الكتاب : تفسير الجلالين
المؤلف : جلال الدين محمد بن أحمد المحلي و جلال الدين عبد الرحمن بن أبي
بكر السيوطي
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
"وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ فِتْنَة" لَكُمْ صَادَّة عَنْ أُمُور الْآخِرَة "وَأَنَّ اللَّه عِنْده أَجْر عَظِيم" فَلَا تَفُوتُوا .
بِمُرَاعَاةِ الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَالْخِيَانَة لِأَجْلِهِمْ وَنَزَلَ فِي تَوْبَته :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللَّه" بِالْإِنَابَةِ وَغَيْرهَا "يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا" بَيْنكُمْ وَبَيْن مَا تَخَافُونَ فَتَنْجُونَ "وَيُكَفِّر عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ" ذُنُوبكُمْ
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
"و" اُذْكُرْ يَا مُحَمَّد "إذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا" وَقَدْ اجْتَمَعُوا لِلْمُشَاوَرَةِ فِي شَأْنك بِدَارِ النَّدْوَة "لِيُثْبِتُوك" يُوثِقُوك وَيَحْبِسُوك "أَوْ يَقْتُلُوك" كُلّهمْ قِتْلَة رَجُل وَاحِد "أَوْ يُخْرِجُوك" مِنْ مَكَّة "وَيَمْكُرُونَ" بِك "وَيَمْكُر اللَّه" بِهِمْ بِتَدْبِيرِ أَمْرك بِأَنْ أَوْحَى إلَيْك مَا دَبَّرُوهُ وَأَمَرَك بِالْخُرُوجِ "وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ" أَعْلَمهمْ بِهِ
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا" الْقُرْآن "قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا" قَالَهُ النَّضْر بْن الْحَارِث لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْحِيرَة يَتَّجِر فَيَشْتَرِي كُتُب أَخْبَار الْأَعَاجِم وَيُحَدِّث بِهَا أَهْل مَكَّة "إنْ" مَا "هَذَا" الْقُرْآن "إلَّا أَسَاطِير" أَكَاذِيب
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
"وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا" الَّذِي يَقْرَؤُهُ مُحَمَّد "هُوَ الْحَقّ" الْمُنَزَّل "مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم" مُؤْلِم عَلَى إنْكَاره قَالَهُ النَّضْر وَغَيْره اسْتِهْزَاء وَإِيهَامًا أَنَّهُ عَلَى بَصِيرَة وَجَزْم بِبُطْلَانِهِ
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
"وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ" بِمَا سَأَلُوهُ "وَأَنْتَ فِيهِمْ" لِأَنَّ الْعَذَاب إذَا نَزَلَ عَمَّ وَلَمْ تُعَذَّب أُمَّة إلَّا بَعْد خُرُوج نَبِيّهَا وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا "وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" حَيْثُ يَقُولُونَ فِي طَوَافهمْ : غُفْرَانك غُفْرَانك وَقِيلَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُسْتَضْعَفُونَ فِيهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : "لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا"
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
"وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه" بِالسَّيْفِ بَعْد خُرُوجك وَالْمُسْتَضْعَفِينَ وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل هِيَ نَاسِخَة لِمَا قَبْلهَا وَقَدْ عَذَّبَهُمْ اللَّه بِبَدْرٍ وَغَيْره "وَهُمْ يَصُدُّونَ" يَمْنَعُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ "عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام" أَنْ يَطُوفُوا بِهِ "وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ" كَمَا زَعَمُوا "إنْ" مَا "أَوْلِيَاؤُهُ إلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ" أَنْ لَا وِلَايَة لَهُمْ عَلَيْهِ
وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
"وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إلَّا مُكَاء" صَفِيرًا "وَتَصْدِيَة" تَصْفِيقًا أَيْ جَعَلُوا ذَلِكَ مَوْضِع صَلَاتهمْ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا "فَذُوقُوا الْعَذَاب" بِبَدْرٍ
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
"إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ" فِي حَرْب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُون" فِي عَاقِبَة الْأَمْر "عَلَيْهِمْ حَسْرَة" نَدَامَة لِفَوَاتِهَا وَفَوَات مَا قَصَدُوهُ "ثُمَّ يُغْلَبُونَ" فِي الدُّنْيَا "وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا" مِنْهُمْ "إلَى جَهَنَّم" فِي الْآخِرَة "يُحْشَرُونَ" يُسَاقُونَ
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
"لِيَمِيزَ" مُتَعَلِّق بِتَكُونُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَيْ يَفْصِل "اللَّه الْخَبِيث" الْكَافِر "مِنْ الطَّيِّب" الْمُؤْمِن "وَيَجْعَل الْخَبِيث بَعْضه عَلَى بَعْض فَيَرْكُمهُ جَمِيعًا" يَجْمَعهُ مُتَرَاكِمًا بَعْضه عَلَى بَعْض
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ
"قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا" كَأَبِي سُفْيَان وَأَصْحَابه "إنْ يَنْتَهُوا" عَنْ الْكُفْر وَقِتَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يُغْفَر لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ" مِنْ أَعْمَالهمْ "وَإِنْ يَعُودُوا" إلَى قِتَاله "فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ" أَيْ سُنَّتنَا فِيهِمْ بِالْإِهْلَاكِ فَكَذَا نَفْعَل بِهِمْ
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون" تُوجَد "فِتْنَة" شِرْك "وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ" وَحْده وَلَا يُعْبَد غَيْره "فَإِنْ انْتَهَوْا" عَنْ الْكُفْر "فَإِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير" فَيُجَازِيهِمْ بِهِ
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
"وَإِنْ تَوَلَّوْا" عَنْ الْإِيمَان "فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَوْلَاكُمْ" نَاصِركُمْ وَمُتَوَلِّي أُمُوركُمْ "نِعْمَ الْمَوْلَى" هُوَ "وَنِعْمَ النَّصِير" أَيْ النَّاصِر لَكُمْ
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
"وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ" أَخَذْتُمْ مِنْ الْكُفَّار قَهْرًا "مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه" يَأْمُر فِيهِ بِمَا يَشَاء "وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى" قَرَابَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب "وَالْيَتَامَى" أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هَلَكَ آبَاؤُهُمْ وَهُمْ فُقَرَاء "وَالْمَسَاكِين" ذَوِي الْحَاجَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ "وَابْن السَّبِيل" الْمُنْقَطِع فِي سَفَره مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَيْ يَسْتَحِقّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة عَلَى مَا كَانَ يَقْسِمهُ مِنْ أَنَّ لِكُلٍّ خُمُس الْخُمُس وَالْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة لِلْغَانِمِينَ "إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ" فَاعْلَمُوا ذَلِكَ "وَمَا" عَطْف عَلَى بِاَللَّهِ "أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا" مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْآيَات "يَوْم الْفُرْقَان" أَيْ يَوْم بَدْر الْفَارِق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل "يَوْم الْتَقَى الْجَمْعَانِ" الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّار "وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" وَمِنْهُ نَصَرَكُمْ مَعَ قِلَّتكُمْ وَكَثْرَتهمْ
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
"إذْ" بَدَل مِنْ يَوْم "أَنْتُمْ" كَائِنُونَ "بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا" الْقُرْبَى مِنْ الْمَدِينَة وَهِيَ بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْرهَا جَانِب الْوَادِي "وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى" الْبُعْدَى مِنْهَا "وَالرَّكْب" الْعِير كَائِنُونَ بِمَكَانٍ "أَسْفَل مِنْكُمْ" مِمَّا يَلِي الْبَحْر "وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ" أَنْتُمْ وَالنَّفِير لِلْقِتَالِ "لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد وَلَكِنْ" وَلَكِنْ جَمَعَكُمْ بِغَيْرِ مِيعَاد "لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا" فِي عِلْمه وَهُوَ نَصْر الْإِسْلَام وَمَحْق الْكُفْر "لِيَهْلِك" يَكْفُر "مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة" أَيْ بَعْد حُجَّة ظَاهِرَة قَامَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ نَصْر الْمُؤْمِنِينَ مَعَ قِلَّتهمْ عَلَى الْجَيْش الْكَثِير "وَيَحْيَا" يُؤْمِن
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
"إذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك" أَيْ نَوْمك "قَلِيلًا" فَأَخْبَرْت بِهِ أَصْحَابك فَسُرُّوا "وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ" لَجَبُنْتُمْ "وَلَتَنَازَعْتُمْ" وَاخْتَلَفْتُمْ "فِي الْأَمْر" أَمْر الْقِتَال "وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ" وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَكُمْ "إنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور" بِمَا فِي الْقُلُوب
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
"وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ" أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ "إذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا" نَحْو سَبْعِينَ أَوْ مِائَة وَهُمْ أَلْف لِتَقْدَمُوا عَلَيْهِمْ "وَيُقَلِّلكُمْ فِي أَعْيُنهمْ" لِيَقْدَمُوا وَلَا يَرْجِعُوا عَنْ قِتَالكُمْ وَهَذَا قَبْل الْتِحَام الْحَرْب فَلَمَّا الْتَحَمَ أَرَاهُمْ إيَّاهُمْ مِثْلَيْهِمْ كَمَا فِي آل عِمْرَان "لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّه تُرْجَع" تَصِير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَة" جَمَاعَة كَافِرَة "فَاثْبُتُوا" لِقِتَالِهِمْ وَلَا تَنْهَزِمُوا "وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا" اُدْعُوهُ بِالنَّصْرِ "لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" تَفُوزُونَ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
"وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله وَلَا تَنَازَعُوا" تَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنكُمْ "فَتَفْشَلُوا" تَجْبُنُوا "وَتَذْهَب رِيحكُمْ" قُوَّتكُمْ وَدَوْلَتكُمْ "وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ" بِالنَّصْرِ وَالْعَوْن
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
"وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ" لِيَمْنَعُوا غَيْرهمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا بَعْد نَجَاتهَا "بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس" حَيْثُ قَالُوا لَا نَرْجِع حَتَّى نَشْرَب الْخَمْر وَنَنْحَر الْجَزُور وَتَضْرِب عَلَيْنَا الْقِيَان بِبَدْرٍ فَيَتَسَامَع بِذَلِكَ النَّاس "وَيَصُدُّونَ" النَّاس "عَنْ سَبِيل اللَّه وَاللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء "مُحِيط" عِلْمًا فَيُجَازِيهِمْ بِهِ
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
"و" اُذْكُرْ "إذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان" إبْلِيس "أَعْمَالهمْ" بِأَنْ شَجَّعَهُمْ عَلَى لِقَاء الْمُسْلِمِينَ لَمَّا خَافُوا الْخُرُوج مِنْ أَعْدَائِهِمْ بَنِي بَكْر "وَقَالَ" لَهُمْ "لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ" مِنْ كِنَانَة وَكَانَ أَتَاهُمْ فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك سَيِّد تِلْكَ النَّاحِيَة "فَلَمَّا تَرَاءَتْ" الْتَقَتْ "الْفِئَتَانِ" الْمُسْلِمَة وَالْكَافِرَة وَرَأَى الْمَلَائِكَة يَده فِي يَد الْحَارِث بْن هِشَام "نَكَصَ" رَجَعَ "عَلَى عَقِبَيْهِ" هَارِبًا "وَقَالَ" لَمَّا قَالُوا لَهُ اتَّخِذْ لَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَال "إنِّي بَرِيء مِنْكُمْ" مِنْ جِوَاركُمْ "إنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ" مِنْ الْمَلَائِكَة "إنِّي أَخَاف اللَّه" أَنْ يُهْلِكنِي
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
"إذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض" ضَعْف اعْتِقَاد "غَرَّ هَؤُلَاءِ" أَيْ الْمُسْلِمِينَ "دِينهمْ" إذْ خَرَجُوا مَعَ قِلَّتهمْ يُقَاتِلُونَ الْجَمْع الْكَثِير تَوَهُّمًا أَنَّهُمْ يُنْصَرُونَ بِسَبَبِهِ قَالَ تَعَالَى فِي جَوَابهمْ : "وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللَّه" يَثِق بِهِ يَغْلِب "فَإِنَّ اللَّه عَزِيز" غَالِب عَلَى أَمْره "حَكِيم" فِي صُنْعه
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ
"وَلَوْ تَرَى" يَا مُحَمَّد "إذْ يَتَوَفَّى" بِالْيَاءِ وَالتَّاء "الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ" حَال "وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ" بِمَقَامِع مِنْ حَدِيد "وَ" يَقُولُونَ لَهُمْ "ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق" أَيْ النَّار وَجَوَاب لَوْ : لَرَأَيْت أَمْرًا عَظِيمًا
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
"ذَلِكَ" التَّعْذِيب "بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ" عَبَّرَ بِهَا دُون غَيْرهَا لِأَنَّ أَكْثَر الْأَفْعَال تُزَاوَل بِهَا "وَأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ" أَيْ بِذِي ظُلْم "لِلْعَبِيدِ" فَيُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ ذَنْب
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ
"كَدَأْبِ" كَعَادَةِ "آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه فَأَخَذَهُمْ اللَّه" بِالْعِقَابِ "بِذُنُوبِهِمْ" جُمْلَة كَفَرُوا وَمَا بَعْدهَا مُفَسِّرَة لِمَا قَبْلهَا "إنَّ اللَّه قَوِيّ" عَلَى مَا يُرِيدهُ
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
"ذَلِكَ" أَيْ تَعْذِيب الْكَفَرَة "بِأَنْ" أَيْ بِسَبَبِ أَنَّ "اللَّه لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم" مُبَدِّلًا لَهَا بِالنِّقْمَةِ "حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" يُبَدِّلُوا نِعْمَتهمْ كُفْرًا كَتَبْدِيلِ كُفَّار مَكَّة إطْعَامهمْ مِنْ جُوع وَأَمْنهمْ مِنْ خَوْف وَبَعْث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالصَّدّ عَنْ سَبِيل اللَّه وَقِتَال الْمُؤْمِنِينَ
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ
"كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَوْن" قَوْمه مَعَهُ "وَكُلّ" مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
وَنَزَلَ فِي قُرَيْظَة "إنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ"
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56)
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ
"الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ" أَنْ لَا يُعِينُوا الْمُشْرِكِينَ "ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ فِي كُلّ مَرَّة" عَاهَدُوا فِيهَا "وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ" اللَّه فِي غَدْرهمْ
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
"فَإِمَّا" فِيهِ إدْغَام نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الْمَزِيدَة "تَثْقَفَنهُمْ" تَجِدَنهُمْ "فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ" فَرِّقْ "بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ" مِنْ الْمُحَارِبِينَ بِالتَّنْكِيلِ بِهِمْ وَالْعُقُوبَة "لَعَلَّهُمْ" أَيْ الَّذِينَ خَلْفهمْ "يَذَّكَّرُونَ" يَتَّعِظُونَ بِهِمْ
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ
"وَإِمَّا تَخَافَن مِنْ قَوْم" عَاهَدُوك "خِيَانَة " فِي عَهْد بِأَمَارَةٍ تَلُوح لَك "فَانْبِذْ" اطْرَحْ عَهْدهمْ "إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء" حَال أَيْ مُسْتَوِيًا أَنْتَ وَهُمْ فِي الْعِلْم بِنَقْضِ الْعَهْد بِأَنْ تُعْلِمهُمْ بِهِ لِئَلَّا يَتَّهِمُوك بِالْغَدْرِ
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ
وَنَزَلَ فِيمَنْ أَفْلَتَ يَوْم بَدْر "وَلَا يَحْسَبَن" يَا مُحَمَّد "الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا" اللَّه أَيْ فَاتُوهُ "إنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ" لَا يَفُوتُونَهُ وَفِي قِرَاءَة بِالتَّحْتَانِيَّةِ فَالْمَفْعُول الْأَوَّل مَحْذُوف أَيْ أَنْفُسهمْ وَفِي أُخْرَى بِفَتْحِ إنْ عَلَى تَقْدِير اللَّام
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
"وَأَعِدُّوا لَهُمْ" لِقِتَالِهِمْ "مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة" قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هِيَ الرَّمْي) رَوَاهُ مُسْلِم "وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل" مَصْدَر بِمَعْنَى حَبْسهَا فِي سَبِيل اللَّه "تُرْهِبُونَ" تُخَوِّفُونَ "بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ" أَيْ كُفَّار مَكَّة "وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ" أَيْ غَيْرهمْ وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ أَوْ الْيَهُود "لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيل اللَّه يُوَفَّ إلَيْكُمْ" جَزَاؤُهُ "وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" تُنْقِصُونَ مِنْهُ شَيْئًا
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
"وَإِنْ جَنَحُوا" مَالُوا "لِلسَّلْمِ" بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحهَا : الصُّلْح "فَاجْنَحْ لَهَا" وَعَاهِدْهُمْ وَقَالَ ابْن عَبَّاس : هَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف وَقَالَ مُجَاهِد : مَخْصُوص بِأَهْلِ الْكِتَاب إذْ نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَة "وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه" ثِقْ بِهِ "إنَّهُ هُوَ السَّمِيع" لِلْقَوْلِ "الْعَلِيم" بِالْفِعْلِ
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ
"وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوك" بِالصُّلْحِ لِيَسْتَعِدُّوا لَك "فَإِنَّ حَسْبك" كَافِيك "اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ"
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
"وَأَلَّفَ" جَمَعَ "بَيْن قُلُوبهمْ" بَعْد الْإِحَن "لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنهمْ" بِقُدْرَتِهِ "إنَّهُ عَزِيز" غَالِب عَلَى أَمْره "حَكِيم" لَا يَخْرُج شَيْء عَنْ حِكْمَته
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
"يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَ" حَسْبك "مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ"
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا
"يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ" حُثَّ "الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال" لِلْكُفَّارِ "إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" مِنْهُمْ "وَإِنْ يَكُنْ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء "مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ" أَيْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ "قَوْم لَا يَفْقُهُونَ" وَهَذَا خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ لِيُقَاتِل الْعِشْرُونَ مِنْكُمْ الْمِائَتَيْنِ وَالْمِائَة الْأَلْف وَيَثْبُتُوا لَهُمْ ثُمَّ نُسِخَ لَمَّا كَثُرُوا بِقَوْلِهِ :
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
"الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا" بِضَمِّ الضَّاد وَفَتْحهَا عَنْ قِتَال عَشَرَة أَمْثَالكُمْ "فَإِنْ يَكُنْ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء "مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" مِنْهُمْ "وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه" بِإِرَادَتِهِ وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ لِتُقَاتِلُوا مِثْلَيْكُمْ وَتَثْبُتُوا لَهُمْ "وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ" بِعَوْنِهِ
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
وَنَزَلَ لَمَّا أَخَذُوا الْفِدَاء مِنْ أَسْرَى بَدْر "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُون" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض" يُبَالِغ فِي قَتْل الْكُفَّار "تُرِيدُونَ" أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ "عَرَض الدُّنْيَا" حُطَامهَا بِأَخْذِ الْفِدَاء "وَاَللَّه يُرِيد" لَكُمْ "الْآخِرَة" أَيْ ثَوَابهَا بِقَتْلِهِمْ "وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم" وَهَذَا مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ "فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء"
لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)
لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
"لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ" بِإِحْلَالِ الْغَنَائِم وَالْأَسْرَى لَكُمْ "لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ" مِنْ الْفِدَاء
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
"يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى" وَفِي قِرَاءَة الْأُسَارَى "إنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ خَيْرًا" إيمَانًا وَإِخْلَاصًا "يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ" مِنْ الْفِدَاء بِأَنْ يُضَعِّفهُ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَيُثِيبكُمْ فِي الْآخِرَة "وَيَغْفِر لَكُمْ" ذُنُوبكُمْ
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
"وَإِنْ يُرِيدُوا" أَيْ الْأَسْرَى "خِيَانَتك" بِمَا أَظَهَرُوا مِنْ الْقَوْل "فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل" قَبْل بَدْر بِالْكُفْرِ "فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ" بِبَدْرٍ قَتْلًا وَأَسْرًا فَلْيَتَوَقَّعُوا مِثْل ذَلِكَ إنْ عَادُوا "وَاَللَّه عَلِيم" بِخَلْقِهِ "حَكِيم" فِي صُنْعه
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
"إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه" وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ "وَاَلَّذِينَ آوَوْا" النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَنَصَرُوا" وَهُمْ الْأَنْصَار "أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض" فِي النُّصْرَة وَالْإِرْث "وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ" بِكَسْرِ الْوَاو وَفَتْحهَا "مِنْ شَيْء" فَلَا إرْث بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ وَلَا نَصِيب لَهُمْ فِي الْغَنِيمَة "حَتَّى يُهَاجِرُوا" وَهَذَا مَنْسُوخ بِآخِرِ السُّورَة "وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُمْ النَّصْر" لَهُمْ عَلَى الْكُفَّار "إلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق" عَهْد فَلَا تَنْصُرُوهُمْ وَتَنْقُضُوا عَهْدهمْ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ
"وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض" فِي النُّصْرَة وَالْإِرْث فَلَا إرْث بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ "إلَّا تَفْعَلُوهُ" أَيْ تَوَلِّي الْمُسْلِمِينَ وَقَمْع الْكُفَّار "تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير" بِقُوَّةِ الْكُفْر وَضَعْف الْإِسْلَام
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
"وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم" فِي الْجَنَّة
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
"وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد" أَيْ بَعْد السَّابِقِينَ إلَى الْإِيمَان وَالْهِجْرَة "وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ" أَيّهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار "وَأُولُو الْأَرْحَام" ذَوُو الْقَرَابَات "بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ" فِي الْإِرْث مِنْ التَّوَارُث فِي الْإِيمَان وَالْهِجْرَة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة السَّابِقَة "فِي كِتَاب اللَّه" اللَّوْح الْمَحْفُوظ "إنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم" وَمِنْهُ حِكْمَة الْمِيرَاث
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1)
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
سُورَة التَّوْبَة [ مَدَنِيَّة إلَّا الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَمَكِّيَّتَانِ وَآيَاتهَا 129 نَزَلَتْ بَعْد الْمَائِدَة ] وَلَمْ تُكْتَب فِيهَا الْبَسْمَلَة لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُر بِذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذ مِنْ حَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم وَأَخْرَجَ فِي مَعْنَاهُ عَنْ عَلِيّ أَنَّ الْبَسْمَلَة أَمَان وَهِيَ نَزَلَتْ لِرَفْعِ الْأَمْن بِالسَّيْفِ وَعَنْ حُذَيْفَة ( إنَّكُمْ تُسَمُّونَهَا سُورَة التَّوْبَة وَهِيَ سُورَة الْعَذَاب وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ الْبَرَاء أَنَّهَا آخِر سُورَة نَزَلَتْ .
هَذِهِ "بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله" وَاصِلَة "إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ" عَهْدًا مُطْلَقًا أَوْ دُون أَرْبَعَة أَشْهُر أَوْ فَوْقهَا وَنَصّ الْعَهْد بِمَا يُذْكَر فِي قَوْله :
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
"فَسِيحُوا" سِيرُوا آمِنِينَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ "فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر" أَوَّلهَا شَوَّال بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي وَلَا أَمَان لَكُمْ بَعْدهَا "وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه" أَيْ فَائِتِي عَذَابه "وَأَنَّ اللَّه مُخْزِي الْكَافِرِينَ" مُذِلّهمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأُخْرَى بِالنَّارِ
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
"وَأَذَان" إعْلَام "مِنْ اللَّه وَرَسُوله إلَى النَّاس يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر" يَوْم النَّحْر "أَنَّ" أَيْ بِأَنَّ "اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ" وَعُهُودهمْ "وَرَسُوله" بَرِيء أَيْضًا "وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا مِنْ السَّنَة وَهِيَ سَنَة تِسْع فَأَذَّنَ يَوْم النَّحْر بِمِنًى بِهَذِهِ الْآيَات وَأَنْ لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان .
رَوَاهُ الْبُخَارِيّ "فَإِنْ تُبْتُمْ" مِنْ الْكُفْر "فَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ" عَنْ الْإِيمَان "فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه وَبَشِّرْ" أَخْبِرْ "الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيم" مُؤْلِم وَهُوَ الْقَتْل وَالْأَسْر فِي الدُّنْيَا وَالنَّار فِي الْآخِرَة
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
"إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا" مِنْ شُرُوط الْعَهْد "وَلَمْ يُظَاهِرُوا" يُعَاوِنُوا "عَلَيْكُمْ أَحَدًا" مِنْ الْكُفَّار "فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدهمْ إلَى" انْقِضَاء "مُدَّتهمْ" الَّتِي عَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا "إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ" بِإِتْمَامِ الْعُهُود
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
"فَإِذَا انْسَلَخَ" خَرَجَ "الْأَشْهُر الْحُرُم" وَهِيَ آخِر مُدَّة التَّأْجِيل "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" فِي حِلّ أَوْ حَرَم "وَخُذُوهُمْ" بِالْأَسْرِ "وَاحْصُرُوهُمْ" فِي الْقِلَاع وَالْحُصُون حَتَّى يُضْطَرُّوا إلَى الْقَتْل أَوْ الْإِسْلَام "وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَد" طَرِيق يَسْلُكُونَهُ وَنُصِبَ كُلّ عَلَى نَزْع الْخَافِض "فَإِنْ تَابُوا" مِنْ الْكُفْر "وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَخَلُّوا سَبِيلهمْ" وَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ "إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم" لِمَنْ تَابَ
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ
"وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ" مَرْفُوع بِفِعْلٍ يُفَسِّرهُ "اسْتَجَارَك" اسْتَأْمَنَك مِنْ الْقَتْل "فَأَجِرْهُ" أَمِّنْهُ "حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه" الْقُرْآن "ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنه" وَهُوَ دَار قَوْمه إنْ لَمْ يُؤْمِن لِيَنْظُر فِي أَمْره "ذَلِكَ" الْمَذْكُور "بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْلَمُونَ" دِين اللَّه فَلَا بُدّ لَهُمْ مِنْ سَمَاع الْقُرْآن لِيَعْلَمُوا
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
"كَيْفَ" أَيْ لَا "يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَهْد عِنْد اللَّه وَعِنْد رَسُوله" وَهُمْ كَافِرُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله غَادِرُونَ "إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام" يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَهُمْ قُرَيْش الْمُسْتَثْنَوْنَ مِنْ قَبْل "فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ" أَقَامُوا عَلَى الْعَهْد وَلَمْ يَنْقُضُوهُ وَمَا شَرْطِيَّة "فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ" عَلَى الْوَفَاء بِهِ وَقَدْ اسْتَقَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَهْدهمْ حَتَّى نَقَضُوا بِإِعَانَةِ بَنِي بَكْر عَلَى خُزَاعَة
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
"كَيْفَ" يَكُون لَهُمْ عَهْد "وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ" يَظْفَرُوا بِكُمْ وَجُمْلَة الشَّرْط حَال "لَا يَرْقُبُوا" يُرَاعُوا "فِيكُمْ إلًّا" قَرَابَة "وَلَا ذِمَّة" عَهْدًا بَلْ يُؤْذُوكُمْ مَا اسْتَطَاعُوا "يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ" بِكَلَامِهِمْ الْحَسَن "وَتَأْبَى قُلُوبهمْ" الْوَفَاء بِهِ "وَأَكْثَرهمْ فَاسِقُونَ" نَاقِضُونِ لِلْعَهْدِ
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9)
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
"اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّه" الْقُرْآن "ثَمَنًا قَلِيلًا" مِنْ الدُّنْيَا أَيْ تَرَكُوا اتِّبَاعهَا لِلشَّهَوَاتِ وَالْهَوَى "فَصَدُّوا عَنْ سَبِيله" دِينه "إنَّهُمْ سَاءَ" بِئْسَ "مَا كَانُوا يَعْمَلُونَـ" ـهُ عَمَلهمْ هَذَا
لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
"فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَإِخْوَانكُمْ" أَيْ فَهُمْ إخْوَانكُمْ "فِي الدِّين وَنُفَصِّل" نُبَيِّن "الْآيَات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" يَتَدَبَّرُونَ
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ
"وَإِنْ نَكَثُوا" نَقَضُوا "أَيْمَانهمْ" مَوَاثِيقهمْ "مِنْ بَعْد عَهْدهمْ وَطَعَنُوا فِي دِينكُمْ" عَابُوهُ "فَقَاتِلُوا أَئِمَّة الْكُفْر" رُؤَسَاءَهُ فِيهِ وَضْع الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر "إنَّهُمْ لَا أَيْمَان" عُهُود "لَهُمْ" وَفِي قِرَاءَة بِالْكَسْرِ "لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ" عَنْ الْكُفْر
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
"أَلَا" لِلتَّحْضِيضِ "تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا" نَقَضُوا "أَيْمَانهمْ" عُهُودهمْ "وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُول" مِنْ مَكَّة لَمَّا تَشَاوَرُوا فِيهِ بِدَارِ النَّدْوَة "وَهُمْ بَدَءُوكُمْ" بِالْقِتَالِ "أَوَّل مَرَّة" حَيْثُ قَاتَلُوا خُزَاعَة حُلَفَاءَكُمْ مَعَ بَنِي بَكْر فَمَا يَمْنَعكُمْ أَنْ تُقَاتِلُوهُمْ "أَتَخْشَوْنَهُمْ" أَتَخَافُونَهُمْ "فَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَوْهُ" فِي تَرْك قِتَالهمْ
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ
"قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه" يَقْتُلهُمْ "بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ" يُذِلّهُمْ بِالْأَسْرِ وَالْقَهْر "وَيَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُور قَوْم مُؤْمِنِينَ" بِمَا فَعَلَ بِهِمْ هُمْ بَنُو خُزَاعَة
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
"وَيُذْهِب غَيْظ قُلُوبهمْ" كَرْبهَا "وَيَتُوب اللَّه عَلَى مَنْ يَشَاء" بِالرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَام كَأَبِي سُفْيَان
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
"أَمْ" بِمَعْنَى هَمْزَة الْإِنْكَار "حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا" لَمْ "يَعْلَم اللَّه" عِلْم ظُهُور "الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ" بِإِخْلَاصٍ "وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُون اللَّه وَلَا رَسُوله وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَة" بِطَانَة وَأَوْلِيَاء الْمَعْنَى وَلَمْ يَظْهَر الْمُخْلِصُونَ وَهُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ غَيْرهمْ
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ
"مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه" بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْع بِدُخُولِهِ وَالْقُعُود فِيهِ "شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ" بَطَلَتْ "أَعْمَالهمْ" لِعَدَمِ شَرْطهَا
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
"إنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة وَلَمْ يَخْشَ" أَحَدًا
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
"أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام" أَيْ أَهْل ذَلِكَ "كَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَجَاهَدَ فِي سَبِيل اللَّه لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه" فِي الْفَضْل "وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ الْعَبَّاس أَوْ غَيْره
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
"الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ أَعْظَم دَرَجَة" رُتْبَة "عِنْد اللَّه" مِنْ غَيْرهمْ "وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ" الظَّافِرُونَ بِالْخَيْرِ
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ
"يُبَشِّرهُمْ رَبّهمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَان وَجَنَّات لَهُمْ فِيهَا نَعِيم مُقِيم" دَائِم
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
"خَالِدِينَ" حَال مُقَدَّرَة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ
وَنَزَلَ فِيمَنْ تَرَكَ الْهِجْرَة لِأَجْلِ أَهْله وَتِجَارَته "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانكُمْ أَوْلِيَاء إنْ اسْتَحَبُّوا" اخْتَارُوا
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
"قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانكُمْ وَأَزْوَاجكُمْ وَعَشِيرَتكُمْ" أَقْرِبَاؤُكُمْ وَفِي قِرَاءَة عَشِيرَاتكُمْ "وَأَمْوَال اقْتَرَفْتُمُوهَا" اكْتَسَبْتُمُوهَا "وَتِجَارَة تَخْشَوْنَ كَسَادهَا" عَدَم نَفَادهَا "وَمَسَاكِن تَرْضَوْنَهَا أَحَبّ إلَيْكُمْ مِنْ اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله" فَقَعَدْتُمْ لِأَجْلِهِ عَنْ الْهِجْرَة وَالْجِهَاد "فَتَرَبَّصُوا" انْتَظِرُوا "حَتَّى يَأْتِيَ اللَّه بِأَمْرِهِ" تَهْدِيد لَهُمْ
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
"لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه فِي مَوَاطِن" لِلْحَرْبِ "كَثِيرَة" كَبَدْرٍ وَقُرَيْظَة وَالنَّضِير "و" اُذْكُرْ "يَوْم حُنَيْن" وَادٍ بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف أَيْ يَوْم قِتَالكُمْ فِيهِ هَوَازِن وَذَلِك فِي شَوَّال سَنَة ثَمَان "إذْ" بَدَل مِنْ يَوْم "أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ" فَقُلْتُمْ لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَالْكُفَّار أَرْبَعَة آلَاف "فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ" مَا مَصْدَرِيَّة أَيْ مَعَ رَحْبهَا أَيْ سِعَتهَا فَلَمْ تَجِدُوا مَكَانًا تَطْمَئِنُّونَ إلَيْهِ لِشِدَّةِ مَا لَحِقَكُمْ مِنْ الْخَوْف "ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ" مُنْهَزِمِينَ وَثَبَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَته الْبَيْضَاء وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْر الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان آخِذ بِرِكَابِهِ
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
"ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته" طُمَأْنِينَته "عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ" فَرَدُّوا إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَادَاهُمْ الْعَبَّاس بِإِذْنِهِ وَقَاتَلُوا "وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا" مَلَائِكَة "وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا" بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
"ثُمَّ يَتُوب اللَّه مِنْ بَعْد ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاء" مِنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس" قَذَر لِخُبْثِ بَاطِنهمْ "فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام" أَيْ لَا يَدْخُلُوا الْحَرَم "بَعْد عَامهمْ هَذَا" عَام تِسْع مِنْ الْهِجْرَة "وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة" فَقْرًا بِانْقِطَاعِ تِجَارَتهمْ عَنْكُمْ "فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّه مِنْ فَضْله إنْ شَاءَ" وَقَدْ أَغْنَاهُمْ بِالْفُتُوحِ وَالْجِزْيَة
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
"قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر" وَإِلَّا لَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله" كَالْخَمْرِ "وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ" الثَّابِت النَّاسِخ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْيَان وَهُوَ دِين الْإِسْلَام "مِنْ" بَيَان لِلَّذِينَ "الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب" أَيْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى "حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة" الْخَرَاج الْمَضْرُوب عَلَيْهِمْ كُلّ عَام "عَنْ يَد" حَال أَيْ مُنْقَادِينَ أَوْ بِأَيْدِيهِمْ لَا يُوَكَّلُونَ بِهَا "وَهُمْ صَاغِرُونَ" أَذِلَّاء مُنْقَادُونَ لِحُكْمِ الْإِسْلَام
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
"وَقَالَتْ الْيَهُود عُزَيْر ابْن اللَّه وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيح" عِيسَى "ابْن اللَّه ذَلِكَ قَوْلهمْ بِأَفْوَاهِهِمْ" لَا مُسْتَنِد لَهُمْ عَلَيْهِ بَلْ "يُضَاهِئُونَ" يُشَابِهُونَ بِهِ "قَوْل الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْل" مِنْ آبَائِهِمْ تَقْلِيدًا لَهُمْ "قَاتَلَهُمْ" لَعَنَهُمْ "اللَّه أَنَّى" كَيْفَ "يُؤْفَكُونَ" يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ مَعَ قِيَام الدَّلِيل
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
"اتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ" عُلَمَاء الْيَهُود "وَرُهْبَانهمْ" عُبَّاد النَّصَارَى "أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه" حَيْثُ اتَّبَعُوهُمْ فِي تَحْلِيل مَا حَرَّمَ اللَّه وَتَحْرِيم مَا أَحَلَّ "وَالْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَمَا أُمِرُوا" فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل "إلَّا لِيَعْبُدُوا" أَيْ بِأَنْ يَعْبُدُوا "إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَه إلَّا هُوَ سُبْحَانه" تَنْزِيهًا لَهُ
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
"يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه" شَرْعه وَبَرَاهِينه "بِأَفْوَاهِهِمْ" بِأَقْوَالِهِمْ فِيهِ "وَيَأْبَى اللَّه إلَّا أَنْ يُتِمّ" يُظْهِر "نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" ذَلِكَ
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله" مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ" يُعْلِيه "عَلَى الدِّين كُلّه" جَمِيع الْأَدْيَان الْمُخَالِفَة لَهُ "وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" ذَلِكَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان لَيَأْكُلُونَ" يَأْخُذُونَ "أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ" كَالرِّشَا فِي الْحُكْم "وَيَصُدُّونَ" النَّاس "عَنْ سَبِيل اللَّه" دِينه "وَاَلَّذِينَ" مُبْتَدَأ "يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا" أَيْ الْكُنُوز "فِي سَبِيل اللَّه" أَيْ لَا يُؤَدُّونَ مِنْهَا حَقّه مِنْ الزَّكَاة وَالْخَبَر "فَبَشِّرْهُمْ" أَخْبِرْهُمْ "بِعَذَابٍ أَلِيم" مُؤْلِم
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ
"يَوْم يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فَتُكْوَى" تُحْرَق "بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ" وَتُوَسِّع جُلُودهمْ حَتَّى تُوضَع عَلَيْهَا كُلّهَا وَيُقَال لَهُمْ "هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ" أَيْ جَزَاءَهُ
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
"إنَّ عِدَّة الشُّهُور" الْمُعْتَدّ بِهَا لِلسَّنَةِ "عِنْد اللَّه اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه" اللَّوْح الْمَحْفُوظ "يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا" أَيْ الشُّهُور "أَرْبَعَة حُرُم" مُحَرَّمَة ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب "ذَلِكَ" أَيْ تَحْرِيمهَا "الدِّين الْقَيِّم" الْمُسْتَقِيم "فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ" أَيْ الْأَشْهُر الْحُرُم "أَنْفُسكُمْ" بِالْمَعَاصِي فَإِنَّهَا فِيهَا أَعْظَم وِزْرًا وَقِيلَ فِي الْأَشْهُر كُلّهَا "وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة" جَمِيعًا فِي كُلّ الشُّهُور "كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ" بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
"إنَّمَا النَّسِيء" أَيْ التَّأْخِير لِحُرْمَةِ شَهْر إلَى آخَر كَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ مِنْ تَأْخِير حُرْمَة الْمُحَرَّم إذَا هَلَّ وَهُمْ فِي الْقِتَال إلَى صَفَر "زِيَادَة فِي الْكُفْر" لِكُفْرِهِمْ بِحُكْمِ اللَّه فِيهِ "يُضَلّ" بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْحهَا "بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ" أَيْ النَّسِيء "عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا" يُوَافِقُوا بِتَحْلِيلِ شَهْر وَتَحْرِيم آخَر بَدَله "عِدَّة" عَدَد "مَا حَرَّمَ اللَّه" مِنْ الْأَشْهُر فَلَا يَزِيدُوا عَلَى تَحْرِيم أَرْبَعَة وَلَا يَنْقُصُوا وَلَا يَنْظُرُوا إلَى أَعْيَانهَا "فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه زُيِّنَ لَهُمْ سُوء أَعْمَالهمْ" فَظَنُّوهُ حَسَنًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا
وَنَزَلَ لَمَّا دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس إلَى غَزْوَة تَبُوك وَكَانُوا فِي عُسْرَة وَشِدَّة حَرّ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اثَّاقَلْتُمْ" بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي الْمُثَلَّثَة وَاجْتِلَاب هَمْزَة الْوَصْل أَيْ تَبَاطَأْتُمْ وَمِلْتُمْ عَنْ الْجِهَاد "إلَى الْأَرْض" وَالْقُعُود فِيهَا "أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا" وَلَذَّاتهَا وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّوْبِيخِ "مِنْ الْآخِرَة" أَيْ بَدَل نَعِيمهَا "فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي" جَنْب مَتَاع "الْآخِرَة إلَّا قَلِيل" حَقِير
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
"إلَّا" بِإِدْغَامِ لَا فِي نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي الْمَوْضِعَيْنِ "تَنْفِرُوا" تَخْرُجُوا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجِهَادِ "يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" مُؤْلِمًا "وَيَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ" أَيْ يَأْتِ بِهِمْ بَدَلكُمْ "وَلَا تَضُرُّوهُ" أَيْ اللَّه أَوْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "شَيْئًا" بِتَرْكِ نَصْره فَإِنَّ اللَّه نَاصِر دِينه "وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" وَمِنْهُ نَصْر دِينه وَنَبِيّه
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
"إلَّا تَنْصُرُوهُ" أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه إذْ" حِين "أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا" مِنْ مَكَّة أَيْ أَلْجَئُوهُ إلَى الْخُرُوج لَمَّا أَرَادُوا قَتْله أَوْ حَبْسه أَوْ نَفْيه بِدَارِ النَّدْوَة "ثَانِي اثْنَيْنِ" حَال أَيْ أَحَد اثْنَيْنِ وَالْآخَر أَبُو بَكْر - الْمَعْنَى نَصَرَهُ اللَّه فِي مِثْل تِلْكَ الْحَالَة فَلَا يَخْذُلهُ فِي غَيْرهَا - "إذْ" بَدَل مِنْ إذْ قَبْله "هُمَا فِي الْغَار" نَقْب فِي جَبَل ثَوْر "إذْ" بَدَل ثَانٍ "يَقُول لِصَاحِبِهِ" أَبِي بَكْر وَقَدْ قَالَ لَهُ لَمَّا رَأَى أَقْدَام الْمُشْرِكِينَ : لَوْ نَظَرَ أَحَدهمْ تَحْت قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا "لَا تَحْزَن إنَّ اللَّه مَعَنَا" بِنَصْرِهِ "فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته" طُمَأْنِينَته "عَلَيْهِ" قِيلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ عَلَى أَبِي بَكْر "وَأَيَّدَهُ" أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا" مَلَائِكَة فِي الْغَار وَمَوَاطِن قِتَاله "وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا" أَيْ دَعْوَة الشِّرْك "السُّفْلَى" الْمَغْلُوبَة "وَكَلِمَة اللَّه" أَيْ كَلِمَة الشَّهَادَة "هِيَ الْعُلْيَا" الظَّاهِرَة الْغَالِبَة "وَاَللَّه عَزِيز" فِي مُلْكه "حَكِيم" فِي صُنْعه
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
"انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا" نَشَاطًا وَغَيْر نَشَاط وَقِيلَ أَقْوِيَاء وَضُعَفَاء أَوْ أَغْنِيَاء وَفُقَرَاء وَهِيَ مَنْسُوخَة بِآيَةِ "لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء" "وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ فِي سَبِيل اللَّه ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" أَنَّهُ خَيْر لَكُمْ فَلَا تَثَّاقَلُوا
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
"لَوْ كَانَ" مَا دَعَوْتهمْ إلَيْهِ , وَنَزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا "عَرَضًا" مَتَاعًا مِنْ الدُّنْيَا "قَرِيبًا" سَهْل الْمَأْخَذ "وَسَفَرًا قَاصِدًا" وَسَطًا "لَاتَّبَعُوك" طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ "وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّة" الْمَسَافَة فَتَخَلَّفُوا "وَسَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ" إذَا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ "لَوْ اسْتَطَعْنَا" الْخُرُوج "لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسهمْ" بِالْحَلِفِ الْكَاذِب "وَاَللَّه يَعْلَم إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" فِي قَوْلهمْ ذَلِكَ
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ
وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ فِي التَّخَلُّف بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ فَنَزَلَ عِتَابًا لَهُ وَقَدَّمَ الْعَفْو تَطْمِينًا لِقَلْبِهِ "عَفَا اللَّه عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ" فِي التَّخَلُّف وَهَلَّا تَرَكْتهمْ, "حَتَّى يَتَبَيَّن لَك الَّذِينَ صَدَقُوا" فِي الْعُذْر "وَتَعْلَم الْكَاذِبِينَ" فِيهِ
لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)
لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
"لَا يَسْتَأْذِنك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر" فِي التَّخَلُّف عَنْ "أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ "
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
"إنَّمَا يَسْتَأْذِنك" فِي التَّخَلُّف "الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَارْتَابَتْ" شَكَّتْ "قُلُوبهمْ" فِي الدِّين "فَهُمْ فِي رَيْبهمْ يَتَرَدَّدُونَ" يَتَحَيَّرُونَ
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ
"وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوج" مَعَك "لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة" أُهْبَة مِنْ الْآلَة وَالزَّاد "وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّه انْبِعَاثهمْ" أَيْ لَمْ يُرِدْ خُرُوجهمْ "فَثَبَّطَهُمْ" كَسَّلَهُمْ "وَقِيلَ" وَقِيلَ لَهُمْ "اُقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ" الْمَرْضَى وَالنِّسَاء وَالصِّبْيَان أَيْ قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
"لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا" فَسَادُوا بِتَخْذِيلِ الْمُؤْمِنِينَ "وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ" أَيْ أَسْرَعُوا بَيْنكُمْ بِالْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ "يَبْغُونَكُمْ" يَطْلُبُونَ لَكُمْ "الْفِتْنَة" بِإِلْقَاءِ الْعَدَاوَة "وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ" مَا يَقُولُونَ سَمَاع قَبُول
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
"لَقَدْ ابْتَغَوْا" لَك "الْفِتْنَة مِنْ قَبْل" أَوَّل مَا قَدِمْت الْمَدِينَة "وَقَلَبُوا لَك الْأُمُور" أَيْ أَجَالُوا الْفِكْر فِي كَيْدك وَإِبْطَال دِينك "حَتَّى جَاءَ الْحَقّ" النَّصْر "وَظَهَرَ" عَزَّ "أَمْر اللَّه" دِينه "وَهُمْ كَارِهُونَ" لَهُ فَدَخَلُوا فِيهِ ظَاهِرًا
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ
"وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول ائْذَنْ لِي" فِي التَّخَلُّف "وَلَا تَفْتِنِّي" وَهُوَ الْجَدّ بْن قَيْس قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "هَلْ لَك فِي جَلَّاد بَنِي الْأَصْفَر ؟" فَقَالَ : إنِّي مُغْرَم بِالنِّسَاءِ وَأَخْشَى إنْ رَأَيْت نِسَاء بَنِي الْأَصْفَر أَنْ لَا أَصْبِر عَنْهُنَّ فَأُفْتَتَن "أَلَا فِي الْفِتْنَة سَقَطُوا" بِالتَّخَلُّفِ وَقُرِئَ سَقَطَ "وَإِنَّ جَهَنَّم لَمُحِيطَة بِالْكَافِرِينَ" لَا مَحِيص لَهُمْ عَنْهَا
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ
"إنْ تُصِبْك حَسَنَة" كَنَصْرٍ وَغَنِيمَة "تَسُوءهُمْ وَإِنْ تُصِبْك مُصِيبَة" شِدَّة "يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرنَا" بِالْحَزْمِ حِين تَخَلَّفْنَا "مِنْ قَبْل" قَبْل هَذِهِ الْمَعْصِيَة "وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ" بِمَا أَصَابَك
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
"قُلْ" لَهُمْ "لَنْ يُصِيبنَا إلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا" إصَابَته "هُوَ مَوْلَانَا" نَاصِرنَا وَمُتَوَلِّي أُمُورنَا
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ
"قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ" فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ الْأَصْل أَيْ تَنْتَظِرُونَ أَنْ يَقَع "بِنَا إلَّا إحْدَى" الْعَاقِبَتَيْنِ "الْحُسْنَيَيْنِ" تَثْنِيَة حُسْنَى تَأْنِيث أَحْسَن : النَّصْر أَوْ الشَّهَادَة "وَنَحْنُ نَتَرَبَّص" نَنْتَظِر "بِكُمْ أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده" بِقَارِعَةٍ مِنْ السَّمَاء "أَوْ بِأَيْدِينَا" بِأَنْ يُؤْذِن لَنَا فِي قِتَالكُمْ "فَتَرَبَّصُوا" بِنَا ذَلِكَ "إنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ" عَاقِبَتكُمْ
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ
"قُلْ أَنْفِقُوا" فِي طَاعَة اللَّه "طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّل مِنْكُمْ" مَا أَنْفَقْتُمُوهُ وَالْأَمْر هُنَا بِمَعْنَى الْخَبَر
وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)
وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ
"وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَل" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إلَّا" فَاعِل وَأَنْ تُقْبَل مَفْعُول "كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إلَّا وَهُمْ كُسَالَى" مُتَثَاقِلُونَ "وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ" النَّفَقَة لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهَا مَغْرَمًا
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ
"فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ" أَيْ لَا تَسْتَحْسِن نِعَمنَا عَلَيْهِمْ فَهِيَ اسْتِدْرَاج "إنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ" أَيْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ "بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا" بِمَا يَلْقَوْنَ فِي جَمْعهَا مِنْ الْمَشَقَّة وَفِيهَا مِنْ الْمَصَائِب "وَتَزْهَق" تَخْرُج "أَنْفُسهمْ وَهُمْ كَافِرُونَ" فَيُعَذِّبهُمْ فِي الْآخِرَة أَشَدّ الْعَذَاب
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ
"وَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ إنَّهُمْ لِمِنْكُمْ" أَيْ مُؤْمِنُونَ "وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْم يَفْرُقُونَ" يَخَافُونَ أَنْ تَفْعَلُوا بِهِمْ كَالْمُشْرِكِينَ فَيَحْلِفُونَ تَقِيَّة
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
"لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ" يَلْجَئُونَ إلَيْهِ "أَوْ مَغَارَات" سَرَادِيب "أَوْ مُدَّخَلًا" مَوْضِعًا يَدْخُلُونَهُ "لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ" يُسْرِعُونَ فِي دُخُوله وَالِانْصِرَاف عَنْكُمْ إسْرَاعًا لَا يَرُدّهُ شَيْء كَالْفَرَسِ الْجَمُوح
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
"وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك" يَعِيبك "فِي" قَسْم
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ
"وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّه وَرَسُوله" مِنْ الْغَنَائِم وَنَحْوهَا "وَقَالُوا حَسْبنَا" كَافِينَا "اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْله وَرَسُوله" مِنْ غَنِيمَة أُخْرَى مَا يَكْفِينَا "إنَّا إلَى اللَّه رَاغِبُونَ" أَنْ يُغْنِينَا وَجَوَاب لَوْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
"إنَّمَا الصَّدَقَات" الزَّكَوَات مَصْرُوفَة "لِلْفُقَرَاءِ" الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَع مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتهمْ "وَالْمَسَاكِين" الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ "وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا" أَيْ الصَّدَقَات مِنْ جَابٍ وَقَاسِم وَكَاتِب وَحَاشِر "وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ" لِيُسْلِمُوا أَوْ يَثْبُت إسْلَامهمْ أَوْ يَسْلَم نُظَرَاؤُهُمْ أَوْ يَذُبُّوا عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَقْسَام الْأَوَّل وَالْأَخِير لَا يُعْطِيَانِ الْيَوْم عِنْد الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ لِعَزِّ الْإِسْلَام بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ فَيُعْطِيَانِ عَلَى الْأَصَحّ "وَفِي" فَكّ "الرِّقَاب" أَيْ الْمُكَاتَبِينَ "وَالْغَارِمِينَ" أَهْل الدِّين إنْ اسْتَدَانُوا لِغَيْرِ مَعْصِيَة أَوْ تَابُوا وَلَيْسَ لَهُمْ وَفَاء أَوْ لِإِصْلَاحِ ذَات الْبَيْن وَلَوْ أَغْنِيَاء "وَفِي سَبِيل اللَّه" أَيْ الْقَائِمِينَ بِالْجِهَادِ مِمَّنْ لَا فَيْء لَهُمْ وَلَوْ أَغْنِيَاء "وَابْن السَّبِيل" الْمُنْقَطِع فِي سَفَره "فَرِيضَة" نُصِبَ بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر "مِنْ اللَّه وَاَللَّه عَلِيم" بِخَلْقِهِ "حَكِيم" فِي صُنْعه فَلَا يَجُوز صَرْفهَا لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ وَلَا مَنْع صِنْف مِنْهُمْ إذَا وُجِدَ فَيَقْسِمهَا الْإِمَام عَلَيْهِمْ عَلَى السَّوَاء وَلَهُ تَفْضِيل بَعْض آحَاد الصِّنْف عَلَى بَعْض وَأَفَادَتْ اللَّام وُجُوب اسْتِغْرَاق أَفْرَاده لَكِنْ لَا يَجِب عَلَى صَاحِب الْمَال إذَا قَسَمَ لِعُسْرِهِ بَلْ يَكْفِي إعْطَاء ثَلَاثَة مِنْ كُلّ صِنْف وَلَا يَكْفِي دُونهَا كَمَا أَفَادَتْهُ صِيغَة الْجَمْع وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ شَرْط الْمُعْطَى مِنْهَا الْإِسْلَام وَأَنْ لَا يَكُون هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
"وَمِنْهُمْ" أَيْ الْمُنَافِقِينَ "الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيّ" بِعَيْبِهِ وَبِنَقْلِ حَدِيثه "وَيَقُولُونَ" إذَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُبَلِّغهُ "هُوَ أُذُن" أَيْ يَسْمَع كُلّ قَيْل وَيَقْبَلهُ فَإِذَا حَلَفْنَا لَهُ أَنَّا لَمْ نَقُلْ صَدَّقْنَا "قُلْ" هُوَ "أُذُن" مُسْتَمِع "خَيْر لَكُمْ" لَا مُسْتَمِع شَرّ "يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَيُؤْمِن" يُصَدِّق "لِلْمُؤْمِنِينَ" فِيمَا أَخْبَرُوهُ بِهِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَاللَّام زَائِدَة لِلْفَرَقِ بَيْن إيمَان التَّسْلِيم وَغَيْره "وَرَحْمَة" بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أُذُن وَالْجَرّ عَطْفًا عَلَى خَيْر
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ
"يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ" أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُمْ مِنْ أَذَى الرَّسُول أَنَّهُمْ مَا أَتَوْهُ "لِيُرْضُوكُمْ وَاَللَّه وَرَسُوله أَحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ" بِالطَّاعَةِ وَتَوْحِيد الضَّمِير لِتَلَازُمِ الرِّضَاءَيْنِ أَوْ خَبَر اللَّه وَرَسُوله مَحْذُوف "إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ" حَقًّا
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ
"أَلَمْ يَعْلَمُوا" بِ "أَنَّهُ" أَيْ الشَّأْن "مَنْ يُحَادِدْ" يُشَاقِقْ "اللَّه وَرَسُوله فَإِنَّ لَهُ نَار جَهَنَّم" جَزَاء
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ
"يَحْذَر" يَخَاف "المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ" أَيْ الْمُؤْمِنِينَ "سُورَة تُنَبِّئهُمْ بِمَا فِي قُلُوبهمْ" مِنْ النِّفَاق وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَسْتَهْزِئُونَ "قُلْ اسْتَهْزِئُوا" أَمْر تَهْدِيد "إنَّ اللَّه مُخْرِج" مُظْهِر "مَا تَحْذَرُونَ" إخْرَاجه مِنْ نِفَاقكُمْ
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
"وَلَئِنْ" لَام قَسَم "سَأَلْتهمْ" عَنْ اسْتِهْزَائِهِمْ بِك وَالْقُرْآن وَهُمْ سَائِرُونَ مَعَك إلَى تَبُوك "لَيَقُولُنَّ" مُعْتَذِرِينَ "إنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب" فِي الْحَدِيث لِنَقْطَع بِهِ الطَّرِيق وَلَمْ نَقْصِد ذَلِكَ "قُلْ" لَهُمْ
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
"لَا تَعْتَذِرُوا" عَنْهُ "قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْد إيمَانكُمْ" أَيْ ظَهَرَ كُفْركُمْ بَعْد إظْهَار الْإِيمَان "إنْ يُعْفَ" بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَالنُّون مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ "عَنْ طَائِفَة مِنْكُمْ" بِإِخْلَاصِهَا وَتَوْبَتهَا كَجَحْشِ بْن حِمْيَر "نُعَذِّب" بِالتَّاءِ وَالنُّون "طَائِفَة بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ" مُصِرِّينَ عَلَى النِّفَاق وَالِاسْتِهْزَاء
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
"الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضهمْ مِنْ بَعْض" أَيْ مُتَشَابِهُونَ فِي الدِّين كَأَبْعَاضِ الشَّيْء الْوَاحِد "يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ" الْكُفْر وَالْمَعَاصِي "وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوف" الْإِيمَان وَالطَّاعَة "وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيهمْ" عَنْ الْإِنْفَاق فِي الطَّاعَة "نَسُوا اللَّه" تَرَكُوا طَاعَته "فَنَسِيَهُمْ" تَرَكَهُمْ مِنْ لُطْفه
وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)
وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ
"وَعَدَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات وَالْكُفَّار نَار جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبهمْ" جَزَاء وَعِقَابًا "وَلَعَنَهُمْ اللَّه" أَبْعَدهمْ عَنْ رَحْمَته "وَلَهُمْ عَذَاب مُقِيم" دَائِم
كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)
كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ "كَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ كَانُوا أَشَدّ مِنْكُمْ قُوَّة وَأَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا" تَمَتَّعُوا "بِخَلَاقِهِمْ" نَصِيبهمْ مِنْ الدُّنْيَا "فَاسْتَمْتَعْتُمْ" أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ "بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ" فِي الْبَاطِل وَالطَّعْن فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَاَلَّذِي خَاضُوا" أَيْ كَخَوْضِهِمْ
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
"أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأ" خَبَر "الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ قَوْم نُوح وَعَاد" قَوْم هُود "وَثَمُود" قَوْم صَالِح "وَقَوْم إبْرَاهِيم وَأَصْحَاب مَدْيَن" قَوْم شُعَيْب "وَالْمُؤْتَفِكَات" قُرَى قَوْم لُوط أَيْ أَهْلهَا "أَتَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ" بِالْمُعْجِزَاتِ فَكَذَبُوهُمْ فَأُهْلِكُوا "فَمَا كَانَ اللَّه لِيَظْلِمهُمْ" بِأَنْ يُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ ذَنْب "وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ" بِارْتِكَابِ الذَّنْب
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَيُطِيعُونَ اللَّه وَرَسُوله أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّه إنَّ اللَّه عَزِيز" لَا يُعْجِزهُ شَيْء عَنْ إنْجَاز وَعْده وَوَعِيده "حَكِيم" لَا يَضَع شَيْئًا إلَّا فِي مَحَلّه
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
"وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِن طَيِّبَة فِي جَنَّات عَدْن" إقَامَة "وَرِضْوَان مِنْ اللَّه أَكْبَر" أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ كُلّه
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
"يَا أَيّهَا النَّبِيّ جَاهِد الْكُفَّار" بِالسَّيْفِ "وَالْمُنَافِقِينَ" بِاللِّسَانِ وَالْحُجَّة "وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ" بِالِانْتِهَارِ وَالْمَقْت "وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير" الْمَرْجِع هِيَ
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
"يَحْلِفُونَ" أَيْ الْمُنَافِقُونَ "بِاَللَّهِ مَا قَالُوا" مَا بَلَغَك عَنْهُمْ مِنْ السَّبّ "وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَة الْكُفْر وَكَفَرُوا بَعْد إسْلَامهمْ" أَظْهَرُوا الْكُفْر بَعْد إظْهَار الْإِسْلَام "وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا" مِنْ الْفَتْك بِالنَّبِيِّ لَيْلَة الْعَقَبَة عِنْد عَوْده مِنْ تَبُوك وَهُمْ بَضْعَة عَشَرَ رَجُلًا فَضَرَبَ عَمَّار بْن يَاسِر وُجُوه الرَّوَاحِل لَمَّا غَشُوهُ فَرُدُّوا "وَمَا نَقَمُوا" أَنْكَرُوا "إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّه وَرَسُوله مِنْ فَضْله" بِالْغَنَائِمِ بَعْد شِدَّة حَاجَتهمْ ; الْمَعْنَى لَمْ يَنَلْهُمْ مِنْهُ إلَّا هَذَا وَلَيْسَ مِمَّا يَنْقِم "فَإِنْ يَتُوبُوا" عَنْ النِّفَاق وَيُؤْمِنُوا بِك "يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا" عَنْ الْإِيمَان "يُعَذِّبهُمْ اللَّه عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا" بِالْقَتْلِ "وَالْآخِرَة" بِالنَّارِ "وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْض مِنْ وَلِيّ" يَحْفَظهُمْ مِنْهُ "وَلَا نَصِير" يَمْنَعهُمْ
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ
"وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّه لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْله لَنَصَّدَّقَنَّ" فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الصَّاد "وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ" وَهُوَ ثَعْلَبَة بْن حَاطِب سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُو لَهُ أَنْ يَرْزُقهُ اللَّه مَالًا وَيُؤَدِّي مِنْهُ كُلّ ذِي حَقّ حَقّه فَدَعَا لَهُ فَوَسَّعَ عَلَيْهِ فَانْقَطَعَ عَنْ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَمَنَعَ الزَّكَاة
فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ
"فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْله بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا" عَنْ طَاعَة اللَّه
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
"فَأَعْقَبَهُمْ" أَيْ فَصَيَّرَ عَاقِبَتهمْ "نِفَاقًا" ثَابِتًا "فِي قُلُوبهمْ إلَى يَوْم يَلْقَوْنَهُ" أَيْ اللَّه وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة فَجَاءَ بَعْد ذَلِكَ إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاتِهِ فَقَالَ : إنَّ اللَّه مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْك فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرَاب عَلَى رَأْسه ثُمَّ جَاءَ إلَى أَبِي بَكْر فَلَمْ يَقْبَلهَا ثُمَّ إلَى عُمَر فَلَمْ يَقْبَلهَا ثُمَّ إلَى عُثْمَان فَلَمْ يَقْبَلهَا وَمَاتَ فِي زَمَانه
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
"أَلَمْ يَعْلَمُوا" أَيْ الْمُنَافِقُونَ "أَنَّ اللَّه يَعْلَم سِرّهمْ" مَا أَسَرُّوهُ فِي أَنْفُسهمْ "وَنَجْوَاهُمْ" مَا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنهمْ "وَأَنَّ اللَّه عَلَّام الْغُيُوب" مَا غَابَ عَنْ الْعِيَان , وَلَمَّا نَزَلَتْ آيَة الصَّدَقَة جَاءَ رَجُل فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِير فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : مُرَاءٍ وَجَاءَ رَجُل فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُوا : إنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ صَدَقَة هَذَا فَنَزَلَ
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
"الَّذِينَ" مُبْتَدَأ "يَلْمِزُونَ" يَعِيبُونَ "الْمُطَّوِّعِينَ" الْمُتَنَفِّلِينَ "مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَات وَاَلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلَّا جُهْدهمْ" طَاقَتهمْ فَيَأْتُونَ بِهِ "فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ" وَالْخَبَر "سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ" جَازَاهُمْ عَلَى سُخْرِيَتهمْ
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
"اسْتَغْفِرْ" يَا مُحَمَّد "لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِر لَهُمْ" تَخْيِير لَهُ فِي الِاسْتِغْفَار وَتَرْكه قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت يَعْنِي الِاسْتِغْفَار" رَوَاهُ الْبُخَارِيّ "إنْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة فَلَنْ يَغْفِر اللَّه لَهُمْ" قِيلَ الْمُرَاد بِالسَّبْعِينَ الْمُبَالَغَة فِي كَثْرَة الِاسْتِغْفَار وَفِي الْبُخَارِيّ حَدِيث "لَوْ أَعْلَم أَنِّي لَوْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَزِدْت عَلَيْهَا" وَقِيلَ الْمُرَاد الْعَدَد الْمَخْصُوص لِحَدِيثِهِ أَيْضًا وَسَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَفَبَيَّنَ لَهُ حَسْم الْمَغْفِرَة بِآيَةِ "سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْت لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ"
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
"فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ" عَنْ تَبُوك "بِمَقْعَدِهِمْ" أَيْ بِقُعُودِهِمْ "خِلَاف" أَيْ بَعْد "رَسُول اللَّه وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَقَالُوا" أَيْ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ "لَا تَنْفِرُوا" تَخْرُجُوا إلَى الْجِهَاد "فِي الْحَرّ قُلْ نَار جَهَنَّم أَشَدّ حَرًّا" مِنْ تَبُوك فَالْأَوْلَى أَنْ يَتَّقُوهَا بِتَرْكِ التَّخَلُّف "لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ" يَعْلَمُونَ ذَلِكَ مَا تَخَلَّفُوا
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
"فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا" فِي الدُّنْيَا "وَلْيَبْكُوا" فِي الْآخِرَة وَهُوَ خَبَر عَنْ حَالهمْ بِصِيغَةِ الْأَمْر
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ
"فَإِنْ رَجَعَك" رَدَّك "اللَّه" مِنْ تَبُوك "إلَى طَائِفَة مِنْهُمْ" مِمَّنْ تَخَلَّفَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ "فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ" مَعَك إلَى غَزْوَة أُخْرَى "فَقُلْ" لَهُمْ "لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّل مَرَّة فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ" الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْغَزْو مِنْ النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَغَيْرهمْ
وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)
وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ
وَلَمَّا صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْن أُبَيٍّ نَزَلَ "وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره" لِدَفْنٍ أَوْ زِيَارَة "إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ" كَافِرُونَ
وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)
وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ
"وَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ إنَّمَا يُرِيد اللَّه أَنْ يُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَق" تَخْرُج
وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)
وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ
"وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة" أَيْ طَائِفَة مِنْ الْقُرْآن "أَنْ" أَيْ بِأَنْ "آمِنُوا بِاَللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُوله اسْتَأْذَنَك أُولُو الطَّوْل" ذَوُو الْغِنَى
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ
"رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف" جَمْع خَالِفَة أَيْ النِّسَاء اللَّاتِي تَخَلَّفْنَ فِي الْبُيُوت "وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ" الْخَيْر
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
"لَكِنْ الرَّسُول وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ وَأُولَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَات" فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة "وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" أَيْ الْفَائِزُونَ
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
"وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ" بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي الدَّال أَيْ الْمُعْتَذِرُونَ بِمَعْنَى الْمَعْذُورِينَ وَقُرِئَ بِهِ "مِنْ الْأَعْرَاب" إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لِيُؤْذَن لَهُمْ" فِي الْقُعُود لِعُذْرِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ "وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّه وَرَسُوله" فِي ادِّعَاء الْإِيمَان مِنْ مُنَافِقِي الْأَعْرَاب عَنْ الْمَجِيء لِلِاعْتِذَارِ
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
"لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء" كَالشُّيُوخِ "وَلَا عَلَى الْمَرْضَى" كَالْعُمْيِ .
وَالزَّمْنَى "وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ" فِي الْجِهَاد "حَرَج" إثْم فِي التَّخَلُّف عَنْهُ "إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُوله" فِي حَال قُعُودهمْ بِعَدَمِ الْإِرْجَاف وَالتَّثْبِيط وَالطَّاعَة "مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ" بِذَلِكَ "مِنْ سَبِيل" طَرِيق بِالْمُؤَاخَذَةِ "وَاَللَّه غَفُور" لَهُمْ "رَحِيم" بِهِمْ فِي التَّوْسِعَة فِي ذَلِكَ
وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)
وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ
"وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ" مَعَك إلَى الْغَزْو وَهُمْ سَبْعَة مِنْ الْأَنْصَار وَقِيلَ بَنُو مُقْرِن "قُلْت لَا أَجِد مَا أَحْمِلكُمْ عَلَيْهِ" حَال "تَوَلَّوْا" جَوَاب إذَا أَيْ انْصَرَفُوا "وَأَعْيُنهمْ تَفِيض" تَسِيل "مِنْ" لِلْبَيَانِ "الدَّمْع حَزَنًا" لِأَجْلِ "أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ" فِي الْجِهَاد
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
"إنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك" فِي التَّخَلُّف "وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف وَطَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" تَقَدَّمَ مِثْله
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
"يَعْتَذِرُونَ إلَيْكُمْ" فِي التَّخَلُّف "إذَا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ" مِنْ الْغَزْو "قُلْ" لَهُمْ "لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِن لَكُمْ" نُصَدِّقكُمْ "قَدْ نَبَّأَنَا اللَّه مِنْ أَخْبَاركُمْ" أَيْ أَخْبَرَنَا بِأَحْوَالِكُمْ "وَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله ثُمَّ تُرَدُّونَ" بِالْبَعْثِ "إلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة" أَيْ اللَّه "فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
"سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ" رَجَعْتُمْ "إلَيْهِمْ" مِنْ تَبُوك أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ فِي التَّخَلُّف "لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ" بِتَرْكِ الْمُعَاتَبَة "فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إنَّهُمْ رِجْس" قَذَر لِخُبْثِ بَاطِنهمْ
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ
"يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّه لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْم الْفَاسِقِينَ" أَيْ عَنْهُمْ وَلَا يَنْفَع رِضَاكُمْ مَعَ سَخَط اللَّه
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
"الْأَعْرَاب" أَهْل الْبَدْو "أَشَدّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" مِنْ أَهْل الْمُدُن لِجَفَائِهِمْ وَغِلَظ طِبَاعهمْ وَبُعْدهمْ عَنْ سَمَاع الْقُرْآن "وَأَجْدَر" أَوْلَى "أَن" أَيْ بِأَنْ "لَا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله" مِنْ الْأَحْكَام وَالشَّرَائِع "وَاَللَّه عَلِيم" بِخَلْقِهِ "حَكِيم" فِي صُنْعه بِهِمْ
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
"وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يَتَّخِذ مَا يُنْفِق" فِي سَبِيل اللَّه "مَغْرَمًا" غَرَامَة وَخُسْرَانًا لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو ثَوَابه بَلْ يُنْفِقهُ خَوْفًا وَهُمْ بَنُو أَسَد وَغَطَفَان "وَيَتَرَبَّص" يَنْتَظِر "بِكُمْ الدَّوَائِر" دَوَائِر الزَّمَان أَنْ تَنْقَلِب عَلَيْكُمْ فَيَتَخَلَّص "عَلَيْهِمْ دَائِرَة السُّوء" بِالضَّمِّ وَالْفَتْح أَيْ يَدُور الْعَذَاب وَالْهَلَاك عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْكُمْ "وَاَللَّه سَمِيع" لِأَقْوَالِ عِبَاده "عَلِيم" بِأَفْعَالِهِمْ
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
"وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر" كَجُهَيْنَة وَمُزَيْنَةَ "وَيَتَّخِذ مَا يُنْفِق" فِي سَبِيل اللَّه "قُرُبَات" تُقَرِّبهُ "عِنْد اللَّه" وَسِيلَة إلَى "وَصَلَوَات" دَعَوَات "الرَّسُول" لَهُ "أَلَا إنَّهَا" أَيْ نَفَقَتهمْ "قُرْبَة" بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُونهَا "لَهُمْ" عِنْده "سَيُدْخِلُهُمْ اللَّه فِي رَحْمَته" جَنَّته "إنَّ اللَّه غَفُور" لِأَهْلِ طَاعَته "رَحِيم" بِهِمْ
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
"وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار" وَهُمْ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا أَوْ جَمِيع الصَّحَابَة "وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ" إلَى يَوْم الْقِيَامَة "بِإِحْسَانٍ" فِي الْعَمَل "رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ" بِطَاعَتِهِ "وَرَضُوا عَنْهُ" بِثَوَابِهِ "وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتهَا الْأَنْهَار" وَفِي قِرَاءَة بِزِيَادَةِ مِنْ
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ
"وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ" يَا أَهْل الْمَدِينَة "مِنْ الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ" كَأَسْلَم وَأَشْجَع وَغِفَار "وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة" مُنَافِقُونَ أَيْضًا "مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق" لَجُّوا فِيهِ وَاسْتَمَرُّوا "لَا تَعْلَمهُمْ" بِالْفَضِيحَةِ أَوْ الْقَتْل فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر " ثُمَّ يُرَدُّونَ" فِي الْآخِرَة "إلَى عَذَاب عَظِيم" هُوَ النَّار
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
"و" قَوْم "آخَرُونَ" مُبْتَدَأ "اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ" مِنْ التَّخَلُّف نَعْته وَالْخَبَر "خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا" وَهُوَ جِهَادهمْ قَبْل ذَلِكَ أَوْ اعْتِرَافهمْ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ غَيْر ذَلِكَ "وَآخَر سَيِّئًا" وَهُوَ تَخَلُّفهمْ "عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم" نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة وَجَمَاعَة أَوْثَقُوا أَنْفُسهمْ فِي سَوَارِي الْمَسْجِد لَمَّا بَلَغَهُمْ مَا نَزَلَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ وَحَلَفُوا لَا يُحِلّهُمْ إلَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَّهُمْ لَمَّا نَزَلَتْ
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
"خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" مِنْ ذُنُوبهمْ فَأَخَذَ ثُلُث أَمْوَالهمْ وَتَصَدَّقَ بِهَا "وَصَلِّ عَلَيْهِمْ" أَيْ اُدْعُ لَهُمْ "إنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ" رَحْمَة وَقِيلَ طُمَأْنِينَة بِقَبُولِ تَوْبَتهمْ
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
"أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَأْخُذ" يَقْبَل وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ وَالْقَصْد بِهِ هُوَ تَهْيِيجهمْ إلَى التَّوْبَة وَالصَّدَقَة "الصَّدَقَات وَأَنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب" عَلَى عِبَاده بِقَبُولِ تَوْبَتهمْ "الرَّحِيم" بِهِمْ
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
"وَقُلْ" لَهُمْ أَوْ لِلنَّاسِ "اعْمَلُوا" مَا شِئْتُمْ "فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ" بِالْبَعْثِ "إلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة" أَيْ اللَّه "فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
"وَآخَرُونَ" مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ "مُرْجَئُونَ" بِالْهَمْزِ وَتَرْكه : مُؤَخَّرُونَ عَنْ التَّوْبَة "لِأَمْرِ اللَّه" فِيهِمْ بِمَا يَشَاء "إمَّا يُعَذِّبهُمْ" بِأَنْ يُمِيتهُمْ بِلَا تَوْبَة "وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ وَاَللَّه عَلِيم" بِخَلْقِهِ "حَكِيم" فِي صُنْعه بِهِمْ وَهُمْ الثَّلَاثَة الْآتُونَ بَعْد : مَرَارَة بْن الرَّبِيع وَكَعْب بْن مَالِك وَهِلَال بْن أُمَيَّة تَخَلَّفُوا كَسَلًا وَمَيْلًا إلَى الدَّعَة لَا نِفَاقًا وَلَمْ يَعْتَذِرُوا إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَغَيْرِهِمْ فَوَقَفَ أَمْرهمْ خَمْسِينَ لَيْلَة وَهَجَرَهُمْ النَّاس حَتَّى نَزَلَتْ تَوْبَتهمْ بَعْد
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
"و" مِنْهُمْ "الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا" وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ "ضِرَارًا" مُضَارَّة لِأَهْلِ مَسْجِد قُبَاءَ "وَكُفْرًا" لِأَنَّهُمْ بَنَوْهُ بِأَمْرِ أَبِي عَامِر الرَّاهِب لِيَكُونَ مَعْقِلًا لَهُ يَقْدُم فِيهِ مَنْ يَأْتِي مِنْ عِنْده وَكَانَ ذَهَبَ لِيَأْتِيَ بِجُنُودٍ مِنْ قَيْصَر لِقِتَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ" الَّذِينَ يُصَلُّونَ بِقُبَاءَ بِصَلَاةِ بَعْضهمْ فِي مَسْجِدهمْ "وَإِرْصَادًا" تَرَقُّبًا "لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل بِنَائِهِ وَهُوَ أَبُو عَامِر الْمَذْكُور "وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ" مَا "أَرَدْنَا" بِبِنَائِهِ "إلَّا" الْفِعْلَة "الْحُسْنَى" مِنْ الرِّفْق بِالْمِسْكِينِ فِي الْمَطَر وَالْحَرّ وَالتَّوْسِعَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ "وَاَللَّه يَشْهَد إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" فِي ذَلِكَ وَكَانُوا سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّي فِيهِ فَنَزَلَ
لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)
لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
"لَا تَقُمْ" تُصَلِّ "فِيهِ أَبَدًا" فَأَرْسَلَ جَمَاعَة هَدَمُوهُ وَحَرَّقُوهُ وَجَعَلُوا مَكَانه كُنَاسَة تُلْقَى فِيهَا الْجِيَف "لَمَسْجِد أُسِّسَ" بُنِيَتْ قَوَاعِده "عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم" وُضِعَ يَوْم حَلَلْت بِدَارِ الْهِجْرَة وَهُوَ مَسْجِد قُبَاءَ كَمَا فِي الْبُخَارِيّ "أَحَقّ" مِنْهُ "أَنْ" أَيْ بِأَنْ "تَقُوم" تُصَلِّي "فِيهِ فِيهِ رِجَال" هُمْ الْأَنْصَار "يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِّرِينَ" أَيْ يُثِيبهُمْ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الطَّاء رَوَى ابْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه عَنْ عُوَيْمِر بْن سَاعِدَة : "أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَسْجِد قُبَاءَ فَقَالَ : إنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاء فِي الطَّهُور فِي قِصَّة مَسْجِدكُمْ فَمَا هَذَا الطَّهُور الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ ؟ قَالُوا : وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه مَا نَعْلَم شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَان مِنْ الْيَهُود وَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارهمْ مِنْ الْغَائِط فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا" وَفِي حَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فَقَالُوا نَتْبَع الْحِجَارَة بِالْمَاءِ "فَقَالَ هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ"
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
"أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى" مَخَافَة "مِنْ اللَّه وَ" رَجَاء "رِضْوَان" مِنْهُ "خَيْر أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى شَفَا" طَرَف "جُرُف" بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُونهَا جَانِب "هَار" مُشْرِف عَلَى السُّقُوط "فَانْهَارَ بِهِ" سَقَطَ مَعَ بَانِيه "فِي نَار جَهَنَّم" خَيْر تَمْثِيل لِلْبِنَاءِ عَلَى ضِدّ التَّقْوَى بِمَا يُؤَوَّل إلَيْهِ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ أَيْ الْأَوَّل خَيْر وَهُوَ مِثَال مَسْجِد قُبَاءَ وَالثَّانِي مِثَال مَسْجِد الضِّرَار
لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
"لَا يَزَال بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة" شَكًّا "فِي قُلُوبهمْ إلَّا أَنْ تَقَطَّعَ" تَنْفَصِل "قُلُوبهمْ" بِأَنْ يَمُوتُوا "وَاَللَّه عَلِيم" بِخَلْقِهِ "حَكِيم" فِي صُنْعه بِهِمْ
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
"إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ" بِأَنْ يَبْذُلُوهَا فِي طَاعَته كَالْجِهَادِ "بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" جُمْلَة اسْتِئْنَاف بَيَان لِلشِّرَاءِ وَفِي قِرَاءَة بِتَقْدِيمِ الْمَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ فَيُقْتَل بَعْضهمْ وَيُقَاتِل الْبَاقِي "وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا" مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمَحْذُوف "فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه" أَيْ لَا أَحَد أَوْفَى مِنْهُ "فَاسْتَبْشِرُوا" فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة "بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِك" الْبَيْع "هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم" الْمُنِيل غَايَة الْمَطْلُوب
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
"التَّائِبُونَ" رُفِعَ عَلَى الْمَدْح بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأ مِنْ الشِّرْك وَالنِّفَاق "الْعَابِدُونَ" الْمُخْلِصُونَ الْعِبَادَة لِلَّهِ "الْحَامِدُونَ" لَهُ عَلَى كُلّ حَال "السَّائِحُونَ" الصَّائِمُونَ "الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ" أَيْ الْمُصَلُّونَ "الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه" لِأَحْكَامِهِ بِالْعَمَلِ بِهَا "وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ" بِالْجَنَّةِ
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
وَنَزَلَ فِي اسْتِغْفَاره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِب اسْتِغْفَار بَعْض الصَّحَابَة لِأَبَوَيْهِ الْمُشْرِكَيْنِ "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى" ذَوِي قُرْبَى "مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم" النَّار بِأَنْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْر
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ
"وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إيَّاهُ" بِقَوْلِهِ "سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي" رَجَاء أَنْ يُسْلِم "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ" بِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْر "تَبَرَّأَ مِنْهُ" وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ "إنَّ إبْرَاهِيم لَأَوَّاه" كَثِير التَّضَرُّع وَالدُّعَاء "حَلِيم" صَبُور عَلَى الْأَذَى
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
"وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْد إذْ هَدَاهُمْ" لِلْإِسْلَامِ "حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ" مِنْ الْعَمَل فَلَا يَتَّقُوهُ فَيَسْتَحِقُّوا الْإِضْلَال "إنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم" وَمِنْهُ مُسْتَحِقّ الْإِضْلَال وَالْهِدَايَة
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
"إنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض يُحْيِي وَيُمِيت وَمَا لَكُمْ" أَيّهَا النَّاس "مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "مِنْ وَلِيّ" يَحْفَظكُمْ مِنْهُ "وَلَا نَصِير" يَمْنَعكُمْ عَنْ ضَرَره
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
"لَقَدْ تَابَ اللَّه" أَيْ أَدَامَ تَوْبَته "عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة" أَيْ وَقْتهَا وَهِيَ حَالهمْ فِي غَزْوَة تَبُوك كَانَ الرَّجُلَانِ يَقْتَسِمَانِ تَمْرَة وَالْعَشَرَة يَعْتَقِبُونَ الْبَعِير الْوَاحِد وَاشْتَدَّ الْحَرّ حَتَّى شَرِبُوا الْفَرْث "مِنْ بَعْد مَا كَادَ يَزِيغ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء تَمِيل "قُلُوب فَرِيق مِنْهُمْ" عَنْ اتِّبَاعه إلَى التَّخَلُّف لِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ الشِّدَّة "ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ" بِالثَّبَاتِ
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
"وَ" تَابَ "عَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا" عَنْ التَّوْبَة عَلَيْهِمْ بِقَرِينَةِ "حَتَّى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ" أَيْ مَعَ رَحْبهَا أَيْ سِعَتهَا فَلَا يَجِدُونَ مَكَانًا يَطْمَئِنُّونَ إلَيْهِ "وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسهمْ" قُلُوبهمْ لِلْغَمِّ وَالْوَحْشَة بِتَأْخِيرِ تَوْبَتهمْ فَلَا يَسَعهَا سُرُور وَلَا أُنْس "وَظَنُّوا" أَيْقَنُوا "أَنْ" مُخَفَّفَة "لَا مَلْجَأ مِنْ اللَّه إلَّا إلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ" وَفَّقَهُمْ لِلتَّوْبَةِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه" بِتَرْكِ مَعَاصِيه "وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين" فِي الْإِيمَان وَالْعُهُود بِأَنْ تَلْزَمُوا الصِّدْق
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
"مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه" إذَا غَزَا "وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه" بِأَنْ يَصُونُوهَا عَمَّا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الشَّدَائِد وَهُوَ نَهْي بِلَفْظِ الْخَبَر "ذَلِكَ" أَيْ النَّهْي عَنْ التَّخَلُّف "بِأَنَّهُمْ" بِسَبَبِ أَنَّهُمْ "لَا يُصِيبهُمْ ظَمَأ" عَطَش "وَلَا نَصَب" تَعَب "وَلَا مَخْمَصَة" جُوع "فِي سَبِيل اللَّه وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا" مَصْدَر بِمَعْنَى وَطْئًا "يَغِيظ" يُغْضِب "الْكُفَّار وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ" لِلَّهِ "نَيْلًا" قَتْلًا أَوْ أَسْرًا أَوْ نَهْبًا "إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَل صَالِح" لِيُجَازَوْا عَلَيْهِ "إنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُحْسِنِينَ" أَيْ أَجْرهمْ بَلْ يُثِيبهُمْ
وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)
وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
"وَلَا يُنْفِقُونَ" فِيهِ "نَفَقَة صَغِيرَة" وَلَوْ تَمْرَة "وَلَا كَبِيرَة وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا" بِالسَّيْرِ "إلَّا كُتِبَ لَهُمْ" بِهِ عَمَل صَالِح "لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه أَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" أَيْ جَزَاءَهُمْ
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
وَلَمَّا وُبِّخُوا عَلَى التَّخَلُّف وَأَرْسَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّة نَفَرُوا جَمِيعًا فَنَزَلَ "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا" إلَى الْغَزْو "كَافَّة فَلَوْلَا" فَهَلَّا "نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَة" قَبِيلَة "مِنْهُمْ طَائِفَة" جَمَاعَة وَمَكَثَ الْبَاقُونَ "لِيَتَفَقَّهُوا" أَيْ الْمَاكِثُونَ "فِي الدِّين وَلِيُنْذِرُوا قَوْمهمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ" مِنْ الْغَزْو بِتَعْلِيمِهِمْ مَا تَعَلَّمُوهُ مِنْ الْأَحْكَام "لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" عِقَاب اللَّه بِامْتِثَالِ أَمْره وَنَهْيه قَالَ ابْن عَبَّاس فَهَذِهِ مَخْصُوصَة بِالسَّرَايَا وَاَلَّتِي قَبْلهَا بِالنَّهْيِ عَنْ تَخَلُّف وَاحِد فِيمَا إذَا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّار" أَيْ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مِنْهُمْ "وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَة" شِدَّة أَيْ أَغْلِظُوا عَلَيْهِمْ "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ" بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
"وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة" مِنْ الْقُرْآن "فَمِنْهُمْ" أَيْ الْمُنَافِقِينَ "مَنْ يَقُول" لِأَصْحَابِهِ اسْتِهْزَاء "أَيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا" تَصْدِيقًا "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا" لِتَصْدِيقِهِمْ بِهَا "وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" يَفْرَحُونَ بِهَا
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ
"وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض" ضَعْف اعْتِقَاد "فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسهمْ" كُفْرًا إلَى كُفْرهمْ لِكُفْرِهِمْ بِهَا
أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ
"أَوَلَا يَرَوْنَ" بِالْيَاءِ أَيْ الْمُنَافِقُونَ وَالتَّاء أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ "أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ" يُبْتَلَوْنَ "فِي كُلّ عَام مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ" بِالْقَحْطِ وَالْأَمْرَاض "ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ" مِنْ نِفَاقهمْ "وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ" يَتَّعِظُونَ
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ
"وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة" فِيهَا ذِكْرهمْ وَقَرَأَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَظَرَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض" يُرِيدُونَ الْهَرَب يَقُولُونَ : "هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَد" إذَا قُمْتُمْ فَإِنْ لَمْ يَرَهُمْ أَحَد قَامُوا وَإِلَّا ثَبَتُوا "ثُمَّ انْصَرَفُوا" عَلَى كُفْرهمْ "صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ" عَنْ الْهُدَى "بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ" الْحَقّ لِعَدَمِ تَدَبُّرهمْ
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ" أَيْ مِنْكُمْ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَزِيز" شَدِيد "عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ" أَيْ عَنَتكُمْ أَيْ مَشَقَّتكُمْ وَلِقَاؤُكُمْ الْمَكْرُوه "حَرِيص عَلَيْكُمْ" أَنْ تَهْتَدُوا "بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف" شَدِيد الرَّحْمَة "رَحِيم" يُرِيد لَهُمْ الْخَيْر
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
"فَإِنْ تَوَلَّوْا" عَنْ الْإِيمَان بِك "فَقُلْ حَسْبِي اللَّه" كَافِي "لَا إلَه إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت" بِهِ وَثِقْت لَا بِغَيْرِهِ "وَهُوَ رَبّ الْعَرْش" الْكُرْسِيّ "الْعَظِيم" خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَم الْمَخْلُوقَات وَرَوَى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ : آخِر آيَة نَزَلَتْ "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول" إلَى آخِر السُّورَة
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ
سُورَة يُونُس [ مَكِّيَّة إلَّا الْآيَات 40 و94 و95 و96 فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا 109 أَوْ 110 نَزَلَتْ بَعْد الْإِسْرَاء ]
"الر" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ "تِلْكَ" أَيْ هَذِهِ الْآيَات "آيَات الْكِتَاب" الْقُرْآن وَالْإِضَافَة بِمَعْنَى مِنْ "الْحَكِيم" الْمُحْكِم
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ
"أَكَانَ لِلنَّاسِ" أَيْ أَهَلْ مَكَّة اسْتِفْهَام إنْكَار وَالْجَار وَالْمَجْرُور حَال مِنْ قَوْله "عَجَبًا" بِالنَّصْبِ خَبَر كَانَ وَبِالرَّفْعِ اسْمهَا وَالْخَبَر وَهُوَ اسْمهَا عَلَى الْأُولَى "أَنْ أَوْحَيْنَا" أَيْ إيحَاؤُنَا "إلَى رَجُل مِنْهُمْ" مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنْ" مُفَسِّرَة "أَنْذِرْ" خَوِّفْ "النَّاس" الْكَافِرِينَ بِالْعَذَابِ "وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ" أَيْ بِأَنَّ "لَهُمْ قَدَم" سَلَف "صِدْق عِنْد رَبّهمْ" أَيْ أَجْرًا حَسَنًا بِمَا قَدَّمُوهُ مِنْ الْأَعْمَال "قَالَ الْكَافِرُونَ إنَّ هَذَا" الْقُرْآن الْمُشْتَمِل عَلَى ذَلِكَ "لَسَاحِر مُبِين" بَيِّن وَفِي قِرَاءَة لَسَاحِر وَالْمُشَار إلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
"إنَّ رَبّكُمْ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام" مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا أَيْ فِي قَدْرهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ شَمْس وَلَا قَمَر وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَهُنَّ فِي لَمْحَة وَالْعُدُول عَنْهُ لِتَعْلِيمِ خَلْقه التَّثَبُّت "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش" اسْتِوَاء يَلِيق بِهِ "يُدَبِّر الْأَمْر" بَيْن الْخَلَائِق "مَا مِنْ" صِلَة "شَفِيع" يَشْفَع لِأَحَدٍ "إلَّا مِنْ بَعْد إذْنه" رَدّ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْأَصْنَام تَشْفَع لَهُمْ "ذَلِكُمْ" الْخَالِق الْمُدَبِّر "اللَّه رَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ" وَحِّدُوهُ "أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي الذَّال
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
"إلَيْهِ" تَعَالَى "مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا وَعْد اللَّه حَقًّا" مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمُقَدَّر "إنَّهُ" بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافًا وَالْفَتْح عَلَى تَقْدِير اللَّام "يَبْدَأ الْخَلْق" أَيْ بَدَأَهُ بِالْإِنْشَاءِ "ثُمَّ يُعِيدهُ" بِالْبَعْثِ "لِيَجْزِيَ" يُثِيب "الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات بِالْقِسْطِ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَاب مِنْ حَمِيم" مَاء بَالِغ نِهَايَة الْحَرَارَة "وَعَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم "بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ" أَيْ بِسَبَبِ كُفْرهمْ
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
"هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْس ضِيَاء" ذَات ضِيَاء أَيْ نُور "وَالْقَمَر نُورًا وَقَدَّرَهُ" مِنْ حَيْثُ سَيَّرَهُ "مَنَازِل" ثَمَانِيَة وَعِشْرِينَ مَنْزِلًا فِي ثَمَان وَعِشْرِينَ لَيْلَة مِنْ كُلّ شَهْر وَيَسْتَتِر لَيْلَتَيْنِ إنْ كَانَ الشَّهْر ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَة إنْ كَانَ تِسْعَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا "لِتَعْلَمُوا" بِذَلِكَ "عَدَد السِّنِينَ وَالْحِسَاب مَا خَلَقَ اللَّه ذَلِكَ" الْمَذْكُور "إلَّا بِالْحَقِّ" لَا عَبَثًا تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ "يُفَصِّل" بِالْيَاءِ وَالنُّون يُبَيِّن "الْآيَات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" يَتَدَبَّرُونَ
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ
"إنَّ فِي اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار" بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيء وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان .
"وَمَا خَلَقَ اللَّه فِي السَّمَاوَات" مِنْ مَلَائِكَة وَشَمْس وَقَمَر وَنُجُوم وَغَيْر ذَلِكَ "و" فِي "الْأَرْض" مِنْ حَيَوَان وَجِبَال وَبِحَار وَأَنْهَار وَأَشْجَار وَغَيْرهَا "لَآيَات" دَلَالَات عَلَى قُدْرَته تَعَالَى "لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ" لِقَوْمٍ يَتَّقُونَهُ فَيُؤْمِنُونَ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
"إنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا" بِالْبَعْثِ "وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا" بَدَل الْآخِرَة لِإِنْكَارِهِمْ لَهَا "وَاطْمَأَنُّوا بِهَا" سَكَنُوا إلَيْهَا "وَاَلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتنَا" دَلَائِل وَحْدَانِيّتنَا "غَافِلُونَ" تَارِكُونَ النَّظَر فِيهَا
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
"أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّار بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" مِنْ الشِّرْك وَالْمَعَاصِي
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ
"إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات يَهْدِيهِمْ" يُرْشِدهُمْ "رَبّهمْ بِإِيمَانِهِمْ" بِهِ بِأَنْ يَجْعَل لَهُمْ نُورًا يَهْتَدُونَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
"دَعْوَاهُمْ فِيهَا" طَلَبهمْ يَشْتَهُونَهُ فِي الْجَنَّة أَنْ يَقُولُوا "سُبْحَانك اللَّهُمَّ" أَيْ يَا اللَّه فَإِذَا مَا طَلَبُوهُ وَجَدُوهُ بَيْن أَيْدِيهمْ "وَتَحِيَّتهمْ" فِيمَا بَيْنهمْ "فِيهَا سَلَام وَآخِر دَعْوَاهُمْ أَنْ" مُفَسِّرَة وَنَزَلَ لَمَّا اسْتَعْجَلَ الْمُشْرِكُونَ الْعَذَاب
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
"وَلَوْ يُعَجِّل اللَّه لِلنَّاسِ الشَّرّ اسْتِعْجَالهمْ" أَيْ كَاسْتِعْجَالِهِمْ .
"بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلِلْفَاعِلِ "إلَيْهِمْ أَجَلهمْ" بِالرَّفْعِ وَالنَّصْب بِأَنْ يُهْلِكهُمْ وَلَكِنْ يُمْهِلهُمْ "فَنَذَر" نَتْرُك "الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ" يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
"وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان" الْكَافِر "الضُّرّ" الْمَرَض وَالْفَقْر "دَعَانَا لِجَنْبِهِ" أَيْ مُضْطَجِعًا "أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا" أَيْ فِي كُلّ حَال "فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرّه مَرَّ" عَلَى كُفْره "كَأَنْ" مُخَفَّفَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ كَأَنَّهُ "لَمْ يَدْعُنَا إلَى ضُرّ مَسَّهُ كَذَلِكَ" كَمَا زَيَّنَ لَهُ الدُّعَاء عِنْد الضَّرَر وَالْإِعْرَاض عِنْد الرَّخَاء "زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ" الْمُشْرِكِينَ
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ
"وَلَقَدْ أَهَلَكْنَا الْقُرُون" الْأُمَم "مِنْ قَبْلكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "لَمَّا ظَلَمُوا" بِالشِّرْكِ "و" قَدْ "جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ" الدَّالَّات عَلَى صِدْقهمْ "وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا" عَطْف عَلَى ظَلَمُوا "كَذَلِكَ" كَمَا أَهْلَكْنَا أُولَئِكَ "نَجْزِي الْقَوْم الْمُجْرِمِينَ" الْكَافِرِينَ
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
"ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "خَلَائِف" جَمْع خَلِيفَة "فِي الْأَرْض مِنْ بَعْدهمْ لِنَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ" فِيهَا وَهَلْ تَعْتَبِرُونَ بِهِمْ فَتُصَدِّقُوا رُسُلنَا
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا" الْقُرْآن "بَيِّنَات" ظَاهِرَات حَال "قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا" لَا يَخَافُونَ الْبَعْث "ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْر هَذَا" لَيْسَ فِيهِ عَيْب آلِهَتنَا "أَوْ بَدِّلْهُ" مِنْ تِلْقَاء نَفْسك "قُلْ" لَهُمْ "مَا يَكُون" يَنْبَغِي "لِي أَنْ أُبَدِّلهُ مِنْ تِلْقَاء" قِبَل "نَفْسِي إنْ" مَا "أَتَّبِع إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ إنِّي أَخَاف إنْ عَصَيْت رَبِّي" بِتَبْدِيلِهِ "عَذَاب يَوْم عَظِيم" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة
قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)
قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
"قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّه مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ" أَعْلَمَكُمْ "بِهِ" وَلَا نَافِيَة عَطْف عَلَى مَا قَبْله وَفِي قِرَاءَة بِلَامِ جَوَاب لَوْ : أَيْ لِأُعْلِمكُمْ بِهِ عَلَى لِسَان غَيْرِي "فَقَدْ لَبِثْت" مَكَثْت "فِيكُمْ عُمْرًا" سَنِينًا أَرْبَعِينَ "مِنْ قَبْله" لَا أُحَدِّثكُمْ بِشَيْءٍ "أَفَلَا تَعْقِلُونَ" أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبْلِي
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ
"فَمَنْ" أَيْ لَا أَحَد "أَظْلَم مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا" بِنِسْبَةِ الشَّرِيك إلَيْهِ "أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ" الْقُرْآن "إنَّهُ" أَيْ الشَّأْن "لَا يُفْلِح" يُسْعِد "الْمُجْرِمُونَ" الْمُشْرِكُونَ
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
"وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "مَا لَا يَضُرّهُمْ" إنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ "وَلَا يَنْفَعهُمْ" إنْ عَبَدُوهُ وَهُوَ الْأَصْنَام "وَيَقُولُونَ" عَنْهَا "هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه قُلْ" لَهُمْ "أَتُنَبِّئُونَ اللَّه" تُخْبِرُونَهُ "بِمَا لَا يَعْلَم فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض" اسْتِفْهَام إنْكَار إذْ لَوْ كَانَ لَهُ شَرِيك لِعِلْمِهِ إذْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء "سُبْحَانه" تَنْزِيهًا لَهُ "وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" مَعَهُ
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
"وَمَا كَانَ النَّاس إلَّا أُمَّة وَاحِدَة" عَلَى دِين وَاحِد وَهُوَ الْإِسْلَام مِنْ لَدُنْ آدَم إلَى نُوح وَقِيلَ مِنْ عَهْد إبْرَاهِيم إلَى عَمْرو بْن لُحَيّ "فَاخْتَلَفُوا" بِأَنْ ثَبَتَ بَعْض وَكَفَرَ بَعْض "وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك" بِتَأْخِيرِ الْجَزَاء إلَى يَوْم الْقِيَامَة "لَقُضِيَ بَيْنهمْ" أَيْ النَّاس فِي الدُّنْيَا "فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" مِنْ الدِّين بِتَعْذِيبِ الْكَافِرِينَ
وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)
وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
"وَيَقُولُونَ" أَيْ أَهْل مَكَّة "لَوْلَا" هَلَّا "أُنْزِلَ عَلَيْهِ" عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "آيَة مِنْ رَبّه" كَمَا كَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ النَّاقَة وَالْعَصَا وَالْيَد "فَقُلْ" لَهُمْ "إنَّمَا الْغَيْب لِلَّهِ" مَا غَابَ عَنْ الْعِبَاد أَيْ أَمْره وَمِنْهُ الْآيَات فَلَا يَأْتِي بِهَا إلَّا هُوَ وَإِنَّمَا عَلَيَّ التَّبْلِيغ "فَانْتَظِرُوا" الْعَذَاب إنْ لَمْ تُؤْمِنُوا
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ
"وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاس" أَيْ كُفَّار مَكَّة "رَحْمَة" مَطَرًا وَخِصْبًا "مِنْ بَعْد ضَرَّاء" بُؤْس وَجَدْب "مَسَّتْهُمْ إذَا لَهُمْ مَكْر فِي آيَاتنَا" بِالِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيب "قُلْ" لَهُمْ "اللَّه أَسْرَع مَكْرًا" مُجَازَاة "إنَّ رُسُلنَا" الْحَفَظَة "يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
"هُوَ الَّذِي يُسَيِّركُمْ" وَفِي قِرَاءَة يَنْشُركُمْ "فِي الْبَرّ وَالْبَحْر حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك" السُّفُن "وَجَرَيْنَ بِهِمْ" فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْخِطَاب "بِرِيحٍ طَيِّبَة" لَيِّنَة "وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيح عَاصِف" شَدِيدَة الْهُبُوب تَكْسِر كُلّ شَيْء "وَجَاءَهُمْ الْمَوْج مِنْ كُلّ مَكَان وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين أُحِيطَ بِهِمْ" أَيْ أُهْلِكُوا "دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين" الدُّعَاء "لَئِنْ" لَام قَسَم "أَنْجَيْتنَا مِنْ هَذِهِ" الْأَهْوَال "لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ" الْمُوَحِّدِينَ
فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
"فَلَمَّا أَنَجَاهُمْ إذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ" بِالشِّرْكِ "يَا أَيّهَا النَّاس إنَّمَا بَغْيكُمْ" ظُلْمكُمْ "عَلَى أَنْفُسكُمْ" لِأَنَّ إثْمه عَلَيْهَا هُوَ "مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا" تُمَتَّعُونَ فِيهَا قَلِيلًا "ثُمَّ إلَيْنَا مَرْجِعكُمْ" بَعْد الْمَوْت "فَنُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" فَنُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ وَفِي قِرَاءَة بِنَصْبِ مَتَاع : أَيْ تَتَمَتَّعُونَ
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
"إنَّمَا مَثَل" صِفَة "الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَاءٍ" مَطَر "أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ" بِسَبَبِهِ "نَبَات الْأَرْض" وَاشْتَبَكَ بَعْضه بِبَعْضٍ "مِمَّا يَأْكُل النَّاس" مِنْ الْبُرّ وَالشَّعِير وَغَيْرهمَا "وَالْأَنْعَام" مِنْ الْكَلَأ "حَتَّى إذَا أَخَذَتْ الْأَرْض زُخْرُفهَا" بَهْجَتهَا مِنْ النَّبَات "وَازَّيَّنَتْ" بِالزَّهْرِ وَأَصْله تَزَيَّنَتْ أُبْدِلَتْ التَّاء زَايًا وَأُدْغِمَتْ فِي الزَّاي "وَظَنَّ أَهْلهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا" مُتَمَكِّنُونَ مِنْ تَحْصِيل ثِمَارهَا "أَتَاهَا أَمْرنَا" قَضَاؤُنَا أَوْ عَذَابنَا "لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا" أَيْ زَرْعهَا "حَصِيدًا" كَالْمَحْصُودِ بِالْمَنَاجِلِ "كَأَنْ" مُخَفَّفَة أَيْ كَأَنَّهَا "لَمْ تَغْنَ" تَكُنْ "بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّل" نُبَيِّن
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
"وَاَللَّه يَدْعُو إلَى دَار السَّلَام" أَيْ السَّلَامَة وَهِيَ الْجَنَّة بِالدُّعَاءِ إلَى الْإِيمَان "وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء" هِدَايَته "إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم" دِين الْإِسْلَام
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا" بِالْإِيمَانِ "الْحُسْنَى" الْجَنَّة "وَزِيَادَة" هِيَ النَّظَر إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا فِي حَدِيث مُسْلِم "وَلَا يَرْهَق" يَغْشَى "وُجُوههمْ قَتَر" سَوَاد "وَلَا ذِلَّة" كَآبَة
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
"وَاَلَّذِينَ" عَطْف عَلَى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أَيْ وَلِلَّذِينَ "كَسَبُوا السَّيِّئَات" عَمِلُوا الشِّرْك "جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقهُمْ ذِلَّة مَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مِنْ" زَائِدَة "عَاصِم" مَانِع "كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ" أَلُبِسَتْ "وُجُوههمْ قِطَعًا" بِفَتْحِ الطَّاء جَمْع قِطْعَة وَإِسْكَانهَا أَيْ جُزْءًا
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ
"و" اُذْكُرْ "يَوْم نَحْشُرهُمْ" أَيْ الْخَلْق "جَمِيعًا ثُمَّ نَقُول لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانكُمْ" نُصِبَ بِأُلْزِمُوا مُقَدَّرًا "أَنْتُمْ" تَأْكِيد لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتِر فِي الْفِعْل الْمُقَدَّر لِيَعْطِف عَلَيْهِ "وَشُرَكَاؤُكُمْ" أَيْ الْأَصْنَام "فَزَيَّلْنَا" مَيَّزْنَا "بَيْنهمْ" وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي آيَة "وَامْتَازُوا الْيَوْم أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ" "وَقَالَ" لَهُمْ "شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إيَّانَا تَعْبُدُونَ" مَا نَافِيَة وَقَدَّمَ الْمَفْعُول لِلْفَاصِلَةِ
فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)
فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ
"فَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا بَيْننَا وَبَيْنكُمْ إنْ" مُخَفَّفَة أَيْ إنَّا
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
"هُنَالِكَ" أَيْ ذَلِكَ الْيَوْم "تَبْلُو" مِنْ الْبَلْوَى وَفِي قِرَاءَة بِتَاءَيْنِ مِنْ التِّلَاوَة "كُلّ نَفْس مَا أَسْلَفَتْ" قَدَّمَتْ مِنْ الْعَمَل "وَرُدُّوا إلَى اللَّه مَوْلَاهُمْ الْحَقّ" الثَّابِت الدَّائِم "وَضَلَّ" غَابَ "عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" عَلَيْهِ مِنْ الشُّرَكَاء
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا
"قُلْ" لَهُمْ "مَنْ يَرْزُقكُمْ مِنْ السَّمَاء" بِالْمَطَرِ "وَالْأَرْض" بِالنَّبَاتِ "أَمَّنْ يَمْلِك السَّمْع" بِمَعْنَى الْأَسْمَاع أَيْ خَلْقهَا "وَالْأَبْصَار وَمَنْ يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَيُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ وَمَنْ يُدَبِّر الْأَمْر" بَيْن الْخَلَائِق "فَسَيَقُولُونَ" هُوَ "اللَّه فَقُلْ" لَهُمْ "أَفَلَا تَتَّقُونَ" ـهُ فَتُؤْمِنُونَ
فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)
فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ
"فَذَلِكُمْ" الْفَاعِل لِهَذِهِ الْأَشْيَاء "اللَّه رَبّكُمْ الْحَقّ" الثَّابِت "فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إلَّا الضَّلَال" اسْتِفْهَام تَقْرِير أَيْ لَيْسَ بَعْده غَيْره فَمَنْ أَخْطَأَ الْحَقّ وَهُوَ عِبَادَة اللَّه وَقَعَ فِي الضَّلَال "فَأَنَّى" كَيْفَ "تُصْرَفُونَ" عَنْ الْإِيمَان مَعَ قِيَام الْبُرْهَان
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
"كَذَلِكَ" كَمَا صَرَفَ هَؤُلَاءِ عَنْ الْإِيمَان "حَقَّتْ كَلِمَة رَبّك عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا" كَفَرُوا وَهِيَ "لَأَمْلَأَن جَهَنَّم" الْآيَة أَوْ هِيَ "أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ"
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
"قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأ الْخَلْق ثُمَّ يُعِيدهُ قُلْ اللَّه يَبْدَأ الْخَلْق ثُمَّ يُعِيدهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" تُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَته مَعَ قِيَام الدَّلِيل
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ
"قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إلَى الْحَقّ" بِنَصْبِ الْحُجَج وَخَلْق الِاهْتِدَاء "قُلْ اللَّه يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلَى الْحَقّ" وَهُوَ اللَّه "أَحَقّ أَنْ يُتَّبَع أَمَّنْ لَا يَهِدِّي" يَهْتَدِي "إلَّا أَنْ يُهْدَى" أَحَقّ أَنْ يُتَّبَع ؟ اسْتِفْهَام تَقْرِير وَتَوْبِيخ أَيْ الْأَوَّل أَحَقّ "فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" هَذَا الْحُكْم الْفَاسِد مِنْ اتِّبَاع مَا لَا يَحِقّ اتِّبَاعه
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
"وَمَا يَتَّبِع أَكْثَرهمْ" فِي عِبَادَة الْأَصْنَام "إلَّا ظَنًّا" حَيْثُ قَلَّدُوا فِيهِ آبَاءَهُمْ "إنَّ الظَّنّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقّ شَيْئًا" فِيمَا الْمَطْلُوب مِنْهُ الْعِلْم "إنَّ اللَّه عَلِيم بِمَا يَفْعَلُونَ" فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
"وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَنْ يُفْتَرَى" أَيْ افْتِرَاء "مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "وَلَكِنْ" أُنْزِلَ "تَصْدِيق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ" مِنْ الْكُتُب "وَتَفْصِيل الْكِتَاب" تَبْيِين مَا كَتَبَهُ اللَّه مِنْ الْأَحْكَام وَغَيْرهَا "لَا رَيْب" شَكّ "فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ" مُتَعَلِّق بِتَصْدِيقِ أَوْ بِأُنْزِلَ الْمَحْذُوف وَقُرِئَ بِرَفْعِ تَصْدِيق وَتَفْصِيل بِتَقْدِيرِ هُوَ
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
"أَمْ" بَلْ "يَقُولُونَ افْتَرَاهُ" اخْتَلَقَهُ مُحَمَّد "قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله" فِي الْفَصَاحَة وَالْبَلَاغَة عَلَى وَجْه الِافْتِرَاء فَإِنَّكُمْ عَرَبِيُّونَ فُصَحَاء مِثْلِي "وَادْعُوَا" لِلْإِعَانَةِ عَلَيْهِ "مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِي أَنَّهُ افْتِرَاء فَلَمْ تَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ
بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ
"بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ" أَيْ الْقُرْآن وَلَمْ يَتَدَبَّرُوهُ "وَلَمَّا" لَمْ "يَأْتِهِمْ تَأْوِيله" عَاقِبَة مَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيد "كَذَلِكَ" التَّكْذِيب "كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" رُسُلهمْ "فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الظَّالِمِينَ" بِتَكْذِيبِ الرُّسُل أَيْ آخِر أَمْرهمْ مِنْ الْهَلَاك فَكَذَلِكَ نُهْلِك هَؤُلَاءِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ
"وَمِنْهُمْ" أَيْ أَهْل مَكَّة "مَنْ يُؤْمِن بِهِ" لِعِلْمِ اللَّه ذَلِكَ مِنْهُمْ "وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِن بِهِ" أَبَدًا "وَرَبّك أَعْلَم بِالْمُفْسِدِينَ" تَهْدِيد لَهُم
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ
"وَإِنْ كَذَّبُوك فَقُلْ" لَهُمْ "لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلكُمْ" أَيْ لِكُلٍّ جَزَاء عَمَله "أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعَمَل وَأَنَا بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ" وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ
"وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْك" إذَا قَرَأْت الْقُرْآن "أَفَأَنْتَ تُسْمِع الصُّمّ" شَبَّهَهُمْ بِهِمْ فِي عَدِم الِانْتِفَاع بِمَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ "وَلَوْ كَانُوا" مَعَ الصَّمَم "لَا يَعْقِلُونَ" يَتَدَبَّرُونَ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ
"وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُر إلَيْك أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْي وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ" شَبَّهَهُمْ بِهِمْ فِي عَدِم الِاهْتِدَاء بَلْ أَعْظَم "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَار وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور"
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
"وَيَوْم يَحْشُرهُمْ كَأَنْ" أَيْ كَأَنَّهُمْ "لَمْ يَلْبَثُوا" فِي الدُّنْيَا أَوْ الْقُبُور "إلَّا سَاعَة مِنْ النَّهَار" لِهَوْلِ مَا رَأَوْا وَجُمْلَة التَّشْبِيه حَال مِنْ الضَّمِير "يَتَعَارَفُونَ بَيْنهمْ" يَعْرِف بَعْضهمْ بَعْضًا إذَا بُعِثُوا ثُمَّ يَنْقَطِع التَّعَارُف لِشِدَّةِ الْأَهْوَال وَالْجُمْلَة حَال مُقَدَّرَة أَوْ مُتَعَلِّق الظَّرْف "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّه" بِالْبَعْثِ
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ
"وَإِمَّا" فِيهِ إدْغَام نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الْمَزِيدَة "نُرِيَنَّكَ بَعْض .
الَّذِي نَعِدهُمْ" بِهِ مِنْ الْعَذَاب فِي حَيَاتك وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف أَيْ فَذَاكَ "أَوْ نَتَوَفَّيَنك" قَبْل تَعْذِيبهمْ "فَإِلَيْنَا مَرْجِعهمْ ثُمَّ اللَّه شَهِيد" مُطَّلِع "عَلَى مَا يَفْعَلُونَ" مِنْ تَكْذِيبهمْ وَكُفْرهمْ فَيُعَذِّبهُمْ أَشَدّ الْعَذَاب
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
"وَلِكُلِّ أُمَّة" مِنْ الْأُمَم "رَسُول فَإِذَا جَاءَ رَسُولهمْ" إلَيْهِمْ فَكَذَّبُوهُ "قُضِيَ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ" بِالْعَدْلِ فَيُعَذَّبُونَ وَيُنَجَّى الرَّسُول وَمَنْ صَدَّقَهُ "وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" بِتَعْذِيبِهِمْ بِغَيْرِ جُرْم فَكَذَلِكَ نَفْعَل بِهَؤُلَاءِ
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
"وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد" بِالْعَذَابِ "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِيهِ
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
"قُلْ لَا أَمْلِك لِنَفْسِي ضَرًّا" أَدْفَعهُ "وَلَا نَفْعًا" أَجْلِبهُ "إلَّا مَا شَاءَ اللَّه" أَنْ يُقْدِرنِي عَلَيْهِ فَكَيْفَ أَمْلِك لَكُمْ حُلُول الْعَذَاب "لِكُلِّ أُمَّة أَجَل" مُدَّة مَعْلُومَة لِهَلَاكِهِمْ "إذَا جَاءَ أَجَلهمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ" يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ "سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهِ
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ
"قُلْ أَرَأَيْتُمْ" أَخْبِرُونِي "إنْ أَتَاكُمْ عَذَابه" أَيْ اللَّه "بَيَاتًا" لَيْلًا "أَوْ نَهَارًا مَاذَا" أَيّ شَيْء "يَسْتَعْجِل مِنْهُ" أَيْ الْعَذَاب "الْمُجْرِمُونَ" الْمُشْرِكُونَ فِيهِ وَضَعَ الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر وَجُمْلَة الِاسْتِفْهَام جَوَاب الشَّرْط : كَقَوْلِك إذَا أَتَيْتُك مَاذَا تُعْطِينِي وَالْمُرَاد بِهِ التَّهْوِيل أَيْ مَا أَعْظَم مَا اسْتَعْجَلُوهُ
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
"أَثُمَّ إذَا مَا وَقَعَ" حَلَّ بِكُمْ "آمَنْتُمْ بِهِ" أَيْ اللَّه أَوْ الْعَذَاب عِنْد نُزُوله وَالْهَمْزَة لِإِنْكَارِ التَّأْخِير فَلَا يَقْبَل مِنْكُمْ وَيُقَال لَكُمْ "آلْآنَ" تُؤْمِنُونَ "وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ" اسْتِهْزَاء
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ
"ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَاب الْخُلْد" أَيْ الَّذِي تَخْلُدُونَ فِيهِ "هَلْ" مَا "تُجْزَوْنَ إلَّا" جَزَاء
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ
"وَيَسْتَنْبِئُونَك" يَسْتَخْبِرُونَك "أَحَقّ هُوَ" أَيْ مَا وَعَدْتنَا بِهِ مِنْ الْعَذَاب وَالْبَعْث "قُلْ إي" نَعَمْ "وَرَبِّي إنَّهُ لَحَقّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ" بِفَائِتِينَ الْعَذَاب
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
"وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْس ظَلَمَتْ" كَفَرَتْ "مَا فِي الْأَرْض" جَمِيعًا مِنْ الْأَمْوَال "لَافْتَدَتْ بِهِ" مِنْ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة "وَأَسَرُّوا النَّدَامَة" عَلَى تَرْك الْإِيمَان "لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب" أَخْفَاهَا رُؤَسَاؤُهُمْ عَنْ الضُّعَفَاء الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ مَخَافَة التَّعْيِير "وَقُضِيَ بَيْنهمْ" بَيْن الْخَلَائِق "بِالْقِسْطِ" بِالْعَدْلِ "وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" شَيْئًا
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
"أَلَا إنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض أَلَا إنَّ وَعْد اللَّه" بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء "حَقّ" ثَابِت "وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ" أَيْ النَّاس "لَا يَعْلَمُونَ" ذَلِكَ
هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)
هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
"هُوَ يُحْيِ وَيُمِيت وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" فِي الْآخِرَة فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ
"يَا أَيّهَا النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَة مِنْ رَبّكُمْ" كِتَاب فِيهِ مَا لَكُمْ وَمَا عَلَيْكُمْ وَهُوَ الْقُرْآن "وَشِفَاء" دَوَاء "لِمَا فِي الصُّدُور" مِنْ الْعَقَائِد الْفَاسِدَة وَالشُّكُوك "وَهُدًى" مِنْ الضَّلَال "وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ" بِهِ
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
"قُلْ بِفَضْلِ اللَّه" الْإِسْلَام "وَبِرَحْمَتِهِ" الْقُرْآن "فَبِذَلِكَ" الْفَضْل وَالرَّحْمَة "فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ" مِنْ الدُّنْيَا بِالْيَاءِ وَالتَّاء
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ
"قُلْ أَرَأَيْتُمْ" أَخْبِرُونِي "مَا أَنَزَلَ اللَّه" خَلَقَ "لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا" كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَة وَالْمَيْتَة "قُلْ آللَّه أَذِنَ لَكُمْ" فِي ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيم لَا "أَمْ" بَلْ "عَلَى اللَّه تَفْتَرُونَ" تُكَذِّبُونَ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ
وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)
وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ
"وَمَا ظَنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب" أَيْ أَيّ شَيْء ظَنّهُمْ بِهِ "يَوْم الْقِيَامَة" أَيَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبهُمْ ! لَا "إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس" بِإِمْهَالِهِمْ وَالْإِنْعَام عَلَيْهِمْ
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
"وَمَا تَكُون" يَا مُحَمَّد "فِي شَأْن" أَمْر "وَمَا تَتْلُوَا مِنْهُ" أَيْ مِنْ الشَّأْن أَوْ اللَّه "مِنْ قُرْآن" أَنْزَلَهُ عَلَيْك "وَلَا تَعْمَلُونَ" خَاطَبَهُ وَأُمَّته "مِنْ عَمَل إلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا" رُقَبَاء "إذْ تُفِيضُونَ" تَأْخُذُونَ "فِيهِ" أَيْ الْعَمَل "وَمَا يَعْزُب" يَغِيب "عَنْ رَبّك مِنْ مِثْقَال" وَزْن "ذَرَّة" أَصْغَر نَمْلَة "فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر إلَّا فِي كِتَاب مُبِين" بَيِّن هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
"أَلَا إنَّ أَوْلِيَاء اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" فِي الْآخِرَة
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
"الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" اللَّه بِامْتِثَالِ أَمْره وَنَهْيه
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
"لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا" فُسِّرَتْ فِي حَدِيث صَحَّحَهُ الْحَاكِم بِالرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل أَوْ تُرَى لَهُ "وَفِي الْآخِرَة" الْجَنَّة وَالثَّوَاب "لَا تَبْدِيل لِكَلِمَاتِ اللَّه" لَا خُلْف لِمَوَاعِيدِهِ "ذَلِكَ" الْمَذْكُور
وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)
وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
"وَلَا يَحْزُنك قَوْلهمْ" لَك لَسْت مُرْسَلًا وَغَيْره "إنَّ" اسْتِئْنَاف "الْعِزَّة" الْقُوَّة "لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيع" لِلْقَوْلِ "الْعَلِيم" بِالْفِعْلِ فَيُجَازِيهِمْ وَيَنْصُرك
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
"أَلَا إنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض" عَبِيدًا وَمُلْكًا وَخَلْقًا "وَمَا يَتَّبِع الَّذِينَ يَدْعُونَ" يَعْبُدُونَ "مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره أَصْنَامًا "شُرَكَاء" لَهُ عَلَى الْحَقِيقَة تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ "إنْ" مَا "يَتَّبِعُونَ" فِي ذَلِكَ "إلَّا الظَّنّ" أَيْ ظَنَّهُمْ أَنَّهَا آلِهَة تَشْفَع لَهُمْ "وَإِنْ" مَا "هُمْ إلَّا يَخْرُصُونَ" يَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْل لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَار مُبْصِرًا" إسْنَاد الْإِبْصَار إلَيْهِ مَجَاز لِأَنَّهُ يُبْصِر فِيهِ "إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات" دَلَالَات عَلَى وَحْدَانِيّته تَعَالَى "لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ" سَمَاع تَدَبُّر وَاتِّعَاظ
قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)
قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
"قَالُوا" أَيْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه "اتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا" قَالَ تَعَالَى لَهُمْ "سُبْحَانه" تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ الْوَلَد "هُوَ الْغَنِيّ" عَنْ كُلّ أَحَد وَإِنَّمَا يَطْلُب الْوَلَد مَنْ يَحْتَاج إلَيْهِ "لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض" مُلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا "إنْ" مَا "عِنْدكُمْ مِنْ سُلْطَان" حُجَّة "بِهَذَا" الَّذِي تَقُولُونَهُ "أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ" اسْتِفْهَام تَوْبِيخ
قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)
قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ
"قُلْ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب" بِنَسَبِهِ الْوَلَد إلَيْهِ "لَا يُفْلِحُونَ" لَا يَسْعَدُونَ
مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
لَهُمْ "مَتَاع" قَلِيل "فِي الدُّنْيَا" يَتَمَتَّعُونَ بِهِ مُدَّة حَيَاتهمْ "ثُمَّ إلَيْنَا مَرْجِعهمْ" بِالْمَوْتِ "ثُمَّ نُذِيقهُمْ الْعَذَاب الشَّدِيد" بَعْد الْمَوْت
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا
"وَاتْلُ" يَا مُحَمَّد "عَلَيْهِمْ" أَيْ كُفَّار مَكَّة "نَبَأ" خَبَر "نُوح" وَيُبْدَل مِنْهُ "إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْم إنْ كَانَ كَبُرَ" شَقَّ "عَلَيْكُمْ مَقَامِي" لُبْثِي فِيكُمْ "وَتَذْكِيرِي" وَعْظِي إيَّاكُمْ "بِآيَاتِ اللَّه فَعَلَى اللَّه تَوَكَّلْت فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ" اعْزِمُوا عَلَى أَمْر تَفْعَلُونَهُ بِي "وَشُرَكَاءَكُمْ" الْوَاو بِمَعْنَى مَعَ "ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْركُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّة" مَسْتُورًا بَلْ أَظْهِرُوهُ وَجَاهِرُونِي بِهِ "ثُمَّ اقْضُوا إلَيَّ" امْضُوا فِيمَا أَرَدْتُمُوهُ "وَلَا تُنْظِرُونِ" تُمْهِلُونِ فَإِنِّي لَسْت مُبَالِيًا بِكُمْ
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
"فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ" عَنْ تَذْكِيرِي "فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْر" ثَوَاب عَلَيْهِ فَتَوَلَّوْا "إنْ" مَا "أَجْرِيَ" ثَوَابِي
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ
"فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْك" السَّفِينَة "وَجَعَلْنَاهُمْ" أَيْ مَنْ مَعَهُ "خَلَائِف" فِي الْأَرْض "وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا" بِالطُّوفَانِ "فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذَرِينَ" مِنْ إهْلَاكهمْ فَكَذَلِكَ نَفْعَل بِمَنْ كَذَّبَ
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ
"ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْده" أَيْ نُوح "رُسُلًا إلَى قَوْمهمْ" كَإِبْرَاهِيم وَهُود وَصَالِح "فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ" الْمُعْجِزَات "فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل بَعْث الرُّسُل إلَيْهِمْ "كَذَلِكَ نَطْبَع" نَخْتِم "عَلَى قُلُوب الْمُعْتَدِينَ" فَلَا تَقْبَل الْإِيمَان كَمَا طَبَعْنَا عَلَى قُلُوب أُولَئِكَ
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ
"ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْده مُوسَى وَهَارُونَ إلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ" قَوْمه "بِآيَاتِنَا" التِّسْع "فَاسْتَكْبَرُوا" عَنْ الْإِيمَان بِهَا
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ
"فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقّ مِنْ عِنْدنَا قَالُوا إنَّ هَذَا لَسِحْر مُبِين" بَيِّن ظَاهِر
قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)
قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ
"قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْر هَذَا" إنَّهُ لَسِحْر وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَتَى بِهِ وَأَبْطَلَ سِحْر السَّحَرَة وَالِاسْتِفْهَام فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلْإِنْكَارِ
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ
"قَالُوا أَجِئْتنَا لِتَلْفِتنَا" لِتَرُدّنَا "عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَا لَكُمَا الْكِبْرِيَاء" الْمُلْك "فِي الْأَرْض" أَرْض مِصْر "وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ" مُصَدِّقِينَ
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
"وَقَالَ فِرْعَوْن ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِر عَلِيم" فَائِق فِي عِلْم السِّحْر
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ
"فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالَ لَهُمْ مُوسَى" بَعْد مَا قَالُوا لَهُ "إمَّا أَنْ تُلْقِي وَإِمَّا أَنْ نَكُون نَحْنُ الْمُلْقِينَ" :
فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)
فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ
"فَلَمَّا أَلْقَوْا" حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ "قَالَ مُوسَى مَا" اسْتِفْهَامِيَّة مُبْتَدَأ خَبَره "جِئْتُمْ بِهِ السِّحْر" بَدَل وَفِي قِرَاءَة بِهَمْزَةٍ وَاحِدَة إخْبَار فَمَا اسْم مَوْصُول مُبْتَدَأ "إنَّ اللَّه سَيُبْطِلُهُ" أَيْ سَيَمْحَقُهُ
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
"وَيُحِقّ" يُثْبِت وَيُظْهِر "اللَّه الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ" بِمَوَاعِيدِهِ
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ
"فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلَّا ذُرِّيَّة" طَائِفَة "مِنْ" أَوْلَاد "قَوْمه" أَيْ فِرْعَوْن "عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ أَنْ يَفْتِنهُمْ" يَصْرِفهُمْ عَنْ دِينه بِتَعْذِيبِهِ "وَإِنَّ فِرْعَوْن لَعَالٍ" مُتَكَبِّر "فِي الْأَرْض" أَرْض مِصْر "وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ" الْمُتَجَاوِزِينَ الْحَدّ بِادِّعَاءِ الرُّبُوبِيَّة
وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)
فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
"فَقَالُوا عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" أَيْ لَا تُظْهِرهُمْ عَلَيْنَا فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقّ فَيَفْتَتِنُوا بِنَا
وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
"وَأَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ" اتَّخِذَا "لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قِبْلَة" مُصَلًّى تُصَلُّونَ فِيهِ لِتَأْمَنُوا مِنْ الْخَوْف وَكَانَ فِرْعَوْن مَنَعَهُمْ مِنْ الصَّلَاة "وَأَقِيمُوا الصَّلَاة" أَتِمُّوهَا "وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ" بِالنَّصْرِ وَالْجَنَّة
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ
"وَقَالَ مُوسَى رَبّنَا إنَّك آتَيْت فِرْعَوْن وَمَلَأَه زِينَة وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا رَبّنَا" آتَيْتهمْ ذَلِكَ "لِيُضِلُّوا" فِي "عَنْ سَبِيلك" دِينك "رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ" امْسَخْهَا "وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ" اطْبَعْ عَلَيْهَا وَاسْتَوْثِقْ "فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم" الْمُؤْلِم دَعَا عَلَيْهِمْ وَأَمَّنَ هَارُونَ عَلَى دُعَائِهِ
قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)
قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
"قَالَ" تَعَالَى "قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتكُمَا" فَمُسِخَتْ أَمْوَالهمْ حِجَارَة وَلَمْ يُؤْمِن فِرْعَوْن حَتَّى أَدْرَكَهُ الْغَرَق "فَاسْتَقِيمَا" عَلَى الرِّسَالَة وَالدَّعْوَة إلَى أَنْ يَأْتِيهِمْ الْعَذَاب "وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيل الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" فِي اسْتِعْجَال قَضَائِي رُوِيَ أَنَّهُ مَكَثَ بَعْدهَا أَرْبَعِينَ سَنَة
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
"وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيل الْبَحْر فَأَتْبَعَهُمْ" لَحِقَهُمْ "فِرْعَوْن وَجُنُوده بَغْيًا وَعَدْوًا" مَفْعُول لَهُ "حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَق قَالَ آمَنْت أَنَّهُ" أَيْ بِأَنَّهُ وَفِي قِرَاءَة بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافًا "لَا إلَه إلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ" كَرَّرَهُ لِيَقْبَل مِنْهُ فَلَمْ يَقْبَل وَدَسَّ جِبْرِيل فِي فِيهِ مِنْ حَمْأَة الْبَحْر مَخَافَة أَنْ تَنَالهُ الرَّحْمَة وَقَالَ لَهُ :
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
"آلْآنَ" تُؤْمِن "وَقَدْ عَصَيْت قَبْل وَكُنْت مِنْ الْمُفْسِدِينَ" بِضَلَالِك وَإِضْلَالك عَنْ الْإِيمَان
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ
"فَالْيَوْم نُنَجِّيك" نُخْرِجك مِنْ الْبَحْر "بِبَدَنِك" جَسَدك الَّذِي لَا رُوح فِيهِ "لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفك" بَعْدك "آيَة" عِبْرَة فَيَعْرِفُوا عُبُودِيَّتك وَلَا يَقْدَمُوا عَلَى مِثْل فِعْلك وَعَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّ بَعْض بَنِي إسْرَائِيل شَكُّوا فِي مَوْته فَأُخْرِجَ لَهُمْ لِيَرَوْهُ "وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "عَنْ آيَاتنَا لَغَافِلُونَ" لَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
"وَلَقَدْ بَوَّأْنَا" أَنْزَلْنَا "بَنِي إسْرَائِيل مُبَوَّأ صِدْق" مَنْزِل كَرَامَة وَهُوَ الشَّام وَمِصْر "وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات فَمَا اخْتَلَفُوا" بِأَنْ آمَنَ بَعْض وَكَفَرَ بَعْض "حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْم إنَّ رَبّك يَقْضِي بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" مِنْ أَمْر الدِّين بِإِنْجَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْذِيب الْكَافِرِينَ
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
"فَإِنْ كُنْت" يَا مُحَمَّد "فِي شَكّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك" مِنْ الْقَصَص فَرْضًا "فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَاب" التَّوْرَاة "مِنْ قَبْلك" فَإِنَّهُ ثَابِت عِنْدهمْ يُخْبِرُوك بِصِدْقِهِ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَا أَشُكّ وَلَا أَسْأَل" "لَقَدْ جَاءَك الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ" الشَّاكِّينَ فِيهِ
وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)
لا يوجد تفسير لهذه الأية
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96)
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ
"إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ" وَجَبَتْ "عَلَيْهِمْ كَلِمَة رَبّك" بِالْعَذَابِ
وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)
وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ
"وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلّ آيَة حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم" فَلَا يَنْفَعهُمْ حِينَئِذٍ
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ
"فَلَوْلَا" فَهَلَّا "كَانَتْ قَرْيَة" أُرِيدَ أَهْلهَا "آمَنَتْ" قَبْل نُزُول الْعَذَاب بِهَا "فَنَفَعَهَا إيمَانهَا إلَّا" لَكِنْ "قَوْم يُونُس لَمَّا آمَنُوا" عِنْد رُؤْيَة أَمَارَة الْعَذَاب وَلَمْ يُؤَخَّرُوا إلَى حُلُوله "كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَاب الْخِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِين" انْقِضَاء آجَالهمْ
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
"وَلَوْ شَاءَ رَبّك لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْض كُلّهمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِه النَّاس" بِمَا لَمْ يَشَأْهُ اللَّه مِنْهُمْ "حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" لَا
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ
"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِن إلَّا بِإِذْنِ اللَّه" بِإِرَادَتِهِ "وَيَجْعَل الرِّجْس" الْعَذَاب "عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ" يَتَدَبَّرُونَ آيَات اللَّه
قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)
قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ
"قُلْ" لِكُفَّارِ مَكَّة "اُنْظُرُوا مَاذَا" أَيْ الَّذِي "فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض" مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه تَعَالَى "وَمَا تُغْنِي الْآيَات وَالنُّذُر" جَمْع نَذِير أَيْ الرُّسُل "عَنْ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ" فِي عِلْم اللَّه أَيْ مَا تَنْفَعهُمْ
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
"فَهَلْ" فَمَا "يَنْتَظِرُونَ" بِتَكْذِيبِك "إلَّا مِثْل أَيَّام الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلهمْ" مِنْ الْأُمَم أَيْ مِثْل وَقَائِعهمْ مِنْ الْعَذَاب "قُلْ فَانْتَظِرُوا" ذَلِكَ
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ
"ثُمَّ نُنَجِّي" الْمُضَارِع لِحِكَايَةِ الْحَال الْمَاضِي "رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا" مِنْ الْعَذَاب "كَذَلِكَ" الْإِنْجَاء "حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ" النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه حِين تَعْذِيب الْمُشْرِكِينَ
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
"قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "إنْ كُنْتُمْ فِي شَكّ مِنْ دِينِي" أَنَّهُ حَقّ "فَلَا أَعْبُد الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره وَهُوَ الْأَصْنَام لِشَكِّكُمْ فِيهِ "وَلَكِنْ أَعْبُد اللَّه الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ" يَقْبِض أَرْوَاحكُمْ "وَأُمِرْت أَنْ" أَيْ بِأَنْ
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
"و" قِيلَ لِي "أَنْ أَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا" مَائِلًا إلَيْهِ
وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)
وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ
"وَلَا تَدْعُ" تَعْبُد "مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَنْفَعك" إنْ عَبَدْته "وَلَا يَضُرّك" إنْ لَمْ تَعْبُدهُ "فَإِنْ فَعَلْت" ذَلِكَ فَرْضًا
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
"وَإِنْ يَمْسَسْك" يُصِبْك "اللَّه بِضُرٍّ" كَفَقْرٍ وَمَرَض "فَلَا كَاشِف" رَافِع "لَهُ إلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْك بِخَيْرٍ فَلَا رَادّ" دَافِع "لِفَضْلِهِ" الَّذِي أَرَادَك بِهِ "يُصِيب بِهِ" أَيْ بِالْخَيْرِ
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ
"قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقّ مِنْ رَبّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ" لِأَنَّ ثَوَاب اهْتِدَائِهِ لَهُ "وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا" لِأَنَّ وَبَال ضَلَاله عَلَيْهَا "وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" فَأُجْبِركُمْ عَلَى الْهُدَى
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
"وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إلَيْك" مِنْ رَبّك "وَاصْبِرْ" عَلَى الدَّعْوَة وَأَذَاهُمْ "حَتَّى يَحْكُم اللَّه" فِيهِمْ بِأَمْرِهِ "وَهُوَ خَيْر الْحَاكِمِينَ" أَعْدَلهمْ وَقَدْ صَبَرَ حَتَّى حُكِمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْقِتَالِ وَأَهْل الْكِتَاب بِالْجِزْيَةِ
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
سُورَة هُود [ مَكِّيَّة إلَّا الْآيَات 12 و17 و114 فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا 123 نَزَلَتْ بَعْد سُورَة يُونُس ]
"الر" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ هَذَا "كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته" بِعَجِيبِ النَّظْم وَبَدِيع الْمَعَانِي "ثُمَّ فُصِّلَتْ" بُيِّنَتْ بِالْأَحْكَامِ وَالْقَصَص وَالْمَوَاعِظ "مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير" أَيّ اللَّه
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
"أَ" أَيْ بِأَنْ "لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير" بِالْعَذَابِ إنْ كَفَرْتُمْ "وَبَشِير" بِالثَّوَابِ إنْ آمَنْتُمْ
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
"وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ" مِنْ الشِّرْك "ثُمَّ تُوبُوا" ارْجِعُوا "إلَيْهِ" بِالطَّاعَةِ "يُمَتِّعكُمْ" فِي الدُّنْيَا "مَتَاعًا حَسَنًا" بِطِيبِ عَيْش وَسِعَة رِزْق "إلَى أَجَل مُسَمًّى" هُوَ الْمَوْت "وَيُؤْتِ" فِي الْآخِرَة "كُلّ ذِي فَضْل" فِي الْعَمَل "فَضْله" جَزَاءَهُ "وَإِنْ تَوَلَّوْا" فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ تُعْرِضُوا "فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
"إلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" وَمِنْهُ الثَّوَاب وَالْعَذَاب
أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)
أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
وَنَزَلَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ ابْن عَبَّاس فِيمَنْ كَانَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَتَخَلَّى أَوْ يُجَامِع فَيُفْضِي إلَى السَّمَاء وَقِيلَ فِي الْمُنَافِقِينَ "أَلَا إنَّهُمْ يُثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ" أَيْ اللَّه "أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ" يَتَغَطَّوْنَ بِهَا "يَعْلَم" تَعَالَى "مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ" فَلَا يُغْنِي اسْتِخْفَاؤُهُمْ "إنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور" أَيْ بِمَا فِي الْقُلُوب
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
"وَمَا مِنْ" زَائِدَة "دَابَّة فِي الْأَرْض" هِيَ مَا دَبَّ عَلَيْهَا "إلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا" تَكَفَّلَ بِهِ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى "وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا" مَسْكَنهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ الصُّلْب "وَمُسْتَوْدَعهَا" بَعْد الْمَوْت أَوْ فِي الرَّحِم "كُلّ" مِمَّا ذُكِرَ "فِي كِتَاب مُبِين" بَيِّن هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام" أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة "وَكَانَ عَرْشه" قَبْل خَلْقهمَا "عَلَى الْمَاء" وَهُوَ عَلَى مَتْن الرِّيح "لِيَبْلُوَكُمْ" مُتَعَلِّق بِخَلَقَ أَيْ خَلَقَهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِع لَكُمْ وَمَصَالِح لِيَخْتَبِركُمْ "أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا" أَيْ أَطْوَع لِلَّهِ "وَلَئِنْ قُلْت" يَا مُحَمَّد لَهُمْ "إنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد الْمَوْت لَيَقُولَن الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ" مَا "هَذَا" الْقُرْآن النَّاطِق بِالْبَعْثِ أَوْ الَّذِي تَقُولهُ "إلَّا سِحْر مُبِين" بَيِّن وَفِي قِرَاءَة سَاحِر وَالْمُشَار إلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
"وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إلَى" مَجِيء "أُمَّة" أَوْقَات "مَعْدُودَة لَيَقُولُنَّ" اسْتِهْزَاء "مَا يَحْبِسهُ" مَا يَمْنَعهُ مِنْ النُّزُول "أَلَا يَوْم يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا" مَدْفُوعًا "عَنْهُمْ وَحَاقَ" نَزَلَ "بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" مِنْ الْعَذَاب
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ
"وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان" الْكَافِر "مِنَّا رَحْمَة" غِنًى وَصِحَّة "ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إنَّهُ لَيَئُوس" قَنُوط مِنْ رَحْمَة اللَّه "كَفُور" شَدِيد الْكُفْر بِهِ
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
"وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْد ضَرَّاء" فَقْر وَشِدَّة "مَسَّتْهُ لَيَقُولَن ذَهَبَ السَّيِّئَات عَنِّي" الْمَصَائِب وَلَمْ يَتَوَقَّع زَوَالهَا وَلَا شُكْر عَلَيْهَا "إنَّهُ لَفَرِح" بَطِر "فَخُور" عَلَى النَّاس بِمَا أُوتِيَ
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
"إلَّا" لَكِنْ "الَّذِينَ صَبَرُوا" عَلَى الضَّرَّاء "وَعَمِلُوا الصَّالِحَات" فِي النَّعْمَاء "أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر كَبِير" هُوَ الْجَنَّة
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
"فَلَعَلَّك" يَا مُحَمَّد "تَارِك بَعْض مَا يُوحَى إلَيْك" فَلَا تُبَلِّغهُمْ إيَّاهُ لِتَهَاوُنِهِمْ بِهِ "وَضَائِق بِهِ صَدْرك" بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ "أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا" هَلَّا "أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْز أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَك" يُصَدِّقهُ كَمَا اقْتَرَحْنَا "إنَّمَا أَنْت نَذِير" فَمَا عَلَيْك إلَّا الْبَلَاغ لَا الْإِتْيَان بِمَا اقْتَرَحُوهُ "وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل" حَفِيظ فَيُجَازِيهِمْ
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
"أَمْ" بَلْ أَ "يَقُولُونَ افْتَرَاهُ" أَيْ الْقُرْآن "قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله" فِي الْفَصَاحَة وَالْبَلَاغَة "مُفْتَرَيَات" فَإِنَّكُمْ عَرَبِيُّونَ فُصَحَاء مِثْلِي تَحَدَّاهُمْ بِهَا أَوَّلًا ثُمَّ بِسُورَةٍ "وَادْعُوا" لِلْمُعَاوَنَةِ عَلَى ذَلِكَ "مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِي أَنَّهُ افْتِرَاء
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ
"فَإِ" نْ "لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ" أَيْ مَنْ دَعَوْتُمُوهُمْ لِلْمُعَاوَنَةِ "فَاعْلَمُوا" خِطَاب لِلْمُشْرِكِينَ "أَنَّمَا أُنْزِلَ" مُلْتَبِسًا "بِعِلْمِ اللَّه" وَلَيْسَ افْتِرَاء عَلَيْهِ "وَأَنْ" مُخَفَّفَة أَيْ أَنَّهُ "لَا إلَه إلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" بَعْد هَذِهِ الْحُجَّة الْقَاطِعَة أَيْ أَسْلِمُوا
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ
"مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا" بِأَنْ أَصَرَّ عَلَى الشِّرْك وَقِيلَ هِيَ فِي الْمُرَائِينَ "نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ" أَيْ جَزَاء مَا عَمِلُوهُ مِنْ خَيْر كَصَدَقَةٍ وَصِلَة رَحِم "فِيهَا" بِأَنْ نُوَسِّع عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ "وَهُمْ فِيهَا" أَيْ الدُّنْيَا "لَا يُبْخَسُونَ" يُنْقَصُونَ شَيْئًا
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
"أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إلَّا النَّار وَحَبِطَ" بَطَلَ "مَا صَنَعُوا" مَا صَنَعُوهُ "فِيهَا" أَيْ الْآخِرَة فَلَا ثَوَاب لَهُ
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ
"أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة" بَيَان "مِنْ رَبّه" وَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمُؤْمِنُونَ وَهِيَ الْقُرْآن "وَيَتْلُوهُ" يَتْبَعهُ "شَاهِد" لَهُ بِصِدْقِهِ "مِنْهُ" أَيْ مِنْ اللَّه وَهُوَ جِبْرِيل "وَمِنْ قَبْله" الْقُرْآن "كِتَاب مُوسَى" التَّوْرَاة شَاهِد لَهُ أَيْضًا "إمَامًا وَرَحْمَة" حَال كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ ؟ لَا "أُولَئِكَ" أَيْ مَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة "يُؤْمِنُونَ بِهِ" أَيْ بِالْقُرْآنِ فَلَهُمْ الْجَنَّة "وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب" جَمِيع الْكُفَّار "فَالنَّار مَوْعِده فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة" شَكّ "مِنْهُ" مِنْ الْقُرْآن "إنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّك وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
"وَمَنْ" أَيْ لَا أَحَد "أَظْلَم مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا" بِنِسْبَةِ الشَّرِيك وَالْوَلَد إلَيْهِ "أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبّهمْ" يَوْم الْقِيَامَة فِي جُمْلَة الْخَلْق "وَيَقُول الْأَشْهَاد" جَمْع شَاهِد وَهُمْ الْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِالْبَلَاغِ وَعَلَى الْكُفَّار بِالتَّكْذِيبِ "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ" الْمُشْرِكِينَ
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
"الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه" دِين الْإِسْلَام "وَيَبْغُونَهَا" يَطْلُبُونَ السَّبِيل "عِوَجًا" مُعْوَجَّة "وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ" تَأْكِيد
أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)
أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ
"أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ" لِلَّهِ "فِي الْأَرْض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "مِنْ أَوْلِيَاء" أَنْصَار يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابه "يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب" بِإِضْلَالِهِمْ غَيْرهمْ "مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع" لِلْحَقِّ "وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ" ـهُ أَيْ لِفَرْطِ كَرَاهَتهمْ لَهُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ
أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)
أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
"أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ" لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ "وَضَلَّ" غَابَ "عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" عَلَى اللَّه مِنْ دَعْوَى الشَّرِيك
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ
"لَا جَرَمَ" حَقًّا
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
"إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَأَخْبَتُوا" سَكَنُوا وَاطْمَأَنُّوا أَوْ أَنَابُوا
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
"مَثَل" صِفَة "الْفَرِيقَيْنِ" الْكُفَّار وَالْمُؤْمِنِينَ "كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ" هَذَا مَثَل الْكَافِر "وَالْبَصِير وَالسَّمِيع" هَذَا مَثَل الْمُؤْمِن "هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا" لَا "أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الذَّال تَتَّعِظُونَ
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمه إِنِّي" أَيْ بِأَنِّي وَفِي قِرَاءَة بِالْكَسْرِ عَلَى حَذْف الْقَوْل "لَكُمْ نَذِير مُبِين" بَيِّن الْإِنْذَار
أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)
أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
"أَنْ" أَيْ بِأَنْ "لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه إنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ" إنْ عَبَدْتُمْ غَيْره "عَذَاب يَوْم أَلِيم" مُؤْلِم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ
"فَقَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه" وَهُمْ الْأَشْرَاف "مَا نَرَاك إلَّا بَشَرًا مِثْلنَا" وَلَا فَضْل لَك عَلَيْنَا "وَمَا نَرَاك اتَّبَعَك إلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا" أَسَافِلنَا كَالْحَاكَةِ وَالْأَسَاكِفَة "بَادِئ الرَّأْي" بِالْهَمْزِ وَتَرْكه أَيْ ابْتِدَاء مِنْ غَيْر تَفَكُّر فِيك وَنَصْبه عَلَى الظَّرْف أَيْ وَقْت حُدُوث أَوَّل رَأْيهمْ "وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل" فَتَسْتَحِقُّونَ بِهِ الِاتِّبَاع مِنَّا "بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ" فِي دَعْوَى الرِّسَالَة أَدْرَجُوا قَوْمه مَعَهُ فِي الْخِطَاب
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا
"قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ" أَخْبِرُونِي "إنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة" بَيَان "مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَة" نُبُوَّة "مِنْ عِنْده فَعَمِيَتْ" خَفِيَتْ "عَلَيْكُمْ" وَفِي قِرَاءَة بِتَشْدِيدِ الْمِيم وَالْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ "أَنُلْزِمُكُمُوهَا" أَنُجْبِرُكُمْ عَلَى قَبُولهَا "وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ" لَا نَقْدِر عَلَى ذَلِكَ
وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)
وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا
"وَيَا قَوْم لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ" عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة "مَالًا" تُعْطُونِيهِ "إنْ" مَا "أَجْرِي" ثَوَابِي "إلَّا عَلَى اللَّه وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا" كَمَا أَمَرْتُمُونِي "إنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ" بِالْبَعْثِ فَيُجَازِيهِمْ وَيَأْخُذ لَهُمْ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَطَرَدَهُمْ "وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ" عَاقِبَة أَمْركُمْ
وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)
وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا
"وَيَا قَوْم مَنْ يَنْصُرنِي" يَمْنَعنِي "مِنْ اللَّه" أَيْ عَذَابه "إنْ طَرَدْتهمْ" أَيْ لَا نَاصِر لِي "أَفَلَا" فَهَلَّا "تَذَكَّرُونَ" بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِي الذَّال تَتَّعِظُونَ
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
"وَلَا أَقُول لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِن اللَّه وَلَا" إنِّي "أَعْلَم الْغَيْب وَلَا أَقُول إنِّي مَلَك" بَلْ أَنَا بَشَر مِثْلكُمْ "وَلَا أَقُول لِلَّذِينَ تَزْدَرِي" تَحْتَقِر "أَعْيُنكُمْ لَنْ يُؤْتِيهِمْ اللَّه خَيْرًا اللَّه أَعْلَم بِمَا فِي أَنْفُسهمْ" قُلُوبهمْ "إنِّي إذًا" إنْ قُلْت ذَلِكَ
قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)
قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ
"قَالُوا يَا نُوح قَدْ جَادَلْتنَا" خَاصَمْتنَا "فَأَكْثَرْت جِدَالنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا" بِهِ مِنْ الْعَذَاب "إنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ" فِيهِ
قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)
قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ
"قَالَ إنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّه إنْ شَاءَ" تَعْجِيله لَكُمْ فَإِنَّ أَمْره إلَيْهِ لَا إلَيَّ "وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ" بِفَائَتِينَ اللَّه
وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)
وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
"وَلَا يَنْفَعكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَح لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيكُمْ" أَيْ إغْوَاءَكُمْ وَجَوَاب الشَّرْط دَلَّ عَلَيْهِ "وَلَا يَنْفَعكُمْ نُصْحِي"
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ
"أَمْ" بَلْ "يَقُولُونَ" أَيْ كُفَّار مَكَّة "افْتَرَاهُ" اخْتَلَقَ مُحَمَّد الْقُرْآن "قُلْ إنْ افْتَرَيْته فَعَلَيَّ إجْرَامِي" إثْمِي أَيْ عُقُوبَته "وَأَنَا بَرِيء مِمَّا تُجْرِمُونَ" مِنْ إجْرَامكُمْ فِي نِسْبَة الِافْتِرَاء إلَيَّ
وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
"وَأُوحِيَ إلَى نُوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِس" تَحْزَن "بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" مِنْ الشِّرْك فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ "رَبّ لَا تَذَر عَلَى الْأَرْض" إلَخْ فَأَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ
"وَاصْنَعْ الْفُلْك" السَّفِينَة "بِأَعْيُنِنَا" بِمَرْأَى مِنَّا وَحِفْظنَا "وَوَحْينَا" أَمْرنَا "وَلَا تُخَاطِبنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا" كَفَرُوا بِتَرْكِ إهْلَاكهمْ
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ
"وَيَصْنَع الْفُلْك" حِكَايَة حَال مَاضِيَة "وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأ" جَمَاعَة "مِنْ قَوْمه سَخِرُوا مِنْهُ" اسْتَهْزَءُوا بِهِ "قَالَ إنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَر مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ" إذَا نَجَوْنَا وَغَرِقْتُمْ
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ
"فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ" مَوْصُولَة مَفْعُول الْعِلْم "يَأْتِيه عَذَاب يُخْزِيه وَيَحِلّ" يَنْزِل
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ
"حَتَّى" غَايَة لِلصُّنْعِ "إذَا جَاءَ أَمْرنَا" بِإِهْلَاكِهِمْ "وَفَارَ التَّنُّور" لِلْخَبَّازِ بِالْمَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَة لِنُوحٍ .
"قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا" فِي السَّفِينَة "مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ" ذَكَرًا وَأُنْثَى أَيْ مِنْ كُلّ أَنْوَاعهمَا "اثْنَيْنِ" ذَكَرًا وَأُنْثَى وَهُوَ مَفْعُول وَفِي الْقِصَّة أَنَّ اللَّه حَشَرَ لِنُوحٍ السِّبَاع وَالطَّيْر وَغَيْرهَا فَجَعَلَ يَضْرِب بِيَدَيْهِ فِي كُلّ نَوْع فَتَقَع يَده الْيُمْنَى عَلَى الذَّكَر وَالْيُسْرَى عَلَى الْأُنْثَى فَيَحْمِلهُمَا فِي السَّفِينَة "وَأَهْلك" أَيْ زَوْجَته وَأَوْلَاده "إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل" أَيْ مِنْهُمْ بِالْإِهْلَاكِ وَهُوَ زَوْجَته وَوَلَده كَنْعَان بِخِلَافِ سَام وَحَام وَيَافِث فَحَمَلَهُمْ وَزَوْجَاتهمْ الثَّلَاثَة "وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلَّا قَلِيل" قِيلَ كَانُوا سِتَّة رِجَال وَنِسَاءَهُمْ وَقِيلَ : جَمِيع مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَة ثَمَانُونَ نِصْفهمْ رِجَال وَنِصْفهمْ نِسَاء
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
"وَقَالَ" نُوح "ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا" بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ وَضَمّهمَا مَصْدَرَانِ أَيْ جَرْيهَا وَرَسْوهَا أَيْ مُنْتَهَى سَيْرهَا "إنَّ رَبِّي لَغَفُور رَحِيم" حَيْثُ لَمْ يُهْلِكنَا
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ
"وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْج كَالْجِبَالِ" فِي الِارْتِفَاع وَالْعِظَم "وَنَادَى نُوح ابْنه" كَنْعَان "وَكَانَ فِي مَعْزِل" عَنْ السَّفِينَة
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ
"قَالَ سَآوِي إلَى جَبَل يَعْصِمنِي" يَمْنَعنِي "مِنْ الْمَاء لَا عَاصِم الْيَوْم مِنْ أَمْر اللَّه" عَذَابه "إلَّا" لَكِنْ "مَنْ رَحِمَ" اللَّه فَهُوَ الْمَعْصُوم
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا
"وَقِيلَ يَا أَرْض ابْلَعِي مَاءَك" الَّذِي نَبَعَ مِنْك فَشَرِبَتْهُ دُون مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاء فَصَارَ أَنْهَارًا وَبِحَارًا "وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي" أَمْسِكِي عَنْ الْمَطَر فَأَمْسَكَتْ "وَغِيض" نَقَصَ "الْمَاء وَقُضِيَ الْأَمْر" تَمَّ أَمْر هَلَاك قَوْم نُوح "وَاسْتَوَتْ" وَقَفَتْ السَّفِينَة "عَلَى الْجُودِيّ" جَبَل بِالْجَزِيرَةِ بِقُرْبِ الْمُوصِل "وَقِيلَ بُعْدًا" هَلَاكًا "لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ
"وَنَادَى نُوح رَبّه فَقَالَ رَبّ إنَّ ابْنِي" كَنْعَان "مِنْ أَهْلِي" وَقَدْ وَعَدْتنِي بِنَجَاتِهِمْ "وَإِنَّ وَعْدك الْحَقّ" الَّذِي لَا خُلْف فِيهِ "وَأَنْت أَحْكَم الْحَاكِمِينَ" أَعْلَمهمْ وَأَعْدَلهمْ
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ
"قَالَ" تَعَالَى "يَا نُوح إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلك" النَّاجِينَ أَوْ مِنْ أَهْل دِينك "إنَّهُ" أَيْ سُؤَالك إيَّايَ بِنَجَاتِهِ "عَمَل غَيْر صَالِح" فَإِنَّهُ كَافِر وَلَا نَجَاة لِلْكَافِرِينَ وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ مِيم عَمِلَ فِعْل وَنَصْب غَيْر فَالضَّمِير لِابْنِهِ "فَلَا تَسْأَلنِي" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم" مِنْ إنْجَاء ابْنك "إنِّي أَعِظك أَنْ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ" بِسُؤَالِك مَا لَمْ تَعْلَم
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ
"قَالَ رَبّ إنِّي أَعُوذ بِك" مِنْ "أَنْ أَسْأَلك مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم وَإِلَّا تَغْفِر لِي" مَا فَرَطَ مِنِّي
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ
"قِيلَ يَا نُوح اهْبِطْ" انْزِلْ مِنْ السَّفِينَة "بِسَلَامٍ" بِسَلَامَةٍ أَوْ بِتَحِيَّةٍ "مِنَّا وَبَرَكَات" خَيْرَات "عَلَيْك وَعَلَى أُمَم مِمَّنْ مَعَك" فِي السَّفِينَة أَيْ مِنْ أَوْلَادهمْ وَذُرِّيَّتهمْ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ "وَأُمَم" بِالرَّفْعِ مِمَّنْ مَعَك "سَنُمَتِّعُهُمْ" فِي الدُّنْيَا "ثُمَّ يَمَسّهُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم" فِي الْآخِرَة وَهُمْ الْكُفَّار
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
"تِلْكَ" أَيْ هَذِهِ الْآيَات الْمُتَضَمِّنَة قِصَّة نُوح "مِنْ أَنْبَاء الْغَيْب" أَخْبَار مَا غَابَ عَنْك "نُوحِيهَا إلَيْك" يَا مُحَمَّد "مَا كُنْت تَعْلَمهَا أَنْت وَلَا قَوْمك مِنْ قَبْل هَذَا" الْقُرْآن "فَاصْبِرْ" عَلَى التَّبْلِيغ وَأَذَى قَوْمك كَمَا صَبَرَ نُوح "إنَّ الْعَاقِبَة" الْمَحْمُودَة
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا
"وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ" أَرْسَلْنَا إلَى عَادٍ أَخَاهُمْ مِنْ الْقَبِيلَة "هُودًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه" وَحِّدُوهُ "مَا لَكُمْ مِنْ" زَائِدَة "إلَه غَيْره إنْ" مَا "أَنْتُمْ" فِي عِبَادَتكُمْ الْأَوْثَان "إلَّا مُفْتَرُونَ" كَاذِبُونَ عَلَى اللَّه
يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)
يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا
"يَا قَوْم لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ" عَلَى التَّوْحِيد "أَجْرًا إنْ" مَا "أَجْرِي إلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي" خَلَقَنِي
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا
"وَيَا قَوْم اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ" مِنْ الشِّرْك "ثُمَّ تُوبُوا" ارْجِعُوا "إلَيْهِ" بِالطَّاعَةِ "يُرْسِل السَّمَاء" الْمَطَر وَكَانُوا قَدْ مَنَعُوهُ "عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا" كَثِير الدُّرُور "وَيُزِدْكُمْ قُوَّة إلَى" مَعَ "قُوَّتكُمْ" بِالْمَالِ وَالْوَلَد "وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ" مُشْرِكِينَ
قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)
قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ
"قَالُوا يَا هُود مَا جِئْتنَا بِبَيِّنَةٍ" بُرْهَان عَلَى قَوْلك "وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتنَا عَنْ قَوْلك" أَيْ لِقَوْلِك
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ
"إنْ" مَا "نَقُول" فِي شَأْنك "إلَّا اعْتَرَاك" أَصَابَك "بَعْض آلِهَتنَا بِسُوءٍ" فَخَبَلَك لِسَبِّك إيَّاهَا فَأَنْت تَهْذِي "قَالَ إنِّي أُشْهِد اللَّه" عَلَيَّ "وَأَشْهَد أَنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ" تُشْرِكُونَهُ بِهِ
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ
"مِنْ دُونه فَكِيدُونِي" احْتَالُوا فِي هَلَاكِي "جَمِيعًا" أَنْتُمْ وَأَوْثَانكُمْ "ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي" تُمْهِلُونِ
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
"إنِّي تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ" زَائِدَة "دَابَّة" نَسَمَة تَدِبّ عَلَى الْأَرْض "إلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا" أَيْ مَالِكهَا وَقَاهِرهَا فَلَا نَفْع وَلَا ضَرَر إلَّا بِإِذْنِهِ وَخَصَّ النَّاصِيَة بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ بِنَاصِيَتِهِ يَكُون فِي غَايَة الذُّلّ "إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم" أَيْ طَرِيق الْحَقّ وَالْعَدْل
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
"فَإِنْ تَوَلَّوْا" فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ تُعْرِضُوا "فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ إلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِف رَبِّي قَوْمًا غَيْركُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا" بِإِشْرَاكِكُمْ "إنَّ رَبِّي عَلَى كُلّ شَيْء حَفِيظ" رَقِيب
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
"وَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا" عَذَابنَا "نَجَّيْنَا هُودًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ" هِدَايَة "مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَاب غَلِيظ" شَدِيد
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
"وَتِلْكَ عَاد" إشَارَة إلَى آثَارهمْ أَيْ فَسِيحُوا فِي الْأَرْض وَانْظُرُوا إلَيْهَا ثُمَّ وَصَفَ أَحْوَالهمْ فَقَالَ "جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ وَعَصَوْا رُسُله" جُمِعَ لِأَنَّ مَنْ عَصَى رَسُولًا عَصَى جَمِيع الرُّسُل لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي أَصْلِ مَا جَاءُوا بِهِ وَهُوَ التَّوْحِيد "وَاتَّبَعُوا" أَيْ السَّفَلَة "أَمْر كُلّ جُبَار عَنِيد" مُعَانِد لِلْحَقِّ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ
"وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَة" مِنْ النَّاس "وَيَوْم الْقِيَامَة" لَعْنَة عَلَى رُءُوس الْخَلَائِق "أَلَا إنَّ عَادًا كَفَرُوا" جَحَدُوا "رَبّهمْ أَلَا بُعْدًا" مِنْ رَحْمَة اللَّه
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ
"و" أَرْسَلْنَا "إلَى ثَمُود أَخَاهُمْ" مِنْ الْقَبِيلَة "صَالِحًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه" وَحِّدُوهُ "مَا لَكُمْ مِنْ إلَه غَيْره هُوَ أَنْشَأَكُمْ" ابْتَدَأَ خَلْقكُمْ "مِنْ الْأَرْض" بِخَلْقِ أَبِيكُمْ آدَم مِنْهَا "وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" جَعَلَكُمْ عُمَّارًا تَسْكُنُونَ بِهَا "فَاسْتَغْفِرُوهُ" مِنْ الشِّرْك "ثُمَّ تُوبُوا" ارْجِعُوا "إلَيْهِ" بِالطَّاعَةِ .
"إنَّ رَبِّي قَرِيب" مِنْ خَلْقه بِعِلْمِهِ "مُجِيب" لِمَنْ سَأَلَهُ
قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ
"قَالُوا يَا صَالِح قَدْ كُنْت فِينَا مَرْجُوًّا" نَرْجُو أَنْ تَكُون سَيِّدًا "قَبْل هَذَا" الَّذِي صَدَرَ مِنْك "أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُد مَا يَعْبُد آبَاؤُنَا" مِنْ الْأَوْثَان "وَإِنَّنَا لَفِي شَكّ مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ" مِنْ التَّوْحِيد "مُرِيب" مُوقِع فِي الرَّيْب
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ
"قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة" بَيَان "مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَة" نُبُوَّة "فَمَنْ يَنْصُرنِي" يَمْنَعنِي "مِنْ اللَّه" أَيْ عَذَابه "إنْ عَصَيْته فَمَا تَزِيدُونَنِي" بِأَمْرِكُمْ لِي بِذَلِكَ "غَيْر تَخْسِير" تَضْلِيل
وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)
وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ
"وَيَا قَوْم هَذِهِ نَاقَة اللَّه لَكُمْ آيَة" حَال عَامِله الْإِشَارَة "فَذَرُوهَا تَأْكُل فِي أَرْض اللَّه وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ" عَقْر "فَيَأْخُذكُمْ عَذَاب قَرِيب" إنْ عَقَرْتُمُوهَا
فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)
فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
"فَعَقَرُوهَا" عَقَرَهَا قِدَار بِأَمْرِهِمْ "فَقَالَ" صَالِح "تَمَتَّعُوا" عِيشُوا "فِي دَاركُمْ ثَلَاثَة أَيَّام" ثُمَّ تَهْلَكُونَ "ذَلِكَ وَعْد غَيْر مَكْذُوب" فِيهِ
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ
"فَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا" بِإِهْلَاكِهِمْ "نَجَّيْنَا صَالِحًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ" وَهُمْ أَرْبَعَة آلَاف "بِرَحْمَةٍ مِنَّا" نَجَّيْنَاهُمْ "وَمِنْ خِزْي يَوْمئِذٍ" بِكَسْرِ الْمِيم إعْرَابًا وَفَتْحهَا بِنَاء لِإِضَافَتِهِ إلَى مَبْنِيّ وَهُوَ الْأَكْثَر "إنَّ رَبّك هُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيز" الْغَالِب
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
"وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارهمْ جَاثِمِينَ" بَارِكِينَ عَلَى الرُّكَب مَيِّتِينَ
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ
"كَأَنْ" مُخَفَّفَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ كَأَنَّهُمْ "لَمْ يَغْنَوْا" يُقِيمُوا "فِيهَا" فِي دَارهمْ "أَلَا إنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبّهمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودٍ" بِالصَّرْفِ وَتَرْكه عَلَى مَعْنَى الْحَيّ وَالْقَبِيلَة
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
"وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلنَا إبْرَاهِيم بِالْبُشْرَى" بِإسْحَاق وَيَعْقُوب بَعْده "قَالُوا سَلَامًا" مَصْدَر "قَالَ سَلَام" عَلَيْكُمْ "فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذ" مَشْوِيّ
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
"فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيهمْ لَا تَصِل إلَيْهِ نَكِرهمْ" بِمَعْنَى أَنْكَرَهُمْ "وَأَوْجَسَ" أَضْمَرَ فِي نَفْسه "مِنْهُمْ خِيفَة" خَوْفًا "قَالُوا لَا تَخَفْ إنَّا أُرْسِلنَا إلَى قَوْم لُوط" لِنُهْلِكهُمْ