كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي
وقربات وذكر السر مشاهدة ومناجاة انتهى ملخصا
وفيها محدث الأندلس أبو عبد الله محمد بن فطيس بن واصل الغافقي الألبيري الفقيه الحافظ روى عن محمد بن أحمد العتبي وأبان بن عيسى ورحل وسمع من أحمد ابن أخي ابن وهب ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم وصنف وجمع وسمع بأطرابلس المغرب من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ قال الفرضي كان ضابطا نبيلا صدوقا وكانت الرحلة إليه حدثنا عنه غير واحد وتوفي في شوال عن تسعين سنة
وفيها المؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس الرئيس أبو الوفاء النيسابوري لم يدرك الأخذ عن أبيه وأخذ عن إسحاق الكوسج والحسين الزعفراني وطبقتهما وكان صدر نيسابور وروى أن أمير خراسان ابن طاهر افترض منه ألف ألف درهم وقال أبو علي النيسابوري خرجت لأبي الوفاء عشرة أجزاء وما رأيت أحسن من أصوله فأرسل إلى مائة دينار وأثوابا
سنة عشرين وثلثمائة
لما استفحل أمر مرداويج الديلمي لاطفة الخليفة وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع وعقد له على أذربيجان وأرمينية وإيران وقم ونهاوند وسجستان
وفيها نهب الجند دار الوزير فهرب وسخم الهاشميون وجوههم وصاحوا الجوع الجوع للغلاء لأن القرمطي ومونسا منعوا الجلب وتسلل الجند إلى مونس وتملك الموصل ثم تجهزوا في جمع عظيم فأمر المقتدر هارون بن غريب أن يلتقي بهم فامتنع ثم قالت الأمراء للمقتدر أنفق في العساكر فعزم على التوجه إلى واسط في الماء ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز فقال له محمد
ابن ياقوت اتق الله ولا تسلم بغداد بلا حرب فلما أصبحوا ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب والقراء والمصاحف حوله والوزير خلفه فشق بغداد إلى الشماسية وأقبل مونس في جيشه وشرع القتال فوقف المقتدر على تل ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلاء بن حمدان فقالا تقدم فأبى فألحوا عليه فتقدم وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف في طائفة قليلة فانكشف أصحابه وأسر منهم جماعة وابلي ابن ياقوت وهرون بن غريب بلاء حسنا وكان معظم جيش مونس الخادم البربر فجاء علي بن بليق فترجل وقال مولاي أمير المؤمنين وقبل الأرض فعطف جماعة إلى نحو المقتدر فضربه رجل من خلفه ضربة سقط إلى الأرض وقيل رماه بحربة وحز رأسه بالسيف وحمل على رمح ثم سلب ما عليه وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش ثم حفر له حفرة فطم وعفا أثره وذلك لثلاث بقين من شوال
وهو ابو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل ابن المعتصم العباسي وفي أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وصغرت وسمع أمير الأندلس بذلك فقال أنا أولى بإمرة المؤمنين فلقب نفسه أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلثمائة ولا شك أن حرمته ودولته كانت أمتن من دولة المقتدر ومن بعده وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد وكان ربعة جميل الصورة أبيض مشربا حمرة أسرع الشيب إلى عارضيه وعاش ثمانيا وثلاثين سنة وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا أياما وكان جيد العقل والرأي لكنه كان يؤثر اللعب والشهوات غير ناهض بأعباء الخلافة كانت أمه وخالته والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار والولايات والحل والعقد قال الوزير علي بن عيسى ما هو إلا لا يترك النبيذ خمسة أيام وكان ربما يكون في إصابة الرأي كأبيه وكالمأمون ومن العجائب أنه لم يل الخلافة من اسمه جعفر إلا هو والمتوكل وكلاهما قتل في شوال وندم
مونس على قتله وقال لنقتلن كلنا ثم بايعوا القاهر فصادر بعض خواص المقتدر وعذب أمه حتى ماتت معلقة وبالغ في الظالم واستوزر ابن مقلة وكان المقتدر مسرفا مبذرا محق الذخائر حتى إنه أعطى بعض جواره الدرة اليتيمة التي وزنها ثلاثة مثاقيل ويقال إنه ضيع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار وكان في داره عشرة آلاف خصى من الصقالبة وأهلك نفسه بيده بسوء تدبيره وخلف عدة أولاد منهم الراضي بالله محمد والمتقي لله إبراهيم والأمير إسحاق ولد القادر والمطيع لله وذكر طبيبه ثابت بن سنان في تاريخه إن المقتدر أتلف نيفا وسبعين ألف ألف دينار
وفيها توفي الحافظ محدث الشام أبو الحسن أحمد بن عمر بن يوسف بن موسى بن جوصا سمع كثير بن عبيد وطبقته وعنه الطبراني وحمزة الكتاني وأبو علي الحافظ والحاكم حط عليه حمزة الكتاني وأثنى عليه الدارقطني وجمع وصنف وتبحر في الحديث قال أبو علي النيسابوري كان ركنا من أركان الحديث وقال محمد بن إبراهيم كان ابن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة وقال غيره كان ابن جوصا كثير الأموال يركب البغلة وتوفي في جمادى الأولى وقال الدارقطني تفرد بأحاديث ولم يكن بالقوي
وفيها أبو بكر أحمد بن القسم بن نصر أخو أبي الليث الفرائضي ببغداد في ذي الحجة وله ثمان وتسعون سنة روى عن لوين وإسحاق بن أبي إسرائيل وعدة
وفيها الحافظ الجوال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة روى عن أبي زرعة الرازي والزعفراني وعنه أهل الري وقزوين منهم أحمد بن علي بن حسن الرازي وأبو بكر بن يحيى الفقيه وغيرهما قاله ابن درباس
وفيها أبو العباس عبد الله بن عتاب بن الزفتي محدث دمشق وله ست
وتسعون سنة روى عن هشام بن عمار وعيسى بن حماد زغبة وخلق قال أبو أحمد الحاكم رأيناه ثبتا
وفيها الحافظ الثقة أبو القسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ابن أخي أبي زرعة الرازي روى عن يونس بن عبد الأعلى وأحمد بن منصور الرمادي وطبقتهما
وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري صاحب البخاري وقد سمع من علي بن خشرم لما رابط بفرير وكان ثقة ورعا توفي في شوال وله تسع وثمانون سنة وكانت ولادته سنة إحدى وثلاثين ومائتين ورحل إليه الناس وسمعوا منه صحيح البخاري وهو أحسن من روى الحديث عن البخاري وفربر بفتح الفاء والراء وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء ثانية وهي بليدة على طرف جيجون مما يلي بخارى قاله ابن خلكان
وفيها أو قبلها أو بعدها توفي القاضي الحافظ محمد بن يحيى العدني قاضي عدن ونزيل مكة سمع منه مسلم بن الحجاج والترمذي وروى عن سفيان بن عيينة وطبقته روى عنه الترمذي أنه قال حججت ستين حجة ماشيا على قدمي قاله ابن الأهدل
وفيها الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري الثقة الإمام روى عن الذهلي وعيس بن أحمد والربيع المرادي وعنه محمد ابن صالح بن هاني وأبو علي الحافظ ووثقه الحاكم قاله ابن برداس
وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزدي مولاهم البغدادي وكان من خيار القضاة حلما وعقلا وجلالة وذكاء وصيانة ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين وروى عن يزيد بن أحزم والحسن ابن أبي الربيع وجماعة حمل عنهم في صغره وولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر ثم ولي قضاء القضاة
سنة سبع عشرة وثلثمائة وكان له مجلس في غاية الحسن كان يقعد للإملاء والبغوي عن يمينه وابن صاعد عن يساره وابن زياد النيسابوري بين يديه وقد حفظ من جده حديثا وهو ابن أربع سنين
وفيها ميمون بن عمر الإفريفي المالكي أبو عمر الفقيه قاضي القيروان وقاضي صقلية عاش مائة سنة أو أكثر وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون وعن أبي مصعب الزهرة وزمن في آخر عمره وهرم
وفيها أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي قال الأسنوي كان إماما جليلا وربما كان يعيب على ابن سريج في القضاء ويقول هذا الأمر لم يكن في أصحابنا إنما كان في أصحاب أبي حنيفة وطلبه الوزير ابن الفرات بأمر الخليفة للقضاء فامتنع فوكل ببابه وختم عليه بضعة عشر يوما حتى احتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا بمناولة بعض الجيران فبلغ الخبر إلى الوزير فأمر بالإفراج عنه وقال ما أردنا بالشيخ أبي علي إلا خيرا أردنا أن يعلم أن في مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وفعل به مثل هذا وهو لا يقبل توفي رحمه الله تعالى يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة انتهى ملخصا وتفقه به جماعة
وفيها أبو عمر الدمشقي الزاهد من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم روى عنه أنه قال كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات فرض الله على الأولياء كتمان الكرامات لئلا يفتتنوا بها
سنة إحدى وعشرين وثلثمائة
فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام فتحيل حتى قبض على مونس الخادم وبليق وابنه علي بن بليق ثم أمر بذبحهم وطبف برؤوسهم ببغداد ثم أمر بذبح يمن وابن زبرك فاستقامت بغداد وأطلقت أرزاق الجند وعظمت هيبة القاهر
في النفوس ثم أمر بتحريم القيان والخمر وقبض على المغنين ونفى المخانيث وكسر آلات الطرب إلا أنه كان لا يكاد يصحو من السكر ويسمع القينات قاله في العبر
وفيها توفي أبو حامد ويقال أبو تراب أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم الأعمشي النيسابوري الحافظ وأبوه حمدون القصار كان أعمى من الموثقين وكان قد جمع حديث الأعمش كله وحفظه فلقب بذلك سمع محمد بن رافع وأبا سعيد الأشج وطبقتهما ومنه أبو الوليد الثقة وأبو علي الحافظ والحاكم قال ابن برداس لا بأس به وكان صاحب بسط ودعابة
وفيها أحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسواني العسال في جمادى الآخرة وهو آخر من حدث عن محمد بن رمح ووثقه ابن يونس
وفيها أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الأزدي الخجري المصري شيخ الحنفية الثقة الثبت سمع هارون بن سعيد الأيلي وطائفة من أصحاب ابن عيينة وابن وهب ومنه أحمد بن القسم الحساب والطبراني وصنف التصانيف منها العقيدة السنية وبرع في الفقه والحديث توفي في ذي القعدة وله اثنتان وثمانون سنة قال ابن يونس كان ثقة ثبتا لم يخلف مثله وقال الشيخ أبو إسحاق انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر وقرأ أولا على المزني قيل وكان ابن أخته فقال له يوما والله لا جاء منك شيء فغضب وانتقل إلى جعفر ابن عمران الحنفي ففاق أهل عصره وكان يقول بعد رحم الله أبا إبراهيم يعني المزني لو كان حيا لكفر عن يمينه وصنف كثيرا ونسبته إلى طحاقرية بصعيد مصر
وفيها أبو علي أحمد بن علي بن رزين الباشاني بهراة روى عن علي ابن خشرم وسفيان بن وكيع وطائفة من الثقات
وفيها الأمير تكين الخاصة ولى دمشق ثم مصر وبها مات ونقل إلى بيت المقدس
وفيها أبو يزيذ حاتم بن محبوب الشامي بهراة حج وسمع محمد بن زنبور وسلمة بن شبيب وكان ثقة
والحسن بن محمد بن النضر أبو علي بن أبي هريرة بأصبهان روى عن إسمعيل بن يزيد القطان وأحمد بن الفرات وعنه ابن مندة وهو من أكبر شيوخه
وفيها أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب البصري الجبائي شيخ المعتزلة وابن شيخهم توفي في شعبان ببغداد
وفيها أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري اللغوي العلامة صاحب التصانيف أخذ عن الرياشي وأبى حاتم السجستاني وابن أخي الأصمعي وعاش ثمانيا وتسعين سنة قال أحمد بن يوسف الأزرق ما رأيت احفظ من ابن دريد ما رأيته قرىء عليه ديوان إلا وهو يسابق في قراءته وقال الدارقطني تكلموا فيه قاله في العبر وقال ابن خلكان إمام عصره في اللغة والآداب والشعر الفائق قال المسعودي في كتاب مروج الذهب في حقه كان ابن دريد ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر وانتهى في اللغة لم يوجد مثله في فهم كتب المتقدمين وقام مقام الخليل بن أحمد فيها وكان يذهب بالشعر كل مذهب فطورا يجزل وطورا يرق وشعره أكثر من أن نحصيه فمن جيد شعره قصيدته المقصورة التي أولها
( إما ترى رأسى حاكي لونه ** طرة صبح تحت أذيال الدجى )
( واشتعل المبيض في مسوده ** مثل اشتعال النار في جمر الغضا )
وكان من تقدم من العلماء يقول إن ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء ومن مليح شعره قوله
( عزراء لو جلت الخدور شعاعها ** للشمس عند شروقها لم تشرق )
( غصن على دعص تأود فوقه ** قمر تألق تحت ليل مطبق )
( لو قيل للحسن احتكم لم يعدها ** أو قيل خاطب غيرها لم ينطق )
( فكأننا من فرعها في مغرب ** وكأننا من وجهها في مشرق )
( كانت فيهتف بالعيون ضياؤها ** الويل حل بمقلة لم تطبق )
تبدو ولادته بالبصرة في سكة صالح سنة ثلاث وعشرين ومائتين ونشأ بها وتعلم فيها وسكن عمان وأقام بها ثنتي عشرة سنة ثم عاد إلى البصرة وسكنها زمانا ثم خرج إلى نواحي فارس وصحب ابني ميكال وكانا يومئذ على عمالة فارس وعمل لهما كتاب الجمهرة وقلداه ديوان فارس فكانت تصدر كتب فارس عن رأيه ولا ينفذ أمر إلا بعد توقيعه فأفاد معهما اموالا عظيمة وكان لا يمسك درهما سخاء وكرما ومدحهما بقصيدته المقصورة فوصلاه بعشرة آلاف درهم ثم انتقل إلى بغداد وعرف الإمام المقتدر بالله خبره ومكانه بالعلم فأمر أن يجري عليه خمسون دينارا في كل شهر ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته وكان واسع الرواية لم ير أحفظ منه وسئل عنه الدارقطني أثفة هو أم لا فقال تكلموا فيه وقيل إنه كان يتسامح في الرواية فيسند إلى كل واحد ما يخطر له وقال أبو منصور الأزهري البغوي دخلت عليه فرأيته سكران فلم أعد إليه وقال ابن شاهين كنا ندخل عليه فنستحي من العيدان المعلقة والشراب المصفى وذكر أن سائلا سأله شيئا فلم يكن عنده غيردن من نبيذ فوهبه له فأنكر عليه أحد غلمانه وقال تتصدق بالنبيذ فقال لم يكن عندي شيء سواه ثم أهدى له بعد ذلك عشر دنان من النبيذ فقال لغلامه أخرجنا دنا فجاءنا عشرة وينسب إليه من هذه الأمور شيء كثير وعرض له فالج فسقى التريان فشفى ثم عاوده الفالج بعد حول لغداء ضار تناوله فبطل من محزمه إلى قديمة وكان مع هذا الحال ثابت العقل صحيح الذهن يرد فيما يسأل ردا صحيحا وقال المرزباني قال لي ابن دريد سقطت من منزلي بفارس فانكسرت
ترقوتي فسهرت ليلتي فلما كان آخر الليل غمضت عيني فرأيت رجلا طويلا أصفر الوجه كوسجا دخل علي وأخذ بعضادتي الباب وقال أنشدني أحسن ما قلت في الخمر فقلت ما ترك أبو نواس لأحد شيئا فقال أنا أشعر منه فقلت من أنت فقال أنا أبو ناجية من أهل الشام وأنشدني
( وحمراء قبل المزج صفراء بعده ** أتت بين ثوبي نرجس وشقائق )
( حكت وجنة المعشوق صرفا فسلطوا ** عليها مزاجا فاكتست لون عاشق )
فقلت له أسأت فقال ولم قلت لأنك قلت حمراء فقدمت الحمرة ثم قلت بين ثوبي نرجس وشقائق فقدمت الصفرة فهلا قدمتها على الأخرى فقال وما هذا الاستقصاء يا بغيض وتوفي يوم الأربعاء لثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان ودريد بضم الدال المهملة وفتح الراء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة وهو تصغير ادرد والادرد الذي ليس فيه سن وهو تصغير ترخيم لحذف الهمزة من أوله كما تقول في تصغير أسود سويد وأزهر زهير انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها محمد بن هارون أبو حامد الحضرمي محدث بغداد في وقته وله نيف وتسعون سنة روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وأبي همام السكوني
وفيها محمد بن مكحول البيروتي وهو أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ الثقة الثبت سمع محمد بن هاشم البعلبكي وأبا عمير بن النحاس وطبقتهما بمصر والشام والجزيرة وعنه أبو سليمان بن زين وأبو محمد بن ذكوان البعلبكي والحاكم
وفيها محمد بن نوح الحافظ أبو الحسن الجنديسابوري الثقة روى عن الحسن بن عرفة وغيره وعنه الدارقطني وغيره
وفيها مؤنس الخادم الملقب بالمظفر عن نحو تسعين سنة وكان أميرا معظما شجاعا منصورا لم يبلغ أحد من الخدام منزلته إلا كافور صاحب مصر
سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة
فيها انفرد عن مرداويج الديلمي أحد قواده الأمير علي بن بويه والتقى هو ومحمد بن ياقوت أمير فارس فهزم محمدا واستولى على مملكة فارس وهذا أول ظهور بني بويه وكان بويه من أوساط الناس يصيد السمك بين الديلم فملك أولاده الدنيا وكنية بويه أبو شجاع ونسبه متصل إلى أزدشير بن بابك من الأكاسرة وكان له ثلاثة أولاد شجعان في خدمة ابن كالي الديلمي وأسماؤهم عماد الدولة أبو الحسن علي وركن الدولة الحسن ومعز الدولة الحسين
وفيها قتل القاهر الأمير أبا السرايا نصر بن حمدان والرئيس إسحاق بن إسماعيل النوبختي بالضم نسبة إلى نوبخت جد وقيل ابن أخيه أبو أحمد ابن المكتفي بلا ذنب وتفرعن وطغى وأخذ أبو علي بن مقلة وهو مختف يراسل الخواص من المماليك ويحشدهم على القاهر ويوحشهم منه فما برح على أن اجتمعوا على الفتك به فركبوا إلى الدار والقاهر سكران نائم وقد طلعت الشمس فهرب الوزير في إزار وسلامة الحاجب فوثبوا على القاهر فقام مرعوبا وهرب فتبعوه إلى السطح وبيده سيف فقالوا انزل فقالوا نحن عبيدك فلم تستوحش منا فلم ينزل ففوق واحد منهم سهما وقال انزل فأبى وإلا قتلتك فنزل فقبضوا عليه في جمادى الآخرة وأخرجوا محمد بن المقتدر ولقبوه الراضي بالله ووزر ابن مقلة قال الصولي كان القاهر أهوج سفاكا للدماء قبيح السيرة كثير الاستحالة مدمن الخمر كان له حربة يحملها فلا يضعها حتى يقتل إنسانا ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل وستأتي بقية ترجمته عند ذكر وفاته في سنة تسع وثلاثين وثلثمائة إن شاء الله تعالى
وفيها هلك مرادويج الديلمي بأصبهان وكان قد عظم سلطانه وتحدثوا
أنه يريد قصد بغداد وكان له ميل إلى المجوس وأساء إلى أصحابه فتواطأوا على قتله في الحمام وبعث الراضي بالعهد إلى علي بن بويه على البلاد التي استولى عليها والتزم بحمل ثمانية آلاف ألف درهم في العام
وفيها اشتهر محمد بن علي الشلمغاني ببغداد وشاع أنه يدعي الآلهية وأنه يحيى الموتى وكثر أتباعه فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله فسمع كلامه وأنكر الآلهية وقال إن لم تنزل العقوبة بعد ثلاثة أيام وأكثره تسعة أيام وإلا فدمي حلال وكان هذا الشقي قد أظهر الرفض ثم قال بالتناسخ والحلول ومخرق على الجهال وضل به طائفة وأظهر شأنه الحسين بن روح زعيم الرافضة فلما طلب هرب إلى الموصل وغاب سنين ثم عاد وادعى الآهية فتبعه فيما قيل الذي وزر للمقتدر الحسين بن الوزير القسم ابن الوزير عبيد الله بن وهب وأما بسطام وإبراهيم بن أبي عون فلما قبض عليه ابن مقلة كبس بيته فوجد فيه رقاعا وكتبا مما قيل عنه يخاطبونه في الرقاع بما لا يخاطب به البشر وأحضر فأصر على الإنكار فصفعه ابن عبدوس وأما ابن أبي عون فقال إلهي وسيدي ورازقي فقال الراضي للشلمغاني أنت زعمت أنك لا تدعي الربوبية فما هذا فقال وما علي من قول ابن أبي عون ثم أحضروا غير مرة وجرت لهم فصول وأحضرت الفقهاء والقضاة ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه فأحرق في ذي العدة وضربت عنق ابن أبي عون ثم أحرق وهو فاضل مشهور صاحب تصانيف أدبية وكان أعنى ابن أبي عون من رؤساء الكتاب وشلمغان بالشين والغين المعجمتين من أعمال واسط
وقتل الحسين بن القاسم الوزير وكان في نفس الراضي منه ولم يحج أحد من بغداد إلى سنة سبع وعشر ين خوفا من القرامطة
وفيها توفي أبو عمر أحمد بن خالد بن الخباب القرطبي حافظ الأندلس وكان أبوه يبيع الحباب روى عن بقي بن مخلد وطائفة وعنه ولده محمد ومحمد بن أبي وليم
قال القاضي عياض كان إماما في فقه مالك وكان في الحديث لا ينازع وارتحل إلى اليمن فأخذ عن إسحق الدبري وعاش بضعا و سبعين سنة وصنف التصانيف
وفيها قاضي مصر أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة حدث بكتب أبيه كلها من حفظه بمصر ولم يكن معه كتاب وهي أحد وعشرون مصنفا وولى قضاء مصر شهرا ونصفا
وفيها العارف الزاهد القدوة خير النساج أبو الحسن البغدادي وكانت له حلقة يتكلم فيها وعمر دهرا فقيل إنه لقي سريا السقطي وله أحوال وكرامات
وفيها المهدي عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى أنه من ولد جعفر الصادق وكان بسلمية فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب وامتدت دولته بضعا وعشرين سنة ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها وكان يظهر الرفض ويبطن الزندقة قال أبو الحسن القابسي صاحب الملخص الذي قتله عبيد الله وبنوه بعده في دار النحر التي يعذب فيها في العذاب ما بين عالم وعابد ليردهم عن الترضي على الصحابة فاختار الموت أربعة آلاف رجل وفي ذلك يقول بعضهم من قصيدة
( وأحل دار النحر في أغلاله ** من كان ذا تقوى وذا صلوات )
وقال ابن خلكان أبو محمد عبيد الله الملقب بالمهدي وجدت في نسبة اختلافا كثيرا قال صاحب تاريخ القيروان هو عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال غيره هو عبيد الله بن محمد بن إسمعيل ابن جعفر المذكور وقيل هو عبيد الله بن التقى وفيه اختلاف كثير وأهل العلم بالأنساب المحققون ينكرون دعواه في النسب وقيل إن المهدي لما وصل إلى سجلماسة ونما خبره إلى اليسع وهو مالكها وهو آخر ملوك بني مدرار وقيل له إن هذا الفتى يدعو إلى بيعة أبي عبد الله الشيعي بإفريقية أخذه اليسع
واعتقله فلما سمع أبو عبد الله الشيعي باعتقاله حشد جميعا كثيرا من كتامة وغيرها وقصد سجلماسة لا ستنفاذه فلما بلغ اليسع خبر و وصولهم قتل المهدي في السجن فلما دنت العساكر من البلد هرب اليسع فدخل أبو عبد الله إلى السجن فوجد المهدي مقتولا وعنده رجل من أصحابه كان يخدمه فخاف أبو عبد الله أن ينتقض عليه ما دبره من الأمر إن عرفت العساكر بقتل المهدي فأخرج هذا الرجل وقال هو المهدي وهو أول من قام بهذا الأمر من بيتهم وادعى الخلافة بالمغرب وكان داعية أبا عبد الله الشيعي ولما استثبت له الأمر قتله وقتل أخاه وبني المهدية بإفريقية ولما فرغ من بنائها في شوال سنة ثمان وثلثمائة بنى سور تونس وأحكم عمارتها وجدد فيها مواضع فنسبت إليه وملك بعده ولده القائم ثم المنصور ولد القائم ثم المعز بن المنصور وهو الذي سير القائد جوهرا وملك الديار المصرية وبنى القاهرة واستمرت دولتهم حتى انقرضت على يد السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى وكانت ولادته في سنة تسع وخمسين وقيل ستين ومائتين بمدينة سلمية وقيل بالكوفة ودعى له بالخلافة على منابر زقادة والقيروان يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخرة سنة سبع وتسعين ومائتين بعد رجوعه من سجلماسة وكان ظهوره بسجلماسه يوم الأحد لسبع خلون من ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائتين وخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العباس انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصا
وفيها أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي محدث مكة نسبة إلى ديبل بفتح أوله وضم الباء مدينة قرب السند وتوفي في جمادى الأولى روى عن محمد بن زنبور وطائفة
وفيها أبو جعفر محمد بن عمرو والحافظ صاحب الجرح والتعديل عداده في أهل الحجاز روى عن إسحق الدبري وأبي إسمعيل الترمذي وخلق
وعنه أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعي وأبو بكر بن المقرى قال الحافظ أبو الحسن القطان أبو جعفر ثقة جليل القدر عالم بالحديث مقدم بالحفظ وتوفي بمكة في شهر ربيع الأول
وفيها الزاهد أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتاني شيخ الصوفيه المجاور بمكة أخذ عن أبي سعيد الخراز وغيره وهو مشهور قال السخاوي في طبقاته قال المرتعش الكتاني سراج الحرم صحب الجنيد والخزاز والنوري وأقام بمكة مجاورا إلى أن مات بها ومن كلامه روعة عند انتباه عن غفلة وانقطاع عن حظ من الحظوظ النفسانية وارتعاد من خوف القطيعة أفضل من عبادة الثقلين وقال وجود العطاء من الحق شهود الحق بالحق لألحق دليل على كل شيء ولا يكون شيء دونه دليل عليه وقال إذا صح الإفتقار إلى الله صح الغناء به لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بصاحبه وقال الشهوة زمام الشيطان من أخذ بزمامه كان عبده وقال العارف من يوافق معروفه في أوامره ولا يخالفه في شيء من أحواله ويتحبب إليه بصحبة أوليائه ولا يفتر عن ذكره طرفة عين وقال الصوفي من عزمت نفسه عن الدنيا تطرفا وعلت همته عن الآخرة وسخت نفسه بالكل طلبا وشوقا لمن له الكل وقال من طلب الراحة عدم الراحة انتهى ملخصا
وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن القسم الروذباري البغدادي الزاهد المشهور الشافعي قال الأسنوي وهو براء مضمومة وواو ساكنة ثم ذال معجمة مفتوحة ثم باء موحدة بعد الألف راء مهملة وياء النسب كان فقيها نحويا حافظا للأحاديث عارفا بالطريقة له تصانيف كثيرة وأصله من بغداد من أبناء الوزراء والكبار يتصل نسبه بكسرى فصحب الجنيد حتى صار أحد أئمة الوقت وشيخ الصوفية وكان يقول أستاذي في التصويف الجنيد وفي الحديث إبراهيم الحربي وفي الفقه ابن سريج وفي النحو ثعلب ومن شعره
( ولو مضى الكل مني لم يكن عجبا ** وإنما عجبي للبعض كيف بقى )
( أدرك بقية روح فيك قد تلفت ** قبل الفراق فهذا آخر الرمق )
سكن مصر وتوفي بها وقد اختلف في اسمه فقال الخطيب وبن السمعاني إنه محمد وقال ابن الصلاح في الطبقات أحمد وقيل الحسن انتهى ملخصا
سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة
فيها تمكن الراضي بالله بحيث أنه قلد ولديه وهما صغيران إمرة المشرق والمغرب
وفيها محنة ابن شنبوذ القارئ كان يقرأ في المحراب بالشواذ فطلبه الوزير ابن مقلة وأحضر القاضي والقراء وفيهم ابن مجاهد فناظره فأغلظ للحاضرين في الخطاب ونسبهم إلى الجهل فأمر الوزير بضربه لكي يرجع فضرب سبع درر ودعا على الوزير بقطع اليد فقطعت وسيأتي تمام القصة عند ذكر وفاته إن شاء الله تعالى
وفيها هاشت الجند وطلبوا أرزاقهم وأغلظوا لمحمد بن ياقوت وأخرجوا المحبوسين ووقع القتال والجد ونهبت الأسواق وبقي البلاء أياما ثم أرضاهم ابن ياقوت وبعد أيام قبض الراضي بالله على ابن ياقوت وأخيه المظفر وعظم شأن الوزير ابن مقلة وتفرد بالأمر ثم هاجت عليه الجند فأرضاهم بالمال
وفيها استولت بنو عبيد الرافضة على مدينة جنوة بالسيف
وفيها فتنة البربهاري شيخ الحنابلة فنودي أن لا يجتمع اثنان من أصحابه وحبس جماعة منهم وهرب هو
وفيها وثب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان أمير الموصل على عمه سعيد بن حمدان فقتله لكونه أراد أن يأخذ منه الموصل فسار لذلك ابن مقلة في الجيش فلما قرب من الموصل نزح عنها ناصر الدولة ودخلها ابن
مقلة فجمع منها نحو أربعمائة ألف دينار ثم أسرع إلى بغداد لتشويش الحال ثم هزم ناصر الدولة جيش الخليفة ودخل الموصل
وفيها أخذ أبو طاهر القرمطي لعنه الله الركب العراقي وانهزم الأمير لؤلؤ وبه ضربات وقتل خلق من الوفد وسبيت الحريم وهلك محمد بن ياقوت في السجن وسلم إلى أهله وأخذ الراضي بالله ماله وأملاكه ومعاملاته وأطلق أخاه المظفر بن ياقوت بشفاعة الوزير ابن مقلة بعد أن حلف له أن يواليه بخير ولا ينحرف عنه ولا يسعى له ولا لولده بمكروه ثم غدر به وقبض عليه بعد أن جمع عليه الحجرية فاجتمعوا مع المظفر بن ياقوت وقبضوا على ابن مقلة في سنة أربع وثلاثين وسعوا في عزله من الوزارة وقطع يده كما يأتي إن شاء الله تعالى
وفيها جمع محمد بن رائق أمير واسط وحشد وتمكن وأضمر الخروج
وفيها توفي الحافظ أبو بشر أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب الكندي المصعبي المروزي روى عن محمود بن آدم وطائفة وهو أحد الوضاعين الكذابين مع كونه كان محدثا إماما في السنة والرد على المبتدعة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين في بديعته
( كالواضع الموهن المكذب ** ذاك الفقيه أحمد بن مصعب )
وفيها الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر البغدادي روى عن عباس الدوري وطبقته ورحل إلى أصحاب عبد الرزاق وكان الدارقطني يقول هو أستاذي قال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون
وفيها نفطويه النحوي أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الواسطي صاحب التصانيف روى عن شعيب بن أيوب الصريفيني وطبقته وعاش ثمانين سنة وكان كثير العلم واسع الرواية صاحب فنون ولد سنة أربع وأربعين أو سنة خمسين ومائتين بواسط وسكن بغداد ومات بها يوم
الأربعاء لست خلون من صفر بعد طلوع الشمس بساعة ودفن ثاني يوم بباب الكوفة قال ابن خالويه ليس في العلماء من اسمه إبراهيم وكنيته أبو عبد الله سوى نفطويه ومن شعره ما ذكره أبو علي القالي في كتاب الأمالي وهو
( قلبي أرق عليك من خديكا ** وقواي أوهى من قوى جفنيكا )
( لم لا ترق لمن يعذب نفسه ** ظلما ويعطفه هواه عليكا )
وفيه يقول أبو عبد الله محمد بن زيد بن علي بن الحسين الواسطي المتكلم المشهور صاحب كتاب الإمامة وكتاب إعجاز القرآن الكريم وغيرهما
( من سره أن لا يرى فاسقا ** فليجتهد أن لا يرى نفطويه )
( أحرقه الله بنصف اسمه وصير الباقي صاخا عليه )
وتوفي أبو عبد الله محمد المذكور سنة سبع وقيل ست وثلثمائة ونفطويه بكسر النون وفتحها والكسر أفصح قال الثعالبي لقب نفطويه لدمامته وأدمته تشبيها بالنفط وزيدويه نسبة إلى سيبويه لأنه كان يجري على طريقته ويدرس كتابه
وفيها الحافظ أبو نعيم عبد الملك بن محمد يبن عدي الجرجاني الحافظ الجوال الفقيه الاستراباذي سمع على بن حرب وعمر بن شبه وطبقتهما قال الحاكم كان من أئمة المسلمين سمعت أبا الوليد الفقيه يقول لم يكن في عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقوال الصحابة بخراسان من أبي نعيم الجرجاني ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد وقال أبو علي النيسابوري ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كلها كما نحفظ نحن المسانيد انتهى وله كتاب الضعفاء في عشرة أجزاء وممن أخذ عنه ابن صاعد مع تقدمه وأبو علي الحافظ وأبو سعيد الأزدي قال الخطيب كان أحد الأئمة من الحفاظ لشرائع الدين مع صدق وتيقظ وورع انتهى
وفيها قاضي الكوفة أبو الحسن علي بن محمد بن هارون الحميري الكوفي الفقيه روى عن أبي كريب والأشج وكان يحفظ عامة حديثه
وفيها على بن الفضل بن طاهر بن نصر أبو الحسن البلخي الحافظ الثقة الجوال روى عن أحمد بن سيار المروزي وأبي حاتم الرازي وهذه الطبقة وعنه الدارقطني وقال ثقة حافظ وابن شاهين قال الخطيب كان ثقة حافظا جوالا في الحديث صاحب غرائب
وفيها أبو عبيد المحاملي القسم بن إسمعيل بن محمد الضبي القاضي الإمام العلامة الحافظ البحر ولد سنة خمس وثلاثين وأخذ عن الفلاس والدورقي وغيرهما وعنه دعلج والدارقطني وابن جميع وأثني عليه الخطيب
وفيها موسى بن العباس أبو عمران الجويني حدث عن جماعة وعنه جماعة صنف على صحيح مسلم مصنفا صار له عديلا وكان حافظا مجردا ثقة ثبيلا وكان يقوم الليل يصلى ويبكي طويلا قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة الدمشقي العطار وله ست وتسعون سنة روى عن أبي هاشم الرفاعي وطبقته
وفيها الحافظ محمد بن أحمد بن أسد الهروى الأصل السلامي البغدادي أبو بكر بن البستنبان نسبة إلى حفظ البستان كان إماما ثقة ثبتا
سنة أربع وعشرين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور اشتد الجوع وكثر الموت فمات بأصبهان نحو مائتي ألف وفيها ثارت الغلمان الحجرية وتحالفوا واتفقوا ثم قبضوا على الوزير ابن مقلة وأحرقوا داره ثم سلم إلى الوزير عبد الرحمن فضربه وأخذ خطه بألف ألف دينار وجرى له عجائب من الضرب والتعليق ثم عزل عبد الرحمن ووزر أبو جعفر محمد بن القسم الكرخي
وكان ياقوت والد محمد والمظفر بعسكر مكرم يحارب على بن بويه لعصيانه فتمت له أمور طويلة ثم قتل وقد شاخ وتغلب ابن رائق وابن بويه على
المالك وقلت الأموال على الكرخي فعزل بسليمان بن الحسن فدعت الضرورة الراضي بالله إلى أن كاتب محمد بن رائق ليقدم فقدم في جيشه إلى بغداد وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين فاستولي ابن رائق على الأمور وتحكم في الأموال وضعف أمر الخلافة وبقى الراضي معه صورة قاله في العبر
وفيها توفي أحمد بن بقي بن مخلد أبو عمر الأندلسي قاضي الجماعة الناصر لدين الله ولي عشرة أعوام وروى الكتب عن أبيه
وفيها أبو الحسن جحظة البرمكي النديم وهو أحمد بن جعفر بن موسى ابن يحيى بن خالد بن برمك الأديب الأخباري صاحب الغناء والألحان والنوادر قال ابن خلكان كان فاضلا صاحب فنون وأخبار ونجوم ونوادر وكان من ظرفاء عصره وهو من ذرية البرامكة وله الأشعار الرائقة فمن شعره
( أنا ابن أناس نول الناس جودهم ** فأضحوا حديثا للنوال المشهر )
( فلم يخل من إحسانهم لفظ مخبر ** ولم يخل من تقريضهم بطن دفتر ) وله أيضا
( فقلت لها بخلت على يقظى ** فجودى في المنام لمستهام )
( فقالت لي وصرت تنام أيضا ** وتطمع أن أزورك في المنام ) وله أيضا
( أصبحت بين معاشر هجروا الندى ** وتقبلوا الأخلاق من أسلافهم )
( قوم أحاول نيلهم فكأنما ** حاولت نتف الشعر من آنافهم )
( هات استقنيها بالكبير وغنى ** ذهب الذين يعاش في أكنافهم ) وله
( يا أيها الركب الذين فراقهم إحدى البليه ** )
( يوصيكم الصب المقيم بقلبه خير الوصيه ** ) ومن أبياته السائرة قوله
( ورق الجو حتى قيل هذا ** عتاب بين جحظة والزمان ) ولابن الرومي فيه وكان مشوه الخلق
( نبئت جحظة يستعير جحوظه ** من فيل شطرنج ومن سرطان )
( وارحمتا لمنادميه تحملوا ** ألم اليعون للذة الآذان ) وتوفي بواسط وقيل حمل تابوته من واسط إلى بغداد وجحظة بفتح الجيم لقب عليه لقبه به عبد الله بن المعتز انتهى ملخصا
وفيها ابن مجاهد مقرىء العراق ابو بكر بن أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد روى عن سعدان بن نصر والرمادي وخلق وقرأ على قنبل وأبى الزعراء وجماعة وكان ثقة بصيرا بالقراءات وعللها عديم النظير توفي في شبعان عن ثمانين سنة
وفيها ابن المغلس الداودي وهو العلامة أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس البغدادي الفقيه أحد علماء الظاهر له مصنفات كثيرة وخرج له عدة أصحاب تفقه على محمد بن داود الظاهري
وفيها ابن زياد النيسابوري أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل الفقيه الشافعي الحافظ صاحب التصانيف والرحلة الواسعة سمع محمد بن يحيى الذهلي ويونس الصدفي وغيرهما ومنه ابن عقدة والدارقطني ما رأيت أحفظ من ابن زياد كان يعرف زيادات الألفاظ وأثني عليه الحاكم وهو ثقة قال الأسنوي ولد في أول سنة ثمان وثمانين ومائتين ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام ومصر وقرأ على المزني وبرع في العلم وسكن بغداد وصار إماما للشافعية بالعراق وسمع من جماعة كثيرة روى عنه جماعة منهم الدارقطني وقال إنه أفقه المشايخ وإنه لم ير مثله أقام أربعين سنة لا ينام الليل ويصلى الصبح بوضوء العشاء وصنف كتبا منها كتاب الربا انتهى ملخصا
وفيها قاضي حمص أبو القسم عبد الصمد بن سعيد الكندي روى عن محمد
ابن عوف الحافظ وعمران بن بكار وطائفة وجمع التاريخ
وفيها الإمام العلامة البخر الفهامة أبو الحسن الأشعري على بن إسماعيل ابن أبي بشر المتكلم البصري صاحب المصنفات وله بضع وستون سنة أخذ عن زكريا الساجي وعلم الجدل والنظر عن أبي علي الجبائي ثم على المعتزلة ذكر ابن حزم أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفا وأنه توفي في هذا العام وقال غيره توفي سنة ثلاثين وقيل بعد الثلاثين وكان قانعا متعففا قاله في العبر قلت ومما بيض به وجوه أهل السنة النبوية وسود به رايات أهل الاعتزال والجهمية فأبان به وجه الحق الأبلج ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج مناظرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدع مرائي وهي كما قال ابن خلكان سأل أبو الحسن المذكور أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة كان أحدهم مؤمنا برا تقيا والثاني كان كافرا فاسقا شقيا والثالث كان صغيرا فماتوا فكيف حالهم فقال الجبائي أما الزاهد ففي الدرجات وأما الكفار ففي الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة فقال الأشعري إن أراد الصغير أين يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له فقال الجبائي لا لأنه يقال له أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات فقال الأشعري فإن قال ذلك التقصير ليس مني فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة فقال الجبائي يقول الباري جل وعلا كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقا للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك فقال الأشعري فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي فلم راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي ولهذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خص من شاء برحمته وخص آخر بعذابه وإلى أبي الحسن انتهت رياسة الدنيا في الكلام وكان في ذلك المقدم المقتدي الإمام قال فيكتابه الإبانة في أصول الديانه وهو آخر كتاب صنفه وعليه يعتمد أصحابه في الذب عنه عند من يطعن عليه فصل في إبانة
قول أهل الحق والسنة فإن قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكلام ربنا وسنة نبينا وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول أبو عبد الله أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك المشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم وجملة قولنا إنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء من عند الله وبما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا وإنه واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله مستو على عرشه كما قال { الرحمن على العرش استوى } وأن له وجها كما قال { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وأن له يدين بلا كيف كما قال { بل يداه مبسوطتان } وأن له عينين بلا كيف كما قال { تجري بأعيننا } وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا وندين بأن الله يقلب القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلا عن عدل ونصدق بجميع الروايات التي رواها وأثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول هل من سائل هل من مستغفر وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لأهل الزيغ
والتضليل ونقول إن الله يجيء يوم القيامة كما قال { وجاء ربك والملك صفا صفا } وأن الله يقرب من عباده كيف شاء كما قال { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } وكما قال { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } انتهى ملخصا وقد ذكر ابن عساكر في كتابه الذب عن أبي الحسن الأشعري ما يقرب من ذلك إن لم يكن بلفظه ولعمري إن هذا الإعتقاد هو ما ينبغي أن يعتقد ولا يخرج عن شيء منه إلا من في قلبه غش ونكد وأنا أشهد الله على أنني أعتقده جميعه وأسأل الله الثبات عليه وأستودعه عند من لا تضيع عنده وديعة ولحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد معلم الخيرات
وفيها علي بن عبد الله بن مبشر أبو الحسن الواسطي المحدث سمع عبد الحميد ابن بيان وأحمد بن سنان
سنة خمس وعشرين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور صارت فارس في يد على بن بويه والري وأصبهان والجبل في يد الحسن بن بويه وديار بكر ومضر والجزيرة في يد بني حمدان ومصر والشام في يد محمد بن طغج والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد الأموي وخراسان في يد نصر بن أحمد واليمامة وهجر وأعمال البحرين في يد أبي طاهر القرمطي وطبرستان وجرجان في يد الديلم ولم يبقى في يد الخليفة غير مدينة السلام وبعض السواد
وفيها أشار محمد بن رائق على الراضي بأن ينحدر معه إلى واسط ففعل ولم تمكنه المخالفة فدخلها يوم عاشوراء المحرم وكانت الحجاب أربعمائة وثمانين نفسا فقرر ستين وأبطل عامتهم وقلل أرزاق الحشم فخرجوا عليه وعسكروا
فالتقاهم ابن رائق فهزمهم وضعفوا وتمزقت الساجية والحجرية فأشار حينئذ على الراضي بالتقدم إلى الأهواز وبها عبد الله البريدي ناظرها وكان شهما مهيبا حازما فتسحب إليه خلق من المماليك والجند فأكرمهم وأنفق فيهم الأموال ومنع الخراج ولم يبق مع الراضي غير بغداد والسواد مع كون ابن رائق يحكم عليه ثم رجع إلى بغداد ووقعت الوحشة بين ابن رائق وأبي عبد الله البريدي وجاء القرمطي فدخل إلى الكوفة فعاث ورجع وأذن ابن رائق للراضي أن يستوزر أبا الفتح الفضل بن الفرات فطلبه من الشام وولاه والتقى أصحاب ابن رائق وأصحاب البريدي غير مرة وينهزم أصحاب ابن رائق وجرت لهم أمور طويلة ثم إن البريدي دخل إلى فارس فأجاره على ابن بويه وجهز معه أخاه أحمد لفتح الأهواز ودام أهل البصرة على عصيان ابن رائق لظلمه فحلف إن ظفر بها ليجعلنها رمادا فجدوا في مخالفته وقلت الأموال على محمد بن رائق فساق إلى دمشق وزعم أن الخليفة ولاه إياها ولم يجسر أحد أن يحج خوفا من القرمطي وفيها توفي وكيل أبي صخرة أبو بكر أحمد بن عبد الله البغدادي النحاس وقد قارب التسعين روى عن الفلاس وجماعة
وفيها أبو حامد بن الشرقي الحافظ البارع الثقة المصنف أحمد بن محمد بن الحسن تلميذ مسلم روى عن الذهلي وأحمد بن الأزهر وأبي حاتم وخلق وعنه ابن عقدة والعسال وأبو علي وكان حجة وحيد عصره حفظا وإتقانا ومعرفة وحج مرات وقد نظر إليه ابن خزيمة فقال حياة أبي محمد تحجز بين الناس وبين الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في رمضان عن خمس وثمانين سنة
وفيها إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد أبو علي الأمير أبو إسحاق الهاشمي في المحرم وهو آخر من روى الموطأ عن أبي مصعب
وفيها أبو العباس الدغولي محمد بن عبد الرحمن الحافظ الثبت الفقيه روى عن عبد الرحمن بن بشر بن عبد الرحمن بن بشر بن عبد الحكم ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وطبقتهما وعنه أبو علي الحافظ والجوزقي وكان من أئمة هذا الشأن ومن كبار الحفاظ أثنى عليه أبو أحمد بن عدي وابن خزيمة وغيرهما
وفيها مكي بن عبدان أبو حامد التميمي النيسابوري الثقة الحجة روى عن عبد الله بن هاشم والذهلي وطائفة ولم يرحل
وفيها ابو مزاحم الخاقاني موسى بن الوزير عبد الله بن يحيى بن خاقان البغدادي المقرئ المحدث السني وفد على أبي بكر المروزي وعباس الدوري وطائفة
وفيها الحافظ الثقة أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن علك المروزي والجوهري روى عن سعيد بن مسعود والدوري وعنه ابن المظفر والدارقطني وابنه أحفظ منه
وفيها الحافظ الثقة العدل مموس وهو إبراهيم بن محمد بن يعقوب الهمذاني البزار من كبار أئمة هذا الشأن
سنة ست وعشرين وثلثمائة
فيها أقبل البريدي في مدد من ابن أبويه فانهزم من بين يديه يحكم لأن الأمطار عطلت نشاب جنده وقسيهم وتقهقروا إلى واسط وتمت فصول طويلة وأما ابن رائق فإنه وقع بينه وبين ابن مقلة فأخذ ابن مقلة يراوغ ويكاتب فقبض عليه الراضي بالله وقطع يده ثم بعد أيام قطع ابن رائق لسانه لكونه كاتب بحكم فأقبل بحكم بجيوشه من واسط وضعف عنه ابن رائق فاختفى ببغداد ودخل بحكم فأكرمه الراضي ولقبه أمير الأمراء وولاه الحضرة
وفيها توفي أبو ذر أحمد بن محمد بن سليمان الباغندي روى عن عمر بن شبة
وعلى بن اشكاب وطائفة
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج أبو محمد الرشيديني المهري المصريالناسخ عن سن عالية روى عن أبي الطاهر بن السرح وسلمة بن شبيب
وفيها محمد بن القاسم أبو عبد الله المحاربي الكوفي روى عن أبي كريب وجماعة وفيه ضعف قال في المغني محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي مشهور ضعيف يقال كان يؤمن بالرجمة انتهى
سنة سبع وعشرين وثلاثمائة
فيها كما قال في الشذور جاء مطر عظيم وفيه برد كل واحدة نحو الأوقتين فسقطت حيطان كثيرة ببغداد وكان الحج قد بطل من سنة سبع عشرة وثلثمائة إلى هذه السنة فكتب أبو علي محمد بن يحيى العلوي إلى القرامطة وكانوا يحبونه أن يذموا للحجاج ليسير بهم ويعطيهم من كل جمل خمسة دنانير ومن المحمل سبعة فاذموا لهم فحج الناس وهي أول سنة مكس فيها الحاج انتهى
وفيها صاهر بحكم ناصر الدولة بن حمدان وفيها استوزر الراضي أبا عبد الله البريدي
وفيها توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم واسم أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحافظ العلم الثقة أبو محمد بن الحافظ الجامع التميمي الرازي توفي بالري وقد قارب التسعين رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومائتين فسمع من أبي سعيد الأشج والحسن بن عرفة وطبقتهما وروى عنه حسينك التميمي وأبو أحمد الحاكم وغيرهما قال أبو يعلى الخليلي أخذ علم أبيه وأبي زرعة وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار ثم قال وكان
زاهدا بعد من الأبدال وقال ابن الأهدل هو صاحب الجرح والتعديل والعلل والمبوب على أبواب الفقه وغيرها وقال يوما من يبني ما تهدم من سور طوس وأضمن له عن الله الجنة فصرف فيه رجل ألفا فكتب له رقعة بالضمان فلما مات دفنت معه فرجعت إلى ابن أبي حاتم وقد كتب عليها قد وفينا عنك ولا تعد انتهى
وفيها أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات الوزير بن خزابة الكاتب وزر للمقتدر في آخر أيامه ثم وزر للراضي بالله ثم رأى لنفسه التروح خوفا من فتنة ابن رائق فأطمعه في تحصيل الأموال من الشام ليمد بها وشخص إليها فتوفي بالرملة كهلا
وفيها محدث حلب الحافظ أبو بكر محمد بن بركة القنسريني برداعس روى عن أحمد بن شيبان الرملي وأبي أمية الطرسوسي وطبقتهما وعنه شيخه عثمان ابن حوراد الحافظ وأبو بكر الربعي وعدد كثير وكان من علماء هذا الشأن وصفه بالحفظ ابن ماكولا والحاكم أبو أحمد وضعفه الدارقطني
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري مصنف مكارم الأخلاق ومسارىء الأخلاق وغيرها سمع الحسن بن عرفة وعمر بن شبة وطبقتهما وتوفي بفلسطين في ربيع الأول وقد قارب التسعين
وفيها محدث الأندلس محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد الأموي أبو عبد الله التياني القرطبي أكثر عن أبيه وبقي بن مخلد ومحمد بن وضاح ومطين والنسائي وعن ولده أحمد بن محمد وخلد بن سعيد وسليمان بن أيوب وكان عالما ثقة ورحل بأخرة فسمع من مطين والنسائي وأكثر وتوفي في آخر العام
وفيها أبو نعيم الرملي وهو محمد بن جعفر بن نوح الحافظ كان علامة ثبتا قاله ابن ناصر الدين
وفيها إسحاق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري الحافظ الثقة محدث جرجان أبو يعقوب روى عن محمد بن بسام وإسحاق الديري والحرث بن أبي أسامة وعنه ابن عدي والإسماعيلي قال الخليلي حافظ ثقة مذكور قاله ابن برداس
وفيها مبرمان النحوي مصنف شرح سيبويه وما أتمه وهو أبو بكر محمد بن علي العسكري أخذ عن المبرد وتصدر بالأهواز وكان مهيبا يأخذ من الطلبة ويلح ويطلب حمال طبلية فيحمل إلى داره من غير عجز وربما انبسط وبال على الحمال ويتنقل بالتمر ويحذف بنواة الناس قاله في العبر
سنة ثمان وعشرين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور انبثق بثق بنواحي الأنبار فاجتاح القرى وغرق الناس والبهائم والسباع وانصب في الصراه ودخل الشوارع في الجانب الغربي وتساقطت الدور والأبنية انتهى
وفيها التقى سيف الدولة بن حمدان الدمستق لعنه الله وهزمه
وفيها عزل اليريدي من الوزارة بسليمان بن مخلد بإشارة بحكم
وفيها استولى الأمير محمد بن رائق على الشام فالتقاه الإخشيد محمد ابن طغج فانهزم أبو نصر وأسر كبار أمرائه ثم قتل أبو نصر في المصاف
وفيها توفي الوزير أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب أبو العباس الخصيبي وزر غير مرة بالعراق
وفيها أبو علي محمد بن علي بن حسن بن مقلة الكاتب صاحب الخط المنسوب وقد وزر للخلفاء غير مرة ثم قطع يده ولسانه وسجن حتى هلك وله ستون سنة قاله في العبر وقال غيره كان سبب موت ابن مقلة أنه أشار على الراضي بمسك ابن رائق فبلغ ابن رائق فحبس ابن مقلة ثم أخرج وقطعت يده فكان يشد القلم عليها ويكتب ويتطلب الوزارة أيضا ويقول
إن قطع يده لم يكن في حد ولم يعقه عن عمله ثم بلغ ابن رائق دعاؤه عليه وعلى الراضي فقطع لسانه وحبس إلى أن مات في اسوأ حال ودفن مكانه ثم نبشه أهله فدفنوه في مكان آخر ثم نبش ودفن في موضع آخر فمن الإتفاقات الغريبة أنه ولى الوزارة ثلاث مرات بثلاث خلفاء المقتدر والقاهر والراضي وسافر ثلاث مرات ودفن ثلاث مرات وقال ابن خلكان وأقام ابن مضلة في الحبس مدة طويلة ثم لحقه ذرب ولم يكن له من يخدمه فكان يستقى الماء لنفسه من البئر يجذب بيده اليسرى جذبه وبفمه جذبه وله أشعار في شرح حاله وما انتهى أمره إليه ورثى يده فمن ذلك قوله
( ما سئمت الحياة لكن توثقت بأيمانهم فبانت يمينى )
( بعت ديني لهم بدنياي حتى ** حرموني دنياهم بعد ديني )
( ولقد حطت ما ستطعت بجهدي ** حفظ أرواحهم فما حفظوني )
( ليس بعد اليمين لذة عبش ** ياحياتي بانت يميني فبيني ) ومن شعره أيضا
( وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة ** في شامخ من عزه المترفع )
( قالت لي النفس العروف بقدرها ** ما كان أولاني بهذا الموضع ) وله
( إذا مامات بعضك فابك بعضا ** فإن البعض من بعض قريب ) وهو أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين إلى هذه الصورة ومن كلامه إنى إذا أحببت تهالكت وإذا بغضت أهلكت وإذا رضيت آثرت وإذا غضبت أثرت ومن كلامه يعجبني من يقول الشعر تأدبا لا تكسبا ويتعاطى الغناء تطربا لا تطلبا وله كل معنى مليح في النظم والنثر وكان ما أصابه نتيجة دعاء أبي الحسن بن شنبوذ عليه بقطع اليد وقد تقدم ذكر سبب ذلك ويأتي قريبا في هذه السنة وكانت ولادة ابن مقلة يوم الخميس
بعد العصر حادي عشرى شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى
وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن علي بن العلاء الجوزجاني ببغداد وله ثلاث وتسعون سنة وكان ثقة صالحا بكاء روى عن أحمد المقدام وجماعة
وفيها محدث دمشق أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي سمع موسى بن عامر ومحمد بن هاشم البعلبكي وطائفة وقال الخطيب كان مليا بحديث الوليد بن مسلم
وفيها أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي وقرطبة مدينة كبيرة دار مملكة الأندلس وكان ابن عبد ربه أحد الفضلاء وهو أموي بالولاء وحوى كتابه العقد كل شيء وله ديوان وشعر جيد قاله ابن الأهدل وقال في العبر مات وله اثنتان وثمانون سنة وشعره في الذروة العليا سمع من بقى بن مخلد ومحمد بن وضاح انتهى
وفيها العلامة أبو سعيد الأصطخري الحسن بن أحمد بن يزيد شيخ الشافعية بالعراق روى عن سعدان بن نصر وطبقته وصنف التصانيف وعاش نيفا وثمانين سنة وكان موصوفا الزهد والقناعة وله وجه في المذهب قال الأسنوي كان هو وابن سريج شيخي الشافعية ببغداد صنف كتبا كثيرة منها آداب القضاء استحسنه الأئمة وكان زاهدا متقللا من الدنيا وكان في اخلاقه حدة ولاه المقتدر بالله سجستان ثم حسبة بغداد ولد سنة أربع وأربعين ومائتين وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة زاد ابن خلكان أنه توفي يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة وقيل رابع عشر ودفن بباب حرب واصطخر بكسر الهمزة وفتح الطاء وجوز بعضهم فتح الهمزة حكاه النووي في الحيض من شرح المهذب
وفيها الحسين بن محمد أبو عبد الله بن المطيقي البغدادي ثقة روى عن محمد بن منصور الطوسي وطائفة
وفيها أبو محمد بن الشرقي عبد الله بن محمد بن الحسن أخو الحافظ أبي حامد وله اثنتان وتسعون سنة سمع عبد الرحمن بن بشر وعبد الله بن هاشم وخلقا قال الحاكم رأيته وكان أوحد وقته فيم عرفة الطب لم يدع الشراب إلى أن مات فضعف بذلك وقال في المغني تكلموا فيه لإدمانه المسكر انتهى
وفيها قاضي القضاة ببغداد أبو الحسين عمر بن قاضي القضاة أبي عمر محمد ابن يوسف بن يعقوب الأزدري كان بارعا في مذهب مالك عارفا بالحديث صنف مسندا متقنا وسمع من جده ولم يتكهل وكان من أذكياء الفقهاء
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرىء أحد أئمة الأداء قرأ على محمد بن يحيى الكسائى الصغير الصغير وإسمعيل بن عبد الله النحاس وطائفة كثيرة وعنى بالقراءات أتم عناية وروى الحديث عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي و محمد بن الحسين الحنيني وتصدر للأقراء ببغداد وقد امتحن في سنة ثلاث وعشرين كما مر وكان مجتهد فيما فعل رحمه الله قاله في العبر وقال ابن خلكان كان من مشاهير القراء وأعيانهم وكان دينا وفيه لسلامة صدر وفيه حمق وقيل إنه كان كثير اللحن قليل العلم وتفرد بقراءت شواذ وكان يقرأ بها في المحراب فأنكرت عليه وبلغ ذلك الوزير ابن مقلة الكاتب المشهور وقيل له إنه يغير حروفا من القرآن ويقرأ بخلاف ما أنزل فاستحضر في أول شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة واعتقله في داره أياما فلما كان يوم الأحد سابع الشهر المذكور استحضر الوزير المذكور أبا الحسن عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى ابن العباس بن مجاهد المقرىء وجماعة من أهل القرآن واحضر ابن شنبوذ المذكور ونوظر بحضرة الوزير فأغلظ في الجواب للوزير والقاضي وأبى بكر بن مجاهد ونسبهم إلى قلة المعرفة وعيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر واستصبى أبا الحسن المذكور فأمر الوزير أبو علي بضربه فأقيم
فضرب سبع درر فدعا وهو يضرب على الوزير بأن يقطع الله يده ويشتت شمله فكان الأمر كذلك ثم أوقفوه على الحروف التي كان يقرأ بها فأنكر ما كان شنيعا وقال فيما سواه إنه قرأ قوم فاستتابوه فتاب وقال إنه قد رج عما كان يقرؤه وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها الناس فكتب الوزير عليه محضرا بما قاله وأمره أن يكتب خطه في آخره فكتب ما يدل على توبته ونسخة المحضر سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ عما حكى عنه أنه يثرؤه وهو إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فأمضوا إلى ذكر الله فاعترف به وعن وتجعلون شكر كم أنكم تكذبون فاعترف به وعن فاليوم ننجيك بندائك فاعترف به وعن تبت يدا أبي لهب وقد تب فاعترف به وعن إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض فاعترف به وعن ولتكن منكم فئة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون فاعترف به وعن إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض فاعترف به وتاب عن ذلك وكتب الشهود الحاضرون شهادتهم في المحضر حسبما سمعوه من لفظه وكتب ابن شنبوذ بخطه ما صورته يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ ما في هذه الرقعة صحيح وهو قولي واعتقادي وأشهد الله عز وجل وسائر من حضر على نفسي بذلك ومتى خلفت ذلك أوبان مني غيره فأمير المؤمينن في حل من دمي وسعة وذلك يوم الأحد سابع ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة وشنبوذ بفتح الشين المعجمة والنون وضم الباء الموحدة وسكون الواو وبعدها ذال معجمة انتهى ملخصا
وفيها محدث الشام أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس
النميري مولاهم الدمشقي في جمادى الأولى روى عن موسى بن عامر وأبي إسحق الجوزجاني وخلق وهو من بيت حديث
وفيها أبو علي الثقفي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري الفقيه الواحد أحد الأئمة وله أربع وثمانون سنة سمع في كبره من موسى بن نصر الرازي وأحمد بن ملاعب وطبقتهما وكان له جنازة لم يعهد مثلها وهو من ذرية الحجاج قال أبو الوليد الفقيه دخلت على ابن سريج فسألني على من درست الفقه قلت على أبي على الثقفي قال لعلك تعنى الحجاجي الأزرق قلت نعم قال ماجائنا من خراسان أفقه منه وقال أبو بكر الضبعي ما عرفنا الجدل والنظر حتى ورد أبو علي الثقفي من العراق وذكره السلمي في طبقات الصوفية قاله في العبر وقال السخاوي في طبقات الأولياء لقي أبا حفص وحمدون القصار وكان إماما في علوم الشرع قال لبعض أصحابه لا تفارق هذه الخلال الأربع صدق القول وصدق العمل وصدق المودة وصدق الأمانة وقال من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم ولا يظهر عليه من أنوارهم شيء وقال من غلبه هواه توارى عنه عقله وقال لا تلتمس تقويم مالا يستقيم ولا تأديب من لا يتأدب وقال يامن باع كل شيئ بلا شيء واشترى لا شيء بك لشيء وتوفي ليلة الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الأولى ودفن في مقبرة قربنيسابور وهو ابن تسع وثمانين سنة ووعظ مرة فذم الدنيا والركون إليها ثم تمثل بقول بعضهم
( من نال من دنياه أمنية ** أسقطت الأيام منها الألف ) انتهى
وفيها الإمام العلامة ابن الأنباري أبو بكر محمد بن القسم بن بشار النحوي اللغوي صاحب المصنفات وله سبع وخمسون سنة سمع في صغره من الكديمي وإسمعيل القاضي وأخذ عن أبيه وثعلب وطائفة وعنه الدارقطني
وغيره قال أبو علي القالي كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلثمائة ألف بيت شاهد في القرآن وقال محمد بن جعفر التميمي ما رأينا احفظ من ابن الأنباري ولا أغزر بحرا حدثوني عنه أنه قال أحفظ ثلاثة عشر صندوقا قال وحدثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها وقيل عنه إنه أملي غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين كان في كل فن إمامه وكان إملاؤه من حفظه ومن أماليه المدققة غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة انتهى وكان سائر ما يصنفه ويمليه من حفظه لا من دفتر ولا كتاب
وفيها أبو الحسن المزين علي بن محمد البغدادي شيخ الصوفية صحب الجنيد وسهل بن عبد الله وجاور بمكة قال السلمي في طبقاته أقام بمكة مجاورا بها ومات بها وكان من أروع المشايخ وأحسنهم حالا قال الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة وقال ملاك القلب في التبري من الحول والقوة ورؤى يوما متفكرا واغرورقت عيناه فقيل له مالك أيها الشيخ فقال ذكرت أيام تقطعي في إرادتي وقطع المنازل يوما فيوما وخدمه متى لأولئك السادة من أصحابي وتذكرت ما أنا فيه من الفترة عن شريف الأحوال وأنشد
( منازل كنت تهواها وتألفها ** أيام كنت على الأيام منصورا ) وقال المعجب بعمله مستدرج والمستحسن لشيء من أحواله ممكور به والذي يظن أنه موصول فهو مغرور وروى وهو يبكي بالتنعيم يريد أن يحرم بعمرة وينشد لنفسه
( أنافعي دمعي فأبكيكا ** هيهات مالي طمع فيكا )
فلم يزل كذلك إلى أن مات لمكة شرفها الله تعالى وأسند الخطيب عنه أنه قال الكلام من غير ضرورة مقت من الله للعبد
وفيها أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري الزاهد أحد مشايخ العراق صحب الجنيد وغيره وكان يقال إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلدي قاله في العبر وقال السخاوي في طبقاته عبد الله بن محمد النيسابوري من محلة بالحيرة صحب أبا حفص وأبا عثمان والجنيد وأقام ببغداد حتى صار أحد مشايخ العراق كانوا يقولون عجائب بغداد في التصوف ثلاث إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلدي وكان مقيما في مسجد الشونيزية مات ببغداد ومن كلامه سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدنيا وقال ذهبت حقائق الأشياء وبقيت أسماؤها فالأسماء موجودة والحائق مفقودة والدعاوي في السرائر مكنونة والألسنة بها فصيحة والأمور عن حقوقها مصروفة وعن قريب تفقد هذه الألسنة وهذه الدعاوي فلا يوجد لسان صادق ولا مدع صادق وقال الوسوسة تؤدي إلى الحيرة والإلهام يؤدي إلى زيادة فهم وبيان وقال أصول التوحيد ثلاثة أشياء معرفة الله تعالى بالربوبية والإقرار له بالوحدانية ونفى الأنداد عنه جملة وسئل بماذا ينال العبد حب الله تعالى قال بغض ما أبغض الله وهو الدنيا والنفس وسئل أي الأعمال أفضل فقال رؤية فضل الله عز وجل
( إن المقادير إذا ساعدت ** ألحقت العاجز بالحازم )
وقيل له إن فلانا يمشي على الماء فقال عندي إن مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء قال أبو عبد الله الرازي حضرت وفاته في مسجد الشونيزية فقال انظروا ديوني فنظروا فقالوا بضعة عشر درهما فقال انظروا خريقاتي فلما قربت منه قال اجعلوها في ديوني وأرجو أن الله عز وجل يعطيني الكفن ثم قال سألت الله ثلاثا عند موتي فأعطانيها سألته أن يميتني على العقل رأسا برأس وسألته أن يجعل موتي في هذا المسجد فقد صحبت فيه أقواما وسألته أن يكون حولي من آنس به
وأحبه وغمض عينية ومات بعد ساعة رحمه الله تعالى ورضي عنه وعنا وعن جميع المسلمين انتهى ملخصا
وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن سيار الحافظ الإمام أبو عبد الله البياني القرطبي عن أبيه وبقي بن مخلد ومحمد بن وضاح ومطين والنسائي وعنه ولده أحمد بن محمد وخلد بن سعد وسليمان بن أيوب وكان عالما ثقة قاله ابن برداس
وفيها على مقاله ابن ناصر الدين في بديعته
( وحامد بن أحمد الزيدي ** كلامه حلاوة شهدي )
قال في شرحها هو حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو أحمد المروزي نزيل طرسوس قيل له الزيدي لجمعه حديث زيد بن أبي أنيسة دون غيره من المحدثين انتهى
سنة تسع وعشرين وثلثمائة
في ربيع الأول استخلف المتقي لله فاستوزر أبا الحسن أحمد بن محمد بن ميمون فقدم أبو عبد الله اليزيدي من البصرة وطلب الوزارة فأجابه المتقي وولاه ومشى إلى بابه ابن ميمون وكانت وزارة ابن ميمون شهرا فقامت الجند على أبي عبد الله يطلبون أرزاقهم فخافهم وهرب بعد أيام ووزر بعده أبو إسحاق محمد بن أحمد القرار يطي ثم عزل بعد ثلاثة وأربعين يوما ووزر الكرخي فعزل بعد ثلاثة وخمسين يوما فلم ير أقرب من مدة هؤلاء وهزلت الوزارة وضؤلت لضعف الدولة وصغر الدائرة
وأما بحكم التركي فنزل واسط واستوطنها وقرر مع الراضي أنه يحمل إلى خزانته في كل سنة ثمانمائة ألف دينار بعد أن يريح الغلة من مؤنة خمسة
آلاف فارس يقيمون بها وعدل وتصدق وكان ذا عقل وافر وأموال عظيمة ونفس غضبة خرج يتصيد فأساء إلى كراد هناد فاستفرد به عبد أسود فطعنه برمح فقتله في رجب وكان قد أظهر العدل وبنى دار ضيافة بواسط وابتدأ بعمل المارستان وهو الذي جدده عضد الدولة بالجانب الغربي وكانت أمواله كثيرة فكان يدفنها في داره وفي الصحاري وكان يأخذ رجالا في صناديق فيها مال إلى الصحراء ثم يفتح عليهم فيعا ونونه على دفن المال ثم يعيدهم في الصناديق ولا يدرون إلى أي موضع حملهم فضاعت أمواله بموته والدفائن ونقل من داره وأخرج بالحفر منها ما يزيد على ألفي ألف عينا وورقا وقيل للرورحارية خذوا التراب بأجرتكم فأبوا فأعطوا ألف درهم وغسل التراب فخرج منه ست وثلاثون ألف درهم
وفيها توفي البربهاري أبو محمد الحسن بن علي الفقيه القدوة شيخ الحنابلة بالعراق قالا وحالا وكان له صيت عظيم وحرمة تامة أخذ عن المروذي وصحب سهل بن عبد الله التستري وصنف التصانيف وكان المخالفون يغلظون قلب الدولة عليه فقبض على جماعة من أصحابه واستترهو في سنة إحدى وعشرين ثم تغيرت الدولة وزادت حرمة البربهاري ثم سعت المبتدعة به فنودي بأمر الراضي في بغداد لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري فاختفى إلى أن مات في رجب رحمه الله تعالى قاله في العبر وقال القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى في طبقاته الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد واللسان وكان له صيت عند السلطان وقدم عند الأصحاب وكان أحد الأئمة العارفين والحفاظ للأصول المتقنين والثقات المأمونين صحب جماعة من أصحاب إمامنا أحمد رضي الله عنه منهم المروذي وصحب سهل التستري وصنف البربهاوي كتبا منها شرح كتاب السنة ذكر فيه احذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغار البدع
تعود حتى تصير كبارا وكذلك كل بدعة احدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت وصارت دينا يدان به يخالف الصراط المستقيم وخرج من الإسلام فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد العلماء فإن أصبت فيه أثرا عنهم فتمسك به ولا تجاوزه بشيء ولا تختر عليه شيئا فتسقط في النار وأعلم رحمك الله أنه لا يتم اسلام عبد حتى يكون متبعا مصدقا مسلما فمن زعم أنه قد بقي شيئ من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذبهم وكفى بهذا فرقه وطعنا عليهم فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه وأعلم أن الكلام في الرب تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ولا يتكلم في الرب سبحانه وتعالى إلا بما وصف به نفسه في القرآن وما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ربنا عز وجل أول بلامتي وآخر بلامنتهي يعلم السرو أخفى على عرشه استوى وعلمه بكل مكان لا يخلو من علمه مكان ولا يقول في صفات الرب لم وكيف الإشاك في الله تبارك وتعالى والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره وليس بمخلوق لأن القرآن من الله وما كان من الله فليس بمخلوق وهكذا قال مالك بن أنس والفقهاء قبله وبعده والمراء فيه كفر والإيمان بالرؤية يوم القيامة يرون الله تعالى بأعين رؤسهم وهو يحاسبهم بلا حاجب ولا ترجمان والإيمان بالميزان يوم القيامة يوزن فيه الخير والشر له كفتان ولسان والإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل لنبي حوضه إلا صالح النبي صلى الله عليه وسلم فإن حوضه ضرع ناقته والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين يوم القيامة وعلى الصراط
ويخرجهم وما من نبي إلا وله شفاعة وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون والله عز وجل بعد ذلك يتفضل كثيرا على من يشاء والخروج من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما والإيمان بالصراط على جهنم يأخذ الصراط من شاء الله ويجوز زمن شاء الله ويسقط في جهنم من شاء ولهم أنوار على قدر إيمانهم والإيمان بالله والأنبياء والملائكة والأيمان بالجنة والنار أنهما مخلوقتان الجنة في السماء السابعة وسقفها العرش والنار تحت الأرض السابعة السفلى وهما مخلوقتان قد علم الله عدد أهل الجنة ومن يدخلها وعدد أهل النار ومن يدخلها لا يفنيان أبدا بقاؤهما مع بقاء الله أبد الآبدين ودهر الداهرين وآدم صلى الله عليه وسلم كان في الجنة الباقية المخلوقة فأخرج منها بعد ما عصى الله عز وجل والإيمان بالمسيح والإيمان بنزول عيسى صلى الله عليه وسلم ينزل فيقتل الدجال ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم ويموت ويدفنه المؤمنون والإيمان بأن الإيمان قول وعمل ونية وإصابة يزيد وينقص يزيد ما شاء الله وينقص حتى لا يبقى منه شيء وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء صلوات الله عليهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم أفضل الناس بعد هؤلاء طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وكلهم يصلح للخلافة ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار وهم من صلى للقبلتين ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر يترحم عليهم ويذكر فضلهم ويكف عن زللهم ولا يذكر أحد منهم إلا بخير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أصحابي فأمسكوا واعلم إن أصول البدع أربعة أبواب يتشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى ويصير كل واحد من البدع يتشعب حتى
تصير كله إلى ألفين وثمانمائة مقالة كلها ضلالة وكلها في النار إلا واحدة وهي من آمن بما في هذا الكتاب واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك فهو صاحب سنة وهو ناج أن شاء الله واعلم أن الرجل إذا أحب مالك بن أنس وتولاه فهو صاحب سنة وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة وأسيدا وأيوب ابن عون ويونس بن عبيد الله وعبد الله بن إدريس الأنصاري والشعبي ومالك ابن مغول ويزيد بن زريع ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ومالك بن أنس والأوزاعي وزائدة بن قدامة وأحمد بحنبل والحجاج بن منهال وأحمد بن نصر وذكرهم بخير وقال بقولهم فاعلم أنه صاحب سنة واعلم أن من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله عز وجل حتى يرجع وقال الفضيل بن عياض آكل مع اليهودي والنصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد وذكر أبو الحسين بن بشار قال تنزه البربهاري من ميراث أبيه عن تسعين ألف درهم وكانت له مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه ففي سنة إحدى وعشرين وثلثمائة تقدم ابن مقلة بالقبض على البربهاري فاستتر وقبض جماعة من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة فعاقب الله ابن مقلة على فعله ذلك بأن سخط عليه القاهر ووقع له ما وقع ثم تفضل الله عز وجل وأعاد البربهاري إلى حشمته وزادت حتى إنه لما توفي أبو عبد الله بن عرفة المعروف بنفطويه وحضر جنازته أماثل أبناء الدين والدنيا كان المقدم على جماعتهم في الإمامة البربهاري وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة في خلافة الراضي وفي هذه السنة زادت حشمة البربهاري وعلت كلمته وظهر أصحابه وانتشروا في الإنكار على المبتدعة فبلغنا أن البربهاري اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشتمه أصحابه فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة ولم تزل المبتدعة يوغرون قلب الراضي على البربهاري
حتى نودي في بغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان فاستتر وتوفي في الاستتار رحمه الله تعالى وحدثني محمد بن الحسن المقرئ قال حكى لي جدي وجدتي قالا كان أبو محمد البربهاري قد اختفى عند أخت توزون بالجانب الشرقي في درب الحمام في شارع درب السلسلة فبقي نحوا من شهر فلحقه قيام الدم فقالت أخت توزون لخادمها لما مات البرهاري عندها مستترا انظر من يغسله فجاء بالغاسل فغسله وغلق الأبواب حتى لا يعلم أحد ووقف يصلي عليه وحده فاطلعت صاحبة المنزل فرأت الدار ملأى رجالا بثياب بيض وخضر فلما سلم لم تر أحدا فاستدعت الخادم وقالت اهلكتني مع أخي فقال يا ستي رأيت ما رأيت فقالت نعم فقال هذه مفاتيح الباب وهو مغلق فقالت ادفنوه في بيتي وإذا مت فادفنوني عنده في بيت القبة فدفنوه في دارها وماتت بعده بزمان فدفنت في ذلك المكان ومضى الزمان عليه وصار تربة انتهى ما أورده ابن أبي يعلى ملخصا جدا
وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الربعي البغدادي وله بضع وسبعون سنة سمع عباسا الدوري وطبقته وولي قضاء مصر ثلاث مرات آخرها في ربيع الأول من هذا العام فتوفي بعد شهر ضعفه غير واحد في الحديث وله عدة تصانيف قال في المغني عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر القاضي ضعف روى عن عباس الدوري وابن داود السجزي قال الخطيب كان غير ثقة انتهى
وفيها الحامض المحدث وهو أبو القسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي روى عن سعدان بن نصر وطائفة
وفيها أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد المروزي ثم الغازي الحافظ الثقة روى عن أبي داود السنجي ومحمود بن آدم وطائفة وعنه ابن
القواس والدارقطني وقال هو ثقة حافظ
وفيها أبو الفضل البلعمي الوزير محمد بن عبيد الله أحد رجال الدهر عقلا ورأيا وبلاغة روى عن محمد بن نصر المروزي وغيره وصنف كتاب تلقيح البلاغة وكتاب المقالات
وفيها الراضي بالله الخليفة أبو إسحاق محمد وقيل أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل العباسي ولد سنة سبع وتسعين ومائتين من جارية رومية اسمها ظلوم وكان قصيرا أسمر نحيفا في وجهه طول استخلف سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وهو آخر خليفة له شعر مدون وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش إلى خلافة المتقي وآخر خليفة خطب يوم الجمعة إلى خلافة الحاكم العباسي فإنه خطب أيضا مرتين وأخر خليفة جالس الندماء ولكنه كان مقهورا مع أمرائه مرض في ربيع الأول بمرض دموي ومات وكان سمحا كريما محبا للعلماء والأدباء سمع الحديث من البغوي توفي في نصف ربيع الآخر وله إحدى وثلاثون سنة ونصف
وفيها أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول أبو بكر التنوخي الأنباري الأزرق الكاتب في آخر السنة ببغداد وله نيف وتسعون سنة روى عن جده والحسن بن عرفة وطائفة
سنة ثلاثين وثلثمائة
فيها كان الغلاء المفرط والوباء ببغداد وبلغ الكر مائتين وعشرة دنانير وأكلوا الجيف
وفيها وصلت الروم فأغارت على أعمال حلب وبدعوا وسبوا عشرة آلاف نسمة
وفيها أقبل أبو الحسين علي بن محمد البريدي في الجيوش فالتقاه المتقي وابن
رائق فكسرهما ودخلت طائفة من الديلم دار الخلافة فقتلوا جماعة وهرب المتقي وابنه ابن رائق إلى الموصل واختفى وزيره أبو إسحاق القراريطي ووجدوا في الحبس كرتكين وكان قد عثر عليه ابن رائق فسجنه فأهلكه البريدي ووقع النهب في بغداد واشتد القحط حتى بلغ الكر ثلثمائة وستة عشر دينارا وهذا شيء لم يعهد في العراق ثم عم البلاء بزيادة دجلة فبلغت عشرين ذراعا وغرق الخلق ثم خامر توزون وذهب إلى الموصل
وأما ناصر الدولة بن حمدان فإنه جاءه محمد بن رائق إلى خيمته فوضع رجله في الركاب فشب به الفرس فوقع فصاح ابن حمدان لا يفوتنكم فقتلوه ثم دفن وعفا قبره وجاء ابن حمدان إلى المتقى فقلده مكان ابن رائق ولقبه ناصر الدولة ولقب أخاه عليا سيف الدولة وعاد وهما معه فهرب البريدي من بغداد وكانت مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوما ثم تأهب البريدي فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن ودامم القتال يومين فكانت الهزيمة أولا على بني حمدان والأتراك ثم كانت على البريدي وقتل جماعة من أمراء الديلم وأسر آخرون ورد إلى واسط بأسوأ حال وساق وراءه سيف الدولة ففر إلى البصرة
وفيها توفي في رجب بمصر أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي له مصنفات في المذهب وهو صاحب وجه روى عن أحمد بن منصور الرمادي قال الأسنوي كان إماما في الفقه والأصول تفقه على ابن سريج وله تصانيف موجودة منها شرح الرسالة وكتاب في الشروط أحسن فيه كل الإحسان قال القفال الشاشي كان الصيرفي أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي انتهى
وفيها أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النيسابوري روى عن الذهلي والحسن الزعفراني وطبقتهما بخراسان والعراق ومصر
وفيها أبو يعقوب النهرجوري شيخ الصوفية إسحاق بن محمد صحب
الجنيد وغيره وجاور مدة وكان من كبار العارفين قال السخاوي في طبقاته صحب الجنيد وعمر المكي وأبا يعقوب السوسي وغيرهم من المشايخ أقام بالحرم سنين كثيرة مجاورا ومات بها كان أبو عثمان المغربي يقول ما رأيت في مشايخنا أنور من النهرجوري قال الفناء هو فناء رؤية قيام العبد لله والبقاء رؤية قيام الله في الأحكام وقال الصدق موافقة الحق في السر والعلانية وحقيقة الصدق القول بالحق في مواطن الهلكة وقال العابد بعبد الله تحذيرا والعارف يعبد الله تشويقا وقال في قوله صلى الله عليه وسلم احترسوا من الناس بسوء الظن أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقال بسوء الظن في بأنفسكم بأنفكم لا بالناس وقال مفاوز الدنيا تقطع بالإقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب وقال من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل محروما ومن استعان في أمره بغير الله لم يزل مخذولا وقال الدنيا بحر والآخرة ساحل والمركب التقوى والناس سفر وقال لا زوال لنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت وقال اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب وقال من عرف الله لم يغتر بالله انتهى ملخصا
وفيها تبوك بن أحمد بن تبوك السلمي بدمشق روى عن هشام بن عمار
وفيها المحاملي القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي في ربيع الآخر وله خمس وتسعون سنة وهو ثقة مأمون وأول سماعه في سنة أربع وأربعين من أبي هشام الرفاعي وأقدم شيخ له أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب ملك قال أبو بكر الداودي كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل يكتبون عنه وقال ابن درباس روى عن الفلاس والدورقي وغيرهما وعنه دعلج والدارقطني وابن جميع أثنى عليه الخطيب انتهى
وفيها قاضي دمشق أبو يحيى زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى خت البلخي الشافعي وهو صاحب وجه روى عن أبي حاتم الرازي وطائفة
ومن غرائب وجوهه إذا شرط في القراض أن يعم لرب المال مع العامل جاز قاله في العبر وقال الأسنوي فارق وطنه لأجل الدين ومسح عرض الأرض وسافر إلى أقاصي الدنيا في طلب الفقه وكان حسن البيان في النظر عذب اللسان في الجدل وذكره ابن عساكر في تاريخ الشام فقال كان أبوه وجده عالمين وولاه المقتدر بالله قضاء الشام وتوفي بدمشق في ربيع الأول وقيل في ربيع الآخر ونقل عنه الرافعي أنه كان يرى أن القاضي يزوج نفسه بامرأة هو وليها قال وحكى عنه إنه فعله لما كان قاضيا بدمشق قال العبادي في الطبقات قال أبو سهل الصعلوكي رأيت ابنه من هذه المرأة يكدى بالشام انتهى ملخصا
وفيها عبد الغافر بن سلامة أبو هاشم الحمصي بالبصرة وله بضع وتسعون سنة روى عن كثير بن عبيد وطائفة
وفيها عبد الله بن يونس القيري الأندلسي صاحب بقي بن مخلد وكان كثير الحديث مقبولا
وفيها عبد الملك بن أحمد بن أبي حمرة البغدادي الزيات روى عن الحسن ابن عرفة وجماعة وهو من كبار شيوخ ابن جميع
وفيها الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد البغدادي البزار روى عن عباس الدوري ويحيى بن أبي طالب وعنه الدارقطني وابن جميع وثقة الخطيب وغيره ووصفوه بالحفظ
وفيها محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي أبو عبد الله الحافظ وله ثمان وسبعون سنة رحل إلى العراق سنة أربع وتسعين وصنف كتابا على سنن أبي داود وسمع من محمد بن إسماعيل الصائغ ومحمد بن الجهم السمري
وطبقتهما وعنه ابنه أحمد قال ابن درباس هو مسند الأندلس وهو ثقة ثقة
وفيها عمر بن سهل بن إسمعيل الحافظ المجود أبو حفص الدينوري رحال روى عن إبراهيم بن أبي العيش وأبي قلابة الرقاشي وعنه أبو القسم بن ثابت الحافظ وصالح بن أحمد الهمداني ذكره أبو يعلى في الإرشاد فقال ثقة أمام عالم
وفيها محمد بن عمر بن حفص الجورجيري بأصبهان سمع أسحق بن الفيض ومسعود بن يزيد القطان وطبقتهما
وفيها محمد بن يوسف بن بشر أبو عبد الله الهروي الحافظ غندر من أعيان الشافعية والرحالين في الحديث سمع الربيع بن سليمان والعباس بن الوليد البيروتي وطبقتهما ومنه الطبراني والزبير بن عبد الواحد وهو ثقة ثبت
وفيها الزاهد العباد أبو صالح صاحب المسجد المشهور بظاهر باب شرقي يقال اسمه مفلح وكان من الصوفية العارفين
سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور وافى جراد زائد عن الحد حتى بيع كل خمسين رطلا بدرهم واستعان به الفقراء على الغلاء وفي التي قبلها ظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر فبقى ثلاثة عشر يوما ثم اضمحل واشتد الغلاء والمرض انتهى
وفيها قلل ناصر الدولة بن حمدان رواتب المتقى وأخذ ضياعه وصادر
العمال وكرهه الناس وزوج بنته بابن المتقى على مائتي ألف دينار وهاجت الأمراء بواسط على سيف الدولة فهرب وسار أخوه ناصر الدولة إلى الموصل فنهبت داره واقبل توزون فدخل بغداد فولاه المتقى امرة الأمراء فلم يلبث إن وقعت بينهما الوحشة فرجع توزون إلى واسط ونزح خلق من بغداد من تتابع الفتن والخوف إلى الشام ومصر وبعث المتقى خلعا إلى أحمد بن بويه فسر بها
وفيها أبو روق الهزاني أحمد بن محمد بن بكير بالبصرة وقيل بعدها وله بضع وتسعون سنة روى عن أبي حفص الفلاس وطائفة
وبكر بن أحمد بن حفص التنيسي الشعراني روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته بمصر والشام
وحبشون بن موسى أبو نصر الخلال ببغداد في شعبان وله ست وتسعون سنة روى عن الحسن بن عرفة وعلى بن اشكاب
وفيها أبو علي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي قال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الصالحين لكنه لم يكن بالضابط المتين وقال في العبر سمع من بقى بن مخلد مسنده وبمصر من أبى يزيد القراطيسي وباليمن من إسحق الدبري وبمكة وبغداد وكان فقيها مفتيا صالحا عاش ثمانيا وثمانين سنة قال ابن الفرضي لم يكن بالضابط جدا انتهى
وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السدوسي ببغداد في ربيع الآخر سمع من جده مسند العشرة ومسند العباس وهو ابن سبع سنين وسمع من الرمادي وأناس ووثقه الخطيب
وفيها أبو بكر محمد بن إسمعيل الفرغاني الصوفي استاذ أبي بكر الرقي وكان من العابدين وله بزة حسنة ومعه مفتاح منقوش يصلى ويضعه بين يديه كأنه تاجر وليس له بيت بل ينطرح في المسجد ويطوي أياما
وفيها الزاهد أبو محمود عبد الله بن محمد بن منازل النيسابوري المجرد على الصحة والحقيقة صحب حمدون القصار وحدث بالمسند الصحيح عن أحمد بن سلمة النيسابوري وكان له كلام رفيع في الإخلاص والمعرفة قاله في العبر وقال السخاوي من أجل مشايخ نيسابور له طريقة ينفرد بها وكان عالما بعلوم الظاهر كتب الحديث الكثير ورواه ومات بنيسابور ومن كلامه لا خير فيمن لم يذق ذل المكاسب وذل السؤال وذل الرد وقال بلسانك عن حالك ولا تكن بكلامك حاكيا عن أحوال غيرك وقال إذا لم تنتفع أنت بكلامك كيف ينتفع به غيرك وقال لم يضيع أحد فريضة من الفرائض إلا ابتلاه الله بتضييع السنن ولم يبتل أحد بتضييع السنن إلا أوشك أن يبلى بالبدع وقال التفويض مع الكسب خير من خلوه عنه وقال من عظم قدره عند الناس يجب أن يحتقر نفسه عنده وقال أحكام الغيب لا تشاهد في الدنيا ولكن تشاهد فضائح الدعاوي وقال لو صح لعبد في عمره نفس من غير رياء ولا شرك لآثر بركات ذلك عليه آخر الدهر وقال لا تكن خصما لنفسك على الخلق وكن خصما للخلق على نفسك انتهى ملخصا
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدينوري الصائغ الزاهد أحد المشايخ الكبار بمصر في رجب كان صاحب أحوال ومواعظ سئل عن الاستدلال بالشاهد عن الغائب فقال كيف يستدل بصفات من يشاهد ويعاين ويمثل على من لا يشاهد في الدنيا ولا يعاين ولا مثل له ولا نظير وقال من فساد الطبع التمني والأمل وقال كان بعض مشايخنا يقول من تعرض لمحبته جاءته المحن والبلايا وقال أهل المحبة في لهيب شوقهم إلى محبوبهم يتنعمون في ذلك اللهيب أحسن مما يتنعم أهل الجنة فيما أهلوا له من النعيم وقال محبتك لنفسك هي التي تهلكها وسئل ما المعرفة فقال رؤية المنة في كل الأحوال والعجز عن
أداء شكر المنعم من كل الوجوه والتبري من الحول والقوة في كل شيء وقال من توالت عليه الهموم في الدنيا فليذكر هما لا يزول يستريح منها وقال الأحوال كالبروق فإذا أثبتت فهو حديث النفس وملازمة الطبع ومن حلو كلامه من أيقن أنه لغيره فماله أن يبخل بنفسه
وفيها محمد بن مخلد العطار أبو عبد الله الدوري الحافظ ببغداد سمع يعقوب الدورقي وأحمد بن إسماعيل السهمي وخلائق وعنه الدارقطني وآخرون وكان معروفا بالثقة والصلاح والاجتهاد في الطلب وله تصانيف توفي في جمادى الآخرة وله سبع وتسعون سنة
وفيها صاحب ما وراء النهر أبو الحسن نصر بن الملك أحمد بن إسماعيل الساماني بقي في المملكة بعد أبيه ثلاثين سنة وثلاثين يوما وولي بعده ابنه نوح
وفيها هناد بن السري بن يحيى الكوفي الصغير روى عن أبي سعيد الأشج وجماعة
وفيها الجصاص أبو يوسف يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الدعاء روى عن أحمد بن إسماعيل السهمي وعلي بن اشكاب وجماعة وله أوهام وغلطات قال في المغني قال الخطيب في حديثه وهم كثير انتهى
سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة
قال في الشذور فيها اشتد الغلاء وكثرت اللصوص حتى تحارس الناس بالليل بالبوقات انتهى
وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف لكونه عامل عليه ابن بويه ونسبه إلى الظلم
ولم يحج الركب لموت القرمطي الطاغية أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي في رمضان بهجر من الجدري أهلكه الله به فلا رحم الله فيه مغرز
إبرة وقام بعده أبو القسم الجنابي قاله في العبر
وفيها توفي الحافظ ابن عقدة أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكفوي الشيعي أحد أركان الحديث سمع من الحسن بن علي بن عفان ويحيى بن أبي طالب وخلق لا يحصون ومنه الطبراني وابن عدي والدراقطني وغيرهم ولم يرحل إلى غير الحجاز وبغداد لكنه كان آية من الآيات في الحفظ حتى قال الدارقطني اجمع أهل بغداد إنه لم ير بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه إلى زمن ابن عقدة احفظ منه وسمعته يقول أنا أجيب في ثلثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني هاشم وروى عن أبن عقدة قال احفظ مائة ألف حديث بإسنادها وإذا كر بثلثمائة ألف حديث وقال أبو سعيد الماليني تحول ابن عقدة مرة فكانت كتبه ستمائة حمل قال في العبر قلت ضعفوه واتهمه بعضهم بالكذب وقال أبو عمران حبوية كان يملى مثالب الصحابة فتركته انتهى وعقدة لقب أبيه
وفيها محمد بن بشر أبو بكر الزبيري العكري روى عن بحر بن نصر الخولاني وجماعة وعاش أربعا وثمانين سنة
وفيها محمد بن الحسن أبو بكر القطان النيسابوري في شوال روى عن عبد الرحمن بن بشر وأحمد بن يوسف والسلمي والكبار
وفيها محمد بن محمد بن أبي حذيفة أبو علي الدمشقي المحدث روى عن أبي أمية الطرسوسي وطبقته
وفيها الإمام ابن ولاد النحوي وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري مصنف كتاب الإنتصار لسيبويه على المبرد وكان شيخ الديار المصرية في العربية مع أبي جعفر النحاس
سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة
فيها حلف توزون ايمانا صعبة المتقي لله فسار التقي من الرقة واثقا بأيمانه في المحرم فلما قرب من الأنبار جاء توزون وتلقاه وقبل الأرض وأنزله في مخيم ضربه له ثم قبض على الوزير أبي الحسين بن أبي علي بن مقلة وكحل المتقى لله فسمل عينيه وأدخل بغداد مسمولا مخلوعا
وتوفي في شعبان سنة خمسين وقيل سنة سبع وخمسين وثلثمائة وله ستون سنة وبويع عبد الله بن المكتفي ولقب المستكفي بالله فلم يحل الحول على توزون واستولى أحمد بن بويه على واسط والبصرة والأهواز فسار توزون لحربه فدام القتال والمنازلة بينهما أشهرا وابن بويه في استظهار ومرض توزون بعلة الصوع واشتد الغلاء على ابن بويه فرد إلى الأهواز ورد توزون إلى بغداد وقد زاد به الصرع
وفيها تملك سيف الدولة بن حمدان حلب وأعمالها وهرب متوليها يانس المونسي إلى مصر فجهز الأخشيد جيشا فالتقاهم سيف الدولة على الرستن فهزمهم وأسر منهم ألف نفس وافتتح الرستن ثم سار إلى دمشق فملكها فسار الأخشيد ونزل على طبرية فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الأخشيد فرد سيف الدولة وجمع وحشد فقصده إلاخشيد فالتقاه بقنسرين وهزمه ودخل حلب وهرب سيف الدولة
وأما بغداد فكان فيها قحط لم ير مثله وهرب الخلق وكان النساء يخرجن عشرين وعشرا يمسك بعضهن ببعض يصحن الجوع الجوع ثم تسقط الواحدة بعد الواحدة ميتة فأنا لله وإنا إليه راجعون قاله في العبر
وفي شوال مات أبو عبد الله البريدي وقام أخوه أبو الحسين مقامه وكان البريدي هذا على ما قال ابن الفرات ظلوما عسوفا وكان أعظم أسباب الغلاء
ببغداد لأنه صادر الناس في أموالهم وجعل على كل كر من الحنطة والشعير خمسة دنانير فبلغ ثمن كر الحنطة ثلثمائة دينار وستة عشر دينار ثم افتتح الخراج في آذار وحصد أصحابه الحنطة والشعير وحملوه بسنبلة إلى منازلهم ووظف الوظائف على أ هل الذمة وعلى سائر المكيلات وأخذ أموال التجار غصبا وظلمهم ظلما لم يسمع بمثله واستتر أكثر العمال لعظم ما طالبهم به فسبحان الفعال لما يريد
وفيها توفي الحافظ حافظ فلسطين أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحان بالرملة رحل إلى الشام والجزيرة والعراق وروى عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته وعنه ابن جميع وطبقته
وفيها على ما قال ابن درباس الحافظ محدث الشام خيثمة بن سليمان بن حيدرة الطرابلسي أبو الحسن أحد الثقات روى عن أحمد بن الفرج وطبقته وعنه ابن جميع وابن مندة وغيرهما قال الخطيب ثقة ثقة
وفيها قال ابن ناصر الدين
( مثل الإمام المغربي حز الأدب ** ذاك الفتى محمد أبو العرب ) كان ثقة حافظا نبيلا كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب وخمسمائة كتاب
وفيها أبو علي اللؤلؤي محمد بن أحمد بن عمرو البصري راوية السنن عن أبي داود لزم أبا داود مدة طويلة يقرأ السنن للناس
سنة أربع وثلاثين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور دخل معز الدولة وأبو الحسين بن بويه على المستكفي فظنهما يريدان تقبيل يده فناولهما يده فنكساه عن السرير ووضعا عمامته في عنقه وجراه ونهض أبو الحسين وحمل المستكفي راجلا إلى دار أبي الحسن فاعتقل وخلع من الخلافة انتهى أي وسلمت عيناه أيضا وحبس في دار
الخلافة إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة وسنة ستة وأربعون سنة وقال في الشذور وفي هذه السنة اشتد الغلاء حتى ذبح الصبيان وأكلوا وأكل الناس الجيف وصارت العقار والدور تباع برغفان خبز واشترى لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم انتهى
وفيها اصطلح سيف الدولة والإخشيد وصاهره وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية
وفيها تداعت بغداد للخراب من شدة القحط والفتن والجور
وهلك توزون بعلة الصرع في المحرم بهيت
وفيها توفي كما قال ابن ناصر الدين
( بعد فتى يس المضعف ** الهروي أحمد المصنف )
وهو أحمد بن محمد بن يس الهروي الحافظ الحداد أبو إسحاق مصنف تاريخ هراة وهو ليس بالقوي
وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي الدمشقي في جمادى الأولى وله بضع وتسعون سنة تفرد بالرواية عن جماعة وحدث عن موسى بن عامر المري ومحمد بن إسماعيل بن علية وطبقتهما
وفيها الصنوبري الشاعر أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الضبي الحلبي وشعره في الذروة العليا
وفيها الحسين بن يحيى أبو عبد الله المتوثى القطان في جمادى الآخرة ببغداد وله خمس وتسعون سنة روى عن أحمد بن المقدام العجلي وجماعة وآخر من حدث عنه هلال الحفار
وفيها عثمان بن محمد أبو الحسين الذهبي البغدادي بحلب روى عن أبي بكر ابن أبي الدنيا وطبقته
وفيها ابن إسحاق المادرائي أبو الحسن محدث البصرة روى عن علي بن
حرب وطائفة
وفيها قاضي القضاة أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي ولي قضاء واسط ثم قضاء مصر ثم قضاء بغداد في سنة ثلاثين وكان قليل العلم إلى الغاية إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار العدول فتعجب الناس من ولايته لكنه ظهرت منه صرامة وعفة وكفاءة قاله في العبر
وفيها الوزير العادل أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب وزر مرات للمقتدر ثم للقاهر وكان محدثا عالما دينا خيرا كبير الشأن على الإسناد روى عن أحمد بن بديل والحسن الزعفراني وطائفة وعاش تسعين سنة وكان في الوزراء كعمر بن عبد العزيز في الخلفاء قال أحمد بن كامل القاضي سمعت الوزير علي بن عيسى يقول كسبت سبعمائة ألف دينار أخرجت منها في وجوه البر ستمائة ألف دينار آخر من روى عنه ابنه عيسى في أمالية قاله في العبر
وفيها الإمام العلامة الثقة أبو القسم الخرقي عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي صاحب المختصر في الفقه بدمشق ودفن بباب الصغير قاله في العبر وقال ابن أبي يعلى في طبقاته قرأ على من قرأ على أبي بكر المروذي وحرب الكرماني وصالح وعبد الله ابني إمامنا له المصنفات الكثيرة في المذهب لم ينتشر منها إلا المختصر في الفقه لأنه خرج من مدينة السلام لما ظهر فيها سب الصحابة رضوان الله عليهم وأودع كتبه في درب سليمان فاحترقت الدار التي كانت فيها ولم تكن انتشرت لبعده عن البلد قرأ عليه جماعة من شيوخ المذهب منهم أبو عبد الله بن بطة وأبو الحسن التميمي وأبو الحسن بن سمعون وغيرهم قرأت بخط أبي إسحاق البرمكي أن عدد مسائل المختصر ألفان وثلثمائة مسئلة انتهى ملخصا وقال ابن خلكان وكان والده أيضا من الأعيان روى عن جماعة رحمهم الله تعالى أجمعين والخرقي بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء
وبعدها قاف هذه النسبة إلى بيع الخرق والثياب انتهى
وفيها الحافظ أبو علي محمد بن سعيد القشيري الحراني نزيل الرقة ومؤرخها روى عن سليمان بن سيف الحراني وطبقته وعنه محمد بن جامع الدهان وغندر البغدادي وابن جميع وهو ثقة ثبت
وفيها الأخشيد أبو بكر محمد بن طغج بن جف التركي الفرغاني صاحب مصر والشام ودمشق والحجاز وغيرها وصاحب سرير الذهب والأخشيد لقب لكل من ملك فرغانة وكان الأخشيد ملكها وولاه خلفاء العباسيين الأمصار حتى عظم شأنه قال في العبر والأخشيد بالتركي ملك الملوك وطغج عبد الرحمن وهو من أولاد ملوك فرغانة وكان جده جف من الترك الذين حملوا إلى المعتصم فأكرمه وقربه ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل فاتصل طغج بابن طولون وكان من كبار امرائه وكان الأخشيد شجاعا حازما يقظا شديد البطش لا يكاد أحد يجر قوسه توفي بدمشق في ذي الحجة وله ست وستون سنة ودفنوه ببيت المقدس وكان له ثماينة آلاف مملوك انتهى ما قاله في العبر وقال ابن خلكان وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في تاريخه الصغير الذي سماه عيون السير أن جيشه كان يحتوي على أربعمائة ألف رجل وأنه كان جبانا وله ثمانية آلاف مملوك يحرسه في كل ليلة الفان منهم ويوكل بجانب خيمته الخدم إذا سافر ثم لا يثق حتى يمضي إلى خيم الفراشين فينام فيها ولم يزل على مملكته وسعادته إلى أن توفي في الساعة الرابعة من يوم الجمعة ثاني عشرى الحجة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة بدمشق وحمل تابوته إلى بيت المقدس فدفن به ثم قال ابن خلكان وهو استاذ كافور الأخشيدي وفاتك المجنون ثم قام كافور المذكور بتربية ابني مخدومة احسن قيام وهما أبو القسم انوجور وأبو الحسن علي انتهى ملخصا
وفيها القائم بأمر الله أبو القسم نزار بن المهدي عبيد الله الدعى الباطني
صاحب المغرب وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها فما قدر له وكان مولده بسلمية في حدود الثمانين ومائتين وقام بعده ابنه المنصور إسماعيل
وفيها الشبلي أبو بكر دلف بن جحدر وقيل جعفر بن يونس وهذا هو المكتوب على قبره الزاهد المشهور صاحب الأحوال والتصوف قرأ في أول أمره الفقه وبرع في مذهب مالك ثم سلك وصحب الجنيد وكان أبوه من حجاب الدولة قال السخاوي في تاريخه أصله من أسر وشنة من قرية من قراها بقال لها شبلية ومولده بسر من رأى كان خاله أمير الأمراء بالإسكندرية وكان الشبلي حاجب الموفق وكان أبوه حاجب الحجاب وكان الموفق جعل لطعمته دماوند ثم حضر الشبلي يوما فجلس خير النساج فتاب فيه ورجع إلى دماوند وقال أنا كنت حاجب الموفق وكان ولايتي بلدتكم هذه فاجعلوني في حل فجعلوه في حل وجهدوا أن يقبل منهم شيئا فأبى وصار بعد ذلك واحد زمانه حالا ويقينا وقال شيخه الجنيد لا تنظروا إلى الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض فإنه عين من عيون الله وكان الشبلي فقيها عالما كتب الحديث الكثير وقال محمد بن الحسن البغدادي سمعت الشبلي يقول أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق في هذه الدجلة التي ترون سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ الموطأ وقرأ وكذا قراءة عني به نفسه وقال كتبت الحديث عشرين سنة وجالست الفقهاء عشرين سنة وصحب الجنيد ومن في عصره وصار أوحد العصر حالا وعلما وتوفي في ذي الحجة ودفن بالخيزرانية ببغداد بقرب الإمام الأعظم وله سبع وثمانون سنة وورد أنه سئل إذا اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة كيف تصنع فأجاب بثمانية عشر جوابا للعلماء انتهى ملخصا
سنة خمس وثلاثين وثلثمائة
فيها تملك سيف الدولة بن حمدان دمشق بعد موت الإخشيد فجاءته
جيوش مصر فدفعته إلى الرقة بعد حروب وأمور واصطلح معز الدولة بن بويه وناصر الدولة بن حمدان
وفيها كما قال في الشذور ملكت الديالم الجانب الشرقي أي من بغداد ونهبت سوق يحيى وغيره فخرج الناس حفاة مشاة من بغداد إلى ناحية عكبرى هاربين النساء والصبيان فتلفوا من الحر والعطش حتى إن امرأة كانت تنادي في الصحراء أنا ابنة فلان ومعي جوهر وحلي بألف دينار رحم الله من أخذه وسقاني شربة ماء فما التفت إليها أحد فوقعت ميته
وفيها توفي أبو العباس بن القاص أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي وله مصنفات مشهورة تفقه على ابن سريج وتفقه عليه أهل طبرستان وتوفي بطرسوس قال ابن السمعاني والقاص هو الذي يعظ ويذكر القصص عرف أبوه بالقاص لأنه دخل بلاد الديلم وقص على الناس الأخبار المرغبة في الجهاد ثم دخل بلاد الروم غازيا فبينما هو يقص لحقه وجد وخشية فمات رحمه الله تعالى قاله النووي في تهذيبه وقال ابن خلكان أن صاحب الترجمة وهو أبو العباس هو الذي مات في حالة من الوجد والغشية وله تصانيف صغيرة الحجم كبيرة الفائدة منها التلخيص والمفتاح وأدب القضاء وكتاب دلائل القبلة وأكثره تاريخ وحكايات عن أحوال الأرض وعجائبها وتصنيف في إحرام المرأة وتصنيف في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم يا أبا عمير ما فعل النغير
وفيها الطبري المحدث أبو بكر محمد بن جعفر الصيرفي في ببغداد وكان ثقة مأمونا روى عن الحسن بن عرفة وطائفة
وفيها الصولي أبو بكر محمد بن يحيى البغدادي الأديب الأخباري العلامة صاحب التصانيف أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وروى عن أبي داود السجستاني وطائفة وروى عنه الدارقطني وغيره ونادم غير واحد من الخلفاء وجده الأعلى هو صول ملك جرجان وكان الصولي حسن الاعتقاد جميل
الطريقة يضرب به المثل في لعب الشطرنج ويعتقد كثيرون إنه الذي وضعه وإنما وضعه صصه بن داهر وقيل ابن يلهب وقيل ابن قاسم وضعه لملك الهند شهرام واسمه بلهيث وقيل ماهيت وكان أزدشير بن بابك أول ملوك الفرس الأخيرة قد وضع النرد ولذلك قيل له نردشير لأنهم نسبوه إلى واضعه المذكور وجعله مثالا للدنيا وأهله فرتب الرقعة اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا بعدد البروج وجعل القطع ثلاثين بعدد أيام الشهر وجعل الفصوص فيما يرمي به من كل جهتين سبعة بعدد أيام الأسبوع وجعل ما يأتي به اللاعب مثالا للقضاء والقدر فتارة له وتارة عليه فافتخرت ملوك الفرس بذلك فلما وضع صصه الشطرنج قضت حكماء ذلك العصر بترجيحه على النرد لأمور يطول شرحها ويقال ان صصه لما وضعه وعرضه على ملك الهند المذكور أعجبه وفرح به كثيرا وأمر أن يكون في بيت الديانة ورآه أفضل ما علم لأنه آلة للحرب وعز للدين والدنيا وأساس لكل عدل فأظهر الشكر على ما أنعم عليه به في ملكه وقال له اقترح على ما تشتهي فقال له اقترحت أن تضع حبة قمح في البيت الأول ولا تزال تضعها حتى تنتهي إلى آخرها فمهما بلغ تعطيني فاستصغر الملك ذلك وأنكر عليه كونه قابله بالنزر وقد كان أضمر له شيئا كثيرا فقال ما أريد إلا هذا فأجابه إلى مطلوبه وتقدم له به فلما حسبه أرباب الديوان قالوا ما عندنا ولا في ملكنا ما يفي به ولا ما يقاربه فكانت أمنيته أعجب من وضعه وكيفية تضعيفه وما انتهى إليه التضعيف مما شاع وذاع فلا نطيل به ولكن ما انتهى إليه التضعيف على ما قاله ابن الأهدل وهو آخر بيت من أبيات الرقعة الأربعة والستين إلى ستة عشر ألف مدينة وثلثمائة وأربع وثمانين مدينة وقال ابن الأهدل أيضا ومن المعلوم قطعا أن الدنيا ليس فيها مدن أكثر
من هذا العدد فإن دور كرة الأرض معلوم بطريق الهندسة وهو ثمانية آلاف فرسخ بحيث لو وضعنا طرف حبل على أي موضع من ألأرض وأدير الحبل على كرة الأرض ومسح الحبل كان أربعة وعشرين ألف ميل وهي ثمانية آلاف فرسخ وذلك قطعي لا شك فيه وقد أراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك فسأل بني موسى بن شاكر وكانوا قد انفردوا بعلم الهندسة فقالوا نعم هذا قطعي فسألهم تحقيقه معاينة فسألوا عن صحراء مستوية فقيل صحراء سنجار ووطأة الكوفة فخرجوا إليها ووقفوا في موضع واحد ثم أخذوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا في ذلك الموضع وتدا وربطوا حبلا طويلا ثم مشوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف إلى يمين أو شمال بحسب الأمكان فلما فرغ الحبل نصبوا وتدا آخر في الأرض وربطوا فيه حبلا آخر ومضوا إلى جهة الشمال حتى انتهوا إلى موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور فوجدوه قد زاد على الارتفاع الأول درجة فمسحوا ذلك القدر الذي قدروه من الأرض بالحبال فبلغ ستة وستين ميلا وثلثي ميل وجميع الفلك ثلثمائة وستون درجة لأن الفلك مقسوم باثني عشر برجا وكل برج ثلاثون درجة فضربوا عدد درج الفلك الثلثمائة والستين في ستة وستين ميلا وثلثين التي هي حصة كل درجة فكانت الجملة أربعة وعشرين ألف ميل وهي ثمانية آلاف فرسخ قال فعلى هذا يكون دور كرة الأرض مسيرة ألف مرحلة وذلك مسيرة ثلاث سنين إلا ثمانين يوما بسير النهار دون الليل لأن المرحلة ثمانية فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال وهذا ينافي ما اشتهر أن الأرض مسيرة خمسمائة سنة ويعلم من ذلك أيضا أن في كل ثلاث مراحل إلا خمسة أميال وثلث في السير إلى جهة الشمال يرتفع القطب درجة ويكون عرض تلك البلد أزيد من التي ابتدئ السير منها بدرجة ومما يدل على هذا أن عرض المدينة المشرفة يزيد على عرض مكة المعظمة ثلاث درج والله أعلم انتهى
ما أورده ابن الأهدل ملخصا وقال المسعودي ذكر لي أن الصولي في بدء دخوله على الإمام المكتفي وقد كان ذكر له تخريجه في اللعب بالشطرنج وكان الماوردي اللاعب متقيدا عنده متمكنا من قلبه معجبا به للعبه فلما لعبا جميعا بحضرة المكتفي حسن رأيه في الماوردي وتقدم على نصرته وتشجيعه وتنبيهه حتى أدهش ذلك الصولي في أول وهلة فلما اتصل اللعب بينهما وجمع له الصولي متانته وقصد قصده غلبه غلبا لا يكاد يرد عليه شيء وتبين حسن لعب الصولى للمكتفي فعدل عن موالاة الماوردي وقال عاد ماء وردك بولا وصنف الصولي المصنفات الحسان منها كتاب الوزراء وكتاب الورقة وكتاب أخبار القرامطة وكتاب الغرر وكتاب أخبار أبي عمرو بن العلاء وجمع أخبار جماعة من الشعراء ورتبه على حروف المعجم وكلهم من المحدثين وكان ينادم الخلفاء وكان أغلب فنونه أخبار الناس وله رواية واسعة ومحفوظات كثيرة وتوفي بالبصرة مستترا لأنه روى خبرا في حق علي كرم الله وجهه فطلبه الخاصة والعامة فلم يقدروا عليه وكان قد خرج من بغداد لضائقة لحقته
وفيها الهيثم بن كليب الحافظ أبو سعيد الشاشي صاحب المسند ومحدث ما وراء النهر عن عيسى بن أحمد البلخي وأبي عيسى الترمذي والدوري وآخرين وعنه علي بن أحمد الخزاعي ومنصور بن نصر الكاغدي وآخرون وهو ثقة
سنة ست وثلاثين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور وظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر طوله نحو ذراعين فبقى ثلاثة عشر يوما ثم اضمحل انتهى
وفيها ظفر المنصور العبيدي بمخلد بن كيداد وقتل قواده ومزق جيشه
وفيها توفي الحافظ العالم لثقه أبو الحسين أحمد بن المنادي واسم المنادي جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي داود عبيد الله البغدادي وله ثمانون سنة صنف وجمع وسمع من وغيره ومنه أحمد بن نصر الشذائي وغيره قال الخطيب كان صلب الدين شرس الأخلاق مع كونه ثقة
وفيها حاجب بن أحمد بن يرحم أبو محمد الطوسي وهو معمر ضعيف الحديث زعم أنه ابن مائة وثمان سنين وحدث عن محمد بن رافع والذهلي والكبار قاله في العبر وقال في المغني حاجب بن أحمد الطوسي شيخ مشهور لقيه ابن مندة ضعفه الحاكم وغيره في اللقى انتهى
وفيها أبو العباس الأثرم محمد بن أحمد بن حماد المقرئ البغدادي وله ست وتسعون سنة روى عن الحسن بن عرفة وعمر بن شبة والكبار وتوفي بالبصرة
وفيها الحكيمي مكبرا نسبة إلى حكيم جد محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ببغداد في ذي الحجة روى عن زكريا بن يحيى المروزي وطبقته
وفيها الميداني أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل النيسابوري في رجب فجأة وكان عنده جزء عن الذهلي وهو الذي تفرد به سبط السلفي
وفيها أبو طاهر المحمد باذي نسبة إلى محمد اباذ محلة خارج نيسابور محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري أحد اللسان روى عن أحمد بن يوسف السلمي وطائفة وببغداد عن عباس الدوري وذويه وكان إمام الأئمة ابن خزيمة إذا شك في لغة سأله
سنة سبع وثلاثين وثلثمائة
فيها كان الغرق ببغداد وبلغت دجلة أحدا وعشرين ذراعا وهلك خلق تحت الهدم
وفيها قوى معز الدولة على صاحب الموصل ابن حمدان وقصده ففر ابن حمدان إلى نصيبين ثم صالحه على حمل ثمانية آلاف ألف في السنة
وفيها خرجت الروم لعنهم الله وهزمهم سيف الدولة على مرعش وملك مرعش
وفيها توفي أبو إسحاق القرميسيني نسبة إلى قرميسين مدينة بالعراق إبراهيم ابن شيبان شيخ الصوفية ببلاد الجيل صحب إبراهيم الخواص وساح بالشام ومن كلامه علم الفناء والبقاء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية وما كان غير هذا فهو من المغاليط والزندقة قال السخاوي له مقامات في الورع والتقوى يعجز عنها الخلق وكان متمسكا بالكتاب والسنة لازما لطريقة المشايخ والأئمة المتقدمين قال عبد الله بن منازل وقد سئل عنه هو حجة الله على الفقراء وأهل الأداب والمعاملات ومن كلامه من أراد أن يتعطل ويتبطل فليلزم الرخص والذي ذكره اليافعي في نشر المحاسن عنه من أراد أن يتعطل أو يتبطل أو يتنطل فليلزم الرخص ومعنى يتنطل من قول العرب فلان ناطل يعنون ليس بجيد بل ساقط ويقولون نطل الخبر من التنور إذا سقط منه ووقع في الرماد ومن كلامه إذا سكن الخوف القلب أحرق محل الشهوات فيه وطرد عنه رغبة الدنيا وحال بينه وبين النوم وبعد فإن الذي قطعهم وأهلكهم محبة الراكنين إلى الدنيا وقال يا بني تعلم العلم لأدب الظاهر واستعمل الورع لأدب الباطن وإياك أن يشغلك عن الله شاغل فقل من أعرض عنه فأقبل عليه وقال الخلق محل الآفات وأكثر منهم آفة من يأنس بهم أو يسكن إليهم وقال صحبت أبا عبد الله المغربي ثلاثين سنة فدخلت عليه يوما وهو
يأكل فقال لي أدن وكل معي فقلت له أني قد صحبتك منذ ثلاثين سنة لم تدعني إلى طعامك إلا اليوم فما بالك دعوتني اليوم فقال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يأكل طعامك إلا تقى ولم يظهر لي تقاك إلا اليوم
وفيها محمد بن علي بن عمر أبو علي النيسابوري المذكر أحد الضعفاء سمع من أحمد بن الأزهر وأقرانه ولو اقتصر عليهم لكان مسند خراسان ولكنه حدث عن محمد بن رافع والكبار قاله في العبر وقال في المغني محمد بن علي ابن عمر المذكر النيسابوري شيخ الحاكم لا ثقة ولا مأمون انتهى
وفيها اسحق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري أبو يعقوب حافظ ثقة قال ابن ناصر الدين
إسحق البحري ذا الجرجاني ** شيخ زكا لحفظه المعاني )
سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور وقعت فتنة بين السنة والشيعة ونهبت الكرخ
وفيها ولى قضاء القضاة أبو السائب عتبة بن عبد الله ولم يحج ركب العراق
وفيها توفي المستكفي بالله أبو القسم عبد الله بن المكتفي بالله على بن المعتضد أحمد العباسي الذي استخلف وسمل في سنة أربع وثلاثين كما ذكرنا وحبس حتى مات وله ست وأربعون سنة وكان ابيض جميلا ربعة أكحل اقنى خفيف العارضين وأمه أمة وكانت مدة خلافته سنة واحدة وأربعة أشهر وما زال مغلوبا على أمره مدة خلافته والله أعلم
وفيها أحمد بن سليمان بن ريان أبو بكر الكندي الدمشقي الضرير ذكر أنه ولد سنة خمس وعشرين ومائتين وأنه قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني وأنه سمع من هشام بن عمار وابن أبي الحواري وروى عنه تمام الرازي
وعبد الرحمن بن أبي نصر ثم تركا الرواية عنه لما تبين أمره قال الحافظ عبد الغني الأزدي كان غير ثقة وقال عبد العزيز الكتاني كان يعرف بابن ريان العابد لزهده وروعه
وفيها أبو جعفر النحاس أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري النحوي كان ينظر بابن الأنباري ونفطويه وله تصانيف كثيرة وكان مقترا على نفسه في لباسه وطعامه توفي في ذي الحجة قال السيوطي في حسن المحاضرة وقد أخذ عن الأخفش الصغير وغيره وروى الحديث عن النسائي ومن مصنفاته تفسير القرآن والناسخ والمنسوخ وشرح أبيات سيبويه وشرح المعلقات غرق تحت المقياس ولم يدر أين ذهب انتهى
وفيها إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي المقرىء مقرىء أهل الشام في زمانه قرأ على قنبل وهرون الأخفش وعثمان بن خرزاذ وصنف كتابا في القراءات الثمان وروى الحديث عن أبي أمية الطرسوسي وقيل توفي في السنة الآتية
وفيها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السامري القاضي نزيل دمشق ونائب الحكم بها وصاحب الجزء المشهور روى عن الحسن بن عرفة وسعدان بن نصر وطائفة من العراقيين والشاميين والمصريين وثقه الخطيب وتوفي في ربيع الآخر والسامري بفتح الميم وتشديد الراء نسبة إلى سر من رأى مدينة فوق بغداد
وفيها أبو علي الخضايري الحسن بن حبيب الدمشقي الفقيه الشافعي روى عن الربيع بن سليمان وابن عبد الحكم وحدث بكتاب الأم للشافعي رضى الله عنه قال الكتاني هو ثقة نبيل حافظ لمذهب الشافعي مات في ذي القعدة
وفيها عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه بن فناخسر والديلمي صاحب بلاد فارس وهو أول من ملك من أخوته وكان الملك معز الدولة أحمد أخوه
يتأدب معه ويقدمه على نفسه عاش بضعا وخمسين سنة وكانت أيامه ست عشرة سنة وملك فارس بعده ابن أخيه عضد الدولة بن ركن الدولة وذكر أبو محمد هارون بن العباس المأموني في تاريخه أن عماد الدولة المذكور اتفقت له أسباب عجيبة كانت سببا لثبات ملكه منها أنه لما ملك شيراز في أول ملكه اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال ولم يكن معه ما يرضيهم به وأشرف أمره على الإنحلال فاغتم لذلك فبينا هو مفكر وقد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا فيه للتفكير والتدبير إذ رأى حية خرجت من موضع من سقف ذلك المجلس ودخلت موضعا آخر منه فخاف أن تسقط عليه فدعا بالفراشين وأمرهم بإحضار سلم وأن تخرج الحية فلما صعدوا وبحثوا عن الحية وجدوا ذلك السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين فعرفوه ذلك فأمرهم بفتحها ففتحت فوجد فيها عدة صناديق من المال والمصاغات قدر خمسمائة ألف دينار فحمل المال إلى بين يديه وسر به وأنفقه في رجاله وثبت أمره بعد أن كان أشفى على الانخرام ثم إنه قطع ثيابا وسأل عن خياط حاذق فوصف له خياط كان لصاحب البلد قبله فأمر بإحضاره وكان أطروشا فوقع له إنه قد سعى به إليه في وديعة كانت عنده لصاحبه وإنه طالبه بهذا السبب فلما خاطبه حلف أنه ليس عنده إلا اثنا عشر صندوقا لا يدري ما فيها فعجب عماد الدولة من جوابه ووجه معه من حملها فوجد فيها أموالا وثيابا بجملة عظيمة فكانت هذه الأسباب من أقوى دلائل سعادته ثم تمكنت حاله واستقرت قواعده وكانت وفاته يوم الأحد سادس جمادى الأولى بشيراز ودفن بدار المملكة وأقام في الملك ستة وعشرين سنة وقيل إنه ملك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ولم يعقب وأتاه في مرضه أخوه ركن الدولة واتفقا على تسليم بلاد فارس إلى عضد الدولة فتسلمها
وفيها علي بن محمد أبو الحسن الواعظ المصري وهو بغدادي أقام بمصر
مدة روى عن أحمد بن عبيد بن ناصح وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما وكان صاحب حديث له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد وكان مقدم زمانه في الوعظ قال السيوطي في حسن المحاضرة قال ابن كثير ارتحل إلى مصر فأقام بها حتى عرف بالمصري روى عنه الدارقطني وغيره وكان له مجلس وعظ عظيم مات في ذي القعدة وله سبع وثمانون سنة انتهى ملخصا
وفيها علي بن محمد بن سختونة بن خمشاد أبو الحسن النيسابوري الحافظ العدل الثقة أحد الأئمة سمع الفضل بن محمد الشعراني وإبراهيم ديزيل وطبقتهما ورحل وطوف وصنف وله مسند كبير في أربعمائة جزء وأحكام في مائتين وستين جزءا توفي فجأة في الحمام وله ثمانون سنة قال أحمد بن إسحاق الضبعي صحبت علي بن خمشاد في الحضر والسفر فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة
وفيها محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله النيسابوري الفقيه الرجل الصالح سمع السري بن خزيمة وأقرانه قال الحاكم كان يصوم النهار ويقوم الليل ويصبر على الفقر ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه
سنة تسع وثلاثين وثلثمائة
فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم في ثلاثين ألفا فافتتح حصونا وسبى وغنم فأخذت الروم عليه الدروب فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا ونجا هو في عدد قليل ووصل من سلم في أسوأ حال
وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه وكان بحكم بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يردوه وقالوا أخذناه بأمر وإذا ورد أمر رددناه فردوه وقالوا رددناه بأمر من أخذناه بأمره لتتم مناسك الناس قاله في الشذور
وفيها توفي الحافظ أبو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري الصغير روى عن ابن الضريس وطبقته قال الحاكم كان واحد عصره في الحفظ والوعظ خرج صحيحا على وضع مسلم وهو ثقة
وفيها حفص بن عمر الأردبيلي أبو القسم الحافظ محدث أذربيجان وصاحب التصانيف روى عن أبي حاتم الرازي ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما وعنه ابن لال وغيره وكان رحالا مصنفا والأردبيلي بالفتح وسكون الراء وضم الدال المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية نسبة إلى أردييل من بلاد أذربيجان
وفيها قاضي الإسكندرية علي بن عبد الله بن أبي مطر المعارفي نسبة إلى المعافر بطن من قحطان الإسكندراني الفقيه أبو الحسن المالكي وله مائة سنة روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد بن مسلم وغيره
وفيها القاضي ابن الأشناني أبو الحسين عمر بن الحسن ببغداد روى عن محمد بن عيسى بن حيان المدائني وابن أبي الدنيا وعدة وضعفه الدارقطني
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن احمد الأصبهاني الصفار روى عن أسيد بن أبي عاصم وطبقته وصنف في الزهد وغيره وصحب العباد وكان من أكثر الحفاظ حديثا قال الحاكم هو محدث عصره مجاب الدعوة لم يرفع رأسه إلى السماء نيفا وأربعين سنة توفي في ذي القعدة وله ثمان وتسعون سنة
وفيها القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد بالله أحمد بن طلحة بن جعفر العباسي سملت عيناه وخلع في سنة اثنتين وعشرين وكانت خلافته سنة وسبعة أشهر وكان ربعة أسمر أصهب الشعر طويل الأنف فاتكا ظالما سيء
السيرة كان بعد الكحل والعمى يحبس تارة ويترك أخرى فوقف يوما بجامع المنصور بن الصفوف وعليه مبطنة بيضاء وقال تصدقوا على فأنا من عرفتم فقام أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي فأعطاه خمسمائة درهم ثم منع لذلك من الخروج فقيل أنه أراد أن يشنع بذلك على المستكفي ولعله فعل ذلك في أيام القحط توفي في جمادى الأولى وله ثلاث وخمسون سنة
وفيها محدث بغداد أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز وله ثمان وثمانون سنة روى عن سعدان بن نصر ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وطائفة
وفيها أبو نصر الفارابي صاحب الفلسفة محمد بن محمد بن طرخان التركي ذو المصنفات المشهورة في الحكمة والمنطق والموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضله الله وكان مفرط الذكاء قدم دمشق ورتب له سيف الدولة كل يوم أربعة دراهم إلى أن مات وله نحو من ثمانين سنة قاله في العبر وقال ابن الأهدل قيل هو أكبر فلاسفة المسلمين لم يكن فيهم من بلغ رتبته وبه أي بتآليفه تخرج أبو على بن سينا وكان يحقق كتاب ارسطاطاليس وكتب عنه في شرحه سبعون سفرا ولم يكن في وقته مثله ولم يكن في هذا الفن أبصر من الفارابي وسئل من أعلم أنت أو أرسطاطا ليس فقال لو أدركته لكنت أكبر تلامذته ويقال أن آلة الصابون من وضعه قال الفقيه حسين هؤلاء الثلاثة متهمون في دينهم يعنى الفارابي والكندي وابن سينا فلا تغتر بالسكوت عنهم انتهى ما أورده ابن الأهدل ملخصا وقال ابن خلكان هو أكبر فلاسفة المسلمين لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه والرئيس أبو علي بن سيناء بكتبه تخرج وبه انتفع في تصانيفه وكان الفارابي رجلا تركيا ولد في بلده ونشأ بها ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي فشرع في اللسان العربي فتعلمه واتقنه غاية
الإتقان ثم اشتغل بعلوم الحكمة ولما دخل بغداد كان بها أبو بشر متى بن يونس الحكيم المشهور وهو شيخ كبير وكان يعلم الناس فن المنطق وله إذ ذاك صيت عظيم وشهرة وافية ويجتمع في حلقته خلق كثير من المشتغلين وهو يقرأ كتاب أرسطاطاليس في المنطق ويملي على تلامذته شرحه فكتب عنه في شرحه سبعون سفرا ولم يكن في ذلك الوقت مثله أحد في فنه وكان حسن العبارة في تأليفه وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذييل حتى قال بعض علماء هذا الفن ما أرى أبا نصر الفارابي أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من بشر يعني المذكور وكان أبو نصر يحضر حلقته في غمار تلامذته فأقام أبو نصر برهة ثم ارتحل إلى مدينة حران وفيها يوحنا بن جيلان الحكيم النصراني فأخذ عنه طرفا من المنطق أيضا ثم إنه قفل إلى بغداد راجعا وقرأ بها علوم الفلسفة وتناول جميع كتب أرسطاطاليس وتمهر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها ويقال إنه وجد كتاب النفس لأرسطاطاليس وعليه مكتوب بخط أبي نصر الفارابي قرأت السماع الطبيعي لأرسطا طاليس أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودة قراءته ورأيت في بعض المجاميع أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف وكان سلطان الشام يومئذ فدخل عليه وهو بزي الأتراك وكان ذلك زيه دائما فقال له سيف الدولة اقعد فقال حيث أنا أم حيث أنت ثم تخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة وزاحمه فيه حتى أخرجه عنه وكان على رأس سيف الدولة مماليك وله معهم لسان خاص يسارهم به قل أن يعرفه أحد فقال لهم بذلك اللسان إن هذا الشيخ قد أساء الأدب وإني مسائله عن أشياء إن لم يعرفها فاخرقوا به فقال له أبو نصر بذلك اللسان أيها الأمير اصبر فإن الأمور بعواقبها فعجب سيف الدولة منه وقال له أتحسن هذا اللسان قال نعم أحسن أكثر من سبعين لسانا فعظم عنده ثم أخذ يتكلم مع العلماء
الحاضرين في المجلس في كل فن فلم يزل كلامه يعلو وكلامهم يسفل حتى صمت الكل وبقي يتكلم وحده ثم أخذوا يكتبون ما يقوله فصرفهم سيف الدولة وخلا به فقال له هل لك أن تأكل شيئا قال لا قال فهل تشرب قال لا قال فهل تسمع فقال نعم فأمر سيف الدولة بإحضار القيان فحضر كل ماهر في هذا الفن بأنواع الملاهي فلم يحرك أحد منهم آلة إلا وعابه أبو نصر وقال أخطأت فقال سيف الدولة وهل تحسن في الصناعة شيئا قال نعم ثم أخرج من وسطه خريطة ففتحها وأخرج منها عيدانا فركبها ثم لعب بها فضحك كل من في المجلس ثم فكها وغير تركيبها وركبها تركيبا آخر وضرب بها فبكى كل من في المجلس ثم فكها وغير تركيبها وحركها فنام كل من في المجلس حتى البواب فتركهم نياما وخرج ويحكى أن الآلة المسماة بالقانون من وضعه وهو أول من ركبها هذا التركيب وكان منفردا بنفسه لا يجالس الناس وكان مدة مقامه بدمشق لا يكون غالبا إلا في مجتمع المياه ومشتبك الرياض ويؤلف هناك كتبه ويأتيه المشتغلون عليه وكان أكثر تصانيفه فصولا وتعاليق ويوجد بعضها ناقصا مبتورا وكان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن وأجرى عليه سيف الدولة من بيت المال كل يوم أربعة دراهم وهو الذي اقتصر على القناعة ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بدمشق وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه وقد ناهز ثمانين سنة ودفن بظاهر دمشق خارج باب الصغير وتوفي متى بن يونس ببغداد في خلافة الراضي هكذا حكاه ابن صاعد القرطبي في طبقات الأطباء والفارابي بفتح الفاء والراء وبينهما ألف وبعد الألف الثانية باء موحدة نسبة إلى فاراب وتسمى في هذا الزمان أترار وهي مدينة فوق الشاش قريبة من مدينة بلاساغون وجميع أهلها على مذهب الشافعي رضي الله عنه وهي قاعدة من قواعد مدن الترك ويقال لها فاراب الداخلة ولهم فاراب الخارجة وهي في أطراف بلاد فارس انتهى
ما أورده ابن خلكان ملخصا وبالجملة فأخباره وعلومه وتصانيفه كثيرة شهيرة ولكن أكثر العلماء على كفره وزندقته حتى قال الإمام الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال لا نشك في كفرهما أي الفارابي وابن سينا وقال فيه أيضا وأما الآلهيات ففيها أكثر أغاليطهم وما قدروا على الوفاء بالرهان على ما شرطوا في المنطق ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيه ولقد قرب مذهب أرسطاطاليس فيها من مذهب الإسلاميين الفارابي وابن سينا ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلا يجب تكفيرهم في ثلاثة منها وتبديعهم في سبعة عشر ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين صنفنا كتاب التهافت أما المسائل الثلاث فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين وذلك قولهم أن الأجسام لا تحشر وأن المثاب والمعاقب هي الروح روحانية لا جسمانية ولقد صدقوا في إثبات الروحانية فإنها كائنة أيضا ولكن كذبوا في إنكار الجسمانية وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به ومن ذلك قولهم إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات وهذا أيضا كفر صريح بل الحق أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته ولم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل وأما ما وراء ذلك من نفيهم الصفات وقولهم أنه عالم بالذات لا بعلم زائد وما يجري مجراه فمذهبهم فيه قريب من مذهب المعتزلة ولا يجب تكفير المعتزلة وقال فيه أيضا القسم الثالث الآلهيون وهم المتأخرون مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس وهو الذي رتب لهم المنطق وهذب العلوم وخمر لهم ما لم يكن مخمرا من قبل وأوضح لهم ما كان انمحى من علومهم وهم بحملتهم ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم وكفى الله المؤمنين القتال بتقابلهم ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبله
من الآلهيين ردا لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم إلا أنه استبقى أيضا من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها فوجب تكفيرهم وتكفير شيعهم من الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما على أنه لم يقم بعلم أرسطاطاليس أحد من المتفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين وما نقله غيرهم ليس يخلو عن تخبيط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم ومالا يفهم كيف يرد أو يقبل ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس بحسب نقل هذين الرجلين ينحصر في ثلاثة أقسام قسم يجب التفكير به وقسم يجب التبديع به وقسم لا يجب انكاره أصلا انتهى ما قاله حجة الإسلام الغزالي فرحمه الله تعالى رحمة واسعة فانظر ما يجر إليه علم المنطق وما يترتب عليه للمتوغل فيه ولهذا حرمه أعيان الإجلاء كابن الصلاح والنواوي والسيوطي وابن نجيم في أشباهه وابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم وإن كان أكثر الحنابلة على كراهته قال الشيخ مرعي في غاية المنتهى مالم يخف فساد عقيدة أي فيحرم والله تعالى أعلم بالصواب
سنة أربعين وثلاثمائة
فيها سار الوزير أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي بالجيوش وقد استوزر عام أول فالتقى القرامطة فهزمهم واستباح عسكرهم وعاد بالأسارى
وفيها جمع سيف الدولة جيشا عظيما ووغل في بلاد الروم فغنم وسبى شيئا كثيرا وعاد سالما وأمن الوقت وذلت القرامطة وحج الركب
وفيها توفي ابن الأعرابي المحدث الصوفي القدوة أبو سعيد أحمد بن محمد ابن زياد بن بشر بن درهم البصري نزيل مكة في ذي القعدة وله أربع وتسعون سنة روى عن الحسن الزعفراني وسعد بن نصر وخلق كثير وعنه ابن المقرى وابن مندة وابن جميع وخلائق وكان ثقة نبيلا عارفا عابدا ربانيا كبير القدر
بعيد الصيت وجمع وصنف ورحلوا إليه قال السخاوي وصنف للقوم كتبا كثيرة وصحب الجنيد وعمرو بن عثمان المكي والنوري وغيرهم قال السلمي سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول بمكة ثبت الوعد والوعيد عن الله تعالى فإذا كان الوعد قبل الوعيد فالوعيد تهديد وإذا كان الوعيد قبل الوعد فالوعيد منسوخ وإذا اجتمعا معا فالغلبة والثبات للوعد فالوعد حق العبد والوعيد حق الله تعالى والكريم يتغافل عن حقه ولا يهمل ولا يترك ما عليه وقال إن الله تعالى طيب الدنيا للعارفين بالخروج منها وطيب الجنة لأهلها بالخلود فيها فلو قيل للعارف أنك تبقى في الدنيا لمات كمدا ولو قيل لأهل الجنة إنكم تخرجون منها لماتوا كمدا فطابت الدنيا بذكر الخروج وطابت الآخرة بذكر الخلود وقال اشتغالك بنفسك يقطعك عن عبادة ربك واشتغالك بهموم الدنيا يقطعك عن هموم الآخرة واشتغالك بمداراة الخلق يقطعك عن الخالق ولا عبد اعجز من عبد نسي فضل ربه وعد عليه تسبيحه وتكبيره التي هي إلى الحياء منه أقرب من طلب ثواب عليه وافتخاربه وقال الذهبي وكان شيخ الحرم في وقته سندا وعلما وزهدا وعبادة وتسليكا وجمع كتاب طبقات النساك وكتاب تاريخ البصرة وصنف في شرف الفقر وفي التصوف ومن كلامه أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد انتهى ما أورده السخاوي ملخصا
وفيها أبو إسحق المروزي إبراهيم بن أحمد شيخ الشافعية وصاحب ابن سريج وذو التصانيف انتهت إليه رياسة مذهب الشافعي ببغداد وانتقل في آخر عمره إلى مصر فمات في رجب ودفن عند ضريح الشافعي رضي الله عنهما قال الأسنوي كان إماما جليلا غواصا على المعاني ورعا زاهدا أخذ عن ابن سريج وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد وانتشر الفقه عن أصحابه في البلاد
قال العبادي وخرج من مجلسه إلى البلاد سبعون إماما وحكى عنه حكاية غريبة متعلقة بالقافة فقال حكى الصيدلاني وغيره عن القفال عن الشيخ أبي زيد عن أبي إسحاق قال كان لي جار ببغداد وله مال ويسار وكان له ابن يضرب إلى سواد ولون الرجل لا يشبهه وكان يعرض بأنه ليس منه قال فأتاني وقال عزمت على الحج وأكثر قصدي إن استصحب ابني وأريه بعض القافة فنهيته وقلت لعل القائف يقول ما تكره وليس لك ابن غيره فلم ينته وخرج فلما رجع قال إني استحضرت مجلسا وأمرت بعرضه عليه في عدة رجال كان فيهم الذي يرمي بأنه منه وكان معنا في الرفقة وغيبت عن المجلس فنظر القائف فيهم فلم يلحقه بأحد منهم فأخبرت بذلك وقيل لي أحضر فلعله يلحقه بك فأقبلت على ناقة يقودها عبد لنا أسود كبير فلما رفع بصره علينا قال الله أكبر ذاك الراكب أبو هذا الغلام والقائد الأسود أبو الراكب فغشى على من صعوبة ما سمعت فلما رجعت ألححت على والدتي فأخبرتني أن أبي طلقها ثلاثا ثم ندم فأمر هذا الغلام بنكاحها للتحليل ففعل فعلقت منه وكان ذا مال كثير وقد بلغ الكبر وليس له ولد فاستلحقتك ونكحني مرة ثانية انتهى كلام الأسنوي قال ابن خلكان وتوفي لتسع خلون من رجب والمروزي بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو وبعدها زاي هذه النسبة إلى مرو والشاهجان وهي إحدى كراسي خراسان وهم أربع مدن هذه ونيسابور وهراة وبلخ وإنما قيل لها مرو الشاهجان لتتميز عن مرو الروذ والشاهجان لفظ عجمي تفسيره روح الملك انتهى ملخصا
وفيها أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي الأديب ثقة رحال مكثر أقام علي أبي حاتم مدة وجاور لأجل يحيى بن أبي ميسرة
وفيها أبو علي الحسين بن صفوان البردعي بالمهملة نسبة إلى بردعة بلد
بأذربيجان صاحب أبي بكر بن أبي الدنيا توفي ببغداد في شعبان
وفيها العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحرث البخاري الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر ويعرف بعبد الله الإستاذ وكان محدثا جوالا رأسا في الفقه وصنف التصانيف وعمر اثنتين وثمانين سنة وروى عن عبد الصمد بن الفضل وعبيد الله بن واصل وطبقتهما قال أبو زرعة أحمد بن الحسين الحافظ هو ضعيف وقال الحاكم هو صاحب عجائب عن الثقات قاله في العبر
وفيها أبو القسم الزجاجي نسبة إلى الزجاج النحوي عبد الرحمن بن إسحق النهاوندي صاحب التصانيف أخذ عن أبي إسحق الزجاج وابن دريد وعلى ابن سليمان الأخفش وقد انتفع بكتابه الجمل خلق لا يحصون فقيل أنه جاور مدة بمكة وصنفه فيها وكان إذا فرغ من الباب طاف أسبوعا ودعا الله بالمغفرة وأن ينفع الله بكتابة وقراءته قال بعض المغاربة لكتابه عندنا مائة وعشرون شرحا اشتغل ببغداد ثم بحلب ثم بدمشق ومات بطبرية في رمضان
وفيها قاسم بن أصبغ الحافظ الإمام محدث الأندلس أبو محمد القرطبي مولى بني أمية ويقال له البياني وبيانه محلة بقرطبة وهو ثقة انتهى إليه التقدم في الحديث معرفة وحفظا وعلو اسناد سمع بقي بن مخلد وأقرانه ومنه حفيده قاسم بن محمد وعبد الله بن محمد الباجي والقاسم بن محمد بن غسلون وغيرهم ورحل سنة أربع وسبعين ومائتين فسمع محمد بن إسماعيل بمكة وأبا بكر ابن أبي الدنيا وأبا محمد بن قتيبة ومحمد بن الجهم وطبقتهم ببغداد وإبراهيم القصار بالكوفة وصنف كتابا على وضع سنن أبى داود لكونه فاته لقيه وكان إماما في العربية مشاورا في الأحكام عاش ثلاثا وستين سنة وتغير ذهنه يسيرا قبل موته بثلاثة أعوام ومات في جمادى الأولى
وفيها أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي الموصلي
قدم بغداد وحدث بها عن جده وعن جد أبيه وثقه أبو حازم العبدوي ومات في رمضان
وفيها أبو الحسن الكرخي شيخ الحنفية بالعراق واسمه عبد الله بن حسين ابن دلال روى عن إسماعيل القاضي وغيره وعاش ثمانين سنة انتهت إليه رياسة المذهب وخرج له أصحاب أئمة وكان قانعا متعففا عابدا صواما قواما كبير القدر
سنة إحدى وأربعين وثلثمائة
فيها على ما قال في الشذور ولي قضاء القضاة ببغداد عبد الله أبو العباس بن الحسين بن ابي الشوارب والتزم كل سنة بمائتي ألف درهم وهو أول من ضمن القضاء ثم الحسبة والشرطة
وفيها اطلع الوزير المهلبي على جماعة من التناسخية فيهم رجل يزعم أن روح على رضي الله عنه انتقلت إليه وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة رضي الله عنها انتقلت إليه وآخر يدعي أن جبريل فضربهم فتستروا بالانتماء إلى أهل البيت وكان ابن بويه شيعيا فأمر بإطلاقهم
وفيها أخذت الروم مدينة سروج فاستباحوها
وفيها توفي أبو الطاهر المدائني أحمد بن محمد بن عمرو الحامي محدث مصر في ذي الحجة روى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة
وفيها أبو علي الصفار إسماعيل بن محمد البغدادي النحوي الأديب صاحب المبرد سمع الحسن بن عرفة وسعدان بن نصر وطائفة وتوفي في المحرم وله أربع وتسعون سنة
وفيها أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفار أبو الحسن حدث عنه
الدارقطني وغيره وهو ثقة إمام قاله ابن ناصر الدين
وفيها المنصور أبو الطاهر إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله العبيدي الباطني صاحب المغرب حارب مخلد بن كنداد الأباضي الذي كان قد قمع بني عبيد واستولى على ممالكهم فأسره المنصور فسلخه بعد موته وحشا جلده وكان فصيحا مفوها بطلا شجاعا يرتجل الخطب مات في شوال وله تسع وثلاثون سنة وكانت دولته سبعة أعوام قاله في العبر وقال ابن خلكان ذكر أبو جعفر المروذي قال خرجت مع المنصور يوم هزم أبا يزيد فسايرته وبيده رمحان فسقط أحدهما مرارا فمسحته وناولته إياه وتفاءلت له فأنشدته
( فألقت عصاها واستقر بها النوى ** كما قر عينا بالإياب المسافر ) فقال ألا قلت ما هو خير من هذا وأصدق { وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين } فقلت يا مولانا أنت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ما عندك من العلم اي لأن المنصور من الفاطمية بويع المنصور هذا يوم وفاة أبيه القائم وكان أبوه قد ولاه محاربة أبي يزيد الخارجي عليه وكان هذا أبو يزيد مخلد بن كيداد رجلا من الأباضية يظهر التزهد وأنه إنما قام غضبا لله تعالى ولا يركب غير حمار ولا يلبس إلا الصوف وله مع القائم والد المنصور وقائع كثيرة وملك جميع مدن القيروان ولم يبق للقائم إلا المهدية فأناخ عليها أبو يزيد وحاصرها فهلك القائم في الحصار ثم توفي المنصور فاستمر على محاربته وأخفى موت أبيه وصابر الحصار حتى رجع أبو يزيد عن المهدية ونزل على سوسة وحاصرها فخرج المنصور من المهدية ولقيه على سوسة فهزمه ووالي عليه الهزائم إلى أن أسره يوم الأحد خامس عشري محرم سنة ست وثلاثين وثلثمائة فمات بعد أسره بأربعة أيام من جراحة كانت به فأمر
بسلخ جسده وحشا جلده قطنا وصلبه وبنى مدينة في موضع الوقعة وسماها المنصورية واستوطنها وخرج في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين من المنصورية إلى مدنية جلولاء ليتنزه بها ومعه حظيته قضيب وكان مغرما بها فأمطر الله عليهم بردا كثيرا وسلط عليهم ريحا عظيما فخرج منها إلى المنصورية فاعتل بها فمات يوم الجمعة آخر شوال وكان سبب علته أنه لما وصل المنصورية أراد دخول الحمام ففنيت الحرارة الغريزية منه ولازمه السهر فأقبل أبو اسحق يعالجه والسهر باق على حاله فاشتد ذلك على المنصور فقال لبعض الخدام أما بالقيروان طبيب يخلصني من هذا فقال ههنا شاب قد نشأ يقال له إبراهيم فأمر بإحضاره فحضر فعرفه حاله وشكا إليه ما به فجمع له شيئا ينومه وجعله في قنينة على النار وكلفه شمها فلما أدمن شمه نام وخرج إبراهيم مسرورا بما فعل وجاء إسحق إليه فقالوا إنه نائم فقال إن كان صنع له شيئا ينام منه فقد مات فدخلوا عليه فوجدوه ميتا فأرادوا قتل إبراهيم فقال إسحق ماله ذنب إنما داواه بما ذكره الأطباء غير أنه جهل اصل المرض وما عرفتموه ذلك وذلك أني كنت أعالجه وانظر في تقوية الحرارة الغريزية وبها يكون النوم فلما عولج بمايطفيها علمت أنه قد مات ودفن بالمهدية ومولده بالقيروان في سنة اثنتين وقيل إحدى وثلثمائة وكانت مدة خلافته سبع سنين وستة أيام انتهى ملخصا
وفيها أوفى التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين البتلهي بفتحتين وسكون اللام نسبة إلى بيت لهيا من أعمال دمشق واسمه محمد بن عيسى بن أحمد بن عبيد الله أبو عمرو القزويني نزيل بيت لهيا كان من الرحالين الحفاظ الثقات قال ابن ناصر الدين في بديعته
( ومات بعد مغرب شموسا ** البتلهى محمد بن عيسى )
فسكن التاء وحرك اللام ضرورة
وفيها محمد بن أيوب بن الصموت الرقي نزيل مصر روى عن هلال بن العلاء وطائفة وهو من الضعفاء قال في المغني ضعفه أبو حاتم
وفيها محمد بن حميد أبو الطيب الحوراني روى عن عباد بن الوليد وأحمد ابن منصور الرمادي ومات في عشر المائة
وفيها محمد بن النضر أبو الحسن بن الأخرم الربعي قارئ أهل دمشق قرأ على هارون الأخفش وغيره وكانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق لإتقانه ومعرفته
سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور حدثت علة مركبة من الدم والصفراء فشملت الناس وعمت الأهواز وبغداد وواسط والبصرة وكان يموت أهل الدار كلهم انتهى
وفيها رجع سيف الدولة من الروم مظفرا منصورا قد أسر قسطنطين ابن الدمستق وكان بديع الحسن فبقى عنده مكرما حتى مات
وفيها توفي العلامة أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الضبعي بالضم والفتح ومهملة نسبة قال السيوطي إلى ضبيعة بن قيس بطن من بكر بن وائل وضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان انتهى وكان الضبعي هذا شيخ الشافعية بنيسابور سمع بخراسان والعراق والجبال فأكثر وبرع في الحديث وحدث عن الحرث ابن أبي أسامة وطبقته وأفتى نيفا وخمسين سنة وصنف الكتب الكبار في الفقه والحديث وقال محمد بن حمدون صحبته عدة سنين فما رأيته ترك قيام الليل قال الحاكم وكان الضبعي يضرب بعقله المثل وبرأيه وما رأيت في مشايخنا أحسن صلاة منه وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه
وفيها أحمد بن عبيد الله أبو جعفر الأسداباذي نسبة إلى أسداباذ بليدة قرب همذان الهمذاني الحافظ روى عن ابن ديزيل وإبراهيم الحربي قال ابن ناصر الدين وفي نسبة قول ثان وهو أحمد بن عبيد بن إبراهيم بن محمد
ابن عبيد أبو جعفر الهمذاني كان أحد الحفاظ المعدودين انتهى
وفيها إبراهيم بن المولد وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد الرقي أبو الحسن الزاهد الصوفي الواعظ شيخ الصوفية أخذ عن الجنيد وجماعة وحدث عن عبد الله بن جابر المصيصي ومن كلامه من تولاه الله برعاية الحق أجل ممن يؤدبه بسياسة العلم وقال القيام بأدب العلم وشرائعه يبلغ بصاحبه إلى مقام الزيادة والقبول وقال عجبت لمن عرف أن له طريقا إلى ربه كيف يعيش مع غيره والله تعالى يقول { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له } وقال من قام إلى الأوامر لله كان بين قبول ورد ومن قام إليها بالله كان مقبولا لا شك
وفيها الحسن بن يعقوب أبو الفضل البخاري العدل بنيسابور روى عن أبي حاتم الرازي وطبقته ورحل وأكثر
وفيها أبو محمد عبد الله بن شوذب الواسطي المقرئ محدث واسط وله ثلاث وتسعون سنة روى عن شعيب الصريفيني ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وكان من أعيان القراء
وفيها عبد الرحمن بن حمدان أبو محمد الهمذاني الجلاب أحد أئمة السنة بهمذان رحل وطوف وعني بالأثر وروى عن أبي حاتم الرازي وهلال بن العلاء وخلق كثير
وفيها أبو القسم علي بن محمد القاضي ولد بأنطاكية سنة ثمان وسبعين ومائتين وقدم بغداد فتفقه لأبي حنيفة وسمع في حدود الثلاثمائة وولي قضاء الأهواز وكان من أذكياء العالم راوي للأشعار عارفا بالكلام والنحو له ديوان شعر ويقال أنه حفظ ستمائة بيت في يوم وليلة قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم بن جابر بن هانئ بن زيد بن عمر بن مريط بن سرح بن نزار بن عمرو ابن الحرث وهو أحد ملوك تنوخ الأقدمين التنوخي أنطاكي كان عالما بأصول
المعتزلة والنجوم قال الثعالبي في حقه هو من أعيان أهل العلم والأدب وأفراد الكرم وحسن الشيم وكان يتقلد قضاء البصرة والأهواز بضع سنين وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة بن حمدان زائرا ومادحا فأكرم مثواه وأحسن قراه وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد حتى أعيد إلى عمله وزيد في رزقه ورتبته وكان الوزير المهلبي وغيره من وزراء العراق يميلون إليه ويتعصبون له ويعدونه ريحانة الندماء وتاريخ الظرفاء وكان في جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطراح الحشمة والتبسط في القصف والخلاعة وهم القاضي أبو بكر بن قريعة وابن معروف والتنوخي المذكور وغيرهم وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها وكذلك كان المهلبي فإذا تكامل الأنس وطاب المجلس ولد السماع وأخذ الطرب منهم مأخذه وهبوا ثوب الوقار للعقار وتقلبوا في أعطاف العيش من الخفة والطيش ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب فيه ألف مثقال مملوءا شرابا قطربليا فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتى تشرب أكثره ويرش بعضهم بعضا ويرقصون بأجمعهم وعليهم المصبغات ومخارق المنثور والبرم فإذا صحوا عادوا كعادتهم في التوقر والتحفظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء وأورد من شعره
( وراح من الشمس مخلوقة ** بدت لك في قدح من نهار )
( هواء ولكنه جامد ** وماء ولكنه غير جار )
( كأن المدير لها باليمين ** إذا مال للسقى أو باليسار )
( تدرع ثوبا من الياسمين ** له فردكم من الجلنار ) وأورده له أيضا
( رضاك شباب لا يليه مشيب ** وسخطك داء ليس منه طبيب )
( كأنك من كل النفوس مركب ** فأنت إلى كل النفوس حبيب )
وحكى أبو محمد الحسن بن عسكر الصوفي الواسطي قال كنت ببغداد في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة جالسا على دكة بباب أبرز للفرجة إذ جاء ثلاث نسوة فأنشدتني الأبيات وزادت إحداهن بعد البيت الأول
( إذا ما تأملتها وهي فيه ** تأملت نورا محيطا بنار )
( فهذا النهاية في الابيضاض ** وهذا النهاية في الاحمرار ) فحفظت الأبيات منها فقالت لي أين الموعد تعني التقبيل أرادت مداعبته بذلك وقال الخطيب إنه ولد بأنطاكية يوم الأحد لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائتين وقدم بغداد وتفقه بها على مذهب أبي حنيفة وسمع الحديث وتوفي بالبصرة يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وقال الإمام أبو العباس السياري القاسم بن القسم بن مهدي ابن ابنة أحمد بن سيار المروزي الشيرازي الزاهد المحدث شيخ أهل مرو من كلامه الخطرة للأنبياء والسوسة للأولياء والفكرة للعوام والعزم للفتيان وقيل له بماذا يروض المريد نفسه وكيف يروضها قال بالصبر على الأوامر واجتناب المناهي وصحبة الصالحين وخدمة الرفقاء ومجالسة الفقراء والمرء حيث وضع نفسه ثم تمثل وأنشأ يقول
( صبرت على اللذات لما تولت ** وألزمت نفسي صبرها فاستمرت )
( وكانت على الأيام نفسي عزيزة ** فلما رأت عزمي على الذل ذلت )
( فقلت لها يا نفس موتي كريمة ** فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت )
( خليلي لا والله ما من مصيبة ** تمر على الأيام إلا تجلت )
( وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ** فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت )
وفيها حقيقة المعرفة أن لا يخطر بقلبك ما دونه وقال المعرفة حياة القلب بالله وحياة القلب مع الله وقال لو جاز أن يصلي ببيت شعر لجاز أن يصلي بهذا البيت
( أتمنى على الزمان محالا ** أن ترى مقلتاي طلعة حر )
وفيها أبو الحسين الأسواري محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني وأسوارية من قرى أصبهان سمع إبراهيم بن عبد الله القصار وأبا حاتم ورحل وجمع
وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري شيخ الصوفية والمحدثين ببلده الحافظ الثقة طوف وكتب بهراة ومرو والري وجرجان والعراق والحجاز ومصر والشام والجزيرة وصنف الشيوخ والأبواب والزهديات توفي في شهر ربيع الأول وسمع محمد بن أيوب بن الضريس وطبقته ومنه الحاكم وابن مندة وابن جميع
سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة
فيها وقعة الحدث وهو مصاف عظيم جرى بين سيف الدولة والدمستق وكان الدمستق لعنه الله قد جمع خلائق لا يحصون من الترك والروس والبلغار والخزر فهزمه الله بحوله وقوته وقتل معظم بطارقته وأسر صهره وعدة بطارقة وقتل منهم خلق لا يحصون واستباح المسلمون ذلك الجمع واستغنى خلق قاله في العبر
وفيها توفي خيثمة بن سليمان بن حيدررة الأطرابلسي الحافظ الثقة محدث الشام روى عن العباس بن الوليد البيروتي ومحمد بن عيسى المدائني وطبقتهما بالشام وثغورها والعراق واليمن وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة وغير واحد يقول إنه جاوز المائة وثقه الخطيب
وفيها الستوري أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس السامري روى جزءا عن الحسن بن عرفة يرويه محمد بن الرونهان شيخ أبي القاسم بن أبي العلاء المصيصي عنه وثقه العتيقي
وفيها شيخ الكوفة أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني
عن نيف وتسعين سنة روى عن إبراهيم بن أبي العنبس القاضي وجماعة قال ابن حماد الحافظ كان شيخ المصر والمنظور إليه ومختار السلطان والقضاة صاحب جماعة وفقه وتلاوة توفي في رمضان
سنة أربع وأربعين وثلثمائة
فيها أقبل أبو علي بن محتاج صاحب خراسان وحاصر الري فوقع بها وباء عظيم فمات عليها ابن محتاج
وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي المقرئ بحرف قالون وله أربع وثمانون سنة
وفيها أحمد بن عيسى بن جمهور الخشاب أبو عيسى ببغداد روى أحاديث عن عمر بن شبة وبعضها غرائب رواها عنه ابن رزقويه وعمر مائة سنة قال الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء أحمد بن عيسى التنيسي الخشاب السبيبي قال الدارقطني ليس بالقوي وأسرف ابن طاهر فقال كذاب يضع الحديث قلت نعم رأيت للخشاب في موضوعات ابن الجوزي الأمناء ثلاثة أنا وجبريل ومعوية فصدق ابن طاهر انتهى
وفيها أبو يعقوب الأذرعي إسحاق بن إبراهيم العابد الثقة صاحب الحديث والمعرفة سمع أبا زرعة الدمشقي ومقدام بن داود الرعيني وطبقتهما وكان مجاب الدعوة كبير القدر ببلد دمشق
وفيها بكر بن محمد بن العلاء العلامة أبو الفضل القشيري البصري المالكي صاحب التصانيف في الأصول والفروع روى عن أبي مسلم الكجي ونزل مصر وبها توفي في ربيع الأول
وفيها أبو عمرو بن السماك عثمان بن أحمد البغدادي الدقاق مسند بغداد
في ربيع الأول وشيعه خلائق نحو الخمسين ألفا روى عن محمد بن عبد الله ابن المنادي ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما وكان صاحب حديث كتب المصنفات الكبار بخطه
وفيها العلامة أبو بكر بن الحداد المصري شيخ الشافعية محمد بن أحمد بن جعفر صاحب التصانيف ولد يوم وفاة المزني وسمع من النسائي ولزمه ومن ابن أبي الدنيا ومن القراطيسي وغيرهم ومنه يوسف بن قاسم القاضي وغيره وكان غير مطعون فيه ولا عليه وهو صاحب وجه في المذهب متبحر في الفقه مفنن في العلوم معظم في النفوس ولي قضاء الأقاليم وعاش ثمانين سنة وكان يصوم صوم داود عليه السلام ويختم في اليوم والليلة وكان جدا كله قال ابن ناصر الدين صنف في الفقه الفروع المبتكرة الغريبة وكتاب أدب القاضي والفرائض في نحو مائة جزء عجيبة وقال ابن خلكان كان ابن الحداد فقيها محققا غواصا على المعاني تولى القضاء بمصر والتدريس وكانت الملوك والرعايا تكرمه وتعظمه وتقصده في الفتاوي والحوادث وكان يقال في زمنه عجائب الدنيا ثلاث غضب الجلاد ونظافة السماد والرد على ابن الحداد وكان أحد أجداده يعمل في الحديد ويبيعه فنسب إليه انتهى ملخصا وقال الأسنوي به افتخرت مصر على سائر الأمصار وكاثرت بعلمه بحرها بل جميع البحار إليه غاية التحقيق ونهاية التدقيق كانت له الإمامة في علوم كثيرة خصوصا الفقه ومولداته تدل عليه وكان كثير العبادة وأخذ عن محمد بن جرير لما دخل بغداد رسولا في إعفاء ابن جربويه عن قضاء مصر وصنف كتاب الباهر في الفقه في مائة جزء وكتاب جامع الفقه وكتاب أدب القضاء في أربعين جزءا وكتابه الفروع المولدات معروف وهو الذي اعتنى الأئمة بشرحه وكان حسن الثياب رفيعها حسن المركوب وكان يوقع للقاضي ابن جربويه وباشر قضاء مصر مدة لطيفة بأمر أميرها عند شغوره فسعى غيره
من بغداد فورد تفويضه لذلك الغير وحج فمرض في الرجوع ومات يوم دخل الحجاج إلى مصر وهو يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلثمائة وعمره تسع وسبعون سنة وأشهر هذا هو الصحيح وقيل توفي سنة خمس وأربعين واقتصر عليه النووي في تهذيبه وابن خلكان في تاريخه ثم دفن يوم الأربعاء بسفح المقطم عند أبويه انتهى ملخصا أيضا
وفيها محمد بن عيسى بن الحسن التميمي العلاف روى عن الكديمي وطائفة وحدث بمصر وحلب
وفيها الإمام محمد بن محمد أبو النضر بنون وضاد معجمة الطوسي الشافعي مفتي خراسان كان أحد من عنى أيضا بالحديث ورحل فيه روى عن عثمان ابن سعيد الدارمي وعلي بن عبد العزيز وطبقتهما وصنف كتابا على وضع مسلم وكان قد جزأ الليل ثلثا للتصنيف وثلثا للتلاوة وثلثا للنوم قال الحاكم كان إماما بارع الأدب ما رأيت أحسن صلاة منه كان يصوم النهار ويقوم الليل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتصدق بما فضل عن قوته وسمعت منه كتابة المخرج على صحيح مسلم قال وقلت له متى تتفرغ للتصنيف مع ما أنت عليه من هذه الفتاوي فقال قد جزأت الليل ثلاثة أجزاء جزءا للتصنيف وجزءا للصلاة والقراءة وجزءا للنوم وله نحو ستين سنة يفتي لم يؤخذ عليه في قال شيء قال وسمعت أبا حامد الإسماعيلي يقول ما يحسن بواحد منا أن يحدث في مدينة هو فيها قال وتوفي ليلة السبت الثالث عشر من شعبان
وفيها أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني الحافظ محدث نيسابور صنف المسند الكبير وصنف الصحيحين وروى عن علي بن الحسن الهلالي ويحيى بن محمد الذهلي وعنه أبو بكر السبيعي ومحمد بن إسحاق ابن مندة وأبو عبد الله الحاكم وغيرهم ومع براعته في الحديث والعلل والرجال لم يرحل من نيسابور وعاش أربعا وتسعين سنة
وفيها الإمام العلامة المحرر المصنف محمد بن زكريا بن الحسين النسفي أبو بكر كان حافظا مجودا عارفا قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري نسبة إلى العنبر بن عمرو بن تميم جد النيسابوري العدل الحافظ الأديب المفسر روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته ولم يرحل وعاش ستا وسبعين سنة قال الحافظ أبو علي النيسابوري أبو زكريايحفظ ما يعجز عنه وما أعلم أني رأيت مثله
سنة خمس وأربعين وثلثمائة
فيها غلبت الروم على طرسوس فقتلوا من أهلها ألفا وثمانمائة رجل وسبوا وحرقوا قراها
وفيها قصد رورنهان الديلمي العراق فالتقاه معز الدولة ومعه الخليفة فهزم جيشه وأسر رورنهان وقواده
وفيها توفي العباداني أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب روى ببغداد عن الزعفراني وعلي بن حرب وعدة وعاش سبعا وتسعين سنة وهو صدوق العباداني بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ودال مهملة نسبة إلى عبادان بنواحي البصرة
وفيها ألإمام أبو بكر غلام السباك وهو أحمد بن عثمان البغدادي شيخ الإقراء بدمشق قرأ على الحسن بن الحباب صاحب البزي والحسن بن الصواف صاحب الدوري
وفيها أبو القسم بن الجراب إسماعيل بن يعقوب البغدادي التاجر وله ثلاث وثمانون سنة روى عن موسى بن سهل الوشاء وطبقته وسكن مصر
وفيها أبو أحمد بكر بن محمد المروزي الدخمسيني بالضم والباقي بلفظ العدد لقب به هذا لأنه أمر لرجل بخمسين فاستزاده خمسين فسمى الدوخمسيني
ثم حذفوا الواو للخفة وكان بكر هذا محدث مرو رحل وسمع أبا قلابة الرقاشي وكان فصيحا أديبا أخباريا نديما وقيل توفي سنة ثمان وأربعين
وفيها أبو علي بن أبي هريرة شيخ الشافعية واسمه حسن بن حسين البغدادي أحد أئمة الشافعية تفقه بابن سريج ثم إلى اسحق المروزي وصحبه إلى مصر ثم عاد بأبي بغداد ومات في رجب وكان معظما عند السلاطين فمن دونها قال ابن خلكان وله مسائل في الفروع ودرس ببغداد وترج به خلق كثير وانتهت إليه إمامة العراقيين انتهى ملخصا
وفيها عثمان بن محمد بن أحمد أبو عمرو السمرقندي وله خمس وتسعون سنة روى بمصر عن أحمد بن شيبان الدملي وأبي أمية الطرسوسي وطائفة قاله في حسن المحاضرة
وفيها علي بن إبراهيم بن سلمة الحافظ العلامة الثقة الجامع أبو الحسن القزويني القطان الذي روى عن ابن ماجه سننه رحل إلى العراق واليمن وروى عن أبي حاتم الرازي وطبقته كابن ماجه وعنه الزبير بن عبد الواحد وابن لال وغيرهما قال الخليلي أبو الحسن شيخ عالم بجميع العلوم التفسير والفقه والنحو واللغة وفضائله أكثر من أن تعد سرد الصوم ثلاثين سنة وكان يفطر على الخبز والملح وسمعت جماعة من شيوخ فزوين يقولون لم ير أبو الحسن مثل نفسه في الفضل والزاهد
وفيها أبو بكر محمد بن العباس بن نجيج البغدادي البزار وله اثنتان وثمانون سنة وكان يحفظ ويذاكر روى عن أبي قلابة الرقاشي وعدة
وفيها أبو عمر الزاهد صاحب ثعلب واسمه محمد بن عبد الواحد المطرز البغدادي اللغوي قيل أنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه وكان ثقة إماما آية في الحفظ والذكاء وقد روى عن موسى الوشى وطبقته قال ابن الأهدل استدرك على فسيخ شيخه ثعلب في جزء لطيف ومصنفاته تزيد
على العشرين وكان لسعة حفظه تكذبه أدباء وقته ووثقه المحدثون في الرواية قيل لم يتكلم في اللغة أحد أحسن من كلام أبي عمر الزاهد وتصانيفه أكثر ما يمليها من حفظه من غير مراجعة الكتب انتهى
وفيها الوزير الماذرائي أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب وزر لخمارويه صاحب مصر وعاش نحو التسعين سنة واحترقت سماعاته وسلم له جزآن سمعهما من العطاردي وكان من صلحاء الكبراء وأما معروفه فاليه المنتهي حتى قيل أنه أعتق في عمره مائة ألف رقبة قاله المسبحي ذكره في العبر والماذراني بفتح الذال المعجمة نسبة إلى ماذرا جد
وفيها مكرم بن أحمد القاضي أبو بكر البغدادي البزاز سمع محمد بن عيسى المدائني والدير عاقولي وجماعة ووثقه الخطيب
وفيها المسعودي المؤرخ صاحب مروج الذهب وهو أبو الحسن علي بن أبي الحسن رحل وطوف في البلاد وحقق من التاريخ مالم يحققه غيره وصنف في أصول الدين وغيرها من الفنون وقد ذكرها في صدر مروج الذهب وهو غير المسعودي الفقيه الشافعي وغير شارح مقامات الحريري قاله ابن الأهدل وتوفي في جمادي الآخرة
سنة ست وأربعين وثلثمائة
فيها قل المطر جدا ونقص البحر نحوا من ثماني ذراعا وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعهد وكان الري فيما نقل ابن الجوزي في منظمته زلازل عظيمة وخسف ببلد الطالقان في ذي الحجة ولم يفلت من أهلها إلا نحو من ثلاثين رجلا وخسف بخمسين ومائة قرية من قرى الري قال وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف يوم ثم خسف بها
وفيها توفي أحمد بن مهران أبو الحسن السيرافي المحدث بمصر في شعبان روى عن الربيع المرادي والقاضي بكار وطائفة
وفيها أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد أبو جعفر الأصبهاني السمسار شيخ أبي نعيم في رمضان روى عن أحمد بن عصام وجماعة قال الذهبي في المغني قال ابن الفرات ليس بثقة وحكى ابن طاهر أنه مشهور بالوضع
وفيها أبو محمد أحمد بن عبدوس العنزي الطرايفي نسبة إلى بيع الطرائف وهي الأشياء الحسنة المتخذة من الخشب توفي بنيسابور في رمضان روى عن عثمان بن سعيد الدارمي وجماعة
وفيها إبراهيم بن عثمان أبو القسم بن الوزان القيرواني شيخ المغرب في النحو واللغة مات يوم عاشوراء حفظ كتاب سيبويه والمصنف الغريب وكتاب العين واصلاح المنطق وأشياء كثيرة
وفيها محدث اسفرائين أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحق الأسفرائيني رحل مع خاله الحافظ أبي عوانة فسمع أبا مسلم الكجي وطبقته توفي في شعبان
وفيها محدث الأندلس أبو عثمان سعيد بن مخلوف في رجب وله أربع وتسعون سنة روى عن بقي بن مخلد بن وضاح ولقى في الرحلة أبا عبد الرحمن النسائي وهو آخر من روى عن يوسف المغامي حمل عنه الواضحة لابن حبيب
وفيها محدث اصبهان عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس الرجل الصالح أبو محمد في شوال وله ثمان وتسعون سنة تفرد بالرواية عن جماعة منهم محمد ابن عاصم الثقفي وسموية وأحمد بن يونس الضبي
وفيها أبو الحسين عبد الصمد بن علي الطستي الوكيل ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأقرانه له جزء معروف
وفيها الحافظ الكبير أبو يعلى عبد المؤمن بن خلف التميمي النسفي الثقة وله سبع وثمانون سنة رحل وطوف وسمع أبا حاتم الرازي وطبقته وعنه عبد الملك الميداني وأحمد بن عمار بن عصمة وأبو نصر الكلاباذي وكان وكان عظيم القدر عالما زاهدا كبيرا وصل في رحلته إلى اليمن وكان مفتيا ظاهريا أثريا أخذ عن أبي بكر بن داود الظاهري
وفيها أبو العباس المحبوبي محمد بن أحمد بن محبوب المروزي محدث مرو وشيخها ورئيسها توفي في رمضان وله سبع وتسعون سنة روى جامع الترمذي عن مؤلفة وروى عن سعيد بن مسعود صاحب النضر بن شميل وأمثاله
وفيها أبو بكر بن داسة البصري التمار محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق راوي السنن عن أبي داود
وفيها محدث ما وراء النهر أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة البغدادي نزيل سمرقند في ذي الحجة انتقى عليه أبو علي النيسابوري أربعين جزءا روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأحمد بن عبيد الله النرسي والكبار وكان كثير الأسفار للتجارة ثبتا رضا
وفيها محدث خراسان ومسند العصر أبو العباس الأصم محمد بن يعقوب ابن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم النيسابوري المعقلي المؤذن الوراق بنيسابور في ربيع الآخر وله مائة الإسنة حدث له الصمم بعد الرحلة ثم استحكم به وكان يحدث من لفظه حدث في الإسلام نيفا وسبعين سنة وأذن سبعين سنة وكان حسن الأخلاق كريما ينسخ بالأجرة وعمر دهرا ورحل إليه خلق كثير قال الحاكم ما رأيت الرحالة في بلد أكثر منهم إليه رأيت جماعة من الأندلس ومن أهل فارس على بابه وقال الذهبي في العبر قلت
سمع من جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة وابن وهب وكانت رحلته مع والده في سنة خمس وستين ومائتين وسمع بأصبهان والعراق ومصر والشام والحجاز والجزيرة انتهى وقال ابن برداس حدث عن أحمد بن سنان الرملي وأحمد بن يوسف وأحمد بن الأزهر وعنه أبو عبد الله بن الأخرم وأبو عمر والحيرى ومؤمل بن الحسن قال الحاكم حدث في الإسلام ستا وسبعين سنة ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه انتهى
وفيها مسند الأندلس أبو الحرم وهب بن ميسرة التميمي الفقيه كان إماما في مذهب مالك محققا له بصيرا بالحديث وعلله مع زهد وورع روى الكثير عن محمد بن وضاح وجماعة ومات في شعبان في عشر التسعين
سنة سبع وأربعين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور كانت زلازل فقتلت خلقا كثيرا وخرجت
وفيها أقبلت الروم لبلاد المسلمين وعظمت المصيبة وقتلوا خلائق وأخذوا عدة حصون بنواحي آمد وميافارقين ثم وصلوا إلى قنسرين فالتقاهم سيف الدولة بن حمدان فعجز عنهم وقتلوا معظم رجاله وأسروا أهله ونجا هو في عدد يسير
وفيها توفي القاضي أبو الحسن بن خرام وهو أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي روى عن بكار بن قتيبة القاضي وطائفة وناب في قضاء بلده وهو آخر من كانت له حلقة بجامع دمشق يدرس فيها مذهب الأوزاعي
وفيها المحدث أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ببغداد في صفر عن بضع وثمانين سنة سمع أبا قلابة الرقاشي وطائفة
وفيها أبو الحسن الشعراني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب النيسابوري العابد الثقة روى عن جده ورحل وجمع وخرج لنفسه
وفيها حمزة بن محمد بن العباس أبو أحمد الدهقان العقبي بفتحتين نسبة إلى عقبة وراء نهر عيسى ببغداد توفي ببغداد وروى عن العطاردي ومحمد ابن عيسى المدائني والكبار وهو أكبر شيخ لعبد الملك بن بشران
وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي ببغداد في صفر وله تسع وثمانون سنة روى عن يعقوب الفسوى تاريخه ومشيخته وقدم بغداد في صباه فسمع من عباس الدوري وطبقته بعناية ابيه ثم أقبل على العربية حتى برع فيها وصنف التصانيف ولم يضعفه أحد بحجة قاله في العبر
وفيها أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد بن محمد بن زكريا بن صالح الهمذاني ثم الأسداباذي الثقة روى عن الحسن بن سفيان وغيره وعنه أبو عبد الله الحاكم وابن مندة وغيرهما قال الخطيب كان حافظا متقنا
وفيها أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن الراشد البجلي الدمشقي الأديب المحدث سمع بكار بن قتيبة وأبا زرعة وخلقا كثيرا وبلغ خمسا وتسعين سنة
وفيها الحافظ البارع أبو سعيد بن يونس وهو عبد الرحمن بن أحمد ابن يونس بن عبد الأعلى الصدفي بفتحتين وفاء نسبة إلى الصدف بكسر الدال المهملة قبيلة من حمير المصري صاحب تاريخ مصر توفي في جمادى الآخرة وله ست وستون سنة وأقدم شيوخه أحمد بن حماد زغبة وأقرانه وقال ابن ناصر الدين كان من الأئمة الحافظ والإثبات الإيقاظ انتهى
وفيها علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي الكوفي الكاتب أبو الحسين ببغداد وله ثمان وتسعون سنة روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وإبراهيم بن أبي العنبس القاضي
وفيها محمد بن أحمد بن الحسن أبو عبد الله الكسائي المقرىء بأصبهان روى عن عبد الله بن محمد بن النعمان وطبقته
وفيها أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد الرازي ثم الدمشقي الحافظ والد الحافظ تمام سمع بخراسان والعراق والشام وسكن دمشق وصنف وجمع وأقدم شيخ له محمد بن أيوب بن الضريس وروى عنه ولده تمام الرازي ووثقة عبد العزيز الكتاني قاله ابن درباس
وفيها أبو علي محمد بن القسم بن معروف التميمي الدمشقي الأخباري قال الكتاني حدث عن أبي بكر أحمد بن على المروزي بأكثر كتبه وأتهم في ذلك وقيل إن أكثرها إجازة وكان صاحب دنيا يحب المحدثين ويكرمهم وعاش أربعا وستين سنة قاله في العبر وقال في المغني له جزء سمعناه اتهم في أخباره عن أبي بكر أحمد بن علي انتهى
سنة ثمان وأربعين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور اتصلت الفتن بين الشعية والسنة وقتل بينهم خلق كثير
وفيها استنصرت الكلاب الروم على المسلمين فظفروا بسرية فأسروها وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان ثم أغاروا على الرها وحران فقتلوا وسبوا وأخذوا حصن الهارونية وأحرقوه وكروا على ديار بكر وفي هذه المدة عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات يحرض الإسلام على الغزاة
وفيها توفي النجاد أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي الفقيه الحافظ شيخ الحنابلة بالعراق وصاحب التصانيف والسنن سمع أبا داود السجستاني وإبراهيم الحربي وعبد الله بن الإمام أحمد وهذه الطبقة ومنه ابن مالك وعمر بن شاهين وابن بطة وصاحبه أبو جعفر العكبري وابن حامد وأبو الفضل التميمي وغيرهم وكانت له حلقتان في جامع المنصور
حلقة قبل الصلاة للفتوى على مذهب الإمام أحمد وبعد الصلاة لإملاء الحديث واتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه ومصنفاته وكان رأسا في الفقه رأسا في الحديث قال أبو إسحاق الطبري كان النجاد يصوم الدهر ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة فإذا كان ليلة الجمعة أكل تلك اللقم إني استفضلها وتصدق بالرغيف وقال أبو علي بن الصواف وكان أحمد بن سلمان النجاد يجيء معنا إلى المحدثين ونعله في يده فقيل له بم لا تلبس نعلك قال أحب أن أمشي في طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حاف فلعله ذهب إلى قوله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأخف الناس يعني حسابا يوم القيامة بين يدي الملك الجبار المسارع إلى الخيرات ماشيا على قدميه حافيا أخبرني جبريل إن الله تعالى ناظر إلى عبد يمشي حافيا في طلب الخير وقال أبو بكر النجاد تضايقت وقتا من الزمان فمضيت إلى إبراهيم الحربي فذكرت له قصتي فقال اعلم إني تضايقت يوما حتى لم يبقى معي إلا قيراط فقالت الزوجة فتش كتبك وانظر ما لا تحتاج إليه فبعه فلما صليت عشاء الآخرة وجلست في الدهليز أكتب إذ طرق علي الباب طارق فقلت من هذا فقال كلمني ففتحت الباب فقال أطفئ السراج فطفيتها فدخل الدهليز فوضع فيه كاره وقال اعلم أنا أصلحنا للصبيان طعاما فأحببنا ان يكون لك وللصبيان فيه نصيب وهذا أيضا شيء آخر فوضعه إلى جانب الكارة وقال تصرفه في حاجتك وأنا لا أعرف الرجل وتركني وانصرف فدعوت الزوجة وقلت لها اسرجي فأسرجت وجاءت وإذا الكارة منديل له قيمة وفيه خمسون وسطا في كل وسط لون من الطعام وإذا إلى جانب الكارة كيس فيه ألف دينار قال النجاد فقمت من عنده فمضيت إلى قبر أحمد فزرته ثم انصرفت فبينا أنا أمشي إلى جانب الخندق إذ لقتني عجوز من جيراننا فقالت لي أحمد فأجبتها فقالت مالك مغموم فأخبرتها فقالت اعلم أن أمك أعطتني قبل موتها ثلثمائة درهم وقالت لأي أخبئي هذه عندك فإذا
رأيت ابني مضيقا مغموما فأعطيه إياها فتعال معي حتى أعطيك إياها فمضيت معها فدفعتها إلي وقال النجاد حدثنا معاذ بن المثنى ثنا جلاد بن أسلم ثنا محمد ابن فضيل عن ليث عن مجاهد كلهم قال في قول الله عز وجل { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال يجلسه معه على العرش وتوفي النجاد وقد كف بصره ليلة الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر بشر بن الحرث وعاش خمسا وتسعين سنة
وفيها الخلدي أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخواص الزاهد شيخ الصوفية ومحدثهم والخلدي بالضم والسكون ومهملة نسبة إلى الخلد محله ببغداد سمع الحرث بن أبي أسامة وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما قال السخاوي هو جعفر بن محمد بن نصير أبو محمد الخواص البغدادي المنشأ والمولد صحب الجنيد وعرف بصحبته وصحب النوري ورويم والجريري وغيرهم من مشايخ الوقت وكان المرجع إليه في علوم القوم وكتبهم وحكاياتهم وسيرهم قال عندي مائة ونيف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية وحج قريبا من ستين حجة وتوفي ببغداد وقبره بالشونيزية عند قبر السري السقطي والجنيد ومن كلامه لا يجد العبد لذة المعاملة مع لذة النفس لأن أهل الحقائق قطعوا العلائق وقال الفرق بين الرياء والإخلاص أن المرائي يعمل الرياء والمخلص يعمل ليصل وقال الفتوة احتقار النفس وتعظيم حرمة المسلمين وقال لرجل كن شريف الهمة فإن الهمم تبلغ بالرجل لا المجاهدات وقال جعفر ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير الصوفي فقلت زودني شيئا فقال إن ضاع منك شيء وأردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان فقل يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا وكذا فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء أو ذلك الإنسان قال فما دعوت الله بتلك الدعوة في شيء إلا استجبت توفي ليلة الأحد لتسع خلون من شهر
رمضان انتهى ملخصا وقال في العبر حج ستا وخمسين حجة وعاش خمسا وتسعين سنة انتهى
وفيها علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المحدث أبو الحسن حدث عن ابني عفان وإبراهيم بن عبد الله القصار وجماعة وثقه الخطيب ومات في ذي القعدة وله أربع وتسعون سنة
وفيها محمد بن أحمد بن علي بن أسد البردعي الأسدي بن حرارة وحرارة لقب أبيه وكان محمد هذا حافظا كبيرا نقادا مكثرا والبردعي بفتح الباء والدال المهملة وسكون الراء نسبة إلى بردعة بلد بأذربيجان
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي القارئ بالألحان حدث عن أحمد بن عبيد بن ناصح وجماعة وقيل إنه خلط قبل موته
سنة تسع وأربعين وثلثمائة
قال في الشذور وفي هذه السنة أسلم من الترك مائتا ألف حزكاه انتهى
وفيها أوقع نجا غلام سيف الدولة بالروم فقتل وأسر وفرح المسلمون
وفيا تمت وقعة هائلة ببغداد بين السنة والرافضة وقويت الرافضة بيني هاشم وبمعز الدولة وعطلت الصلوات في الجوامع ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين فسكنت الفتنة
وفيها حشد سيف الدولة ودخل الروم فأغار وقتل وسبى فرجعت إليه جيوش الروم فعجز عن لقائهم وكر في ثلثمائة ونهبت خزانته وقتل جماعة من أمرائه والله المستعان
وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي العطشي بفتحتين ومعجمة نسبة إلى سوق العطش ببغداد توفي في ربيع الآخر وله أربع وتسعون سنة روى عن العطاردي وعباس الدوري والكبار
وفيها أبو الفوارس الصابوني قال في حسن المحاضر أبو الفوارس الصابوني أحمد بن محمد بن حسين بن السندي الثقة المعمر مسند ديار مصر عن يونس بن عبد الأعلى والمزني والكبار وآخر من روى عنه ابن نظيف مات في شوال وله مائة وخمس سنين
وفيها العلامة أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الأموي النيسابوري الفقيه شيخ الشافعية بخراسان وصاحب ابن سريج صنف التصانيف وكان بصيرا بالحديث وعلله خرج كتابا على صحيح مسلم روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته وعنه الحاكم وغيره وهو ثقة أثنى عليه غير واحد وهو صاحب وجه في المذهب وقال فيه الحاكم هو إمام أهل الحديث بخراسان وأزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم توفي في ربيع الأول عن اثنتين وتسعين سنة
وفيها أبو علي الحافظ الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري الثقة أحد الأعلام توفي في جمادى الأولى بنيسابور وله اثنتان وسبعون سنة قال الحاكم هو واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته وفي الرحلة من النسائي وأبي خليفة وطبقتهما وكان باعقة في الحفظ كان ابن عقدة يخضع لحفظه
وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني أبو محمد المعدل وكان ابن عم أبي القسم البغوي سمع أحمد بن ملاعب ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما قال الدارقطني لين
وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم القراء بالعراق وهو عبد الواحد بن عمر بن محمد البغدادي صاحب التصانيف وتلميذ ابن مجاهد روى عن محمد بن جعفر القتات وطائفة ومات في شوال عن سبعين سنة
وفيها أبو أحمد العسال القاضي واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم قاضي أصبهان سمع محمد بن أسد المديني وأبي بكر بن أبي عاصم وطبقتهما ورحل
وجمع وصنف وكان من أئمة هذا الشأن قال أبو نعيم الحافظ كان من كبار الحفاظ وقال ابن مندة كتبت عن ألف شيخ لم أر فيهم أتقن من أبى أحمد العسال وقال ابن ناصر الدين كان حافظا كبيرا متقنا وقال في العبر قلت توفي في رمضان وله نحو من ثمانين سنة أو أكثر وقال ابن درباس وروى عنه أولاده أبو عامر وأبو جعفر أحمد وابراهيم والعباس وأبو بكر عبد الله وابن مندة وأبو نعيم الحافظ وهو أحد الأئمة في الحديث فهما واتقانا وأمانة وقال أبو بكر بن علي هو ثقة مأمون قال أبو يعلى في الإرشاد له أبو أحمد العسال حافظ متقن عالم بهذا الشأن انتهى ما قاله ابن درباس
وفيها الحافظ ابن سعد البزاز الحاجي وأسمه عبد الله بن أحمد بن سعد ابن منصور أبو محمد النيسابوري الحاجي البزاز الحافظ الثبت روى عن محمد البوشنجي وإبراهيم بن أبي طالب والسراج وطبقتهم وعنه أبو عبد الله الحاكم وغيره قال الحاكم كتب الكثير وجمع الشيوخ والأموات والملح ووثقه ابن شيرويه
وفيها ابن علم الصفار أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي صاحب الجزء المعروف المشهور قال الخطيب جميع ما عنده جزء ولم أسمع أحدا يقول فيه إلا خيرا قال في العبر سمع محمد بن إسحق الصاغاني وغيره ومات في شعبان ويقال أنه جاوز المائة انتهى
شذرات الذهب ج 2
3
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة خمسين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور وقع برد كل بردة أوقيتان وأكثر فقتل البهائم والطيور انتهى
وفيها بنى معز الدولة ببغداد دار السلطنة في غاية الحسن والكبر غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف درهم وقد درست آثارها في حدود الستمائة وبقى مكانها دحلة يأوي إليها الوحش وبعض أساسها موجود فإنه حفر لها في الأساسات نيفا وثلاثين ذراعا
وفيها توفي أبو حامد أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر سمع أبا عيسى الترمذي وأبا حاتم الرازي وطبقتهما قال الحاكم كان من المجتهدين في العبادة ولو اقتصر على سماعه الصحيح لكان أولى به لكنه حدث عن جماعة أشهد بالله أنه لم يسمع منهم
وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي أبو بكر البغدادي تلميذ محمد بن جرير وصاحب التصانيف في الفنون ولى قضاء الكوفة وحدث عن محمد بن سعد العوفى وطائفة وعاش تسعين سنة توفي في المحرم
قال الدارقطني ربما حدث من حفظه بما ليس في كتابه أهلكه العجب وكان يختار لنفسه ولم يقلد أحدا وقال ابن رزقويه لم تر عيناي مثله
وقال في المغني أحمد بن كامل القاضي بغدادي حافظ
قال الدار قطني كان متساهلا انتهى
وفيها أبو سهل القطان أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي المحدث الإخباري الأديب مسند وقته روى عن العطاردي ومحمد بن عبيد الله المنادى وخلق وفيه تشيع قليل وكان يديم التهجد والتلاوة والتعبد وكان كثير الدعابة
قال البرقاني
كرهوه لمزاح فيه وهو صدوق توفي في شعبان وله إحدى وتسعون سنة
وفيها أبو محمد الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي الأديب الإخباري صاحب التصانيف روي عن الحارث بن أبي أسامة وطائفة وكان يرتجل الخطب ولا يتقدمه فيها أحد فلذا نسب إليها
وفيها أبو علي الطبري الحسن بن القاسم شيخ الشافعية ببغداد درس الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة وصنف التصانيف كالمحرر والإفصاح والعدة وهو صاحب وجه
قال الأسنوي وصنف في الأصول والجدل والخلاف وهو أول من صنف في الخلاف المجرد وكتابه فيه يسمى المحرر سكن بغداد ومات بها والطبري نسبة إلى طبرستان بفتح الباء الموحدة وهو إقليم متسع مجاور لخراسان ومدينته آمل بهمزة ممدودة وميم مضمومة بعدها لام وأما الطبراني فنسبة إلى طبرية الشام انتهى ملخصا
وفيها أبو جعفر بن برية الهاشمي خطيب جامع المنصور عبد الله بن إسماعيل ابن إبراهيم بن عيسى بن المنصور أبي جعفر في صفر وله سبع وثمانون سنة وهو في طبقة الواثق في النسب روي عن العطاردي وابن أبي الدنيا
وفيها توفي خليفة الأندلس وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس الناصر لدين الله أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المرواني وكانت دولته خمسين سنة وقام بعده ولده المنتصر بالله وكان كبير القدر كثير المحاسن أنشأ مدينته الزهراء وهي عديمة النظير في الحسن غرم عليها من الأموال ما لا يحصى قاله في العبر وقال الشيخ أحمد المقري المتأخر في كتابه زهر الرياض في أخبار عياض
وكانت سبتة مطمح همم ملوك العدوتين وقد كان للناصر المرواني صاحب الأندلس عناية واهتمام بدخولها في إيالته حتى حصل له ذلك
ومنها ملك المغرب وكان تملكه إياها سنة تسع عشرة وثلثمائة وبها اشتد سلطانه وملك البحر بعدوية وصار المجاز في يده ومن غريب ما يحكى أنه أراد الفصد فقعد في المجلس الكبير المشرف بأعلى مدينته بالزهراء واستدعى الطبيب لذلك وأخذ الطبيب المبضع وحس يد الناصر فبينما هو كذلك إذ طل زرزور فصعد على إناء من ذهب بالمجلس وأنشد
( أيها الفاصد مهلا بأمير المؤمنينا ** )
( إنما تفصد عرقا فيه محيا العالمينا ** )
وجعل يكرر ذلك المرة بعد المرة فاستظرف أمير المؤمنين الناصر ذلك غاية الاستظراف وسر به غاية السرور وسأل من أين اهتدى إلى ذلك ومن علم الزرزور فذكر له أن السيدة الكبيرة مرجانة أم ولي عهده الحاكم المستنصر بالله صنعت ذلك وأعدته لذلك الأمر فوهب لها ما ينوف على ثلاثين ألف دينار
والناصر المذكور هو الباني لمدينة الزهراء العظيمة المقدار ولما بنى قصر الزهراء المتناهي في الجلالة أطبق الناس على أنه لم يبن مثله في الإسلام البتة وكل من رآه قطع أنه لم ير مثله ولم يبصر له شبها بل لم يسمع بمثله بل لم يتوهم كون مثله وذكر المؤرخ أبو مروان بن حيان صاحب الشرطة أن مباني قصر الزهراء اشتملت على أربعة آلاف سارية ما بين كبيرة وصغيرة حاملة ومحمولة ونيف على ثلثمائة سارية زائدة وأن مصارع أبوابها صغارها وكبارها كانت تنيف على خمسة عشر ألف باب وكان عدد الفتيان بالزهراء ثلاثة عشر ألف فتى وسبعمائة وخمسون فتى وعدة النساء بقصر الزهراء الصغار والكبار وخدم الخدمة ثلاثة آلاف وثلثمائة امرأة وأربع عشرة وذكر بعض أهل الخدمة في الزهراء أنه قدر النفقة فيها في كل يوم بثلثمائة ألف دينار مدة خمسة وعشرين عاما
قال القاضي أبو الحسن ومن أخبار منذر بن سعيد البلوطي المحفوظة له مع الخليفة الناصر في إنكاره عليه الإسراف في البناء أن الناصر كان اتخذ لسطح القبة التي كانت على الصرح الممرد المشهور شأنه بقصر الزهراء قراميد مغشاة ذهبا وفضة أنفق عليها مالا جسيما وقد مد سقفها به تستلب الأبصار بأشعة أنوارها وجلس فيها إثر تمامها يوما لأهل مملكته فقال لقرابته من الوزراء وأهل الخدمة مفتخرا بما صنعه من ذلك هل رأيتم أو سمعتم ملكا كان قبلي فعل مثل فعلي هذا وقدر عليه فقالوا لا يا أمير المؤمنين وإنك لأوحد في شأنك كله وما سبقك إلى مبتدعاتك هذه ملك رأيناه ولا انتهى إلينا خبره فأبهجه قولهم وسره وبينما هو كذلك إذ دخل عليه القاضي منذر بن سعيد واجما ناكس الرأس فلما أخذ مجلسه قال له كالذي قال لوزرائه من ذكر السقف المذهب واقتداره عليه وعلى إبداعه فأقبلت دموع القاضي تنحدر على لحيته وقال له والله يا أمير المؤمنين ما ظننت أن الشيطان لعنه
الله تعالى يبلغ منك هذا المبلغ ولا أن تمكنه من قلبك هذا التمكين مع ما آتاك الله من فضله ونعمته وفضلك به على العالمين حتى ينزلك منازل الكافرين قال فانفعل عبد الرحمن لقوله وقال له انظر ما تقول وكيف أنزلني منزلتهم فقال له نعم أليس الله تعالى يقول { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون } فوجم الخليفة واطردت عيناه وأطرق مليا ودموعه تتساقط خشية وخشوعا لله تعالى ثم أقبل على منذر فقال له جزاك الله يا قاضي عنا وعن نفسك خيرا وعن الدين والمسلمين أجمل جزائه وكثر في الناس أمثالك فالذي قلت هو الحق وقام من مجلسه ذلك وأمر بنقض سقف القبة وأعاد قرمدها ترابا على صفة غيرها
وحكى غير واحد أنه وجد بخط الناصر رحمه الله تعالى أيام السرور التي صفت له دون تكدير يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويوم كذا من كذا وعدت تلك الأيام فكان فيها أربعة عشر يوما فاعجب أيها العاقل لهذه الدنيا وعدم صفائها وبخلها بكمال الأحوال لأوليائها هذا الخليفة الناصر حلف السعود المضروب به المثل في الارتقاء في الدنيا ملكها خمسين سنة وستة أو سبعة أشهر وثلاثة أيام ولم يصف له إلا أربعة عشر يوما فسبحان ذي العزة العالية القائمة والمملكة الباقية الدائمة تبارك اسمه وتعالى جده لا إله إلا هو
انتهى ما أورده المقري مختصرا
وفيها القاضي أبو السايب عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي الصوفي تزهد أولا وصحب الكبار ولقي الجنيد ثم كتب الفقه والحديث والتفسير وولي قضاء أذربيجان ثم قضاء همذان ثم سكن بغداد ونوه باسمه إلى أن ولي قضاء القضاة وكان أول من ولى قضاء القضاة من الشافعية
وفيها فاتك المجنون أبو شجاع الرومي الإخشيدي قال ابن خلكان كان روميا أخذ صغيرا هو وأخوه وأخت لهما من بلد الروم من موضع قرب حصن يعرف بذي الكلاع فتعلم الخط بفلسطين وهو ممن أخذه الإخشيد من سيده كرها بالرملة بلا ثمن فأعتقه صاحبه وكان معهم حرا في عدة المماليك وكان كريم النفس بعيد الهمة شجاعا كثير الإقدام ولذلك قيل له المجنون وكان رفيق الأستاذ كافور في خدمة الإخشيد فلما مات مخدومهما وتقرر كافور في خدمة ابن الإخشيد أنف فاتك من الإقامة بمصر كيلا يكون كافور أعلى رتبة منه ويحتاج أن يركب في خدمته وكانت الفيوم
وأعمالها أقطاعا له فانتقل إليها واتخذها سكنا له وهي بلاد وبيئة كثيرة الوخم فلم يصح له بها جسم وكان كافور يخافه ويكرمه وفي نفسه منه ما فيها فاستحكمت العلة في جسم فاتك وأحوجته إلى دخول مصر للمعالجة فدخلها وبها أبو الطيب المتنبي ضيفا للأستاذ كافور وكان يسمع بكرم فاتك وكثرة سخائه غير أنه لا يقدر على قصد خدمته خوفا من كافور وفاتك يسأل عنه ويراسله بالسلام ثم التقيا بالصحراء مصادفة من غير ميعاد وجرى بينهما مفاوضات فلما رجع فاتك إلى داره حمل لأبي الطيب في ساعته هدية قيمتها ألف دينار ثم أتبعها بهدايا بعدها فاستأذن المتنبى الاستاذ كافور في مدحه فأذن له فمدحه بقصيدته المشهورة وهي من غرر القصائد التي أولها
( لا خيل عندك تهديها ولا مال ** فليسعد النطق إن لم تسعد الحال )
وما أحسن قوله فيها
( كفاتك ودخول الكاف منقصة ** كالشمس ولت وما للشمس أمثال )
ثم توفي فاتك المذكور عشية الأحد لأحدى عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمسين وثلثمائة بمصر فرثاه المتنبي وكان قد خرج من مصر بقصيدته التي أولها
( الحزن يقلق والتجمل يردع ** والدمع بينهما عصى طيع )
وما أرق قوله فيها
( إني لأجبن من فراق أحبتي ** وتحس نفسي بالحمام فأشجع )
( ويزيدني غضب الأعادي قسوة ** ويلم بي عتب الصديق فأجزع )
( تصفو الحياة لجاهل أو غافل ** عما مضى منها وما يتوقع )
( ولمن يغالط في الحقيقة نفسه ** ويسومها طلب المحال فتطمع )
( أين الذي الهرمان من بنيانه ** ما قومه ما يومه ما المصرع )
( تتخلف الآثار عن أصحابها ** حينا ويدركها الفناء فتتبع )
وهي من المراثي الفائقة وله فيه غيرها
انتهى ملخصا
وفيها مسند بخارى أبو بكر محمد بن أحمد بن حبيب البغدادي الدهقان الفقيه المحدث في رجب وله أربع وثمانون سنة روي عن يحيى بن أبي طالب وابن أبي الدنيا والكبار واستوطن بخارى وصار شيخ تلك الناحية
سنة إحدى وخمسين وثلثمائة
فيها كما قال ابن الجوزي في الشذور وقع برد في الحامدة كل بردة رطل ونصف ورطلان
وفيها ورد الخبر بورود الروم عين روية في مائة وستين ألفا فقتل ملكهم الدمستق خلقا كثيرا وأوقع أربعين ألف نخلة وهدم سور البلد والجامع وكسر المنبر وورد إلى حلب بغتة ومعه مائتا ألف فانهزم منه سيف الدولة فظفر بداره فوجد فيها ثلثمائة وسبعين بدرة دراهم فأخذها وأخذ ما لا يحصى من السلاح وأحرق الدار وأخذ خلقا كثيرا كانوا أسرى عند المسلمين بضعة عشر ألف صبي وصبية وأخذ من النساء ما أراد وعمد إلى حباب الزيت فصب فيها الماء حتى فاض الزيت انتهى
وفيها كما قال في العبر رفعت المنافقون رءوسها ببغداد وقامت الدولة الرافضية وكتبوا على أبواب المساجد لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقها ولعنة من نفى أبا ذر فمحته أهل السنة في الليل فأمر معز الدولة بإعادته فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب ألا لعنة الله على الظالمين ولعنة معاوية فقط انتهى
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري بمصر روى عن علي ابن عبد العزيز البغوي وطائفة
وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت المكي روى عن علي البغوي وأبي يزيد القراطيسي وطائفة وعاش تسعين سنة
وفيها أحمد بن محمد أبو الحسين النيسابوري قاضي الحرمين وشيخ الحنفية في عصره ولي قضاء الحجاز مدة ثم قدم نيسابور وولي قضاءها تفقه على أبي الحسن الكرخي وبرع في الفقه وعاش سبعين سنة قال في العبر وروى عن أبي خليفة الجمحي
وكان القاضي أبو بكر الأبهري شيخ المالكية يقول ما قدم علينا من الخراسانيين أفقه من أبي الحسين
وفيها أبو إسحاق الهجيمي مصغرا نسبة إلى بني الهجيم بطن من تميم وإلى محلة لهم بالبصرة إبراهيم بن علي البصري في آخر السنة وقد قارب المائة روى عن جعفر بن محمد بن شاكر والكديمي وطائفة
وفيها دعلج بن أحمد أبو محمد الشجري المعدل وله نيف وتسعون سنة رحل وطوف وأكثر وسمع من هشام السيرافي وعلي البغوي وطبقتهما
قال الحاكم أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته وكان يفتي بمذهبه
وقال الدار قطني لم أر في مشايخنا أثبت من دعلج وقال الحاكم لم يكن في الدنيا أيسر منه اشترى بمكة دار العباس بثلاثين ألف دينار وكان الذهب في داره بالقفاف وكان كثير المعروف والصلات توفي في جمادى الآخرة
قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين دعلج بن أحمد بن دعلج أبو محمد السجستاني ثم البغدادي أحد المشهورين بالبر والصدقات والأفضال
قال الحاكم وهو ممن روى عنه لم يكن في الدنيا أيسر منه كان الذهب بالقفاف في داره انتهى
وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الورد البغدادي بمصر راوي السيرة عن ابن البرقي في رمضان
وفيها أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الحافظ ببغداد في شوال وله ست وثمانون سنة سمع الحرث بن أبي أسامة وإبراهيم بن الهيثم البلدي وطبقتهما وصنف التصانيف
قال الدارقطني كان يخطئ ويصر على الخطأ وقال ابن ناصر الدين وثقه جماعة واختلط قبل موته بنحو سنتين انتهى
وفيها أبو أحمد الحبيني علي بن محمد المروزي سمع سعيد بن مسعود المروزي وطبقته وكان صاحب حديث قال الحاكم كان يكذب والحبيني بالضم وكسر الموحدة المشددة وتحتية ونون نسبة إلى سكة حبين بمرو
وفيها أبو بكر النقاش محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي ثم البغدادي المقرئ المفسر صاحب التصانيف في التفسير والقراآت روى عن أبي مسلم الكجى وطائفة وقرأ على أصحاب ابن ذكوان والبزي ورحل ما بين مصر إلى ما وراء النهر وعاش خمسا وثمانين سنة ومع جلالته في العلم ونبله فهو ضعيف متروك الحديث قال الذهبي
في المغني مشهور اتهم بالكذب وقد أتى في تفسيره بطامات وفضائح وهو في القراءات أمثل انتهى
وفيها أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي مسند الكوفة في زمانه روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وأحمد بن عرعرة وجماعة
وفيها يحيى بن منصور القاضي أبو محمد النيسابوري ولي قضاء نيسابور بضع عشرة سنة روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وأحمد بن سلمة وطبقتهما
سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة
فيها يوم عاشوراء ألزم معز الدولة أهل بغداد بالنوح والمأتم على الحسين رضي الله عنه وأمر بغلق الأسواق وعلقت عليها المسوح ومنع الطباخين من عمل الأطعمة وخرجت نساء الرافضة منشرات الشعور مضمخات الوجوه يلطمن ويفتن الناس وهذا أول ما نيح عليه اللهم ثبت علينا عقولنا قاله في العبر
وفيها في ثامن عشر ذي الحجة عملت الرافضة عيد الغدير خم ودقت الكوسات وصلوا بالصحراء صلاة العيد قاله في العبر أيضا
وفيها بعث صاحب أرمينية إلى ناصر الدولة رجلين ملتصقين خلفة من جانب واحد فويق الحقو إلى دوين الإبط ولدا كذلك ولهما بطنان وسرتان ومعدتان ولم يمكن فصلهما وكان ربما يقع بينهما تشاجر فيختصمان ويحلف أحدهما لا يكلم الآخر أياما ثم يصطلحان فمات أحدهما قبل الآخر فلحق الحي الغم من نتن الرائحة فمات
قاله في الشذور
وفيها توفي الوزير المهلبي أبو محمد الحسن بن محمد الأزدي من ذرية المهلب بن أبي صفرة وزير معز الدولة بن بويه كان من رجال الدهر حزما وعزما وسؤددا وعقلا وشهامة ورأيا توفي في شعبان وقد نيف على الستين وكان فاضلا شاعرا فصيحا حليما جوادا صادر معز الدولة أولاده من بعده ثم استوزر أبا الفضل بن الحسين الشيرازي واسمه العباس قال ابن خلكان وكان الوزير المهلبي قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة وكان قد سافر مرة ولقي في سفره مشقة صعبة واشتهى اللحم فلم يقدر عليه فقال ارتجالا
( ألا موت يباع فأشتريه ** فهذا العيش ما لا خير فيه )
( ألا موت لذيذ الطعم يأتي ** يخلصني من العيش الكريه )
( إذا أبصرت قبرا من بعيد ** وددت بأنني مما يليه )
( ألا رحم المهيمن نفس حر ** تصدق بالوفاة على أخيه )
وكان معه رفيق يقال له أبو عبد الله الصوفي وقيل أبو الحسن العسقلاني فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه وتفارقا وتنقلت بالمهلبي الأحوال وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة وضاقت الأحوال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم وبلغه وزارة المهلبي فقصده وكتب إليه
( ألا قل لوزير فدته نفسي ** مقالة مذكر ما قد نسيه )
( أتذكر إذ تقول لضنك عيش ** ألا موت يباع فأشتريه )
فلما وقف عليها تذكر وهزته أريحية الكرم فأمر له في الحال بسبعمائة درهم ووقع في رقعته { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء } ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملا يرتفق به ولما ولي المهلبي الوزارة بعد تلك الإضافة عمل
( رق الزمان لفاقتي ** ورثى لطول تحرقي )
( فأنالني ما أرتجيه ** وحاد عما أتقي )
( فلأصفحن عما أتاه ** من الذنوب السبق )
( حتى جنايته بما ** فعل المشيب بمفرقي )
وكان لمعز الدولة مملوك تركي في غاية الجمال يدعى تكين الجامدار وكان شديد المحبة له فبعث سرية لمحاربة بعض بني حمدان وجعل المملوك المذكور مقدم الجيش وكان الوزير المهلبي يستحسنه ويرى أنه من أهل الهوى لا من أهل مدد الوغى فعمل فيه
( طفل يرق الماء في ** جنباته ويرف عوده )
( ويكاد من شبه العذارى ** فيه أن تبدو نهوده )
( ناطوا بمعقد خصره ** سيفا ومنطقة تؤوده )
( جعلوه قائد عسكر ** ضاع الرعيل ومن يقوده )
وكان كذلك فإنه ما أنجح وكانت الكرة عليهم
ومن شعره النادر في الرقة قوله
( تصارمت الأجفان لما صرمتني ** فما تلتقي إلا على عبرة تجري )
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها أبو القاسم خالد بن سعد الأندلسي القرطبي الحافظ كان ينظر بيحيى بن معين وكان أحد أركان الحديث بالأندلس سمع بعد سنة ثلثمائة من جماعة منهم محمد بن فطيس وسعيد بن عثمان الأعناقي ومنه قاسم بن محمد وغيره وكان إماما حجة مقدما على حفاظ زمانه عجبا في معرفة الرجال والعلل وقيل كان يحفظ الشيء من مرة ورد أن المنتصر بالله الحكم قال إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد ابن سعد
وفيها أبو بكر الإسكافي محمد بن محمد بن أحمد بن مالك ببغداد في ذي القعدة روى عن موسى بن سهل الوشا وجماعة وله جزء مشهور
وفيها أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن السري التميمي الكوفي أبو بكر بن أبي دارم قال ابن ناصر الدين في بديعيته
( ابن أبي دارم الضعيف ** شيعهم برفضه نحيف )
أي كان رافضيا فضعف بسبب رفضه روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وأحمد ابن موسى الحمار ومطين وعنه الحاكم وابن مردويه وآخرون وكان محدث الكوفة وحافظها وجمع في الحط على الصحابة وقد اتهم في الحديث
وفيها أحمد بن عبيد إسماعيل الحافظ الثقة أبو الحسن البصري الصفار روى عن الكديمي ومحمد بن غالب تمتام وروى عنه الدارقطني وابن جميع قال الدارقطني ثقة ثبت ذكره ابن درباس
وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاعي البغدادي أبو الحسن روى عن زوج أمه أبي بكر بن أبي الدنيا وهو ضعيف جدا
سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور بعث الهجريون إلى سيف الدوله فاستهدوا حديدا فقلع أبواب الرقة وأخذ كل مايقدر عليه من الحديد حتى صنجات البالوغه فبعثها إليهم .
وفيها نازل الدمستق المصيصة وحاصرها وغلت الأسعار بها ثم ترحل عنها للغلاء الذي أصاب جيشه ثم جاء لطرسوس
وفيها توفي أبو سعيد بن أبي عثمان الحيري واسمه أحمد بن محمد بن الزاهد أبي عثمان سعيد الحيري النيسابوري شهيدا بطرسوس وله خمس وستون سنة ، روى عن الحسن ابن سفيان وطبقته وصنف التفسير الكبير والصحيح على رسم مسلم وغير ذلك قال ابن ناصر الدين كان حافظا شجاعا له التفسير الكبير والصحيح على مسلم خرج يعسكر للجهاد مريدا فقتل بطرسوس شهيدا انتهى
وفيها أبو إسحق إبراهيم بن حمزة الحافظ وهو إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة بأصبهان في رمضان وهو في عشر الثمانين قال أبو نعيم لم ير بعد عبد الله بن مظاهر في الحفظ مثله جمع الشيوخ والسند وقال أبو عبد الله بن مندة الحافظ لم أر أحفظ منه وقال ابن عقدة قل من رأيت مثله روي عن مطين وأبي شعيب الحراني
وفيها أبو عيسى بكار بن أحمد البغدادي شيخ المقرئين في زمانه قرأ على جماعة من أصحاب الدوري وسمع من عبد الله بن أحمد بن حنبل وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين
وفيها جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي المؤدب روى عن الكديمي وطبقته وكان من العارفين البارعين الخيرين
وفيها أبو علي بن السكن الحافظ الكبير سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن المصري صاحب التصانيف وأحد الأئمة سمع بالعراق والشام والجزيرة وخراسان وما وراء النهر من أبي القاسم البغوي وطبقته كالفربري وابن جوصا وممن روى عنه ابن منده وعبد الغني بن سعيد وكان ثقة حجة توفي في المحرم وله تسع وخمسون سنة
وفيها أبو الفوارس شجاع بن جعفر الوراق الواعظ ببغداد وقد قارب المائة روى عن العطاردي وأبي جعفر بن المنادى وطائفة وكان أسند من بقي
وفيها أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المدايني الأصبهاني سمع أسيد ابن عاصم ومحمد بن إسماعيل الصايغ وجماعة
وفيها أبو محمد الفاكهي عبد الله بن محمد بن العباس المكي صاحب أبي يحيى بن أبي ميسرة وكان أسند من بقي بمكة
وفيها أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي المحدث المقرئ روى عن أبي زرعة الدمشقي وطائفة توفي في ذي الحجة عن ثلاث وتسعين سنة
وفيها أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي الحافظ أحد الرحالة سمع بالشام ومصر والعراق وأصبهان وروى عن بكر بن سهل الدمياطي وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وطبقتهما قال عبد العزيز الكناني كان يتهم وعاش سبعا وثمانين سنة
سنة أربع وخمسين وثلثمائة
فيها بني الدمستق نقفور مدينته بالروم وسماها قيسارية وقيل قيصرية وسكنها وجعل أباه بالقسطنطينية فبعث إليه أهل طرسوس والمصيصة يخضعون له ويسألونه أن يقبل منهم القطيعة كل سنة وينفذ إليهم نائبا له عليهم فأجابهم ثم علم ضعفهم وشدة القحط عليهم وأن أحدا لا ينجدهم وأن كل يوم يخرج من طرسوس ثلثمائة جنازة فرجع عن الإجابة وخاف أن تركهم حتى تستقيم أحوالهم أن يمتنعوا عليه فأحرق الكتاب على رأس الرسول فاحترقت لحيته وقال امض ما عندي إلا السيف ثم نازل المصيصة فأخذها بالسيف واستباحها ثم فتح طرسوس بالأمان وجعل جامعها اصطبلا لخيله وحصن البلدين وشحنهما بالرجال
وفيها توفي أبو بكر بن الحداد وهو أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي المصري البغدادي مات بديار مصر روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وبكر ابن سهل الدمياطي وطبقتهما
وفيها المتنبي شاعر العصر أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي
في رمضان بين شيراز والعراق وله إحدى وخمسون سنة قال في العبر وليس في العالم أشعر منه أبدا وأما مثله فقليل وقال ابن الأهدل قدم الشام في صباه واشتغل في فنون الأدب ومهر فيها وتضلع من علم اللغة قال له أبو علي الفارسي صاحب الإيضاح والتكملة كم لنا من الجموع على وزن فعلى فقال له المتنبي سريعا حجلى وظربى قال الفارسي ففتشت كتب اللغة ثلاث ليال فلم أجد لهما ثالثا حجلى جمع حجل وهو الطائر المسمى بالقبج وظربى جمع ظربان كقطران وهي دابة منتنة الرائحة ومن الناس كثير يرجحون المتنبي على أبي تمام ومن بعده
ورزق سعادة في شعره واعتنى العلماء بديوانه فشرحوه أكثر من أربعين شرحا مدح جماعة من الملوك ووصله ابن العميد بثلاثين ألفا وأتاه من عضد الدولة صاحب شيراز مثلها
وسمي المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من كلب وأخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الأخشيدية فأسره واستتابه وتفرق أصحابه وكان كافور الإخشيدي يقول لما هجاه من ادعى النبوة إما يدعى الملك
وكان العلماء يحضرون مجلس سيف الدولة ويتناظرون كل ليلة فوقع بين المتنبي وابن خالويه ليلة كلام فوثب ابن خالويه على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح فشجه فخرج ودمه يسيل على وجهه فغضب وخرج إلى كافور فلما صدر منه قصد بلاد فارس بالمشرق ومدح عضد الدولة الديلمي فأجزل جائزته فلما رجع من عنده عرض له فاتك بن أبي جهل فقتل المتنبي وابنه محسد وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية على ميلين من دير العاقول ثم رأى المتنبي الغلبة ففر فقال له الغلام لا يتحدث عنك بفرار وأنت القائل
( الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والطعن والضرب والقرطاس والقلم )
فكر راجعا فقتل
ويحكى أن المعتضد صاحب قرطبة أنشد يوما بيت المتنبي
( إذا ظفرت منك العيون بنظرة ** أبان لها معنى المطي ورازمه )
وجعل يردده فأنشده ابن وهبون الأندلسي بديها
( لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما ** تجيد العطايا واللهى تفتح اللهى )
( تنبأ عجبا بالقريض ولو درى ** بأنك تروي شعره لتألها )
أي لادعى الألوهية
انتهى ما أورده ابن الأهدل
وروى له الشيخ تاج الدين الكندي بالسند الصحيح بيتين لا يوجدان في ديوانه وهما
( أبعين مفتقر إليك نظرتني ** فأهنتني وقذفتني من حالق )
( لست الملوم أنا الملوم لأنني ** أنزلت آمالي بغير الخالق )
ولما كان بمصر مرض وكان له صديق يغشاه في علته فلما شفي انقطع عنه فكتب إليه وصلتني وصلك الله معتلا وقطعتني مبلا فإن رأيت أن لا تحبب العلة إلي ولا تكدر الصحة علي فعلت إن شاء الله تعالى
وقال النامي الشاعر كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي وكنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين قالهما ما سبق إليهما أحد هما قوله
( رماني الدهر بالأرزاء حتى ** فؤادي في غشاء من نبال )
( فصرت إذا أصابتني سهام ** تكسرت النصال على النصال )
والآخر قوله
( في جحفل ستر العيون غباره ** فكأنما يبصرن بالآذان )
وقال أبو الفتح بن جني النحوي قرأت ديوان أبي الطيب عليه فلما بلغت قوله في كافور القصيدة التي أولها
( أغالب فيك والشوق أغلب ** وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب )
حتى بلغت إلى قوله
( ألا ليت شعري هل أقول قصيدة ** ولا أشتكي فيها ولا أتعتب )
( وبي ما يذود الشعر عني أقله ** ولكن قلبي يا ابنة القوم قلب )
فقلت يعز علي أن يكون هذا الشعر في مدح غير سيف الدولة فقال حذرناه وأنذرناه فما نفع ألست القائل فيه
( أخا الجود أعط الناس ما أنت مالك ** ولا تعطين الناس ما أنا قائل )
فهو الذي أعطاني كافور بسوء تدبيره وقلة تمييزه مولد المتنبي بالكوفة في سنة ثلاث وثلثمائة في محلة تسمى كندة فنسب إليها وليس هو من كندة التي هي قبيلة بل هو جعفى القبيلة من مذحج وقتل يوم الأربعاء لست بقين أو ليلتين بقيتا وقيل يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان
وفيها العالم الحبر والعلامة البحر أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التميمي البستي الشافعي صاحب الصحيح كان حافظا ثبتا إماما حجة أحد أوعية العلم صاحب التصانيف سمع أبا خليفة الجمحي والنسائي وطبقتهما ومنه الحاكم وطبقته واشتغل بخراسان والشام والعراق ومصر والجزيرة وكان من أوعية العلم في الحديث والفقه واللغة والوعظ وغير ذلك حتى الطب والنجوم والكلام ولي قضاء سمرقند ثم قضاء نسا وغاب دهرا عن وطنه ثم رد إلى بست وتوفي بها في شوال وهو في عشر الثمانين قال الخطيب كان ثقة نبيلا وقال ابن ناصر الدين له أوهام أنكرت فطعن عليه بهفوة منه بدرت ولها محمل لو قبلت وقال الأسنوي أبو حاتم محمد بن حبان بكسر الحاء المهملة بعدها باء موحدة البستي بباء موحدة مضمومة وسين مهملة ساكنة وبالتاء بنقطتين من فوق الإمام الحافظ مصنف الصحيح وغيره رحل إلى الآفاق كان من أوعية العلم لغة وحديثا وفقها ووعظا ومن عقلاء الرجال
قاله الحاكم وقال ابن السمعاني كان إمام عصره تولى قضاء سمرقند مدة وتفقه به الناس ثم عاد إلى نيسابور وبنى بها خانقاه ثم رجع إلى وطنه وانتصب بها لسماع مصنفاته إلى أن توفي ليلة الجمعة لثمان بقين من شوال
انتهى ما أورده الأسنوي قلت وأكثر نقاد الحديث على أن صحيحه أصح من سنن ابن ماجة والله أعلم
وفيها أبو بكر بن مقسم المقرئ محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي العطار وله تسع وثمانون سنة قرأ على إدريس الحداد وسمع من أبي مسلم الكجي وطائفة وتصدر للإقراء دهرا
وكان علامة في نحو الكوفيين سمع من ثعلب أماليه وصنف عدة تصانيف وله قراءة معروفة منكرة خالف فيها الإجماع وقد وثقه الخطيب
وفيها أبو بكر الشافعي محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزار صاحب الغيلانيات في ذي الحجة وله خمس وتسعون سنة وهو صاحب الغيلانيات
وابن غيلان آخر من روى عنه تلك الأجزاء التي هي في السماء علوا
روى عن موسى بن سهل الوشا ومحمد بن شداد المسمعي وابن أبي الدنيا وأكثر
وعنه الدارقطني وعمر بن شاهين وأبو طالب بن غيلان وخلق قال الخطيب كان ثقة ثبتا حسن التصنيف وقال الدارقطني هو الثقة المأمون الذي لم يغمز بحال وقال الخطيب أيضا لما منعت الديلم الناس من ذكر فضائل الصحابة وكتبوا السب على أبواب المساجد كان يعتمد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع والله أعلم
سنة خمس وخمسين وثلاثمائة
فيها أخذت بنو سليم ركب مصر والشام وتمزقوا في البراري
وفيها توفي الحافظ أبو بكر الجعابي محمد بن عمر بن أحمد بن سلم التميمي البغدادي سمع يوسف بن يعقوب القاضي ومحمد بن الحسن بن سماعة وطبقتهما ومنه الدارقطني وابن شاهين وأبو عبد الله الحاكم وكان حافظا مكثرا وصنف الكتب وتوفي في رجب وله اثنتان وسبعون سنة وكان عديم المثل في حفظه قال القاضي أبو عمر الهاشمي سمعت الجعابي يقول أحفظ أربعمائة ألف حديث وأذاكر ستمائة ألف حديث قال الدارقطني ثم خلط ثم ذكر وهو شيعي قيل كان يترك الصلاة نسأل الله العفو وقال ابن ناصر الدين كان شيعيا رمي بالشرب وغيره وقال بن بردس كان حافظا مكثرا غير أنه اتهم بقلة الدين من ترك الصلاة وليس هذا موضع ذكره لأن فيه كلاما كثيرا يضيق هذا الموضع عنه انتهى
وقال في المغني مشهور محقق لكنه رقيق الدين تالف
وفيها أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي قاضي الجماعة بقرطبة سمع من عبيد الله ابن يحيى الليثي وكان ظاهري المذهب فطنا مناظرا ذكيا بليغا مفوها شاعرا كثير التصانيف قوالا بالحق ناصحا للخلق عزيز المثل له الخطب المفحمة الخالصة الخارجة من قلب مخلص سليم عاش اثنتين وثمانين سنة
وفيها ابن علان أبو الحسن علي بن الحسن بن علان الحراني الحافظ العالم محدث حران روى عن أبي يعلى الموصلي وطبقته وعنه أبو عبد الله بن مندة وتمام الرازي وآخرون وكان ثقة نبيلا
وفيها محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور الحافظ الإمام أبو الحسن النيسابوري التاجر روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وخلق وحدث عنه أبوه وعمه وأثنى عليه خلق وهو من الثقات
وفيها محمد بن معمر بن ناصح أبو مسلم الذهلي الأديب بأصبهان روى عن
أبي بكر بن أبي عاصم وأبي شعيب الحراني وطائفة
سنة ست وخمسين وثلاثمائة
فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين على العادة المارة في هذه السنوات
وفيها مات السلطان معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي وكان في صباه يحتطب وأبوه يصيد السمك فما زال إلى أن ملك بغداد نيفا وعشرين سنة ومات بالاسمال عن ثلاث وخمسين سنة وكان من ملوك الجور والرفض ولكنه كان حازما سايسا مهيبا قيل أنه رجع في مرضه عن الرفض وندم على الظلم وقيل أن سابور ذا الأكتاف أحد ملوك الفرس من أجداده وكان أقطع طارت يده اليسرى في بعض الحروب وتملك بعده ابنه عز الدولة بختيار
وفيها أبو محمد المغفلي أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي أحد الأئمة قال الحاكم كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة سمع أحمد بن نجدة وإبراهيم بن أبي طالب ومطينا وطبقتهم وكان فوق الوزراء وكانوا يصدرون عن رأيه
وفيها القالي أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي اللغوي النحوي الإخباري صاحب التصانيف ونزيل الأندلس بقرطبة في ربيع الآخر وله ست وسبعون سنة أخذ الآداب عن ابن دريد وابن الأنباري وسمع من أبي يعلى الموصلي والبغوي وطبقتهما وألف كتاب البارع في اللغة في خمسة آلاف ورقة لكن لم يتمه
قاله في العبر وقال ابن خلكان طاف البلاد وسافر إلى بغداد وأقام بالموصل لسماع الحديث من أبي يعلى الموصلي ودخل بغداد في سنة خمس وثلثمائة وأقام بها إلى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وكتب بها الحديث ثم خرج من بغداد قاصدا الأندلس ودخل قرطبة سابع عشرى شعبان سنة ثلاثين وثلثمائة واستوطنها وأملى كتابه الأمالي بها وأكثر كتبه بها وضعها ولم يزل بها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر وقيل جمادى الأولى ليلة السبت لست خلون من الشهر ومولده بمنازجرد من ديار بكر والقالي نسبة إلى قالى قلا من ديار بكر انتهى
ملخصا
وفيها الرفاء أبو علي حامد بن محمد الهروي الواعظ المحدث بهراة في رمضان روى عن عثمان الدارمي والكديمي وطبقتهما وكان ثقة صاحب حديث
وفيها الرافعي أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر بن السرى روى عن هلال ابن العلاء وجماعة وتوفي بمصر قال يحيى بن علي الطحان تكلموا فيه
وفيها عبد الخالق بن الحسن بن أبي روبا أبو محمد السقطي نسبة إلى بيع السقط المعدل البغدادي ببغداد روى عن محمد بن غالب تمتام وجماعة
وسبقه أبو عمر وعثمان بن محمد البغدادي السقطي سمع الكديمي وإسماعيل القاضي ومات في آخر السنة السنة وله سبع وثمانون سنة
وفيها صاحب الأغاني أبو الفرج علي بن الحسين الأموي الأصبهاني الكاتب الإخباري يروي عن مطين فمن بعده وكان أديبا نسابة علامة شاعرا كثير التصانيف ومن العجائب أنه مرواني يتشيع
توفي في ذي الحجة عن ثلاث وسبعين سنة قاله في العبر وقال ابن خلكان جده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وهو أصفهاني الأصل بغدادي المنشأ كان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها وروى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم وكان عالما بأيام الناس والأنساب والسير قال التنوخي ومن المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الأصبهاني كان يحفظ الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والأدب والنسب لم أر قط من يحفظ مثله ويحفظ دون ذلك من علوم أخرى منها اللغة والنحو والحرف والسير والمغازي ومن آلة المنادمة شيئا كثيرا مثل علم الجوارح والبيطرة وشيء من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان ظرفاء الشعراء وله المصنفات المستملحة منها كتاب الأغاني الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله يقال أنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه وحكى عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن
بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها وكان منقطعا إلى الوزير المهلبي وله فيه مدائح منها قوله فيه
( ولما انتجعنا لائذين بظله ** أعان وما عنى ومن وما منا )
( وردنا عليه مقترين فراشنا ** وردنا نداه مجدبين فأخصبنا )
وكان قد خلط قبل أن يموت رحمه الله تعالى انتهى ما أورده ابن خلكان مختصرا
وفيها سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي الجزري صاحب الشام بحلب في صفر وله بضع وخمسون سنة وكان بطلا شجاعا كثير الجهاد جيد الرأي عارفا بالأدب والشعر جوادا ممدحا مات بالفالج وقيل بعسر البول وكان قد جمع من الغبار الذي أصابه في الغزوات ما جاء منه لبنة بقدر الكف وأوصى أن يوضع خده إذا دفن عليها وتملك بعده ابنه سعد الدولة خمسا وعشرين سنة وبعده ولده أبو الفضل وبموته انقرض ملك بني سيف الدولة قال الثعالبي في يتيمته كان بنو حمدان ملوكا أوجههم للصباحة وألسنتهم للفصاحة وأيديهم للسماحة وعقولهم للرجاحة وسيف الدولة شهم سادتهم وواسطة قلادتهم لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعراء وغيرهم وكان شاعرا يرتاح للشعر وجرت بينه وبين أخيه ناصر الدولة وحشة فكتب إليه من شعره
( لست أجفو وإن جفوت ولا أترك ** حقا علي في كل حال )
( إنما أنت والد والأب الجافي ** يجازى بالصبر والاحتمال )
وكتب إليه مرة أخرى
( رضيت لك العليا وإن كنت أهلها ** وقلت وهل بيني وبين أخي فرق )
ولم يك لي عنها نكول وإنما ** تجافيت عن حقي ليبقى لك الحق )
( ولا بد لي من أن أكون مصليا ** إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق )
وأخباره كثيرة مع شعراء وقته كالمتنبي والسري الرفاء والنامي والوأواء وتلك الطبقة ويحكى أن ابن عمه أبا فراس كان يوما بين يديه في نفر من ندمائه فقال لهم سيف الدولة أيكم يجيز قولي وليس له إلا سيدي يعني أبا فراس
( لك جسمي تعله ** فدمي لم تحله )
فارتجل أبو فراس وقال
( قال إن كنت مالكا ** فلي الأمر كله )
فاستحسنه وأعطاه ضيعة بأعمال منبج تغل ألفي دينار في كل سنة ومن محاسن شعر سيف الدولة قوله في وصف قوس قزح وقد أبدع فيه كل الإبداع
( وساق صبيح للصبوح دعوته ** فقام وفي أجفانه سنة الغمض )
( يطوف بكاسات العقار كأنجم ** فمن بين منقض عليها ومنفض )
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا ** على الجود كنا والحواشي على الأرض )
( وطرزها قوس السحاب بأصفر ** على أحمر في أخضر إثر مبيض )
( كأذيال خود أقبلت في غلائل ** مصبغة والبعض أقصر من بعض )
وهذا من التشبيهات الملوكية التي لا يكاد يخطر مثلها لغيرهم ومن حسن شعره أيضا قوله
( تجنى على الذنب والذنب ذنبه ** وعاتبني ظلما وفي شقه العتب )
( إذا برم المولى بخدمة عبده ** تجنى له ذنبا وإن لم يكن ذنب )
( وأعرض لما صار قلبي بكفه ** فهلا جفاني حين كان لي القلب )
ومحاسنه وأخباره كثيرة فلنكتف بهذا القدر
وفيها أبو المسك كافور الحبشي الأسود الخادم الإخشيدي صاحب الديار المصرية اشتراه الإخشيد وتقدم عنده حتى صار من أكبر قواده لعقله ورأيه وشجاعته ثم صار أتابك ولده من بعده وكان صبيا فبقي الاسم لأبي القاسم أنوجور والدست لكافور فأحسن سياسة الأمور إلى أن مات أنوجور ومعناه بالعربي محمود
في سنة تسع وأربعين عن ثلاثين سنة وأقام كافور في الملك بعده أخاه عليا إلى أن مات في أول سنة خمس وخمسين وله إحدى وثلاثون سنة فتسلطن كافور واستوزر أبا الفضل جعفر بن خنزابة ابن الفرات وعاش بضعا وستين سنة قاله في العبر
وأخباره كثيرة شهيرة منها أنه كان ليلة كل عيد يرسل وقر بغل دراهم في صرر مكتوب على كل صرة اسم من جعلت له من بين عالم وزاهد وفقير ومحتاج وتوفي يوم الثلاثاء عشرى جمادى الأولى فعلى هذا لم تطل مدته في الاستقلال بل كانت سنة واحدة وشيئا يسيرا رحمه الله تعالى وكانت بلاد الشام في مملكته أيضا مع مصر وكان يدعى له على المنابر بمكة والحجاز جميعه والديار المصرية وبلاد الشام من دمشق وحلب وأنطاكية وطرسوس والمصيصة وغير ذلك وكان تقدير عمره خمسا وستين على ما حكاه الفرغاني في تاريخه
وفيها أبو الفتح عمر بن جعفر بن محمد بن سلم الجبلي الرجل الصالح ببغداد وله خمس وثمانون سنة روى عن الكديمي وطبقته
سنة سبع وخمسين وثلاثمائة
لم يحج فيها الركب لفساد الوقت وموت السلاطين في الشهور الماضية
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن الحسين بن إسحق بن عتبة الرازي ثم المصري المحدث في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة سمع مقدام بن داود الرعيني وطبقته
وفيها أحمد بن محمد بن رميح أبو سعيد النخعي النسوي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان الحافظ صاحب التصانيف طوف الكثير وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته وعنه الدارقطني والحاكم والصحيح أنه ثقة سكن اليمن مدة
وفيها المتقي لله أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد ابن الموفق العباسي المخلوع الذي ذكرنا في سنة ثلاث وثلاثين أنهم خلعوه وسملوا عينيه وبقي في السجن إلى هذا العام كالميت ومات في شعبان وله ستون سنة وكانت خلافته
أربع سنين وكان أبيض مليحا مشربا حمرة أشهل أشقر كث اللحية وكان فيه صلاح وكثرة صيام وصلاة ولم يكن يشرب وفي خلافته انهدمت القبة الخضراء المنصورية التي كانت فخر بني العباس قاله في العبر
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الراضي وهو ابن أربع وثلاثين سنة وأمه أمة اسمها خلوب وقيل زهرة ولم يغير شيئا قط ولا تسرى على جاريته التي كانت له وكان كثير الصوم والتعبد لم يشرب نبيذا قط وكان يقول لا أريد نديما غير المصحف ولم يكن له إلا الاسم والتدبير لأبي عبد الله أحمد بن علي الكوفي كاتب بحكم
وفي هذه السنة من ولايته سقطت القبة الخضراء بمدينة المنصور وكانت تاج بغداد ومأثرة بني العباس وهي من بناء المنصور ارتفاعها ثمانون ذراعا وتحتها إيوان طوله عشرون ذراعا في عشرين ذراعا وعليها تمثال فارس بيده رمح فإذا استقبل بوجهه علم أن خارجيا يظهر من تلك الجهة فسقط رأس هذه القبة في ليلة ذات مطر ورعد ولما كحل المتقي لله وعمى قال القاهر
( صرت وإبراهيم شيخي عمى ** لا بد للشيخين من مصدر )
( ما دام توزون له إمرة ** مطاعة فالميل في المجمر )
ولم يحل الحول على توزون حتى مات وأما المتقي فإنه أخرج إلى جزيرة مقابلة للسندية فحبس بها فأقام في السجن خمسا وعشرين سنة إلى أن مات وفي أيام المتقي كان حمدى اللص ضمنه شيرزاد لما تغلب على بغداد اللصوصية بخمسة وعشرين ألف دينار في الشهر فكان يكبس بيوت الناس بالمشعل والشمع ويأخذ الأموال وكان أسكورح الديلمي قد ولي شرطة بغداد فأخذه ووسطه وذلك سنة اثنتين وثلاثين ولما بلغ القاهر أن المتقي سمل قال صرنا اثنين ونحتاج إلى ثالث فكان كذلك فإنه سمل المستكفي بالله انتهى ما أورده السيوطي ملخصا
وفيها حمزة بن محمد بن علي بن العباس أبو القاسم الكناني المصري الحافظ أحد أئمة هذا الشأن روى عن النسائي وطبقته وعنه ابن مندة والدارقطني وغيرهما
وهو ثقة ثبت أكثر التطواف بعد الثلاثمائة وجمع وصنف وكان صالحا دينا بصيرا بالحديث وعلله مقدما فيه وهو صاحب مجلس البطاقة توفي في ذي الحجة ولم يكن للمصريين في زمانه أحفظ منه قال الحاكم متفق على تقدمه في معرفة الحديث
وفيها القاضي أبو العباس عبد الله بن الحسين بن الحسن بن أحمد بن النضر النضري المروزي محدث مرو في شعبان وله سبع وتسعون سنة رحله أبوه وسمع من الحارث بن أبي أسامة وأبي إسماعيل الترمذي وطائفة
وانتهى إليه علو الإسناد بخراسان
وفيها أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة ابني حمدان قال الثعالبي في وصفه كان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز وأبو فراس يعد أشهر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام وكان الصاحب بن عباد يقول بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني امرأ القيس وأبا فراس وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح من هو دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا لا إغفالا وإخلالا وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة ثم منها إلى قسطنطينية وذلك في سنة ثمان وأربعين وفداه سيف الدولة ومن شعره
( قد كنت عدتي التي أسطو بها ** ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي )
( فرميت منك بضد ما أملته ** والمرء يشرق بالزلال البارد )
وله أيضا
( أساء فزادته الإساءة حظوة ** حبيب على ما كان منه حبيب )
( يعد علي الواشيان ذنوبه ** ومن أين للوجه الجميل ذنوب )
وله
( سكرت من لحظه لا من مدامته ** ومال بالنوم عن عيني تمايله )
( فما السلاف دهتني بل سوالفه ** ولا الشمول ازدهتني بل شمائله )
( ألوى بعزمي أصداغ لوين له ** وغال قلبي بما تحوي غلائله )
وكان ينشد ابنته لما حضرته الوفاة
( نوحي علي بحسرة ** من خلف سترك والحجاب )
( قولي إذا كلمتني ** فعييت عن رد الجواب )
( زين الشباب أبو فراس ** لم يمتع بالشباب )
وهذا يدل على أنه لم يقتل أو يكون جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة وذكر ثابت بن سنان الصابي في تاريخه قال في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى جرت حرب بين أبي فراس وكان مقيما بحمص وبين أبي المعالي ابن سيف الدولة واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية إلى أن جاء بعض الأعراب فكفنه ودفنه انتهى
أي لأنه كما قال ابن خالويه لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه فرغويه فقاتلاه وكان أبو فراس خال أبي المعالي وقلعت أمه عينها لما بلغها وفاته وقيل أنها لطمت وجهها فقلعت عينها وقيل لما قتله فرغويه ولم يعلم به أبو المعالي فلما بلغه الخبر شق عليه ويقال أن مولده كان في سنة عشرين وثلثمائة والله أعلم
وفيها عبد الرحمن بن العباس أبو القاسم البغدادي والد أبي طاهر المخلص سمع
الكديمي وإبراهيم الحربي وجماعة ووثقه ابن أبي الفوارس وكان أطروشا
وفيها الحافظ عمر بن جعفر البصري المحدث أبو حفص خرج لخلق كثير ولم يكن بالمتقن وقد روى عن أبي خليفة الجمحي وعبدان وطبقتهما وعنه أبو الحسن رزقوية وعلي بن أحمد الرزاز وكان الدارقطني يتتبع خطأ عمر البصري فيما انتقاه عن أبي بكر الشافعي وعاش عمر هذا سبعا وسبعين سنة وقال عنه ابن ناصر الدين متهم وقال في المغني صدوق وقال أبو محمد السبيعي كذاب وقال غيره يخطئ كثيرا انتهى كلام المغني
وفيها أبو إسحاق القراريطي الوزير وهو محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسكافي الكاتب وزر لمحمد بن واثق ثم وزر للمتقي لله مرتين فصودر فصار إلى الشام وكتب لسيف الدولة وكان ظلوما غشوما عاش ستا وسبعين سنة
قاله في العبر
وفيها ابن محزم وهو الرئيس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري الفقيه المحتسب تلميذ محمد بن جرير الطبري روى عن الحارث ابن أبي أسامة وطبقته وعاش ثلاثا وتسعين سنة قال البرقاني لا بأس به وتوفي في ربيع الآخر
وفيها أبو سليمان الحراني محمد بن الحبب البغدادي في رمضان روى عن أبي خليفة وعبدان وأبي يعلى وكان ثقة صاحب حديث ومعرفة وإتقان
وفيها أبو علي بن آدم الفزاري محمد بن محمد بن عبد الحميد القاضي العدل بدمشق في جمادى الآخرة روى عن أحمد بن علي القاضي المروزي وطبقته
سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة
فيها كان خروج الروم من الكفور فأغاروا وقتلوا وسبوا ووصلوا إلى حمص وعظم المصاب وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي فأخذوا ديار مصر وأقاموا الدعوة لبني عبيد الرافضة مع أن الدولة بالعراق هذه المدة رافضية والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير
وفيها توفي ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبي صاحب الموصل وكان أخوه سيف الدولة يتأدب معه لسنه ولمنزلته عند الخلفاء وكان هو كثير المحبة لسيف الدولة فلما توفي حزن عليه ناصر الدولة وتغيرت أحواله وتسودن وضعف عقله فبادر ولده أبو تغلب الغضنفر ومنعه من التصرف وقام بالمملكة ولم يزل معتقلا حتى توفي في ربيع الأول عن نحو ستين سنة قاله في العبر
وفيها الحسن بن محمد بن كيسان أبو محمد الحربي أخو علي ثقة روى عن إسماعيل القاضي والكبار ومات في شوال
وفيها أبو القاسم زيد بن علي بن أبي بلال العجلي الكوفي شيخ الإقراء ببغداد قرأ على أحمد بن فرح وابن مجاهد وجماعة وحدث عن مطين وطائفة توفي في جمادى الأولى
وفيها محدث دمشق محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان أبو عبد الله القرشي الدمشقي روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وزكريا خياط السنة وطبقتهما وكان ثقة مأمونا جوادا مفضلا خرج له ابن مندة الحافظ ثلاثين جزءا وأملى مدة
وفيها محدث الأندلس محمد بن معاوية بن عبد الرحمن أبو بكر الأموي المرواني القرطبي المعروف بابن الأحمر روى عن عبيد الله بن يحيى وخلق وفي الرحلة عن النسائي والفريابي وأبي خليفة الجمحي ودخل الهند للتجارة فغرق له ما قيمته ثلاثون ألف دينار ورجع فقيرا وكان ثقة توفي في رجب وكان عنده السنن الكبير للنسائي
سنة تسع وخمسين وثلاثمائة
في أولها أخذ نقفور أنطاكية بنوع أمان فأسر الشباب وأطلق الشيوخ والعجائز وكان قد طغى وتجبر وقهر البلاد وتمرد على الله وتزوج بزوجة الملك
الذي قبله كرها وهم باخصاء ولديها لئلا يملكا فعملت عليه المرأة وأرسلت إلى الدمستق فجاء إليها في زي النساء هو وطائفة فباتوا عندها ليلة الميلاد فبيتوا نقفور وأجلسوا في المملكة ولدها الأكبر
وفيها توفي أبو عبد الله أحمد بن بندار الشعار بن إسحق الفقيه مسند أصبهان روى عن إبراهيم بن سعدان وابن أبي عاصم وطائفة وكان ثقة ظاهري المذهب
وفيها أحمد بن السندي أبو بكر البغدادي الحداد روى عن الحسن بن علويه وغيره قال أبو نعيم كان يعد من الأبدال
وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي المعروف بابن القطان آخر أصحاب ابن سريج وفاة أخذ عنه علماء بغداد ومات بها في جمادى الأولى وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه
وفيها أحمد بن يوسف بن خلاد النصيبيني العطار ببغداد في صفر وكان عريا من العلم وسماعه صحيح روى عن الحارث بن أبي أسامة وتمتام وطائفة
وفيها حبيب بن الحسن القزاز أبو القاسم الرجل الصالح وثقه جماعة ولينه بعضهم روى عن أبي مسلم الكجي وجماعة
وفيها أبو علي الصواف محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي المحدث الحجة روى عن محمد بن إسماعيل الترمذي وإسحق الحربي وطبقتهما قال الدارقطني ما رأت عيناي مثله ومثل آخر بمصر انتهى
ومات في شعبان وله تسع وثمانون سنة
وفيها أبو الحسين محمد بن علي بن حبيش البغدادي الناقد روى عن أبي شعيب الحراني ومطين
سنة ستين وثلاثمائة
فيها لحق المطيع لله فالج بطل نصفه وثقل لسانه وأقامت الشيعة عاشوراء باللطم والعويل وعيد الغدير بالفرح والكوسات
وفيها أخذت الروم من أنطاكية أكثر من عشرين ألف أسير
وفيها توفي جعفر بن فلاح الذي ولي إمرة دمشق للباطنية وهو أول نائب وليها لبني عبيد وكان قد سار إلى الشام فأخذ الرملة ثم دمشق بعد أن حاصر أهلها أياما ثم قدم لحربه الحسن بن أحمد القرمطي الذي تغلب قبله على دمشق وكان جعفر مريضا على نهر يزيد فأسره القرمطي وقتله قال ابن خلكان أبو علي جعفر ابن فلاح الكتامي كان أحد قواد المعز أبي تميم معد بن منصور العبيدي صاحب أفريقية وجهزه مع القائد جوهر لما توجه لفتح الديار المصرية فلما أخذ مصر بعثه جوهر إلى الشام فغلب على الرملة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ثم تغلب على دمشق فملكها في المحرم سنة تسع وخمسين بعد أن قاتل أهلها ثم أقام بها إلى سنة ستين ونزل إلى الدكة فوق نهر يزيد بظاهر دمشق فقصده الحسن بن أحمد القرمطي المعروف بالأعصم فخرج إليه جعفر المذكور وهو عليل فظفر به القرمطي فقتله وقتل من أصحابه خلقا كثيرا وذلك في يوم الخميس سادس ذي القعدة سنة ستين وثلثمائة قال بعضهم قرأت على باب قصر القائد جعفر بن فلاح المذكور بعد قتله مكتوبا
( يا منزلا لعب الزمان بأهله ** فأبادهم بتفرق لا يجمع )
( أين الذين عهدتهم بك مرة ** كان الزمان بهم يضر وينفع )
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقي الذين حياتهم لا تنفع )
وكان جعفر المذكور رئيسا جليل القدر ممدحا وفيه يقول أبو القاسم محمد بن هانئ الأندلسي الشاعر المشهور
( كانت مساءلة الركبان تخبرني ** عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر )
( حتى التقينا فلا والله ما سمعت ** أذني بأحسن مما قد رأى بصري )
والناس يروون هذين البيتين لأبي تمام في القاضي أحمد بن داود وهو غلط انتهى
وفيها الأمير زيري بن مناد الحميري الصنهاجي جد المعز بن باديس وزيري أول من ملك من طائفته وهو الذي بني مدينة أشير في إفريقية وحصنها في أيام خروج
مخلد الخارجي وكان زيري حسن السيرة شجاعا صارما وكانت بينه وبين جعفر الأندلسي ضغائن وأحقاد أفضت إلى الحرب فلما تصافا انجلى المصاف عن قتل زيري المذكور وذلك في شهر رمضان ذكروا أنه كبا به فرسه فسقط إلى الأرض فقتل وكانت مدة ملكه ستا وعشرين سنة وهو صاحب مدينة تاهرت
وفيها الحافظ العلم مسند العصر الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب ابن مطير اللخمي في ذي القعدة في أصبهان وله مائة سنة وعشرة أشهر وكان ثقة صدوقا واسع الحفظ بصيرا بالعلل والرجال والأبواب كثير التصانيف وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين ومائتين بطبرية المنسوب إليها ورحل أولا إلى القدس سنة أربع وسبعين ثم رحل إلى قيسارية سنة خمس وسبعين فسمع من أصحاب محمد بن يوسف الفريابي ثم رحل الى حمص وجبلة ومدائن الشام وحج ودخل اليمن ورد إلى مصر ثم رحل إلى العراق وأصبهان وفارس روى عن أبي زرعة الدمشقي وإسحق الديري وطبقتهما كالنسائي وعنه من شيوخه أبو خليفة الجمحي وابن عقدة وأبو نعيم الحافظ وأبو الحسين بن فاذ شاه وغيرهم قال ابن خلكان وعدد شيوخه ألف شيخ وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة منها المعاجم الثلاثة الكبير والأوسط والصغير وهو أشهر كتبه وروى عنه الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير ومولده سنة ستين ومائتين بطبرية الشام وسكن أصبهان إلى أن توفي بها نهار السبت ثامن عشرى القعدة سنة ستين وثلثمائة انتهى
وقال ابن ناصر الدين هو مسند الآفاق ثقة له المعاجم الثلاثة المنسوبة إليه وكان يقول عن الأوسط هو روحي لأنه تعب عليه انتهى
وفيها أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الفارسي الرامهرمزي الحافظ الكبير البارع روى عن أبيه ومحمد بن عبد الله الحضرمي وأبي خليفة الجمحي وعنه ابن جميع وابن مردويه وغيرهما وهو من الثقات
وفيها الطوماري نسبة إلى طومارجد وهو أبو عيسى بن محمد البغدادي في
صفر وله ثمان وتسعون سنة وهو ليس بالقوي يروي عن الحارث بن أبي أسامة وابن أبي الدنيا والكديمي وطبقتهم
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الهيثم الأنباري البندار روى عن أحمد ابن الخليل البرجلاني ومحمد بن أحمد بن أبي العوام وتفرد بالرواية عن جماعة وتوفي يوم عاشوراء وله ثلاث وتسعون سنة وأصوله حسنة بخط أبيه
وفيها أبو عمرو بن مطر النيسابوري الزاهد شيخ السنة محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المعدل روى عن أبي عمر أحمد بن المبارك المستملي ومحمد بن أيوب الرازي وطبقتهما وكان متعففا قانعا باليسير يحي الليل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجتهد في متابعة السنة توفي في جمادى الآخرة وله خمس وتسعون سنة
وفيها محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة أبو بكر البغدادي المؤدب روى عن الكديمي وأبي مسلم الكجي قال ابن أبي الفوارس فيه تساهل وتوفي عن أربع وتسعين سنة
ومن غرائب الاتفاق موت هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة وهم في عشر المائة وأسماؤهم وآباؤهم واحدة وهم شيء واحد قاله في العبر
وفيها ابن العميد الوزير العلامة أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد الكاتب وزير ركن الدولة الحسن بن بويه صاحب الري كان آية في الترسل والإنشاء فيلسوفا متهما برأي الحكماء حتى كان ينظر بالجاحظ وكان يقال بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد وكان الصاحب إسماعيل بن عباد تلميذه وخصيصه وصاحبه ولذلك قالوا الصاحب ثم صار لقبا عليه وكان الصاحب ابن عباد قد سافر إلى بغداد فلما رجع إليه قال كيف وجدتها قال بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد وكان ابن العميد سايسا مدبرا للملك قائما بضبطه وقصده جماعة من مشاهير الشعراء من البلاد الشاسعة ومدحوه بأحسن المدائح فمنهم أبو الطيب ورد عليه وهو بأرجان ومدحه بقصائد أحدها التي أولها
( باد هواك صبرت أم لم تصبرا ** وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى )
( أرجان أيتها الجياد فإنه ** عزمي الذي يذر الوشيج مكسرا )
( لو كنت أفعل ما اشتهيت فعاله ** ما شق كوكبه العجاج إلا كدرا )
( إني أبا الفضل المبر أليتي ** لأيممن أجل بحر جوهرا )
( أفدي برؤيته الأنام وحاش لي ** من أن أكون مقصرا أو مقصرا )
( من مبلغ الأعراب أني بعدها ** شاهدت رسطاليس والاسكندرا )
( ومللت نحر عشارها فأصابني ** من ينحر البدن النضار لمن قرى )
( وسمعت بطليموس دارس كتبه ** متملكا متبديا متحضرا )
( ولقيت كل الفاضلين كأنما ** رد الإله نفوسهم والأعصرا )
( نسقوا لنا نسق الحساب مقدما ** وأتى بذلك إذ أتيت مؤخرا )
وهي من القصائد المختارة قال ابن الهمذاني في كتاب عيون السير فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وكان المتنبي نظمها بمصر في أبي الفضل جعفر بن الفرات فلما لم يرضه لم ينشده إياها فلما توجه إلى بلاد فارس صرفها إلى ابن العميد وكان أبو نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي قد ورد عليه وهو بالري وامتدحه بقصيدته التي أولها
( برح اشتياق وادكار ** ولهيب أنفاس حرار )
( ومدامع عبراتها ** ترفض عن نوم مطار )
( لله قلبي ما يحن ** من الهموم وما يوارى )
( لقد انقضى سكر الشباب ** وما انقضى وصب الخمار )
( وكبرت عن وصل الصغار ** وما سلوت عن الصغار )
( سقيا لتغليسي إلى ** باب الرصافة وابتكاري )
( أيام أخطر في الصبا ** نشوان مسحوب الإزار )
( حجى إلى حجر الصراة ** وفي حدائقها اعتماري )
( ومواطن اللذات أو ** طاني ودار اللهو داري )
( لم يبق لي عيش يلذ ** سوى معاقرة العقار )
( حتى بألحان تمر ** ت بهن ألحان القمار )
( وإذا استهل ابن العميد ** تضالت ديم القطار )
( خلق صفت أخلاقه ** صفو السبيك من النضار )
( فكأنما رفدت مواهبه ** بأمواج البحار )
( وكأن نشر حديثه ** نشر الخزامى والعرار )
( وكأننا مما تفرق ** راحتاه في نثار )
( إن الكبار من الأمور
تنال بالهمم الكبار )
فتأخرت صلته فشفع هذه القصيدة بأخرى واتبعها برقعة فلم يزده ابن العميد على الإهمال مع رقة حاله التي ورد عليها إلى بابه فتوصل إلى أن دخل عليه يوم المجلس وهو حفل بأعيان الدولة ومقدمي أرباب الديوان فوقف بين يديه وأشار بيده إليه وقال أيها الرئيس إني لزمتك لزوم الظل وذللت لك ذل النعل وأكلت النوى المحرق انتظارا لصلتك والله ما بي من الحرمان ولكن شماتة الأعداء قوم نصحوني فاغتششتهم وصدقوني فاتهمتهم فبأي وجه ألقاهم وبأي حجة أقاومهم ولم أحصل من مديح بعد مديح ومن نثر بعد نظم إلا على ندم مؤلم ويأس مسقم فإن كان للنجاح علامة فأين هي وما هي إن الذين نحسدهم على ما مدحوا كانوا من طينتك وإن الذين هجوا كانوا مثلك فزاحم بمنكبك أعظمهم سناما وأنورهم شعاعا وأشرفهم يفاعا ثم رفع رأسه ابن العميد وقال هذا وقت يضيق عن الإطالة منك في الاستزادة وعن الإطالة مني في المعذرة وإذا تواهبنا ما دفعنا استأنفنا ما نتحامل عليه فقال ابن نباتة أيها الرئيس هذه نفثة صدر قد ذوى منذ زمان وفضلة لسان قد خرس منذ دهر والغنى إذا مطل لئيم فاستشاط ابن العميد وقال والله ما استوجبت هذا العتب من أحد من خلق الله تعالى ولقد نافرت العميد من دون ذا حتى
دفعنا إلى فرى عاتم ولجاج قائم ولست ولي نعمتي فأحتملك ولا صنيعتي فأغضي عنك وإن بعض ما أقررته في مسامعي ينغص مرة الحليم ويبدد شمل الصريم هذا وما استقدمتك بكتاب ولا استدعيتك برسول ولا سألتك مدحي ولا كلفتك تقريضي فقال ابن نباتة صدقت أيها الرئيس ما استقدمتني بكتاب ولا استدعيتني برسول ولا سألتني مدحك ولا كلفتني تقريضك ولكن جلست في صدر إيوانك بأبهتك وقلت لا يخاطبني أحد إلا بالرياسة ولا ينازعني خلق في أحكام السياسة فإني كاتب ركن الدولة وزعيم الأولياء والحضرة والقيم بمصالح المملكة فكأنك دعوتني بلسان الحال ولم تدعني بلسان القال فثار ابن العميد مغضبا وأسرع في صحن داره إلى أن دخل حجرته وتقوض المجلس وماج الناس وسمع ابن نباتة وهو في صحن الدار مارا يقول والله إن سف التراب والمشي على الجمر أهون من هذا فلعن الله الأدب إذا كان بائعه مهينا ومشتريه مماكسا فيه فلما سكن غيظ ابن العميد وثاب إليه حلمه التمسه من الغد ليعتذر إليه ويزيل آثار ما كان منه فكأنما غاص في سمع الأرض وبصرها فكانت حسرة في قلب ابن العميد إلى أن مات وللصاحب ابن عباد فيه مدائح كثيرة وكان ابن العميد قد قدم مرة إلى أصبهان والصاحب بها فكتب إليه يقول
( قالوا ربيعك قد قدم ** قلت البشارة إن سلم )
( أهو الربيع أخو الشتاء ** أم الربيع أخو الكرم )
( قالوا الذي بنواله ** أمن المقل من العدم )
( قلت الرئيس ابن العميد ** إذا فقالوا لي نعم )
ولابن العميد شعر متوسط منه قوله
( رأيت في الوجه طاقة بقيت ** سوداء عيني تحب رؤيتها )
( فقلت للبيض إذ تروعها ** بالله إلا رحمت وحدتها )
( فقلن ليس السواد في بلد ** تكون فيه البيضاء ضرتها )
وفيها الآجري الإمام أبو بكر محمد بن الحسين البغدادي المحدث الثقة الضابط صاحب التصانيف والسنة كان حنبليا وقيل شافعيا وبه جزم الأسنوي وابن الأهدل سمع أبا مسلم الكجي وابا شعيب الحراني وطائفة ومنه أبو الحسن الحماني وأبو الحسين ابن بشران وأبو نعيم الحافظ وصنف كثيرا جاور بمكة وتوفي بها قيل إنه لما دخلها فأعجبته قال اللهم ارزقني الإقامة بها سنة فهتف به هاتف بل ثلاثين سنة فعاش بها ثلاثين سنة ثم مات بها في أول المحرم والآجري بضم الجيم نسبة إلى قرية من قرى بغداد
وفيها أبو طاهر بن ذكوان البعلبكي المؤدب محمد بن سليمان نزيل صيدا ومحدثها قرأ القرآن على هارون الأخفش وسمع أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وزكريا خياط السنة وطبقتهما وعاش بضعا وتسعين سنة روى عن السكن ابن جميع وصالح بن أحمد المسامحي وقرأ عليه عبد الباقي بن الحسين شيخ أبي الفتح فارس
وفيها أبو القاسم محمد بن أبي يعلى الهاشمي الشريف لما أخذت العبيديون دمشق قام هذا الشريف بدمشق وقام معه أهل الغوطة والشباب واستفحل أمره في ذي الحجة سنة تسع وخمسين وطرد عن دمشق متوليها ولبس السواد وأعاد الخطبة لبني العباس فلم يلبث إلا أياما حتى جاء عسكر المغاربة وحاربوا أهل دمشق وقتل بين الفريقين جماعة ثم هرب الشريف في الليل وصالح أهل البلد العسكر ثم أسر الشريف عند تدمر فشهره جعفر بن فلاح على جمل في المحرم سنة ستين وبعث به إلى مصر
وقد توفي في عشر الستين وثلثمائة خلق منهم أحمد بن القاسم بن الريان أبو الحسن المصري المكي نزيل البصرة روى عن الكديمي وإسحق الدبري وطبقتهما قال ابن ماكولا فيه ضعف وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن علي البصري سمعت منه وليس بالمرضى
وأحمد بن طاهر النجم الحافظ أبو عبد الله محدث أذربيجان الميانجي بالفتح والتحتية وفتح النون وجيم نسبة إلى ميانة بلد بأذربيجان قال أبو الحسين أحمد ابن فارس اللغوي ما رأيت مثله ولا رأى مثل نفسه وقال الخليل توفي بعد الخمسين سمع أبا مسلم الكجي وعبد الله بن أحمد
وأبو الحسن بن سالم الزاهد أحمد بن محمد بن سالم الزاهد البصري شيخ السالمية كان له أحوال ومجاهدات وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب القوت وهو آخر أصحاب سهل التستري وفاة وقد خالف أصول السنة في مواضع وبالغ في الإثبات في مواضع وعمر دهرا وبقي إلى سنة بضع وخمسين
قاله في العبر
وأبو حامد أحمد بن محمد بن شادك الفقيه الشافعي مفتي هراة ومحدثها ومفسرها وأديبها رحل الكثير وعني بالحديث وروى عن محمد بن عبد الرحمن الشامي والحسن بن سفيان وطبقتهما وتوفي سنة خمس وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين
وإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزائم أبو إسحق الكوفي صاحب أبي عمر وأحمد بن أبي عزيزة الغفاري
وأبو علي النجاد الصغير وهو الحسن بن عبد الله البغدادي الحنبلي المسند صنف في الأصول والفروع قال ابن أبي يعلى في طبقاته أنه كان فقيها معظما إماما في أصول الدين وفروعه صحب من شيوخ المذهب كأبي الحسن بن بشار وأبي محمد البربهاري ومن في طبقتهما وصحبه جماعة منهم أبو حفص البرمكي وأبو جعفر العكبري وأبو الحسن الخرزي قال النجاد جاءني رجل وقد كنت حذرت منه أنه رافضي فأخذ يتقرب إلي ثم قال لا نسب أبا بكر وعمر بل معاوية وعمرو ابن العاص فقلت له وما لمعاوية قال لأنه قاتل عليا قلت له أن قوما يقولون أنه لم يقاتل عليا وإنما قاتل قتلة عثمان قال فقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار ( تقتلك الفئة الباغية ) قلت إن أنا قلت لم يصح وقعت منازعته ولكن قوله صلى الله عليه وسلم تقتلك الفئة الباغية يعني به الطالبة لا الظالمة لأن أهل اللغة تسمي الطالب باغيا ومنه بغيت
الشيء أي طلبته ومنه قوله تعالى قالوا { يا أبانا ما نبغي } وقوله عز وجل { وابتغوا من فضل الله } ومثل ذلك كثير فإنما يعني بذلك الطالبة لقتلة عثمان رضوان الله عليه وقال أبو حفص العكبري سمعت أبا علي النجاد يقول سمعت أبا الحسن بن بشار يقول ما أعتب على رجل يحفظ لأحمد بن حنبل خمس مسائل أن يستند إلى بعض سواري المسجد ويفتي الناس بها وجزم ابن برداس أن النجاد هذا توفي سنة ثمان وخمسين وثلثمائة
وفيها الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الحافظ القاضي روى عن أبيه ومطين ومحمد بن المازني وغيرهم وعنه ابن جميع وابن مردويه وغيرهما وهو ثقة قال أبو القاسم بن مندة عاش إلى قريب الستين وثلثمائة وجزم ابن برداس أنه توفي سنة ستين
والجابري عبد الله بن إسحق الموصلي صاحب الجزء المشهور به وشيخ أبي نعيم الحافظ روى عن محمد بن أحمد بن أبي المثنى وغيره
وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أحمد بن علك المروزي الجوهري المحدث محدث مرو ومسندها روى عن الفضل الشعراني ومحمد بن أيوب الضريس قال ابن ناصر الدين هو ثبت مشهور وجزم أنه توفي بعد الستين
وكشاجم أحد فحول الشعراء واسمه محمود بن حسين كان من الشعراء المجيدين والفضلاء المبرزين حتى قيل أن لقبه هذا منحوت من عدة علوم كان يتقنها فالكاف للكتابة والشين من الشعر والألف من الإنشاء والجيم من الجدل والميم من المنطق وكان يضرب بملحه المثل فيقال ملح كشاجم ومن شعره قوله في أسود له تعد
( يا مشبها في لونه فعله ** لم تعد ما أوجبت القسمه )
( فعلك من لونك مستنبط ** والظلم مشتق من الظلمه )
وقال بعضهم في ترجمته هو أبو الحسين وأبو الفتح بن السندي الكاتب
المعروف بكشاجم هو من أهل الرملة من نواحي فلسطين وكان رئيسا في الكتابة ومقدما في الفصاحة والخطابة له تحقيق يتميز به عن نظرائه وتدقيق يربى به على أكفائه وتحديق في علوم التعليم أضرم في شعلة ذكائه فهو الشاعر المفلق والنجم المتألق لقب نفسه بكشاجم فسئل عن ذلك فقال الكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من جواد والميم من منجم وكان من شعراء أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان والد سيف الدولة قيل أنه كان طباخ سيف الدولة شعره أنيق وأرج مدوناته فتيق منها كتاب المصائد والمطارد قال في تثقيف اللسان كشاجم لقب له جمعت أحرفه من صناعته ثم طلب علم الطب حتى مهر فيه وصار أكبر علمه فزيد في اسمه طاء من طبيب وقدمت فقيل طكشاجم ولكنه لم يشتهر
وأبو حفص العتكي الأنطاكي عمر بن علي روى عن ابن جوصا والحسن ابن أحمد بن فيل وطبقتهما
وأبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان الزاهد أخو أبي عمرو بن حمدان نزل خوارزم وحدث بها عن محمد بن أيوب بن الضريس ومحمد بن عمر وقشمرد وطبقتهما وأكثر عنه البرقاني
ومحمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني القماط روى عن أبي بكر بن أبي عاصم وغيره
وأبو جعفر الروذراوري نسبة إلى روذراور بلد بهمذان واسمه محمد بن عبد الله ابن برزة حدث بهمذان سنة سبع وخمسين عن تمتام وإسماعيل القاضي وطبقتهما وقال صالح بن أحمد الحافظ هو شيخ
سنة إحدى وستين وثلاثمائة
قال في الشذور فيها انقض في صفر كوكب عظيم له دوي كدوي الرعد
وفيها مات الأسيوطي أبو علي الحسن بن الخضر في ربيع الأول روى عن النسائي والمنجنيقي والأسيوطي بضم أوله والتحتية نسبة إلى أسيوط ويقال سيوط بلد بصعيد مصر قال الجلال السيوطي في لباب الأنساب قلت فيها خمسة أوجه ضم الهمزة وكسرها وإسقاطها وتثليث السين المهملة انتهى
وفيها الخيام خلف بن محمد بن إسماعيل أبو صالح البخاري محدث ما وراء النهر روى عن صالح جزرة وطبقته ولم يرحل ولينه أبو سعد الإدريسي وعاش ستا وثمانين سنة
وفيها الدراج أبو عمر وعثمان بن عمر بن خفيف البغدادي المقرئ روى عن ابن المجدر وطائفة قال البرقاني كان بدلا من الإبدال
وفيها محمد بن أسد الخشني بالضم والفتح نسبة إلى خشن قرية بإفريقية القيرواني أبو عبد الله الحافظ نزيل قرطبة صنف كتاب الاختلاف والافتراق في مذهب مالك وكتاب الفتيا وكتاب تاريخ الأندلس وكتاب تاريخ إفريقية وكتاب النسب
سنة اثنتين وستين وثلاثمائة
فيها كما قال في الشذور قتل رجل من أصحاب المعونة في الكرخ فبعث أبو الفضل الشيرازي صاحب معز الدولة من طرح النار في النحاسين إلى السماكين فاحترقت سبعة عشر ألف وثلثمائة وعشرين دارا أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار ودخل في الجملة ثلاثة وثلاثون مسجدا وهلك خلق كثير من الناس في الدور والحمامات انتهى
وفيها كما قال في العبر أخذت الروم نصيبين واستباحوها وتوصل من نجا إلى بغداد وقام معهم المطوعة واستنفروا الناس ومنعوا من الخطبة وحاولوا الهجوم
على المطيع وصاحوا عليه بأنه عاجز مضيع لأمر الإسلام فسار العسكر من جهة الملك عز الدولة بختيار فالتقوا الروم فنصروا عليهم وأسروا جماعة من البطارقة ففرح المسلمون
وفي رمضان قدم المعز أبو تميم العبيدي مصر ومعه توابيت آبائه ونزل بالقصر بداخل القاهرة المعزية التي بناها مولاه جوهر لما افتتح الإقليم وقويت شوكة الرفض شرقا وغربا وخفيت السنن وظهرت البدع نسأل الله تعالى العافية
وفيها عالم البصرة أبو حامد المروذي بفتح الميم والواو الأولى وضم الراء الثانية المشددة آخره معجمة نسبة إلى مرو الروذ أشهر مدن خراسان أحمد ابن عامر بن بشر الشافعي صاحب التصانيف وصاحب أبي إسحق المروزي وكان إماما لا يشق غباره تفقه به أهل البصرة قال الأسنوي أحمد بن بشر ابن عامر العامري المروروذي أخذ عن أبي إسحق المروزي ونزل البصرة وأخذ عنه فقهاؤها وكان إماما لا يشق غباره وشرح مختصر المزني وصنف الجامع في المذهب وهو كتاب جليل وصنف في أصول الفقه ومات سنة ثنتين وستين وثلثمائة ذكره الشيخ في طبقاته والنووي في تهذيبه وكذلك ابن الصلاح إلا أنه لم يؤرخ وفاته ونبه على أن الشيخ أبا إسحق جعل عامرا أباه وبشرا جده قال والصواب العكس أي أحمد بن بشر بن عامر وكان له ولد يقال له أبو محمد ذكره الشيخ في طبقاته فقال جمع بين الفقه والأدب وله كتب كثيرة وكان واحد عصره في صناعة القضاء قال وأظنه أخذ الفقه عن أبيه انتهى
وفيها أحمد بن محمد بن عمارة أبو الحرث الليثي الدمشقي روى عن زكريا خياط السنة وطائفة وعمر دهرا
وفيها أبو إسحق المزكي إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري قال الحاكم هو شيخ نيسابور في عصره وكان من العباد المجتهدين الحجاجين المنفقين على الفقراء والعلماء سمع ابن خزيمة وأبا العباس السراج وخلقا كثيرا وأملى عدة سنين
وكان يحضر مجلسه أبو العباس الأصم ومن دونه وكان مثريا متمولا عاش سبعا وستين سنة توفي بعد خروجه من بغداد ونقل إلى نيسابور فدفن بها
وفيها إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال الأمير أبو العباس الأديب الممدوح بمقصورة ابن دريد وتلميذ ابن دريد وكان أبوه إذ ذاك متولي الأهواز للمقتدر فاسمعه من عبدان الجواليقي
وفيها أبو بحر البربهاري نسبة إلى بيع البربهار وهو ما يجلب من الهند محمد بن الحسن بن كوثر في جمادى الأولى وله ست وتسعون سنة وهو ضعيف روى عن الكديمي ومحمد بن الفرج الأزرق وطبقتهما قال الدارقطني اقتصروا من حديثه على ما انتخبته حسب
وفيها سعيد بن القاسم بن العلاء أبو عمر البردعي بفتح الباء وسكون الراء وفتح الدال المهملة نسبة إلى بردعة بلد بأذربيجان وهو نزيل طراز من بلاد الأتراك وهو من الحفاظ المعتبرين
وفيها محمد بن عبد الله بن محمد أبو جعفر البلخي الهندواني الذي كان من براعته في الفقه يقال له أبو حنيفة الصغير توفي ببخارى وكان شيخ تلك الديار في زمانه وقد روى الحديث عن محمد بن عقيل البلخي وغيره والهندواني بكسر الهاء وضم الدال المهملة نسبة إلى باب هندوان محلة ببلخ
وفيها أبو عمر محمد بن موسى بن فضالة المحدث الأموي مولاهم الدمشقي في ربيع الآخر روى عن الحسن بن الفرج الغزي وأبي قصي العذري قال عبد العزيز الكتاني تكلموا فيه
وفيها أبو الحسن وأبو القاسم محمد بن هانئ حامل لواء الشعراء بالأندلس قيل أنه ولد يزيد بن حاتم وكان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بإفريقية وكان شاعرا أديبا وانتقل إلى الأندلس فولد له محمد المذكور بها بمدينة
إشبيلية ونشأ بها واشتغل وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر فبهر فيه وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم واتصل بصاحب إشبيلية وحظي عنده وكان كثير الانهماك في الملاذ متهما بمذهب الفلاسفة ولما اشتهر عنه ذلك نقم عليه أهل إشبيلية وساءت المقالة في حق الملك بسببه واتهم بمذهبه أيضا فأشار الملك عليه بالغيبة عن البلد مدة ينسى فيها خبره فانفصل عنها وعمره يومئذ سبع وعشرون سنة فخرج إلى عدوة المغرب ولقي جوهر القائد ثم رحل إلى جعفر ويحيى ابني علي وكانا بالمسيلة وهي مدينة الزاب وكانا والييها فبالغا في إكرامه والإحسان إليه ونمى خبره إلى معز أبي تميم معد بن المنصور العبيدي وطلبه منهما فلما انتهى إليه بالغ في الإنعام عليه ثم توجه المعز إلى الديار المصرية فشيعه ابن هانئ ورجع إلى المغرب لأخذ عياله والالتحاق به فتجهز وتبعه فلما وصل إلى برقة أضافه شخص من أهلها فأقام عنده أياما في مجلس الأنس فيقال انهم عربدوا عليه فقتلوه وقيل خرج من تلك الدار وهو سكران فنام على الطريق فأصبح ميتا ولم يعلم سبب موته وقيل وجد في سانية من سواني برقة مخنوقا بتكة سراويله وكان ذلك في بكرة نهار الأربعاء ثالث عشرى رجب من هذه السنة وعمره ست وثلاثون سنة وقيل اثنتان وأربعون ولما بلغ المعز وفاته تأسف عليه كثيرا وقال كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك وقال ابن خلكان وديوانه كثير ولولا ما فيه من الغلو والإفراط المفضي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين وليس في المغاربة من هو في طبقته لا من متقدميهم ولا متأخريهم بل هو أشعرهم على الإطلاق وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة وكانا متعاصرين وإن كان في المتنبي وأبي تمام من الاختلاف ما فيه انتهى
وقال ابن الأهدل وكنية ابن هانئ أبو نواس بكنية الحسن بن هانئ الحكمي العراقي وكان معاصرا للمتنبي ويقال أنهما اجتمعا حين أراد المتنبي دخول المغرب فرده أبو الحسن بن هانئ بنوع
حيلة انتهى
والحيلة التي ذكرها قال بعضهم هي أن المتنبي أراد مدح فاتح قابس فضجر لذلك وقال شاعر لم يرضه عطاء كافور كيف يرضه عطائي فتكفل له ابن هانئ برده فيقال انه خرج في زي أعرابي فقير على راحلة هزيلة وأمامه شاة هزيلة فمر بهذا الزي على المتنبي وكان على مرحلة من قابس فلما رآه المتنبي أراد العبث به فقال له من أين أتيت قال من عند الملك قال فيما كنت عنده قال امتدحته بأبيات فأجازني هذه الشاة فأضمر في نفسه أن الملك من لطفه كونه أجازه بها يظن شعره على قدرها فقال له ما قلت فيه قال قلت
( ضحك الزمان وكان قدما عابسا ** لما فتحت بعزم سيفك قابسا )
( أنكحتها بكرا وما أمهرتها ** إلا قنا وصوارما وفوارسا )
( من كان بالسمر العوالي خاطبا ** فتحت له البيض الحصون عرائسا )
فتحير المتنبي وأمر بتقويض خيامه وآلى أن لا يمتدحه إذ جائزته على مثل هذا بمثل هذه ومن غرر المدائح ونخب الشعر قوله في مدح المعز العبيدي المذكور
( هل من بمعهد عالج يبرين ** أم منهما نفر الجدوح العين )
( ولمن ليال ما ذممنا عهدها ** مذ كن إلا ما لهن شجون )
( المشرقات كأنهن كواكب ** والناعمات كأنهن غصون )
( بيض وما ضحك الصباح وإنما ** بالمسك من طور الحسان يجون )
( أدمى لها المرجان صفحة خده ** وبكى عليه اللؤلؤ المكنون )
( أعدى الحمام تأوهي من بعدها ** فكأنها مما شخصن رنين )
( باتوا سراعا للهوادج رقوة ** مما رأين وللمطي حنين )
( وكأنما صبغوا الدجى بثيابهم ** أو عصفرت فيه الخدود عيون )
( ماذا على حلل الشقيق لو أنها ** عن لابسيها في الخدود تبين )
( ولأعطشن الروض بعدهم فلا ** يرويه لي دمع عليه هتون )
( أأعير لحظ العين بهجة منظر ** وأخونهم أني إذا لخؤون )
( لا الجو جو مشرق ولو اكتسى ** زهرا ولا الماء المعين معين )
( لا يبعدن إذا العشير له يرى ** والتاج روح والشموس قطين )
( أيام فيه العبقري مغوف ** والباتري مضاعف موضون )
( والراغبية شرع والمشرفية ** أبلغ والمقرمات صفون )
( والعهد من لمياء إذ لا فوقها ** حور ولا الحرب الهؤون زبون )
( حزنى لذاك الجو وهو أسنة ** وكذلك الذاك الخشف وهو عرين )
( هل يدنيني منه أجود سابح ** مرح وجائلة السريح أمون )
( ومهند فيه الفرند كأنه ** دله له خلف الغرار أنين )
( عضب المضارب مقفر من أعين ** لكنه من أنفس مسكون )
( قد كان رشح حديده أحلا وما ** صاغت مضاربه الرقاق قيون )
( وكأنما يلقى الضريبة دونه ** بابن المعز واسمه المخزون )
وهي طويلة قال في العبر كان منغمسا في اللذات والمحرمات متهما بدين الفلاسفة شرب ليلة عند ناس فأصبح مخنوقا وهو في عشر الخمسين انتهى
سنة ثلاث وستين وثلثمائة
فيها ظهر ما كان المطيع يستره من الفالج وثقل لسانه فدعاه الحاجب سبكتكين وهو صاحب السلطان عز الدولة إلى خلع نفسه وتسليم الخلافة إلى ولده الطائع لله ففعل ذلك في ذي القعدة وأثبت خلعه على قاضي القضاة أبي الحسن بن أم شيبان
وفيها أقيمت الدعوة بالحرمين للمعز العبيدي وقطعت خطبة بني العباس ولم يحج ركب العراق لأنهم وصلوا إلى سميراء فرأوا هلال ذي الحجة وعلموا أن لا ماء في الطريق فعدلوا إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدموا الكوفة في أول المحرم
وفيها مات ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابئ الحراني الطبيب
المؤرخ صاحب التصانيف كان صابئ النحلة وكان ببغداد في أيام معز الدولة بن بويه وكان طبيبا عالما نبيلا تقرأ عليه كتب بقراط وجالينوس وكان فكاكا للمعاني وكان قد سلك مسلك جده ثابت في نظره في الطب والفلسفة والهندسة وجميع الصناعات الرياضية للقدماء وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه
وفيها جمح بن القاسم أبو العباس المؤذن بدمشق روى عن عبد الرحمن ابن الرواس وطائفة
وفيها أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي صاحب الخلال وشيخ الحنابلة وعالمهم المشهور وصاحب التصانيف روى عن موسى بن هارون وأبي خليفة الجمحي وجماعة توفي في شوال وله ثمان وسبعون سنة وكان صاحب زهد وعبادة وقنوع قاله في العبر
وقال ابن أبي يعلى في طبقاته عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف أبو بكر المعروف بغلام الخلال حدث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وموسى بن هارون ومحمد بن الفضل وموسى بن هارون بن الحباب البصري وخلائق وروى عنه أبو إسحق بن شاقلا وأبو عبد الله بن بطة وأبو الحسن التميمي وأبو عبد الله ابن حامد وغيرهم وكان أحد أهل الفهم موثوقا به في العلم متسع الرواية مشهورا بالديانة موصوفا بالأمانة مذكورا بالعبادة وله المصنفات في العلوم المختلفات الشافي المقنع تفسير القرآن الخلاف مع الشافعي كتاب القولين زاد المسافر التنبيه وغير ذلك حدثنا جعفر بن محمد بن سليمان الخلال حدثنا محمد بن عوف الحمصي قال سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن التفضيل فقال من قدم عليا على أبي بكر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قدمه على عمر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر ومن قدمه
على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أهل الشورى والمهاجرين والأنصار وبه حدثنا محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا قال سألت أبا عبد الله عن الاستثناء في الإيمان فقال نعم الاستثناء على غير معنى شك مخافة واحتياطا للعمل وقد استثنى ابن مسعود وغيره وهو مذهب الثوري ولما مات أبو بكر عبد العزيز اختلف أهل باب الأزج في دفنه فقال بعضهم يدفن في قبر أحمد وقال بعضهم يدفن عندنا وجردوا السيوف والسكاكين فقال المشايخ لا تختلفوا نحن في حريم السلطان يعنون المطيع لله فما يأمر نفعل قال فلفوه في نطع مشدود بالشراريف خوفا أن يمزق الناس أكفانه وكتبوا رقعة إلى الخليفة فخرج الجواب مثل هذا الرجل لا نعدم بركاته أن يكون في جوارنا وهناك موضع يعرف بدار الأفيلة وهو ملك لنا ولم يكن فيه دفن فدفن فيه رحمه الله تعالى وحكى أبو العباس بن أبي عمرو والشرابي قال كان لنا ذات ليلة خدمة أمسيت لأجلها ثم إني خرجت منها نومة الناس وتوجهت إلى داري بباب الأزج فرأيت عمود نور من جوف السماء إلى جوف المقبرة فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت خوفا أن يغيب عني إلى أن وصلت إلى قبر أبي بكر عبد العزيز فإذا أنا بالعمود من جوف السماء إلى القبر فبقيت متحيرا ومضيت وهو على حاله
انتهى ملخصا
وفيها أبو بكر بن النابلسي محمد بن أحمد بن سهل الرملي الشهيد سلخه صاحب مصر المعز وكان قد قال لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم سهما ورميت بني عبيد تسعة فبلغ القائد فلما قرره اعترف وأغلظ لهم فقتلوه وكان عابدا صالحا زاهدا قوالا بالحق
وفيها أبو الحسن الآبري محمد بن الحسين السجستاني مؤلف كتاب مناقب الشافعي وآبر بمد الهمزة وضم الموحدة ثم راء خفيفة قرية بسجستان رحل إلى الشام وخراسان والجزيرة وروى عن أبن خزيمة وطبقته قال ابن
ناصر الدين الآبري محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجستاني أبو الحسن كان حافظا مجودا ثبتا مصنفا
انتهى
وفيها محدث الشام الحافظ أبو العباس محمد بن موسى بن الحسين بن السمسار الدمشقي روى عن محمد بن خريم وابن جوصا وطبقتهما وعنه تمام الرازي وغيره وكان ثقة نبيلا حافظا جليلا كتب القناطير وحدث باليسير قاله الكتاني وارتحل إلى مصر وإلى بغداد
وفيها الغزال الزعفراني الحافظ الإمام المقري أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سهل الأصبهاني عن محمد بن علي الفرقدي وعبدان الأهوازي وعنه الماليني وأبو نعيم الحافظ وقال هو أحد من رجع إلى حفظ ومعرفة وله مصنفات قاله ابن برداس
وفيها المظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني أبو القاسم توفي بدمشق في هذا العام أو بعده رحل به أبوه وسمع من جعفر الفريابي والنسائي وطبقتهما
وفيها النعمان بن محمد بن منصور القيرواني القاضي أبو حنيفة الشيعي ظاهرا الزنديق باطنا قاضي قضاة الدولة العبيدية صنف كتاب ابتداء الدعوة وكتابا في فقه الشيعة وكتبا كثيرة تدل على انسلاخه من الدين يبدل فيها معاني القرآن ويحرفها مات بمصر في رجب وولي بعده ابنه
سنة أربع وستين وثلثمائة
قال في الشذور فيها تزوج الطايع شاهرنان بنت عز الدولة على صداق مبلغه ماية ألف دينار وخطب خطبة النكاح أبو بكر بن قريعة القاضي
انتهى
وفيها توفي أبو بكر بن السني الحافظ أحمد بن محمد بن إسحق بن إبراهيم الدينوري صاحب كتاب عمل اليوم والليلة ورحل وكتب الكثير وروى
عن النسائي وأبن خليفة وطبقتهما قال ابن ناصر الدين اختصر سنن النسائي وسماه المجتبي قال ابنه أبو علي الحسن كان أبي رحمه الله يكتب الأحاديث فوضع القلم في أنبوبة المحبرة ورفع يديه يدعو الله عز وجل فمات انتهى
وفيها ابن الخشاب أحمد بن القاسم بن عبد الله بن مهدي أبو الفرج البغدادي كان أحد الحفاظ المتقدمين قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الوراق الأبزاري بالباء الموحدة والزاي والراء نسبة إلى أبزار قرية بنيسابور توفي في رجب وله ست وتسعون سنة رحل وطوف الكثير وعني بالحديث وروى عن مسدد بن قطن والحسن بن شعبان وإنما رحل عن كبر
وفيها سبكتكين حاجب معز الدولة كان الطائع قد خلع عليه خلعة الملوك وطوقه وسوره ولقبه نصر الدولة فلم تطل أيامه توفي في المحرم وخلف ألف ألف دينار وعشرة آلاف ألف درهم وصندوقين فيهما جوهر وستين صندوقا فيها أواني ذهب وفضة وبلور ومائة وثلاثين مركبا ذهبا منها خمسون وزن كل واحد ألف مثقال وستمائة مركب فضة وأربعة آلاف ثوب ديباجا وعشرة آلاف ثوب ديبقي وعتابي وداره وهي دار السلطان اليوم قاله في الشذور
وفيها أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السلمي الدمشقي المؤدب قرأ القرآن على أبي عبيدة ولد ابن ذكوان وروى عن محمد بن المعافى الصيداوي وأبي شيبة داود بن إبراهيم وطبقتهما ورحل وتعب وجمع وكان ثقة قال ابن ناصر الدين كان من الأعيان وكتب القناطير
انتهى
وفيها علي بن أحمد بن علي المصيصي روى عن أحمد بن خليل الحلبي وغيره
وفيها المطيع الخليفة أبو القاسم الفضل بن المقتدر جعفر بن المعتضد
العباسي ولد في أول سنة إحدى وثلثمائة وبويع بالخلافة في سنة أربع وثلاثين بعد المستكفي قال ابن شاهين وخلع نفسه غيره مكره فيما صح عندي في ذي القعدة سنة ثلاث وستين ونزل عن الأمر لولده الطائع لله عبد الكريم قال السيوطي في تاريخ الخلفاء وأثبت خلعه على القاضي بن أم شيبان وصار بعد خلعه يسمى الشيخ الفاضل قال الذهبي وكان المطيع وابنه مستضعفين مع بني بويه ولم يزل أمر الخلفاء في ضعف إلى أن استخلف المقتفي لله فانصلح أمر الخلافة قليلا وكان دست الخلافة لبني عبيد الرافضة بمصر أميز وكلمتهم أنفذ ومملكتهم تناطح مملكة العباسيين في وقتهم وخرج المطيع إلى واسط مع ولده فمات في محرم سنة أربع وستين قال الخطيب حدثني محمد بن يوسف القطان سمعت أبا الفضل التميمي سمعت المطيع لله سمعت شيخي ابن منيع سمعت أحمد ابن حنبل يقول إذا مات أصدقاء الرجل ذل
انتهى كلام السيوطي
وفيها محمد بن بدر الأمير أبو بكر الحمامي الطولوني أمير بعض بلاد فارس قال أبو نعيم ثقة وقال ابن الفرات كان له مذهب في الرفض وروى عن بكر ابن سهل الدمياطي والنسائي وطبقتهما قال الذهبي في المغني محمد بن بدر الحمامي سمع بكر بن سهل صدوق ولكنه يترفض
انتهى
وفيها أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي النيسابوري السليطي بفتح السين المهملة وكسر اللام نسبة إلى سليط جد روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وإبراهيم بن علي الذهلي وجماعة وعاش اثنتين وتسعين سنة
سنة خمس وستين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور جلس قاضي القضاة أبو محمد بن معروف في دار عز الدولة ونظر في الأحكام لأن عز الدولة أحب أن يشاهد مجلس حكمه
انتهى
وفيها توفي أحمد بن جعفر بن سلم أبو بكر الختلي بضم أوله والفوقية المشددة نسبة إلى الختل قرية بطريق خراسان المحدث المقرئ المفسر وله سبع وثمانون سنة كان ثبتا ثقة صالحا روى عن أبي مسلم الكجي وطبقته
وفيها الذارع أبو بكر أحمد بن نصر البغدادي أحد الضعفاء والمتروكين روى عن الحارث بن أبي أسامة قال في المغني أحمد بن نصر الذارع شيخ بغدادي له جزء مشهور قال الدارقطني دجال
انتهى
وفيها أو بعدها إسماعيل بن نجيد الإمام أبو عمرو السلمي النيسابوري شيخ الصوفية بخراسان في ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة أنفق أمواله على الزهاد والعلماء وصحب الجنيد وأبا عثمان الحيري وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي وأبا مسلم الكجي وطبقتهما وكان صاحب أحوال ومناقب قال سبطه أبو عبد الرحمن السلمي سمعت جدي يقول كل حال لا يكون عن نتيجة علم وإن جل فإن ضرره على صاحبه أكبر من نفعه قاله في العبر
وفيها أبو علي الماسرجسي الحافظ أحد أركان الحديث بنيسابور الحسين ابن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ماسرجس النيسابوري الثقة المأمون توفي في رجب وله ثمان وستون سنة روى عن جده وابن خزيمة وطبقتهما ورحل إلى العراق ومصر والشام قال الحاكم هو سفينة عصره في كثرة الكتابة صنف المسند الكبير مهذبا معللا في ألف وثلثمائة جزء وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد وكان يحفظه مثل الماء وصنف كتابا على البخاري وآخر على مسلم ودفن علم كثير بموته
وفيها عبد الله بن أحمد بن إسحق بن محمد الأصبهاني والد أبي نعيم الحافظ وله أربع وثمانون سنة رحل وعني بالحديث وروى عن أبي خليفة الجمحي
وطبقته وكانت رحلته في سنة ثلثمائة قاله في العبر
وفيها ابن عدي الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد ويعرف بابن القطان الجرجاني مصنف الكامل قال ابن قاضي شهبة هو أحد الأئمة في الأعلام وأركان الإسلام طاف البلاد في طلب العلم وسمع الكبار له كتاب الانتصار على مختصر المزني وكتاب الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين وهو كامل في بابه كما سمي وقال ابن عساكر كان ثقة على لحن فيه وقال الذهبي كان لا يعرف العربية سمع عجمة فيه وأما العلل والرجال فحافظ لا يجاري ولد سنة سبع وسبعين ومائتين ومات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثلثمائة
انتهى كلام ابن قاضي شهبة في طبقاته وقال ابن ناصر الدين سمع خلقا يزيدون على ألف
انتهى
وفيها أبو أحمد بن الناصح وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح ابن شجاع بن المفسر الدمشقي الفقيه الشافعي في رجب بمصر روى عن عبد الرحمن الرواس وأبي بكر بن علي المروزي وطائفة
وفيها الشاشي القفال الكبير أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشافعي صاحب المصنفات رحل إلى العراق والشام وخراسان قال الحاكم كان عالم أهل ما وراء النهر بالأصول وأكثرهم رحلة في الحديث سمع ابن جرير الطبري وابن خزيمة وطبقتهما وهو صاحب وجه في المذهب قال الحليمي كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من فقهاء عصره وقال ابن قاضي شهبة كان إماما وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب حسن في أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر وقال النووي في تهذيبه إذا ذكر القفال الشاشي فالمراد هذا وإذا ورد القفال المروزي فهو الصغير ثم إن الشاشي يتكرر ذكره في التفسير والأصول والحديث والكلام والمروزي يتكرر ذكره في الفقهيات
ومن تصانيف الشاشي دلائل النبوة ومحاسن الشريعة وآداب القضاء جزء كبير وتفسير كبير مات في ذي الحجة
انتهى ملخصا
وقال ابن الأهدل هو شيخ الشافعية في عصره كان فقيها محدثا أصوليا متفننا ذا طريقة حميدة وتصانيف نافعة وله شعر جيد ولم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله أخذ عن ابن سريج وطبقته وابن جرير الطبري وإمام الأئمة ابن خزيمة وغيرهم وأخذ عنه الحاكم أبو عبد الله وابن مندة والحليمي وأبو عبد الرحمن السلمي وغيرهم وهو والد القاسم صاحب التقريب وهو منسوب إلى شاش مدينة وراء نهر جيحون وأعلم أن لنا قفالا غير شاشي وشاشيا غير قفال وثلاثتهم يكنون بأبي بكر ويشترك اثنان في اسمهما واثنان في اسم أبيهما دون اسمهما فالقفال غير الشاشي هو المروزي شيخ القاضي حسين وأبي محمد الجويني وسيأتي في سنة سبعة وخمسمائة
انتهى كلام ابن الأهدل
وفيها المعز لدين الله أبو تميم معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بن المهدي العبيدي صاحب المغرب الذي ملك الديار المصرية ولي الأمر بعد أبيه سنة إحدى وأربعين وثلثمائة ولما افتتح له مولاه جوهر سجلماسة وفاس وسبتة وإلى البحر المحيط جهزه بالجيوش والأموال فأخذ الديار المصرية وبنى مدينة القاهرة المعزية وكان مظهرا للتشيع معظما لحرمات الإسلام حليما كريما وقورا حازما سريا يرجع إلى عدل وإنصاف في الجملة توفي في ربيع الآخر وله ست وأربعون سنة قاله في العبر وقال ابن خلكان بويع بولاية العهد في حياة أبيه المنصور بن إسماعيل ثم جددت له البيعة بعد وفاته فدبر الأمور وساسها وأجراها على أحسن أحكامها إلى يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثلثمائة فجلس يومئذ على سرير ملكه ودخل عليه الخاصة وكثير من العامة وسلموا عليه بالخلافة وتسمى بالمعز ولم يظهر على أبيه حزنا ثم خرج إلى بلاد إفريقية يطوف بها ليمهد قواعدها ويقرر أسبابها فانقاد له العصاة
من أهل تلك البلاد ودخلوا في طاعته وعقد لغلمانه وأتباعه على الأعمال واستندب لكل ناحية من يعلم كفايته وشهامته ثم جهز أبا الحسن جوهر القائد ومعه جيش كثيف ليفتح ما استعصى له من بلاد المغرب فسار إلى فاس ثم منها إلى سجلماسة ففتحها ثم توجه إلى البحر المحيط وصاد من سمكه وجعله في قلال الماء وأرسله إلى المعز ثم رجع إلى المعز ومعه صاحب سجلماسة وصاحب فاس أسيرين في قفصي حديد وقد وطن له البلاد من باب إفريقية إلى البحر المحيط في جهة الغرب وفي جهة الشرق من باب إفريقية إلى أعمال مصر ولم يبق بلد من هذه البلاد إلا أقيمت فيه دعوته وخطب له في جميعه جمعته وجماعته إلا مدينة سبتة فإنها بقيت لبني أمية أصاحب الأندلس ولما وصل الخبر إلى المعز المذكور بموت كافور الإخشيدي صاحب مصر تقدم إلى القائد جوهر ليتجهز للخروج إلى مصر فخرج أولا لإصلاح أموره وكان معه جيش عظيم وجميع قبائل العرب الذين يتوجه بهم إلى مصر وخرج المعز بنفسه في الشتاء إلى المهدية فأخرج من قصور آبائه خمسمائة حمل دنانير وعاد إلى قصره ولما عاد جوهر بالرجال والأموال وكان قدومه على المعز يوم الأحد سابع عشرى محرم سنة ثمان وخمسين وثلثمائة أمره المعز بالخروج إلى مصر فخرج ومعه أنواع القبائل وأنفق المعز في العسكر المسير ضحبته ( ) أموالا كثيرة حتى أعطى من ألف دينار إلى عشرين دينارا وأغمر الناس بالعطاء وتفرقوا في القيروان وصيره في شراء حوائجهم ورحل معه ألف حمل من المال والسلاح ومن الخيل والعدد ما لا يوصف وكان بمصر في تلك السنة غلاء عظيم ووباء حتى مات فيها وفي أعمالها في تلك المدة ستمائة ألف إنسان على ما قيل ولما كان منتصف رمضان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة وصلت البشارة إلى المعز بفتح الديار المصرية ودخول عساكره إليها وكانت كتب جوهر تتردد إلى المعز باستدعائه إلى مصر ويحثه كل وقت على ذلك ثم سير إليه يخبره بانتظام الحال بمصر والشام
والحجاز وإقامة الدعوة له بهذه المواضع فسر بذلك سرورا عظيما ثم استخلف على إفريقية بلكين بن زيري الصنهاجي وخرج متوجها إليها بأموال جليلة المقدار ورجال عظيمة الأخطار وكان خروجه من المنصورية دار ملكه يوم الاثنين ثاني عشرى شوال سنة اثنتين وستين وثلثمائة ولم يزل في طريقه يقيم بعض الأوقات في بعض البلاد أياما ويجد السير في بعضها وكان اجتيازه على برقة ودخل الإسكندرية رابع عشرى شعبان من السنة المذكورة وركب فيها ودخل الحمام وقدم عليه بها قاضي مصر أبو طاهر محمد بن أحمد وأعيان أهل البلاد وسلموا عليه وجلس لهم عند المنارة وأخبرهم أنه لم يرد دخول مصر لزيادة في ملكه ولا المال وإنما أراد إقامة الحق والجهاد والحج وان يختم عمره بالأعمال الصالحة ويعمل بما أمر به جده صلى الله عليه وسلم ووعظهم وأطال حتى بكى بعض الحاضرين وخلع على القاضي وجماعة وودعوه وانصرفوا ثم رحل منها في أواخر شعبان ونزل يوم السبت ثاني رمضان على ساحل مصر بالجيزة فخرج إليه القائد جوهر وترجل عند لقائه وقبل الأرض بين يديه واجتمع به بالجيزة أيضا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات وأقام المعز هناك ثلاثة أيام وأخذ العسكر في التعدية بإثقالهم إلى ساحل مصر ولما كان يوم الثلاثاء خامس رمضان عبر المعز النيل ودخل القاهرة ولم يدخل مصر وكانت قد زينت له وظنوا أنه يدخلها وأهل القاهرة لم يستعدوا للقائه لأنهم بنوا الأمر على دخوله مصر أولا ولما دخل القاهرة ودخل القصر ودخل مجلسا فيه خر ساجدا ثم صلى فيه ركعتين وانصرف الناس عنه وكان المعز عاقلا حازما سريا أديبا حسن النظر في النجامة وينسب إليه من الشعر
( لله ما صنعت بنا ** تلك المحاجر في المعاجر )
( أمضى وأقضى في النفوس ** من الخناجر في الحناجر )
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
سنة ست وستين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور جحت جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان فاستصحبت أربعمائة جمل عليها محامل عدة فلم يعلم في أيها كانت فلما شاهدت الكعبة نثرت عليها عشرة آلاف دينار وأنفقت الأموال الجزيلة انتهى
وفيها مات ملك القرامطة الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي القرمطي والجنابي بفتح الجيم وقيل بضمها وتشديد النون آخره موحدة نسبة إلى جنابة بلد بالبحرين وكان الحسن هذا قد استولى على أكثر الشام وهزم جيش المعز وقتل قائدهم جعفر بن فلاح وذهب إلى مصر وحاصرها شهورا قبل مجيء المعز وكان يظهر طاعة الطائع لله وله شعر وفضيلة ولد بالأحساء ومات بالرملة قاله في العبر والقرمطي بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم وبعدها طاء مهملة والقرمطة في اللغة تقارب الشيء بعضه من بعض ويقال خط مقرمط ومشي مقرمط إذا كان كذلك لأن أبا سعيد والد هذا المذكور كان قصيرا مجتمع الخلق أسمر كريه المنظر فلذلك قيل له قرمطي ونسبت إليه القرامطة
وفيها ركن الدولة الحسين بن بويه أبو علي والد عضد الدولة ومؤيد الدولة وأخو معز الدولة وعماد الدولة كان الحسين هذا صاحب أصبهان والري وعراق العجم وكان ملكا جليلا عاقلا نبيلا بقي في الملك خمسا وأربعين سنة ووزر له ابن العميد ووزر لولده الصاحب بن عباد ومات الحسين هذا بالقولنج وقسم الممالك على أولاده فكلهم أقام بنوبته أحسن قيام
وفيها المنتصر بالله أبو مروان الحكم صاحب الأندلس وابن صاحبها الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني ولي ست عشرة سنة وعاش ثلاثا وستين سنة وكان حسن السيرة محبا للعلم مشغوفا بجمع الكتب
والنظر فيها بحيث أنه جمع منها ما لم يجمعه أحد قبله ولا جمعه أحد بعده حتى ضاقت خزائنه عنها وسمع من قاسم بن أصبغ وجماعة وكان بصيرا بالأدب والشعر وأيام الناس وأنساب العرب متسع الدائرة كثير المحفوظ ثقة فيما ينقله توفي في صفر بالفالج
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد النيسابوري المعدل سمع من مسدد بن قطن وابن سيرويه وفي الرحلة من الهيثم بن خلف وهذه الطبقة وحدث بمسند إسحق بن راهويه وعاش ثلاثا وثمانين سنة
وفيها أبو الحسن علي بن أحمد البغدادي بن المرزبان صاحب أبي الحسين ابن القطان أحد أئمة المذهب الشافعي وأصحاب الوجوه قال الخطيب البغدادي كان أحد الشيوخ الأفاضل قال ودرس عليه الشيخ أبو حامد أول قدومه بغداد وقال الشيخ أبو إسحق وكان فقيها ورعا حكى عنه أنه قال ما أعلم أن لأحد علي مظلمة وقد كان فقيها يعرف أن الغيبة من المظالم ودرس ببغداد وعليه درس الشيخ أبو حامد توفي في رجب بعد شيخه ابن القطان بسبع سنين والمرزبان معناه كبير الفلاحين نقل عنه الرافعي في مواضع محصورة منها أن الآجر المعجون بالروث يطهر ظاهره بالغسل قاله ابن قاضي شهبة
وفيها أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني القاضي بجرجان ثم بالري ذكره الشيخ أبو إسحق في طبقاته فقال كان فقيها أديبا شاعرا وذكره الثعالبي في اليتيمة فقال حسنة جرجان وفرد الزمان ونادرة الملك وإنسان حدقه العلم ودرة تاج الأدب وفارس عسكر الشعر جمع خط ابن مقلة ونثر الجاحظ ونظم البحتري وفيه يقول الصاحب بن عباد
( إذا نحن سلمنا لك العلم كله ** فدع هذه الألفاظ ننظم شذورها )
ومن شعره
( يقولون لي فيك انقباض وإنما ** رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما )
( أرى الناس من داناهم هان عندهم ** ومن أكرمته عزة النفس إكرما )
( وما كل برق لاح لي يستفزني ** ولا كل من لاقيت أرضاه منعما )
( وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت ** أقلب كفي أثره متندما )
( ولم أقض حق العلم أن كان كلما ** بدا طمع صيرته لي سلما )
( إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ** ولكن نفس الحر تحتمل الظما )
( ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ** لأخدم من لاقيت لكن لأخدما )
( أأشقي به غرسا وأجنيه ذلة ** إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما )
( ولو أن أهل العلم صانوه وصانهم ** ولو عظموه في النفوس تعظما )
( ولكن أذلوه فهان ودنسوا ** محياه بالأطماع حتى تجهما )
وطاف المذكور في صباه الأقاليم ولقي العلماء وصنف كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه أبان فيه عن فضل كبير وعلم غزير ذكر الحاكم في تاريخ نيسابور أنه مات بها في سلخ صفر سنة ست وستين وثلثمائة وحمل تابوته إلى جرجان ودفن بها قاله الأسنوي في طبقاته ومن شعره أيضا
( ما تطعمت لذة العيش حتى ** صرت للبيت والكتاب جليسا )
( ليس شيء أعز عندي من العلم ** فلا تبتغي سواه أنيسا )
( إنما الذل في مخالطة الناس ** فدعهم وعش عزيزا رئيسا )
وفيها أبو الحسن محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري السراج المقرئ الرجل الصالح رحل وكتب عن مطين وأبي شعيب الحراني وطبقتهما قال الحاكم قل من رأيت أكثر اجتهادا وعبادة منه وكان يقرئ القرآن توفي يوم عاشوراء
وفيها أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري ثم المصري القاضي سمع بكر بن سهل الدمياطي والنسائي وطائفة توفي في رجب وهو في عشر التسعين أو جاوزها
سنة سبع وستين وثلثمائة
فيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء التقي عز الدولة وعضد الدولة فظفر عضد الدولة وأخذ عز الدولة أسيرا وقتله بعد ذلك وخلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة وتوجه بتاج مجوهر وطوقه وسوره وقلده سيفا وعقد له لواءين بيده أحدهما مفضض على رسم الأمراء والآخر مذهب على رسم ولاة العهود ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله وكتب له عهد وقرئ بحضرته ولم تجر العادة بذلك إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين فإذا أخذ قال أمير المؤمنين هذا عهدي إليك فاعمل به
انتهى
وفيها هلك صاحب هجر أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي القرمطي
وفيها توفي أبو القاسم النصرأباذي بفتح النون والراء الموحدة وسكون الصاد المهملة آخره معجمة نسبة إلى نصرأباذ محلة بنيسابور واسمه إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النيسابوري الزاهد الواعظ شيخ الصوفية والمحدثين سمع ابن خزيمة بخراسان وابن صاعد ببغداد وابن جوصا بالشام وأحمد العسال بمصر وكان يرجع إلى فنون من الفقه والحديث والتاريخ وسلوك الصوفية ثم حج وجاور سنتين ومات بمكة في ذي الحجة قاله في العبر وقال السخاوي كان أوحد المشايخ في وقته علما وحالا صحب الشبلي وأبا علي الروزباري والمرتعش وغيرهم قيل له أن بعض الناس يجالس النسوان ويقول أنا معصوم في رؤيتهن فقال ما دامت الأشباح باقية فإن الأمر والنهي باق والتحليل والتحريم مخاطب بهما ولن يجترئ على الشبهات إلا من يتعرض للمحرمات وقال الراغب في العطاء لا مقدار له والراغب في المعطي عزيز وقال العبادات إلى طلب الصفح والعفو عن تقصيرها أقرب منها إلى طلب الأعواض والجزاء وقال جذبة من الحق تربى على أعمال الثقلين هذا
كله كلام السلمي
وقال الحاكم الصوفي العارف أبو القاسم النصرأباذي الواعظ لسان أهل الحقائق وقد كان يورق قديما ثم تركه غاب عن نيسابور نيفا وعشرين سنة ثم انصرف إلى وطنه سنة أربعين وكان يعظ على ستر وصيانة ثم خرج إلى مكة سنة خمس وستين وجاور بها ولزم العبادة فوق ما كان من عادته وكان يعظ ويذكر ثم توفي بها في ذي الحجة ودفن عند تربة الفضيل ابن عياض رحمهما الله تعالى ورضي عنهما
انتهى ملخصا
وفيها أبو منصور بختيار الملقب عز الدولة بن الملك معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي ولي عز الدولة مملكة أبيه بعد موته وتزوج الإمام الطائع ابنته شاه زمان على صداق مبلغه مائة ألف دينار وكان عز الدولة ملكا سريا شديد القوى يمسك الثور العظيم بقرنيه فيصرعه وكان متوسعا في الاخراجات والكلف والقيام بالوظائف حكى بشر الشمعي ببغداد قال سئلنا عند دخول عضد الدولة بن بويه وهو ابن عم عز الدولة المذكور إلى بغداد لما ملكها بعد قتله عز الدولة عن وظيفة الشمع الموقد بين يدي عز الدولة فقلنا كانت وظيفة وزيره أبي طاهر محمد بن بقية ألف من في كل شهر فلم يعاودوا التقصي استكثارا لذلك وكان بين عز الدولة وابن عمه عضد الدولة منافسات في الممالك أدت إلى التنازع وأفضت إلى التصاف والمحاربة فالتقيا يوم الأربعاء ثامن عشر شوال من هذه السنة فقتل عز الدولة في المصاف وكان عمره ستا وثلاثين سنة وحمل رأسه في دست ووضع بين يدي عضد الدولة فلما رآه وضع منديله على عينيه وبكى قاله ابن خلكان
وفيها الغضنفر عدة الدولة أبو تغلب بن الملك ناصر الدولة بن حمدان ولي الموصل بعد أبيه مدة ثم قصده عضد الدولة فعجز وهرب إلى الشام واستولى عضد الدولة على مملكته ومر الغضنفر بظاهر دمشق وقد غلب عليها قسام العيار ثم ركب إلى العزيز العبيدي وسأله أن يوليه نيابة الشام ثم