخطك ما استطعت فلا تضعه ** كأنك في أهيلك قد أتيتا )
( كأنك والحتوف لها سهام ** مقدرة بسهمك قد رميتا )
( وصرت وقد حملت إلى ضريح ** مع الأموات قبلك قد نسيتا )
( بعيد الدار مغتربا وحيدا ** بكأس الموت مثلهم سقيتا )
قال فخر الرجل مغشيا عليه فما حمل إلا على أيدي الرجال وحدثنا قال أخبرنا السكن بن سعيد عن العباس بن هشام قال سألت أبي عن حمقى العرب المذكورين فقال زهير بن جناب الكلبي ومالك بن زيد مناة بن تميم وكان يرعى على اخيه سعد بن زيد مناة فزوجه أخوه وهو غائب عنها نوار بنت جل بن عدي بن عبد مناة فلما رجع من الإبل ممسيا دخل عليها وعلبته في يده ونعلاه في رجليه وكساؤه على منكبيه فجلس ناحية ينظر إليها فقالت له ضع نعليك فقال رجلاي احرز لهما قالت ضع علبتك قال يدي أحفظ لها قالت ضع كساءك قال عاتقي أحمل له فأعطته طيبا فأهوى به إلى استه فقالت ادهن به وجهك فقال أطيب به مناتني أولى فدنت منه وقد تطيبت وتعطرت فانتشر عليها فتجللها فلما أصبح غدا عليه سعد فقال له يا مال اغد على إبلك فقال والله لا أرعاها أبدا اطلب لها راعيا سواي فأورد سعد إبله فانتشرت عليه فأنشأ يقول ويعرض بأخيه مالك
( يظل يوم وردها مزعفرا ** وهي خناطيل تجوس الخضرا ) فقالت له امرأته أجبه قال وما أقول قالت قل
( أوردها سعد وسعد مشتمل ** ما هكذا تورد يا سعد الإبل )
قال وكان كلاب وكعب وعامر أبناء ربيعة بن عامر بن صعصعة أحمقين جميعا فاشترى كلاب عجلا وهو يظن أنه مهر فركبه فصرعه وركبه كعب فصرعه وركبه أخوهما عامر فثبت عليه فسمى الثابت فكان كلاب يحسبه مهرا حتى نجم قرناه
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا عبد الله بن خلف قال دخلت على إبراهيم بن محمد بن عبد الجليل وكانت له جارية يحبها وتبغضه فسامته البيع فباعها فأنشدني وهو حزين هذه الأبيات
( نأت الغداة بوصلها غرار ** فدموع عينك ما تجف غزار )
( وأستبدلت بك صاحبا ومؤانسا ** وكذا الغواني وصلهن معار )
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا إسمعيل بن اسحق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زياد عن كثير بن زياد عن الحسن قال قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الكرم التقوى والحسب المال
وحدثنا أيضا قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله قال حدثنا أبو عبد الله بن نطاح قال حدثنا أبو عبيدة عن عبد الأعلى القرشي قال قال عبد الملك بن مروان لجلسائه أنشدوني أكرم أبيات قالتها العرب فقال روح بن زنباع
( اليوم نعلم ما يجيء به ** ومضى بفصل قضائه أمس )
( منع البقاء تقلب الشمس ** وطلوعها من حيث لا تمسي )
( تبدو لنا بيضاء صافية ** وتغيب في صفراء كالورس )
فقال له أحسنت فأنشدني أكرم بيت وصف به رجل قومه في حرب فقال قول كعب ابن مالك حيث يقول
( نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ** قدما ونلحقها إذا لم تلحق )
قال له أحسنت فأنشدني أفضل ما قيل في الجود قال قول حاتم الطائي
( ألم تر ما أفنيت لم يك ضرني ** وأن يدي مما بخلت به صفر )
( ألم تر أن المال غاد ورائح ** ويبقى من المال الأحاديث والذكر )
( غنينا زمانا بالتصعلك والغنى ** وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر )
( فما زادنا بغيا على ذي قرابة ** غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر )
قال فمن أشعر العرب قال الذي يقول وهو امرؤ القيس
( كأن عيون الوحش حول خبائنا ** وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب )
والذي يقول
( كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ** لدى وكرها العناب والحشف البالي )
( قال ) وحدثنا عبد الله بن خلف قال حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا العباس بن الفرج قال سمع الأصمعي رجلا يدعو ربه ويقول في دعائه يا ذوا الجلال والإكرام فقال له الأصمعي ما اسمك قال ليث فقال الأصمعي
( يناجي ربه باللحن ليث ** لذاك إذا دعاه لا يجاب )
وحدثنا أيضا قال حدثنا عبد الله قال حدثنا إسحق بن محمد النخعي قال حدثنا ابن عائشة قال قال رجل لبشار أنه لم يذهب بصر رجل إلا عوض من بصره شيأ فما عوضت أنت من بصرك قال أن لا أراك فأموت غما وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم قال قال عبد الله بن خازم بعد قتله أهل فرناباذ من بني تميم وكان قتل نيفا وسبعين رجلا من وجوههم صبرا وذلك أنهم قتلوا ابنه محمدا قتله شماس بن دثار العطاردي بهراة وذلك معنى قول ابن عرادة
( فإن تك هامة بهراة تزقو ** فقد أزقيت بالمروين هاما )
وقال يوما وحوله بنو سليم وبنو عامر وناس من سائر قيس وبلغه أن بني تميم قالوا لا نرضى بقتل أحد دونه فإنه ثأرنا المنيم فقال
( دمي غال وفيه بواء قوم ** أصيبوا من سراة بني تميم )
( فليسوا قابلين دما سواه ** ولا يشفي الصميم سوى الصميم )
( أبينا أن ندر على المخازى ** وكنا القوم ندرك بالوغوم )
( قتلنا منهم قوما كراما ** بيوم عابس قسر مشوم )
( فإن فاءت وراجعت الهوينا ** كففنا والتفضل للحليم )
( وإن ضاقت صدورهم وهموا ** بإقدام على الكلا الوخيم )
( ففي أسيافنا ناه لغاو ** شديد شنؤه جم الهموم )
فكان ذلك مما أوغر صدورهم عليه ثم قال يوما آخر بعدما قتل أهل فرناباذ هذه الأبيات
( ما أنا ممن يجمع المال ما خلا ** سلاحي وإلا ما يسوس بشير )
( سلاح وأفراس وبيضاء نثرة ** وذلك من مال الكريم كثير )
( وقلب إذا ما صيح في القوم لم يكن ** هيوبا ولكن في اللقاء وقور )
( ولسنا كاقوام هراة محلهم ** لهم سلف في أهلها وحوير )
( ولكننا قوم بدار مرابط ** يغار علينا مرة ونغير )
فزادهم ذلك عليه حنقا حتى كان من أمره ما كان وحدثنا قال أخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة قال لما بعث خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد أخاه عبد العزيز لقتال الأزارقة قام إليه عرهم أخو بني العدوية فقال أصلح الله الأمير إن هذا الحي من تميم تئط بقريش منهم رحم داسة ماسة وإن الأزارقة ذؤبان العرب وسباعها وليس صاحبهم إلا المباكر المناكر المحرب المجرب الذي أرضعته الحرب بلبانها وجرسته وضرسته وذلك أخو الأزد المهلب بن أبي صفرة والله إن غثك أحب إلينا من سمينه ولكني أخاف عدوات الدهر وغدره وليس المجرب كمن لا يعلم ولا الناصح المشفق كالغاش المتهم قال له خالد اسكت ما أنت وذا فلما هزمت الأزارقة عبد العزيز وأخذوا امرأته وفرعنها قال عرهم
( لعمري لقد ناجيت بالنصح خالدا ** وناديته حتى أبى وعصانيا )
( ولج وكانت هفوة من مجرب ** عصاني فلاقى ما يسر الأعاديا )
( نصحت فلم يقبل ورد نصيحتي ** وذوا النصح مظن بما ليس آتيا )
( وقلت الحروريون من قد عرفتهم ** حماة كماة يضربون الهواديا )
( فلا ترسلن عبد العزيز وسرحن ** إليهم فتى الأزد الألد المساميا )
( فتى لا يلاقي الموت إلا بوجهه ** جريأ على الأعداء للحرب صاليا )
( فلما أبى ألقيت حبل نصيحتي ** على غارب قد كان زهمان ناويا )
( وشمرت عن ساقي ثوبي إذا بدت ** كتائبهم تزجى إلينا الأفاعيا )
( يهزون أرماحا طوالا بأذرع ** شداد إذا ما القوم هزوا والعواليا )
وحدثنا قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يقول لإبنه كن للعاقل المدبر أرجى منك للأحمق المقبل ثم أنشد
( عدوك ذو الحلم أبقى عليك ** وأرعى من الوامق الأحمق )
( قال ) وأخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال كتب حكيم إلى حكيم عظني فكتب إليه أما بعد فما أبعد ما فات وما أسرع ما هو آت والسلام
وأخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال كتب حكيم إلى حكيم ارض من الدنيا بالقليل مع سلامة أمرك كما رضي قوم بالكثير مع ذهاب دينهم واعلم أن أجور العاملين موفاة فاعمل ما شئت والسلام ( قال ) وأنشدنا عبد الرحمن عن عمه
( إن يكن العقل مولودا فلست أرى ** ذا العقل مستغنيا عن حادث الأدب )
( إني رأيتهما كالماء مختلطا ** بالترب تظهر عنه زهرة العشب )
( وكل من أخطأته من موالده ** غريزة العقل حاكى البهم في النسب )
( ولم يكن عقله المولود مكتفيا ** فيما يحاوله من حادث الأدب )
( قال ) وأخبرنا أبو عثمان قال اجتمع خالد بن صفوان وأناس من تميم في جامع البصرة وتذاكروا النساء فجلس إليهم أعرابي من بني العنبر فقال العنبري قد قلت شعرا فاسمعوا
( إني لمهد للنساء هدية ** سيرضى بها غيابها وشهودها )
( إذا ما لقيتم بنت عشر فإنها ** قليل إذا تلقى الحزور جودها )
( يمد إليها بالنوال فتأتلي ** وتلطم خديها إذا يستزيدها )
( ولكن بنفسي ذات عشرين حجة ** فتلك التي ألهو بها وأريدها )
( وذات الثلاثين التي ليس فوقها ** هي النعت لم تكبر ولم يعس عودها )
( وصاحب ذات الأربعين بغبطة ** وخير النساء سروها وخرودها )
( وصاحبة الخمسين فيها منافع ** ونعم المتاع للمفيد يفيدها )
( وصاحبة الستين تغدو قوية ** على المال والإسلام صلب عمودها )
( وإما لقيتم ذات سبعين حجة ** هديا فقل هاخيبة يستفيدها )
( وذات الثمانين التي قد تسعسعت ** من الكبر العاسي وناس وريدها )
( وصاحبة التسعين فيها أذى لهم ** فتحسب ان الناس طرا عبيدها )
( وأن مائة أوفت لأخرى فجئتها ** تجد بيتها رثا قصيرا عمودها )
فقال خالد لله درك لقد أتيت على ما في نفوسنا
وأخبرنا أبو عثمان عن التوزي قال أخبرني رجل من ولد عبد الله بن مصعب الزبيري قال كنت مع أبي لما سعى على بني كليب فجاءتنا امرأة تستعدي على زوجها وذكرت أنه واقع جاريتها فقال الرجل هي سوداء وجاريتها سوداء وفي عيني قدع ويضرب الليل بأرواقه فآخذ ما دنا
وحدثنا أبو حاتم قال قال ابن أبي تميمة وأسرته الترك
( ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ** وسادى كف في السوار خضيب )
( وبين بني سلمى وهمدان مجلس ** على نأيه مني إلي حبيب )
( كرام المساعي يأمن الجار فيهم ** وقائلهم يوم الخطاب مصيب )
قال ابن دريد أخبرنا أبو عثمان عن التوزي قال سمعت الأصمعي يقول لم يبتدئ أحد من الشعراء مرثية أحسن من ابتداء مرثية أوس بن حجر
( أيتها النفس أجملي جزعا ** إن الذي تحذرين قد وقعا )
( إن الذي جمع السماحة والنجدة والحزم والقوى جمعا ** )
الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا )
( قال أبو علي ) ويلي هذه الأبيات والمخلف المتلف وأنا ذاكرها إلى تمام القصيدة
( والمخلف المتلف المرزأ لم ** يمتع بضعف ولم يمت طبعا )
( والحافظ الناس في تحوط إذا ** لم يرسلوا تحت عائذ ربعا )
( وعزت الشمال الرياح وإذا ** بات كميع الفتاة ملتفعا )
( وشبه الهيدب العبام من الأقوام سقبا ملبسا فرعا ** )
( وكانت الكاعب المخبأة الحسناء في زاد أهلها سبعا ** )
( أودى فلا تنفع الإشاحة من ** أمر لمن قد يحاول البدعا )
( ليبكك الشرب والمدامة والفتيان طرا وطامع طمعا ** )
( وذات هدم عار نواشرها ** تصمت بالماء تولبا جدعا )
( والحي إذا حاذروا والصباح وإذ ** خافوا مغيرا وسائرا تلعا )
( وازدحمت حلقتا البطان بأقوام وجاشت نفوسهم جزعا ** )
( قال أبو علي ) تحوط السنة الشديدة والعائذ من الإبل التي وضعت حديثا والربع الذي ولد في الربيع وعزت غلبت والكميع الضجيع والهيدب الذي عليه أهدابه تذبذب كأنها هيدب من السحاب والعبام الثقيل والفرع ذبح كان أهل الجاهلية يذبحونه على أصنامهم ويلبسون جلدة سقبا آخر والإشاحة الجد في الأمور والهدم الأخلاق من الثياب والنواشر عروق ظاهر الكف
والجدع السيء الغذاء
وأنشدنا أبو عثمان قال كتب بعض الشعراء إلى أخيه يعزيه على ابن له يقال له محمد
( اصبر لكل مصيبة وتجلد ** واعلم بأن المرء غير مخلد )
( وإذا ذكرت محمدا ومصابه ** فاذكر مصابك بالنبي محمد )
( وقال ) وأنشدنا أبو عثمان قال أنشدني التوزي لبعض الشعراء يرثى أخا له
( طوى الموت ما بيني وبين محمد ** وليس لما تطوي المنية ناشر )
( لئن أوحشت ممن أحب منازل ** لقد أنست بمن أحب المقابر )
( وكنت عليه أحذر الموت وحده ** فلم يبق لي شيء عليه أحاذر )
قال وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي
( يا ليت أم العمر كانت صاحبي ** ورابعتني تحت ليل ضارب )
( بساعد فحم وكف خاضب ** مكان منء أنشا على الركائب )
( قال ) أنشا وأقبل واحد ( قال ) وأنشدنا عن ابن الأعرابي
( من لم يمت عبطة يمت هرما ** للموت كأس لا بد ذائقها )
( ما لذة النفس في الحياة وإن ** عاشت قليلا فالموت لا حقها )
( يقودها قائد إليه ويحدوها حثيثا إليه سائقها ** )
( قال ) وأنشدنا ثعلب
( ويوم عماس تكاءدته ** طويل النهار قصير الغد )
( بضرب هذاذ وطعن خلاس ** يجيش من العلق الأسود )
( وصدع رأبت فدانيته ** وقد بان فوت يد من يد )
( وليل هديت به فتية ** سقوا بصباب الكرى الأغيد )
( وبات سهيل يؤم الركاب ** حيران كاللهق المفرد )
( قال ) وأنشدنا العبدي عن ثعلب عن ابن الأعرابي
( لا تقتلوني إن قتلي محرم ** عليكم ولكن أبشري أم عامر )
( قال ) الضبع تأتي القبور فتبحث عنها ثم تستخرج الموتى فتأكلهم فيقول فلا تعجلوا بقتلي فإني سأموت فتفعل بي الضبع هذا ( قال ) وحدثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال يقال امرأة قرزح أي قصيرة قال أنشدنا ابن الأعرابي
( آب الغزاة ولم يؤب عمرو ** لله ما وارى به القبر )
( يا عمرو وللضيفان إذ نزلوا ** والحرب حين ذكالها الجمر )
( يا عمرو للشرب الكرام إذا ** أزم الشتاء وعزت الخمر )
( أصبحت بعد أخي ومصرعه ** كالصقر خان جناحه كسر )
( قال ) وأخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال معنى قوله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبل على أعمامه أي يناولهم النبل ( وقال ) النابل الحاذق وتنبل الموت المال إذا أخذ أفضله وأنشدنا
( فانبل بقومك إما كنت حاشرهم ** فكل حاشر أقوام له نبل )
وقال أبو العباس عن أبي نصر خرج علينا الأصمعي ذات يوم فقال أجد في عيني حثرا أي انسلاقا ( قال ) وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم أحسبه قال عن أبي عبيدة قال قال هريم بن أبي طحمة المجاشعي كنا مع قتيبة بن مسلم بن عمرو الباهلي نقاتل العدو فهاجت قسطلانية فتلقاني سعد بن نجد القردوسي وهو قاتل قتيبة بن مسلم فطعنته فصرعته فقال ما صنعت ويلك فعرفته فقلت يموت من الطعنة فإن مضيت عنه ومر به رجل من الأزد فيقول له من طعنك فيقول هريم فيطلبوني بدمه فهممت بقتله وانتضيت سيفي ففطن لها وقال ويلك ياحمار ما علي بأس أعني حتى أركب فأعنته فركب ومرض من الطعنة فكنت أعوده مع أصحابه فلا يخبرهم حتى أفاق فلقيني يوما فضحك وقال ويلك أردت أن تقتلني فقلت نعم وأخبرته بما قلت في نفسي فقال علمت ذاك ولكن اسمع وأنشأ يقول
( لقد كنت في نيل الشهادة راغبا ** فزهدني فيها لقاء ابن أطحما )
( ولو كان أرداني لكنت مخاصما ** لدى موقف الحشر اللئيم الملطما )
( وكان بوائي لو أصابته أسرتي ** أذل بني حواء طرا وألأما )
( وأقسم لولا أن تعرض دونه ** قتام يريك الصبح أسحم مظلما )
( لخضخضت في صدر التميمي صعدة ** تزجي سنانا كالوذيلة لهذما )
( ولولا اعتياص المهر إذ ملت واجبا ** لجللته عضب الغرارين مهذما )
( فإن تشدا لجعراء يوما بذكرها ** فقد أحرزت فخرا بها متقدما )
( وثوبا أبي رهن بها أن أبيئها ** بشروى لها جياشة تقلس الدما )
ثم قال خذها يا أخا تميم وحدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه قال حدثنا أبو العباس قال حدثني الرياشي قال حدثنا محمد بن سلام قال قال أمية بن أبي الصلت أتيت نجران فدخلت على عبد المدان بن الديان فإذا به على سريره وكأن وجهه قمر وبنوه حوله كأنهم الكواكب فدعا بالطعام فأتي بالفالوذج فأكلت طعاما عجيبا ثم انصرفت وأنا أقول
( ولقد رأيت القائلين وفعلهم ** فرأيت أكرمهم بني الديان )
( ورأيت من عبد المدان خلائقا ** فضل الأنام بهن عبد مدان )
( البر يلبك بالشهاد طعامه ** لا ما يعللنا بنو جدعان )
فبلغ ذلك عبد الله بن جدعان فوجه إلى اليمن من جاءه بمن يعمل الفالوذج بالعسل فكان أول من أدخله مكة ففي ذلك يقول ابن أبي الصلت
( له داع بمكة مشتعل ** وآخر فوق دارته ينادي )
( إلى ردح من الشيزى عليها ** لباب البر يلبك بالشهاد )
( قال ) وحدثنا أبو عمر قال حدثنا ثعلب قال يقال للصبي إذا ولد رضيع وطفل ثم فطيم
ثم دارج ثم جفر ثم يفعة ويافع ثم شدخ ثم حزور ثم مراهق ثم محتلم ثم خرج وجهه ويقال بقل وجهه ثم اتصلت لحيته ثم مجتمع ثم كهل والكهل من ثلاث وثلاثين سنة ثم فوق الكهل طعن في السن ثم خصفه القتير ثم أخلس شعره ثم شمط ثم شاخ ثم كبر ثم توجه ثم دلف ثم دب ثم عود ثم ثلب
( قال ) وحدثنا أبو حاتم قال سمعت الأصمعي يقول جاء عيسى بن عمر الثقفي ونحن عند أبي عمرو بن العلاء فقال يا أبا عمرو ماشيء بلغني عنك تجيزه قال وما هو قال بلغني عنك أنك تجيز ليس الطيب إلا المسك بالرفع فقال أبو عمرو ونمت يا أبا عمرو أدلج الناس ليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب وليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع ثم قال أبو عمرو قم يا يحيى يعني اليزيدي وأنت يا خلف يعني خلفا الأحمر فاذهبا إلى أبي المهدي فإنه لا يرفع واذهبا إلى المنتجع ولقناه النصب فإنه لا ينصب ( قال ) فذهبا فأتيا أبا المهدي وإذا هو يصلي وكان به عارض وإذا هو يقول أخسأناه عني ثم قضى صلاته والتفت إلينا وقال ما خطبكما قلنا جئناك نسألك عن شيء قال هاتيا فقلنا كيف تقول ليس الطيب إلا المسك فقال أتأمراني بالكذب على كبرة سني فأين الجادي وأين كذا وأين بنة الإبل الصادرة فقال له خلف الأحمر ليس الشراب إلا العسل فقال فما يصنع سودان هجر ما لهم شراب غير هذا التمر قال اليزيدي فلما رأيت ذلك منه قلت له ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله والعمل بها فقال هذا كلام لا دخل فيه ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله فقال اليزيدي ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله والعمل بها فقال ليس هذا لحني ولا لحن قومي فكتبنا ما سمعنا منه ثم أتينا المنتجع فأتينا رجلا يعقل فقال له خلف ليس الطيب إلا المسك فلقناه النصب وجهدنا فيه فلم ينصب وأبى إلا الرفع فأتينا أبا عمرو فأخبرناه وعنده عيسى بن عمر لم يبرح فأخرج عيسى بن عمر خاتمه من يده وقال ولك الخاتم بهذا والله فقت الناس ( قال أبو علي ) حدثني اسحق بن إبراهيم بن الجنيد وراق أبي بكر بن دريد قال قال أبو محمد التوزي سمعت أبا عبيدة يقول يعجبني من شعر أبي نواس كله بيتان قوله
( ضعيفة كر الطرف تحسب أنها ** حديثة عهد بالإفاقة من سقم )
( وإني لآتي الأمر من حيث يتقى ** وتعلم قوسى حين أقصد من أرمي )
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال دخل الشعراء على المنصور وفيهم طريح بن اسمعيل الثقفي وابن ميادة وغيرهم فأذن لهم في الإنشاد فأنشدوه من وراء حجاب حتى دخل ابن هرمة في آخرهم فأنشده حتى بلغ إلى قوله من شعره
( إليك أمير المؤمنين تجاوزت ** بنا بيد أجواز الفلاة الرواحل )
( يزرن أمرأ لا يصلح القوم أمره ** ولا ينتجي الأدنون فيما يحاول )
( إذا ما أتى شيأ مضى كالذي أتى ** وإن قال إني فاعل فهو فاعل )
( كريم له وجهان وجه لدى الرضا ** أسيل ووجه في الكريهة باسل )
( له لحظات عن حفافي سريره ** إذا كرها فيها عقاب ونائل )
( فأم الذي آمنت آمنة الردى ** وأم الذي حاولت بالشكل ثاكل )
( رأيتك لم تعدل عن الحق معدلا ** سواه ولم تشغلك عنه الشواغل )
فقال يا غلام ارفع الحجاب وأمر له بعشرة آلاف والدينار يومئذ بسبعة وأعطى الباقين ألفين ألفين
وأخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة عن يونس قال دخل الفرزدق على سليمان ابن عبد الملك ومعه نصيب الشاعر فقال للفرزدق أنشدني وهو يرى أنه ينشد مديحه فأنشده
( وركب كأن الريح تطلب منهم ** لها سلبا من جذبها بالعصائب )
( سروا يركبون الليل وهي تلفهم ** على شعب الأكوار من كل جانب )
( إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها ** وقد خصرت أيديهم نار غالب )
فتغير وجه سليمان فلما رأى نصيب ذلك قال يا أمير المؤمنين ألا أنشدك فأنشده
( وقلت لركب قافلين لقيتهم ** قفا ذات أوشال ومولاك قارب )
( قفوا خبرونا عن سليمان أنني ** لمعروفه من آل ودان طالب )
( فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ** ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب )
فسر سليمان لذلك وأجازه وأنشدنا أبو عثمان
( آل المهلب قوم خولوا حسبا ** ما ناله عربي لا ولا كادا )
( لو قيل للمجد حد عنهم وخلهم ** بما احتكمت من الدنيا لما حادا )
( أن المكارم أرواح يعدلها ** آل المهلب دون الناس أجسادا )
( قال أبو علي ) سألت أبا بكر وكان يقرأ عليه شيء فيه ( سيشمظه ) فقال شمظته عن الشيء إذا منعته عنه وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه من غزوة تبوك لهدم ود فحالت بينه وبين هدمه بنو عبدود وبنو عامر الأجدار فقاتلهم خالد فهزمهم وكسرهم فقتل يومئذ غلام من بني عبد ود يقال له قطن بن شريح فأقبلت أمه وهو مقتول فقالت متمثلة والشعر لرجل من ثقيف
( ألا تلك المسرة لا تدوم ** ولا يبقى على الدهر النعيم )
( ولا يبقى على الحدثان غفر ** بشاهقة له أم رؤم )
ثم قالت
( ياجامعا جامع الأحشاء والكبد ** يا ليت أمك لم تولد ولم تلد )
ثم أقبلت عليه تقبله وتشهق حتى ماتت ( قال ) وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الأول بن مرثد قال سمعت ابن عائشة ينشد
( لا يبلغ المجد أقوام وإن كرموا ** حتى يذلوا وإن عزوا الأقوام )
( ويشتموا فترى الألوان مسفرة ** لا عفو ذل ولكن عفو أحلام )
وزاد بيتين آخرين عبد الأول قال أبو بكر رحمه الله تعالى وليس هو في عقب هذه
( وإن دعا الجار لبوا عند دعوته ** في النائبات باسراج وإلجام )
( مستلئمين لهم عند الوغى زجل ** كأن أسيافهم أغرين بالهام )
( قال ) وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو مسلم قتيبة عن المدائني قال لقى عالم من العلماء راهبا من الرهبان فقال له يا راهب كيف ترى الدهر قال يخلق الأبدان ويجدد الآمال ويباعد الأمنيه ويقرب المنيه قال فما حال أهله قال من ظفر به نصب ومن فاته تعب قال فما الغنى قال قطع الرجاء منه قال فأي الأصحاب أوفي قال العمل الصالح قال فأيهم أضر وأبلى قال النفس والهوى قال فأين المخرج قال في سلوك المنهج قال وفيم ذاك قال في خلع الراحات وبذل المجهود وحدثنا عبد الأول قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا أبو بلج عن عمرو بن ميمون قال سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه غلاما يدعوا ويقول اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه فحل بيني وبين خطاياي فلا أعمل بشيء منها فسر عمر بقوله ودعا له بخير
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا أبو عثمان قال أخبرنا عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية بن الخطفى قال كان جرير عند الحجاج بالعراق وكان آمنه بعدما أخافه أشد الخوف فقدم الحجاج البصرة وجرير والفرزدق يتسابان سبع سنين قبل قدومه وجرير مقيم بالبصرة وكان قبل ذلك مقيما بالبادية فكتب إليه بنو يربوع أنت مقيم بالبادية وليس أحد يروي عنك والفرزدق قد ملأ عليك العراق فانحدر إلى جماعة الناس فأشد بالرجل كما يشيد بك فانحدر وأقام بالبصرة فلذلك يقول
( وإذا شهدت لثغر قومي مشهدا ** آثرت ذاك على بني ومالي )
فأوجهه الحجاج وملأ بمدحه الأرض وبلغ أهل الشام وأمير المؤمنين ورواه الناس ثم أن الحجاج أوفده مع ابنه محمد عاشر عشرة من أهل العراق بعدما أجازه بعشرة من الرقيق وأموال كثيرة قال فقدمنا على عبد الملك فخطب بين يديه ثم أجلسه على سريره عند
رجليه ثم دعا بالوفد منا رجلا رجلا وكلنا له خطبة فجعل كلما خطب رجل قطع خطبته وتكلم جرير فقطع خطبته ثم قال من هذا يا محمد فقال هذا يا أمير المؤمنين ابن الخطفى قال مادح الحجاج قلت ومادحك يا أمير المؤمنين فائذن لي أنشدك فقال هات ما قلت في الحجاج فاندفعت في قولي
( صبرت النفس يا ابن ابي عقيل ** محافظة فكيف ترى الثوابا )
( ولو لم يرض ربك لم ينزل ** مع النصر الملائكة الغضابا )
( إذا سعر الخليفة نار حرب ** رأى الحجاج أثقبها شهابا )
فقال صدقت وورائي الأخطل جالسا ولا أراه ثم قال هات بالحجاج فأنشدته
( طربت لعهد هيجته المنازل ** وكيف تصابي المرء والشيب شامل )
فما فرغت منها حتى خيلت في وجه أمير المؤمنين الغضب وقال هات بالحجاج فأنشدته
( هاج الهوى لفؤادك المهتاج ** فانظر بتوضح باكر الأحداج )
حتى أتيت على قولي
( من سد مطلع النفاق عليهم ** أم من يصول كصولة الحجاج )
( أم من يغار على النساء حفيظة ** إذ لا يثقن بغيرة الأزواج )
فتكلم الأخطل وقال أين أمير المؤمنين يا ابن المراغة فعلمت أنه الأخطل فذببت حيال وجهي بكمي وقلت اخسا ومضيت حتى أنشدته كلها فقال الخليفة اجلس فجلست ثم قال قم يا أخطل هات مديح أمير المؤمنين فقام حيالي فأنشد أشعر الناس وأمدح الناس فقال له الخليفة أنت شاعرنا ومادحنا اركبه فرمى بردائه وألقى قميصه على منكبه ووضع يده على عنقي فقلت يا أمير المؤمنين أن النصراني الكافر لا يعلو ولا يظهر على المسلم ولا يركبه فقال أهل المجلس صدق يا أمير المؤمنين فقال دعه وانتقض المجلس وخرجنا فدخل الوفد عليه ثمانية أيام مع محمد كلهن أحجب فلا أدخل عليه ثم دخلوا
في التاسع وأخذوا جوائزهم وتهيوا في العاشر للدخول والتوديع للرحيل فقال محمد يا أبا حزرة مالي لا أراك تتجهز قلت وكيف وأمير المؤمنين علي ساخط ما أنا ببارح أو يرضى عني فلما دخل عليه محمد ليودعه قال يا أمير المؤمنين إن ابن الخطفى مادحك وشاعرك ومادح الحجاج سيفك وأمينك وقد لزمتنا له صحبة وذمام فإن رأيت أن تأذن له فإنه أبى أن يخرج معنا وأنت غضبان وآلى أنه لا يخرج أو ترضى عنه فيدخل ويودعك فأذن لي فدخلت عليه ودعوت له فقال إنما أنت للحجاج قلت ولك يا أمير المؤمنين ثم استأذنته في الإنشاء فسكت ولم يأذن لي فاندفعت فقلت
( أتصحو أم فؤادك غير صاح ** فقال بل فؤادك ** عشية هم صحبك بالرواح )
حتى فرغت منها وعلمت أني إن خرجت بغير جائزة كان اسقاطي آخر الدهر فلما بلغت إلى شكوى أم حزرة قلت في أثر ذلك
( ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح )
فجعل يقول نحن كذلك ثم قال ردها علي فرددتها فطرب لذلك وقال ويحك أتراها ترويها مائة من الإبل قلت نعم إن كانت من نعم كلب وقد كنت رأيت خمسمائة من نعم كلب مخصفة ذراها ثنيانا وجذعانا فقال أخرجوا له مائة من النعم التي جاءت من عند كلب ولا ترذلوها فشكرت له وشكر له أصحابي ومن شهدني من العرب ثم قلت يا أمير المؤمنين إنما نحن أشياخ من أهل العراق وليس في واحد منا فضل عن راحلته قال أفنجعل لك أثمانها قلت لا ولكن الرعاء يا أمير المؤمنين فنظر جنبتيه ثم قال لجلسائه كم يجزي مائة من الإبل قالوا ثمانية يا أمير المؤمنين فأمر لي بثمانية أعبد أربعة صقالبة وأربعة نوبية وإذا قد أهدى إليه بعض الدهاقين ثلاث صحاف فضة وهن بين يديه يقرعهن بالخيزرانة فقلت المحلب يا أمير المؤمنين فندس إلي منهن واحدة وقال خذها لا نفعتك قلت بلى كل ما أخذته منك ينفعني إن شاء الله وانصرفنا وودعناه وكتب محمد إلى أبيه بالحديث
كله فلما قدمنا على الحجاج قال لي أما والله لولا أن يبلغ أمير المؤمنين فيجد على لأعطيتك مثلها ولكن هذه خمسون راحلة وأحمالها حنطة تأتي بها أهلك فتميرهم فقبضتها وانصرفت ( قال ) وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال حدثنا أبو حاتم قال أخبرني بعض أشياخ البصريين قال حدثني أبو منجوف قال حضرت وفاة الرقاشي ودخل عليه الطبيب وجس عرقه فلما انصرف اتبعته فأيأسني منه فكان الرقاشي أحس بذلك فلما رآني قال
( سألتك بالمودة والجوار ** وقرب الدار من قرب المزار )
( بما ناجاك إذ ولى سعيد ** فقد أوجست من ذاك السرار )
وأنشدنا الحسن بن خضر قال أنشدنا أبو هلال
( هذا الزمان الذي كنا نخبره ** فيما يحدث كعب وابن مسعود )
( إن دام ذا العيش لم نحزن على أحد ** ممن يموت ولم نفرح بمولود )
( قال ) وحدثنا قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي عن سلم بن قتيبة قال كانت إياد ترد المياه فيرى منهم مائتا شاب على مائتي فرس بشية واحدة وكانوا أعدا العرب وأنهم استقلوا بعشرين ألف غلام أغرل فأوغلوا حتى وقعوا ببلاد الروم فأسر رجل منهم فأردفه آسره خلفه وهو يظنه روميا فسمعه يقول
( ترى بين الأثيل وفيد مجرى ** فوارس من نمارة غير ميل )
( ولا جزعين إن ضراء نابت ** ولا فرحين بالخير القليل )
فأراد الرومي أن يشد وثاقه فاخترط العربي سيف الرومي فقتله به وركب فرسه ولحق بأصحابه والله أعلم
وأنشدنا العكلي قال أنشدني أبو عامر الفقيمي لأبي عطاء السندي يقوله في المثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة
( أما أبوك فعين الجود نعرفه ** وأنت أشبه خلق الله بالجود )
( لولا أبوك ولولا قبله عمر ** ألقت إليك معد بالمقاليد )
( لا ينبت العود إلا في أرومته ** ولا يكون الجنى إلا من العود ) ( قال ) وأنشدنا عبد الرحمن عن عمه لعبد من عبيد بني عامر بن ذهل
( أيا حب ليلى داخلا متولجا ** شعوب الحشا هذا علي شديد )
( ويا حب ليلى عافني منك مرة ** وكيف تعافيني وأنت تزيد )
( ويا حب ليلى أعطني الحكم واحتكم ** علي فما يبغى علي شهيد )
( قال ) وأنشدنا أيضا عبد الرحمن عن عمه
( أليس الله يعلم أن قلبي ** يحب الفتية المتبرقعينا )
( هم الفتيان إلا أن فيهم ** دماليجا وأن لهم برينا )
( قال ) وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو عثمان عن التوزي قال صحب ابن عبدل الأسدي معروف بن بشر حينا فأبطأ عنه بصلته فتغيب عنه أياما ثم أتاه فقال أين كنت قال أصلح الله الأمير خطبت بنت عم لي فأرسلت إلي أن لي أشاوى على الناس وديونا فانطلق فاجمع ذلك ثم ائتني أفعل ففعلت فلما أتيتها بحاجتها كتبت إلى تؤيسني وتقول
( سيخطئك الذي أملت مني ** إذا انتقضت عليك قوى حبالي )
( كما أخطاك معروف ابن بشر ** وكنت تعده لك رأس مال )
( فلا والله لو كرهت شمالي ** يميني ما وصلت بها شمالي )
فضحك بن بشر وقال ما ألطف ما سألت وأمر له بعشرة آلاف درهم ( قال ) وأخبرنا أبو عثمان قال كان الجماز منقطعا إلى أبي جزء الباهلي فتنسك أبو جزء وقال للجماز لا أحب أن تخالطني إلا أن تتنسك فاظهر الجماز النسك وأنشأ يقول
( قد جفاني الأمير حين تقرى ** فتقريت مكرها لجفائه )
( والذي أنطوي عليه المعاصي ** علم الله نيتي من سمائه )
( ما قراة لمكره بقراة ** قد رواه الأمير عن فقهائه )
( قال ) وحدثنا قال حدثنا السكن بن سعيد قال كان أبو نواس سأل هشاما ما أنساب مذحج فأبطأ عليه فكتب إليه
( أبا منذر ما بال أنساب مذحج ** مرجمة دوني وأنت صديق )
( فإن تأتني يأتك ثنائي ومدحتي ** وإن تأب لا يسدد علي طريق )
فبعث بها إليه
( قال ) وحدثنا السكن بن سعيد الجرموزي عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي قال قال الحجاج يوما وعنده أصحابه أما إنه لا يجتمع لرجل لذة حتى تجتمع أربع حرائر في منزله يتزوجهن فسمع ذلك شاعر من أصحابه يقال له الضحاك فعمد إلى كل ما يملك فباعه وتزوج أربع نسوة فلم توافقه واحدة منهن فأقبل على الحجاج فقال سمعتك أصلحك الله تقول لا تجتمع لرجل لذة حتى يتزوج أربع حرائر فعمدت إلى قليلي وكثيري فبعته وتزوجت أربعا فلم توافقني واحدة منهن أما واحدة منهن فلا تعرف الله ولا تصلي ولا تصوم والثانية حمقاء لا تتمالك والثالثة مذكرة متبرجة والرابعة ورهاء لا تعرف ضرها من نفعها وقد قلت فيهن شعرا قال هات ما قلت لله أبوك فقال
( تزوجت أبغي قرة العين أربعا ** فياليتني والله لم أتزوج )
( ويا ليتني أعمى أصم ولم أكن ** تزوجت بل يا ليتني كنت مخدج )
( فواحدة لا تعرف الله ربها ** ولم تدر ما التقوى ولا ما التحرج )
( وثانية حمقاء تزني مخانة ** تواثب من مرت به لا تعرج )
( وثالثة ما أن توارى بثوبها ** مذكرة مشهورة بالتبرج )
( ورابعة ورهاء في كل أمرها ** مفركة هوجاء من نسل أهوج )
( فهن طلاق كلهن بوائن ** ثلاثا بتاتا فاشهدوا لا ألجلج )
فضحك الحجاج وقال ويلك كم مهرتهن قال أربعة آلاف أيها الأمير فأمر له باثني عشر ألف درهم ( قال ) وأخبرنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا
يعذ ل صاحبا له في الشراب فقال له
( فإنك لو شربت الخمر حتى ** يظل لكل أنملة دبيب )
( إذا لعذرتني وعلمت أني ** بما أتلفت من مالي مصيب )
قال أبو بكر رحمه الله تعالى وأنشدنا عبد الرحمن عن عمه
( تقول سليمى سار أهلك فارتحل ** فقلت وهل تدرين ويحك من أهلي )
( وهل لي أهل غير ظهر مطيتي ** أروح وأغدو ما يفارقها رحلي )
( قال أبو علي ) وقرئ على أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وأنا أسمع وذكر أنه قرأ جميع ما جاء عن أبي محلم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رحمه الله تعالى فذكر أنه سمع ذلك من أبيه من أبي محلم قال أبو محلم وأخبرني سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال قال لي طاووس لتزوجن أو ألأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد قلت له ما قال قال قال له ما يمنعك من النكاح الأعجز أو فجور
أبو الزوائد هذا من أهل مكة ( قال ) وقال لي أبو محلم حدثني جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال قال لي ابن عباس رضي الله عنهما ألك امرأة قال قلت لا قال فتزوج فإن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء
وأنشدنا أبو محلم لخنوص أحد بني سعد هذه البيتين
( ألا عائذ بالله من سرف الغنى ** ومن رغبة يوما إلى غير مرغب )
( ومن لا يرح إلا سواما لغيره ** وإن كان ذا قربى من الناس يعزب )
السوام المال يقال أراح فلان إذا كان له مال وأعزب إذا لم يكن له مال وأنشد
( إذا حدثتك النفس أنك قادر ** على ما حوت أيدي الرجال فكذب )
( فإن أنت لم تفعل ومال بك الهوى ** إلى بعض ما منتك يوما فجرب )
( فإن تك ذا لب يزدك صلابة ** على المال محجى ذو العطاء المثرب )
محجى أي ممسكا يقال حجا الرجل ماله إذا أمسكه قال أبو محلم وذكر أعرابي امرأته فقال ما تحجودوننا شيأ اي ما تمسك وأنشد للفرزدق
( وذلك خير من عطاء مثرب ** منون ومن شبعان تحجى دراهمه )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه ولا تثربوا أي لا تعيروا ومنه قول الله عز وجل { لا تثريب عليكم اليوم } أي لا لوم ولا تأنيب وأنشدنا أبو محلم
( سألتهم الجزيل فليس فيهم ** بخيل بالعطاء ولا منون )
وأنشدنا قال أنشدنا أبو العباس المبرد قال أنشدني ابن المصفى
( رب بيت رأيت قد زينوه ** لم يزل اسرع البيوت خرابا )
( فيه غض الشباب قد متعوه ** بمتاع وألبسوه ثيابا )
وأنشدنا لعبد الله بن طاهر
( ألا من لقلب مسلم للنوائب ** أطافت به الأحزان من كل جانب )
( يخبر يوم البين أن اعتزامه ** على الصبر من إحدى الظنون الكواذب )
وأنشدنا لعبيد الله بن عبد الله
( وإني لأعطي كل امر بقسطه ** إذا الخطب عن حزم الروية أجهضا )
( فأستعتب الأحباب والخد ضارع ** وأستعتب الأعداء والسيف منتضى )
( قال أبو علي ) وأنشدنا جحظة في أبي بكر بن دريد رحمة الله تعالى عليه
فقدت بابن دريد كل فائدة ** لما غدا ثالث الأحجار والترب )
( وكنت أبكي لفقد الجود مجتهدا ** فصرت أبكي لفقد الجود والأدب )
( قال ) وحدثنا أبو الحسن قال أنشدنا ابو محلم للمخارق بن شهاب أحد بني خزاعي بن مالك ابن عمرو بن تميم
( كم شامت بي إن هلكت وقائل ** لا يبعدن مخارق بن شهاب )
( المشتري حسن الثناء بماله ** والمالئ الجفنات للأصحاب )
( مأوى الأرامل والضريك إذا اشتكى ** وثمال كل معيل قرضاب )
( وأخي اخاء قد غدا متقلدا ** سيفا راحلتي له وثيابي )
الضريك الفقير والقرضاب الذي لا شيء له هكذا قال أبو محلم ( قال أبو علي ) وأنا أقول القرضاب والقرضوب أيضا اللص ( قال ) وأنشدنا أبو محلم لأبي حزرة يعني جريرا في ابنه
( إن بلالا لم تشنه أمه ** لم يتناسب خاله وعمه )
( يشفي الصداع ريحه وشمه ** كأن ريح المسك مستحمه )
( ويذهب الغليل عني ضمه ** يقضي الأمور وهو سام همه )
( فآله آلي وسمي سمه ** )
آل الرجل شخصه وسمه خليقته ( قال أبو علي ) ومن أيمان العرب ما حدثنا به أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال تقول العرب لا وقائت نفسي القصير القائت من القوت يعطيه قليلا قليلا
وتقول لا والذي لا أتقيه إلا بمقلتة أي الموت في عنقي فكل شيء حتف من القلت أي الموت ( قال أبو علي ) وقرأت في نوادر ابن الأعرابي على أبي عمر لا والذي لا أتقيه إلا بمقتله أي كل شيء مني مقتل من حيث شاء قتلني ( قال ) ومن أيمانهم لا ومقطع القطر لا وفالق الأصباح لا ومهب الرياح لا ومنشر الأرواح لا والذي مسجت أيمن كعبته لا والذي جلد الإ بل جلودها لا والذي شق الجبال للسيل والرجال للخيل لا والذي شقهن خمسا من واحدة يعنون الأصابع لا والذي وجهي زمم بيته والزمم المقابلة لا والذي هو أقرب إلي من حبل الوريد لا والذي يقوتني نفسي
لا وبارئ الخلق لا والذي يراني من حيث ما نظر لا والذي نادى الحجيج له لا والذي رقصن ببطحائه لا والراقصات ببطن جمع لا والذي أمد إليه بيد قصيرة لا والذي يراني ولا أراه لا والذي كل الشعوب تدينه ( قال ) وقال أبو زيد العقيليون يقولون حرام الله لا آتيك كقولك يمين الله لا آتيك وجير يمين خفضت للياء وعوض يمين رفعت للواو التي فيها
وأنشدنا أبو الحسن قال أنشدنا أبو محلم
( ألا ليت شعري عن عوارضتي قنا ** لطول الليالي هل تغيرتا بعدي )
( وعن جارتينا بالبتيل أدامتا ** على عهدنا أم لم تدوما على العهد )
( وعن علويات الرياح إذا جرت ** بريح الخزامي هل تهب على نجد )
البتيل موضع ( قال ) ويقال علوى وعلوى ( قال ) وقال أبو محلم يقال زينة وزين وأنشد للقلاخ بن حزن بن جناب السعدى
( وزانه الشحم وللشحم زين ** ) وأنشد أيضا لزبان بن سيار الفزاري يتفجع على قومه
( لئن فجعت بالقرباء مني ** لقد متعت بالأمل البعيد )
( وما تبغي المنية حين تأتي ** على أدنى الأحبة من مزيد )
( خلقنا أنفسا وبني نفوس ** ولسنا بالسلام ولا الحديد )
( قال أبو محلم ) ومن كلامهم كان ذاك والسلام رطاب وهو مثل وأنشد لرؤبة بن العجاج
( والصخر مبتل كطين الوحل ** )
( قال ) وقال أبو محلم يقال ندسه بالرمح إذا طعنه وتندس فلان الأخبار إذا استخبر عنها وأنشد للحرث بن ضب يهجو حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي
( أوصت صفية نسلها بوصية ** مرعية ختمت بأير الكاتب )
( أن لا تدوم لهم كرامة مكرم ** فيهم وأن ينبوا بحق الصاحب )
( وبذكر مر الفقر عند غناهم ** والشح عند حضور حق واجب )
( والبخل بالمعروف والصلة التي ** أوصى الإله بها لحق الراغب )
( فأرى ابنها حفظ الوصية كلها ** وازداد لؤ م طبائع وضرائب )
( بدعى الحرون عن المكارم كلها ** وإلى الملائم فهو أول واثب )
( ولقد أتاني وازع بمقالة ** عنه تقولها وليس بكاذب )
( أن لست خاتمها ولست بلين ** ما عشت للجار المخاشن جانبي )
( لا تختمن صحيفة من بعدها ** ألا ببظر غزالة المتشاغب )
( فلقد رأيت أباك ماضي عمره ** في الصهر ليس عن اللئام براغب )
( قال أبو علي ) وقرأنا على أبي الحسن قال قال أبو محلم حدثني جماعة من بني تميم عن آبائهم عن أجدادهم قالوا أسنت بنو تميم زمن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فانتجعوا أرضا من أرض كلب من طرف السماوة يقال لها صوأر من الكوفة على عقبة أو مآبة وهو يوم عطود طويل فصنع غالب بن صعصعة وهو أبو الفرزدق طعاما ونحر نحائر وجفن جفانا وجعل يقسمها على أهل المزايا وهم أهل القدر فأتت جفنة منها سحيم بن وثيل الرياحي الشاعر فكفأها وضرب الخادم التي أتته بها واحتفظ غالب من ذلك فعاتب سحيما فسرى القول بينهما حتى تداعيا إلى المعاقرة وكان سحيم رجلا فيه شنغيرة وأذى للناس وكان الناس شآفى القلوب عليه أي وغراء الصدور عليه وكانت إبله خوامس
قد أغبت خمسا لم ترد فوردت عليه إبل غالب فطفق غالب يعقرها وطافت الوغدان والفتيان بالإبل فجعلت تحوزها من أطرافها إليه ومع الفرزدق هراوة يردها على أبيه فيقول غالب رد أي بني فيقول الفرزدق اعقر أبت حتى نحر سائرها وكانت مائتين فقال طارق بن ديسق بن عوف بن عاصم بن عبيدة بن ثعلبة بن يربوع وكان يهاجى سحيما
( أبلغ سحيما إن عرضت وحجدرا ** أن المخازي لا ينام قرادها )
( أقدحتما حتى إ ذا أوريتما ** للحرب ناركما خبا إيقادها )
( لو كان شاهدنا الجميل ومالك ** لحبت لقاح وله أولادها )
( أطردتها نيبا تحن إفالها ** من أن يكون لسيفه إيرادها )
وقال جرير للفرزدق حين هاجاه
( وألفيت خيرا من أبيك فوارسا ** وأكرم أياما سحيما وحجدرا )
( هم تركوا عمرا وقيسا كلاهما ** يمج نجيعا من دم الجوف أحمرا )
وقال المحل بن كعب أخو بني قطن بن نهشل
( وقد سرني أن لا تعد مجاشع ** من المجد إلا عقرنيب بصوأر )
وقال جرير للفرزدق يهاجيه أيضا
( فنورد يوم الروع خيلا مغيرة ** وتورد نابا تحمل الكير صوأرا )
( شقيت بأيام الفجار فلم تجد ** لقومك إلا عقرنيبك مفخرا )
وقال طارق بن ديسق يعير سحيما
( لعمري وما عمري علي بهين ** لقد ساء ما جازيت يا ابن وثيل )
( مددت بذي باع عن المجد جيدر ** وسيف عن الكوم الخيار كليل )
وقال ذو الخرق الطهوي يتعصب لغالب لأنه من بني مالك بن حنظلة
( ألا أبلغن رياحا على نأيها ** ورهط المحل شفاة الكلب )
( فلا تبعثوا منكم فارطا ** عظيم الرشاء كبير الغرب )
( يعارض بالدلو فيض الفرات ** تصك أواذيه بالخشب )
( فما كان ذنب بني مالك ** بان سب منهم غلام فسب )
( عراقيب كوم طوال الذرى ** تخر بوائكها للركب )
( قال أبو علي ) وأنشدني أبو بكر بن دريد
( بأبيض يهتز في كفه ** يقط العظام ويبري العصب )
( بأبيض ذي شطب باتر ** يقط الجسوم ويفري الركب )
( تسامى قروم بني مالك ** فسامى بهم غالب إذ غلب )
( فأبقى سحيم على ماله ** وهاب السؤال وخاف الحرب )
قال فأقبلت إبل سحيم حتى وردت عليه فأوردها كناسة الكوفة وجعل يعقرها وهو يقول
( كيف ترى حجيدرا يرعاها ** بالسيف يخليها إذا استخلاها )
( ينتثر الخزيز من ذراها ** )
فلم ينفعه عقره إياها وقد سبقه غالب بالعقر
( قال ) وأخبرني عبيد الله بن موسى قال أخبرني ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي عن أبيه قال قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لا تأكلوا منها شيأ فإنها مما أهل به لغير الله وأمر فطرد الناس عنها وقال سحيم ابن وثيل في معاقرته
( لهان بما يجني عفير وحجدر ** وذو السيف قد دنى لها كل مقرم )
( ألا لا أبالي أن تعد غرامة ** علي إذا ما حوضكم لم يهدم )
( فسبحت في الظلماء لما رأيتهم ** نجيا وما يخفى عن الله يعلم )
قال أبو العباس يدعى على الإنسان فيقال ماله آم وعام ورماه الله بالأيمة والعيمة أي ماتت امرأته يقال رجل أيم وامرأة أيم إذا كان بغير امرأة وكانت بغير رجل قال أبو الحسن ولو قال امرأة أيمة يخرجها على آمت لكان جيدا لأنه يقال آمت تئيم كما يقال باعت تبيع ومثله كثير وعام هلكت ماشيته حتى يشتهي اللبن ( قال ) ويقال ماله حرب وحرب وحرب وذرب حرب ذهب ماله وحرب هو في نفسه
وجربت إبله وذرب ورم جسده والذربة ورمة تخرج في عنق البعير وماله شل عشره ويدي من يده وأشل الله عشره وأبرد الله مخه أي هزله وأبرد الله غبوقه أي لا كان له لبن حتى يشرب الماء وقل خيسه أي خيره وعثر جده ورماه الله بغاشية وهي وجع يأخذ على الكبد يكوى منه ورماه الله بالسحاف وهو وجع يأخذ بين الكتفين وينفث صاحبه مثل العصب ( قال أبو علي ) وقال غيره السحاف السل ورجل مسحوف أي مسلول
ورماه الله بالعرفة وهي قرحة تأخذ في اليد والرجل وربما أشلت ورماه الله بالحبن والقداد وهو داء يأخذه في بطنه ومنه طائرة ة حبناء أي في بطنها علة
وقرع فناؤه وصفر إناؤه أي أخذت إبله فلا يكون له في فنائه شيء ولا في إنائه لبن ويقال ما له جدت حلائبه أي لا كانت له إبل
وإن كان كاذبا فاستراح الله رائحته أي ذهب الله بها ورماه الله بأفعى ت حارية أي قد رجع سمها فيها فأحرقها فهو أشد لضربتها وذبلته الذبول أي ثكلته أمه وأنشد
( طعان الكماة وركض الجياد ** وقول الحواضن ذبلا ذبيلا )
ويروى بالدال غير معجمة وهو أجود يقال دبلته الدبول بالدال غير معجمة مثل ثكلته الثكول أي ثكلته أمه قال ثعلب وقلت لإبن الأعرابي قلت له ذبلا ذبيلا وقلت لي الآن دبلا دبيلا فقال بالدال غير معجمة أجود قال والذال يجوز وقال أبو محلم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا عطش خمر وجهه أي غطاه ويروى عنه
صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول خمروا أسقيتكم وأجيفوا أبوابكم وأحذروا على صبيانكم فحمة العشاء وفحمة العشاء بفتح الفاء والحاء ما بين العشاء الأولى والعشاء الآخرة وأنشد لبشير بن النكث الكلبي
( أجدي فاشربي بحياض قوم ** عليهم من فعالهم حبير )
( فإن بني رفاعة في معد ** هم اللجأ المؤمل والنصير )
( هم الأخيار منسكة وهديا ** وفي الهيجا كأنهم الصقور )
( عن الفحشاء كلهم غبي ** وبالمعروف كلهم بصير )
( خلائق بعضهم فيها كبعض ** يؤم كبيرهم فيها الصغير )
( قال أبو علي ) قرأت على أبي الحسن قال أبو محلم كان المهاجر بن عبد الله الكلابي عاملا على اليمامة لهشام بن عبد الملك وكان قد أقطع جريرا دارا وأمر خمسين رجلا من جند أهل الشام أن يلزموا باب دار جرير وأن يكونوا معه في ركوبه إلى باب دار المهاجر اشفاقا عليه من ربيعة فاعتل جرير فقال يوم دخلوا عليه
( نفسي الفداء لقوم زينوا حسبي ** وإن مرضت فهم أهلي وعوادي )
( لو حال دوني أبو شبلين ذو لبد ** لم يسلموني لليث الغابة العادي )
( أن تجر طير بأمر فيه عافية ** أو بالفراق فقد أحسنتم زادي )
قال أبو محلم قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لأبي بكرة أن تبت قبلت شهادتك لأن القاذف المحدود لا شهادة له فقال أبو بكرة أشهد أن المغيرة زان فقال عمر إنك لفاجر أبل ومؤمن لا يفل والأبل الذي يمضي على أمره وشأنه لا يرجع عنه وأنشد
( مجرس يخلط إفكا بجدل ** أبل أن قيل اتق الله احتفل )
( قال ) وقال أبو العباس ماله غالته غول وشعبته شعوب قال الأصمعي شعوب بغير ألف ولام معرفة لا تنصرف لأنها اسم للمنية وولعته الولوع ولعته ذهبت به ورماه الله بليلة لا أخت لها أي بليلة موته ورماه الله بما يقبض عصبه أي بما يجمعه وقولهم قمقم الله عصبه معناه أيبس عصبه فاجتمع وأصل ذلك من القمقام وهو وسط البحر ومجتمع مائه وقال أبو عمرو يقال لما يبس من البسر القمقم
لا ترك الله له هاربا ولا قاربا أي لا صادرا عن الماء ولا واردا شتت الله شعبه أي أباد الله أهله مسح الله فاه أي مسحه من الخير رماه الله بالذبحة وهي وجع يكون في الحلق يطوقه رماه الله بالطسأة مهموز وهي داء يأخذ الصبيان ( قال أبو علي ) الذي أحفظه الطشة وأبو العباس ثقة حافظ فلا أدري أوقع الخطأ من الناقل إلينا أم من سهو أبي العباس أو تكون لغة غير الطشة
سقاه الله الذيفان وهو السم السريع القتل وحكى عن الباهلي جعل الله رزقه فوت فمه أي قريبا منه ويخطئه أي ينظر إليه قدر ما يقرب من فمه ثم لا يقدر عليه رماه الله في نيطه وهو الوتين أي قتله وقال أبو صاعد قطع الله به السبب أي قطع سببه الذي به الحياة
قطع الله لهجته أي أماته قد الله أثره أي أماته وقال في أتان له شرود جعل الله عليها راكبا قليل الحداجة بعيد الحاجه والحداجة الحلس وهو الكساء الذي يحمل على الجمل عليه العفاء أي محو الأثر رغما دغما شنغما دعاء وهو اتباع قال أبو الحسن رغما أي أرغم الله أنفه ودغما مثله وشنغما توكيد
ماله جد ثدي أمه إذا دعا عليه بأن لا يكون له مثل لا أهدى الله له عافية اي من يطلب رفده وفضله أي كان فقيرا ثل عرشه أي ذهب عزه ثلل ثلله وأثل الله ثلله أي أذهب الله عزه عيل ما عاله قال أبو عبيدة هو في التمثيل أهلك هلاكه أراد الدعاء عليه فدعا على الفعل ويقال ذلك في المدح أي من قام بأمره فهو في خفض حته الله حت البرمة والبرمة ثمر الأراك لا تبع له ظلف ظلفا زال زواله وزيل زويله أي ذهب ومات
سل وشل وغل وأل سل من السل وغل من الغل
أي جن حتى يشد وأل طعن بالألة فقتل والألة الحربة قال أبو الحسن المعروف عند جميع العلماء ولا أعلم فيه اختلافا أنه يقال شلت يده وأشلت وحكى ثعلب شل وأظنه جرى على هذا لمزاوجة الكلام لأن قبله سل وكذلك الذي يليه
وكذلك لا عد من نفره أي مات والنفر أهل الرجل وأقاربه ممن ينفر معه في الشدة والخطب الجليل ( وقال أبو زيد ) رماه الله بالطلاطلة بضم الطاء الأولى والطلطلة بضم الطاء أيضا على فعللة ( قال ) وقال الراجز يذكر دلوا
( قتلتني رميت بالطلاطله ** كأن في عرقوتيك بازله )
وهي الداء العضال رماه الله بكل داء يعرف وكل داء لا يعرف سحفه الله أي ذهب به وأفقره لا أبقى الله له سارحا ولا جارحا السارحة الماشية الإبل والبقر والغنم لأنها تسرح في المرعى والجارح الفرس والحمار ولا يكون البعير جارحا وإنما قيل للفرس والحمار جارح لأن الفرس والحمار تجرح الأرض بوطئها أي تؤثر فيها بحوافرها والإبل لا أثر لها رماه الله بالقصمل ويقال القصمل وهو وجع يأخذ الدابة في ظهرها ويقال قصملة أي دقه بفيه الأثلب والإثلب والكثكث والكثكث أيضا أي التراب والدقعم والحصلب وهو التراب بفيه البرى ( قال أبو علي ) التراب قال وأنشد الفراء
( بفيك من ساع إلى القوم البرى ** ) ألزق الله به الحوبة أي المسكنة ( قال ) ويقال برحا له وترحا إذا تعجب منه أي عناء له كما تقول للرجل إذا تكلم فأجاد قطع الله لسانه ( قال ) وقال أبو مهدي بسلاله وأسلا كما تقول للإنسان إذا دعى عليه تعسا له ونكسا لحاه الله كما يلحى العود أي قشره كما يقشر العود إذا أخذ لحاؤه وهو القشر الرقيق الذي يلي العود لا ترك الله له شفرا ولا ظفرا الشفر شفر العين والشفر شفر المرأة ( قال أبو علي ) كذا يقال بالفتح رماه الله بالسكات رماه الله بخشاش أخشن ذي ناب أحجن يعني الذئب قرع مراحه أي لا كانت له إبل قال عروة بن الورد
( إذا آداك مالك فامتهنه ** لجاديه وإن قرع المراح )
لأمه العبر والعبر أي الثكل والعبر البكاء له الويل والأليل وهو الأنين قال ابن ميادة
( وقولا لها ما تأمرين بعاشق ** له بعد نومات العشاء أليل )
ما له ساف ماله وأساف الرجل إذا هلك ماله قال حميد بن ثور
( فمالهما من مرسلين لحاجة ** أسافا من المال التلاد وأعدما )
ويقال في مثل ( أساف حتى ما يشتكي السواف ) أي قد ألف ذلك ودرب به يقال ذلك للذي امتحن الدهر وجربه ومر به خيره وشره ماله خاب كهده الكهد المراس والجهد ماله طال عسفه اي هوانه رماه الله بوامئة أي ببلاء وشر اقتثمه الله إليه أي قبضه إليه وابتاضه الله وابتاضهم الله وابتاض بنو فلان بني فلان إذا أتوا عليهم وعلى أموالهم والبيضة المعظم ومنه هذا البلد بيضة الإسلام أي مجتمعه كما تجمع البيضة التي على الراس الشعر أباد الله عترته أي ذهب أهل بيته سحقه الله أهلكه الله أباد الله غضراءه أي نضارته وحسن دنياه والغضراء الطينة العلكة ويقال للإنسان إذا سعل ( عنس بكدد ) عنس طال مكثه أي طال مكث السعال عليه وقوي والكدد والكديد ما صلب من الأرض وقال أبو محمد اليزيدي يقال للإنسان إذا سعل وتد عسير نكد
ويقال وريا وزيد بريا الوري داء يكون في الجوف فلا يزال حتى يقتل وبريا أي يبرى حتى يذهب لحمه وبدنه ( قال ) ويقال للذي يسعل أشمت الله عاديه وأشمت عدوه ويقال من الدعاء تركه حتا بتا فنا يملك كفا ويقال عبر وسهر أحانه الله وأذاله وأبانه أبلطه الله وإن فلانا لمبلط أي لا شيء له ألزقه الله بالصلة أي بالأرض وإذا أقبل الرجل وطلعته تكره قيل حداد حديه أي مناع امنعيه والحد المنع صراف اصرفيه جدعه الله جدعا موعبا أي مستأصلا يقال أو عب بنو فلان إذا خرجوا من عند آخرهم رماه الله
بمهدئ الحركة رماه الله بالواهية وهي وجع يأخذ في المنكب فلا يقدر الرجل أن يرمي حجرا ( قال ) وقال الهلالي ماله وبد الله به أي أبعده من تأبد إذا توحش قال أبو الحسن حق هذا على ما ذكر أن يكون أبد الله به وإثبات الواو جائز على بعد ويقال للبعير والحمار لا حمل الله عليك إلا الرخم أي أماتك الله حتى تقع عليك فتأكل لحمك
رماه الله بالأنة أي بالأنين أبدى الله شواره أي مذاكيره وشوربه أبدى عورته تربت يداه افتقر قال الأصمعي وقول النبي صلى الله عليه وسلم عليك بذات الدين تربت يداك أراد به الإستحثاث كما تقول انج ثكلتك أمك وأنت لا تريد أن يثكل قال أبو عمرو أي أصابهما التراب ولم يدع عليهما بالفقر ومنه قول عباس بن مرداس السلمي رضي الله تعالى عنه
( فأيي ما وأيك كان شرا ** فقيد إلى المقامة لا يراها )
ويروى فسيق والمقامة المجلس أي عمي فلا يبصر حتى يقاد ماله بئى بطنه مثل بعي أي شق بطنه وأنشد لمعقل بن ريحان
( بأوتهم وقد حبنوا فصحوا ** وقد يشفي من الداء الطبيب )
أي عالجتهم حتى انقادوا ماله شيب غبوقه أي قلت ما شيته حتى يقل لبنه فيخلطه بالماء ماله عرن في أنفه أي طعن ماله مسحه الله برصا واستخفه رقصا ولا ترك له خفا يتبع خفا عبلته العبول ولقد عبلت فلانا عنا عابلة أي شغلته عنا شاغلة قال الشاعر
( وما بي ضعفة عن آل ورد ** ولا عبلت يداي ولا لساني )
ورد بن عوف بن ربيعة بن عبد الله بن ابي بكر بن كلاب
وقال يونس تقول العرب إذا لقى الرجل شرا ثبت لبده وأثبت الله لبده يدعون بذلك عليه أي دام عليه البلاء ويقال للذي يبكي ( دما لا دمعا ) والقوم يدعى عليهم فيقال قطع الله بذارتهم والبذارة من البذر كأنه أراد
النسل وأثل ثلله أي شغل عن بيته أتعس الله جده وأنكسه ( قال ) وقال أبو مهدي ظنة ظانيه والظنة بضم الظاء الحتف ويقال يا حرة يدك ويا حرة أيديكم من الشدة لا تفعلوا كذا وكذا ويا حرة صدري ويا حرة صدوركم بالغيظ وأخابه الله وأهابه جغله يتهيب وعضله الله ويقال قل قليله وقل خيسه والخيس العدد ويقال لمن شمت به لليدين وللفم به لا بظبي بالصريمة أعفرا وتعسه الله ونكسه وأتعسه وأنكسه التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه وقال الكسائي قبحا وشقحا أي كسرا شقحه كسره ألزق الله به العطش والنطش وألزق اله به الجوع والنوع النوع العطش والقل والذل ماله سبد نحره ووبد أي سبد من الوجد على المال والكسب لا يجد شيأ وقد سبد الرجل وويد إذا لم يكن عنده شيء وهو رجل سبد قاله أبو صاعد وقال أبو الغمراء إنما نعرفه من دعاء النساء ما لها سبد نحرها وقالت امرأة لأخرى خف حجرك وطاب نشرك أي لا كان لك ولد والحجر مجتمع مقدم القميص
رماه الله بسهم لا يشويه ولا يطنيه أي لا يمرضه ولا يخطيء مقتله ولا يلبثه ورماه الله بنيطه أي بالموت ويقال أسكت الله نامته ورخمته وزأمته أي كلامه هبلته الهبول وثكلته الثكول وعبلته العبول وثكلته الرعبل اي امه الجفاء قال وأنشدنا الباهلي واسمه غيث
( وقال ذو العقل لمن لا يعقل ** اذهب إليك هبلتك الرعبل )
يعني أمه الحمقاء وثكلته الجثل أي أمه لا ترك الله له واضحة أي ذهب الله بثغره أرقأ الله به الدم أي ساق إلى قومه حيا يطلبون بقتيل فيقتل فيرقأ دم غيره به أرانيه الله أغر محجلا أي مقتولا محلوق الراس مقيدا لأنهم يأخذون النواصي أطفأ الله ناره أي أعمى عينيه رأيته حاملا جنبه أي مجروحا لا ترك الله له شامتة والشوامت القوائم خلع الله نعليه أي جعله مقعدا أسك الله مسامعه أي أصمه لا دردره أي لا أتى
بخير فجع الله به ولودا ودودا جذه الله جذ الصليان أي لا ترك منه شيأ قال أبو صاعد سقاه الله دم جوفه لأنه إذا هريق دمه هلك قال أبو العباس ثعلب قال أبو صاعد سبد الرجل ووبد إذا لم يكن عنده شيء وهو رجل سبد والسبد البلاء بعضه على بعض ويقال نعوذ بالله من النار وصائرة إليها ومن السيل الجارف والجيش الجائح جاحوا أموالهم يجوحونها جوحا ومصائب الغرائب وجاهد البلاء ومعضلات الأدواء ويقال بهم اليوم قطرة من البلاء ونعوذ بالله من وطأة العدو وغلبة الرجال وضلع الدين ونعوذ بالله من العين اللامة أي عين الحاسد من ألم به يلم إذا أتاه لينظر إلى جميع ماله ويتأمله لا يخفى عليه منه شيء ويقال نعوذ بالله من كل هامة وعين لامة الهامة الحية والهوام دواب الأرض التي تهم بالإنسان تقصد له بما يكره واللامة العين الحاسدة تلم بكل شيء تراه وتتفقده حتى لا يفوتها شيء ويقال نعوذ بالله من الهيبة والحيبة نعوذ بالله من أمواج البلاء وبوائق الفتن وخيبة الرجاء وصفر الفناء ( قال أبو علي ) هذا آخر الأيمان والدعاء ومن الدعاء ما هو خارج عن الكتاب قال الباهلي رصف الله في حاجتك أي لطف لك فيها وقال أبو مهدي يقال تأوبك الله بالعافية وقرة العين وإذا وعدك الرجل عدة قلت عهد ولا برح أي ليكن ذلك ( قال ) ثوبها الله الجنة أي جعلها ثوابها قال أبو مهدي ووعدت بعض الأعراب شيأ فقال لها سبع الله خطاك ويقال نشر الله حجرتك اي كثر الله مالك وولدك والحجرة بفتح الحاء ههنا الناحية قال أبو محلم ويقال الظنون الوشل أو البئر التي تكون قليلة الماء وأنشد
( لعمرك إنني وطلاب حبى ** لكالمتبرض الثمد الظنونا )
( يطيف به ويعجبه ثراه ** وضيق مجمة قطع العيونا )
يعني عيون الماء والمتبرض الذي يأخذ البرض وهو القليل من الماء ومن كل شيء وأنشد للشمردل بن شريك اليربوعي يرثى أخاه
( وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ** فأنت على من مات بعدك شاغله )
( تبرض بعد الجهد من عبراتها ** بقية دمع شجوها لك باذله )
وأنشدنا الرجل من بني ضبة
( لقد علمت وإن قطعتني عذلا ** ماذا تفاوت بين البخل والجود )
( أن لا أكن ورقا تغنى العفاة به ** للمعتفين فإني لين العود )
قال أبو الحسن الأجود إن لا يكن ورق
وأخبرنا أبو الحسن علي بن سليمان النحوي قال أنشدنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري قال أنشدني إبراهيم بن اسحق المعمري التميمي قال أنشدني أبو البلاد التغلبي لحاتم طيء
( وعوراء جاءت من أخ فرددتها ** بسالمة العينين طالبة عذرا )
( ولو أنني إذا قالها قلت مثلها ** ولم أعف عنها أورثت بيننا غمرا )
( فأعرضت عنه وانتظرت به غدا ** لعل غدا يبدي لمنتظر أمرا )
( وقلت له عد للأخوة بيننا ** ولم أتخذ ما كان من جهله قمرا )
( لأنزع ضبا كامنا في فؤاده ** وأقلم أظفارا أطال بها الحفرا )
( قال ) وقال المعمري أخبرني أبو مسلمة الكلابي قال كان مجنون بني عامر في بعض مجالسه وكان يكثر الوحدة والتوحش فمر به أخوه وابن عمه قد قنصا ظبية فهي معهما فقال
( يا أخوي اللذين اليوم قد قنصا ** شبها لليلى بحبل ثم غلاها )
( إني أرى اليوم في أعطاف شاتكما ** مشابها أشبهت ليلى فحلاها )
فامتنعا بها فهم بهما وكان نجدا قبل ما أصيب فخافاه فدفعاها إليه فأرسلها فولت تفر ثم أقبلت تنظر إليه فقال
( أيا شبه ليلى لا تراعي فأنني ** لك اليوم من وحشية لصديق )
( تفر وقد أطلقتها من وثاقها ** فأنت لليلى ما حييت عتيق )
( فعيناك عيناها وجيدك جيدها ** ولكن عظم الساق منك دقيق )
وقال أبو العباس الرقم والرقمة الداهية وأنشد
( قالوا استقدها واعط الحكم واليها ** فإنها بعض ما تزبي لك الرقم )
تزبي تسوق وأنشد
( وأبى حجر أتته رقمة ** أنشبته في شبا ظفر وناب )
وعلقته خنفقيق وخنفقيقة وحبو كرى اسم للداهية وأم حبوكرى أيضا وحبوكرى هي الرملة التي يضل فيها ثم صارت اسما للداهية ( قال أبو علي ) وصل أصلال أي داهية قال أبو العباس وأنشد الأصمعي
( ويلمه صل أصلال إذا جعلوا ** يرون دون مضي القول مغلاقا )
( فات الرواة أبو البيداء مختلسا ** ولم يغادر له في الناس مطراقا )
مطراقا مثلا يقال هذا طراق هذا ومطراقه أي مثله ويقال وقع في أغوية وفي وامئة أي داهية وجاؤا بالوامئة الومآء والسبد والقرطيط وأنشد عن أبي عمرو
( سألناهم أن يرفدونا فأجبلوا ** وجاءت بقرطيط من الأمر زينب )
والأباجير والأزامع الواحدة أزمع وهي الدواهي
وقال عبيد الله ابن سمعان التغلبي
( وعدت ولم تنجز وقدما وعدتني ** فاخلفتني وتلك إحدى الأزامع )
والتماسي الدواهي وأنشد لمرداس
( أداورها كيما تلين وإنني ** لألقى على العلات منها التماسيا )
وقال ابن الأعرابي يقال جاء بذات الرعد والصليل أي جاء بداهية لا شيء بعدها وأنشد للكميت
( كأن أكف الناس إذا بنت عطفت ** عليها جثاة القبر ذات الرواعد )
أي كأنما حصلت في أيديهم ذات الرواعد أي الرعد قال الأصمعي يقال رماه بأقحاف رأسه إذا رماه بالأمور العظام وبثالثة الأثافي أي الداهية وهي القطعة من الجبل وأنشد
( فلما أن طغو وبغو علينا ** رميناهم بثالثة الأثافي )
ويقال جاء باذني عناق أي بالداهية وهي عناق الأرض ويقال قضتهم القاضة مثل البائقة والعناق الخيبة والأزلم والدآ ليل والفاقرة والعنقاء والخناسير واحدتها خنسيرة ( قال أبو علي ) وهي الدواهي والقنطر الداهية وأنشد أبو العباس
( وكنت إذا قوم رموني رميتهم ** بمسقطة الأحبال فقماء قنطر )
وأنشد لمعن بن أوس
( إذ الناس ناس والعباد بغرة ** وإذ نحن لم تدبب إلينا الشبادع )
أي لم نكن فيما نكره والشبادع العقارب الواحدة شبدع ويقال أمور دبس وربس ودلمسات بضم الدال وفتح اللام والدغاول والزبير والزفير والعراهية
قال أبو العباس الأزيب هو الدعي والأزيب في بيت الأعشى الدنيء والأزيب من الرياح الجنوب ويقال رجل عض وذمر وذمير وذمر بتشديد الراء كله الداهي والحبل الداهية من الرجال وأنشد ابن الأعرابي
( عجبت من الخود الكريم نجارها ** ترأرئ بالعينين للرجل الحبل )
( وللفت لفت في الثياب فأقعدت ** تذبذب في حبل البجابجة القصل )
الحبل الداهية واللفت العجوز التي لفتها الدهر عن حالها وصرفها ( قال ) ويقال خنثر وخناثير وأنشد
( أنا القلاخ بن جناب بن جلا ** أبو خناثير أقود الجملا )
ويقال جاء بالزعنفة وهي الداهية ورجل زعنفة وهو القصير القامة ودبلتهم الدبيلة وحقتهم الحاقة وأم الدهيم واللهيم الموت لأنه يلتهم كل شيء وأم الرقوب الداهية وأنشد
( إن كسرى عدا على الملك النعمان حتى سقاه أم الرقوب )
وقال اليزيدي أبو محمد سقاه أم البليل قال أبو الحسن هكذا حفظي والربيس الداهية وأنشد
( يكفيك عند الشدة الربيسا ** العض ذا المرانة الدحوسا )
ويروى الدحيسا ( قال أبو الحسن ) حفظي عن الأحول داهية ربس وربيس ( قال أبو العباس ) ويقال داهية هتر وذمر ونآد وهو يتكلم بالهتر ويهتك الستر وداهية حولة وحولاء وداهية مرمريس أي شديدة وقال جرير ابن الخطفى
( قرنت الظالمين بمرمريس ** يذل له العفارية المريد )
يريد شعرا هكذا وقع والعفارية القوي الشديد والمريد المتمرد ويقال قافية مرمريس من المراسة وهي الشدة ويقال للشيطان عفرية وأنشد
( كأنه كوكب في إثر عفرية ** مسوم في سواد الليل منقضب )
ويقال جاؤا بالعلق والفلق وجاؤا بعلق وفلق يجرى ولا يجرى وجاؤا بالفلق وأسرتها أي بالداهية وأخواتها وجاؤا بمطفئة الرضف أي أشد من الأولى ويقال داهية شنعاء متم وصلعاء متم أي بارزة بينة وجاؤا ببديدة والجمع بدائد أي كأنها تفرق من مرت به وجاؤا بالبهاليل والبآليل وجئتك بالداهية العبقس والوامئة الومآء ويقال وقع في هند الأحامس ويقال وقع في الترة والتيه والسمهى والسميهى أي الباطل ويقال وقع في دؤلول
أي في أمر عظيم ووقع في تيه من الأتاويه ووقع في السمة أي في الباطل وإنه لداه وده ودهي وإنه للتحة من اللتح وهو الذي يعتو في الشعر ويصيب في الرمى وأنشد
( وجدوى لتحة من اللتح ** ) ويقال جاء بالسختيت والسماق والبحت والصراح أي الكذب الذي لا يشوبه شيء من الحق ومنه سمي الرجل سماقا كأنه أريد به المبالغة في الكذب يقال كذب واخترق وسرج وتسرج بالجيم كله بمعنى ( قال أبو الحسن ) يقال خلق واختلق وخرق إذا كذب ويقال فرشه وولقه وإنه لولوق أي كذوب والسهوق الكذاب والتمسح والتمساح الكذاب ويقال كذوب ممزج أي يخلط حقا بباطل وأنشد
( لا تقبلي قول كذوب ممزج ** أطلس وغد في دريس منهج )
قال ومنهج من أنهج الثوب أيضا ويقال انه لضب تلعة لا يؤخذ مذنبا ولا يدرك حفر أي لا يؤخذ بذنبه ولا يلحق حفره ولبعد لبعد أغويته وهي الحفرة ويقال جاءنا بالكذب الفلقان والحبريت والسختيت ويقال عجب عاجب وعجيب وعجاب بمعنى معجب ( قال ) وحدثنا أبو الحسن وابن درستويه قالا حدثنا السكري قال حدثني المعمري قال سمعت أبا مسهر يحكى أن عمر بن أبي ربيعة وكثير عزة وجميل بن معمر ( قال أبو علي ) وقرأت أنا هذا الخبر أيضا على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قالوا اجتمع هؤلاء بباب عبد الملك ابن مروان فأذن لهم فدخلوا فقال أنشدوني أرق ما قلتم في الغواني فأنشده جميل ابن معمر
( حلفت يمينا يا بثينة صادقا ** فإن كنت فيها كاذبا فعميت )
( إذا كان جلد غير جلدك مسني ** وباشرني دون الشعار شريت )
( ولو أن راقي الموت يرقي جنازتي ** بمنطقها في الناطقين حييت )
وأنشد كثير عزة
( بأبي وأمي أنت من مظلومة ** طبن العدو لها فغير حالها )
( لو أن عزة خاصمت شمس الضحى ** في الحسن عند موفق لقضى لها )
( وسعى إلي بصرم عزة نسوة ** جعل المليك خدودهن نعالها )
وأنشد ابن أبي ربيعة المخزومي القرشي
( ألا ليت قبري يوم تقضى منيتي ** بتلك التي من بين عينيك والفم )
( وليت طهوري كان ريقك كله ** وليت حنوطي من مشاشك والدم )
( ألا ليت أم الفضل كانت قرينتي ** هنا أو هنا في جنة أو جهنم )
فقال عبد الملك لحاجبه أعط كل واحد منهم ألفين وأعط صاحب جهنم عشرة آلاف ( قال ) وقال المعمري سمعت إبراهيم بن عبد الرحمن بن يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله يقول كان يعقوب بن سليمان بن يعقوب بن إ براهيم بن طلحة بن عبيد الله شاعرا وكان يشبب بامرأة من قومه فخالجه منها شيء فأرسل إليها
( وقد كنت لي حسبا من الناس كلهم ** ترى بك نفسي مقنعا لو تملت )
( أرى عرض الدنيا وكل مصيبة ** يسيرا إذا عنك الحوادث زلت )
( فأبليتني ما لم أكن منك أهله ** وأشكعت نفسا لم تكن عنك ملت )
( فقلت كما قد قال قبلي كثير ** لعزة لما أعرضت وتولت )
( فقلت لها يا عز كل مصيبة ** إذا وطنت يوما لها النفس ذلت )
( فإن سأل الواشون فيم صرمتها ** فقل نفس حر سليت فتسلت )
قال أبو الحسن وابن درستويه قال المعمري لقيت أبا زيد الأشجعي وكان والله فصيحا فقلت له كيف ولدك قال بشر لا بارك الله فيه لقيته على فرس محملج اليدين بعيد ما بين الفهدتين أعنق حديد النظر صهال واسع المنخرين مقلص الشاكلة لا بارك الله فيه فقلت له
يا أبا زيد ألا تضرب على يده قال وهل لي به طوقة فقلت له تقول طوقة قال وأنت والله أيضا تقولها إلا أنك تستثبت ( قال ) وجئت أبا زيد وإذا شاة له مطروحة في حجر فقلت له ما هذه الشاة قال أخذها الذئب فقلت له فكيف لم تدفعه عنها قال أنه كان خلجا ملجا مسطوح الذراعين يعجبني والله أن أقول له هج ( قال ) وقال المعمري قال لي بعض من سألته من أهل البادية قلت لأعرابي أي شيء تحسن من القرآن قال إن معي ما لا أحتاج معه إلى أكثر منه مدحة الرب وهجاء أبي لهب
وقال المعمري أخبرني اسحق قال رأيت أبا العتاهية واقفا في طرف المقابر وهو ينشد
( ننافس في الدنيا ونحن نعيبها ** وقد حذرتناها لعمري خطوبها )
( وما نحسب الأيام تنقص مده ** بلى إنها فينا سريع دبيبها )
( كأني برهطي يحملون جنازتي ** إلى حفرة يحثى عليها كثيبها )
( فكم ثم من مسترجع متوجع ** ونائحة يعلو علي نحيبها )
( وباكية تبكي علي وإنني ** لفي غفلة عن صوتها ما أجيبها )
( أيا هاذم اللذات ما منك مهرب ** تحاذر نفسي منك ما سيصيبها )
( قال ) وكتب يحيى بن أحمد بن عبد الله بن يزيد بن أسد السلمى إلى طاهر بن عبد الله
( أنا بالعسكر وقف ** للتعازي والتهاني )
( ولتشييع فلان ** والتلقي لفلان )
( أو لبيع أو لرهن ** أو لدين بالضمان )
( قال التميمي ) وحدثني ركاض بن فروة المري القتالي قال كان في بني مرة فضل وفضيل أخوان لأب وأم ولا أعلم أني رأيت تبارهما لأحد قط ولا رايت أكمل منهما في رجال الناس
قط أجمل جمالا ولا أفرس فروسية ولا أسخى ولا أشجع فرمي في جنازة أحدهما فمات فخرجنا بجنازته وأخوه معنا يهادى حتى وقفنا على قبره فدليناه فيه وهو ينظر إليه قد احنونى وانعقف حتى صار كأنه سية فلما رضمنا عليه لبنة قال هذا البيت
( سأبكيك لا مستبقيا فيض عبرة ** ولا مبتغ بالصبر عاقبة الصبر )
ثم انكب لوجهه فحملناه إلى منزل أبيه فمات في الثاني أو الثالث
وأنشدنا أبو البلاد لحاتم الطائي
( ذريني ومالي إن مالك وافر ** وإن فعالي تحمدي غبة غدا )
( ألم تعلمي أني إذا الضيف أمني ** وعز القرى أقري السديف المسرهدا )
( سأحبس من مالي دلاصا وسابحا ** وأسمر خطيا وعضبا مهندا )
قال التميمي أخبرني عمر بن خالد العثماني قال قدمت علينا عجوز من بني منقر تسمى أم الهيثم فغابت عنا فسال عنها أبو عبيدة فقالوا أنها عليلة فقال هل لكم أن نعودها فجئنا فاستتأذنا فقالت لجوا فسلمنا عليها فإذا عليها أهدام وبجد وقد طرحتها عليها فقلنا يا أم الهيثم كيف تجدينك قالت كنت وحمى بالدكة فشهدت مأدبة فأكلت جبجبة من صفيف هلعة فاعترتني زلخة فقلنا يا أم الهيثم أي شيء تقولين فقالت أو للناس كلامان والله ما كلمتكم إلا بالعربي الفصيح
وقال التميمي حدثني الفحذمي قال قيل لأعرابي أن فلانا شتمك قال المطلي باللؤم وجها الزلق عن المجد رجلا قد ينبح الكلب القمر ( قال ) وحدثني أبو هفان عن إسحق قال سمعت يحيى بن جعفر البرمكي يقول لرجل اعتذر إليه يا هذا احتج عليك بغالب القضاء واعتذر إليك بصادق النية
وحدثني ابن حبيب عن ابن الكلبي قال حدثني رجل من طيء يقال له ابن زريق من بني لام عن أبيه قال كان منا رجل يقال له عرام بن المنذر بن زبيد بن قيس بن حارثة بن لام قد أدرك الجاهلية وأدرك عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فدخل على عمر ليزمن فقال له عمر مازمانتك فقال
( ووالله ما أدري أأدركت أمة ** على عهد ذي القرنين أم كنت أقدما )
( متى تنزعا عني القميص تبينا ** جناجن لم يكسين لحما ولا دما )
الجناجن عظام الصدر فقال عمرو يحكم دعوا هذا وزمنوه فإنه لا يدري متى ميلاده قال أبو هفان أنشدني اسحق لنفسه في خزيمة بن خازم وكان يدعي ولاءهم
( إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي ** ودافع ضيمي خازم وابن خازم )
( عطست بأنف شامخ وتناولت ** يداي الثريا قاعدا غير قائم )
( قال ) وأنشدنا أبو هفان عن اسحق لإمرأة
( قصارك مني النصح ما دمت حية ** وود كماء المزن غير مشوب )
( وآخر شيء أنت في كل مرقدي ** وأول شيء أنت عند هبوبي )
( قال ابن حبيب ) قرع باب ابن الرقاع الشاعر فخرجت بنية له صغيرة فقالت من ههنا قالوا نحن الشعراء قالت وما تريدون قالوا نهاجي أباك فقالت
( تجمعتم من كل أوب وبلدة ** على واحد لا زلتم قرن واحد )
فاستحيوا ورجعوا ( قال ) وحدثنا ابن حبيب عن هشام قال سأل معاوية رضي الله تعالى عنه النخار العذري عن قضاعة فقال كلب ساداتها وأوتادها والقين فرسانها وأسنتها وعذرة شعراؤها وفتيانها وجهينة خيرها نبأ في الإسلام ويقال نثا ( قال ) وقال إبراهيم بن اسحق التميمي كتب إلي أخي يعقوب بن اسحق يا أخي إن كنت تصدقت بما مضى من عمرك على الدنيا وهو الأكثر فتصدق بما بقى على الآخرة وهو الأقل وقال اسحق قيل لعقيبة المديني ألا تغزو وقد أقدرك الله عليه فقال والله إني لأبغض الموت على فراشي فكيف إليه أمضي ركضا وقال اسحق جاور ابن سيابة قوما فأزعجوه فقال لم تخرجونني من جواركم قالوا أنت مريب قال فمن أذل من مريب وأخس جوارا منكم
( قال ) وقال أبو سعيد قال حدثنا محمد بن عمران قال حدثني أبو اسحق ابراهيم المؤدب قال كتب الحجاج إلى
عبد الملك بن مروان يعظم أمر قطري بن الفجاءة المازني فكتب إليه عبد الملك أوصيك بما أوصى به البكري زيدا فقال الحجاج لحاجبه ناد في الناس من أخبر الأمير بما أوصى به البكري زيدا فله عشرة آلاف درهم فقال رجل للحاجب أنا أخبره فأدخله عليه فقال له ما قال البكري لزيد قال قال لإبن عمه زيد والشعر لموسى بن جابر الحنفي
( أقول لزيد لا تترتر فإنهم ** يرون المنايا دون قتلك أو قتلي )
( فإن وضعوا حربا فضعها وإن أبوا ** فشب وقود الحرب بالحطب الجزل )
( فإن عضت الحرب الضروس بنابها ** فعرضة نار الحرب مثلك أو مثلي )
فقال الحجاج صدق أمير المؤمنين عرضة نار الحرب مثلي أو مثله
( قال ) وقال أنشدنا أبو جعفر لملحان
( وأبيض مجتاب إذا الليل جنه ** رعى حذر النار النجوم الطوامعا )
( إذا استثقل الأقوام نوما رأيته ** حذار عقاب الله لله ضارعا )
المجتاب الذي يخترق الدور والظلمات ( قال أبو علي ) وأنشدنا أبو الحسن لأبي كريمة في صفة الخمر وهو بصري
( كأنها عرض في كف شاربها ** تخالها فارغا والكأس ملآن )
وأنشدنا لعمرو القضاعى وهو تميمي بصري يصف نوقا
( خوص نواج إذا صاح الحداة بها ** رأيت أرجلها قدام أيديها )
ولعبد الله بن عبد الرحمن أبي الأنوار المهلبي البصري
( قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم ** واستوثقوا من رتاج الباب والدار )
( لا يقبس الجار منهم فضل نارهم ** ولا تكف يد عن حرمة الجار )
وللممزق الحضرمي البصري
( إذا ولدت حليلة باهلي ** غلاما زيد في عدد اللئام )
( ولو كان الخليفة باهليا ** لقصر عن مساماة الكرام )
ولبعض اليشكريين البصريين
( كنا نداريها فقد مزقت ** واتسع الخرق على الراقع )
( كالثوب إذا أنهج فيه البلى ** أعيا على ذي الحيلة الصانع )
( قال أبو علي ) وقرأنا على أبي الحسن عن جعفر وذكر جعفر أنه سمع ذلك من أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وسمع ذلك مع أبيه أيضا من أبي محلم وقال أبو محلم أنشدني مكوزة وأبو محضة وجماعة من بني ربيعة من مالك بن زيد مناة لسيار بن هبيرة بن ربيعة ابن المنحوأ أحد بني ربيعة الجوع ابن مالك بن زيد مناة يعاتب خالدا وزيادا أخويه ويمدح أخاه منخلا
( تناس هوى عصماء إما نأيتها ** وكيف تناسيك الذي لست ناسيا )
( لعمري لئن عصماء شط مزارها ** لقد زودت زادا وإن قل باقيا )
( وما هي من عصماء إلا تحية ** تودعنيها إذ احم ارتحاليا )
( ليالي حلت بالقريين حلة ** وذي مرخ يا حبذا لك واديا )
( خليلي من دون الأخلاء لا تكن ** حبالكما أنشوطة من حباليا )
( ولا تشقيا قبل الممات بصحبتي ** ولا تلبساني لبس من عاش قاليا )
( فإن فراقي عبرة تخلفنكما ** وشيكا وإن صاحبتماني لياليا )
( أرى أخوى اليوم شجا كلاهما ** علي وهما أن يقولا الدواهيا )
( يؤذنني هذا ويمنع فضله ** وهذا كمعن أو أشد تقاضيا )
يؤذنني يحرمني وأنشد
( أذننا شرابث رأس الدير ** شيخا وصبيانا كنغران الطير )
( قال أبو محلم ) ومعن رجل كان كلاء بالبادية يبيع بالكالئ أي بالنسيئة وكان يضرب
به المثل في شدة التقاضي وفيه يقول القائل قال أبو الحسين أنشدناه المبرد للفرزدق
( لعمرك ما معن بتارك حقه ** ولا منسىء معن ولا متيسر )
والقريان وذو مرخ ببلاد بني حنظلة وهي مسايل الماء
( لقد كان في أيديكم ذو حواشة ** فآليت لا تعطيه إلا مفاديا )
( تحلل هداك الله ربي ألا ترى ** تخاذل اخواني وقلة ماليا )
( وعض زمان عض بالناس لم يدع ** شريدا من الأموال الأعناصيا )
( قال أبو علي ) عناصيا بقايا وعناصي الشعر بقاياه واحدتها غنصوة وذو حواشة ذو ذمة وقرابة ويقال تحوشت من فلان أي تذممت منه
( فألحق أقواما كراما فأصبحوا ** شريدين بالأمصار ملقى وعاريا )
( كفى حزنا عن لا تحن جمالكم ** إلي وقد شف الحنين جماليا )
( وعن لا أرى شوقا إلي يصوركم ** ولا حاجة من ترك بيتي خاليا )
( وإني لعف الفقر مشترك الغنى ** سريع إذا لم أرض داري احتماليا )
( كلانا غني عن أخيه حياته ** ونحن إذا متنا أشد تغانيا )
( أخالد فامنع فضل رفدك إنما ** أجاع وأعرى الله من كنت كاسيا )
( رأيتك تقفيني بكل عظيمة ** عرتك وتقفي باللبان سوائيا )
( قال أبو الحسن ) الصواب تقفوني بكل عظيمة قال أبو محلم تقفي تكرم وهي القفية
( قال أبو علي ) تقفو تكرم أيضا وهي القفية والصواب عندي ما قال أبو الحسن وعزتك نزلت بك
( وتؤثر من لو أنه مت لم يجد ** كوجدي ولا يبليك مثل بلائيا )
( وأهوننا إن مات فقدا عليكم ** وأهون دفعا عنك إن كنت جاتيا )
( ولو مت سالت بعض نفسي حسرة ** عليك وأمسى عنك في الحي لاهيا )
( إذا نحن داوانا المؤسون بالأسى ** شفوة ولا يشفي المؤسون ما بيا )
المؤسون ههنا المعزون يقول إذا عزونا سلا ذاك عنك ولا يشفى المؤسون وجدي عنك يقال أساه أي عزاه ويقال هلم نؤسي فلانا أي نعزيه والأسى السلو والصبر
( جزى الله رب الناس عني منخلا ** وإن بان عني خير ما كان جازيا )
( أخاك الذي إن زلت النعل لم يقل ** تعست ولكن عل نعلك عاليا )
عل يقول اعل أي رفعك الله
( وعوراء قد قيلت فلم أستمع لها ** ولا مثلها من مثل من قالها ليا )
( فاعرضت عنها أن أقول بقيلها ** جوابا وما أكثرت عنها سؤاليا )
( وإني لأستحي لنفسى أن أرى ** أفت ذئار النيب فوق بنانيا )
أفت الذئار يعني بعر الإبل على خلف الناقة إذا صرت
( وإني لأستحييك والخرق بيننا ** من الأرض أن تلفى أخا لي قاليا )
( وإني لأستحيي أخي أن أرى له ** علي من الحق الذي لا يرى ليا )
( ولكنني قد كنت مما أشدها ** بأنساع ميس ثم تعلوا الفيافيا )
( عليها فتى لا يجعل النوم همه ** دليل إذا ما الليل ألقى المراسيا )
وأنشد لحكيم بن معية أحد بني ربيعة الجوع يرثى أخاه عطية بن معية
( لو لم يفارقني عطية لم أهن ** ولم أعط أعدائي الذي كنت أمنع )
( شجاع إذا لاقى ورام إذا رمى ** وهاد إذا ما أدلمس الليل مصدع )
( سأبكيك حتى تنفد العين ماءها ** ويشفي مني الدمع ما أتوجع )
وأنشد ليزيد بن المنتشر من بني قشير وكان غاويا فأخذه ثور أخوه فحلق رأسه
( أقول لثور وهو يحلق لمتى ** بعقفاء مردود عليها نصابها )
( ترفق بها يا ثور ليس ثوابها ** بهذا ولكن عند ربي ثوابها )
( فراح بها ثور ترف كأنها ** سلاسل درع لينها وانسكابها )
( خدارية كالشرية الفرد جادها ** من الصيف أنواء رواء سحابها )
( فأصبح رأسي كالصخيرة أشرفت ** عليها عقاب ثم طارت عقابها )
( ألا ربما يا ثور قد غل وسطها ** أنامل رخصات حديث خضابها )
قوله خدارية أي سوداء والشرية شجرة الحنظل تشبه اللمم بها لحسنها لأنها غطشة جعدة وأنشد ليزيد بن الطثرية
( ألا طرقت ليلى فأحزن ذكرها ** وكم قد طرانا طيف ليلى فأحزنا )
( ومعترض فوق القتود تخاله ** متاعا معلى أو قتيلا مكفنا )
( جلوت الكرى عنه بذكرك بعدما ** دنا الليل والتج الظلام فأغدنا )
( ألا عل ليلى إن تشكيت عندها ** تباريح لوعات الهوى أن تلينا )
( على أنها خاست بعهدي وحاذرت ** عيون الأعادي والصبي الملحنا )
الملحن الذي يومئ إليك بماير يدولا يصرح به والطثر أن يغلي اللبن فيكثع في رأس اللبن ثخن يقال قد طثر اللبن إذا علا ذلك فوقه
قال أبو محلم لما كان يوم من أيام دير الجماجم حمل حاجب بن خشينة العبشمي أحد بني الخطاب بن الأعور بن عوف بن كعب بن عبد شمس في الخيل على أهل العراق مع الحجاج فأزال صفوفهم فقال الحجاج للفرزدق وهو عنده ألا ترى ما أكرم حملة ابن عمك فقال أيها الأمير أنه رجل جواد وقد سفر ماله فحمل حملة مفلس فقال له الحجاج فهل لك أن تحمل كما حمل وألحق عطاءك بعطائه فقال إني أخاف إذا حملت أن ينقطع أصل العطاء ( قال أبو محلم ) يقال سفر الرجل ماله أي مزقه وسفر الرجل شعره وجلمطه وجلطه وسحفه أي حلقه قال ثعلب كان ابن الأعرابي ينشد
( مولعات بهات هات وأن شفر مال طلبن منك الخلاعا )
فجعل المال هو الفاعل ولا ينكر أن يكون أبو محلم لم يسمع البيت فجعل الرجل فاعلا ( قال أبو الحسن ) حفظي بالسين غير المعجمة مخففا ومثقلا والشين منكرة فأما أن يكون ابن الأعرابي سها أو سها الحاكي عنه ( قال أبو علي ) سفر من سفرت البيت أي كنسته فكأنه لما مزق ماله كنسه وشفر بالشين يجوز على وجه بعيد كأنه أنفق ماله فبقى المال على شفير ويمكن أن تكون الشين بدلا من السين كما قالوا الحجاس والحجاش وأنشد لرجل من عكل يقال له السمهري بن أسد
( أقول لأدنى صاحبي نصيحة ** وللأسمر المغوار ما تريان )
الأسمر هنا رجل من طيء
( فقال الذي أبدى لي النصح منهما ** أرى الرأي أن تجتاز نحو عمان )
( فإن لا تكن في حاجب وبلاده ** نجاة فقد زلت بك القدمان )
( فتى من بني الخطاب يهتز للندى ** كما اهتز عضب الشفرتين يمان )
( هو السيف أن لا ينته لأن متنه ** وغرباه أن خاشنته خشنان )
حاجب هذا هو حاجب بن خشينة العبشمي ( قال أبو محلم ) كان تميم بن زيد القيني ( والقين ابن جسر من قضاعة ) عاملا للحجاج على السند وكان معه في البعث رجل من بكر بن وائل يقال له خنيس وكانت أمه رقوبا لم يكن لها ولد غيره فطال تجميرهم إياه ( قوله رقوبا الرقوب التي لا تلد ألا واحدا والتجمير أن يطول مقامه في البعث يقال جمر فلان أي حبس عن أهله ) فاشتاقت إليه أمه فدلت على قبر غالب بن صعصعة أبي الفرزدق فعاذت بقبره ( وقبره بكاظمة وهو موضع بين اليمامة والبصرة على البحر وفيه رباط ) فوجه الفرزدق إلى تميم رجلا وكتب معه
( تميم بن زيد لا تكونن حاجتي ** بظهرو لايعيا علي جوابها )
( قال أبو علي ) وأنا أقول ولا يعيى أجود
( فخل خنيسا واتخذ فيه منة ** لحوبة أم ما يسوغ شرابها )
( أتتني فعاذت يا تميم بغالب ** وبالحفرة السافي عليها ترابها )
فنظر تميم فلم يعلم اسم الرجل خنيس أم حبيش فقال هل كاتبه تراجعه فقال بعد قوله ولا يعيا علي جوابها ولكن خل كل من في الجيش من خنيس وحبيش فخلاهم فرجعوا إلى أهليهم وأنشدنا أيضا لعويف يمدح طلحة بن عبد الله بن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما
( فقدت حياة بعد طلحة حلوة ** إذا شعبته أن يجيب شعوب )
( يصم رجال حين يدعون للندى ** ويدعى ابن عوف للندى فيجيب )
( وذاك امرؤ من أي عطفيه يلتفت ** إلى المجد يحو المجد وهو قريب )
( قال أبو محلم ) أنشد جرير قول الأخطل
( وإني لقوام مقاوم لم يكن ** جرير ولا مولى جرير يقومها )
يعني الفرزدق فلما بلغ جريرا ذلك قال صدق يقوم عند است القس يأخذ القربان ( وقال أبو محلم ) قال أبو الخنساء العنبري للفرزدق قد كفاكه جرو هراش يعني جريرا لم يكله إلى هجائك فقال له الفرزدق قد علمت في طول عنقك أنك أحمق
وأنشد لمسعود بن وكيع أحد بني عبد شمس
( ليت شبابي عادلي الأولي ** وعيش عصر قد مضى أغرلي )
( هفهفة أظلاله مظلي ** إذ ذاك لم يقل ولم يملي )
( ومأد غيساني متمهلي ** أروح قد أرخى لي الطولى )
( قال أبو علي ) يقال عيش أغرل وأرغل أي تام لم ينقص منه شيء والإغرل من الرجال الأقلف ومتمهل تام والغيسان الشباب والنشاط ( قال أبو علي ) وقال غيره الغيسان أول الشباب ومأده تثنيه
( ولم يحرني الكبر الهدملى ** ويلتفع بالشمط المسحلي )
( ولم يبن غيداني المضلى ** كأنما بي من نحولي سلى )
( أو من نطاة خيبر بي ملي ** وما ترد ليت أو لعلي )
( قال أبو علي ) الهدمل الذي انتهى عمره والمسحلان جانبا الرأس ويلتفع يلتحف والغيدان الشباب والنشاط وخيبر محمة واليها تنسب الحمى وهي قريتان نطاة والشق ومل حر
( وليلة طخياء يرمعلي ** فيها على الساري سدا مخضلي )
( لها من اثناء الظلام جلي ** كأنما طعم سراها الخلي )
( أسأدتها إذا الضعاف كلوا ** وسئموا دلجتها وملوا )
( قال أبو علي ) طخياء مظلمة والسدا ما سقط من السماء من الندى وأثناء الظلام المتراكمة قد تثنى بعضها على بعض وأسأدتها سرف فيها
( وهابها الجثامة الهول ** إن جار هاديها ولم يندلي )
( أو ضل في الموماة لم أضل ** ماض على ما هولت مدل )
( كما تقضى اذ غدا الأجدل ** )
( قال أبو علي ) الجثامة الذي يجثم في مكانه والهول الذي يهوله الشيء والأجدل الصقر وتقضى انقض ( قال أبو محلم ) الندى ما كان من ندى الأرض والسدى ما كان من ندى السماء وقال حكيم بن معية الراجز
( قد اغتدي والطير ما يطير ** وللندى من السدى غدير )
( قال أبو محلم ) يقال في بعض أمثال العرب ( إن تحت طريقته عندأوة ) طريقته إطراقه وسكونه وعندأوة داهية
وأنشد أبو محلم للبردخت على بن خالد الضبي أحد بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة
( إذا كان الزمان زمان عكل ** وتيم فالسلام على الزمان )
( زمان صار فيه العز ذلا ** وصار الزج قدام السنان )
( قال أبو الحسن ) حفظي قادمة السنان
( لعل زماننا سيعود يوما ** كما عاد الزمان على بطان )
بطان بن بشر الضبي
( أبعد محمد وأبي حصين ** وبعد القرم عتاب الطعان )
( وبعد أبي سليمان إذا ما ** تروح للندى سبط البنان )
( ترجي الخير أو ترجو ثراء ** إذا شنجت بنائلها اليدان )
( فما ضربت ضرار فيك عرقا ** متى جرت الكوادن في الرهان )
محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة وأبو حصين زيد بن حصين الضبي أحد بني السيد وكان على أصبهان وعتاب بن ورقاء الرياحي وأبو سليمان خالد بن عتاب بن ورقاء وأنشد أبو محلم للمعلوط السعدي
( نعر الخليط نوى عليك شطونا ** وأراد يوم عنيزة ليبينا )
( غيران شمصه الوشاة فنفروا ** وحشا عليك عهدتهن سكونا )
( إن الظعائن يوم حزم عنيزة ** أبكين يوم فراقهن عيونا )
( غيضن من عبراتهن وقلن لي ** ماذا لقيت من الهوى ولقينا )
( أعصيت يوم لوى الغمير فإننا ** يوم المجيمر مثل ذاك عصينا )
( لولا الخليل يخاف لوم خليله ** لا تزمعن لنا الملامة حينا )
( أن الليالي يا لهن لياليا ** قرت بهن عيوننا ورضينا )
( كنا قبيل فنائهن بغبطة ** يا ليتهن بذي السلام بقينا )
( ما بال قولك قد غبنت ولم أكن ** عند المواطن في الأمور غبينا )
( أفلم تريني للكرام مكرما ** وبنى اللئام وللسوام مهينا )
( قال أبو محلم ) يقال رجل دلعوس ومجامج ودحامس وجلفزيز إذا كان عظيما ضخما وأنشد
( يا رب خال لك بالحزيز ** خب على لقمته جروز )
( مهتضم في ليلة الأزيز ** كل كثير اللحم جلفزيز )
( بين سميراء وبين توز ** )
( قال أبو علي ) كذا أملى علينا الأزيز بزايين وهو عندي الأريز براء وزاي وهو شدة البرد ومهتضم يأخذ الناقة فيسرقها ويصيرها في أهضام الوادي وهي ماخفى منه ( قال أبو علي ) قال أبو الحسن الأخفش قرأت على أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رحمه الله تعالى وذكر أبو جعفر أنه سمع ذلك مع أبيه من أبي محلم قال أبو محلم حدثني أبو نعيم الفضل ابن دكين عن زكرياء بن أبي زائدة عن الشعبي قال ربما حدثت أمير المؤمنين عبد الملك ابن مروان رحمه الله تعالى وقد هيأ اللقمة فيمسكها في يده مقبلا علي فأقول أحرها يا أمير المؤمنين فإن الحديث من ورائها فيقول الحديث أشهى إلي منها أحرها أي ازدردها ( قال ) وكان من كلامهم ما رأيت أحدا أطر ضرسا ولا أسرع إحارة للرغيف منه أطر أحد ( قال ) وأنشدنا أبو محلم الحريث بن سلمة بن مرارة بن محفض أحد بني خزاعي ابن مازن هذه الأبيات
( ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم ** أجابوا أن يركب إلى الحرب يركبوا )
( هم حلفوا عند الحليس ومدرك ** وعند بلال لا أسير ويشربوا )
قال هؤلاء سلاطين كلهم يقول أني إن سيرت أي حلئت عن الماء لم يشربوا هم
( وهم حفظوا غيبي كما كنت حافظا ** لهم غيب أخرى مثلها لو تغيبوا )
( بنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم ** وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا )
( وإني لأجلو عن فوارسي العمى ** إذا ضن بالنفس الجبان الموجب )
الموجب الذي يجب قلبه من الجبن
( أجودا ذا نفس البخيل تطلعت ** وأصبر نفسي والجماجم تضرب )
وأنشدنا أيضا لحريث بن سلمة
( إن تك درعى يوم صحراء كلية ** أصيبت فماذا كم علي بعار )
( ألم تك من أسلابكم قبل هذه ** على الوقبى يوما ويوم سفار )
يوم صحراء كلية وهي موضع وقعة كانت بينهم وبين بكر بن وائل والوقبى وكذلك سفار ماء لبني مازن
( فتلك سرابيل ابن داود بيننا ** عواري والأيام غير قصار )
( قال أبو علي ) السرابيل الدروع لداود فجعلها لسليمان
( وكائن أخذنا منكم من أخيذة ** من البيض شنباء اللثات نوار )
( ومن سيد ضخم كأن مجرة ** بحيث تلاقينا مجر حوار )
( وسابغة زغف ونهد مقلص ** وأدماء من سر الهجان حضار )
( ونحن طردنا الحي بكر بن وائل ** إلى سنة مثل السنان ونار )
( قال أبو علي ) سنة أراد أسكناهم السواد وهو بلد وباء
( وحمى وطاعون وموم وحصبة ** وذي لبد يغشى المهجهج ضار )
( وحكم عدو ولا هوادة عنده ** ومنزل ذل في الحياة وعار )
( فإن تميما لم تدع بطن تلعة ** لكم بين ذي قار وبين وبار )
( قال أبو علي ) وقع في الكتاب وبار بكسر الواو والصواب وبار بفتحها
( أزاحتكم عنها الرماح وفتية ** مساعير حرب كل يوم غوار )
( فأقعوا على أذنابكم وتنكبوا ** مهاداتنا في كل يوم فخار )
( وطاعنت جمع القوم حتى رأيتهم ** على قلص تعدوا بهم وبكار )
( فأضحوا بدرنى والوجوه كأنها ** وجوه كلاب يهترشن حرار )
( وكانت يمينا قبل ذاك جعلتها ** علي فقد أوقعتها بقرار )
( لألتمسن منكم كميا بضربة ** إذا ما أنا شاهدت يوم ذمار )
( فإن هي نالت نفسه لم أبالها ** وإن ينج منها فهي ذات حبار )
قوله أوقعتها بقرار رأي أوقعتها موقعها وقال أبو محلم يقال وقع هذا الأمر بقرة وبقر أي وقع موقعه وأنشد
( فتناهيت وقد صابت بقر ** )
( قال ) وأنشد للفرزدق
( هل تذكرين إذا الركاب مناخة ** برحالها لرواح أهل الموسم )
( إذ نحن نسترق الحديث وفوقنا ** مثل العجاج من الغبار الأقتم )
( وكذاك نخبر بالحواجب بيننا ** ما في النفوس ونحن لم نتكلم )
وأنشدنا أبو محلم لربيعة بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم وهو جاهلي يتفجع على قومه
( ألا إنما هذا الملال الذي ترى ** وإدبار جسمي ردي العبرات )
( وكم من كريم قد تجلدت بعده ** تقطع نفسي إثره حسرات )
( قال أبو محلم ) أنشدني يونس لرجل من قدماء الشعراء في الجاهلية
( إن يغدروا أو يكذبوا ** أو يختروا لا يحفلوا )
( يغدوا عليك مرجلين كأنهم لم يفعلوا ** )
( كأبي براقش كل لون ** لونه يتحول )
أبو براقش دويبة مثل العظاية تراها مرة خضراء ومرة حمراء ومرة صفراء في وقت واحد
( قال ) وأنشدني لسنان بن محرش السعدى
( وبت بالحصنين غير راض ** يمنع مني أرقي تغماضي )
( كأنما أغضي على مضاض ** من الحلوء صادق الإمضاض )
( في العين لا يذهب بالترحاض ** )
الحلوء شيء يكحل به الصبيان يجعل فيه زيت ويحك على شيء ويصير في خرقة والترحاض الغسل يقال رحضت الشيء إذا غسلته ( قال ) وأنشدنا أبو محلم للخطيم بن نويرة العكلى
( ألا يا لقومي للشباب الذي مضى ** حميدا وأخدان الصبا والكواعب )
( وللعصر الخالي وللعيش بهجة ** وللقلب إذ يهوى هوى ابنة ناشب )
( وجاراتها اللاتي كأن عيونها ** عيون المها يفقهننا بالحواجب )
قال أبو الحسن الأخفش معناه يقبضنها
( حديثا مسدى من نسيج ينرنه ** من الود قد يلحمنه بالمعاتب )
وأنشد لمدرك
( ومدد عينيه وبلت دموعه ** ضمار يطوجه قد تثنت غضونها ) ( قال أبو محلم ) الضماريط الغضون واحدها ضمروط والضمروط أيضا الغامض من الأرض قال جرير
( أن عرينا وبني سليط ** مخلفون كنف الضمروط )
عرين بن ثعلبة بن يربوع رهط واقد بن عبد الله صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان بدريا وأول من قتل في الإسلام رجلا من المشركين ( قال أبو محلم ) أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن واقدا قتل عمرو بن الحضرمي فقال صلى الله عليه وسلم واقد وقدت الحرب عليهم والحضرمي حضرت الحرب وتفاءل بذلك صلى الله عليه وسلم ( وقال أبو الحسن ) أنشدنا أبو محلم
( هجرتك اياما بذي الغمر إنني ** على هجر أيام بذي الغمر نادم )
( فلما انقضت أيام ذي الغمر وارتمى ** بنا الدهر لامتني عليك اللوائم )
( هجرتك أخشى أن تلامي وإنني ** كعازبة عن طفلها وهي رائم )
( وليس علينا أن تجود بك النوى ** سوانا ولا من عن تموت النمائم )
( ولكنما بي أن تجودي بنائل ** سواي وتبقى لي عليك الذمائم )
( قال ) وأنشدنا أبو محلم لرجل من بني العنبر وقيل أنها لبعض شعراء طيء
( إني وإن كان ابن عمي كاشحا ** لمزابن من دونه وورائه )
( ومعيره نصري وإن كان امرأ ** متزحزحا في أرضه وسمائه )
( وإذا تخرق في غناه وفرته ** وإذا تصعلك كنت من قرنائه )
( وإذا تجلفت الجوالف ماله ** عطفت صحيحتنا على جربائه )
( وإذا غدا يوما ليركب مركبا ** صعبا قعدت له على سيسائه )
سيساؤه متنه وظهره ويقال ما بين الكتفين وهو ملتقى العنق والظهر
( وإذا اكتسى ثوبا قشيبا لم أقل ** يا ليت أن علي فضل ردائه )
قال أبو العباس أنشدني ابن الأعرابي
( أأخي أخبرني ولست بصادقي ** وأخوك ينفعك الذي لا يكذب )
( أمن القضية أن إذا استغنيتم ** وأمنتم فأنا الغريب الأجنب )
( وإذا الشدائد بالشدائد مرة ** أشجينكم فأنا المحب الأقرب )
( وإذا تكون كريهة ادعى لها ** وإذا يحاس الحيس يدعى جندب )
( ولجندب سهل البلادد وعذبها ** ولي الملاح وجنبهن المجدب )
( عجبا لتلك قضية وإقامتي ** فيكم على تلك القضية أعجب )
( تلك الظلامة قد عرفت مكانها ** لا أم لي إن كان ذاك ولا أب )
( قال أبو محلم ) قال الحجاج لأعرابي كلمه فوجده فصيحا كيف تركت الناس وراءك فقال تركتهم أصلح الله الأمير حين تفرقوا في الغيطان وأخمدوا النيران وتشكت النساء وعرض الشاء ومات الكلب فقال الحجاج لجلسائه أخصبا نعت أم جدبا قالوا بل جدبا قال بل خصبا
قوله تفرقوا في الغيطان معناه أنها أعشبت فإبلهم وغنمهم ترعى وأخمدوا النيران معناه استغنوا باللبن عن أن يشتووا لحوم إبلهم وغنمهم ويأكلوها وتشكت النساء أعضادهن من كثرة ما يمخضن الألبان وعرض الشاء استن من كثرة العشب والمرعى ( قال أبو علي ) الصواب عرض الشاء وليس عرض بشيء ومات الكلب لم تمت أغنامهم وإبلهم فيأكل جيفها ومن أمثال العرب ( نعم كلب في بؤس أهله ) لأنه إنما ينعم في القحط ويموت في الخصب ( قال أبو علي ) حدثنا أبو الحسن أحمد بن جعفر جحظة البرمكي قال حدثنا حرمي قال قال لي أبو الحسن موسى بن هرون حدثني يعقوب بن بشر قال كنت مع اسحق بن إبراهيم الموصلي في نزهة لنا فمر بنا أعرابي فوجه اسحق خلفه بغلامه زياد الذي يقول فيه اسحق
( وقولا لساقيناز ياد أرقها ** فقد هر بعض القوم سقى زياد )
ومعنى هر كره قال الشاعر
( أحين بلغت من كبري أشدي ** وهر لقائي الأسد الهصور )
قال فوافانا الأعرابي فلما شرب وسمع حنين الدواليب قال
( باتت تحن وما بها وجدي ** وأحن من وجد إلى نجد )
( فدموعها تحيا الرياض بها ** ودموع عيني أحرقت خدي )
( وبساكني نجد كلفت وما ** يغني لهم كلفى ولا وجدي )
( لو قيس وجد العاشقين إلى ** وجدي لزاد عليه ما عندي )
قال فما مضى اسحق إلى منزله إلا محمولا سكرا ( قال ) وحدثني أبو الحسن قال حدثني
ميمون بن هرون قال لما قتل الفضل بن سهل دخل المأمون على أمه فوجدها تبكي فقال لها أنا ابنك مكانه فدعي البكاء فقالت ان ابنا ترك لي ابنا مثلك لجدير أن يبكى عليه وحدثنا أبو الحسن قال حدثني علي بن يحيى قال كان بنان يتعشق فضل الشاعرة وكانت تتعشقه فبلغه عنها ما يكره فتجنبها فصارت إلي مستعتبة له وسألتني أن أجمع بينهما لتحلف له ففعلت فلما حلفت له قبل وأقام عندي فلما دار النبيذ بينهما دعت بالدواة فكتبت
( يا فضل صبرا إنها ميتة ** يجرعها الكاذب والصادق )
( ظن بنان أنني خنته ** روحي إذا من بدني طالق )
( قال أبو علي ) قال لي أبو الحسن جحظة قالت حبشية بات عندي المتوكل ليلة وخرج من عندي نصف الليل فغلبتني عيني فرأيت قائلا يقول لي في النوم يا حبشية حملت الليلة بأشأم خلق الله فكان المنتصر فجلس يوما على البساط الذي بسط له على البركة المربعة بعد قتل أبيه فرأى على البساط صورة مكتوبة عند رأسها بالفارسية فدعا ببعض الفرس فقرأها فكانت هذه صورة بابك بن بابكان الذي قتل أباه فما عاش بعده إلا ستة أشهر وكذلك اتفق للمنتصر ( قال ) وأنشدنا أبو الحسن قال أنشدنا حماد عن أبيه
( جفانا أبو صالح بعدما ** أقام زمانا لنا وأصلا )
( يروح ويغدو بألواحه ** إلى الباب مسترشدا سائلا )
( فلما ترأس في نفسه ** وليس لذلك مستاهلا )
( تنبل عنا فلم يأتنا ** وما كنت أحسبه فاعلا )
( فعاد كحيران في جهله ** كما كان من قبله جاهلا )
قال فأجابه
( بخلت وأعقبت الجفاء وإنما ** يؤاخى من الفتيان كل فتى سمح )
( ولست بسمح لا ولا في أرومة ** ولكن مطبوعا على اللؤم والشح )
( قال ) وأنشدنا أبو الحسن قال أنشدنا أبو هفان لبعض المحدثين
( تعوذ إذا أصبحت من دولة الغنى ** أبا حسن وادعوا إلهك بالفقر )
( رأيناك ما استفنيت لا تحمل الغنى ** وتلبس جلبابا من التيه والكبر )
( وأنت إذا أعسرت خل موافق ** تبر وتلقى بالمودة والبشر )
( فليتك ما أعسرت فينا مخلد ** وليتك ما أيسرت في ظلمة القبر )
( قال أبو علي ) أنشدنا جحظة لنفسه
( فلا تيأس وإن صحت ** عزيمتهم على الدلج )
( فإن إلى غداة غد ** يجيء الله بالفرج )
( قال ) وغنى ثمره للمستعين بالله هذين البيتين
( وما أنس لا أنس ذاك الخضوع ** وفيض الدموع وغمز اليد )
( وخدي مضاف إلى خدها ** قياما إلى الصبح لم نرقد )
( قال ) وأنشدنا أبو العبر لنفسه
( وفي ساعدي ممن تعلقت عضة ** تذكرني ذاك الشنيب المفلجا )
( وآثار خدش في يدي مليحة ** أقام عليها القلب مني وعرجا )
( أما والذي أمسيت أرجو ثوابه ** لقد حل ما أخشاه وانقطع الرجا )
( قال ) وأنشدنا قال أنشدنا أبو العباس ثعلب
( دب المشيب إلى الشباب ** دبيب ذي ختل مسارق )
( إن المشيب طليعة ** للموت في كل الخلائق )
وأيضا
( زعموا أن حبها كان سحرا ** ظلموها وسورة الأنفال )
( ما رأت بابلا ولا تحسن السحر سليمى إلا بحسن الدلال ** )
قال وأنشدنا عبيد الله بن طاهر لنفسه
( يزيدني البعد شوقا إليك ** وطول صدودك حرصا عليك )
( ولو كنت أملك ما تملكين ** من الصبر ما طال شوقي إليك )
( قال ) وأنشدنا أبو هفان
( أمثلي يروع بالنائبات ** ويخشى بوائق صرف الزمن )
( أذاقني الله مر الهوان ** وأدخلني في حرامي إذن )
( قال ) وأنشدنا الناشي لنفسه
( وكان لنا أصدقاء حماة ** وأعداء سوء فلم يخلدوا )
( تساقوا جميعا كؤس الحمام ** فمات الصديق ومات العدو )
( قال ) وحدثني أبو الحسن قال سمعت ميمون بن هرون يقول قال حميد الطوسي كنت حاضرا دهليز المأمون فدعا بالناس لقبض أرزاقهم فكان أول من دخل اسحق الموصلي مع الوزراء ثم دعا بالقواد فكان أول من دخل اسحق الموصلي ثم دعا بالقضاة فكان أول من دخل إسحق ثم دعا بالفقهاء والمعدلين فكان أول من دخل هو ثم دعا بالشعراء فكان أول من دخل هو ثم دعا بالمغنين فكان أول من دخل هو ثم دعا بالرماة في الهدف فكان أول من دخل هو فعجبت من كثرة علمه وفنونه ( قال ) وحدثنا أبو الحسن قال أنشدني خالد الكاتب لنفسه
( كتبت إليك بماء الجفون ** وقلبي بماء الهوى مشرب )
( فكفي تخط وقلبي يمل ** وعيناي تمحو الذي أكتب )
( فليس يتم كتابي إليك ** لشوقي فمن ههنا أعجب )
( قال أبو علي ) حدثنا أبو بكر محمد بن مزيد أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو غزية الأنصاري ثم أحد بني مازن بن النجار قال حدثني مجمع بن يعقوب الأنصاري قال أدركت حسان بن الغدير شيخا كبيرا من أجمل الشيوخ وأحسنهم فحدثني قال سارت علينا سائرة من بني جشم بن بكر فرأيت فيهم فتاة ما رأيت في نساء العرب
مثلها حسنا فكنت أخطبها فلم يقدر لي تزويجها فضرب الدهر بيننا فإني بعد ذلك بأربعين سنة لفي بلادي إذا أهلوها قد ساروا وإذا بها عجوز تسأل عني فلما دفعت إلى ورأت كبري قالت أأنت ابن الغدير فقلت نعم قالت لقد أكل الدهر عليك وشرب قال فذلك قولي فيها وقد كبرت أيضا وتغيرت
( قالت أمامة يوم برقة واسط ** يا ابن الغدير لقد جعلت تنكر )
( أصبحت بعد شبابك الغض الذي ** ولت شبيبته وغصنك أخضر )
( شيخا دعامتك العصا ومشيعا ** لا تبتغي خبرا ولا تستخبر )
( فأجبتها أن من يعمر يعترف ** ما تزعمين وينب عنه المنظر )
( ولقد رأيت شبيه ما عيرتني ** يسري علي به الزمان ويبكر )
( وجعلت يغضبني اليسير وملني ** أهلي وكنت مكرما لا أكهر )
( وشربت في القعب الصغير وقادني ** نحو الجماعة من بني الأصغر )
( قال أبو علي ) أخبرنا أبو بكر محمد بن مزيد أبي الأزهر قال حدثنا الزبير قال أنشدني أبي لحكيم بن عكرمة
( تقول بثينة إذا أنكرت ** قنوأ من الشعر الأحمر )
( برأسي كبرت وأودى الشباب ** فقلت مجيبا لها اقصري )
( أما كنت أبصرتني مرة ** ليالي نحن بذي جوهر )
( ليالي أنتم لنا جيرة ** ألا تذكرين بلى فاذكري )
( وإذا أنا أغيد غض الشباب ** أجر الرداء مع المئزر )
أنشدنيه الزبير بطرح الواو وأصحاب العروض يسمونه المخزوم
( ولمى كجناح الغراب ** ترجل بالمسك والعنبر )
( فغير ذلك ما تعلمين ** تغير ذا الزمن المنكر )
( وأنت كلؤلؤة المرزبان ** بماء شبابك لم يعصر )
( وقد كان مضمارنا واحدا ** فإني كبرت ولم تكبري )
( قال أبو علي ) وحدثني أبو بكر بن أبي الازهر قال أخبرنا الزبير بن بكار في صفر سنة ست وأربعين ومائتين قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثنا سعيد بن سليم كان الحجاج بن يوسف ينشد قول مالك بن أسماء
( يا منزل الغيث بعدما قنطوا ** ويا ولي النعماء والمنن )
( يكون ما شئت أن يكون وما ** قدرت أن لا يكون لم يكن )
( لو شئت إذ كان حبها عرضا ** لم ترني وجهها ولم ترني )
( يا جارة الحي كنت لي سكنا ** إذ ليس بعض الجيران بالسكن )
( أذكر من جارتي ومجلسها ** طرائفا من حديثها الحسن )
( ومن حديث يزيدني مقة ** ما لحديث الموموق من ثمن )
ثم يقول أحسن فض الله فاه ( قال ) وحدثنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال حدثني محمد بن يزيد قال حدثني التوزي عن أبي عبيدة قال خرج ثلاثة نفر من بني مازن وهم أوفى بن مطر الخزاعي وجابر ومالك الرزاميان ليغيروا على بني أسد بن خزيمة فلقوا أعداءهم فقتل مالك وارتث أوفي جريحا فقال أوفى لجابر احملني قال إن بني أسد قريب وأنت ميت لا محالة وأن يقتل واحد خير من أن يقتل اثنان قال ويحك فازحف بي إلى عماية قال عماية أرض فضاء ولا يسترك منها شيء قال فانهض بي إلى قساس قال ما قساس إلا حرملة لبني أسد قال فما وان قال إنما ذلك تحت أقدامهم ونجا فأتى الحي فأخبرهم أن أوفى ومالكا قد قتلا وتحامل أوفى إلى بعض هذه المياة فتعالج به حتى برأ ثم أقبل فقال رجل من القوم وجابر فيهم لولا أن الموتى لم يئن بعثها لأنبأتكم أن هذا أو فى ( قال أبو عبيدة ) فانسل جابر من القوم فما يدرى أين وقع ولا ولده إلى الساعة استحياء من القوم من كذبته التي كذبها وخبر أوفى بما قال جابر ففي ذلك يقول
( الا أبلغا خلتي جابرا ** بأن خليلك لم يقتل )
( تخطأت النبل أحشاءه ** وأخر يومي فلم يعجل )
( تجاوزت ما وان عن ساعة ** وقلت قساس من الحرمل )
( وقلت عماية أرض فضاء ** فلأيا أؤب إلى معقل )
( فليتك لم تك من مازن ** وليتك في الرحم لم تحمل )
( وليت سنانك صنارة ** وليت رميحك من مغزل )
( وليت بحقويك ذا زرنب ** جميشا يركل بالفيشل )
قال أبو علي ) الزرنب لحم الفرج من خارج والكين لحمه من داخل ( قال أبو علي ) وأنشدنا قال أنشدنا أحمد بن يحيى لوزير بن عبد الرحمن الأسدي
( أيا كبدا ماذا ألاقي من الهوى ** إذا الرس في آل السراب بداليا )
( ضمنت الهوى للرس في مضمر الحشا ** ولم يضمن الرس الغداة الهوى ليا )
( أعد الليالي ليلة بعد ليلة ** للقيان لاه ما يعد اللياليا )
( قال أبو علي ) وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال أنشدني أحمد بن يحيى لنمير بن كهيل الأسدي
( ذكرتك والحجيج لهم ضجيج ** بمكة والقلوب لها وجيب )
( فقلت ونحن في بلد حرام ** به لله أخلصت القلوب )
( أتوب إليك يا رحمن مما ** عملت فقد تظاهرت الذنوب )
( وأما من هوى سعدى وحبي ** زيارتها فإني لا أتوب )
( وكيف وعندها قلبي رهين ** أتوب إليك منها أو أنيب )
( قال ) وأنشدنا أيضا قال أنشدني أحمد بن يحيى لبعض الأعراب
( تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضى ** ويصدع قلبي أن تهب هبوبها )
( قريبة عهد بالحبيب وإنما ** هوى كل نفس حيث كان حبيبها )
( قال ) وحدثنا أبو الحسن أحمد بن جعفر جحظة البرمكي قال من عجيب ما أنشدنا أبو العباس ثعلب
( وإني لمطوي الضلوع عن هوى ** هو المثل الأعلى بما يغلب المردى )
( ولو أن خلقا كان يكتم نفسه ** هواها لما أطلعت نفسي على وجدي )
( قال ) وحدثنا قال ومن عجيب الأخبار أن جعفر بن يحيى البرمكي سأل المنجمين متى يركب إلى داره التي بناها على الشط فأشاروا عليه بيوم فركب فيه فأخذه من الرعد والبرق والمطر ما لم ير مثله في سالف دهره فركب على كل حال فمر بسكران قد ارتطم وهو يقول
( ويعمل بالنجوم وليس يدري ** ورب النجم يفعل ما يشاء )
فقال ما خاطبني هذا السكران إلا بلسان غيره ورجع ( قال ) وأنشدنا جحظة قال أنشدني ابن العطوي عن أبيه أبي عبد الرحمن
( أحسن من غفلة الرقيب ** ولحظة الوعد من حبيب )
( والنقر والنغم من كعاب ** مصيبة القول والقضيب )
( ومن بنات الكروم راحت ** في راحتي شادن ربيب )
( كتب أديب إلى أديب ** طالت به مدة المغيب )
( فنمقت كفه سطورا ** تنمق الصفو في القلوب )
( يا بادئا بالكتاب فضلا ** والفضل من شيمة الأديب )
( نحن على الود أي شيء ** أقبح من غادر أريب )
( منحت ضيفي عبوس وجهي ** وسائلي شدة القطوب )
( وعشت في الناس مستهاما ** يا أطوع الناس للرقيب )
( إن كان ودي لأهل ودي ** قصر من باعه الرحيب )
( وأنت منهم فكن قريبا ** أو نائيا وافر النصيب )
( وأبل ما شئت صفو ودي ** تجده في ثوبه القشيب )
( قال ) وحدثنا جحظة قال حدثنا ميمون بن هرون بن مخلد بن أبان قال كان عندنا بالبصرة رجل يتعب دوابه وغلمانه في قضاء حوائح الناس بغير مرزية فسألته عن ذلك فقال يا أبا عثمان سمعت تغريد الاطيار بالأسحار في أعالي الأشجار وتمتعت بمخزونة الدنان على سماع القيان فما طربت طربى على ثناء رجل أحسن إليه رجل ( قال ) وأنشدني جحظة قال أنشدني حماد لأبي نواس
( إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ** له عن عدو في ثياب صديق )
فلما سمع هذا البيت أبو العتاهية قال لو نطقت الدنيا لما وصفت نفسها بفوق هذا الوصف ولما قال أبو نواس
( جريت مع الصبا طلق الجموح ** وهان علي مأثور القبيح )
( وإني عالم أن سوف تنأى ** مسافة بين جثماني وروحي )
قال أبو العتاهية لقد جمع في هذين البيتين خلاعة ومجونا واحسانا وعظة ( قال أبو علي ) حدثنا أحمد بن جعفر جحظة قال حدثنا حماد بن إسحق الموصلي قال حدثني أبي قال رأيت ثلاثة يذوبون إذا رأوا ثلاثة الهيثم بن عدي إذا رأى ابن الكلبي وعلوية إذا رأى مخارقا وأبا نواس إذا رأى أبا العتاهية ( قال أبو علي ) وحدثنا جحظة قال تحادثنا يوما في الطائي والبحتري أيهما أشعر فقال بعض من حضر مجلسنا هل يحسن الطائي أن يقول
( تسرع حتى قال من شهد الوغى ** لقاء عدو أم لقاء حبيب )
فقلت من الطائي سرقه حيث يقول
( حن إلى الموت حتى قال جاهله ** بأنه حن مشتاقا إلى وطن )
( قال ) وأنشدني أبو بكر بن أبي الأزهر قال أنشدني أحمد بن الحرث الخزاز صاحب المدائني لعبد الله بن عاصم
( إذا أنت لم تعمل بأمر تخافه ** عليك حسبت الماء أن ذقته دما )
( وسد عليك الخوف أمرك كله ** وصرت قعودا حيثما سيق يمما )
( قال ) وحدثنا قال حدثني الزبير قال كان الزبير إذا جاءه من ناحية ولد علي أذى وجاءه مثله من ناحية آل عمر قال لأن يظلمني والله آل علي أحب إلي وينشد
( فإن كنت مقتولا فكن أنت قاتلي ** فبعض منايا القوم أكرم من بعض )
( قال أبو علي ) وأنشدنا جحظة لنفسه
( أرى الأعياد تتركني وتمضي ** وأوشك أنها تبقى وأمضي )
( علامة ذاك شيب قد علاني ** وضعفي عند ابرامي ونقضي )
( وما كذب الذي قال قبلي ** إذا ما مر يوم مر بعضي )
( أرى الأيام قد ختمت كتابي ** وأحسبها ستعقبه بفضي )
( قال أبو علي ) وأنشدنا جحظة قال أنشدني أبو هفان قال كتبت إلى مؤاجر بالبصرة وكنت آلفه
( يا حسنا وجهه ومئزره ** ومن يروق العباد منظره )
( زرنا لتحيا بك النفوس فما ** يطيب عيش ولست تحضره )
قال فكتب إلي
( دعني من المدح والهجاء وما ** أصبحت تطويه لي وتنشره )
( لو ضرب الدرهم الصحيح على الفواد عندي لذاب أكثره )
( قال ) وحدثنا جحظة قال حدثني أبو بكر بن الأعرابي قال حدثني أبو علي
البصيران خشا خشا المديني نظر إليه يوم عيد الفطر وهو فوق تل يصيح صياحا شديدا فقيل له ما هذا قال أنعر في قفا شهر رمضان فغاب عني أبو علي البصير أياما ثم جاءني فأنشدني
( أقول لصاحبي وقد رأينا ** هلال الفطر من خلل الغمام )
( غدا نغدو إلى ما قد ظمئنا ** إليه من الملاهي والمدام )
( ونسكر سكرة شنعاء جهرا ** وننعر في قفا شهر الصيام )
قال جحظة ومن بديع ما أنشدناه خالد الكاتب لنفسه
( قد قلت لما أن بدا متبخترا ** والردف بجذب خصره من خلفه )
( يا من يسلم خصره من ردفه ** سلم فؤاد محبه من طرفه )
قال وأنشدنا جحظة قال أنشدنا دعبل لنفسه
( أذكر أبا جعفر حقا أمت به ** أني وإياك مشغوفان بالأدب )
( وأننا قد رضعنا الكأس درتها ** والكأس درتها حظ من النسب )
قال وحدثني جحظة قال حدثني أبو العيناء قال تعشقتني امرأة قبل أن تراني فلما رأتني استقبحتني فأنشدتها
( وفاتنة لما رأتني تنكرت ** وقالت دميم أحول ماله جسم )
( فإن تنكري مني احولالا فإنني ** أديب أريب لا عيي ولا فدم )
فقالت لي يا هذا لم أردك لتولية ديوان الزمام ( قال أبو علي ) وأنشدنا جحظة قال أنشدنا أبو العباس ثعلب
( أبت ظبية الإحرام أن تتنقبا ** فأبصرت وجها كان عني مغيبا )
( وعارضتها حتى رأتني أمامها ** فقلت لها أهلا وسهلا ومرحبا )
( ولست بناسيها غداة رأيتها ** وقد وقفت ترمي الجمار المحصبا )
( فيا حصيات كن في لمس كفها ** رزقتن ريا من نشا المسك أطيبا )
( قال ) وقال أنشدني ابن المنجم
( ومستطيل على الصهباء باكرها ** في فتية باصطباح الراح حذاق )
( فكل كف رآها ظنها قدحا ** وكل شخص رآه ظنه الساقي )
( قال أبو علي ) وحدثنا جحظة قال حدثني المرواني قال قال لي أبو سعيد المخزومي دخلت يوما على حميد الطوسي وإلى جنبه رجل ضرير فأنشدته البائية وجعل الضرير كلما ذكرت بيتا يقول أحسن الخبيث فأمر لي بخلعة وخمسة آلاف درهم فلما خرجت قام الي البوابون فقلت لا أهب لكم شيأ أو تقولوا لي من هذا الضرير فقالوا هذا علي بن جبلة العكوك فارفضضت والله عرقا ( قال جحظة ) وعلى بن جبلة الذي يقول في حميد الطوسي
( دجلة تسقي وأبو غانم ** يطعم من تسقي من الناس )
( والناس جسم وإمام الهدى ** رأس وأنت العين في الراس ) ( قال ) وحدثنا قال اعتل أبو هفان في منزل ابن أبي طاهر فابطؤا عليه يوما بالغداء فقال
( أنا في منزل خل ** مشفق بر رفيق )
( رجل أعمر من منزله ظهر الطريق ** )
( ليس لي أكل سوى لحمي وشرب غير ريقي ** )
( قال أبو علي ) قال أبو الحسن جحظة أنشدنا أبو هفان يفتخر وهو أجود ما قيل في الإفتخار
( فإن تسألي في الناس عنا فإننا ** حلي العلى والأرض ذات المناكب )
( وليس بنا عيب سوى أن جودنا ** أضر بنا والبأس من كل جانب )
( فأفنى الردى أعمارنا غير ظالم ** وأفنى الندى أموالنا غير عائب )
( أبونا أب لو كان للناس كلهم ** أبا واحدا أغناهم بالمناقب )
( قال ) وحدثني جحظة قال كتب إلي عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزيات وهو مقيم بالمطيرة وعنده جاريته شمول وكانت من المحسنات وكان الناس يقصدونها لسماعها
( شربنا بالمطيرة ألف يوم ** صبوحا قبل أن يبدو النهار )
( وأفنينا العقار بها جهارا ** فلم يصبح بحانتها عقار )
( وضج البائعون بها وقالوا ** أناس يشربون أم البحار )
( هم ناس ولكن أي ناس ** لصحبة مثلهم خلع العذار )
قال فصنعته هزجا فلما سمعه بدر يعني الأستاذ وصلني في دفعتين بأربعمائة دينار قال فكتبت إلى عبد الله بن محمد جواب شعره
( لي من تذكري المطيره ** عين مسهدة مطيره )
( سخنت لفقد مواطن ** كانت بها قدما قريره )
( أيام للأيام إحسان وأفعال نضيره ** )
( أيام نحوي حيث كنت لعاشق كف مشيره ** )
( في فتية لم يعرفوا ** لدوام نيلهم ذخيره )
فغلبت عليه ( قال أبو علي ) وانشدنا جحظة قال أنشدنا ثعلب لدعبل
( بانت سليمى وأمسى حبلها انقضبا ** وزودوك ولم يرثوا لك الوصبا )
( قالت سلامة أين المال قلت لها ** المال ويحك لاقى الحمد فاصطحبا )
( الحمد فرق مالي في الجفون فما ** أبقين ذما ولا أبقين لي نشبا )
( قالت سلامة دع هذي اللبون لنا ** لصبية مثل أفراخ القطا زغبا )
( قلت احبسيها ففيها متعة لهم ** إن لم ينخ طارق يبغي القرى سغبا )
( لما احتبى الضيف واعتلت حلوبتها ** بكى العيال وغنت قدرنا طربا )
( هذي سبيلي وهذا فاعلمي خلقي ** فارضي به أو فكوني بعض من غضبا )
( ما لا يفوت وما قد فات مطلبه ** فلن يفوتني الرزق الذي كتبا )
( أسعى لأطلبه والرزق يطلبني ** والرزق أكثر لي مني له طلبا )
( هل أنت واجد شيء لو عنيت به ** كالأجر والحمد مرتادا ومكتسبا )
( قوم جوادهم فرد وفارسهم ** فرد وشاعرهم فردا إذا نسبا )
( قال ) وأنشدني ثعلب
( الجهل بعد الأربعين قبيح ** فزع الفؤاد وإن ثناه جموح )
( وبع السفاهة بالوقار وبالنهى ** ثمن لعمرك أن عقلت ربيح )
( فلقد حدا بك حاديان إلى البلى ** ودعاك داع للرحيل فصيح )
قال ميمون بن إبراهيم أنشد المأمون هذه الأبيات فقال مالي وما لهذا المعنى من الشعر قال اليزيدي فقلت
( يسعى إليك بها غلام أهيف ** من جيبه ريا العبير تفوح )
( ميسان أما دله فمخنث ** غنج وأما وجهه فصبيح )
قال جحظة أنشدت هذه الأبيات عبيد الله بن عبد الله فقال والله لو سمعها دعبل لحسدك عليها وهي هذه
( مددت يدي يوما إلى فرخ باخل ** كما يفعل الخل الصديق المؤانس )
( فأومأ إلى غلمانه فتواثبوا ** إلي ووجه النذل إذ ذاك عابس )
( فهذا لبطني حين أسقط دائس ** وذاك لجنبي حين أنهض رافس )
( فأنشدت بيتا قاله ذو صرامة ** وقد ناوشته بالرماح الفوارس )
( ومن يطلب المال الممنع بالقنا ** يعش مثريا أو يود فيمن يمارس )
( قال أبو علي ) وحدثني جحظة قال حدثني الأمير عبيدة الله بن عبد الله قال حدثني
الزبير قال كنت أؤدب المعتز فهوي جارية لأمه قبيحة فصبر فنحل جسمه وحم فسألته عن خبره فأنشدني
( جزعت للحب والحمى صبرت لها ** إني لأعجب من صبري ومن جزعي )
وخبرني فيما بيني وبينه بعشقه للجارية قال فأخبرت قبيحة بالقصة فوهبتها له فعوفي قال جحظة فحدثني عبد الله بن المعتز أنها أمه ( قال ) وحدثني جحظة قال حدثني حماد ابن الموصلي قال قال أحمد بن عبيد لأبي يا أبا محمد لو ذهبت إلى اخوانك وتركت التيه فقال لا والله لا أدخل إلى واحد منهم إلا بخمسين ألف درهم وفرس وخلعة فوالله لقد دخلت على الفضل بن يحيى فأجلسني معه على مصلاة وخرج خادم فقال لقد رزق الله الأمير ولدا فقلت
( ويفرح بالمولود من آل برمك ** بغاة الندى والرمح والسيف والنصل )
( وتنبسط الآمال فيه لفضله ** ولا سيما إن كان من ولد الفضل )
فقال يا صالح ادفع لأبي محمد مائة ألف درهم فصنعت له لحنا فلما غنيته به أمر لي بمائة ألف درهم أخرى أفترى لي أن أغني بعد هؤلاء ( قال أبو علي ) وأنشدنا جحظة لنفسه
( أنا ابن أناس مول الناس جودهم ** فأضحوا حديثا بالنوال المشهر )
( فلم يخل من احسانهم لفظ مخبر ** ولم يخل من تقر يظهم بطن دفتر )
( قال ) وحدثني جحظة قال دخل رجل على عمر بن فرج فتنصل إليه من ذنب له فرضي عنه فلما خرج قال يا غلام خذ الشمعة بين يديه فقال دعني أمش في ضوء رضاك فاستحسن ذلك منه وأمر له بصلة حسنة ( قال أبو علي ) وحدثنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير قال كان الجزين سأله سليمان بن نوفل بن مساحق أن يرثى أباه نوفلا ففعل فلم يثبه شيأ قال الزبير أخبرني بذلك مصعب بن عثمان فقال الحزين
( فما كان من شأني وشأن ابن نوفل ** وشأن بكائي نوفل بن مساحق )
( بلى إنها كانت سوابق عبرة ** على نوفل من كاذب غير صادق )
( فهلا على قبر الوليد بكيتما ** وقبر سليمان الذي دون دابق )
( وقبر أبي حفص أخي وأخيكما ** بكيت بحزن في الجوائح لاصق )
قال الزبير يعني بالوليد وسليمان ابني عبد الملك وقال مصعب يريد بأبي حفص عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ويريد بقوله أخي وأخيكما يزيد بن عبد الملك ( قال الزبير ) قال لي يونس بن عبد الله بن سالم أراد بأبي حفص سهل بن عمرو بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل العامري ( قال أبو بكر ) قال الزبير قال الجزين لثابت بن سباع بن عبد العزى حليف بني زهرة
( كل قريش قد حباني بنعمة ** وأحسن إلا ثابت بن سباع )
( هجين لئيم لا يقوم ببيته ** وليس بذي فضل ولا بشجاع )
( قال ) وأنشدنا أحمد قال أنشدني محمد بن يزيد لأعرابي
( لا تعجبي يا سلم من نحولي ** ووضح أوفى على خصيلي )
( فإن نعت الفرس الرجيل ** يتم بالغرة والتحجيل ) ( قال ) وأنشدنا محمد بن يزيد لوضاح اليمن
( صبا قلبي ومال إليك ميلا ** وأرقني خيالك يا أثيلا )
( يمانية تلم بنا فتبدي ** رقيق محاسن وتكن غيلا )
الفيل الذراع الممتلئة لحما وأنشدنا قال أنشدني أحمد بن يحيى لأعرابي
( تبعت الهوى يا طيب حتى كأنني ** من اجلك مضروس الجرير قؤد )
( تعجرف دهرا ثم طاوع قلبه ** فصرفه الرواض حيث تريد )
( وإن ذياد الحب عنك وقد بدت ** لعيني آيات الهوى لشديد )
( وما كل ما في النفس يا طيب مظهر ** ولا كل مالا تستطيع تذود )
( وإني لأرجو الوصل منك كما رجا ** صدى الجوف من باد صداه صلود )
( وكيف طلابي وصل من لو سألته ** قذى العين لم يطلب وذاك زهيد )
( ومن لو رأى نفسي تسيل لقال لي ** أراك صحيحا والفؤاد جليد )
( فيا أيها الرئم المحلى لبانه ** بكرمين كرمي فضة وفريد )
( أجدك لا أمشي برمان خاليا ** وغضور إلا قيل أين تريد )
( قال ) وحدثني محمد بن يزيد قال من أمثال العرب ( أراك بشر ما أحار مشفر ) يريد إذا رأيت جسمه أغناك عن طعمه ومثله من أمثالهم ( الجواد عينه فراره ) يعني الفرس إذا رأيته كفاك أن تفره ( قال ) وقال أبو اسحق الأحول إنما هو فراره بضم الفاء ولم أسمعها أنا إلا بالكسر من محمد بن يزيد وأنشدني محمد بن يزيد أيضا لأعرابي
( سقيا لأيام ذهبن من الصبا ** وليل لنا بالأبرقين قصير )
( وتكذيب ليلى الكاشحين وسيرنا ** بنجد مطايانا لغير مسير )
( وإذ نلبس الحوك الرقيق وإذ لنا ** جمام ترى المكروه كل غيور )
( فلما علا الشيب الشباب وبشرت ** ذرى الحلم أعلى لمتي بقتير )
( وخفت انقلاب الدهر أن يصدع العصا ** وأن تغدر الأيام غير غدور )
( رجعت إلى الأولى وفكرت في التي ** إليها أو الأخرى يكون مصيري )
( وليس امرؤ لاق بلاء بيائس ** من الله أن ينتاشه بجدير )
( قال أبو علي ) قال أبو بكر محمد بن أبي الأزهر أنشدنا الرياشي لرجل من بني الحرث هذين البيتين
( منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى ** وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا )
( أماني من سعدى حسان كأنها ** سقتك بها سعدى على ظما بردا ) ( قال ) وأنشدنا أحمد بن يحيى لجران العود
( وجدت بشاشة لما التقينا ** لأقضي ما علي من النذور )
( فلست بعائد لما التقينا ** بروض بين محنية وقور )
( إذا قبلتها كرعت بفيها ** كروع العسجدية في الغدير )
( فيأخذني العناق وبردفيها ** بموت في عظامي أو فتور )
( فنحيا تارة ونموت أخرى ** ونخلط ما نموت بالنشور )
( وأقحل حين أدخل في حشاها ** قحول القد في عنق الأسير )
( قال ) وحدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال كان معاوية رحمه الله تعالى يقول أنا للآناة وعمرو للبديهة وزياد للصغار والكبار والمغيرة للأمر العظيم ( قال ) وأنشدنا أحمد ابن يحيى لأعرابي من بني عبد الله بن غطفان وأنشدنيه بندار بن لدة الكرخي لجميل بن معمر
( ومما شجاني أنها يوم أعرضت ** تولت وماء العين في الجفن حائر )
( فلما أعادت من بعيد بنظرة ** إلي التفاتا أسلمته المحاجر )
( يقولون لا تنظر وتلك بلية ** بلى كل ذي عينين لا بد ناظر )
( ألام إذا حنت قلوصي من الهوى ** ولا ذنب لي في أن تحن الأباعر )
( قال ) وأنشدنا بندار
( أيا حب ليلى عافني منك مرة ** وكيف تعافيني وأنت تزيد )
( ويا حب ليلى أعطني الحكم واحتكم ** علي فما يبغى علي شهود )
( قال ) وأنشدني أحمد بن يحيى لبعض الأعراب
( وفي الموت لي من لوعة الحب راحة ** ولكنني أخشى ندامتها بعدي )
( أقول لها بقيا عليها من الهوى ** وقاك إله الناس أن تجدي وجدي )
( قال ) وأنشدنا
( فحتى متى أهوى أما ينفد الهوى ** وحتى متى كفي على موضع القلب )
( فها أنا للعشاق يا عز قائد ** وبي تضرب الأمثال في الشرق والغرب )
( قال ) وأنشدنا للأقرع بن معاذ القشيري
( ألا أيها الواشي بليلى ألا ترى ** إلى من تشي أو من به جئت واشيا )
( لعمر الذي لم يرض حتى أطيعه ** بليلى إذا لا يصبح الدهر راضيا )
( إذا نحن رمنا هجرها ضم حبها ** صميم الحشا ضم الجناح الخوافيا )
( قال ) وأنشدنا أيضا لنافد بن عطارد العبشمي
( ويذكي الشوق حين أقول يخبو ** بكاء حمامة فيلج حينا )
( مطرقة الجناح إذا استقلت ** على فنن سمعت لها رنينا )
( يميل بها ويرفعها مرارا ** ويشغف صوتها قلبا حزينا )
( قال ) وأنشدنا أحمد بن يحيى ليزيد بن الطثرية وفي هذه القصيدة بيتان ذكر الرياشي أنهما لجميل بن معمر في قصيدته
( ألا يا صبا نجد لقد هجت من نجد ** فهيج لي مسراك وجدا على وجدي )
( ألا هل من البين المفرق من بد ** وهل لليال قد تسلفن من رد )
( وهل مثل أيامي بنعف سويقة ** رواجع أيام كما كن بالسعد )
( وهل أخواي اليوم إن قلت عرجا ** على الأثل من ودان والمشرب البرد )
( مقيمان حتى يقضيا لي لبانة ** فيستوجبا أجري ويستكملا حمدي )
( وإلا فروحا والسلام عليكما ** فما لكما غيى وما لكما رشدي )
( وما بيدي اليوم من حبلي الذي ** أنازع من إرخائه لا ولاشد )
( ولكن بكفى أم عمر و فليتها ** إذا وليت رهنا تلي الرهن بالقصد )
( ويا ليت شعري ما الذي تحدثن لي ** نوى غربة بعد المشقة والبعد )
( نوى أم عمرو حيث تغترب النوى ** بها ثم يخلو الكاشحون بها بعدي )
( أتصرم للأئي الذين هم العدى ** لتشمتهم بي أم تدوم على الود )
( وظني بها والله أن لن يضيرني ** وشاة لديها لا يضيرونها عندي )
( وقد زعموا أن المحب إذا دنا ** يمل وأن النأى يشفي من الوجد )
( بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ** على أن قرب الدار خير من البعد )
( هواي بهذا الغور غور تهامة ** وليس بهذا الجلس من مستوى نجد )
( فوالله رب البيت لا تجدينني ** تطلبت قطع الحبل منك على عمد )
( ولا أشتري أمرا يكون قطيعة ** لما بيننا حتى أغيب في لحدى )
( فمن حبها أحببت من ليس عنده ** يد بيد تجزى ولامنة عندي )
( ألا ربما أهدى لي الشوق والجوى ** على النأي منها ذكرة قلما تجدى )
( قال ) وحدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني يحيى بن سعيد القطان قال رواة الشعر أعقل من رواه الحديث لأن رواة الحديث يروون مصنوعا كثيرا ورواة الشعر ساعة ينشدون المصنوع ينتقدونه ويقولون هذا مصنوع ( قال ) وحدثني محمد بن يزيد قال كنت بسر من رأى أيام المتوكل وكانت الجيوش متكاثفة فما كان أحد من مرار الطريق يعدم حصاه تتلقاه من خذف حوافر الخيل فأنشدني بعضهم
( لا تقعدن بسامري على الطرق ** إن كنت يوما على عينيك ذا شفق )
( حوافر الخيل أقواس وأسهمها ** صم الحجارة والإغراض في الحدق )
ويروى ملس الحجارة ( قال ) وقال لنا الرياشي قال العتبي قال رجل من محارب يعزي بن عم له على ولده
( وإن أخاك الكاره الورد وارد ** وانك مرأى من أخيك ومسمع )
( وانك لا تدري بأية بلدة ** صداك ولا عن أي جنبيك تصرع )
( أتجزع أن نفس أتاهما حمامها ** فهلا التي عن بين جنبيك تدفع )
( قال ) وقال الرياشي أنشدني العتبي لرجل من بني دارم لإبن عم له يعاتب قريبه
( تطلع منه بغضة ما يحبنها ** إلي ودوني غمرة ما يخوضها )
( وجدت أباك شانئا فشنئتني ** شبيه بفرخي بيضة من يبيضها )
( قال ) وحدثنا حماد بن اسحق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني أبي اسحق قال رأيت في منامي كأن شيخا دخل علي وفي يده كبة شعر فجعل يدسها في في فقلت من أنت قال أنا جرير فقصصت الرؤيا على أبي فقال أن صدقت رؤياك نلت من الشعر حاجتك قال حماد قال أبي فرأيت رجلا أشبه الناس بذلك الشيخ فسألته عن نسبه فإذا هو عمارة ابن عقيل بن بلال بن جرير
وقرأت عليه قال حدثني أبي قال قيل لعقيل بن علفة وأراد سفرا أين غيرتك على من تخلف أهلك قال أخلف معهم الحافظين الجوع والعرى أجيعهن فلا يمرحن وأعريهن فلا يبرحن وأنشدنا حماد قال أنشدني أبي اسحق
( لا يمنعنك من بغاء ** الخير تعقاد التمائم )
( ولا التشاؤم بالعطاس ** ولا التقسم بالأزالم )
( ولقد غدوت وكنت لا ** أغدو على واق وحاتم )
( فإذا الأشائم كالأيامن ** والأيامن كالأشائم )
( وكذاك الأخير ولا ** شر على أحد بدائم )
( قد خط ذلك في الزبور ** الأوليات القدائم )
( قال ) وأنشدنا محمد بن يزيد لأعرابي
( إن الضيوف تحاموني وحق لهم ** ما منهم إبلي يوما ولا شائي )
( إذا الضريك عرانا بات ليلته ** ذون البيوت بلا خبز ولا ماء )
( قال ) وأنشدنا محمد بن يزيد
( وكل لذاذة ستمل إلا ** محادثة الرجال ذوي العقول )
( وقد كنا نعدهم قليلا ** فقد صاروا أقل من القليل )
( قال ) وقال المسمعي أنشدني دماذ والشعر لبشار بن برد
( شط بسلمى عاجل البين ** وجاورت أسد بني القين )
( وحنت النفس لها حنة ** كادت لها تنقد نصفين )
( يا ابنة من لا أشتهي ذكره ** أخشى عليك علق الشين )
( طالبها قلبي فراغت به ** وأمسكت قلبي مع الدين )
( فكنت كالهقل غدا يبتغي ** قرنا فلم يرجع بأذنين )
( قال أبو علي ) وحدثنا أبو بكر محمد بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن إبراهيم السعدي ثم الغويثى قال قال لأبنة الخس أبوها يوما أي شيء في بطنك أخبريني به وإلا ضربت رأسك فقالت أرأيتك أن أخبرتك بما في بطني أيكف ذاك عني عذابك اليوم قال نعم قالت أسفله طعام وأعلاه غلام فاسأل عما شئت قال أي المال خير قالت النخل الراسخات في الوحل المطعمات في المحل قال وأي شيء قالت الضأن قرية لا وباء بها ننتجها رخالا وتحلبها علالا وتجز لها جفالا ولا أرى مثلها مالا قال فالإبل مالك تؤخرينها قالت هي إذكار الرجال وأرقاء الدماء ومهور النساء قال فأي الرجال خير قالت
خير الرجال المرهقون كما ** خير تلاع الأرض أوطؤها )
قال أيهم قالت الذي يسئل ولا يسأل ويضيف ولا يضاف ويصلح ولا يصلح قال فأي
الرجال شر قالت الثطيط النطيط الذي معه سويط الذي يقول أدركوني من عبد بني فلان فإني قاتله أو هو قاتلي قال فاي النساء خير قالت التي في بطنها غلام تحمل على وركها غلاما يمشي وراءها غلام قال فاي الجمال خير قالت السبحل الربحل الراحلة الفحل قال أرأيتك الجذع قالت لا يضرب ولا يدع قال أرأيتك الثني قالت يضرب وضرابه وفي ( قال أبو علي ) الصواب أني أي بطئ قال أرأيتك السدس قالت ذاك العرس ( قال أبو عبد الله ) الثطيط الذي لا لحية له والنطيط الهذريان وهو الكثير الكلام يأتي بالخطا والصواب عن غير معرفة
والسبحل والربحل البجيل الكثير اللحم ( قال ) وقال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن الضحاك قال حدثني عبد العزيز بن محمد عن هشام ابن عروة عن أبيه أن كلاب بن أمية بن الأسكر خرج في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأمية يومئذ شيخ كبير وخرج معه أخ له آخر فانبعث أمية يقول
( يا أم هيثم ماذا قلت أبلاني ** ريب المنون وهذان الجديدان )
( إما ترى حجري قدرك جانبه ** فقد يسرك صلبا غير كذان )
( إما اتريني لا أمضي إلى سفر ** إلا معي واحد منكم أو اثنان )
( ولست أهدى بلادا كنت أسكنها ** قد كنت أهدي بها نفسي وصحباني )
( يا ابني أمية إني عنكما غانى ** وما الغنى غير أني مرعش فإني )
( يا ابني أمية أن لا تشهد كبرى ** فإن نأيكما والثكل مثلان )
( إذ يحمل الفرس الأحوى ثلاثتنا ** وإذ فراقكما والموت سيان )
( أصبحت هزؤا الراعي الضأن أعجبه ** ماذا يريبك مني راعي الضان )
( انعق بضأنك في نجم تحفره ** من الأباطح واحبسها بجمدان )
( أن ترع ضأنا فإني قد رعيتهم ** بيض الوجوه بني عمي وأخواني )
وقال أيضا
( لمن شيخان قد نشدا كلابا ** كتاب الله أن رقب الكتابا )
( ننفض مهده شفقا عليه ** ونجنبه أبا عرنا الصعابا )
( إذا هتفت حمامة بطن واد ** على بيضاتها دعوا كلابا )
( تركت أباك مرعشة يداه ** وأمك ما تسيغ لها شرابا )
( أناديه وولاني قفاه ** فلا وأبي كلاب ما أصابا )
( فإن مهاجرين تكنفاه ** ليترك شيخه خطئا وخابا )
( وإن أباك حيث علمتماه ** يطارد أينقا شسبا طرابا )
( إذا بلغ الرسيم فكان شدا ** يخر فخالط الذقن الترابا )
فلما أنشدها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص أن رحل كلاب بن أمية بن الأسكر فرحله فقدم على عمر بن الخطاب فأمر به فأدخل ثم أرسل إلى أمية فتحدث معه ساعة ثم قال يا أبا كلاب ما أحب الأشياء إليك اليوم قال ما أحب اليوم شيأ ما أفرح بخير ولا يسؤني شر فقال عمر رضي الله عنه بلى على ذلك قال بلى كلاب أحب أنه عندي فأشمه فأمر بكلاب فأخرج إليه فلما رآه الشيخ وثب إليه فجعل يشمه ويبكي وجعل عمر رضي الله تعالى عنه أيضا يبكي ( قال ) وأنشدنا أحمد بن يحيى لعبد الله بن حسن أو لبعض الهاشميين
( لا خير في الود ممن لا تزال له ** مستشعرا أبدا من خيفة وجلا )
( إذا تغيب لم تبرح تسيء به ** ظنا وتسأل عما قال أو فعلا )
( قال أبو علي ) وقرأت عليه قال حدثني أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي قال حدثني أبو عثمان المازني عن الأصمعي قال سرت في تطوافي في العرب بجبلى طيء فدفعت إلى قوم منهم يحتلبون اللبن ثم يصيحون الضيف الضيف فإن جاء من يضيفهم وإلا أراقوه فلا يذوقون منه شيأ دون الضيف إلا أن يجهدهم الجوع ثم دفعت إلى رجل من ولد حاتم بن
عبد الله فسألته القرى فقال القرى والله كثير ولكن لا سبيل إليه فقلت ما أحسب عندك شيأ فأمر بالجفان فأخرجت مكرمة بالثريد عليها وذر اللحم وإذا هو جاد في المنع فقلت والله ما أشبهت أباك حيث يقول
( وأبرز قدرى بالفناء قليلها ** يرى غير مضنون به وكثيرها )
فقال إلا أشبهه في هذا فقد أشبهته في قوله
( أماوي إما مانع فمبين ** وإما عطاء لا ينهنهه الزجر )
فأنا والله مانع مبين فرحلت عنه ودفعت إلى امرأة من ولد ابن هرمة فسألتها القرى فقالت إني والله مرملة مسنتة ما عندي شيء فقلت أما عندك جزور فقالت والله ولا شاة ولا دجاجة ولا بيضة فقلت أما ابن هرمة أبوك فقالت بلى والله إني لمن صميمهم قلت قاتل الله أباك ما كان أكذبه حيث يقول
( لا أمتع العوذ بالفصال ولا ** أبتاع إلا قريبة الأجل )
( إني إذا ما البخيل آمنها ** باتت ضموزا مني على وجل )
ووليت فنادت أربع أيها الراكب فعله والله ذلك أقله عندنا فقلت إلا تكوني أوسعتينا قرى فقد أوسعتينا جوابا يقال ضمور بالفتح للواحدة وضمور بالضم للجماعة وحدثنا قال قال الزبير حدثني ابن يحيى بن محمد قال حدثني عمي عن إبراهيم بن محمد قال نزلت بأبيات ابن هرمة بعد أن هلك فرأيت حالهم سيئة فقلت لبعض بنانه قد كان أبوكن حسن الحال فما ترك لكن شيأ قالت كيف وهو الذي يقول
( لا غنمى مد في البقاء لها ** إلا دراك القرى ولا إبلي )
ذاك أفناها ذاك أفناها ( قال ) وأنشدني محمد بن يزيد لعبد الصمد بن المعذل
( هي النفس تجزي الود بالود أهله ** وأن سمتها الهجران فالهجر دينها )
( إذا ماقرين بت منها حباله ** فأهون مفقود عليها قرينها )
( لبئس معار الود من لا يربه ** ومستودع الأسرار من لا يصونها )
( قال ) وحدثنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال حدثنا أبو العباس قال حدثني ابن عائشة في إسناد ذكره قال قال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه من أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم وقال معاوية رحمه الله تعالى الرجل بلا أخوان كيمين بغير شمال ( قال ) وأنشدنا أبو العباس
( وكنت إذا الصديق أراد غيظي ** وأشرقني على حنق بريقي )
( غفرت ذنوبه وصفحت عنه ** مخافة أن أعيش بلا صديق )
( قال ) وأخبرنا ابن أبي الأزهر قال أخبرنا أبو عبد الله قال دعا مالك بن أسماء بن خارجة جارية له لتخضبه فقالت كم أرقع خلقك فقال
( عيرتني خلقا أبليت جدته ** وهل رأيت جديدا لم يعد خلقا )
( قال ) وأنشدنا محمد بن يزيد لدعبل بن علي الخزاعي )
( نعوني ولما ينعني غير شامت ** وغير عدو وقد أصيبت مقاتله )
( يقولون إن ذاق الردى مات شعره ** وهيهات عمر الشعر طالت طوائله )
( سأقضي ببيت يحمد الناس أمره ** ويكثر من أهل الرواية حامله )
( يموت ردئ الشعر من قبل أهله ** وجيده يبقى وإن مات قائله )
( قال أبو العباس ) وأخذ هذا المعنى أيضا من نفسه فقال في قصيدة أولها هذه الأبيات
( إذا غزونا فمغزانا بأنقرة ** وأهل سلمى بسيف البحر من جرت )
( هيهات هيهات بين المنزلين لقد ** أنضيت شوقي وقد طولت ملتفتى )
( أحببت أهلي ولم أظلم بحبهم ** قالوا تعصب جهلا قول ذي بهت )
( لهم لساني بتقريظي وممتدحي ** نعم وقلبي وما تحويه مقدرتي )
( دعني أصل رحمي إن كنت قاطعها ** لا بد للرحم الدنيا من الصلة )
( فاحفظ عشيرتك الأدنين إن لهم ** حقا يفرق بين الزوج والمرت )
( قومي بنو حمير والأزد اخوتهم ** وآل كندة والأحياء من علت )
( ثبت الحلوم فإن سلت حفائظهم ** سلوا السيوف فأردوا كل ذي عنت )
( نفسي تنافسني في كل مكرمة ** إلى المعالي ولو خالفتها أبت )
( وكم زحمت طريق الموت معترضا ** بالسيف ضيقا فأداني إلى السعت )
( قال العواذل أودى المال قلت لهم ** ما بين أجر وفخر لي ومحمدت )
( أفسدت مالك قلت المال يفسدني ** إذا بخلت به والجود مصلحتي )
( لا تعرضن بمزح لامرئ طبن ** ما راضه قلبه أجراه في الشفت )
( فرب قافية بالمزح قاتلة ** مشؤمة لم يرد إنماؤها نمت )
( رد السلى مستتما بعد قطعته ** كرد قافية من بعد ما مضت )
( إني إذا قلت بيتا مات قائله ** ومن يقال له والبيت لم يمت )
( قال ) وقال أنشدني الرياشي لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل
( غدر ابن جرموز بفارس بهمة ** يوم اللقاء وكان غير معرد )
( يا عمر ولو نبهته لوجدته ** لا طائشا رعش الجنان ولا اليد )
( ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما ** وجبت عليك عقوبة المتعمد )
( قال ) وقال حدثني الرياشي قال حدثنا الأصمعي عن ابن عون قال رأيت قاتل الزبير وقد حمل عليه الزبير فقال له أنشدك الله قال ثم حمل عليه الزبير فقال أنشدك الله ثلاثا فلما انصرف عنه حمل على الزبير فقال الزبير قاتله الله يذكر بالله وينساه ( قال ) وقال حدثني الرياشي عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد قال أنشد ابن عمر قول حسان بن بن ثابت الأنصاري
( يأبى لي السيف واللسان وقوم ** لم يضاموا كلبدة الأسد )
فقال ابن عمر أفلا قال يأبى لي الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ( قال ) وقال أنشدنا الرياشي قال أنشدني مؤرج لنفسه
( فزعت بالبين حتى ما يفزعني ** وبالمصائب في أهلي وجيراني )
( لم يترك الدهر لي علقا أضن به ** إلا اصطفاه بموت أو بهجران )
قال ثم قتل أمير المؤمنين الزبير فقمت فما التقينا ( قال ) وأخبرنا الزبير قال حدثني أخي هرون عن عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي عن أبيه عن وهب بن مسلم عن أبيه قال دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مع نوفل بن مساحق فمررنا بسعيد بن المسيب فسلمنا عليه فرد ثم قال يا أبا سعيد من أشعر أصاحبنا أم صاحبكم يريد عمر بن أبي ربيعة وابن قيس الرقيات فقال له ابن مساحق حين يقولان ماذا قال حين يقول صاحبنا
( خليلي ما بال المطايا كأننا ** نراها على الأدبار بالقوم تنكص )
( وقد أتعب الحادي سراهن وانتحى ** بهن فما يألو عجول مقلص )
( يزدن بنا قربا فيزداد شوقنا ** إذا زاد قرب الدار والبعد ينقص )
( وقد قطعت أعناقهن صبابة ** فأنفسها مما تكلف شخص )
ويقول صاحبكم ما شاء فقال له نوفل صاحبكم أشعر بالغزل وصاحبنا أكثر فانين شعر فلما انقضى ما بينهما استغفر الله سعيد مائة مرة يعد بالخمس ( قال أبو علي ) أنشدني أبو بكر محمد بن أبي الأزهر قال أنشدني أحمد بن اسحق أبو المدور قال أنشدني ابن الأعرابي واسمه محمد بن زياد
( ولئن سألت بني سليم أينا ** أدنى لكل أرومة وفعال )
( لينبئنك رهط معن أنهم ** بالعلم للأتقون من سمال )
( أن السماء لنا عليك نجومها ** والشمس مشرقة وكل هلال )
( تبكي المراغة بالرغام على ابنها ** والنائحات يهجن بالإعوال )
( سوقي النواهق مات من يبكينه ** وتعرضي لمصعد القفال ) ( قال محمد ) رأيته في شعر الفرزدق مصاعد ورأيت في شرح البيت النواهق والناهقات ذكر أن الحمير يقول مات من يبكيه إلا الحمير
( وسرت مدامعها تنوح على ابنها ** بالرمل قاعدة على جلال )
( قال محمد ) ولم يأت هذا البيت في القصيدة
( قالوا لها احتسبي جريرا أنه ** أودى الهزبر به أبو الأشبال )
( ألقى عليه يديه ذو قومية ** ورد فدق مجامع الأوصال )
( قد كنت لو نفع النذير نهيته ** أن لا يكون فريسة الرئبال )
( إني رأيتك إذ أبقت فلم تئل ** خيرت نفسك من ثلاث خلال )
( بين الرجوع إلي وهي بغيضة ** في فيك مدنية في الآجال )
( أو بين حي أبى نعامة هاربا ** أو باللحاق بطيىء الأجبال )
يريد بحي أبي نعامة إذ هو حي يقال فعلت ذلك في حي فلان أي وفلان حي وأبو نعامة قطري بن الفجاءة من بني مازن
( فاسأل فإنك من كليب واتبع ** بالعسكرين بقية الأطلال )
( واسأل بقومك يا جرير ودارم ** من ضم بطن منى من النزال )
النزال ههنا الحجاج قال عامر بن الطفيل
( أنازلة أسماء أم غير نازلة ** أبيني لنا يا أسم ما أنت فاعلة )
( تجد المكارم والعديد كليهما ** في مالك ورغائب الآكال )
( قال ) وقال وأنشدني أبو علي أحمد بن اسحق
( وأبيض يغشى المعتفون فناءه ** له حسب زاك ومجد مؤثل )
( ولا تكره الجارات أن يعتفينه ** إذا قام بالعبد الأسير المرجل )
( قال ) الأسير المرجل الزق يريد أن يشتري زقا بعبد
قال ابن الأعرابي في قول
الله عز وجل { وأنتم سامدون } قال السامد المنتصب هما وحزنا وأنشد للكميت ابن معروف الأسدي
( رمى المقدار نسوة آل حرب ** بمقدار سمدن له سمودا )
( فرد شعورهن السود بيضا ** ورد خدودهن البيض سودا )
( فإنك لو شهدت بكاء هند ** ورملة إذ تصكان الخدودا )
( بكيت بكاء معولة حزين ** أصاب الدهر واحدها الفقيدا )
( قال أبو علي ) قال أبو بكر وأنشدني محمد بن يزيد
( إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا ** وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع )
( قال ) وأنشدني مسعود بن بشر لقريف الكلبي
( إني امرؤ نبه وإن عشيرتي ** كرم وأن سماءهم تستمطر )
( حدبوا علي كما حدبت عليهم ** فلئن فخرت بهم لنعم المفخر )
( قال ) قال وأنشدني محمد بن يزيد قال أنشدني دعبل لرجل من أهل الكوفة في امرأته وقد تزوجت غيره
( إذا ما نكحت فلا بالرفاء ** وإما ابتنيت فلا بالبنينا )
( تزوجت أصلع في غربة ** تجن الحليلة منه جنونا )
( إذا ما نقلت إلى بيته ** أعد لجنبيك سوطا متينا )
( يشمك أخبث أعراضه ** إذا ما دنوت لتستنشقينا )
( كأن المساويك في شدقه ** إذا هن أكرهن يقلعن طينا )