كتاب : مفاكهة الخلان في حوادث الزمان
المؤلف : ابن طولون
القسم الأول
سنة أربع وثمانين وثمانمائة
... كان عقد قران بنت زين الدين الهديري على ابن السيد تاج الدين الصلتي، برهان الدين إبراهيم، على مبلغ أشرفية ... وأرسل أربع قراريب زجاج أمياه وسكراً، وأباليح ثمرة، وشقتين حرير، وعقده مولانا الشيخ تقي الدين، خال أبيها، بالمشهد، بعد صلاة الظهر، وقبل له والده، وكان حاضر العقد جدها لأبيها الشيخ شهاب الدين، والشيخ شمس الدين الخطيب، والشيخ غرس الدين اللدي، والشيخ شهاب الدين الصيرفي، ورضي الدين بن الغزي، والشيخ شمس الدين النيربي، والشيخ شمس الدين بن البزة، وشربوا سكرا. وفيه ثار هواء كثير، وقطعت الأنهار.وفي يوم الاثنين ثالثه، صام النصارى.
ولبس القاضي نجم الدين بن مفلح الحنبلي خلعته بدمشق وقريء توقيعه بالجامع الأموي على العادة، قرأه نور الدين محمود بن الباعوني نائب كاتب السر؛ كما قرأ توقيع قاضي الحنفية التاج بن عربشاه المار ذكره القاضي بهاء الدين الحجيني، ولم يلبس النائب الخلعة للقاضي نجم الدين لمعاكسته لأجل بلصة منه بطلب مبلغ ولم يركب على العادة، ولم يطلع وردة القضاة من الباب، والكلام كثير في لبس القاضي الحنبلي من جهة النائب.
ووقع من أبي بكر الحريري المتصوف كلام فاحش في حق عز الدين الناصري بسبب العذراوية، فضربه ثم أخذه إلى القاضي المالكي، وأراد ضربه، فوقع فيه شفاعة من مولانا الشيخ تقي الدين، فرفع للحبس - وفيه أراد النائب عرض العسكر بالمصطبة، ولبس بعض العسكر وطلع إليها، فوقع مطر كثير إلى آخر النهار.
وفي يوم الأحد تاسعة ليلاً سافر النائب، وحصل للناس شوطة.
وفي يوم الاثنين عاشره عيد الناس. وفيه دخل النائب بين الصلاتين من جهة العناية، وقدامه نحو الأربعين رأساً من العرب على رماح من أعلى، كبسهم على مكان يسمى الحمراء، شرقي قرية ضمير أو قبليها، وعيد في ضمير وغنم منهم شيئاً كثيراً؛ ثم دخل بعده بساعة نحو الألف جمل غالبها نوق. وصادف وقت دخوله جاء من تحت القلعة جماعة ومعهم وحوش مصادة على حمير، ما بين ضباع وأتياس وعنيزات وثعالب وغيرها، فالتقوا معه عند مدرسة الزنجيلية، وأشار أن يكونوا قدامه، إشارة إلى صيد وحوش البرية من الآدميين وغيرهم.
وفي اليوم السبت خامس عشره كان أو الأعجاز - وفي يوم الاثنين سابع عشره عرض النائب العسكر، وهم ملبسون بالسلاح الكامل، في المصطبة، وذكر أنه بمرسوم من السلطان، وكذلك عرضوا في سائر بلاد السلطان.
وفي يوم الجمعة عشريه شاع بدمشق وفاة أبي ذر بن الحافظ برهان الدين بن القوف، المحدث الحلبي، توفي بحلب - وفيه عقد مجلس بالقضاة الثلاثة، وحضر القاضي برهان الدين بن المعتمد، بسبب زاوية العدوية، وابن محرز، ولم يتحرر شيء.
وفيه جاءت أنهار دمشق، وهو آخر الأعجاز، وطلع شيخ الإسلام تقي الدين إلى زملكا والرشيدية للفرجة على زهر اللوز والمشمش. وولد للقاضي محي الدين الإخنائي ولد، شقيق سيدي إبراهيم، كناه بأبي الفضل.
وفي يوم الاثنين رابع عشريه جاء الحاج محمد الدقي إلى القاضي صلاح الدين العدوي، ومعه مطالعة الشيخ شهاب الدين بن المحوجب بسبب عمارة الجامع الأموي، وشرع في عمارته بمباشرة الأمير يشبك الحمزاوي، والبداة بمشهد الزيلع.
وفي يوم السبت ثاني عشريه كان أول فصل الربيع، ونقلت الشمس للحمل، وكان يوماً مطيراً كثير الهواء.
سنة خمس وثمانين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين ابن أخ المستنجد بالله وسلطان مصر والشام وما معهما الملك الأشراف أبو النصر قايتباي الجركسي، ونائبه بدمشق قانصوة اليحياوي، وقاضيها وكاتب سرها قطب الدين الخيضري الشافعي، وهو مقيم بالقاهرة له مدة، والحنفي تاج الدين بن عربشاه، والمالكي شهاب الدين المريني المغربي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، وناظر الجيش موفق الدين العباسي الحموي، ونائب القلعة علاء الدين بن شاهين، والحاجب الكبير يشبك العلاي، ودوادار السلطان يلباي الأينالي.
استهلت بيوم الاثنين المبارك، وهو رابع عشر آذار من أشهر الروم.
وحصل فيه ريح شديدة، وزاد النهر زيادة قوية، والثمار غالبها أزهرت، وخرج بعض الورق. - وفي يوم الأربعاء ثالثه توفي القاضي زين عبد الرحمن الزرعي الحنفي فجأة، وكان رجلاً ديناً خيراً، عين نواب القاضي الحنفي، عفيفاً في مباشرته، متوفقاً في الأمور؛ وولي قاضي القضاة الحنفي بطرابلس، وإقامته بها مع أولاده كثيرة، وهو يدعى أنه ابن عم بني قاضي عجلون، وكان كثير الترداد إلى دمشق، ويحب الإقامة بها أكثر من طرابلس، حصل له جدور من رأسه إلى حلقه، وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بمقبرة الفراديس بالقرب من تربة الناصر بن برقوق.
وفيه أطلق مقدم الزبداني ابن العزقي من السجن بسفارة شخص يدعى سيدي عمر بن النيربي التاجر الحلبي، المقيم الآن بدمشق، وكان في السجن من حريق الجامع قد أشرف على القتل، فخلصه الله تعالى على يد هذا الرجل، لأن له دخلا في الدولة. والعمل كثير في الجامع الأموي، والمعلمون من المسلمين: عبد الوهاب الحلبي وابن العجلونية ومحمد بن المؤذن والأعسر والدفيه ابن التازي وأخيه عبد الوهاب.
وفي يوم الخميس رابعه ذكر أنه حصل لبعض التفاح الفاطمي والسكري بعض شوطة من الهواء المتقدم.
وفيه سافر النائب وجميع الجند إلى جهة الغرب، واختلفت الأقوال فيه، فمن قائل إنه توجه إلى الخربة، ومن قائل إلى الغور، ومن قائل إلى الغرب، ومن قائل إلى حرب شيخ جبل نابلس لأمر اتفق بينه وبين يونس كاشف الرملة، خرق حرمته ووضعه في زنجير ومشاه إلى لد، وخرق طبلخانته، وأهانه إهانة بالغة، ثم أطلقه بعد ذلك، والله أعلم بحقيقة الحال.
وفي يوم الاثنين ثامنه جاء جماعة من القاهرة إلى حماة، وأخبروا بأنه جاء مبشر إلى القاهرة من الحجاز الشريف في ثالث عشري الحجة، وأخبر بأن السلطان طيب، ووصل إلى مكة المشرفة، وحج واجتمع بمحمد بن بركات سلطان مكة المشرفة، وأقبل عليه السلطان وتسالما على الأرض؛ ثم إن السلطان ضيف محمد بن بركات، وتصدق بمثانية الآف دينار؛ وهو راجع صحبة الحاج إلى القاهرة، وكتب بأنه لا يلاقيه أحد إلى البركة.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره جاء كتاب من إياس نائب بيروت إلى القاضي صلاح الدين العدوي بأن شخصاً من الفرنج جاء في كريب وهو من أهل قبرس، وأخبر بأن صاحب رودس أرسل يخبرهم بأن السلطان ابن عثمان أنزل في البحر تعميرة نحو الخمسمائة قطعة، وفي البر خلقاً كثيراً، ولم يعلم أين يتوجهون.
وفي ليلة السبت ثالث عشره سافر القاضي شهاب الدين بن الفرفور متوجهاً إلى القاهرة، ومعه شمس الدين الكيزاني، وزين الدين عبد الرزاق الزرعي، والقاضي عز الدين الكوكاجي، والشيخ علاء الدين بن سالم، وركب معه يودعه القاضي تاج الدين بن عربشاه الحنفي، وناظر الجيش الموفق العباسي، وحاجب الحجاب، وعلاء الدين البصروي، وشمس الدين الخطيب، ومحيي الدين الإخنائي.
وفي يوم الأحد رابع عشره توجه الفقراء إلى زقاق القرائيين بين النهرين، وكبسوا مكاناً يعمل فيه البوزة، فأراقوها وأمسكوا من يعملها نفرين تركمان، فذكرا أن شاد الشراب خاناه أرسل خلف أحدهما إلى حلب ليعلمها لأجل المماليك، وله جعلٌ على ذلك في كل شهر، فكتب عليهما ورقة بحضور مولانا شيخ الإسلام تقي الدين بالمشهد، مع حضور القاضي شهاب الدين الطرابلسي نائب المالكي، ويشبك الحاجب الثاني شاد عمارة الجامع، والشيخ إبراهيم الأقباعي، والشيخ أبي الفضل القدسي، والشيخ أبي العباس البادراي، ونور الدين الأزبكي.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره جاء الخبر من بيروت بقضية البحر العثمانية، وهي أن ابن بداق أرسل إلى نائب حلب يستأذنه في الدخول إلى بلادها خوفاً من العثامنة لقصدهم له.
وفي يوم الخميس ثامن عشره ورد كتاب النائب من الخربة لحاجب الحجاب بأنه وصل كتاب من نائب غزة إليه على يد ساع، يذكر فيه أنه لاقى السلطان إلى عقبة أيلة، وأنه واصل في ساقة الحاج متوجهاً للقاهرة، وأمر بدق البشائر، فدقت، ورمي بالمكاحل، ونودي بالزينة؛ كل ذلك بواسطة نقيب القلعة أيدكي حمار وهو من مماليك السلطان.
ووصل كتاب السيد كمال الدين بن حمزة وشهاب الدين بن المحوجب من القاهرة، وفيه تعريض لبعض ذلك لمولانا الشيخ تقي الدين المنوه به.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره عقد مجلس عند شباك مشهد النائب من الجامع الأموي، بسبب حمام بين النهرين، من شهاب الدين الرقاوي المتكلم على وقف المنصوري وواضع اليد على الحمام المذكور، بحضور الحاجب الكبير والقضاة الثلاثة والقاضي برهان الدين بن المعتمد، وانفصل المجلس من غير شيء.
وفي آخره حصل من ابن الحزيزاتي التاجر استطالة على القاضي محيي الدين الإخنائي بالحلبية من الجامع الأموي، وكان أبو بكر بن منجك حاضراً، ثم اجتمعوا عند شمس الدين الخطيب، وازداد الأمر، فجاؤوا إلى قاعة المشهد من الجامع الأموي عند مولانا الشيخ تقي الدين المنوه به، وحصل خباط كثير، وطلب من ابن الحزيزاتي الصلح، واستمروا إلى قريب المغرب، ثم انفصل المجلس عن غير شيء.
وفي يوم السبت عشرينه مر شخص على زاوية الشيخ العداس ومعه معجون عبارة عن الحشيشة مخلوطة بدبس، فقام إليه الشيخ عبد القادر النحاس من جماعة الفقراء، وشخص من جهته، ورميا ما معه وأزالاه، وكتب عليه إشهاد أنه لا يبيعه، فراح الرجل من ساعته للقلعة وشكى، فأرسلوا نحو العشرين نقيباً أو أكثر إلى الثلاثين، فاحتملوا عبد القادر إلى القلعة وحبس بها، وكان ذلك وقت الظهر، فأرسل مولانا الشيخ المنوه به خلف القاضي صلاح الدين العدوي بسبب ذلك، وأن يخلص عبد القادر المذكور؛ فركب للقلعة واستمر إلى العصر ولم يفد ركوبه شيئاً، ثم مر على بيت الحاجب الكبير فركب الحاجب إلى القلعة، فلم يفد ركوبه شيئاً أيضاً، فرجع إلى مولانا الشيخ إلى المشهد وأخبر بما وقع، واستمروا ساعة جيدة، ثم أمرهم الشيخ أن يركبوا مرة ثانية للقلعة، فركب الحاجب والعدوي وشخص من مماليك السلطان يدعى برد بك من الألوف للقلعة، واستمروا إلى قرب المغرب، وجاؤوا ولم يفد ركوبهم شيئاً، وأيس من خروج عبد القادر من القلعة، واستمر مولانا الشيخ، والشيخ شمس الدين الخطيب، والسيد شمس الدين الحسيني، والقاضي شهاب الدين بن النحاس، ومن معهم من الفقراء، على باب المشهد، واتفقوا أن يجمعوا الغوغاء ثاني يوم ويكبرون لتخليص عبد القادر؛ فبينما هم كذلك وإذا بعبد القادر قد جاء ومعه عبد القادر مقدم القلعة الكبير، وفرج المقدم الثاني، ففرح الناس بذلك، وخلصه الله تعالى لا على يد أحد من الخلق، وكان المتولى حبسه أيديكي النقيب، وهو جلب خليع هزيع، وينقر بنفسه ويرقص بين الناس على باب القلعة في الزينة الآمر بها وفوق برج الخليلية، ويرمي المكاحل، ودار مع الزفة في الليل، ولا شك في جنونه بل ولا فسقه، فمن الله تعالى قضم الجبابرة.
وفي يوم الأحد حادي عشريه نودي بتقوية الزينة.
وفيه جاء ديوان القلعة أبو الفضل موسى إلى مولانا الشيخ، واعتذر عن النقيب بسبب ما وقع منه من جهة عبد القادر النحاس.
وفي يوم الاثنين ثاني عشريه نودي بتقوية الزينة أيضاً، وختمت الحوانيت التي ما زين أهل .
وجاء النقيب بنفسه إلى المشهد ليعتذر لمولانا الشيخ فلم يجده.
وفي يوم الأربعاء رابع عشريه جاء يكتب الحاج، وفيها أنها كانت سنة طيبة، ووردت كتب من القاهرة بأن السلطان دخلها في سادس عشر هذا الشهر.
وفي يوم السبت سابع عشريه آخر الليل ولد ولدٌ لمولانا الشيخ، ولد من زوجته المصرية، وسمي عبد الرحيم.
وفي يوم الأحد ثامن عشريه دخل في آخره بعض سوقة من الحجاج وأخبروا بأنهم فارقوا المحمل من الزرقاء، وأنه يبيت ليلة الاثنين الطيبة.
وفي يوم الاثنين تاسع عشريه دخل بعض الحجاج، وسلم مولانا الشيخ على سيدي الشيخ محمد الحسيني، وجماعة منهم: القاضي برهان الدين بن المعتمد، والقاضي محيي الدين الإخنائي، والشيخ أبو الفضل القدسي، والشيخ شمس الدين الكفر سوسي، والشيخ محيي الدين النعيمي، وفرس عليه الشيخ محمد بسبب كلام بلغه عنه آذى به الشيخ شمس الدين الصفدي الرجل الصالح، وسلم آخر النهار على البرهان ابن الكيال، وأخبر بأمور منها أن الوقفة كانت الاثنين، وأن السلطان زار المدينة الشريفة في الطلعة، وأرسل لأمير حاج الشامي أن يتعوق يومين إلى أن يزور ويسافر، ثم يدخل الركب الشامي، وحصل لهم بذلك شدة ودعوا عليه؛ وأن السلطان وقف بهم وسعى ماشياً حافياً، وطاف مع الناس الخاص والعام، وسافر على الهجن متوجهاً للقاهرة لأجل أمر بلغه كما قيل، واستمر معه صاحب الينبع إلى أسفل العقبة، وأن قاضي ركب الشام الشيخ شمس الدين القدسي ذهاباً وإياباً، وأنه فقد من الشاميين في معان في العود من التجار شخص يقال له البازد من أهل حارة خان السلطام، وأن النهر ضعيف بواسطة البرد في الطلعة، وأنه أخذ من الشاميين في الطلعة نحو الثلاثين جملاً بما عليها، وشكى على أميرالركب الشامي للسلطان ففرس عليه، وأنه أخذ من الحجاج من الزلاقات شخص استفكه الشيخ محمد في العلا أو غيرها.
وفي يوم الثلاثاء سلخه دخل غالب الحجاج ولم يتأخر غير المحمل وأمير الحاج، وطلع مولانا الشيخ وسلم عليه في القبة.
وفي يوم الأربعاء مستهل صفر منها دخل المحمل وأمير الحاج لا غير.
وذكر أن النائب تحول من الخربة إلى مكان في آخر حوران يدعى عين الحصا، مكان مليح، فيه الماء كثير والربي، وغيره، وهو منزل الأعراب .
وفي يوم السبت رابعه حصل صقع الورد والكرم والمشمش والأنجاص وغيره، ولا قوة إلا بالله.
وفي يم الأحد خامسه جاء هجان من القاهرة للقلعة من جهة البهار بأن العرب شكوا للسلطان على من ظلمهم، وحصل لناظر الجيش نكد بسبب ذلك، وخصوصاً من خلل في وزنه .
وفي يوم الثلاثاء سابعه سافرت الزردخانة للقاهرة من قلعة دمشق على العادة، وسافر عبد الرحمن الحريري بسبب العمري وفتنته، ورجع من يومه من رأس القبيبات لكون الفرس عرجت .
وفي يوم الأربعاء ثامنه حصلت حكومة عند القاضي الحنفي ابن عربشاه بالقلعة بين أناس جمالين ووكيل عن وزير ابن عثمان الحاج في هذه السنة، فتوجه الحق للجمالة على الوكيل المذكور بمبلغ أشرفية ذهب سبعمائة، وثبت الحق لهم وحكم به؛ وكان ذلك بحضور يشبك حاجب الحجاب، ثم ذكر أنه توقف في ذلك، وربما رجع عن الحكم، فحصل له بهدلة من الحضور والعوام، وما لا خير فيه من الكلام السيء، وقيل إنه رجم من العوام، وكان الشيخ خير البلعاوي مساعد الجمالين، وحصل منه للقاضي كلام لا يليق مواجهته، كل ذلك بواسطة رجوعه عن الحق والحكم به، فما وسع القاضي إلا الهرب ببغلته .
وفي يوم الجمعة عاشره قيل إن ابن البطخاص نائب قلعة صفد قتل بالقرب من بلاد غزة، ومسك نائبها سبياي، وطلب للقاهرة في حديد بسببه .
ورحل نائب الشام من حوران إلى المرج، ثم وصل يوم تاريخه، وذكر أنه طلب حريمه إلى عنده وراحوا إليه في محفة .
وفي يوم الأربعاء خامس عشره حصل حركة من عبد القادر النحاس بسبب مساعدته لأناس من جهته، اقتضت أنه أخذ في جماعة من النقباء لبيت دوادار النائب في إهانة بليغة كما ذكر، ثم أخذ من هنا لبيت حاجب الحجاب نائب الغيبة في زنجير بإهانة أزيد، وما ذاك إلا بواسطة موت رضيع الشاكين، أتهم بأنه أرجف أمه واستمر يتحرك إلى أن مات، فأخذه أبوه وطلع آخر النهار وشكى للنائب في المرج على عبد القادر المذكور، فرده النائب إلى نائب الغيبة الحاجب، فبات عبد القادر في بيت الحاجب في الترسيم إلى أن عملت مصلحته ثاني يوم، وأطلق آخر النهار على يد مولانا الشيخ .
وذكر أن النائب لما رجع من حوران إلى المرج عادت العرب إليها، فنادى بالرجوع إلى حوران والإقامة شهرين.
وذكر أن الأمير مقلد، كبير العرب حضر عند النائب، فشتمه وسبه وعنفه تعنيفاً كثيراً وأشرف منه على التلف، فقام الأمراء الكبار على أرجلهم وشفعوا فيه، وأنهم يتداركون البلاد، ولم يتم الأمر .
وفيه وقع كلام بين ناظر الجيش والقاضي الحنبلي بسبب قضية البهار وصار في الأنفس شيء بسبب ذلك .
وفي يوم الجمعة سابع عشره في عصره هاج ريح شديد، واستمر إلى ثاني يوم وقت الظهر، وتساقط من ذلك الثمار وعدة أشجار .
وأشيع أن السلطان لما رجع من الحجاز الشريف حصل منه ما كان فيه وأعظم، ومسك ناظر الجيش المقسي وابن ضرير وطلب منهما مالاً جزيلاً، فقالا المقسي: ما معي شيء والمال في الجهات، وما معه إلا روحه خذها، فأمر بسلخه، فأخذ وسمر على جمل في القاهرة وسلمهما للوالي، فشفع القاضي كاتب السر بأن يشنقا أخف عليهما من السلخ، ثم إن الخليفة طلع إليه وشفع فيهما، وقال: إيش يقول الناس في البلاد إن السلطان أمر بقتل مباشريه على مال، وتلطف به إلى أن صفح عنهما وسجنهما على المال .
وفي يوم الأحد تاسع عشره قيل إن بهاء الدين الباعوني ورضي الدين الغزي كل منهما له بنت صغيره، زوج كل منهما بنته بالآخر لأمر بينهما .
ووقعت قضية بين عبد الله الباعوني وابن البانياسي وابن الناعوري والشهاب البقاعي ونقيب القلعة، من جهة غيضة من غياض السلطان، اقتضى الحال إلى مسكهم والكلام الوحش لبعضهم، وأخذ الخشب والغيضة منهم للسطان والإشهاد عليهم بذلك .
وفي يوم الاثنين عشريه جاءت أخبار بأن سيف البدوي الخياري وعربه اقتتلوا مع نائب حماة أزدمر وأمير كبير بها، وأنهما قتلا، والحاجب على جانبه على خطة .
وفي يوم الثلاثاء حادي عشريه في آخره توفي الشيخ علي الحلاق المقيم بمدرسة البادرائية، كان في خدمة الشيخ محمد الحسيني ومولانا الشيخ تقي الدين المنوه بذكره، والقاضي زين الدين قريبه نازل بخلوة بالبادرائية له مدة من أيام القاضي ولي الدين ابن قاضي عجلون عندهم، وخلف مالاً كثيراً نحو الخمسمائة دينار ذهباً، وفضة وأثاثاً، وكان يدعي ضيق اليد حتى كان يأخذ الزكاة .
وتوفي علاء الدين المصري الشافعي المدعو بالغزالي، وبلقب بأبي قتيبة .
وفيه فرس النائب على نفيب القلعة وأوهجه بسبب فلاحي داريا، كان أمسكهم النائب بسبب فقيه داريا المقتول، فأطلعهم من الحبس بغير مشورة، وحبس الشاكين، فشكوا على النقيب للنائب فلم يلتفت إليه، ثم بعد ذلك طلع النقيب للمرج، فهو قاعد وإذا بهم جاؤوا وشكوا عليه، فشتمه، وقال له: يا خنزير يا كلب والله أوسطك، أنت حاكم الشام، تحكم برأيك ؟ إلى غير ذلك من الكلمات، فأكب على رجلي النائب يقبلهما إلى أن سكت عنه، وقال له: امسك الذين أطلقتهم واحبسهم وإلا وسطتك؛ ثم قال للمقدمين بالقلعة: يا خنازير، الكل منكم، والله أوسطكم الآن؛ فما خرجوا إلا وهم يتشاهدون مما فعل بهم، ففي الحال نزل النقيب وأطلق المسجونين من السجن، وقال: ما بقيت أحكم شيئاً؛ ونادى بذلك خوفاً من النائب.
وفي يوم الخميس ثالث عشريه شاعت الأخبار بأنه حصل للمغل بعض صقعة وغالبها في القمح في حمى أطراف البلاد.
وذكر فيه أن نائب حماة قتل من أهلها نحو المائتين .
وفي يوم الجمعة رابع عشريه أشيع بأنه جاء مرسوم السلطان لأيدكي نقيب القلعة، أنه يكون شادا على عمارة الجامع الأموي.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشريه في آخره جاء النائب من المرج في أناس قلائل للإشراف على الجامع، ثم رد إلى المرج. وذكر أنه عين الأمير جاني بك التنمي أحد الألوف إلى حماة ومعه مماليك من الأمراء وغيرهم، نحو المائتين، يقعدون هناك إلى أن يرد من القاهرة ما يعتمد عليه .
وفي هذه الجمعة ظهر من الشيخ برهان الدين الناجي، تعصب مع برهان الدين البقاعي لما نكلم في الإمام حجة الإسلام الغزالي، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الأربعاء ثاني عشريه جاء محمد المزي قريب القاضي الحنبلي، ومعه خلعة الاستمرار لمخدومه القاضي الحنبلي .
وباكير البندقدار أحد الحجاب الصغار بخلعة من السلطان لابسها، ومعه قصاد يعقوب بن حسن باك الذين كانوا توجهوا معه لما كان السلطان بالحجاز الشريف.
وجاء الشيخ أحمد العجلوني من بيروت، وأخبر بأنه تواترت الأخبار ثمة بأن السلطان ابن عثمان معسكر على رودس يحاصرها وقد أحاط بها ظفره الله بها.
وجاء النقيب القلعة مرسوم بأن يكون مشاركاً للقاضي صلاح الدين العدوي في عمارة الجامع الأموي.
وحصلت خبطة به بين يشبك الحمزاوي وأبي الفضل المصري ديوان نقيب القلعة، وتطلب صناع العمل مولانا الشيخ أمتع الله بحياته بعد أن بطلوا، فهمدهم.
ثم حصلت خبطة مع محمد الأكاوي صبي القاضي محيي الدين الإخنائي وجماعة الفقراء المجاورين، بسبب الماء المأخوذ من الطالع الذي كان واصلا قبل ذلك للسبيل والمرتفع عند القيمرية، لما ظهر هذه الأيام، وأخذ ماءه الأحياء والأموات.
وحصل بين عبد القادر النحاس وشهاب الدين الرملي خبطة أيضاً، وهي أن الرملي كان ماراً عند مسجد الرأس وإذا بعبد القادر مار على الرصيف، فضايقه الرملي، وقال له: انزل من أسفل، فقال له عبد القادر: ما ينزل إلا أنت؛ فشكى عليه الرملي للمالكي برسول، وطلبه فجاء إلى المالكي فأصلح بينهما.
وفي يوم الاثنين سلخه لبس القاضي نجم الدين بن مفلح الحنبلي خلعة من السلطان صوف أخضر بفرو سمور بالاستمرار، ولبسها من المرج الشامي ومر على السبعة ومسجد القصب، ومعه الحنفي ابن عربشاه والمالكي المريني، وقدامهم الحرافيش، فلما أن كانوا تجاه الجامع الجديد عثرت بغلة الحنفي فسقط قماشه عن رأسه تحت أرجل الدواب، وبقي ساعة مكشوف الرأس إلى أن لبسه وهو نازل.
وجاء مرسوم لنقيب القلعة أن يكون مشاركاً في عمارة الجامع، ووقع الخباط.
وفي يوم السبت ثاني ربيع الأول منهم رحل النائب من المرج إلى عيون الحصا بحوران.
وجاء السيد كمال الدين بن حمزة من القاهرة.
وسافر جاني بك التنمي بمن معه إلى حماة من المرج.
وجاء مرسوم لنقيب القلعة بأنه لا يقرب أبا الفضل المصري ويخرجه من القلعة.
وفي يوم الأربعاء سادسه توفي المصري المنعم، وكان له مدة بدمشق، وكان صوته حسناً بخيلاً به، توفي بالمارستان النوري.
ووصل الخبر بوفاة عمر صبي بدر الدين بن أقطوان وتربيته، غريقاً في نيل مصر، وكان شاباً في أول عمره.
وتوفي بدمشق بهاء الدين بن الحاج محمد المعمار، والده كان، أي والده، شيخاً كبيراً عند جلبان نائب الشام، مقدماً عنده وفيه إنسانية، وانتشأ هذا الولد في نعمة مع قراءة القرآن وغيره، وكانت والدته منتمية لبيت القاضي برهان الدين قاضي عجلون، فيها الخير والبركة، فلما توفي والده انفرط أمره إلى أن بقي في باب ابن النابلسي لما كان بدمشق نقيباً إلى أن نزل سلطانهم ومات، ذكر أنه وقع في قضية وحشة، أمسكه يلباي دوادار السلطان فضربه وحبسه، فمات في حبسه.
وفي يوم الجمعة ثامنه فوض القاضي نجم الدين الحنبلي لشخص يدعى الشيخ علاء الدين البغدادي نيابة الحكم، بعد الصلاة بالمدرسة الجوزية، وألبسه ما كان عليه، فرجية صوف مختم أبيض، كان لوالده، وكان ناب لشهاب الدين بن عبادة، وهو من أهل العلم في مذهبه.
وفي يوم الاثنين حادي عشره حفر الطالع بالذهبيين وعمل النازل للسبيل والمرتفق الذي ظهر بالقرب من القيمرية، ونقر جرف صغير، ويعمل به ثلاث أصابع للسبيل والمرتفق، ولمن تقلد الباقي فديا، لأن المال صلة للسبيل والمرتفق، فلم يوافق محيي الدين الإخنائي وظهر منه كراهيته لذلك، وقال: ما أتبرع وشركائي إلا بإصبعين ونصف.
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشره دخل ولد السيد تاج الدين الصلتي على بنت القاضي محيى الدين الإخنائي، المتقدم ذكر عقدهما.
وفي يوم الخميس حادي عشريه جاء كتاب جمال الدين يوسف العدوي أنه سيرد مرسوم بالقبض على أبي الفضل المصري ديوان نقيب القلعة، وتجهيزه في الحديد للقاهرة.
وفي يوم السبت ثالث عشريه نودي بمشاعلي بأقطار المدينة، على عمر بن الصابوني ناظر الجوالي: من ظلم اليهود والنصارى عليه بالأبواب الشريفة، ومرسومه إليه بأن يسافر إلى القاهرة.
وفي يوم الخميس ثامن عشريه توفي شهاب الدين أحمد بن دلامة التاجر، كان شاباً حسناً، عنده بعض قدر وإنسانية ومحاشمة، رحمه الله.
وجاء خاصكي من القاهرة على هجن، له ثمانية أيام، ونزل عند الحاجب الكبير؛ وذكر أنه جاء بسبب سيف البدوي؛ ليروح إليه النائب بنفسه وعسكره، ويمسكه أي موضع كان .
وفي يوم السبت سلخه ورد كتاب من ابن سليم من بيروت بأن السلطان ابن عثمان له عسكر على رودس ستمائة قطعة، وأنهم خربوا البرج الذي عمره أسرى المسلمين، وهو مشرف على أخذها .
وذكر أن الجراد بالغوطة، وهو كثير ببيت فوقا، قرية بالغوطة، ولم يزد شيئاً ولله الحمد .
وفي يوم الثلاثاء ثالث ربيع الآخر منها، نادى النائب بالتجريدة، والعرض يوم الخميس ببلدان من الغوطة .
وفي يوم الأربعاء رابعه حضر مولانا الشيخ تقي الدين المنوه بذكره بالمدرسة الشاميه البرانية، وحضر سيدي عبد الرحيم بن القاضي ناظر الجيش موفق الدين بالناصرية الجوانية ودرس بها، أخذه من العماد إسماعيل الحنفي .
وفي يوم الخميس خامسه وقع الصلح بين القاضي محيي الدين الإخنائي وابن عم الإخنائي وابن عم مولانا الشيخ تقي الدين، وكان وقع بينهما بسبب الطالع للسبيل والمرتفق المتقدم ذكره، ببيت السيد كمال الدين؛ ركب السيد وقاضي القضاة إلى بيت نجم الدين الحنبلي إلى بيت القاضي محيي الدين، وجاء البيت السيد مخبرنا المشار إليه ومعه القاضي علاء الدين البصروي للمشهد، ثم جاء السيد ومعه شهاب الدين بن حجي وشمس الدين الواعظ الحنفي والشيخ إبراهيم التاجر آخر النهار إلى مسجد مولانا الشيخ، فقرأ الشيخ إبراهيم الفاتحة ودعا، ثم خرجوا .
ولبس القاضي صلاح الدين العدوي خلعة السلطان بالاستمرار من الاصطبل، وركب مع أهل المجلس كلهم، وكان يوماً مشهوداً .
ووصل عبد القادر بن الكاتب وقد ولي ترجمة السلطان عوضاً عن عمر الترجمان، وأودع هذا بالقلعة. ودخل النائب ليلاً .
وفي يوم الاثنين تاسعه حضر السيد كمال الدين بدار السعادة في إفتاء دار العدل نيابة عن القاضي محب الدين ابن قاضي عجلون .
وفي يوم الجمعة ثالث عشره ظهر الخبر بدمشق بوفاة الشيخ الإمام العالم العلامة سراج الدين العبادي، توفي بالقاهرة فجأة وكان من كبار علماء الشافعية بها، رحمه الله.
وفي يوم السبت رابع عشره سافر النائب إلى جهة حماة، ومعه العسكر جميعه والأمراء .
وفيه طلع للصالحية عدة مماليك وخطفوا سبع شاشات، فتبعهم شخص من المأخوذ منهم الشاشات من جسر الأبيض إلى طواحين الأستاذ، فرد عليه واحد منهم وضربه بسيف في رأسه، فلقه نصفين فمات، فحمل للمدرسة وغسل ودفن، ثم تبعهم شخص أيضاً من المأخوذ منهم الشاشات إلى قرية دومة وأخذ شاشه منهم، ثم شكا عليهم للنائب في الوطاق، فتطلبهم النائب، وقال للشاكي: تعال إلى جهة، ذكرها، لنفحص عنهم لما نعرض العسكر بها .
وفي يوم الخميس ثاني عشره نزل نائب صفد بعسكره بالقبة .
وفي يوم الجمعة عشريه وصل الحاج محمد الطحينة قاصد القاضي صلاح الدين العدوي من القاهرة، وعلى يده مستندات للشامية البرانية: التدريس لمولانا الشيخ تقي الدين المنوه بذكره، والنظر للقاضي صلاح الدين العدوي؛ نزل عن ذلك يحيى بن حجي بمبلغ ذهبٍ سلمهم إياه، ودخل في القضية الشيخ شهاب الدين بن المحوجب .
وفيه دخل نائب صفد ونزل بالميدان الأخضر .
وصلي على الشيخ سراج الدين العبادي صلاة الغائب؛ وعلى زين العابدين من ذرية سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني، أعاد الله من بركته، توفي بالقاهرة أيضاً .
وجاء الخبر بأن فريقاً من عرب آل خالد خرجوا على قفلٍ عراقي في برية قرية ضمير، نحو ثلاثة آلاف جمل كانوا متوجهين إلى دمشق، فأخذوهم عن آخرهم، وكان معهم شخص من مقدمي وادي بردا، يقال له عبد المنعم بن العزقي، من كبارهم، له مدة قد خرج عن الطاعة فهرب إلى الحسا، والتف على ابن جبر، فأعطاه نحو ثلاثين جملاً، ثم أخذت منه وقتله الله على يدهم، ولله الحمد .
ومما أخبر به محمد الطحينة أن مخيم العسكر المصري فارقه بالريدانية الدوادار الكبير، ومن معه من الأمراء، وعزمهم التوجه للبلاد الشامية. وأن ابن كاتب السر ابن مزهر ولي حسبة القاهرة .
وفي يوم الأحد ثاني عشريه جاء الشيخ عبد الرحمن الحريري من القاهرة، ومعه مراسيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للنائب، ومعه واحد مطلق أيضاً .
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه لبس علاء الدين بن شاهين نائب القلعة خلعة رضا. وسافر نائب صفد متوجهاً للبلاد الشامية. وفي يوم الأربعاء خامس عشريه ختمت الدروس بالشامية. وجاء شمس الدين بن حلو من القاهرة، وأخبر بأنه فرق الدوادار الكبير بالخانقاه، وتاني بك قرا ببليس.
وفي يوم الأحد سلخه نودي بإبطال المحرمات بمرسوم السلطان المقدم للحاجب، وهو المطلق، وكانت حركة الحاجب مع سيدي محمد بن محمد الحسيني بالمشهد بحضور مولانا الشيخ، بسبب الجمال المأخوذة من خان ولي الله الشيخ تقي الدين الحسيني لسخرة دوادار السلطان الكبير، وانفصل المجلس على خير بعد أن أسمعه سيدي محمد كلمات مبكية، وهو يشبك العلاي.
وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الأولى منها، سافر الحاجب وأبو بكر بن عبد القادر وسيدي إبراهيم بن منجك وغيرهم لملتقى الدوادار الكبير. وفي يوم الجمعة خامسه توفي الشيخ الإمام العلامة علاء الدين على المرداوي الحنبلي، كان أكبر نواب الحنبلي، ومفتي الحنابلة، وكان ديناً عفيفاً ألف التنقيح، وعليه عمل الحنابلة بالشام، وعدة مؤلفات، وقد ذكرته في كتابي التمتع بالإقران بين تراجم الشيوخ والأقران بأوسع من هذه الترجمة .
وفي يوم السبت سادسه وصل بعض جماعة الدوادار الكبير، وبعض أمراء منهم تأتي بك قرا .
وفي يوم الاثنين ثامنه نزل الدوادار الكبير بالقبة بعد العصر. وفي يوم الثلاثاء تاسعه دخل ونزل بالقصر. وفي يوم الأربعاء عاشره دخل برسباي قرا حاجب الحجاب بالقاهرة ونزل المصطبة. ودخل الدوادار الكبير الجامع وزاره، ودخل مشهد مولانا الشيخ تقي الدين وشارفه، وكان مشغولاً بالوضوء، فخرج إليه ولم يجتمع به.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشأه الأمير مكي حيوط، قبلي مما قبر عاتكة شرقي الشويكة، على الجانب الغربي والشمالي من بستان الصاحب، وهو جامع حسن نزه أخذه من بيته وجعله جامعاً، ووقف عليه جهات عديدة؛ وخطب بالجامع المذكور شمس الدين البيضاوي الشافعي .
وفي يوم السبت ثالث عشره سافر تاني بك قرا. وفي يوم الأحد خامس عشره طلع طلب الدوادار وقت الغداء متوجهاً للقصير، وطلع هو بباقي العسكر قبيل العصر، ومعه القضاة والحاجب وناظر الجيش وابن منجك ويونس بن مبارك وابن شاد بك وإسماعيل الحنفي؛ وألبس الحاجب خلعة بطرفين على عادة السلطان، ولناظر الجيش وابن منجك وابن المبارك وابن شاد بك وإسماعيل الحنفي.
وفي يوم الاثنين سادس عشره دخل نائب القلعة وصلاح الدين العدوي بخلعتين من عنده، وأخذه مع المحتسب برددار، وجعل مكانه مملوكاً من جماعته نيابة عنه .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره قيل إن قاضي مصر الشافعي وقاضيها المالكي، أعادهما السلطان بعد أن كان انحرف عليهما بسبب ما.
وفي يوم السبت حادي عشريه شاعت الأخبار بأن السلطان شنق ابن المقسي ناظر الخاص بالقاهرة، وابن البقري شيخ بلاد مصر، على مال تجمد عليهما. وفيه خرب بيوت بنات الخطا بحارة البغيل، بين جامع التوبة وجامع الجديد، بعد أن اشتريت القيسارية من ابن الصقر التاجر بمبلغ أشرفية ثلاثين، ثم انتقلت بنات الخطا إلى جوار المدرسة اليونسية بالشرف الأعلى بإشارة ابن الدواداري الشرابدار وابن الخياطة الوالي، بعد أن نقلوا الناس من بيوتهم أسكنوهن.
وفي يوم الاثنين ثالث عشريه توفي تقي الدين أبو بكر البقاعي، الساكن جوار مدرسة الصابونية الشافعي، وكان كبير الطائفة البقاعيين الساكنين هناك، ومستشارهم، ذكر أنه تمخول ومات بها - وفيه اجتمع خلق كثير بسبب الخمارات وغيرها بالمشهد من الجامع الأموي - وذكر عن ابن رمضان الشاهد بخارج باب الجابية كلام في حق الطائفة الفقراء، فأحضر للمشهد، وأنكر بعد أن عنف بكلام كثير، فتاب واستغفر ما وقع منه - وفي يوم الجمعة سادس عشريه لبس الموفق العباسي خلعةً للاستمرار، وطلب إلى عند الدوادار الكبير إلى حمص، وأن يأخذ معه ديوان الجيش ويسافر به يوم تاريخه بعد الخلعة .
ولبس الحاجب خلعة للاستمرار ونيابة الغيبة. وفي يوم الاثنين سلخه جاء قاصد لابن دلامة الزين عبد الرحمن من القاهرة، شكت عليه جماعة منهم ابن أخته ابن الجفيني بسبب تركة أمه.
وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخر منها، سافر نقيب القلعة للإشراف على خان وادي التيم - وعقد عقد رضي الدين بن الغزي الشافعي على بنت المرحوم شيخ الإسلام زين الدين خطاب البكر، من بنت علي بن الدقيق الحمصي، وفي الثالثة عشرة، ببيت أمها بنت علاء الدين الحنفي، بحضور مولانا الشيخ تقي الدين المنوه به وشيخنا شيخ الإسلام زين الدين بن العيني؛ ولي تزويجها ابن عم أبيها زوج أختها لأبيها ناصر الدين محمد معه على مذهب الحنفية، على مبلغ ذهب مائة وخمسين .
وفي يوم الخميس ثالثه دخل زين الدين الحسباني من القاهرة نائب الحنفي، وبيده عدة وظائف كانت بيد بدر الدين ابن قاضي أذرعات، الملقب بضفدع: السبكية وجامع جديد وتربة الزنجيلية وغير ذلك مع الجوهرية، ووظائف ابن السرادسة بالمارستان النوري، بمبلغ ذهب إليه به .
وفي يوم الجمعة رابعه توفي شهاب الدين أحمد الصالحي الكاتب، كان يخط الخط المنسوب، وكان ديناً، أشقر قصيراً، ثم انتقل إلى سويقة ساروجا؛ وممن كتب عليه هناك مشائخ الإسلام نجم الدين وتقي الدين وأخوهما القاضي زين الدين بنو قاضي عجلون وغيرهم.
وفي يوم السبت خامسه وصل الماء للسبيل والرتفق عند القيمرية من جهة الغرب، وإلى قناة الأحد القريبة للقيمرية من جهة الشرق، التي ينزل إليها في درج، أخذ الماء من الطالع عن الذهبيين، وقدر ذلك ثلاثة أصابع، أثاب الله تعالى الساعي في ذلك الثواب الجزيل .
وفي ليلة الأحد سادسه سافر حاجب الحجاب وابن شادبك الأستادرار إلى برج بني عامر، ليسلما البلاد لابن طراباي عوضاً عن أبيه المقتول، بإشارة دوادار السلطان الكبير.
وفي يوم الاثنين رابع عشره فوض قاضي الحنفية تاج الدين بن عربشاه لعمي الجمال بن طولون الصالحي نيابة القضاء، بواسطة شيخ العلامة زين الدين بن العيني الصالحي، ثم استنابه في حضور إفتاء دار العدل الشريف، ثم نزل له عنه .
وفي هذا اليوم صيح عند المحراب المالكية بالجامع الأموي على شهاب الدين أحمد العجرموشي البقاعي المؤذن المعروف بزمكحل القوال، وكان رئيس المؤذنين بجامع بني أمية، ذا صوت حسن، يضرب به المثل، وكان يقرأ الموالد الشريفة، وهو من جماعة الشيخ تقي الدين الأذرعي، فتوفي - وفي يوم الاثنين سادسه دخل عمر بن الصابوني من القاهرة، ولبس خلعة نظر الجوالي، وله مدة بالقاهرة - ولبس عبد القادر بن الكاتب نصف الترجمة.
وفي يوم الثلاثاء سابعه فوض قاضي الحنفية التاج، لأمين الدين بن الحسباني نيابة القضاء .
وفي يوم السبت ثامن عشره توفي الشيخ برهان الدين البقاعي الشافعي، وكان له مدة سنين مقيم بالقاهرة ثم جاء إلى دمشق، ونزل عند القاضي صلاح الدين العدوي، وتلقاه مولانا الشيخ تقي الدين المنوه بذكره والسيد كمال الدين وغيرهما إلى القنيطرة؛ ثم حصل من الشيخ تقي الدين حركة، ثم وقع بينهما وانتشا شرور كثيرة، وآخر الأمر صنف سباً في حجة الإسلام الغزالي فازداد الأمر وتوالى، ودفن بالحمرية في التربة المجددة؛ وقد أطلت ترجمته في غير ما موضع من التعليقات.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشريه توفي عمر بن الصابوني ناظر الجوالي، ودفن بتربة عمه، وكان والده تاجراً بالدهشة، وكان يحفظ القرآن. وصحت الأخبار بأن الأمير أزدمر الأينالي، الذي كان مع السلطان بمكة المشرفة، طلبه وسط السنة، فأنزل في البحر إلى أن وصل لبلاد الصعيد إلى قوص، ثم ادعى عليه عند قضاتها، وأقيمت عليه البينة بشيء يقتضي ضرب عنقه، فضربت ولله الحمد. وفي يوم الجمعة رابع عشريه وصل ناظر الجيش الموفق من حلب، ومعه أخوه كمال الدين المالكي - وفي ليلة الأحد سادس عشريه جاء شهاب الدين بن المحوجب من القاهرة.
وفي يوم الجمعة مستهل شعبان منها، حصل رعد وبرق، ثم نزل مطر ثم برد، وتزايد إلى أن نزل فيه شيء قدر بيض الحمام، أو بندق الطين، نحو عشر درج رمل، وكان في أوائل تشرين الأول - وفي يوم السبت ثانيه توفي مهتار السلطان، جاء بسبب عمل خيمة للسلطان، وابن الملاح الحداد، أبو صهر الشيخ علاء الدين البصروي، وهو أخو برهان الدين الملاح الفقيه، كما يقال: وفي يوم الأحد ثالثه وصل الخبر من حلب بأن الدوادار الكبير يشبك طلب من أهلها مشاة لتذهب إلى قلعة ماردين، التي فيها مال المتوفى حسن باك والد يعقوب باك، حسبما أشار عليه الخواجا ابن الصوا المشرقي، ومن ذرية تمر وكيل السلطان بتلك الناحية ثم أشار عليه بأن يأخذ منهم مالاً فلم يسهل عليهم ذلك، فلما رجع ابن الصوا من تشييع الزردخانة ووصل إلى حلب، ثار أهلها للشر و ارادوا قتال الروادار، فقال: إيش كنت أنا، روحوا للخواجا ابن الصوا، فلما سمعوا ذلك ذهبوا إليه ليقتلوه فهرب، فأدركوه في حارة الكلاسة، فجروه برجليه إلى تحت قلعة حلب، فأحرقوه، وأراح الله العباد والبلاد منه.
وفي يوم الأربعاء سابعه وصل محب الدين الأسلمي من جهة حلب، معتقل عليه إلى دمشق، بعد ضرب وإهانة، ومسك دواداره محمد يوم تاريخه، ورسم عليه في دار النيابة.
وذكر الشيخ أبو الفضل بن الإمام النائب العربي، أنه لما كان بمنزلة عيون التجار، طلع عليه قطاع الطريق أخذو له خرجاً فيه جميع ملكه، من قماش ومال غيره ذلك، نعوذ بالله من زوال النعم.
وفي يوم الخميس سابعه نودي على الفضة العتيقة من القايتبايية والخشقدمية والأينالية واليلباييه والتمر بغاوية بطالة، وضربوا فضة جديدة، والعتق بالميزان، وتعتمد المائة العتق نحو أربعة دراهم، وإلى عشرة، ورجم العوام المنادي .
وفي يوم السيت تاسعه كان ختان سيدي محمد بن مولانا الشيخ تقي الدين المنوه به، وابن عمه أبي اليمن، وابن ناصر الدين شاد عرطوز، بالبحرة بعد عشاء الآخرة - وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره ابتدئ بعمارة درب الصالحية من جهة الشبلية من جسر طاحون السمرية تحت طاحونة عين الكرش .
وفي يوم الجمعة خامس عشره توفي الشيخ الصالح العالم العلامة المقرئ غرس الدين خليل اللدي الشافعي، الأشعري الاعتقاد بعد أن توضأ لصلاة الصبح وأراد أن يصلي، فتوفي قبل الصلاة بعد أن انقطع أربعة أيام، وكانت جنازته مشهودة، ودفن بمقبرة باب الصغير، رحمه الله رحمة واسعة - وفي يوم الاثنين ثامن عشره أسلم شخص يهودي عطار، يدعى عبد الحق، حانوته تجاه باب دار الطعم العتيقة - وفي يوم الأربعاء عشريه كانت وليمة عرس عبد الرحيم بن الموفق على بنت عمه كمال الدين.
وفي يوم الخميس حادي عشريه جاء قرابة العدول بالحوطة على تركة عمر بن الصابوني؛ ومعه مرسوم بعزل الحموي الحنفي ونقيب الأشراف السيد إبراهيم والمحتسب يونس البرددار المصري، وأن يختاروا من يصلح.
وفي يوم الخميس ثاني عشريه حصل مطاولة بين مولانا الشيخ تقي الدين المنوه به وابن عمه القاضي محب الدين وعلاء الدين البصروي، ببيت السيد كمال الدين، بعد المغرب، وكان شمس الدين الخطيب وشهاب الدين الحمرواي حاضرين، وانفصل المجلس عن فساد، ثم ثاني يوم قبل الظهر حصل الصلح ببيت السيد، وجاء البصروي إلى عند مولانا الشيخ للبيت .
وفيه جلس نقيب القلعة لابن سكر بعد أن مسكه من مدرسة النورية بحضور القاضي الحنفي بها، ثم ضربه. ووصل كتاب زين الدين بن دلامة بأنه ولي نظر الجوالي.
وفي يوم السبت مستهل رمضان منها، كان رؤية الهلال ليلته رفيعاً جداً.
وفي يوم الاثنين ثالثه اجتمع القضاة والفقهاء والترك والمشايخ بالربعات الشريفات والأعلام بالجامع الأموي، والشيخ محمد الحسيني والشيخ إبراهيم الأقباعي والشيخ خليل الصمادي والخاص والعام، أما الفقهاء والمشائخ فجلسوا عن يسار محراب الصحابة، وأما القضاة والترك: الحاجب ونائب القلعة وحاجب ثاني وناظر الجيش، بالمحراب المذكور وحدهم، وقريئ القرآن العزيز وأديرت الربعات، وذكروا الله تعالى ثم ذكر ذلك: لمن يهدى ؟ فأهدى للسلطان؛ ثم قرئ المرسوم بعزل السيد إبراهيم من نقابة الأشراف والمحتسب من حسبة دمشق، وأن يختاروا أحداً يصلح، أما الأشراف فاختاروا السيد علاء الدين بن نقيب الأشراف، فلم يقبل ولم يحضر؛ وأما المحتسب فأحالوا الأمر إلى السلطان، وانفصل المجلس على ذلك إلى قرب الظهر، وكان القارئ للمرسوم الخطيب النابتي، على كرسي، وكان صلاح الدين الوكيل ونقيب القلعة غائبين بالبقاع لأجل تركة مقدم ألف.
وحصل في هذه الأيام برد شديد وزمت إلى الغاية، ولا في كانون ما يأتي مثله، نسأل الله العافية، وفي يوم الأربعاء خامسه توفي بدر الدين بن الزهري الشافعي، كان من نواب القاضي الشافعي، وكان ممن يشتغل على الشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة، وهو من ذرية العلماء لكن لم يكن عالماً، رحمه الله تعالى.
وفي يوم الجمعة سابعه صلي على شخص توفي بالقدس الشريف كان صالحاً، يدعى أبا طاهر، رحمه الله تعالى.
وفي يوم السبت ثامنه اسفيض بدمشق وفاة شهاب الدين أحمد المشهور بزعبوب الشافعي، توفي بكفر كنا، كان كتابه التنبيه يحفظه، وأراد الكتابة بالشامية البرانية فداركته المنية، وفيه توفي إمام الشامية هذه شهاب الدين أحمد، وكان قد كف بصره في آخر عمره، وكان شاهداً على بابها قديماً، وكان مشاركاً في عدة أشياء، رحمهما الله تعالى.
وفي يوم الاثنين رابع عشريه شاعت الأخبار بأن العسكر انكسر كسرة فظيعة وقتل أناس كبار، أخبر بذلك مملوك شادبك أمير كبير الشام؛ ثم تبين أنه قتل الدوادار الكبير يشبك الظاهري، قتله الأمير بياندر، وأخذ رأسه معه، مع جماعة من النواب، منهم قانصوه اليحياوي نائب الشام، ومنهم جاني باك ألماس نائب صفد، إلى يعقوب باك بن حسن باك بن قرا أيلوك بمدينة تبريز، ثم أفلت نائب الشام هذا فدخل حلب في رجب سنة ست، فعزل من الشام ونفي إلى بيت المقدس.
وفي يوم الأربعاء سادس عشريه كان آخر تشرين الثاني.
وفي يوم الخميس سابع عشريه دخل زين الدين بن عبد الرحمن بن دلامة ناظر الجوالي بخلعة، بعد أن نزل بتربة تنم. وفي يوم السبت تاسع عشريه وصل مملوك من مماليك النائب، وأخبر بأخبار مزعجة عن العسكر. وختم على موجود النائب، ورفع جند دواداره، ومحمد دوادار الدوادار، للقلعة.
وفي يوم الأحد مستهل شوال منها، عيّد الناس، وكانوا صلوا التراويح في ليلته، ولم ير الناس الهلال إلى رق واحدة، وإذا هم يكبرون في المآذن، وذكر أن اثنين جاءا إلى عند علاء الدين البصروي من أهل قبر عاتكة، وهو في صلاة التراويح بالجامع الأموي، وشهدا بأنهما رأياه وجماعة من كفر سوسيا.
وفيه هلك النجم السامري الطبايعي وله مدة في ذلك، وكان قد تقدم فيه، وله مدة ضعيف؛ ورؤيت له مقامات حسنة تدل على أنه ختم له بخير، والعلم عند الله، وأعقب ولدا نجيباً في الطب .
وفي يوم الاثنين ثانيه نزل السراق على محمد بن المزلق، وجرحوا بوابه، ولم يجدوه في البيت، وأخذوا صندوقاً فيه أشياء كثيرة جليلة.
وفيه دخل شادبك أمير كبير الشام، من جهة حلب، وفي أناس قلائل جداً، على هيئة زرية، وهو ضعيف في محفة. وفيه جاء مرسوم بأنه عين أربع مقدمين، وترك معهم، عونة للعسكر .
وفي يوم السبت سابعه دخل الحاج الحلبي بكرة النهار، وأميرهم يوسف الحمزاوي، وهو ركب مليح، كان زمام بنت الحمزاوي نائب الشام.
وفي يوم الأحد ثامنه، كان حدث قبله بنحو خمسة أيام، إن أهل القبيبات الفوقانية، وميدان الحصا الذي عند جامع منجك، وقع بينهم بسبب قيس ويمن دعوى جاهلية، واقتتلوا وحصل بينهم جراح، وقتل من القبيبات على ما ذكر ثلاثة أنفار، فطلع الحاجب الكبير إليهم بسبب ذلك، وكبس على أهل القبيبات ومسك منهم نحو العشرة أنفس فأكثر، وضربهم وبالغ من بعضهم بالمقارع، وهرب الغرماء إلى جهة داريا، وجرح من مماليك الحاجب جماعة، وهم إلى الآن محبوسون عنده، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الاثنين تاسعه كان أول فصل الشتاء؛ وفي آخره وصل الأمير جاني بك الأبح أحد الألوف وأخبر بأمور كثيرة، وصل معه محب الدين بن الفرفور صاحب ديوان الجيش، ومعه أمراء من الشام: تمراز التمربغاوي، وابن شاهين حاجب ثالث، وكسباي وغيرهم، وأخبر المحب بأمور، منها أن الباش ضربت رقبته بعد أن مسك على هيئة بشعة، وحشى سلخة الرأس تبنا، ومعه رأس ابن بداق، وأرسلا لتوريز لابن حسن باك، ومسك نائب حلب ازدمر قريب السلطان، ونائب طرابلس بردبك المعمار، لم يعلم له خبر ولا أثر، وتاني بك قرا أحد المقدمين بمصر أسر، وكذا برسباي قرا حاجب الحجاب، وبرد بك أحد الألوف بدمشق، وأينال الخسيف الأمير الكبير بحلب .
وفي يوم الثلاثاء عاشره دخل الحجاج الحمويون، وسافر الشيخ علي الدقاق مع سيدي علي بن القاري التاجر إلى الحجاز الشريف على درب المصري.
وسقط شخص من الصناع من سقف مشهد الزيلع، فمات من ساعته.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره جاء قاصد كاتب السر من القاهرة وأخبر بوفاة قاضي القضاة شمس الدين الأمشاطي الحنفي، وكان من قضاة العدل بالنسبة لهذا الزمان، يتكلم كلمة الحق ولو على السلطان؛ وعلى يد هذا القاصد مرسوم السلطان بأن يسافر القاضي شرف الدين بن عيد الحنفي مكرماً للقاهرة، ويعطى ثمن مركوب وغيره.
وجاء الشيخ محمد بن الحصني من القاهرة أيضاً، وكان له اجتماع كثير بالترك الكبار.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره صلي على القاضي شمس الدين محمد الأمشاطي الحنفي، بالجامع الأموي غائبة.
وفيه تولى المحب بن القصيف قضاء الحنفية، عوضاً عن التاج بن عربشاه .
وفي يوم الأحد خامس عشره سافر الحاج الشامي ونزل القبة، وأميرهم يلباي دوادار السلطان بدمشق، وهو قليل جداً، لكن الغرب من الحلبيين وغيرهم كثيرة، وقاضيهم شمس الدين الكفرسوسي الشافعي، ومعهم من الشاميين عماد الدين إسماعيل النابلسي الأنصاري، وبرهان الدين السوبيني، وشمس الدين بن الجهيني، وإبراهيم بن الوراق، وشهاب الدين بن الصايغ؛ وفي كانون الأول ثمانية عشر يوماً.
وفي يوم الاثنين سادس عشره دخل شخص من العسكر يسمى قانصوه الشامي مقدم المماليك بالقاهرة، أفرج عنه القرا أيلوكية؛ وجاء قانصوه دوادار الدوادار هارباً منهم.
واللحم قليل جداً ولا يوجد.
وأشيع بأنه جاء مرسوم بأنه عين أمير كبير أزبك وثلاثة مقدمين معه، بأن ينزلوا إلى حلب ويضموا إليهم مماليك السلطان المنكسرة، و من سلم من العسكر يعود إلى حلب.
وفي يوم السبت حادي عشرة توفيت بنت السيد كمال الدين المالكي، زوجة السيد عبد الرحيم، بعد أن دخل بها وهي بكر.
وفي يوم الاثنين ثالث عشريه جاء الخبر بأن تاني بك قرا جاء لحلب، وما ذاك إلا أنه لم نفسه، وأنه من أبناء العرب، وأنه خطيب، وكان رجلاً مستعرباً.
وفيه نودي على الدراهم العتق بطالة، فلم تسمع العامة وأرادوا ضرب المنادي.
وفي يوم الجمعة سابع عشريه نودي على الفضة قبيل الصلاة بإشارة مولانا الشيخ المنوه به، بعد أن اجتمع به نائب القلعة والقاضي صلاح الدين الوكيل بالبادرائية، ووقع الاتفاق بأن الفضة العتق والجدد وزن كل اثني عشر درهماً ونصف درهم بأشرفي ذهب؛ ومشى الحال على هذا بعد أن كان الخلق في غاية الضيق والحصر، وغلقت الحوانيق بسبب ذلك، وتقطعت الأسباب؛ واللحم في غاية الشحتة، ولا يوجد إلا بعسر شديد، وهو في غاية الوحاشة: الرطل بأربعة والفتح بمبلغ مائة وخمسين.
وفي يوم السبت ثامن عشريه دخل رضي الدين بن الغزي على بنت المرحوم الشيخ زين الدين خطاب من بنت الدقيق.
وفي يوم الاثنين سلخه سافر القاضي شرف الدين بن عيد للقاهرة.
وفي يوم الأحد سادسه ذي القعدة جاء كتاب عبد الرحمن الخليلي من جماعة القاضي شهاب الدين المريني، وفيه أن تاج الدين بن عربشاه عزل وولي محب الدين بن القصيف بثلاثة آلاف ذهباً .
وفي يوم الأربعاء تاسعه، بعد حضور مولانا الشيخ تقي الدين المنوه به الشامية البرانية، ركب إلى خمارة الدوادار الكبير و أزالها، ولله الحمد.
وفي يوم الأحد ثالث عشره توفي جمعة الشاهد بباب جامع التوبة.
وفي يوم الاثنين رابع عشره دخل مماليك السلطان متوجهين ثانياً للبلاد الشامية، وفارقوا أمير كبير في غزة.
وفي يوم الأربعاء سادس عشره نزل مولانا الشيخ تقي الدين للمولى السيد كمال الدين بن حمزة، ابن أخته، عن نصف نظر الركنية الشافعية، ونصف تدريسها، ونصف تدريس الفلكية، وأمضى ذلك؛ ورغب عن ثلث إعادة الدرس بالشامية البرانية للمشار إليه قبيل تاريخه، وقرر فيه الصلاح بن العدوي، وبذلك عن ذلك كله ذهباً ثلاثمائة وخمسين، دفع ذلك بالحضرة والمعاينة، بعد التمليك لها للمشار إليه النازل، وثبت ذلك، وحكم فيه قاضي القضاة نجم الدين الحنبلي بشهادة الشهابين ابن طوق وابن الصميدي .
وفي يوم السبت تاسع عشره ثار ريح عظيم، واستمر إلى نصف الليل .
ووصل الأمير أحد المقدمين من القاهرة ويسمى وردبش، وغضب السلطان على أمير من مقدمي الألوف بالقاهرة يدعى خاير بك بن حديد، بسبب ندبه لكفالة الشام، فلم يفعل، فأرسله لقلعة الصبيبة، ثم تحرر أنه جاء صحبة أزبك للتجريدة، ووصل خاير بك إلى قلعة دمشق ليلاً .
وفي يوم الاثنين حادي عشريه نزل أمير كبير أزبك قبة يلبغا .
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه دخل ونزل بالقصر، وسافر وردبش إلى جهة حلب، ونودي أن نائب الشام قانصوه اليحياوي مستمر في كفالته عن إذن أمير كبير، وأطلق بعض مباشريه .
وفي يوم الأربعاء ثالث عشريه ألبس أمير كبير المذكور مباشري هذا الكافل خلعا: الأستادار وابن الخياطة البرددار ومحب الدين الأسلمي كاتب الخزانة .
وفي يوم الخميس رابع عشريه دخل الأمير أزبك للجامع الأموي، ودخل إلى عند مولانا الشيخ للمشهد؛ ثم أرسل خلفه إلى القصر، واستشاره فيمن يولى محتسباً، وأنهم يختارونه من المتعممين .
وفي يوم الاثنين سادس عشريه سافر الأمير الكبير أزبك ونزل بالمصطبة .
وفي يوم الأحد سابع عشريه سافر من المصطبة بعد صلاة الصبح .
وفي كتب شهاب الدين العذاري بالشامية البرانية على أربعين مسألة على العادة، وهي بالنسبة إليه لا بأس بها .
وفي يوم الجمعة مستهل ذي الحجة منها، كان أول شباط .
وفي يوم الخميس ثامنه ذكر أن رضي الدين الغزي سعى في القاهرة عند القاضي قطب الدين الخيضري في نيابة القضاء في دمشق بمبلغ ذهب تسعمائة، دفع شيئاً، وكتب عليه الباقي إلى المغل بحجة، وأرسل إلى القاضي سراج الدين يفوض إليه .
وفي يوم الخميس عاشره عيّد الناس عيد الأضحى .
وجاءت الأخبار بأن القاضي شرف الدين موسى بن عيد لبس قضاء الحنفية كذلك بالقاهرة، وأن له اثنين وعشرين يوماً قد لبس .
وفي يوم الأربعاء خامس عشره وصل بداق، أخو سوار المتولى مكانه، في الحديد مع مماليك السلطان محتقظاً عليه، وأدخلوه القلعة .
وفي وم الجمعة رابع عشريه بعد صلاتها، ركب مولانا الشيخ، وحاجب الحجاب يشبك العلاي، وسيدي محمد بن الشيخ محب الدين الحسيني، والشيخ إبراهيم بن الشيخة أحمد الأقباعي، وغيرهم من الفقراء، لإزالة الخمور والمنكرات، فأراقوا خمراً كثيراً، ومن جملة ذلك خمارة عند بيت الأمير قرقماس التنمي، أحد الأمراء المقدمين، بحارة القصر، بجوار المدرسة الأسدية، وذكر أنها ببيته، فلما توجهوا إلى بيته حولوها، فلما رجعوا عند جامع تنكز فعنفوه، فأنكر أنها لم تكن له، فقيل له أنها لمماليكك وغلمانك وجماعتك، وأفضى الحال بعد يومين إلى أنه جاء هو والأمير جاني بك التنمي أحد المقدمين، والقاضي صلاح الدين العدوي، والقاضي محب الدين، وعلاء الدين البصري، وتاب واستغفر .
وفي يوم الأحد سادس عشريه وقع موسى العلماوي، وهو شاب شافعي المذهب من أهل القرآن، في حق الله تعالى، طولب بشيء، فقال: ما يخرج من هذا المكان ولو حارب العزة؛ فرفع أمره للقاضي المالكي نائب الحكم شمس الدين المطماطي، فأمر بحبسه والتضييق عليه في سجن الدير، فبلغ القاضي برهان الدين بن المعتمد نائب الحكم الشافعي فحكم بإسلامه، فاستشاط قاضي القضاة المالكي شهاب الدين المريني وأمر بالتضييق عليه في السجن أكثر ما كان، إلى أن أطلق في يوم الثلاثاء ثامن عشريه بواسطة مولانا الشيخ، وكان الرسول لقاضي القضاة المالكي شهاب الدين الحمراوي، وكان في السجن في قيد وغل تلك الليلة .
وفي آخر هذه السنة بلغني أن المدرستين اللتين ببنائهما أمر السلطان لما حج، انتهتا، وهما مدرسة بمكة المشرفة لصق الحرم الشريف بين بابي الرحمة والسلام، بمنارة، وأخرى بالمدينة الشريفة لصق الحرم النبوي بين بابي الرحمة والسلام أيضاً، ورتب فيهما تعاليم للطلبة؛ ولما كان حج، كان معه أخو المحدث شمس الدين السخاوي، فكتب جميع ما يقع للسلطان في سفره، ليدون ذلك أخوه .
سنة ست وثمانين وثمانمائة... خرجت زوجة القاضي شرف الدين بن عيد للقاهرة، ولم يأت إلى الآن خبر زوجها، وودعها القاضي محب الدين بن القصيف راكباً أمام جمل المحارة إلى خارج البلد ! وفي يوم الجمعة بعد صلاتها ثاني عشريه صلى بالجامع الأموي غائبة على الشمس القدسي المتقدم ذكره، بعد أن خطب شيخنا سراج الدين بن الصيرفي أعلى منبر المقصورة الجديد، بعد فراغ الجامع المذكور من عمارته، بعد حريقة النار.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشريه دخل المحمل الشريف من القبة، وأميرهم يلباي دوادار السلطان بدمشق كما قدمنا، وهو من الشجعان لكنه في غاية من الظلم؛ وجاور شمس الدين محمد الكفرسوسي الشافعي .
وفيه عزل القاضي قطب الدين الخيضري، وهو يومئذٍ بمصر، عن وظيفة قضاء الشافعية، وتولاها مكانه صلاح الدين محمد بن عبد القادر العدوي البقاعي؛ وعزل موفق الدين العباسي عن نظر جيش دمشق، وتولاها عنه شهاب الدين أحمد بن الخيضري في كتابة السر عوضاً عن والده.
وفي يوم الخميس ثامن عشريه ذكر أنه في بلاد الروم، بلاد ابن عثمان، حصل خسف في ثلاث مدن وقرى، وقيل في خمسة، نسأل الله العفو والعافية، وهذا من أشراط الساعة .
وفي يوم الجمعة تاسع عشريه تمت عمارة الجامع الأموي من كل وجه، وخطب الشيخ سراج الدين بن الصيرفي؛ قال الشيخ شهاب الدين بن طوق: وهي أول خطبة، خطب على منبره في مكانه المعتاد بعد العمارة، انتهى .
وقد قدمنا أنه خطب قبل ذلك مرة، وعليه مشى الشيخ محيي الدين النعيمي في ذيله وهذا هو الصواب، وحضر القضاة، والحاجب الكبير، والدوادار الكبير، ونائب القلعة، وناظر الجيش، وقرئت ختمة شريفة للسلطان بالجامع الأموي بعد الصلاة .
وفي يوم الأحد مستهل صفر الخير منها، كان أول نيسان.
وحصل اجتماعية بالمشهد من هذا الجامع، بسبب يلباي أمير الحاج وما حصل منه في الطريق من ظلم الحجاج، خصوصاً الغرب، من جهة المواريث - وفيه عزل صلاح الدين العدوي عن قضاء الشافعية بدمش، وتولاها عنه شهاب الدين بن الفرفور، وذلك مضافاً لنظر الجيش.
وفي يوم الاثنين ثانيه دخل متسلم نائب الشام قجماس، ويدعى شادبك الخزندار.
واجتمع مولانا الشيخ تقي الدين والشيخ محمد بن الحصني بالجامع، بسبب يلباي والحجاج. وحصل للكرم صقعة.
وفيه ذكر أنه وصل الخبر إلى دمشق بأن القاضي شرف الدين بن عيد الحنفي بمصر، توفي إلى رحمة الله تعالى، ومعه شخص آخر، بواسطة الزلزلة كما قدمنا، سقطت شرافة من مدرسة الصالحين عليهما فماتا معا، وقيل معهما أربعة أيضاً.
وفيه قبض على موفق الدين ناظر الجيش ورفع للقلعة.
وفي يوم الجمعة سادسه صلي على القاضي شرف الدين بن عيد بالجامع الأموي صلاة الغيبة، وكان ديناً خيراً، وله مدة في نيابة الحكم بدمشق، ثم لما جاء السلطان للبلاد الشمالية، ودخل دمشق في العود، تكلموا في ولاية الشيخ زين الدين بن العيني، فولى كرهاً ثم امتنع، فرسم السلطان أن ينظروا أحداً يصلح، ثم ولي شرف الدين هذا؛ وكان أبوه شاهداً من سكان طواحين الأستاذ، وكان مركزه بباب الزنجيلية، أخل العين، ولم يكن من المعتبرين، حنفي المذهب، ونشأ ولده هذا على قراءة وخير إلى أن فضل، وسبب تحنفه أنه أسره تيمور، واستمر في تلك البلاد إلى أن كبر واشتغل على مذهب أبي حنيفة، وكان عزمه أن يشتغل على مذهب الشافعي، ثم إنه لازم الشيخ يوسف المغربي الحنفي، وكان قرأ عليه القرآن، فاشتغل عليه في مذهب أبي حنيفة، وكان يروح معه إلى طاحون داخل باب السلامة، يكتب عليها، فيقرأ عليه هناك إلى أن توفي، ودخل الجامع الأموي واشتغل على علماء الحنفية كالشيخ قوام الدين، ثم ولي نيابة القضاء، وآل آمره إلى ما آل رحمه الله تعالى.
وفيه توفي الشيخ علي الفحام المغربي، كان حانوته تجاه مسجد الرأس، وذلك من داخل باب الفراديس، يبيع بها الحطب والفحم وغير ذلك، وكان شيخاً صالحاً رحمه الله تعالى.
وفي يوم السبت سابعه دخل إلى دمشق من القاهرة أمير مقدم ألف، متوجهاً إلى حلب، ويدعى تاني بك الجمالي.
وسرق في ليلته ثلاثة حوانيت لتجار النصارى، جوار خان السلطان، شمالي النقلية من جهة الفواخرة، وكان ذلك قبل أن تقفل الأسواق ودوران زفة القلعة، واستمر الصوت عاقداً على السراق إلى حارة الشويكة، وتبعهم حاجب الحجاب ثم رجع، وخرجوا جماعةً على الصوت فضربوا شخصاً فجرح.
وفيه توفي في المارستان النوري أبو بكر بن الخابوري، وهو من ذرية ابن منيح، من الأصلاء ذوي البيوت.
وفي يوم الاثنين تاسعه سافر تاني بك الجمالي بك الجمالي إلى جهة حلب.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره ورد كتابان من القاهرة من جمال الدين العدوي قريب الصلاحي، ومن القاضي قطب الدين الخيضري، للبدر بن الصاحب، بولاية صلاح الدين العدوي قضاء الشافعية بدمشق، وشهاب الدين بن الفرفور نظر الجيش بها، ونجم الدين بن الخيضري كتابة السر بها أيضاً؛ وذكر أنهم لبسوا في يوم واحد، وقد قدمنا ذكره، بعد أن كانت وظيفة القضاء انتظمت لابن الفرفور، وطلع ليلبسها، فقال السلطان: وليت هذا القضاء؛ يعني الصلاحي، وهذا نظر الجيش، يعني ابن الفرفور، فتمنع بعض شيء، فأكره على لبسها، وتغير السلطان من تمنعه، هكذا قيل، فلبسها بكرهٍ؛ وهذا كتابة السر، يعني الخيضري، فسبحان الفعال لما يريد.
وفيه جاء الخبر بموت أبي بكر بن عبد الباسط، وهو أكبر أولاده.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره صلي على الشيخ العالم المحدث نجم الدين محمد المدعو عمر بن فهد المكي صلاة الغائب، وهو من بيت كبير بمكة المشرفة، وله رحلات في طلب الحديث لمصر ودمشق وحلب وغيرها، وترجمته طويلة ذكرتها في غير هذا الموضع .
فيه توفي برهان الدين إبراهيم الآمدي الصالحي الحنفي، كان من أكابر الناس، وبيده وظيفة استيفاء الأوقاف، وكان فيه إنسانية لصحبته للكبار.
وفي يوم الأحد خامس عشره جاء كتاب السيد إبراهيم بن عجلان من القاهرة بأن ابن الفرفور ولي قضاء الشافعية بدمشق، عن صلاح الدين العدوي، مضافاً لنظر الجيش، ووكالة السلطان، ونظر القلعة، باثنين وثلاثين ألف دينار؛ وكان صلاح الدين ذهب لبيت الدوادار ومعه عشرة آلاف دينار، فلم يمض له، ورسم عليه بسبب ذلك، هكذا قيل.
وفي يوم الخميس تاسع عشره طلع مولانا الشيخ تقي الدين لعمارة جسر ابن شواش، الراكب على نهر بردى بالوادي الفوقاني، ومعلم وفعلة وقنبايلة وشواة، وغيرهم نحو العشرين نفساً.
وجاء مرسوم للحاجب من القاهرة بسبب القاضي الحنبلي، وفيه أنه اتصل بمسامعنا كيت وكيت، فقرئ عليه، ثم بعد ذلك طلب منه ألفا دينار، إما أن يقوم بها، أو يودع بالقلعة، أو يضمن عليه، فطلبه ورسم عليه ترسيم حشمة؛ فطلب الحنبلي شهاب الدين بن المحوجب، وشمس الدين الواعظ الحنفي، واتفق الحال على أن يضمن عليه، فضمنه شمس الدين المذكور والشهاب بن الصميدي، وشمس الدين الحداد، والرجيحي قريبه، وغيرهم، على ذلك، وتوزعوها، وطلع إلى بيته بعد العصر.
وفيه جاء مرسوم آخر للسيد علاء الدين بن نقيب الأشراف، أن يحضر للقاهرة، طيب القلب منشرح الصدر، وذكر أنه لأجل وظيفة قضاء الحنفية بالقاهرة.
وفيه قيل توفي تقي الدين البقاعي، الشاهد بالشامية؛ وتقي الدين أبو بكر بن المدني، أحد أصلاء الصالحية وكان والده كاتب السر بدمشق.
وفيه جاء الخبر بأن صلاح الدين العدوي على ما هو عليه من الوكالة ونظر القلعة، وابن الفرفور على القضاء ونظر الجيش، بستة وعشرين ألفاً.
وفيه سافر الشيخ نور الدين الحلي الشافعي للقاهرة.
وفي يوم الأحد ثاني عشريه انتهت عمارة جسر ابن شواش.
وجاء مبشر النائب بأنه وصل للرملة؛ ومبشر القاضي بن الفرفور، وهو يونس مملوك القطبي الحلبي، بقضاء القضاء، ونظر الجيش، ومضافاتهما؛ وكتاب للشيخ سراج الدين بن الصيرفي بسماع الدعوى، والثبوت، والخطابة؛ والقاضي الحنفي بالتقرير، ونظر المارستان، وغيره نيابة؛ ولمحب الدين بن الفرفور قريبه، نيابة نظر الجيش - وفي يوم السبت ثامن عشريه جاء بهاء الدين بن الباعوني من القاهرة. ونزل الكافلي بالكسوة. وفي يوم الأحد تاسع عشريه نزل الكافلي القبة .
وفي يوم الاثنين مستهل ربيع الأول منها، دخل نائب الشام قجماس الإسحاقي الظاهري، ومعه نجم الدين بن الخيضري كاتب السر، استعلاء لا بخلعة.
وسلم مولانا الشيخ تقي الدين على الكافلي، في المبيت في دار النيابة .
وفي يوم الثلاثاء ثانيه كان أول أيار.
ورسم الكافلي على يلباي دوادار السلطان بالمسجد الذي بدار النيابة لأجل قضية الحجاج، ونودي في البلد من ظلم عليه بملك الأمراء.
وفي يوم الأربعاء ثالثه توفي الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن عثمان بن بنت سيدي الشيخ أحمد الأقباعي الصرخدي عمر، ودفن إلى جانب جده الشيخ أحمد من جهة القبلة، رحمه الله تعالى، وكان أقباعياً من حين كان أمرد، ومن حياة جده يعاني الأوراد والأذكار، وكان له كل ليلة سبت وقت يجتمع عنده الخاص والعام من علماء وقضاة وغيرهم، وكان ذخائر زمانه، وقد أدركه الشيب بعض شيء، رحمه الله تعالى.
ورفع في الدوادار قصص كثيرة فلم تفد، ووعدوا إلى يوم السبت، وأطلق آخر النهار، واختلفت الأقوال في سبب أمره، فقيل إن حاجب الحجاب كفله كفالة وجه؛ والظاهر أنهم حموه من جهة ابن الناعوري وإرثه، وقصدهم أكله لا غير.
وجاء من القاضي الشافعي كتب لجماعة النواب، مثل: ابن المعتمد، والبصروي، والإخنائي، على عادتهم في التولية.
وفي يوم السبت سادسه ختن القاضي محيي الدين الإخنائي ولده سيدي إبراهيم خفية، ولم يعلم به أحد .
وفي يوم الأحد سابعه لبس زين الدين عمر بن السنوسي من الكافلي خلعة بالحسبة.
وورد كتب من القاهرة من بهاء الدين بن العيني، وأبي البقا بن الجيعان بسبب ما كتبه الحموي الحنفي على يد خاص مهتار السلطان، من مرافعات الناس، وكتاب سيدي يحيى بن حجي أيضاً للشيخ بهاء الدين بن العيني بسبب ذلك أيضاً وغيره، وأن ابن الفرفور أضيف إليه الوكالة، ونظر القلعة، ووكالة بيت المال، بثلاثين ألف دينار، كل ذلك أخبره شهاب الدين بن حجي عن كاتب السر.
وورد خبر من القدس الشريف أن جماعة من نصارى الحبش، نحو ثلاثة آلاف نفس، دخلوا القدس لزيارة القيامة، وأن كبيرهم بشاش أبيض كبير، وأنه جلس على كرسي من ذهب نصب له بها، ولما دخل رفعت أذياله جواكين من ذهب، وأنه أمر بضرب الناقوس، فوافق ضربه وقت الآذان؛ فلم يسمع الآذان؛ وملخص القضية أن كل ذلك فيه إظهار دين النصرانية، في تلك الأماكن الشريفة، والأوطان المعظمة، فسمع شخص من المسلمين ثابت الإيمان، فاستغاث: يا للإسلام؛ وأنكر ذلك، فضربه النصارى بالأسلحة، وقيل إنه مات رحمه الله، وأراح البلاد والعباد من حكام السوء مما حل بالإسلام والمسلمين، إنا لله وإنا إليه راجعون .
وفي هذه الأيام أشيع بدمشق عن قاضيين من الأربعة إشاعة فاحشة، ولعلها تكون كذباً، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا جزى الله خيراً من ابتكرها، وعمل قماش، سمي القاضي فوق .
وفي يوم الخميس حادي عشره حصل للسيد كمال الدين، الذي كان يفتي بدار العدل، أن القاضي محيي الدين، وحضر معه القاضي برهان الدين بن المعتمد في الإفتاء المشار إليه، النزول له عنه من مولانا الشيخ تقي الدين، وجلس تحته.
ووضع في محراب الجامع الأموي عامودين رخام أبيض منهرين، أخذا من مدرسة البهائية بطرف الصالحية من جهة الغرب، وهي تحت نظر ابن عربشاه، بواسطة أيدكي نقيب القلعة، فأنكر الشيخ عز الدين بن الحمراء الحنفي عليهم، ولم يسمع له، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأحد حادي عشريه حصل حريق وقت الغداء الكبير، طلعت النار من الطبقة الكبيرة الراكبة على الفرن حول حمام سامة، وتداركوها وطفئت. وولي يونس الرددار الحسبة .
وفي يوم الخميس خامس عشريه ولي عبد القادر، أخو أبي بكر الدوادار، الحسبة من جهة نائب الشام، كان في أيام أخيه متوليها. وعمل النائب المولد الشريف.
وفي يوم الاثنين تاسع عشريه لبس إبراهيم بن شاد بك الجلباني خلعة أستادار السلطان بالإقرار، ونيابة الصلت وعجلون .
وألبس القاضي برهان الدين بن المعتمد من نائب الشام خلعة ... في يوم الثلاثاء سلخه توفي محمد بن حسين بن الشجاع الذهبي فجأة بعد ... وطلع إلى جامع يلبغا، واستمر به إلى أن صلى المغرب ثم خرج ... فهو داخل في العتبة وسقط مغشياً عليه ...
وفي يوم الأربعاء مستهل ربيع الآخر منها، كان حراً شديداً .
وفي يوم الجمعة ثالثه كان أول حزيران .
وفي يوم السبت رابعه تواترت الأخبار بوفاة السلطان محمد بن عثمان سلطان الروم .
وفي ليلته ركب النائب والحاجب وباقي العسكر إلى المرج بسبب خيل أخذت للنائب نحو ستين فرساً، ولم يصح ركوب النائب .
وفيه أجلس الشمس بن البانياسي، ابن بنت الشيخ داود الصالحي، الملقب بشواحيط، على السجادة من بدر الدين حسن بن برهان، وحضر الشيخ شمس الدين خطيب السقيفة، والشيخ إبراهيم الأقباعي .
وفي يوم الخميس تاسعه دخل جاني بك الطويل، الذي كان ممسوكاً عند ابن حسن باك بتوريز .
وجاء محمد المزين من القاهرة وخفف عن أستاذه النجم بن مفلح الحنبلي ألف دينار.
وكان وليمة كتاب صدر الدين بن شمس الدين ابن خطيب السقيفة، على بنت زوجة والده، وحضر جمع كثير، وقرأ الشيخ إبراهيم الناجي مولداً، وكان ذلك بالصالحية ببيت أمها، بالقرب من بيت شهاب الدين بن دلامة، أسفل زقاق الخواجا إبراهيم من جهة الشرق .
وفي يوم الاثنين ثالث عشره لبس القاضي نجم الدين الحنبلي خلعة الاستمرار، وابن الجمل معلمة دار الضرب، وابن شاد بك نيابة عجلون والصلت وما مع ذلك، في الشهر الماضي؛ ثم فوض القاضي نجم الدين نيابة لمحيي الدين بن القادر الرجيحي ويعرف والده بابن النميس، كان أميناً على طاحون الكنيسة، جوار السيد ابن شرحبيل، وخولة بنت الأزور، رضي الله عنهما، وهو قريبه من جهة النساء، وكان والده من خدام الشيخ رسلان ورباه والد هذا القاضي البرهان، وصلى به بالقرآن العزيز، وأقرأه كتباً في مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشريه كبر الناس في المآذن على ابن شاد بك بسبب عدم السكر، وسعره الرطل بأربعة عشر، فطرحه بثمانية وعشرين.
وفي يوم الخميس ثالث عشريه طلب يلباي دوادار السلطان من القلعة، بسبب مرسوم جاء إليه، بسبب ابن الناعوري وغيره؛ ونودي عليه بدمشق: من ظلمه وقهره فليتقدم.
وشكى على ابن شاد بك أهل سوق الطواقيين وسوق جقمق بسبب السكر، وأشار النائب أن يكون بثلاثة وعشرين درهماً فلم يذعن أحد، ومولانا الشيخ تقي الدين مصمم على خمسة عشر .
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه سافر الشيخ أحمد الدهيناتي بسبب طرح السكر، ومعه كتب من مولانا الشيخ لكاتب السر ابن مزهر، والشيخ زكريا، ولابن الصابوني، ولقطب الدين الخيضري، ولإمام السلطان الكركي، ولابن الجيعان نائب كاتب السر، وأبي البقاء أخيه ولسيدي يحيى بن حجي، ولشمس الدين بن الزمن، وابن الفيض، والمهمندار، والشيخ علي الجبرتي؛ ومن سيدي الشيخ محمد بن الحسيني لكاتب السر، وابن الصابوني، والشيخ زكريا، وأولاد الشيخ كمال الدين إمام الكاملية.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشريه انفصلت قضية السكر باثنين وعشرين بكلفته.
وفيه ورد كتاب كاتب السر وقطب الدين الخيضري بأن يحرر ما ذكر عن القاضيين مما قيل في حقهما من الفاحشة، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الاثنين رابع جمادى الأولى منها، لبس يلباي، بعد أن أفرج عنه، خلعة الاستمرار بالدوادارية، قيل على عشرة آلاف دينار، والمؤخر عذاب النار، وانتقام العزيز الجبار، من الأشرار لعباده الأخيار.
وأشيع في هذه الأيام أن سيف البدوي أمير الشام العاصي جهز له السلطان خلعة إلى نائب الشام، فجهزها له إلى نائب حماة على يد شخص من كبراء حماة، يدعى الحاج علي بن العبيس كبير الأكراد بحماة، فلما. .. في قضيتها، وثب إليه شخص فضربه في بطنه، فقتله، وأراح الله البلاد والعباد منه، ويظهر. .. ظنا منهم أنه برأيه وعلمه، ويظهر أنه مظلوم.
وفيه كملت عمارة. .. بالجامع الأموي، ومنع النساء كما فعله نائب الشام برد بك البشمقدار، وهي سنته رحمه الله تعالى .
وفي يوم الخميس سابعه وصل جماعة من بلدان طرسوس أسرى.
وفي يوم الجمعة ثامنه بدئ باستخراج دراهم من التجار، وأهل الخير، للأسرى، بالجامع الأموي، ثم بالبادرائية، ثم بالقيمرية الكبرى. وفيه وصل القاضي صلاح الدين لداريا.
وفي يوم الاثين حادي عشره دخل الصلاحي من القاهرة، ولبس خلعة بوظائفه على العادة؛ ولبس جاني بك التنمي خلعة أمرة الحج؛ وكتب نقيب القلعة أيدكي محضرين بسبب عمارة الجامع الأموي والأسواق، وكتب النائب والقضاة، وأرسل إلى مولانا الشيخ فلم يكتب فيهما شيئاً .
وفي يوم الخميس رابع عشره حصل بين سراج الدين بن الصيرفي وعلاء الدين البصروي بسبب قضية في مدرسة الخضرية قيل الظهر، ظهر فيها كائن بينهما في بواطنهم، أدى ذلك لشتم وسب ولعن، وأمر سراج الدين مملوكه أن يأتي بعصاه، وضرب البصروي.
وفي يوم الجمعة خامس عشره خطب السراج بن الصرفي على عادته، وبكى واستغاث بهم من قوله: يا عباد الله أغيثوني، انصروني، إلى غير ذلك، وبقي للناس ضجيج ونحيب، فلما فرغت الصلاة أشاع الناس أن الصلاة ما صحت، وأن يعيدوها ظهراً، وأرسلوا يستفتون مولانا الشيخ في ذلك، فأشار بالصلح، فلم يرضوا، ولم يجتمعا به، ثم اجتمعا بملك الأمراء وشكيا، فأشار بالصلح، ورجح جانب الشيخ سراج الدين.
وفي ليلة السبت بعد العشاء سادس عشره جاء جماعة من بيت حاجب الحجاب، وقبضوا على القاضي شهاب الدين أحمد بن يونس، قاضي صفد، من بيت ابن قياس، ورفع للقلعة .
وفي يوم الاثنين ثامن عشره قيل إن زين الدين سلطان، ديوان جاني بك حاجب الحجاب بالشام كان، توفي بالقاهرة .
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه دخل دمشق الأمير محمد جم الشهير بالجمجمة ابن السلطان مراد بن محمد بن محمد بن عثمان أخو أبي يزيد، سلطان الروم يومئذ، لأبيه، بعد وفاة أبيه في هذه السنة، فاراً من أخيه. ودخل إلى حلب في مائة نفس بعد أن طلب الإذن من الملك الأشرف قايتباي في الحضور بين يديه، فبرزت المراسيم بإكرامه فدخل دمشق مكرماً، ثم دخل حمام الحاجب بصالحيتها بحضوري، وقيل لي إنه كان نائب طوقات .
وفي يوم السبت ثالث عشريه أفرج صفد شهاب الدين بن يونس وطلب لصفد؛ وتوفي من كان عنده وهو شمس الدين محمد بن قياس، رحمة الله تعالى. ووصل السيد إبراهيم للقبة .
وفي يوم الاثنين خامس عشريه دخل السيد إبراهيم وألبس طرحة خضراء بنيابة السادة الأشراف بدمشق، وقرئ له مرسوم بدار النيابة بالوصية به، وأن يقرأ له توقيعه بالجامع الأموي، وهذا من العزيز، فإن العادة ما يقرأ توقيع بالجامع إلا لقضاة القضاة، ولم يركبوا معه من الجامع لبيته .
وفي يوم الثلاثاء سادس عشريه وصل مرسوم بطلب نقيب القلعة محتفظاً عليه، وكتب محضر أعلى القلعة بأنه ... شكا عليه عودة النابلسي الليبي للسلطان .
وفي يوم السبت سلخه سافر نقيب القلعة هذا للقاهرة .
وفي يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة منها، توفي الشيخ شهاب الدين العجلوني الكبة، رحمه الله، وكان رجلاً مباركاً ديناً من أهل القرآن، وانتشأ له ولدٌ لا بأس به .
وفي يوم الأربعاء رابعه وصل أمير آخور نائب الشام قانصوه اليحياوي، ومعه كتب سفه من توريز إلى جماعة الأتراك، بأنه أطلق ومن معه من النواب وغيرهم؛ وهو أول آب .
وفي يوم الثلاثاء سابعه وصل الشيخ أحمد الدهيناتي، وفارق القاضي شهاب الدين بن الفرفور من سدود، وعلى يد الشيخ أحمد ثلاثة مراسيم: واحد للنائب بسبب طرح السكر، بأن يجمع السماسرة أرباب الخبرة ويقام ثمنه ويعطى ثلاثة دراهم زيادة على سعره؛ ومرسوم لشاد بك كذلك، ولابنه إبراهيم مثله .
ووقف النائب والقضاة على نهر داعية على السلسلة بين باب توما ودباغة الفراء وأقيمت البينة لأهل داعية بأن الذي فتحه أهل المنيحة حق أهل داعية، فأمر بسده، وإذا بشخص يقال له محمد الخليلي المؤذن الفراء يشهد بأن أهل داعية حقهم من مكان فوق بيت طبرس الأقباعي كان يسمى الزينبي، وهذه الدار بتركة حيدر كان يسدونه ويفتحه أهل المنيحة، فأمر النائب بفتحه بمعد ما سدوه وساعد القاضي نجم الدين الحنبلي، وأخرج من كمه كتاباً بأن في زمن بني أمية شكا أهل البلاد قلة الماء، فأمر لنهر يزيد بشيء، ولبقية الأنهر بشيء، ولنهر داعية بشيء وهذا شيء لا عبرة به في الشرع؛ وانفصل المجدلس على هذا .
ثم في آخر النهار وقفوا للنائب بدار النيابة، وحضر الحنبلي المذكور والمالكي، ولم يدركهم الحنفي، وتقاولوا؛ وساعد القاضي برهان الدين بن القطب الحنفي، فأشار النائب بأن يسد ويحضر هؤلاء بينة؛ وهؤلاء بينة، وينظر في البينتين؛ وممن شهد لأهل داعية الشيخ إبراهيم الأقباعي، والمعلم القابوني الحريري، وشمس الدين نقيب الأقباعي، والفقيه الدباغ، وغيرهم؛ والذي يظهر أن الحق مترجح في جهة أهل داعية، غير أن المنيحة والبلاط لهم جاه أمير كبير أزبك والكافلي .
وفي يوم الاثنين تاسعه سافر الجماعة لملتقى القاضي الشافعي ابن الفرفور، ووصلوا لسعسع، ولم يتأخر أحد سوى مولانا الشيخ ثبته الله تعالى، ورجع الملاقون إلا الخطيب والبصروي؛ ونزل يوم الجمعة القبة .
وفي يوم السبت رابع عشره دخل القاضي الشافعي بالخلعة ونزل النيابة، ثم ركب للجامع الأموي، وقرئ توقيعه على العادة، قرأه حافظ الدين، وما فيه زيادة، وإنما هو على عادة من تقدمه، ومعه نظر الجيش أيضاً؛ ولم ينزل معه أحد من الترك للجامع لقراءة التوقيع، ثم ركب إلى بيته، وركب معه الجماعة، ومد مدة ببيته بالبحرة، ثم سلم عليه مولانا الشيخ ببيته بعد ذلك؛ وطبخت المدة ببيت ابن سليم تجاه بيته ابن سليم تجاه بيته، خلف حائط خلاوي البادرائية الغربي، فتعلقت النار بالأكانين، وحفر طاقة، فعدت لخلوة زين الدين بن قداح، وطفئت النار ولله الحمد، وهو المسلم .
وفي يوم الأحد خامس عشره كان أول السنبلة في دمشق .
وفي يوم الاثنين سادس عشره قدم ابن شاد بك مرسوم السلطان بسبب السكر الطرح، ومما فيه: أن الرعية رفعت إلينا أنه طرح السكر بمبلغ ثلاثين درهماً الرطل، وحصل لهم الضرر الزائد، ومرسومنا بأن يجمع المعلمين والسماسرة، ويقوم بحيث لا يحصل الحيف على الرعية والديوان؛ وهذا بالنسبة من السلطان إنصاف، وقال الكافلي في المجلس: ينسبونني إلى مساعدة الرعية؛ يعني ابن شاد بك .
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره سافر الأسرى الذين من طرابلس مسلحين منفكين مجبوري الخاطر، أدام الله النفع لمن كان السبب في ذلك، ونفع ببركة علومه وأثاب المعطين الثواب الجزيل؛ وسافر معهم الشيخ عبد الرحمن الحمصاني قاصد مولانا الشيخ إلى طرابلس، والأمير أزبك الظاهري أحد الأمراء بطرابلس، وهو إنسان مليح فيه الخير بالنسبة إلى أبناء جنسه .
وفي يوم الخميس ثاني عشره توفي معمار السلطان ابن الزفيك ابن معمار السلطان الجلبي، في القاهرة، في حبس المقشرة، بعد ضربه بالعصي والمقارع من السلطان، بسبب الخان الذي عمره السلطان بوادي التيم .
ووصل من القاهرة، من القاضي قطب الدين الخيضري، مطالعة لمولانا الشيخ جواب مطالعته بسبب السكر، وأنه ساعد غاية المساعدة، وأن السلطان مصمم على ابن شاد بك .
وجاء من عماد الدين إسماعيل الناصري كتب بأنه مستمر على وظائفه المأخوذة عن القاضي علاء الدين بن قاضي عجلون، وأنه ولي نظر الجوالي، وترشح لقضاء الحنفية .
وفيه فوض قاضي القضاة ابن الفرفور النيابة لمحيي الدين بن أحمد بن غازي، وهو من بيت ابن جماعة من جهة النساء، وعنده طلب علم، ووالده من التجار، قدسي الأصل؛ وذكر أنه ببذل مال .
وفي يوم الجمعة عشريه توفي البستاني بجنة القاضي محيي الدين داخل المدينة، وذكر أن أخاً للسيد تاج الدين الصلتي ضربه فمات؛ وشكوا للنائب فغضب وجاء أخوه لمولانا الشيخ وتواصى عليه، فأرسل لدار النيابة، فردوهم إلى الشرع الشريف. - وفي يوم السبت حادي عشريه مات يونس المصري برددار النيابة، كان قد ولي الحسبة ثم الآن استدار النيابة، كان من الأشرار. - وفيه قضية السكر، وانفصل الحال فيه عن الرطل بستة عشر درهماً كلفة، وساعد النجم الخيضري والصلاحي العدوي، ولم يتكلم القضاءة بشيء، بل الحنفي ساعد للدولة.
وفي يوم الجمعة سابع عشريه كان السيد كمال الدين بجرود، وخطب بها، وكان مع القاضي برهان الدين بن المعتمد والشهاب بن طوق، ثم خطب بالجمعة الثانية.
وفي ليلة الثلاثاء ثالث رجب منها، خرج محمد الجمجمة وجماعته من دمشق قاصدين القدس، ثم مصر، ثم الحجاز، فحج في هذه السنة، ثم جهزه السلطان وأيده بأمور على أخيه على أن يأخذ الملك منه، فخرج من مصر، وترك أمه وولده بها ونزل إلى أخيه، فلما علم به أرسل له عسكراً فكسره، ففر إلى بلاد الفرنج، فأرسل لهم أخوه مالاً وأكرمهم ليضبطوا أخاه في بلادهم ولا يمكنوه من الخروج منها، وهذا كان السبب في معاداة ملك الروم لسلطان مصر، ومع أن ملك الحبشة أرسل له هدية لها قيمة كثيرة، منها سنجق بقصبة ماس يساوي مجموعها ثلاثين ألف دينار، فغار منها سلطان مصر، فأهداها له؛ ولم يهنئه بالملك قبل ذلك، ومات أخوه ولم يرسل يعزيه في موته فتأكدت العداوة.
وفي يوم الثلاثاء تاسعه شاعت وفاة الشيخ عبد الرحمن الخليلي، كان من جماعة الأخصاصيين، مباركاً، يحب أهل الخير والفقراء، مقيماً الخانقاه السميساطي، رحمه الله تعالى.
وفي يوم الجمعة ثاني عشرة توفيت أم الهنا بنت القاضي محب الدين بن قاضي عجلون، زوجة ابن دلامة ناظر الجوالي، نفساء، ولدت بنتاً، ولها منه بنت أخرى، وختم على حوائجها قبل وفاتها، وهي تنظر وتشاهد ذلك، وحضر جنازتها الخاص والعام من الفقهاء والترك، ودفنت عند أخوتها أشقائها، عند بتربة الفراديس أهلها من جهة الأم، بعد العصر. - وما مقلد، أمير العرب الأموي، وقاضي أذرعات، الساكن بحارة باب المصلى.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره فوض القاضي الشافعي لبهاء الدين بن الباعوني نيابته. - وفي يوم السبت عشريه كان أول الخريف. - وفيه تحدث بأمور حدثت بالقاهرة، منها: أن السلطان عزل القاضي الشافعي ولي الدين الأسيوطي، وولي الشيخ زكريا غيباً بعد الحلف عليه، وعزل المالكي، ورسم على كاتب السر ابن مزهر إلى آخر النهار، فطلع ولده إلى السلطان، فتدخل، فنزلا وقد ألبس خلعة الرضا؛ ومسك مهتارة رمضان وصادره، وبهدل أمامه البرهان بن الكركي، وأمر بهدم عمارته التي بناها فهدمت.
وفي يوم الجمعة سادس عشريه تولى عماد الدين إسماعيل الناصري قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن قاضي القضاة المحب بن القصيف.
وفيه تقدم شخص من الأمراء الأربعينات يدعى تمراز، مملوك تمربغا السلطان، كان بمرتفقات بناها عند حدرة ملك، آخر الآخذة لسويقة ساروجا، أحدث ذلك في الطريق لأجل قبة بمحراب بناها هناك، وكان عزمه أن يبنى فوقها طبقة، فأمره مولانا الشيخ بهدم ذلك، وأن ذلك لا يجوز، فهدم .
وتكلم مع ابن شاد بك في طرح السكر، الذي أسود كالقطارة من طبخه ثانية، وأن يعمل كل رطل بأحد عشر درهماً ودرهم كلفة، بعد استيلاء الناس عليه، فحطت المسألة على هذا .
وفيه جاء قاصد من جهة كاتب السر، بأن السلطان رضي عليه وألبسه خلعة الاستمرار، وكان يوماً مشهوداً، وبولاية القاضي المالكي ابن تقي وقضية رمضان لم تصح، وأن العسكر السلطاني يشتي بحلب .
وخطب قاضي القضاة الشافعي وقبلها فوض لشهاب الدين بن الحمصي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، نيابة القضاء ببذل .
وفيه توفي أحمد بن بركة الحريري، بخلوته بالخاتونية التي عند جامع تنكز، كان عامياً ويعاني النظم، وهو من أهل مسجد القصب، وكان أبوه صيرفاً هناك، يجلس عند باب الخوخة على تخت صغير، إلى جانب الإمام، تجاه الفرن.
وفي ليلة السبت الذي يليه نزل السراق على سوق التجار، الذي يلي خان السلطان تحت القلعة، تجاه النقلية، وهذه ثاني مرة، وكان والي المدينة هناك وجرحوا فرسه.
وفيه خربت المصطبة المجددة لصيق حائط الرماية من جهة الغرب، بإشارة مولانا الشيخ.
وجاء مرسوم يطلب السراج بن الصيرفي والعلاء البصروي، بسبب ما وقع بينهما من التشاجر .
وفيه تعرض لتبطيل الخطبة وصلاة الجمعة، لما وقع في الخطبة من الخباط من الشيخ سراج الدين، من قطع الموالاة فيها بالكلام الأجنبي .
وفي يوم الاثنين تاسع عشريه لبس النائب خلعة أتت على يد دواداره من مصر.
وفي هذا الشهر أخربوا سوق باب البريد ليعاد أحسن ما كان، على كيفية غير الأولى .
وفي يوم الأربعاء مستهل شعبان منها، دخل نقيب القلعة أيدكي بخلعة الاستمرار، وسير النائب والقضاة إلى جهة القبة، ودخل معه، واسمتر القضاة معه للقلعة، وذلك بعد طلبه والتضييق عليه .
وفي يوم الجمعة ثالثه خطب قاضي القضاة الشافعي ووقع بعض خلل في الخطبة، وفي القراءة في سورة الغاشية في " وجوهٌ يومئذٍ ناعمةٌ " .
وفي يوم الاثنين سادسه دخل برد بك مملوك السلطان، من الأمراء المطلقين، ومعه أحد الألوف بدمشق، وطلع النائب والعسكر لملتقاه .
وفي يوم الأربعاء ثامنه فوض القاضي الشافعي لشخص حموي، كان بوابا بالبادرائية، ثم تعاطى الشهادة عند شرف الدين بن عيد نائب الحنفي، وكان أبوه خبازاً يدعى عثمان، نيابة القضاء ببذل مال، ولا قوة إلا بالله .
وسقط حبس الدم بباب البريد على المحابيس، فمات بعضهم وسلم بعضهم، وذلك بسبب هدم سوق باب البريد، وهدم الناحية الشمالية بسوق باب البريد .
وفي ليلة ثالث عشر رمضان منها، نزلت صاعقة على هلال المئذنة تجاه الحجرة النبوية، ثم على سطح المسجد، فاحترق غالب الحرم، وصعدت الرأس إلى الريس، وكان من أهل العلم، بالمئذنة فاحترق، واحترق في الحرم عالم آخر خرج من بيته لطلب ولده .
وفي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة منها، لبس نائب الشام تشريفاً آخر بالاستمرار، أحمر، على يد دواداره، لأجل ما قيل من إعادة قانصوه اليحياوي إلى نيابة الشام؛ وورد على يده مرسوم بالقبض على الأمير الكبير شاد بك الجلباني والحوطة على ماله، لما بلغه عنه أنه لما أتى راجعاً من كسرة بياندر، وقتل الدوادار يشبك، دخل دمشق بطبل وزمر على عادة المنصورين، فقرئ المرسوم وقبض عليه بدار السعادة واحتيط على ماله، وحبس بقاعة الخرندار بدار السعادة، ثم استمر نحو شهرين .
وفي رابع عشري ذي القعدة منها، فوض قاضي القضاة لشهاب الدين الرملي نيابة قضاء الشافعية عنه .
قلت، قال الشهاب الحمصي: وفي يوم الاثنين رابع شوال منها، أذن العصر بالجامع الأموي مرتين، وصليت العصر مرتين، وكان يوم غيم - وفي يوم السبت سادس عشره ورد مرسوم السلطان بالإفراج عن الأمير خير بك حديد من قلعة دمشق، وأن يعطى من القلعة المذكورة ألف دينار، ويجهز إلى الحجاز الشريف، ويرجع إلى القاهرة معزوزاً مكرماً. وفيه ورد الخبر بأن السلطان رسم بنفي قانصوه اليحياوي إلى القدس الشريف، فقرئ عليه المرسوم في الطريق، وهو في خدمة الأمير أزبك، ثم رفع إلى القدس الشريف .
وفي يوم الأحد ثالث ذي القعدة منها، توفي برهان الدين إبراهيم المؤذن بالجامع الأموي، الشهير بالجرن الأسود، وكان كثير الخطب في أعراض الخلق - وفي ورد الخبر بحريق الحرم الشريف، على ساكنه أفضل الصلاة والسلام، وذكر أنهم رأوا الطيور تطفئ في النار، ولا قوة إلا بالله؛ وأرسل السلطان أخذ جماعة من الصناع الذين عمروا الجامع الأموي، منهم محمد الكفتي، الذي شال أوتار الجامع الأموي في عمارته، وسبب حريقه صاعقة نزلت من السماء، وسيأتي ذلك.
سنة سبع وثمانين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين ابن أخ المستنجد بالله، وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك أبو النصر قايتنباي؛ ونائبه بدمشق قجماس الإسحاقي الظاهري.
وفي يوم الجمعة رابع المحرم منها، توفي فجأة القاضي محيى الدين الزرعي الطرابلسي الحنفي، ودفن بمقبرة باب الفراديس، وكان من الأخيار - وفي يوم الثلاثاء خامس عشره توفي فجأة، فيما قيل الشيخ الفاضل شمس الدين محمد بن أحمد الحمصي الشافعي الشاهد، وكان من الأجواد وأعيان الموقعين بدمشق، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفي يوم الخميس سابع عشره سافر من دمشق إلى حماة يشبك حاجب الحجاب، وكان على نيابة حماة.
وفي يوم الاثنين حادي عشريه دخل إلى دمشق سيباي حاجب الحجاب الجديد، عوضاً عن يشبك المتقدم ذكره، الذي راح إلى حماة نائباً لها؛ وكان سيباي المذكور نائب غزة، وراح عوضه إلى غزة نائب الكرك، وأعطيت الكرك لجاني بك الذي كان نائباً بصفد .
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه أطلق الأمير الكبير كان شادبك، وجعل عليه مال وغيره، وخرج إلى بيته بطالاً بشفاعة النائب، فإن كلمته لا ترد عند السلطان .
وفي يوم الخميس رابع عشريه دخل إلى دمشق الأمير الكبير الجديد جاتم، الذي كان نائب حماة، وهو مملوك نائب جدة، عوضاً عن شاد بك الجلباني المتقدم، وكان له يوم مشهود .
وفي يوم السبت سادس عشريه دخل الحاج الشامي إلى دمشق، وأخبر الثقات منهم أن سبب الحريق الذي وقع بالحرم الشريف، أن شخصاً من الأخيار يدعى شمس الدين؛ رئيس الؤذنين، قد رأى قبل وقوع الحريق بليلتين ما يدل عليه، وأخبر به القاضي، فلما كان الليلة التي أراد الله سبحانه فيها ذلك، كان هذا الرجل المتقدم ذكره يسبح في المئذنة ليلاً في رمضان، وإذا بصاعقة وقعت، فاحترق الرجل المذكور الذي رأى المنام، واحترق الحرم النبوي بأجمعه، ولم يسلم منه شيء إلا قبة الزيت والضريح الشريف، وما لاصقه لا غير .
ثم أخبر أيضاً أن شخصاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقول: يا فلان أراد الله وقوع البلاء بأمتي فتلقيته بنفسي عنهم؛ وكما قال فإن الأماكن الملاصقة للحرم لم يحترق منها شيء، حتى أن بعضهم ذكر طيوراً كانت ترد النار، وكتب بذلك محضر بالمشاهدة؛ فانظر يا أخي هذا الأمر فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ ومن أحسن ما نظم في ذلك القصيدة المسماة: بكافي أولى العقول، في الحادث بمسجد الرسول، في كراسة؛ وذكر أنهم شرعوا في تعديله قبل دخول الحاج حين وردت المراسيم بعمارته، وأن يكون المشد خير بك حديد الذي كان محبوساُ بقلعة دمشق، فأبى، وقال: هذا عمارته طويلة؛ واستمر منفياً بمكة، فواحزناه عليه فإن ذلك يدل على سوء طويته، والله يعلم المفسد من المصلح .
وفي يوم تاريخه أطلق ... إبراهيم نقيب الأشراف من الترسيم. وأصلح بينه وبين ابن سكر، بسبب قضية العبد الحبشي الذي ادعى عليه أنه اختلسه مائتي أشرفي، وعزله عن النقابة .
وفي يوم الخميس خامس عشر صفر منها، دخل إلى دمشق قاضي القضاة عماد الدين الحنفي، وقرأ توقيعه نائبه في الحكم القاضي شمس الدين الحلبي، وهذه لم تكن عادته، بأن نائبه يقرأ التوقيع .
وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه دخل إلى دمشق السلطان الجمجمة بن عثمان، وقد حصل له من الأشرف قايتباي غاية الإكرام، وجهزه إلى الحج، وتكلف عليه الأموال الكثيرة، وحج حجة عظيمة لم يحجها أحد من الملوك، وأعطاه العطايا، وقدم له ما يصلح للملوك، وجهزه إلى دمشق، وقيل إن السلطان ساع في الصلح بينه وبين أخيه - وفي يوم الجمعة سلخه توفي العماد ... من المشهورين بأحكام الأمور الدنيوية.
وفي ييوم الخميس سادس ربيع الأول منها، لبس من قبل السلطان خلعة نقابة .... الشهابي بن عجلان وكان لبس قبلها خلعة من قبل النائب - وفي يوم الجمعة سابعه سافر من دمشق السلطان الجمجمة بن عثمان إلى البلاد الحلبية، وعزمه دخول أنطاكية - وفي يوم الخميس ثالث عشره توفي الشيخ الإمام العالم العلامة الشيخ قاسم التركماني الحنفي ... قيل فجأة، ومولده سنة عشر وثمانمائة، وتفقه بالشيخ عيسى البغدادي، وأفتى مدة ثم ترك ذلك تورعاً، وكانت وفاته بمنزله جوار المدرسة ... ودفن بمقبرة باب الصغير - وفي يوم تاريخه دخل إلى دمشق، بخلعة من قبل السلطان، المقر الشمسي بن المزلق، وهي خلعة رضا.
وفي .... ربيع الآخر منها، توفي القاضي برهان الدين إبراهيم بن عصرون، مباشر الجامع الأموي، وكان من ظرفاء الناس، ودفن بسفح قاسيون ... عشره طلب رجل من بعلبك إلى دمشق، يدعي التعرف نسب إليه ألفاظ كفر صريح، فوضع في حبس الدم بدمشق، ثم أحضره كاتب السر وضربه بالسياط وأشهره، ثم حبسه إلى أن يعقد له مجلس، فوقع بين القضاة بسببه، فحكم بإسلامه وأطلق. - وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه ورد مرسوم السلطان بعمارة المنارة الغربية المحترقة بالجامع الأموي، وترصيص بقية الجملونات إن وجد رصاص، كل ذلك من مال السلطان.
وفي يوم الخميس ثالث جمادى الأولى منها، بلغني أن في يوم الأربعاء خامس عشر الشهر قبله، وهو أول فصل الصيف، ويوم ختم الدرس بالشامية البرانية، كتب شيخنا شمس الدين الكفرسوسي على أربعين مسألة بالشامية، سألها إياه شيخنا تقي الدين بن قاضي عجلون.
وفي يوم الخميس هذا توفي الأمير الكبير بدمشق شاد بك الجلباني وكان يدعي العلم، وكان قبل ذلك يعد من الجبابرة، ثم لينه ما وقع كما قدمنا، وختم على حواصله ودفن بتربته عند القنوات بالمدرسة التي عمرها.
وفي هذا اليوم وصل السيد إبراهيم نقيب الأشراف كان، وكان من أمره أنه سافر إلى القاهرة ليشكو حاله إلى السلطان، فأرسله في الحديد هو وابن عمه إلى ملك الأمراء قجماس نائب دمشق، قلما قدم صادف أن هذا النائب في حوران، فذهب إليه، فرق عليه وأمر بشيل الحديد من رقبته، ووجهه إلى بيته، وأمره أن يعطي الأشراف حقوقهم، والله غالب على أمره.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره توفي، قيل فجأة، الشيخ الفاضل المفنن، عين الموقعين بدمشق، زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن الأسدي الشهير بابن الجاموس الشافعي، وكان ينظم الشعر الحسن، وله فضيلة تامة، وجمع تذكرة تعرض في أولها لمسموعاته، وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بمقبرة باب الصغيرة. - وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه توفي الخواجا برهان الدين الوراق؛ وسليمان دلالة الأملاك.
وفي يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة منها، توفي فجأة فيما قيل، الشيخ الفاضل تقي الدين ابن الخياطة، نقيب قاضي القضاة الحنفي، وصلى عليه بجامع منجك، ودفن بمقبرة باب الفراديس - وفي يوم الاثنين سادس عشريه وصل إلى دمشق مغلباي الصغير الخاصكي من قبل السلطان، وعلى يده مراسيم وخلعة لأمير العرب ابن عم سيف، لأنه قتل ابن عمه سيفا، وكان سيف هذا قتل نائب حماة، وحصل منه أمور.
وفي يوم الجمعة مستهل رجب منها، فرغت عمارة الصاغة الجديدة وقف الجامع الأموي، التي كانت حرقت قبل تاريخه مع حريق الجامع، وعمرت من مال الجامع. - وفي يوم الثلاثاء خامسه توفي، قيل فجأة، الشيخ العالم الفاضل تقي الدين البقاعي الحنبلي، قاضي الفسوخ. - وفي يوم الجمعة تاسع عشريه توفي كذلك الشيخ الصالح المعمر محمد الأقباعي، المؤذن بالجامع الأموي، وكان من الصالحين، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفي يوم الجمعة سادس شعبان منها، وصل إلى دمشق من القاهرة قاضي القضاة محب الدين بن القصيف الحنفي المعزول، وشيخنا العلامة أقضى القضاة سراج الدين بن الصيرفي، وأقضى القضاة فخر الدين الحموي الشافعيان، وكانوا سافروا من دمشق إلى القاهرة بسبب ما وقع لهم من قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل الحنفي، المتولي أمر نظر جامع تنكز، وما اختلق عليهم الأعادي؛ فعند ذلك لما وصلوا إلى القاهرة حصل لهم الإكرام من السلطان، وأنعم على قاضي القضاة محب الدين بن القصيف بوظيفة نظر مدرسة القصاعين وتدريسها، عوضاً عن العلامة قاسم الحنفي.
وفي يوم الأحد ثامنه توفي العالم الفاضل تقي الدين بن برهان الدين المغربي الحكيم، رئيس الأطباء بدمشق، ودفن بمقبرة باب الصغير، وكان له فضيلة تامة، وكان اشتغل في أول أمره على مذهب الإمام الشافعي وحفظ كتاب المنهاج ثم رجع واشتغل على مذهب الإمام مالك وحفظ مختصر الشيخ خليل، ثم اشتغل بعد موت والده طبيباً وبرع، وصار يعالج الأكابر، وكان من جملة من يعالجهم ملك الأمراء بدمشق قجماس، حصل له ببدنه ضعف فعالجه إلى أن أشرف على العافية، فدخل عليه وقت آذان الفجر إلى دار السعادة، فقال: يا مولانا ملك الأمراء كيف نمتم الليلة ؟ فقال النائب له: كان على بعض حمى، وشرع النائب يحادث الحكيم إلى أن طال النائب مع الحكيم الكلام، فبقي النائب يحادث الحكيم والحكيم لا يرد عليه، فقال لبعض جماعته: انظروا إيش أمر الحكيم ؟ فاضطرب الحكيم، فحرك فإذا هو قد مات، فانظر أمر هذه الدنيا، كيف جاء هذا الحكيم من بيته على رجليه ورجع إليه في نعش، فسبحان الحي الذي لا يموت.
وفي عشية يوم الخميس ثاني عشره توفي الفخر بن البيروتي الحريري، معلم السلطان. وفي يوم السبت رابع عشره توفي الشيخ علي المجذوب، المقيم بباب الجامع الأموي وكان كثير التلاوة للقرآن، وذكر عنه مكاشفات. - وفي يوم الثلاثاء سابع عشره توفي فجأة الشيخ الصالح العابد الزاهد الفضل إبراهيم ابن الشيخ الصالح ولي الله أحمد الأقباعي، ودفن بتربة الشيخ رسلان. - وفي ثاني عشري شعبان المذكور توفي الشيخ الرباني علاء الدين علي المحلي، بثغر رشيد، ولم يصلّ عليه بدمشق صلاة الغائب.
وفي يوم الاثنين مستهل رمضان منها، وقع بين القضاة ونائب الشام قجماس، بسبب نهر القنوات ونهر بانياس، وكان في دار النائب عيطة مهولة، وأعلام وربعات، وركب النائب والقضاة إلى مقسم الماء، وهدم ما كان بني في نهر القنوات، ونقص عما كان البناء، ثم أعيد أقل ما بني أولاً، وكان في هذه الواقعة أغراض القضاة متخالفة، والله يعلم المفسد من المصلح. - وفي يوم السبت ثالث عشره توفي الشيخ الأجل الصالح المبارك شمس الدين الغزولي، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفي يوم الأربعاء رابع عشريه مسك نائب الشام جماعة من مدرسة أبي عمر، التي بصالحية دمشق، وضربهم بالمقارع وأشهرهم في جنازير، وذلك بعد أن كبس المدرسة فهربوا منه للجبل، فمسك منهم بعض أنفس، ثم وضع الجميع في الحبس، وسبب ذلك أن صبياً، يقال له ابن موسك، ختم في جامع الحنابلة الذي في الصالحية، فلما فرغ الصبي من الختم، قامت العامة على عادتهم يخطفون الشمع، فقام شخص من المدارسة ليضرب، فجاء الضرب على القناديل فكسرهم فانكب الزيت على خلعة الصبي، فشكوا للنائب، فحصل من قال للنائب، وهو القاضي نجم الدين بن مفلح، هؤلاء من المدارسة مناحيس، فوقع ما تقدم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي سابع شوال منها، توفي القاضي صلاح الدين بن كبك، قاضي ثغر دمياط والصعيد، ولم يصلّ عليه بدمشق صلاة الغائب.
وفي يوم الجمعة رابع عشريه توفي الإمام العالم العلامة، الحبر البحر الفهامة، جامع أشتات الفضائل، شمس الدين محمد بن حامد الصفدي، وكان كثير الذكر والعبادة، وله مواعيظ، وله يد في سائر العلوم، حتى في علم الميقات ووضع الآلات والبسائط وغيرها، وتوفي بمدينة صفد، وكان يتهم بحب ابن عربي وهو قليل التفوه به، ومولده سنة ثمان وثمانمائة، وصلي عليه بالجامع الأحمر جوار منزله وكانت له جنازة حافلة.
وفي يوم السبت ثالث ذي القعدة منها، توفي التقي بن الأيدوني، ويحكى عنه حكايات من جهة البخل. وفي يوم الأربعاء رابع عشره توفي الشيخ شمس الدين الزحلي، المؤذن بالجامع الأموي، ويحكي عنه حكايات من جهة الكرم، ودفنا بمقبرة باب الصغير. - وفي خامس عشريه وقع سيل عظيم بمكة المشرفة حتى هدم عواميد المطاف، ووجد في الحرم أكثر من سبعين رجلاً ماتوا بالغرق، وخرب نحو ثلاثمائة بيت، وبلغ السيل سبعة أذرع على ما أخبر بذلك قاضي القضاة محب الدين الحنفي.
وفي يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة منها، تولى الأمير آقبردي أستادار السلطان بدمشق، عوضاً عن الأمير إبراهيم بن شاد بك الجلباتي، وكان أقبردي المذكور له سنين في حبس القلعة بدمشق، فورد المرسوم بالإفراج عنه يوم الأربعاء ثالث عشره، ولبس ثاني يوم؛ ثم بعد ذلك بأيام هرب الأمير إبراهيم المذكور من دمشق ليلاً إلى عند العرب، وأخذ عياله ونساءه، فأصبح أرباب الدولة والحكام ليطالبوه فلم يجدوا أحداً، فسافر ملك الأمراء قجماس وحاجب الحجاب وأركان الدولة وغيرهم، فلم يجدوه ولم يعرفوا خبراً شافياً، والعامة تقول إنه سافر إلى بلاد حسن باك في العجم.
سنة ثمان وثمانين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين ابن أخ المستنجد بالله يوسف العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشراف قايتباي، ونائبه بدمشق قجماس الإسحاقي الظاهري.
وفي يوم الخميس سادس المحرم منها، تولى الأمير يونس بن مبارك حاجب ثاني بدمشق، عوضاً عن يشبك الحمزاوي.
وفي يوم الخميس ثالث عشره توفي الأمير صارم الدين إبراهيم ابن الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك، ودفن بتربته في جامع منجك بالقبيبات، وحج بالركب الثاني ثلاث مرات.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه توفي الشيخ أحمد بن شاه شيخ الصوابية العجمي، وخرج في جنازته القضاة ونائب الشام وغيرهم، وكان من مبتدأ أمره أنه جاء من بلاد العجم، وانقطع في هذا المكان الذي يدعى اليوم بالصوابية، وهي تربة بسفح جبل قاسيون تحت قبة سيار، فزوجه قاضي القضاة عماد الدين الباعوني جاريته، ثم أقبل عليه الناس وعمر له الأتراك في المكان المذكور، وكان يقيم الوقت في كل أربعاء بليلتها، ويهرع الناس إليه، ودفن فوق الصوابية.
وفي يوم الاثنين تاسع عشريه قدم الحجاج، وأخبروا بعمارة الحرم النبوي، على ساكنه أفضل الصلاة والسلام، الذي تقدم الكلام على حريقه، وأنه عمر الآن عمارة عظيمة، عمره السلطان قايتباي من ماله، وكان مشد العمارة الخواجا شمس الدين بن الزمن، لكنه لم يكمل، وأخبروا أيضاً أن سبب تأخيرهم إلى اليوم الذي قدموا فيه أنه حصل عليهم في الحسا مشقة عظيمة، لم يعهد مثلها، بسب الثلج الذي نزل عليهم، وأنه قتل به خلق كثير وجمال، وذهب للناس أموال لا تعد ولا تحصى، فنسأل الله اللطف بنا وبهم وبالمسلمين.
وفي يوم الخميس رابع عشرين صفر ورد مرسوم السلطان بطلب قاضي القضاة نجم الدين بن مفلح، وشيخنا أقضى القضاة ناصر الدين بن زريق الحنبليين، وإحضارهما إلى الديار المصرية، بسبب شكوى أهل مدرسة أبي عمر الذين ضربوا بالمقارع، وتقدمت الإشارة إليهم.
وورد فيه أيضاً مرسوم السلطان بطلب أقضى القضاة برهان الدين بن القطب الحنفي. وطلب الخواجا بدر الدين حسن بن الجارة، بسبب شكوى سيدي أبي بكر من الديوان عليهما؛ والطلب لهذه الجماعة في غيبة نائب الشام، فإنه مسافر في عمارة قناة الرحبة، والله يحسن العافية.
وفيه توفي سيدي محمد دوادار ملك الأمراء قانصوه اليحاوي، وهو الذين عمر الخزائن للمؤذنين بالجوامع، وخصوصاً الجامع الأموي، وكانت وفاته بمصر.
وفي يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول منها، دخل نائب الشام إلى دمشق من عمارة قناة الرحبة وغيرها. - وفي يوم السبت ثامن عشره سافر إلى القاهرة قاضي القضاة نجم الدين مفلح بالطلب المتقدم، وصحبته أقضى القضاة برهان الدين بن القطب. - وفيه، والصحيح في رابع عشره، توفي العلامة نجم الدين سيدي يحيى ابن قاضي القضاة بهاء الدين بن قاضي القضاة نجم الدين عمر بن حجي الشافعي، وصلي عليه صلاة الغيبة بالجامع الأموي بدمشق.
وفيه توفي بدمشق أتابك العساكر بها، الأمير جانم، وكان من مماليك الأمير جاني بك الظاهري خشقدم، ولي نيابة عين تاب، ثم نيابة البيرة، ثم نيابة حماة، ثم الأمرة الكبرى بدمشق، وقدمها في رابع عشر المحرم سنة سبع وثمانين، واستمر إلى أن مات، ودفن بمقبرة الأمير خشكلدي البيهقي بمقبرة الصوفية.
وفي يوم الخميس سابع ربيع الآخر منها، قدم إلى دمشق سلطان خراسان، وهو من أولاد تمرلنك، ومعه جمع كثير، ونزل في القصر، وكان قبل ذلك قد حج وزار بيت المقدس، وحضر على السلطان الملك الأشرف قايتباي، وحصل له منه الإكرام الزائد، وأوصى به في سائر البلاد - وفي يوم الاثنين ثامن عشره توفي الأمير جانم بدمشق، وكان له فضيلة، وكان يكتب كتابة عظيمة - وفيه جاء إلى دمشق جراد عظيم.
وفي مستهل جمادى الأولى منها، خرج من مصر تمراز الظاهري أمير سلاح، وهو ابن أخت السلطان قايتباي، وصحبته أزبك الصغير خازندار الظاهري أحد مقدمي الألوف، للذهاب إلى دولات أخي سوار الغادري.
وفي يوم الخميس ثالث عشره توفي سيدي الأمير أبو بكر بن الأمير صارم الدين بن منجك، وكان بين وفاته ووالده أربعة أشهر، وكان سافر من القاهرة، وألبسه السلطان عوض والده، فدخل إلى دمشق بخلعة، وقعد أياماً ومرض - وفي يوم الأربعاء سادس عشريه توفي الخواجا شمس الدين أحمد بن حسن، ودفن بمقبرة باب الصغير بدمشق، وكان كثير الصدقات والمعروف، خصوصاً في السر، ويعطي لمن يعمر الرصفات والقناطر والسبل وغيرها، ويقول له ....
سنة تسع وثمانين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب؛ وسلطان مصر والشام وما معهما الملك قايتباي، ونائبه بدمشق قجماس الإسحاقي الظاهري .
وفي المحرم منها، وصل الحاج وأخبروا بأن الحرم النبوي كملت عمارته على أحسن حالة، وعمر على الضريح الشريف النبوي قبة، على سكنها أفضل الصلاة والسلام.
وفي يوم الأحد ثالث عشرين صفر منها، كبر العامة على المآذن بالجامع الأموي على حاجب الحجاب بدمشق سيباي، بسبب ضربه لرجل من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ظلماً على ما ذكر.
وفي يوم الثلاثاء مستهل ربيع الآخر منها، توفي الفاضل شمس الدين محمد بن الكاتب، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفي يوم الخميس سادس عشر جمادى الأولى منها، توفي الشيخ بدر الدين بن البطيخي، ودفن بمقبرة باب الصغير. وفي يوم الجمعة سابع عشره توفي فجأة القاضي جمال الدين عبد الله ابن قاضي القضاة عماد الدين يوسف الباعوني الشافعي، ودفن بتربتهم بالسفح.
وفي يوم السبت تاسعه جمادى الآخرة توفي الشيخ أبو السعد الموقع، ودفن بمقبرة باب الفراديس - وفي يوم الجمعة توفي، قيل فجأة، الشيخ أمين الدين محمد بن محمد بن حمدان، رئيس السادة المؤذنين بالجامع الأموي، ودفن بسفح قاسيون.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره جمادى الآخرة دخل إلى دمشق الأمير تمراز أمير سلاح الظاهري، ابن أخت السلطان قايتباي، وقال الشهاب الحمصي: كان خال السلطان وهو رأس باشي العساكر، وصحبته الأمير أزبك الصغير الخزندار الظاهري والأمير أينال الفقيه والأمير مغلباي وغيرهم من الأمراء، ومن مماليك السلطان ما يزيد على الألف، متوجهين إلى عدو السلطان المخذول أخي سوار المسمى علي دولة، وأصله دولات، ابني سليمان ناصر الدين ابن ذو الغادر، وقتاله، وأخذ مدينة أدنة من أبي يزيد بن عثمان، وقد تقدمهم إلى حلب بقية هذه العساكر، ونائب الشام قجماس، وبقية النواب ينتظرونهم إلى أن يصلوا إليهم، ويتوجهوا بأجمعهم إلى علي دولة، اللهم أصلح أحوال المسلمين.
وفي هذا اليوم أمر الأمير تمراز المذكور بإشهار المنادة أن سعر الدارهم الجديدة الوازنة نصف سعر العتيقة الناقصة، وأن الأشرفي من الخمسين إلى اثنين وخمسين، بعد أن ذهب للناس في ذلك أموال كثيرة. وفي هذا اليوم بلغني أنه في سابع هذا الشهر، فوض القاضي شهاب الدين ابن الفرفور لقريبنا تقي الدين أبي بكر بن أحمد الأخن، الشهير بابن قاضي زرع، نيابة القضاء.
وفي سابع عشريه عزل القاضي شهاب الدين بن الفرفور، قاضي قضاة الشافعية بدمشق، وولي مكان قاضي القضاة شمس الدين محمد بن بدر الدين حسن بن شمس الدين محمد بن المزلق الأنصاري الشافعي، واستمر نظر الجيش بيد قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور.
وفي يوم السبت مستهل رجب منها، فوض شهاب الدين بن الفرفور قاضي الشافعية، ولم يكن وصل إليه خبر عزله، لشهاب الدين أحمد العذاري الحلبي الدمشقي نيابة القضاء بمبلغ ثمانين أشرفياً؛ وأعاد الحموي بعد عزله. - وفي يوم الثلاثاء رابعه شاع كذباً بين الناس أن السلطان قايتباي مات، وكان يومئذٍ الأمير تمراز ومن معه بمصطبة السلطان بأرض برزة، لم يسافروا، فتشوشوا لذلك، ثم في سادسه سافروا. - ثم أعيدت الدارهم الجديدة الوازنة إلى ما كانت عليه العتيقة.
وفي يوم الأحد تاسعه توفي الشيخ المسلك شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن الأخصاصي، فجأة، والصحيح أنه لم يتوف فجأة، ولذا ذكرته في كتابي التمتع. وفي يوم الجمعة رابع عشره توفي القاضي بهاء الدين بن الفرفور ديوان الجيش، ودفن بمقبرة الشيخ رسلان، وكان له جنازة حافلة.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره وصل الخبر من مصر إلى الشمس بن المزلق بدمشق بأن السلطان قايتباي ولاه قضاء الشافعية بدمشق. وفي يوم الخميس عشريه لبس خلعة القضاء بدمشق قاضي القضاة شمس الدين بن المزلق، من اصطبل دار السعادة، من حضرة نائب الغيبة الحاجب الكبير سيباي، ثم دخل من باب الفرج إلى الجامع الأموي، فقرأ توقيعه شيخنا العلامة أقضى القضاة سراج الدين بن الصيرفي الشافعي.
وفي يوم الاثنين مستهلّ شعبان منها، توفي الأمير جاني بك التنمي، أحد مقدمي الألوف بدمشق، وكان أمير الحاج الشامي، ودفن بقبة القلندرية، وفي تربة باب الصغير. وفي يوم الجمعة ثاني عشره صلي غائبة بالجامع الأموي على شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم الجوجري، والعلامة نور الدين السنهوري المالكي، والشيخ شهاب الدين المشهدي، المصريين. - وفي يوم الاثنين سلخه لبس خلعة أمرة الحاج بدمشق الأمير علي شاهين نائب القلعة، عوضاً عن الأمير جاني بك المتوفي المذكور.
وفي يوم الأحد سادس رمضان منها، وردت مراسيم السلطان بالكشف على السامرة بما أخذوه من ماء نهر ثورا بدمشق والترسيم عليهم وحملهم إلى القاهرة، فركب أركان الدولة إلى ماء النهر فوجدوا هناك، كان بالحمام وخرب، فاشتروا الماء، وأخذوا زائداً على حقهم .
وفي يوم الثلاثاء ثامنه سافر إلى القاهرة قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور، لأنه طلب الحضور فأجيب إلى ذلك. - وفي يوم السبت ثاني عشره.
سنة تسعين وثمانمائة
استهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيزي بن يعقوب العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما معهما الملك الأشرف أبو النصر قايتباي الجركسي الظاهري، وهو الثالث والأربعون من الملوك التركية بعد الأيوبيين؛ ونائبه بدمشق قجماس الإسحاقي الظاهري، وهو واصل ومعه يلباي دوادار السلطان، وهو الذي ثبت معه في الوقعة، وسودون والطويل وبقية العكسر تأخر في حلب، وتحرر أن عسكر الروم متفق مع علي دولات، والقضاة: من الشافعية شمس الدين المزلق، ومن الحنفية عماد الدين إسماعيل الناصري، ومن المالكية برهان الدين أحمد المريني، ومن الحنابلة النجم بن مفلح، والأتابكي بمصر أزبك الظاهري.
وفي مستهلها رجع نائب الشام قجماس إلى دمشق من وقعة علي دولات، وزينت دمشق يومئذٍ لدخوله. وفي منتصف ليلة الجمعة رابعه احترق الفرن الذي تحت القلعة، مع بعض سوق المارستان، والرابع حول الفرن. وفي يوم الجمعة حادي عشره كبر السواد الأعظم، وحملوا الأعلام بالجامع الأموي على النائب قجماس، بسبب سلاخوره لقبضه السيد الشريف المنتسب لسيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني، لما أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وحرق الحشيش، فأرضى الناس النائب المذكور بالتأييد لهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه معهم في ذلك.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره ورد مرسوم شريف من مصر بأن يرمى على أكابر دمشق، وعين به جماعة، كل واحد منهم على قدره، شعيراً عدة خمسة آلاف غرارة، بثمنه، من الملا الذي بالقلعة.
وفي مستهل صفر يوم الأربعاء منها، نادى نائب الشام قجماس باجتماع الجيش بالسلاح في دار السعادة، فظن الناس أنه يكبس العرب، ثم بعد ساعة من اجتماعهم بالسلاح تبين أنه يريد كبس أهل الشاغور، فراجعه القضاة في ذلك، فأرسلهم إليهم، فذهبوا ثم أتوه بأكابرهم، فأكد عليهم في قبض المناحيس، وإن لم يفعلوا يخرب الشاغور.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشر صفر شاع بدمشق أن الحاجب الكبير سيباي انفصل منها، وولي نيابة حماة، وأن يلباي دوادار السلطان بدمشق، تولى حاجباً كبيراً مكان سيباي المذكور. وفي ليلة الثلاثاء هجم الحرامية على الخواجا شمس الدين بن القونصي، أحد مشائخنا بالإجازة في الصالحية، وذبحوه وسريته التي كان يحبها، وأخذوا ماله، ويقال إن طواشيه بشير هو الفاعل مع جماعة لذلك. وفي هذه الليلة هجم الحرامية على ابن الحوارني الأقباعي، بحارة الأقباعية، وأخذوا ماله ومال جماعة معه، وقتلوا ثلاثة أنفس.
وفي يوم الجمعة مستهل ربيع الأول لبس يلباي دوادار السلطان بدمشق كان، تشريف الكبرى من الحجوبية بدمشق. وأعاد مكبس الفاكهة بدار البطيخ، وفي ليلة الأحد ثالثه احترق نصف سوق الشاغور. وفيه صلب النائب قجماس جماعة بالمشنقة، وقطع أيديهم.
وفي ليلة الاثنين رابعه احترق سوق القبيبات، لصيق جامع كريم الدين، وقد كان احترق في يوم الجمعة بعد العصر والناس في الصلاة عاشر جمادى الآخرة، سنة خمسين. وفي يوم الجمعة سابعه لبس نائب الشام قجماس تشريفاً بالاستمرار. وفي سداس عشره سافر الأمير سيباي من دمشق لنيابة حماة، نقلاً من الحجوبية الكبرى بدمشق إليها.
وفي يوم السبت مستهل ربيع الآخر منها، أمر نائب الشام قجماس بإطلاق الأمير بداغ، بضم الباء الموحدة أوله وبالغين المعجمة آخره، ابن سليمان الغادري، أخي سوار وعلي دولات وعبد الرزاق، ومن سجن قلعة دمشق، بغير إذن من السلطان، للذهاب معه لقتال أخيه علي دولات، فأطلق، فأهدى له أركان الدولة ما يحتاج إليه، خيلاً ومالاً وقماشاً وزاداً.
وفي ثامن ربيع الآخر منها، خرج نائب الشام قجماس من دمشق إلى مصطبة السلطان مجرداً سائراً لقتال علي دولات، وسافر معه أمراء دمشق، ولم يترك أحداً غير دواداره أزبك، وأخذ بداغاً معه؛ فلما صار الجميع بالمصطبة المذكورة رد بداغاً إلى القلعة كما كان، وأخذ منه جميع ما كان أجازه به وهو وغيره.
وفي عاشره دخل جاني بك نائب كرك الشوبك دمشق، دوا دار لأستاذه السلطان قايتباي بها، مبادراً للسلام على نائب الشام قجماس بالمصطبة، فسلم عليه ثم رجع ليتجهز للسفر خلفه لقتال علي دولات، إلى أن يصل مرسومه والتشريف بالدوادارية.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره، بعد العصر، هبت ريح شديدة من جهة المزة على باب الجابية ومسجد الذبان والقبيبات، فكسرت شجراً كثيراً، ثم سكنت، ثم ثارت أيضاً في أثناء الليل، وهي ليلة الأربعاء، فخربت بيوتاً كثيرة، وشجراً كثيراً أيضاً، وسقطت شجرة جوز على بيت بقرية ببيلا، فيه رجلان أخوان، فوقع عليهما البيت فماتا ليلتها. وفي يوم الجمعة حادي عشرينه صلي بالجامع الأموي على قاضي بلد الجليل، ولم أعرفه. وفيه دخل دمشق عجلا، رأس نوبة النوب بمصر، برسباي قرا الظاهري، في مدة ثمانبة أيام، ولم يعلم أحداً ما جاء لأجله، وهو قاصد البلاد الشمالية.
وفي بعد عشاء ليلة الخميس سابع عشري ربيع الآخر منها، هجم الحرامية بنشاب وغيره، على سوق جقمق، داخل باب الجابية، وأخذوا للنصارى وغيرهم، عدة سبع حوانيت قماشاً وغيره، ثم على سوق البزورية وأخذوا حانوت ناصر الدين الصيرفي على باب القشر ثامن عشريه صلي بالجامع الأموي غائبه قاضي القضاة الشافعية بالقاهرة كان، العلامة أبي السعادات البلقيني، وترجم بأن فيه طيش شديد.
وفي يوم الثلاثاء ثاني جمادى الأولى منها، دخل دمشق من مصر أحد مقدمي الألوف بمصر، تاني بك الجمالي الظاهري، وأحد مقدمي الألوف بها أيضاً أزبك الصغير من خازندار الظاهري، وجماعة آخرون، قاصدين علي دولات. وفي هذا اليوم، وهو سابع عشر أيار، جرى على ألسنة الناس أن المشمش الحموي يسقط من قبة شجره، وقد سبق أوانه بأيام مع برد هذه الأيام، فسبحان من هذا من بعض قدرته. وفي ثالثه دخل من مصر إلى دمشق باش العسكر المصري قبل الظهر، فوقع بدمشق مطر عظيم وبرد كبار، أعظمها نحو الأوقية. وفي يوم الأحد سابعه دخل دمشق رجل جراد عظيمة، ثم ذهبت في يومها فلم يعلم أين ذهبت ثم رجعت.
وفي يوم الخميس حادي عشره خرج من دمشق باش العسكر المصري بمن معه قاصدين علي دولات. وفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى منها، صلي بالجامع الأموي غائبة على القاضي سعد الدين الحنفي العجمي، ثم الدمشقي ثم القدسي، إمام الصخرة المقرئ، توفي بالقدس الشريف؛ وعلى حافظ الدين الموقع نائب كاتب السر النجمي بن الخيضري، توفي بحلب في ثاني عشر الشهر المذكور، ودفن في مكان ثم أخرج من قبره ودفن بتربة ابن السفاح.
وفي هذا اليوم تعصب جماعة على شيخنا المحب أبي الفضل بن الإمام، شيخ مدرسة الخواجا شمس الدين بن النحاس، ويعرف أيضاً بابن الجابي الصفدي، وشاع في الناس يومئذٍ أن القاضي فخر الدين عثمان الحموي، ثم الدمشقي، نائب قاضي القضاة المزلقي الشافعي، نادى عليه بالمنع من الإفتاء والتدريس والوعظ بإذن القاضي المزلقي في ذلك، فصاح أبو الفضل المشار إليه في مكانه، داخل مقصورة الجامع الأموي، وأسمع قاضي القضاة المزلقي وهو في مجلس صلاته على باب الخطابة، أن منعه تعصب عليه.
فلما سمع المزلقي ذلك أنكر على فخر الدين نائبه، وطلبه من بيته قرب الجرن الأسود، فحضر ومعه أخو صهره، كان، قاضي القضاة محب الدين بن القصيف، ودخلا بيت الخطابة، وحصل منهما كلام لا طائل تحته، وإنما موجبه أن أبا الفضل سعى في إنقاذ رجل من ديوانه من تهمة وقع فيها بكلام صبي صغير، سب لفخر الدين المذكور ثم وشى بينهما واش بالنميمة، أوغر صدور كل من أبي الفضل وقاضي القضاة محب الدين بن القصيف وأخيه وفخر الدين المذكور ومن يلوذ بهم.
فلما كان بعد صلاة العصر طلب المزلقي كلا من فخر الدين وأبي الفضل إلى بيت الخطابة، فامتنع أبو الفضل من الحضور، وكان غفلة منه، وإذا لو حضر لا نتصر وظهر الكذب من الوشاة بينهم، فخرج قاضي القضاة المزلقي من بيت الخطابة وذهب معه جماعة، منهم فخر الدين المذكور، فعرش بعض الناس على المزلقي وعلى فخر الدين في حال مرورهم على محراب الحنفية إلى أن خرجوا من باب الزيادة، فندم أبو الفضل وأمر بكتب ورقة ليذهب بها إلى بيت المزلقي يذكر فيها أموراً، وطال الكلام في ذلك، فاجمتع شيخنا المحيوي النعيمي بقاضي القضاة محب الدين بن القصيف، فذكر له أن فلاناً وشاة الواشي، إن ثم لهم وعليهم ولأبي الفضل وعليه.
وفي يوم الخميس خامس عشرينه وصل الخبر إلى دمشق على يد مملوك الخواجا ابن الحزمي بأن قاضي القضاة الشهابي بن الفرفور أعيد إلى قضاء الشافعية، وعزل قاضي القضاة الشمس المزلقي، وأن بهاء الدين بن جمال الدين بن الباعوني واصل بذلك إلى دمشق.
وفي يوم الجمعة سادس عشرينه حضر الشمس المزلقي إلى الجامع، وصلى على عادته، ودخل بيت الخطابة بعد أن خطب عنه سراج الدين بن الصيرفي، وذكر في خطبته فضل طلحة رضي الله عنه؛ وبعد صلاة الجمعة صعد أبو الفضل على الكرسي العالي تجاه محراب الحنفية، واجتمع في مجلسه جم غفير، وسرد أحاديث كثيرة عن ظهر قلبه في تحريم الغيبة والنميمة، وفي فضل العلماء وأهل الخير، ثم أظهر العتب على المزلقي، والحال أنه بريء مما أنهى عنه وأظهر أن فخر الدين المذكور من تلامذته، ممن أحسن إليه وأقامه، وأظهر أنه رجل فقير، وذكر أشياء يطول ذكرها؛ ولما نزل ودخل المقصورة فحوم له جماعة ووشوا له.
وفي حال صعود أبي الفضل هذا للكرسي صاح العوام ورفعوا أصواتهم، واجتمعوا على الأمير أزبك نائب الغيبة بسبب الشاب البلاصي، رأس نوبة، الشهير بالقدسي، ليسلمه لهم ليحرقوه، فجاء الأمير أزبك إلى بيت الخطابة ليستشير قاضي القضاة المزلقي في ذلك، وقد تكالب العوام ورفعوا أصواتهم على باب الخطابة، فأرضاهم ووعدهم بقتله، ثم خرج من بيت الخطابة وذهب إلى بيته من باب الزيادة.
وشاع في هذا اليوم بين الناس، أن أبا يزيد بن عثمان أخذ من مملكة سلطاننا بلاداً كثيرة، وأن قصده الزحف على هذه المملكة .
وفي يوم السبت سابع عشرين جمادى الأولى هذه، دخل بهاء الدين الباعوني، الموعود بدخوله دمشق، ومعه من قاضي القضاة ابن الفرفور للقاضي محب الدين ابن قاضي عجلون، أن يتولى أمر الخطابة والعرض والتفويض لجماعة مخصوصة نيابة عنه؛ وأخبر بهاء الدين المذكور أن المزلقي لما عزله السلطان عن القضاء بدمشق عوضه كتابة السر بها، وعزل نجم الدين الخيضري منها، وأن المزلقي يجلس فيها بدار العدل فوق القاضي الحنفي؛ فركب نائب القلعة ابن شاهين ونائب الغيبة أزبك وغيرهما إلى المزلقي وعرضا عليه ذلك، فامتنع من الدخول في ذلك .
وفي يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة منها، خطب القاضي محب الدين ابن قاضي عجلون عن قاضي القضاة الشهابي بن الفرفور، ومدح الناس له - وفي بكرة هذا اليوم قام أهل قرية المزة وكبروا على مملوك السلطان دواداره بدمشق، ونزلوا إلى المدينة إلى بيته، ثم كبروا عليه بالجامع قبل الصلاة وبعدها، وأظهروا التظلم منه، فخفض عنهم بعض ذلك - وفي يوم الخميس عاشره وصل من مصر لمملوك السلطان ودواداره بدمشق، واسمه جاني بك الطويل، تشريف باستقراره في الدوادارية المذكورة، وأن يلحق العسكر لقتال علي دولات، والحال أنه لم يكن بقي في دمشق من أرباب الدولة غيره، ونائب القلعة علي بن شاهين المتأهب لأمرة الحاج، ونائب الغيبة أزبك دوادار النائب .
وقد زحفت العربان على البلاد، وعلى نواحي دمشق وأطرافها، فخرج إليهم نائب الغيبة المذكور، فلم يقدر على العاصين منهم، فالتجأ إليهم الطائعون منهم خوفاً من العاصين، فأخذ مالهم ومواشيهم ودخل به دمشق؛ فثاني يوم بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي حضر فيه جماعة من العربان الطائعين، أصحاب البوش المأخوذ، ونساؤهم وأولادهم، حتى دخل نساؤهم مقصورة الجامع الأموي، واستغاثوا وأظهروا التظلم من العرب العاصيين من جنسهم، ثم من نائب الغيبة المذكور لأجل بوشهم، وتراموا على الناس في رد بوشهم. .. .
سنة إحدى وتسعين وثمانمائة... وفي ثاني عشره خطب بالجامع الأموي نيابةً الشيخ سراج الدين الصيرفي، وانقطع محب الدين بن قاضي عجلون - وفي رابع عشره طلع القمر مكسوفاً، واستمر بعد العشاء نحو أربعين درجة .
وفي ثامن عشري ربيع الأول منها، أطلق ابن العدوي من القلعة، بعد أن أورد عشرة آلاف دينار مما عنده، وأعطى الخاصكي ألفاً، وتكلف أربعة أخرى، ثم توجه بعدها إلى مصر، واستدان ثمانية وعشرين ألف دينار .
وفي تاسع عشر ذي القعدة منها، وصل مرسوم بأن محمد بن شاهين ولي نيابة القلعة، عوضاً عن أبيه، بعشرة آلاف دينار .
وفي يوم العيد من ذي الحجة منها، صلى النائب بالمصلى، وخطب القاضي الشافعي به، وحضر المالكي والحنبلي، وأركان الدولة على العادة.
سنة اثنين وتسعين وثمانمائة
استهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب؛ وسلطان مصر والشام وما معهما الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق قجماس الإسحاقي الظاهري؛ والقضاة بها: الحنفي زين الدين عبد الرحمن بن أحمد الحسباني، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شهاب الدين المريني، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير جانم مملوك السلطان؛ والحاجب الكبير يلباي الأينالي؛ والحاجب الثاني أحمد بن شاهين؛ ودوادار السلطان جاني بك الطويل؛ ونائب القلعة محمد بن شاهين؛ ونقيبها الأيدكي؛ ودوادار النائب طراباي مملوكه؛ وكاتب السر أمين الدين الحسباني؛ وناظر الجيش القاضي الشافعي المذكور؛ وكاتب الخزانة المحب الأسلمي؛ والمحتسب عبد القادر .وفي يوم الجمعة ثالث المحرم منها، صلي بالجامع الأموي غائبة على قاضي القضاة العلامة برهان الدين بن ظهيرة المكي توفي بها في سادس ذي القعدة من السنة الماضية .
وفي يوم السبت عاشره دخل إلى دمشق من البلاد الشمالية أولاد بنت ابن قرمان قاصدين مصر، وقيل إن معهم صنجقاً من صناجق أبي يزيد بن عثمان، وأنهم ظهروا عليه وعلى جماعته، وإنهم أتوا إلى السلطان يطلبون منه تدارك البلاد، وإنهم يكفونه أمر ابن عثمان، وقيل هربوا من ابن عمهم الذي ببلادهم، لكونهم ركبوا مع عسكر سلطاننا عليه وعلى عسكر ابن عثمان .
وفي يوم السبت حادي عشره لبس النائب خلعة جاءته من مصر، بطرازين مذهبين، من أوائل القبيبات، لأنه كان يوماً مطيراً عقب أيام مثلجة، فحصل عليه وعلى الترك والقضاة مشقة من كثرة الوحل والبرد، وخرج اليهود في سبتهم لملاقاته إلى عند أبواب مصلى العيدين، مع المطر الشديد والوحل والإهانة الشديدة من الأعوام ضرباً وشتماً، ودخل المدينة يسوق الناس عجلاً .
وفي يوم الاثنين سابع عشريه فوض نائب الشام نيابة صفد لحاجب الحجاب يلباي بمبلغ عشرين ألف دينار، عوضاً عن نائبها مملوك السلطان أينال الخسيف، الذي كان أميراً كبيراً بحلب، وهو رفيق جاني بك الطويل دوادار السلطان يومئذٍ بدمشق، فإنه قد استقر في مشدية شراب خاناة المقام الشريف بمصر، وكان السلطان رسم لنائب الشام بشنقه بسبب تسببه لموت نائب قلعة صفد، ثم سامحه وذلك بمقتضى مرسوم شريف إليه أن يقرر في نيابتها من يقع اختياره عليه بالمبلغ المذكور من: سودون الطويل الذي في الحج الشريف، ومن يونس، ومن يلباي حاجب الحجاب، فإن وقع الاختيار فيها على يلباي المذكور، ودخل فيها، يقرر في الحجوبية مكان من يقع اختياره عليه من الغائبين، بمبلغ عشرة آلاف دينار، لكونهم قد نقصوا فعلهم في التجريدة؛ ثم تبين أن أينال الخسيف المذكور استقر في الحجوبية الكبرى بدمشق، وأن مملوك السلطان جاني بك قد استقر في الحجوبية الثانية بدمشق أيضاً، وفي أمرة ميسرة التي كانت بيد يوسف بن جلبان، وأطلق ابن جلبان المذكور من المقشرة على ستة آلاف دينار .
وفي يوم الجمعة رابع عشريه، عقب الصلاة، خرج يلباي من دمشق إلى نيابة صفد خروجاً حافلاً، وخرج نائب الشام لوداعه .
وفي يوم الخميس سلخه دخل الوفد الشريف من الحجاز إلى دمشق، بعد مشقة حصلت لهم من حمل وادي قرية من أرض حوران، وأخبروا أن الحجة كانت طيبة .
وفي يوم الخميس سابع صفر منها، دخل من مصر إلى دمشق نائب قلعتها محمد بن علي بن شاهين، المتوفى والده في رمضان من السنة الماضية .
وفي يوم الاثنين ثامن عشره خرج النائب وأرباب الدولة والقضاة والمشاة بالعدد إلى قبة يلبغا، لملاقاة حسن بك بن هرسك صهر أبي يزيد بن عثمان ملك الروم، فأمطرت السماء ثم أثلجت، ثم دخل دمشق والنائب قدامه خدمة له، وقد اشتد الثلج، فحصل للناس شدة بذلك .
وكان قبل ذلك بنحو نصف شهر ورد على النائب مطالعة الأمير قانصوه خمسمائة متسلم حسن المذكور، بأن المقام الشريف عفى عنه وأطلقه، وأن يخرج إليه بعسكر دمشق ويلاقى بالإكرام الوافر .
وفي يوم تاسع عشره دخل حسن المذكور إلى الجامع الأموي، وصلى فيه عند محراب الحنفية، وفي المقصورة، وشرقي محراب المالكية، وتصدق على الفقراء .
وفي يوم الخميس حادي عشريه خلع النائب عليه خلعة حمراء معظمة وخرج في خدمته لوداعه لسفره إلى بلاده، والقضاء سلموا عليه ولم يخرجوا في خدمته .
وفي يوم الاثنين رابع عشر ربيع الآخر منها، دخل من مصر إلى دمشق حاجب الحجاب أينال الخسيف الأشرفي وتلقاه أرباب الدولة باحتفال عظيم، على يمينه نائب الشام، وقدامه رفيقه دوادار السلطان جاني بك الطويل، كلاهما من مماليك السلطان؛ ثم شرع في عمارة الربوة وألزم ملاكها العمارة، وزعم أن ذلك بمرسوم شريف .
وفي أوائل ربيع الآخر أراد القاضي الشافعي أن ينقض حكم نائب الحنفي، كمال الدين بن سلطان، في تزويج صغيرة، فانتصر له الشيخ عز الدين بن الحمراء، وحصل بينهم شر، واستمروا في ذلك مدة في عدة مجالس .
وفي هذه الأيام وصل يوسف بن حلبان، بعد إفراج السلطان عنه من المقشرة، إلى دمشق، بعد شفاعة النائب فيه على ستة آلاف دينار، ورسم عليه بالمدرسة العذراوية خلف دار السعادة، حتى باع غالب أملاكه في ذلك .
وفي يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى منها، تولى شهاب الدين بن الصاحب نيابة القضاء، عن قاضي القضاة الفرفوري، وقد تقدم أنه كان قاضي ركب الشامي في السنة المتقدمة، وعجب الناس لذلك.
وفي يوم الاثنين ثالث عشره دخل من مصر إلى دمشق مملوك السلطان تاني بك الأشرفي، حاجباً ثانياً وأمير ميسرة .
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة منها، فوض قاضي القضاة الشافعي نيابة القضاء أيضاً لعفيف الدين شعيب العزاوي، وعجب الناس لذلك أيضاً .
وفي يوم الخميس خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق نقيب قلعتها محمد بن سكر عوضاً عن مملوك السلطان الأيدكي الأشرفي .
وفي يوم الخميس ثاني عشريه دخل من مصر إلى دمشق ناصر الدين محمد بن أيوب، الذي كان نائب القدس، أستاداراً للأغراض السلطانية بدمشق عوضاً عن حمزة الشعث، الذي تولى بعد آقبردي المقتول، وذلك بعد حبس ناصر الدين بالقاهرة ومصادرته بها، ثم اعتقل حمزة المنفصل بقلعة دمشق .
وفي آخر هذا الشهر زعم مغربي أن ببستان الأعجام بمحلة باب السريجة بدمشق مطلب مكنوز، فحضر الحاجب الكبير أينال الخسيف وهرع الناس إليه، ثم حط الأمر فظهر أنه كذب كثير .
وفي يوم الاثنين رابع رجب منها، لبس مملوك السلطان، وأحد مقدمي الألوف بدمشق، برد بك الأشرفي، تشريف أمرة الوفد الشامي من حضرة النائب .
وفي يوم الاثنين حادي عشره خرج النائب من دمشق إلى سطح المزة، قاصداً البلاد الصفدية للحساب بين نائبها ... المنفصل وبين نائبها المستجد يلباي .
وفي هذا اليوم عزل النائب من الحسبة ناصر الدين محمد بن الغلام، وأعاد الحسبة إلى عبد القادر أخي ... برد بك، كان قبل هذه الأيام قد وصل من مصر وغرم مالاً، هو وقطب الدين الجندي والعمري، للمقام الشريف، بعد تهديد من السلطان بسبب قتل أنسباي مملوك جاني بك الطويل المتقدم ذكره .
وفي عشية يوم الأحد رابع عشريه دخلت من مصر إلى دمشق قاصدة بلادها، أم محمد جم، المتقدم ذكرها في سنة ست وثمانين وثمانمائة، ودخل معها خلق كثير .
وفي هذا الشهر قدم رجل من بلاد حسن باك، وأظهر مستندات ثابتة من ذرية واقف الخانقاة الكججانية بالشرف الأعلى، وأراد أخذها بشرط الواقف، بعد أن تأنق فيها قاضي القضاة الشافعي شهاب الدين بن الفرفور، وغرم عليها مالاً كثيراً، وكان قد استنزل عنها إسماعيل الناصري الذي أخذها عن قاضي الحنفية علاء الدين بن قاضي عجلون .
وفي عشية يوم السبت سابع شعبان منها، رجع النائب إلى دمشق من البلاد الصفدية .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره فوض القاضي الشافعي للشاب محب الدين بن أيوب نيابة القضاء، وعجب الناس لذلك .
وفي يوم الخميس تاسع عشره وصل الخبر من مصر إلى دمشق بعزل القاضي الشافعي من نظر الجيش بدمشق، وتولية المحيوي عبد القادر بن محمد الغزي ناظر الجوالي يومئذٍ؛ وأن العلامة قطب الدين الخيضري تولى قاضي القضاة بالقاهرة مكان العلامة زكريا، وأنه وضع في الترسيم في ثاني شعبان المذكور، ثم تبين أنه على وظيفته، وأن جماعته صادرهم السلطان بالترسيم عليهم، لكنه امتنع من الخطبة بالسلطان، فخطب عوضه قطب الدين المذكور .
وفي هذه الأيام بلغنا وفاة مطلقته بنت الخليفة المستنجد بالله يوسف؛ ووفاة فتح الدين البلقيني، وكان سعى على الشيخ زكريا في قضاء مصر بنحو عشرة آلاف دينار، فمات ولم يولها؛ ووفاة القاضي بدر الدين بن قاضي القضاة علم الدين البلقيني نائب زكريا.
وفيها دخل من مصر إلى دمشق، أمين الدين ابن قاضي الحنفية زين الدين الحسباني، معزولاً من كتابة السر بدمشق، ونزل بمنزل قاضي القضاة علاء الدين ابن قاضي عجلون شرقي جيرون، نائباً عن والده في العرض وغيره، واستمر والده في مصر. - وفيها نقص الجانب القبلي من جامع البزوري بمحلة قبر عاتكة، ووسع إلى جهة القبلة نحو خمسة أذرع، وجعل له ثلاث حنايا على عمودي حجر، قرب المحراب القديم، الذي تاريخه إلى هذا الشهر شعبان من هذه السنة، مائة وأربعون سنة، وكانت توسعته من مال الحاج علي بن الملاح البغدادي بحارة رستم المتوفى سنة إحدى وتسعين وثانمائة، السنة قبلها، في ثالث رمضانها، ومن مال رجل يقال له ابن عبد السلام، نذر له مائة دينار، وقام على صرفها على الجامع المذكور شيخ سوق الدهشة أحمد، الملقب بحاتم، من حارة رستم المذكورة، وجرى بين أهل المحلة شرور في كيفية التوسعة والبناء، حتى حضر إليه غالب أكابر دمشق.
وفي ليلة الثلاثاء تاسع رمضان منها، دخل من مصر إلى دمشق دوادار رابع بمصر، واسمه جان بلاط، قيل إنه ساقٍ خاص، وتلقاه أرباب الدولة خلا النائب قجماس، فجلس له في وسط الإصطبل، لتوعكه من حيث قدم من البلاد الصفدية كما تقدم، فقرئ ما معه بالاصطبل، وملخص أمره أنه جاء ليصادر أهل البلاد الشامية، كغزة والقدس وصفد وحماة وطرابلس وحلب، قيل إن السلطان جعل تسفيره نحو أربعين ألف دينار وهو شاب، أو كهل، شكله حسن، وكان مما أتى على يديه قبل رمضان لبيت المقدس، مرسوم شريف، وفرس كنبوش، ونفقة وافرة، لقانصوه اليحياوي، وأن يتوجه إلى القاهرة، فامتثل ذلك، لكن طلب إذناً من السلطان بالمهلة عليه ليصوم رمضان ببيت المقدس، فأجيب، ثم صلى العيد ببيت المقدس وتوجه في الحال إلى القاهرة.
وفي يوم الخميس حادي عشره لبس المحيوي الغزي ناظر الجوالي، خلعة وظيفة نظر الجيش الدمشقية. - وفي ليلة الاثنين ثاني عشريه سافر الخاصكي المتقدم ذكره من دمشق إلى البلاد الشمالية بعد أن فعل بدمشق من الظلم ما لا يعبر عنه، وأخذ على كل مسجد مالاً، ولو كان فقيراً، وعلى كل تربة، وعلى كل مدرسة كذلك، ولم ينظر في أمورها ومصالحها بل في مصلحة نفسه، ومصلحة السلطان ولا قوة إلا بالله، ثم مرض بحماة مرضاً شديداً. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه وصلت سراً الخواجا ابن الشاغوري زوجة الشهابي بن البرهاني النابلسي، ثم زوجة نائب صفد يلباي، ميتة في سحلية في محفة، من صفد إلى مقابر باب الصغير، عن صبي للشهابي المذكور، وعن آخر صغير وبنت من نائب صفد المذكور.
وفي يوم الأربعاء كان عيد الفطر، واستمر قجماس النائب مريضاً لم يركب، بل شاع عند الناس أنه على خطة، وكان مقيماً ببيت ابن دلامة بالصالحية، وأتى به ليلة الاثنين قبل العيد بيومين في محفة إلى اصطبل دار السعادة، وعيد به وهو على خطة. وفي عصر يوم الخميس ثاني العيد توفي بالإصطبل المذكور، ودفن بالتربة التي أنشأها داخل باب النصر، غروب الشمس من اليوم المذكور، وفي جواز هذه التربة خانقاة مجاورين وشيخ لهم، وأوقاف داره، وعدة أيام كفالته الشام ست سنين وثمانية شهور، وكان قد صالح الخاصكي المتقدم ذكره على بقية الأوقاف الدمشقية بألف ومائة دينار. - وفي ثاني يوم، يوم الجمعة، توفي بواب مقصورة الأموي محمود.
وفي يوم الاثنين سادس شوال منها، هرب من قلعة دمشق الأمير بداق أخو سوار، ورمى الحبل الذي نزل إلى الخندق منه. وفيه توفي بالقاهرة قاضي قضاة حلب جلال الدين أبو البقا بن الشحنة الشافعي، وقد عزل بالحسفاوي. وفي يوم الثلاثاء سابعه اجتمع أهل ميدان الحصى، ونزلوا إلى الجامع بأعلام وذكر الله تعالى، وصحبتهم الشيخ إبراهيم التاجي، يشتكون على الحاجب أينال الخسيف نائب الغيبة ... بغير حق، وأنهم يطلبونه إلى الجامع الأموي فلم يحضر، وتعلل عليهم بأنه في شغل السلطان لأجل تحصيل غريمه بداق، وتخبطت دمشق، وعند الله حسن العاقبة.
وفي يوم الخميس تاسعه دخل الوفد الحلبي إلى دمشق، وأميرهم ولد نائب حلب، ومعه أمه، في تجميل عظيم، وثقل كثير. وفي يوم الجمعة سابع عشره دخل دمشق جماعة من جماعة الهارب بداق ممسوكين، مسكهم نائب حمص وأرسلهم إلى دمشق، فضربهم نائب الغيبة. وفيه دخل من مصر إلى دمشق الأمير ماس فرج، من أمراء يعقوب باك بن حسن باك، بتشريفٍ حسن من السلطان، وعلى يديه مكاتبات جواباً لأستاذه يعقوب باك في سؤاله للسلطان بالعطف على سلطان الروم أبي يزيد بن عثمان، مضمونها: إن أراد أبو يزيد ذلك فليسلم إلينا بلادنا، أدنه وطرسوس وقرمان، وإن أراد المحاربة فأنا أنزل إليه بالعسكر بنفسي.
وفي عشية الجمعة المذكور خرج أوائل الوفد الحلبي إلى قبة يلبغا، والكسوة، وخان ذي النون، وفيهم مفتي حلب العلامة عثمان الكردي وجماعته. وفي بكرة يوم السبت ثامن عشره خرج أميرهم ابن نائب حلب، ودواداريته صحبته، وأمه في محفة حافلة، وصحبتها نحو عشرة روايا، ثم خرج أمير الوفد الشامي، وجماعته كعدة جماعة الأمير الحلبي نحو الأربعين مملوكاً، ثم خرج المحمل، وخلع نائب الغيبة على الأميرين بقية يلبغا، وقدم أمير الوفد الشامي برد بك أمير ميسرة وقاضي الركب الشامي شهاب الدين الرملي نائب الشهابي بن الفرفور.
وفي يوم الاثنين عشريه لبس الشاب بدر الدين بن المرحوم بدر الدين أخي قاضي القضاة الشافعي الفرفوري وظيفة كتابة السر بدمشق، بعد شغورها مدة عن أمين الدين بن الحسباني، ولبس معه عمه خلعة الاستمرار في قضاء الشافعية.
وفيه ورد مرسوم شريف بأن لا يثقل على مماليك المرحوم قجماس، ولا يشوش عليهم أحد، وكان الحاجب أراد أن يعتقل تمرباي دوادار قجماس بالقلعة فامتنع من ذلك تمرباي واعتضد بالمماليك المذكورة، واستمر بتربة أستاذه، وكان قجماس قد أوصى وأرسل وصيته إلى السلطان، وأخبره فيها بجميع ماله بالقاهرة وبدمشق، فلما خرج قاصده من القاهرة وتوجه إلى دمشق، رأي سيف أستاذه قجماس صحبة حاجب ثاني تاني بك الأشرفي، فرجع صحبته وطلب من السلطان مرسوماً، فخرج له المرسوم المذكور.
وفيه ورد الخبر بأن قانصوه دوادار ثاني الألفي، قد عينه السلطان للخروج وللحوطة على تركة قجماس المذكور، وأنه واصل. - وفي يوم الخميس ثاني عشريه دخل جماعة من سوقة المزيريبة إلى دمشق، وأخبروا بغلو الأسعار بها لكثرة الحاج، وخراب البلاد، ورجع جماعة من الحج لأجل ذلك. وفي ليلة الجمعة ويومها وقع المطر الجديد بدمشق، وهو رابع عشريه.
وفيه صلى قاصد يعقوب باك بالجامع الأموي، ومعه نقباء جيش دمشق، والمهمندار وجماعته، وصعد منارة العروس، وجلس بالبارز الوسطاني، ومعه الجماعة المذكورون، ثم نزلوا معه وطاف جوانب الجامع، وجيرون، ثم عاد وخرج من باب البريد، ثم سافر إلى بلاده بجماعته يوم السبت أو الأحد، وقد كان حادثه الريس شمس التيزيني، فوجده يشكر قايتباي على إحسانه لكنه يستعجزه لكونه يدع مماليكه بمصر وغيرها يظلمون الناس ولكثرة خراب البلاد بسبب الظلم، فالله يحسن العاقبة.
وفي بكرة يوم الخميس سلخه دخل من مصر إلى دمشق دوادار ثاني قانصوه الألفي الأشرفي، للحوطة على تركة النائب قجماس، وصحبته تاني بك حاحب ثاني الذي سافر بسيف النائب المذكور، وصل به في ستة أيام، فإنه سافر به ليلة الجمعة يوم الوفاة، ووصل إلى القاهرة يوم الأربعاء، ودخلا دمشق في تجمل حافل بتشريفين حافلين، ونزل للحوطة بدار السعادة كالنائب، ثم أمر في الحال بإشهار النداء في البلد بأن: من قهر، من ظلم، فعليه بالأمير الدوادار الألفي، حسبما ورد به المرسوم الشريف، ثم قرئت المراسيم، وفيها يوضع مباشرو المتوفى قجماس بالقلعة، ففي الحال قبض عليهم، ووضعوا بالقلعة في اليوم المذكور عجلاً.
وفي يوم الثلاثاء خامس ذي القعدة منها، أمر قانصوه الألفي، بدار السعادة بمسك القاضي شهاب الدين بن الفرفور، والترسيم عليه، فبات بها ليلة أو ليلتين، وطلب منه مالاً وسبت ذلك أن فلاحي القاضي المذكور ببلد كفر حونة اجتمعوا بفلاح الأمير خير بك أمير عشرين بدمشق، وعصوه عليه عندهم في أوائل هذه السنة، فأتى إليه عندهم ليأخذه، فهاش الفلاح على أستاذه خير بك المذكور، ورماه بسهم فقتله، فرحل أهل البلد وخربت بسبب ذلك، فأراد القاضي أن يزيل عنهم الخوف وراضى عنهم بمال، ثم في هذه الأيام مسك بسبب ذلك ليأخذوا منه مالاً، وجرى ما جرى.
وفي يوم الجمعة ثامنه صلي بالجامع الأموي غائبة على قاضي القضاة الشافعية بحلب، جلال الدين أبي البقا بن الشحنة. وفي يوم الجمعة بعد الصلاة، خامس عشره، صلوا مرتين بالجامع الأموي على ثلاثة أنفس حاضرين أحدهم الحموي، كان هو وأخوه المرحوم جمال الدين يوسف، المتوفي في صفر من هذه السنة، بخدمة قاضي القضاة عماد الدين الباعوني، من جملة شهوده.
وفي يوم الأحد سابع عشره ورد مرسوم شريف بإهدام المسجد الذي على باب جيرون، على يسرة المار إلى جهة باب توما، جوار بيت قاضي القضاة علاء الدين بن قاضي عجلون، الذي ذكره جماعة من العلماء، منهم العلامة أبو شامة، ومنهم علاء الدين بن العطار لما حدث به من البدع من طائفة الروافض؛ وفي هذه السنة والتي قبلها كثر الكلام بسببه، فأزيل جداره في هذا اليوم، وانتصر أهل السنة على الميتدعين بحمد الله.
وفيه ورد مرسوم بأن يورد جماعة القلعة للمقام الشريف مبلغ عشرة آلاف دينار، ثلثها على ابن سكر نقيبها ونائبها محمد بن شاهين، والثلث على البحرية، والثلث على جماعة القلعة، وضرب بعضهم مبرحاً، وهو تاني بك وآخرين معه، واستمروا في شدة بالغة، وموجب ذلك كونهم فرطوا في التحفظ على بداق أخي سوار حتى هرب كما تقدم. وفي يوم الخميس حادي عشريه استقر الأمير جاني بك دوادار السلطان في وظيفة الجوالي.
وفي ثاني يوم عيد الأضحى، وهو يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة منها، أظهر جاني بك الطويل، دوادار السلطان بدمشق، ما كان في قلبه في البغضاء لتمرباي دوادار قجماس، ظناً منه أنه تمرباي قاتل مملوكه أنسباي كما تقدم، ووقع بين مماليكه ومماليك قجماس في اليوم المذكور الضرب الشديد فغضب الألفي الحواط على جاني بك حمية لتمرباي ومماليك قجماس، وأراد العود إلى مصر غضباً، فرمى عليه أرباب الدولة وراضوه، فكاتب في ذلك للسلطان.
وفي يوم الاثنين سابع عشره، وهو ثالث كانون الأجرد العشرون من برج القوس، أعيد واستقر في نيابة الشام قانصوه اليحياوي، ولبس ذلك من حضرة السلطان بقلعة مصر، مكان قجماس الإسحاقي. وفي تاسع عشره غلا سعر القمح والشعير، وبرز مرسوم الحواط بالمناداة بدمشق، بأن لا يبيع حاضر لجلاب قمحاً ولا شعيراً، فتخبطت دمشق؛ وأمس زادت الأسعار وصغر قطع الخبز، وطلبه الناس، وبيعت غرارة القمح بأربعمائة وعشرين، والشعير بمائة وسبعين، ورجم العوام عبد القادر المحتسب، لكونه ... يتعانى صناعة الطحانة والخبازة، ويتاجر في القمح، ويأخذ المشاهرة من كل صناعة.
وفي يوم السبت ثاني عشريه ركب الحواط ومنادٍ ينادي بأن من له حانوت يفتحه ويبيع وإلا شنق، فإن الخبز تغير وخف، وله أيام وهو قليل. وفي يوم الأحد ثالث عشريه وصل الخاصكي جان بلاط راجعاً من البلاد الشمالية، ونزل ببيت ابن منجك شرقي الأموي، الذي كان حمام الصحن قديماً.
وفي يوم الاثنين رابع عشريه دخل من مصر إلى دمشق قاضي القضاة الحنفية زين الدين عبد الرحمن الحسباني، وصحبته مملوك شاب خاصكي من أقارب السلطان، ليسلمه جميع الجهات التي كانت بيد قاضي القضاة علاء الدين ابن قاضي عجلون، وتلقاه القضاة على العادة، ونائب الغيبة أينال الخسيف، والأمير الكبير جانم، ونائب القلعة محمد بن علي بن شاهين، وأما الحواط فخرج يسلم عليه في القبة قبل ذلك، فلم يجده لأنه بات بقرية صحنايا، لأن فيها شيئاً تحت تكلمه، وقرئ توقيعه بالجامع الأموي، قرأه نائبه بهاء الدين الحجيني، ونزل ببيت المستوفي جوار الجامع.
وفي يوم الأربعاء سادس عشريه، اجتمع فقراء دمشق، وذهبوا إلى الحواط، بسبب قضية حصلت لهم من والي النبيطون، وذكروا خمارة الحاجب ودوادار السلطان وغيرها، فنادى بإبطال المحرمات في الحال. وفي ليلة الجمعة ثامن عشريه نزل الحرامية على بيت الضياء بالجسر الأبيض بالصالحية، وجرحوه وأرادوا قتله وولده.
ورأيت في تاريخ العلاي البصروي.
وفي رابع عشر صفر منها، قبيل الفجر، كسف القمر، واستمر مكسوفاً إلى طلوع الشمس. وفي حادي عشريه فوض القاضي المالكي نيابة الحكم لشهاب الدين بن النحاس بشفاعة النائب، وكان له مدة معزولاً. وفيه تولى أينال الخسيف الحجوبية الكبرى بدمشق، عوضاً عن يلباي، وتولى يلباي نيابة صفد. وفيه جاء الخبر بأن شهاب الدين بن بري نقل من الترسيم بمصر من بيت الوالي إلى بعض الخدام بالقلعة، وله ثلاث سنين.
وفي يوم الأحد مستهل ربيع الأول منها، جاء الخبر بعزل ابن الحسباني من كتابة السر وأطلق من الترسيم بعد غرامة، ووالده معوق فيه بسبب تتمة المبلغ الذي عليه من جهة قضاء الحنيفة، وغريمه عماد الدين الحنفي المنفصل بمصر في بيت الوالي، بسبب المال الذي عليه.
ويوم الثلاثاء مستهل ربيع الآخر منها، وصل أينال الخسيف، من عتقاء السلطان، إلى دمشق متولياً الحجوبية الكبرى، وذهب يلباي إلى صفد.
وفي ثامن عشر جمادى الأولى فوض القاضي الشافعي لمحيي الدين الناصري، أخي عماد الدين الحنفي، ليحكم على مذهب أبي حنيفة، بإشارة النائب، ومنع من الحكم كمال الدين بن سلطان الحنفي، ثم بعد أيام رضى وأذن له.
وفي رجب منها، ضرب أينال الخسيف الحاجب الكبير شمس الدين المعري، من طلبة الشافعية، بسبب مدرسة تغري برمش، والنجم محمد بن القاضي شمس الدين بن مزلق، ورسم عليهما. وفيه ورد الخبر بعزل القاضي الشافعي من نظر الجيش، وتولية عبد القادر الغزي نظر الجيش، الذي هو الآن ناظر الجوالي؛ وبتولية بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي نظر الجوالي.
وفي رمضان، وكان مستهله الاثنين منها، وصل الأمير جان بلاط الأشرفي، ونزل بالقصر بالميدان، ومعه ديوان عبد القادر القصروي من جماعة بيت ابن الجيعان، ومعه مرسوم بالتحريز على الأوقاف، فوضعوا عليها أزيد من أربعة آلاف دينار، فعرضوها بالمدرسة البادرائية بحضور القضاة الثلاثة والشيخ تقي الدين. وفي ثاني عشريه سافر الأمير جان بلاط إلى حلب. وفي سادس عشريه وصل الخبر بتولية القاضي بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي كتابة السر؛ وأعيد نظر الجوالي إلى عبد القادر الغزي مضافاً إلى نظر الجيش، وهذا على خطة.
وفي سابع شوال منها، هرب بداق الغادري من القلعة وهو أخو سوار، وله نحو سنتين أو سنة محبوس بالقلعة، وواطأه على ذلك الحارس من ناحية باب الحديد، وحصل لأهل القلعة اضطراب. وفي تاسعه وصل كتاب من الأمير جان بلاط إلى حاجب الحجاب، بأن يرفع محب الدين الأسلمي كاتب خزانة النائب وعبد اللطيف ديوانه إلى القلعة، فرفع، وغيب السيد الموقع، وأما دوادار النائب وجماعته، فقعدوا بتربة النائب أستاذهم قجماس، وامتنعوا من الذهاب إلى القلعة.
وفي عاشره وضعوا محمد بن شاهين نائب القلعة، ومحمد بن سكر نقيبها، في جامع القلعة، فرسما عليهما بسبب بداق. - وفي سادس عشره حضر عبد بداق وواحد من خدمه مرسماً عليها عليهما، مسكا بحمص فضربا، فأقرا أنه لما خرج من القلعة أقام عند قراكز بسويقة ساروجا يومين، ثم ذهب، فرفعوا قراكز إلى القلعة بعد أن احتاطوا على موجوده. وفي رابع عشره توفي عبد القادر الغزي ناظر الجيش بدمشق. وفي خامس عشره مات عبد القادر بن الكاتب ترجمان السلطان، وكان عدوا للذي ذكر قبله من جهة نظر الجيش ومتعلقاته.
وفي خامس عشر ذي القعدة منها، سافر القاضي رضي الدين الغزي إلى مصر، وكذا القاضي عز الدين الكوكاجي الحنبلي قاصداً للقاضي الشافعي.
وفي سادس عشر ذي الحجة منها، سافر القاضي بهاء الدين الباعوني إلى مصر، ومعه زوجته المصرية، خائفا من القاضي رضى الدين أن يدق عليه في أمر البيمارستان النوري .
سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة
وفي يوم الجمعة سلخه صلى النائب بالجامع الأموي صلاة الجمعة، ثم لما خرج نودي على بابه الغربي من جهة باب البريد، بأن سكان وقف الجامع لا يعطون أحدا من المستحقين شيئا، ومن كان له شيء فليطالب ملك الأمراء.
وفي يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر منها، لبس الأيدكي تشريف نيابة القلعة من بين يدي النائب، بإذن المقام الشريف، على خمسة آلاف دينار معجلة، وخمسة مؤخرة، وجلس مكان نائب القلعة ورسم على المعزول ابن شاهين حتى يؤدي خمسة آلاف دينار. وفي هذه الأيام نودي بدمشق بأن رجال أهل الذمة، إذا دخلوا الحمام، يجعلون في أوساطهم حبلا، وفي أوساط نسائهم جرسا.
وفي يوم الأحد سادس عشره خرجت سرية كبيرة من عند النائب، نجدة لأمير الأمراء جانباي المرابط حوالي زرع. - وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره دخل دمشق عدة كثيرة من العرب، قيل عرب سعيدة، وقد أحيط بهم قتلاً وقطعاً وضرباً وربطاً، فشنق جماعة منهم وقطع رؤوس جماعة، ودخل معهم جمال كثيرة أخذها النائب.
وفي يوم الجمعة رابع عشره وقع كاشف حوران بالطائفة المشهورة بهيثم، بعد أن أكرمهم النائب، وكتب لهم مرسوماً، فأظهروا المرسوم للكاشف المذكور فلم يلتفت له، وقتل منهم نحو الثلاثين رجلاً، وشق بطون نساء حوامل، وقتل صبيانا كثيرة، وأخذ أغنامهم وبقرهم وإناثهم، وفعل فيهم أفعالاً لا تصدر من أهل الحرب، فلا قوة إلا بالله، فإن هؤلاء قيل إنهم سوقة العرب.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره كتب تقي الدين قاضي عجلون لعبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري أربعين مسألة، وكتب عليها عشية اليوم المذكور.
وثاني يوم وهو يوم الأربعاء، لما حضرنا الشامية على العادة، بلغنا ذلك، وأن عبد الرحمن يقرأ ما كتبه على الأربعين المذكورة، فحضر علاء الدين البصروي وولده والجماعة على العادة، فلما حضر تقي الدين بالكراسة التي كتب فيها عبد الرحمن المذكور، وأخذ الكراس من تقي الدين، وشرع في قراءة المسائل المذكورة، والاجوبة التي كتبها، فضبط عليه في ذلك أماكن، وختم بنحو ثلاث مسائل خطأ أيضا ردت عليه في المجلس.
ولما قال: والله أعلم، صاح شديدا عبد الرحمن الخصال نقيب الشيخ تقي الدين، وقال: هذه الخساسة بالسور، وأشار إلى جهة الكاتب، فاشتغل الحاضرون بصياحه، ثم تبين أن الخساسة منعهم تقي الدين أن يبيعوا الخس على قني دمشق، لتشويشهم على الناس، فحضروا بباب الشامية ليدبر لهم أمراً، فتفرق الطلبة من الشامية، واستمر تقي الدين والبصروي وولده وآخرون، لأجل التدبير المذكور، ولأجل أناس آخرين جبرهم أينال الخسيف على استئجار حمام الربوة الذي عمره بالظلم، ليتشفعوا بأهل العلم في إزالة هذه المظلمة عنهم، قال ذلك شيخنا المحيوي النعيمي في ذيله .
وفي يوم السبت ثاني عشريه تحدى الحاجب الخسيف على قاضي المالكية بسبب حمايته على فلاحين من القرعون، فيها حصة وقف المالكية، وجاؤوا إلى عند القاضي المذكور، فأرسل الخسيف مماليكه باللبس الكامل إلى بيته ليقبضوا عليهم، فامتنع المالكي المذكور من الحكم بسبب ذلك، إلى أن تلافاه النائب واعتذر إليهم الخسيف.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشريه نودي من قبل النائب على الفلوس، كل أوقية بدرهم وربع، وكل زنة أربعين بدرهم، وكانت قد كثرت قبل ذلك مع وقوف حال الناس.
وفي يوم ... الفقهاء بالمدرسة الشامية الحضور بها، وكان قد حضر تاج الدين بن زهرة، وجلس عن يمين المدرس تقي الدين .
وفي يوم الخميس ... قاضي الحنفية زين الدين الحسباني بالقلعة، على دين لأمير آخور كبير، فاعتقل بها أياماً، ثم ... النائب بالخانقاه الكججانية من أول اليوم إلى آخره .
وفيه تجرأ شمس الدين بن ... بالجامع الأموي، ولم ينتصر له أحد من الحنفية، فلا قوة إلا بالله .
وفي ليلة ... قبيحة شنيعة فحبسها في بيته وحجر عليها، فتركها زوجها وذهب إلى بيته ... على إذهاب روحه، وأرسلت صبياً صغيراً وراء أصحابها ... فأدخلوه أو اقتلوه، فجاء جماعة منهم مملوك محمود بن قاضي أذرعات ... إن أمانتهم عليه، وجلست على ركبة فوق ... ثم كتفت نفسها وأظهرت ... تزينوا من الأخت ... النائب فأمر ... شرع النائب ودواداره في استحضار عرفاء الحارات لأجل استخلاص مال من الناس، كما فعل النائب قجماس قبله، ونادى لهم بأن لا يحتمي عليهم أحد، وعوتب في ذلك، فقال: كما فعل من قبلي على جاري العادة؛ وبعض الناس عذره لكونه لم يدخل إليه من بلاده شيء لكونه تولى جريداً قبل إدراك المغل، وأخذ الحواط على تركة قجماس غالب ما هو يرسمه .
وفي يوم الاثنين سادس عشره دخل من مصر إلى دمشق تمراز القجماسي، كان أمير آخور قجماس النائب المتوفى، وخرج القضاة إلى ملتقاه إلى خارج دمشق، ودخل لابساً لخلعة النقابة؛ وأما ابن سكر المعزول فرسم عليه مع ابن شاهين نائب القلعة بمقام أبي الدرداء .
وفيه وصل نور الدين بن العصياتي الحمصي من القدس، راجعاً إلى حمص .
وفي يوم الخميس تاسع عشره خرج النائب من دار العدل بالشاش والقماش، وخلفه نحو خمسمائة ملبس بالعدد الكاملة، قاصداً البلاد الشمالية لقتال أبي يزيد ملك الروم، ثم نزل على المصطبة .
وفي يوم الجمعة عشرينه صلي بالجامع الأموي عقب الجمعة على امرأة حاضرة، وعلى غائبين أحدهما الشيخ برهان الدين الأنصاري، توفي ببلد الخليل، والثاني العالم العلامة المفتي بحماة ابن الدنيق، توفي بحماة في عشر الثمانين، وتولى بآخر عمره نيابة القضاء بها .
وفي ليلة الأحد ثاني عشريه سافر النائب من المصطبة إلى البلاد الشمالية؛ والحال ... بنحو تسعة أشرفية، والخبز الماوي معاددة كل أربعة خمس أواق بدرهم، والمفروك بنحو ثلاثة الرطل، والأرز بنحو خمسة، والدبس بنحو ثلاثة، وحال الناس متوقف .
وفي يوم الاثنين ثالث عشريه أخذ السيد إبراهيم نقيب الأشراف من القلعة إلى مصر في الحديد .
وفيه قبض على القاضي الحنفي الزين الحسباني، ووضع بالقلعة بمرسوم السلطان، لأجل مال في جهته للحاجب الثاني بدمشق، وأن يدفعه وهو في الترسيم وإلا جهز إلى مصر .
وفي يوم الجمعة بعد صلاتها سابع عشريه صلي غائبة بالجامع الأموي على الشيخ العلامة شمس الدين بن قاسم الشافعي المصري، توفي بالقاهرة .
وفي بكرة يوم الأحد تاسع عشريه، وصل من مصر إلى قبة يلبغا خاصكي من مماليك السلطان، اسمه قائم الدهشة، ليصادر الناس ويستخلص منهم مالاً، بواسطة أحمد بن صبح الذي كان السلطانة قد أهانه في السنة قبلها، ثم سافر مع الألفي الحواط فتوجه للسلطان بمصادرة أهل دمشق، فسبق ابن صبح المذكور الدهشة إلى دمشق بنحو خمسة أيام، وكان قد فارقه من المنية، فغيب وتوارى عند ذلك أعيان دمشق، وهم لعمري معذورون، فإن النائب قد أخذ من غالب الناس على أملاكهم مالاً وشوش على غالبهم بذلك، لأن حال الناس متوقف من غلاء القمح والشعير والأرز.
وفي بكرة يوم الاثنين سلخه، دخل من مصر إلى دمشق قائم الدهشة المتقدم ذكره، في تجمل كثير وحفلة زائدة، وهو شاب أشقر ذو قامة حسنة، وسكن في بيت عمره جندر الدوادار جوار بيت أبي طالب ...؛ ودخل معه دمشق المحب الأسلمي، ونزل الجماعة كلهم بالإصطبل وقرئت المراسيم، ثم لبس المحب خلعة نظر قلعة دمشق منه، وخرج من باب السلامة، ثم دخل من باب توما إلى بيته، والجماعة معه، ما خلا الشافعي، والمغاني والمكاحل قدامه ... وصلاح الدين العدوي مغيب إلى الآن.
وفي بكرة يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة منها، رجع من مصر إلى دمشق ... بخلعة خضراء بفرو، وقد شكا على غريمه المعزول منها السيد إبراهيم، ثم أمره السلطان بالرجوع إلى دمشق .... طريق مصر، ودخل الفقراء قدامه بالأعلام، ودق الزامر، ونزل بالإصطبل ... جماعة من جماعة عدوهم ابن باكلوا بقرية دمر فاقتتلوا وقتل جماعة من ...، ثم حضروا .... بعد أن أخذ منهم مال، وطرد ابن باكلوا، ثم حصل ... الشافعي خلعة وسافر دواداره القدسي بمحفة إلى كاتب السر ... عشية هذا اليوم قبض أحمد بن صبح وحبس بالقلعة ... باختياره وترتيبه صناعة ليظهر ... القلوب ..... وفي هذا اليوم أعاد السلطان ... وكل أولاده أمين الدين ببيت ... أخبر عذرها ... ما وقع، ولا قوة إلا بالله، لكنه له يد في الصناعة والتوريق وخط حسن، وهو خفيف الروح، ميلاده سنة اثنين وثلاثين وثمانمائة، قدم علينا دمشق أول هذه السنة.
وفي بكرة يوم الخميس عاشره لبس الأيدكي المتقدم ذكره تشريفاً سلطانياً بنيابة القلعة، على حكم ما ألبسه نائب الشام. وفيه استقر تقي الدين عبد الرحيم بن موفق الدين العباسي ناظر الجيش في كتابة سر دمشق عوضاً عن بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي. وفي يوم الخميس عاشره فوض قانم دهشة أمره الحاج لجان بلاط، وألبسه خلعة، ونظر الجوالي لابن أرغون شاه، وألبسه خلعة.
وفيه سافر العسكر الشامي إلى جهة حلب، منهم الأمير الكبير جانم. وفيه دخل أول المماليك السلطانية من مصر إلى دمشق قاصدين ابن عثمان، ونودي بها بالاحتفاظ على الأولاد والنساء منهم، فإنهم قد قتلوا في مرة ثلاثة أنفس وعاثوا في الطريق وغيره.
وفي ليلة الاثنين رابع عشره ذبح رجل طباخ بمحلة جسر الزلابية. وفي هذا اليوم فوض قاضي القضاة الفرفوري إلى جمال الدين بن خطيب حمام الورد، وكان قبل ذلك قد ناب عن ابن أخيه في كتابة السر.
وفي يوم السيت تاسع عشره عرض مشاه أهل الشاغور بالاصطبل واجتمع خلق كثير للتفرج عليهم، ثم خرجوا ومروا على حارة المزابل فتقاتل زعر الحارتين، وقتل نحو العشرة وتجرح جماعات، وغلقت الأسواق، وذلك كله من خفة جندر الدوادار، ولا قوة إلا بالله، هذا مع وقوف الحال.
وفي بكرة يوم الاثنين حادي عشريه بلغنا أن مقدم الزبداني، ووادي بردى، عز الدين بن العزقي، هجم هو وجماعته على المقدم محمد بن باكلوا في بيت من قرية دمر، فقتله، وقتل معه جماعة آخرين، ونهبت بلاد كثيرة، وسبي حريم كثيرة، ولا قوة إلا بالله، وكان ابن باكلوا ترك التقدمة، لكن لما جاء النائب خدمه ابن العزقي فرسم عليه، ووعده بالتقدمة، فلما سافر النائب إلى التجريدة العثمانية عهد إلى دواداره جندر بأن يوليه إذا كمل المال الذي عليه، فكمل مبلغ ألفي دينار، فلما ورد كتاب الأمير الكبير أزبك أتابك العسكر بالتوصية بابن باكلوا أرسل الدوادر جندر إلى ابن باكلوا وخلع عليه، فخرج إلى البلاد، وعصى عز الدين المذكور وتتبع ابن باكلوا إلى أن قتله، بعد أن حرق ابن باكلوا قرية الصبورة لكون أهلها من جهة ابن العزقي.
وفيه لبس المحب الأسلمي خلعة نظر الجوالي، وعزل ابن أرغون شاه. وفي هذه الأيام قيل إن الشافعي ألبس شعيباً خلعة نيابة الحرمين، وزف وركب قدامة ابن خطيب حمام الورد والكوكاجي وغيرها، وأنه التزم أن يستخرج مائة ألف درهم، تصرف للحرمين، والتزم له القاضي في مقابلة ذلك بمائة دينار. وفيها شاع أيضاً بدمشق أن الحنفي الحسباني فوض لفطين الصفدي نيابة الحكم، وهو في الأصطبل في الترسيم إلى الآن قبل عزله.
وجرت قضية بميدان الحصى، وهي أن إبراهيم بن شبل وابن السيد أبي النجا وابن سليمان التاجر، وهذان أمردان، وابن الجرموش علي، على سد فيه، وصدر الدين بن الموصلي وهذان والأول محششون، اجتمعوا على خمر وصبية، قيل وكان الاجتماع لأجل ابن سليمان، وأن الصبية طلعت من عندهم، ولم يعطوها شيئاً، وأخذوا لها شيئاً، فعلم بذلك دمارة العواني فلبلب وفتح فمه وقال.
وفي يوم الأربعاء مستهل رجب منها، خرج أتابك العساكر أزبك الظاهري باش العسكر المصري من القاهرة، متوجهاً إلى ابن عثمان ولم يترك وراءه منهم أحداً. وفي يوم الخميس ثاني رجب المذكور أطلع القاضي الشافعي على مسطور بيد امرأة من ذرية قرأ بغا، مكتوب بشهود القدس، فيه على المرحوم إسماعيل بن عبد الله العاتكي المشهور بالكفتي، من سنة سبعين، بمبلغ نحو ثلاثمائة دينار، وهو مثبوت بغزة وأتت به إلى دمشق، فعرضه القاضي الشافعي ولم يتفقد أحواله، ثم قامت بينة عند بعض من فوض إليه نيابة الحكم وهو عفيف الدين شعيب، فأثبته ونفذه، والحال أنه لم يكن فيه حكم، وكان الصواب أن يوصله فقط.
فلما أدعت به على ورثة إسماعيل المذكور روجع القاضي الشافعي في ذلك، وقيل له إن إسماعيل لم يدخل القدس في سنة سبعين، وإنه كان مقيماً بدمشق وإن اسم أبيه غير ما سمته في المسطور، فلم يزل الجماعة بها إلى أن ظهر أنه زور، فأخذ وقطع وصولحت على ستة وعشرين أشرفياً، ولولا أن معها من مماليك السلطان جماعة جمعت لها لما أعطيت شيئاً، وكان القاضي الشافعي أوقع بها فعلاً؛ وقد نشأ في هذه الأيام التزوير بدمشق، ولا قوة إلا بالله.
وفيه رجع القاضي كاتب السر ابن مزهر من قرية الفند، قريبة من نابلس، إلى مصر، بعد أن جهز أمر المشاة للتجريدة العثمانية، هو والدواودار الكبير آقبردي وتخلف الدوادار المذكور، وفي يوم الجمعة ثالثه بعد الصلاة قبض إبراهيم المقبلي أحد المعدلين المشهورين بكثرة المال، قبضه الخاصكي قانم دهشة وأهانه إهانة بالغة، وقبض معه شخصاً يعرف بابن حسين الرافضي، قيل إنه ترجمان الفرنج وعنده كانون ذهب، وأهانه، وكان صحبة إبراهيم أحمد بن صبح، فضربه الخاصكي ضرباً مبرحاً ووعده بالمقارع، وكان ممن ضربه بيده بإشارة الخاصكي ابن رمضان الموصلي بقبر عاتكة وناصر الدين بن الحزيزاتي الجندي، ثم أعاده مزنجراً إلى القلعة، وطلب من إبراهيم مالاً كثيراً، قيل لأنه كتب لابن صبح كتاباً بخطه بشكوى على الخاصكي المذكور.
وفي يوم الثلاثاء سابعة حرق العوام شخصاً أتى بمرسوم شريف، بأن يشارك السماسرة من كل ستة دراهم درهمين، ويمنعهم من التفتيش على القمح، بعد هروبه واستجارته بضريح زكريا بالجامع الأموي، وبعد أن ضربه شخص بسكين بالجامع فأدماه، وبعد أن سحب إلى شرقي جيرون بالخراب، فحرق هنالك.
وفي ليلة الخميس تاسعه سافر القاضي الشافعي للسلام على القاضي كاتب السر ابن مزهر في بلاد نابلس، ولم يعلم بسفره منها، وأقام سراج الدين مقامه في العرض والإمضاء والتقرير، وظن بعض الناس فيه إنه إنما غيب عن العسكر المصري. وفي يوم الجمعة سابع عشره دخل دمشق من مصر أحد مقدمي الألوف، وزردكاش المقام الشريف، يشبك الجمالي الظاهري دخولاً مهماً.
وفي يوم السبت ثامن عشره دخل دمشق، أيضاً منها، أمير آخور المقام الشريف قانصوه خمسمائة الأشرفي، وهو صهر أتابكي العساكر أزبك الظاهري، وصحبته قاضي الحنيفة عماد الدين إسماعيل الناصري المعاد إلى القضاء في ثامن جمادى الآخرة كما تقدم، بخلعة بيضاء. وفي يوم الاثنين العشرين منه دخل إلى دمشق أيضاً منها، الأمير أزبك الخزندار أحد مقدمي الألوف، وأما أتابك العساكر فسافر على طريق وادي التيم، وصحبته تاني بك الجمالي.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشريه بلغنا أن دوادار نائب حلب هرب من قلعة إياس، وكان هرب قبله أهلها منها لما أراد ان يسد بابها جميعه، وكان سد منه نحو نصفه، فهرب لهروبهم إلى عند نائب دمشق، ولم يخبره بأنه تركها مفتوحة إلا بعد أيام فتداركها، فوجد العثمانيون سبقوه إليها فملكوا جميع ما فيها، وكان فيها من كل نوع ما لا يمكن حصره.
وفي يوم الخميس ثالث عشريه دخل دمشق أيضاً منها، الأمير سلاح تمراز ابن أخت السلطان، وصحبته راس نوبة النوب تغري بردي ططر. وفي يوم الجمعة رابع عشريه دخل دمشق أيضاً منه، أمير مجلس برسباي قرا الظاهري، وأحد مقدمي الألوف تاني بك قرا، ودخل معهما ثقل الأمير الكبير أزبك الأتابك، وأما ما هو فقد علمت أنه ذهب على وادي التيم عجلاً.
وفي هذه الأيام، في غيبة القاضي الشافعي، وجد بالجامع الأموي ورقات، فيها نظم، هجي فيه القاضي المذكور ونوابه واحداً بعد واحد، وهو نحو الأربعةعشر نائباً، وظن بعضهم أنه نظم قطب الدين ابن القاضي كمال الدين ابن سلطان الديوان، وهو شاب طالب علم على مذهبنا في حدود الحديثة العشرين، لأنه سعى عنده في وظيفة من وظائف المرحوم مفتي الحنيفة ابن العيني فلم يقرره فيها، فأطلق لسانه فيه وفي نوابه، منهم الخطيب ابن الصيرفي بكلمات، منها: الكفر.
وفي يوم الاثنين رابع شعبان منها، لبس أحد الألوف برد بك خلعة أمرة الحج.
وفيه دخل خاصكي القود أمير آخور.
وفيه شاع بدمشق وفاة الشيخ بدر الدين بن زهرة بطرابلس، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي يوم الجمعة ثامنه.
وفي يوم السبت سادس عشره قدم القاضي الشافعي من سفره، الذي كان فيه لأجل القاضي كاتب السر ابن مزهر، فلم يدركه، ثم مر على بلاده تفقدها. - وفيه جاء جماعة من العسكر وأخبروا أنه ذهب على جرائد الخيل إلى جهة علي دولات، وأرسل بركهم إلى حلب، وضربوا بعض المكارية والمشاة.
وفي يوم الخميس حادي عشريه هجم أوائل المشاة، ومعهم ابن إسماعيل شيخ بلاد نابلس، وأوائل العسكر، إلى داخل باب الملك، من طريق دلوا عليه، فخرج عليهم من خلفهم كمين ابن عثمان من البحر وغيره، وذهب خلفهم جانب عظيم من العسكر، وأخذوهم وسطا، وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وغرق من الفريقين آخرون، منهم مشد الشون، ونائب حماة سيباي.
وفي يوم الجمعة عقب الصلاة تاسع عشريه اجتمع قاضي القضاة الحنابلة، وفضلاء الشافعية، عند القاضي الشافعي، وطلب القاضي شمس الدين الحلبي، أحد نواب الحنفية، وكلمه الشافعي في الحكم للنفس، فقال: مذهبي لي أن أحكم لنفسي، فوقع به، وأمر بحبسه، وحصل له إهانة وبهدلة وشماتة بعض أبناء جنسه فيه، وكان قبل ذلك معجباً بكثرة العلم.
وفي هذا اليوم تحدث بعض الناس أن هلال شعبان كان أوله الخميس، وأسند رؤيته إلى رجال، وأخبر بذلك القاضي برهان الدين بن المعتمد، ولم يثبت بطريقة، وأخبر المؤقتون بأن هلال رمضان ليلة السبت هذه على نحو ثمان درج، ثم ثبت عليه أن أول شعبان يوم الخميس، ثم أشعلت قناديل الجوامع في هذه الليلة، وأصبح الناس صياماً.
وقد رخص حينئذٍ البطيخ الأصفر بحيث أن رطله بنحو ربع درهم، وقريب منه الأخضر، والعنب الداراني بنحو نصف، ومثله الزيني والدراق النيربي، والخبز بنحو درهم ونصف، أو ربع، والمعروك بدرهمين إلا ربعاً، والغرارة رأس سعره مائتان وعشرون درهماً، والزيت القنطار بخمسمائة.
وفي يوم الجمعة سابع رمضان منها، قبل عصرها دقت البشائر بقلعة دمشق، وشاع أن عسكر ابن عثمان انكسر شاليشه بباب الملك، وفرح الناس بذلك.
وفي يوم السبت ثامنه انكسر نائب الشام ورجع، وانحاز إلى تحت صنجق نائب حلب، وشاعت كسرتهم، وهرب ابن إسماعيل شيخ جبل نابلس، وابن الحنش، وأستادار الغور.
وفي يوم الاثنين عاشره هجم العسكر القبلي على عسكر ابن عثمان، وقتلوا منهم خلقا، وانتصروا عليهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشره وصل الخبر إلى دمشق، ودقت البشائر بقلعتها، وشاع بين الناس ذلك، وأن عسكرنا انتصر مرة ثانية على عسكر ابن عثمان .
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره وصل إلى دمشق رؤوس جماعات من عسكر ابن عثمان مقطعة، ثلاثين رأساً، وصنجق من صنجاقه، وتلقاها الناس وهرعوا إليها، وكان يوماً عظيماً.
وفي صحبة يوم الخميس العشرين منه، زينت دمشق زينة عظيمة لأجل النصرة، وكان ذلك بأمر دوادار النائب جندر، وهو خفة منه وقلة عقل، وكان القياس الحسن أن يأمر باجتماع أهل الخير والعلماء بالجامع، وأن يقرؤوا الأنعام، ويختم البخاري، ويدعى للسلطان وللعسكر بالنصر والتأييد في هذا العشر الشريف.
وفي يوم الثلاثاء ثاني شوال سافر قاضي القضاة كان، شمس الدين بن بدر الدين المزلقي الأنصاري إلى مصر مطلوباً.
وفي يوم الاثنين سابعه تحرك عرب بلاد حوران، جانباي المرواي أمير البلاد، وعامر مقلد، وخاف جلابة القمح منهم. - وفي يوم السبت ثالث عشره طرد الأمير جانباي البدوي أمير آل مري لعامر بن مقلد عن حوران وتبعه، والتقى الجمعان بأرض المرج من غوطة دمشق، فانكسر عامر بن مقلد، وهرب إلى عند آل علي بالمرج المذكور، فخرج آل علي بأميرهم بحر على جناباي فقتلوا منه جماعة، وأخذوا منه خيلاً وكسروه، وردوه إلى حوران مكسوراً، بعد أن طلبوا من نائب الغيبة جندرة نجدة لهم على رد جانباي عنهم، فخرجت النجدة فلم تر أحداً، فقدموا لجندر من الخيل التي أخذوها من جانباي ورجع.
وفي يوم الخميس ثامن عشر شوال المذكور خرج الحاج من دمشق إلى الحجاز الشريف، وأميرهم جان بلاط الذي حج بهم سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، وقاضيهم السيد كريم الدين بن صدر الدين بن عجلان، استقر به الشافعي ثم ولاه.
وفيه ورد مراسيم شريفة بإعادة الزيني عبد الرحمن الحسباني إلى قضاء الحنفية بدمشق، والترسيم على العمادي إسماعيل الناصري، وتولية المحب الأسلمي نظر جيش دمشق، عوضاً عن موفق الدين العباسي المتوفى، وأخبر الحسباني بذلك في منام رآه صبيحة سابع عشرين رمضان، وهو أن السلطان فوض إليه وإلى المحب في ورقة، ثم جاءت المراسيم بتوليتهما بذلك في اليوم المذكور، وهو عجب.
وفي ليلة الجمعة تاسع عشره توفي الخاصكي قانم دهشة، المتقدم ذكره، بدمشق، بعد ظلمه الكثير ومصادرته بها، ألحقه الله بغريمة ابن صبح العواني، المتوفي في يوم الجمعة عاشر رجب منها.
وفيه شاع بدمشق بأن عرب الجورة، بأرض الجورة الرملية، خرجوا على الشمس المزلقي فسلبوه ثيابه وأخذوا ...
سنة أربع وتسعين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق فانصوة اليحياوي، والقضاة بها: الحنفي زين الدين الحسباني، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شهاب الدين المريني، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، والأمير الكبير قانم مملوك السلطان؛ والحاجب الكبير أينال الخسيف، والحاجب الثاني مملوك السلطان تاني بك الأشرفي، ودوادار السلطان ...؛ ونائب القلعة مملوك السلطان الأيدكي؛ ونقيبها الأمير تماز القجماسي؛ ودوادار النائب جندر؛ وكاتب السر الزيني العباسي الحموي، وناظر الجيش المتشرف بالإسلام محب الدين؛ ونائب دمشق قانصوه مقيم على أدنة بعد أخذها، وبيد القاضي الشافعي مشيخة الشيوخ، ونظر المارستان، والحرمين، وخطابة الأموي.
وفي يوم عاشوراء خرج كنز الكفر من كنيسة مريم بالخراب إلى السكة، فصدمته دابة فسقط، ووطأته دابة أخرى خلفها فمات، قال شيخنا المحيوي النعيمي في ذيلة: وبلغني أن ابن قطين شيخ سوق الجوخيين والخلعيين، وهو شاب كان من سنين عرض المنهاج وعدة كتب على الخليفة، وعلى جماعات، كان قد عزر بعض أهل الذمة من الجوخيين لأجل تدليسه في بيع الجوخ، ويسميه حالة البيع مبلولاً، ولم يكن إلا نصف بل، فوشى الذمي إلى الكنز، فأراد أن يشوش عليه من جهة السلطان، فذهب الشيخ المذكور إلى ضريح نور الدين الشهيد ودعا عليه عنده ونذر على نفسه، إن نجاه الله منه أن يصلح قبته، فوقع له ما وقع ومات.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشر المحرم منها، وصل النائب إلى دمشق، وفرح الناس بدخوله لعله يزيل الظلم، فلم يغير شيئاً مما فعله مملوكه جندر.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشريه وصلت الكتب من الوفد الشريف، وأخبروا فيها بأنها حجة طيبة، وأن الوقفة كانت الجمعة.
وفي يوم الخميس ثامن عشريه قبض على وكيل بيت المال القاضي صلاح الدين العدوي، وعلى ناظر الجيش محب الدين المسلاتي، بالقلعة.
وفي يوم الأحد مستهل صفر منها، وصل إلى دمشق حجاج بيته.
وفي يوم الثلاثاء عاشره دخل دمشق من حلب أوائل الجلبان الذين كانوا في قتال عسكر ابن عثمان، ثم تزايدوا، وحصل تشويش في دواب الناس ونسائهم وأولادهم وغير ذلك، ولا قوة إلا بالله.
وفيه عزل النائب مملوكه جندر من الدوادارية، وولاها غيره.
وفي يوم الاثنين سادس عشره لبس النائب وأولاده الأربعة خلعاً من قبة يلبغا، ودخل أولاده قدامه، قدام القضاة، وكان يوماً مشهوداً، والعجب أن الخلع الخمسة المذكورة حرير أحمر بفرو قاقم هيئة واحدة، بحيث قيل إنهم من شقة واحدة، وبحيث يقال إن الأولاد كانوا حاضرين تفصيل خلعهم بالقاهرة.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره بعث النائب سرية، فيهم دواداره جندر، على الصالحية للقبض إلى مقدم الزبداني عز الدين بن العزقي، فهاش عليهم وعلى الدوادار، فضربه أحدهم بسيف فرمى رقبته، وأتوا برأسه وثيابه إلى النائب، فنودي عليه وعلق في المشنقة، وفرح غالب الناس بذلك لكونه كان ظالماً، وهو الذي قتل في العام الماضي المتقدم ابن باكلوا، واستمرت جثته ملقاة بالصالحية إلى أن خرج النائب للسلام على ابن أخت السلطان الأمير تمراز، وقد دخل يومئذٍ دمشق من البلاد الشمالية من التجريدة، وأطلع النائب على الجثة المذكورة فأمر بأن تعلق في شجرة توت بالقرب من اليغمورية.
وفي صبحة هذا اليوم، بعد الفجر، سافر الأمير قانصوه خمسمائة من دمشق إلى مصر، وقد مكث بدمشق ثلاثة أيام، ودخل تمراز المذكور، ثم أزبك الخزندار، وسافروا واحداً بعد واحد، بعد وقوع ثلج بدمشق وشدة برد، وشدة ظلم من الجلبان، وفارقوا الباش الأتابك أزبك الظاهري في قارا، ثم دخل دمشق يوم الاثنين رابع عشريه وصلى الجمعة بالأموي، دخل من باب البريد إلى الصحن، ثم إلى محرب الصحابة من باب جب الهريشة، وصلى الجمعة ثم خرج منه إلى الصحن، وخرج من باب النفطيين والطبرادارية، ودعا له الجم الغفير من الناس، وفرق عليهم الدراهم عند الجقمقية، ثم سافر بكرة يوم السبت تاسع عشريه ولم يتخلف بعده من الأمراء أحد، وكان يوماً حافلاً، خرج النائب وأولاده قدامه.
وفي هذه الأيام ورد مرسوم شريف بالقبض على الشريف محمد الذي استسلمه الشافعي، فحبس بالقلعة، فلما وصل الأمير الأتابك أزبك ضمنه جماعة، وأخرج ليذهب معه إلى مصر فهرب، ثم في ليلة السبت خامس ربيع الأول الآتي أعيد إلى القلعة بعد أن قبض عليه.
وفي يوم الأحد سلخ صفر نادى النائب في دمشق بالاحتراس على الدواب والأولاد والنساء، من المماليك المنقطعة خلف الباش في طريق البلاد الحلبية، مشاة وعراة. وفي هذه الأيام وصل دوادار السلطان الكبير آقبردي إلى بلاد الغور، وخرج إليه من دمشق هدايا أرباب الدولة.
وفي يوم الاثنين خامس عشر ربيع الأول منها، لبس نائب القلعة الأيدكي خلعة بمرسوم من السلطان، وركب معه أرباب المناصب بدمشق، وكان موكباً حافلاً. وفي يوم الخميس خامس عشريه جاءت زيادة على نهر بردى حتى دخل الماء إلى سوق الخلعيين وقيسارية الفواخرة وخان الظاهر، وبقي تحت القلعة بحرة واحدة. وفي يوم الجمعة سادس عشريه أمر النائب بإحراق كل شيء بني تحت القلعة، وأن لا يبقى شيء ما يمنع الركب.
فيه تولي شمس الدين الكفر سوسي نصف تدريس ونظر المجاهدية بالخواصين، واستنزل عن ذلك أخي المتوفى زين الدين عمر بن الكازروني البعلبكي المعروف بالطرابلسي، عن تصدير الجامع وعن صحابة الحرمين؛ وتولى القاضي عفيف الدين شعيب العزي نصف تدريس الظاهرية الجوانية، عن الزيني عبد الرحيم العباسي، كاتب السر يومئذٍ بدمشق.
وفي يوم السبت سابع عشريه سافر النجمي الخيضري إلى مصر، وخرج لوداعه صهره قاضي القضاة شهاب الدين الفرفوري، وهو الذي سفره عجلاً لما سمع من بعضهم أن والده قطب الدين مات بالقاهرة، ثم تبين عقب سفره أنه كذب، وإنما كان يحصل له توعك، ثم أخذ في العافية، ودخل مصر ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الآخر، فوجد والده مستغرقاً ولم يفق عليه تلك الليلة ولا يومها، ولا ليلة الاثنين، ثم قضى بكرته.
وفي يوم السبت رابع ربيع الآخر منها، غضب النائب على جندر المعزول من الدوادارية، لكونه تجرأ بحضرته على الداودار الجديد، فوضعه النائب في زنجير ثقيل، ثم أمر به إلى سجن الدم حافياً مكشوف الرأس، فبات ليلة واحدة، ثم شفع فيه فخلع عيه، وأخرج معزولاً.
وفي يوم الاثنين سابع عشريه سافر الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون إلى مصر مطلوباً، بسبب الشاب المتصوف العمري، الذي جعله السلطان حجة في طلبه وطلب غيره. وفي هذه الأيام حدث برد كثير، تلف منه تفاح كثير، ومشمش، وغير ذلك، وحصل للأطفال منه سعال كثير.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه أخرج قاضي الحنفية زين الدين الحسباني من الترسيم من بيت الأمير الكبير جانم، لأجل دين عليه وقدره ألف دينار، وقد بقي عليه نحو مائتين وخمسين ديناراً، ضمنها عنه جماعته، وطلب منه أن يخلع عليه، فخلع عليه وجاء بالخلعة لابسها ليسلم على النائب، فتجاهل النائب عليه، وقال له: من ولاك ؟ فقال: السلطان، فقال: في أين كنت، ولم تحضر المواكب ؟ قال: كنت في بيت الأمير الكبير مرسماً علي، فقال: الأمير الكبير يرسم على قاضي القضاة الحنفية ؟ فقال: من خلع عليك ؟ قال: هو؛ ولبس خلعة الأمير الكبير، ثم توعده على ما قيل، فخرج من عنده إلى الصالحية، ثم أخذت الخلعة منه حتى يعطي المباشرين، وقيل إنه ركب بسرج مغرق، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأحد ثالث جمادى الأولى منها، سافر القاضي الشافعي إلى بلاد إقطاعه، وأقام سراج الدين عوضه. وفي يوم الخميس سابعه ظهر على شهاب الدين الهديري الصالحي، أحد المعدلين من جماعة قاضي الحنفية، كتاب تزوير بخطه على القاضي برهان الدين بن المعتمد، ثم أثبته زوراً على شمس الدين الحلبي، ثم نفذه على أمين الدين ابن قاضي الحنفية، وظهر الزور ببيت محب الدين بن القصيف، وأراد بعضهم أن يجعل التزوير في جانب قاضي جهة عسال شهاب الدين أحمد بن أحمد بن عبد الله الأجدع الأنف، فتحرر أنه تزوير الهديري المذكور، فمنعوه.
وفي يوم الأحد عاشره تحرك الهواء، ودخل دمشق رجل جراد، خاف الناس عاقبها. وفيه وصل إلى دمشق خاصكي بالحوطة على تركة الشيخ قطب الدين الخيضري، المتقدم ذكر وفاته. وفي هذه الأيام أمر النائب بعمل فرس من خشب، فشاع بين الناس بأنه ورد عليه مرسوم شريف بسلخ محمد بن شاهين، الذين كان نائب القلعة لما هرب منها بداغ أخو سوار، لكونه معتقلاً عليه في القلعة، وأن ابن سكر، الذي كان نقيبها إذا ذاك، صلبه السلطان على باب زويلة، فلما بلغ محمد المذكور ذلك تودع من حريمه وأولاده وأيقن بالهلاك، فبلغ النائب ذلك، فأمر بتطييب قلبه وتأوه له.
وفي بكرة يوم الاثنين ثامن عشره خرج النائب، بعد خروج يرقه وثقله وجميع ما يحتاج إليه، حتى البندق الرصاص، من دمشق إلى بلاد حوران، وخرج قدامة أولاده الثلاثة الكبار، ملبسين بغير خوذ بل شاشاً، ومعهم أرماح، وفي رأس كل شاش ريشة نعام كبيرة، وكان إلى جانب النائب، المالكي عن يمينه، والحنبلي عن يساره، والشافعي كان مسافراً، والحنفي لم يخرج، وكان خروجاً حافلاً لأجل العرب العصاة، نصرة لأمير آل مري جانباي العدوي على عامر بن مقلد، وحرساً لمغل حوران منهم، ثم لما رجع الناس من توديعه، خلع على مملوكه الخزندار نيابة الغيبة، ونودي له بذلك.
وفي ليلة الأربعاء عشرينه مسك الخواجا ابن الزقيق مع ابنة خطا على ما قيل، فغرمه نائب الغيبة نحو خمسمائة دينار.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشريه شاع بدمشق بأن حضر الناصري الحنفي الملقب بكبش العجم، أخو قاضي الحنفية المعزول المسجون بالقلعة إسماعيل، بأنه جن وزنجر في الحديد، نسأل الله السلامة.
وفي يوم الخميس ثامن عشريه سافر جماعة قطب الدين الخيضري إلى مصر مطلوبين. وفي يوم الجمعة سلخه، عقب الجمعة بالجامع الأموي، صلوا غائبة على العلامة بدر الدين بن الغرس الحنفي توفي بمصر.
وفي يوم السبت مستهل جمادى الآخرة، نودي بدمشق بن جهات قطب الدين الخيضري لها الحماية والرعاية والأمان. وفيه دخل جماعة من الترك قيل إنهم من أوائل عسكر التجريدة لابن عثمان من مصر. وفي هذه الأيام عاد الجراد بدمشق وبلدانها. وفي يوم الخميس ثالث عشره دخل من مصر إلى دمشق محمود مملوك ابن المغربي، لابساً تشريفاً بمعلمية السلطان.
وفي يوم الاثنين سابع عشره دخل إلى دمشق نائب البيرة الشرفي يونس، وصحبته دوادار السلطان بحلب أركماس، والأول حاجب كبير، والثاني دوادار السلطان بدمشق. وفي هذه الأيام شاع بدمشق ونواحيها أن كبير الجان قال لامرأة في النوم: من لم يتحن بالحناء أصيب؛ واشتهر ذلك في الناس وتحنى غالبهم، ونفقت الحناء بسبب ذلك. وفي يوم الخميس عشرينه ورد مرسوم شريف بمحاسبة أهل المارستان النوري، فرسم على محيي الدين الإخنائي، وعلى ابن شعبان، وعلى عبد القادر بن عثمان.
وفي يوم السبت ثاني عشريه رجع قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور، من سفره إلى إقطاعه، إلى دمشق، وسلم الناس عليه. وفي يوم الثلاثاء في ليلة خامس عشرينه نقب الحرامية على السيد محمد بن أبي النجا، القريب العهد بالعرس، وأخذوا غالب القماش الذي يملكه، والذي استعاره، وهو نائم مع العروس بصحن الدار، من جهة نهر قليط، قبلي تربة تنم، بميدان الحصى. في يوم الأربعاء سادس عشريه دخل النائب من حوران إلى دمشق.
وفي أواخر ليلة السبت تاسع عشريه وقع مطر كثير شديد، بغتة والناس نيام فوق الأسطحة، في أيار، فبلَّ الفرش واللحف والمخاد، وهرب الناس من تحته، واستمرت السماء مغيمة تمطر وقتاً، وتصحو وقتاً، إلى بعد طلوع الشمس. وفي هذه الأيام ورد مرسوم بطلب جماعة من كبار المعدلين بدمشق، بسبب تركة، منهم المحب بن سالم المصري، ثم الدمشقي، ومنهم نقيب الشافعي ابن الأربلي، فأرجعها الخاصكي من الطريق، وأخذ منهما نحو خمسمائة دينار. وشاع بدمشق أن السلطان سلخ وكليه بحلب ابن الديوان، وسلخ قبله ابنه وهو ينظر إليه، فماتا وطيف بهما بمصر، وحزن المصريون عليهما.
وفي بكرة الأحد ثامن رجب منها، دخل من مصر إلى دمشق، باش العسكر المصري، الأمير قانصوه الشامي، مدخلاً حافلاً، بثقل كثيرة، للتجريدة على ابن عثمان، وكان تقدمه غالب العسكر إلى حلب، ووقع بها فتنة في هذه الأيام بسبب المماليك السلطانية، فأخرجوهم إلى ظاهر حلب، ولم يمكنوهم من النزول بها.
وفي ليلة الأحد المذكورة احترق أماكن حول جامع الجوزة قبلي حمام إسرائيل، إلى قبيل عمارة السلطان الجديدة بنحو خمسين ذراعاً. وفي ثاني ليلة الاثنين زحفت النار على عمارة السلطان، ثم على سوق مسجد القصب، إلى أن وصلت إلى شرقي خان البقسماط، غربي دار الأطعمة طولاً، وعرضا إلى آخر سويقة القاضي، قدام جامع ابن منجك، واحترق خلق كثير، لأن الناس غالبهم نيام فوق الأسطحة، ولم يفق إلا والنار من تحته.
وفي بكرة يوم الخميس حادي عشره سافر الأمير قانصوه الشامي من دمشق إلى حلب، وقد أطلع على أهوال الحريق وما احترق فيه من مماليك السلطان والخيل والنساء والأطفال، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الجمعة ثاني عشره عقب صلاة الجمعة، خلع على الأمير برد بك أمير ميسرة بأمرة الحاج. وفيه شاع بدمشق أنه وقع بحلب أيضاً حريق كبير على وفق ما وقع بدمشق، وتبين أنه احترق بمصر العتيقة جانب كبير.
وفي يوم الثلاثاء سلخه قطع أيدي نسوة ثلاثة من نساء النورة، دخلن بيت امرأة من عقربا وأخذن موجودها، فقام الصوت عليهن، فلحقهم أهل البلد وأتوا بهن إلى أستاذهم النائب، فقطعهن بعد أن روجع فيهن، قيل، إنما قطعهن إنكاءً وحمقاً على حاميهن دوادار السلطان.
وفي يوم الأحد خامس شعبان منها، دخل دمشق قاصد الأمير على دولات الغادري، وصحبته أمير كبير من أمراء أبي يزيد بن عثمان، اسمه إسكندر، ممسوكاً مزنجراً، وهو راكب، وعلى رأسه، على عادة بلاده، طرطور بدائر ذهب كثير، وصحبته صناجق منكوسة، ودخلوا به دار السعادة، ثم خرجوا به، وقد وضع عنه الحديد، وهو مرسم عليه، وقد خلع على القاصد المذكور، ورجعو إلى الميدان الأخضر ونزلوا بالقصر، ثم استراحوا وسافروا إلى مصر.
وفي يوم الجمعة عاشره مرت على أشجار قرية المزة رجل جراد كثيرة في ساعة واحدة، رعت أوراق التين والقنبيط وغير ذلك، ثم سافرت إلى جهة القبلة في اليوم المذكور. وفي يوم السبت حادي عشره سافر إلى مصر مطلوباً قاض القضاة نجم الدين بن مفلح، والشاب أمين الدين بن عبادة، الذي توفي والده، وصحبتهما جماعة مطلوبين.
وفي هذه الأيام كملت محاسن الجامع الذي وسع بمحلة قبر عاتكة، المعروف بجامع البزوري، وجاء في غاية الحسن. وفيه أوصلت القناة بجرفها داخل باب سوق البصل إلى المسجد، وجعلت لوضوء المصليين، وكثر نفعها.
وفي يوم الأربعاء نصفه كملت المئذنة التي بجامع الأمير على بن حيوط، وكان مات حين ابتدأ فيها، فكملها الحاج عبد القادر بن الحلاق الأجرود، الحريري بمحلة الجامع المذكور، وجاءت في غاية الحسن. وفي هذا اليوم ابتدأ معلم السلطان محمد بن العطار المعمار في عمارة تربة اليحياوي النائب، خارج باب الجابية، بعد أن كانت خاناً موقوفاً على تربة داخل باب الصغير، وكان هذا الخان يعرف بخان المقادسة، وبخان الجورة، وخرج بالأساس نحو ذراعين، ولا قوة إلا بالله.
وفي هذه الأيام قبض يلباي نائب صفد على الأمير علي بن عبد الله والي بانياس كان، وأخذ موجوده وأرسله محفوظاً عليه إلى النائب، فدخل مسمراً مشهوراً ينادي عليه بالعصيان، فأمر النائب بضرب عنقه ساعة وصوله، قرب باب الاصطبل، بكرة يوم الأحد سادس عشريه.
وفي ليلة الاثنين ثامن عشريه، وهي ليلة الثالث عشر من برج الأسد، مطرت السماء بعض مطر، ثم أصبح ماء دمشق كماء الحريرة من الزيادة في شدة البياض والنحافة، فطهرت النجاسات الكلبية من دمشق وغيرها، ولله الحمد على التطهير من ذلك في أوائل دخول رمضان، ولعله أن يطهرنا فيه من الذنوب، إنه جواد كريم؛ ثم بلغنا أنه وقع ببلاد قدس ثلج ومطر كثير. وفي يوم الجمعة خامس عشريه صلوا في الجامع الأموي غائبة على الشيخ جمال الدين الكوراني، مات بالروم.
وفي يوم الخميس مستهل رمضان منها، تعدى دوادار السلطان أركماس بدمشق، وهو أستاذ المزة غربيها، على جماعة، منهم شريف من أقارب الحصني، وضربه بالمقارع. وفي عشيته رجع من مصر إلى دمشق السيد محمد بن المحب الحصني. وفي بكرتها يوم الجمعة اجتمع الناس وكبروا على الدوادار المذكور بمنارة الجامع الأموي إلى بعد الصلاة.
وفي يوم السبت ثالثه وصل من مصر إلى دمشق خاصكي اسمه يلباي، وتلقاه أرباب الدولة، ثم أخرج على يديه مرسوماً شريفاً بأن يصادر ورثة ابن علوان المتوفى، فرسم على زوجته وابنه منها الطفل، وعلى أبي بكر الطواقي، وآخر ما صادرهم به نحو ثلاثة آلاف دينار، ثم صادر أيضاً دوادار القاضي الشافعي وجماعته.
وفي يوم الاثنين رابع شوال منها، ورد مرسوم شريف، بعزل قاضي الحنفية بدمشق زين الدين الحسباني، وأن يختار الحنفية قاضياً غيره، فيوليه نائب السلطنة على مبلغ، وأن يلتزم للحنفية بأداء معاليمهم، فاختاروا العمادي إسماعيل الناصري، فولاه النائب، ثم سافر الحسباني المذكور إلى مصر للسعي عليه في الحال، فيما بلغني، ولا قوة إلا بالله، على أن بعض الحنفية ندم عليه، وأنه كان أولى من العمادي. وفي هذه الأيام احترق حاصل الخواجا عيسى القاري بحارة الحاجب، وذهب له مغل كثيرة وحب وغير ذلك.
وفي يوم الأحد رابع عشريه رجع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون من مصر إلى دمشق، وقد تكلف مشاق كثيرة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره أقرت امرأة بحضرة النائب، أن نائب بعلبك فعل بها الفاحشة، بعد أن كان ادعى أنها أخته، وبعد أن أخذها من دمشق إلى بيته ببعلبك لما طلقها زوجها، وترك أولادها عند أبيهم المطلق، فطلبه نائب دمشق من بعلبك ماشياً، فقابله وواجهه بما فعل بحضرة النائب بدار العدل، فأمر بإخصائه، فأخصي.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة منها، حمل رجل أعجمي في ظهره، كما تحمل عصي القبان، جملاً معقلاً على باب، وعلى جنبي الباب رجلان، ولم يزل ينقلهم من سلسلة إلى سلسلة وهو على علو، إلى أن صار الجميع عنده حاملهم على وسط ظهره، ثم ردهم إلى الأرض، وذلك تحت قلعة دمشق، وحمل قبل ذلك بأيام حجراً كبيراً، وضرب على صدره النحاس بمرازب كبار بحضرة النائب، وله عجائب أخر.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره حضر العالم مفتي حلب ابن السيوفي بالمدرسة الشامية البرانية، متبركاً بالحضور عن يسار المدرس تقي الدين ابن قاضي عجلون، وكان مطلوباً إلى مصر. وفي يوم الأحد سادس عشره ركب محمد بن عياش، الركاب، فرساً يغلها بأجرة، وكان قد شرب الخمر، فسقط على الأرض، فداس الفرس في رأسه فقتله في طريق المزة، تجاه بستان النوروزي، فوق حمام الفلك. وفي الليلة المذكورة قتل سكراناً علي بن خريش المعمار، بالقرب من الباب الحجر، في طريق كفر سوسياً، وكلا الرجلين المذكورين مجرمان مؤذيان، فانتقم الله منهما.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره حضر في نصف تدريس الظاهرية الجوانية القاضي عفيف الدين شعيب، بالإيوان القبلي، ودرس في قوله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً " . وفي هذه الأيام خرج من دمشق قفل إلى مصر، فخرج عليهم الأمير المعزول عن بلاده قراجا، وأعطيت البلاد لابن عمه، وأراد نهبهم فبرز إليه من القفل أربعة أنفس من تجار القفل بالقسي والنشاب، فرماه أحدهم بسهم فأصاب مذبحه فمات، فهاش جماعته عليهم، فقتلوا الأربعة التجار، وأرادوا نهب القفل فاستغاثوا فأغاثهم الأمير، فلما رأى ابن عمه قتل لم يسهل به ذلك فنهبهم، ولا قوة إلا بالله.
وفي ليلة الثلاثاء خامس من عشريه سافر القاضي الشافعي إلى بلاده وإقطاعه ليدور عليها. وفي صبيحته رجع إلى دمشق، ودخلها، القاضي نجم الدين الحنبلي، وتلقاه النائب على العادة بتلق حسنٍ، بعد أن طلب إلى مصر، وحصل له من السلطان بعض ضيق، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه ختم حضور الدرس بالشامية البرانية. وفي يوم الخميس سابع عشرينه سقط رجل طيان من السطح العالي ببيت الأمير فارس، الذي كان ساكنه الحاجب الثاني أحمد بن شاهين بالسويقة المحروقة، فوصل إلى الأرض وقد تحطم جسده، فلم يلبث أن مات، وتعلق على جماعته دوادار السلطان بدمشق، فسعى فيه الحاجب المذكور.
وفي يوم الأحد سلخه أمر النائب بضرب عنق رجل أزعر، يعرف بابن سويدان، ضبطت عليه أمور منكرة من القتل وغيره. وفيه ولي النائب مقلد بن عز الدين بن العزقي، مقدمة وادي بردى وما والاها، مكان أبيه المقتول لعصيانه المتقدم ذكره، وهذا الابن طفل، وقد حضر ضرب رقبة ابن سويدان المتقدم بالاصطبل السلطاني.
وفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجة منها، دخل دمشق من مصر ناصر الدين محمد بن شكم، بعد أن طلب إلى مصر وضيق عليه، بسبب تفريطه في وظيفة نقابة القلعة الدمشقية، حتى تسرب منها الأمير بداغ أخو سوار؛ وأراد أن يمثل به فتحيل في الخلاص من ذلك بالسعاية في جماعة بدمشق، فورد على يديه مراسيم في مصادرتهم، وأن خاصكي السلطان، وهو خازنداره، واصل عقبه. وفي هذه الأيام شاع بدمشق وفاة السلطان محمد بن بركات سلطان مكة، وأن قايتباي أرسل إلى مكة سرية يحفطونها.
وفي يوم الأحد سابعه دخل من مصر إلى دمشق خاصكي لمصادرة الناس، قيل إنه خازندار السلطان، وتلقاه النائب على العادة، ثم أخرج على يديه مرسوماً شريفاً بإعتقال نائب القاضي الشافعي في الحكم والخطابة والعرض، إذا غاب سراج الدين بن الصيرفي، بسعاية نجم الدين بن الخيضري فيه، في مصر، بسبب دخوله في وصية عمه مسند، وأنه وضع يده على نحو عشرين ألف دينار، ثم ضمنه جماعة وأخرج بعد أيام، ثم أخرج الخاصكي مرسوماً أيضاً باعتقال مفتي دار العدل السيد كمال الدين بن حمزة، بسبب تركة حمية القاضي محب الدين ابن قاضي علجون، فوضع في قلعة دمشق مع سراج الدين في اليوم المذكور.
وفي ليلة الاثنين ثامنه ركب النائب بعكسره، ولم يركب معه بقية أرباب الدولة، وسافر على قرية نجها، وسبقه النذير إلى عامر بن مقلد المراوي، فركب عامر وحده وفرق للنائب بوش الجمال ليأخذه بها، فأخلى النائب للبوش حتى جاوزه، ثم زحف بعسكره بعد العصر يوم العيد شرقي صرخد على عامر فكسره بعد جهد عظيم، ونجا عامر بنفسه وأهله وباقي بوشه، ودخل إلى دمشق من أثاثهم وأمتعتهم شيء كثير، كسباً مع المماليك، ثم دخل النائب إلى دمشق وقت العصر يوم الخميس أول أيام التشريق، وتلقاه أرباب الدولة، ودخل قدامه رؤوس كثيرة على روؤس الرماح ينادي عليها، ومن الجمال نحو ألفين، ومن الغنم مثلها، ولا قوة إلا بالله.
وفي صبيحة يوم الأحد حادي عشريه احترقت قيسارية الفرنج، المعرفة بابن دلامة، التي هي شرقي قيسارية ابن المزلق، التي علي بابها الساعات، قبلي العشر، وخرب ما حولها من النار. وفي يوم الجمعة سادس عشرينه أرسل دوادار السلطان بدمشق، وهو أستاذ المزة، إليها جماعة نهبتها، وقبضت جماعة منها، بسبب عدم مصالحة أستاداره بها عبد القادر بن الشيراجي، الساكن يومئذٍ غربي سوق صاروجا.
وقال الشيخ علاء الدين البصروي في ذيله :
وفي يوم الأحد مستهل صفر منها، وصل الحاج الشامي؛ ووصل من الحجاز الشيخ أبو الفضل محب الدين بن الإمام الصفدي، من قدماء الشافعية؛ وجاء أيضاً السيد علاء الدين بن نقيب الأشراف، وتوجه من ناحية الكرك إلى القدس الشريف .
وفي ثامن عشره وصل تمراز، ونزل بالصالحية عند القاضي كمال الدين بن حمام الورد، ووضع القاضي عبد الرحيم بن موفق الدين العباسي بالقلعة، على سبعة آلاف دينار على أبيه، ثم لما سافر سلمة للأمير الكبير بدمشق جانم فأطلقه .
وفي ربيع الآخر منها، وقع بحوش دار النيابة حجر ملفوف بخرقة، في طرفها قصة ذكر فيها شعيب نائب القاضي الشافعي وما يفعله في الأحكام وغيرها من الظلم والبلص، وحكى فيها ما وقع له في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، فدفعها النائب للقاضي الشافعي، فعزله؛ وفي خامس عشره أعيد بشفاعة لمحب ناظر الجيش .
وفي سابع جمادى الأولى منها، سافر السيد كمال الدين بن حمزة إلى الحمة، ثم وصل إلى هنا في سادس عشره .
وفي خامس عشره اجتمع الشيخ علي الدقاق والشيخ أبو الفضل المقدسي بالنائب في معارضة الشيخ تقي الدين من جهة باب جيرون، فأجابهما بما خاب سعيهما عمد سماعه .
وفي ثالث عشريه وصل من مصر الشيخ شهاب الدين بن المحوجب الشافعي، ورأى الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون بغزة .
وفي ثامن عشري جمادى الآخرة ورد مرسوم بتجهيز مباشري المارستان النوري: القاضي محي الدين الإخنائي نائب الناظر، وعبد القادر العدوي العامل، ومحمد بن شعبان المشارف، بسبب أن أحمد شيخ سوق المارستان شكا عليهم بأن فائض وقفه في سبع سنين عشرون ألف دينار، أكلها المذكورون؛ والمرسوم إلى النائب والقاضي الشافعي على يد عبد كاتب السر ابن مزهر .
وفي ثالث عشريه عرض السيد نجم الدين بن السيد برهان الدين بن السيد محمد الحسني كتاب الحاوي في الفقه وكتاب الكافية في النحو .
وفي ليلة رابع رجب منها، حصل حريق عند مسجد القصب، عظيم، واحترق فيه نحو عشرين مسجداً .
وفي مستهل شوال منها، يوم الجمعة، شهدوا برؤية الهلال بعد الزوال، وصلوا صلاة العيد بين الظهر والعصر، وخطب القاضي الشافعي .
وفي ثامن عشره سافر الحاج الشامي، وأميرهم، برد بك الظاهري أحد المقدمين بدمشق، وقاضيه ...
سنة خمس وتسعين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق قانصوه اليحياوي؛ والقضاة؛ الحنفي عماد الدين اسماعيل الناصري، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شهاب الدين المريني، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير جانم مملوك السلطان؛ والحاجب الكبير الشرفي يونس الملكي؛ والحاجب الثاني مملوك السلطان تاني بك الأشرفي؛ ودوادار السلطان أركماس الملكي؛ ونائب القلعة مملوك السلطان الأيدكي؛ ونقيبها الأمير تمراز القجماسي؛ ودوادار النائب الخازندار؛ وكاتب السر الزيني العباسي؛ وناظر الجيش المتشرف بالإسلام محب الدين؛ ومع القاضي الخطابة بالجامع الأموي، ومشيخة شيخ الشيوخ، ونظر المارستان، ونظر الحرمين .
وفي يوم الثلاثاء ثامن المحرم منها، رجع القاضي الشافعي من سفره المتقدم، إلى دمشق .
وفي بكرة يوم الخميس، يوم عاشوراء، دخل من البلاد الشمالية قاصد ابن حسن باك بالأمير بداغ بن ذي الغادر، الذي هرب من سنين من قلعة دمشق، شفع فيه يعقوب باك بن حسن باك المذكور، فخلع عليه النائب وأكرمه وأنزله بحارة القصر .
وفيه اعتقل على الزيني السيد عبد الرحيم العباسي، كاتب السر بدمشق يومئذٍ، ووضع بمسجد القلعة عند السيد كمال الدين، من جهة مال السلطنة على ما قيل: ثم بعد أيام أفرج عنه .
وفي يوم الاثنين سابعه اعتقل على ناصر الدين بن سكر في قلعة دمشق، على مال كثير للسلطة وغيرها .
وفي بكرة يوم الأربعاء سادس عشره دخل من مصر إلى دمشق ابن شعبان سلطان الحرافيش، وهم والأوباش حوله، والصفاقات والطبول تضرب بين يديه، والأعلام الصفر عليه، ثم أوصلوه إلى بيته، ثم رجعوا إلى تلقي زوجته، أيضاً بالصفاقات والطبول، وخرج إليها نحو مائتي امرأة بخرق صفر ملفوفة على عصائبهن وهن ركوب حولها، إلى أن وصلت إلى بيتها، ولا قوة إلا بالله؛ قيل إن السلطان ألقى الشر بينهما حتى أخذ منه مالاً بعد أن عرض عليه الإهانة، ثم أصلح بينه وبين زوجته .
وفي يوم السبت بعد الظهر تاسع عشره، دخلت كتب وفد الله من الحجاز إلى دمشق .
وفي وقت العشاء ليلة الاثنين الحادي والعشرين منه، هجم الحرامية بغتة على بيت ديوان نائب السلطنة صدقة السامري، فحاربهم، وأخذوا مالاً كثيراً على ما قيل .
وفي يوم الجمعة بعد العصر خامس عشرينه هجم مماليك دوادار السلطان بدمشق، على باب قاضي المالكية شهاب الدين المريني، وأخذوا خصماً كان محبوساً من عند المالكي، هو من فلاحي سودون الطويل أحد الألوف، فاختبطت دمشق لذلك.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه دخل الوفد الشريف إلى دمشق، في أطيب عيش وأوفر بضاعة، وأكثرها ولله الحمد؛ وأخبروا أن الوقفة كانت يوم الثلاثاء؛ وتبين أن الذي شاع بدمشق من موت السلطان بركات، كذب ليس له أصل .
وفي يوم الخميس ثاني صفر لبس النائب خلعة حمراء بفرو على العادة، واحتفل الناس لذلك .
وفي يوم الأحد خامسه حضر الشامية البرانية، مدرساً في ثلث تدريسها، السراج الصيرفي، نزل له عنه تقي الدين ابن قاضي عجلون في ذي الحجة من السنة قبلها، ودرس في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم " وأطعم الناس بعد الدرس معمولاً.
وفي يوم الجمعة بعد الصلاة عاشره، وعظ تجاه محراب الحنفية شمس الدين بن عبية القدسي ثم الدمشقي، ثم ذكر الله مع جماعة الجالسين حول كرسي وعظه، فأطال، فرمى رجل نفسه وسط الحلقة، ثم قام واقفاً يرقص مكشوف الرأس، وينط ويقعد معهم، وهو في حال ذكره ينظر لكل من يقربه في الجامع، فوقع نظره على رجل من طلبة العلم الفقراء وهو شيخ كبير، فخرج من الحلقة إليه وقبض بخناقه وهو جالس، وضربه بيده ثم قام عنه، وأخذ عصا بقربه وضربه، فصاح الناس عليه، فرجع عنه وهو يقول: يضحك علي وأنا أذكر الله متوحداً؛ فلما رأى الناس قد أنكروا عليه لبس عمامته وجلس، فدخل إليه رجل يقال له زين الدين عمر بن العلاف، وهو من طلبة العلم وأخرجه بيده وذهب به مع جماعة إلى بعض نواب القاضي الشافعي، فاستعجل المضروب وضرب الضارب بالعصا مثل ضربته، فقال القاضي لهم: قد اقتص منه، ثم خلعه منهم، ولم يعذره على ما صدر منه، وأطال الواعظ المذكور في هذا اليوم مجلسه مراءاة للناس .
وفي يوم السبت حادي عشره لبس النائب خلعة آقبغاوي، وفوقه كاملية خضراء بفرو، من قبة يلبغا، ودخل دمشق وقدامه مملوكه جندر مخلوعاً عليه، وعلى اثنين آخرين، بطراز، واحتفل الناس لهم، وكان يوماً مشهوداً؛ وسبب هذا الخلعة الجمال التي نهبها من العرب، وأرسل منها إلى السلطان مع جندر المذكور .
وفي يوم الأحد ثاني عشره درس السراج الصيرفي بالشامية البرانية الدرس الثاني، وابتدأ من كتاب البيع، ولم يحضر معه أحد من الأكابر غير الطلبة .
وفي يوم الأحد سادس عشرينه، بعد حضور الشامية البرانية، حضر شمس الدين الكفرسوسي مدرساً في نصف تدريس ونظر المدرسة المجاهدية بها، تجاه القواسين، وحضر معه السراج الصيرفي، ودرس في قوله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ثم حضر أيضاً بالكلاسة نيابة عن مدرسها وابن مدرسها رضي الدين الغزي، وكان تدريسها كاد يبطل، فإنه من لدن الشيخ خطاب نائبهم لم يقم بها درس؛ وكان السبب في إقامته يومئذٍ الامير سودون الطويل، ودرس فيها من قواعد العلاي لما علم من أن الشيخ خطاب كان يدرس فيها هنا .
وفي يوم الاثنين رابع ربيع الأول منها، قرئ بدار العدل مرسوم على النائب، مضمونه أن القاضي شهاب الدين بن الفرفور طلب الحضور إلى المقام الشريف فأذن له، وأن يكون نظره على جهاته، ثم قيل أن السبب أنه كان في حياة صهره قطب الدين الخيضري طلب أن يوليه المقام الشريف نظر ديوان الإنشاء بمصر، بعشرين ألف دينار، فأطلع السلطان على ذلك لبدر الدين بن مزهر المتولي جديداً، فأخرج بدر الدين على القاضي قوائم بنحو العشرين ألف لوالده المتوفى عليه، ووجهها للسلطان، فأرسل السلطان أخبره، فاستأذن في الحضور، فأذن له .
وفي هذه الأيام ورد مرسوم شريف بعزل قضاة بعلبك، إلى النائب والقاضي الشافعي، ثم قيل إن السبب في ذلك أن بعض قصاد القاضي المذكور مر ببعلبك، فلم يضيفوه ضيافة تليق به في دعة، وهو شهاب الدين الكوكاجي نائب الحنبلي.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره حضر عفيف الدين شعيب العابري، عقيب الحضور في الظاهرية في تدريس المدرسة الإقبالية الشافعية، ودرس في قوله تعالى: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " ، نحو عشر كلمات، ثم ختم وقدم للحاضرين معمولاً، وأقراصاً، ولم يحضر معه إلا أناس قلائل، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأحد سابع عشره حضر القاضي رضي الدين الغزي في تدريس الكلاسة، وترك استنابة شمس الدين الكفرسوسي، وحضر معه قاضي القضاة الشافعي، والشيخ شمس الدين ابن خطيب السقيفة، والجماعة على العادة، ودرس في قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت " الآية، وأطعم معمولاً كثيراً على ما قيل .
وفي آخر هذا الشهر كملت الزوائد التي جددت بجامع الجوزة، خارج باب الفراديس، بعد احتراق شيء منه، والزوائد هي بالجانب القبلي من العمودين إلى الطريق السلطاني اثنا عشر ذراعاً بالبخاري، ومن شرقي هذه خمسة أذرع ونصف بالبخاري أيضاً، ومن شمالي هذه الخمسة ثلاثة أذرع بالبخاري أيضاً، اشترى ذلك وعمره الحاجب الكبير الشرفي يونس، وساعده الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، ومن شرقي البركة تجاه الباب القديم قطعة أرض اثنا عشر ذراعاً بالبخاري أيضاً شرقاً بغرب، اشتراها من ماله الحاج شرف الدين موسى بن محمد التاجر المكفناتي، وعمر على يديه أيضاً إيوان، وفتح له باب إلى الطريق السلطاني من مال أهل الخير، طوله قبلة بشام ثلاثة عشر ذراعاً بالبخاري أيضاً .
وفي هذا الشهر شرع القاضي الشافعي يتملك ويستحكر حوانيت سوق البزورية، ثم شرع في هدمه ليعمره أحسن ما كان.
وفي يوم الأحد خامس عشريه قبض على جارية سوداء، فخرج من عندها حوائج للناس، سرقتهم خفية، نحو مائة قطعة نحاس وغير ذلك، فقطعت يدها وصبرت على الألم .
وفي بكرة هذا اليوم، باصطبل دار السعادة، بحضرة النائب، اجتمع على قاضي الحنفية العمادي جماعة بحضور القضاة، ونقضوا حكمه في حمام سقبا، قيل إنه ارتشى عليه .
وفيه أخبر شهاب الدين بن حجي الأطروش أن قرين العمادي هذا، وهو الحسباني، في أسوأ حال بمصر، بسبب دين لبعض حاشية السلطان، ولا قوة إلا بالله .
وفي ليلة الأحد مستهل ربيع الثاني منها، احترقت سويقة تاني بك ميق بحكر السماقي .
وفي يوم الجمعة خامسه لبس القاضي الحنفية العمادي خلعة من السلطان، كما ولاه النائب، وقرئ تقليده بالجامع وفيه المراء كثير .
وفي يوم الاثنين تاسعه نودي بدمشق من جهة النائب بالتجريدة، فاغتم الناس لذلك لشدة وقوف الحال لقلة المطر، فإنه لم يقع مطر من أواخر الأصم إلى الآن، والقمح قد تحرك سعره .
وفي عشية يوم السبت رابع عشره، وهو سادس آذار، غيمت السماء، واستبشر الناس بالمطر، ثم وقع بعد المغرب مطر جيد، وشرعوا منه في جبي دراهم المشاة من الحارات .
وفيه دخل إلى دمشق أوائل الترك من العسكر المصري، وتسلطوا على أذى الناس من أخذ دوابهم وغيره؛ ومشى المدرس إلى الشامية البرانية، وغالب الأكابر، خوفاً على دوابهم منهم .
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره أفرج عن السيد كمال الدين من اعتقاله بجامع القلعة، وهرع الناس إليه يهنئونه .
وفي هذه الأيام قد دخل إلى دمشق خلق كثير من أهل حماة، هربوا من نائبهم أينال الخسيف؛ وأما أهل حلب فتفرقوا في البلدان من قبل هذه السنة وإلى الآن، خوفاً على حريمهم من العساكر الواردة إليهم، وفسد نساء كثيرٍ منهم .
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه أصبح رجل كان يبيع الصابون، وقد شنق نفسه في بيته في حبل وهو ميت، لكون بعض الظلمة طرح صابوناً؛ فذهبت زوجته إلى أبيه وأخبرته بذلك، فأتى إليه وأنزله وغطاه، وذهب إلى المغسل ليغسله، فلما رأى عليه آثار الخنق امتنع، وقال: لا أغسله حتى تنظر فيه الحكام، فذهب أبوه، وهو ممن يقال عنه إنه ذو مال، إلى ملك الأمراء خوفاً من دوادار السلطان لشهرته بالظلم، فأخبره بذلك، فقال له: أنت كنت السبب في قتله لكونه طلب منك مالاً ليستعين به في وفاء ثمن الصابون المطرح فأبيت؛ ثم أمر بشنقه فروجع فيه إلى أن أخذ منه مائة دينار، ثم أذن له في دفنه، فلما كان في صبحة المقابر أتى جماعة من جهة دوادار السلطان إليه وحملوه إلى بيت أستاذهم، فمددوه إلى أن أخذوا منه خمسة وعشرين ديناراً .
وكان النائب قبل ذلك بنحو خمسة أيام قد طلب القاضي شمس الدين بن القاضي بدر الدين بن المزلق، وطلب منه عدة أربعين ماشياً، فقال له: ما جرى بهذا عادة، فإن أوقافنا غالبها على فقراء وقرب؛ فغضب عليه النائب وهم أن يوقع فيه بنفسه بعد أن قام نصف قيام لذلك، ثم قال له: قم من وجهي؛ ثم أمر به إلى القلعة، ثم ندم وأمر بإخراجه، فلم يخرج إلا أن يجيء مرسوم السلطان، فلم تزل الأكابر به إلى أن خرج، على أن يعمل النائب مصلحة، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الأربعاء خامس عشريه ضرب دوادار السلطان رجلاً جمالاً حتى مات؛ وسببه أن جماعة من تجار الأرمن قدموا دمشق، وأرادوا السفر إلى مصر بحرير معهم، فاكتروا مع هذا الجمال، فلما خرج بهم إلى قرب سعسع قطعت لهم راحلة وذهب بهم منها شيء، فرجعوا وشكوا عليه وأدركوه ليقر، فلم يقر ومات، فذهبت دنياهم وبقت عليهم التبعات، فلا قوة إلا بالله؛ ووقف أهل الميت به في نعش للنائب، فلم يأخذ بأيديهم لكون الدوادار من مماليك السلطان، وهو رجل جبار فاجر. وفي هذا اليوم دعي في الشامية لبطالة الدروس .
وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى منها، عزر قاضي الحنفية العمادي لمحمد الكازروني، وأهانه وسجنه بسجن باب البريد، وهو لعمري أقل جزائه، فإنه أعرج نحس مختصر فاض، يتوكل ويأخذ من الجانبين، تارك للصلاة .
واستهل هذا الشهر وقد امتلأت دمشق من العسكر المصري، والمماليك الجلبان، حتى غلقت حوانيت كثيرة، ولم يجسر أحد أن يركب حماراً، فضلاً عن غيره، حتى القضاة ترى أبوابهم مغلقةً إلا الخوخة، خوفاً على دوابهم ومنازلهم، حتى إن قاضي الشافعية دخل حمام منصور، وترك ثيابه على عادة الناس، واستعمل صانعاً، فدخل مملوك، فأمر الصانع أن يحلق رأسه ويدلكه ويغسله وأطال المكث، ثم خرج فادعى أنه بجيبه مائة دينار سرقت، فلم يزل بالحاضرين حتى أخذ منهم ثلثمائة درهم، هذا بعد كلفة في الحمام، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الأربعاء ثانيه عرض أهل باب المصلى مشاة، نحو خمسين رجلاً .
وفي يوم السبت خامسه نودي بدمشق بأن من كان له على الأجناد وأهل الحلقة والمستخبرين دين فلا يطالب به، وذهب للناس في ذلك مال كثير، ووقف حال الناس زيادة على ما هم فيه .
وفي يوم السبت خامسه جاء مرسوم شريف في شمس الدين بن الشيخ عيسى البغدادي، وعمي القاضي جمال الدين بن طولون مفتي دار العدل، فرفعا إلى القلعة، ثم بعد يومين أو ثلاثة أفرج عن ابن طولون، ثم عن الآخر .
وفي يوم الخميس ثامنه وصل الخبر إلى دمشق بأن السلطان ولي تمربغا الترجمان، المتشرف بالإسلام، نظر جيش دمشق، عوضاً عن محب الدين سلامة بن يوسف الأسلمي، وكلاهما بمصر، وسبب ذلك أن محب الدين المذكور كان قد صال وطال، وهان الفرنج، بسبب بهار السلطان، وضرب شخصاً منهم بالقلعة، فاشتكوا عليه للسلطان بأن أخذ منهم عشرة آلاف دينار، وأباحوا أخذها منه للسلطان، وأنهم يزيدون السلطان عليها مثلها ويولي عليهم الشخص المذكور تمربغا، فإنه كان فرنجياً منهم، ثم أسلم، ودخل عند النائب المتوفى قجماس؛ فأجابهم السلطان إلى توليه بعد أن أدركهم أمر البحر من جهة ابن عثمان .
وفي يوم الأربعاء عاشره ولي النائب الحسبة لنائب بعلبك، الذي كان خصاه على فاحشة وقعت منه كما مر، واسمه يونس. وفي يوم الخميس حادي عشره عرض المشاة القيسية من جميع الحارات، وخرجوا ملبسين من حارة الشاغور، وهم نحو ثلاثة آلاف، وكان يوماً مشهوداً .
وفي يوم السبت ثالث عشره سافر تقي الدين بن قاضي عجلون إلى الحجة، وقيل إن عزمه السفر إلى القدس، ثم إلى الطور ثم إلى الحجاز، بعد بيع كتب كثيرة كانت عنده .
وفي هذه الأيام جلس بعض شهود العمائر: إبراهيم العجلوني، على باب العادلية الصغرى، فمر عليه بغل عليه شيء من المال وليس خلفه أحد، فأدخله إلى اصطبل العادلية، فرآه شخص، فقال له: اطعمنا مما أطعمك الله، فأنكر، فرفع إلى دوادار النائب فضربه، فأقر بذهب فأخذ منه .
وفي يوم الاثنين خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق أولى المقدمين زردكاش السلطان، واسمه يشبك الجمالي، ولاقاه النائب وأرباب الدولة، وورد على يده مرسوم بأن يقبض من القلعة مائة ألف دينار، فلم يوجد في الصندوق غير ثلاثة وثمانين ألفاً .
وفي يوم الأربعاء سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق أحد الألوف قانصوه الألفي، وأمير آخور كبير قانصوه خمسمائة، طلب الأول أولاً، وطلب الثاني ثانياً دخولاً حافلاً .
وفي يوم الجمعة تاسع عشره دخل المذكوران إلى الجامع الأموي قبل الصلاة، وتركعا في المكان الذي يجلس فيه القاضي الشافعي، خارج باب بيت الخطابة، ومعهما أمير، ثم بعد ساعة فرش للنائب في محراب الحنابلة، ثم جاء وجماعته فصلوا تحية المسجد؛ فلما سلم من صلاته استدعى مملوكه جندر وحدثه، فجاء إلى قانصوه خمسمائة فحدثه، ثم عاد إلى أستاذه، فقام بمفرده ومشى خلف جندر إلى أن جاء وجلس عن يساره قانصوه خمسمائة، ثم صعد الشافعي وخطب خطبة في المعني، ثم اجتمعوا بعد الصلاة واجتمع الترك حولهم، ثم مشى المذكوران وخلفهما النائب ومعه الأمير الثالث، واسمه قانصوه أيضاً، وخرجوا من باب البريد.
وفي هذا اليوم خرج من دمشق يشبك الجمالي متوجهاً إلى البلاد الشمالية .
وفيه شاع أن ابن عثمان أرسل بالصلح، وأن مفاتيح القلاع واصلة .
وفي يوم السبت عشريه دخل من مصر أمير مجلس تاني بك الجمالي، وأحد الألوف تاني بك الوالي، وتلاقاهما النائب على العادة ودخل طلبهما قدامهما.
وفي يوم الأحد حادي عشرينه دخل إلى دمشق الأمير ملغباي الأعور الأشرفي، بطلب واحد، ولاقاه النائب على العادة، وهو أحد الألوف .
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه دخل إلى دمشق أيضاً عدة أ مراء، الأول دوادار السلطان الثاني شاد بك فرج الملكي الأشرفي، والثاني أزدمر المسرطن الظاهري أحد الألوف، والثالث تاني بك قرا الأينالي حاجب الحجاب، والرابع أزبك من خازندار الظاهري رأس نوبة النوب، والخامس تمراز الظاهري ابن أخت السلطان أمير سلاح، والسادس قيت الملكي الأشرفي الوالي بمصر، السابع باش العساكر المنصورة وأتابكها أمير كبير أزبك، ونزل الجميع بمصطة السلطان، وكان يوماً حافلاً، ونزل الجميع بمصطبة السلطان ولاقاهم النائب ومن تقدمهم من أمراء المصريين، خلا يشبك الجمالي فإنه سافر إلى حلب.
وفيه نودي أن النائب يرحل إلى المهم الشريف من الغد. ودخل قاصد يقال إنه من عند ابن عثمان بالصلح كما تقدم. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه دخل إلى دمشق نائب غزة آقباي، ومعه خلق كثير، ونزل في الميدان الأخضر؛ وفي حال دخوله كان النائب قد اصطف جيشه ملبسين على باب دار السعادة إلى جسر الزلابية، ثم خرج النائب بأولاده وقد ألبسهم لبساً كاملاً عليهم وعلى خيولهم، وكبقية عسكره، وخرج قدامه طلباً أركماس دوادار السلطان، وتنم الحاجب الثاني، وعدتهم أربعون ملبساً، اثنان وعشرون للأول، وثمانية عشر للثاني، وبين يديه المشاة بالعدة الكاملة، وكان يوماً حافلاً.
وقيل أن الباش اللمصري أزبك أرجع دواداره الثاني إلى دمشق من المصطبة، بأن يتجهز للرسالة إلى السلطان يعلمه بقضية الصلح حسبما جاء القاصد على لسانه، وفرجع إلى الميدان يتجهز لذلك، ثم سافر إلى مصر. - وفي هذه الأيام حصل في دمشق ونواحيها من المفاسد والظلم ما لا يحصى كثرة، منها رعت أغنامهم وخيولهم بساتين الناس وزروعهم، ومنها فكت عمائرهم وخلعت أبوابهم لأجل الحطب، ومنها سرقة ما يجدون، وقد اجتمع بها من الغرباء من حلب وحماة ومصر وغيرها خلق كثير، وتحسن سعر القمح لقلة الظهور خوفاً منها، ووقف حال خلق من الناس، ولكن باع عليهم التجار وغيرهم.
وفي يوم الجمعة سادس عشريه نزل الباش من مصطبة السلطان وصلى شرقي مصحف عثمان بالجامع، وصلى عن يمينه الشيخ علي الدقاق، وخطب القاضي الشافعي بنفسه كالجمعة قبلها. ثم بعد الصلاة قرأ بين يديه بعض قراء المصريين، ثم دعوا، ثم خرج من الجامع، وذهب إلى وليمة الشيخ علي المذكور.
وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه دخل من مصر إلى دمشق الترجمان المتشرف بالإسلام تمربغا القجماسي، متوليا نظر جيش دمشق عوضاً عن المتشرف بالإسلام محب لدين سلامة. وفي هذه الأيام قيل إن كاتب سر دمشق، زين الدين عبد الرحيم العباسي الحموي، ولاه السلطان قضاء الشافعية ببلدة حماة، وأن محب الدين سلامة ولي عوضه كاتب سر دمشق.
وفي ليلة الجمعة رابع جمادى الآخرة منها، سقط بيت راكب على النهر، جوار سيدي الشيخ رسلان، على عريس وعروسته، فأصبحا ميّتين. وفي يومها عقب صلاة صلوا غائبة على رجلين، أحدهما قاضي المالكية بالمدينة النبوية السخاوي المصري الفركاح؛ وثانيهما الشيخ العالم عبد الكريم بن أبي الوفاء، إمام المسجد الأقصى.
في بكرة يوم الأربعاء تاسعه ضرب نائب الغيبة، الحاجب الكبير، رقبة بدوي، قيل إنه شيخ ضرير، عند مقابر اليهود والنصارى، وقيل إن سبب ذلك ابن القوّاس عدوّ العرب وقامعهم، وأوصى قبل قتله لبعض الناس أن يغسّله ويصلّي عليه ويدفنه، فلم يفعل.
وفي يوم الجمعة حادي عشره، بعد الصلاة والناس في الدعاء، استغاث رجل صالح يعرف بيوسف البهلول، من ميدان الحصى، شرقي مقصورة الجامع الأموي، وقال: وا إسلاماه، وأين الغيرة الإسلامية وهذا الخاصكي، يعني قرقماس، الذي يصادر الناس، ثم فرغ من الدعاء، ثم جاء إلى تجاه باب الخطابة واستغاث أيضاً، فعضّده جماعة الشيخ فرج من باب السلامة، واستغاث الخلق على باب الخطابة، وقد كان صلّى هناك إلى جانب الشافعي الحاجب الكبير، وأمير الحاج، وخازندار النائب، والمحتسب؛ ثم دخلوا مع القاضي إلى بيت الخطابة، فصبروا على العوام ساعة حتى ملوا أمر الاستغاثة على الخاصكي، ولم يكن عندهم، بل لما سمع أوّل الاستغاثة، وكان قد صلّى شرقي الجامع، أسرع في الخروج إلى الدهشة، ثم إلى منزله بيت إبراهيم بن منجك جوار الجامع.
ثم خرج الحاجب ومن معه من بيت الخطابة وخشى من العوام وأرسل عرّف الخاصكي، وأن العوام يريدون أن يوقعوا فيه قتلاً، فبعث وراء الشيخ فرج، شيخ الجماعة الذين استغاثوا، ووقع به بحضرة كبيرة التجار عيسى القاري، فشفع فيه، فعارضه الخاصكي وأراد أن يوقع بالقاري أيضاً، وصال وجال؛ فاجتمع الخلق بكرة يوم السبت ثاني يوم، وأنزلوا الشيخ إبراهيم الناجي راكبا من ميدان الحصى، وكبروا معه إلى الجامع للتكبير على الخاصكي، وكان على ما قيل قد خاف على قماشه ونقله، فأرسله إلى القلعة بإشارة الحاجب، على ما قيل، ثم كبر الخلق على باب الخاصكي، فخرج عليهم المماليك بالنشاب، وحصل شر كبير.
وفي يوم الاثنين رابع عشره دخل من مصر إلى دمشق محبّ الدين سلامة، وهو متولّ كتابة سرّ دمشق ومستمر على نظر القلعة والجوالي، ولاقاه نائب الغيبة الحاجب الكبير يونس، وكان على يمينه، والقضاة الأربعة، وكانوا على يساره. وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن شخصاً ذكر أن بخان الخيال، الذي بزقاق المعاصير، غربي جامع حسّان، مطلب ذهب، فحضر الخاصكي قرقماس، ووكيل السلطان صلاح الدين العدويّ، ونائب الغيبة، فحفر فلم يظهر شيء، فطمر كما كان.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق الأمير خضر بك، وقد استقر في أستادارية الغور، عوضاً عن الكردي، ولاقاه نائب الغيبة، والقضاة، خلا الحنبلي، وكاتب السر ونائب القلعة .
وفي هذا اليوم غار العرب الخالدية، من بين حلب وحماة، وهو نحو مائتين، على مغل كثير أتى من حلب وقد تبعوهم إلى أن حاوزوا حسية إلى جهة دمشق، فقتلوا جماعة وأخذوا نساء وجوارا، نحو أربع عشره، وجمالاً كثيرة، وبضائع وأموالاً لجماعة من تجار دمشق كعيسى القاري؛ ووصل الخبر بذلك، واشتهر يوم الجمعة ثامن عشره، وسبب ذلك، أن قانصوه خمسمائة قبض على كبيرهم قرقماس البدوي، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الجمعة المذكور وصل الخبر من حلب إلى دمشق بأن جماعة من المشاة الدمشقية قتلوا مملوكاً، فقبض عليه وقتلوا .
وفي هذه الأيام قدم إلى دمشق ولد العجمي، الذي قدم في عشر الثمانين وثمانمائة إلى دمشق، ووعظ تجاه محراب المالكية، وحضره الأكابر كالشيخ زين الدين خطاب، وكان على وعظه أبهة الوقار والوجل، لكنه خلط في مسائل، منها أن السماوات أكثر من سبع، وأن في الملائكة من يسمى جبريل كصاحب الوحي عليه السلام، وذكر ولده المذكور أن والده المشار إليه توفي ببيت المقدس سنة أحدى وثمانين، وهو دون التمييز، وأنه طالب علم يعظ كأبيه، وأنه اشتغل على الشيخ كمال الدين ابن أبي شريف المقدسي، وأن عمره بهذه السنة خمس وسبعون سنة، ثم إن هذا الولد اجتمع بالشيخ إبراهيم الناجي، فلما ذكر أنه ولد العجمي شط على أبيه، وذكر عنه أنه رافضي، فقال: ليس بأبي، وإنما أبي الشيخ خير الدين، فإن كان صادقاً فوالده كان من أهل السنة والفضل والصلاح، وكان يعظ على كرسي تجاه محراب الحنفية، وكان من شدة وجده في وعظه يقوم واقفاً على الكرسي، وكان يدرس المبتدئين بالجامع مدة طويلة .
وفي بعد العشاء من ليلة الخميس سلخه، هجم الحرامية على سوق التجار المحجر، قبلي سوق الخلعيين، وتجاه سوق الخيل، ورموا بالنشاب مجاورة جهارا مع وجود العسس بالمدينة، وإتيانهم إليهم مع والي المدينة ابن نصف حبة، وفتحوا أحد عشر دكاناً وأخذوا أطايب القماش، وما قدروا عليه من النقد، وقتل من العسس جماعة، منهم أخو سودون شيخ خان القبيبات، وركب نائب الغيبة وأتى إليهم لابساً زرديّة، و وقع في ترسه نحو ست رميات نشاب، وربما خدش بدنه، وقتل من مماليكه ثلاثة، وجرح آخرون، وخرجت الحرامية من غربي جامع يلبغا، وعدتهم خمسة وعشرون خيالة، والباقي مشاة.
وفي يوم السبت ثالث رجب منها، مزح محمد المعصراني القدسي السمسار الداعلي، وقال عن الخضيري محمد المنيحي لما قال، إن اللحم على عجين لا يحتاج إلى سيرج هذا كفر، فاستعاذ شيخنا المحيوي النعيمي من هذه الكلمة، فتدارك محمد المذكور، وقال: هذا كفر في مذهب الأكالين؛ فقيل له: هذا الكلام أيضاً يقتضي الكفر، فقال: أنا ما قلت كفر بالله، لا، وأخذ يقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
وفي يوم الاحد حادي عشره ورد الخبر من مصر بالقبض على قاضي الحنفية العمادي، وأن يعطي المنفصل الزيني الحسباني أربعة آلاف دينار .وفيه شاع بدمشق أنه ورد مرسوم شريف يطالب جماعة ممن قام على قرقماس الخاصكي، الذي كبروا عليه بالجامع وجرى ما جرى، ثم إنه بعث جماعة إلى العزقية فقتلوا منهم وجرحوا فرجعوا مخذولين مكسوري الحرمة، وخوف من العمل بالمرسوم فترك. وفي يوم الخميس خامس عشره أمر نائب الغيبة بشنق جماعة، فشنقوا، وهم من قرية بيت سابر اتفقوا على قتل أستادار الأمير خضر بك أستادار الغور، فقتلوه بها، فمسكوا وأقروا بذلك.
وفي يوم الاثنين ثاني شعبان لبس الأمير جاني بك الأشرفي أمرة الحاج على عادته، وكان تأخره عن التجريدة لابن عثمان لأجل ذلك. وفي يوم الأحد ثاني عشريه انقض كوكب في جهة شمالي دمشق، أضاءت منه الدنيا، كما تضيء بالقمر.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه سافر إلى مصر الجبار الظالم الغاشم قرقماس الخاصكي، الذي جرى له ما جرى، وخرج لوداعه نائب الغيبة، والخازندار، والقضاة، وغيرهم.
وفيه نودي عن نائب الغيبة بإبطال الفرجة بالربوة، بعد احتفال الناس بها قبل دخول رمضان. وفي هذه الأيام كبس شيخ الرافضة بسكيك، وهجم على كبير الحشارية وقتله، ثم هجم الحشارية على أهل سكيك وقتلوا منهم نحو ثمانين رجلاً، ونهبوا أقواتهم وأموالهم، وسبوا حريمهم. وفي ثامن عشريه دخل إلى دمشق، راجعا من مكة، السيد علاء الدين ابن نقيب الاشراف .
وفي ليلة الاثنين سلخه تهيأ الناس بدمشق لصوم الغد، وعملوا الاقراص المشبك والبسيس وغير ذلك، وعلقت القناديل المشعولة بعد المغرب، خلا الجامع الأموي، وقال المؤقتون: رؤية هلال رمضان حينئذ عسرة، فإنه في جهة الجنوب ومكثه على ست درج، فحضر القضاة بالجامع على العادة، فلم يره أحد، فأنكروا على من شعل القناديل كأهل جامع يلبغا، فبلغهم، فأطفوها، ثم أتى رجل وشهد أن أول شعبان السبت، وأنه رأى هلاله ليلة السبت، وجاء آخر وشهد أنه رأى هلال رمضان بعد المغرب من هذه الليلة وزكى، فحكم بقبول شهادته، وأعيدت القناديل، وأصبح الناس صياما بحمد الله تعالى .
وفي بكرة يوم السبت سادس رمضان منها، أحضرت محفة حمراء على جمال إلى عند مسجد الذبان، وأركب فيها محمد بن الخواجا عيسى القارى وهو ضعيف، ومعه أخوته ركاب على خيل متقلدي السيوف، وذهب الجميع إلى مصر، بسبب تركة أبيهم المتوفى قريباً .
وفي يوم الأحد رابع عشره دخل المنفصل من كتابة السر بدمشق، الزيني العباسي، إلى دمشق من مصر.
وفي بكرة يوم الاثنين خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق خاصكي اسمه قنبك، وهو شاب أشقر، بخلعة بطراز ذهب طويل، وتلقاه نائب الغيبة والقضاة، وأتى على يديه مرسوم بمصادرة أهل الذمة، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الأحد حادي عشريه رجع بإذن النائب جماعة من المشاة الذين ذهبوا من دمشق مع العسكر، وأخبروا بأمور، منها أن الغلاء كان مقيماً معهم، وبيع الرطل الخبز بنحو عشرين .
وفي هذا الشهر صلى بالقرآن جماعة أولاد منهم ولد عيسى البلقاوي بالقبيبات، ومنهم ولد بدر الدين حسن البقاعي بجامع فراج، ومنهم ابن البغادرة بالباب الصغير .
وفي يوم الثلاثاء سابع شوال منها، شاع في البلد أنه ورد مرسوم شريف بطلب برهان الدين بن المعتمد، ورضي الدين الغزي، إلى مصر، بسبب ما قيل عن رضي الدين هذا أنه ثبت عليه بالشهادة قاضي الجبة، المقطوع الأنف، أن برهان الدين المذكور وجد في بيتٍ مبلغ خمسة آلاف دينار، وقيل خمسين ألف دينار، ثم سافر الرضي أواخر الخميس تاسعه.
وفي يوم الخميس هذا دخل الحاج الحلبي، وهم على ما قيل نحو أربعة آلاف جمل، بخلق كثير، خرجوا من حلب ومعاملتها هاجين من الفتن وظلم العسكر، الذي خرب بلاد ابن عثمان، وفسق في نسائها، وقتل خلائق منها، وحرقها؛ وإنما فعلوا ذلك لآجل ما فعل هو بقاصدهم الأمير ماماي، فإنه حبسه في مطمورة، ثم قصدوا الرجوع إلى حلب و إلى بلادهم.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشره سافر القاضي برهان الدين بن المعتمد إلى مصر مطلوباً، وسفر نائب الغيبة معه جماعة يحفظونه، فالله يحسن العاقبة.
وفي السبت ثامن عشره سافر الوفد إلى مكة، وكانت الدراهم قلت جداً، خلاف الأشرفية والفلوس، وغالبها قرابيص، ولكن الأسعار رخيصة؛ ومن أغرب ما وقع أن عياشة صهرة جعفر المصري، من جماعة الحاجب الكبير، أكترت بخمسين أشرفياً في شقة، وابنتها مقابلتها، وركبت فيها وتوجهت إلى قبة يلبغا، فحمت، فقالت: أنا أرجع، فقالت لها امرأة: أنا أركب مكانك وأكتب علي الخمسين الأشرفي إلى أن أرجع من الحجاز، ففعلت ورجعت إلى طبقتها، فنظرت من طاقتها، فوقعت، فوقصت عنقها فماتت، فسبحان المقدر رجعت إلى حفرتها.
وفي ليلة الأحد سادس عشريه سافر قنبك الخاصكي راجعاً إلى مصر في محفة، بعد أن صادر أهل الذمة. وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشريه دخل من مصر إلى دمشق الحاجب الكبير بحلب، وأخبر أن السلطان عتب على العسكر حيث جاؤوا ولم يعملوا شيئاً، بل غلثوا الخواطر بينه وبين ابن عثمان بلا فائدة.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي القعدة منها، دخل النائب إلى دمشق راجعاً من التجريدة من جهة المزة، ثم دخل الجلبان الدمشقيون والمصريون وضيقو على الناس، وخبأ الناس دوابهم وتعطلت مصالح الناس. وفي يوم الجمعة خامس عشره صلى النائب بمصلى العيدين في المقصورة، ومعه أولاده الأربعة في أناس قلائل، جاء من جهة باب الصغير، ثم خرج إلى المرج.
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه، قبل الصلاة، وصل مرسوم شريف إلى الحاجب الكبير يونس بأن يفوض قضاء الحنفية، عوضاً عن العمادي الناصري، لمن يختار، من برهان الدين بن القطب، أو المحيي بن القصيف؛ وكان السبب في ذلك أن المحبي استعان بالحاجب المذكور في السعي له، وأن يكاتب له بذلك على ثلاثة آلاف دينار، ففعل، فورد المرسوم المذكور، فأما ابن القطب فأبى واعتذر بأنه عاجز ضعيف، وأما المحبي فإنه استشهد بجماعة واستكتبهم في أنه لا بأس به وقدم ذلك للحاجب.
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشرينه فوض إليه الحاجب، ولبس تشريفة بطرحة، من الاصطبل إلى بيته، وركب معه الحاجب وقاضي الحنابلة النجم بن مفلح، وكان النائب إذ ذاك بالمرج، خرج منها ليغيب من جلبان السلطان الراجعين من التجريدة، وذم في سيرته. وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه دخل دمشق من البلاد الشمالية من التجريدة الأمير قانصوه خمسمائة؛ وفي ثانيه دخل قانصوه الشامي.
وفي يوم الأحد ثاني ذي الحجة منها، سافر الأمير قانصوه خمسمائة من دمشق إلى مصر، وسافر مع بعض الأمراء. ثم في يوم الثلاثاء رابعه دخل الأمير الكبير الأتابك أزبك الظاهري من حلب إلى دمشق، ونزل بالقصر، وتقدمه يشبك الجمالي والأمير أزبك الخازندار. وفي يوم الجمعة سافر الأمير الكبير الأتابك، ولم يمكث لثاني يوم، يوم عرفة، وكان يشبك وأزبك الخزندار تقدماه يوم الخميس، سافر أولاً يشبك، ثم بعده بساعة سافر الآخر، وكان راح على وادي التيم جماعة من الأمراء والمماليك.
وفي يوم الأربعاء، آخر أيام التشريق، دخل نجم الدين بن الخيضري إلى دمشق من مصر، وأخبر عن أمر برهان الدين بن المعتمد، أنه تأخر بعد زواجه، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الخميس ثامن عشريه أطلق الجماعة المعتقل عليهم بالقلعة، المطلوبين إلى مصر، وهم: شعيب، وابن حمدان المؤذن، والمحب بن سالم، وابن الأربلي، ضمنهم القاضي الشافعي ليتجهزوا للسفر معه إلى مصر.
وفي هذه الأيام وصل الخبر إلى دمشق بأن السلطان ختن ولده محمد، وأمر بضبط ما يدخل إليه من المال هدية، فإذا هو يقرب من خمسين ألف دينار، وأن السلطان طرد قاصد نائب الشام وغوش على أستاذه لأجل استعجاله بالرجوع من المهم الشريف وأراد أمن يوقع به فأخرج، وأنه طلب الأتابك أزبك من الطريق على هجن، فدخل مصر قبل بقية الأمراء، وأنه قطع أيدي جماعة من المماليك، لكونهم أرادوا الوقوع بدواداره آقبردي، وأمره بالخروج إلى بلاد نابلس والغور، وفي حجة إصلاح العشير بها، وإنما أخرجه ليسكن الشر، وينتقم لأجله.
وفي هذه السنة رأى عبد الوهاب الحريري، بباب الجابية، النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وأنه أشار إليه أن يبنى مئذنة لمسجد البصل، فشرع في بنائها لصيق المسجد، مع قربها لمئذنة أخرى. وفها نقض حمام الزين الذي كشف القاضي الشافعي عليه، وعلى ما حوله، شرقي كنيسة مريم، بدرب الحجر وهذا الحمام له ذكر في التاريخ، عمارة رجل سامري بعد خرابه من زمن الخوارزمية، ثم دثر ولم يقرب إلى أن كشف عنه القاضي المذكور، ثم باعه للفلك.
وقال الشيخ علاء الدين البصروي في ذيله: وفي أواخر جمادى الأولى منها، وصل قاصد أرسله الشيخ عرب، عالم بلاد الروم، ليس في بلاد الروم أعلم منه، والقاصد اسمه أبو بكر، فذكر القاصد أن شيخه والعلماء وأرباب الوجوه ليسوا راضين بفعل ابن عثمان ومعاداته لأهل هذه البلاد، وأن الضرورة حصلت لهم، فإن الكفار طغوا حيث رأوا المسلمين يقاتل بعضهم بعضاً، وأشاروا بالصلح، فأجابه أزبك والأمراء: وإنا نحن متوجهون حيث رسم لنا السلطان، وأنت أذهب إلى السلطان، فإن رسم بالصلح فيكون ونحن هناك مجتمعون عليه؛ ثم توجه القاصد إلى مصر، وسار أزبك والعساكر إلى نحو حلب مجدين.
وفي جمادى الآخرة منها، وصل عتيق قجماس، تمربغا، متوليا نظر الجيش، ولبس خلعة.
في خامس عشر رجب منها، وصل جواب قضية الخاصكي أن يجهز الشيخ فرج وستة أنفس من أهل القيببات، بعد أن تطلب أهل الحارتين ويسألوا عن سبب قيامهم على الخاصكي؛ فقريء بحضرة القضاة وأركان الدولة، واتفقوا على أن الكلام في هذا يحرك فتنة أخرى، فسكن في الحال، وفيه جاء السراق إلى سوق التجار الذي تحت القلعة أول الليل بالأسلحة، وأخذوا أموال التجار، وخرج إليهم جماعة الحاجب الكبير، وقتل منهم واحد. وفيه قتل دواد الخاصكي فرقة من التركمان، ودوادار السلطان علي الأعور جماعة وادي التيم.
وفي ثاني شعبان منها، لبس الأمير برد بك الأشرفي خلعة بأمرة الحاج. وفي تاسع عشريه توفي الحاج عيسى القاري كبير التجار بدمشق، كان فيه خير للفقراء وإحسان، وكان يضبط زكوته ويخرجها، وابتلى آخر عمره بالانحياز إلى السلطان، واتهم في مال البهار الذي أرسل إليه السلطان أن يشارك الأمناء عليه فورد فيه مرسوم، فحصل له بهدلة بسبب ذلك، فكانت سبب انقطاعه أحد عشر يوماً، ومات في عشر الثمانين، ودفن بمقبرة باب الصغير، بعد أن صلى عليه بالجامع الأموي القاضي الشافعي.
وفي يوم الأربعاء مستهل شوال منها، ثبت ببعلبك الرؤيا ليلة الثلاثاء، فظن بعض الناس أن مطلعهما متفق، أي ببعلبك ودمشق، ثم تحرر اختلافهما؛ حكى ذلك شخص عن الشيخ زين الدين الطرابلسي، كان عالم بعلبك، وسئل شيخنا شمس الدين التبريزي المؤقت بالجامع الأموي، فقال: إن مطلعهما مختلف، وخطب للعيد بالجامع الأموي القاضي الشافعي، بخلاف العيد الآتي فإنه خطب الشيخ سراج الدين بن الصيرفي لحصول بعض توعك له.
وفي ثامنه ورد مرسوم بأن القاضي رضي الدين الغزي الشافعي، أثبت على القاضي برهان الدين بن المعتمد الشافعي، خمسين ألف دينار، للخزائن الشريفة، ورسم يطلبهما فتوجه الرضوي تاسعه، والبرهاني ثالث عشره وكان أصل هذا أنه حصل بينهما اختلاف في حدود أرضين متلاصقتين، إحداهما للمارستان، والأخرى وقف أجداد القاضي برهان الدين، ففي أثناء اختلافهما احتد الرضوي وكتب للقاضي بهاء الدين الباعوني رسالة، ذكر فيها الخمسين ألف دينار، فيقال إنه أطلع عليها غيره، واتصل الخبر بالمصريين.
وفي ثامن عشره سافر الحاج الشامي، وأميرهم برد بك، وقاضيهم تقي الدين ابن قاضي زرع، أحد نواب القاضي الشافعي، وحج في هذه السنة الجمال العقرباني، والشهاب الخيري. وفي ثالث عشريه وصل مرسوم يطلب القاضي كمال الدين بن خطيب حمام الورد، والقاضي شعيب نائبي القاضي الشافعي، ودواداره محمد، ونقيبه ابن الأربلي نور الدين، ومحمد بن سالم محب الدين، وعلي الحمصي نور الدين، الشاهدين ببابه، وباستعجال القاضي الشافعي بالسفر، وكان حصل له حمى عوقته عنه. وفيه طلب العز بن حمدان نائب القاضي الحنفي مع آخرين من جماعته، فضمنهم القاضي الشافعي وسافروا معه.
سنة ست وتسعين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين عبد العزيز بن يعقوب العباسي المتوكل على الله؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق قانصوه اليحياوي؛ والقضاة: الحنفي محب الدين بن القصيف، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شهاب الدين المريني، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير جانم مملوك السلطان، والحاجب الكبير يونس الشرفي؛ والحاجب الثاني تنم مملوك السلطان؛ ودوادار السلطان أركماس الملكي؛ ونائب القلعة مملوك السلطان الأيدكي؛ ونقيبها الأمير تمراز القجماسي، ودوادار النائب الخازندار كرتباي؛ وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛وناظر الجيش تمربغا الترجمان الأسلمي؛ وبيد القاضي الشافعي خطابة الأموي، ومشيخة الشيوخ، ونظر المارستان النوري، ونظر الحرمين.
وفي يوم الخميس خامس المحرم منها، شكت بنت الخواجا شمس الدين بن علوان الشويكي إلى النائب على زوجها بدر الدين حسن بن أيدكي بأنه عنين، وأنها بكر إلى الآن وقام معها جماعة إلى أن طلقها النائب منه، بعد أن أخذ منها نحو مائة وعشرين أشرفيا. وفي يوم تاسوعاء قبض على رجل حرامي بالقصاعين، وأقر على عملات كثيرة، فلم يمهله النائب وشنقه في الحال، وأنكر عليه ذلك.
وفي ليلة الأحد خامس عشره وقع بدمشق وما حولها ثلج كثير، واستمر إلى نصف النهار، فحصل في الأسطحة نحو ذارع، وتكسر بذلك كثير في الأشجار، سيما أشجار الزيتون، وكان الحطب قد غلا سعره وبلغ قنطار اليابس منه إلى نحو الثلاثين درهماً، فرخص سعره من يومئذٍ، واستمر الثلج في بعض الطرق وغيرها نحو عشرين يوماً، وكان آخره بمدينة زرع، و إلى مدينة حماة.
وفي يوم السبت حادي عشريه دخل إلى دمشق كتب الحجاج، وفيها أن الوقفة كانت يوم الأحد، وأن العسل والسمن كان في الطلعة رخيصاً، كل رطل منهما بخمسة دراهم، وأن الشاش والإزار كثير، وأن القماش الأزرق قليل، وأنهم أقاموا بمكة اثني عشر يوماً، وأنهم جاءهم سيل عظيم بها ذهب فيه أموال كثيرة، وأن تقي الدين بن قاضي زرع أتى معهم، وهو قاضي الركب، وأنهم صلوا عند النبي صلى الله عليه وسلم، الجمعة في الذهاب والإياب، وأن سعر التمر المباع من الثمانية دراهم إلى الخمسة عشر، وأن الجوز الهندي كل ثلاثين بأشرفي، وأن أمير الركب كان ظالماً.
وفي ليلة الاثنين ثالث عشريه غضب النائب على مملوك الخازندار، وأحاط على موجوده، وأخرجه في الزنجير وغبا به، ينادي عليه، هذا جزاء من يخون أستاذه، واعتقله. وفي بكرة يوم الجمعة ثامن عشريه خرج نقيب القلعة تمراز بجماعتها على العادة، لتلقي المحمل وتبعه أرباب الدولة والناس على العادة، وكان وحلاً شديداً، فلم يدخل المحمل إلى وقت العصر وغالب العوام لم يصل الجمعة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الخميس ثالث صفر منها، سافر القاضي الشافعي بعد تكرر طلبه إلى مصر، وخرج لوداعه غالب الفقهاء على العادة. وفي بكرة يوم الخميس عاشره لبس نائب السلطنة خلعة حمراء بمقلب على العادة، وكذا أولاده الأربعة، على يد قاصده من مصر، وكان اللبس من القبة، ومعهم القضاة الثلاثة وأرباب الدولة على العادة، وفي يوم الأربعاء دخل إلى دمشق من بلاد يعقوب، باك بن حسن باك قاصده، وصحبته هدايا سنية للسلطان، وصحبته بنت عم يعقوب، طلبها السلطان منه لأجل ابن عمها الذي عنده بمصر، ليزوجه بها.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره بعد صلاتها بالجامع الأموي، نودي بالسدة بالصلاة غائبة على أربعة أنفس من العلماء المصريين، منهم: قاضي المالكية كان، الفقيه العالم برهان الدين اللقاني، وميلاده سنة ست وعشرين وثمانمائة؛ ومنهم خصمه في القضاء العلامة المفتن ابن تقي، توفي بعد خصمه بنحو سبعة عشر يوماً؛ ومنه الشيخ العالم البرهاني شيخ خانقاه سعيد السعداء، زين الدين عبد الرحمن السنتاوي، ميلاده تقريباً سنة أربع وعشرين وثمانمائة، ومنهم الشيخ العالم زين الدين سنان العجمي الحنفي شيخ تربة يشبك الدوادار، وكثر الترحم عليهم حيئنذٍ - ووقع المطر، وفي يوم الاثنين سابع عشريه وقع بدمشق وبخوارجها مطر، واستمر متراسلاً ليلاً ونهاراً، ووقع منه طباق كثيرة وجدران كثيرة أيضاً، وجاءت الزيادة إلى تحت القلعة.
ووصل حدها إلى مصاطب حمام الكحال، وسمت الماء الذي في جوف القناة قبلي مسجد المؤيد، وذلك في يوم الخميس مستهل ربيع الأول منها. وفي يوم السبت حادي عشره لبس قاضي الحنفية محب الدين بن القصيف خلعة جاءته من مصر، على حكم تفويض الحاجب الكبير، ثم عزل في ثاني عشر جمادى الآخرة منها، فمدة ولايته ثلاثة شهور؛ وورد مرسوم بالقبض على ابن القطب، فاعتقل بجامع القلعة إلى أن تولى في يوم العزل المذكور.
وفي ليلة الأربعاء ثاني عشريه نقب حبس دوادار السلطان، الذي غربي جامع التوبة بشمال، وخرج منه جماعة كثيرة، غالبهم مظلومون، وهو غائب في الغور عند دوادار السلطان بمصر آقبردي. وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الأمير ماماي، الذي قبض عليه ملك الروم أبو يزيد بن عثمان وطمره، أطلقه وأرسل معه جماعة بالصلح وهم واصلون. وفيها أحدث دوادار السلطان، وهو الناظر على جامع يلبغا، على علو بابه الخارج إلى تحت القلعة، مكتباً للأيتام، وزعم أن أمه التي توفيت في هذه السنة، ودفنها في التربة التي أنشأها لصيق النحاسية، خارج باب الفراديس، أوصت بذلك.
وفي يوم الجمعة سادس عشر ربيع الآخر منها، عقب الصلاة بالجامع الأموي، صلي غائبة على الشيخ العالم المقرئ علاء الدين بن قاسم، توفي ببلده بالخليل. وفي يوم الاثنين تاسع عشره وصل قاصد النائب من مصر وعلى يديه خلعة بطراز لأستاذه، فلبسها من القبة على العادة، وصحبته أرباب الدولة، والقضاة الثلاثة، ما خلا الشافعي فإنه غائب بمصر. وفي يوم الجمعة ثالث عشريه قامت البينة على رجل من كرك، توجه ماشياً، منكرة في حق أبي بكر وعمر، فضرب بالسياط في بيت قاضي المالكية شهاب الدين المريني وطيف به بدمشق، ثم سجن.
وفي هذا الشهر ورد مرسوم شريف للحاجب بالكشف عن المدارس، فشرع يكشف. وفيه شاع أن سلطان العجم يعقوب باك بن حسن باك توفي قتلا، مع جماعة من أهل بيته، وأخبر رجل من بلاده أنه لما تولى كان عمره ست عشرة سنة، وأن له متولياً نحو اثنتي عشرة سنة، فعاش حينئذٍ ثمانية وعشرين سنة. وفيه أمر النائب بإبطال " سمع الله لمن حمده " بالجامع الأموي، فعورض فقال: يجمع بينهما، ثم لم يتم له ذلك. وفيه رسم أن لا يجلس الشهود بالجامع المذكور، لما قيل إنهم يدخلون النساء وأهل الذمة، ولعمري لقد أجاد في ذلك، سيما دركات باب البريد.
وفي يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى منها، كشف الحاجب والقضاة جامع كفر سوسيا والمزة. وفيه وصل الماء إلى حمام كفر سوسيا، الذي اشتراه حميصة وجدده. وفي يوم الجمعة سابعه ورد خاصكي من مصر، على يديه مرسوم بالفصل بين الأمير الكبير وبين دوادار السلطان في شر وقع بينهما قبل ذلك، وعلى يديه مرسوم بمصادرة من مع الدوادار، فقبض جماعات ووضعهم بالقلعة، واختبطت دمشق. ثم في يوم الأحد تاسعه غوش العمري القواس بالقلعة بحضرة الخاصكي، فدخل الحاجب الكبير ورطن على الخاصكي حتى كاد يقع به، ثم أمر المقبوض عليهم بالخروج إلى منازلهم فخرجوا.
وفي هذه الأيام ورد كتاب الخاصكي ماماي الذي كانت مقبوضاً عليه عند أبي يزيد بن عثمان من طرسوس إلى دمشق، تاريخه حادي عشر ربيع الآخر، وملخص ما فيه، أن أبا يزيد كان عزم على سلخ ماماي المذكور، وأن يخوزق بقية الخاصكية، فدخل الليل فسمعنا به قلبة، فظننا أنه أتى أمر الله، فلما أصبحنا استحضرنا إليه، فحضرنا ونحن على وجل فتلقانا ملتقى حسناً، فعجبنا لذلك، فأخبرنا أنه قد خسف بمكان له، ونزل صاعقة على آلة حربه، وزلزلت أماكن، وعصفت الريح، حتى أنه كاد يهلك، فلما رأى ذلك ذلك سلم لأمر السلطان وأكرمنا وسلمنا مفاتيح القلاع، وقال: إنه كان كافراً وقد أسلم وهو مملوك السلطان، وقد أرسل معنا قاضياً وجماعة خاصكية من جماعته في الرسلية إلى السلطان، ونحن واصلون.
وفي يوم السبت خامس عشره نودي بدمشق بإظهار الزينة لقدوم قاصد السلطان ماماي، ومن معه، من البلاد العثمانية، وتزايدت خلا القلعة، فإنها لم تزين لأن آلة الحرب قد ختم عليها في الحواصل، ولم يكن عادة أن تزين إلا بمرسوم شريف، ولم يرد لهم، وحصل على التجار والسوقة مشقة بالمبيت في حوانيتهم، مع كثرة الخمر والفساد وبنات الخطا وخروج النساء للفرجة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الجمعة حادي عشريه وصل القاصد المذكور، ومن معهم، إلى مصطبة السلطان، ونودي بالخروج إليهم من كل بلد وحارة بالعدة وآلة الحرب، فلما كان الثلث من ليلة السبت ثاني عشريه، هرع الناس، وأطلق البارود بالقلعة، وجاءت العشران من كل جانب وتلقوهم، وكان يوماً حافلاً، استمروا إلى قريب الظهر حتى وصل إلى تجاه القصر بالميدان، وكان النائب والخاصكي ماماي نائبه في منزله، وقاضي الرسلية قاسم بن يكن خلفهما مصموداً، وفرح الناس بذلك، وفي يوم الاثنين خامس عشريه رفعت الزينة من دمشق. وفي يوم الخميس ثامن عشريه سافر الخاصكي ماماي وقاضي برصة في الرسلية، ومن معهما، وخرج لوداعهم نائب السلطنة والحاجب الكبير وأرباب الدولة.
وفي ليلة الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة منها، شاع بين أهل دمشق أن الأرض تزلزلت عقيب صلاة المغرب، وأن القمر خسف، ولم يحس بذلك جماعات، منهم شيخنا المحيوي النعيمي.
وفي يوم الجمعة العشرين منه، عقب صلاة الجمعة، صعد شخص على الكرسي تجاه محراب الحنفية، الذي يعظ عليه شهاب الدين بن عبية، وحضر ابن عبية هذا يسمع كلامه، فتكلم على " بسم الله الرحمن الرحيم " وأسماء الفاتحة، ونقل عن الشيخ شهاب الدين بن العماد وتقي الدين الحصني وغيرهما، فسئل عنه فقيل هذا من نابلس يعرف بابن مكية، لم يكن له شيخ سوى أنه اشتغل يسيراً على شمس الدين بن حامد. وفي بكرة يوم الأحد ثاني عشرينه، وهو أول أيار، تزلزلت الأرض بدمشق أيضاً قبل طلوع الشمس.
وفي يوم الثلاثاء ثامنه وصل من مصر إلى بيته بالصالحية القاضي جمال الدين بن خطيب حمام الورد، صهر ابن أخي القاضي الشافعي، متولياً بمصر. وفي يوم الخميس عاشره، وهو يوم الموسم، لبس برهان الدين ابن القطب قضاء الحنفية عوضاً عن المحب بن القصيف، على مبلغ ألفي دينار، وذلك بعد أن مكث معتقلاً عليه بجامع قلعة دمشق مدة نحو تسعة شهور، وقرأ توقيعه صاحبه القاضي شمس الدين الحلبي بالجامع على العادة، وتاريخه ثاني عشره جمادى الآخر منها.
وفي يوم الاثنين رابع عشره دخل من مصر الأمير تاني بك مملوك السلطان وقد فوض إليه استادارية الغور، وصحبته أحد الألوف بدمشق قايتباي على إقطاع سودون الطويل، وتلقاهما النائب والقاضي الجديد وأرباب الدولة، ونزل الأول ببيت ابن منجك، والثاني جوار المدرسة الآمدية. وفي يوم الاثنين حادي عشريه وصل من مصر إلى أوائل عمران دمشق القاضي شعيب، وأرسل وراء أعلام الأحمدية، ودخل دمشق على هيئة مهولة، وكان وصل قبله المحب بن سالم والأربلي وجماعة ممن طلبوا إلى مصر.
وفي يوم الاثنين خامس شعبان منها، دخل من مصر إلى دمشق دوادار السلطان، بعد أن كان طلبه السلطان أستاذه، ونصر غرماءه عليهم، منهم عبد القادر بن السيراجي المزي، وأخذ له منه ستمائة دينار، وأخذ لنفسه منه نحو خمسة عشر ألف دينار على ما قيل، وكان تقدمه عبد القادر المذكور بأيام إلى المزة، وأولم لأهلها وليمة، ودخل مع الدوادار المذكور غرماء عبد القادر المذكور وهم: شعبان المعمم، وشعبان الريس، ويوسف بن الداراتي. وفي يوم الثلاثاء رابع عشره وصل البدري بن أخي القاضي الشافعي من مصر إلى دمشق.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشر رمضان منها، وقت الغداء، خرج من أوائل مقابر باب الصغير نجم كبير، وجرى جرياً شديداً إلى جهة القبلة، وله هدير كهدير البعير. وفي يوم الأحد سابع عشره رجع من مصر قاضي برصة، قاصد ملك الروم أبي يزيد بن عثمان، وصحبته جماعة كانوا في الاعتقال بمصر، منهم الطواشي الأبيض الذي كان مسك في البلاد الحلبية وأرسل إلى مصر، ودخلوا في هذا اليوم مخلوعاً عليهم بإكرامٍ حافلٍ، وتلقاهم النائب وأرباب الدولة على العادة، وعشران البلاد، ومشاة الحارات، وقد أفطر منهم خلق كثير، وكان يوماً حافلاً.
وفي هذه الأيام وصل المنفصل عن قضاء الحنفية زين الدين الحسباني إلى غزة، فرفسه فرس وهو راكب، فانكسرت رجله، فحمل إلى دمشق، فوصلها أيام العيد، واستمر في شدة منها. وفي يوم الاثنين خامس عشريه دخل من مصر إلى دمشق، أمير غزة، وناظر وقف السلطان، جان بلاط، قاصداً من السلطان إلى أبي يزيد بن عثمان، ومعه تحف، وكان قاصد ابن عثمان إلى الآن بدمشق.
وصلى في هذا الشهر جماعة من الصبيان، منهم ابن الشاهد بخان السلطان البقاعي، ومنهم ابن مؤدب الأطفال بقبر عاتكة أبي بكر بن المجنون، ومنهم ولد شيخنا المحيوي النعيمي واسمه تقي الدين أبو بكر، ختم بجامع البزوري، ومنهم ولدان من بيت الموصلي.
وفي هذه الأيام وردت الأخبار من حلب بأن العوام حصروا نائبها أزدمر، وقتل من جماعته نحو اثني عشر رجلاً، ومن العوام نحو مائة؛ ومن مصر بأن والي القاهرة، وأحد الألوف، يشبك من حيدر، كان خصماً لأينال الخسيف نائب حماة، فقال السلطان: اذهب إلى حماة مكانه وهو يجيء مكانك، ومن صفد بأن نائبها يلباي عزل واستقر من مصر عوضه أزدمر المسرطن وهو أستاذ آقبردي دوادار السلطان يومئذٍ، وهبه للسلطان لما بلغه أنه من قرابته. وفي يوم الثلاثاء عاشره دخل الحاج الحلبي من حلب إلى دمشق. وفي يوم الثلاثاء سابع عشره سافر قاصداً السلطان جان بلاط إلى ابن عثمان، وكان تقدمه قاضي برصة قاصد ابن عثمان.
وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر الحاج من دمشق؛ قال شيخنا المحيوي النعميم: ولم أرهم تأخروا مثل هذه السنة. وفي يوم الخميس سادس عشرينه رجع الناس من المزيريب، وأخبروا بالرخص المفرط في كل شيء. وفي هذه الأيام لبس أحد مقدمي الألوف، قايتباي، خلعة بنيابة كرك الشوبك، مع المقدمة المذكورة بدمشق.
وفي يوم الاثنين ثامن ذي القعدة منها، دخل من مصر إلى دمشق خاصكي على يمين النائب، وقدامه بريدين بعلامتين صفر، يبشر بوفاء النيل. وفيه شاع بدمشق أن شخصاً اشترى بيتاً احتاج إلى تزويق ثنياته، فأتى لها بمعمارية وشارطهم على عملها، وأعطاهم المفتاح وذهب إلى شغله، فهم في عملها، وحفر مكان وضعها، سقط عليهم من مكان الحفر قشر جوزة هندية، فإذا فيها عدة أربعمائة دينار وعشرة دنانير فتخاصموا عليها، فعلم بها النائب، فأخذها منهم وأعطاهم عشره أشرفية.
وفي يوم الخميس حادي عشره دخل من مصر إلى دمشق الأمير كسباي، قيل إنه من أقارب السلطان، قد فوض إليه أمرة أربعين، وهو الإقطاع الذي للأمير تمراز المتوفى. وفي هذه الأيام ورد مرسوم شريف بطلب السيد كمال الدين بن حمزة إلى مصر، فوجد قد سافر إلى الحجاز، فرد الحاجب الكبير الجواب بذلك، ثم سافر إلى مصر.
وفي يوم الجمعة بعد الصلاة سادس عشرينه سافر الأمير الكبير إلى مصر، وودعه الأكابر بدمشق، مطلوباً ليولى أميراً آخوراً بمصر. وفي ليلة الأحد ثامن عشريه وجد شاب أمرد قد قتل وحمل ورمي في خشخاشة بمقبرة الباب الصغير، فأخذ وغسل وكفن بوزره، ثم صلي عليه ثم دفن، ولم يعرف من أين هو ولا من قتله. وفي هذه الليلة نقب خان الحصني من المصلى، وأخذ من داخله مال كثير.
وفي ليلة السبت رابع ذي الحجة منها، سافر وكيل السلطان بدمشق صلاح الدين العدوي إلى مصر مطلوباً. وفي هذه الأيام أرسل النائب سرية بالقبض على نائب حمص المعروف بالحليق بن أصلان بك الغادري، فقبض عليه بغتة وأتي به ووضع في قلعة دمشق، في يوم الأحد خامسه - وفي يوم الاثنين سادسه، دخل إلى دمشق من مصر نائب حمص الجديد.
وفي يوم الخميس، يوم عرفة، دخل من مصر إلى دمشق الخاصكي ماماي قاصداً نائب حلب أزدمر الطويل، ليصلح بينه وبين أهلها، وكان إلى جانب النائب حالة دخوله. وفي يوم الاثنين، آخر أيام التشريق، توفيت زوجة المرحوم إبراهيم بن منجك، وكان قد وقف بيته الجديد الذي كان حمام الصحن عليها، ثم من بعدها على الجامعين الحصوي والقصبي، ودفنت عنده في التربة بالجامع الحصوي. وفي هذه الأيام ورد إلى دمشق جماعات من بلاد المغرب من مقاتلة غرناظة، بعيالهم وأولادهم، لاستيلاء الفرنج على بلادهم.
وقال الشيخ علاء الدين البصروي في ذيله: وفي يوم الخميس ثالث صفر سافر القاضي الشافعي إلى مصر كما قدمنا، ومعه من طلب من جماعته وجماعة القاضي الحنفي، وتوجه معه البدري محمد بن أخيه، والشيخ محمد التونسي، من فضلاء المالكية، ثم لحقه شهاب الدين بن بري، وفي ثامن عشريه اجتمع القاضي الشافعي بالسلطان وحصل له إقبال عليه، ومن أركان الدولة، ونزله بمنزل قريب من جامع الأزهر، عينه له السلطان، يعرف ببيت مثقال، وكان قبل طلوعه إلى القلعة جهز له السلطان سماطاً لتربته وفرساً، ورفع الترسيم عن ابن بري.
وفي ربيع الأول منها، قدم هديته. وفي سابعه أطلق البرهان المعتمد من الترسيم لأجله.
وفي ربيع الآخر منها، أمر النائب أن المبلغ بالجامع الأموي إذا رفع الإمام رأسه من الركوع، أن يقول: ربنا لك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، متعلقاً بأن كل مأموم عند أبي حنيفة يقول: ربنا لك الحمد، ومذهب الشافعي، بأن قول: سمع الله لمن حمده، ذكر الرفع، وقول: ربنا لك الحمد، ذكر الانتصاب للاعتدال، روى فعل الأمرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، البخاري ومسلم، وأما حديثهما إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، فلا دليل لهم فيه، فإنا نقول ذلك مع قول ما ورد في حديث غيره، عملاً بالأحاديث كلها، قلت يعكر على ذلك التعقيب المستفاد من إلغاء، ثم حصل من الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون تحرك مع أنه كان متضعفاً، واجتمع بالنائب في جماعة، وحضر معهم الشيخ برهان الدين الناجي، وحط الحال على أن المحراب المختص بالشافعية، يعمل فيه بمذهب الشافعي، والمختص بالحنفية، يعمل فيه بمذهب أبي حنيفة، وانفصل الحال على هذا.
وفي جمادى الأولى منها، عاد من الروم قاصد السلطان بسبب الصلح، واسمه ماماي، ومعه الشيخ بدر الدين بن جمعة من أعيان العلماء الفضلاء بمصر.
وفي عاشر رجب منها، لبس القاضي برهان الدين بن القطب قضاء الحنفية، وفوض للقاضي شمس الدين الحلبي، والقاضي محيي الدين الناصري، والقاضي بهاء الدين الحجيني، والقاضي كمال الدين بن سلطان، والقاضي شمس الدين الغزي، وعمي القاضي جمال الدين بن طولون، وشرط على الجميع أن لا يحكموا إلا بالتورية.
وفي شعبان منها، اجتمع القاضي شمس الدين الغزي الحنفي عند القاضي محب الدين بن القصيف، في بستان، ونزل واغتسل في النهر الذي في البستان بحضرة الجماعة، فقال ابن القطب مستخلفه: إن هذا الفعل على هذه الكيفية مسقط للمروء.
وفي رمضان منها، عزل ابن القطب نائبه كمال الدين بن سلطان.
وفي تاسع عشر شوال منها، سافر الحاج وأميره برد بك الظاهري، وقاضي الركب شهاب الدين الحمصي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي.
وفي ذي القعدة منها، في تاسع عشره، سافر الحاجب الكبير يونس إلى مصر، وخرج عليه قطاع الطريق قريب الملاحة وأخذوا ما معه من المال، يقال عشرة آلاف دينار. وفي سادس عشريه سافر الأتابكي بدمشق، جانم مصبغة، إلى مصر متولياً تقدمة بها.
وفي ثالث ذي الحجة منها، سافر القاضي صلاح الدين العدوي إلى مصر مطلوباً. وفي يوم عرفة توفي قاضي القضاة شهاب الدين أحمد المريني المالكي، وصلي عليه بالجامع الأموي عقب صلاة الجمعة، ودفن بمقبرة باب الصغير، قريب جامع جراح، وكان له اشتغال لكن مع وقوف ذهنه، وكان سليم الخاطر أول ما تولى القضاء في عشري المحرم سنة 876، وتخللها ولاية القاضي كمال الدين العباسي في نصف جمادى الأولى سنة 879، ثم عزل في جمادى الأولى سنة 885 وقد بلغ الثمانين، وكان عفيفاً في باب القضاء، لم يقل عنه إنه ارتشى قط. وفيه توفي الشيخ محمد التونسي المالكي، وكان عالماً بفقه المالكية، وبالقراءات والنحو وغيرها، سريع الإدراك، حسن التصور.
سنة سبع وتسعين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق قانصوه اليحياوي؛ والقضاة: الحنفي برهان الدين بن القطب، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، وهو بمصر مقيماً، والمالكي وظيفته شاغرة، وفي أثنائها كما سيأتي تولى شمس الدين الطولقي التاجر، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، والأمير الكبير جانم، وهو مقيم بمصر؛ والحاجب الكبير الشرفي يونس، وهو مقيم بها أيضاً؛ والحاجب الثاني تنم؛ ودوادار السلطان أركماس الملكي؛ ونائب القلعة مملوك السلطان الأيدكي، ونقيبها الأمير تمراز القجماسي؛ ودوادار النائب مملوكه جندر، وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛ وناظر الجيش تمربغا الترجمان الأسلمي.
وفي يوم الجمعة ثاني المحرم منها، ورد كتاب من برصة، أرسله الخواجا شمس الدين محمد بن حسن الطواقي الأربلي ثم العاتكي الدمشقي، فيها أنه وصل إلى برصة يوم عيد الفطر، وأنه ليلته احترق بها ألف بيت، وأنه وجد بها وباء بالطاعون، ولكنه في أواخر شوال من السنة الماضية نقص عنهم. وفي يوم الخميس منه، أفرج عن نائب حمص الحليق من قلعة دمشق، وخلع عليه استادارية الغور، وخرج من دار السعادة بها، وهي خلعة معظمة، وذلك بمقتضى مرسوم شريف، قيل إنه كان غضب عليه السلطان وعزله عن نيابة حمص، وقبض عليه لتأخر قوده، فلما وصل قوده بعث بالإفراج عنه، وأن يفوض إليه لنائب الاستادارية المذكورة، ففعل.
وفي يوم الجمعة سادس عشره والخطيب على منبر المصلى، وجمٌ غفير بالشمس في المصلى، وإذا قد رأوا جارياً بطرفه الشرقي إلى جهة القبلة، فهرع الناس إلى طرده وضربه، فرجع من الجهة الشمالية إلى الغربية، ثم اصطيد، وذبحه رجل غريب، وقد أقيمت صلاة الجمعة بعد أن ارتج المصلى من الغوغاء.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره اجتمع أرباب صناعة القماش الحريري من كل حارة بدمشق، وحملوا أعلام الجوامع، وكبروا تجاه دار السعادة على الخاصكي الذي ورد من مصر لمصادرتهم، على كل نول حرير يأخذ شيئاً معلوماً، فلم يأخذ النائب بيدهم، ورسم له منهم بنحو خمسة عشر ألف درهم، يرمي على كل حارة بشيء معلوم، ولا قوة إلا بالله.
وفي بكرة يوم الخميس ثاني عشريه، دخل دمشق كتب الوفد الشريف. وفي بكرة يو الثلاثاء سابع عشريه دخل أوائل الحاج، وحينئذٍ لبس النائب خلعة حمراء بفرو، من القبة على العادة، ودخل دمشق ومعه أرباب الدولة، ثم فيه دخل المحمل بعد الظهر. وفي يوم الجمعة سلخه عقب الصلاة كبر بالجامع الأموي أهل قرية المزة وغيرهم، على دوادار السلطان لكثرة ظلمه لأهل المزة مراراً وضربهم، ولم يعتبر بما جرى له بمصر بسببهم، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الجمعة سابعه سافر جندر دوادار النائب، وصحبته نائب بعلبك المخصي، وصحبتهما صدقة السامري ديوان النائب، مطلوبين إلى مصر. وتولى الدوادارية الأمير قطش مضافاً لما معه من الحسبة. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره سافر قاضي الحنفية برهان الدين بن القطب، ولحقه المنفصل عن نيابة صفد الأمير يلباي للحساب بينه وبين نائبها المتصل بها أزدمر المسرطن، وقد بشر يلباي المذكور بالأمرة الكبرى. وفيه خرج من دمشق إلى الغور أستاداره المنفصل عن نيابة حمص، المشهور بالحليق.
وفي يوم الخميس بعد ظهره، سابع عشريه، صدر ولد المرحوم شمس الدين بن خطيب السقيفة، ولقبه صدر الدين، في تصدير والده بالجامع الأموي لما توفي، وحضره الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، والشيخ شهاب الدين المحوجب، والقاضي الرملي، وآخرون؛ ودرس في قوله تعالى: " إن ولي الله الذي نزل الكتاب " ، وتكلم عليها يسيراً على قدره، ثم قال تقي الدين: يكفي هذا، وسقى الحاضرين سكراً.
وفي بكرة يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول منها، رجع إلى دمشق الأمير جان بلاط، قاصد السلطان في الصلح إلى أبي يزيد بن عثمان، وقد أنعم عليه، وعلى ستة أنفار معه، بالخلع والمماليك والجواري والجمال والقماش الحرير والذهب وغير ذلك، وأنه راضٍ بما أراده السلطان منه، وكانت غيبته نحو خمسة شهور، وقد حصل للناس أمن في أوطانهم، ولله الحمد؛ وتلقاه أرباب الدولة على العادة.
وفي يوم الأحد ثامنه خرج جان بلاط المذكور من دمشق، مسافراً إلى مصر، وخلع عليه النائب خلعة حمراء بفرو سمور خاص؛ ثم وصل إلى مصر في ثاني عشرين الشهر. وفي يوم الخميس ثاني عشره لبس الأمير يلباي المؤيدي، أحد الباقين من مماليك الملك المؤيد، ولد السلطان أينال الأجرود، المنفصل عن نيابة صفد، أتابك عساكر دمشق، عوض المنفصل عنها جانم الذي تولى في الشهر قبله وظيفة أمير آخور بمصر، بعد سفره من دمشق، كما تقدم.
وفي هذا اليوم وهو ثاني عشره الأصم، جاء الأمير الشرقي قاسم بن الصارمي إبراهيم بن منجك، إلى تربة عم جده الأمير أبي المعالي عمر بن الأمير أبي الجود منجك الركني، وصحبته جماعة منهم أقضى القضاة نور الدين بن منعة الحنفي، ومعمهما شاهدان، أحدهما العالم شمس الدين الصباغ الحنفي، والآخر أحد المعدلين العكاري، ومنهم شمس الدين الطيبي النابلسي، ومعمار الوقف المعالم أبو بكر أجير عبد الوهاب، وحضر شيخنا المحيوي النعيمي، وجلس على يمين المحراب بالتربة المذكورة، على يسار الأمير يلباي، وعن يمينه القاضي المذكور.
ثم برز الشيخ محمد بن عصفور الشاكي على الأمير بمرسوم يتضمن: أن الحاجب الثاني يلزم الأمير المذكور بإخراج كتاب وقف التربة المذكورة والعمل بما فيه، طلبه يوسف مملوك ناظر الخاص بن الصابوني، فورد على يد عبد الرحمن الأخفافي، فأبرز الأمير كتاب وقف أمضاه لواقف عامله عبد الرزاق، والد الديوان شهاب الدين بن عبد الرزاق، وهو المورق، وشهد معه على الواقف عتيقة يلبغا المنجكي، ورجل آخر اسمه سليمان، فعدد فيه جهات مرسومة على باب التربة فوق العتبة العليا، وذكر فيه أن للإمام كاتب الغيبة في كل شهر مبلغ خمسة وأربعين درهماً، وللبواب المقيم المؤذن مبلغ ستين درهماً، ولعشر قراء يقرؤون كل يوم مجتمعين أو فرادى حزباً واحداً، في كل شهر مبلغ مائة وخمسين درهماً، ولعشر أيام، بشرط ألا يجاوز أحدهم مكثه أربع سنين، في كل شهر مبلغ مائة وخمسين درهماً، وفي تفرقة خبز على باب التربة كل شهر ثلثمائة درهم.
ويصرف في السنة للأيتام المذكورين كسوة مبلغ خمسمائة درهم، ومبلغ خمسين درهماً أيضاً في ثمن حبر وأقلام ودوى، وأن يجلس لهم مؤدبهم، وهو الآن الشاكي على الأمير، ومن صحوة النهار يؤدبهم ويقرئهم ويكتبهم على العادة ثم يقرأ بهم قبيل العصر مجتمعين ما تيسر من القرآن، ثم يهديه إلى الواقف وأخيه إبراهيم، ثم المسلمين، وشرطه أن يكو، رجلاً مسلماً حافظاً لكتاب الله ديناً غير متهم، وله في كل شهر مبلغ أربعين درهماً، ويصرف لرجل مسلم عالم بالحديث والنحو واللغة، فصيح اللسان، يقرأ في كل سنة في رجب ثم شعبان ثم رمضان صحيح البخاري جميعه، وفي السنة التالية صحيح مسلم، ويخم يوم سابع وعشرين منه، ويصرف في يوم العيدين في ثمن نقل يفرقه الناظر مبلغ عشرين درهماً، ويصرف في الموسمين في ثمن حلوى مبلغٍ خمسين درهماً، ويصرف في عيد الأضحى كل سنة في ثمن أضحية مبلغ مائة وخمسين درهماً، ويصرف في ثمن زيت، برسم التنوير، في كل شهر مبلغ خمسة عشر درهماً، ويصرف لرجل يأتي في كل شهر مبلغ عشرين درهماً، ولرجل يكون عاملاً يحصل ريع الوقف في كل شهر مبلغ ثلاثين درهماً.
وأن يكن النظر للأرشد فالأرشد من أولاد الوقف، إن كان، ثم الأرشد فالأرشد من أولاد أخيه إبراهيم، ثم أولادهم، وأولاد أولادهم، فإن لم يوجد أحد منهم يكون لخطيب المسلمين، ثم لحاكمهم، وشهد الشهود على الواقف مرتين، الأولى في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، والثانية في سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وأدوا على عز الدين بن العز معتوق بن الكشك الحنفي، وشهدوا أيضاً بالملك والحيازة بذيل الكتاب في رسم شهادتهم، ولم يحكم القاضي بصحة ذلك.
قال شيخنا النعيمي: وتريبنا ذلك لوجوه، الأول كون ذلك في الوارث للواقف، وأنه عمل ذلك في حياته إن صح ذلك، والثاني كونه لم يذكر في التربة سوى قاعتين، وبها أربع قاعات، الثالث لم يذكر أخلية التربة الثنيتين المعروفتين داخلها، الرابع جعل حدها من القبلة قليط وإنما هو غربيها، الخامس جعل حدها من الشرق مسجد الذبان، وإنما مسجد البص، ومسجد الذبان شمالي السكة، السادس لم يذكر الحاصلين جوار المعصرة، وهما بناء الواقف، السابع لم يذكر نصف سوق الهواء، ولا البستان بالمحاجية، ولا السوق بالمنيبع، والفرن بها، الثامن لم يذكر ثمن الحصر ولا البسط ولا القناديل، ولا أجرة الشاوي ولا المجاورين ولا شيخهم؛ وفي اليوم المذكور حكم القاضي المذكور بمنع حمدان من التعرض لخلاء التربة، ولا يمنع منه الدخول لأحد.
وفي هذه الأيام أتى رجل يعرف بابن الذئب، من قرية داريا، من مصر، وعلى يديه مرسوم إلى نائب السلطنة، بأخذ حقه ممن قتل ولده وهو خطيب داريا، وجماعة آخرون عاصون، فنادى النائب لأهل داريا بالأمان، بحيث أمن الجماعة المذكورون، فبيتهم ابن الذئب المذكور، وأتى ليلة الخميس تاسع عشره وأعلم بهم النائب فأرسل سرية بالليل وأمسكهم، وقطع رأس الخطيب المذكور، وولده ثلاثة رؤوس آخرين، وقبض جماعة، وعلقوا الرؤوس في رقابهم ودخلوا بهم ينادي عليهم: هذا جزاء من يقتل التي حرم الله ويعصي، فلما وصلوا إلى النائب أمر بصلب المقبوض عليهم ويتوسيط جماعة منهم، ولا قوة إلا بالله.
وفيه ورد مرسوم شريف إلى نقيب قلعة دمشق بأن يأخذ من كل مذهب قاضياًَ وشهوداً معتبرين، وأن يأخذ معمار السلطان والحجارين، وأن يسافروا إلى قرية كفر دانس، وأن يحفروا في جبل هناك مغارة بها مطلب، وكان ذهب دفن الجاهلية، فيعطى خمسه للفقراء والباقي يحمل بعد ضبطه ويوضع بقلعة دمشق، وإن لم يوجد شيء في ذلك فلا يغرم أحد من الذين سعوا في ذلك، ولا يتعرض لهم، فسافر الجماعة المذكورون يوم السبت حادي عشريه، ثم بعد أيام رجعوا، ولم يروا شيئاً بعد تعب شديد، ومدة غيبتهم أربعة أيام، ولا قوة إلا بالله.
وفيها ورد من مصر كتاب بأن وظيفة قضاء المالكية قد خرجت باسم شمس الدين الطولقي المالكي، التاجر في حانوت يومئذٍ بدمشق، وأن تقليده أخذه قاضي الشافعية شهاب الدين بن الفرفور، الذي هو الآن بمصر، وهو السبب في ذلك. وفي يوم الخميس سادس عشرينه وصل الأمير ماماي من حلب إلى دمشق، بعد أن أصلح بين أهل حلب ونائبهم.
وفي يوم السبت رابع ربيع الآخر منها، شاع بدمشق موت أزدمر نائب حلب؛ وأن أزبك الظاهري، أتابك مصر، أمره السلطان بالذهاب إلى مكة. وفي يوم الاثنين رابع عشره وصل الخبر إلى دمشق بأن الحاجب الكبير بها، الذي سافر إلى مصر في السنة الماضية، خرج من مصر يوم الجمعة رابع الشهر؛ وأن برهان الدين بن المعتمد تولى نيابة تدريس الأتابكية بالصالحية، وتدريس الشامية الجوانية.
وفي يوم الخميس خامس عشريه رجع من مصر الحاجب الكبير بدمشق يونس، وصحبته دوادار النائب كان، جندر، مخلوعا عليهما، وصحبتهما خلعة للنائب؛ وكان يوماً شديد الوحل، فيه بعض ثلج أتى ليلاً، ثم ذاب، وجدت المزاريب حال دخولهم.
وفي يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى منها، تكلم المعمارية بدمشق في ميل مئذنة جامع حسان، وأنها آيلة إلى السقوط على جهة الشرق، فخاف الناس، فنقضت في يوم الاثنين بعده. وفي هذه الأيام نقض أيضاً حمام قصيعة، قبلي المئذنة المذكورة. وفي يوم الاثنين سابع عشريه دخل راجعاً من مصر إلى دمشق القاضي الشافعي، وصحبته برهان الدين بن المعتمد، وتلقاهما أرباب الدولة والناس على العادة، ودخل بخلعة حمراء، وعليها فروة سمور، وكان يوماً مشهوداً، ومدة غيبته سنة وأربعة شهور إلا ستة أيام، ومدة غيبة برهان الدين سنة وسبعة شهور وثلاثة عشر يوماً.
وفي يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة منها، لبس قاضي المالكية شمس الدين محمد الطولقي، التاجر بسوق جقمق ثم كان بسوق تجار خان السلطان، تحت القلعة، وقريء توقيعه على العادة تجاه محراب الحنفية، أتى بتوقيعه على يد القاضي الشافعي، وتاريخه مستهل ربيع الأول منها. وفي ثاني يوم وهو يوم الجمعة حضر الشافعي إلى باب الخطابة بالجامع، ولم يكن معه أحد من المعتبرين بل وحده، فرأى سجادات القضاة الحنفي والمالكي ثم الحنبلي إلى جانب سجادته، فدخل بيت الخطاب ليخطب، فلما قربت الصلاة أتى الحنفي ثم الحنبلي، وأبطأ المالكي الجديد فأتى ومعه جماعة قلائل، منهم الطرابلسي، وصهر المريني، وهو مطيلس، خلفهما، فدخل وجلس تحت الحنفي فوق الحنبلي، ولم يصل سنة الجمعة على ...
سنة تسعة وتسعين وثمانمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب، وسلطان مصر والشام الملك الأشرف أبو النصر قايتباي، ونائبه بدمشق قانصوة اليحياوي؛ والقضاة: الحنفي وظيفته شاغرة، ثم وليها في أثناء هذه السنة كما سيأتي محب الدين ابن القصيف، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شمس الدين الطولقي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير يلباي؛ والحاجب الكبير الشرفي يونس، والحاجب الثاني تنم؛ ودوادار السلطان أركماس، ونائب القلعة برد بك، ثم وليها يخشباي؛ ونقيبها قانصوه الفاجر؛ وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛ وناظر الجيش تمربغا الترجمان الأسلمي؛ ودوادار النائب قطش.
وفي يوم السبت مستهلها خلع بنيابة القلعة للأمير برد بك أحد مماليك السلطان، فدخل القلعة متضعفاً على نية أن يلبس تشريفه إذ طاب بعد أيام، فقضى نحبه عشية الاثنين ثالث هذا الشهر المحرم. وفي يوم الاثنين عاشوراء، أمر النائب بتوسيط نصراني اسمه إسحاق اللحام، لأجل أنه قتل زوجته التي كانت ترضع ولده منها، لكونها فرضت عليه فرضاً دراهم؛ فوسط على باب بيتها بحارة النصارى.
وفي صبيحة يوم السبت ثاني عشريه دخلت كتب الوفد الشريف إلى دمشق، وأخبروا عن الحاج بغلاء كثير، وعطش شديد، وموت الظهر، وأن الركب الحلبي سافر على طريق راشدة، فوجد ماءً كثيراً، بخلاف الركب الشامي، وأن الوقفة كانت في يومين: الجمعة والسبت، وأن الشاش والإزار كثير؛ ثم دخل الوفد الشريف يوم السبت تاسع عشرينه.
وفي صبيحة يوم الأربعاء ثالث صفر منها، رئي الشاب العطار يوسف بن الوصواص العاتكي مقتولاً عند القصر الظاهري. وفي يوم الأربعاء عاشره قتل الأزعر علي بن بلغان، رفيق صيور الشاغوري، سلط النائب عليه من قتله، فذهب أخو المقتول إلى والي الشاغور ابن العماد فقتله، وكبست الشاغور، على أن يمسك صيور مماليك النائب، فلم يقدروا عليه، فخافت امرأة من الشاغور لها بنت قد آن دخلوها على زوجها، فهربت من الشاغور بجهازها إلى عند أخت لها بالسويقة المحروقة، مرعوبة، فسقطت على باب أختها فماتت في الحال، فهذه ثلاثة أنفس بجريرة صيور أيضاً.
وفي يوم الخميس حادي عشره اجتمع الجم الغفير بالجامع الأموي، ومنعوا آذان الظهر والعصر إلا على باب المئذنة بالرواق؛ وكبروا على دوادار السلطان، لكونه مسك اثنين من جماعة الشيخ مبارك، لكونهم منعوا الحمارين من المجيء إلى دمشق. وفي يوم الأحد حادي عشرينه شاع بدمشق موت جماعة من نواب المملكة، منهم أزدمر نائب حلب، بعد تسحب ولده المطلوب إلى مصر، ومنهم أزدمر المسرطن نائب صفد.
وفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول منها، سافر نائب الشام والأمير الكبير ودوادار السلطان، محرضون للقبض على ابن ساعد وابن إسماعيل، بمعاملة عجلون، لعصيانهما، وإرجافهما. وفي يوم السبت ثاني عشره سافر القاصد بالجماعة المزيين الذين بالحبس، من جهة قتل الزيني عبد القادر بن الشيراجي المتقدم ذكره، وذكرهم. ثم في اليوم رجع بأكبرهم، وهو شعبان، لكونه على خطة الموت كما قيل، ثم بعد يومين من سفرهم شاع بدمشق أن جماعة منهم فكوا الزنجير من رقابهم وهربوا.
وفي هذه الأيام خرج من مصر ورجع إلى دمشق قاصد ابن عثمان، ومعه من الهدايا والتحف على كثرة أنواعها، من خيل ورقيق ومعادن وجواهر وسلاح وغير ذلك، ودخل دمشق مدخلاً عظيماً مع غيبة النائب. وفي يوم الاثنين سابع عشرينه، وهو سادس كانون الثاني، وكان يوماً كثير الوحل، ودخل من مصر إلى دمشق نائب قلعتها الجديد عوضاً عن الأيدكي المطلوب إلى مصر، المصادر من مدة، وهي شاغرة، واسم هذا الجديد يخشباي. وفي عشية يوم الأربعاء سلخه رجع النائب إلى دمشق مع أناس قلائل، وقد كاد أن يموت، وقيل إنه سقط عن فرسه من كثرة الثلج في بلاد حوران ودمشق، فإنه أتى من يوم الخميس المار، واستمر إلى الآن ماكثاً.
وفي ليلة الخميس ثامن ربيع الآخر منها هلك في الحبس شعبان الحوراني، ثم المزي، أكبر الشاغرين، ثم المباشرين، لقتل الزيني بن الشيراجي، وأخذ من الحبس إلى المزة ودفن بها، وكان عليه آثار الإجرام ظاهرة، بعد أن كان في أوائل أمره قرأ شيئاً من القرآن بالمدرسة المنجكية، ثم أقرأ الصغار بالمزة، ثم صار من أعيانها، ونم على أهلها عند أستاذها، ورافع بن الشيراجي إلى مصر، ثم رجع واستمر يحط عليه، حتى هجم عليه مع جماعة بيت ابن الرجيحي، فقتله كما تقدم.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره سافر إلى مصر مطلوباً ابن الرجيحي الذي قتل ابن الشيراجي ببيته، ليشهد على القاتلين رفقاء شعبان الذي هلك بدمشق، وهم أخذوا إلى مصر. وفي هذه الأيام استقر أينال نائب طرابلس في نيابة حلب، وآقباي نائب غزة استقر في نيابة صفد.
وفيه وقعت فتنة بين دوادار السلطان والحاجب الثاني بدمشق، الساكنين يومئذ بالسكة الآخذة من الشامية الكبرى إلى جامع التوبة، وقتل وجرح جماعات، واستمر في ذلك أياماً، وطلب الدوادار من النائب أن يرسم له بجماعة يمسكوه ويصعد به إلى القلعة، فأبى النائب ذلك حتى يأتي مرسوم السلطان. وفي هذه الأيام تضاعف وقوف حال الناس بسبب كثرة وقوع الثلج والجليد من أول الأصم إلى آخره، حتى وصل الثلج إلى مصر على ما قيل، ومات دواب كثيرة، وغلا سعر اللحم حتى صار رطله بخمسة دراهم، وسعر القمح حتى صارت الغرارة بنحو الأربعمائة.
وفي يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى منها، قرئت المراسيم التي وردت من مصر بعزل دوادار السلطان وتوليته أمرة الحج، وأن الأمير ميسرة أمير الحج برد بك يكون مكانه بالدوادارية، زيادة على أمرة الميسرة، وأن الحاجب الثاني، معزولاً منها، باقياً على أمرة بيده؛ ووردت الأخبار بأن السلطان أمر بضرب القاضي محي الدين بن الرجيحي بالمقارع، فشق ثيابه لذلك، فشفع فيه كاتب السر، وضرب أخو شعبان بالمقارع.
وفي يوم الخميس خامس جمادى الآخرة منها، لبس دوادار السلطان المعزول أمرة الحاج، وأمير الحاج المعزول مكانه. وفي بكرة يوم الاثنين سادس عشره دخل من مصر إلى دمشق كاتب سرها المحب الأسلمي، وهو ناظر القلعة، مخلوعاً عليه، ولاقاه النائب والجماعة على العادة.
وفي يوم الاثنين ثامن رجب منها، دخل من مصر إلى دمشق حاجب ثاني، عوضاً عن تنم المعزول، وتلقاه أرباب الدولة على العادة، واسمه برسباي. وفيه لبس القاضي محب الدين بن القصيف خلعة بقضاء الحنيفة، وفوض لجماعة منهم: شمس الدين بن الشيخ عيسى، ومنهم عز الدين بن حملان. وفي ليلة الثلاثاء تاسعه قدم من صفد العلامة محب الدين أبو الفضل بن الإمام، ونزل ببيت حميه شمس الدين بن كامل، وسلم عليه من فر من دمشق لأجله القاضي الشافعي، فرضى عليه لذلك.
وفي ليلة الخميس ثامن عشره، قريب وقت ثلث الليل، احترق مربع باب الجابية وشماليها وشرقيها إلى الباب، وذهب فيه للناس أموال كثيرة، وغالبها نهبت قبل وصول الحريق إليه، سيما الحريرية والشماعين والحبالين والحدادين. وفي هذ الأيام هبط سعر القمح إلى ثلاثمائة وخمسين، بعد أن كانت غرارته وصلت إلى الخمسمائة. وفيها نزل صانع حمام بيدمر، أحمد القزيزاتي، إلى الماء الذي بقدرة الحمام ليسد العيب الذي بها على عادته، فمات وتعلق الظلمة على معلم الحمام.
وفي يوم الثلاثاء مستهل شعبان منها، دخل من مصر إلى دمشق الدوادار الثاني للمقام الشريف، ماماي، ماراً في الرسلية إلى ابن عثمان، وأثنى عليه الناس في سفره، فإنه لم يأخذ من التجار شيئاًُ ولا مكن الخفر منهم، ونزل بالقصر، وكان معه تحف كثيرة، منها أربع خيول خاصات لم ير الراؤون مثلهم. وفي ليلة الأربعاء ثانيه وقت العشاء احترق الفرن وما فوقه وحوله قبلي التربة التي بالحدرة، بمحلة القربيين، فأدركت وأطفئت.
وفي يوم الخميس سابع عشره أسلم صدقة السامري، الذي كان دخل في مظالم الناس بدمشق، ثم صودر وحبس بالقلعة، فلما أسلم يومئذ أخرج منها، وخلع عليه أرباب الدولة، وحكم بإسلامه القاضي الشافعي، وحصل له إكرام، ثم عاد باختياره إلى القلعة حتى يأتي جواب السلطان، ثم في ثاني يوم أتى إلى الجامع الأموي إلى عند بيت الخطابة فصلى ركعتين، ثم جلس إلى أن جاء الشافعي فقام له، ثم صلى الجمعة خلف ظهره، ثم رجع إلى القلعة.
وفي يوم الجمعة ثاني رمضان توفي المملوك الذي أتى من مصر من شهور للانتقام من الحاجب الثاني المعزول، بسبب كونه اتهم بقتل أخيه الذي كان من جماعة دوادار السلطان المعزول، واتهم الحاجب الثاني بأنه سبب موته، فإنهما قبل ذلك تخاصما في مكان، وأراد هذا المملوك قتله، فرد الحاجب الثاني عن نفسه، فأصاب طرف زنده فورم ثم سرى وتوفي يومئذٍ، وذهب النائب وصلى عليه مع أرباب الدولة، خلا الحاجب الكبير فإنه أتى إلى الجامع الأموي متأخراً، وصلى إلى جانب القاضي الشافعي، وكان إلى جانبه الآخر القاضي الحنفي.
ثم لما سلم الخطيب سراج الدين قال المرضى عن أخباره وهو إبراهيم السوبيني، أحد العدول، للمؤذنين، الصلاة غائبة على غائبين، ولم يدر من هما، فصلى الناس على ما صلى عليه الإمام، وامتنع القاضي الشافعي ومن معه لكونهم لم يعلموا على من صلي، وكانت العادة أن يصلي بالجامع الأموي على غائب إلا بإذن القاضي الشافعي، ثم تبين أن الرجلين الغائبين شخصان من الأروام، أتيا للحج فماتا في الطريق قبل الدخول إلى دمشق.
ثم في أخر هذا اليوم قبض أمير الحاج أركماس الشيخ مبارك تلميذ العداس، ورجلاً آخر، وبعث بهما إلى دار السعادة، فضربهما النائب، وأمر بحبسهما، وقال الشيخ مبارك: إن كان لك سر فأظهره، حنقاً عليه لكونه كان يمنع جلابة الخمر جلبة، فسمع القاضي الشافعي بمسكه، فأرسل وأخرجه من الحبس.
ثم في يوم السبت رابعه أتى جماعة من القابون إلى حبس باب البريد، فكسروه وأخرجوا منه رفيق الشيخ مبارك، وهرب من في الحبس، فجاءت إليهم مماليك النائب من دار السعادة بالسلاح، فقتلوا جماعات منهم ومن أهل الصالحية، وندرة، وغيرهم، أكثر من مائة وخمسين، عند باب البريد، وباب العنبرانين، وعند قبر زكريا عليه السلام بالجامع الأموي، وتخبطت دمشق، وامتنع القضاة من الحضور بيوم الاثنين بدار العدل، ولا قوة إلا بالله، وفي عشية يوم الجمعة سادس عشره وصل نجم الدين بن الخيضري من مصر إلى دمشق، وتوعك.
وفي يوم الاثنين ثامن عشر شوال منها، خرج الحاج من دمشق، وأميرهم أركماس. وفي يوم الأحد رابع عشريه رجعت المزيربية منه، وأخبروا بالرخاء والخير الكثير.
وفي يوم الأحد مستهل ذي القعدة منها، حفر في الزاوية القلندرية، جوار القبة الظاهرية، التي بمقبرة باب الصغير، قبلي بلال رضي الله عنه، عن ناووس حجر، فإذا هو مكتوب عليه اسم فاطمة بنت أحمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب و، قد أحكم بناؤه عليها، وبجوارها نصيبة عليها مكتوب إنه قبر الحافظ ثقة الدين أبي القاسم علي بن العساكر، مؤرخ الشام، توفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وفي ليلة السبت ثامن عشريه احترق المسمط وما حوله بين العقيبة والعلبيين. وفي ثاني ليلة، ليلة الأحد تاسع عشريه، احترق حوانيت تجاه حمام جكارة، الذي بجانب خندق السور.
وفي يوم الاثنين مستهل ذي الحجة منها، قبض على شمس الدين الطولقي قاضي المالكية، بمرسوم شريف ورد من مصر على يد مملوك، ووضع بالقلعة، ثم سافروا به صبحة يوم الاثنين ثامنه بعمامة صغيرة وقد اصفر وجهه، وقدامه جماعة وخلفه مماليك، وبجانب فرسه ماشيان عن يمينه وشماله. وفي يوم السبت آخر أيام التشريق، دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، مبشر النيل، بخلعة بطراز، وتلقاه النائب على العادة.
ثم في يوم الاثنين خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق خاصكي حواط على تركة نائب حماة بخلعة بطراز، وتلقاه النائب على العادة أيضاً. وفي هذه الأيام اعتنى النائب بنقل المشنقة إلى جانب مئذنة الشحم، ونصبها على التل الذي هناك مع علوها وعلوه، بحيث قارنت المئذنة المذكورة، وشنق بها جماعة، وكثر الدعاء عليه بسبب ذلك، ورؤيت من مصلى العيدين مع بعده، ورؤيت من محلة قبر عاتكة أيضاً.
وقال الشهاب الحمصي في ذيله: وفي يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى منها، منعت زين الدين الصفوري، المحدث من القراءة بالجامع الأموي، ومن غيره، وأمرت بشيل كرسيه من الجامع الأموي، وسببه أنه جمع كتاباً سماه: نزهة المجالس وذكر في أحاديث موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أحضر الكتاب المذكور وذكر أنه تاب ورجع عن الأحاديث الموضوعة فيه، وأنه لا يعود لذلك، والله يعلم المفسد من المصلح.
وفي يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة منها، اجتمع أهل الصالحية وصنعوا ضيافة عظيمة حضرها خلق، وسبب ذلك أشياء، منها عزل دوادار السلطان أركماس عنهم، ومنها عزل الوالي الذي ولاه أركماس هذا عليهم، وكان عبداً هندياً لابن التونسي، وكان جدد مظالم عظيمة، ومنها أنهم قتلوا شخصاً من أعوان الظلمة، فعمل عليهم النائب مصلحة خمسمائة دينار، فوقفوا لقاضي القضاة بن الفرفور، فمنع النائب من ذلك، وغوش عليه في دار العدل. وفيه قتل الخواجا شمس الدين بن التونسي ببلاد بعلبك، ونقل إلى .. .
سنة تسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق قانصوه اليحياوي؛ والقضاة: الحنفي محب الدين بن القصيف، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شمس الدين الطولقي، وقد سافر إلى مصر مطلوباً، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير الأتابكي يلباي؛ والحاجب الكبير الشرقي يونس؛ والحاجب الثاني تنم؛ ودوادار السلطان برد بك؛ وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛ وناظر الجيش تمربغا القجماسي وهو كاتب الخزانة؛ ونائب القلعة يخشباي؛ ونقيبها قانصوه الفاجر؛ ودوادار النائب قطش .
وفي يوم الأربعاء ثامن المحرم منها، ورد مرسوم شريف بطلب جماعات، منهم كاتب السر الأسلمي لشكوى نصارى السلطان عليه، وعلى من حضره من شهود دمشق وغيرهم، وهم البرهان السوبيني، وهو المورق في القضية المشتكي بسببها، والزيتوني، وعبد الوهاب بن القصيف؛ وابن شهلا، ونقيب الشافعي ابن سليم، ونور الدين الحمصي، وشهاب الدين الحمراوي .
وفي يوم الاثنين ثالث عشره قدم هجان من الوفد على يده كتب من أمير الحاج أركماس، وخلع عليه النائب .
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه وصلت كتب الحاج وأخبروا أن العرب عوقوهم؛ وشاع موت محب الدين بن سالم أحد عدول دمشق الكبار، بمكة، له بعض اشتغال وذكاء، وكان نقيب قاضي القضاة البلقيني، توفي في شعبان .
ثم ورد الخبر يوم الثلاثين منه بأن الحاج لما خرج من العقبة، قبل وصوله إلى معان، قبض العرب عليه وعلى أكابره، وأما أمير الركب، قاتله الله، فكابر وبرز بحريمه وجماعته عن الحاج، فطمع فيه، ثم اشترى الحاج نفسه بمال كبير، ثم لما وصلوا إلى الحسا نهب المال والحريم، ولم يدخل إلى دمشق حمل من الحاج، ومات نساء كثير برداً وجوعاً، وكذلك الأطفال، وذهب جماعة منهم إلى الشوبك، ولم نسمع بمثل ما جرى عليهم، ولا قوة إلا بالله .
وفي هذه الأيام انتقل قاضي الحنابلة نجم الدين بن مفلح من دار الحديث الأشرفية بالصالحية إلى المدينة، وسكن في بيت سودون، بحارة الأفتريس، شرقي المدرسة الركنية الشافعية، داخل باب الفراديس .
وفي ليلة الجمعة ثامن صفر منها نزل الحرامية من زقاق حارة الحمزاوية غربي حارة اللبانة، ومعهم سلم، إلى درا شيخنا المحيوي النعيمي، فأخذوا جهاز زوجته فاطمة بنت جمعة، ولم يفتحوا باباً، ولا قوة إلا بالله.
وفي ليلة السبت تاسعه دخل من البلاد الرومية إلى دمشق قاصد السلطان ماماي، خفية، ليلاً في محفة. وفيه شاع بدمشق موت قاضي الحنابلة بحلب التاذفي .
وفي يوم الجمعة خامس عشره سافر إلى مصر القاصد المذكور وخرج معه خلق كثير، منهم ثلاثة نواب للشافعي: الشهاب الحمصي، والفخر الحموي، والكمال بن خطيب حمام الورد، قاصداً للقاضي .
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه بعد صلاتها، جلس القاضي الشافعي ببيت الخطابة، ودخل عليه جماعة يسألونه شيئاً يوفون به الدين الذي عليهم من جمال حجتهم، ولكسوتهم وجوعهم، لما أخذوا مع الركب، فأعطاهم مائة درهم؛ ثم حضر القاضي البرهاني بن المعتمد، فسأله لهم فوضع يده في جيبه وأطال ذلك، ثم أخرج لهم اثني عشر درهماً فوضعها في يدهم، فسألهم القاضي الشافعي: كم هي ؟ فقالوا: هي اثنا عشر درهماً، فضحك بسبب ذلك غضباً عليه، ثم تهكم عليه فزادهم مثلها، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم السبت ثالث عشرينه فوض القاضي الشافعي نيابة الحكم بدمشق، لشيخنا محيي الدين النعيمي.
وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الأول منها، لبس النائب خلعة الشتاء. وفيه ودع الخاصكي الذي كان أتى على حوطة نائب حماة .
وفي ليلة السبت ثالث عشر ربيع الآخر منها، قتل بميدان الحصى أحمد بن العواني المشهور بدمارة، الذي مات من سنين، وشمت الناس بقتله كما شمتوا بموت أبيه، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الخميس ثاني جمادى الأولى منها، دخل من حلب إلى دمشق الأمير قرقماس التنمي، بالأمر الشريف حاجباً كبيراً لها، عوض يونس المتوفي، وتلقاه الناس على العادة إلى المصطبة، وقد شاع في الناس أنه رجل عاقل، اللهم اعط المسلمين خيره .
وفي بكرة يوم الاثنين ثالث عشره دخل من مصر إلى دمشق الأمير أركماس، الذي كان سبباً لنهب الحاج كما مر، ثم طلب إلى مصر فصودر، ثم عاد على أمرة الميسرة كما كان، ودخل يومئذ دمشق، قاتله الله .
وفي بكرة يوم الخميس سادس عشره حضر النائب بدار العدل مع القضاة وأرباب الدولة على العادة، فشكى عبد الرحمن ابن قاضي زرع، التاجر بسوق جقمق، وهو رجل عنده كبر، على الحاجب الكبير، لكونه طلبه لمشيخة سوق جقمق فامتنع، ثم شم منه رائحة خمر فضربه ضرباً مبرحاً، فغوش الناس على الحاجب والنائب، فأظهر الحاجب حقاً على النائب، فأشار في كلامه إلى القضاة، فقام القاضي الشافعي وغوش وتكلم كلاماً بليغاً في حق الحاجب، وأظهر في كلامه العتب على النائب، وقال: أنت مطالب بردعه، وكلنا لك تبع في الحق .
وفي هذه الأيام ورد من مصر مرسوم بطلب جماعة شكا عليه المعلم أحمد، مستأجر سوق المارستان، بأنهم قد تعصبوا عليه مع القاضي الشافعي، الناظر على المارستان، وشهدو وحكم عليهم حاكمان: شهاب الدين الرملي نائب الشافعي، ومحيي الدين الرجيحي نائب الحنبلي، فطلب الرملي، وشهاب الدين الشارعي المصري المالكي، وشهاب الدين الحمراوي الدمشقي الشافعي، والعماد الموقع، والزيتوني، وجماعة المارستان، وهم: نجم الدين القطبي، وبهاء الدين الباعوني، وصلاح الدين العدوي، وجماعته .
وفي يوم السبت ثالث جمادى الآخرة منها، ورد مرسوم شريف بجعل رطل دمشق كرطل مصر، والأوقية كأوقية مصر، لأن الذهب الذي أخذ من دمشق مع ماماي الخاصكي لما أتى عند ابن عثمان وأخذه معه ووزن ... كصنج مصر، فنودي بدمشق بذلك، وأكل المحتسب بسبب ذلك مالاً كثيراً .
وفي يوم الخمبيس ثامنه سافر صلاح الدين العدوي إلى مصر .
وبعد الصلاة يوم الجمعة تاسعه صلى الناس بالجامع الأموي غائبة على العلامة جلال الدين السيوطي، توفي بمصر، ورأيت بخط شيخنا المحيوي النعيمي أنه صلى عليه بالجامع المذكور عقيب الجمعة خامس عشر سنة إحدى وتسعمائة، وميلاده في رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره دخل دمشق نهب إبل بني مدلج من العرب، قريب ألف ناقة وحمل وفصلان صغار، تجأر بصوتها الأمهات على أولادها، وأولادها على أمهاتها، حتى حزن الناس عليهم، ثم وضعوا في خان الجورة، وفارقوا بين الفصلان وأمهاتهم بالأكل والبيع، فزادوا في الجأر إلى الله، حتى سمعت من مكان بعيد، ولا قوة إلا بالله، ودخل معهم عدة رؤوس مقطعة من العرب المذكورين .
وفي يوم السبت مستهل رجب منها، تحرك سعر القمح، ولا قوة إلا بالله. وفي هذه الأيام تواترت الأخبار بأن بلاد ابن عثمان مخبطة، وأن بني الأصفر زحفوا على بلاده، وهو في شدة منهم. ودخل إلى دمشق من حلب نائب قلعتها الأمير كرتباي من أقارب الدوادار الكبير بمصر، ليكون نائب صفد. وأتى لتلقيه أكابر صفد، ثم سافر من دمشق إليها يوم الاثنين رابع عشريه .
وفي بكرة يوم الخميس سابع عشريه سافر القاضي الشافعي من دمشق إلى مصر، وخلع عليه النائب خلعة بيضاء بمقلب سمور .
وفي يوم الجمعة سابع عشرين شعبان منها، وجد صبي مميز مذبوحاً بخرابة على مكان حمام قصيفة، بمحلة قصر حجاج، وصودر أهل المحلة بسببه، وأبواه معروفان .
وفي غداة يوم الجمعة تاسع عشر رمضان منها، نهب جماعة نائب القلعة سوق السلاح، وشرع يحصن القلعة بآلات الحصار، فتخبطت دمشق وكثر الكلام واختلفت الظنون، حتى قطع غالب الناس بموت السلطان، وأنه ورد إلى نائب القلعة المذكورة مكاتبة المصريين بوفاة السلطان، وأنه لم يتجدد سلطان، واشتهر هذا الظن، بل نطق به جماعات، واستمر إلى بعد صلاة الجمعة، ثم ظهر أن سبب ذلك أنه وقع بينه وبين قطج دوادار النائب لأجل بعض الناس، فأصلح بينهما النائب وخلع عليهما، فدل ذلك على سخافة عقل نائب القلعة وقلة حرمة النائب ولا قوة إلا بالله .
وفي ليلة الأحد حادي عشرينه سافر قطج إلى مصر، سفره أستاذه النائب، وكان قد طلبه السلطان قبل هذه القضية، فسافر ليعرضها على السلطان، وينظر ماذا طلب بسببه .
وفي يوم الثلاثاء نادى النائب بالزينة، كما فعل بمصر وغيرها لعافية السلطان ونزوله إلى الحوش، فزينت دمشق غصباً لوقوف الحال، وكثرة الأراجيف والحزن لما جرى على أهل حماة من نائبها آقباي، واجتماع نائب حلب وطرابلس وحمص بها، وضرب نائبها فيهم بالسيف، ونهب الحريم وسبيهم وقتل الصغار، وذهب في نهر العاصي خلق كثير غرقاً، وحصل بسبب الزينة فساد كثير من عدة أنواع، في مثل هذا العسر، نهباً بالليل، ولا قوة إلا بالله.
وبين العشاءين ليلة الثلاثين منه، وقع حريق تحت طارمة القلعة، حتى وصلت النار إلى مسجد النحلة، واحترق جسر الزلابية والحديد، وجميع ما بينهما .
وفي يوم الجمعة ثالث شوال منها، خطب الشيخ سراج الدين بن الصيرفي على منبر الأموي، فلم يكمل الخطبة حتى حصل له قولنج منعه من النزول إلى المنبر، فأشار إلى بعض الناس أن يصلي بالناس، فصلى بهم، وسراج الدين مستمر على المنبر لم يصل، ثم بعد الصلاة أنزل مغمى عليه إلى قدام بيت الخطابة؛ ثم تحامل إلى بيته .