كتاب : الأذكياء
المؤلف : ابن الجوزي
وقال بعضهم خرجت في الليل لحاجة فإذا أعمى على عاتقه جرة وفي يده
سراج فلم يزل يمشي حتى أتى النهر وملأ جرته وانصرف راجعاً فقلت يا هذا أنت
أعمى والليل والنهار عندك سواء فقال يا فضولي حملتها معي لأعمى القلب مثلك
يستضيء بها فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرتي. روى أبو الحسن
الأصفهاني أن إبراهيم الموصلي دخل على الرشيد وبين يديه جارية كأنها خوط
بان فقال لها الرشيد غني فغنت:
توهمه قلبي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر
ومر بوهمي خاطراً فجرحته ... ولم أر جسماً قط يجرحه الفكر
قال إبراهيم فذهبت والله بعقلي حتى كدت أفتضح فقلت من هذه يا أمير
المؤمنين قال هذه التي يقول فيها الشاعر:
لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين وروح
ثم قال غني يا إبراهيم فغنيت:
تشرب قلبي حبها ومشى بها ... تمشي حميا الكأس في جسم شارب
ودب هواها في عظامي فشفها ... كما دب في الملسوع سم العقارب
قال ففطن بتعريضي وكانت غلطة مني فأمرني بالانصراف ولم يدعني شهراً ثم دس
إلي خادماً ومعه رقعة فيها مكتوب:
قد تخوفت أن أموت من الوجد ... ولم يدر من هويت بحالي
يا كتابي اقرأ السلام على من ... لا أسمى وقل له يا كتابي
إن كفا إليك قد كتبتني ... في شقاء مواصل وعذاب
فأتاني الخادم بالرقعة فقلت له ما هذا قال رقعة من فلانة الجارية التي
غنتك بين يدي أمير المؤمنين فأحسست بالقصة فشمت الخادم وقمت إليه فضربته
ضرباً شفيت منه نفسي وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته بالقصة وأعطيته
الرقعة فضحك حتى كاد أن يستلقي وقال علي عمد فعلت ذاك لامتحنك وأعرف مذهبك
وطريقتك ثم دعا لي الخادم فخرج فلما رآني قال قطع الله يديك ورجليك ويلك
قتلتني فقلت القتل بعض حفك لما وردت به علي ولكني أبقيت عليك وأخبرت أمير
المؤمنين ليأتي في عقوبتك ما تستحقه فأمر لي الرشيد بصلة سنية والله يعلم
أني ما فعلت ما فعلته عفافاً بل خوفاً. وقعت على ابن المهلب حية فلم
يدفعها عن نفسه فقال له أبوه يا بني ضيعت العقل من حيث حفظت الشجاعة.
الباب الرابع والعشرون
في ذكر طرف من أحوال الشعراء والمداحين
قال يموت بن المزرع جلس الجماز يأكل على مائدة بين يدي جعفر بن القاسم وجعفر يأكل على مائدة أخرى وكانت الصفحة ترفع من بين يدي جعفر فتوضع بين يدي الجماز فربما كان عليها قليل وربما لم يكن شيء فقال الجماز أصلح الله الأمير ما نحن اليوم إلا عصبة فربما فضل لنا بعض المال وربما أخذه أهل السهام ولا يبقى لنا شيء. قال أبو الحسن السلامي الشاعر مدح الخالديان سيف الدولة بن حمدان بقصيدة أولها:تصدو دارها صدد ... وتوعده ولا تعد
وقد قتلته ظالمة ... فلا عقل ولا أقود
وقالا فيها في مدحه
فوجه كله قمر ... وسائر جسمه أسد
فلما أنشده إياها عجب بها سيف الدولة واستحسن هذا البيت منها وجعل يردد إنشاده فدخل عليه الشيميطي الشاعر فقال له اسمع هذا البيت وأنشده إياه فقال له الشيميطي أحمد ربك فقد جعلك من عجائب البحر. قال المصنف الخالديان رجلان وهما أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد ابنا هاشم كانا أخوين واتفقا في حسين الطبع ورقة الشعر وكثرة الأدب وكانا يشتركان في الشعر وينفردان فقال فيهما أبو اسحق الصابي:
أرى الشاعرين الخالدين سيرا ... قصائد يفنى الدهر وهي تخلد
تنازع قوم فيهما وتناقضوا ... ومر جدال بينهم يتردد
فطائفة قالت سعيد مقدم ... وطائفة قالت لهم بل محمد
وصاروا إلى حكمي فأصلحت بينهم ... وما قلت إلا بأنني هي أرشد
هما في اجتماع الفضل روح مؤلف ... ومعناها من حيث ثنيت مفرد
خرج طاهر بن الحسن لقتال عيسى بن هامان فخرج وفي كمه دراهم يفرقها على الفقراء ثم سها وأسبل كمه فتبددت فتطير فقال له شاعر في ذلك:
هذا تفرق جمعهم لا غيره ... وذهابه منا ذهاب الهم
شيء يكون الهم نصف حروفه ... لا خير في إمساكه في الكم
أحضر عبد الملك رجلاً يرى رأى الخوارج فأمر بقتله فقال الست
القائل:
ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
فقال إنما قلت ومنا أمير المؤمنين أردت يا أمير المؤمنين فحقن دمه ودرأ عن
نفسه إذ صرف الأعراب عن الخبر إلى الخطاب. هجا بعض الشعراء أبا عثمان
المازني فقال:
وفتى من مازن ساد أهل البصرة ... أمه معرفة وأبوه نكرة
ودخل عبد الملك بن صالح دار الرشيد فلقيه إسماعيل بن صبيح الحاجب فقال
اعلم أنه ولد لأمير المؤمنين ابنان فعاش أحدهما ومات الآخر فيجب أن تخاطبه
بحسب ما عرفتك فلما صار بين يديه قال سرك الله يا أمير المؤمنين فيما ساءك
ولا ساءك فيما سرك وجعلها واحدة بواحدة تستوجب من الله زيادة الشاكرين
وجزاء الصابرين. قال دخل جعفر الضبي على الفضل بن سهل فقال أيها الأمير
أسكتني عن أوصافك تساوى أفعالك في السؤدد وحيرني فيها كثرة عددها فليس إلى
ذكر جميعها سبيل فإن أردت وصف واحدة اعترضت أختها فلم تكن الأولى أحق
بالذكر فلست أصفها إلا بإظهار العجز عن وصفها.
قال دخل أبو دلامة على المنصور فأنشده قصيدة فقال يا أبا دلامة إن أمير
المؤمنين قد أمر لك بكذا وكذا من صله وكساك وجملك وأقطعك أربعمائة جريب
مائتان عامر ومائتان غامر فقال أما ما ذكر أمير المؤمنين من الصلة فقد
عرفته وعرفت العامر فما العامر قال الذي لا نبات فيه ولا شجر فقد أقطعت
أمير المؤمنين أربعة آلاف جريب غامر قال ويحك أين قال ليما بين الحيرة
والكوفة فضحك منه وسوغها إياه عامرة.
قال المدايني دخل نصيب على عبد الملك بن مروان فتغدي معه ثم قال له هل لك
فيما يتنادم عليه فقال لوني حائل وشعري مفلفل وخلقي مشوه ولم أبلغ ما بلغت
من إكرامك إياي بشرف أب ولا أم وإنما بلغته بعقلي ولساني فأنشدك الله يا
أمير المؤمنين أن تحول بيني وبين ما بلغت به هذه المنزلة فأعفاه. قال
المدايني جلس نساء ظراف إلى بشار بن برد فتحدث وتحدثن ثم قلنا له لوددنا
أنك أبونا قال على أني على دين كسرى. قال خالد الكاتب ارتج علي وعلى دعبل
وواحد من الشعراء قد سماه ولم أحفظ اسمه نصف بيت قلنا جميعاً يا بديع
الحسن ثم قلنا ليس لنا إلا جعيفران الموسوس فجئناه فقال ما تبغوني فقال
خالد جئناك في حاجة فقال لا تؤذوني فإني جائع فبعثنا فاشترينا له طعاماً
فلما شبع قال حاجتكم قلنا اختلفنا في نصف بيت فقال ما هو يا بديع الحسن
فما تلعثم والله إن قال:
يا بديع الحسن حاشا ... لك من هجر بديع
فقال له دعبل زدني بيتاً فقال:
وبحسن الوجه عوذ ... تك من سوء الصنيع
فقال له الذي معنا ولي بيت فقال نعم وعزازة وكرامة.
ومن النخوة يستعفيك ... لي ذل الخضوع
فقلت استودعك الله فقال انتظروا أزدكم بيتاً آخر فقال:
لا يعب بعضك بعضاً ... كن جميلاً في الجميع
ومن الفطنة الكلام الموجه الذي يحتمل المدح والذم ومنه قول المتنبي:
عدوك مذموم بكل لسان فإنه يحتمل المدح ويحتمل الذم ووجه الذم
أن يكون المذكور دنيا ولا يعادي الدني إلا مثله وكذلك قوله.
والله سر في علاك يحتمل المدح أي سر لا يطلع عليه في تقديم مثلك قال شاعر
فأراد أن يكثر عليه فقال لأهل البلد:
وتشابهت سور القرآن عليكمو ... فقرنتم الأنعام بالشعراء
ومدح رجل رجلاً يقال له:
يسير فقال في مدحه ... وفضل يسير في البلاد يسير
فقيل له أنك قد مدحته وأنه لا يعطيك شيئاً فقال إن لم يعطني شيئاً قلت
بيدي هكذا وضم أصابعه يعني أنه قليل. وبلغني من هذا الجنس قول رجل في رجل:
تحلى بأسماء الشهور فكفه ... جمادى وما ضمت عليه المحرم
وقال شاعر آخر
وقائل لي ما الذي تشتهي ... من التي قد ضمها خدرها
أوجهها حين بدا مقبلا ... أم شعرها الأسود أم ثغرها
أم طرفها الأدعج أم كشحها ... أم منبت الرمان أم صدرها
قلت له أعشق ذا كله ... ونصف حران وثلثي زها
سئل جحظة عن دعوة حضرها فقال كل شيء كان منها بارد إلا الماء.
وقدمت إلى أبي يعقوب الخزيمي سكباجه كبيرة العظام فقال هذه شطرنجية واتبعت
بفالوذجة قليلة الحلاوة فقيل قد علمت هذه قبل أن يوحي ربك إلى النحل. قال
شاعر لشاعر أنا أقول البيت وخاه وأنت تقول البيت وابن عمه. قال دخل بعض
شعراء الهند على أمير فمدحه فقال له الأمير تقدم يا زوج القحبة فقال ما
زوج القحبة فقال هذه بلغة العرب كناية عمن له قدر جليل ومحل كبير ومال
ودواب وغلمان ومنزلة قال فأنت والله أيها الأمير أكبر زوجة قحبة في الدنيا
فخجل وعلم أن مزاجه جر عليه شتمه. دخل بعض الأدباء على المأمون يسأله حاجة
فلم يقضها فقال يا أمير المؤمنين إن لي شكر قال ومن يحتاج إلى شكرك فأنشأ
يقول:
فلو كان يستغني عن الشكر مالك ... لكثرة مال أو علو مكان
لما ندب الله العباد لشكره ... وقال اشكروني أيها الثقلان
فقال أحسنت وقضى حاجته.
قال ابن الهبارية:
قد قلت للشيخ الرئيس ... أخي السماح أبي المظفر
ذكر معين الملك بي ... قال المؤنث لا يذكر
روى أبو جعفر محمد بن موسى الموسوي قال دخلت على أبي نصر بن أبي زيد وعنده
علوي مبرم فتأذى بطول جلوسه وكثرة كلامه فلما نهض قال لي أبو نصر بن عمك
هذا خفيف على القلب فقلت نعم فقال ما أظنك فهمت ففكرت فعلمت أنه أراد
خفيفاً مقلوباً وهو الثقيل وهذا المعنى الذي أراده أبو سعيد بن دوست:
وأثقل مني زائري وكأنما ... يقلب في أجفان عيني وفي قلبي
فقلت له لما برمت بقربه ... أراك على قلبي خفيفاً على القلب
وصف لشاعر طيب خراسان فلما سافر إليها لم تعجبه فقال:
تمينا خراسانا زمانا ... فلن نعط المنى والصبر عنها
فلما أن أتيناها سراعاً ... وجدناها بحذف النصف منها
حدثنا زياد بن جبير رضي الله عنه قال أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل
من المشركين يقال له الهرمزان فأسلم فقال فإني مستشيرك في مغازي هذه فأشر
علي فقال نعم يا أمير المؤمنين الأرض مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو
المسلمين مثل طائر له رأس وجناحان وله رجلان فإن انكسر أحد الجناحين نهضت
الرجلان بجناح وبالرأس وإن انكسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس فإن
انشدح الرأس ذهبت الرجلان والجناحان فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح
الآخر فارس فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى.
وقد روينا أن الإسكندر رأى في عسكره سمياً له لا يزال ينهزم فقال له أما
أن تغير اسمك أو فعلك. وخرج يوماً في الحرب من صف أصحابه وأمر منادياً
فنادى يا معشر الفرس قد علمتم ما كتبنا لكم من الأمانات فمن كان على
الوفاء فليعتزل عن العسكر وله منا الوفاء بما ضمناه فاتهمت الفرس بعضها
بعضاً وكان أول اضطراب حدث فيهم.
وفي رواية أنه لما صاف 3 دارا أمر منادياً في عسكر دارا أيها الناس أما
نحن فقد فعلنا ما اتفقنا عليه فكونوا من وراء ما ضمنتم فاستشعر دارا أن
عسكره قد عزموا على تسليمه إلى الإسكندر وكان ذلك بسبب هزيمته. والما شخص
عن فارس إلى الهند تلقاه ملكها في جمع عظيم ومعه ألف فيل عليها السلاح
والرجال وفي خراطيمها السيوف والأغمدة فلم تقف لها دواب الإسكندر فهزم
وعاد إلى مأمنه فأمر باتخاذ فيلة من نحاس مجوفة وربط خيله بين تلك
التماثيل حتى ألفتها ثم أمر فملئت نفطاً وكبريتاً وألبسها الدروع وجرت على
العجل إلى المعركة وبين تمثالين منها جماعة من أصحابه فلما نشبت الحرب أمر
بإشعال النار في جوف التماثيل فلما حميت انكشف أصحابه عنها وغشيتها الفيلة
فضربتها بخراطيمها فتشيطت وولت مدبرة راجعة على أصحابها وصارت الدائرة على
ملك الهند. قال ونزل مرة على مدينة حصينة فتحصن أهلها منه فأخبر أن عندهم
من الميرة قدر كفايتهم فدس تجاراً متنكرين وأمرهم بدخول المدينة ورحل عنها
وأمدهم بمال ومتاع فباعوا ما معهم وابتاعوا الميرة فلما اكنزوا كتب أن
أحرقوا ما عندكم من الميرة واهربوا ففعلوا، فزحف إلى المدينة فحاصرها
أياماً يسيرة فأخذها وكان إذا أراد محاصرة بلد شرد من حولها من القرى
فهربوا إليها فيسرعون في أكل الميرة فتقل فيحاصرهم فيفتحها.
وحكى عن كسرى بن هرمز أنه كان بعث الأصهد إلى الروم في جيش عظيم
فأعطى من الظفر ما لم يعطه أحد قبله وأخذ الأصهد خزائن الروم ووجهها على
هيئتها إلى كسرى ففطن كسرى أن مال الأصهد من الظفر وأن هذا يغيره عليه
ويوجب له كبرا فبعث إليه رجلاً ليقتله وكان المبعوث عاقلاً فلما رأى
الأصهد وتدبيره وعقله قال له ما يصلح قتل هذا بغير جرم ثم أخبره بالذي جاء
له فأرسل الأصهد إلى قيصر أني أريد أن ألقاك قال إذ شئت فتلتقيا فقال لهم
إن هذا الخبيث قد هم بقتلي ووجه إلي رجلاً بذلك وإني أريد هلاكه كالذي
أراد مني والبادي أظلم فاجعل لي من نفسك ما اطمئن إليه وأعطيك من بيوت
أمواله مثل الذي أصبت منك ومثل الذي أنت منفقه في مسيرك هذا فأعطاه من
المواثيق ما اطمأن إليه وسار قيصر في أربعين ألفاً فنزل بكسرى فعلم كسرى
كيف جرى الأمر فاحتال لفض جنود قيصر فدعا متنصر في دينه فقال إني كاتب معك
كتاباً لطيفاً في حريرة لتبلغه الأصهد فلا تطلعن على ذلك أحداً وأعطاه ألف
دينار وقد علم كسرى أن القس يوصل كتابه إلى قيصر لأنه تحته هلاك الروم
وكان في الكتاب إلى الأصهد أني كتبت إليك وقد دنا مني قيصر فقد أحسن الله
إلينا وأمكن منهم بتدبيرك لا عدمت صواب الرأي وقد فرقت عليهم وأنا ممهله
حتى يقرب من المدائن ثم أغافله في يوم كذا فعره على من قتلك إياي فإني
استأصلهم فخرج القس بالكتاب فأوصله إلى قيصر فقال قيصر هذا الحق وما أراد
إلا هلاكنا فتولى منصرفاً واتبعه كسرى إياس بن قبيصة الطائي فقتل أصحابه
ونجا قيصر في شرذمة قليلة.
قال هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال كان جذيمة بن مالك ملكاً على الحيرة
وما حولها من السواد ملك ستين سنة وكان به وضح وكان شديد السلطان يخافه
القريب ويهابه البعيد فنهيت العرب أن يقولوا الأبرص فقالوا الأبرش فغزا
مليح بن البرء وكان ملكاً على الحضر وهو الحاجز بين الروم والفرس وهو الذي
ذكره عدي بن زيد في قصيدة منها هذا البيت:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ ... دجلة تجبى إليه والخابور
فقتله جذيمة وطرد الزباء إلى الشام فلحقت بالروم وكانت عربية اللسان حسنة البيان شديدة السلطان كبيرة الهمة قال ابن الكلبي لم يكن في نساء عصرها أجمل منها وكان اسمها فارغة وكان لها شعر إذا مشت سحبته وراءها وإذا نشرته جللها فسميت الزباء قال الكلبي وبعث عيسى بن مريم عليه السلام بعد قتل أبيها فبلغت بها همتها أن جمعت الرجال وبذلت الأموال وعادت إلى ديار أبيها وملكتها فأزالت جذيمة الأبرش عنها وابتنت على الفرات مدينتين متقابلتين من شرقي الفرات ومن غربيه وجعلت بينهما نفقاً تحت الفرات وكان إذا راهقها الأعداء آوت إليه وتحصنت به وكانت قد اعتزلت الرجال فهي عذراء وكان بينها وبين جذيمة بعد الحرب مهادنة فحدث جذيمة نفسه بخطبتها فجمع خاصته فشاورهم في ذلك وكان له عبد يقال له قصير بن سعد وكان عاقلاً لبيباً وكان خازنه وصاحب أمره وعميد دولته فسكت القوم وتكلم قصير فقال أبيت اللعن أيها الملك أن الزباء امرأة قد حرمت الرجال فهي عذراء لا ترغب في مال ولا جمال ولها عندك ثار والدم لا ينام وإنما هي تاركتك رهبة وحذار دولة، الحقد دفين في سويداء القلب له كمون ككمون النار في الحجران اقتدحته أورى وإن تركته توارى وللملك في بنات الملوك الأكفاء متسع ولهن فيه منتفع وقد رفع الله قدرك عن الطمع فيمن دونك وعظم شأنك فما أحد فوقك فقال جذيمة يا قصير الرأي ما رأيت والحزم فيما قلته ولكن النفس تواقة إلى ما تحب وتهوى ولكا امرئ قدر لا مر له منه ولا وزر فوجه إليها خاطباً وقال ائت الزباء فاذكر لها ما يرغبها فيه وتصبو إليه فجاءتها خطبته فلما سمعت كلامه وعرفت مراده قالت له انعم بك عيناً وبما جئت به وله وأظهرت له السرور به والرغبة فيه وأكرمت مقدمة ورفعت موضعه، وقالت قد كنت أضربت عن هذا الأمر خوفاً أن لا أجد كفؤاً والملك فوق قدري وأنا دون قدره وقد أجبت إلى ما سأل ورغبت فيما قال، ولولا أن السعي في مثل هذا الأمر بالرجال أجمل لسرت إليه ونزلت عليه وأهدت إليه هدية سنية ساقت العبيد والإماء والكراع والسلاح والأموال والإبل والغنم وحملت من الثياب والعين والورق فلما رجع إليه خطيبه أعجبه ما سمع من الجواب وأبهجه ما رأى من اللطف وظن أن ذلك لحصول رغبة فأعجبته نفسه وسار من فوره فيمن يثق به من خاصته وأهل مملكته وفيهم قصير خازنه واستحلف على مملكته ابن أخته عمرو بن عدي اللخمي وهو أول ملوك الحيرة من لخم وكان ملكه عشرين ومائة سنة وهو الذي اختطفته الجن وهو صبي وردته وقد شب ونبر فقالت أمه ألبسوه الطوق فقال خاله جذيمة شب عمرو عن الطوق فصارت مثلاً فاستخلفه وسار إلى الزباء فلما صار ببقة نزل وتصيد وأكل وشرب واستعاد المشورة والرأي من أصحابه فسكت القوم وافتتح الكلام قصير بن سعد قال أيها الملك كل عزم لا يؤيد بحزم قال لي أف ما يكون كونه فلا تثق بزخرف قول لا حصول له. ولا تعتقد الرأي بالهوى فيفسد ولا الحزم بالمنى فيبعد والرأي عندي للملك أن يعتقب أمره بالتثبت ويأخذ حذره بالتيقظ ولولا أن الأمور تجري بالمقدور لعزمت على الملك عزماً بتا أن لا يفعل فأقبل جذيمة على الجماعة فقال ما عندكم أنتم في هذا الأمر، فتكلموا بحسب ما عرفوا من رغبته في ذلك وصوبوا رأيه وقووا عزمه. فقال جذيمة الرأي للجماعة والصواب ما رأيتم. فقال قصير أرى القدر يسابق الحذر ولا يطاع لقصير أمر فأرسلها مثلاً. وسار جذيمة فلما قرب من ديار الزباء نزل وأرسل إليها يعلمها بمجيئه فرحبت وقربت وأظهرت السرور به والرغبة فيه وأمرت أن يحمل إليه الإنزال والعلوفات وقالت لجندها وخاصة أهل مملكتها وعامة أهل دولتها ورعيتها تلقوا سيدكم وملك دولتكم. وعاد الرسول إليه بالجواب بما رأى وسمع فلما أراد جذيمة أن يسير دعا قصيراً فقال أنت على رأيك قال نعم قد زادت بصيرتي فيه أفأنت على عزمك، قال نعم وقد زادت رغبتي فيه. فال قصير ليس للأمور بصاحب، من لم ينظر في العواقب وقد يستدرك الأمر قبل فواته وفي يد الملك بغية هو بها مسلط على استدراك الصواب فإن وثقت بأنك ذو ملك وعشيرة ومكان فإنك قد نزعت يدك من سلطانك وفارقت عشيرتك ومكانك وألقيتها في يدي من لست آمن عليك مكره وغدره فإن كنت ولا بد فاعلاً لهواك تابعاً فإن القوم أن تلقوك غداً فرقاً وساروا أمامك وجاء قوم وذهب قوم فالأمر بعده في يدك والرأي فيه إليك وأن
تلقوك رزدقاً واحداً وأقاموا لك صفين حتى إذا توسطتهم انقضوا عليك من كل جانب فأحدقوا بك فقد ملكوك وصرت في قبضتهم وهذه العصا لا يشق غبارها، وكانت لجذيمة فرس تسبق الطير وتجاري الرايح يقال لها العصا فإذا كان كذلك فتملك ظهرها فهي ناحية بك أن ملكت ناصيتها، فسمع جذيمة ولم يرد جواباً وسار وكانت الزباء لما رجع رسول جذيمة من عندها قالت لجندها إذا أقبل جذيمة غداً فتلقوه بأجمعكم وقوموا له صفين عن يمينه وشماله فإذا توسط جمعكم فتعرضوا عليه من كل جانب حتى تحدقوا به وإياكم أن يفوتكم وسار جذيمة وقصير عن يمينه فلما لقيه القوم رزدقاً واحداً أقاموا له صفين فلما توسطهم انقضوا عليه من كل جانب انقضاض الأحدل على فريسته فأحدقوا به وعلم أنهم قد ملكوه. وكان قصير يسايره فأقبل عليه وقال صدقت يا قصير فقال قصير أيها الملك أبطأت بالجواب حتى فات الصواب. فأرسله مثلاً فقال كيف الرأي الآن قال هذه العصا فدونكنها لعلك تنجو بها فأنف جذيمة من ذلك وسارت به الجيوش. فلما رأى قصير أن جذيمة قد استسلم للأسر وأيقن بالقتل جمع نفسه فصار على ظهر العصا وأعطاها عنانها وزجرها فذهبت تهوي به هوى الريح فنظر إليه جذيمة وهي تطاول به وأشرفت الزباء من قصرها فقالت ما أحسنك من عروس تجلي عليّ وتزف إليّ حتى دخلوا به إلى الزباء ولم يكن معها في قصرها إلا جوار أبكار أتراب. وكانت جالسة على سريرها وحولها ألف وصيفة كل واحدة لا تشبه صاحبتها في خلق ولا زي وهي بينهن كأنها قمر قد حفت به النجوم تزهو فأمرت بالإنطاع فبسطت، وقالت لوصائفها خذوا بيد سيدكن وبعل مولاتكن فأخذن بيده فأجلسته على الالطلاع بحيث يراها وتراه وتسمع كلامه ويسمع كلامها، ثم أمرت الجواري فقطعن رواهشه ووضعت الطشت تحت يده فجعلت تشخب في الطشت فقطرت قطرة على النطع فقالت لجواريها ألا تضيعوا دم الملك فقال جذيمة لا يحزنك دم أراقه أهله، فلما مات قالت والله ما وهى دمك ولا شفى قتلك ولكنه غيض من فيض ثم أمرت به فدفن وكان جذيمة قد استخلف على مملكته ابن أخته عمرو بن عدي وكان يخرج كل يوم إلى ظهر الحيرة يطلب الخبر ويقتفي الأثر عن خاله فخرج ذات يوم فنظر إلى فارس قد أقبل يهوي به فرسه هوى الريح فقال أما الفرس ففرس جذيمة وأما الراكب فكالهيمة لأمر ما جاءت العصا فأشرف عليهم قصير فقالوا ما وراءك قال سعى المقدر بالملك إلى حتفه على الرغم من انفي وأنفه فاطلب بثأرك من الزباء فقال عمرو وأي ثأر يطلب من الزباء وهي أمنع من عقاب الجو فقال قصير قد علمت نصحي كان لخالك وكان الأجل رائده والله لا أنا عن الطلب بدمه ما لاح نجم وطلعت شمس أو أدرك يه ثأراً أو تخترم نفسي فاعذر، ثم إنه عمد إلى أنفه فجدعه ثم لحق بالزباء على صورة كأنه هارب من عمرو بن عدي فيل لها هذا قصير بن سعد عم جذيمة وخازنه وصاحب أمره قد جاءك فأذنت له فقالت ما الذي جاءك إلينا يا قصير وبيننا وبينك دم عظيم الخطر فقال يا ابنة الملوك العظام لقد أتيت فيما يؤتي مثلك في مثله ولقد كان دم الملك يطلبه حتى أدركه وقد جئتك مستجيراً بك من عمرو بن عدي فإنه اتهمني بخاله وبمشورتي عليه بالمسير إليك فجدع أنفي وأخذ مالي وحال بيني وبين عيالي وتهددني بالقتل وإني خشيت على نفسي فهربت منه إليك، أنا مستجير بك ومستند إلى كهف عزك فقالت أهلاً وسهلاً، لك حق الجوار وذمة المستجير وأمرت به فأنزل وأجرت له الإنزال ووصلته وكسته وأخدمته وزادت في إكرامه وأقام مدة لا يكلمها ولا تكلمه وهو يطلب الحيلة عليها وموضع الفرصة منها وكانت ممتنعة بقصر مشيد على باب النفق تعتصم به فلا يقدر أحد عليها فقال لها قصير يوماً إن لي بالعراق مالاً كثيراً وذخائر نفيسة مما يصلح للملوك وإن أذنت لي في الخروج إلى العراق وأعطيتني شيئاً أتعلل به في التجارة وأجعله سبباً للوصول إلى مالي أتيتك بما قدرت عليه من ذلك، فأذنت له وأعطته مالاً فقدم العراق وبلاد كسرى فأطرفها من طرائفه وزادها مالاً إلى مالها كثيراً وقدم عليها فأعجبها ذلك وسرها وترتب له عندها منزلة وعاد إلى العراق ثانية فقدم بأكثر من ذلك طرفاً من الجواهر والبز والخز والديباج فازداد مكانه منها وازدادت منزلته عندها ورغبتها فيه، ولم يزل قصير يتلطف حتى عرف موضع النفق الذي تحت الفرات والطريق إليه ثم خرج ثالثة فقدم بأكثر من الأولتين ظرائف
ولطائف فبلغ مكانه منها وموضعه عندها إلى أن كانت تستعين به في
مهماتها وملماتها واسترسلت إليه وعولت في أمورها عليه وكان قصير رجلاً حسن
العقل والوجه حصيناً لبيباً أديباً فقالت له يوماً أريد أغزو البلد
الفلاني من أرض الشام فاخرج إلى العراق فاتني بكذا وكذا من السلاح والكراع
والعبيد والثياب، فقال قصير ولي في بلاد عمرو بن عدي ألف بعير وخزانة من
السلاح والكراع والعبيد والثياب وفيها كذا وكذا وما يعلم عمرو بها ولو
علمها لأخذها واستعان بها على حربك وكنت أتربص به المنون وأنا أخرج
متنكراً من حيث لا يعلم فآتيك بها مع الذي سألت فأعطته من المال ما أراد
وقالت يا قصير الملك يحسن لمثلك وعلى يد مثلك يصلح أمره.ئف فبلغ مكانه
منها وموضعه عندها إلى أن كانت تستعين به في مهماتها وملماتها واسترسلت
إليه وعولت في أمورها عليه وكان قصير رجلاً حسن العقل والوجه حصيناً
لبيباً أديباً فقالت له يوماً أريد أغزو البلد الفلاني من أرض الشام فاخرج
إلى العراق فاتني بكذا وكذا من السلاح والكراع والعبيد والثياب، فقال قصير
ولي في بلاد عمرو بن عدي ألف بعير وخزانة من السلاح والكراع والعبيد
والثياب وفيها كذا وكذا وما يعلم عمرو بها ولو علمها لأخذها واستعان بها
على حربك وكنت أتربص به المنون وأنا أخرج متنكراً من حيث لا يعلم فآتيك
بها مع الذي سألت فأعطته من المال ما أراد وقالت يا قصير الملك يحسن لمثلك
وعلى يد مثلك يصلح أمره.
ولقد بلغني أن أمر جذيمة كان إيراده وإصداره إليكم وما تقصر يدك عن شيء
تناله ولا يقعد بك حال ينهض بي وسمع بها رجل من خاصة قومها فقال أسد خادر
وليث ثائر قد تحفز للوثبة ولما رأى قصير مكانه منها وتمكنه من قلبها قال
الآن طاب المصاع وخرج من عندها فأتى عمر بن عدي فقال قد أصبت الفرصة من
الزباء فانهض فعجل الوثبة، فقال له عمر وقل أسمع ومر أفعل فأنت طبيب هذه
القرحة فقال الرجال والأموال قال حكمك فيما عندنا مسلط فعمد إلى ألفي رجل
من فتيان قومه وصناديد أهل مملكته فحملهم على ألف بعير في الغرائز السود
وألبسهم السلاح والسيوف والحجف وأنزلهم في الغرائز وجعل رؤوس المسوح من
أسفالها مربوطة من داخل وكان عمرو فيهم وساق الخيل والعبيد والكراع
والسلاح والإبل محملة فجاءها البشير فقال قد جاء قصير ولما قرب من المدينة
حمل الرجال في الغرائز متسلحين بالسيوف والحجف وقال إذا توسطت الإبل مدينة
فالإمارة بيننا كذا وكذا فاخترطوا الربط. فلما قربت العير من مدينة الزباء
في قصرها فرأت الإبل تتهادى بأحمالها فارتابت بها وقد كان شيء بقصير إليها
وحذرت منه فقالت للواشي به إليه أن قصيراً اليوم منا وهو ربيب هذه النعمة
وصنيعة هذه الدولة وإنما يبعثكم على ذلك الحسد ليس فيكم مثله فقدح ما رأت
من كثرة الإبل وعظم أحمالها في نفسها مع ما عندها من قول الواشي به إليها
فقالت:
ما للجمال مشيها وئيداً ... أجند لا يحملن أو حديدا
أم صرفاناً بارداً شديداً ... أم الرجال في المسوح سودا
ثم أقبلت على جواريها فقالت أرى الموت الأحمر في الغرائز السود فذهبت
مثلاً حتى إذا توسطت الإبل المدينة وتكاملت ألقوا إليهم الإمارة فاخترطوا
رؤوس الغرائز فسقط إلى الأرض ألفا ذراع بألفي باتر طالب ثأر القتيل غدراً
وخرجت الزباء تمصع تريد النفق فسبقها إليه قصير فحال بينهما وبينه فلما
رأت أن فد أحيط بها وملكت التقمت خاتماً في يدها تحت فصه سم ساعة وقالت
بيدي لا بيدك يا عمرو فأدركها عمرو وقصير فضرباها بالسيف حتى هلكت وملكا
مملكتها واحتويا على نعمتها وخط قصير على جذيمة قبراً وكتب على قبره هذه
الأبيات يقول:
ملك تمتع بالعساكر والقنا ... والمشرفية عزه ما يوصف
فسعت منيته إلى أعدائه ... وهو المتوج والحسام المرهف
وقد روينا أن ملكاً كان يقال له شمر ذو الجناح سار إلى سمر قند
فحاصرها فلم يظفر منها بشيء فطاف حولها بالحرس فأخذ رجلاً من أهلها
فاستمال قلبه وسأله عن المدينة فقال أما ملكها فأحمق الناس ليس له هم إلا
الشراب والأكل والجماع ولكن له بنت هي التي تقضي أمر الناس فبعث منه هدية
وقال أخبرها أني لم أجيء لالتماس المال فإن معي من المال أربعة آلاف تابوت
ذهباً وفضة دافعها إليها وأمضى إلى الصين فإن كانت لي الأرض كانت امرأتي
وإن هلكت كان المال لها فلما بلغتها رسالته قالت قد أجبته فليبعث بالمال
فأرسل إليها أربعة آلاف تابوت في كل تابوت وجعل شمر العلامة بينه وبينهم
أن يضرب بالجلجل فلما صاروا في المدينة ضرب بالجلجل فخرجوا فأخذوا الأبواب
ونهض شمر في الناس فدخل المدينة فقتل أهلها وحوى ما فيها ثم سار إلى
الصين. وقد كان كسرى من الذكاء على غاية فروينا عنه أنه تم غليه رجل بصديق
له فكتب كسرى للنام قد اخترنا نصحك وذممنا صاحبك لسوء اختباره الإخوان.
قال منجمو كسرى إنك تقتل فقال لأقتلن من يقتلني فأمر بسم فخلط في أدوية ثم
كتب عليه دواء الجماع مجرب من أخذ منه وزن كذا جامع كذا وكذا مرة فلما
قتله ابنه شيرويه وفتش خزائنه مربه فقال في نفسه هذا الدواء الذي كان يقوي
به على السراري فأخذ منه فقتله وهو ميت. روتاية أن شيرويه لما أراد قتل
أبيه بعث إليه من يقتله فلما دخل عليه قال إني أدلك على شيء لوجوب حقك
يكون فيه غناك قال وما هو قال الصندوق والفلاني فذهب الرجل إلى شيرويه
فأخبره الخبر فأخرج الصندوق وفيه حق فيه حب وثم مكتوب من اخذ منه واحدة
افتض عشرة أبكار فطمع شيرويه في صحة ذلك فأخذه وعوض الرجل منه ثم أخذ منه
حبة فكان هلاكه وكان كسرى أول ميت أخذ بثأره من حي.
هزم بعض الملوك فنثر طالبيه زجاجاً ملوناً شبيهاً بالجوهر الأحمر والأخضر
ودنانير صفراً مطلية بالذهب فتشاغل طالبوه بلقطها فنجا علم بعض الملوك
بسكر يطلبه فأخذ شعيراً فطبخه بالماء مع قضبان الدفلى ثم جففه ثم جربه في
دابة قلما أكلته نفقت من يومها فخرج هو وعسكره ناحية ونثر الشعير والميرة
فلما سار القوم إليه ترك ما في معسكره وتنحى فجاؤوا فأطلقوا دوابهم في
الشعير فهلكت كلها.
حارب قوم ومعهم فيلة فقهروا عدوهم فأشار على العدو رجل أن يحملوا خنزيراً
وأن يضربوه فلما سمعت الفيلة صوته هربت. جاء رجل معه هر تحت حضنه ومشى
بسيفه إلى الفيل فلما دنا منه رمى بالهر في وجهه فأدبر الفيل هارباً
وتساقط من كان فوقه فكبر المسلمون وكان سبب الهزيمة. قيل لأسلم بن زراعة
أن انهزمت من أصحاب مرداس بن أدية يغضب عليك الأمير عبيد الله بن زياد قال
يغضب علي وأنا حي أحب من أن يرضى عني وأنا ميت. خرج أمير ومعه رجل فيه
ذكاء فبينما هم على الغداء قال للأمير اركب فقد لحقنا القدو قال كيف وما
يرى أحد قال اركب عاجلاً فإن الأمر أسرع مما تحسب فركب وركب الناس فلاحت
الغبرة وطلع عليهم سرعان الخيل فعجب الأمير وقال كيف علمت قال أما رأيت
الوحش مقبلة علينا ومن شأن الوحوش الهرب منا فعلمت أنها لم تدع عاداتها
إلا لأمر قد دهمها والله الموفق.
الباب السادس والعشرون
في ذكر طرف من فطن المتطببين
قال محمد بن علي الأمين حدثنا بعض الأطباء الثقات أن غلاماً من
بغداد قدم الري فلحقه في طريقه أنه كان ينفث الدم فاستدعى أبا بكر الرازي
الطبيب المشهور بالحذق فأراه ما ينفث ووصف له ما يجد فنظر إلى نبضه
وقارورته واستوصف حاله فلم يقم له دليل على سل ولا قرحة ولم يعرف العلة
فاستنظر العليل لينظر في حاله فاشتد الأمر على المريض وقال هذا بأي لي من
الحياة لحذق المتطبب وجهله بالعلة فزاد ألمه ففكر الرازي ثم عاد إليه
فسأله عن المياه التي شرب فقال من صهاريج ومسقفات فثبت في نفس الرازي بحدة
خاطره وجودة ذكائه أن علقة كانت في الماء وقد حصلت في معدته وذلك الدم من
فعلها فقال إذا كان في غد عالجتك ولكن بشرط أن تأمر غلمانك أن يطيعوني فيك
بما آمرهم قال نعم فانصرف الرازي فجمع مركنين كبيرين من طحلب فأحضرهما في
غد معه فأراه إياهما قال ابلع جميع ما في هذين المركنين فبلع شيئاً يسيراً
ثم وقف قال ابلع قال لا أستطيع فقال للغلمان خذوه فأقيموه ففعلوا به ذلك
وطرحوه على قفاه وفتحوا فاه فأقبل الرازي يدس الطحلب في حلقه ويكبسه كبساً
شديداً يطالبه ببلعه ويتهدده بأن يضرب إلى أن بلعه كارهاً أحد المركنين
بأسرع والرجل يستغيث ويقول الساعة قذف فزاد الرازي فيما يكسبه في حلقه
فذرعه القيء فتأمل الرازي ما قذف فإذا كانت فيه علقة وإذا هي لما وصل
إليها الطحلب قربت إليه بالطبع وتركت موضعها فالتفت على الطحلب ونهض
العليل معافى.
حدثنا علي بن الحسن الصيدلاني قال كان عندنا غلام حدث من أولاد النبا
فلحقه وجع في معدته شديد بلا سبب يعرفه فكانت تضرب عليه أكثر الأوقات
ضرباً عظيماً حتى يكاد يتلف وقل أكله ونحل جسمه فحمل إلى الأهواز فعولج
بكل شيء فلم ينجع فيه ورد إلى بيته وقد يئس منه فجاز بعض الأطباء فعرف
حاله فقال للعليل اشرح لي حالك من زمن الصحة فشرح إلى أن قال دخلت بستاناً
فكان في بيت البقر رمان كثير للبيع فأكلت منه كثيراً قال كيف كنت تأكله
قال كنت أعض رأس الرمانة بفمي وأرمي به وأكسرها قطعاً وآكل فقال الطبيب
غداً أعالجك بإذن الله تعالى فلما كان الغد جاء بقدر اسفيداج قد طبخها من
لحم جرو سمين فقال للعليل كل هذا قال العليل ما هو قال إذا أكلت عرفتك
فأكل العليل فقال له امتلئ منه فامتلأ ثم قال له أتدري أي شيء أكلت قال لا
قال لحم كلب فاندفع يقذف فتأمل القذف إلى أن طرح العلي شيئاً أسود كالنواة
فأخذه الطبيب وقال ارفع رأسك فقد برأت فرفع رأسه فسقاه شيئاً يقطع الغثيان
وصب على وجهه ماء ورد ثم أراه الذي وقع فإذا هو قرداً فقال أن الموضع الذي
كان فيه الرمان كان فيه قردان من البقر وأنه حصلت منهم واحدة في رأس إحدى
الرمانات التي اقتلعت رؤوسها بفيك فنزل القرد إلى حلقك وعلق بمعدتك يمتصها
وعلمت أن القراد تهش إلى لحم الكلب فإن لم يصح الظن لم يضرك ما أكلت فصح
فلا تدخل فمك شيئاً لا تدري ما فيه والله الموفق.
حدثنا أبو إدريس الخولاني قال سمعت محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن وقيل له قال لا تغدو العاقل إحدى خصلتين إما أن يهتم لآخرته ومعاده أو الدنيا ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم فانعقد الشحم ثم قال كان ملك في الزمان الأول وكان مثقلاً كثيراً الشحم لا ينتفع بنفسه فجمع المتطببين وقال احتالوا إليّ بحيلة يخفّ عني لحمي هذا قليلاً قال فما قدروا له على شيء قال فبعث له رجل عاقل أديب متطبب فأراه فبعث إليه وأشخصه فقال له عالجني ولك الغنى قال أصلح الله الملك أنا متطبب منجم دعني حتى أنظر الليلة في طالعك أي دواء يوافق طالعك فأسقيك قال فغدا عليه فقال أيها الملك الأمان قال لك الأمان قال رأيت طالعك يدل على أن الباقي من عمرك شهر فإن أحببت عالجتك وإن أدرت بيان ذلك فاحسبني عندك فإن كان لقولي حقيقة فخل عني وإلا فاستقص مني قال فحبسه قال ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس وخلا وحده مهتماً كلما انسلخ يوم ازداد غماً حتى هزل وخف لحمه ومضى لذلك ثمان وعشرون يوماً فبعث إليه وأخرجه فقال ما ترى قال أعز الله الملك أنا أهون على عزّ وجلّ من أن أعلم الغيب والله ما أعرف عمري فكيف أعرف عمرك إنه لم يكن عندي دواء إلا الغم فلم أقدر أن أجلب إليك الغم إلا بهذه العلة فأذاب شحم الكلي فأجازه وأحسن إليه. حدثنا أبو الحسن بن الحسن بن محمد الصالحي الكاتب قال رأيت بمصر طبيباً كان بها مشهوراً يعرف بالقطيعي وقال أنه يكسب في كل شهر ألف دينار من جرايات يجريها عليه قوم من رؤساء العسكر ومن السلطان ومما يأخذه من العامة قال وكان له دار قد جعله شبه المرستان من جملة داره يأوي إليها الضعفاء والمرضى فيداويهم ويقوم بأغذيتهم وأدويتهم وخدمتهم وينفق أكثر كسبه في ذلك فاتفق أن بعض فتيان الرؤساء بمصر أسكت قال فجعل إليه أهل الطب وفيهم القطيعي فاجمعوا على موته إلا القطيعي وعمل أهله على غسله ودفنه فقال القطيعي أعالجه وليس يلحقه أكثر من الموت الذي قد أجمع هؤلاء عليه فخلاه أهله معه فقال هات غلاماً جلداً ومقارع فأتى بذلك فأمر به فمد وضربه عشر مقارع أشد الضرب قم مس جسده ثم ضربه عشراً أخر ثم جسّ كجسه ثم ضربه عشر آخر ثم جس كجسه وقال أيكون للميت نبض قالوا لا قال فجسوا نبض هذا فجسوه فأجمعوا أنه نبض متحرك فضربه عشر مقارع أخر ثم جسوه فجسوه فقالوا قد زاد نبضه فضربه عشراً أخر فتقلب فضربه عشراً فتأوه فضربه عشراً فصاح فقطع عنه الضرب فجلس العليل يتأوه فقال له ما تجد قال أنا جائع فقال أطعموه فجاؤوا بما أكله فرجعت قوته وقمنا وقد برأ فقال له الأطباء من أين لك هذا كنت مسافراً في قافلة فيها أعراب يخفرونا فسقط منهم فارس عن فرسه فأسكت فقالوا قد مات فعمد شيخ منهم فضربه ضرباً شديداً عظيماً وما رفع الضرب عنه حتى أفاق فعلمت أن الضرب جلب إليه الحرارة أزالت سكتته فقست عليه أمر هذا العليل.
قال أبو منصور بن مارية وكان من رؤساء البصرة قال أخبرني شيوخنا قال كان بعض أهلنا قد استقى وأيسوا من حياته فحمل إلى بغداد وشاورا الأطباء فيه فوصفوا له أدوية كبار فعفوا أنه قد تناولها فلم تنفع فأيسوا من حياته وقالوا لا حيلة لنا في برئه فسمع العليل فقال دعوني الآن أتزود من الدنيا وآكل ما أشتهي ولا تقتلوني بالحمية فقالوا كل ما تريد فكان يجلس بباب الدار فمهما اجتاز به اشتراه وأكله فمر به رجل يبيع جراداً مطبوخاً فاشترى منه عشرة أرطال فأكلها بأسرها فانحل طبعه فقام في ثلاثة أيام أكثر من ثلاثمائة مجلس وكاد يتلف ثن انقطع القيام وقد زال كل ما كان في جوفه وثابت قوته فبرأ خرج يتصرف في حوائجه فرآه بعض الأطباء فعجب من أمره وسأله عن الخبر فعرفه فقال ليس من شأن الجراد أن يفعل هذا الفعل ولا بد أن يكون في الجراد الذي فعل هذا خاصية فأحب أن تدلني على صاحب هذا الجراد الذي باعه لك فما زالا في طلبه حتى علما به، فرآه الطبيب فقال له ممن اشتريت هذا الجراد فقال ما اشتريته أنا أصيده وأجمع منه شيئاً كثيراً وأطبخه وأبيعه قال فمن أين تصطاده فذكر له مكاناً على فراسخ يسيرة من بغداد فقال له الطبيب أعطيك ديناراً أو تجيء معي إلى الموضع الذي اصطدت منه الجراد قال نعم فخرجا وعاد الطبيب من الغد ومعه من الجراد سيئ ومعه حشيشه فقالوا له ما هذا قال صادفت الجراد الذي يصيده هذا الرجل يرعى في صحراء جميع نباتها حشيشة يقال لها مازريون وهي من دواء الاستسقاء فإذا دفع إلى العليل منها وزن درهم أسهله إسهالاً عظيماً لا يؤمن أن ينضبط والعلاج بها خطر ولذلك ما يكاد يصفها الأطباء فلما وقع الجراد على هذه الحشيشة ونضجت في معدته ثم طبخ الجراد ضعف فعلها بطبختين فاعتدلت بمقدار ما أبرأت هذا.
قال أبو بكر الجفاني دخلت يوماً على القاضي حسين بن أبي عمر وهو
مهموم حزين فقلت لا يغم الله قاضي القضاة أبداً ومن يزيد المائي حتى إذا
مات يغتم عليه قاضي القضاة هذا الغم كله فقال ويحك مثلك يقول هذا في رجل
أوحد في صناعته قد مات ولا خلف له يقاربه في حدقه وهل فخر البلد إلا أن
يكون رؤساء الصاع وحذاق أهل العلوم فيه فإذا مضى رجل لا مثل له في صناعة
لا بد للناس منها فهلا يدل هذا الأمر على نقصان العلم وانحطاط البلدان ثم
أخذ يعدد فضائله والأشياء الظريفة التي عالج بها والعلل الصعبة التي زالت
بتدبيره فذكر من ذلك أشياء كثيرة ومنها أنه قال لقد أخبرني من مدة طويلة
رجل من جلة هذا البلد أنه كان حدث بابنة له علة ظريفة فكتمتها عنه، أطلع
عليها فكتماه هو مدة ثم انتهى أمرها إلى الموت قال فقلت لا يسعني كتم هذا
أكثر من هذا قال وكانت العلة أن فرج الصبية كان يضرب عليها ضرباناً عظيماً
لا تكاد تنام منه الليل ولا تهدأ بالنهار وتصرخ من ذلك أعظم صراخ ويجري في
خلال ذلك منه دم يسير كماء اللحم وليس هناك جرح يظهر ولا ورم كثير فلما
خفت المأتم ثم أحضرت يزيد فشاورته فقال تأذن لي في الكلام وتبسط عذري فيه
فقلت نعم فقال أنه لا يمكنني أن أصف شيئاً دون أن أشاهد الموضع وأفشه بيدي
واسأل المرأة عن أسباب لعلها كانت الجالبة للعلة قال فلعظم الصورة وبلوغها
حد التلف أمكنه من ذلك فأطال مساءلتها وحديثها بما ليس من جنس العلة بعد
أن حبس الموضع حتى عرف بقمة الألم حتى كدت أن أثب به ثم تصبرت ورجعت إلى
ما أعرفه من ستراه فصبرت على مضض إلى أن قال تأمر من يمسكها ففعلت ثن أدخل
يده في الموضع دخولاً شديداً فصاحت الصبية وأغمي عليها وانبعث الدم فأخرج
في يده حيواناً أقل من الخنفساء فرمى به فجلست الابنة في الحال واستترت
وقالت يا أبت استرني فقد عوفيت قال فأخذ الحيوان في يده وخرج من الموضع
فلحقته وأجلسته وقلت أخبرني ما هذا قال أن تلك المسألة التي لم أشك أنك
أنكرتها إنما كانت لأطلب شيئاً أستدل به على العلة إلى أن قالت لي أن
يوماً من الأيام جلست في بيت دولاب البقر من بستان لكم ثم حدثت العلة بها
من غير سبب تعرفه من بعد ذلك اليوم فتخايلت أنه قد دب إلى فرجها من
القردان وكلما امتص من موضعه ولد الضربان وأنه إذا شبع نقط من الفرج الذي
يمتص منه إلى خارج الفرج هذه النقطة اليسيرة من الدم فقلت أدخل يدي وأفتش
فأدخلت يدي فوجدت القراد فأخرجته وهو هذا الحيوان وقد كبر وتغيرت صورته
لكثرة ما يمص من الدم على طول الأيام قال فتأملت الحيوان فإذا هو قراد قال
برئت الصبية قال فقال لي أبو الحسن القاضي هل ببغداد اليوم من له صناعة
مثل هذا لا أغتم بمن هذا بعض حذقه.
قال جبريل بن يختيشوع كنت مع الرشيد بالرقة ومعه محمد والمأمون وكان رجلاً
كثير الأكل والشرب فأكل يوماً أشياء خلط فيها ودخل المستراح فغشي عليه
فأخرج وقوى الأمر حتى لم يشكوا في موته فأحضرت وجسيت عرقه فوجدت نبضاً
خفياً وقد كان قبل ذلك بأيام يشكو امتلاء وحركة الدم فقلت الصواب أن يحتجم
الساعة فقال كوثر الخادم لما لم تقدر من أمر الخليفة يا ابن الفاعلة تقول
أحجموا رجلاً ميتاً لا نقبل قولك ولا كرامة فقال المأمون الأمر قد وقع
وليس يضر أن تحجمه فأحضر الحجام وتقدمت إلى جماعة من الغلمان بإمساكه ومص
الحجام المحاجم فاحمر المكان ففرحت ثم قلت اشرطه فشرطه فخرج الدم فسجدت
شكراً فكلما خرج الدم أسفر لونه إلى أن تكلم وقال أين أنا أنا جائع
فغديناه وعوفي فسأل صاحب الحرس عن علته فعرفه أنها ألف درهم في كل سنة
وسأل صاحبه فعرفه أنها خمسمائة ألف فقال يا جبريل كم عليك قلت خمسون ألفاً
قال ما أنصفناك إذ غلات هؤلاء وهم يحرسوني كذلك وعلتك كما ذكرت فأمر
بإقطاعه ألف ألف درهم.
حدثنا أبو الحسن المهدي القزويني قال كان عندنا طبيب يقال له ابن
نوح فلحقتني سكتة فلم يشك أهلي في موتي وغسلوني وكفنوني وحملوني على
الجنازة عليه ونساء خلفي يصرخن فقال لهم إن صاحبكم حي فدعوني أعالجه
فصاحوا عليه فقال لهم الناس دعوه يعالجه فإن عاش وإلا فلا ضرر عليكم
فقالوا نخاف أن تصير فضيحة فقال علي أن لا تصير فضيحة فإن صرنا قال حكم
السلطان في أمري وإن برأ فأي شيء لي قالوا ما شئت قال ديته قالوا لا نملك
ذلك فرضي منهم بمال أجابه الورثة إليه وحملني فأدخلني الحمام وعالجني
وافقت في الساعة الرابعة والعشرين من ذلك الوقت ووقعت البشائر ودفع إليه
المال فقلت للطبيب بعد ذلك من أين عرفت هذا فقال رأيت رجليك في الكفن
منتصبة وأرجل الموتى منبسطة ولا يجوز انتصابها فعلمت انك حي وخمنت أنك
أسكت وجربت عليك فصحت تجربتي.
قال أبو أحمد الحارثي كان طبيب نصراني يقال له موسى بن سنان قد أتى برجل
منتفخ الذكر لا يقدر أن يبول وهو يستغيث ويصيح فسأله عن علته فذكر أنه لم
يبل منذ أيام ورأى ذكره منتفخاً فنظر في حاله فلم يجد شيئاً يوجب عسر
البول ولا حصاة فتركه عنده يوماً يسأله فقال له حدثني أدخلت ذكرك في شيء
لم تجر عادة الناس به فلحقك هذا فسكت الرجل واستحى فلم يزل الطبيب يبسطه
ويشرط له الكتمان إلى أن قال نكحت حماراً ذكراً فقال الطبيب هاتوا مطرقة
وغلماناً فجاؤوه فأمسكوا الرجل وجعل ذكره على سندان حداد وطرقه بالمطرقة
مرة واحدة وجيعة فبرزت شعيرة وذاك أنه خمن أن شعيرة من جاعرة الحمار قد
دخلت في ثقب الذكر فلما طرقها خرجت.
حدثنا أبو القاسم الجهني أن خطية لبعض الخلفاء أظنه الرشيد قامت لتتمطى
فلما تمطت جاءت لترد يدها فلم تقدر وبقيتا حافتين فصاحت وآلمها ذلك وبلغ
الخليفة فدخل وشاهد من أمرها ما أقلته وشاور الأطباء فكل قال شيئاً
واستعلمه فلم ينجح وبقيت الجارية على تلك الصورة أياماً والخليفة قلق بها
فجاءه أحد الأطباء فقال يا أمير المؤمنين لا دواء لها إلا أن يدخل إلا أن
يدخل إليها رجل غريب فيخلو بها ويمرخها مروخاً يعرفه فأجابه الخليفة إلى
ذلك طلباً لعافيتها فأحضر الطبيب رجلاً وأخرج من كمه دهناً وقال أريد أن
تأمر يا أمير المؤمنين يتعريتها حتى أمرح جميع أعضائها بهذا الدهن فشق ذلك
عليه ثم أمر أن يفعل ذلك ووضع في نفسه قتل الرجل وقال للخادم خذه فأدخله
عليها بعد أن تعريها فعريت الجارية وأقيمت فلما دخل الرجل وقرب منها سعى
إليها وأومأ إلى فرجها ليمسه فغطت الجارية فرجها بيدها ولشدة ما داخلها من
الحياء والجزع حمى بدنها بانتشار الحرارة الغريزية فعاونتها على ما أرادت
من تغطية فرجها واستعمال بدنها في ذلك فلما غطت فرجها قال لها الرجل قد
برأت فلا تحركي يديك فأخذه الخادم وجاء به إلى الرشيد وأخبره الخبر فقال
له الرشيد كيف تعمل بمن شاهد فرج حرمتنا فجذب الطبيب بيده لحية الرجل فإذا
هي ملصقة فانفعلت فإذا الشخص جارية وقال يا أمير المؤمنين ما كنت لأبدي
حرمتك للرجال ولكن خشيت أني أكشف لك الخبر فيتصل بالجارية فتبطل الحيلة
لأني أردت أن أدخل إلى قلبها فزعاً شديداً بحمى طبعها ويقودها إلى الحمل
على يديها وتحريكها وإعانة الحرارة الغريزية على ذلك فلم يقع لي غير هذا
فأخبرتك به فأجزل الخليفة جائزته وأصرفه. قال أبو القاسم ولهذا استعملت
الأطباء في علاج اللقوة الضعيفة الصفعة الشديدة على غفلة من ضد الجانب
الملقوا ليدخل قلب المصفوع ما حميه فيحول وجهه ضرورة بالطبع إلى حيث صفع
فترجع لقوته.
روى الصلت بن محمد الجحدري قال حدثنا بشر بن الفضل قال خرجنا حجاجاً
فمررنا بمياه من مياه العرب فوصف لنا فيه ثلاثة أخوات بالجمال وقيل لنا
إنهن يتطببن ويعالجن فأحببنا أن نراهن فعمدنا إلى صاحب لنا فحككنا ساقه
بعود حتى أدميناه ثم رفعناه على أيدينا وقلنا هذا سليم فهل من راق فخرجت
أصغرهن فإذا جارية كالشمس الطالعة فجاءت حتى وقفت عليه فقالت ليس سليم
قلنا وكيف قالت لأنه خدشه عود بالت عليه حية ذكر والدليل أنه إذا طلعت
عليه الشمس مات فلما طلعت الشمس مات فعجبنا من ذلك. شكا رجل إلى طبيب وجع
بطنه فقال ما الذي أكلت قال أكلت رغيفاً محترقاً فدعا الطبيب ليكحله بذور
فقال الرجل إنما اشتكى وجع بطني لا عيني قال قد عرفت ولكن أكحلك لتبصر
المحترق فلا تأكله.
الباب السابع والعشرون
في ذكر طرف من فطن المتطفلين
قال الأصمعي الطفيلي الداخل على القوم من غير أن يدعى مأخوذ من الطفل وهو إقبال الليل على النهار بظلمته وأرادوا أن أمره يظلم على القوم فلا يدرون من دعاه ولا كيف دخل عليهم. قال وقولهم طفيلي منسوب إلى طفيل رجل بالكوفة من بني غطفان وكان يأتي الولائم من غير أن يدعى إليها وكان يقال له طفيل الأعراس والعرائس. فيه نظر لأن العرب تسمي الطفيلي الوارش والرائش والذي يدخل على القوم في شرابهم ولم يدع إليه الواغل. قال أبو عبيده كان رجل من بني هلال يقال له طفل ابن زلال إذا سمع بقوم عندهم دعوة أتاهم فأكل طعامهم فسمى كل من فعل ذلك به. روى ابن مسعود قال كان فينا رجل يقال له أبو شعيب وكان له غلام لحام فقال لغلامه اجعل لي طعاماً لعلي أدعو النبي صلى الله عليه وسلم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة فتبعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل أنك دعوتني خامس خمسة وأن هذا أتبعنا فإن أذنت وإلا رجع قال بل ائذن له.حدثنا أحمد بن الحسن المقري قال مر بنان بعروس فأراد الدخول فلم يقدر فذهب إلى بقال فوضع خاتمه عنده على عشرة أقداح عسلاً وجاء إلى باب العرس فقال يا بواب افتح لي فقال له البواب من أنت قال أراك ليس تعرفني أنا الذي بعثوني أشتري لهم الأقداح ففتح له الباب فدخل فأكل وشرب مع القوم فلما فرغ أخذ الأقداح فقال يا بواب افتح لي يريدون ناصحيه حتى أرد هذه فخرج فردها على البقال وأخذ خاتمه. قال وجاء بنان إلى وليمة فأغلق الباب دونه فاكترى سلماً ووضعه على حائط للرجل فأشرف على عيال الرجل وبناته فقال له الرجل يا هذا أما تخاف الله رأيت أهلي وبناتي فقال يا شيخ لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد فضحك الرجل وقال له انزل فكل.
قال محمد بن علي الجلاب جاء طفيلي إلى عرس فمنع من الدخول وكان يعلم أن أخاً للعروس غائب فذهب فأخذ ورقة كاغد فطواها وختمها وليس في بطنها شيء وجعل في ظاهرها من الأخ إلى العروس وجاء فقلب معي كتاب من أخي العروس فأذن له فدخل ودفع إليهم الكتاب فقالوا ما رأينا مثل هذا العنوان ليس عليه اسم أحد فقال واعجب من هذا إنه ليس في بطن الكتاب ولا حرف واحد لأنه كان مستعجلاً فضحكوا منه وعرفوا أنه احتال لدخوله فقبلوه.
قال منصور بن علي الجهضمي كان لي جار طفيلي وكان من أحسن الناس منظراً وأعذبهم منطقاً وأطيبهم رائحة وأجملهم ملبوساً وكان من شأنه أني إذا دعيت إلى دعوة تبعني فيكرمه الناس من أجلي ويظنون أنه صاحب لي فاتفق يوماً أن جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة وأراد أن يختن بعض أولاده فقلت في نفسي كأني برسوله وقد جاء وكأني بهذا الرجل قد تبعني والله لئن تبعني لأفضحنه فأنا على ذلك إذ جاء الرسول يدعوني فما زدت على أن ليست ثيابي وخرجت فإذا أنا بالطفيلي واقف على باب داره قد سبقني بالتأهب فتقدمت وتبعني فلما دخلنا دار الأمير جلسنا ساعة ودعي بالطعام وحضرت الموائد وكان كل جماعة على مائدة والطفيلي معي فلما مد يده ليتناول الطعام قلت: حدثنا درست ابن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار قوم بغير إذنهم فأكل طعامهم سارقاً وخرج مغيراً فلما سمع قال أثبت لك عثراً والله من هذا الكلاء فإنه ما من أحد من الجماعة إلا وهو يظن أنك تعرض به دون صاحبه أولا تستحي أن تحدث بهذا الكلام على مائدة سيد من أطعم الطعام وتبخل بطعام غيرك على من سواك ثم لا تستحي أن تحدث عن درست بن زياد وهو ضعيف عن أبان بن طارق وهو متروك لحديث يحكم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون على خلافه لأن حكم السارق القطع وحكم المغير أن يعزر على ما يراه الإمام وأين أنت عن حديث. حدثنا أبو عاصم النبيل عن ابن جريح عن أبي الزبير عن جابر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية وهو إسناد صحيح قال منصور بن علي فأفحمني فلم يحضرني له جواب فلما خرجنا من الموضع للانصراف فارقني من جانب الطريق إلى الجانب الآخر بعد أن كان يمشي ورائي وسمعته يقول:
ومن ظن ممن يلاقي الحروب ... بأن لا يصاب فقد ظن عجزا
عم عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال كان طفيلي العرائس
الذي ينسب إليه الطفيليون يوصي ابنه عبد الحميد بن طفيل في علته التي مات
فيها فيقول له إذا دخلت عرساً فلا تلتفت تلفت المريب وتخير المجالس فإن
كان العرس كثير الزحام فأمر وانهِ ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا في
عيون أهل الرجل ليظن هؤلاء أنك من هؤلاء فإن كان البواب غليظاً وقاحاً
فابدأ به ومره وانه من غير أن تعنف به وعليك بكلام بين النصيحة والأدلال
ثم انشد وقال:
لا تجزعن من الغريب ... ولا من الرجل البعيد
وادخل كأنك طابخ ... بيديك مغرفة الحدي
متدلياً فوق الطعام ... تدلي الباز الصيود
لتلف ما فوق الموائد ... كلها لف الفهود
واطرح حياءك إنما ... وجه الطفيلي من حديد
لا تلتفت نحو البقول ... ولا إلى غرف الثريد
حتى إذا جاءك الطعام ... ضربت فيه كالشديد
وعليك بالفالوذجات ... فإنها عين القصيد
هذا إذا حررتهم ... ودعوتهم هل من مزيد
والعرس لا يخلو من ... اللوزينج الرطب الفنيد
فإذا أتيت به محوت ... محاسن الجام الجديد
قال ثم أغنى عليه ذكر اللوزينج ساعة فلما أفاق رفع رأسه وقال:
وتنقلن على الموا ... ئد فعل شيطان مريد
وإذا انتقلت عبثت ... بالكعك المجفف والقديد
يا رب أنت رزقتني ... هذا على رغم الحسود
واعلم أنك قب ... لت نعمت يا عبد الحميد
قال علي بن المحسن بن علي القاضي عن أبيه قال صحب طفيلي رجلاً في سفر له
الرجل امضِ فاشتر لنا لحماً قال لا والله ما أقدر فمضى هو اشترى ثم قال له
قم فاطبخ قال لا أحسن فطبخ الرجل ثم قال له قم فاترد قال أنا والله كسلان
فثرد الرجل ثم قال له قم واغرف قال أخشى أن ينقلب على ثيابي فغرف الرجل ثم
قال له قم الآن فكل قال الطفيلي قد ولله استحييت من كثرة خلافي لك وتقدم
فأكل.
قال الجاحظ قلت لأبي سعد الطفيلي كم أربعة في أربعة قال رغيفين وقطعة لحم.
وقال المبرد قيل لطفيلي كم اثنين في اثنين فقال أربعة أرغفة وقال مرة أخرى
انتظرته مقدار ما يأكل الإنسان رغيفاً. وقال أبو هفان قيل لطفيلي كم أربعة
في أربعة قال ستة عشر رغيفاً. قال وتطفل رجل مرة على رجل فقال له صاحب
المنزل من أنت قال أنا الذي لم أحوجك إلى رسول. اجتمع جماعة على عصيدة
فأخذ بعضهم لقمة وألقاها في السمن وقال فكبكبوا فيها هم والغاوون وجر
السمن إليه وقال الآخر إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور وجر
السمن إليه وقال الآخر وبئر معطلة وقصر مشيد وجر السمن إليه فقال الآخر
أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً أمراً وجر السمن إليه فقال الآخر إنا
نسوق الماء إلى الأرض الجرز وجر السمن إليه فقال الآخر فيهما عينان تجريان
وجر السمن إليه فقال الآخر فيهما عينان نضاجتان وجر السمن إليه فقال الآخر
فالتقى الماء على أمر قدر وجر السمن إليه فقال الآخر فسقناه إلى بلد ميت
وجر السمن إليه فقال آخر وقيل يا أرض ابلعي ماءك وسماء أقلعي وخلط السمن
بما بقي من العصيدة فأخذه كله.
جاء طفيلي إلى بيت رجل مع جماعة فقال له من أنت فقال إذا كنت لا تدعونا ونحن لا نأتي صار في هذا نوع جفاء. عرس طفيلي فأتاه طفيليان في أول الناس فأدخلهما وجاء إلى غرفة له يرتقي إليها بسلم فوضع السلم وقال اصعدا لتبعدا من الأذى وأخصكما بفائق الطعام فصعدا فلما حصلا في الغرفة نحى السلم ووضع المائدة وأطعم أصدقاءه وجيرانه وهما مطلعان عليه فلما فرغ وضع السلم وقال انزلا فدفع في إقفائهما وقال انصرفا راشدين لا أصفر الله ممشاً كما قد قضيتما حق أخيكما. دخل طفيلي على قوم فبينما هو يأكل سمع صوت السدنة فأمسك يده عن الطعام فقيل له لم تأكل قال حتى تسكن هذه الأراجيف التي أسمعها. وقيل لطفيلي مرة ما بالك أصفر اللون فقال من الفترة التي بين العصارتين أخاف أن يكون الطعام قد فني. وقال طفيلي إياك والكلام على الطعام إلا أن تقول نعم فإنها مضغة أوصى طفيلي غلامه فقال إذا ضاق بك الموضع فقل للذي إلى جانبك لعلى ضيقت عليك فإنه سيوسع لك المكان كموضع رجل آخر. وقال بنان حفظت القرآن كله ثم أنسيته إلا حرفين اتنا غداءنا. وقال بنان التمكن على المائدة خير لك من زيادة أربعة ألوان. وعطش رجل إلى جنب بنان في دعوة فقال بنان ارفع نفسك إلى فوق وتنفس ثلاثاً فإنه ينزل ما أكلته من الطعام.
الباب الثامن والعشرون
في ذكر طرف من فطن المتلصلصين
أخبرنا محمد بن ناصر قال أخبرنا عبد الله الحميدي قال أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران قال أخبرنا أبو الحسين بن دينار قال أنبأنا أبو طالب عبيد الله ابن أحمد الأنباري قال حدثنا يموت بن المزرع عن المبرد قال حدثني أحمد بن المعدل البصري قال كنت جالساً عند عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون فجاءه بعض جلسائه فقال أعجوبة قال ما هي قال خرجت إلى حائطي بالغابة فلما أن أصحرت وبعدت عن البيوت بيوت المدينة تعرض لي رجل فقال اخلع ثيابك فقلت وما يدعوني إلى خلع ثيابي قال أنا أولى بها منك قلت ومن أين قال لأني أخوك وأنا عريان وأنت مكس قلت فالمواساة قال كلا قد لبستها برهة وأنا أريد أن ألبسها كما لبستها قلت فتعريني وتبدي عورتي قال لا بأس بذلك قد روينا عن مالك أنه قال لا بأس للرجل أن يغتسل عرياناً قلت فيلقاني الناس فيرون عورتي قال لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضت لك فيها فقلت أراك ظريفاً فدعني حتى أمض إلى حائطي وانزع هذه الثياب فأوجه بها إليك قال كلا أردت أن توجه إلى أربعة من عبيدك فيحملوني إلى السلطان فيحسبني ويمزق جلدي ويطرح في رجلي القيد قلت كلا أحلف لك إيماناً أني أوفي لك بما وعدتك ولا أسوءك قال كلا إنا روينا عن مالك أنه قال لا تلتزم الأيمان التي يحلف بها اللصوص قلت فأحلف أني لا أحتال في أيماني هذه قال هذه يمين مركبة على اللصوص قلت فدع المناظرة بيننا فوالله لأوجهن إليك هذه الثياب طيبة بها نفسي فأطرق ثم رفع رأسه وقال تدري فيم فكرت قلت لا، قال تصفحت أمر اللصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا فلم أجد لصاً أخذ تسئمة وأكره أن أبتدع في الإسلام بدعة يكون على وزرها ووزر من عمل بها بعدي إلى يوم القيامة اخلع ثيابك قال فخلعتها فدفعتها إليه فأخذها وانصرف.أنبأنا محمد بن أبي طاهر قال أنبأنا علي بن الحسن التنوخي عن
أبيه أن أبا القاسم عبيد الله بن محمد الخفاف حدثه أنه شاهد لصاً قد أخذ
وأشهد عليه أنه كان يفتش الأقفال في الدور اللطاف التي لجيراننا فإذا دخل
حفر في الدار لطيفة كأنها بئر النرد وطرح فيها جوزات كان إنساناً يلاعبه
واخرج منديلاً فيه نحو مائتي جوزة فتركه إلى جانبها ثم حار فكور كل ما في
الدار مما يطيق حمله فإن لم يفطن به أحد خرج من الدار وحمل ذلك كله وإن
كان جاء صاحب الدار ترك عليه قماشه وطلب المفالتة والخروج وغن كان صاحب
الدار جلداً فواثبه ومانعه وهم بأخذه وصاح اللصوص واجتمع الجيران أقبل
عليه وقال ما أبردك أنا أقامرك بالجوز منك شهور قد أفقرتني وأخذت مني كل
ما أملكه وأهلكتني لأفضحك بين جيرانك لما قامرتك الآن تصيح فما يشك أحد في
قوله وأنت تدعي علي باللصوصية بلعب بارد بيني وبينك دار القمار التي
تعارفنا فيها قد صنعت هذا حتى أخرج وأدع عليك قماشك وكلما قال الرجل هذا
لص قال الجيران إنما يريد أن لا يفضح نفسه بالقمار فقد ادعى عليه اللصوصية
ولا يشكون في أنه صادق وان صاحب الدار مقامر فيلعنوه ويحولون بينه وبين
اللص حتى ينصرف ويأخذ الجوز ويفتح الباب وينصرف ويفتضح الرجل بين جيرانه.
أنبأنا محمد قال أنبأنا علي بن المحسن قال حدثني محمد بن عمر المتكلم
ويلقب جنيد قال حدثني رجل من الدقاقين قال أورد علي رجل غريب سفتجة 3 باجل
فكان يتردد عليّ أن حلت السفتجة ثم قتال لي ادعها عندك آخذها متفرقة فكان
يجيء كل يوم فيأخذ بقدر نفقته إلى أن نفذت فصارت بيننا معرفة وألف الجلوس
عندي وكان يراني أخرج من صندوق لي فأعطيته منه فقال لي يوماً أن قفل الرجل
صاحبه في سفره وأمينه في حضره وخليفته على حفظ ماله والذي ينفي الظنة عن
أهله وعياله وغن لم يكن وثيقاً تطرقت الحيل إليه وارى قفلك هذا وثيقاً فقل
لي ممن ابتعته مثله لنفسي فقلت من فلان الإقفالي قال فما شعرت يوماً وقد
جئت إلى دكاني فطلبت صندوقي لأخرج منه شيئاً من الدراهم فحمل إليّ ففتحه
وإذا ليس فيه شيء من الدراهم وقلت لغلامي وكان غير متهم عندي هل انكسر من
الدراب شيء قال لا قلت ففتش هل ترى في الدكان نقباً ففتش فقال لا فقلت فمن
السقف حيلة قال لا قلت فاعلم أن دراهمي قد ذهبت فقلق الغلام فسكته وأقمت
من نومي لا أدري أي شيء أعمل وتأخر الرجل عني فاتهمته وتذكرت مسألته لي عن
القفل فقلت للغلام أخبرني كيف تفتح دكاني وتقفله قال احمل الدراب من
المسجد دفعتين ثلاثة فأقفلها ثم هكذا أفتحها قلت فعلى من تخلي الدكان إذا
حملت الدراب قال خالياً قلت ههنا دهيت فذهبت إلى الصانع الذي ابتعت منه
القفل فقلت له جاءك إنسان منذ أيام اشترى منك مثل هذا القفل قال نعم ورجل
من صفته كيت وكيت فأعطاني صفة صاحبي فعلمت أنه احتال على الغلام وقت
المساء لما انصرفت أنا وبقي الغلام يحمل الدراب فدخل هو إلى الدكان فاختبأ
فيه ومعه مفتاح القفل الذي اشتراه يقع على قفلي وأنه أخذ الدراهم وجلس طول
الليل خلف الدراب فلما جاء الغلام ففتح داربين وحملها ليرفعها خرج وإنه ما
فعل ذلك إلا وقد خرج من بغداد، قال فخرجت ومعي قفلي ومفتاحه فقلت ابتدئ
بطلب الرجل بواسط فلما صعدت من السميرية طلبت خانا أنزله فصعدت فإذا يقفل
مثل قفلي سواء على بيت فقلت لقيم الخان هذا البيت من ينزله قال رجل قدم من
البصرة أمس قلت ما صفته فوصف صفة صاحبه فلم أشك أنه هو وان الدراهم في
بيته فاكتريت بيتاً إلى جانبه ورصدت حتى انصرف قيم الخان ففتحت القفل
ودخلت فوجدت كيسي بعيد فأخذته وخرجت وأقفلت الباب ونزلت في الوقت وانحدرت
إلى البصرة وما أقمت بواسط إلا ساعتين من النهار ورجعت إلى منزلي بمالي
بعينه.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أخبرنا علي بن الحسن عن أبيه قال حدثني عبد الله بن محمد الصروي قال حدثني ابن الدنانير النمار قال حدثني غلام لي قال كنت ناقداً بالأبلة لرجل تاجر فاقتضيت له من البصرة نحو خمسمائة دينار وورقاً ولففتهما في فوطة وأمسيت عن المسير إلى الأبلة فما زلت أطلب ملاحاً فلا أجد أن رأيت ملاحاً مجتازاً في خيطية خفيفة فارغة فسألته أن يحملني فخفف علي الأجرة وقال، أنا أرجع إلى منزلي بالأبلة فانزل فنزلت وجعلت الفوطة بين يدي وصرنا فإذا رجل ضرير على الشط يقرأ أحسن قراءة تكون فلما رآه الملاح كبر فصاح هو بالملاح، احملني فقد جنني الليل وأخاف على نفسي فشتمه الملاح، فقلت له احمله فدخل إلى الشط فحمله فرجع إلى قراءته فخلب عقلي بطيبها فلما قربنا من الأبلة قطع القراءة وقام ليخرج في بعض المشارع بالأبلة فلم أر الفوطة فاضطربت وصحت واستغاث الملاح وقال الساعة تنقلب الخيطية وخاطبني خطاب من لا يعلم حالي، فقلت يا هذا أكانت بين يدي فوطة فيها خمسمائة دينار فلما سمع الملاح ذلك لطم وبكى وتعرى من ثيابه وقال لم أدخل الشط ولا لي موضع أخبأ فيه شيئاً فتتهمني بسرقة ولي أطفال وأنا ضعيف فالله الله في أمري وفعل الضرير مثل ذلك وفتشت السميرية فلم أجد فيها شيئاً، فرحمتهما وقلت هذه محنة لا أدري كيف التخلص فعملت على الهرب كل واحد منا طريقاً وبت في بيت ولم امض إلى صاحبي فلما أصبحت عملت على الرجوع إلى البصرة لأستخفي بها أياماً ثم أخرج إلى بلد شاسع فانحدرت وخرجت في مشرعة بالبصرة وأنا أمشي وأتعثر وأبكي قلقاً على فراق أهلي وولدي وذهاب معيشتي وجاهي، فاعترضني رجل فقال مالك أخبرته فقال، أنا أرد عليك مالك فقلت يا هذا أنا في شغل عن ظنرك بي قال ما أقول إلا حقاً أمض إلى السجن ببني نمير واشتر معك خبزاً كثيراً وشواء جيداً وحلواً وسل السجان أن يوصلك إلى رجل محبوس هناك يقال له أبو بكر النقاش قل له أنا زائره فإنك لا تمنع فإن منعت فهب للسجان شيئاً يسيراً يدخلك إليه فإذا رأيته فسلم عليه ولا تخاطبه حتى تجعل بين يديه ما معك فإذا أكل وغسل يديه فإنه يسألك عن حاجتك فأخبره خبرك فإنه سيدلك على من أخذ مالك ويرتجعه لك، ففعلت ذلك ووصلت إلى الرجل فإذا سيخ مكبل بالحديد فسلمت وطرحت ما معي بين يديه فدعا رفقاء له فأكلوا فلما غسل يديه قال ما أنت وما حاجتك فشرحت له قصتي، فقال امض الساعة إلى بني هلال فادخل الدرب الفلاني حتى تنتهي إلى آخره فإنك تشاهد باباً شعثاً فافتحه وادخله بلا استئذان فتجد دهليزاً طويلاً يؤدي إلى بابين فادخل الأيمن منهما فسيدخلك إلى دار فيها بيت فيه أوتاد وبواري وكل وتد إزار ومئزر فانزع ثيابك وألقها على الوتد واتزر بالمئزر واتشح بالإزار واجلس فسيجيء قوم يفعلون كما فعلت، ثم يؤتون بطعام فكل معهم وتعمد موافقتهم في سائر أفعالهم فإذا أتى بالنبيذ فاشرب وخذ قدحاً كبيراً واملأه وقم قائماً وقل هذا ساري لخالي أبي بكر النقاش فسيفرحون ويقولون أهو خالك فقل نعم فسيقومون ويشربون لي فإذا جلسوا فقل لهم خالي يقرأ عليكم السلام ويقول يا فتيان بحياتي ردوا على ابن أختي المئزر الذي أخذتموه بالأمس في السفينة بنهر الأبلة فإنهم يردونه عليك فخرجت من عنده ففعلت ما أمر فردت الفوطة بعينها وما حل شدها فلما حصلت لي قلت يا فتيان هذا الذي فعلتموه معي هو قضاء لحق خالي ولي أنا حاجة تخصني قالوا مقضية قلت عرفوني كيف أخذتم الفوطة فامتنعوا ساعة فأقسمت عليهم بحياة أبي بكر النقاش فقال لي واحد منهم أتعرفني فتأملته جيداً فإذا هو الضرير الذي كان يقرأ وإنما كان متعامياً وأومأ إلى آخر فقال أتعرف هذا فتأملته فإذا هو الملاح فقلت كيف فعلتما فقال الملاح أنا أدور المشارع في أول أوقات المساء وقد سبقت بهذا المتعامي فأجلسته حيث رأيت فإذا رأيت من معه شيء له قدر ناديته وأرخصت له الأجرة وحملته فإذا بلغت إلى القاري وصاح بي شتمته حتى لا يشك الراكب في براءة الساحة فإن حمله الركب فذاك وإلا رققته عليه حتى يحمله فإذا حمله وجلس يقرأ ذهل الرجل كما ذهلت، فإذا بلغنا الموضع الفلاني فإن فيه رجلاً متوقعاً لنا يسيح حتى يلاصق السفينة وعلى رأسه فوصرة فلا يفطن الراكب به فيسلب هذا المتعامي الشيء بخفية فيليه إلى الرجل الذي عليه القوصرة فيأخذه ويسيح إلى
الشط وإذا أراد الراكب الصعود وافتقد ما معه عملنا كما رأيت فلا
يتهمنا ونفترق فإذا كان من غدا اجتمعنا واقتسمناه فلما جئت برسالة استأذنا
خالك سلمنا إليك الفوطة قال فأخذتها ورجعت.ط وإذا أراد الراكب الصعود
وافتقد ما معه عملنا كما رأيت فلا يتهمنا ونفترق فإذا كان من غدا اجتمعنا
واقتسمناه فلما جئت برسالة استأذنا خالك سلمنا إليك الفوطة قال فأخذتها
ورجعت.
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري
وأخبرنا ابن ناصر قال أخبرنا عبد المحسن بن محمد قال أخبرنا أبو القاسم
التوخي قال أخبرنا بن حيوية قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني لص تائب قال
دخلت مدينة فجعلت أطلب شيئاً أسرقه فوقعت عيني على صيفي موسر فما زلت
أحتال حتى سرقت كيساً له وانسللت فما حزت غير بعيد إذا أنا بعجوز معها كلب
قد وقعت في صدري تبوسني وتلزمني وتقول يا بني فديتك والكلب يبصبص ويلوذ بي
ووقف الناس ينظرون إلينا وجعلت المرأة تقول بالله انظروا إلى الكلب قد
عرفه، فعجب الناس من ذلك وتشككت أنا في نفسي وقلت لعلها أرضعتني وأنا لا
أعرفها وقالت معي إلى البيت أقم عندي اليوم، فلم تفارقني حتى مضيت نعها
إلى بيتها وإذا عندها أحداث يشربون وبين أيديهم من جميع الفواكه والرياحين
فرحبوا بي وقربوني وأجلسوني معهم، ورأيت لهم بزة حسنة فوضعت عيني عليها
فجعلت أسقيهم وأرفق بنفسي إلى أن ناموا ونام كل من في الدار فقمت وكورت ما
عندهم وذهبت أخرج فوثب علي الكلب وثبة الأسد وصاح وجعل يتراجع ويفج إلى أن
انتبه كل نائم، فخجلت واستحييت فلما كان النهار رفعوا مثل فعلهم أمس وفعلت
أيضاً أنا بهم مثل ذلك وجعلت أوقع الحيلة في أمر الكلب إلى الليل فما
أمكنني فيه حيلة فلما ناموا رمت الذي رمته فإذا الكلب عارضني بمثل ما
عارضني به فجعلت أحتال ثلاث ليال فلما أيست طلبت الخلاص منهم بإذنهم، فقلت
أتأذنون لي فإني على وفز فقالوا الأمر إلى العجوز فاستأذنها فقالت هات
الذي أخذته من الصيرفي وامضِ حيث شئت ولا تقوم في هذه المدينة فإنه لا
يتهيأ لأحد فيها معي عمل فأخذت الكيس وأخرجتني ووجدت مناي أن أسلم من يدها
وكان قصراي أن أطلب منها نفقة فدفعن إليّ وخرجت معي حتى أخرجتني عن
المدينة والكلب معها حتى جزت حدود المدينة ووقفت ومضيت والكلب يتبعني حتى
بعدت ثم تراجع ينظر إليّ ويلتفت وأنا أنظر إليه حتى غاب عني.
أنبأنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن الباقلاوي
قال أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال أنبأنا أبو الفح محمد بن الحسين
الأزدي قال حدثنا علي بن محمد القاري قال حدثنا سهل الخلاطي قال بلغني أن
محتالين سرقا حماراً ومضى أحدهما ليبيعه فلقيه رجل معه طبق فيه سمك فقال
له تبيع هذا الحمار قال نعم أمسك هذا الطبق حتى أركبه وانظر إليه فدفع
إليه الطبق فيه السمك فركبه ورجع ثم ركبه ودخل زقاقاً ففر به فلم يدر أين
ذهب، قال فرجع المحتال فلقيه رفيقه فقال ما فعل الحمار قال بعناه بما
اشتريناه وربحنا هذا الطبق من السمك.
وقد روينا أن رجلاً سرق حماراً فأتى السوق ليبيعه فسرق منه فعاد إلى منزله فقالت له امرأته بكم بعته قال برأس ماله. أنبأنا محمد بن أبي طاهر قال أنبأنا علي ابن المحسن عن أبيه قال حدثني عبد الله بن محمد الصروي قال حدثنا بعض إخواننا أنه كان ببغداد رجل يطلب التلصص في حداثته ثم تاب فصار بزازاً قال فانصرف ليلة من دكانه وقد غلقه فجاء لص محتال متزي بزي صاحب الدكان في كمه شمعة صغيرة ومفاتيح فصاح بالحارس فأعطاه الشمعة في الظلمة وقال أشعلها وجئني بها فإن لي الليلة بدكاني شغلاً فمضى الحارس يشعل الشمعة وركب اللص على الأقفال ففتحها ودخل الدكان وجاء الحارس بالشمعة فأخذها من يده فجعلها بين يديه وفتح سفط الحساب وأخرج ما فيه وجعل ينظر الدفاتر ويرى بيده أنه يحسب والحارس يتردد ويطالعه ولا يشك في أنه صاحب الدكان إلى أن قارب السحر فاستدعى اللص الحارس، وكلمه من بعيد وقال اطلب لي حمالاً، فجاء بحمال فحمل عليه أربع رزم مثمنة وقفل الدكان وانصرف ومعه الحمال وأعطى الحارس درهمين فلما أصبح الناس جاء صاحب الدكان ليفتح دكانه فقام إليه الحار سيدعو له ويقول فعل الله بك وصنع كما أعطيتني البارحة الدرهمين فأنكر الرجل ما سمعه وفتح دكانه فوجد سيلان الشمعة وحسابه مطروحاً وفقد الأربع رزم فاستدعى الحارس، وقال له من كان حمل الرزم معي من دكاني قال ما استدعيت مني حمالاً فجئتك به قال بلى ولكن كنت ناعساً وأريد الحمال فجئني به فمضى الحارس فجاء بالحمال وأغلق الرجل الدكان وأخذ الحمال معه ومضى فقال له إلى أين حملت الرزم معي البارحة فإني كنت منقبذاً قال إلى المشرعة الفلانية واستدعيت لك فلاناً الملاح فركبت معه فقصد الرجل المشرعة وسأل عن الملاح فحضر وركب معه وقال أين رقيت أخي الذي كان معه الأربع الرزم، قال إلى المشرعة الفلانية قال اطرحني إليها فطرحه، قال من حملها معه قال فلان الحمال فدعا به فقال له امشِ بين يدي فمشى فأعطاه شيئاً واستدله برفق إلى الموضع الذي حمل إليه الرزم، فجاء به إلى باب غرفة في موضع بعيد من الشط قريب من الصحراء فوجد الباب مقفلاً فاستوقف الحمال وفش القفل ودخل فوجد الرزم بحالها وإذا في البيت بركان معلق على حبل فلف الرزم ودعا بالحمال فحملها عليه وقصد المشرعة فحين خرج من الغرفة استقبله اللص فرآه وما معه فابلس فاتبعه إلى الشط فجاء إلى المشرعة ودعا الملاح ليعبر فطلب الحمال من يحط عنه فجاء اللص فحط الكساء كأنه مجتاز متطوع فأدخل الرزم إلى السفينة مع صاحبها وجعل البركان على كتفه وقال له يا أخي أستودعك الله قد ارتجعت رزمك فدع كسائي فضحك. وقال انزل فلا خوف عليك فنزل معه واستتابه ووهب له شيئاً وصرفه ولم يسئ إليه.
أنبأنا محمد بن أبي طاهر عن أبي القاسم التنوخي عن أبيه أن رجلاً من بني عقيل مضى ليسرق دابة قال فدخلت الحي فما زلت أتعرف مكان الدابة فاحتلت حتى دخلت البيت فجلس الرجل وامرأته يأكلان في الظلمة فأهويت بيدي إلى القصعة وكنت جائعاً فأنكر الرجل يدي وقبض عليها فقبضت على يد المرأة بيدي الأخرى فقالت المرأة مالك ويدي فظن أنه قابض على يد امرأته فخلى يدي فخليت ين المرأة وأكلنا ثم أنكرت المرأة يدي فقبضت عليها فقبضت على يد الرجل فقال لها مالك ويدي تخليت عن يده ثم نام وقمت فأخذت الفرس وقد رويت هذه الحكاية على صفة أخرى فأنبأنا محمد بن أبي طاهر قال أنبأنا التنوخي عن أبيه قال حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد الكاتب قال حدثني محمد بن يزمع العقيلي أحد قوادهم ووجوههم في الحي وكان ورد إلى معز الدولة فأكرمه وأحسن إليه قال رأيت رجلاً من بني عقيل وظهره كله مشرطات الحجام إلا أنها أكبر فسألته عن ذلك فقال إني كنت هويت ابنه عم لي فخطبتها فقالوا لا نزوجك إلا أن تجعل في الصداق الشبكة فرس سابقة كانت لبعض بني أبي بكر فتزوجتها على ذلك وخرجت في أن أحتال إن أسا الفرس من صاحبه لا تمكن من الدخول بابنه عمي فأتيت الحي الذي فيه الفرس وما زلت أداخلهم فمرة أجيء إلى الخباء الذي فيه الرجل كأني سائل لي إن عرفت بيت الفرس من الخباء الذي فيه الرجل وأخبئت حتى دخلت من خلفه وحصلت خلف النضد نحت وكانوا تفشوه ليغزل فلما جاء الليل وافى صاحب البيت وقد زاولت له المرأة عشاء وجلسا يأكلان وقد استحكمت الظلمة ولا مصباح لهم وكنت جائعاً فأخرجت يدي وأهويت إلى القصعة فأكلت معهما وأحس الرجل بيدي فأنكرها فقبض عليها على يد المرأة فقالت له المرأة مالك ويدي فظن أنه قابض على يد امرأته فخلى يدي فخليت يد المرأة وأكلنا ثم أنكرت المرأة يدي فقبضت عليها فقبضت على يد الرجل فقال لها مالك ويدي فخلت عن يدي فخليت عن يده وانقضى الطعام واستلقى الرجل نائماً فلما استثقل وأنا مراصدهم والفرس مقيدة في جانب البيت والمفتاح تحت رأس المرأة فوافى عبد له أسود فنبذ حصاة فانتبهت المرأة فقامت إليه وتركت المفتاح مكانه وخرجت من الخباء إلى ظاهر البيت فإذا هو قد علاها فأخذت أنا المفتاح ففتحت القفل وكان معي لجام شعر فأجزته الفرس وركبتها وخرجت عليها من الخباء فقامت المرأة من تحت العبد، ودخلت الخباء وصاحت وذعر الحي فأحسوا بي وركبوا في طلبي وأنا أكد الفرس وخلف بخلق منهم فأصبحت وليس ورائي إلا فاؤرس واحد برمح فلحقني وقد طلعت الشمس وأخذ يطعنني فهذه آثار طعناته في جسدي لا فرسه يلحقه بي حتى يتمكن من طعنته إياي ولا فرسي ينجيني إلى حيث لا يمسني الرمح حتى وافينا إلى نهر عظيم فصحت بالفرس فوثبه وصاح الفارس بالتي تحته فقصرت ولم تثب فلما رأيته عاجزاً عن العبور وقف لأريح الفرس وأستريح فصاح بي فأقبلت عليه بوجهي فقال يا هذا أنا صاحب الفرس التي تحتك وهذه ابنتها وإذ قد ملكتها فلا تخدعن فيها فإنها تساوي عشر ديات وما طلبت عليها شيئاً قط إلا لحقته ولا طلبني عليها أحداً إلا فته وإنما سميت الشبكة لأنها لم ترد شيئاً إلا أدركته فكانت كالشبكة في صيدها فقلت له إذ نصحتني فوالله لأنصحنك كان من صورتي البارحة كيت وكيت فقصصت عليه قصة امرأته والعبد وحيلتي في الفرس فأطرق ثم رفع رأسه فقال مالك لا جزاك الله من طارق خير أطلقت زوجتي وأخذت فرسي وقتلت عبدي.
أنبأنا محمد بن أبي طاهر أنبأنا أبو القاسم التنوخي عن أبي أن رجلاً نام في مسجد وتحت رأسه كيس فيه ألف وخمسمائة دينار قال فما شعرت إلا بلسان قد جذبه من تحت رأسي فانتبهت فزعاً فإذا شاب قد أخذ الكيس ومر يعدو فقمت لا عدو خلفه فإذا رجلي مشدودة بخيط قنب في وتد مضروب في آخر المسجد. أنبأنا محمد بن أبي طاهر قال أنبأنا أبو القاسم التنوخي عن أبيه قال حدثني أبو الحسين عبد الله بن محمد البصري قال حدثني أبي قال كان بالبصرة رجل من اللصوص يلص بالليل فاره جداً مقدام يقال له عباس بن الخياطة قد غلب الأمراء وأشجى أهل البلد فلم يزالوا يحتالون عليه إلى أن وقع وكيل بمائة رطل حديد وحبس فلما كان بعد سنة من حبسه أو أكثر دخل قوم بالأبلة على رجل تاجر كان عنده جوهر بعشرات ألوف الدنانير وكان مستيقظاً جلداً فجاء إلى البصرة يتظلم وأعانه خلق من التجار وقال للأمير أنت دست على جوهري وما خصمي سواك فورد عليه أمر عظيم وخلا بالبوابين وتوعدهم فاستنظروه فأنظرهم وطلبوا واجتهدوا فما عرفوا فاعل ذلك فعنفهم الرجل فاستجابوا مدة أخرى فجاء أحد البوابين إلى الحبس فتخادم لابن الخياطة ولزمه نحو شهر وتذلل له في الحبس فقال له قد وجب حقك علي فما حاجتك قال جوهر فلان المأخوذ بالأبلة لا بد أن يكون عندك منه خبر فإن دماءنا مرتهنة به وحدثه الحديث فرفع ذيله وإذا سفط الجوهر تحته فسلمه إليه وقال قد وهبته لك فاستعظم ذلك وجاء بالسفط إلى الأمير فسأله عن القصة فأخبره بها فقال علي بعباس فجاؤوا به فأمر بالإفراج عنه وإزالة قيوده وإدخاله الحمام وخلع عليه وأجلسه في مجلسه مكرماً واستدعى الطعام فواكله وبيته عنده فلما كان من الغد خلا به وقال أنا أعلم أنك لو ضربت مائة ألف سوط ما أقررت كيف كانت صورة أخذ الجوهر وقد عاملتك بالجميل ليجب حقي عليك من طريق الفتوة وأريد أن تصدقني حديث هذا الجوهر قال على أنني ومن عاونني عليه آمنون وإنك لا تطالبنا بالذين أخذوه قال نعم فاستحلفه فقال له إن جماعة اللصوص جاؤوني الحبس وذكروا حال هذا الجوهر وإن دار هذا التاجر لا يجوز أن يتطرق عليها نقب ولا تسليق وعليها باب حديد والرجل نتيقظ وقد راعوه سنة فما أمكنهم وسألوني فساعدتهم فدفعت إلى السجان مائة دينار وحلفت به بالشطارة والأيمان الغليظة أنه إن طلقني عدن إليه من غد وأنه إن لم يفعل ذلك اغتلته فقتلته في الحبس فأطلقني فنزعنا الحديد وتركته وخرجت المغرب فوصلنا إلى الأبلة العتمة وخرجنا إلى دار الرجل فإذا هو في المسجد وبابه مغلق لأحدهم تصدق من الباب فتصدق فلما جاؤوا ليفتحوا قلت له أختفي ففعل ذلك مرات والجارية تخرج فإذا لن تر أحداً عادت إلى أن خرجت من الباب ومشت خطوات تطلب السائل فتشاغلت بدفع الصدقة إليه فدخلت أنا إلى الدار فإذا في الدهليز بيت فيه حمار فدخلته ووقفت تحت الحمار وطرحت الجل علي وعليه وجاء الرجل فغلق الأبواب وفتش ونام على سرير عال والجوهر تحته فلما انتصف الليل قمت إلى شاة غب الدار فعركت أذنها فصاحت فقال ويلك أقول لك افتقديها قالت قد فعلت قال كذبت وقام بنفسه ليطرح لها علفاً فجلست مكانه على السرير وفتحت الخزانة وأخذت السفط وعدت إلى موضعي وعاد الرجل فنام فاجتهدت أن أجد حيلة أن أنفب إلى دار بعض الجيران فأخرج فما قدرت لأن جميع الدار مؤزرة بالساج ورمت صعود السطح فما قدرت لأن الممارق مقفلة بثلاثة أقفال فعملت على ذبح الرجل ثم استقبحت ذلك وقلت هذا بين يدي إن لم أجد حيلة غيره فلما كان السحر عدت إلى موضعي تحت الحمار وانتبه الرجل يريد الخروج فقال للجارية افتحي الأقفال من الباب ودعيه متربساً ففعلت وقربت من الحمار فرفس فصاحت فخرجت أنا ففتحت المترس وخرجت أعدو حتى جئت إلى المشرعة فنزلت في الخيطية ووقعت الصيحة في دار الرجل فطالبني أصحابي أن أعطيهم شيئاً منه فقلن لا هذه قصة عظيمة وأخاف أن يتنبه عليها ولكن دعوه عندي فإن مضى على الحديث ثلاثة أشهر وافتكم فصيروا إلي أعطيكم النصف وإن ظهر خفت عليكم وعلى نفسي وجعلته حقنا لدمائكم فرضوا بذلك فأرسل الله هذا البواب بليه يخدمني فاستحييت منه وخفت أن يقتل هو وأصحابه وقد كنت وضعت في نفسي الصبر على كل عذاب فدخلتم عليّ من طريق أخرى لم أستحسن في الفتوة معها إلا الصدق فقال له الأمير جزاء هذا الفعل إن أطلقك ولكن تتوب
فتاب وجعله الأمير من بعض أصحابه وأسنى له الرزق فاستقامت
طريقته.ب وجعله الأمير من بعض أصحابه وأسنى له الرزق فاستقامت طريقته.
قال أبو الحسين وحدثني أبي عن طالوت بن عباد الصيرفي قال كنت ليلة نائماً
بالبصرة في فراشي وأحراسي يحرسوني وأبوابي مقفلة فإذا أنا بابن الخياطة
ينبهني من فراشي فانتبهت فزعاً فقلت من أنت فقال ابن الخياطة فتلفت فقال
لا تجزع قد قمرت الساعة خمسمائة دينار أقرضني إياها لأردها عليك فأخرجت
خمسمائة دينار فدفعتها إليه فقال نم ولا تتبعني لأخرج من حيث جئت وإلا
قتلتك قال وأنا والله أسمع صوت حراسي ولا أدري من حيث دخل ولا من أين خرج
وكتمت الحديث خوفاً منه وزدت في الحرس ومضت ليال فإذا أنا به قد أنبهني
على تلك الصورة فقلت مرحباً ما تريد قال جئت بتلك الدنانير تأخذها مني
فقلت أنت في حل منها فإن أردت شيئاً آخر فخذ فقال لا أريد من نصح التجار
شاركهم في أموالهم ولو كنت أردت أخذ مالك باللصوصية فعلت ولكنك رئيس بلدك
ولا أريد أذيتك فإن ذلك يخرج عن الفتوة ولكن خذها فإن احتجت إلى شيء بعد
هذا أخذت منك فقلت أن عودك لا يفزعني ولكن إذا أردت شيئاً فتعال إلي
نهاراً أو رسولك فقال افعل فأخذت الدنانير منه وانصرف وكان رسوله يجيئني
بعلامة بعد ذلك فيأخذ ما يريده بعد مدة فما انكسر لي عنده شيء إلى أن قبض
عليه.
حكى أبو محمد عبد الله بن علي بن الخشاب النحوي أن رجلاً اشترى من مخاطى
قطعة صابون ومضى إلى النهر لغسل ثيابه فلما وصل أخرجها فإذا هي قطعة آجر
فصعب الأمر عليه وقال هذا يبيع الناس آجراً وصابوناً فمضى إليه ليردها
فلما وصل قال ويحك أتبيع الناس آجراً وصابوناً قال كيف أبيع أجراً فأخرجها
من كمه فإذا هي قطعة صابون فاستحى ورجع إلى النهر فأخرجها فإذا هي آجر
فعاد إليه ووبخه وأخرجها فإذا هي قطعة صابون مرة أخرى كذلك حتى ضجر فقال
له المخاطر لا يضيق صدرك فإن لنا ولداً قد أخرجناه نعلمه أن يبط ويحتال
وإنك كلما مضيت فعل هذا فإذا رآك قد عدت لردها أعادها في كمك وأنت لا
تعلم. دخل دار قوم فلم يجد ما يسرق غير دواة مكسورة فكتب على الحائط عز
عليّ فقركم وغناي. دخل لص بيت رجل فأخذ متاعه وخرج فصاح الرجل ما أنحس هذه
الليلة فقال اللص على كل أحد. حدثني بعض الإخوان أن رجلاً جاء إلى بزاز
فاستعرض منه ثياباً بثلاثمائة دينار ثم وزنها له فلما تسلمها قال الرجل
لقد غبنتني فعاد وجمع الدنانير وتركها في خرقة وختمها ورمى بها في كم
غلامه ثم قال ما أنا إلا متردد أفتأذن لي أن أرى الثياب من اشتريتها له
فإن رضي وإلا رددتها قال نعم فأدخل يده في كم غلامه فأخرج الخرقة فرمى بها
إلى البزاز وأخذ الثياب ومضى ففتح البزاز الخرقة فإذا بها فلوس وقد جعل في
كم غلامه خرقة مثلها وفيها وزن الثلاثمائة.
حدثني أبو الفتح البصري قال اجتمع جماعة من اللصوص اجتاز عليهم شيخ صيرفي
معه كيسه فقال أحدهم ما تقولون فيمن يأخذ كيس هذا قالوا كيف تفعل قال
انظروا ثم تبعه إلى منزله فدخل الشيخ فرمى كيسه على الصفة وقال للجارية
أنا حاقن فالحقيني بماء في الغرفة وصعد فدخل اللص فأخذ الكيس وجاء إلى
أصحابه فحدثهم فقالوا ما عملت شيئاً تركته يضرب الجارية ويعذبها وماذا
مليح قال فكيف تريدون قالوا تخلص الجارية من الضرب وتأخذ الكيس قال نعم
فمضى فطرق الباب فإذا به يضرب الجارية فقال من قال غلام جارك في الدكان
فخرج فقال ماذا تقول فقال سيدي يسلن عليك ويقول لك قد تغيرت ترمي كيسك في
الدكان وتمضي ولولا أنا رأيناه كان قد أخذ وأخرج الكيس وقال أليس هذا هو
قال بلى والله صدق ثم أخذه فقال له بل أعطنيه وادخل فاكتب في رقعة قد
تسلمت الكيس حتى أتخلص أنا ويرجع إليك مالك فناوله إياه ودخل ليكتب فأخذه
ومضى.
قال أبو جعفر محمد بن الفضل الضميري كان في بلدنا عجوز صالحة كثيرة الصيام والصلاة وكان لها ابن صيرفي منهمك على الشرب واللعب وكان يتشاغل بدكانه أكثر نهاره ثم يعود إلى منزله فيخبأ كيسه عند والدته، فدخل إلى الدار وهو لا يعلم فاختبأ فيها وسلم كيسه إلى أمه وخرج وبقيت هي وحدها في الدار وكان لها في دارها بيت مؤزر بالساج عليه باب من حديد تجعل قماشها فيه والكيس فخبأت الكيس فيه خلف الباب وجلست فأفطرت بين يديه فقال اللص الساعة تقفله وتنام وأنزل وأقلع الباب وآخذ الكيس فلما أفطرت قامت تصلي ومدت الصلاة ومضى نصف الليل وتحير اللص وخاف أن يدركه الصبح فطاف في الدار فوجد إزاراً جديداً وبخور فاتزر بالإزار وأوقد البخور وأقبل ينزل على الدرجة ويصيح بصوت غليظ ليفزع العجوز وكانت جلدة ففطنت أنه لص فقالت من هذا بارتعاد وفزع فقال أنا جبريل رسول رب العالمين أرسلني إلى ابنك هذا الفاسق لأعظه وأعامله بما يمنعه عن ارتكاب المعاصي فأظهرت أنها قد غشي عليها من الفزع وأقبلت تقول يا جبريل سألتك إلا رفقت به فإنه واحدي فقال اللص ما أرسلت لقتله قالت فبم أرسلت قال لآخذ كيسه وأولم قلبه بذلك فإذا تاب رددته عليه فقالت يا جبريل شأنك وما أمرت به فقال تنحي عن باب البيت وفتح هو الباب ودخل ليأخذ الكيس والقماش واشتغل في تكويره فمشت العجوز قليلاً قليلاً وجذبت الباب وجعلت الحلقة في الرزة وجاءت بقفل فقفلته فنظر اللص إلى الموت ورام حيلة، نقب أو منقذ فلم يجد فقال افتحي لأخرج فقد أتعظ ابنك فقالت يا جبريل أخاف أن أفتح الباب فتذهب عيني من ملاحظة نورك فقال إني أطفئ نوري حتى لا يذهب بعينيك فقالت يا جبريل ما يعوزك أن تخرج من السقف أو تخرق الحائط بريشة من جناحك ولا تكلفني أنا لتغوير بصري فأحس اللص أنها جلدة فأخذ يرفق بها ويداريها ويبذل التوبة فقالت دع عنك هذا لا سبيل إلى الخروج إلا بالنهار وقامت فصلت وهو يسألها حتى طلعت الشمس وجاء ابنها وعرف خبرها وحدثته الحديث فأحضر صاحب الشرطة وفتح الباب وقبض على اللص.
الباب التاسع والعشرون
في ذكر طرف من أخبار فطن الصبيان
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب النحوي قال أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة قال أخبرنا أبو طاهر المخلص قال أنبأنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال أخبرنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك أن عبد الملك بن مروان قال لرأس الجالوت أو لابن رأس الجالوت ما عندكم من الفراسة في الصبيان قال ما عندنا فيهم شيء لأنهم يخلقون خلقاً بعد خلق أغيرانا نرمقهم فإن سمعنا منهم من يقول في لعبه من يكون معي رأيناه ذاهمة وحنو صدق فيه وإن سمعناه يقول مع من أكون كرهناها منه فكان أول ما علم من ابن الزبير أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبي فرم رجل فصاح عليهم ففررا ومشى ابن الزبير القهقهري وقال يا صبيان اجعلوني أميركم وشدوا بنا عليه ومر به عمر بن الخطاب وهو صبي يلعب مع الصبيان ففروا ووقف فقال له مالك لم تفر مع أصحابك قال يا أمير المؤمنين لم أجرم فأخاف ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك.أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أخبرنا ابن حيوية قال أخبرنا أحمد بن معروف قال أنبأنا الحسين بن الفهم قال حدثنا محمد بن سعد قال أنبأنا حجاج بن نصر قال حدثنا قرة بن خالد عن هارون بن زياب قال حدثنا سنان بن مسلمة وكان أميراً على البحرين قال كنا أغيلمة بالمدينة في أصول النخل نلتقط البلح الذي يسمونه الخلال فخرج إلينا عمر بن الخطاب فتفرق إلينا عمر بن الخطاب فتفرق الغلمان وثبت مكاني فلما عشيني قلت يا أمير المؤمنين إنما هذا ما ألقت الريح قال أرني أنظر فإنه لا يخفي علي قال فنظر في حجري فقال صدقت فقلت يا أمير المؤمنين ترى هؤلاء الغلمان والله لئن انطلقت لأغاروا علي فانتزعوا ما في يدي قال فمشى معي حتى بلغني مأمني.
قال، قال أبو محمد الترمذي كنت أؤدب المأمون وهو في حجر يعلمه
الجوهري قال فأتيته يوماً وهو داخل فوجهت إليه بعض خدامه يعلمه بمكاني
فأبطأ عليّ ثم وجهت آخر فأبطأ فقلت لسعيد أن هذا الفتى ربما تشاغل
بالبطالة وتأخر قال أجل ومع هذا إنه إذا فارقك تعزم على خدمه ولقوا منه
أذى شديداً فقومه بالأدب فلما خرج أمرت بحمله فضربته سبع درر قال فإنه
ليدلك عينيه من البكاء إذ قيل جعفر بن يحيى قد أقبل فأخذ منديلاً فمسح
عينيه من البكاء وجمع ثيابه وقام إلى فرشه فقعد عليه متربعاً ثم قال ليدخل
فقمت عن المجلس وخفت أن يشكوني إليه فألقى منه ما أكره بوجهه وحدثه حتى
أضحكه وضحك إليه فلما هم بالحركة بدابته ودعا غلمانه فسعوا بين يديه ثم
سأل عني فجئت فقال خذ على بقية حزني فقلت أيها الأمير أطال الله بقاءك لقد
خفت أن تشكوني إلى جعفر بن يحيى ولو فعلت ذلك لتنكر لي فقال تراني يا أبا
محمد كنت اطلع على هذا فكيف بجعفر بن يحيى حتى أطلعه أنني أحتاج إلى أدب
إذن يغفر الله لك بعد الظنك ووجيب قلبك خذ في أمرك فقد خطر ببالك ما لا
تراه أبداً لوعدت في كل يوم مائة مرة. قال الحسن القزويني سمعت أبا بكر
النحوي يقول من ألطف رقعة كتبت في الاعتذار رقعة كتبها الراضي إلى أخيه
أبي إسحاق المتقي وقد كان جرى بينهما كلام بحضرة المؤدب وكان الأخ قد تعدى
على الراضي فكتب إليه الراضي بسم الله الرحمن الرحيم أنا معترف لك
بالعبودية فرضاً وأنت معترف إليّ بالأخوة فضلاً والعبد يذنب والمولى يعفو
وقد قال الشاعر:
يا ذا الذي يغضب من غير شيء ... أعتب فعتباك حبيب إلي
أنت على أنك لي ظالم ... أعز خلق الله طراً علي
قال فجاءه أبو إسحاق فأكب عليه فقام إليه الراضي فتعانقا واصطلحا والله
أعلم حدثنا عبيد الله بن المأمون قال غضب المأمون على أمي أم موسى فقصدني
لذلك حتى كاد يتلفني فقلن له يوماً يا أمير المؤمنين إن كنت غضبان على
ابنة عمك فعاقبها بغيري فإني منك قبلها ولك دونها قال صدقت والله يا عبيد
الله إنك مني قبلها ولي دونها والحمد لله الذي أظهر لي هذا منك وبين لي
هذا الفضل فيك لا ترى والله بعد يومك هذا مني سوأ ولا ترى إلا ما تحب فكان
ذلك سبب رضاه عن أمي.
قال الأصمعي بينا أنا في بعض البوادي إذا أنا بصبي أو قال صبية معه قربة
قد غلبته فيها ماء وهو ينادي يا أبت أدرك فاها غلبني فوهاً لا طاقة لي
بفيها قال فوالله لقد جمع العربية في ثلاث قال الصولي قال الجاحظ قال
ثمامة دخلت إلى صديق لي أعوده وتركت حماري على الباب ولم يكن معي غلام ثم
خرجت وأنا فوقه صبي فقلت أتركب حماري بغير إذني قال خفت أن يذهب فحفظته لك
قلت لو ذهب كان أحب إليّ من بقائه قال فإن كان هذا رأيك في الحمار فاعمل
على أنه قد ذهب وهبه لي واربح شكري فلم أر ما أقول قال رجل من أهل الشام
قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة فإذا بنية له صغيرة تلعب بالطين
فقلت لها ما فعل أبوك قالت وفد إلى بعض الأجواد فما لنا به علم منذ مدة
فقلت انحري لنا ناقة فأنا أضيافك قالت والله ما عندنا قلن فشاة قالت والله
ما عندنا قلت فدجاجة قالت والله ما عندنا قلت فبيضة قالت والله ما عندنا
قلت فباطل ما قال أبوك:
كم ناقة قد وجأت منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
قالت فذاك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء قال
بشر بن الحرث أتيت باب المعافى بن عمران فدققت الباب فقيل لي من قلت بشر
الحافي قالت لي بنية من داخل الدار لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم
الحافي وبلغنا أن المعتصم ركب إلى خاقان يعوده والفتح صبي يومئذ فقال له
المعتصم أيما أحسن دار أمير المؤمنين أو دار أبيك قال إذا كان أمير
المؤمنين في دار أبي أحسن فأراه فصافى يده فقال هل رأيت يا فتح أحسن من
هذا الفص فقال نعم اليد التي هو فيها. قال أبو علي البصير توفي أبي وأنا
صغير فمنعت ميراثي فقدمت منازعاً إلى القاضي فقال لي بلغت، قلت نعم، قال
ومن يعلم بذاك، قلت من انعظ عليه فتبسم وأمر بفك حجري. بلغنا أن إياس بن
معاوية تقدم وهو صبي إلى قاضي دمشق ومعه شيخ فقال أصلح الله القاضي هذا
الشيخ ظلمني واعتدى علي وأخذ مالي فقال القاضي أرفق به ولا تستقبل الشيخ
بمثل هذا الكلام فقال إياس أصلح الله القاضي أن الحق أكبر مني ومنه ومنك
قال اسكت قال إن سكت فمن يقوم بحجتي قال تكلم بخير فقال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له فرفع صاحب الخبر هذا الخبر فعزل القاضي وولى إياس مكانه.
نظر المأمون إلى ابن صغير له في يده دفتر فقال ما هذا بيدك فقال بعض ما
تسجل به الفطنة وينبه من الغفلة ويؤنس من الوحشة، فقال المأمون الحمد لله
الذي رزقني من ولدي من ينظر بعين عقله أكثر ما ينظر بعين جسمه وسنه. قال
الفرزدق لغلام حدث أيسرك إني أبوك، قال لا ولكن أمي ليصيب أبي من أطايبك.
قعد صبي مع قوم يأكلون فبكى قالوا مالك تبكي قال الطعام حار قالوا فدعه
حتى يبرد قال أنتم لا تدعونه.
قال الأصمعي قلت لغلام حدث السن من أولاد العرب أيسرك أن يكون لك مائة ألف
درهم وإنك أحمق فقال لا والله قلت ولم قال أخاف أن يجني على حمقي جناية
تذهب مالي ويبقى على حمقي. بلغنا أن صبياً لقي رجلاً عاقلاً فقال له إلى
أين تمضي فقال إلى المطبق قال أوسع خطوتك. ادخل على الرشيد صبي له أربع
سنين فقال له ما تحب أن أهب لك قال حسن رأيك.
الباب الثلاثون
في ذكر طرف من فطن عقلاء المجانين
حدثنا محمد بن إسماعيل قال كان عندنا رجل من جهينة يكنى أبا نصر قد ذهب عقله فقلت له يوماً ما السخاء قال جهد مقل قلت فما الخل قال أف وحول وجهه، فقلت أجنبي قال قد أجبتك. قال الشبلي رأيت يوم الجمعة معتوهاً عند جامع الرصافة قائماً عريان وهو يقول أنا مجنون الله أنا مجنون فقلت له لم لا تدخل الجامع وتتوارى وتصلي فأنشأ يقول:يقولون زرنا واقضِ واجب حقنا ... وقد أسقطت حالي حقوقهم عني
إذا هم رأوا حالي ولم يأنفوا لها ... ولم يأنفوا منها أنفت لهم مني
قال ابن القصاب الصوفي دخلت المارستان فرأيت فيه فتى مصاباً فولعت به وزدت في الولع فأتبعته فصاح وقال انظروا إلى شعور مطرزة وأجساد معطرة قد جعلوا الولع بضاعة والسخف صناعة فقلت له من السخي قال الذي رزق أمثالكم وأنتم لا تساوون قوت يوم قلت له من أقل الناس شكر فقال من عوفي من بلية ثم رآها في غيره فترك الشكر فانكسرت بذلك وقلت له ما الظرف قال خلاف ما أنتم عليه. بلغني عن بعض أصحاب المبرد أنه قال انصرفت من مجلس المبرد يوماً فجزت بخربة فإذا بشيخ قد خرج منها ومعه حجر فهم أن يرميني به فتترست بالمحبرة والدفتر فقال مرحباً بالشيخ فقلت وبك قال من أين أقبلت قلت من مجلس المبرد قال البارد ثم قال ما الذي أنشدكم فكان من عادته أن يختم مجلسه ببيت أو بيتين من الشعر فقلت له أنشدنا:
أعار الغيث نائله ... إذا ما ماؤه تفدا
وإن أسد شكا جبناً ... أعار فؤاده الأسدا
فقال أخطأ قائل هذا الشعر قلت كيف قال ألا تعلم أنه إذا أعار الغيث نائله بقي بلا نائل وإذا عار الأسد فؤاده بقي بلا فؤاد قلت فكيف كان يقول فانشد:
علم الغيث الندى فإذا ... ما وعاء علم البأس الأسد
فإذا الغيث مقر بالندى ... وإذا الليث مقر بالجلد
قال فكتبت وانصرفت ثم مررت يوماً آخر بذلك المكان فإذا به قد خرج وبيده حجر فكان يرميني فتترست منه فضحك وقال مرحباً بالشيخ فقلت وبك قال من مجلس المبرد قلت نعم قال ما الذي أنشدكم قلت أنشدنا:
إن السماحة والمروءة والندى ... قبر يمر على الطريق الواضح
فإذا مررت بقبره فأعقربه ... كوم الجياد وكل طرف سابح
فقال أخطأ قائل هذا الشعر فقلت كيف قال ويحك لو نحرت بخت خراسان لما أبر
في حقه قلت كيف كان يقول فأنشد:
احملاني إن لم يكن لكما عقر ... إلى جنب قبره فاعقراني
وانضجا من دمي عليه فقد كان ... دمي من نداه لو تعلمان
قال فلما عدت إلى المبرد قصصت عليه القصة فقال أتعرفه قلت لا قال ذلك خالد
الكاتب تأخذه السوداء أيام الباذنجان. قال علي بن الحسين الرازي مر بهلول
بقوم في أصل شجرة وكانوا عشرة فقال بعضهم لبعض قالوا حتى نسخر ببهلول ما
قالوا فجاءهم فقالوا يا بهلول تصعد لنا رأس هذه الشجرة وتأخذ عشرة دراهم
قال نعم فأعطوه عشرة دراهم فصيرها في كمه ثم التفت فقال هاتوا سلماً
فقالوا لم يكن هذا في الشرط فقال كان في شرطي دون شرطكم.
ولد لبعض أمراء الكوفة بنت، فساءه ذلك وامتنع عن الطعام فدخل عليه بهلول
فقال ما هذا الحزن أجزعت بخلق سوي وهبه رب العالمين أيسرك أن مكانها أبناء
مثلي فسرى عنه. وفر يوماً بهلول من الصبيان فالتجأ إلى دار فوجد بابها
مفتوحاً فدخلها وصاحب الدار قائم له ضفيرتان فصاح ما أدخلك داري فقال يا
ذا القرنين أن ياجوج وماجوج مفسدون في الأرض. وحمل عليه الصبيان يوماً
فدخل داراً فدعا الرجل بالطعام فجعل الصبيان يصيحون على الباب وهو يأكل
ويقول فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
وسئل بهلول عن رجل مات وخلف أبناء وبنتاً وزوجة ولم يترك من المال شيئاً
فقال للابن اليتيم وللبنت الثكل وللزوجة خراب البيت وما بقي فللعصبة قال
ودخل بهلول وعليان على موسى بن المهدي فقال ليليان إيش معنى عليان فقال
عليان وإيش معنى موسى فقال حذوا برجل ابن الفاعلة فالتفت عليان إلى بهلول
وقال خذ إليك كنا اثنين صرنا ثلاثة. كان في بني أسد مجنون فمر بقوم من بني
تيم الله فبعثوا به وعذبوه فقال يا بني تيم الله ما ألم في الدنيا قوماً
خيراً منكم قالوا وكيف قال بنو أسد ليس فيهم مجنون غيري وقد قيدوني
وسلسلوني وكلكم مجانين ليس فيكم مقيد. ومر مجنون بمعتزلي يناظر فقال له
المجنون أنت القائل أنك مخير بين فعلين إن شئت فعلت أحدهما دون الآخر قال
نعم فاخرء ولا تبل، فعجب الناس من قوله. قال أبو محمد بن عجيف مربي مجنون
فقلت يا مجنون قال وأنت عاقل قلت نعم قال كلا يا مجنون ولكن جنوني مكشوف
وجنونك مستور قلت فسر لي قلت قال أنا أخرق الثياب وارجم وأنت تعمر دار لا
بقاء لها وتطيل أملك وما حياتك بيدك وتعصي وليك وتطيع عدوك قال النظام قلت
لمجنون اجلس ها هنا حتى أرجع فقال أما ترجع فلا أضمن لك ولكني أجلس إلى
الليل. ادعى رجل النبوة وزعم أنه نوح فصلب فمر به مجنون فقال يا نوح لم
تحصل من سفينتك إلا على الدقل. بعث هلال بن أبي بردة إلى أبي علقمة
المجنون فلما أتى به قال تدري لم أحضرتك قال لا قال لا ضحك منك قال لقد
ضحك أحد الحكمين من صاحبه يعرض بجده أبي موسى.
الباب الحادي والثلاثون
في ذكر طرف من أخبار النساء والمتفطنات
حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قلت يا رسول الله أرأيت لو نزلت وادياً فيه شجراً كل منها ووجدت شجراً لم يؤكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك قال في التي لم يرتع منها نعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها. حدثنا القاسم بن محمد عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج في سفر أقرع بين نسائه فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجتا معه جميعاً فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار بالليل سار مع عائشة يتحدث معها فقالت حفصة لعائشة إلا تركبين بعيري وأركب بعيرك فتنظرين وانظر قالت بلى فركبت عائشة على بعير حفصة وركبت حفصة على بعير عائشة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم ثم صار معها حتى نزلوا ففقدت النبي صلى الله عليه وسلم فغارت فلما نزلت جعلت تدخل رجليها بين الاذخر وتقول يا رب سلط عليّ عقرباً يلدغني رسولك لا أستطيع أن أقول شيئاً.عن عبد الله بن مصعب قال، قال عمر بن الخطاب لا تزيدوا في مهر
النساء على أربعين أوقية وإن كانت بنت ذي الغصة يعني يزيد بن الحصين
الصحابي الحارثي فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال فقالت امرأة من صنف
النساء طويلة في أنفها فطس ما ذاك لك قال ولم قالت لأن الله عز وجل قال
وآتيكم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً
مبيناً قال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ.
عن محمد بن معين الغفاري قال أتت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت
يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه وهو
يعمل بطاعة الله فقال لها نعم الزوج زوجك فجعلت تكرر عليه القول وهو يقرر
عليها الجواب فقال له كعب الأسدي يا أمير المؤمنين هذه المرأة تشكو زوجها
في مباعدته إياها عن فراشه فقال له عمر كما فهمت كلامها فاقض بينهما فقال
كعب عليّ بزوجها فأتى به فقال أن امرأتك هذه تشكوك قال أفي طعام أو شرب
قال لا فقالت المرأة:
يا أيها القاضي الحكيم أرشده ... إلهي خليلي عن فراشي مسجده
زهده في مضجعي تعبده ... نهاره وليله ما يرقده
ولست في أمر النساء أحمده
فقال زوجها:
زهدت في فراشها وفي الحجل ... إني امرؤ أذهلني ما قد نزل
في سورة النمل وفي السبع الطول ... وفي كتاب الله تخويف جلل
فقال كعب:
إن لها حقاً عليك يا رجل ... تصيبها في أربع لمن عقل
فأعطها ذاك ودع عنك العلل
ثم قال إن الله عز وجل قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع فذلك ثلاثة
أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما أدري من أي
أمريك أعجب أفمن فهمك أمرها أم من حكمك بينهما اذهب فقد وليتك قضاء
البصرة. عن عبد الله بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم قالت
لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر
حمل أبو بكر معه جميع ماله خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم فأتاني جدي أبو
قحافة وقد ذهب بصره فقال أرى هذا والله قد فجعكم بن له مع نفسه فقلت كلا
يا أبت قد ترك لنا خيراً كثيراً فعمدت إلى أحجار جعلها في كوة البيت كان
أبو بكر يحصل ماله وغطيت على الأحجار بثوب ثم جئت به فأخذت بيده ووضعتها
على الثوب وقلت ترك لنا هذا فجعل يجدمس الحجارة من وراء الثوب فقال أما
إذا ترك لكم هذا فنعم ولا والله ما ترك لنا قليلاً ولا كثيراً.
قال الأصمعي أتت امرأة حاتم بن عبد الله ابن أبي بكرة فقالت له أتيتك من
بلاد شاسعة ترفعني رافعة وتخفضني خافضة لممات من الأمور حللن بي فبرين
لحمي ووهن عظمي وتركتني والهة كالحريض قد ضاق بي البلد العريض هلك الوالد
وغاب الوافد وعدم الطارف والتالد فسألت في حياء العرب عن المرجو سببه
المحمود نائله الكريم شمائله فدللت عليك وأنا امرأة من هوزان فافعل بي أحد
ثلاث إما أن تقيم أودي وإما أن تحسن صفدي وإما أن تردني إلى بلدي فقال بل
أجمعهن إليك وحباً وكرامة.
قال الأصمعي مات ابن لأعرابية فما زالت تبكي حتى خدد الدمع خدها ثم
استرجعت فقالت اللهم إنك قد علمت فرط حب الوالدين لولدها فلذلك لم تأمرهما
ببره وعرفت قدر عقوق الولد لوالديه فمن أجل ذلك حضضته على طاعتها اللهم إن
ولدي كان من البار بوالديه على ما يكون الوالدان بولدهما فأجزه مني بذلك
صلاة ورحمة ولقه سروراً ونضرة فقال لها أعرابي نعم ما دعوت له لولا أنك
شبته من الجزع بما لا يجدي فقالت إذا وقعت الضرورات لم يجر عليها حكم
المكتسبات وجزعي على ابني غير ممكن في الطاقة صرفه ولا في القدرة منعه
والله ولي عذري بفضله فقد قال عز وجل فمن اضطر غير باغٍ ولا عاد فلا إثم
عليه إن الله غفور رحيم.
قال أبو الحسن المدائني دخل عمران بن حطان يوماً على امرأته وكان
عمران قبيحاً ذميماً قصيراً وقد تزينت وكانت امرأة حسناء فلما نظر إليها
ازدادت في عينه جمالاً وحسناً فلم يتمالك أن يديم النظر إليها فقالت ما
شأنك قال لقد أصبحت والله جميلة فقالت أبشر فإني وإياك في الجنة قال ومن
أين علمت ذلك قالت لأنك أعطيت مثلي فشكرت وابتليت سلامته بمثلك فصبرت
والصابر والشاكر في الجنة. قال المصنف أدام الله سلامته كان عمران بن حطان
أحد الخوارج وهو القائل يمدح عبد الرحمن بن ملجم على قتله علي بن أبي طالب
رضي الله عنه وأرضاه بمنه وكرمه:
يا ضربة من تقى ما أراد بها ... غلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوماً فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا
أكرم بقوم بطون الأرض أقبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغياً وعدوانا
فبلغت هذه الأبيات القاضي أبا الطيب الطبري فقال مجيباً له على الفور:
إني لأبرأ مما أنت قائله ... على ابن ملجم الملعون بهتانا
إني لأذكره يوماً فألعنه ... ديناً وألعن عمراناً وحطانا
عليك ثم عليه الدهر متصلاً ... لعائن الله أسرار وأعلانا
فأنتم من كلاب النار جاء به ... نص الشريعة تبياناً وبرهانا
أشار أبو الطيب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج كلاب النار قال
إسحاق بن إبراهيم الموصلي حدثني أبو المشيع قال خرج كثير يلتمس عزة ومعه
شنينة فيها ماء فأخذه العطش فتناول الشنينة فإذا هي عظم، ما فيها شيء من
الماء فرفعت له نار فأمها فإذا بقربها مظلة بفنائها عجوز فقالت من أنت قال
أنا كثير قالت قد كنت أتمنى ملاقاتك فالحمد لله الذي أرانيك قال وما الذي
تلتمسينه مني قالت ألست القائل:
إذا ما أتينا خله كي نزيلها ... أبينا وقلنا الحاجبية أول
سنوليك عرفاً إن أردت وصالنا ... ونحن لتلك الحاجبية أوصل
قال بلى قالت أفلا قلت كما قال سيدك جميل:
يا رب عارضة علينا وصلها ... بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها في القول بعد تأمل ... حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي كقدر قلامة ... فضلاً لغيرك ما أتتك رسائلي
قلت دعي هذا واسقيني قالت والله لا أسقيك شيئاً قلت ويحك أن العطش قد أضر
بي قالت ثكلت بثينة إن طعمت إن عندي قطرة ماء فكان جهده أن ركض راحلته
ومضى يطلب الماء فما بلغه حتى أضحى النهار وكاد يقتله العطش. قال دخل ذو
الرمة الكوفة فبينا هو يسير في شوارعها على نجيب له إذ رأى جارية سوداء
واقفة على باب دار فاستحسنها ووقعت بقلبه فدنا إليها فقال يا جارية اسقني
ماء فأخرجت إليه كوزاً فشرب فأراد أن يمازحها ويستدعي كلامها فقال يا
جارية ما أحر ماءك فقلت لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وتركت حر مائي وبرده
فقال لها وأي شعري له عيب ألست ذا الرمة قال بلى قالت:
فأنت الذي شبهت عنزاً بقفزة ... لها ذنب فوق استها أم سالم
جعلت لها قرنين فوق جبينها ... وطبسين مسودين مثل المحاجم
وساقين إن يستمكنا منك يتركا ... بجلدك يا غيلان مثل المآثم
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا أأنت أم أم سالم
قال نشدتك بالله إلا أخذت راحلتي وما عليها ولم تظهري هذا ونزل
راحلته فدفعها إليها فذهب ليمضي فدفعتها إليه وضمنت له ألا تذكر لأحد ما
جرى. قال زهير بن حسن مولى الربيع بن يونس قد الحجاج على الوليد بن عبد
الملك فصلى عنده ركعتين وركب الوليد فمشى الحجاج بين يديه فقال له الوليد
اركب يا أبا محمد فقال يا أمير المؤمنين دعني أستكثر من الجهاد فإن ابن
الزبير وابن الأشعث شغلاني عن الجهاد زمناً طويلاً فعزم عليه الوليد أن
يركب ودخل فركب مع الوليد فبينا هو يتحدث ويقول ما فعلت بأهل العراق وفعلت
أقبلت جارية فنادت الوليد ثم انصرفت فقال الوليد يا أبا محمد أتدري ما
قالت الجارية قال لا قال قالت أرسلتني إليك أم البنين بنت عبد العزيز بن
مروان أن مجالستك هذا الأعرابي وهو في سلاحه وأنت في غلاله غرر فأرسلت
إليها أنه الحجاج بن يوسف فراعها ذلك وقالت والله لأن يخلو بن ملك الموت
أحب إليّ من أن يخلو بك الحجاج وقد قتل أحباء الله له وأهل طاعته ظلماً
وعدواناً فقال الحجاج يا أمير المؤمنين إنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة
لا تطلعهن على سرك ولا تستعملهن بأكثر من وثبهن ولا تكثرن مجالستهن صغاراً
وذلائم ثم نهض فخرج ودخل الوليد على أم البنين فأخبرها بمقالته فقالت إني
أحب أن تأمره بالتسليم علي فسيبلغك بالذي يكون بيني وبينه فغدا الحجاج على
الوليد فقال الوليد ائت أم البنين فقال اعفني يا أمير المؤمنين قال
فلتفعلن فأتاها فحجبته طويلاً ثم أذنت له ثم قالت له يا حجاج أنت تفتخر
على أمير المؤمنين بقتل ابن الزبير وابن الأشعث أما والله لولا أن الله
علم أنك أهون خلقه عليه ما ابتلاك بقتل ابن ذات النطاقين ابن حواري رسول
الله صلى الله عليه وسلم وابن الأشعث فلعمري لقد استعلى عليك حتى عجعجت
ووالى عليك الهرار حتى عويت فلولا أن أمير المؤمنين نادى في أهل اليمن
وأنت في أضيق من القرن فأظلتك رماحهم وعلاك كفاحهم لكنت مأسوراً قد أخذ
الذي فيه عيناك وعلى هذا فإن نساء أمير المؤمنين قد نفضن العطر عن غدائرهن
وبعنه في أعطية أوليائه وإماماً أشرت على أمير المؤمنين من قطع لذاته
وبلوغ أوطاره من نسائه فإن يكن إنما ينفرجن عن مثل أمير المؤمنين فغير
مجيبك إلى ذلك وإن كن ينفرجن عن مثل ما انفرجت به أمك البظراء عنك من ضعف
الغريزية وقبح المنظر في الخلق والخلق يالكع فما أحقه أن يقتدي بقولك قاتل
الله الذي يقول:
أسد علي وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغا ... أو قد كان قلبك في جناحي طائر
ثم أمرت جارية لها فأخرجته فلما دخل على الوليد قال ما كنت فيه يا أبا
محمد فقال والله يا أمير المؤمنين ما سكتت حتى كان بطن الأرض أحب إلى من
ظهرها قال إنها بنت عبد العزيز. قال ابن السكيت عزم محمد بن عبد الله بن
طاهر على الحج فخرجت إليه جارية شاعرة فبكت لما رأت آلة السفر فقال محمد
بن عبد الله:
دمعة كاللؤلؤ الرط ... ب على الخد الأسيل
هطلت في ساعة البي ... ن من الطرف الكحيل
ثم قال أجيزي فقالت:
حين هم القمر البا ... هر بالأفول
إنما يفتح العش ... اق في وقت الرحيل
قال أيوب الوزان قال المفضل دخلت على الرشيد وبيد يديه طبق ورد وعنده
جارية مليحة شاعرة أديبة قد أهديت إليه فقال يا مفضل قل في هذا الورد
شيئاً تشبهها به فأنشأت أقول:
كأنه خد مرقوق بقلبه ... فم الحبيب وقد أبدى به خجلا
فقالت الجارية
كأنه لون خدي حين يدفعني ... كف الرشيد لأمر يوجب الغسلا
فقال يا مفضل قم فاخرج فإن هذه الماجنة قد هيجتنا فقمت وأرخيت الستور. قال
الأصمعي لما قدم الرشيد البصرة يريد الخروج إلى مكة فخرجت معه فلما صرنا
بضرية إذا أنا على شفير الوادي بصبية قدامها قصعة لها وإذا هي تقول:
طحنتنا طواحن العوام ... ورمتنا نوائب الأيام
فأتينا كمو لمذ أكفا ... لفضالات زادكم والطعام
فاطلبوا الأجر والمثوبة فينا ... أيها الزائرون بيت الحرام
من رآني فقد رآني ورحلي ... فارحموا غربتي وذل مقامي
قال فرجعت إلى أمير المؤمنين فقلت صبية على شفير الوادي وأنشدته
ما قالت فعجب فقلت يا أمير المؤمنين أفآتيك بها قال لا بل نحن نذهب إليها
قال الأصمعي فوق فعليها أمير المؤمنين فقلت لها أنشديه ما كنت تقولينه
فأنشدته ولم تهيه فقال يا مسرور املأ قصعتها دنانير قال فملأها حتى فاضت
يميناً وشمالاً.
حدثنا ابن الشيظمي قال حججت في سنة قحطة جدبة فبينا أنا أطوف بالكعبة إذ
أبصرت جارية من أحسن الناس قداً وقواماً وخلقاً وهي متعلقة بأستار الكعبة
تقول إلهي وسيدي ها أنا أمتك الغريبة وسائلتك الفقيرة حيث لا يخفي عليك
بكائي ولا يستتر عنك سوء حالي قد هتكت الحاجة حجابي وكشفت الفاقة نقابي
فكشفت وجهاً رقيقاً عند الذل وذليلاً عند المسألة طال وعزتك ما حجبه عنه
ماء الغنا وصانه ماء الحياء قد جمدت عني كف المرزوقين وضاقت بي صدود
المخلوقين فمن حرمني لم ألمه ومن وصلني وكلته إلى مكافأتك ورحمتك وأنت
أرحم الراحمين قال فدنوت منها فبررتها ثم قلت لها من أنت وممن أنت فقالت
إليك عني من قل ما له وذهب رجاله كيف يكون حاله ثم أنشأت تقول:
بعض بنات الرجال أبرزها ... الدهر لما قد ترى وأخرجها
أبرزها من جليل نعمتها ... فابتزها ملكها وأحوجها
وطالما كانت العيون إذا ... ما خرجت تستشف هودجها
إن كان قد ساءها وأحز ... نها فطالما سرها وأبهجها
الحمد لله رب معسرة ... قد ضمن الله أن يفرجها
قال فسألت عنها فأخبرت أنها من ولد الحسين بن علي رضوان الله عليهم
أجمعين. بلغنا أن كثير عزة لقي جميلاً فقال له متى عهدك ببثينة قال ما لي
بها عهد منذ عام أول وهي تغسل ثوباً بوادي الدوم فقال له كثير تحب أن
أعهدها لك الليلة قال نعم فأقبل راجعاً إلى بثينة فقال له أبوها يا فلان
ما ردك أما كنت عندنا قبيل قال بلى ولكن حضرتني أبيات قلتها في عزة قال
وما هي قلت:
فقلت لها يا عز أرسل صاحبي ... على باب داري والرسول موكل
أما تذكرين العهد يوم لقيتكم ... بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل
فقالت بثينة اخسأ فقال أبوها ما هاجك يا بثينة قالت كلب لا يزال يأتينا من
وراء الجبل بالليل وأنصاف النهار قال فرجع إليه فقال قد وعدتك من وراء هذا
الجبل بالليل وأنصاف النهار فالقها إذا شئت. قال مؤلف الكتاب قلت ومن هذا
الفن حكي أن أعرابياً بعث غلاماً له إلى امرأة يواعدها موضعاً يأتيها فيه
فذهب لغلام وأبلغها الرسالة فكرهت المرأة أن تقر للغلام بما بينهما فقالت
والله لئن أخذتك لأعركن أذنك عركة تبكي منها وتستند إلى تلك الشجرة ويغشى
عليك إلى وقت العتمة فلم يعرف الغلام معنى هذا الكلام وانصرف إلى صاحبه
وحكى له فعلم أنها واعدته تحت الشجرة وقت العتمة قال الصولي سمعت المبرد
يقول كنا عند المازني فجاءته أعرابية كانت تغشاه ويهب لها فقالت أنعم الله
صاحبك أبا عثمان هل بالرمال أوشال فقال لها يجيء الله بها فقالت:
تعلمن أني والذي حج القوم ... لولا خيال طارق عند النوم
والشوق من ذكراك ما جئت اليوم
فقال المازني قاتلها الله ما أفطنها جاءتني مستمنحة فلما رأت أن لا شيء
جعلت المجيء زيارة تمن علينا بها.
قال إسماعيل بن حمادة بن أبي حنيفة ما ورد علي مثل امرأة تقدمت فقالت أيها
القاضي ابن عمي زوجني من هذا ولم أعلم فلما علمت رددت فقلت لها ومتى قالت
وقت ما علمت قلت متى علمت قالت وقت ما رددت فما رأيت مثلها قال حدثنا علي
ابن القاسم القاضي قال سمعت أبي يقول كان موسى بن إسحاق لا يرى متبسماً قط
فقالت له امرأة أيها القاضي لا يحل أن تحكم بين اثنين وأنت غضبان قال ولم
قالت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقضي القاضي بين اثنين وهو
غضبان فتبسم.
عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال سليمان بن عبد الملك يوماً
والشعراء عند قد قلت نصف بيت فأجيزوه.
قال: يروح إذا راحوا ويغدوا إذا غدوا، فلم يصنعوا شيئاً، فدخل إلى جارية
له فأخبرها فقالت كيف قلت فأنشدها فقالت: وعما قليل لا يروح ولا يغدو.
قال الأصمعي كنت عند أمير المؤمنين الرشيد إذ دخل رجل ومعه جارية
للبيع فتأملها الرشيد ثم قال خذ جاريتك فلولا كلف في وجهها وخنس في أنفها
لاشتريتها فانطلق بها فلما بلغت الستر قالت يا أمير المؤمنين ارددني إليك
أنشدك بيتين حضراني فردها فأنشأت تقول:
ما سلم الظبي على حسنه ... كلا ولا البدر الذي يوصف
الظبي فيه خنس بين ... والبدر فيه كلف يعرف
فأعجبته بلاغتها فاشتراها وقرب منزلها وكانت أحظى جواريه عنده.
قال الجاحظ رأيت بالعسكر امرأة طويلة القامة جداً ونحن على طعام فأردت أن
أمازحها فقلت انزلي حتى تأكلي معنا قالت وأنت فاصعد حتى ترى الدنيا قال
الجاحظ أيضاً رأيت امرأة جميلة فقلت ما اسمك قالت مكة فقلت أتأذنين لي أن
أقبل الحجر الأسود منك قالت لا إلا بالزاد والراحلة قال مؤلف الكتاب وقد
رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر قال الجاحظ رأيت جارية بسوق النخاسين
ببغداد ينادي عليها وعلى خدها خال فدعوت بها وجعلت أقلبها فقلت لها ما
اسمك قالت مكة فقلت الله أكبر قرب الحج أتأذنين أقبل الحجر الأسود قالت له
إليك عني ألم تسمع قول الله تعالى لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.
قال الأصمعي أتي المنصور بسارق فأمر بقطع يده، فانشأ يقول:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذها ... بحقويك من عار عليها يشينها
فلا خير في الدنيا ولا في نعيمها ... إذا ما شمال فارقتها يمينها
فقال يا غلام اقطع هذا حد من حدود الله وحق من حقوقه لا سبيل إلى تعطيله
قالت أم الغلام واحدي وكادي وكاسبي قال بئس الواحد واحدك وبئس الكاد كادك
وبئس الكاسب كاسبك يا غلام اقطع فقالت أم السارق يا أمير المؤمنين أما لك
ذنوب تستغفر الله منها قال بلى قالت هبه لي واجعل هذا من ذنوبك التي
تستغفر الله منها. وقد رويت لنا هذه الحكاية عن عبد الملك بن مروان فإنه
أتى بسارق وثبتت عليه البينة فانشد هذا الشعر وقالت أمه هذا الكلام فقال
خلواً سبيله أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي:
وسائلة عن ركب حسان كلهم ... ليبلغ حسان بن زيد سؤالها
قال وهي تحب حسان فكرهت أن تخصه فسألت عن الركب جميعاً حتى صارت إليه قال
هارون بن عبد الملك بن المأمون لما عرضت الخيزران على المهدي قال لها
والله يا جارية إنك لعلى غاية المتمني ولكنك خمشة الساقين فقالت يا أمير
المؤمنين إنك أحوج ما يكون إليهما لا تراهما فقال اشتروها فحظيت عنده
فأولدها موسى وهارون وحكى أبو بكر الصولي أن المهدي اشترى جارية فاشتد
شغفه بها وكانت به أشغف وكانت تتجافاه كثير فدس إليها من عرف ما في نفسها
فقالت أخاف أن يملني ويدعني فأموت فأنا أمنع نفسي بعض لذتها منه لأعيش
فقال المهدي:
ظفرت بالقلب مني ... غادة مثل الهلال
كلما صح لها ود ... ي جاءت باعتلال
لا تحب الهجر مني ... والتنائي عن وصالي
بل لمأمنها على ... حبي لها خوف الملال
قال أبو نواس استقبلتني امرأة فأسفرت عن وجهها فكانت على غاية الحسن فقالت
ما اسمك قلت وجهك فقالت أنت الحسن إذن. حدثنا رجل من تغلب قال كان فينا
رجل له ابنة شابة وكان له ابن أخ يهواها وتهواه فمكثا كذلك دهراً ثم إن
الجارية خطبها بعض الأشراف فأرغب في المهر فأنعم أبو الجارية واجتمع القوم
للخطبة فقالت الجارية لأمها يا أماه ما يمنع أن يزوجني من ابن عمي قالت
أمر كان مقضياً قالت والله ما أحسن رباه صغيراً ثم تدعوه كبيراً ثم قالت
لها يا أماه إني والله حامل فاكتمي إن شئت أو نوحي فأرسلت الأم إلى الأب
فأخبرته الخبر فقال اكتمي هذا الأمر ثم خرج إلى القوم فقال يا هؤلاء إني
كنت أجبتكم وأنه قد حدث أمر رجوت أن يكون فيه الأجر وأنا أشهدكم أني قد
زوجت ابنتي فلانة من ابن أخي فلان فلما انقضى ذلك قال الشيخ أدخلوها عليه
فقالت الجارية هي بالرحمن كافرة إن دخل عليها من سنة أو تبين حملها قال
فما دخل عليها إلا بعد حول فعلم أبوها أنها احتالت عليه.
قال الصولي قال العتبي رأيت امرأة أعجبتني صورتها فقلت ألك بعل
قالت لا قلت أفترغبين في التزويج قالت نعم ولكن لي خصلة أظنك لا ترضاها
قلت وما هي قالت بياض برأسي قال فثنين عنان فرسي وسرت قليلاً فنادتني
أقسمت عليك لتقفن ثم أتت موضع خالٍ فكشفت عن شعر كأنه العناقيد السوناي
فقلت والله ما بلغت العشرين ولكنني عرفتك أنا نكره منك ما تكره منا قال
فخجلت وسرت وأنا أقول:
فجعلت أطلب وصلها بتملق ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
حدثنا العتبي قال قال رجل من ولد علي عليه السلام لامرأة أمرك بيدك ثم ندم
فقالت أما والله لقد كان بيدك عشرين سنة فأحسنت حفظه وصحبه فلن أضيعه إذا
كان بيدي ساعة من نهار وقد رددته إليك فأعجب بذلك من قولها وأمسكها. قال
أراد شعيب أن يتزوج امرأة فقال لها إني سيء الخلق فقالت أسوأ منك خلقاً من
أحوجك أن تكون سيئاً قال أنت امرأتي قال سمعت الفضل بن إبراهيم يقول مر
شاعر بنسوة فأعجبه شانهن فجعل يقول:
إن النساء شياطين خلقن لنا ... نعوذ بالله من شر الشياطين
قال فأجابته واحدة منهن وجعلت تقول:
إن النساء رياحين خلقن لكم ... وكلكم يشتهي شم الرياحين
قال أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي كان لرجل من الأعراب ابنة وكان
له غلام فراودها عن نفسها فوعدته الليل وأعدت له شفرة حدتها فلما جاءها
للميعاد فجبته فخرج يعوي فسمعه مولاه فقال من فعل بك، قال ابنتك فدخل
عليها ما صنعت بهذا الغلام فقالت يا أبت إن العبد من نوكه يشرب من سقاء لم
يوكه ومن ورد غير مائه صدر بمثل دائه فقال لها شللاً.
قال الشرقي بن فطامي كان شن من دهاة العرب فقال والله لأطوفن حتى أجد
امرأة مثلي فأتزوجها فسار حتى لقي رجلاً يريد قرية يريدها شن فصحبه فلما
انطلقا قال له شن أتحملني أم أحملك فقال الرجل يا جاهل كيف يحمل الراكب
الراكب فسارا حتى رأيا زرعاً قد استحصد فقال شن: أترى هذا الزرع قد أكل أم
لا فقال يا جاهل أما تراه قائماً فمرا بجنازة فقال أترى صاحبها حياً أو
ميتاً فقال ما رأيت أجهل منك أتراهم حملوا إلى القبور حياً ثم سار به
الرجل إلى منزله وكانت له ابنة تسمى طبقة فقص عليها القصة فقالت أما قوله
أتحملني أم أحملك فأراد تحدثني أم أحدثك حتى تقطع طريقنا وأما قوله أترى
هذا الزرع قد أكل أم لا فأراد باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا وأما قوله في
الميت فإنه أراد اترك عقبا يحيا به ذكره أم لا فخرج الرجل فحادثه ثم أخبره
بقول ابنته فخطبها إليه فزوجه إياها فحملها إلى أهله فلما عرفوا عقلها
ودهاءها قالوا وافق شن طبقة.
قال حدثني أبو محمد بن داسته أن رجلاً اعترض جارية في الطريق فقال لها
أبيدك صنعة قالت لا ولكن برجلي تعني أنها رقاصة. قال المحسن وحدثني أنه
سمع امرأة تخاصمت مع زوجها فقالت له طلقني فقال لها أنت حبلى حتى إذا ولدت
طلقتك قالت ما عليك منه قال فإيش تعملين به قالت اقعده على باب الجنة
فقاعي فقلت لعجوز كانت تتوسط بينهما إيش معنى هذا قالت تريد أنها تشرب ماء
السداب وتتحمل سداباً عليه أدوية لتسقط فيلحق الصبي بالجنة فيكون كالفقاعي.
قال أبو بكر ابن الأزهر حدثني بعض إخواني أن رجلاً كان بالأهواز وكان له
ثروة ونعمة وأهل فسار إلى البصرة مرة فتزوج بها فكان يأتي تلك المرأة في
السنة مرة أو مرتين وكان للبصرية عم يكاتبه فوقع كتاب منه في يد الأهوازية
فعملت الحال فكتبت إليه من حمية البصري بأن امرأتك قد ماتت فالحق فقرأه ثم
أخذ في إصلاح أمره ليخرج فقالت الأهوازية إني أراك مشغول القلب وأظن أن لك
بالبصرة امرأة، فقال: معاذ الله فقالت لا أقنع بقولك دون يمينك فتحلف
بطلاق كل امرأة لك غائبة أو حاضرة فحلف لها ظناً أن تلك قد ماتت فقالت له
لا حاجة لك في الخروج فإن تلك بانت وهي في الحياة.
قال علي بن الجهم اشتريت جارية فقلت لها ما أحسبك إلا بكراً
فقالت يا سيدي كثرت الفتوح في زمان الواثق وقلت لها ليلة كم بيننا وبين
الصبح قالت عناق مشتاق، ونظرت إلى الشمس كاسفة فقالت احتشمت محاسني
فانتقبت وقلت لها ليلة نجعل مجلسنا الليلة في القمر فقالت ما أولئك بالجمع
بين الضرائر وكانت تكره الحلي وتقول تستر المحاسن كما تغطي القبائح. عرض
على المتوكل جارية فقال لها أبكراً أنت أم إيش فقالت أم إيش يا أمير
المؤمنين فضحك وابتاعها.
وضع المعتضد رأسه في حجر بعض جواريه فجعلت تحت رأسه مخدة ونهضت فلما انتبه
قال لم فعلت ذاك وأكبره فقالت كذا علمنا أن لا يقعد قاعد بحضرة من ينام
ولا ينام بحضرة قاعد فاستحسن المعتضد ذلك منها واستعقلها. بلغنا عن غريب
وكان يقال إنها ابنة جعفر بن يحيى البرمكي وكانت مغنية ذكية شاعرة اشتراها
المعتصم بمائة ألف وأعتقها فكتبت إلى بعض الناس أردت ولولا ولعلي، فكتبت
تحن أردت ليت وتحت لولا ماذا وتحت لعلي أرجو فمضت إليه قال أبو الحسن بن
هلال الصابي حدثنا أبو محمد الحارثي قال كان عندنا بواسط رجل موسر يقال له
أبو محمد وكانت عنده مغنية تغني: خليلي هيا نصطبح بسواد فقال لها بالله
غني لي: خليلي هيا نصطبح بسهاد، فقالت له إذا عزمت فوجدك.
وقال أبو حنيفة خدعتني امرأة أشارت إلى كيس مطروح في الطريق فتوهمت أنه
لها فحملته إليها فقالت احتفظ به حتى يجيء صاحبه. لما قتل كمري وزيره بزر
جمهر أراد أن يتزوج ابنته فقالت للثقات لو كان ملككم حازماً لما دخل بين
شعاره ودثار مأثوره قال رجل لجارية أراد شراءها لا يريبك هذا الشيب الذي
ترينه فإن عندي قرة عين فقالت الجارية أيسرك إن عندك عجوزاً مغتلمة. قال
ابن المبارك بن أحمد خرج رجل على سبيل الفرجة فقعد على الجسر فأقبلت امرأة
من جانب الرصافة متوجهة إلى الجانب الغربي فاستقبلها شاب فقال لها رحم
الله علي بن الجهم فقالت المرأة في الحال رحم الله أبا العلاء المعري وما
وقفا ومرا مشرقة ومغرباً فتبعت المرأة وقلت لها إن لم تقولي ما قلتما وإلا
فضحتك وتعلقت بك فقالت قال لي الشاب رحم الله علي ابن الجهم أراد به قوله:
عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وأردت أنا بتر حمي على المعري قوله:
فيا دارها بالحزن مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
قال ابن الزبير لامرأة من الخوارج أخرجي المال من تحت استك، قال فالتفتت
إلى من بحضرتها وقالت أنشدكم الله أهذا من كلام الخلفاء، قالوا لا قالت
لابن الزبير كيف ترى هذا الخلع الخفي. قال المتنبي قال لي رجل من
الهاشميين كتبت إلى امرأتي وأنا في السفر كتاباً تمثلت فيه ببيت لك:
بن التعلل لا أهل ولا وطن ... ولا نديم ولا كأس ولا سكن
فكتبت إليّ والله ما أنت كما ذكرته في هذا البيت بل أنت كما قال الشاعر:
سهرت بعد رحيلي ووحشة لكم ... ثم استمر مريري وارعوى الوسن
ونقلت من خط الشيخ أبي الوفاء بن عقيل قال كان بعض قضاة الحنيفة من مذهبه،
أنه إذا ارتاب بالشهود فرقهم فشهد عنده رجل وامرأتان فيما يشهد فيه النساء
فأراد أن يفرق بين المرأتين على عادته فقالت إحداهما أخطأت لأن الله تعالى
قال فتذكر إحداهما الأخرى فإذا فرقت زال المعنى الذي قصده الشرع فأمسك.
ذكر أن رجلاً دعا المبرد بالبصرة مع جماعة فغنت جارية من وراء الستار
وأنشأت تقول:
وقالوا لها هذا حبيبك معرضاً ... فقالت إلا إعراضه أيسر الخطب
فما هي إلا نظرة بتبسم ... فتصطك رجلاه ويسقط للجنب
فطرب كل من حضر إلا المبرد فقال له صاحب المجلس كنت أحق الناس بالطرب
فقالت الجارية: دعه يا مولاي فإنه سمعني أقول هذا حبيبك معرضاً فظنني لحنت
ولم يعلم أن ابن مسعود قرأ وهذا بعلي شيخاً قال فطرب المبرد إلى أن شق
ثوبه.
قال بعضهم حضرت رفيقتين وكانت إحداهما تعبث بكل من تقدر عليه
والأخرى ساكتة فقلت للساكتة رفيقتك هذه ما تستقر مع واحد فقالت نعم وهي
تقول بالسنة والجماعة وأنا أقول بإثبات القدر. غضب المأمون يوماً على عبد
الله بن طاهر فأراد طاهر أن يقصده فورد عليه كتاب من صديق له مقصور على
السلام وفي حاشيته يا موسى فجعل يتأمله ولا يعلم معنى ذلك فقالت له جارية
وكانت فطنة أراد يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فتيقظ عن قصد
المأمون.
عرض على رجل جاريتان بكر وثيب فمال إلى البكر، فقالت الثيب لم رغبت فيها
وما بيني وبينها إلا يوم، فقالت البكر وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما
تعدون فأعجبتاه فاشتراهما.
قال خاصمت امرأة زوجها في تضييقه عليها وعلى نفسه فقالت والله ما يقيم
الفأر في بيتك إلا لحب الوطن وإلا فهو يسترزق من بيوت الجيران. قال الجاحظ
قلت لجارية ببغداد أبكر أنت نعوذ بالله من الكساد يعني الثيوبة. جاءت
دلالة إلى قوم فقالت عقدي زوج يكتب بالحديد ويختم بالزجاج فرضوا به وزوجوه
فإذا هو حجام. قالت دلالة لرجل عندي امرأة كأنها طاقة نرجس فتزوجها فإذا
هي عجوز قبيحة فقال كذبت عليّ وغششتيني فقالت لا والله ما فعلت إنما
شبهتها بطاقة نرجس لأن شعرها أبيض ووجهها أصفر وساقها أخضر. أعطت امرأة
جاريتها درهماً وقالت اشتري هريسة فرجعت فقالت يا سيدتي سقط الدرهم مني
فضاع فقالت يا فاعلة تكلميني بفمك كله وتقولين ذهب الدرهم فأمسكت الجارية
نصف فمها بيدها وقالت بالنصف الآخر وانكسرت يا سيدتي الزبدية كان رجل يقف
تحت روشن امرأة وهي تكره وقوفه قالت فجاء في بعض الأيام وعليه قميص ديبقي
قد غسله عند المطري وسقاه نشا وتحته قميص رومي قالت وكان للناس أترج سوسي
في الأترجة ثلاثون رطلاً فأخرجت بطيخة وأشارت إليه تعال خذ هذه فجاء فوقف
تحت الروشن فقالت أمسك حجرك صلباً حتى لا يقع فتنكسر فلزم حجره فأخرجت
البطيخة كأنها ترمي بها وأخذت أترجة فرصت بها في حجره فلم يردها شيء سوى
الأرض فجمعه وهرب مستحياً وما عاد بعدها. بكت عجوز على ميت فقيل لها بماذا
استحق هذا منك فقالت جاورنا وما فينا إلا من تجب عليه الزكاة. كانت جارية
لبعض الأكابر وكانت عفيفة إلا أنها كانت تفحش في مجونها فقال لها مولاها
اقصري من هذا الفحش بمحضر من الرجال فقالت أفحش منه عندهم أخذك دراهمهم
بسببي وقال لها بعض الحاضرين وكان شيخاً:
يا أحسن الناس وجهاً ... مني علي بقبلة
فأجاب مسرعة:
يا أسمج الناس وجهاً ... وأسخن الناس مقله
إذا سمحت لما رم ... ته فأني بذله
وكيف يوجد بين الح ... مار والخشف وصله
فلا تطف بالغواني ... فما يردنك خمله
وكل شيخ تصابى ... على الصبايا فأبله
قال رجل لجارية أراد شراءها فسألها عن ثمنها فقال يا جارية كم
دفعوا فيك فقالت وما يعلم جنود ربك إلا هو قال حدثني أبو القاسم عبد الله
بن محمد الكاتب قال: حدثني بعض الأشراف بالكوفة أنه كان بها رجل حسني يعرف
بالأدرع شديد القلب جداً قال وكان في خرائب الكوفة شيء يظهر للمجتازين فيه
نار يطول تارة ويقصر أخرى يقولون هو غولة يفزع منه الناس فخرج الأدرع ليلة
راكباً في بعض شأنه قال لي الدرع فاعترض لي السواد والنار فطال الشخص في
وجهي فأنكرته ثم رجعت إلى نفسي فقلت أما شيطان وغولة فهوس وليس إلا
إنساناً فذكرت الله تعالى وصليت على نبيه صلى الله عليه وسلم وجمعت عنان
الفرس وقرعته بالمقرعة وطرحته على الشخص فازداد طوله وعظم الضوء فيه فنفر
الفرس، فقرعته فطرح نفسه عليه فقصر الشخص حتى عاد على قدر قامة فلما كاد
الفرس يخالطه ولى هارباً فحركت خلفه فانتهى إلى خربة فدخلها فدخلت خلفه
فإذا هو قد نزل سرداباً فيها فنزلت عن فرسي وشددته ونزلت وسيفي مجرد فحين
حصلت في السرداب أحسست بحركة الشخص يريد الفرار مني فطرحت نفسي عليه فوقعت
يدي على بدن إنسان فقبضت عليه فأخرجته فإذا هي جارية سوداء فقلت أي شيء
أنت وإلا قتلتك الساعة قالت قبل كل شيء أنت إنسي أم جني فما رأيت أقوى
قلباً منك قط فقلت أي شيء أنت قالت أمة لآل فلان قوم بالكوفة أبقت منهم
سنين فتغربت في هذه الخربة فولد لي الفكر أن أحتال بهذه الحيلة وأوهم
الناس أني غولة حتى لا يقرب الموضع أحد وأتعرض ليلاً للأحداث وربما رمى
أحدهم منديلاً أو إزاراً فآخذه فأبيعه نهاراً وأقتات به أياماً، قلت فما
هذا الشخص الذي يطول ويقصر والنار التي تظهر، قالت كساء معي طويل أسود
فأخرجته من السرداب وقضبان مهندية أدخل بعضها في بعض في الكساء وارفعه
فيطول فإذا أردت تقصيره رفعت من الأنابيب واحدة واحدة فيقصر والنار فتيلة
شمع معي في يدي لا أخرج إلا رأسها مقدار ما يضيء الكساء وأرتني الشمعة
والكساء والأنابيب ثم قالت قد جازت هذه الحيلة نيفاً وعشرين سنة واعترضت
فرسان الكوفة وشجعانها وكل واحد وكل أحد فما أقدم أحد علي غيرك ولا رأيت
أشد قلباً منك فحملها الأدرع إلى الكوفة فردها إلى مواليها فكانت تحدث
بهذا الحديث ولم ير بعد ذلك أثر غولة فعلم أن الحديث حق.
قال أبو حامد الخراساني القاضي بنى ابن عبد السلام الهاشمي بالبصرة داراً
كبيرة ولم يتم له تربيعها إلا بسكن لطيف كان لعجوز في جواره امتنعت من
بيعه فبذل لها أضعاف ثمنه فأقامت على الامتناع فشكا إليّ ذلك فقلت هذا
أيسر الأمر أنا أوجب عليها بيعة فاضطرها إلى أن تسألك وزن الثمن ثم
استدعيتها فقلت يا هذه إن قيمة دارك دون ما دفع لك وقد ضاعفها أضعافاً فإن
لم تقبليه حجزن عليك لأن هذا تضييع منك فقالت جعلت فداك فهلا كان هذا
الحجر منك على من يزن فيما يساوي درهماً عشرة وتركت منزلي فما أختار بيعه
فانقطعت في يدها قال نزل رجل من أهل الحجاز مللاً فسأل أي ماء هذا فقيل له
ملل وإذا بين يديه صبية سوداء تلفظ العجم تريد النوي فقال قاتل الله الذي
يقول:
أخذت على ما الشعيرة والهوى ... على ملل يا لهف قلبي على ملل
أي بأبي إنه والله كان له بها شجن لم يكن لك فإن المبرد كان يسار الكواعب
عبد الإناس من بني الحرث بن سعد بن قُضاعة وكان راعياً في أبلهم فبعث ببعض
نسائهم وكان أسود فخدعته امرأة منهم وأرته إنها قد قبلته وواعدته ليوم
فعلم به بعض أصحابه من الرعاة فنهاه عنها وقال له يا يسار كل من لحم
الجوار واشرب من لبن العشاء ودع عنك بنات الأحرار فقال له يسار إني إذا
جئتها زحكت أراد ضحكت ولاعبتني. فأتاها في اليوم الذي واعدته فيه فقالت
مكانك حتى أطيبك فعمدت إليه فجدعت أنفه وأذنه فرجع إلى صاحبه الذي كان
نهاه فأنكره فقال من أنت ويلك قال يسار قال فيسار كان لا أنف له ولا أذنين
قال أفما ترى ويحك وبيض العينين، فذهبت مثلاً وسمي يسار الكواعب ممن ذكره
جرير حين تزوج الفرزدق إحدى بني نساء شيبان وزاد في مهرها فعيره جرير بذلك
فقال:
وإني لأخشى إن خطبت اليهمو ... عليك الذي لاقى يسار الكواعب
قال ابن قتيبة جاءتني جارية بهدية فقلت لها قد علم مولاك إني لا
أقبل الهدية قالت ولم قلت أخشى أن يستمد مني علماً لأجل هديته فقالت ما
استمد الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر وقد كان يقبل الهدية
فقبلتها فكانت الجارية أفقه مني.
قال وبلغنا أن رجلاً ابتلى بمحبة امرأة فأتى أبا حنيفة فأخبره أن ماله
قليل وأنهم إن علموا بذلك لم يزوجوه فقال له أبو حنيفة أتبيعني أحيلك
باثني عشر ألف درهم قال لا قال فأخبر القوم إني أعرفك فمضى فخطبها فقالوا
من يعرفك فقال أبو حنيفة فسألوا أبا حنيفة عنه فقال ما أعرفه إلا أنه حضر
عندي يوماً فسووم في سلعة له باثني عشر ألف درهم فلم يبع فقالوا هذا يدل
على أنه ذو مال فزوجوه فلما تيقنت المرأة حاله قالت لا يضيق صدرك وهذا
مالي بحكمك ثم مضت إلى أبي حنيفة في حليها وحللها فقالت: فتوى، فدخلت
فأسفرت عن وجهها فقال تستري فقالت ما يمكن قد وقعت في أمر لا يخلصني منه
ألا أنت أنا بنت هذا البقال الذي على رأس الدرب وقد بلغت عمراً واحتجت إلى
الزوج وهو لا يزوجني ويقول لمن يخطبني ابنتي عوراء قرعاء شلاء ثم حسرت عن
وجهها ورأسها ويديها ويقول بنتي زمنة وكشفت عن ساقيها وأريد أن تدبرني
فقال ترضين أن تكوني لي زوجة فقبلت قدميه وقالت من لي بغلامك فقال امضي في
دعة الله فخرجت فأحضر البقال ودفع إليه خمسين ديناراً وقال زوجني ابنتك
فكتب كتاباً بمائة دينار فقال البقال يا سيدي استر ما ستر الله أنا لي بنت
أزوجك قال دع هذا عنك رضيت بابنتك القرعاء الشلاء الزمنة فزوجه على المائة
والخمسين ومضى فحدث زوجته فقالت والله لا كان إلا يكون هذا إلا على يد أبي
حنيفة فلما كان عشية تلك الليلة أجلسها أبوها في صن وحملها بينه وبين
غلامه فلما رآها أبو حنيفة قال ما هذا فقال البقال اشهد على طلاق أمها إن
كانت بنت غيرها فقال أبو حنيفة هي طالق ثلاثاً أعد على الكتاب وأنت في حل
من الخمسين وبقي أبو حنيفة متفكر أشهراً ثم جاءت تلك المرأة إليه فقال ما
حملك على ما فعلت فقالت وأنت ما حملك على أن غررتنا برجل فقير.
قال أبو الحسن البيبي مؤذن المسترشد بالله قال حدثني بعض التجار المسافرين
قال كنا نجتمع من بلاد شتى في جامع عمرو بن العاص نتحدث، فبينما نحن جلوس
يوماً نتحدث وإذا بامرأة بقربنا في أصل سارية فقال لها رجل من التجار من
البغداديين ما شأنك فقالت أنا امرأة وحيدة غاب عني زوجي منذ عشر سنين ولم
أسمع له خبراً فقصدت القاضي ليزوجني فامتنع وما ترك لي زوجي نفقة وأريد
رجلاً غريباً يشهد لي هو وأصحابه أن زوجي مات أو طلقني لأتزوج أو يقول أنا
زوجها ويطلقني عند القاضي لأصبر مدة العدة وأتزوج فقال لها الرجل تعطيني
ديناراً حتى أصير معك إلى القاضي وأذكر له إني زوجك وأطلقك فبكت وقالت
والله ما أملك غير هذه وأخرجت أربع رباعيات فأخذها منها ومضى معها إلى
القاضي وأبطأ علينا فلما كان من الغد لقيناه فقلنا ما أبطأك فقال دعوني
فإني حصلت في أمر ذكره فضيحة قلنا أخبرنا قال حضرت معها إلى القاضي فادعت
علي الزوجية والغيبة عشر سنين وسألت أن أخلي سبيلها فصدقتها على ذلك، فقال
لها القاضي أتبرئينه قالت لا والله لي عليه صداق ونفقة عشر سنين وأنا أحق
بذلك فقال لي القاضي أديها حقها ولك الخيار في طلاقها أو إمساكها فورد على
ما بلسني ولم أتجاسر أن أحكي صورتي معها فلا أصدق فتقدم القاضي بتسليمي
إلى صاحب الشرطة فاستقر الأمر على عشرة دنانير أخذتها مني وغرمت للوكلاء
وأعوان القاضي الأربع رباعيات التي أعطتني ومثلها من عندي فضحكنا منه فخجل
وخرج من مصر فلم يعرف له خبر.
قال ونقل من خط الشيخ أبي الوفاء بن عقيل قال حكي لي بعض الأصدقاء أن امرأة جلست على باب دكان بزار أعزب إلى أن أمست فلما أراد غلق الدكان تراءت له فقال لها ما هذا المساء فقالت والله مالي مكان أبيت فيه فقال لها تمضين معي إلى البيت فقالت نعم فمضى بها إلى بيته وعرض عليها التزويج فأجابت فتزوجها وبقيت عنده أياماً وإذا قد جاء في اليوم الرابع رجل ومعه نسوة فطلبوها فأدخلهم وأكرمهم وقال من أنتم منها فقالوا أقاربها ابن عم وبنات عم وقد سررنا بما سمعنا من الوصلة غير أنا نسألك أن تتركها تزورنا لعرس بعض أقاربنا فدخل إليها فقالت لا تجبهم إلى ذلك وأحلف بطلاقي إنك لا خرجت من داري شهر ليمضي زمن العرس فأنه أصلح لي ولك وإلا أخذوني وأفسدوا قلبي عليك فإني كنت غضبى وتزوجت إليك بغير مشاروتهم ولا أدري من قد دلهم إليك فخرج فحلف كما ذكرت له فخرجوا مأيوسين وأغلق الباب وخرج إلى الدكان وقد علق قلبه بالمرأة فخرجت ولم تستصحب من الدار شيئاً فجاء فلم يجدها فقال قائل ترى ما الذي قصدت قال أبو الوفاء لعلها مستحلة به لأجل زوج طلقها ثلاثاً فليتخوف الإنسان من مثل هذا وليطلع به على غوامض حيل الناس.
الباب الثاني والثلاثون
فيما ذكر عن الحيوان البهيم مما يشبه كلام الآدميين
أخبرنا أبو سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر شفاء وأنه ليتقي بالذي فيه الداء فإذا وقع في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه وعن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً كان يبيع الخمر في سفينة وكان يشوبه بالماء وكان معه في السفينة قرد فأخذ القرد الكيس الذي فيه الدنانير فصعد ذروة الدقل ففتح الكيس فجعل يلقي في البحر ديناراً وفي السفينة ديناراً حتى لم يبق فيه شيء قال محمد بن ناصر قدم رجل على بعض السلاطين وكان معه عامل إرمينية منصرفاً إلى منزله فمر في طريقه بمقبرة وإذا قبر عليه قبة مبنية مكتوب عليها هذا قبر الكلب فمن أحب أن يعلم خبره فليمضِ إلى قرية كذا وكذا فإن فيها من يخبره فسأل الرجل عن القرية فدلوه عليها فقصدها وسأل أهلها فدلوه على شيخ قد جاوز المائة فسأله فقال كان في هذه الناحية ملك عظيم الشأن وكان مشتهراً بالنزهة والصيد والسفر وكان له كلب قد رباه لا يفارقه فخرج يوماً إلى بعض منتزهاته وقال لبعض غلمانه قل للطباخ يصلح لنا ثردة لبن فقد اشتهيتها فأصلحوها ومضى منتزهه فوجه الطباخ فجاء بلبن وصنع له ثردة عظيمة ونسي أن يغطيها بشيء واشتغل بطبخ أشياء آخر فخرج من بعض شقوق الحيطان أفعى فكرع في ذلك اللبن ومج في الثردة من سمه والكلب رابض يرى ذلك كله ولو كان في الأفعى حيلة لدفعها وكان هناك جارية طفلة خرساء زمنة قدرات ما صنع الأفعى ووافى الملك من صيد في آخر النهار فقال يا غلمان أول ما تقدمون إلى الثردة فلما وضعت بين يديه أومأت الخرساء إليه فلم يفهم ما تقول ونبح الكلب وصلح فلم يلتفت إليه ولج في الصياح فلم يعلم مراده فأخذ ورمى إليه بما كان يرمي في كل يوم فلم يقربه ولج في الصياح فقال للغلمان نحوه عنا فإن له قصة ومد يده إلى اللبن فلما رآه الكلب يريد أن يأكل ظفر إلى وسط المائدة وأدخل فمه الغضارة وكرع من اللبن فسقط ميتاً وتناثر لحمه وبقي الملك متعجباً منه ومن فعله فأومأت الخرساء إليهم ففهموا مرادها بما صنع الكلب فقال الملك لندمائه وحاشيته أن من فداني بنفسه لحقيق بالمكافأة وما يحمله ويدفنه غيري فدفنه وبنى عليه قبة وكتب عليها ما قرأت.قال أبو عثمان المدائني كان في جوارنا ببغداد رجل يلعب بالكلاب
فاسحر يوماً في حاجة ومعه كلب كان يختص به من كلابه فرده فلم يرجع فمشى
حتى انتهى إلى قوم كان بينه وبينهم عداوة فصادفوه فقبضوا عليه والكلب
يراهم فخرج الكلب وقد لحقته جراحة فجاء إلى بيت صاحبه يعوي وافتقدت أم
الرجل ابنها فأثبتت أن الجراح التي بالكلب من فعل من قتل ابنها وأنه قد
تلف فأقامت عليه المأتم فطردت الكلاب عن بابها فلزم ذلك الكلب طلب القاتل
فاجتاز القاتل وهو رابض فعرفه ونهشه وعلق به فاجتهد المجتازون في تخليصه
منه فلم يمكنهم وارتفعت ضجة وجاء حارس الدرب فقال إنه لم يعلق هذا الكلب
بالرجل إلا وله معه قضية ولعله الذي جرحه وخرجت أم القتيل فرأت الكلب
متعلقاً بالرجل وسمعت كلام الحارس فذكرت بأن هذا الرجل مما كان يعادي
ابنها فوقع في نفسها أنه قاتله فتعلقت وادعت عليه القتل وارتفعا إلى صاحب
الشرطة فحبسه بعد أن ضرب ولم يقر ولزم الكلب باب الحبس فلما كان بعد أيام
أطلق الرجل فلما خرج علق به الكلب ففرق بينهما وما زال يسعى خلفه ويصيح
إلى أن دخل بيته فدخل خلفه ومعه صاحب الشرطة من حيث لا يعلم فكبس الدار
فأقبل الكلب بمخاليبه موضع القتيل فنبش فوجد الرجل فضرب المتهم فأقر على
نفسه وعلى الباقين فقتل وصلبوا.
وحدثنا محمد بن الحسين بن شداد قال رأيت رجلاً له كلب يقربه ويغطيه بديباج
كان عليه فسألته عن السبب فقال كان لي رفيق يعاشرني فخرجنا في سفر وكان في
وسطي هميان فيه جملة دنانير ومعي متاع كثير فنزلنا في موضع فعمد إليّ
فأوثقني كتافاً ورمى بي في وادٍ وأخذ ما كان معي ومضى وقعد هذا الكلب معي
ثم تركني ومضى فما كان بأسرع من أن وافاني ومعه رغيف فطرحه بين يدي فأكلته
ولم أزل أحبو إلى موضع فيه ماء فشربت منه ولم يزل الكلب معي باقي ليلتي ثم
نمت ففقدته فما كان بأسرع إن وافاني ومعه رغيف فأكلته فلما كان في اليوم
الثالث غاب عني فقلت يمضي ويجيئني بالرغيف فجاء ومعه الرغيف فرمى به فلم
أستتم أكله إلا وابني يبكي على رأسي وقال ما تصنع ههنا وما قصتك ونزل وحل
كتافي وأخرجني فقلت له من أين علمت بمكاني ومن دلك عليّ فقال كان الكلب
يأتينا في كل يوم فنطرح له الرغيف على اسمه فلا يأكله وقد كان معك فأنكرنا
رجوعه ولست معه وكان يحمل الرغيف بفمه ولا يذوقه ويغدو فأنكرنا أمره
فاتبعته حتى وقفت عليك فهذا خبري وخبر الكلب. قال كان للحرث بن صعصعة
ندماء لا يفارقهم فعبث أحدهم بزوجته وأرسلها وكان للحرث كلب قد رباه فخرج
الحرث في بعض منتزهاته وتخلف عنه ذلك الرجل وجاء إلى زوجته فأقام عندها
فلما جامعها وثب الكلب عليهما فقتلهما فلما رجع الحرث نظر إليهما فعرف
القصة وترك من كان يعاشره واتخذ كلبه نديماً فتحدث به العرب فأنشأ يقول:
فللكلب خير من خليل يخونني ... وينكح عرسي بعد وقت رحيلي
سأجعل كلبي ما حييت منادمي ... وأمنحه ودي وصفو خليلي
وقال ابن عبيدة خرج رجل من البصرة فاتبعه كلب فوثب بالرجل قوم فجرحوه
ورموه في بئر وحثوا عليه التراب فلما انصرفوا أتي الكلب رأس البئر فبحث
حتى ظهر رأس الرجل وفيه نفس يتردد فمر قوم فأخرجوه حياً.
قال ابن خلف وحدثني بعض أصدقائي قال: دخلت بستاناً ومعي كلبان لي قد
ربيتهما فنمت فإذا هما فانتبهت فلم أر شيئاً أنكره فعاودوا النبح فضربتهما
ونمت فإذا بهما يحركاني بأيديهما وأرجلهما كما يوقظ النائم فوثبت فإذا
أسود سالح قد قرب مني وثبت فقتلته فكانا سبب سلامتي.
قالت الحكماء ومن فطنة الكلب أنه إذا عاين الظباء قريبة كانت أو
بعيدة عرف المعتلّ وغير المعتل والذكر من الأنثى فلم يقصد الصيد فيها إلا
الذكر وإن علم أنه أشد عدواً وأبعد وثبة ويدع الأنثى على نقصان عدوها وسبب
ذلك أنه قد علم أن الذكر إذا عدا شوطاً أو شوطين حقن ببوله وهكذا كل حيوان
إذا اشتد فزعه فإنه يدركه الحقن وإذا حقن الذكر لم يستطع البول مع شدة
العدو فيثقل حينئذ عدوه ويقصر مدى خطاه فيلحقه الكلب وإما الأنثى فإنها
تحذف بولها لسعة السبيل وسهولة المخرج فتصير بذلك أدوم ومن فهم الكلب أنه
إذا خرج الجليد والثلج وقد تراكم على الأرض والكلاب لا تدري حينئذ أين
كناس الظبى وأين جحر الأرنب فيفر الكلب وينظر إلى أن يقف على تلك الجحرة
وظنين معرفته أن أنفاس الحيوانات وبخار أجوافها يذيب ما لاقى من فم الجحر
من الثلج الجامد حتى يرق وذلك خفي غامض لا يقع عليه إلا الكلب وأن الكلب
إذا ظفر بشخص لم ينجه منه إلا أن يقعد بين يديه ذليلاً فحينئذ لا ينجه
لأنه يراه تحت قدرته فيسمه بميسم ذل.
حدثنا أبو بكر بن الحضنة عن مؤدبه أبي طالب المعروف بابن الدلو وكان رجلاً
صالحاً يسكن نهر طابق أنه كان ليلة من الليالي قاعداً ينسخ قال وكنت ضيق
اليد فخرجت فأرة كبيرة فجعلت تعدو في البيت ثم خرجت أخرى وجعلا يلعبان بيد
يدي طاسة فكفيتها على إحداهما فجاءت الأخرى فجعلت تدور حول الطاسة وأنا
ساكت فدخلت السرب فخرجت وفي فيها دينار صحيح وتركته بين يدي فاشتغلت
بالنسخ وقعدت ساعة تنتظر ثم رجعت فجاءت بدينار آخر وقعدت ساعة إلى أن جاءت
بأربعة أو خمسة وقعدت زماناً أطول من كل نوبة ورجعت فأخرجت جلدة كانت فيها
الدنانير وتركتها فوق الدنانير فعرفت أنه ما بقي شيء فرفعت الطاسة ففرتا
فدخلتا البيت وأخذت أنا الدنانير قال محمد بن عجلان مولوي بن زياد قال دخل
زياد مجلسه ذات يوم فإذا هو بهر في زاوية البيت فذهبت أزجره فقال دعه فأرى
ما له ثم صلى الظهر ثم عاد إلى مجلسه ثم صلى العصر فعاد إلى مجلسه كل ذلك
يلاحظ الهر فلما كان قبل غروب الشمس خرج جرذ فوثب عليه الهر فأخذه فقال
زياد من كانت له حاجة فليواظب عليها مواظبة الهر فإنه يظفر بها.
قال القاسم بن أبي طالب التنوخي كنت ماضياً إلى الأنبار في رفقة بازيانية
للسلطان فأطلقوا بازاً على دراج فطار فلحق الدراج فانتهى الدراج إلى غيضة
فدخلها فألقى نفسه بين شوك كان فيها وأخذ من ذلك الشوك أصلين كبيرين في
رجليه ونام على قفاه ورفع رجليه فاستتر بذلك من البازي فلما قرب منه
البازي طار فصاده البازي فقالوا ما رأينا دراجاً قط احذر من هذا قال
المصنف والعرب تقول احذر من غراب واحذر كم عقعق واحذر من ذئب ويزعمون أن
الذئب يبلغ من حذره أنه يزاوج بين عينيه إذا نام فيفتح إحداهما لتكون
حارسه قال حميد بن هلال في الذئب:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع
قال العسكري هذا محال لأن النوم يأخذه جملة الحي قال مؤلف الكتاب أرادوا
بذلك أن يغمض عيناً عند بداية النوم ويفتح عيناً إلى أن يغلب عليه النوم
فيكون الكلام صحيحاً ويقولون احذر من ظليم وهو ذكر النعام.
روي عن ابن الأعرابي عن هشام ابن سالم قال أكلت حية بيضة مكاء فجعل المكاء
يشرشر على رأسها ويدنو منها حتى إذا فتحت فاها تريده وهمت به ألقى في فيها
حسكة فأخذت بحلقها حتى ماتت وروينا أن الهدهد قال لسليمان عليه السلام
أريد أن تكون في ضيافتي قال سليمان أنا وحدي قال لا بل العسكر كله في
جزيرة كذا في يوم كذا فمضى سليمان إلى هناك فصعد الهدهد إلى الجو جرادة
وخنقها ورمى بها في البحر وقال يا نبي الله إن كان اللحم قليلاً فالمرق
كثير فكلوا من فاته اللحم ناله المرق فضحك سليمان وجنوده من ذك حولاً
كاملاً.
قلت من أحوال الحيوان البهيم وأفعاله الدالة على الفطنة أن
العصافير لا تقيم إلا في دار مسكونة فإن هجرها الناس لم تقم، وأما الهرة
فإنها تألف الدار وإن رحل أهلها والكلب يرحل مع أهل الدار ولا يلتفت إلى
الدار ومتى طرقت العصافير آفة استغاثت فأغاثها كل عصفور يسمع حتى أنه قد
يقع فرخها فيستغيث فلا يلقى عصفور يسمع إلا جاء فيطيرون حول الفرخ
ويحركونه بأفعالهم فيحدثون له بذلك قوة وحركة حتى يطير معهم قال بعض
الصيادين ربما رأيت العصفور على حائط فأومي بيدي إلى الأرض كأنني أتناول
شيئاً فلا يتحرك فإن مسست بيدي حصاة طار قبل أن تتمكن منها يدي.
الحمام إذا علم الذكر أن الأنثى قد حملت اشتغل هو وهي بعمل العش وأشخصا
لها حروفاً تحفظ البيض ثم سخناها ونفيا عنها طباعها وأحدثا لها طبيعة أخرى
مستخرجة من رائحة أبدانها ثم يقلبان البيض في الأيام فتأخذ البيضة نصيبها
من الحضن وساعات الحضن أكثرها على الأنثى كالمرأة التي تكفل الحضانة فإذا
صار البيض فراخاً كان أكثر الزق على الذكر ومتى انصدع البيض علماً أن
حواصل الفراخ لا تتسع للغذاء فينفخان الريح في حلوقهما لتنتفخ الحوصلة
وتتسع ثم يعلمان أنه لا يصلح أن يزق الطعام فيزقان اللعاب المختلط بقواهما
وقوى الطعام كاللبا ثم يعلمان أن الحوصلة تحتاج إلى دبغ وتقوية فيأكلان من
سورج الحيطان وهو شيء بين الملح الخالص وبين التراب المالح فيزقانه فإذا
علما أنه قد اشتد زقاه الحب فإذا علما أمه قد أطلق أن يلقط منعاه بعض
المنع ليحتاج إلى اللفظ فيعوده فإذا علما أنه قد قوي على ذلك ضرباه إذا
سألهما الكفاية ومنعاه ثم يبتدئان لغيره فيبتدئ الذكر بالدعاء وتبتدئ
الأنثى بالتأني والاستدعاء ثم ترفق وتتشكل ثم تمتنع فتحبب ثم يتعاشقان
ويتطاوعان ويحدث لهما من الغزل والتقبيل والرشف.
والتنين إذا هلكت زوجته لم يتزوج وكذلك هي والعنكبوت تنسج بما هو يسكنها شبكة للذباب فإذا تعرقلت فيها صادها ويروى أن الليث وهو صنف من العناكب يلطا بالأرض ويجمع نفسه ويرى الذباب أنه لاهٍ عنه وثب وثوب الفهد فيصيدها. والثعلب إذا أعوزه القوت تماوت ونفخ بطنه فيحبسه الطير ميتاً فإذا وقع عليه وثب عليها، والخفاش ضعيف البصر فلا يطير إلا عند الغروب لأنه وقت لا ضوء فيه يغلب بصرع ولا ظلمة والنملة والذرة تدخر في الصيف للشتاء ثم تخاف على المدخر من الحبوب العفن فتخرجه فتنشره ليضربه الهواء وربما اختارت ذلك في ليالي القمر لأنها فيه أبصر فإن كان مكانها ندياً وخافت أن تنبت نقرت وسط الحبة كأنها تعلم أنها تنبت من ذلك المكان وفلقتها نصفين فإن كان كزبرة فلقتها أربع لأن أنصاف الكزبرة تنبت من بين جميع الحبوب فهي من الشم ما ليس لشيء وربما أكل الإنسان أو ما أشبهه فتسقط من يده الواحدة أو بعضها وليس بقربه ذرة فلا تلبث تقبل ذرة أو نملة قاصدة إلى تلم الجرادة فتحاول نقلها إلى موضعها فتعجز فتكر راجعة إلى بيتها فلا تلبث أن تقبل وخلفها كالخيط فتتعاون فتحملها فانظر إلى صدق الشم لما لا يشمه الإنسان ثم إلى نقد الهمة إلى الجرأة في محاولة نقل شيء وزنها خمسمائة مرة أو أكثر وأقل أن تلقى أخرى إلا وقفت معها وحدثتها ويدل قوله تعالى قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ومن الحيات ما يغمس ذنبه في الرمل وينتصب قائماً نصف النهار في شدة الحر فيجيء الطائر فيكره الوقوع على الرمل لحره فيقع على رأس الحية على أنها عود فتقبض عليه وزعم قوم أن الحية في بلادهم تأتي البقرة فتنطوي على فخذها وتلتقم الثدي فلا تستطيع البقرة أن تتزمزم فتمتص اللبن. ومن فهم اليربوع لا يتخذ حجره إلا في كدوة وهو الموضع الصلب ليرتفع عن السيل فيسلم من مجاري المياه ومدق الحافر فيحفر في الصلابة ويعمق ثم يتخذ في زوايا بيته القاصعاء والنافقاء والرامقاء والرهطاء بيوت قد اتخذها ورق أبوابها فإذا أحس شراً دفع بعضها وخرج ولما علم من نفسه أنه كثير النسيان لم يحفر بيته إلا عند أكمة أو صخرة أو شجرة ليكون إذا تباعد عن حجره لطلب طعمه أو خوف حسن اهتداؤه إليه، والظبي لا يدخل كناسه إلا وهو مستدير يستقبل بعينيه ما يخاف على نفسه وخشفه والضبة تبيض ستين بيضة ثم تسد عليهن باب حجرها تدعهن أربعين صباحاً ثم تحفر عنهن وقد انشق البيض، والنسر كثير الشره فإذا امتلأ من الجيف لم يستطع الطيران فيثب وثبات ويدور حول مسقطه مرات ثم يرفع نفسه طبقة طبقة في الهواء حتى يدخل الريح تحته فيرفعه. والسنور يرى الفأرة في السقف فيحرك يده كالمشير لها بالعود فتعود ثم يشير إليها بالرجوع فترجع وإنما يطلب أن تنزلق فلا يزال يفعل ذلك حتى تسقط. والأسد ربما حبس العنز بيمينه وطعن بمخلب يساره في لبته وقد أقفاه على مؤخرة فيتلقى دمه شاخباً في فيه كأنه ينصب من فوارة حتى إذا شربه واستفرغه شق بطنه. والبق يخرج لطلب الرزق فيعرف أن الذي يعيشه الدم فإذا أبصر الجاموس علم أن خلف جلده غذاءه فسقط عليه وطعن بخرطومه وهو واثق بنفوذ سلاحه والعقاب لا تكاد تعاني الصيد بل تقف على موضع عالٍ فإذا اصطاد بعض الطير شيئاً انقضت عليه فإذا أبصره لم يكن له همة إلا الهرب وترك صيده في يدها. وكذلك الحية لا تحفر موضعاً تسكنه ولا تهتم بذلك بل تأتي إلى المكان الذي حفره غيرها فتسكنه فينفر عن ذلك والأيل يذهب قرنه في كل عام فإذا علم أنه قد هلك سلاحه لم يظهر من مخافة السبع فإذا قام في موضعه سمن فيعلم أن حركته تبطئ فيزيد في استخفائه فإذا ظهر قرنه تعرض للشمس والريح وأكثر الحركة والذهاب ليذهب شحمه ولحمه فإذا استقام قرنه عاد إلى عادته الأولى وهو يأكل الحيات فيعتريه عطش شديد فيدور حول الماء ولا يحجزه عن ذلك إلا علمه بأن الماء ينفذ السموم فيسرع هلاكه. وبيوت الزنابير مبنية من زبد المدود، والقنفذ وابن عرس إذا ناهشا الأفعى والحيات الكبار تعالجا بأكل الصعتر البري، والعقاب إذا اشتكت كبدها من رفعها الأرنب والثعلب في الهواء وحطها لذلك مراراً فإنها لا تأكل إلا من الأكباد حتى يبرأ وجعها. وإذا وضعت الفأرة والعقرب فسلمت من شرها ثم قتلتها كيف شاءت. وإذا وضعت الدب الأنثى ولدها كان حينئذ كقدرة لحم غير مفهوم الجوارح فخافت عليه الدر
فرفعته في الهواء أياماً وتحوله من موضع إلى موضع إلى أن يشتد. والسمك إذا حصلت في الشبكة ولم تستطع الخروج علمت أنه لا ينجيها إلا الوثوب فتتأخر قدر رمح ثم تقبل واثبة نحو عشرة أذرع فتخرق الشبكة. والفهد إذا سمن علم أنه مطلوب وأن حركته قد ثقلت فهو يخفي نفسه بجهده حتى ينقضي الزمان الذي يسمن فيه الفهود.ه في الهواء أياماً وتحوله من موضع إلى موضع إلى أن يشتد. والسمك إذا حصلت في الشبكة ولم تستطع الخروج علمت أنه لا ينجيها إلا الوثوب فتتأخر قدر رمح ثم تقبل واثبة نحو عشرة أذرع فتخرق الشبكة. والفهد إذا سمن علم أنه مطلوب وأن حركته قد ثقلت فهو يخفي نفسه بجهده حتى ينقضي الزمان الذي يسمن فيه الفهود.
الباب الثالث والثلاثون
في ذكر ما ضربته العرب والحكماء مثلا
ًعلى ألسنة الحيوان البهيم مما يدل على الذكاء
تقول العرب احذر من غراب، ويقولون قال الغراب لابنه إذا رميت فتلوص أي تلوى يا أبت إني أتلوص قبل أن أرمي قال الشعبي مرض الأسد فعاده السباع ما خلا الثعلب فقال الذئب أيها الملك مرضت فعادك السباع إلا الثعلب قال فإذا حضر فأعلمني، فبلغ ذلك الثعلب فجاء فقال له الأسد يا أبا الحصين مرضت فعادني السباع كلهم ولم تعدني أنت قال بلغني مرض الملك فكنت في طلب الدواء له قال: فأي شيء أصبت قال قالوا لي خرزة في ساق الذئب ينبغي أن تخرج فضرب الأسد بمخاليبه ساق الذئب فانسل الثعلب وخرج فقعد على الطريق فمر به الذئب والدم يسيل عليه فقال له الثعلب يا صاحب الخف الأحمر إذا قعدت بعد هذا عند سلطان فانظر ما يخرج من رأسك.قال الشعبي أخبرت أن رجلاً صاد قنبرة فلما صارت في يده قالت ما تريد أن تصنع بي قال أذبحك وآكلك قالت ما أشفي من مرض ولا أشبع من جوع، ولكن أعلمك ثلاث خصال خير لك من أكلي إما واحدة أعلمك وأنا في يدك والثانية على الشجرة والثالثة على الجبل فقال هات الواحدة قالت لا تلهفن على ما فاتك قال فلما صارت على الشجرة قال لها هات الثانية قالت له لا تصدق بما لا يكون أن يكون فلما صارت على الجبل قالت له يا شقي لو ذبحتني أخرجت من حوصلتي ذرتين في كل واحدة عشرون مثقالاً قال فعض على شفتيه وتلهف ثم قال لها هات الثالثة قالت أنت قد نسيت اثنين فكيف أحدثك بالثالثة ألم أقل لك لا تلهفن على ما فاتك ولا تصدق بما لا يكون أن يكون أنا وريشي ولحمي لا أكون عشرين مثقالاً قال وطارت فذهبت.
حدثنا عثمان بن عطاء عن أبيه قال نصب رجل من بني إسرائيل فخاً من ناحية الطريق فجاء عصفور فسقط ثم انطلق إلى الفخ فقال للفخ ما لي أراك متباعداً عن الطريق قال اعتزل شرور الناس قال فما لي أراك ناحل الجسم قال أنحلتني العبادة، قال فما هذا الحبل على عطفيك قال المسوح والشعر لبس الرهبان والزهاد قال فما هذه العصا في يدك قال أتوكأ عليها قال فما هذه الحبة في فيك قال رصدتها لابن السبيل أو محتاج قال فأنا ابن سبيل ومحتاج قال فدونك قال فوضع العصفور رأسه في الفخ فأخذ بعنقه فقال العصفور سيق سيق ثم قال لأغرني بعدك قارئ مرائي مرة أخرى.
قال مجاهد هذا مثل ضربه عزّ وجلّ لقراءة مرائين في آخر الزمان. قال مالك بن دينار مثل قراء هذا الزمان كمثل رجل نصب فخاً ونصب فيه برة فجاء عصفور فقال ما غيبك في التراب قال التواضع قال لأي شيء انحلت قال من طول العبادة قال فما هذه البرة المنصوبة فيك قال أعددتها للصائمين فقال نعم الخبر أنت فلما كان عند المغرب دنا العصفور ليأخذها فخنقه الفخ فقال العصفور العبادة تخنق كخنقك فلا خير حينئذ في العبادة بعد اليوم.
قال حدثنا المعافي ابن زكريا قال زعموا أن أسداً وذئباً وثعلباً
اصطحبوا فخرجوا يتصيدون فصادوا حماراً وظبياً وأرنباً فقال الأسد للذئب
أقسم بيننا صيدنا قال الأمر أبي من ذلك الحمار لك والأرنب لأبي معاوية
والظبي لي قال فخطبه الأسد فاندر رأسه ثم أقبل على الثعلب وقال قاتله الله
ما أجهله بالقسمة ثم قال هات أنت قال الثعلب يا أبا الحارث الأمر أوضح من
ذلك الحمار لغذائك والظبي لعشائك وتخلل بالأرنب فيما بين ذلك قال الأسد
ويحك ما أقضاك من علمك هذه القضية قال رأس الذئب النادر بين عيني، وذكر
الحكماء في أمثالهم قالوا قيل للذئب ما بالك تعدو أسرع من الكلب فقال لأني
أعدو لنفسي والكلب يعدو لصاحبه. وذكر أبو هلال العسكري قال قالت العرب
وجدت الضبع تمرة فاختلسها الذئب فلطمته فتحاكما إلى الضب فقالت يا أبا
الخسيل قال سميعاً دعوت قالت جئناك نحتكم إليك قال في بيته يؤتى الحكم
قالت إني التقطت تمرة قال حلواً جنيت قالت إن الثعلب أخذها قال حظ نفسه
بغى قالت لطمته قال أشفيت والبادي أظلم قالت فلطمني قال حر انتصر لنفسه
قالت اقضِ بيننا قال قضيت.
قالوا حدث المخاطب حديثين فإن لم يفهم فأربعة قال العسكري المعنى أن لم
يفهم حديثين كان ممن لا يفهم أربعة أقرب قال وقال بعض العلماء إنما هو
فأربع أي أمسك وذلك غلط، قالوا وصادت حدأة سمكة فهمت ببلعها فقالت لا
تفعلي فإنك إن أكلتيني لم أشبعك ولكن استحلفيني بما شئت إنني آتيك كل يوم
بسمكة ففتحت فاها لتحلفها فانسابت منها فقالت ارجعي فقالت ما رأيت في
مجيئي إليك خيراً فأعود.
قالوا وكان رجل في صحراء فعرض له الأسد فهرب منه فوقع في بئر فوقع الأسد
خلفه فإذا في البئر دب فقال له الأسد منذ كم أنت ههنا قال منذ أيام وقد
قتلني الجوع فقال الأسد أنا وأنت نأكل هذا وقد شبعنا فقال الدب فإذا
عاودنا الجوع فما نصنع وغنما الرأي أن نحلف له إننا لا نؤذيه ليحتال
لخلاصنا وخلاصه فإنه أقدر على الحيلة منا فحلفا له فأخذ في التحيل، فلاح
له ضوء فنقب فخرج به إلى قضاء فتخلص وخلصهما.
قال كان أبو أيوب المرزباني وهو وزير المنصور إذا دعاه يصفر ويرعد فإذا
خرج من عنده عاج لونه فقالوا له إنا نراك مع كثرة دخولك إلى أمير المؤمنين
وأنسه بك تتغير إذا دخلت عليه فقال مثلي ومثلكم في هذا مثل بازي وديك
تناظرا فقال البازي للديك ما أعرف أقل وفاء منك قال وكيف قال تؤخذ بيضة
فيحضنك أهلك وتخرج على أيديهم فيطعمونك بأكفهم حتى إذا كبرت صار لا يدنو
منك إلا طرت ههنا وصحت ههنا فإن علوت حائطاً كنت فيها سنين طرت منها
وتركتها وصرت إلى غيرها وأنا أوخذ من الجبال وقد كبر سني فأطعم الشيء
اليسير وأوثق يوماً أو يومين ثم أطلق على الصيد فأطير وحدي فآخذه وأجيء به
لصاحبي فقال له الديك ذهبت عنك الحجة أما أنك لو رأيت بازين في سفود ما
عدت إليهم أبداً وأنا كل وقت رأى السفافيد مملوءة ديوكاً وأبيت معهم فأنا
أوفى منك ولكن لو عرفتم من المنصور ما أعرف لكنتم أسوأ حالاً مني عند طلبه
إياكم.
قالوا ورأت الضبع ظبية على حمار فقالت أردفيني فأردفتها فقالت ما أفره
حمارك ثم سارت يسيراً فقالت ما أفره حمارك فقالت الظبية انزلي قبل أن
تقولي ما أفره حماري.
قالوا وصادت الضبع ثعلباً فقال الثعلب مني على أم عامر فقالت خيرتك خصلتين
إما أن آكلك وإما أن أوكلك فقال الثعلب أما تذكرين أم عامر التي نكحت في
دارها فقالت الضبع متى ذا فانفتح فوها فأفلت الثعلب.
قالوا وأولم طائر وليمة فأرسل يدعو بعض إخوانه فغلط بعض رسله فجاء إلى
الثعلب فقال أخوك يدعوك فقال السمع والطاعة فلما رجع أخبر الطائر فاضطربت
الطيور وقالوا أهلكتنا وعرضتنا للحتف فقالت القنبرة أنا أصرفه عنكم بحيلة
فمضت فقالت أخوك يقرأ عليك السلام ويقول لك الوليمة يوم الاثنين فأين تحب
أن يكون مجلسك مع الكلاب السلوقية أو مع الكلاب الكردية فتجرعها الثعلب
وقال أبلغي أخي السلام وقولي له أبو سرور يقرئك السلام ولكن قد تقدم لي
نذر منذ دهر بصوم الاثنين والخميس قال أبو عمير الصوري مرتيس بزق ففر منه
فقال له الزق تنفر مني مثلك كنت ومثلي تكون، قال أبو سليم الخطابي من
أمثلتهم قولهم لا أريد ثوابك اكفني عذابك ومثله قول الشاعر:
كفاني الله شرك يا خليلي ... فإما الخير منك فقد كفاني
قال أبو سليمان نظيرة قولهم يدك عني وأنا في عافية وأصل هذا فيما
يتكلم به الناس على ألسنة البهائم أن فأرة سقطت من السقف فظفرت الهرة
بحملها تقول بسم الله عليك فقالت الفأرة يدك عني وأنا في عافية قال المصنف
رحمه الله سمعت علي بن الحسين الواعظ يحكي أن عيسى بن مريم عليه الصلاة
والسلام مرعلى حواء يطارد حية ليأخذها فقالت الحية يا روح الله قل له لئن
لم يلتفت عني لأضربنه ضرباً أقطعه قطعاً فمر عيسى عليه السلام ثم عاد وإذا
الحية في سلته فقال لها عيسى ألست القائل كذا وكذا فكيف صرت معه فقالت يا
روح الله إنه حلف لي فلئن غدرني فسم غدره أضر عليه من سمي والله الموفق
للصواب.
تم الكتاب بعون الملك الوهاب.