كتاب:السيرة النبوية
المؤلف:أبو الحاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي
الحمد لله الذي ليس له حد محدود فيتوى و لا له أجل معدود فيفنى و لا
يحيط به جوامع المكان و لا يشتمل عليه تواتر الزمان و لا يدرك نعمته
بالشواهد و الحواس و لا يقاس صفات ذاته بالناس تعاظم قدره عن مبالغ نعت
الواصفين و جل وصفه عن إدراك غاية الناطقين و كل دون وصف صفاته تحبير
اللغات و ضل عن بلوغ قصده تصريف الصفات و جاز في ملكوته غامضات أنواع
التدبير و انقطع عن دون بلوغه عميقات جوامع التفكير و انعقدت دون استبقاء
حمده ألسن المجتهدين و انقطعت إليه جوامع أفكار آمال المنكرين إذ لا شريك
له في الملك و لا نظير و لا مشير له في الحكم و لا وزير و أشهد أن لا إله
إلا الله أحصى كل شيء عددا و ضرب لكل امرئ { ليهلك من هلك عن بينة و يحيى
من حي عن بينة } و أشهد أن محمدا عبده المجتبى و رسوله المرتضى بعثه
بالنور الساطع و الضياء اللامع فبلغ عن الله عز و جل الرسالة و أوضح فيما
دعا إليه الدلالة فكان في اتباع سنته لزوم الهدى و في قبول ما أتى به وجود
السنا فصلى الله عليه و على آله الطيبين
أما بعد فإن الله اختار
محمدا صلى الله عليه و سلم من عباده و استخلصه لنفسه من بلاده فبعثه إلى
خلقه بالحق بشيرا و من النار لمن زاغ عن سبيله نذيرا ليدعو الخلق من عباده
إلى عبادته و من اتباع السبيل إلى لزوم طاعته ثم لم يجعل الفزع عند وقوع
حادثة و لا الهرب عند وجود كل نازلة إلا إلى الذي أنزل عليه التنزيل و
تفضل على عباده بولايته التأويل فسنته الفاصلة بين المتنازعين و آثاره
القاطعة بين الخصمين
فلما رأيت معرفة السنن من أعظم أركان الدين و
أن حفظها يجب على أكثر المسلمين و أنه لا سبيل إلى معرفة السقيم من الصحيح
و لا صحة إخراج الدليل من الصريح إلا بمعرفة ضعفاء المحدثين و كيفية ما
كانوا عليه من الحالات أردت أن أملي أسامي أكثر المحدثين و من الفقهاء من
أهل الفضل والصالحين و من سلك سبيلهم من الماضين بحذف الأسانيد و الاكثار
و لزوم سلوك الاختصار ليسهل على الفقهاء حفظها و لا يصعب على الحفاظ وعيها
و الله أسأل التوفيق لما أوصانا و العون على ما له قصدنا و أسأله أن يبني
دار المقامة من نعمته و منتهى الغاية من كرامته في أعلى درجة الأبرار
المنتخبين الأخيار إنه جواد كريم رؤوف رحيم
[ أخبرنا أحمد بن
مكرم بن خالد البرتي ثنا علي بن المديني ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن يزيد
ثنا خالد بن معدان حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي و حجر ابن حجر الكلاعي
قالا : أتينا العرباض بن سارية و هو ممن نزل فيه { و لا على الذين إذا ما
أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه } فسلمنا و قلنا : أتيناك زائرين
و عائدين و مقتبسين فقال العرباض : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم
الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون و وجلت
منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله ! كان هذا موعظة مودع فماذا تعهد
إلينا ؟ قال : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن عبدا حبشيا مجدعا
فإنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا ! فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين
المهديين فتمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور !
فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة ] قال الوليد : فذكرت هذا الحديث لعبد
الله بن العلاء بن زبر ؟ فقال : نعم حدثني بنحو من هذا الحديث
قال
أبو حاتم : إن الله جل و علا اصطفى محمدا صلى الله عليه و سلم من بين خلقه
و بعثه بالحق بشيرا و نذيرا و افترض على خلقه طاعته و مذكوره و حدثنا فقال
{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و رسوله و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم
في شيء فردوه إلى الله و رسوله } و قال { و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا
قضى الله و رسوله أمرا } الآية فأمر الله بطاعة رسوله مع طاعته و عند
التنازع بالرجوع إلى سنته إذ هو المفزع الذي لا منازعة لأحد من الخلق فيه
فمن تنازع في شيء بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وجب رد أمره إلى قضاء
الله ثم إلى قضاء رسوله صلى الله عليه و سلم لأن طاعة رسوله طاعته قال
الله تعالى { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن
نكث } الآية و قال { من يطع الرسول فقد أطاع الله } فقد أعلمهم جل و علا
أن اتباعهم رسوله اتباعه وأن طاعتهم له طاعته ثم ضمن الجنة لمن أطاع رسوله
و اتبع ما أجابه فقال : { و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين أنعم
الله عليهم } الآية ثم أعلمنا جل و علا أنه لم يجعل الحكم بينه وبين خلقه
إلا رسوله و نفى الإيمان عن من لم يحكمه فيما شجر بينهم قال { فلا و ربك
لا يؤمنون } الآية ثم أعلمنا جل و علا أن دعاهم إلى رسوله ليحكم بينهم
إنما دعاهم إلى حكم الله لا أن الحاكم بينهم و رسول الله صلى الله عليه و
سلم و أنهم متى ما سلموا الحكم لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقد سلموه
بفرض الله قال الله عز و جل { إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم }
إلى قوله { فأولئك هم الفائزون } ذا حكم الله فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله
و إعلامهم أنها طاعته ثم أعلمنا أن الفرض على رسوله اتباع أمره فقال {
اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو و أعرض عن المشركين } و قال جل و
علا { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها و لا تتبع } الآية و قال {
يأيها النبي اتق الله و لا تطع الكفرين } إلى قوله { خبيرا } ثم شهد الله
جل و علا لرسوله باتباع أمره و استمساك بأمره لما سبق في علمه من إسعاده
بعصمته و توفيقه للهدى مع هداية من اتبعه فقال { و لولا فضل الله عليك و
رحمته لهمت طائفة منهم } الآية ثم أمره الله جل و علا بتبليغ ما أنزل إليه
مع الشهادة له بالعصمة من بين الناس
فقال { يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس }
ثم أعلمنا أن الذي يهدي إليه رسوله هو الصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه
فقال { و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتب و لا
الإيمان } إلى قوله { و ما في الأرض } ففي هذه الآية التي طولناها ما أقام
بها الحجة على خلقه بالتسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه و سلم و اتباع
أمره فكل ما بين رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما ليس لله فيه حكم
فبحكم الله سنه و وجب علينا اتباعه و في العنود عن اتباعه معصية إذ لا حكم
بين الله و بين خلقه إلا الذي و صفه الله جل و علا موضع الإبانة لخلقه عنه
فالواجب على كل من انتحل العلم أو نسب إليه حفظ سنن المصطفى صلى الله
عليه و سلم و التفقه فيها و لا حيلة لأحد في السبيل إلى حفظها إلا بمعرفة
تاريخ المحدثين و معرفة الضعفاء منهم من الثقات لأنه متى لم يعرف ذاك لم
يحسن تمييز الصحيح من السقيم و لا عرف المسند من المرسل و لا الموقوف من
المنقطع فإذا وقف على أسمائهم و أنسابهم و عرف ـ أعني بعضهم بعضا ـ و ميز
العدول من الضعفاء وجب عليه حينئذ التفقه فيها و العمل بها ثم إصلاح النية
في نشرها إلى من بعده رجاء استكمال الثواب في العقبى بفعله ذلك إذ العلم
من أفضل ما يخلف المرء بعده نسأل الله الفوز على ما يقربنا إليه ويزلفنا
لديه
إذ هو من خير ما يخلف المرء بعده
[ أخبرنا الفضل بن
الحباب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن
عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا مات الإنسان
انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
]
أخبرنا محمد بن محمد الهمداني ثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني
ثنا بشر ابن المفضل ثنا ابن عون [ عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي
بكرة عن أبي بكرة ذكر النبي صلى الله عليه و سلم قال : وقف على بعيره و
أمسك إنسان بخطامه ـ أو قال : بزمامه ـ فقال : أي يوم هذا ؟ فسكتنا حتى
ظننا أنه سيسميه سوى اسمه فقال : أليس بيوم النحر ؟ قلنا بلى قال : فأي
شهر هذا ؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه فقال : أليس بذي الحجة ؟
قلنا : بلى قال : فأي بلد هذا ؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه فقال
: أليس البلد الحرام ؟ قلنا : بلى فقال : إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم
بينكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا ! ليبلغ
الشاهد منكم الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من أوعى له منه ]
قال
أبو حاتم في قوله صلى الله عليه و سلم : [ ليبلغ الشاهد منكم الغائب ]
كالدليل على استحباب حفظ تاريخ المحدثين الوقوف على معرفة الثقات منهم من
الضعفاء إذ لا يتهيأ للمرء أن يبلغ الغائب ما شهد إلا بعد المعرفة بصحة ما
يؤدي إلى من بعده و أنه إذا أدى إلى من بعده ما لم يصح عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم فكأنه لم يؤد عنه صلى الله عليه و سلم شيئا و لا سبب له
إلى معرفة صحة الأخبار و سقيمها إلا بمعرفة تاريخ من ذكر اسمه من المحدثين
و كتابا أبين فيه الضعفاء و المتروكين و أبدأ منهما بالثقات فنذكر ما
كانوا عليه في الحالات فأول ما أبدأ في كتابنا هذا ذكر المصطفى صلى الله
عليه و سلم و مولده و مبعثه و هجرته إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنته ثم
نذكر بعده الخلفاء الراشدين المهديين بأيامهم إلىأن قتل علي رحمة الله
عليه ثم نذكر صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم واحدا واحدا على المعجم
إذ هم خير الناس قرنا بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نذكر بعدهم
التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأقاليم
كلها على المعجم إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرنا ثم نذكر القرن الثالث
الذين رأوا التابعين فأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأوليين ثم نذكر
القرن الرابع الذين هم أتباع التابعين على سبيل من قبلهم و هذا القرن
ينتهي إلى زماننا هذا
و لا أذكر في هذا الكتاب الأول إلا الثقات
الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم و أقنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب
التاريخ الكبير الذي خرجناه لعلمنا بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد و
الطرق و الحكايات و لأن ما نمليه في هذين الكتابين أن يسر الله ذلك و سهله
من توصيف الأسماء بقصد ما يحتاج إليه يكون أسهل على المتعلم إذا قصد الحفظ
و أنشط له في وعيه إذا أراد العلم من التكلف بحفظ ما لو أغضى عنه في
البداية لم يخرج في فعله من التكلف لحفظ ذلك فكل من أذكره في هذا الكتاب
الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصال خمس فإذا وجد
خبر منكر عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا فإن ذلك الخبر لاينفك من إحدى
خمس خصال : إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرت اسمه في كتابي هذا في الإسناد
رجل ضعيف لا يحتج بخبره أو يكون دونه رجل واه لا يجوز الاحتجاج بروايته
والخبر يكون مرسلا لا يلزمنا به الحجة أو يكون منقطعا لا يقوم بمثله الحجة
او يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه فإن
المدلس ما لم يبين سماع خبره عمن كتب عنه لا يجوز الاحتجاج بذلك الخبر
لأنه لا يدري لعله سمعه من إنسان ضعيف يبطل الخبر بذكره إذا وقف عليه و
عرف الخبر به فما لم يقل المدلس في خبره و إن كان ثقة : سمعت أو : حدثني
فلايجوز الاحتجاج بخبره فذكرت هذه المسألة بكمالها بالعلل و الشواهد و
الحكايات في كتاب شرائط الأخبار فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب و
إنما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ و قد ضعفه بعض أئمتنا و وثقه
بعضهم فمن صح عندي منهم أنه ثقة بالدلائل النيرة التي بينتها في كتاب
الفصل بين النقلة أدخلته في هذا الكتاب لأنه يجوز الاحتجاج بخيره و من صح
عندي منهم أنه ضعيف بالبراهين الواضحة التي ذكرتها في كتاب الفصل بين
النقلة لم أذكره في هذا الكتاب لكني أدخلته في كتاب الضغفاء بالعلل لأنه
لا يجوز الاحتجاج بخبره فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن
الخصال الخمس التي ذكرتها فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره لأن العدل من لم
يعرف منه الجرح ضد التعديل فمن لم يعلم بجرح فهو عدل إذا لم يبين ضده إذ
لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم ! و إنما كلفوا الحكم بالظاهر
من الأشياء غير المغيب عنهم جعلنا الله ممن أسبل عليه جلاليب الستر في
الدنيا و اتصل ذلك بالعفو عن جناياته في العقبى ! إنه الفعال لما يريد
أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ببغداد ثنا يحيى بن معين ثنا
حجاج بن محمد عن يونس بن أبي إسحاق عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال :
ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفيل
قال أبو حاتم : ولد
النبي صلى الله عليه و سلم عام الفيل يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من
شهر ربيع الأول في اليوم الذي بعث الله طيرا أبابيل على أصحاب الفيل و كان
من شأن الفيل أن ملكا كان باليمن غلب عليها و كان أصله من الحبشة يقال له
أبرهة بنى كنيسة بصنعاء فسماها القليس و زعم أنه يصرف إليها حج العرب و
حلف أنه يسير إلى الكعبة فيهدمها فخرج ملك من ملوك حمير فيمن أطاعه من
قومه يقال له [ ذو نفر ] فقاتله فهزمه أبرهة و أخذه فلما أتى به قال له ذو
نفر : أيها الملك ! لا تقتلني فإن استبقائي خير لك من قتلي فاستبقاه و
أوثقه ثم خرج ثائرا يريد الكعبة حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه النفيل
بن حبيب الخثعمي و من اجتمع إليه من قبائل اليمن فقاتلوه فهزمهم و أخذ
النفيل فقال النفيل : أيها الملك ! إني عالم بأرض العرب فلا تقتلني و
هاتان يداي على قومي بالسمع و الطاعة فاستبقاه و خرج معه يدله حتى إذا بلغ
الطائف خرج معه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف فقال : أيها الملك ! نحن
عبيد لك ليس لك عندنا خلاف و ليس بيتنا و بيتك الذي تريد ـ يعنون ـ اللات
إنما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه فبعثوا معه مولى لهم
يقال له [ أبو رغال ] فخرج معهم حتى إذا كان بالمغمس مات [ أبو رغال ] وهو
الذي رجم قبره و بعث أبرهة من المغمس رجلا يقال له الأسود بن مقصود على
مقدمة خيله
فجمع إليه أهل الحرم و أصاب لعبد المطلب مائتي بعير
بالأراك ثم بعث أبرهة حناطة الحميري إلى أهل مكة فقال : سل عن شريفها ثم
أبلغه أني لم آت لقتال إنما جئت لأهدم هذا البيت فانطلق حناطة حتى دخل مكة
فلقي عبد المطلب بن هاشم فقال : إن الملك أرسلني إليك ليخبرك أنه لم يأتي
لقتال إلا أن تقاتلوه إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم فقال عبد
المطلب ما عندنا له قتال فقال : سنخلي بينه و بين البيت فإن خلى الله بينه
و بينه فو الله ما لنا به قوة ! قال : فانطلق معي إليه قال : فخرج معه حتى
قدم المعسكر و كان [ ذو نفر ] صديقا لعبد المطلب فأتاه فقال : يا ذا نفر !
هل غندكم من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال : ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل
بكرة و عشية و لكن سأبعث لك إلى أنيس سائس الفيل فأمره أن يضع لك عند
الملك ما استطاع من خير و يعظم خطرك و منزلتك عنده قال : فأرسل إلى أنيس
فأتاه فقال : إن هذا سيد قريش صاحب عين مكة الذي يطعم الناس في السهل و
الوحوش في الجبال و قد أصاب له الملك مائتي بعير فإن استطعت أن تنفعه عنده
فانفعه فإنه صديق لي فدخل أنيس على أبرهة فقال : أيها الملك ! هذا سيد
قريش و صاحب عين الكعبة الذي يطعم الناس في السهل و الوحوش في الجبال
يستأذن عليك و أنا أحب أن تأذن له فقد جاءك غير ناصب لك و لا مخالف عليك
فأذن له و كان عبد المطلب رجلا عظيما جسيما وسيما فلما رآه أبرهة عظمه و
أكرمه و كره أن يجلس معه على سريره و أن يجلس تحته فهبط إلى البساط فجلس
عليه معه فقال له عبد المطلب : أيها الملك إنك قد أصبت لي مالا عظيما
فأردده علي فقال له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك و لقد زهدت فيك قال : و
لم ؟ قال : جئت إلى بيت هو دينك و دين آبائك و عصمتكم و منعتكم لأهدمه فلم
تكلمني فيه و تكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ! قال : أنا رب هذه الإبل و
لهذا البيت رب سيمنعه ! قال : ما كان ليمنعه مني ! قال : فأنت و ذاك ! قال
: فأمر بإبله فردت عليه ثم خرج عبد المطلب و أخبر قريشا الخبر و أمرهم أن
يتفرقوا في الشعاب و أصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول و عبى جيشه و قرب
فيله و حمل عليه ما أراد أن يحمل و هو قائم فلما حركه وقف و كاد أن يرزم
إلى الأرض فيبرك فضربوه بالمعول في رأسه فأبى فأدخلوا محاجنهم تحت أقرانه
و مرافقه فأبى فوجهوه إلى اليمن فهرول فصرفوه إلى الحرم فوقف و لحق الفيل
بجبل من تلك الجبال فأرسل الله الطير من البحر كالبلسان مع كل طير ثلاثة
أحجار : حجران في رجليه و حجر في منقاره و يحملن أمثال الحمص و العدس من
الحجارة فإذا غشين القوم أرسلنها عليهم فلم تصب تلك الحجارة أحد إلا هلك و
ليس كل القوم أصاب فذلك قول الله تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل
} السورة كلها و بعث الله على أبرهة داء في جسده و رجعوا سراعا يتساقطون
في كل بلد و جعل أبرهة تتساقط أنامله كلما سقطت أنملة اتبعها مدة من قيح و
دم فانتهى إلى اليمن و هو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه ثم مات فلما
هلك استخلف ابنه يكسوم بن أبرهة فهذا ما كان من شأن الفيل و سميت هذه
السنة [ سنة الفيل ]
أخبرنا عبد الله بن محمد بن سالم ببيت
المقدس ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي حدثنا
شداد أبو عمار [ عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل و اصطفى قريشا من كنانة و اصطفى
بني هاشم من قريش و اصطفاني من بني هاشم فأنا سيد ولد آدم و لا فخر و أنا
أول من تنشق عنه الأرض و أنا أول شافع و أول مشفع ] قال أبو حاتم : نسبة
رسول الله صلى الله عليه و سلم تصح إلى عدنان و ما وراء عدنان فليس عندي
فيه شيء صحيح أعتمد عليه غير أني أذكر اختلافهم فيه بعضهم لبعض من ليس ذلك
من صناعته : فهو صلى الله عليه و سلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ و
اسم عبد المطلب شيبة ـ بن هاشم ـ و اسم هاشم عمرو ـ بن عبد مناف ـ و اسم
عبد مناف المغيرة ـ بن قصي ـ و اسم قصي زيد ـ بن كلاب ـ و هو المهذب ـ بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ـ و هو قريش ـ بن
كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن مهد بن عدنان إلى هنا
ليس بين النسابة خلاف فيه و من عدنان هم مختلفون فيه إلى إبراهيم :
فمنهم من قال : عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تريح بن يعقوب بن نبت بن نابت بن أنوش بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن بن آزر
و منهم من قال : عدنان بن أدد بن الهميسع بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر
و منهم من قال : عدنان بن أدد بن سحب بن أيوب بن قيدر بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر
و منهم من قال : عدنان بن أدد بن أمين بن شاجب بن ثعلبة بن عتر بن يربح بن
محلم بن العوام بن المحتمل بن دائمة بن العيقان بن علة بن شحدود بن الظريف
بن عبق بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر
و منهم من قال : عدنان بن أدد
بن عوج بن المعطم بن الطمح ابن القسود بن العبور بن دعدع بن محمود بن
الزائد بن بدان بن الدرس بن حصن بن النزال بن القاسم بن المجشر بن معدد بن
صيفي بن النبت بن قيدر بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر
ثم اختلفوا أيضا فيما فوق إبراهيم :
فمنهم من قال : إبراهيم بن آزر بن ناحور بن شارغ بن الراغ بن القاسم الذي
قسم الأرض بين أهلها ابن معن بن السايح بن الرافد ابن السايح و هو سام بن
نوح نبي الله عليه الصلاة و السلام
و منهم من قال : إبراهيم بن آزر بن ناحور بن صاروح بن أرغو بن فالغ بن عابر بن أرفخشذ بن سام بن نوح
و منهم من قال : إبراهيم بن آزر بن تارخ بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن
فالج بن عيبر بن أرفخشد بن سام بن نوح ثم اختلفوا فيما بعد نوح عليه
السلام فمنهم من قال : نوح بن ملكان بن متوشلخ بن إدريس نبي الله صلى الله
عليه و سلم بن الرائد بن مهلهل بن قنان بن الطاهر ابن هبة الله بن شيث بن
آدم
و منهم من قال : نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ و هو إدريس النبي عليه السلام بن يارز بن مهابيل بن قبش بن أنش بن شيث بن آدم
و منهم من قال : نوح بن لامك بن متوشلح بن خنوخ بن يارزا بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم
و منهم من قال : نوح بن لامك بن متوشلح بن مهليل بن قينين بن يافش ابن شيث
بن آدم و أم رسول الله صلى الله عليه و سلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن
زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب و لم يكن لها أخ ـ فيكون خالا
للنبي صلى الله عليه و سلم ـ إلا عبد يغوث بن وهب و لكن بنو زهرة يقولون :
إنهم أخوال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأن آمنة أم رسول الله صلى الله
عليه و سلم كانت منهم و أم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة اسمها مرة
بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي و أمها أم حبيب بنت أسد بن
عبد العزى بن قصي و أمها برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن
لؤي هؤلاء جدات رسول الله صلى الله عليه و سلم من قبل أم أمه و أما جداته
صلى الله عليه و سلم من قبل أبي أمه فإن أم وهب بن عبد مناف بن زهرة اسمها
قيلة بنت أبي قيلة و اسم أبي قيلة فهر بن غالب بن الحارث و هو غبشان و كان
يعير بأبي كبشة الذي نسبت قريش رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه إذ كان
مشركا فتنصر لما سافر إلى الشام و رجع إلى قريش بدين غير دينها فعيرت قريش
رسول الله صلى الله عليه و سلم به و أما أم قيلة خالدة بنت عابس بن كرب بن
الحارث بن الفهر و أم عبد مناف و أم زهرة جدة أم رسول الله صلى الله عليه
و سلم اسمها جمل بنت مالك بن سعد بن مليح و أمها سلمى بنت حيان بن غنم و
أم زهرة بن كلاب جدة رسول الله صلى الله عليه و سلم اسمها فاطمة بنت سعد
بن سيل بن حرب و أمها طريفة بنت قيس بن ذي الرأسين بن عمرو بن قيس بن
عيلان و أما أمهات آبائه صلى الله عليه و سلم فإن أم عبد الله بن عبد
المطلب اسمها عاتكة بنت أرقص بن مالك ابن زهرة وهي أول العواتك اللاتي و
لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أما أم عبد المطلب بن هاشم فهي سلمى
بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار لذلك و
أم هاشم بن عبد مناف عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة و
هي الثانية من العواتك وهي أم هاشم بن عبد مناف و المطلب بن عبد مناف و
عبد شمس بن عبد مناف و إنما سمى هاشم هاشما لأنه هشم الثريد لقوله :
( عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... و رجال مكة مستنون عجاف )
و كان اسمه عمرو العلاء و أم عبد مناف بن قصي اسمها حبى بنت حليل بن حبشية
بن سلول بن كعب بن عمرو بن خزاعة فهي والدة عبد الدار و عبد العزى أولاد
قصي بن كلاب و أم قصي فاطمة بنت سعيد بن سيل بن حرب بن حمالة ابن عوف بن
الأزد و كان قصي يسمى مجمعا لأن الله به جمع القبائل من فهر و أم كلاب بن
مرة هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة و هي والدة بن مرة
و يقظة ابني مرة و أم مرة بن كعب مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر و قد
قيل وحشية بنت محارب بن فهر و أم كعب بن لؤي ماوية بنت كعب بن القين بن
أسد بن وبرة و أم لؤي بن غالب سلمى بنت عمرو بن عامر بن حارثة بن خزاعة و
أم غالب بن فهر عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة و هي إحدى العواتك
اللاتي ولدن النبي صلى الله عليه و سلم ما قال النبي صلى الله عليه و سلم
يوم حنين : [ أنا ابن العواتك ] و أم فهر بن مالك جندلة بنت الحارث بن
عامر بن الحارث الجرهمي
و أم مالك بن النضر عكرشة بنت عدوان و هو الحارث بن عمرو بن قيس بن عيلان
و أم النضر بن كنانة برة بنت مر أخت تميم بن مر و قيل : إنها فكهة بنت هنى
بن بلي و النضر هو قيس و إنما قيل للنضر : قريش لتجمعها من تفرق من بيتها
لأن التقرش هو التجمع
و أما أم كنانة فهي عوانة و قد قيل : هند بنت سعد بن قيس عيلان
و أما أم خزيمة بن مدركة فهي سلمى بنت سعد بن قيس بن الحاف بن قضاعة
و أما أم مدركة بن إلياس فهي خندف و هي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف
بن قضاعة و كان لإلياس بن مضر ثلاثة من البنين : عمرو و هو مدركة و عامر و
هو طابخة و عمير فهو قمعة و أمهم خندف و إنما سمي هؤلاء بهذه الأسماء لأن
الناس خرجوا في نجعة لهم فنفرت إبلهم من أرنب فخرج في أثرها عمرو فادركها
فسمي مدركة و أخذها عامر فنحر منها و طبخها فسمي طابخة و انقمع عمير في
الخباء و لم يخرج معها فسمي قمعة و خرجت أمهم تمشي في طلب الإبل فقيل لها
: أين تخندفين و قدرت الإبل فسميت خندف و الخندفة ضرب من المشي
و أم إلياس بن مضر الربابة بنت إياس بن معد
و أم مضر بن نزار سودة بنت عك بن عدنان بن أدد
و أم نزار بن معد معانة بنت جوش بن جلهمة بن عمرو بن حليمة بن حرميه
و أم معد بن عدنان مهددة بنت جلحب بن جديس
و أم عدنان بن أدد بلها بنت ماعز بن قحطان
فهذه جوامع ما يحتاج إليه معرفة نسبة أمهات آباء رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أما أولاد عبد المطلب فهم عشرة : عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله
صلى الله عليه و سلم و الزبير بن عبد المطلب و العباس بن عبد المطلب و
حمزة بن عبد المطلب و المقوم بن عبد المطلب و اسمه عبد العزى و الحارث بن
عبد المطلب و الغيداق بن عبد المطلب و أبو لهب بن عبد المطلب و أبو طالب
ابن عبد المطلب اسمه عبد مناف
فأما عبد الله والد رسول الله صلى
الله عليه و سلم فإنه لم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه و سلم لا
ذكر و لا أنثى و توفي قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان
عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو طالب من أم واحد
و أما الزبير بن عبد المطلب فكنيته أبو طاهر و كان من أجلة قريش و فرسانها و كان من المبارزين و كان يقول الشعر فيجيز
و أما العباس بن عبد المطلب فإن كنيته أبو الفضل و كان إليه السقاية و
زمزم في الجاهلية فلما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم دفعها إلى يوم
فتح مكة و مات العباس سنة اثنتين و ثلاثين في خلافة عثمان بن عفان و هو
ابن ثمان وثمانين سنة بالمدينة و صلى عليه عثمان ابن عفان
و أما ضرار بن عبد المطلب فإنه كان يتعاطى بقول الشعر و مات قبل الإسلام من غير أن أعقب
و أما حمزة بن عبد المطلب فإن كنيته أبو عمارة و كان أسد الله وأسد رسول
الله صلى الله عليه و سلم وقد قيل إن كنيته أبو يعلى استشهد يوم أحد قتله
وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم في شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة و كان حمزة
أكبر من النبي صلى الله عليه و سلم بسنتين
و أما المقوم بن عبد المطلب فكان من رجالات قريش هلك قبل الإسلام و لا عقب له
و أما أبو لهب بن عبد المطلب فكنيته أبو عقبة و إنما سمي أبو لهب لجماله و
كان أحول ممن يعادي رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين عمومته و يظهر
له حسدا إلى أن مات عليه من العدسة في عقب يوم بدر لما بلغه ما كان في ذلك
اليوم من المشركين من النكاية من المسلمين كمد منه حتى مات
و أما الحارث بن عبد المطلب فهو أكبر ولد عبد المطلب و اسمه كنيته و هو ممن حفر بئر زمزم مع عبد المطلب
و أما الغيداق بن عبد المطلب فإنه مات و لم يعقب و كان من رجالات قريش
و أما أبو طالب بن عبد المطلب فكان هو و عبد الله بن عبد المطلب لأم واحدة
و كان وصي عبد المطلب أوصى إليه عبد المطلب في ماله بعده و في حفظ رسول
الله صلى الله عليه و سلم و تعهده على ما كان تعهده عبد المطلب في حياته و
مات أبو طالب قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاث سنين و
أربعة عشر
و أما عمات رسول الله صلى الله عليه و سلم فهن ست بنات
عبد المطلب بن هاشم لصلبه أولهن عاتكة بنت عبد المطلب و أميمة بنت عبد
المطلب و أروى بنت عبد المطلب و البيضاء بنت عبد المطلب و هي أم حكيم و
برة بنت عبد المطلب و صفية بنت عبد المطلب
فأما عاتكة بنت عبد المطلب فكانت عند أبي أمية بن المغيرة المخزومي
و أما أميمة بنت عبد المطلب فكانت عند جحش بن رئاب الأسدي
و أما البيضاء بنت عبد المطلب فكانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس
و أما برة بنت عبد المطلب فكانت عند عبد الأسد بن بلال المخزومي
و أما صفية بنت عبد المطلب فكانت عند العوام بن خويلد بن أسد
و أما أروى بنت عبد المطلب فكانت عند عمير بن قصي بن كلاب و لم يسلم من
عمات النبي صلى الله عليه و سلم إلا صفية و هي والدة الزبير بن العوام و
توفيت صفية في خلافة عمر بن الخطاب
فهذه جوامع ما يجب أن يحفظ من ذكر عمومة رسول الله صلى الله عليه و سلم و عماته
و أما أم رسول الله صلى الله عليه و سلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف فإنها
لما وضعته جاءت به إلى جده عبد المطلب و أخبرته أنها رأت حين حملت به في
النوم أنه قيل لها :
حملت سيد هذه الأمة ! فإذا وضعته فسميه محمدا
فأخذه عبد المطلب فدخل به على هبل في جوف الكعبة و قام عنده يدعو الله و
يشكر ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها فقالت أمه : رأيت في المنام
كأنه خرج مني نور أضاء لي قصور الشام
ثم التمس له الرضاعة فاسترضع
رسول الله صلى الله عليه و سلم من امرأة من بني سعد ابن بكر يقال لها :
حليمة بنت أبي ذؤيب وأبو ذؤيب اسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن
رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس
بن عيلان بن مضر و زوج حليمة اسمه الحارث بن عبد العزى بن رفاعة من بني
سعد بن بكر و أخو رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أرضعته حليمة مع
رسول الله صلى الله عليه و سلم اسمه عبد الله بن الحارث بن عبد العزى و
لعبد الله هذا أختان من حليمة : إحداهما أنيسة و الأخرى جذامة بنت الحارث
بن عبد العزى قالت حليمة : خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء
بمكة فخرجت على أتان لي قمراء في سنة شهباء و معي زوجي و معنا شارف لنا و
الله إن تبض بقطرة من لبن و معي صبي لي لا ننام ليلتنا من بكائه ما في
ثديي ما يغنيه فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله
صلى الله عليه و سلم فتأباه و إنما نرجو الكرامة في رضاع من يرضع له من
والد المولود و كان يتيما فكنا نقول : ما عسى أن تصنع به أمه فكنا نأباه
حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعة غيري فكرهت أن أرجع و لم آخذ
شيئا و قد أخذ صواحبي ما أردن فقلت لزوجي : و الله لأرجع على ذلك اليتيم و
لآخذنه ! قالت : فأتيته فأخذته ثم رجعت إلى رحلي قال زوجي : أصبت و الله
يا حليمة ! عسى أن يجعل فيه خيرا قالت : فو الله ما هو إلا أن وضعته في
حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن فشرب حتى روي و شرب أخوه حتى
روي ثم قام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا بها حافل فحلب لبنا فشربت حتى
رويت و شرب حتى روي فبتنا بخير وقد نام صبينا و روي فقال زوجي : و الله يا
حليمة ! ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة قالت : ثم خرجنا فو الله ! لخرجت
أتاني أمام الركب حتى أنهم ليقولون لي : يا ويحك كفا علينا أليست هذه
بأتانك التي خرجت عليها ؟ فأقول : و الله بلى حتى قدمنا أرضنا من حاضر بني
سعد بن بكر قالت : قدمنا على أجدب أرض فو الذي نفس حليمة بيده ! إن كانوا
ليسرحون بأغنامهم إذا أصبحوا و يسرح راعي غنمي فتروح غنمي حفلا بطانا لبنا
و تروح أغنامهم جياعا هالكة ما بها من لبن فنشرب ما شئنا من اللبن و ما من
الحاضر أحد يحلب قطرة و لا يجدها قالت : فيقولون لرعاتهم : و يلكم ! ألا
تسرحون حيث راعي حليمة ؟ فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه فتروح أغنامهم
جياعا هالكة و تروح غنمي حفلا لبنا قالت : و كان يشب في اليوم شاب الصبي
في الشهر و يشب في الشهر شباب الصبي في السنة
فلما بلغ سنتين قدمنا
به على أمه فقالت : إن لابني هذا شأنا إني حملت به فو الله ما حملت حملا
قط كان أخف علي منه ! و لقد رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء منه
أعناق الإبل ببصرى ـ أو قالت : قصور بصرى ـ ثم وضعته فو الله ! ما وقع كما
يقع الصبيان ! لقد وقع معتمدا على يديه إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء
فدعاه عنكما فقبضته و انطلقا
قال أبو حاتم : فتوفيت أمه صلى الله
عليه و سلم بالأبواء و رسول الله صلى الله عليه و سلم ابن أربع سنين و كان
عبد المطلب من أشفق الناس عليه أبر الآباء به إلى أن توفي عبد المطلب و
رسول الله صلى الله عليه و سلم ابن ثمان سنين و أوصى به إلى أبي طالب و
اسم أبي طالب عبد مناف ابن عبد المطلب و ذلك أن عبد الله و أبا طالب كانا
لأم فكان أبو طالب الذي يلي أمور رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد عبد
المطلب إلى أن راهقه و بلغ مبلغ الرجال و كان أبو طالب إذا رأى رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال :
( فشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود و هذا محمد )
ذكر في الاستيعاب لابن عبد البر بإسناده إلى ابن عباس أن عبد المطلب ختن
النبي صلى الله عليه و سلم يوم سابعه و جعل له مأدبة سماه محمدا قال ابن
عبد البر بعد هذا : قال يحيى بن أيوب : ما وجدنا هذا الحديث عند أحد إلا
عند ابن أبي السري العسقلاني قال : و قد روي أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم ولد مختونا مسرورا يعني : مقطوع السرة
حدثنا الحسن بن سفيان
ثنا أبو بكرأبي شيبة ثنا قراد أبو نوح ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر
بن أبي موسى عن أبي موسى قال : خرج أبو طالب إلى الشام و خرج معه رسول
الله صلى الله عليه و سلم و أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا
فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب و كانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم
و لا يلتفت فأتاهم و هم يحلون رواحلهم و أحلاسهم فجعل يتخللهم حتى جاء
فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذا سيد العالمين ! هذا رسول
رب العالمين ! هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ! فقال له أشياخ من قريش : ما
علمك ؟ قال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر و لا حجر إلا خر ساجدا
و لا يسجدون إلا لنبي و إني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل
التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به و كان هو صلى الله عليه و
سلم في رعية الإبل قال : أرسلوا إليه فأقبل و عليه غمامة تظله فقال :
انظروا إليه عليه غمامة تظله ! فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء
الشجرة فلما جلس مال عليه قال : فبينما هو قائم عليهم و هو يناشدهم أن لا
يذهبوا إلى الروم فإن الروم لو رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه فالتفت فإذا هو
بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم ؟ قالوا : جئنا
إلى هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا و قد بعث إليه ناس و
إنا أخبرنا بخبره فبعثنا إلى طريقك هذا فقال لهم : [ أفرئيتم أمرا إذ أراد
الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ ] قالوا : لا فتابعوه و
أقاموا معه قال : فأتاهم فقال لهم :
[ أنشدكم بالله ! أيكم وليه ؟ ]
قال أبو طالب : أنا فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب و بعث معه أبو بكر
بلالا و زوده الراهب من الكعك و الزيت
قال أبو حاتم : فقدم رسول
الله صلى الله عليه و سلم بمكة و كانت سفرته الثانية بعدها مع ميسرة غلام
خديجة ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة بنت خويلد بن أسد و هو
ابن خمس وعشرين سنة و خويلد هو ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب و أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن
حجر بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب و كانت قبل أن يتزوج بها رسول الله
صلى الله عليه و سلم تحت أبي هالة أخي بني تميم ثم كانت تحت عتيق ابن عائذ
بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و كان السبب في ذلك أن خديجة كانت امرأة
تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها و تضار بهم إياه بشيء تجعله
لهم منه و كانت قريش قوما تجارا فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه و
سلم ما بلغها من صدق حديثه و عظيم أمانته و كريم أخلاقه بعثت إليه و عرضت
عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا و تعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره
من التجار مع غلام لها يقال له [ ميسرة ] فقبله منها رسول الله صلى الله
عليه و سلم و خرج في مالها معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام نزل رسول الله
صلى الله عليه و سلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فأطلع
الراهب إلى ميسرة فقال : من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال
ميسرة : هذا رجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه
الشجرة قط إلا نبي ثم باع رسول الله صلى الله عليه و سلم سلعته التي خرج
بها و اشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة و معه ميسرة فكان
ميسرة إذا كانت الهاجرة و اشتد الحر يرى ظلا على رأس رسول الله صلى الله
عليه و سلم من الشمس وهو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها
باعت ما جاء به و أخبرها ميسرة عن قول الراهب و عن ما كان من أمر الإظلال
و كانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها بعثت
إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالت : إني قد رغبت فيك و في قرابتك
و في أمانتك و حسن خلقك و صدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها و كانت خديجة
يومئذ أوسط نساء قريش نسبا و أعظمهن شرفا و أكثرهن مالا فلما قالت ذلك
لرسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر ذلك صلى الله عليه و سلم لأعمامه فخرج
معه حمزة بن عبد المطلب عمه حتى دخل على خويلد ابن أسد فخطبها إليه فزوجها
من رسول الله صلى الله عليه و سلم فولد له منها زينب و رقية و أم كلثوم و
فاطمة و القاسم [ وكان به يكنى و الطاهر ] و الطيب فهلكوا قبل الوحي
و أما البنات فكلهن أسلمن و هاجرن إلى المدينة و كانت خديجة قد ذكرت لورقة
بن نوفل بن أسد ـ و كان ابن عمها وكان نصرانيا قد قرأ الكتب و علم من علم
الناس ـ ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب و ما كان من الإظلال عليه
فقال ورقة : إن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة قد عرفت أنه
كائن بهذه الأمة سيظهر في هذا الوقت
[ أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي بمنبج ثنا العباس بن عثمان البجلي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم : متى وجبت لك النبوة ؟ قال : بين خلق آدم و نفخ الروح فيه ـ عليه الصلاة و السلام ]
[ أخبرنا محمد بن الحسن بن
قتيبة بعسقلان ثنا ابن أبي السري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري
أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة قالت : أول ما ابتدئ به رسول الله صلى
الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة يراها في النوم فكان لا يرى رؤيا
إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ـ و
هو التعبد الليالي ذوات العدد ـ و يتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده
لمثلها حتى فجئه الحق و هو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال : { إقرأ }
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني
حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال لي { إقرأ } فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني
فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : { إقرأ } فقلت : ما أنا
بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : { إقرأ
باسم ربك الذي خلق } حتى بلغ { ما لم يعلم } قال فرجع بها ترجف فؤاده حتى
دخل على خديجة فقال : زملوني زملوني ! فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم قال :
يا خديجة ! ما لي ؟ و أخبرها الخبر و قال : خشيت علي فقالت : كلا ! أبشر
فو الله لا يخشيك الله أبدا ! إنك لتصل الرحم و تصدق الحديث و تمل الكل و
تقري الضعيف و تعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به إلى
ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن قصي و هو عم خديجة أخو أبيها و كان
امرأ تنصر في الجاهلية و كان يكتب الكتاب العربي يكتبه بالعربية من
الإنجيل ما شاء أن يكتب و كان شيخا كبيرا قد عمر فقالت له خديجة : أي عم !
اسمع من أخيك فقال ورقة : يا ابن أخي : ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى
الله عليه و سلم بما رأى فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ! يا
ليتني أكون فيها جذعا ! يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك ! فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم أمخرجي هم ؟ قال : نعم لم يأت أحد بمثل ما جئت
به إلا عودي و أوذي و إن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن
توفي و فتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه و سلم حزنا غدا
منه مرارا لكي يتردى من روؤس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقي
نفسه منها فيرى له جبريل فقال له يا محمد ! إنك رسول الله حقا ! فيسكن
لذلك جأشه و تقر نفسه فيرجع فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا
أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فيقول له مثل ذلك ]
قال أبو حاتم :
روي في بدء الوحي عن النبي صلى الله عليه و سلم خبران : خبر عن عائشة و
خبر عن جابر فأما خبر عائشة فقد ذكرناه و أما خبر جابر [ فحدثناه عبد الله
بن محمد بن سالم ببيت المقدس ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ثنا الوليد عن
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن : أي
القرآن أنزل أول ؟ قال : { يأيها المدثر } فقلت أو { إقرأ } ؟ قال :
أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : جاورت بحراء شهرا
فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت فنظرت أمامي و خلفي و عن
يميني و عن شمالي فلم أر أحدا ثم نوديت فنظرت إلى السماء فإذا هو فوقي على
العرش في السماء فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا
علي الماء و أنزل الله عز و جل علي { يأيها المدثر } إلى قوله { فطهر } ]
قال أبو حاتم : هذان خبران أوهما من لم يكن الحديث صناعته أنهما متضادان و
ليس كذلك إن الله عز و جل بعث رسوله صلى الله عليه و سلم يوم الإثنين و هو
ابن أربعين سنة و نزل عليه جبريل و هو في الغار بحراء بـ { اقرأ باسم ربك
الذي خلق } فلما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بيت خديجة و دثروه
أنزل الله عليه في بيت خديجة { ياأيها المدثر قم فأنذر و ربك فكبر } من
غير أن يكون بين الخبرين تضاد و لا تهاثر فكان أول من آمن برسول الله
زوجته خديجة بنت خويلد ثم آمن علي بن أبي طالب و صدقه بما جاء به و هو ابن
عشر سنين ثم أسلم أبو بكر الصديق فكان علي بن أبي طالب يخفي إسلامه من أبي
طالب و أبو بكر لما أسلم أظهر إسلامه فلذلك اشتبه على الناس أول من أسلم
منهما ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان أبو
بكر أعلم قريش بأنسابها و بما كان فيها من خير وشر و كان رجلا سهلا بليغا
أظهر الإسلام و دعا إلى الله وإلى رسوله فأجابه عثمان بن عفان و الزبير بن
العوام و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي و قاص و طلحة بن عبيد الله فجاء
بهم أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين استجابوا له فأسلموا و
صلوا ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح و أبو سلمة ابن عبد الأسد المخزومي و
الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي و عثمان بن مظعون الجمحي و عبيدة بن الحارث
بن المطلب بن عبد مناف و سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل و امرأته فاطمة بنت
الخطاب و أسماء بنت أبي بكر و عبد الله و قدامة ابنا مظعون الجمحيان و
خباب بن الأرت و مسعود بن الربيع القاري و عبد الله بن مسعود و عمير بن
أبي و قاص و سليط بن عمرو و عياش بن أبي ربيعة المخزومي و امرأته أسماء
بنت سلامة التميمية و عامر بن ربيعة أبو عبد الله و عبد الله بن جحش و أبو
أحمد بن جحش الأسدي و جعفر ابن أبي طالب و امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية
و حاطب بن الحارث الجمحي و امرأته فاطمة بنت المجال و حطاب بن الحارث و
امرأته فكيهة و صهيب بن سنان و معمر بن الحارث الجمحي و سعيد ابن الحارث
السهمي و المطلب بن أزهر بن عبد عوف و امرأته رملة بنت أبي عوف و النحام و
اسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد و بلال بن رباح مولى أبي بكر وعامر بن
فهيرة مولى أبي بكر و خالد بن سعيد بن العاص و امرأته أميمة بنت خلف بن
أسعد و حاطب بن عمرو بن عبد شمس و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة و واقد بن
عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة التميمي و خالد بن البكير وإياس بن
البكير و عامر بن البكير و عبد ياليل بن ناشب غيرة بن سعد بن ليث بن بكر
بن عبد مناة بن كنانة و عمار بن ياسر حليف بني مخزوم
و دخل في
الإسلام الرجال و النساء إرسالا و أنزل الله عز و جل { و انذر عشيرتك
الأقربين } فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الصفا ثم صعد عليه
ثم نادى : [ يا صباحاه ] ! فاجتمع إليه الناس فمن رجل يجيء و من رجل يبعث
رسوله فقال : [ يا بني عبد المطلب ! يا بني عبد مناف ! يا بني يا بني !
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أصدقتموني
؟ ] قالوا : نعم قال : [ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ] ثم قال : [ يا
معشر قريش ! اشتروا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف ! لا أغني عنكم من
الله من شيء يا عباس بن عبد المطلب ! يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه
و سلم ! يا بني كعب بن لؤي ! يا بني هاشم ! يا بني عبد المطلب ! اشتروا
أنفسكم من النار ] فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ! أما دعوتنا إلا
لهذا ؟ ثم قام فنزلت { تبت يدا أبي لهب و تب } ثم نزل النبي صلى الله عليه
و سلم و جعل يدعو الناس في الشعاب و الأودية و الأسواق إلى الله و أبو لهب
خلفه و الحجارة تنكبه يقول : يا قوم ! لا تقبلوا منه فإنه كذاب
ثم
تزوج النبي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد خديجة سودة بنت زمعة بن قيس
بن عبد شمس بن عبد ود بن النضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وأمها
الشموس بنت قيس بن زيد بن عمرو بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن
النجار خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى وقدان بن حلبس عمها و
كانت قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن
عمرو من بني عامر بن لؤي وكانت سودة امرأة ثقيلة ثبطة و هي التي و هبت
يومها لعائشة و قالت : لا أريد ما تريد النساء و قد قيل أن النبي صلى الله
عليه و سلم لم يتزوج على خديجة حتى ماتت
و زوج رسول الله صلى الله
عليه و سلم ابنته رقية من عتبة بن أبي لهب و أم كلثوم ابنته الأخرى من
عتيبة بن أبي لهب فلما نزلت { تبت يدا أبي لهب } أمرهما أبوهما أن
يفارقهما ففارقهما ثم زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان
ابنته رقية بعد عتبة بن أبي لهب ثم مرض أبو طالب فدخل عليه رهط من قريش
فيهم أبو جهل فقالوا : ابن أخيك يشتم آلهتنا و يفعل و يفعل و يقول و يقول
و لو بعثت إليه فنهيته ! فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه و سلم و دخل
البيت و بين أبي جهل و بين أبي طالب مجلس رجل فخشي أبو جهل أنه إذا جلس
إلى جنب أبي طالب يكون أرق عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس و لم يجد النبي
صلى الله عليه و سلم مجلسا قرب عمه فجلس عند الباب قال أبو طالب : أي ابن
أخي ! ما بال قومك يشكونك و يزعمون أنك تشتم آلهتهم و تقول و تقول ؟ فقال
النبي صلى الله عليه و سلم : [ أي عم ! إني أريدهم على كلمة واحدة
يقولونها تدين لهم العرب و تؤدي إليهم بها العجم الجزية ] فقال أبو طالب :
و أي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : [ لا إله إلا الله ] فقاموا فزعين ينفضون
ثيابهم و يقولون { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } ثم توفي أبو
طالب عبد مناف بن عبد المطلب فلقي المسلمون أذى من المشركين بعد موت أبي
طالب فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم حين ابتلوا و شطت بهم عشائرهم
بمكة : [ تفرقوا ] ـ و أشار قبل أرض الحبشة و كانت أرضا دفئة ترحل إليها
قريش رحلة الشتاء أول هجرة في الإسلام فأول من خرج من المسلمين إلى الحبشة
عثمان بن عفان و معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو
حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس و معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو و
الزبير بن العوام و مصعب بن عمير و عبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد
الأسد معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة و عثمان بن مظعون وعامر
بن ربيعة معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم وأبو سبرة بن أبي رهم بن
عبد العزى و أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود و سهيل ابن وهب بن
ربيعة و هو سهيل بن بيضاء أمه ثم خرج بعدهم جعفر ابن أبي طالب معه امرأته
أسماء بنت عميس و عمرو بن سعيد بن العاص ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان بن
أمية وأخوه خالد بن سعيد بن العاص و معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد و
عبد الله بن جحش بن رياب و أخوه عبد بن جحش معه امرأته أم حبيبة بنت أبي
سفيان بن حرب و قيس بن عبد الله من بني أسد بن خزيمة معه امرأته بركة بنت
يسار و معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي و عتبة بن غزوان وأسد بن نوفل بن خويلد
و يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب و عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد و
طليب بن عمير بن وهب و سويط بن سعد بن حريملة و جهم بن قيس بن عبد شرحبيل
و ابناه عمرو بن جهم و خزيمة بن جهم وعامر بن أبي وقاص و المطلب بن أزهر
معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة و عبد الله بن مسعود و أخوه عتبة بن
مسعود و المقداد بن عمرو و الحارث بن خالد بن صخر معه امرأته ريطة بنت
الحارث بن جبلة وعمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب و شماس عثمان بن عبد بن
الشريد بن سويد و هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم و سلمة بن هشام بن المغيرة و عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة و معتب
بن عوف بن عامر بن الفضل و السائب بن عثمان بن مظعون و عماه قدامة و عبد
الله ابنا مظعون و حاطب بن الحارث بن معمر معه امرأته فاطمة بنت المجلل و
ابناه محمد بن حاطب و الحارث بن حاطب و أخوه حطاب بن الحارث معه امرأته
فكيهة بنت يسار و سفيان بن معمر بن حبيب معه ابناه جابر بن سفيان و جنادة
بن سفيان و معه امرأته حسنة و هي أمهما و عثمان بن ربيعة بن أهبان و خنيس
بن حذافة بن قيس و عبد الله بن الحارث بن قيس و هشام ابن العاص بن وائل و
قيس بن حذافة بن قيس و الحجاج بن الحارث بن قيس و معمر بن الحارث بن قيس و
بشر بن الحارث بن قيس و سعيد بن الحارث ابن قيس و السائب بن الحارث بن قيس
و عمير بن رئاب بن حذيفة و محمية بن جزء حليف لهم و معمر بن عبد الله بن
نضلة و عدي بن نضلة ابن عبد العزى معه ابنه النعمان وأبو عبيدة بن الجراح
بعدهم و عامر بن ربيعة معه امرأته ليلى و السكران بن عمرو بن عبد شمس معه
امرأته سودة بنت زمعة و مالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس و عبد الله بن
مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس و عبد الله بن سهيل بن عمرو و عمرو بن
الحارث بن زهير و عياض بن زهير بن أبي شداد و ربيعة بن هلال بن مالك و
عثمان بن عبد غنم بن زهير و سعد بن عبد قيس بن لقيط و عبد الله بن شهاب بن
عبد الله بن الحارث بن زهرة جد الزهري فخرجوا حتى قدموا أرض الحبشة و
أقاموا بها على الطمأنينة ثم إن قريشا اجتمعت في أن يبعث إلى النجاشي حتى
يرد من ثم من المسلمين عليها فبعثوا عمرو بن العاص و عمارة بن الوليد بن
ربيعة و بعثوا معهما بهدايا كثيرة إليه وإلى بطارقته فلما قدما عليه ما
بقي بطريق من بطارقته إلا قدما إليه بهديته و سألاه أن يكلم الملك حتى
يسلمهم إليهما قبل أن يكلمهم و يسمع منهم فلما فرغا من بطارقته قدما إلى
النجاشي هداياه فقبلها منهما ثم قالا له : أيها الملك ! إن قومنا بعثوا
إليك في فتيان منهم خرجوا إلى بلادك فارقوا أديان قومهم و لم يدخلوا في
دينك و لا دينهم و قومهم أعلاهم عينا قالت بطارقته : صدقا أيها الملك !
فغضب النجاشي و قال لأيم الله إذا لا أدفعهم إليهما قوم جاءوني لجئوا إلى
بلادي حتى أنظر فيما يقولون و أنظر فيما يقول هؤلاء فإن كانوا صادقين و
كانوا كما قال هؤلاء أسلمناهم إليهما و إن كانوا على غير ذلك لم ندفعهم
إليهما و منعتهم منهما فقال عمارة بن الوليد : لم نصنع شيئا لو كان دفعهم
إلينا من وراء وراء كان ذلك أحب إلينا قبل أن يكلمهم ثم إن أصحاب رسول
الله صلى الله عليه و سلم اجتمعوا فقال بعضهم لبعض : ما الذي نكلم به
الرجل ؟ ثم قالوا : نكلمهم و الله بالذي نحن عليه و عليه نبينا ! كائنا ما
كان فيه فدخلوا عليه فقالوا لهم : اسجدوا للملك فقال جعفر بن أبي طالب :
لا نسجد إلا لله ! فقال لهم ما يقول هذان ؟ يزعمان أنهن فارقتم دين قومكم
و لن تدخلوا في ديني و أنكم جئتم بدين مقتضب لا يعرف ! فقال جعفر بن أبي
طالب : كنا مع قومنا في أمر جاهلية نعبد الأوثان فبعث الله إلينا رسولا
منا رجلا نعرف نسبه و صدقه و وفاءه فدعا إلى أن نعبد الله وحده لا نشرك به
و أمرنا بالصلاة و الزكاة و صلة الرحم و حسن الجوار و نهانا عن الفواحش و
الخبائث فقال : هل معك شيء مما جاء به ؟ قال : نعم فدعا النجاشي أساقفته
فنشروا المصاحف حوله فقرأ عليهم جعفر بن أبي طالب { كهيعص } فبكى النجاشي
حتى اخضل لحيته و بكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال : إن هذا و الذي
جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة انطلقا ! فلعمر الله لا أرسلهم معكما و
لا هم و كان أتقى الرجلين عمارة بن الوليد فقال عمرو بن العاص : و الله !
لأجيبنه بما أبيد به خضراءهم لأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهك الذي تعبد عبد
فقال له عمارة بن الوليد : لا تفعل فإن لهم رحما و إن كانوا قد خالفونا
قال : أحلف بالله لأفعلن فرجع إليه الغد فقال أيها الملك ! إنهم يقولون في
عيسى قولا عظيما فابعث إليهم فاسألهم عنه فأرسل إليهم فقال : ماذا تقولون
في عيسى ؟ قالوا : نقول فيه ما قال الله عز و علا و ما قال لنا نبينا فقال
له جعفر : هو عبد الله و روحه و كلمته ألقاها الله إلى العذراء البتول
فأدلى النجاشي يده فأخذ من الأرض عودا و قال : ما عدا عيسى ابن مريم ما
قلتم هذا العود فنخرت بطارقته فقال : و إن نخرتم و الله ثم قال : اذهبوا
فأنتم شيوم في أرضي ـ يقول : آمنون من شتمكم غرم ما أحب أن لي دبرا ذهبا ـ
و دبر هو جبل بالحبشة ـ و أني آذيت رجلا منكم و قال : ردوا عليهما
هداياهما التي جاءا بها لا حاجة لنا بها و اخرجوهما من أرضي فأخرجا و أقام
المسلمون عند النجاشي بخير دار و خير جار لا يصل إليهم شيء يكرهونه فولد
بالحبشة عبد الله بن جفعر بن أبي طالب و محمد بن أبي حذيفة و سعيد ابن
خالد بن سعيد و أخته أمة بنت خالد و عبد الله بن المطلب بن أزهر و موسى
ابن الحارث بن خالد و إخواته : عائشة و زينب و فاطمة بنات الحارث فلم يزل
المسلمون بأرض الحبشة إلى أن ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم الخروج
إلى المدينة فمنهم من رجع إلى مكة فهاجر مع النبي صلى الله عليه و سلم إلى
المدينة و منهم من بقي بأرض الحبشة حتى لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم
بعد قدومه المدينة و خرج أبو بكر من مكة مهاجرا إلى أرض الحبشة حتى إذا
بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة و هو سيد القارة فقال : أين تريد يا أبا
بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض و أعبد ربي فقال
ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ! أنت تكسب المعدوم و تصل الرحم
و تحمل الكل و تقري الضيف و تعين على نوائب الحق ! فأنا لك خافر فارجع و
اعبد ربك ببلدك فرجع و ارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عيشة في
أشراف قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله ! أتخرجون رجلا يكسب
المعدوم و يصل الرحم و يحمل الكل و يقري الضيف و يعين على نوائب الحق ؟
فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة و قالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد
ربه في داره و ليصل فيها و ليقرأ ما شاء و لا يؤذينا بذلك و لا يستعلن به
فإنا نخشى أن يفتن أبناءنا و نساءنا فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث
أبو بكر بعد ذلك يعبد ربه في داره و لا يستعلن بصلاته و لا يقرأ في غير
داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه و يقرأ
القرآن فيقف عليه نساء المشركين و أبناؤهم يعجبون منه و ينظرون إليه و كان
أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن و أفزع ذلك أشراف قريش من
المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا
بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك و ابتنى مسجدا بفناء
داره و أعلن بالصلاة و القراءة فيه و إنا خشينا أن يفتن أبناءنا و نساءنا
فإنهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد في داره فعل فإن أبى إلا يعلن بذلك
فسله أن يرد ينادي بأعلى صوته : أيها الناس ! قولوا : لا إله إلا الله و
رجل يتبعه بالحجارة قد أدمى كعبيه و عرقوبيه و يقول : يا أيها الناس ! لا
تطيعوه فإنه كذاب ! قال قلت : من هذا ؟ قالوا هذا غلام بني عبد المطلب قال
فقلت : من هذا الذي يتبعه يدميه ؟ قالوا : عمه عبد العزى أبو لهب
قال أبو حاتم : كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو الخلق إلى الله وحده
لا شريك له و كان أبو جهل يقول للناس : إنه كذاب يحرم الخمر و يحرم الزنا
و ما كانت العرب تعرف الزنا فبينما النبي صلى الله عليه و سلم يصلي في ظل
الكعبة إذ قام أبو جهل في ناس من قريش و نحر لهم جزورا في ناحية مكة
فأرسلوا فجاءوا بسلاها و طرحوه عليه فجاءت فاطمة و ألقته عنه فقال النبي
صلى الله عليه و سلم : [ اللهم ! عليك بقريش اللهم ! عليك بقريش اللهم
عليك بقريش بأبي جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و الوليد بن
عتبة و أمية بن خلف و عقبة بن أبي معيط ] ثم اجتمعوا يوما و رسول الله صلى
الله عليه و سلم يصلي عند المقام و هم جلوس في ظل الكعبة فقام إليه عقبة
بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جره حتى وجب النبي صلى الله عليه و سلم
لركبته ساقطا و تصايح الناس و ظنوا أنه مقتول و أقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ
بضبعي رسول الله صلى الله عليه و سلم من ورائه و هو يقول : أتقتلون رجلا
أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عن النبي صلى الله عليه و سلم فقام رسول الله
صلى الله عليه و سلم يصلي فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة
فقال : [ يا معشر قريش ! و الذي نفس محمد بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح
] و أشار بيده إلى حلقه فقال له أبو جهل : يا محمد ! ما كنت جهولا ! فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنت منهم ] فقال أبو جهل : ألم أنهك يا
محمد ؟ فانتهره النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبو جهل : [ لم تنهرني و
الله لقد علمت ما بها رجل أكثر ناديا مني ] ! فقال جبريل : فليدع ناديه و
لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب فقالت قريش : انظروا أعلمكم بالسحر و
الكهانة و الشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا و شتت أمرنا و عاب
ديننا فليكلمه و لينظر ماذا يرد عليه فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن
ربيعة فقالوا : أنت يا أبا الوليد ! فأتى عتبة فقال : يا محمد ! أنت خير
أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أنت خير أم عبد
المطلب ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فإن كنت تزعم أن هؤلاء
خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت و إن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى
تسمع قولك أما و الله ! ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك فرقت جماعتنا
و شتت أمرنا و عبت ديننا و فضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش
كاهنا و الله ! ما تنتظر إلا أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى
أيها الرجل ! إن كان إنما بك الباه فاختر أي نساء قريش شئت حتى أزوجك عشرا
و إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش مالا فقال له رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ أفرغت ؟ ] قال : نعم فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : { بسم الله الرحم الرحيم : حم تنزيل من الرحمن الرحيم }
حتى بلغ { فإن أعرضوا فقد أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد و ثمود } فقال له
عتبة : حسبك حسبك ! ما عندك غير هذا ثم رجع إلى قريش فقالوا : ما وراءك ؟
قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا تكلمت به قالوا : فهل أجابك ؟
قال : نعم لا و الذي نصبها ـ يعني الكعبة ـ ما فهمت شيئا مما قال غير أنه
قال : { أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد و ثمود } قالوا : ويلك ! يكلمك رجل
بالعربية ما تدري ما قال ! قال : فو الله ! ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر
الصاعقة فكانوا يؤذونه بأنواع الأذى و رسول الله صلى الله عليه و سلم
يبلغهم رسالات ربه صابرا محتسبا ثم إن الله جل و علا أراد هدي عمر بن
الخطاب و كان عمر من أشد قريش على رسول الله صلى الله عليه و سلم شغبا و
أكثرهم للمسلمين أذى و كان السبب في إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب كانت
تحت سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل و كانت قد أسلمت و أسلم زوجها سعيد بن زيد
و هم يستخفون بإسلامهم من عمر و كان نعيم بن عبد الله بن النحام قد أسلم و
كان يخفي إسلامه و كان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها
القرآن فخرج عمر يوما متوشحا بسيفه يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم و
ذكر له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا و هم قريب من أربعين بين رجال و
نساء و مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حمزة و علي و أبو بكر في رجال من
المسلمين ممن أقام مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة و لم يخرج إلى
أرض الحبشة فلقي نعيم بن النحام عمر بن الخطاب فقال : أين تريد ؟ فقال :
أريد محمدا هذا الصابىء الذي فرق أمر قريش و سفه أحلامها و عاب دينها و سب
آلهتها فاقتله فقال له نعيم : و الله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر ! أترى
أن عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض و قد قتلت محمدا ! أفلا ترجع إلى أهل
بيتك فتقيم أمرهم ! قال : و أي أهل بيتي ؟ فقال : ختنك و ابن عمك سعيد بن
زيد وأختك فقد أسلما و بايعا محمدا على دينه فعليك بهما فرجع عمر عامدا
لختنه و أخته و عندهما خباب بن الأرت و معه صحيفة فيها طه يقرئها إياهما
فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم و أخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة
فجعلتها تحت فخذها وقد سمع حين دنا من البيت قراءتهما عليه فلما دخل قال :
ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئا قال : بلى و الله !
لقد أخبرت أنكما بايعتما محمدا على دينه و بطش بختنه سعيد بن زيد : فقامت
إليه فاطمة لتكفه عن زوجها فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته و ختنه
نعم قد أسلمنا و آمنا بالله و رسوله فاصنع ما بدا لك ! فلما رأى عمر ما
بأخته من الدم ندم على ما صنع ارعوى و قال لأخته : اعطيني هذه الصحيفة
التي سمعتكم تقرؤون آنفا انظر ما هذا الذي جاء به محمد ـ و كان عمر كاتبا
فلما قال ذلك قالت له أخته : إنا لنخشاك عليها قال : لا تخافي ـ و حلف لها
بآلهته ليردها إليها فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له : يا أخي ! إنك
نجس على شركك و إنه لا يمسها إلا المطهرون فقام عمر بن الخطاب فاغتسل ثم
أعطته الصحيفة و فيها { طه } فلما قرأ سطرا منها قال : ما أحسن هذا الكلام
! فلما سمع خباب ذلك خرج إليه فقال له : يا عمر ! و الله لأرجو يكون خصك
الله بدعوة نبيه صلى الله عليه و سلم فإني سمعته يقول [ اللهم ! أيد
الإسلام بأبي الحكم بن هاشم أو بعمر بن الخطاب ] ! فقال له عمر : دلني
عليه يا خباب حتى أتيه فأسلم فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا معه فيه
نفر من أصحابه فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه و
سلم فلما بلغ ضرب عليه الباب فلما سمع المسلمون صوته قام رجل فنظر من خلال
الباب فرآه متوشحا بالسيف فقال حمزة بن عبد المطلب : أئذن له فإن كان يريد
خيرا به لناله و إن كان يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ أئذن له ] فأذن له الرجل و نهض إليه صلى الله عليه و سلم
حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته ثم جبذه جبذة عظيمة و قال : [ ما جاء بك
يا بن الخطاب ؟ و الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة ! ] فقال
له عمر : يا رسول الله ! جئتك لأومن بالله و رسوله و بما جئت به من عند
الله قال : فكبر رسول الله صلى الله عليه و سلم تكبيرة عرف أهل البيت من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن عمر أسلم فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ يا عمر ! استره ] فقال عمر : و الذي بعثك بالحق لأعلنته
كما أعلنت الشرك فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك و قد
عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر و حمزة و عرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى
الله عليه و سلم و لذلك كان يقول ابن مسعود : ما زلنا أعزة مذ أسلم عمر
ثم توفيت خديجة فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ رأيت لخديجة بيتا في الجنة لا صخب فيه و لا نصب ]
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم عند وفاة خديجة عائشة بنت أبي بكر
قبل الهجرة بثلاثة سنين في شهر شوال و هي بنت ست لم يتزوج بكرا غيرها و
كانت أم عائشة أم رومان بنت عامر ابن عويمر بن عبد شمس
ثم خرج رسول
الله صلى الله عليه و سلم إلى الطائف يلتمس من ثقيف المنعة و أشراف ثقيف
يومئذ عبد يا ليل و حبيب و مسعود بن عمرو فلما أتاهم رسول الله صلى الله
عليه و سلم دعاهم إلى الله فقال أحدهم : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك ؟ و
قال الآخر هو يمرط ثياب الكعبة : إن كان الله أرسلك ـ و قال الآخر : إن
كان كما تقول ـ ما ينبغي لي أن أكلمك أجلالا لك و إن كنت تكذب على الله ما
ينبغي لي أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد سمع ما يكره
فالتجأ إلى حائط لبني ربيعة و إذا عتبة و شيبة فيه فلما رأياه تحركت له
رحمها فدعوا غلاما لهما يقال له : عداس نصرانيا فقالا له : خذ هذا العنب و
اجعله في هذا الإناء و اذهب به إلى ذلك الرجل فلما أتاه به عداس وضع رسول
الله صلى الله عليه و سلم يده في العنب و سمى الله فنظره عداس في وجهه و
قال : إن هذا لشيء ما يقوله الناس اليوم ! قال : [ و من أنت ؟ ] قال : أنا
رجل نصراني من أهل نينوى قال : [ من قرية يونس بن متى ؟ ] قال : و ما
يدريك ما يونس بن متى ؟ قال : [ ذلك أخي كان نبيا من الأنبياء ] فجعل عداس
يقبل يديه و رجليه و يقول : قدوس ! و قال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما
غلامك فقد أفسده عليك ! فلما رجع إليهما فسألاه عما قال له فقال : لقد
أخبرني عن شيئ ما يعلمه إلا نبي ! قالا : يا عداس ويحك ! لا تخدع عن دينك
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أيس من الطائف فمر بنخلة فقام
يصلي من جوف الليل فمر به النفر من الجن أصحاب نصيبين فاستمعوا له عامة
ليلته فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين و هم سبعة أنفس
ثم
قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة يدعوهم إلى الله و يستنصرهم
ليمنعوا ظهره حتى ينفذ عن الله ما بعثه به ثم افتقده أصحابه ليلة فباتوا
بشر ليلة فجعلوا يقولون : استطير أو اغتيل و تفرقوا في الشعاب و الأودية
يطلبونه فلقيه بن مسعود مقبلا من نحو حراء فقال : يا نبي الله ! بأبي أنت
و أمي ! بتنا بشر ليلة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أتاني داعي
الجن فأتيتهم أقرئهم القرآن و سألوني الزاد فقلت : كل عظم ذكر اسم الله
عليه يقع في أيديكم أو فرما كان لحما و البعر علفا لدوابكم ] فلذلك نهى
رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الاستنجاء بالروث و العظم لأنه زاد
إخواننا من الجن و كان بن مسعود يقول : أراني رسول الله صلى الله عليه و
سلم ليلة الجن آثارهم و نيرانهم ثم أمر الله عز و جل رسوله صلى الله عليه
و سلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب
أخبرنا الحسن بن عبد الله بن
يزيد القطان بالرقة ثنا عبد الجبار بن محمد ابن كثير التميمي ثنا محمد بن
بشر اليماني عن أبان بن عبد الله البجلي عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن
عباس قال حدثني علي بن أبي طالب قال : لما أمر الله و رسوله صلى الله عليه
و سلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج و أنا معه و أبو بكر الصديق حتى
دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر فسلم و قال : ممن القوم ؟
قالوا : من ربيعة قال : و أي ربيعة أنتم ؟ أمن هامتها أم من لهازمها ؟
فقالوا : لا بل من هامتها العظمى قال أبو بكر : و أي هامتها العظمى أنتم ؟
قالوا : من ذهل الأكبر قال أبو بكر : فمنكم عوف الذي يقال له لا حر بوادي
عوف ؟ قالوا : لا قال فمنكم بسطام بن قيس صاحب اللواء و منتهى الأحياء ؟
قالوا : لا قال : فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار و مانع الجار ؟ قالوا :
لا قال : فمنكم الحوفزان قاتل الملوك سالبها أنفسها ؟ قالوا : لا قال :
فمنكم أصهار الملوك من لخم ؟ قالوا : لا قال أبو بكر : فلستم إذا ذهلا
الأكبر أنتم ذهل الأصغر فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين بقل
وجهه فقال : على سائلنا أن نسأله يا هذا إنك سألتنا فأخبرناك و لم نكتمك
شيئا فممن الرجل ؟ فقال أبو بكر : أنا من قريش فقال الفتى : بخ بخ أهل
الشرف و الرئاسة فمن أي القرشيين أنت ؟ قال : من ولد تيم بن مرة قال :
أمكنت و الله الرامي من صفاء الثغرة ! فمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر
فكان يدعى في قريش مجمعا ؟ قال : لا قال : فمنكم هاشم الذي هشم الثريد
لقومه و رجال مكة مسنتون عجاف ؟ قال : لا قال : فمن أهل الحجابة أنت ؟ قال
: لا قال : فمن أهل الندوة أنت ؟ قال : لا قال : فمنكم شيبة الحمد عبد
المطلب مطعم طير السماء الذي كأن وجهه القمر يضيء في الليلة الظلماء
الداجية ؟ قال : لا قال : فمن أهل السقاية ؟ قال : لا و اجتذب أبو بكر
زمام الناقة فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الغلام :
( صادف درء السيل درئا يدفعه ... يهيضه حينا و حينا يصدعه )
أما و الله لقد ثبت ! قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم : فقال
علي : فقلت : يا أبا بكر ! لقد وقعت من الإعرابي على باقعة ! فقال لي :
أجل يا أبا الحسن ! ما من طامة إلا و فوقها طامة و البلاء موكل بالمنطق
قال علي : ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة و الوقار فتقدم أبو بكر و
كان مقدما في كل خير فسلم و قال : ممن القوم ؟ فقالوا : من شيبان بن ثعلبة
فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : بأبي أنت و أمي
يا رسول الله ! ما وراء هذا القوم غر هؤلاء غرر قومهم و فيهم مفروق بن
عمرو و هانئ بن قصيبة و المثنى بن حارثة و النعمان بن شريك و كان مفروق بن
عمرو و قد غلبهم جمالا و لسانا و كان له غديرتان تسقطان على تربيته و كان
أدنى القوم مجلسا من أبي بكر فقال أبو بكر كيف العدد فيكم ؟ فقال مفروق :
إنا لنزيد على ألف و لن يغلب ألف من قلة ! فقال أبو بكر : و كيف المنعة
فيكم ؟ قال مفروق علينا الجهد و لكل قوم جد قال أبو بكر : كيف الحرب بينكم
و بين عدوكم ؟ قال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى و إنا لأشد ما
نكون لقاء حين نغضب و إنا لنؤثر الجياد على الأولاد و السلاح على اللقاح و
النصر من عند الله يديلنا مرة و يديل علينا أخرى لعلك أخو قريش ! قال أبو
بكر : و قد بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فها هو ذا ! قال
مفروق : قد بلغنا أنه يذكر ذلك قال : فإلى م تدعو يا أخا قريش ! [ قال :
أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أني رسول الله و
أن تؤوني و تنصروني فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله فكذبت رسله و استغنت
بالباطل عن الحق و الله هو الغني الحميد فقال مفروق بن عمرو : إلى ما
تدعونا يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم { قل تعالوا أتل
ما حرم ربكم عليكم } الآية قال مفروق و إلى م تدعو يا أخا قريش ؟ فتلا
رسول الله صلى الله عليه و سلم { إن الله يأمر بالعدل و الإحسان } الآية
فقال مفروق : دعوت و الله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق و محاسن الأعمال
و كأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال : و هذا هانئ بن قبيصة
شيخنا و صاحب ديننا ! فقال : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ! و إني أرى إن
تركنا ديننا و اتبعناك على دينك لمجلس جلسته إلينا زلة في الرأي و قلة فكر
في العواقب و إنما تكون الزلة مع العجلة و من ورائنا قوم نكره أن نعقد
عليهم عقدا و لكن ترجع و نرجع و تنظر و ننظر و كأنه أحب أن يشركه في
الكلام المثنى بن حارثة فقال : و هذا المثنى بن حارثة شيخنا و صاحب حربنا
! فقال المثنى قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ! و الجواب هو جواب هانئ بن
قبيصة في تركنا ديننا و اتباعنا إياك على دينك و إنما نزلنا بين ضرتين
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما هاتان الضرتان ؟ قال : أنهار
كسرى و مياه العرب و إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى لا نحدث حدثا و
لا نؤوي محدثا و إني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك فإن
أحببت أن نؤويك و ننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق و إن دين الله لن ينصره
إلا من أحاطه الله من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى
يورثكم الله أرضهم و ديارهم و أموالهم و يفرشكم نساءهم أتسبحون الله و
تقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم ! نعم قال : فتلا رسول الله صلى
الله عليه و سلم { إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله
بإذنه و سراجا منيرا } ثم نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم قابضا على يد
أبي بكر و هو يقول : يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع
الله بأس بعضهم عن بعض ]
قال أبو حاتم : إن الله جل و علا أمر رسول
الله صلى الله عليه و سلم أن يعرض على قبائل العرب يدعوهم إلى الله وحده و
أن لا يشركوا به شيئا و ينصروه و يصدقوه فكان يمر على مجالس العرب و
منازلهم فإذا رأى قوما وقف عليهم و قال : [ إني رسول الله إليكم ! يأمركم
أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا و تصدقوني ] و خلفه عبد العزى أبو لهب بن
عبد المطلب عمه يقول : يا قوم لا تقبلوا منه فإنه كذاب ـ حتى أتى كندة في
منازلهم فعرض عليهم نفسه و دعاهم إلى الله فأبوا أن يستجيبوا له ثم أتى
كلبا في منازلهم فكلم بطنا منهم يقال له بنو عبد الله فجعل يدعوهم حتى أنه
ليقول لهم : [ يا بني عبد الله ! إن الله قد أحسن اسم أبيكم إني رسوله
فاتبعوني حتى أنفذ أمره ] فلم يقبلوا منه ثم أتى بني حنيفة في منازلهم
فردوا عليه ما كلمهم به و لم يكن من قبائل العرب أعنف ردا عليه منهم ثم
أتى بني عامر بن صعصعة في منازلهم فدعاهم إلى الله فقال قائل منهم : إن
اتبعناك و صدقناك فنصرك الله ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر
من بعدك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ الأمر إلى الله يضعه حيث
يشاء ] فقالوا : أنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر في غيرنا !
لا حاجة لنا في هذا من أمرك
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
يحضر الموسم فيعرض نفسه على من حضر من العرب فبلغ رسول الله صلى الله عليه
و سلم العقبة و إذا رهط منهم رموا الجمرة فاعترضهم رسول الله صلى الله
عليه و سلم و قال : [ ممن أنتم ] ؟ قالوا : من الخزرج قال : [ أمن موالي
يهود ؟ ] قالوا : نعم فكلمهم بالذي بعثه الله به فقال بعضهم لبعض : يا قوم
! إن هذا الذي كانت اليهود يدعوننا به أن يخرج في آخر الزمان و كانت
اليهود إذا كان بينهم شيء قالوا : إنما ننتظر نبيا يبعث الآن يقتلكم قتل
عاد و ثمود فنتبعه و نظهر عليكم معه ثم قالوا لرسول الله صلى الله عليه و
سلم : نرجع إلى قومنا و نخبرهم بالذي كلمتنا به فما أرغبنا فيك ! إنا قد
تركنا قومنا على خلاف فيما بينهم لا نعلم حيا من العرب بينهم من العداوة
ما بينهم و سنرجع إليهم بالذي سمعنا منك لعل الله يقبل بقلوبهم و يصلح بك
ذات بينهم و يؤلف بين قلوبهم و أن يجتمعوا على أمرك ! فإن يجتمعوا على أمر
واحد فلا رجل أعز منك ثم قدموا إلى المدينة فأفشوا ذلك فيهم و لما رجع حاج
العرب كان لبني عامر شيخ قد كبر لا يستطيع أن يوافي معهم الموسم و كان من
أمرهم بمكان فكانوا إذا رجعوا سألهم عما كان في موسهم ذلك فلما كان ذلك
العام سألهم فأخبروه عما قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و دعاهم
إليه فوضع الشيخ يده على رأسه و قال : يا بني عامر ! هل لها من تلاف ؟ هل
لذناباها من مطلب ؟ فو الله ما تقولها إسماعيلي و إنها لحق ! و يحكم ! أين
غاب عنكم رأيكم !
و سمعت قريش بمكة بالليل صوتا و لا يرون شخصه يقول
: فإن يسلم السعدان يصبح محمد من الأمر لا يخشى خلاف المخالف فقالت قريش :
لو علمنا من السعدان لفعلنا و فعلنا فسمعوا من القائل و هو يقول :
( فيا سعد سعد الأوس كن أنت مانعا ... و يا سعد سعد الخزرجين الغطارف )
( أجيبا إلى داعي الهدى و تمنيا ... على الله في الفردوس زلفة عارف )
( فإن ثواب الله للطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات رفارف )
السعدان يريد به سعد الأوس ـ سعد بن معاذ و سعد الخزرج ـ سعد بن عبادة
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عون الرازي ثنا عمار بن الحسن ثنا سلمة بن
الفضل عن ابن إسحاق قال أخبرني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله
اليزني عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت قال : كنا
اثني عشر رجلا في العقبة الأولى فبايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم
على بيعة النساء أن لا نشرك بالله شيئا و لا نسرق و لا نزني و لا نقتل
أولادنا و لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا و أرجلنا و لا نعصيه في معروف
فمن وفي فله الجنة و من غشي من ذلك شيئا فأمره إلى الله إن شاء عذبه و إن
شاء غفر له
قال أبو حاتم : فلما كان الموسم جعل النبي صلى الله عليه
و سلم يتبع القبائل يدعوهم إلى الله فاجتمع عنده بالليل اثنا عشر نقيبا من
الأنصار فقالوا : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا نخاف إن جئتنا على
حالك هذه أن لا يتهيأ لنا الذي نريد و لكن نبايعك الساعة و ميعادنا العام
المقبل فبايعهم النبي صلى الله عليه و سلم على أن لا يشركوا بالله شيئا و
لا يسرقوا و لا يزنوا و لا يقتلوا أولادهم و لا يأتوا ببهتان يفترونه بين
أيديهم و أرجلهم و لا يعصونه في معروف فمن وفى فله الجنة و من غشي من ذلك
شيئا فأمره إلى الله إن شاء غفر له و إن شاء عذبه
و أسماؤهم : منهم من بني النجار و ثلاثة أنفس : أسعد بن زرارة بن عدس و هو أبو أمامة و عوف و معاذ ابنا الحارث بن رفاعة
و من بني زريق بن عامر بن زريق : رافع بن مالك بن العجلان و ذكوان بن عبد قيس بن خالدة
و من بني غنم : عوف بن عمر بن عوف بن الخزرج
و منهم القوافل : عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم و أبو عبد الرحمن ابن
يزيد بن ثعلبة حليف لهم من بلى و من بني سالم بن عوف : عباس بن عبادة بن
نضلة
و من بني سلمة جعد بن سعيد ثم من بني حرام : عقبة بن عامر بن نابي و قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد
و من بني عبد الأشهل بن جشم : أبو الهيثم بن التيهان و اسمه مالك و عويم بن ساعدة
ثم رجعوا إلى قومهم بالمدينة و أخبروهم الخبر و فشا ذكر الإسلام بالمدينة
فكان الواحد بعد الواحد من الأنصار يخرج من المدينة إلى مكة فيؤمن برسول
الله صلى الله عليه و سلم ثم ينقلب إلى أهله فيسلم بإسلامه جماعة حتى لم
تبق دار من دور الأنصار إلا و فيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام
ثم اختلف الأوس و الخزرج في الصلاة و أبوا أن يترك بعضهم يؤم بعضا فبعث
رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة مصعب بن عمير مع جماعة و ذلك
أنهم كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه أن يبعث عليهم رجلا
من أصحابه يفقههم في الدين فنز ل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة فكان
يأتى به دور الأنصار فيدعوهم إلى الله و يقرأ عليهم القرآن و يفقه من كان
منهم دخل في الإسلام و كان إسلام سعد بن معاذ و أسيد بن حضير على يد مصعب
و ذلك أنه خرج مع أسعد بن زرارة إلى حائط من حوائط بني النجار معهما رجال
من المسلمين فبلغ ذلك سعد بن معاذ فقال لأسيد بن حضير : ائت هذا الرجل
فلولا أنه مع أسعد بن زرارة و هو ابن خالتي كما علمت كنت أنا أكفيك شأنه !
فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم خرج حتى أتى مصعبا فوقف متشتما و قد قال أسعد
لمصعب حين نظر إلى أسيد : هذا أسيد ! من سادات قوم له خطر و شرف فلما
انتهى إليهما تكلم بكلام فيه بعض الغلظة فقال له مصعب بن عمير : أوتجلس
فتسمع ؟ فإن سمعت خيرا قبلته و إن كرهت شيئا أو خالفك أعفيناك عنه قال
أسيد : ما بهذا بأس ثم ركز حربته و جلس فتكلم مصعب بالإسلام و تلا عليه
القرآن قال أسيد : ما أحسن هذا القول ! ثم أمره فتشهد شهادة الحق و قال
لهم : كيف أفعل ؟ فقال له : تغتسل و تطهر ثوبك و تشهد شهادة الحق و تركع
ركعتين ففعل و رجع إلى بني عبد الأشهل و ثبتا مكانهما فلما رآه سعد بن
معاذ مقبلا قال : أحلف بالله لقد رجع إليكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به
من عندكم ! فلما وقف عليه قال له سعد : ما وراءك ؟ قال : كلمت الرجلين
فكلماني بكلام رقيق و زعما أنهما سيتركان ذلك و قد بلغني أن بني حارثة قد
سمعوا بمكان أسعد فاجتمعوا لقتله و إنما يريدون بذلك إحقارك و هو ابن
خالتك فإن كان لك به حاجة فأدركه فوثب سعد و أخذ الحربة من يدي أسيد و قال
: ما أراك أغنيت شيئا ! ثم خرج حتى جاءهما و وقف عليهما متشتما و قد قال
أسعد لمصعب حين رأى سعدا : هذا و الله سيد من وراءه ! إن تابعك لم يختلف
عليه اثنان من قومه فأبلى الله فيه بلاء حسنا فلما وقف سعد قال لأسعد بن
زرارة : أجئتنا بهذا الرجل يسفه شبابنا و ضعفاءنا و الله لولا ما بيني و
بينك من الرحم ما تركتك و هذا ! فلما فرغ سعد من مقالته قال له مصعب :
أوتجلس فتسمع ؟ فإن سمعت خيرا قبلته و إن خالفك شيء أعفيناك قال : أنصفت
فركز حربته ثم جلس فكلمه بالإسلام و تلا عليه القرآن فقال سعد : ما أحسن
هذا ! نقبله منك ونعينك عليه كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر ؟ قال :
تغتسل وتطهر ثوبك و تشهد شهادة الحق و تركع ركعتين ففعل ثم خرج سعد حتى
أتى بني عبد الأشهل فلما رأوه قالوا : و الله لقد رجع إليكم سعد بغير
الوجه الذي ذهب به من عندكم ! فلما وقف عليهم قالوا : مما حئت ؟ قال يا
بني عبد الأشهل كيف تعلمون رأيي فيكم و أمري عليكم ؟ قالوا أنت خيرنا رأيا
قال فإن كان كلام رجالكم و نسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده و
تشهدوا أن محمدا رسول الله و تدخلوا في دينه فما أمسى من ذلك اليوم في دار
بني عبد الأشهل رجل و لا امرأة إلا أسلم
جمعها أبو أمامة أسعد بن زرارة و هم أربعون رجلا في روضة يقال لها نقيع الخضمات من حرة بني بياضة فكان كعب بن مالك يقول فيما بعد إذا سمع الأذان يوم الجمعة : رحمة الله على أبي أمامة أسعد بن زرارة !
أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني و
أحمد بن علي بن المثنى التميمي و عمران بن موسى بن مجاشع السختياني قالوا
ثنا هدية بن مجاشع السختياني قالوا ثنا هدية بن خالد القيسي ثنا همام ابن
يحيى ثنا قتادة [ عن أنس بن مالك بن صعصعة أن نبي الله صلى الله عليه و
سلم حدثهم عن ليلة أسري به قال : بينا أنا في الحطيم ـ و ربما قال في
الحجر ـ مضطجع إذ أتاني [ جبريل ] فشق ما بين هذه إلى هذه فاستخرج قلبي ثم
أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا و حكمة فغسل قلبي ثم أعيد ثم أتيت بدابة
دون البغل و فوق الحمار يضع خطوة عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي
جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال جبريل قيل : و
من معك ؟ قال : محمد قيل : و قد أرسل إليه ؟ قال : نعم قيل : مرحبا به !
فنعم المجيء جاء ! ففتح فلما خلصت إذا فيها آدم فقال : هذا أبوك آدم فسلم
عليه قال : فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال : مرحبا بالابن الصالح و
النبي الصالح ! ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل : ما هذا ؟
قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد قيل : و قد أرسل إليه ؟ قال :
نعم قبل : مرحبا به ! فنعم المجيء جاء ! ففتح له فلما خلصت إذا نحن بعيسى
و يحيى و هما ابنا الخالة قال : هذا يحيى و عيسى فسلم عليهما قال : فسلمت
و ردا ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح ! ثم صعد بي إلى السماء
الثالثة فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل ؟ قيل : و من معك ؟ قال :
محمد قيل : و قد أرسل إليه ؟ قال : نعم قيل : مرحبا به ! فنعم المجيء جاء
! ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال : هذا يوسف فسلم عليه قال : فسلمت عليه فرد
ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح ! ثم صعد بي إلى السماء
الرابعة فاسفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد
قيل : و قد أرسل إليه ؟ قال : نعم قيل : مرحبا به ! فنعم المجيء جاء !
ففتح فلما خلصت فإذا إدريس قال : هذا إدريس فسلم عليه قال : فسلمت عيه فرد
ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح ! ثم صعد بي حتى أتى السماء
الخامسة فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد
قيل : و قد أرسل إليه ؟ قال : نعم قيل : مرحبا به ! فنعم المجيء جاء !
ففتح فلما خلصت إذا بهارون قال : هذا هارون فسلم عليه قال : فسلمت عليه
فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح ! ثم صعد بي حتى
أتى السماء السادسة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟
قال : محمد قيل : و قد أرسل إليه ؟ قال : نعم قيل : مرحبا به ! فنعم
المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا موسى قال : هذا موسى فسلم عليه قال :
فسلمت عليه فرد و قال : مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح ! فلما تجاوزت
بكى قال : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته
أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي حتى أتى السماء السابعة فاستفتح قيل :
من هذا ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد قيل : و قد أرسل إليه ؟
قال : نعم قيل : مرحبا به ! فنعم المجيء جاء ! ففتحت فلما خلصت إذا
إبراهيم قال : هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه قال : فسلمت عليه فرد السلام ثم
قال : مرحبا بالنبي الصالح و الابن الصالح ! ثم رفعت إلى سدرة المنتهى
فإذا نبقها مثل قلال هجر و إذا ورقها مثل آذان الفيلة قال : هذه سدرة
المنتهى قال فإذا أربعة أنهار : نهران ظاهران و نهران باطنان فقلت : ما
هذان يا جبريل قال : أما الباطنان فنهران في الجنة و أما الظاهران فالنيل
و الفرات ثم رفع إلى البيت المعمور ثم أتى بإناء من خمر و إناء من لبن و
إناء من عسل فأخذت اللبن فقال : هي الفطرة و أنت عليها و أمتك ثم فرضت علي
الصلوات خمسين صلاة كل يوم فرجعت فمررت بموسى فقال : بما أمرت ؟ قلت :
أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم و إني
قد جربت الناس قبلك و عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ارجع إلى ربك فاسأله
التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال : بما أمرت ؟ قلت
: أمرت بأربعين صلاة كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم
إني قد جربت الناس قبلك و عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك
فسله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلي موسى فقال : بما أمرت ؟
قلت : أمرت بثلاثين صلاة كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل
يوم فإني قد جربت الناس قبلك و عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى
ربك فسله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عشرا فرجعت إلى موسى قال : بما أمرت ؟
قلت : أمرت بعشرين صلاة كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة و إني
قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله
التخفيف لأمتك فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ثم رجعت إلى موسى فقال : بما
أمرت ؟ قلت : أمرت بعشر صلوات كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع عشر صلاة كل
يوم و إني قد جربت الناس قبلك و عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى
ربك فسله التخفيف لأمتك فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى
فقال : بما أمرت ؟ قلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع
خمس صلوات كل يوم و إني قد جربت الناس قبلك و عالجت بني إسرائيل أشد
المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك قلت : قد سألت ربي حتى استحييت
و لكني أرضى و أسلم فلما جاوزت ناداني مناد : أمضيت فريضتي و خففت عن
عبادي ]
قال أبو حاتم : أسرى النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيت
المقدس ثم عرج به إلى السماء و فرض عليه خمس صلوات ثم بعث الله جبريل ليؤم
رسول الله صلى الله عليه و سلم عند البيت و يعلمه أوقات الصلوات فلما كان
الظهر نودي : إن الصلاة جامعة ففزع الناس و اجتمعوا إلى نبيهم فصلى بهم
حين زالت الشمس على مثل الشراك يؤم جبريل محمد و يؤم محمد الناس ثم صلى به
العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم صلى به المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى به
العشاء حين غاب الشفق ثم صلى به الفجر حين حرم الطعام و الشراب على الصائم
ثم صلى به الظهر من الغد حين صار ظل كل شيء مثله ثم صلى به العصر حين
صار ظل كل شيء مثليه ثم صلى به المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى به العشاء
حين ذهب ثلث الليل ثم صلى به الفجر حين أسفر ثم التفت جبريل إلى محمد صلى
الله عليه و سلم ثم قال : يا محمد ! هذا وقتك و وقت الأنبياء قبلك الوقت
فيما بين هذين الوقتين
أخبرنا محمد بن صالح الطبري بالصيمرة ثنا
أبو كريب ثنا إدريس عن يحيى بن سعيد الأنصاري و عبد الله بن عمر و محمد بن
إسحاق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده عبادة بن
الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم على السمع و الطاعة في
العسر و اليسر و المكره و المنشط و على أثرة علينا و أن لا ننازع الأمر
أهله و أن نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم
قال أبو
حاتم : فلما كان العام المقبل من حيث واعد الأنصار رسول الله صلى الله
عليه و سلم أن يلقوه من العام المقبل بمكة خرج سبعون رجلا من الأنصار فيمن
خرج من أهل الشرك من قومهم من أهل المدينة فلما كانوا بذي الحليفة قال
البراء ابن معرور بن صخر بن خنساء و كان كبير الأنصار : إني قد رأيت رأيا
ما أدري أتوافقوني عليه أم لا قد رأيت ألا أجعل هذه البنية مني بظهر و أن
أصلي إليها ـ يعني الكعبة فقالوا له : و الله ما هذا برأي و ما كنا لنصلي
إلى غير قبلة فأبوا ذلك عليه و أبى أن لا يصلي إلا إليها فلما غابت الشمس
صلى إلى الكعبة و صلى أصحابه إلى الشام حتى قدموا مكة ن قال البراء بن
معرور لكعب بن مالك : و الله يا ابن أخي ! قد وقع في نفسي مما صنعت في
سفري هذا فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أسأله عما
صنعت و كانوا لا يعرفون رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما كانوا يعرفون
العباس بن عبد المطلب لأنه كان يختلف إليهم إلى المدينة تاجرا فخرجوا
يسألون عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة حتى إذا كانوا بالبطحاء
سألوا رجلا عنه فقال : هل تعرفونه ؟ قالوا : لا قال : فهل تعرفون العباس
بن عبد المطلب ؟ قالوا : نعم قال : فإذا دخلتم المسجد فانظروا من الرجل
الذي مع العباس جالس فهو هو تركته معه الآن فخرجوا حتى جاءوا فسلموا
عليهما ثم جلسوا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس : هل تعرف
هذين الرجلين ؟ قال : نعم هذا البراء بن معرور و هذا كعب بن مالك فقال له
البراء يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ! إني صنعت في سفري هذا شيئا قد
وقع في نفسي منه شيء فأخبرني عنه رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر و
صليت إليها فعنفني أصحابي و خالفوني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها ـ و لم يزد على ذلك ثم خرجوا إلى منى فلما
كان في أوسط أيام التشريق ذات ليلة واعدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم
العقبة فخرجوا في جوف الليل يتسللون من رجالهم و يخوفون ذلك من قومهم من
المشركين فلما اجتمعوا عند العقبة أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و
معه عمه العباس فكان أول من تكلم العباس فقال : يا معشر الخزرج إن محمدا
صلى الله عليه و سلم في منعة من قومه و بلاده و قد منعناه ممن ليس على مثل
رأينا فيه و قد أبى إلا الانقطاع إليكم فإن كنتم ترون أنكم توفون له بما
وعدتموه فأنتم و ما جئتم به و إن كنتم تخافون عليه من أنفسكمم شيئا فالآن
فاتركوه فإنه في عز و منعة قالوا : قد سمعنا ما قلت ثم تكلم رسول الله صلى
الله عليه و سلم و تلا عليهم القرآن و دعاهم إلى الله فآمنوا و صدقوه ثم
تكلم البراء معرور وأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : بايعنا
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أبايعكم على السمع و الطاعة في
المنشط و المكره و النفقة في العسر و اليسر و على الأمر بالمعروف و النهي
عن المنكر و أن لا تخافوا في الله لومة لائم و على أن تنصروني و تمنعوني
بما تمنعون به أنفسكم و أزواجكم و أبناءكم و لكم الجنة ] فبايعوه على ذلك
فقال رجل من الأنصار يقال له عباس بن عبادة بن نضلة : يا معشر الأنصار !
هل تدرون ما تبايعون عليه هذا الرجل إنكم تبايعونه على حرب الأسود و
الأحمر فإن كنتم ترون أنكم لتوفون بما عاهدتموه عليه فهو خير الدنيا و
الأخرة فخذوه و إن كنتم ترون أنكم مسلموه إذا كان ذلك فالآن فدعوه فهو خزي
الدنيا و الآخرة فقال أبو الهيثم بن التيهان : يا رسول الله صلى الله عليه
و سلم إن بيننا و بين قومه رحما و إنا قاطعوها فيك فهل عسيت إن نحن
بايعناك وأظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا ؟ فضحك رسول الله صلى الله
عليه و سلم و قال : [ الدم الدم ! الهدم الهدم ! إني منكم و أنتم مني
أسالم من سالمتم و أحارب من حاربتم ] ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه
و سلم : [ ابعثوا إلي منكم اثني عشر نقيبا كفلا على قومهم بما كان منهم
ككفالة الحواريين بعيسى ابن مريم ] فقال أسعد بن زرارة : نعم يا رسول الله
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ و أنت نقيب على قومك ] فقال : نعم
فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم اثني عشر نقبيبا فكان نقيب بني
مالك بن النجار أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم
بن مالك بن النجار و كان نقيب بني سلمة البراء بن معرور و عبد الله بن
عمرو بن حرام أبو جابر بن عبد الله و كان نقيب بني ساعدة المنذر بن عمرو
بن خنيس و سعد بن عبادة بن دليم و كان نقيب بني زريق بن عامر رافع ابن
مالك بن العجلان و كان نقيب بني الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة ابن
مالك و سعد بن الربيع بن عمرو و كان نقيب القوافل عبادة بن الصامت بن قيس
و كان نقيب بني عبد الأشهل أسيد بن حضير بن سماك و أبو الهيثم بن التيهان
و كان نقيب بني عمرو بن عوف سعد بن خيثمة بن الحارث فقال عباس بن عبادة بن
نضلة : و الله يا رسول الله ! لئن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا !
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لم أؤمر بذلك ارجعوا إلى رحالكم
فرجعوا إلى رحالهم و هم سبعون رجلا فلما أصبحوا غدت عليهم قريش قالوا : يا
معشر الخزرج ! إنه قد بلغنا عنكم شيء لا ندري أحق هو أم باطل إنه لأبغض
قوم إلينا أن تنشب الحرب بيننا و بينهم منكم فجعل من كان من المشركين من
قومهم يحلفون بالله ما علمنا و لا فعلنا و صدقوا قال : كعب بن مالك :
فنظرت إلى عبد الله بن عمرو بن حرام فقلت : يا أبا جابر ! أنت شيخ من
شيوخنا و سيد من ساداتنا ألا تتخذ نعلا مثل نعلي هذا الفتى من قريش ـ يريد
الحارث بن هشام فلما سمعه الحارث خلعهما و رمى بهما إليه فقال : البسهما
قال كعب : قال : و الله صالح ! و لئن صدق لأسلبنه
فرجع الأنصار
إلىالمدينة و رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة و كانت هذه
البيعة في ذي الحجة قبل هجرة النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة
بثلاثة أشهر فلما علمت قريش أن القوم قد عاقدوه و رأت من اتبعه من الأنصار
اجتمع نفر من أشراف كل قبيلة و دخلوا دارالندوة ليدبروا أمرهم في رسول
الله صلى الله عليه و سلم فاعترضهم إبليس في صورة شيخ فلما رأوه قالوا :
من أنت ؟ قال : رجل من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له فأردت أن أحضركم و لن
يعدمنكم مني رأي و نصح قالوا : أجل ثم قال : انظروا في أمر هذا الرجل فقال
بعضهم : احبسوه في وثاق تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من
الشعراء فإنما هو كأحدهم قال النجدي : ما هذا برأي فيخرجنه من محبسه و
ليوشكن أن يثبوا عليكم حتى يأخذوه من بين أيديكم ثم لا آمن أن يخرج من
بلادكم انظروا في غير هذا قال قائل : اخرجوه من بين أظهركم فإنه إذا خرج
غاب أذاه و شره و أصلحتم أمركم بينكم و خليتم بينه و بين ما هو فيه قال
النجدي : ما هذا برأي ألم تروا حسن حديثه و حلاوة قوله و طلاقة لسانه و
أخذ القلوب بما يسمع منه و لئن فعلتم استعرض و لا آمن أن يدخل على كل
قبيلة فيقبل منه ما جاء به ثم يسيره إليكم حتى ينزع أمركم من أيديكم
فيخرجكم من بلادكم و يقتل أشرافكم انظروا رأيا غير هذا قال أبو جهل : و
الله ! لأشيرن برأيي عليكم ما أراكم أبصرتموه بعد قالوا : و ما هو ؟ قال :
نأخذ من كل قبيلة غلاما شابا ثم نعطيه سيفا صارما حتى يضربوه ضربة رجل
واحد فإذا تفرق دمه في القبائل فلا أظن أن بني هاشم يقدرون على حرب قريش
كلها فإذا أرادوا ذلك قبلوا العقل و استرحنا منه ثم أصلحتم أمركم فاجتمع
ملككم على ما كنتم عليه من دين آبائكم فقال النجدي : القول ما قال هذا
الفتى لا رأي غيره فتفرقوا على ذلك
و أتاه جبريل و أمره أن لا يبيت
في مضجعه الذي كان يبيت فيه و أخبره بمكر القوم فأمر النبي صلى الله عليه
و سلم عليا فتغشى بردا له أحمر حضرميا فبات في مضجعه و اجتمعت قريش لرسول
الله صلى الله عليه و سلم عند باب بيته يرصدونه فخرج رسول الله صلى الله
عليه و سلم في يده حفنة من تراب فرماها في وجوههم فأخذ الله بأعينهم عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم فباتوا رصدا على بابه و انطلق رسول الله
لحاجته فخرج عليهم من الدار خارج فقال : ما لكم ؟ قالوا : ننتظر محمدا قال
: قد خرج عليكم فانصرفوا يائسين ينفض كل واحد منهم التراب عن رأسه قال أبو
بكر الصديق إنا لله و إنا إليه راجعون ! أخرجوا نبيهم ليهلكن ! فنزلت {
أذن للذين يقتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير } فأمره الله
بالقتال و فرض عليه الجهاد و هي أول آية نزلت في القتال ثم أمر الله جل و
علا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهجرة إلى يثرب
[ أخبرنا
محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي ثنا ابن أبي السرى ثنا عبد الرزاق أن معمر
عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنه قالت : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : أريت دار هجرتكم سبخة ذات نخل بين لابتين و
هما حرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه و
سلم و رجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين و تجهز
أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : على رسلك فإني
أرجو أن يؤذن فقال أبو بكر : و ترجو ذلك بأبي أنت و أمي ؟ قال : نعم فحبس
أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم لصحبته و علف راحلتين
كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر قالت عائشة : فبينا نحن جلوس يوما في
بيتنا في نحر الظهيرة فقال قائل لأبي : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم
مقبل مقتنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر : فداه أبي و أمي !
إن جاء به في هذه الساعة إلا لأمر ! قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه
و سلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر
: أخرج من عندك قال أبو بكر : إنما هو أهلك بأبي أنت يا رسول الله صلى
الله عليه و سلم ! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإنه قد أذن لي
بالخروج فقال أبو بكر : فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : نعم فقال أبو بكر : بأبي أنت يا رسول الله ! خذ
إحدى الراحلتين هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بالثمن قالت
عائشة فجهزناهما أحث الجهاز و صنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت
أبي بكر من نطاقها فأوكت به الجراب فلذلك كانت تسمى ذات النطاق و لحق رسول
الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر بغار في جبل يقال له : ثور فمكثا فيه
ثلاث ليال ]
قال أبو حاتم : لما أمر الله جل و علا رسوله صلى الله
عليه و سلم بالهجرة استأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا من بني
الديل و هو من بني عدي هاديا خريتا ـ و الخريت : الماهر بالهداية ـ قد غمس
حلفا في آل العاص بن وائل السهمي و هو على دين كفار قريش فأمناه و دفعا
إليه راحلتيهما و أوعداه بغار ثور بعد ثلاث و خرج صلى الله عليه و سلم و
أبو بكر حتى أتيا الغار في جبل ثور كمنا فيه و خرج المشركون يطلبونهما حتى
جاءوا إلى الجبل و أشرفوا على الغار فقال أبو بكر : يا رسول الله ! لو
أبصر أحدهم تحت قدمه لأبصرنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يا
أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما ] فأعمى الله أعينهم عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم فلما أيسوا رجعوا و مكث رسول الله صلى الله عليه و
سلم و أبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر الصديق
و هو غلام شاب ثقف ئخن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح بمكة مع قريش كبائت بها
فلا يسمع أمرا يكاد به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط للكلام و
يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منيحة من غنم فيريحها عليهما حين
يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل يفعل ذلك في كل ليلة من الليالي
الثلاث ثم خرج النبي صلى الله عليه و سلم بعد ثلاث معه أبو بكر و عامر بن
فهيرة و الدليل فأخذ بهم الدليل طريق الساحل فاجتنوا ليلتهم حتى أظهروا و
قام الظهيرة رمى أبو بكر بصره هل يرى ظلا يؤون إليه فإذا هم بصخرة فانتهوا
إليها فإذا بقية ظلها فسوى أبو بكر ثم فرش لرسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم قال : اضطجع يا رسول الله ! فاضطجع ثم ذهب ينظر هل يرى من الطلب أحدا
فإذا هو براعي الغنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي يريدون من
الظل فسأله أبو بكر : لمن أنت يا غلام قال : لفلان ـ رجل من قريش فعرفه
أبو بكر فقال : هل في غنمك من لبن ؟ قال : نعم فقال : هل أنت حالب لي ؟
قال : نعم فأمره فاعتقل شاة من غنمه و أمره أن ينفض عنها من الغبار فحلب
له كثبة من لبن و كان معه إداوة لرسول الله صلى الله عليه و سلم على فمها
خرقة فصب اللبن حتى برد أسفله ثم ملأها فانتهى بها إلى رسول الله صلى الله
عليه و سلم و قد استيقظ فقال : اشرب يا رسول الله ! فشرب و شرب أبو بكر
فقال أبو بكر : قد أتى الرجل يا رسول الله ! قال : [ لا تحزن ] و القوم
يطلبونهم قال سراقة بن مالك بن جعشم : جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول
الله صلى الله عليه و سلم و أبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره
فقال سراقة : فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل
فقال : يا سراقة ! إني رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا و أصحابه قال
سراقة : فعرفت أنهم هم فقلت لهم : إنهم ليسوا هم و لكنك رأيت فلانا و
فلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبث في مجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن
تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحسبها علي و أخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت
فحططت بزجة الأرض حتى أتيت فرسي فركبتها و دفعتها تقرب بي حتى ذنوت منهم
فعرد بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها
الأزلام فاستسقمت بها أخرج أما لا ! فخرج الذي أكره فركبت فرسي و عصيت
الأزلام فقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو
لا يلتفت و أبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا
الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكن تخرج يديها فلما استوت قائمة
إذا غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره
فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم و وقع في نفسي حين لقيت ما
لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : إن
قومك قد جعلوا فيك الدية و أخبرتهم بأخبار ما يريد الناس بهم و عرضت عليهم
بالزاد و المتاع فلم يرزءاني و لم يسألاني إلا أنهما قالا : أخف علينا
فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة و أمن فأمر أبا بكر فكتب لي في رق من أدم
قال سراقة : و الله لأعمين على من ورائي من الطلب و هذه كنانتي فخذ منها
سهما فإنك ستمر على إبلي و غنمي بمكان كذا و كذا فخذ منها حاجتك فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ لا حاجة لنا في إبلك و غنمك ] و انطلق راجعا
إلى أصحابه و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلقي الزبير بن العوام في
ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى
الله عليه و سلم و أبا بكر ثيابا بيضاء
ثم ساروا إلى خيمتي أم معبد
الخزاعية و كانت امرأة برزة جلدة تحتبي و تجلس بفناء الخيمة ثم تسقي و
تطعم فينالونها تمرا و يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك فإذا القوم
مرملون مسنتون فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى شاة في كسر خيمتها
فقال : [ ما هذه الشاة يا أم معبد ] ؟ قالت : خلفها الجهد عن الغنم فقال :
[ هل بها من لبن ] ؟ قالت هي أجهد من ذلك قال : [ أتأذنين لي أن أحلبها ]
؟ قالت : نعم بأبي أنت و أمي ! إن رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا رسول الله
صلى الله عليه و سلم بالشاة فمسح ضرعها و ذكر اسم الله عليه و قال : [
اللهم ! بارك لها في شاتها ] فتفاجت و درت و اجترت فدعا بإناء لها يربض
الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء فسقاها فشربت حتى رويت و سقى أصحابه
فشربوا حتى رووا و شرب آخرهم و قال : [ ساقي القوم آخرهم شربا ] فشربوا
جميعا عللا بعد نهل حتى أراضوا ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغادره
عندها ثم ارتحلوا عنها فقل ما لبث فجاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا له حفلا
عجافا يتساوكن هزلا مخهن قليل لا نقى بهن
فلما رأى اللبن عجب و قال
: من أين لك هذا و الشاء عاذب و لا حلوبة في البيت ؟ فقالت : لا و الله
إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت و كيت قال : و الله إني أراه
صاحب قريش الذي نطلبه صفيه لي يا أم معبد ! قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة
مليح الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة و لم تزره صلعة وسيم جسيم قسيم في عينه
دعج و في أشفاره وطف و في صوته صهل أحور الأكحل أزج أقرن رجل شديد سواد
الشعر في عنقه سطع و في لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار و إن تكلم سما و
علاه البهاء كأن منطقه خرزات نظم يتحدرون حلو المنطق فصل لا نزر و لا هذر
أجمل الناس و أبهاهم من بعيد و أحلاه و أحسنه من قريب ربعة لا يتثنى من
طول و لا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا و
أحسنهم قدرا و له رفقاء يحفون به إن قال استمعوا لقوله و إن أمر تسارعوا
إلى أمره محفود محشود لا عابس و لا مفند قال : هذا و الله صاحب قريش الذي
ذكر لنا من أمره ! لو كنت وافقت لالتمست إلى أن أصحب و لأفعلنه إن وجدت
إلى ذلك سبيلا و أصبح صوت بمكة عاليا يسمعونه و لا يدرون من يقوله و هو
يقول :
( جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد )
( هما نزلا بالبر و ارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد )
( فيال قصى ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى و سودد )
( سلوا أختكم عن شاتها و إنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد )
( دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد )
( فغادره رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر ثم مورد )
فأجابه حسان بن ثابت
( لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... و قد سر من يسري إليه و يغتدي )
( ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... و حل على قوم بنور مجدد )
( و هل يستوي ضلال قوم تسكعوا ... عمي و هداة يهتدون بمهتدي )
( نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... و يتلوا كتاب الله في كل مشهد )
( و إن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في ضحوة اليوم أو الغد )
( ليهنئ أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد )
( ليهنئ بني كعب مقام فتاتهم ... و مقعدها للمؤمنون بمرصد )
فلما سمع المسلمون الأبيات خرج المسلمون سراعا فوجا فوجا يلحقون برسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذوا على خيمة أم معبد
و سمع المسلمون بالمدينة بخروج النبي صلى الله عليه و سلم من مكة فكانوا
يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرون قومهم حتى يردهم حر الظهيرة فكان أول من
قدم عليهم من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي فقالوا :
ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : هو و أصحابه على إثري ثم
أتاهم بعده عمرو بن أم مكتوم الأعشى أخو بني فهر فقالوا : ما فعل من ورائك
رسول الله و أصحابه ؟ فقال : هم الآن على أثري ثم أتاهم بعده عمار بن ياسر
و سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن مسعود و بلال ثم أتاهم عمر بن الخطاب في
عشرين راكبا و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث خرج من الغار سلك
بهم الدليل أسفل من مكة ثم مضى بهم حتى جاوز بهم الساحل أسفل عسفان ثم
استجاز بهم على أسفل أمج حتى عارض بهم الطريق ثم أجاز بهم فسلك بهم الخرار
ثم أجاز بهم ثنية المرة ثم سلك بهم القفا ثم أجاز بهم مدلجة لفف ثم استبطن
بهم مدلجة لفف ثم استبطن بهم مدلجة مجاج ثم سلك مرجح من ذي العضوين ثم بطن
ذي كشد ثم أخذ بهما الجداجد ثم الأجرد ثم سلك بهم بطن أعداء ثم مدلجة تعهن
ثم العبابيد ثم الفاجة ثم العرج ثم بطن العائر ثم بطن ريم ثم رحلوا من بطن
ريم و نزلوا بعض حرار المدينة و ذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من
شهر ربيع الأول و بعثوا رجلا من أهل البادية يؤذن بهم الأنصار فجاء البدوي
و آذن بهم الأنصار و صعد رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه
فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مبيضين ؟ فلم يملك اليهودي أن قال
بأعلى صوته : يا معشر العرب ! هذا جدكم الذي تنتظرون ! فثار المسلمون إلى
السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بظهر الحرة و هم خمسمائة رجل
من الأنصار فتلقى الناس و العواتق فوق الأجاجير و الصبيان و الولائد
يقولون :
( طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع )
( وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع )
و أخدت الحبشة يلعبون بحرابهم لقدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم فرحا بذلك
0
[ أخبرنا أبو خليفة ثنا عبد الله بن رجاء أنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال
سمعت البراء يقول : اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما فقال أبو
بكر لعازب مر البراء : فليحمله إلى أهلي فقال له عازب : لا حتى تحدثني كيف
صنعت أنت و رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خرجتما من مكة و المشركون
يطلبونكم ؟ فقال : ارتحلنا من مكة ـ فذكر حديث الرحل و قال : حتى أتينا
المدينة فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : إني أنزل الليلة على بني النجار و أخوال عبد
المطلب أكرمهم بذلك ] فخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق و على البيوت
و الغلمان و الخدم يقولون : جاء محمد ! جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم
! فلما أصبح انطلق فنزل حيث أمر
قال أبو حاتم : لما أمسى رسول الله
صلى الله عليه و سلم الليل عدل فنزل على بني النجار أخوال عبد المطلب لأن
أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو كانت من بني عدي بن النجار فلما أصبح صلى
الله عليه و سلم نزل حمزة بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب و أبو مرثد و
ابنه مرثد و أبو كبشة و زيد بن حارثة على كلثوم بن الهدم العمري أخي بني
عمرو بن عوف و نزل أبو بكر الصديق و طلحة بن عبيد الله و صهيب بن سنان على
خبيب بن إساف و نزل عمر و زيد ابنا الخطاب و عمر و عبد الله ابنا سراقة و
عبد الله بن حذافة و واقد بن عبد الله و خولى بن أبي خولى و عياش بن ربيعة
و خالد و عاقل و إياس بن البكير على رفاعة بن عبد المنذر و نزل عبيدة و
الطفيل و الحصين بنو حرب و مسطح بن أثاثة و سويبط مولى أبي سعد و كليب ابن
عمير و خباب بن الأرت على عبد الله بن سلعة العجلاني و نزلت زينب بنت جحش
و جدامة بنت جندل و أم قيس بنت محصن و أم حبيبة بنت نباتة و أمية بنت رقيش
و أم حبيبة بنت جحش و أم سخبرة بنت نعيم على سعد بن خيثمة و عشى رسول الله
صلى الله عليه و سلم المسلمون و أقام أبو بكر للناس و جلس رسول الله صلى
الله عليه و سلم صامتا يسلمون و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في
بني عوف بقباء يوم الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و أسس المسجد
بقباء و صلى فيه تلك الأيام فلما كان يوم الجمعة خرج على ناقته القصوى يوم
الجمعة يريد المدينة و اجتمع عليه الناس فأدركته الصلاة في بني سالم بن
عوف فكانت أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة ثم جعل
رسول الله صلى الله عليه و سلم يمر بدور الأنصار فيدعونه للنزول و يعرضون
عليه المؤاساة فيجزيهم النبي صلى الله عليه و سلم خيرا حتى مر على بني
سالم فقام عتبان بن مالك في أصحاب له فقالوا له : يا رسول الله ! أقم في
العدد و العدة و المعنة فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ خلوا سبيل
الناقة فإنها مأمورة ] ثم مر ببني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة و أبو دجانة
و المنذر بن عمرو و داود راودوه على النزول فقال : [ خلوا سبيلها فإنها
مأمورة ] ثم مر ببني بياضة فاعترضه فروة بن عمرو و زياد ابن لبيد و راودوه
على النزول فقال : [ خلوا سبيلها فإنها مأمورة ] ثم مر على بني عدي بن
النجار فقال أبو سليط بن أبي خارجة : عندنا يا رسول الله ! فنحن أخوالك ـ
و ذكروا رحمهم فقال : [ خلوا سبيلها فإنها مأمورة ] و أقبلت الناقة حتى
انتهت به إلى مربد التمر و هو يومئذ لغلامين يتيمين من بني النجار في حجر
أسعد بن زرارة اسمهما سهل و سهيل ابنا رافع بن أبي عمرو و كان المسلمون
بنوا مسجدا يصلون فيه و هو موضع مسجده اليوم فلما انتهت به الناقة إلى
المسجد بركت فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : [ هذا إن
شاء الله المنزل ] ! و جاء أبو أيوب الأنصاري خالد بن زبد بن كليب فأخذ
برحله و جاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته ثم سأل رسول الله صلى الله
عليه و سلم عن المربد فقال معاذ بن عفراء هو لغلامين يتيمين وانا مرضيهما
عنه فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا
فقالا : بل نهبه لك فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقبل منهما هبة
حتى ابتاعه منهما فلما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المسجد قالوا
: يا رسول الله المرء مع موضع رحله فنزل على أبي أيوب الأنصاري و منزله في
بني غنم بن النجار ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون في
بناء المسجد و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينقل معهم اللبن :
( هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا و أطهر )
( اللهم إن الخير خير الآخرة ... فاغفر للأنصار و المهاجرة )
و كان عمار بن ياسر جعدا قصيرا و كان ينقل اللبن و قد أغبر صدره فقال له
رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا ابن سمية ! تقتلك الفئة الباغية و قدم
طلق بن علي على رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان يعين المسلمين في
بناء المسجد فكان النبي صلى الله عليه و سلم يقول : [ قربوا الطين من
اليمامى فإنه من أحسنكم به مسكا ] و مات أسعد بن زرارة و المسجد يبنى
أخذته الشهقة و دفن بالبقيع و هو أول من دفن بالبقيع من المسلمين فكان
النبي صلى الله عليه و سلم نازلا على أبي أيوب حتى فرغ من المسجد و بنى له
فيه مسكن فانتقل رسول الله صلى الله عليه و سلم حين فرغ من المسجد و مسكنه
إليه ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة و أبا رافع إلى
مكة ليقفل سودة بنت زمعة زوجته و بناته و بعث أبو بكر الصديق عبد الله بن
أريقط إلى عبد الله بن أبي بكر أن يقدم بأهله فلما قدم ابن أريقط على عبد
الله بن أبي بكر خرج عبد الله بعيال أبي بكر : عائشة و عبد الرحمن و أم
رومان أم عائشة و كان البراء بن معرور مات في صفر قبل قدوم النبي صلى الله
عليه و سلم المدينة بشهر و أوصى عند موته أن يوجه إذا وضع في قبره إلى
الكعبة ففعل به ذلك فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة صلى
على قبره و ولد مسلمة بن مخلد و كان آخر الأنصار إسلاما بنو واقف و بنو
أمية و بنو وائل و كانت الأنصار كل واحد منهم يهدي لرسول الله صلى الله
عليه و سلم حين قدم المدينة تيسا و كانت أم سليم لم يكن لها ما تهدي فأتت
بابنها أنس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله !
ابني هذا يخدمك و ليس عندي ما أهديه فادع الله له فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ اللهم ! أكثر ماله و ولده ]
ثم دخل رسول الله صلى
الله عليه و سلم دار أنس بن مالك و كان أنس له عشر سنين حيث قدم رسول الله
صلى الله عليه و سلم المدينة فكانت أمهاته يحثثنه فلما دخل داره حلب له من
داج و شاب له لبنها بماء يسير في الدار و أبو بكر عن شماله و أعرابي عن
يمينه فناوله رسول الله صلى الله عليه و سلم الأعرابي و قال : [ الأيمن
فالأيمن ] و كانت الصلاة ركعتين ركعتين فرآهم رسول الله صلى الله عليه و
سلم متنفلين فقال : [ يا أيها الناس ! اقبلوا فريضة الله ] فأقرت صلاة
المسافر و زيد في صلاة المقيم و ذلك اثنتي عشر ليلة من شهر ربيع الآخر بعد
قدومه عليه السلام المدينة بشهر
و وعك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وعكا شديدا فدخلت عائشة على أبي بكر و هو يقول :
( كل امرئ مصبح في أهله ... و الموت أقرب من شراك نعله )
ثم دخلت على عامر بن فهيرة و هو يقول :
( كل امرئ مدافع بطوقه ... الثور يحمي جلده بروقه )
فدخلت على بلال و هو يقول :
( ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد و حولي إذخر و جليل )
( و هل أردن يوما مياه مجنة ... و هل يبدون لي شامة و طفيل )
و كان بلال يقول : اللهم العن عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبا سفيان
بن حرب و أبا جهل بن هشام كما أخرجونا من مكة فأخبر عائشة النبي صلى الله
عليه و سلم بما رأت من وعكهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ اللهم !
حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة و بارك لنا فيها كما باركت لنا في
مكة و بارك في صاعها و مدها و انقل وباءها إلى مهيعة و هي الجحفة ]
و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد و قد حمى الناس و هم يصلون
قعودا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ صلاة القاعد على النصف من صلاة
القائم ] فختم الناس الصلاة قياما ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم : [
اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة ! ثم أراد رسول الله صلى الله
عليه و سلم أن يؤاخي بين المهاجرين و الأنصار في شهر رمضان فدخل المسجد
فجعل يقو ل : أين فلان بن فلان ؟ فلم يزل يعدهم و يبعث إليهم اجتمعوا عنده
فقال : إني أحدثكم بحديث فاحفظوه و حدثوا من بعدكم إن الله اصطفى من خلقه
خلقا ثم تلى هذه الآية { الله يصطفي من الملئكة رسلا و من الناس } خلقا
يدخلهم الجنة و إني مصطف منكم من أحب أن أصطفيه و مؤاخ بينكم كما آخا الله
بيت الملائكة قم يا أبا بكر فقام فجيء بين يديه فقال : إن لك عندي يد الله
يجزيك بها و لو كنت متخذا خليلا لاتخذتك خليلا و أنت عندي بمنزلة قميصي في
جسدي ـ و حرك قميصه ثم قال : ادن يا عمر فدنا فقال : لقد كنت شديد الثغب
علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز الدين بك أو بأبي جهل ففعل الله ذلك
بك و كنت أحبهما إلى الله فأنت معي ثالث ثلاثة من هذه الأمة ! ثم تنحا و
آخا بينه و بين أبي بكر و دعا عثمان بن عفان فقال : ادن يا عثمان ! ادن يا
أبا عمرو فلم يزل يدنو حتى ألزق ركبته بركبته ثم نظر إلى السماء فقال :
سبحان الله العظيم ! ثم نظر إلى عثمان فإذا إزاره محلولة فزرها عليه ثم
قال : اجمع لي عطفي ردائك على نحرك فإن لك شانا عند أهل السماء أنت ممن
يرد علي الحوض و أوداجه تشخب دما ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : ادن يا
أمين الله ! يسلط الله على مالك بالحق أما إن لك عندي دعوة قد أخرتها فقال
: خرلي فقال : أكثر الله مالك ! ثم تنحى و آخى بينه و بين عثمان ] ثم دعا
طلحة و الزبير فقال : ادنوا مني فدنوا منه فقال : [ أنتما حواري كحواري
عيسى ابن مريم ! ثم آخى بينهما ]
ثم دعا سعد بن أبي وقاص و عمار بن ياسر فقال : [ يا عمار ! تقتلك فئة الباغية ثم آخى بينهما ]
ثم دعا عميرا أبا الدرداء و سلمان الفارسي فقال : [ يا سلمان ! أنت منا
أهل البيت و قد آتاك الله العلم الأول و العلم الآخر ثم قال : ألا أنشدك
يا أبا الدرداء ! قال : بأبي أنت و أمي بلى قال : إن تنقدهم فينقدوك و إن
تتركهم لا يتركوك فأقرضهم عرضك ليوم فقرك و اعلم أن الجزاء أمامك ثم آخى
بينهما ثم نظر في وجوه أصحابه فقال : ابشروا و قروا عينا فأنتم أول من يرد
علي الحوض و أنتم في أعلى الغرف و نظر إلى عبد الله بن عمر فقال : الحمد
لله الذي يهدي من الضلالة من أحب ]
فقال علي بن أبي طالب : يا رسول
الله ! ذهب روحي فانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت فإن كان من
سخطة علي فلك العتبي و الكرامة ! قال : [ و الذي بعثني بالحق ! ما أخرتك
إلا لنفسي و أنت مني بمنزلة هارون بن موسى غير أنه لا نبي بعدي و أنت أخي
و وارثي قال : يا رسول الله ! ما أرث منك ؟ قال : ما ورثت الأنبياء قبلي
قال : و ما ورثت الأنبياء قبلك ؟ قال : كتاب الله و سنة نبيهم و أنت معي
في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ثم تلا رسول الله { إخوانا على سرر
متقبلين } ]
و مات الوليد بن المغيرة بمكة و أبو أحيحة بالطائف بلغ
المسلمين نعيهما و ولد عبد الله بن الزبير في شوال فكبر المسلمون و كانوا
يخافون أن يكون اليهود سحرت نساءهم و كان أول مولود ولد من المهاجرين
بالمدينة و هنئ به أبو بكر و الزبير ولم ترضعه أسماء بنت أبي بكر حتى أتت
به النبي صلى الله عليه و سلم فأخذه و وضعه في حجرة فحكنه بتمرة فكان أول
شيء دخل بطنه ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم سماه عبد الله
ثم عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم اللواء لعبيدة بن الحارث بن عبد
المطلب بن عبد المناف على ستين من المهاجرين و ليس فيهم من الأنصار أحد هي
أول راية عقدها بالمدينة و بعثه إلى بطن رابغ فبلغ ثنية المرة بالقرب من
الجحفة فالتقوا على ماء يقال له أحياء و أمير السرية أبو سفيان بن حرب في
مائتين من المشركين فلم يكن بينهم إلا الرمي بالرمي ثم انحاز المسلمون على
رامية و انحاز من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو بن الأسود و قد
قيل : عتبة بن غزوان ثم انصرفوا من غير أن يسلوا السيوف و قد قيل : إن
المشركين أميرهم كان مكرز بن حفص بن الأخيف و كان حامل اللواء لعبيدة بن
الحارث مسطح بن أثاثة
ثم عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم اللواء
لحمزة بن عبد المطلب في ثلاثين راكبا كلهم من المهاجرين بعثه إلى ساحل
البحر من قبل العيص من أرض الجهينة ليتعرض لعير قريش فلقي أبا جهل بن هشام
في ثلاثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني و كان حليفا
للفريقين فانصرف الفريقان من غير قتال و كان حامل لواء حمزة يومئذ أبو
مرثد
ثم بنى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعائشة و هي بنت تسع على
رأس ثمانية أشهر من هجرته و ذلك في شوال و كان تزوج بها بمكة قبل الهجرة
بثلاث سنين و هي ابنة ست فأهديت إلى النبي صلى الله عليه و سلم و معه
البهاء و لم يزوج من النساء بكرا غيرها
ثم عقد رسول الله صلى الله
عليه و سلم اللواء لسعد بن أبي وقاص في عشرين رجلا يريد العير في ذي
القعدة فخرجوا على أقدامهم فكانوا يكفون بالنهار و يسيرون بالليل حتى
أصبحوا لحرار صبح خامسة و قد سبقهم العير قبل ذلك بيوم فانصرفوا و كان
حامل اللواء يومئذ لسعد المقداد بن عمرو
و جاء رسول الله صلى الله
عليه و سلم أبو قيس بن الأسلت فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم
الإسلام فقال : ما أحسن ما تدعو إليه ! انظر في أمري ثم أعود إليك فلقيه
عبد الله بن أبي فقال : كرهت و الله حرب الخزرج ! فقال أبو قيس : لا أسلم
سنة فمات في ذي الحجة
[ حدثنا عبد الله بن محمد بن المدايني ثنا
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب عن سعيد بن
جبير عن أبيه عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجد
اليهود يصومون عاشوراء فقال لهم : ما هذا ؟ قالوا : يوم عظيم ! نجى الله
فيه موسى و أغرق فرعون فيه و قومه فصامه موسى شكرا لله تعالى فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : أنا أولى بموسى و أحق بصيامه منكم فصامه و أمر
بصيامه ]
قال : وجد رسول الله صلى الله عليه و سلم اليهود يصومون يوم عاشوراء في أول قدومه المدينة و هو أول
السنة الثانية من الهجرة
فسألهم فأخبروه أن الله نجى الله موسىفي ذلك اليوم و أغرق آل فرعون فصامه موسى شكرا لله فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بصيامه و قال : أنا أولى بموسى فصامه صلى الله عليه و سلم و المسلمونثم زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ابنته فاطمة عليا في صفر و قال له : [ أعطها شيئا ] فقال : ما عندي يا رسول الله شيء قال : [ فأين درعك الحطمية ؟ ] فبعث إليها بدرعه
و قد روي في تزويجها أخبار فيها طول تؤدي إلى مسلك القصاص فتنكبت عن ذكرها لعلمي بعدم صحتها من جهة النقل
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة الأبواء و هي أول غزوة غزاها بنفسه و بين الأبواء و ودان ستة أميال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في المهاجرين ليس فيهم أنصاري و ذلك في شهر ربيع الأول على رأس سنة من مقدمه المدينة و استخلف سعد بن عبادة بن دليم و كان حامل لوائه حمزة بن عبد المطلب و كانت غيبته خمس عشرة ليلة ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيدا و الأبواء جبل و ودان و الأبواء بينهما الطريق كلاهما ورد رسول الله صلى الله عليه و سلم و في هذه الغزاة وادع رسول الله صلى الله عليه و سلم مخشي بن عمرو الضمري ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم في مائتين من أصحابه إلى ناحية رضوى يريد عير قريش فيها أمية بن خلف
و استخلف على المدينة سعد بن معاذ و كان يحمل لواءه سعد بن أبي وقاص ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيدا
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سعد بن أبي وقاص في السبعة نفر أو ثمانية حتى انتهى إلى الخرار من أرض الحجاز ثم رجع و لم يلق كيدا و كان سرح في المدينة يرعى في الحمى فاستاقه كرز بن جابر الفهري فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في إثره في المهاجرين و كان حامل لوائه علي بن أبي طالب
و استخلف على المدينة زيد بن حارثة و طلب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بلغ بدرا فلم يلحقه و فاته كرز فرجع إلى المدينة و هذه الغزوة تسمى غزوة بدر الأولى
ثم ولد النعمان بن بشير في جمادى الأولى فحملته أمه عمرة بنت رواحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فحنكه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو أول مولود من الأنصار ولد بعد قدوم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة
ثم بعث رسول الله في رجب عبد الله بن جحش في اثني عشر نفسا من المهاجرين ليس فيهم أنصاري و كتب له كتابا و قال : أمسك كتابك فإذا سرت يومين فانشره فانظر ما فيه ثم امض و خرج مع عبد الله بن جحش أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب و سعد بن أبي وقاص و سهيل بن بيضاء و عتبة بن غزوان و واقد بن عبد الله التميمي حليف بني عدي بن بيضاء و خالد بن البكير حليف بني عدي و عكاشة بن محصن فسار عبد الله بن جحش ليلتين على ما أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم فتح الكتاب فإذا فيه : سر حتى تنزل نخلة على اسم الله و لا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك و امض فيمن تبعك منهم حتى تقدم بطن نخلة فترصد بها عير قريش فلما قرأ الكتاب قال : لست بمستكره أحدا منكم فمن كان يريد الشهادة فليمض فإني ماض لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فمضى و مضى القوم معه حتى إذا كانوا ببحران ـ معدن بالحجاز فوق الفرع ـ أضل عتبة بن غزوان و سعد بن أبي وقاص بعيرا فتخلفا في طلبه و مضى عبد الله بن جحش حتى أتى المكان الذي أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجد عير قريش فيها عمرو بن الحضرمي و الحكم بن كيسان و عثمان بن عبد الله بن المغيرة و نوفل بن عبد الله بن المغيرة فلما رأى أصحاب العير القوم هابوهم و حلزوهم فأشرف لهم عكاشة ابن محصن و كان قد حلق رأسه فلما رأوه قال عمار : لا بأس عليكم ! و أمنوا فاستشاروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمرهم ن و كان آخر يوم من رجب
فقال المسلمون : إن أخرنا عنهم هذا اليوم دخلوا الحرم فامتنعوا و إن أصبناهم أصبناهم في الشهر الحرام فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله و استأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة و الحكم بن كيسان و أعجزهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة و استاقوا العير فقدموا بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم فوقف رسول الله صلى الله عليه و سلم العير و لم يأخذ منها شيئا و حبس الأسيرين و قال لأصحابه : ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام فسقط في أيدي القوم و ظنوا أنهم هلكوا و قالت قريش : استحل بهذا الشهر الحرام قد أصاب فيه الدم و المال فأنزل الله فيما كان قول رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما عظم في أنفس أصحابه و ما جاؤوا به { يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه } إلى قوله { أكبر من القتل } يريد أنهم كانوا يفتنونكم في دينكم و أنتم في حرم الله حتى تكفروا بعد إيمانكم فهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم و صدهم عن سبيل الله و إخراجكم منه فلما نزل القرآن بذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم العير و أما الأسيران فإن الحكم أسلم و أقام عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا و أما عثمان ففاداه رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجعوا به مكة و مات بها مشركا
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ذي العشيرة في المهاجرين و استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد و كان حامل لوائه حمزة بن عبد المطلب حتى بلغ بطن ينبع فوادع بها بني مدلج و حلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع و كان النبي صلى الله عليه و سلم يحب أن يوجه إلى الكعبة فقال له عمر بن الخطاب : يا رسول الله ! لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى ! فأنزل { قد نرى تقلب وجهك في السماء } الآية و قال السفهاء من الناس : من اليهود { ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } فأنزل الله { قل لله المشرق و المغرب } الآية فصرفت القبلة إلى الكعبة في الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان فكانت صلاته نحو بيت المقدس بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهرا و ثلاثة أيام فخرج رجل بعدما صلى فمر على قوم من الأنصار و هم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال : هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنه قد وجه إلى الكعبة فانحرف القوم حتى توجهوا إلى الكعبة
ثم أنزل الله جل وعلا فريضة الصوم في شعبان فلم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد فرض رمضان بصيام عاشوراء و لا نهاهم عنه
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان لاثتني عشرة ليلة خلت منه
يريد اعتراض عير قريش و معه المهاجرون و الأنصار و ضرب بعسكره قبل أن يخرج
من المدينة ببئر أبي عيينة و عرض أصحابه و رد من استصغر منهم فكان ممن رد
في ذلك اليوم من المسلمين عبد الله بن عمر و رافع بن خديج و البراء بن
عازب و زيد ابن ثابت و أسيد بن حضير و كان عمير بن أبي وقاص يستر في ذلك
اليوم لأن لئلا يراه النبي صلى الله عليه و سلم فقال له سعد : ما لك يا
أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني النبي صلى الله عليه و سلم فيستصغرني
فيردني ! لعل الله أن يرزقني الشهادة فرآه رسول الله صلى الله عليه و سلم
فرده فبكى بكاء شديدا فأجازه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قتل ببدر
شهيدا
ثم رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم من بئر أبي عيينة في
ثلاثمائة و ثمانية عشر رجلا منهم أربعة و سبعون رجلا من المهاجرين و
سائرهم من الأنصار و كان لهم من الإبل سبعون بعيرا يتعاقب النفر البعير
الواحد فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم طلحة بن عبيد الله و سعيد بن
زيد بن عمرو بن نفيل على طريق الساحل إلى الحوران يتجسسان خبر العير
و رأت عاتكة بنت عبد المطلب بمكة رؤيا أفزعتها فبعثت إلى العباس فقالت :
يا أخي ! لقد رأيت البارحة رؤيا أفظعتني فاكتم علي قال : و ما رأيت ؟ قالت
: رأيت راكبا أقبل على بعير حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته : ألا !
انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث فإذا الناس قد اجتمعوا إليه فدخل
المسجد و الناس يتبعونه فبيناهم حوله إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم
خرج بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل
أرفضت فما بقي بيت بمكة و لا دار إلا دخلها منها فلقة قال العباس : و الله
! إن هذه لرؤيا فاكتميها و لا تذكريها
ثم خرج العباس فلقي الوليد بن
عتبة و كان له صديقا فذكرها له فذكرها الوليد لأبيه ففشا الحديث بمكة فقال
أبو جهل : ما يرضى بنو عبد المطلب أن يتنبأ رجالهم حتى تتنبأ نساؤهم
و كان أبو سفيان بن صخر أقبل من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموالهم
وتجاراتهم و فيها ثلاثون ـ و قيل : أربعون ـ رجلا من قريش منهم عمرو بن
العاص و مخرمة بن نوفل الزهري
و كان أبو سفيان يتحسس الأخبار و يسأل
من لقي من الركبان فأصاب خبرا من الركبان أن محمدا قد نفر في أصحابه فحذر
عند ذلك و استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة و أمره أن يأتي
قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم و يخبرهم أن محمدا قد عرض لها فدخل ضمضم في
اليوم الثالث من رؤيا عاتكة مكة و هو يصرخ ببطن الوادي و قد جدع بعيره و
حول رحله و شق قميصه وهو يقول : يا معشر قريش ! اللطيمة ! اللطيمة ! قد
عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها أو لا تدركوها الغوث ! الغوث !
فتجهزت قريش سراعا إما خارج و إما باعث مكانه رجلا و خرجت تريد العير
و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم الصفراء بينها و بين المدينة
ثلاث ليال بعث عدي بن أبي الزغباء الجهيني حليف بني النجار و بسبس بن عمرو
الجهيني حليف بني ساعدة قدامه إلى مكة فلما نزل الوادي أناخ إلى تل قريب
من الماء ثم أخذا شنا لهما يستسقيان فيه وعلى الماء إذ ذاك مجدي بن عمرو
الجهني فسمع عدي و بسبس جاريتين من جواري جهينة و هما يتلازمان فقالت
الملزومة لصاحبتها : إنما يأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم و أقضيك
الذي على فقال مجدي : صدقت و خلص بينهما فلما سمع بذلك عدي و بسبس ركبا
راحلتيهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبراه و
أقبل أبو سفيان و قد تقدم العير حتى ورد الماء حذرا من الذي كان يخافه
فقال لمجدي بن عمرو : و هل أحسست أحدا ؟ فقال : و الله ! ما رأيت أحدا إلا
أني رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من
أبعار بعيريهما ففته فإذا فيه النوى فقال : هذه و الله علائف يثرب ! فرجع
و ضرب وجوه عيره فساحل بها و ترك بدرا يسارا و انطلق حتى أسرع
و
أقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة رؤيا فقال : أنا
بين النائم و اليقظان رأيت رجلا قد أقبل على فرس له حتى وقف ثم قال : قتل
عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو الحكم بن هشام و أمية بن خلف ـ و
فلان و فلان ثم ضرب في لبة بعيره و أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية
العسكر إلا أصابه من دمه فبلغ أبا جهل رؤياه فقال : هذا نبي آخر من بني
المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا ! فلما رأى أبو سفيان أنه قد
أحرز عيره أرسل إلى قريش قال : إنكم خرجتم لتمنعوا عيركم و أموالكم و قد
نجاهما الله فارجعوا فقال أبو جهل : و الله لا نرجع حتى نرد بدرا ! ـ و
كان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق ـ فنقيم عليه ثلاثا و
ننحر الجزور و نطعم الطعام و نسقي الخمر و تعزف علينا القيان فتسمع بنا
العرب و بمسيرنا و جمعنا ثم رحلت قريش حتى نزلت العدوة القصوى من بدر
و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم عرق الظبية دون بدر استشار الناس
فقال : أشيروا علي أيها الناس ! فقام أبو بكر فقال و أحسن ثم قام عمر فقال
مثل ذلك ثم قام المقداد بن الأسود فقال : يا رسول الله ! أمض بنا لأمر
الله فنحن معك و الله لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى { اذهب
أنت و ربك فقاتلا إنا ههنا قعدون } و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا معكما
مقاتلون و الذي بعثك بالحق ! لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من
دونه حتى تنتهي إليه رسول الله ! فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم
خيرا و دعا له بخير
ثم قال : أشيروا علي أيها الناس ! و إنما يريد
رسول الله صلى الله عليه و سلم الأنصار و ذلك أنهم كانوا عدد الناس فقال
سعد بن معاذ : كأنك يا رسول الله إنما تريدنا ! قال : أجل فقال سعد : قد
آمنا بك و صدقناك و شهدنا بما جئت به أنه الحق و أعطيناك مواثيقنا و
عهودنا على السمع و الطاعة فامض بنا يا نبي الله لما أردت فنحن معك و الذي
بعثك لو ! استعرضت هذا البحر و خضت بنا لخضناه معك ما بقي منا رجل و ما
نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء لعل الله
يريك منا بعض ما تقر به عينك ! فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم
ركب و رجل من أصحابه قدام الجيش و مضى حتى وقف على شيخ قريبا من بدر فقال
له : [ أيها الشيخ ! ما بلغك عن محمد و أصحابه ؟ فقال : ما أنا مخبرك حتى
تخبرني من أنت ! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أخبرتنا أخبرناك
من نحن فقال الشيخ : أذاك بذاك ؟ قال : نعم فقال الشيخ بلغني أن محمدا و
أصحابه خرجوا يوم كذا و كذا فإن يكن الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بكذا و
كذا ـ بالمنزل الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم و بلغني أن
قريشا خرجوا يوم كذا و كذا فإن يكن الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بكذا و
كذا ـ بالمنزل الذي هم فيه ثم قال : ممن أنت ؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم نحن من ماء ] ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى
أصحابه
و أصاب علي بن أبي طالب و الزبير بن العوام و سعد بن أبي
وقاص رواية لقريش و فيها غلام لبني العاص و غلام لمنبه بن الحجاج فأتوا
بهما رسول الله صلى الله عليه و سلم و رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم
يصلي فقالوا لهما : من أنتما ؟ فقالا : نحن سقاة قريش بعثونا لنسقي لهم
الماء فكره القوم خبر قريش و رجوا أن يكونا لأبي سفيان فقالوا لهما : من
أنتما ؟ ألا لأبي سفيان ؟ فأنكرا فضربوهما فلما آذوهما قالا : نحن لأبي
سفيان فأمسكوا عنهما فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلاته وأقبل
عليهم فقال : [ إذا صدقاكم ضربتموهما و إذا كذباكم تركتموهما ! و الله
إنهما لقريش ! ثم دعاهما فقال : لمن أنتما ؟ فأخبراه ثم قال : أين قريش ؟
قالا : خلف هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى من الوادي قال : و كم هم ؟
قالا : هم كثير قال : ما عددهم ؟ قالا : ما ندري قال : فكم تنحر في اليوم
؟ قالا : يوما عشرا و يوما تسعا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هم
بين التسعمائة إلى الألف ] ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ فسميا
عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة في رجال من قريش و كان الذي ينحر لقريش
تسعة رهط من بني هاشم : العباس بن عبد المطلب و من بني عبد شمس : عتبة بن
ربيعة و من بني نوفل : الحارث بن عامر ابن نوفل و طعيمة بن عدي بن نوفل و
من بني الدار : النضر بن الحارث و من بني أسد : حكيم بن حزام و من بني
مخزوم : أبو جهل بن هشام و من بني جمح : أمية بن خلف و من بني سهم : منبه
بن الحجاج و من بني عامر بن لؤي : سهيل بن عمرو ثم أقبل رسول الله صلى
الله عليه و سلم على المسلمين فقال : [ هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها
وبعث الله السماء فأصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمين ماء
لبدلهم الأرض و أصاب قريشا ماء لم يقدروا أن يرتحلوا معه ] ثم رحل رسول
الله صلى الله عليه و سلم بالمسلمين و قال لهم : [ سيروا على بركة الله
فإنه قد و عدني إحدى الطائفتين فكأني أنظر إلى مصارع القوم ] ثم مضى يبادر
قريشا إلى الماء حتى إذا جاء أدنى من ماء بدر نزل به فقال حباب بن المنذر
ابن الجموح أحد بني سلمة : يا رسول الله ! أرأيت هذا المنزل ؟ أمنزل
أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه و لا نتأخر عنه أم هو الرأي و الحرب و
المكيدة ؟ قال : [ بل هو الحرب و الرأي و المكيدة ] قال : فإن هذا ليس لك
بمنزل فانهض حتى نأتي أدنى قليب القوم فنزله ثم نغور ما سواه من القلب ثم
نبني حوضا فنملأه ثم نقاتل القوم فنشرب و لا يشربون فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : [ قد أشرت بالرأي ثم نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم
و سار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل و بنى حوضا على القليب و قذفوا
فيه الآنية ثم أمر بالقلب فغورت ] فقال سعد بن معاذ : يا نبي الله ألا
نبني لك عريشا تكون فيه و نعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله و
أظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا و إن كان علينا يا نبي الله جلست على
ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام و ما نحن بأشد حبا
لك منهم و لو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك و
يجاهدون معك فدعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بخير و بنى له عريش
فقعد فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و ارتحلت قريش حين
أصبحت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ اللهم ! هذه قريش
قد أقبلنا بخيلائها و فخرها تحادك و تكذب رسلك اللهم ! فنصرك الذي وعدتني
! اللهم فاحنهم الغداة ] و رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم عتبة بن
ربيعة على جمل له أحمر فقال : [ إن يك في أحد من القوم خير ففي صاحب الجمل
الأحمر إن يطيعوه يرشد ] فلما نرلت قريش أقبل نفر منهم حتى أقبلوا حوض
رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم حكيم بن حزام فقال النبي صلى الله
عليه و سلم [ دعوهم بما شرب رجل منهم شربة إلا قتل غير حكيم بن حزام ]
فلما اطمأنت قريش بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا احرز لنا محمد و أصحابه
فاستحال عمير بن وهب بفرس حول العسكر ثم رجع إليهم فقال : ثلاثمائة رجل
يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا و لكن امهلوني حتى أنظر هل لهم من كمين و
مدد فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا فرجع له إليهم فقال : ما رأيت
شيئا و لكني رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح بثرب تحمل
الموت الناقع قوم ليس لهم منعة و لا ملجأ إلا سيوفهم و الله ! ما أرى أن
يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منا فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش
بعد ذلك فروا رأيكم فلما سمع بذلك حكيم بن حزام مشي في الناس حتى أتى عتبة
بن ربيعة فقال : يا أبا الوليد ! أنت كبير قريش و سيدها و المطاع فيها !
فهل لك أن لا تزال تذكر بخير آخر الدهر ! قال : و ما ذاك يا حكيم ؟ قال :
ترجع بالناس و تحمل أمر حليفك قال : قد فعلت أنت على بذلك إنما هو حليفي
فعلي عقله ـ يعني عمر بن الحضرمي ـ و ما أصيب من ماله و لكن أنت ابن
الحنظلية فإني لا أخشى على الناس غيره ـ يعني أبي جهل ثم قام عتبة فقال :
يا معشر قريش ! إنكم و الله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا و أصحابه و الله !
لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه الرجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه
أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته فارجعوا و خلوا بينه و بين محمد و سائر
العرب فإن أصابوه فذلك الذي أردتم و إن كان غير ذلك ألقاكم و لم تعرضوا
منه ما تريدون فجاء حكيم بن حزام أبا جهل فوجده قد نثل درعا له من جرابها
و هو يهنئها فقال : يا أبا الحكم ! إن عتبة أرسلني إليك بذلك بكذا و كذا
فقال أبو جهل : انتفخ و الله سحره حين رأى محمدا و أصحابه كلا و الله لا
نرجع حتى يحكم الله بينا و بين محمد ! ثم قال أبو جهل : اللهم ! اقطعنا
الرحم و أتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة ! ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي
فقال : هذا حلفيك عتبة يريد أن يرجع بالناس و قد رأيت ثأرك بعينك و الله
ما ذلك بعتبة و لكنه قد عرف أن ابنه فيهم و أن محمدا و أصحابه إنما هم
آكلة جزور و قد رأيتم ثأركم فقم فانثل مقتل أخيك فقام عامر بن الحضرمي ثم
صرخ : و اعمراه ! و اعمراه ! فحميت الحرب و حمى الناس و استوثقوا فأفسد
على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة فلما بلغ عتبة قول أبي جهل قال :
سيعلم المصفر إسته من انتفخ سحره ! ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها رأسه فما
وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتم على رأسه بعمامة
له و خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي و كان رجلا شرسا فقال : أعاهد الله
لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه ! فلما خرج يريد الحوض خرج
إليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدميه بنصف ساقه و هو
دون الحوض فخبا إلى الحوض فاقتحم فيه و اتبعه حمزة بضربة أخرى فقتله في
الحوض
ثم خرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة و ابنه الوليد
بن عتبة فلما دنا إلى الصف دعا إلى البراز فخرج إليه فتية ثلاثة من
الأنصار : عوف و معوذ ابنا الحارث ـ و أمهما عفراء ـ و ابن رواحة فسألهم
فقالوا : رهط من الأنصار فقال عتبة : أكفاء كرام ما لنا بكم حاجة إنما
نريد قومنا ثم نادى مناديهم : يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم [ قم يا حمزة بن عبد المطلب ! قم يا علي بن
أبي طالب ! قم يا عبيدة بن الحارث ! و كان أسن القوم فبارز عتبة بن ربيعة
و بارز حمزة شيبة بن ربيعة و بارز علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة ]
فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله و لم يمهل علي الوليد أن قتله و اختلف
عبيدة و عتبة بينهما ضربتان كلاهما أثبت صاحبه و كر حمزة و علي على عتبة و
احتملا صاحبها فحازاه إلى أصحابه ثم تزاحف الناس و دنا بعضهم من بعض و قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لأصحابه أن لا تحملوا حتى آمركم و هو في
العريش مع أبي بكر ليس في العريش معه غيره و هو يناشد الله ما و عده من
النصر و يقول فيما يقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد ] و
أبو بكر يقول يا رسول الله ! أقصر من مناشدتك الله فإن الله موفيك بما
وعدك و شجع الله المسلمين على لقاء عدوهم و قللهم في أعينهم حتى طمعوا
فيهم و خفق رسول الله خفقة و هو في العريش ثم انتبه ثم قال : ابشر أبا بكر
هذا جبريل معتجر بعمامة يقول : أتاك نصر الله و عونه فبعث الله الملائكة
مسومين فكان أبو أسيد مالك بن ربيعة شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره : لو
كنت معكم ببدر الآن و معي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة !
لاأشك و لا أمتري و لم تقاتل الملائكة في غزاة إلا ببدر و إنما كانت تنصر
و تعين و كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم
ثم أخذ رسول
الله صلى الله عليه و سلم حفنة من الحصى بيده و خرج من العريش فاستقبل
القوم و قال : [ شاهت الوجوه ] ! ثم نفخهم بها ثم قال : [ و الذي نفسي
بيده ! لا يقاتلهم رجل اليوم فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله
الله الجنة ] ! فقال عمير بن الحمام أحد بني سلمة و في يده تمرات : يا
رسول الله ! أرأيت إن قاتلت حتى قتلت مقبلا غير مدبر ما لي ؟ قال : [ لك
الجنة ] فألقي التمرات من يده و تقدم فقاتل حتى قتل ثم قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم لأصحابه : احملوا و من لقي العباس منكم فليدعنه فإنه أخرج
مستكرها فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة : أنقتل آباءنا و أبناءنا و
إخواننا و نترك العباس ! و الله لئن لقيته لألجمنه السيف ! فبلغ رسول الله
صلى الله عليه و سلم قوله فقال لعمر : [ يا أبا حفص ! أيضرب و جه عم رسول
الله صلى الله عليه و سلم بالسيف ] ؟ فقال عمر : دعني أضرب عنقه يا رسول
الله ! و الله لقد نافق ! فكان أبو حذيفة بعد ذلك يقول : ما أنا بآمن من
تلك الكلمة التي قلت و لا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة ـ
فقتل يوم اليمامة شهيدا و كان العباس قد أسلم بمكة و لكنه كان خاف قومه
فيكتم إسلامه فحمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على المشركين فلم
يكن إلا الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديد قريش و أسر من أسر منهم فلما
و ضع القوم أيديهم يأسرون رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في و جه سعد
بن معاذ الكراهة فقال له صلى الله عليه و سلم : [ و الله يا سعد ! لكأنك
تكره ما يصنع الناس ] ! فقال : أجل يا رسول الله صلى الله عليه و سلم !
قال : كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل
أعجب إلي من استبقاء الرجال و كان ذلك يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من
شهر رمضان و المسلمون ثلاثمائة و ثلاثة عشر نفسا منهم أربعة و سبعون رجلا
من قريش و المهاجرين و سائر من الأنصار و المشركون تسعمائة و خمسون مقاتلا
فقتل من المسلمين في ذلك اليوم من قريش ستة أنفس : من بني المطلب عبيدة بن
الحارث بن المطلب و من بني زهرة بن كلاب : عمير بن أبي وقاص أخو سعد و ذو
الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة حليف لهم من خزاعة و من بني عدي بن كعب :
عاقل بن البكير حليف لهم من بني سعد بن ليث و مهجع مولى عمر و من بني
الحارث بن فهر : صفوان بن بيضاء
و قتل من الأنصار من بني عمرو بن
عوف : سعد بن خيثمة و مبشر بن عبد المنذر و من بني الحارث بن الخزرج :
يزيد بن الحارث و هو الذي يقال له ابن فسحم و من بني سلمة : عمير بن
الحمام و من بني حبيب بن عبد الحارثة بن مالك بن غضب بن جشم : رافع بن
المعلى و من بني النجار : حارثة ابن سراقة بن الحارث و من بني غنم بن مالك
بن النجار : عوف و معوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد و هما ابنا عفراء
فجميع من استشهد من بني قريش و الأنصار أربعة عشر رجلا و قتل علي بن أبي
طالب في ذلك اليوم الوليد بن عتبة بن ربيعة و قتل طعيمة ابن عدي بن نوفل
أخاطعمة فلما علاه بالسنة قال : و الله ! لا تخلصنا في الله بعد اليوم
أبدا و شارك حمزة في قتل عتبة بن ربيعة و قتل عامر بن عبد الله الأنماري
حليف بني عبد شمس و قتل النضر بن الحارث بن كلدة أحد بني عبد مناف و قتل
العاص بن سعيد بن العاص بن أمية و قتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام
بن المغيرة
فجميع من قتل من المشركين في ذلك اليوم أربعة و سبعون رجلا و أسر مثل ذلك
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يلتمس أبو جهل فسمع معاذ بن عمرو
بن الجموح و هو يطلبه جماعة من المشركين يقولون : أبا الحكم ! لا يصلون
إليك فلما سمعها علم أنه أبو جهل جعله من شأنه و قصد نحوه فلما أمكن منه
حمل عليه و ضربه ضربة فقطع قدمه بنصف ساقه و كان عكرمة بن أبي جهل ابنه
معه فحمل على معاذ فضربه ضربة على عاتقه طرح يده فتعلقت بجلدة من جنبه و
ترك أبا جهل و أجهضه القتال فقاتل عامة يومه وإنه يسحب يده خلفه بجلدة منه
فلما آذته وضع عليها قدمه حتى طرحها و عاش بعدها بلا يد حتى كان زمن عثمان
و مر معوذ بن عفراء بأبي جهل و هو مطروح فضربه حتى أثر فيه و تركه و به
رمق
ثم مر عبد الله بن مسعود فوجده بآخر رمق فعرفه فوضع رجله على
عاتقه ثم قال : أخزاك الله يا عدو الله ! قال : و بماذا أخزاني هل إلا رجل
قتلتموه ! أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ فقال ابن مسعود : لله و لرسوله و
لما رآه أبو جهل قد وطي عنقه قال له : لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقى
صعبا ! فاحتز عبد الله رأسه ثم جاء به فقال : يا رسول الله ! هذا رأس عدو
الله أبي جهل فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ آلله الذي لا إله غيره ]
؟ فقال ابن مسعود : نعم و الله الذي لا إله غيره ! فحمد الله رسول الله
صلى الله عليه و سلم على ذلك : و كان عبد الرحمن بن عوف صديقا لأمية ابن
خلف بمكة : أرغبت عن اسم سماك أبوك ؟ فيقول : نعم فيقول أمية : فإني لا
أعرف الرحمن فاجعل بيني و بينك شيئا أدعوك به أما أنت فلا تجيبني باسمك
الأول و أما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف فقال له عبد الرحمن : قل ما شئت
قال : فأنت عبد الإله فكان يسميه في مكة عبد الإله فمر به عبد الرحمن بن
عوف في المعركة و هو واقف و معه ابنه و مع عبد أدرع يحملها فلما رآه أمية
بن خلف قال : عبد عمرو ! فلم يجبه عبد الرحمن قال : يا عبد الإله ! فقال :
نعم فقال : أنا خير لك من هذه الأدرع التي معك فقال عبد الرحمن : نعم و
الله هو الله إذا ! فطرح عبد الرحمن الأدرع و أخذ بيده و يد ابنه فقال له
أمية بن خلف : يا عبد الإله ! من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره ؟
قال : ذلك حمزة بن عبد المطلب فقال : ذلك الذي فعل بنا الأفاعيل فبينما
عبد الرحمن يقودهما إذ رآهما بلال فقال : رأس الكفر أمية بن خلف ! لا نجوت
إن نجا ! فقال عبد الرحمن : أي بلال ! أسيرى فقال : لا نجوت إن نجا ! فقال
عبد الرحمن : أتسمع يا ابن السوداء قال : لا نجوت إن نجا ! ثم صرخ بأعلى
صوته : يا أنصار الله ! رأس الكفر أمية بن خلف ! لا نجوت إن نجا ! فأحاط
به المسلمون و عبد الرحمن يذب عنه فخالف رجل بالسيف فضرب ابنه فوقع فقال
عبد الرحمن : انج بنفسك فو الله ما أغني عنك شيئا ! فعلاهم المسلمون
بأسيافهم حتى فرغوا منهما فكان عبد الرحمن يقول بعد ذلك : يرحم الله بلالا
! اذهب أدرعي و فجعني بأسيري و أسر أبو اليسر كعب بن عمرو العباس بن عبد
المطلب و أوثقه فبات رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الليلة ساهرا فقيل
له فقال : [ سمعت حنين العباس في وثاقه ] فأطلق من وثاقه فقال المسلمون :
يا رسول الله ! عليك بالعير ليس دونها شيء فناداه وهو أسير : لا يصلح !
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم ؟ قال : لأن الله وعدك إحدى
الطائفتين و قد أعطاك ما وعدك
ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم
للمسلمين : [ ما تقولون في هؤلاء الأسرى ] ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله
! قومك و أهلك استبقهم واستأنهم لعل الله أن يتوب عليهم و قال عمر : كذبوك
و أخرجوك قدمهم قدمهم فاضرب أعناقهم ! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: إن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : { فمن تبعني فإنه مني } الآية و
إن مثلك يا عمر مثل نوح قال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا }
ـ الآية
ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أسر أم
حكيم فليخل سبيلها فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمنها و كان أسرها
رجل من الأنصار و كتفها بذوابتها فلما سمع منادي رسول الله صلى الله عليه
و سلم
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقليب فطرح فيه جيف
المشركين ثم وقف عليهم فقال ! [ يا أهل القليب ! هل وجدتم ما وعد ربكم حقا
؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا ] ! فقال المسلمون : يا رسول الله ! نتادي
قوما قد ماتوا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لئن كنتم
تسمعونها لقد سمعوها ] ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرضهم ثلاثا
و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بالفتح إلى أهل المدينة فبعث
عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية و زيد بن حارثة إلى أهل السافلة
فقدم زيد المدينة والناس يسوون على ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
رقية التي كانت تحت عثمان فكان عثمان استأذن رسول الله صلى الله عليه و
سلم في التخلف عن بدر ليقيم على امرأته رقية و هي عليلة فأذن له رسول الله
صلى الله عليه و سلم في ذلك و ضرب له بسهمه وحده فلما فرغوا من دفنها
أتاهم الخبر بفتح الله المسلمين فجاء أسامة بن زيد أباه و هو واقف بالمصلى
قد غشيه الناس و هو يقول : قتل عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو الحكم
بن هشام و زمعة ابن الأسود و العاص بن هشام فقال : يا أبتاه ! أحق هذا ؟
فقال : نعم يا بني ! فقال المنافقون : ما هذا إلا أباطيل فلم يصدقوه ؟ حتى
جيء بهم مصفرين مغللين
و كان أول من قدم مكة من قريش بالخبر بمصابهم
الحيسمان بن جابس بن عبد الله المدلجي فقيل له : ما وراءك ؟ فقال : قتل
عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو الحكم هشام و أمية بن خلف فقال صفوان
بن أمية ابن خلف : و الله إن يعقل هذا بما يقول فسلوه عني فقال : ما فعل
صفوان بن أمية ؟ قال : ها هو ذلك جالس في الحجر ! و قد و الله رأيت أباه و
أخاه حين قتلا
ثم قدم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مكة و كان
أبو لهب قد تخلف عن بدر و بعث مكانه العاص بن هشام فلما رأى أبو لهب أبا
سفيان بن الحارث مقبلا قال : هلم يا ابن أخي فعندك الخبر فجلس إليه و
الناس قيام عليهما فقال : يا ابن أخي ! كيف كان أمر الناس ؟ قال : لا شيء
والله ! إن هو إلا لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا حتى قتلونا كيف شاءوا و
أسرونا كيف شاءوا و أيم الله مع ذلك ما لمت الناس لأنا لقينا رجالا بيضا
على خيل بلق بين السماء و الأرض والله لا يقوم له شيء ! فعاش أبو لهب بعد
هذا الخبر سبعة أيام و رماه الله بالعدسة فمات فدفنوه بأعلى مكة و كانت
قريش لا تبكي على قتلاها مخافة أن يبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم و
أصحابه فيشمتوا بهم
و لما وقع بأيدي المسلمين ما وقع من المشركين
اختلفوا فكانوا ثلاثا : فقال الذين جمعوا المتاع : قد كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم نفل كل امرئ ما أصاب و قال الذين كانوا يطلبون العدو : و
الله ! لولا نحن ما أصبتموه و نحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم و
قال الحرس الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه و سلم مخافة أن
يخالف إليه العدو : و الله ! ما أنتم أحق به منا لو أردنا أن نقبل العدو
حين منحونا أكتافهم و أن نأخذ المتاع حين لم يكن أحد دونه فعلنا ! و لكنا
خفنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم كرة العدو فقمنا دونه فما أنتم
أحق به منا ! و ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم : من صنع كذا
فله كذا فتنازعوا في ذلك شباب الرجال و بقيت الشيوخ تحت الرايات فلما كان
القائمون جاؤا يطلبون الذي جعل لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال
الشيوخ : لا تستأثروا علينا فإنا كنا وراءكم و كنا تحت الرايات و لو أنا
كشفنا لكشفتم إلينا فتنازعوا فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الأنفال } ـ
إلى آخر السورة فانتزع الله ذلك من أيديهم و جعله إلى رسول الله صلى الله
عليه و سلم فولى رسول الله صلى الله عليه و سلم الغنائم عبد الله بن كعب
المازني
ثم رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر بعد ثلاث يريد
المدينة و حمل الأسارى معه فلما انحدر من بدر إذا بطلحة بن عبيد الله و
سعيد بن زيد قد أقبلا من الحوران فضرب لهما النبي صلى الله عليه و سلم
بسهميهما و أجرهما فلما بلغ النبي الصفراء و بينهما و بين المدينة ثلاث
ليال أمر بقتل النضر بن الحارث و كان أسيرا قتله علي بن أبي طالب فلما بلغ
عرق الظبية قتل عتبة بن أبي معيط فقال عتبة لرسول الله صلى الله عليه و
سلم : من للصبية يا محمد فقال النبي صلى الله عليه و سلم : النار
ثم قسم الغنائم بين الناس بالصفراء و بين الصفراء و بين بدر سبعة عشر ميلا قسمها على من حضر بدرا و أخذ سهمه مع المسلمين
ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل إلى المدينة قبل الأسارى بيوم
ثم قدم بالأسارى يوم الثاني فلما بلغوا الروحاء لقيهم المسلمون يهنؤونهم
بفتح الله عليهم فقال سلمة بن سلامة بن وقش : ما الذي تهنئون به ! والله
إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعلقة ننحرها ! فتبسم رسول الله صلى
الله عليه و سلم ثم قال : [ يا ابن أخي ! أولئك الملأ من قريش ]
ثم
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس بن عبد المطلب : افد نفسك و بني
أخيك عقيل بن أبي طالب و نوفل بن الحارث و حليفك عتبة بن عمر أحد بني
الحارث ابن فهر فإنك ذو مال فقال يا رسول الله ! إني كنت مسلما و لكن
القوم استكرهوني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الله أعلم
بإسلامك إن يكن ما تذكر حقا فالله يجزيك بذلك فأما ظاهر أمرك فكان علينا
فافد نفسك و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ منه عشرين أوقية من
ذهب ] فقال العباس : يا رسول الله ! فاحسبها من فدائي قال : [ لا ذلك شيء
أعطانا الله منك ] فقال العباس : فإنه ليس لي مال فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ فأين المال الذي و ضعته بمكة حين خرجت عند أم فضل بنت
الحارث فليس معكما أحد فقلت لها : إن أصبت في سفري فللفضل كذا و لقثم كذا
و لعبد الله كذا ] ؟ قال : فو الذي بعثك بالحق ! ما علم بهذا أحد من الناس
غيري و غيرهما و إني لأعلم أنك رسول الله
ثم بعث قريش في فك الأساري
جبير بن مطعم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقتل النبي صلى الله عليه
و سلم من قتل منهم و فادى من فادى منهم و من لم يكن له مال من عليهم و
فادى من كان من العرب فيهم بأربعين أوقية من كان منهم من الموالي بعشرين
أوقية في
غزوة بدر
و نزلت { لولا كتب من الله سبق لمسكم } ـ إلى قوله { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لم تحل الغنائم لقوم سود الرءوس من قبلكم و ذلك أن الله جل و علا رأى ضعفكم فطيبها لكم و كانت الغنائم فيما قبل تنضد فتجيء النارفتأكلها ]
[ أخبرنا الحسن بن سفيان أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون
أنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله أطلع على أهل بدر فقال :
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ]
قال : شهد بدرا مع رسول الله صلى
الله عليه و سلم من المهاجرين و الأنصار ثلاثمائة و ثلاثة عشر نفسا ـ عدد
أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ـ و إني ذاكر ما يحضرني من أساميهم
على قبائلهم لكيلا يبعد على سالك سبيل العلم الوقوف على أساميهم إن وفقه
الله لذلك
فنبدأ من ذلك من شهد منهم بدرا من قريش ثم من بني هاشم و
من بني المطلب ابنى عبد مناف : حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عم
رسول الله صلى الله عليه و سلم و علي بن أبي طالب بن عبد المطلب و زيد بن
حارثة بن شر حبيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس الكلبي و
أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو كبشة مولى رسول الله و أبو
مرثد كناز بن حصين ابن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن ظريف بن
جلان بن غنم بن غني بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر و ابنه مرثد بن
أبي مرثد حليفا حمزة بن عبد المطلب و حصين بن الحارث بن المطلب و مسطح بن
أثاثة بن المطلب و من بني تيم بن مرة بن كعب : أبو بكر الصديق و اسمه عبد
الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة و بلال بن
رباح مولى أبي بكر و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر و طلحة بن عبيد الله بن
عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة لم يحضر بدرا و كان النبي صلى
الله عليه و سلم بعثه لتجسس الخبر فوافاهم و قد فرغ النبي صلى الله عليه و
سلم من بدر و ضرب له بسهمه
و من بني عدي بن كعب بن لؤي : عمر بن
الخطاب بن نفيل بن عبد العزى ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي
بن كعب بن لؤي و أخوه زيد بن الخطاب بن نفيل و مهجع مولى عمر بن الخطاب و
هو أول قتيل قتل ببدر و عامر ابن ربيعة و عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس
بن أذاة بن رباح بن عدي بن كعب و أخوه عبد الله بن سراقة و واقد بن عبد
الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة ابن يربوع بن حنظلة بن زيد مناة بن
تميم و خولى بن أبي خولى و عاقل بن البكير و خالد بن البكير بن عبد ياليل
بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث و سعيد بن زيد بن عمرو و بن نفيل بن عبد
العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي
لم يحضر بدرا كان مع طلحة بعثها رسول الله صلى الله عليه و سلم يتجسسان
خبر العير فوافيا و قد فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر فضرب
لهما بسهميهما و أجرهما
و من بني عبد شمس بن عبد مناف : عثمان بن
عفان بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف تخلف بالمدينة عن رسول
الله صلى الله عليه و سلم على امرأته رقية و كانت عليلة أذن له رسول الله
صلى الله عليه و سلم في ذلك و ضرب له بسهمه و أجره و أبو حذيفة بن عتبة بن
ربيعة بن عبد شمس
و من حلفائهم : عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر
بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة و عكاشة بن محصن
بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم و شجاع بن وهب بن ربيعة و أخوه
عقبة بن وهب بن ربيعة و يزيد بن رقيش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن
كبير بن غنم و أبو سنان أخو عكاشة بن محصن بن حرثان و ابنه سنان بن أبي
سنان و محرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم و ربيعة بن أكثم
ابن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم و مالك بن عمرو
و من بني زهرة بن
كلاب : عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث ابن زهرة بن كلاب و سعد بن
أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب و عمير بن أبي وقاص بن أهيب
أخو سعد
و من حلفائهم المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن
ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زهير بن ثور بن ثعلبة بن مالك بن الشريد
و مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن محلم
ابن عائذة بن الهون بن خزيمة من القارة و ذو الشمالين بن عبد عمرو ابن
نضلة بن غبشان بن سليم بن مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن خزاعة
و عبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن
الحارث بن سعد بن هذيل و خباب بن الأرت و صهيب بن سنان بن عبد عمرو بن
الطفيل بن عامر بن جندلة و من بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الزبير بن
العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي و حاطب بن أبي بلتعة و سعد
مولى حاطب و من بني نوفل بن عبد مناف : عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن
نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة و خباب مولى عتبة بن
غزوان
و من بني عبد الدار بن قصي : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد
مناف بن عبد الدار بن قصي و كان صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم
بدر قتل يوم أحد و سويبط بن سعد بن حرملة بن مالك بن عميله بن السباق بن
عبد الدار بن قصي
و من بني مخزوم بن يقظة : أبو سلمة بن عبد الأسد
بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و شماس بن عثمان بن الشريد بن هرمي
بن عامر بن مخزوم و الأرقم بن أبي الأرقم و اسم أبي الأرقم عبد مناف بن
أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و عمار بن ياسر و معتب بن عوف بن عامر بن
الفضل بن عفيف
و من بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي : عثمان
بن مظعون ابن حبيب بن حذافة بن جمح و قدامة بن مظعون و عبد الله بن مظعون
ابن حبيب و معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب
و من بني سهم بن عمرو بن هصيص : خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم
و من بني عامر بن لؤي : ابن غالب بن مالك بن حسل و عبد الله بن مخرمة بن
عبد العزى بن أبي القيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل و عبد الله بن
سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود و عمير بن عوف مولى سهيل ابن عمرو و
سعد بن خولة حليف له
و من بني الحارث بن فهر : أبو عبيدة بن الجراح
و اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن
فهر و عمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن
ضبة بن الحارث و سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث و
أخوه صفوان بن وهب و هما ابنا بيضاء أمهما و عمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن
هلال بن أهيب
فجميع من شهد بدرا من المهاجرين و من ضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه و أجره من قريش ثلاثة و ثمانون رجلا
و ممن شهد بدرا من الأنصار ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن
الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : سعد بن معاذ بن النعمان ابن امرئ القيس
بن زيد بن عبد الأشهل و عمرو بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أخوه و
الحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان و الحارث بن أنس ابن رافع بن امرئ القيس
و سعد بن زيد بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل و سلمة بن سلامة بن وقش بن
زغبة بن زعواء بن الأشهل و عباد بن بشر بن وقش و سلمة بن ثابت بن وقش و
رافع بن يزيد بن كرز بن السكن بن زعواء بن عبد الأشهل و الحارث بن خزمة بن
عدي بن أبي غنم ابن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الحارث بن الخزرج و
محمد بن مسلمة ابن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث حليف لهم و
سلمة بن أسلم ابن حريش بن عدي بن مجدعة حليف لهم و أبو الهيثم بن التيهان
اسمه مالك و عبيد بن التيهان حليف لهم و عبد الله بن سهل
و من بني سواد بن كعب : قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر و عبيد بن أوس بن مالك بن سواد
و من بني رزاح بن كعب : نصر بن الحارث و عبد الله بن طارق و معتب بن عبيد حليفان لهم
و من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : مسعود بن
سعد بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث وأبو عبس اسمه عبد
الرحمن بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث و أبو
بردة بن نيار و اسمه هانئ حليف لهم
و من بني عمرو بن عوف ثم من بني
ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف : عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح
ـ و أبو الأقلح قيس ـ بن عصمة بن مالك بن أمية بن ضبيعة و معتب بن قشير بن
مليل بن زيد بن العطاف وعمرو بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف و سهل بن
حنيف ابن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو
و من
بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف : مبشر بن عبد المنذر بن
زنبر و سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية و عويم بن
ساعدة بن عائش بن قيس و رافع بن عنجدة و عبيد بن أبي عبيد و ثعلبة بن حاطب
و قد قيل إن أبا لبابة بن عبد المنذر و الحارث بن حاطب شهدا بدرا
و
من بني عبيد بن زيد بن مالك : أنيس بن قتادة بن ربيعة بن خالد بن الحارث
بن عبيد و سالم مولى بنت يعار و هو الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة بن
عتبة و كانت بنت يعار تحت أبي حذيفة بن عتبة و من حلفائهم : معن بن عدي بن
الجد بن عجلان و ربعي بن رافع بن زيد بن حارثة بن الجد بن عدي بن العجلان
و قد قيل : إن عاصم بن عدي ابن الجد بن العجلان رده النبي صلى الله عليه و
سلم و ضرب له بسهمه
و من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف : عبد الله بن
جبير بن النعمان و عاصم ابن قيس و أبو ضياح بن ثابت و سالم بن عمير و
الحارث بن النعمان بن أبي خزمة و خوات بن جبير بن النعمان
و من بني
جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف : المنذر بن محمد ابن عقبة بن أحيحة
بن الجلاح بن الحريش بن جحجبي وأبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة بن بيحان بن
عامر بن الحارث بن مالك بن عامر بن أنيف حليف له
و من بني غنم بن
السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس بن حارثة : سعد بن خيثمة و المنذر
بن قدامة و مالك بن قدامة و ابن عرفجة و تميم مولى بني غنم بن سلم و من
معاوية بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف : جابر بن عتيك بن
الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية و النعمان بن عصر حليف
له من بلى و ممالك بن نميلة حليف لهم
و من بني الحارث بن الخزرج :
عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة و خاجة بن زيد بن أبي
زهير بن مالك بن امرئ القيس و خلاد ابن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن
امرئ القيس
و من بني زيد بن مالك بن ثعلبة : بشير بن سعد بن ثعلبة
بن خلاس بن زيد ابن مالك و سبيع بن قيس بن عيشة بن مالك و عبادة بن قيس و
سماك بن سعد و عبد الله بن عبس و يزيد بن الحارث ابن قيس و هو الذي يقال
له ابن فسحم
و من بني جشم بن الحارث : عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن
عبد ربه بن زيد ابن الحارث بن الخزرج الذي رأى النداء في النوم و أخوه
حريث بن زيد بن ثعلبة و خبيب بن إساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن
جشم و سفيان بن بشر
و من بني جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج :
زيد بن المري ابن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة و تميم بن يعار بن قيس بن
عدي بن أمية بن جدارة و عبد الله بن عمير بن حارثة
و من بني الأبحر بن عوف : عبد الله بن الربيع بن قيس بن عمرو بن عباد ابن الأبجر
و من بني عوف بن الخزرج : عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث
بن عبيد بن مالك و أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث بن عبيد بن مالك
و من بني جزء بن عدي بن مالك بن سالم : زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن
جزء و رفاعة بن عمرو بن زيد و عقبة بن وهب بن كلدة و عامر بن سلمة بن عامر
حليفان لهم و معبد بن عباد بن قشعر بن المقدم بن سالم بن غنم و يكنى معبد
أبا خميصة و عامر بن البكير حليفه
و من بني سالم بن عوف بن عمرو بن
عوف بن الخزرج : نوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن
غنم بن سالم و مليل بن وبرة ابن خالد بن العجلان بن زيد و عتبان بن مالك
بن عمرو بن العجلان و عصمة بن الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان
و من بني قربوس بن غنم : أمية بن لوذان بن سالم بن ثابت بن هزال بن عمرو بن قربوس
و من بني أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف : عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم و أخوه أوس بن الصامت
و من بني دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم : النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد و هو من الذين يقال لهم القوافل
و من بني مرضخة بن غنم بن عوف : مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة بن غنم
و من بني لوذان بن غنم : الربيع بن إياس بن عمرو بن غنم بن أمية بن لوذان و ورقة بن إياس و عمرو بن إياس
و من حلفائهم : المجذر بن زياد بن عمرو بن زمزمة بن عمرو بن عمارة و عباد
بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة و عبد الله بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم و نحاب
بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم و عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية حليف لهم
و من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج : أبو دجانة و اسمه سماك بن أوس بن خرشة
بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة و المنذر ابن عمرو
بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة
و من بني البدن : عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج و أبو أسيد مالك بن ربيعة بن البدن و مالك بن مسعود
و من بني طريف بن الخزرج : عبد الله بن حق بن أوس بن وقش بن ثعلبة بن طريف
و من حلفائه : كعب بن حمار بن ثعلبة بن خالد و بسبس بن عمرو و ضمرة و زياد
و من بني جشم بن الخزرج : خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح بن زيد ابن
حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة و تميم مولى خراش بن الصمة وعبد الله
بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب و عمير بن الحمام بن الجموح بن
زيد بن حرام بن كعب و الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب و
معاذ بن عمرو بن الجموح و معوذ ابن عمرو بن الجموح و خلاد بن عمرو بن
الجموح و عقبة بن عامر بن نابئ بن زيد بن حرام و حبيب بن الأسود مولاهم و
ثابت بن ثعلبة بن زيد ابن الحارث بن حرام و هو الذي يقال له الجذع و عمير
بن الحارث بن ثعلبة
و من بني عبيد بن عدي بن غنم : عبد الله بن الجد
بن قيس بن صخر بن خنساء و بشر بن البرار بن معرور بن صخر بن خنساء و
الطفيل بن النعمان بن خنساء و عبد الله بن حمير و خارجة بن حمير حليفان
لهم من أشجع
و من بني النعمان بن سنان بن عبد بن عدي بن غنم : جابر
بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان و عبد الله بن عبد مناف بن
النعمان بن سنان و خليدة بن قيس بن النعمان بن سنان
و من بني خناس :
جبار بن صخر بن أمية بن خناس و يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس و عبد الله
بن النعمان بن بلدمة بن خناس و الضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة و سواد بن
زريق بن ثعلبة و معبد بن قيس بن صخر ابن حرام و عبد الله بن قيس بن صخر بن
حرام
و من بني سواد بن غنم بن كعب : سليم بن عمرو بن حديدة بن عمرو
ابن سواد و قطبة بن عامر بن حديدة أبو المنذر و عنترة مولى سليم بن عمرو
و من بني عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن كعب : معاذ بن جبل بن عمرو بن
عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدى بن سعد بن علي بن أسد ابن سادرة بن
تزيد بن جشم و عبس بن عامر بن عدي بن نابي و ثعلبة بن غنمة بن عدي و أبو
اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد و عبد الله بن أنيس و عمرو بن
طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب و سهل بن قيس بن أبي كعب بن القين بن
كعب
و من بني زريق بن عامر بن زريق : سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد
و الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد و جبير بن إياس بن خالد بن مخلد وعباد بن
قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق و أسعد بن يزيد ابن الفاكه بن زيد بن
خلدة بن عامر و الفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة و عائذ بن ماعص بن
قيس بن خلدة و أخوه معاذ بن ماعص و مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة
و
من بني العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق : رفاعة بن رافع بن مالك بن
العجلان و أخوه خلاد بن رافع و عبيد بن زيد بن عامر بن العجلان
و من
بني بياضة بن عامر بن زريق : زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن
عدي بن أمية بن بياضة و فروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر ابن بياضة و
رخلية بن ثعلبة بن عامر بن بياضة و خالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن
عامر بن بياضة و خليفة بن عدي بن عمرو مالك بن عامر بن فهيرة ابن بياضة
و من حبيب بن عبد الحارثة : رافع بن المعلى بن لواذن بن حارثة بن عدي بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة
و من بني النجار و هو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج : أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم
و من بني عمرو بن عبد عوف : عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان و سراقة بن كعب
بن عبد العزى بن غزية و ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء ابن عسيرة
و من بني عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك : حارثة بن النعمان بن رافع بن زيد
بن عبيد و سليم بن قيس بن قهد ـ و اسم قهد خالد ـ بن قيس بن ثعلبة ابن
عبيد بن ثعلبة
و من بني عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك : سهيل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة و عدي بن أبي الزغبا حليف لهم
و من بني زيد بن ثعلبة بن غنم : مسعود بن أوس بن زيد و أبو خزيمة بن أوس
بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة و رافع بن الحارث بن سواد بن زيد
و
من بني سواد بن مالك بن غنم : عوف بن الحارث و معوذ بن الحارث و معاذ بن
الحارث و رفاعة بن الحارث بن سواد ـ و أمهم عفراء و النعمان بن عمرو بن
رفاعة بن الحارث بن سواد و عامر بن مخلد بن الحارث بن سواد و عبد الله بن
قيس بن زيد بن سواد و قيس بن عمرو بن قيس و ثابت بن عمرو بن زيد و عصيمة و
وديعة بن عمرو حليفان لهم
و من بني عامر بن مالك بن النجار ثم من
بني عتيك بن عمرو بن مبذول : ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك و
سهيل بن عتيك بن النعمان ابن عمرو بن عتيك و الحارث بن الصمة بن عمرو بن
عتيك كسر به بالروحاء فرجع فضرب له النبي صلى الله عليه و سلم بسهمه
و من بني قيس بن عبيد بن زيد : أبي بن كعب بن قيس بن عبيد و أنس ابن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد
و من بني عدي بن عمرو بن مالك بن النجار : أبو طلحة و اسمه زيد بن سهل ابن
الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي و أوس بن ثابت بن المنذر ابن
حرام
و من بني عدي بن النجار ثم من عدي بن عامر بن غنم بن النجار :
حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر و عمرو بن ثعلبة
بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر و عمرو أبو خارجة بن قيس ابن مالك
بن عدي بن عامر و سليط بن قيس بن عمرو بن عتيك بن مالك بن عدي و أبو سليط
اسمه أسيرة و ثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي و عامر بن أمية بن زيد
بن الحسحاس بن مالك بن عدي و سواد بن غزية بن وهيب حليف لهم
و من
بني حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار : أبو الأعور كعب بن
الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام بن جندب و قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن
حرام و سليم بن ملحان و حرام بن ملحان ـ و ملحان مالك بن خالد بن زيد بن
حرام بن جندب
و من بني مازن بن النجار ثم من بني عوف بن مبذول : قيس
بن صعصعة ـ و اسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول و عبد ابن كعب بن
عمرو بن عوف و عيصمة حليف لهم و من بني ثعلبة بن مازن : قيس بن مخلد بن
ثعلبة بن صخر بن حبيب الحارث بن ثعلبة بن مازن
و من بني مسعود بن
عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار : النعمان عبد عمرو بن مسعود بن
عبد الأشهل و الضحاك بن عبد عمرو بن مسعود و ابن الحارث بن ثعلبة بن كعب
بن حارثة أخوهما لأمهما و جابر بن خالد بن عبد الأشهل بن حارثة و سعد بن
سهل بن عبد الأشهل
و من بني قيس بن مالك : كعب بن زيد بن مالك بن كعب بن حارثة و بجير بن أبي بجير حليف لهم
فجميع من شهد بدرا من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثمائة
و ثلاثة عشر رجلا من الأوس و مائة و سبعون رجلا من الخزرج
ثم كان
قتل عصماء و العصماء هذه بنت مروان من بني أمية بن زيد زوجها زيد بن الحصن
الخطمي كانت تحرض على المسلمين و تؤذيهم و تقول الشعر فجعل عمير بن عدي
عليه نذرا لئن رد الله رسوله سالما من بدر ليقتلنها فلما قدم النبي صلى
الله عليه و سلم المدينة بعد فراغه من بدر عدا عمير بن عدي على عصماء فدخل
عليها في جوف الليل لخمس ليال بقين من رمضان فقتلها ثم لحق بالنبي صلى
الله عليه و سلم فصف مع الناس و صلى معه الصبح و كأن صلى الله عليه و سلم
يتصلخهم إذا قام يريد الدخول إلى منزله فقال لعمير بن عدي : [ أقتلت عصماء
] ؟ قال : نعم يا رسول الله ! هل علي في قتلها شيء ؟ فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : [ لا ينتطح فيها عنزان ]
و مات أبو قيس بن الأسلت في آخر شهر رمضان
ثم خطب النبي صلى الله عليه و سلم قبل الفطر بيوم و أمرهم بزكاة الفطر قبل
أن يغدو إلى المصلى ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الفضاء و
العنزة ركزت بين يديه و صلى إليها من غير أذان و لا إقامة ركعتين ثم خطب
خطبتين بينهما جلسة و كانت العنزة للزبير بن العوام أعطاها إياه النجاشي
فوهبها الزبير لرسول الله صلى الله عليه و سلم
في شوال و ذلك أن
المسلمين لما قدموا المدينة و ادعتهم اليهود أن لا يعينوا عليهم أحدا فلما
قفل رسول الله صلى الله عليه و سلم من قتل بدر و رجع إلى المدينة أظهروا
البغي و قالوا : لم يلق محمد أحدا من يحسن القتال لو لقينا للقي عندنا
قتالا لا يشبه قتالهم فأنزل الله { و إما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم
} الآية
فصار رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم يحمل لواءه حمزة
بن عبد المطلب و استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر حتى أتاهم
فحاصرهم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى
الله عليه و سلم فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فكتفوا و أراد
قتلهم فكلمه فيهم عبد الله بن أبي و أخذ بجمع درع رسول الله صلى الله عليه
و سلم و قال : ما أنا بمرسلك حتى تهبهم لي فقال النبي صلى الله عليه و سلم
: [ خلو عنهم ] ! ثم أمر بإجلائهم و غنم رسول الله صلى الله عليه و سلم و
المسلمون ما كان لهم من مال و كانوا صاغة لم يكن لهم الأرضون و لا قراب
فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم سلاحهم و آلة صياغة و ولى أكثر ذلك
لرسول الله صلى الله عليه و سلم محمد بن مسلمة ثم أمر رسول الله صلى الله
عليه و سلم عبادة بن الصامت أن يجليهم و يخرجهم بذراريهم من المدينة فمضى
بهم عبادة حتى بلغوا ذباب و أجلاهم و هذه الغنيمة أول الخمس خمسها رسول
الله صلى الله عليه و سلم في الإسلام أخذ منهم صفيه و خمسه و قسم أربعة
أخماسا على المسلمين
في ذي القعدة و ذلك أن أبا سفيان لما رجع من
الشام بالعير و أفلت بها نذر أن النساء و الدهن عليه حرام حتى يطلب ثأره
من محمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه فخرج في مائتي راكب حتى أتى بني
النضير و سلك النجدية و دق على حي بن أخطب بابه فأبى أن يفتح له و دق على
سلام من مشكم ففتح له فقراه و سقاه خمرا و أخبره سلام بأخبار النبي صلى
الله عليه و سلم و أخبار المدينة
فلما كان في السحر خرج فمر بالعريض
فإذا رجل معه أجير له معبد بن عمرو من المسلمين فقتلهما و حرق أبياتا هناك
و تبنا و رأى أن يمينه قد بر فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه و
سلم فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في أثره في مائتي رجل من
المهاجرين و الأنصار على المدينة أبا لباب بن عبد المنذر فأعجزهم أبو
سفيان و كان هو و أصحابه عامة زادهم السويق فجعلوا يلقون السويق يتخففون
بذلك فسميت هذه الغزوة [
غزوة السويق
] و رسول الله صلى الله عليه و سلم في أثرهم فلما أعجزهم و لم يلحقهم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينةو مات أبو السائب عثمان بن مظعون في ذي الحجة ثم ضحى رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج الناس في المصلى و هي أول ضحية ضحى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذبح كبشين أملحين أقرنين بيده و وضع رجله على صفاحهما و سمى و كبر و ضحى المسلمون معه ثم بنى علي بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذي الحجة
[ أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا أبو يعلي
بالموصل ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي إسرائيل ثنا سفيان بن عمرو بن دينار
سمع جابر بن عبد الله يقول قال النبي صلى الله عليه و سلم : من لكعب بن
أشرف ؟ فإنه آذى الله و رسوله فقال له محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول
الله أتأذن لي أقول شيئا ؟ قال : بلى فأتاه فقال : إن هذا سألنا صدقة في
أمولنا قال و أيضا : و الله قال : فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر
إلى أي شيء يصير شأنه و إني قد أتيتك استسلفك قال : فارهنوا نسائكم قالوا
: كيف نرهنك نساءنا ؟ و كنت أجمل العرب قال : فارهنوني أبناءكم قالوا :
كيف نرهنك أبناءنا ؟ تسب الدهر و تعير فيقال : رهين بوسق أو وسقين و لكنا
نرهنك اللأمة أي السلاح فأتاه و معه أبو عبس بن جبر و الحارث بن أوس بن
معاذ و عباد بن بشر و أبو نائلة فقال لهم محمد بن مسلمة : إني محبس رأسه و
ممسكه فإذا قلت اضربوا فاضربوا فقال : نعم فمس و قال : ما أطيب ريحك ! قال
: عندي فلانة و هي أعظم نساء العرب ثم قال له : أتأذن لي أن أشم رأسك ؟
قال : نعم فمس رأسه حتى استمكن منه قال لهم : اضربوا فضربوه حتى قتلوه
فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبروه ]
قال : خرج كعب بن
الأشرف إلى مكة فقدمها و وضع رجله عند المطلب ابن أبي وداعة السهمي و جعل
ينشد الأشعار و يحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم و يبكي على
قتلى بدر من أصحاب القليب ثم رجع إلى المدينة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله
عليه و سلم فقال : [ من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله و رسوله ] فقال
: محمد بن مسلمة : أنا إن تأذن أن أقول ـ يريد ـ كذبا في الحرب فأذن له
رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج محمد بن مسلمة و معه أربعة نفر : أبو
عبس بن جبر و عباد بن بشر بن وقش و أبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش و
الحارث بن أوس بن معاذ بن أخي سعد بن معاذ فانتهوا إلى كعب بن الأشرف و هو
في أطم من آطام المدينة فقال له محمد بن مسلمة : إن محمدا يأخذ صدقة
أموالنا ـ و أراد المال منه ـ ثم قال له : أتيتك أستسلفك فأرهن السلاح ثم
جاء يغمر رأسه فلما استمكن منه ضربه و ضربوه حتى قتل و احتزوا رأسه و
جاءوا به إلى النبي صلى الله عليه و سلم
ثم غزا رسول الله صلى الله
عليه و سلم غزوة قرقرة الكدر حامل لواءه علي بن أبي طالب و استخلف على
المدينة ابن أم مكتوم ثم رجع و لم يلق كيدا
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم كلثوم ابنته الأخرى من عثمان بن عفان في أول شهر ربيع الأول
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة بذي أمر في شهر ربيع الأول
فلما بلغ رسول الله ذا أمر عسكر به ذا من غطفان أصاب رسول الله صلى الله
عليه و سلم مطر فبل ثوبه ثم نزع ثيابه فعلقها على شجرة ليسجفها و نام
تحتها فقالت غطفان لدعثور بن الحارث و كان شجاعا : تفرد محمد من أصحابه و
أنت لا تجد أخلى منه الساعة فأخذ سيفا صارما ثم انحدر و رسول الله صلى
الله عليه و سلم مضطجع ينتظر جفوف ثيابه فلم يشعر إلا بدعثور بن الحارث
واقف على رأسه بالسيف و هو يقول : من يمنعك مني ؟ يا محمد ! فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : الله ! و دفعه جبريل في صدره فوقع السيف من
يده فأخذ رسول الله السيف ثم قام على رأسه و قال : من يمنعك مني ؟ قال :
لا أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ قم فاذهب لشأنك ] فلما
ولى قال : أنت خير نبي يا محمد ! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [
أنا أحق بذلك منك ] فلما سمعت الأعراب من غطفان برسول الله صلى الله عليه
و سلم لحقت بذي الجبال فلما أعجزوه رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى
المدينة
و ولد السائب بن يزيد ابن أخت نمر
و غزا رسول الله صلى
الله عليه و سلم في شهر جمادى الأولى بحران معدن بناحية الفرع ثم رجع رسول
الله صلى الله عليه و سلم و لم يلق كيدا
و ذلك أن قريشا قالت :
قد عور علينا محمد متجرنا و هو على طريقنا و إن أقمنا بمكة أكلنا رؤوس
أموالنا فقال أبو زمعة بن الأسود بن المطلب : أنا أدلكم على رجل يسلك بكم
طريقا ينكب على محمد وأصحابه لو سلكها مغمض العينين لاهتدى ! فقال صفوان
بن أمية : من هو ؟ قال : فرات بن حيان العجلي ـ و كان دليلا فاستأجره
صفوان بن أمية و خرج بهم في الشتاء و سلك بهم على ذات عرق ثم على غمرة
فلما بلغ الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث زيد بن حارثة في
جمادى الأولى فاعترض العير فظفر بها و أفلت أعيان القوم و أسر فرات بن
حيان العجلي و كان له مال كثير و أواقي من فضة فقسم رسول الله صلى الله
عليه و سلم الغنائم على من حضر على من حضر الواقعة و أخذ الخمس عشرين ألفا
و أطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فرات بن حيان فرجع إلى مكة
ثم
تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفصة بنت عمر بن الخطاب قال عمر بن
الخطاب : لما تأيمت حفصة لقيت عثمان بن عفان فعرضتها عليه فقال إن شئت
زوجتك حفصة قال : سأنظر في ذلك فمكث ليال ثم لقيني فقال : بدأ لي أن لا
أتزوج يومي هذا قال عمر : فلقيت أبا بكر فقلت له : إن شئت زوجتك حفصة !
فصمت أبو بكر و لم يرجع إلي بشيء فكنت على أبي بكر أوجد مني على عثمان ثم
مكثت ليال فخطبها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنكحتها إياه فلقيني
أبو بكر فقال : لعلك وجدت في نفسك ؟ فقلت : نعم فقال أبو بكر : لم يمنعني
أن أرجع إليك فيها بشيء إلا أن النبي صلى الله عليه و سلم قد كان ذكرها
فلم أكن أفشي سره و لو تركها قبلتها
ثم تزوج رسول الله صلى الله
عليه و سلم زينب بنت خزيمة من بني هلال التي يقال لها أم المساكين و دخل
بها حيث تزوجها في أول شهر رمضان و كانت قبله تحت الطفيل بن الحارث فطلقها
ثم ولد الحسن بن علي بن أبي طالب في النصف من شهر رمضان و عق عنه رسول
الله صلى الله عليه و سلم بكبشين و حلق رأسه و أمر أن يصدق بوزن شعره فضة
على الأوقاص من المساكين
و ذلك أن أبا سفيان لما رجع بعيره إلى
مكة قال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي و عكرمة بن أبي جهل و رجال من
قريش ممن أصيب آباؤهم و أبناؤهم و إخوانهم ببدر : يا معشر قريش ! إن محمدا
قد وتركم و قتل خياركم فأعينونا على حربه لعلنا أن ندرك منه بعض ما أصاب
منا ! فاجتمعت قريش على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
بأحابيشها و من أطاعها من قبائل مكة و غيرها و خرجوا معهم بالظعن فخرج أبو
سفيان بن حرب بهند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية و خرج عكرمة بن أبي جهل
بأم حكيم بنت الحارث بن هشام و خرج الحارث بن هشام بفاطمة بنت الوليد بن
المغيرة و خرج صفوان بن أمية ببرة ابنة مسعود بن عمرو و هي أم عبد الله بن
صفوان و خرج عمرو بن العاص بريطة ابنة منبه بن الحجاج السهمي و هي أم عبد
الله بن عمرو و خرج طلحة بن أبي طلحة بسلافة ابن شهيد أحد بني عروة بن عوف
مع نسوة غيرهن و دعا جبير بن مطعم غلامه وحشيا فقال : إن قتلت عم محمد
حمزة بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق فخرجت قريش تريد رسول الله صلى الله
عليه و سلم حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة على شفير الوادي مما يلي
المدينة و هم ثلاثة آلاف رجل معهم من الخيل مائتا فرس و من الظعن خمسة عشر
امرأة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما سمع بهم : [ إني رأيت فيما
يرى الغنائم في ذباب سيفي ثلمة و رأيت بقرة نحرت و رأيت كأني أدخلت يدي في
درع حصينة فتأولتها المدينة ] و كره رسول الله صلى الله عليه و سلم الخروج
إليهم فقال عبد الله ابن أبي سلول : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم !
لا تخرج إليهم فو الله ! ما خرجنا إلى عدو قط إلا أصاب منا و ما دخلها
علينا إلا أصبناه فقال رجال من المسلمين ممن كان فاتهم بدر : يا رسول الله
! اخرج بنا إلى أعداء الله لا يرون أنا جبنا عنهم أو ضعفنا فقال عبد الله
بن أبي : يا رسول الله ! أقم فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس و إن دخلوا علينا
قاتلهم الرجال في وجوههم و رماهم النساء و الصبيان بالحجارة من فوقهم فلم
يزل برسول الله صلى الله عليه و سلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى
دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فلبس لأمته ثم خرج عليهم و قد ندم
الناس و قالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يكن لنا ذلك
ثم قالوا : يا رسول الله استكرهناك و لم يكن لنا ذلك إن شئت فاقعد ـ صلى
الله عليك ! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما ينبغي لنبي إذا
لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ] ! فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم
شوال يوم السبت في ألف رجل و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم و صلى
المغرب بالشيخين في طرف المدينة ـ و قد قيل : بالشوط
ثم عرض
المقاتلة فأجاز من أجاز ورد من رد فكان فيمن رد زيد بن ثابت و عبد الله بن
عمر و أسيد بن ظهير و البراء بن عاذب و عرابة بن أوس الحارثي و أبو سعيد
الخدري و أجاز سمرة بن جندب و أما رافع بن خديج فإن رسول الله صلى الله
عليه و سلم استصغره فقام على خفين و تطاول على أطرافه فلما رآه رسول الله
صلى الله عليه و سلم أجازه و كان دليل النبي صلى الله عليه و سلم أبو حثمة
الحارثي فقال عبد الله بن أبي لمن معه : أطاعهم رسول الله صلى الله عليه و
سلم وعصاني و الله ما ندري على ما نقتل أنفسنا معه أيها الناس ارجوا !
فعزل من العسكر ثلاثمائة رجل ممن تبعه و رجع بهم المدينة
و مضى رسول
الله صلى الله عليه و سلم في سبعمائة رجل و سلك حرة بني حارثة ثم نزل حتى
مضى بالشعب من أحد في عدوة الوادي و جعل ظهره إلى أحد و قال : [ لا يقاتلن
أحد حتى أمره ]
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم على الرماة
عبد الله بن جبير أحد بني عمرو بن عوف و هم خمسون رجلا و قال : [ انضح عنا
الخيل لا يأتونا من خلفنا إن كانت علينا أو لنا فاثبت مكانك لا نؤتين من
قبلك ] ! ثم ظاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم في درعين و أعطى اللواء
علي بن أبي طالب و قال : [ من يأخذ مني هذا السيف بحقه ] ؟ قال أبو دجانة
سماك بن خرشة : و ما حقه يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : [ تضرب
به في العدو حتى ينحني ] فقال : يا رسول الله ! أنا آخذه بحقه فأعطاه إياه
ـ و كان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب و كان إذا أعلم بعصابة له
حمراء و يعصب بها رأسه فإذا رأوا علموا أته سيقاتل فأخذ السيف من رسول
الله صلى الله عليه و سلم و أخرج عصابة فعصب بها رأسه ثم أخذ يتبختر بين
الصفين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنها لمشية يبغضها الله
إلا في هذا الموطن ]
و تعبأت قريش و جعلوا على ميمنة الخيل خالد بن
الوليد و على ميسرتها عكرمة بن أبي جهل و قال أبو سفيان بن حرب لأصحابه :
إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم و إنما يؤتى الناس من
قبل راياتهم إذا مالت مالوا فإما أن تكفونا لواءنا و إما أن تخلوا بيننا و
بينه فنكفيكموه فهموا به و تواعدوه و قالوا : نحن نسلم إليك ستعلم كيف
نصنع ! و جاءت هند بنت عتبة و النسوة اللواتي معها يحرضنهم على القتال و
تقول فيما تقول :
( إن تقبلوا نعانق ... و نفرش النمارق )
( أو تدبروا نفارق ... فراق غير دامق )
و أول من خرج من المشركين أبو عامر بن أمية في الأحابيش و قال : يا معشر
الأوس ! أنا أبو عامر ! قالوا : فلا أنعم الله بك عينا ثم راضخ المسلمين
بالحجارة و قاتلهم قتالا شديدا و قاتل أبو دجانة في رجال من المسلمين حتى
حميت الحرب و أنزل الله النصر و كشفهم المسلمون عن معسكرهم و كانت الهزيمة
عليهم فلم يكن بين أخذ المسلمين هندا و صواحبها إلا شيء يسير و قتل علي بن
أبي طالب طلحة و هو حامل لواء قريش و أبا الحكم بن الأخنس بن شريق و عبيد
الله بن جبير بن أبي زهير و أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة و أخذ اللواء
بعد طلحة أبو سعد فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله و بقي اللواء صريعا لا
يأخذه أحد فتقدم رجل من المشركين يقال له صؤاب فأخذ اللواء و أقامه لقريش
فكر المسلمون عليه حتى قطعوا يديه ثم قتل و صرع اللواء
فلما رأى
الرماة الذين خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن المشركين قد انهزموا و
تركوا تركوا مصافهم يريدون النهب و خلوا ظهور المسلمين للخيل و أتاهم
المشركون من خلفهم و صرخ صارخ : ألا ! أن محمدا قد قتل ! فانكشف المسلمون
فصاروا بين قتيل و جريح و منهزم حتى خلص [ العدو إلى ] رسول الله صلى الله
عليه و سلم و أصيب رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه و يقول : [ كيف يفلح
قوم خضبوا وجه نبيهم ]
ثم قام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار
فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا رجلا حتى قتلوا و كان
آخرهم زياد بن السكن فأثبته الجراحة و جاء المسلمون فأجهضوهم عنه فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ادنوه مني ] ! فوسده قدمه حتى مات في
حجره و ترس أبو دجانة دون رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه فكانت
النبل تقع في ظهره و هو ينحني عليه حتى كثرت فيه النبل و قاتل مصعب بن
عمير دون رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قتل أصابه ابن قميئة الليثي و
هو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم رجع إلى قريش و قال :
قتلت محمدا ! و التقى حنظلة بن أبي عامر و أبو سفيان فاستعلى حنظلة أبا
سفيان بالسيف فلما رآه ابن شعوب أن أبا سفيان قدعلاه حنظلة بالسيف ضربه
فقتله فقال رسول الله : [ إن صاحبكم لتغسله الملائكة ] ! و خرج حمزة بن
عبد المطلب فمر به سباع بن عبد العزى الخزاعي و كان يكنى أبا نيار فقال :
هلم يا ابن مقطعة البظور ! فالتقيا فضربه حمزة فقتل ثم جعل يرتجز ومعه
سفيان إذعثر دابته فسقط على قفاه و انكشف الدرع عن بطنه فانتزع وحشي حربته
فهزها و رماها فبقر بها بدنه ثم أخذ حربته و تنحاه
و قد انتهى أنس
بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب و طلحة ابن عبيد الله و رجال
من المهاجرين و الأنصار قد أسقطوا ما في أيديهم و ألقوا بأيديهم فقال : ما
يجلسكم ؟ قالوا قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فما تصنعون
بالحياة بعده ! قوموا فموتوا على ما مات عليه ! ثم استقبل القوم فقاتل حتى
قتل و وجد فيه سبعون ضربة بالسيف و الرمح
و كان أول من عرف رسول
الله صلى الله عليه و سلم حيث كانت الهزيمة كعب بن مالك قال : عرفت عينيه
نزهران من تحت المغفر فناديت بصوتي : يا معشر المسلمين ! ابشروا فهذا رسول
الله صلى الله عليه و سلم ! فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه و
سلم نهضوا إليه فيهم : أبو بكر و عمر و علي و طلحة و الزبير و سعد و
الحارث بن الصمة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يناول النبل سعدا و
يقول : [ ارم فداك أبي و أمي ]
ثم أدرك رسول الله صلى الله عليه و
سلم أبي بن خلف و هو يقول : يا محمد ! لا نجوت إن نجوت فقال القوم : يا
رسول الله ! أيعطف عليه رجل منا ؟ فقال : [ دعوه ] ! فلما دنا تناول رسول
الله صلى الله عليه و سلم الحربة من الحارث بن الصمة ثم انتفض بها انتفاضة
ثم استقبله و طعنه بها فمال عن فرسه و قد كان أبي بن خلف يلقى رسول الله
صلى الله عليه و سلم بمكة فيقول : إن عندي العود أعلفه كل يوم فرقا من ذرة
أقتلك عليه ! فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بل أنا أقتلك إن
شاء الله ] فرجع أبي بن خلف إلى المشركين و قد خدشته حربة رسول الله صلى
الله عليه و سلم خدشا غير كبير فقال قتلني والله محمد فقالوا : ذهب والله
فؤادك و الله إن بك من بأس فقال : إنه قد كان يقول بمكة : إني أقتلك والله
! لو بصق علي لقتلني فمات بسرف و هم قافلون إلى مكة
فانتهى رسول
الله صلى الله عليه و سلم بمن معه من أصحابه إلى الشعب و مر علي بن أبي
طالب حتى ملأ درقته من المهراس و جاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه و
سلم فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم شربه فوجد له ريحا فعافه فلم
يشرب منه و غسل عن وجهه الدم و صب على رأسه و قال : [ اشتد غضب الله على
من دمى وجه رسول الله ] صلى الله عليه و سلم ثم نهض رسول الله صلى الله
عليه و سلم إلى الصخرة ليعلوها فلما ذهب لينهض لم يستطع ذلك فجلس طلحة
تحته فنهض رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى استوى على الصخرة ثم قال : [
أوجب طلحة الجنة ]
و كانت هند و اللاتي معها جعلن يمثلن بالقتلى من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يجدعن الآذان و الآناف حتى اتخذت هند
قلائد من آذان المسلمين و آنفهم و بقرت عن كبد حمزة فلاكته فلم تستطعه
فلفظته ثم علت صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها بشعر لها طويل ـ أكره ذكره
فقتل من المسلمين سبعون رجلا في ذلك اليوم منهم أربعة من المهاجرين و كان
المسلمون قتلوا اليمان أبا حذيفة و هم لا يعرفونه فأمرهم رسول الله صلى
الله عليه و سلم أن يخرجوا ديته و قتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلا
ثم أن أبا سفيان أراد الانصراف فصرخ بأعلى صوته : الحرب سجال أعلى هبل يوم
بيوم ببدر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ناحية : [ الله أعلى و
أجل لا سواء ! قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار ] فقال أبو سفيان : يا
عمر أنشدك الله أقتلنا محمدا ؟ فقال : اللهم لا و إنه ليسمع كلامك فقال :
أنت أصدق عندي من ابن قميئة و لكن موعدكم بدر فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : [ هو بيننا و بينكم ]
رحل أبو سفيان بالمشركين فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي بن أبي طالب : [ أخرج في آثار القوم
فإن كانوا قد اجتنبوا الخيل و امتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة و إن ركبوا
الخيل و ساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة و الذي نفسي بيده لئن أرادوها
لأسيرن إليهم فيها ثم لأنجزتهم ] ! فخرج في آثارهم فرآهم قد اجتنبوا الخيل
و امتطوا الإبل و وجهوا إلى مكة فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فأخبره
و فرغ الناس لقتلاهم و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم
يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد بطنه عن كبده و مثل به فوقف عليه و قال :
[ لولا أن تحزن صفية أن تكون سنة بعدي ما غيبته و لتركته حتى يكون في بطون
السباع و الطير و لئن أظهرني الله عليهم لأمثلن ] ! فأنزل الله { و إن
عاقبتم فعاقبوا } الآية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فسجى ببردة
ثم قال صلى الله عليه و سلم : [ من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع أفي
الأحياء هو أم في الأموات ] ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله صلى
الله عليه و سلم ! فنظره فوجده جريحا في القتلى و به رمق فقال له : إن
رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في
الأموات فقال : أنا في الأموات أبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم عني
السلام و قل له إن سعد بن الربيع يقول جزاك الله عنا خير ما جزى نبي عن
أمته و أبلغ قومك السلام و قل لهم إن سعدا يقول لكم إنه لا عذر لكم عند
الله إن خلص إلى نبيكم و فيكم عين تطرف ـ ثم مات فجاء إلى رسول الله صلى
الله عليه و سلم و أخبره
و احتمل الناس قتلاهم فأمر رسول الله صلى
الله عليه و سلم أن يدفنوهم حيث صرعوا بدمائهم و أن لا يغسلوا و لا يصلى
عليهم فكان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ويقول : [ أيهم أكثر
أخذا للقرآن ] ؟ فإذا أشير إليه بأحدهما قدمه في اللحد و قال : [ أنا شهيد
على هؤلاء يوم القيامة ] قال : [ انظروا عمرو بن الجموح و عبد الله بن
عمرو فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد ]
ثم
قال صلى الله عليه و سلم : [ إن الله جعل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد
أنهار الجنة و تأكل من ثمارها و تأوى إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما
وجدوا طيب مشربهم و مأكلهم و سقياهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع
ربنا بنا ] ! فأنزل الله { و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله } الآية و
كان ابن عمير لم يترك إلا بردة واحدة فكانوا إذا غطوا رأسه بدت رجلاه و
إذا غطوا رجليه بدا رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ غطوا
رأسه و اجعلوا على رجليه شيئا من الإذخر ]
ثم قدم رسول الله صلى
الله عليه و سلم المدينة بمن معه من المسلمين فمر بدار من دور الأنصار
فسمع البكاء على قتلاهم فقال : [ لكن حمزة لا بواكي له ] ! فلما سمع سعد
بن معاذ و أسيد بن حضير أمرا نساء بني عبد الأشهل أن يذهبن فبيكن على عم
رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم
بكاءهن قال : [ اجعل ]
ثم ناول علي بن أبي طالب سيفه فاطمة و قال :
اغسلي عن هذا دمه فو الله ! لقد صدقني اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : [ لئن كنت صدقت القتال اليوم لقد صدق معك سهل بن حنيف و أبو دجانة
]
فلما كان ثاني يوم أحد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم
بالخروج في طلب القوم فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و استخلف على
المدينة ابن أم مكتوم و قال : [ لا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس ] و
كان أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم جرحى فمر على رسول الله صلى
الله عليه و سلم معبد بن أبي معبد الخزاعي ـ و كانت خزاعة مسلمهم و مشركهم
عيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم بتهامة ـ فقال : و الله يا محمد ! لقد
عز علينا ما أصابك و لوددنا أن الله كان أعفاك منهم ثم خرج فلحق أبا سفيان
بالروحاء و من معه من قريش و قد أزمعوا الرجوع إلى رسول الله صلى الله
عليه و سلم و قد توامروا بينهم و قالوا : رجعنا قبل أن نصطلم أصحاب محمد
نرجع فنكر على بقيتهم فلما رأى أبو سفيان معبدا مقبلا قال : ما وراءك يا
معبد ؟ قال : محمد قد خرج في أصحابه في طلبكم في جمع لم أر مثله قط
يتحرقون عليكم تحرقا قال : ويلك ما تقول ! و الله لقد أجمعنا الكرة على
أصحابه لنصطلمهم قال : فإني و الله أنهاك عن ذلك بهم ! عليكم من الجود
بشيء ما رأيته بقوم قط فساءه ذلك
و مر بأبي سفيان ركبة من عبد القيس
فقال : أين تريدون ؟ قالوا : نريد المدينة قال : و لم ؟ قالوا : نريد
الميرة قال : فاخبروا محمدا أنا قد أجمعنا الكرة عليه و على أصحابه
لنصطلهم
ثم رحل أبو سفيان راحلا إلى مكة و مر الركب برسول الله صلى
الله عليه و سلم فأخبروه بما قال أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه
و سلم و المسلمون : حسبنا الله و نعم الوكيل ! فأنزل الله جل و علا في ذلك
{ الذين استجابوا لله و الرسول } إلى قوله { و الله ذو فضل عظيم } لما صرف
عنهم من لقاء عدوهم { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه } ـ الآية فأقام
رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمراء الأسد ثلاثا ثم انصرف إلى المدينة
أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال أنا أحمد بن أبي بكر الزهري [ عن
مالك عن اسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال : دعا رسول
الله صلى الله عليه و سلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا
يدعو على رعل و ذكوان و عصية ] قال أنس : فأنزل الله في الذين قتلوا ببئر
معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ [ بلغوا عنا قومنا إنا قد لقينا ربنا فرضى عنا
و رضينا عنه ]
قال : في أول هذه السنة كانت غزوة بئر معونة و ذلك أن
أبا براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة قدم المدينة [ فأهدى لرسول الله صلى
الله عليه و سلم فرسين و راحلتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [
لاأقبل هدية مشرك ] فعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم عليه الإسلام ]
فلم يسلم و قال : يا محمد لو بعثت معي رجالا من أصحابك إلى نجد رجوت أن
يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إني أخاف عليهم من
أهل نجد ] فقال أبو براء : أنا لجار فابعثهم فليدعوا الناس إلى ما أمرك
الله به فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم المنذر بن عمرو الساعدي في
أربعين راكبا و قد قيل في سبعين رجلا من الأنصار حتى نزلوا ببئر معونة ـ و
هي بئر أرض بني عامر و حرة بني سليم ثم بعثوا حرام بن ملحان من بني عدي بن
النجار بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عامر بن الطفيل فلما أتاه
لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن
يجيبوه بما دعاهم إليه و قالوا : لن نخفر أبا براء إنه قد عقد لهم عقدا
فاستصرخ عليهم قبائل من سليم : رعلا و ذكوان و عصية فأجابوه إلى ذلك فخرج
حتى غشي القوم في رحالهم فأحاطوا بهم فلما رآهم المسلمون أخذوا أسيافهم ثم
قاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه و به رمق
و
كان من المسلمين عامر بن فهيرة طعنه جبار بن سلمى الكلابي بالرمح ثم طلب
في القتلى فلم يجد جثته فمن ذلك قيل : رفع عامر بن فهيرة إلى السماء
و كان في سرحهم ابن أمية و رجل من الأنصار من بني عمرو بن عوف فلم ينبئهما
بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقالا : إن لهذا الطير لشأنا !
فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم و إذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال
الأنصاري لعمرو بن أمية : ماذا ترى ؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله صلى
الله عليه و سلم فنخبره فقال الأنصاري : لكني ما كنت لأرغب عن موطن قتل
فيه هؤلاء ثم تقدم فقاتل حتى قتل و رجع عمرو بن أمية حتى قدم رسول الله
صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فدعا النبي صلى الله عليه و سلم على رعل
و ذكوان و عصية ثلاثين صباحا فأنزل الله فيهم [ بلغوا عنا قومنا أنا لقينا
ربنا فرضى عنا و رضينا عنه ]
أميرها مرثد بن أبي مرثد فيها قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح و خالد ابن البكير و أسر خبيب بن عدي و زيد بن الدثنة و خرجوا بهما إلى مكة و باعوهما
و كان السبب في ذلك أن
عمرو بن أمية لما انفلت من رعل و ذكوان و عصية و جاء إلى رسول الله صلى
الله عليه و سلم و أخبره بقتل أصحاب بئر معونة لقيه في الطريق رجلان من
بني عامر و قد كان معهم عهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم و جوار لا
يعلم عمرو بذلك فلما نزلا سألهما عمرو : من أنتما ؟ قالا : رجلان من بني
عامر فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما و هو يرى أنه قد أصاب ثأرة
من بني عامر بما أصابوا من أصحاب بئر معونة فلما أخبر رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال : [ بئس ما عملت قد كان لهما مني جوار ] و كتب عامر بن
الطفيل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إنك قد قتلت رجلين لهما منك
جوار فابعث بديتهما فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قباء ثم مال
إلى بني النضير ليستعين في ديتهما و معه نفر من المهاجرين فجلس رسول الله
صلى الله عليه و سلم إلى مجلسهم فاستند إلى جدار هناك فكلمهم فقالوا : أنى
لك أن تزورنا يا أبا القاسم نفعل ما أحببت فأقم عندنا حتى تتغدى و تآمروا
بينهم فقال عمرو بن جحاش بن عمرو بن كعب : يا معشر بني النضير ! و الله لا
تجدونه أقرب منه الساعة ! أرقى على ظهر هذا البيت فأدلي عليه صخرة فأقتله
بها فنهاهم سلام بن مشكم فعصوه و صعد عمرو بن جحاش ليدحرج الصخرة و أخبر
الله جلا و علا رسوله فقام كأنه يريد حاجة و انتظر أصحابه من المسلمين
فأبطأ عليهم و جعلت اليهود تقول : ما حبس أبا القاسم ! فلما أبطأ على
المسلمين انصرفوا فقال كنانة ابن صوريا : جاءه و الله الخبر الذي هممتم به
! فلقي أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم رجلا مقبلا من المدينة فقالوا :
أرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : رأيته داخلا المدينة
فانتهوا إليه و هو جالس في المسجد فقالوا : يا رسول الله ! انتظرناك فمضيت
و تركتنا فقال : [ هممت اليهود بقتلي ادعوا لي محمد بن مسلمة ] فأتي بمحمد
فقال : [ اذهب إلى اليهود فقل لهم : اخرجوا من المدينة لا تساكنونني و
هممتم بما هممتم من الغدر ]
فجاءهم محمد بن مسلمة فقال لهم : إن
رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمركم أن تظعنوا من بلاده فقال : يا محمد
! ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس فقال محمد ابن مسلمة : تغيرت
القلوب و محا الإسلام العهود فقالوا : نتحمل فأرسل إليهم عبد الله بن أبي
: لا تخرجوا فإن معي ألفي رجل من العرب يدخلون معكم و قريظة تدخل معكم
فبلغ الخبر كعب بن أسد صاحب عهد بني قريظة فقال لا ينقض العهد رجل من بني
قريظة و أنا حي
فأرسل حيي بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه و
سلم و كان من سادات بني النضير : إنا لا نفارق ديارنا فاصنع ما بدا لك !
فكبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون و قال : حاربت يهود
ثم زحف إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يحمل لواءه علي بن أبي طالب و
استخلف على المدينة ابن أم مكتوم حتى أتاهم فحاصرهم خمسة عشر يوما و قطع
نخلهم و حرقها و كان الذي حرق نخلهم و قطعها عبد الله بن سلام و عبد
الرحمن بن كعب أبو ليلى الحراني من أهل بدر فقطع أبو ليلى العجوة و قطع
ابن سلام اللون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لم قطعتهم العجوة
] ؟ قال أبو ليلى : يا رسول الله كانت العجوة أحرق لهم و أغيظ فنزل { ما
قطعتم من لينة أو تركتموها } الآية فاللينة ألوان النخل و القائمة على
أصولها العجوة فنادوا : يا محمد ! قد كنت تنهى عن الفساد و تعيبه على من
صنعه فما لك و قطع النخل و تحريقها
ثم تربصت اليهود نصرة عبد الله
بن أبي إياهم فلما لم يجئ و قذف الله في قلوبهم الرعب صالحوا رسول الله
صلى الله عليه و سلم على أن يحقن لهم دماءهم و له الأموال و ينجلون من
ديارهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم فاحتملوا من استقلت به الإبل
حتى أن كان الرجل منهم يهدم بيته فيضع بابه على ظهر بعيره فينطلق به و
خرجوا إلى خيبر و ذلك قوله { يخربون بيوتهم بأيديهم } الآية
و لم
يسلم من بني النضير إلا رجلان : يامين بن عمير بن كعب و أبو سعد بن وهب
أسلما على أموالهما فأحرزاها فقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم غنائمهم
على المهاجرين فأنزل الله سورة الحشر إلى آخرها
ثم رجع رسول الله
صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم
أبا سلمة بن عبد الأسد إلى ماء لبني أسد فقتل عورة بن مسعود الأنصاري و
غنم نعما و شاء و رجع إلى المدينة
و مات عبد الله بن عثمان بن عفان
و هو ابن ست سنين فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و نزل في حفرته
عثمان بن عفان ثم ولد الحسين بن علي بن أبي طالب لليالي خلون من شعبان
و ذلك أن أبا سفيان لما انصرف من أحد قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم
: موعدك بدر الموسم و كان بدر موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في
كل سنة ثمانية أيام فلما قرب الميعاد جهز رسول الله صلى الله عليه و سلم
لغزوة الموعد
و كان نعيم بن مسعود الأشجعي قد اعتمر و قدم على قريش
فقالوا : يا نعيم ! من أين وجهك ؟ قال : من يثرب قالوا : هل رأيت لمحمد
حركة ؟ قال : نعم تركته على هيئة الخروج ليغزوكم ـ و ذلك قبل أن يسلم نعيم
فقال له أبو سفيان : يا نعيم ! إن هذا عام جدب و لا يصلحنا إلا عام غيداق
ترعى فيه الإبل الشجر و نشرب اللبن و قد جاء أوان موعد محمد فالحق
بالمدينة فثبطهم و أخبرهم أننا في جمع كثير و لا طاقة لهم بنا حتى يأتي
الخلف منهم و لك عشر فرائض أضعها لك على يد سهيل بن عمرو ! فجاء نعيم
سهيلا فقال : يا أبا يزيد ! تضمن لي هذه الفرائض و انطلق إلى محمد فأثبطه
؟ فقال : نعم
فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد الناس يتجهزون فجلس
يتجسس لهم و يقول : هذا ليس برأيي قدموا عليكم في عقر دوركم و أصابوا
فتخرجون إليهم ليس هذا برأيي ألم يجرح محمد بنفسه ! ألم يقتل عامة أصحابه
! فثبط الناس عن الخروج حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ و
الذي نفسي بيده ! لو لم يخرج معي أحد خرجت وحدي ]
ثم خرج رسول الله
صلى الله عليه و سلم و المسلمون في شهر رمضان و استخلف على المدينة عبد
الله بن رواحة و مع المسلمين تجارات كثيرة حتى وافوا
بدر الموعد
فأصابوا بها سوقا عظيما و ربحوا لدرهم درهما و لم يلقوا عدوا ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينةثم تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بأم سلمة بنت أبي أمية وفي شوال و دخل بها في ذلك الشهر و كانت قبله تحت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي
ثم رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم يهوديا و يهودية تحاكما إليه و كانا محصنين
و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود و قال : إني لا آمن أن يبدلوا كتابي ! فتعلم زيد بن ثابت ذلك في خمسة عشر يوما
و ذلك أنه كان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه و سلم أن
هذين الحيين من الأنصار الأوس و الخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله صلى
الله عليه و سلم تصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئا فيه عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم غناء إلا قالت الخزرج : و الله لا يذهبون بهذه فضلا علينا
عند رسول الله صلى الله عليه و سلم في الإسلام ! قال : فلا ينتهون حتى
يوقعوا مثلها و إذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك فلما أصابت الأوس
كعب بن الأشرف قالت الخزرج : من رجل في العداوة لرسول الله صلى الله عليه
و سلم ككعب بن الأشرف فذكروا سلام بن أبي الحقيق بخيبر فاستأذنوا رسول
الله صلى الله عليه و سلم في قتله فأذن لهم و نهاهم عن قتل النساء و
الولدان فخرج عبد الله بن عتيك و عبد الله بن أنيس و مسعود بن سنان و أبو
قتادة بن ربعي بن بلدمة بن سلمة و خزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم حتى
قدموا خيبر فدخلوا على سلام بن أبي الحقيق داره ليلا و لم يبق في الدار
بيت إلا أغلقوه ثم صعدوه في درجة إلى علية له فضربوا عليه بابه فخرجت
امرأته و قالت : من أنتم ؟ قالوا : نفر من العرب أردنا الميرة فقالت : هو
ذاك في البيت فدخلوا عليه و غلقوا الباب عليهم فما دلهم عليه إلا بياضه في
ظلمة البيت و كان قبطي فابتدروه بأسيافهم و تحامل عليه عبد الله بن أنيس
فوضع سيفه في بطنه و هتفت امرأته و خرجوا و كان عبد الله ابن عتيك أمير
القوم و كان في بصره شيء فسقط من الدرجة فوثئت يده وثأ شديدا
فلما
قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخبروه و اختلفوا في قتله و
ادعى كل واحد منهم أنه قتله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ هاتوا
سيوفكم فأعطوه فنظر فقال : سيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر
الطعام ]
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عون الدماتي ثنا عمار بن
الحسن الهمداني ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن
قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس حدثني سلمان الفارسي من فيه قال : كنت
رجلا مجوسيا من أهل جي من أهل أصبهان و كان أبي دهقان قريته و كنت أحب
الخلق إليه فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية و
كنت قد اجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو
ساعة و كانت لأبي ضيعة فيها بعض العمل بني أبي بنيانا له في داره فدعاني
فقال : أي بني ! إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها
فاطلعها و أمرني فيها ببعض ما يريد ثم قال لي : و لا تحتبس عني فإنك إن
احتسبت عني كنت أهم عندي مما أنا فيه فخرجت فمررت بكنيسة النصارى و هم
يصلون فيها فسمعت أصواتهم و دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فو الله ! ما زلت
قاعدا عندهم و أعجبني دينهم و ما رأيت من صلاتهم و أخذ بقلبي فأحببتهم حبا
لم أحبه شيئا قط و كنت لا أخرج قبل ذلك و لا أدري ما أمر الناس فقلت في
نفسي : هذا و الله خير من ديننا فو الله ! ما برحت حتى غربت الشمس و تركت
حاجة أبي التي أرسلني إليها و ما رجعت إليه ثم بعث في الطلب يلتمس لي فلم
يجد حيث أرسلني فبعث رسله فبغوني بكل مكان حتى جئته عشيا و قد قلت للنصارى
حين رأيت ما أعجبني من هيئتهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام فلما
أتيت أبي فقال : أي بني ! أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك أن لا تحتسب علي ؟
فقلت : بلى و إني مررت على كنيسة النصارى فأعجبني ما رأيت من أمرهم و حسن
صلاتهم و رأيت دينهم خيرا قال : كلا يا بني ! إن ذلك الدين لا خير فيه
دينك و دين آبائك خير منه فقلت : كلا و الله إنه لخير من ديننا ! قال
فخافني أن أذهب من عنده فكلبني ثم حبسني فأرسلت إلى النصارى و أخبرتهم أني
قد رضيت أمرهم و قلت : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم أذهب معهم
فقدم عليهم ركب من الشام فأخبروني بهم فأرسلوا إلي فأرسلت إليهم إذا
أرادوا الرجعة فأخبروني فلما أرادوا الخروج جئتهم فانطلقت معهم فلما قدمت
الشام سألت عن عالمهم فقالوا : صاحب الكنيسة أسقفهم فدخلت عليه فأخبرته
خبري و قلت له : إني أحب أن أكون معك في كنيستك أخدمك و أصلي معك و أتعلم
منك فإني قد رغبت في دينك قال : أقم ! فمكثت معه في الكنيسة أتفقه في
النصرانية و كان رجل سوء فاجر في دينه يأمرهم بالصدقة و يرغبهم فيها فإذا
جمعوا إليه الأموال اكتنزها لنفسه و كنت أبغضه لما أرى من فجوره و قد جمع
سبع قلال دنانير و دراهم ثم إنه مات فاجتمعت النصارى ليدفنوه فقلت لهم :
تعلمون أن صاحبكم هذا رجل سوء كان يأمركم بالصدقة فإذا جئتموه بها اكتنزها
لنفسه و لم يعط المساكين منها شيئا قالوا : و ما علامة ذلك ؟ قلت : أدلكم
على كنزه ؟ قالوا : أنت و ذاك فدللتهم عليه فأخرجوا قلالا مملوءة ذهبا و
ورقا قال : فلما رأوها قالوا : و الله لا نغيبه أبدا ! فصلبوه على خشبة و
رجموه بالحجارة و جاءوا برجل فجعلوه مكانه قال : فيقول سلمان : يا ابن أخي
! ما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه زهادة في الدنيا و لا أرغب
في الآخرة و لا أدأب ليلا و لا نهارا منه اجتهاد في العبادة قال سلمان :
فأقمت معه و أحببته حبا ما علمت أني أحببت شيئا كان قبله فكنت معه أخدمه و
أصلي معه في الكنيسة حتى حضرته الوفاة قلت يا فلان ! إني قد كنت معك و ما
أحببت حبك شيئا قط فإلى من توصي بي و من ذا الذي تأمرني متبع أمرك و مصدق
حديثك ؟ قال : أي بني ! ما أعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلا رجلا
بالموصل يقال له فلان فإني و إنه كنا على أمر واحد في الرأي و الدين و هو
رجل صالح و ستجد عنده بعض ما كنت ترى مني فأما الناس قد بدلوا و هلكوا
فلما توفي لحقت بصاحب الموصل فأخبرته خبري فقال : أقم ! فكنت معه في
كنيسته فوجدته كما قال صاحبي رجلا صالحا فكنت معه ما شاء الله فلما حضرته
الوفاة قلت : يا فلان ! إن فلانا أوصاني إليك حين حضرته الوفاة و قد حضرك
من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي و إلى من تأمرني ؟ قال : أي بني ! ما
أعلم أحدا على أمرنا إلا رجلا بنصيبين يقال له فلان فالحق به فلما توفي
لحقت بصاحب نصيبين و أخبرته خبري و أقمت عنده فوجدته على مثل ما كان عليه
صاحباه فمكثت معه ما شاء الله ثم حضرته الوفاة فقلت له : إن فلانا أوصاني
إلى فلان صاحب الموصل ثم أوصاني صاحب الموصل إليك فإلى من توصي بي بعدك ؟
قال أي بني ! ماأعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية في أرض
الروم فإنك واجد عنده بعض ما تريد فإن استطعت أن تلحق به فالحق به فلما
توفي لحقت بصاحب عمورية و أخبرته خبري فقال : أقم فأقمت عنده فوجدته على
مثل ما كان عليه أصحابه و أثاب لي شيئا حتى أتخذت بقرات و غنيمة ثم حضرته
الوفاة فقلت له : إن فلانا أوصاني إلى فلانا صاحب الموصل ثم أوصاني صاحب
الموصل إلى فلان صاحب نصيبين ثم أوصاني صاحب نصيبين إليك فإلى من توصي بي
؟ قال : يا بني ! ما أعلمه أصبح في هذه الأرض أحد على ما كنا عليه لكنك قد
أظلك خروج نبي يخرج بأرض العرب يبعث بدين إبراهيم الحنفية يكون منها
مهاجره و قراره إلى أرض يكون بها النخل بين حرتين ـ نعتها بكذا وكذا بظهره
خاتم النبوة بين كتفيه إذا رأيته عرفته يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة ثم
مات فمر بي ركب من كلب فسألتهم من هم ؟ فقالوا : من العرب فسألتهم من
بلادهم فأخبروني عنها فقلت لهم : أعطيكم بقري و غنمي هذا على أن تحملوني
حتى تقدموا أرضكم قالوا : نعم فأعطيتهم إياها و حملوني معهم حتى إذا جاءوا
بي وادي القرى ظلموني فباعوني برجل من اليهود فأقمت و رأيت بها النخل و
رجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي حتى قدم رجل من يهود بني قريظة
فابتاعني من ذلك اليهودي ثم خرج بي حتى قدم المدينة فو الله ! ما هو إلا
أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي و أيقنت أنه البلد فمكثت بها أعمل له في
ماله في بني قريظة حتى بعث محمد و خفي علي أمره و أنا في رقي مشغول حتى
قدم المدينة مهاجرا فنزل في قباء في بني عمرو بن عوف فو الله ! إني لفي
رأس نخلة أعمل لصاحبي فيها و صاحبي تحتي جالس إذ أقبل ابن عم له من اليهود
فقال : يا فلان ! قاتل الله بني قيلة ! إنهم آنفا لمجتمعون يقبلون على رجل
بقباء قدم من مكة يزعمون أنه نبي فو الله ! ما هو إلا أن قالها له أخذتني
رعدة من النخلة حتى ظننت أني سقطت على صاحبي فنزلت سريعا فقلت : أي سيدي !
ما الذي تقول ؟ فغضب مما رأى في و رفع يده فضربني بها ضربة شديدة ثم قال :
ما لك و لهذا ! أقبل على عملك قلت : لا شيء سمعت منك شيئا فأردت أن أعلمه
فسكت عنه ثم أقبلت على عملي فلما أمسيت جمعت ما كان عندي حتى أتيت رسول
الله صلى الله عليه و سلم و هو بقباء فدخلت عليه و معه نفر من أصحابه فقلت
: بلغني أنك رجل صالح و أن معك أصحابا لك أهل حاجة و غربة و قد كان عندي
شيء وضعته للصدقة من طعام يسير فجئتكم به و هو ذا ـ فقربت إليه فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : [ كلوا و أمسك يده و أبى أن يأكل ]
فقلت في نفسي : هذه واحدة من صفة فلان ثم رجعت فتحول رسول الله صلى الله
عليه و سلم إلى المدينة فجمعت شيئا ثم جئته فسلمت عليه فقلت : هذا شيء كان
لي و أحببت أن أكرمك و هو هدية أهديها لك كرامة ليست بصدقة فإني رأيتك لا
تأكل الصدقة فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه فأكلوا و أكل معهم
فقلت في نفسي : هاتان اثنتان ثم رجعت فمكثت شيئا ثم جئته و هو ببقيع
الغرقد مشى مع جنزة و حوله أصحابه و عليه شملتان مرتديان بواحدة و متزرا
بالأخرى فسلمت عليه ثم تحولت حتى قمت و راءه لأنظر في ظهره فعرف رسول الله
صلى الله عليه و سلم إني إنما أريد أن أنظر وأثبته فقال بردائه فألقاه عن
ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصفه لي صاحبي فأكببت على رسول الله
صلى الله عليه و سلم أقبل موضع الخاتم من ظهره و أبكى فقال : [ تحول عني ]
فتحولت عنه فجلست بين يديه و قصصت عليه قصتي و شأني و حديثي فأعجب رسول
الله صلى الله عليه و سلم و أحب أن يسمع ذلك أصحابه ثم أسلمت و مكثت
مملوكا حتى مضى شأن بدر و شأن أحد و شغلني الرق فلم أشهد مجامع النبي صلى
الله عليه و سلم ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كاتب نفسك ]
فسألت صاحبي الكتابة فلم أزل حتى كاتبني على أن أفي له ثلاثمائة نخلة و
أربعين أوقية ورق ـ و تلك أربعة آلاف فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
لأصحابه : [ أعينوا أخاكم بالنخل ] فأعانني الرجل بقدر ما عنده منهم من
يعطيني العشرين و الثلاثين و العشرة و الخمس و الست و السبع و الثمان و
الأربع و الثلاث حتى جمعتها فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : [
اذهب فإذا أردت أن تضعها فأتني حتى أكون أنا أضعها لك بيدي فقمت في
تفقيرها و أعانني أصحابه حتى فرغنا من شربها و جاء أصحابي كل رجل بما
أعانني من النخل فوضعته ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته
فخرج فجعلنا نحمل إليه النخل فيضعها بيده فما مات منها ودية و بقيت
الدراهم ] ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يا سلمان ! إذا سمعت
بشيء قد جاءني فأتني أغنيك بمثل ما بقي من مكاتبتك ] فبينا رسول الله صلى
الله عليه و سلم ذات يوم في أصحابه إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من
ذهب أصابها في بعض المغازي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ خذ هذه
فأدها مما عليك يا سلمان ] ! قال قلت : و أين تقع هذه مما علي من المال ؟
قال : إن الله سيؤديها عنك فو الذي نفسي بيده ! لقد وزنت لهم أربعين أوقية
حقهم جميعا و عتق سلمان و غزا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق و
ما كان بعده من المغازي قال : في أول هذه السنة كان فك سلمان من الرق
وأداؤه بما كوتب عليه
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و
استخلف على المدينة عثمان بن عفان يريد بني محارب و بني ثعلبة من غطفان
حتى نزل نخلا فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس و لم يكن بينهم حرب إلا
أن الناس قد خاف بعضهم من بعض حتى صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة
الخوف و إنما سميت هذه الغزاة غزاة ذات الرقاع لأن الخيل كان فيها سواد و
بياض فسميت الغزوة بتلك الخيل
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و
سلم و المسلمون [ فبينا جابر إذ أبطأعليه جمله فقال لحقه رسول الله صلى
الله عليه و سلم فقال : يا جابر ! قال : نعم قال : ما شأنك ؟ قال :
أبطأعلي جملي فحجنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بمحجنه و قال : اركب
فقال جابر : و لقد أريتني أكفه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
يا جابر ! تزوجت ؟ قلت : نعم قال : بكرا أم ثيبا ؟ قلت : بل ثيبا قال :
أفلا جارية تلاعبها و تلاعبك ؟ قلت : إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج بمن
يجمعهن و يمشطهن و تقوم عليهن قال : أما ! إنك قادم فإذا قدمت فالكيس
الكيس ! ثم قال : أتبيع جملك ؟ فقلت : نعم فاشتراه منه بأوقية ثم قدم
المدينة صلى الله عليه و سلم قال جابر : فوجدته عند باب المسجد فقال :
الآن قدمت ؟ قلت : نعم قال : فدع جملك و ادخل المسجد فصل ركعتين فدخلت
فصليت ركعتين ثم أمر بلالا أن يزن لي أوقية فوزن لي فأرجح في الميزان
فانطلقت حتى إذا وليت فقال : ادعوا لي جابرا قلت : الآن يرد علي الجمل و
ليس شيء أبغض إلي منه قال : خذ جملك ولك ثمنه ]
و ذلك أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم بلغه أن جمعا تجمعوا بها فغزاهم رسول الله صلى
الله عليه و سلم حتى بلغ دومة الجندل فلم ير كيدا و استخلف على المدينة
سباع بن عرفطة الغفاري ثم رجع إلى المدينة
و توفيت أم سعد بن عبادة
و سعد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بدومة الجندل فلما رجع جاء رسول
الله صلى الله عليه و سلم قبرها و صلى عليها فقال سعد : يا رسول الله ! إن
أمي أفتلتت نفسها و لم توص أفأقضي عنها ؟ قال : [ نعم ]
و كسف القمر
في جمادى الآخرة فجعلت اليهود يرمونه بالشهب و يضربون بالطاس و يقولون :
سحر القمر فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الكسوف
و بلغ
رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قريشا أصابتهم شدة حتى أكلوا الرمة فبعث
رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء من الذهب إليهم مع عمرو بن أمية و
سلمة بن أسلم بن حريش
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد
من مزينة و هو أول وفد قدم عليه في رجب و فيهم بلال بن الحارث المزني في
رجال من مزينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنتم مهاجرون
أينما كنتم ! فرجعوا إلى بلادهم [ ثم قدم بعدهم ضمام بن ثعلبة بعثه بنو
سعد بن بكر فقال : يا محمد ! أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال
: صدق قال : فمن خلق السماء ؟ قال : الله قال : فمن خلق الأرض ؟ قال :
الله قال : فمن نصب هذه الجبال ؟ قال : الله قال : فمن جعل فيها هذه
المنافع ؟ قال : الله آلله تعالى أرسلك ؟ قال : نعم قال : فبالذي خلق
السماوات و الأرض و نصب الجبال و جعل فيها هذه المنافع هو الله الذي أرسلك
؟ قال : نعم قال : و زعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا و ليلتنا قال
: صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : و زعم رسولك
أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك
بهذا ؟ قال : نعم قال : فو الله الذي بعثك بالحق ! لا أزيد عليهن و لا
أنقص منهن شيئا فلما قفا قال النبي صلى الله عليه و سلم : لئن صدق ليدخلن
الجنة ! فأسلم ضمام و رجع إلى قومه بالإسلام ]
في شعبان قصد بني
المصطلق من خزاعة على ماء لهم قريب من الفرع فقتل منهم رجالهم و سباهم و
كان فيمن سبى جويرة بنت الحارث ابن أبي ضرار تزوجها رسول الله صلى الله
عليه و سلم و جعل صداقها أربعين أسيرا من قومها
في هذه الغزوة سقط
عقد عائشة فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس على التماسه و
ليسوا على ماء و ليس معهم ماء فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير : ما هي
بأول بركتكم يا آل أبي بكر ! فبعثوا العير التي كانت عليه فوجدوا العقد
تحته
و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا نملة الطائي بشيرا إلى المدينة بفتح المريسيع
و كان من شأنها أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أجلى بني النضير خرج نفر
من اليهود فيهم حي بن أخطب النضري و هوذة بن قيس الوائلي و كنانة بن
الربيع النضري في نفر من بني النضير و بني وائل و حزبوا الأحزاب حتى قدموا
على قريش مكة و دعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالوا :
إنا سنكون معكم عليه حتى نسستأصله و من معه فقالت لهم قريش : يا معشر
اليهود ! إنكم أهل الكتاب و العلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن و محمد
أفديننا خير أم دينه ؟ قالوا : بل دينكم و أنتم أولى بالحق منه فلما قالوا
ذلك لقريش نشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و
أجمعوا لذلك و اتعدوا له ثم خرجوا حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم
إلى حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخبروهم أن قريشا قد تابعوهم على
ذلك و أجمعوا معهم على ذلك
و خرجت قريش
و قائدها أبو سفيان بن حرب و خرجت غطفان و قائدها عيينة ابن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري و كان قائد أشجع مسعود بن رخيلة
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بأمرهم استشار المسلمين فأشار
عليه سلمان بضرب الخندق على المدينة و هي أول غزوة غزاها سلمان مع رسول
الله صلى الله عليه و سلم فخندق على المدينة فيما بين المذاد إلى ناحية
راتج
و أقبلت قريش
حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة في عشرة
آلاف رجل من أحابيشهم و من تابعهم من أهل كنانة و أهل تهامة و أقبلت غطفان
حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جانب أحد
و خرج رسول الله صلى الله عليه و
سلم ـ و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم و ذلك في شهر شوال ـ حتى جعل
سلعا وراء ظهره و الخندق بينه و بين القوم و هو في ثلاثة آلاف من المسلمين
و خرج حي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد صاحب بني قريظة فلم يزل يفتله حتى
بايعه على ذلك
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سعد بن معاذ و
سعد بن عبادة و عبد الله بن رواحة و خوات بن جبير يستخبرون خبر كعب بن أسد
أهم على وفاء أم لا فمضوا إليه فسألوه فقال : لا عهد بيننا و بين محمد ثم
رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبروه
فأقام رسول الله
صلى الله عليه و سلم بحذاء المشركين بضعا و عشرين ليلة ثم قال النبي صلى
الله عليه و سلم : [ من يأتيني بخبر القوم ] ؟ فقال الزبير : أنا ثم قال
النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن لكل نبي حواريا و إن حواري الزبير ] و
لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل غير أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد
ود بن أبي قيس أخو بني عامر و عكرمة بن أبي جهل المخزومي و هبيرة بن أبي
وهب المخزومي و ضرار بن الخطاب بن مرداس المحاربي قد تهيأوا للقتال و
تلبسوا و خرجوا على خيلهم و مروا بمنازل كنانة ثم أقبلوا بخيلهم حتى وقفوا
على الخندق فلما رأوه قالوا : و الله إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها
! ثم أتوا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم فاقتحمت منه و جالت في
السبخة بين الخندق و سلع فلما رآهم المسلمون خرج علي بن أبي طالب في نفر
من المسلمين حتى أخذ عليهم الموضع الذي منه اقتحموا و أقبلت الفوارس تعنق
نحوهم و كان عمرو بن عبد ود فارس قريش و قد كان قاتل يوم بدر و لم يشهد
أحدا فخرج عام الخندق معلما ليرى مشهده فلما وقف هو و خيله قال علي بن أبي
طالب : يا عمرو ! إني أدعوك إلى البراز قال : و لم يا ابن أخي ؟ فو الله
ما أحب أن أقتلك ! قال علي : لكني و الله أحب أن أقتلك ! فحمى عمرو عند
ذلك و اقتحم عن فرسه و عقره ثم أقبل إلى علي فتنازلا و تجاولا إلى أن قتله
علي و خرجت خيله منهزمة من الخندق
و حبس رسول الله صلى الله عليه و
سلم عن الظهر و العصر و المغرب و العشاء و ذلك بعد أن كفوا كما قال الله
تعالى : { و كفى الله المؤمنين القتال }
و لم يقتل من المسلمين غير
ستة نفر : كعب بن زيد الدنباني و رمي سعد بن معاذ بسهم فقطع أكحله و عبد
الله بن سهل و أنس بن أوس بن عتيك والطفيل بن النعمان بن خنساء و ثعلبة بن
غنمة و قتل من المشركين جماعة
ثم إن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول
الله صلى الله عليه و سلم و قال يا رسول الله ! إني أسلمت و إن قومي لا
يعلمون بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [
إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا فإن الحرب خدعة ] فخرج نعيم حتى أتى بني
قريظة و كان لهم نديما في الجاهلية فقال : يا معشر قريظة ! إنكم قد عرفتم
ودي لكم و خاصة ما بيني و بينكم قالوا : صدقت قال : فإن قريشا وغطفان قد
جاءوا لحرب محمد و إنهم ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم لا تقدرون على أن
تتحولوا عنه و إن قريشا و غطفان إن وجدوا فرصة أشهروها و إن كان غير ذلك
هربوا و خلوا بينكم و بين الرجل ببلدكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا
منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم على أن يقاتلوا مع القوم حت تناجزوه
فقالوا : قد أشرت برأي و نصح ثم خرج نعيم حتى أتى قريشا و أبا سفيان فقال
: يا معشر قريش إنكم قد عرفتم ودي لكم قد رأيت أن حقا علي أن أبلغكموه و
أنصح لكم فاكتموه علي قالوا : نفعل قال : إن معشر اليهود قد ندموا على ما
صنعوا فيما بينهم و بين محمد و قد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا
فهل يرضيك منا أن ناخذ من القبيلتين من قريش و غطفان رجالا من أشرافهم
فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم فأرسل إليهم أن نعم فإن بعث
إليكم اليهود يلتمسون رهنا فلا تدفعوا إليهم
ثم خرج حتى أتى غطفان
فقال : يا معشر غطفان ! إنكم أصلي و عشيرتي و أحب الناس إلي و لا أراكم
تتهموني قالوا : صدقت قال : فاكتموا علي قالوا : نفعل فقال لهم مثل ما قال
لقريش في شأن بني قريظة و حذرهم مثل الذي حذرهم فلما كانت ليلة السبت أرسل
أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر معه من رؤوس غطفان إلى بني قريظة
فقالوا : لسنا بدار مقام قد هلك الكراع و الحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز
محمدا و نفرغ مما بيننا و بينه فأرسلوا أن غدا لسبت و هو يوم لا نعمل فيه
و لسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من أشرافكم يكونون عندنا
حتى نناجز محمدا فإنا نخشى الحرب إن اشتدت أن تتشمروا إلى بلادكم و
تتركونا فلما رجع عكرمة إلى قريش و غطفان بما قالت بنو قريظة قالوا : و
الله ! إن جاءكم به نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة أنا و الله
لا ندفع إليكم رجلا واحدا ! فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا و قاتلوا
فقالت بنو قريظة : إن الذي ذكر لنا نعيم لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا
فإن رأوا فرصة انتهزوها و إن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم و خلوا بينكم
و بين الرجل فأرسلوا إلى قريش و غطفان أنا و الله لا نقاتل معكم حتى
تعطونا رهنا و بعث الله على المشركين ريحا تطرح آنيتهم و تكفأ قدورهم في
يوم شديد البرد فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما اختلف من
أمرهم دعا حذيفة بن اليمان قال : [ اذهب فادخل بين القوم و انظر ما يقولون
و لا تحدثن شيئا حتى ـ تأتيني و ذلك ليلا ] فدخل حذيفة في الناس و قام أبو
سفيان بن حرب و قال : يا معشر قريش ! لينظر كل امرئ من جليسه ؟ قال حذيفة
: و أخذت رجلا إلى جنبي و قلت له : من أنت ؟ قال : أنا فلان بن فلان ثم
قال أبو سفيان : يا معشر قريش ! إنكم و الله ! ما أصبحتم بدار مقام لقد
هلك الكراع و الخف و أخلفتنا بنو قريظة و بلغنا عنهم الذي نكره و لقينا من
هذه الريح ما ترون و الله ! ما يستمسك لنا بناء و لا تطمئن لنا قدور
فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله و هو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب
به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا و هو قائم ثم قال حذيفة : و لولا عهد رسول
الله صلى الله عليه و سلم إلى ألا تحدث شيئا حتى تأتيني لقتلته بسهمي فرجع
حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فسمعت غطفان بما
صنعت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم و رجع رسول الله صلى الله عليه و
سلم إلى المدينة هو المسلمون و وضعوا السلاح
فلما كانت الظهر أتى
جبريل رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : قد وضعتم السلاح و أن
الملائكة لم تضع سلاحها بعد إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة ! فأذن
مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا ! لا يصلين أحد العصر إلا في
بني قريظة و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يحمل لواءه علي بن أبي
طالب فلما بلغ الصورين قال : [ هل مر بكم أحد ] ؟ قالوا : نعم مر بنا دحية
الكلبي على بغلة بيضاء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ذاك جبريل
] ! فسار رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل على بئر لبني قريظة في
ناحية أموالهم و تلاحق به الناس و أتى رجال بعد عشاء الآخرة ولم يصلوا
العصر لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يصلين أحد العصر إلا في
بني قريظة ] فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا و عشرين ليلة حتى
جهدهم الحصار و قذف الله في قلوبهم الرعب و قد كان حي بن أخطب قد دخل مع
بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش و غطفان وفاء لكعب بن أسد فلما تيقنوا
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم بعثوا إلى
رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا
بني عمرو بن عوف لنستشيره فأرسله رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم
فقالوا : يا أبا لبابة ! أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم ـ و أشار
بيده إلى حلقه أنه الذبح فقالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ ؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ انزلوا على حكمه ]
ثم إن ثعلبة بن
سعيه و أسد بن سعيه و أسد بن عبيد أسلموا فمنعوا ديارهم و أموالهم فلما
أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الأوس : يا رسول
الله ! إنهم موالينا دون الخزرج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [
ألا ترضون أن يحكم فيكم رجل منكم ] ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ! قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ فذاك إلى سعد بن معاذ ] و كان قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم لقومه حين أصابه السهم : [ اجعلوه في خيمة قريب مني
حتى أعوده ] فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني قريظة أتاه
قومه فاحتملوه على حمار ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و
هم يقولون : يا أبا عمرو ! إن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما ولاك
مواليك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال : قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله
لومة لائم فلما جاء سعد قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ قوموا
إلى سيدكم ] فقاموا إليه فقالوا : يا أبا عمرو ! إن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قد ولاك الحكم قال سعد : عليكم عهد الله و ميثاقه إن الحكم
فيكم ما حكمت قالوا : نعم قال و على من كان ههنا في هذه الناحية التي فيها
رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و هو معرض عن رسول الله صلى الله عليه و
سلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ نعم ] فقال سعد فإني
أحكم فيهم بأن تقتل الرجال و تقسم الأموال و تسبى الذراري و النساء قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم لسعد : [ لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق
سبعة أرقعة ] فحبسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في دار ثم قدم رسول
الله صلى الله عليه و سلم المدينة فلما قدمها خرج إلى سوق المدينة فحفر
حفرا ثم بعث إليهم و أمر بضرب أعناقهم و هم ما بين ستمائة إلى تسعمائة فلم
يزل ذلك دأبهم حتى فرغ منهم فيهم حي بن أخطب و كعب بن أسد
ثم إن
رسول الله صلى الله عليه و سلم قسم أموال بني قريظة و نساءهم و أبناءهم
على المسلمين فكان مع المسلمين ستة و ثلاثون فرسا فأعطى الفارس ثلاثة أسهم
: للفرس سهمان و لصاحبه سهم و للراجل الذي ليس له فرس سهم و أخرج منها صلى
الله عليه و سلم الخمس و قد قيل : إنه اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن
خنافة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة
ثم مات سعد بن معاذ فأمر رسول
الله صلى الله عليه و سلم بغسله فغسله أسيد بن حضير و سلمة بن سلامة بن
وقش ثم و ضع في أكفافه على سريره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [
اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ] ! و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
أمام جنازة سعد حتى صلى عليه و نزل في حفرته أربعة نفر : الحارث بن أوس و
أسيد بن حضير و سلمة بن سلامة بن وقش و أبو نائلة مالك بن سلامة ثم بنى
رسول الله صلى الله عليه و سلم بزينب ابنة جحش فلما أصبح دعا القوم
فأصابوا من الطعام ثم خرجوا و نفر منهم عند النبي صلى الله عليه و سلم
فأطالوا القعود و قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج حتى جاء عتبة
حجرة عائشة ثم رجع و نزلت آية الحجاب { وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من
وراء حجاب }
إلى خالد بن سفيان بن خالد بن ملهم الهذلي ثم اللحياني بعرنة فصادفه ببطن عرنة و معه أحابيش فقتله و حمل رأسه إلى النبي صلى الله عليه و سلم ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذي الحجة إلى الغابة فسقط عن فرسه فجحش شقه الأيمن فخرج فصلى بهم جالسا فقال : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا و إذا ركع فاركعوا و إذا سجد فاسجدوا و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين ] و في ذي الحجة دفت دافة من عامر بن صعصعة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يبقى عندكم من ضحاياكم بعد ثلاثة شيء ] أراد به صلى الله عليه و سلم أن يوسع السعة عمن لا سعة عنده ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كلوا و ادخروا بعد ثلاث ]
[ أخبرنا أبو عروبة الحسين بن محمد بن أبي معشر بحران
ثنا سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق أنا عبد الله بن عمر عن سعيد المقربي عن
أبي هريرة : أن ثمامة بن أثال الحنفي أسر فكان النبي صلى الله عليه و سلم
يعوده يقول : ما عندك يا ثمامة ؟ فيقول : إن تقتل تقتل لا تمن و إن تمن
تمن على شاكر و إن ترد المال تعط قال : فكان أصحاب النبي صلى الله عليه و
سلم يحبون الفداء و يقولون : ما نصنع بقتل هذا ؟ فمر به النبي صلى الله
عليه و سلم فأسلم فأمره أن يغتسل فاغتسل و صلى ركعتين فقال النبي صلى الله
عليه و سلم : حسن إسلام صاحبكم ]
قال : في أول هذه السنة بعث رسول
الله صلى الله عليه و سلم محمد بن مسلمة إلى القرطاء فأخذ ثمامة بن أثال
الحنفي فأمر به فربط بسارية من سواري المسجد فخرج النبي صلى الله عليه و
سلم فقال : [ ما عندك يا ثمامة ] ؟ فقال : عندي يا محمد خير إن تقتلني
تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر و إن كنت تريد المال فسل تعط منه ما
شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كان الغد ثم قال : [ ما عندك
يا ثمامة ] ؟ قال له مثل ذلك فتركه النبي صلى الله عليه و سلم حتى كان بعد
الغد فقال له : [ ما عندك يا ثمامة ] ؟ فقال : عندي ما قلت لك فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ أطلقوا ثمامة ] فأطلق فانطلق إلى نخل قريب
من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله و أن
محمدا رسول الله [ صلى الله عليه و سلم ] يا محمد ! ما كان على الأرض وجه
أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي و الله ! ما كان من
دين أبغض إلي من دينك فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي و الله ! ما كان من
بلد أبغض إلي من بلدك فقد أصبح اليوم بلدك أحب البلاد إلي و إن خيلك
أخذتني و أنا أريد العمرة فما ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت قال : لا و لكني أسلمت
مع محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم بعث رسول الله صلى الله
عليه و سلم عكاشة بن محصن الأسدي سرية الغمر فنذر به القوم فهربوا فنزل
على مياههم و بعث الطلائع فأصابوا عينا فدلهم على ماشيتهم فساقوا مائتي
بعير إلى المدينة
ثم كسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
صلاة الكسوف و قال : [ إن الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لحياته
فإذا رأيتموهما فصلوا ]
و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا
عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة و هي بلاد بني ثعلبة و أنمار ـ فصلوا المغرب
و خرج أبو عبيدة في أربعين رجلا فساروا ليلتهم حتى أتوا ذا القصة عند
الصبح فأغاروا عليهم و هربوا في الجبال ثم قدموا المدينة فخمس رسول الله
صلى الله عليه و سلم الغنيمة و قسم ما بقي على أصحابه
ثم بعث رسول
الله صلى الله عليه و سلم محمد بن مسلمة إلى ذي القصة في عشرة أنفس فخرج
مائة من المشركين فكمنوا فلما نام المسلمون خرجوا عليهم فقتلوهم و انفلت
محمد بن مسلمة جريحا وحده
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد
بن حارثة إلى بني سليم بالجموم فأصاب نعما و شاء و أسراء ثم سبق رسول الله
صلى الله عليه و سلم بين الخيل فكان أول سباق بالمدينة ثم سبق في الخف
فكانت العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقه فشق ذلك على
المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ حق على الله أن لا يرتفع
شيء في الدنيا إلا وضعه ]
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد
بن حارثة سرية إلى الطرف إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فتحسس الأعراب أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم سار إليهم فانهزموا و أصاب المسلمون عشرين
بعيرا من نعمهم و رجعوا إلى المدينة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه
و سلم أيضا زيد بن حارثة إلى العيص فأسر جماعة منهم أبو العاص بن الربيع
فاستجار بزينب بنت النبي صلى الله عليه و سلم فأجارته
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيدا أيضا إلى حسمى فرجع منها بنعم و سبي
ثم تزوج عمر بن الخطاب جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح و هي أخت عاصم بن
ثابت بن أبي الأقلح فولد له منها عاصم بن عمر فطلقها عمر فتزوج بها بعده
زيد بن حارثة فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم بن عمرو لأمه
ثم كانت سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه عنه إلى فدك في مائة رجل إلى حي من بني سعد بن بكر
ثم كانت سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل فعممه النبي صلى الله
عليه و سلم بيده و قال : [ إن أطاعوا الله فتزوج ابنة ملكهم ] فأسلم القوم
فتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ و كان أبوها ملكهم
ثم بعث رسول
الله صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن بن عوف في ثلاثة أنفس لينظر إلى خيبر
و ما عليها أهلها فمضى و جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخبر
ثم أجدب الناس جدبا شديدا في أول شهر رمضان فخرج رسول الله صلى الله عليه
و سلم يستسقي بهم فصلى ركعتين و جهر بالقراءة ثم استقبل القبلة و حول
رداءه
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة سرية إلى
أم قرفة فسبى سلمة بن الأكوع و زيد بن حارثة بنت مالك بن حذيفة وجدها في
بيت من بيوتهم و أمها أم قرفة و هي فاطمة بنت ربيعة بن بدر
ثم خرج
رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني لحيان حتى بلغ أمج و بين أمج و
عسفان بلد لهم يقال له ساية فوجدهم قد حذروا و تمنعوا في رؤوس الجبال فلما
رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قد أخطأهم خرج في مائتي راكب من
المسلمين و هو صائم و هم صوام حتى بلغ عسفان و بلغ كراع الغميم فأفطر و
أفطر المسلمون معه ثم رجع و لم ير كيدا و جعل يقول في رجوعه : [ آيبون
تائبون عابدون و لربنا حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و
الحور بعد الكور و سوء المنظر في الأهل و المال و الولد ]
فلما قدم
رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة و أقام أياما أغار عيينة بن محصن
بن بدر الفزاري في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه و سلم
بالغابة و فيها رجل من بني غفار و امرأة فقتلوا الرجل و احتملوا المرأة و
اللقاح فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في أثرهم حتى بلغ ذا قرد و
استخلف على المدينة ابن أم مكتوم و تلاحق به الناس و أقام رسول الله صلى
الله عليه و سلم بذي قرد يوما و ليلة و صلى بهم صلاة الخوف ثم رجع رسول
الله صلى الله عليه و سلم قافلا إلى المدينة و انقلب عيينة بمن معه و كانت
سرح المسلمين بالمدينة بذي قرد فقدم ثمانية نفر من عرينة فأسلموا فبعثهم
النبي صلى الله عليه و سلم إلى السرح فشربوا من ألبانها و أبوالها فلما
صحوا قتلوا الراعي و استاقوا الإبل فبعث النبي صلى الله عليه و سلم في
طلبهم كرز بن جابر الفهري سرية في شوال في عشرين راكبا معهم قائفا فأحدقوا
بهم حتى أخذوهم و جاءوا بهم النبي صلى الله عليه و سلم و كانوا قد ارتدوا
و قطعوا أيدي الرعاة و أرجلهم و سملوا أعينهم كما أمر به النبي صلى الله
عليه و سلم و طرحوا في الحرة يستسقون فلا يسقون
ثم غزا رسول الله
صلى الله عليه و سلم غزوة بني المصطلق و ذلك أنه بلغه أن بني المصطلق
تجمعوا و قائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث فلما سمع بهم
رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم
يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس و اقتتلوا فهزم
الله بني المصطلق و قتل من قتل منهم و نفل رسول الله صلى الله عليه و سلم
أبناءهم و نساءهم و أموالهم لما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم سبايا
بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في سهم لثابت بن قيس بن الشماس أو
لابن عم له فكاتبته على نفسها و كانت امرأة حلوة لا يراها أحد إلا أخذت
بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم تستعينه في كتابتها فقالت : يا
رسول الله ! أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه و قد أصابني من
البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في سهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له
فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي قال : [ و هل لك في خير من ذلك
] ؟ قالت : و ما هو يا رسول الله ؟ قال : [ أقضي كتابتك و أتزوجك ] قالت :
نعم يا رسول الله ! قال : [ فعلت ] و خرج الخبر إلى الناس أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس : أصهار رسول الله
! فأرسلوا ما بأيديهم فلقد أعتق و أطلق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني
المصطلق فما كانت امرأة أعظم بركة على قومها منها
ثم أقبل رسول الله
صلى الله عليه و سلم يريد المدينة و كانت عائشة تحمل في هودج فنزلوا منزلا
فمشت عائشة لحاجتها حتى جاوزت الجيش فلما قضت شأنها أقبلت إلى رحلها فإذا
عقد لها من جزع ظفار قد انقطع فرجعت تلتمس عقدها و حبسها ابتغاؤه فأذن
بالرحيل و أقبل الرهط الذين كانوا يرحلونها فاحتملوا هودجها على بعيرها
الذي كانت تركب عليه و هم يحبسون أنها فيه و كانت النساء إذ ذاك خفاقا و
ساروا فرجعت عائشة بعد ما رحل الجيش فجاء منازلهم فإذا ليس بها داع و لا
مجيب فأمت منزلها التي كانت فيه و علمت أنهم سيفقدونها فبينا هي جالسة إذ
غلبت عينها عليها و كان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش فأدلج فأصبح
عند منزلها فرأى سواد إنسان نائم فعرفها حين رآها و كان رآها قبل أن ينزل
الحجاب فاستيقظت عائشة باسترجاعه حين عرفها فخمرت عائشة وجهها بجلبابها و
ما كلمها حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فقامت إليه فأركبها و انطلق يقود
الراحلة حتى أتى الجيش فوجدهم موغرين في نحر الظهيرة فهلك فيها من هلك و
كان الذي كبره عبد الله بن أبي بن سلول فلما قدموا المدينة لبثت عائشة
شهرا و الناس يخوضون في قول أصحاب الإفك و هي لا تشعر بشيء من ذلك فكان
رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتيها فيسلم عليها و يقول : [ كيف تيكم ]
؟ و ينصرف و كان تراها ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت ذات
ليلة مع أم مسطح قبل المناصع و كانت متبرزهم قبل أن تتخذ الكنف فلما فرغتا
من شأنهما عثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح ! فقالت لها عائشة :
بئس ما تقولين ! تسبين رجلا من أهل بدر ! فقالت : أي هنتاه ! ألم تسمعي ما
قال ؟ قالت عائشة : لا فأخبرتها بقول أهل الإفك فازدادت مرضا فلما دخل
عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : ائذن لي أن آتي إلى أبوي أذن
لها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا أبتاه ! ماذا يتحدث الناس ؟
قال : يا بنتي ! هوني عليك فو الله لقل ما كانت امرأة قط عند رجل يحبها
لها ضرائر إلا أكثرن عليها فبكت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لها دمع و
لا تكتحل بنوم فلما أصبح دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا و أسامة
بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار على
رسول الله صلى الله عليه و سلم بالذي يعلم من براءة أهله و قال : أهلك لا
نعلم إلا أخيرا و أما علي فقال : يا رسول [ ا لله ] لم يضيق الله عليك و
النساء سواها كثير و سل الجارية تصدقك فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم
بريرة فقال : [ أي بريرة ! هل رأيت من أهلي شيئا يريبك ] ؟ قالت بريرة : و
الذي بعثك بالحق ! ما رأيت عليها شيئا قط أغمضه عليها أكثر من أنها حديثة
السن تنام عن عجين فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه و
سلم من يومه و استعذر من عبد الله بن أبي بن سلول و هو على المنبر فقال :
[ يا معشر المسلمين ! من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ؟ و الله !
ما علمت على أهلي إلا خيرا ! و لقد ذكروا رجلا ما علمت إلا خيرا و ما يدخل
على أهلي إلا معي ] فقال أسيد بن حضير : [ يا ] رسول الله ! أنا أعذر منه
! فإن كان من الأوس ضربت عنقه و إنا كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا
ففعلنا أمرك ! و كاد أن يكون بين الأوس و الخزرج قتال بهذه الكلمة فلم يزل
رسول الله صلى الله عليه و سلم يخفضهم حتى سكتوا و بكت عائشة يومها ذلك
كله فبين أبواها جالسين عندها و هي تبكي إذا استأذنت عليها امرأة من
الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معها ثم دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم
فسلم ثم جلس ثم تشهد حين جلس ثم قال : [ أما بعد ! يا عائشة ! فإنه بلغني
عنك كذا و كذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري
الله و توبي إليه فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه ] فلما قضى
رسول الله صلى الله عليه و سلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحسست منها بقطرة و
قالت لأبيها : أجب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما قال فقال أبو بكر :
و الله ! ما أدري ما أقول ! فقالت لأمها : أجيبي رسول الله صلى الله عليه
و سلم فيما قال فقالت : و الله ! ما أدري ما أقول ! فقالت عائشة ! إني و
الله لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم و صدقتم ! فلو
قلت لكم : إني بريئة لا تصدقوني بذلك و إن اعترفت لكم بأمر و الله يعلم
أني منه بريئة لا تصدقوني و الله ! ما أجد لي و لكم مثلا إلا ما قال أبو
يوسف { فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون } ثم تحولت عائشة و اضطجعت
على فراشها فما راح رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا خرج أحد من البيت
حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من الرحضاء حتى أن ينحدر منه
العرق مثل الجمان و هو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه فسرى عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال
لها : [ يا عائشة ! إما و الله ! فقد برأك ] ! فقالت لها أمها : قومي إليه
فقالت : لا و الله ! ما أقوم و إني لا أحمد إلا الله و أنزل الله { إن
الذين جاءو بالإفك عصبة } إلى تمام العشر الآيات فلما أنزل الله هذه
الآيات قال أبو بكر : و كان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه و فقره :
و الله ! لا أنفق على مسطح شيئا بعد الذي قال لعائشة ! فأنزل الله { و لا
يأتل أولوا الفضل منكم و السعة أن يؤتوا أولى القربى } ـ الآية فقال أبو
بكر الصديق : يا رسول الله ! و الله إني لأحب أن يغفر الله لي ! فرجع إلى
مسطح بالنفقة التي كان ينفق عليه و قال : لا أنتزعها منه أبدا و قد قيل :
إن النبي صلى الله عليه و سلم حد أصحاب الإفك الذين رموا عائشة فيما رواه
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه ألف و ثمانمائة رجل و سبعون بدنة
فأحرم رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه من ذي الحليفة و استخلف على
المدينة ابن أم مكتوم و ساق أبو بكر بدنا و طلحة بدنا و سعد بن عبادة بدنا
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم غدير عسفان ذات الأشطاط لقيه بسر
بن سفيان الكعبي فقال : يا رسول الله ! هذه قريش سمعت بك و خرجت قد لبسوا
جلود النمور يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم أبدا و هذا خالد بن الوليد
في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
[ يا ويح قريش ! لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني و بين سائر
العرب ! فإن أصابوني كان الذي أرادوا و إن أظهرني الله عليهم دخلوا في
الإسلام و آووني و الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله عليه حتى
يظهرني الله ] ! ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق
يخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية فلما بلغ صلى الله عليه و سلم ثنية
المرار بركت ناقته فقالوا : خلأت القصواء ! فقال : [ ما خلأت القصواء و ما
هو لها بخلق و لكن حبسها حابس الفيل عن مكة و الله ! لا يدعوني قريش اليوم
إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ] ! ثم قال للناس : [
انزلوا ] فقالوا : يا رسول الله ! ما بالوادي ما ينزل عليه الناس فأخرج
رسول الله صلى الله عليه و سلم سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل
في قليب من تلك القلب فغزره في جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس بعطن فلما
اطمأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كقوله لبشر بن سفيان فرجعوا إلى قريش
فقالوا : يا معشر قريش ! إنكم تعجلون على محمد إن محمدا لم يأت لقتال إنما
جاء زائرا لهذا البيت فقالوا : و إن جاء لذلك فلا و الله لا يدخلها عنوة و
لا تتحدث بذلك العرب ! ثم بعثوا مكرز بن حفص بن الأحنف أحد بني عامر ابن
لؤي فلما رآه النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ هذا الرجل غادر ] فلما
انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمه رسول الله صلى الله عليه و
سلم لنحو ما كلم به أصحابه فرجع إلى قريش و أخبرهم بذلك فبعثوا إليه
الحليس بن علقمة الكناني و هو يؤمئذ سيد الأحابيش فلما رآه رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال : [ إن هذا من قوم يتألهون فاثعبوا الهدي في وجهه ]
فلما رأى الهدي يسير عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول
الحبس رجع إلى قريش فقال : يا معشر قريش ! قد رأيت ما لا يحل صد الهدي في
قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا : اجلس لا علم لك و بعث
رسول الله خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة و حمله على جمل يقال له الثعلب
فلما دخل مكة أراد قريش قتله فمنعه الأحابيش حتى أتى رسول الله صلى الله
عليه و سلم فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب ليبعث إلى
مكة فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي و ليس لي بها من بني عدي
بن كعب أحد يمنعني و قد عرفت قريش عداوتي إياها و غلطتي عليها و لكن أدلك
على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم و
بعثه إلى قريش ليخبرهم أنه لم يأت لحرب و إنما جاء زائرا لهذا البيت
المعظم لحرمته فخرج عثمان بن عفان حتى أتى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن
العاص فنزل عن دابته و حمله بين يديه و أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى
الله عليه و سلم و انطلق حتى أتى أبا سفيان و عظماء قريش فبلغهم عن رسول
الله صلى الله عليه و سلم ما أرسله به فقالوا لعثمان : إن شئت أن تطوف
بالبيت فطف به فقال عثمان : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله
عليه و سلم ثم رجع عثمان
و بعث قريش سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن
لؤي و قالوا : ائت محمدا و صالحه و لا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه
هذا فو الله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا ! فأتى سهيل بن
عمرو فلما رآه النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ قد أراد القوم الصلح حتى
بعثوا هذا الرجل ] فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم تكلم
فأطال الكلام و تراجعا ثم جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر و لم يبق إلا
الكتاب وثب عمر فقال : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ! ألست برسول
الله ؟ أولسنا بالمسلمين ؟ أوليسوا بالمشركين ؟ قال : [ بلى ] قال : فلم
نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : [ أنا عبد الله و رسوله ] ثم دعا رسول الله
صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب فقال : [ اكتب { بسم الله الرحمن
الرحيم } ] فقال سهيل : لأعرف هذا و لكن اكتب [ باسمك اللهم ] و قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ اكتب باسمك اللهم ! هذا ما صالح عليه محمد
رسول الله و سهيل بن عمرو ] فقال : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك و لكن
أكتب [ محمد بن عبد الله ] اسمك و اسم ابيك فقال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : [ اكتب محمد بن عبد الله و سهيل بن عمرو ] فكتب : محمد بن عبد
الله [ هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله و سهيل بن عمرو على وضع الحرب
عشر سنين يأمن بهذا الناس و يكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى رسول الله
صلى الله عليه و سلم من أصحابهم بغير إذن وليه رده عليهم و من جاء قريشا
ممن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يرده و أنه لا أسلال و لا أغلال
] فلما فرغ من الكتاب و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي في الحرم
و هو مضطرب في الحل ـ قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ يا أيها
الناس ! انحروا و احلقوا ] فما قام رجل من المسلمين فدخل رسول الله صلى
الله عليه و سلم على أم سلمة فقال : [ يا أم سلمة ! ما شأن الناس ؟ ] قال
له : يا رسول الله ! قد أحل بهم ما رأيت كأنهم كرهوا الصلح فاعمد إلى هديك
حيث كان و انحر و احلق فإنك لو فعلت ذلك فعلوا فخرج رسول الله صلى الله
عليه و سلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحرها ثم جلس فحلق فقام الناس
ينحرون و يحلقون فحلق رجال منهم و قصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : [ يرحم الله المحلقين ] ! قالوا : يا رسول الله ! و المقصرين ؟
قال : [ و المقصرين ] ! قالوا : ما بال المحلقين يا رسول الله ذكرت لهم
الترحم ؟ قال : [ لأنهم لم يشكوا أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم
البيعة على الناس تحت الشجرة هناك أن لا يفروا ] فبايعه الناس كلهم غير
الجد بن قيس اختبأ تحت إبط بعيره فذلك قول الله عز و جل { إذ يبايعونك تحت
الشجرة } و قال صلى الله عليه و سلم : [ لن يدخل النار أحد شهد بدرا و
الحديبية ]
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كان بين
مكة و المدينة في وسط الطريق نزلت عليه سورة الفتح { إنا فتحنا لك فتحا }
ـ إلى آخر السورة فما فتح في الإسلام فتح أعظم من نزول هذه السورة
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة و كانت الهدنة وضعت الحرب
أوزارها و آمن الناس كلهم بعضا و استفاضوا و لا يكلم أحد بالإسلام يعقل
عنه إلا دخل فيه حتى دخل فيه في تلك السنة من المسلمين قريبا مما كان قبل
ذلك و في هذه العمرة أصاب كعب بن عجرة أذى في رأسه فأمره رسول الله صلى
الله عليه و سلم أن يحلق و يذبح شاة و يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين
لكل مسكين مدين و أهدى الصعب بن جثامة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
رجل حمار وحش فرده و قال : [ لم نرده و لكنا حرم ]
و في هذه العمرة
صلى بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح في إثر سماء في الحديبية
فلما انصرف أقبل عليهم بوجهه فقال : [ أتدرون ما قال ربكم ] ؟ قالوا :
الله و رسوله أعلم قال : [ يقول : أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر بي فأما
من قال : مطرنا بفضل الله و رحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب و أما من قال
: مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ]
و في هذه
العمرة أصاب الناس عطش شديد فحبسوا فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم
يده في الركوة فثار الماء مثل العيون فتوضئوا منها و رووا
خرج
سلمة بن الأكوع و معه غلام له يقال له رباح مع الإبل فلما كان بغلس أغار
عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه و سلم و قتل راعيها
و جعل ينظر في أناس معه في خيل فقال سلمة لرباح : اركب هذا الفرس و اخبر
رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قد أغير على سرحه ثم قام سلمة على تل و
جعل وجهه قبل المدينة ثم نادى ثلاث مرات ـ و كان صيتا : يا صباحاه ! ثم
اتبع القوم و معه سيف و نبله فجعل يرميهم و ذلك حين كثر الشجر فإذا كر
عليه الفارس جلس له في أصل شجرة ثم رماه و لا يظفر بفارس إلا عقر فرسه
فجعل يرمي و يقول :
( أنا ابن الأكوع ... و اليوم يوم الرضع )
و إذا كان كثر الشجر رشقهم بالنبل فإذا تضايقت الشجرة علا الجبل و رماهم
بالحجارة فما زال ذلك دأبه و دأبهم و يرتجز حتى ما بقي من ظهر النبي صلى
الله عليه و سلم إلا استقذه من أيديهم و خلفه وراء ظهره ثم لم يزل يرميهم
حتى طرحوا أكثر من ثلاثين بردة يستخفون بها فكلما ألقوا شيئا جمع عليه
سلمة فلما اشتد الضحى أتاهم عيينة بن حصن بن بدر الفزاري ممدا لهم و هم في
ثنية ضيقة في علوة الجبل فقال لهم : ما هذا الذي أرى ؟ قالوا : لقد لقينا
من هذا ـ يعنون سلمة ما فارقنا منذ سحر حتى الآن و أخذ كل شيء من أيدينا و
خلفه وراءه فقال عيينة : لولا أن هذا يرى وراءه طلبا لقد ترككم ! فليقم
إليه نفر منكم فقام إليه نفر منهم أربعة و صعدوا في الجبل فقال لهم سلمة :
أتعرفوني ؟ قال : و من أنت ؟ قال : ابن الأكوع ! و الذي كرم وجه محمد صلى
الله عليه و سلم ! لا يطلبني رجل منكم فيدركني و لا أطلبه فيفوتني فبينا
سلمة يخاطبهم إذ نظر فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لحقوا
يتخللون الشجر و إذ أولهم الأخرم الأسدي و على أثره أبو قتادة و على أثره
المقداد الكندي فولى المشركون مدبرين فنزل سلمة من الجبل و قال : يا أخرم
! احذر القوم فإني لا آمن أن يقتطعوك فاتئد حتى يلحق رسول الله صلى الله
عليه و سلم و أصحابه قال : يا سلمة ! إن كنت تؤمن بالله و اليوم الآخر و
تعلم أن الجنة حق و النار حق فلا تحل بيني و بين الشهادة ثم أرخى عنان
فرسه و لحق بعبد الرحمن ابن عيينة و يعطف عليه عبد الرحمن و اختلف بينهما
طعنتان فقتله عبد الرحمن و تحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فلحق أبو قتادة
بعبد الرحمن و اختلف بينهما طعنتان فعقر بأبي قتادة و قتله أبو قتادة و
تحول أبو قتادة على فرس الأخرم ثم خرج سلمة يعدو في أثر القوم حتى ما يرى
من غبار أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم شيئا فلم يقرب غيبوبة الشمس و
قرب المشركون من شعب فيه ماء يقال له : ذو قرد فأرادوا أن يشربوا منه
فالتفتوا فأبصروا سلمة وراءهم فعطفوا عن الماء و شدوا في الثنية و غربت
الشمس فلحق سلمة رجل منهم فرماه بسهم و قال : خذها :
( أنا ابن الأكوع ... و اليوم يوم الرضع )
قال : يا ثكل أمياه ! أكوع بكرة ؟ قلت : نعم أي عدو نفسه ! و كان الذي
رماه بكرة و أتبعه سهما آخر فأثبت فيه سهمين و خلقوا فرسين فجاء بهما
يسوقهما و رسول الله صلى الله عليه و سلم على الماء الذي خلفهم عند ذي قرد
و إذا بلال قد نحر جزورا مما خلفه بسهمه و هو يشوي لرسول الله صلى الله
عليه و سلم من كبدها و سنامها فقال سلمة : يا رسول الله ! خلني فأنتخب من
أصحابك مائة رجل و أتبع الكفار حتى لا يبقى منهم مخبر إلا قتلته قال : [
أكنت فاعلا ذلك ] ؟ قال : نعم و الذي أكرم وجهك ! فضحك رسول الله صلى الله
عليه و سلم حتى بدت نواجذه فجاء رجل من غطفان فقال : مر المشركون على فلان
الغطفاني فنحر لهم جزورا ثم خرجوا هرابا فلما أصبح رسول الله صلى الله
عليه و سلم انصرف إلى المدينة و جعل يقول : [ خير فرساننا اليوم أبو قتادة
! و خير رجالتنا سلمة ] ! فأعطى سلمة ذلك اليوم سهم الراجل و الفارس جميعا
ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أردفه و راءه على العضباء فلما
كان بينهم و بين المدينة قريب و في القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق فجعل
ينادي : هل من مسابق ! ألا رجل يسابق إلى المدينة ! فقلت : يا رسول الله
بأبي أنت و أمي خلني فلأ سابق الرجل ! قال : [ إن شئت ] : قلت اذهب إليك
فطفر عن راحلته و ثنيت رجلي فطفرت عن الناقة ثم إني ربطت عيله شرفا أو
شرفين يعني استبقيت نفسي ثم عدوت حتى لحقته فأصكه بين كتفيه بيدي و قلت :
سبقت و الله ! حتى قدمنا المدينة ثم توفيت أم رومان امرأة أبي بكر الصديق
أم عبد الرحمن و عائشة في ذي الحجة
أخبرنا محمد بن حسن بن قتيبة
نا ابن أبي السري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد
الله عن ابن عباس حدثني أبو سفيان بن حرب من فيه إلى في قال : انطلقت في
المدة التي كانت بيننا و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم فبينا أنا
بالشام إذ جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى هرقل جاء به دحية
الكلبي فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل قال : هل هنا أحد من
قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قالوا : نعم فدعيت في نفر من قريش
فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه
فقال : قل لهم : إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن
كذبني فكذبوه قال أبو سفيان : و الله ! لولا مخافة أن يؤثروا عني كذبا
لكذبته ثم قال لترجمانه : سله كيف حسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو حسب قال :
فهل كان من آبائه من ملك ؟ فقلت : لا قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل
أن يقول ما قال ؟ قلت : لا قال : من يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ قال :
قلت : بل ضعفاؤهم قال : فهل يزيدون أم ينقصون ؟ قال : قلت : بل يزيدون قال
: فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ قال : قلت : لا
قال : فهل قاتلتموه ؟ قال : قلت : نعم قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت :
يكون الحرب بيننا و بينه سجالا يصيب منا و نصيب منه قال : فهل يغدر ؟ قال
: قلت : لا و نحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها ! قال : و الله فما
أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه ! قال : فهل قال هذا القول أحد
قبله ؟ قال : قلت : لا ثم قال لترجمانه : قل له : إني سألتك عن حسبه فيكم
قلت : إنه ذو حسب و كذلك الرسل تبعث في الحساب قومها و سألتك : هل كان في
آبائه ملك ؟ فزعمت أن لا فقلت : إن كان في آبائه ملك قلت : رجل يطلب ملك
آبائه و سألتك عن أتباعه ضعفاء الناس أم أشرافهم قلت : بل ضعفاؤهم و هم
أتباع الرسل و سألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت
أن لا فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس فيذهب فيكذب على الله و
سألتك : هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطه له ؟ فزعمت أن لا
فكذلك الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب و سألتك : هل يزيدون أم ينقصون ؟
فزعمت أنهم يزيدون و كذلك أمر الإيمان حتى يتم و سألتك : هل قاتلتموه ؟
فزعمت أنكم قاتلتموه فزعمت أن الحرب بينكم و بينه سجال تنالون منه و ينال
منكم و كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة و سألتك : هل يغدر ؟ فزعمت
أن لا و كذلك الرسل لا تغدر و سألتك : هل قال هذا القول قبله أحد ؟ فزعمت
أن لا فقلت : لو كان قال هذا القول أحد قبله لقلت : رجل يأتم بقول قيل
قبله ثم سألتك بما يأمركم ؟ قلت : بالصلاة و الزكاة و الصلة و العفاف قال
: إن يكن ما تقول فيه فإنه نبي و قد كنت أعلم أنه خارج و لم أكن أظن أنه
منكم و لو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه و لو كنت عنده لغسلت عن
قدميه و ليبلغن ملكه ما تحت قدمي فقال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله
عليه و سلم فقرأه فإذا فيه [ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله
صلى الله عليه و سلم ـ إلى هرقل ملك الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد
! فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم و أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن
توليت فإن عليك إثم الأريسين { و يا أهل الكتاب تعالوا ـ إلى قوله : بأنا
مسلمون } ] فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده و كثر اللغط و
أمر بنا فأخرجنا فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم سيظهر
حتى أدخل الله علي الإسلام
قال : في أول هذه السنة كتب رسول الله
صلى الله عليه و سلم إلى الملوك و بعث إليهم بالرسل يدعوهم إلى الله فقيل
: إنهم لا يقرأون كتابا إلا بخاتم فاتخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم
خاتما من فضة نقش فيه [ محمد رسول الله ] ليختم به الصحف فكان يلبسه تارة
بيمينه وتارة في يساره
فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله
بن حذافة السهمي إلى كسرى بكتاب فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ليدفعه
عظيم البحرين إلى كسرى و بعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر و هو هرقل ملك
الروم و أمره أن يدفع الكتاب إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل و
بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية و بعث عمرو بن أمية
الضمري إلى أصحم بن أبحر النجاشي و بعث شجاع بن وهب الأسدي إلى المنذر بن
الحارث ابن أبي شمر الغساني صاحب دمشق و بعث عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي
الحنفي صاحب اليمامة
فأما كسرى فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه و
سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بلغه ذلك [ مزق الله ملكه إذا
هلك كسرى فلا كسرى بعده ]
و أما قيصر فسأل أبا سفيان عما سأل ثم قرأ
كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم خلا بدحية الكلبي و قال : إني
لأعلم أن صاحبكم نبي مرسل و أنه الذي كنا ننتظره و نجده في كتابنا و لكن
أخاف الروم على نفسي و لولا ذاك لاتبعته و لكن اذهب إلى ضغاطر الأسقف
فاذكر له أمر صاحبكم و انظر ماذا يقول فجاء دحية و أخبره مما جاء به من
رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى هرقل و بما يدعو إليه فقال ضغاطر :
صاحبك والله نبي مرسل ! نعرفه بصفته و نجده في كتابنا باسمه ثم دخل فألقى
ثيابا كانت عليه سوداء و لبس ثيابا بيضا ثم أخذ عصاه و خرج على الروم و هم
في الكنيسة فقال للروم : إنه قد أتانا كتاب من أحمد يدعو فيه إلى الله و
إني أشهد أن لاإله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله فوثبوا إليه وثبة رجل
واحد و ضربوه حتى قتلوه فرجع دحية إلى هرقل و أخبره الخبر قال : قلت لك :
إنا نخافهم على أنفسنا فضغاطر كان والله أعظم عندهم و أجوز قولا مني
و أما النجاشي فكان كتابه [ من محمد رسول االله إلى النجاشي الأصحم ملك
الحبشة سلم أنت فأني أحمد الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز
الجبار المتكبر و أشهد أن عيسى روح الله و كلمته ألقاها إلى مريم البتول
الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه و نفخه كما خلق آدم بيده و نفخه
و إني أدعوك إلى الله و قد بعثت إليك ابن عمي جعفرا و معه نفر من المسلمين
فدع التجبر فإني أدعوك إلى الله و قد بلغت و نصحت فاقبل نصيحتي و السلام
على من اتبع الهدى ] فقرأ النجاشي الكتاب و كتب جوابه إلى رسول الله صلى
الله عليه و سلم : بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله صلى الله
عليه و سلم من النجاشي الأصحم بن الأبحر سلام عليك يا نبي الله و رحمة
الله و بركاته من الله الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام أما بعد
فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء و الأرض
أن عيسى لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه كما قلت و لقد عرفنا ما بعثت به
إلينا و قد قربنا ابن عمك و أصحابه و أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه و
سلم صادقا مصدقا و قد بايعتك و بايعت ابن عمك و أسلمت على يديه لله رب
العالمين و بعثت إليك بابني أرها بن الأصحم فإني لا أملك إلا نفسي و إن
شئت أن آتيك يا رسول الله فعلت فإني أشهد أن ما تقوله حق ـ و السلام عليك
يا رسول الله ! فخرج ابنه في ستين نفسا من الحبشة في سفينة البحر فلما
توسطوا ولججوا أصابتهم شدة و غرقوا كلهم
و أما المقوقس فأهدى إلى
رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع جوار فيهن مارية القبطية أم إبراهيم
ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك سائر الملوك أهدى إليه الهدايا
فقبلها رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان يقبل الهدية و يثيب عليها
و أهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم لرسول الله صلى الله عليه و سلم شاة مصلية و أكثرت فيها من السم فلما و ضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم ] ! ثم دعاها فاعترفت فقال : [ ما حملك على ذلك ] ؟ فقالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت : إن كان ملكا استرحت منه و إن كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان بشر بن البراء بن معرور يأكل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكل منها قطعة و كان ذلك سبب موته