كتاب : معانى القرآن للفراء
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }
قوله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ...}.
سألوا النبى صلى الله عليه وسلم: ما ربك؟ أيأكل أم يشرب؟ أم من ذهَب أم من فضة؟ فأنزل الله جل وعز: {قُلْ هُوَ اللَّهُ}. ثم قالو: فما هو؟ فقال: {أَحَدٌ}. وهذا من صفاته: أنه واحد، وأحد وإن كان نكرة. قال أبو عبدالله: يعنى فى اللفظ، فإنه مرفوع بالإستئناف كقوله: {هَذَا بَعْلِى شَيْخٌ}. وقد قال الكسائى قولا لا أراه شيئا. قال: هو عماد. مثل قوله: {إِنَّهُ أَنَا اللهُ}. فجعل "أحد" مرفوعا بالله، وجعل هو بمنزلة الهاء فى (أنه)، ولا يكون العمادُ مستأنفا به حتى يكون قبله إن أو بعض أخواتها، أو كان أو الظن.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
قوله عز وجل: {كُفُواً أَحَدٌ...}.
يثقل ويخفف، وإذا كان فعل النكرة بعدها أتبعها فى كان وأخواتها فتقول: لم يكن لعبدالله أحد نظير، فإذا قدمت النظير نصبوه، ولم يختلفوا فيه، فقالوا: لم يكن لعبدالله نظير أحد. وذلك أنه إذا كان بعدها فقد أتبع الاسم فى رفعه، فإذا تقدم فلم يكن قبله شىء يتبعه رجع إلى فعل كان فنصب. والذى قرأ "أحدُ اللهُ الصمدُ" بحذف النون من (أحد) يقول: النون نون الإعراب إذا استقبلتها الألف واللام حذفت. وكذلك إذا استقبلها ساكن، فربما حذفت وليس بالوجه قد قرأَتِ القراء: {وقالت اليهود عُزَيْرُ ابنُ اللهِ}، و "عزيرٌ ابن الله".
والتنوين أجود، وأنشدنى بعضهم:
لَتَجِدَنِّى بالأميرِ بَرّا * وبالقناةِ مِدْعَسًا مِكَرَّا
* إذا غُطَيْفُ السُّلَمِىُّ فَرَّا *
وأنشدنى آخر:
كيْفَ نَومى على الفراشِ ولمّا * تَشْملِ الشَّامَ غارةٌ شعواءُ
تُذْهِلُ الشَّيخَ عن بَنيهِ وتُبدى * عن خِدامِ العقيلةُ العذراءُ
أراد عن خدامٍ العقيلةُ العذراء، وليس قولهم عن خدامٍ [عقيلة] عذراء بشىء.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الفلق )
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ }
[/ب] قوله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ...}.
الفلق: الصبح، يقال: هو أبين من فلق الصبح، وفرَق الصبح. وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد اشتكى شكواً شديدا فكان يوما بين النائم واليقظان، فأتاه ملكان فقال أحدهما: ما علّته؟ فقال الآخر: به طبٌّ فى بئر تحت صخرة فيها، فانتبه النبى صلى الله عليه وسلم، فبعث عمار بن ياسر فى نفر إلى البئر، فاستخرج السحر، وكان وتراً فيه إحدى عشرة عقدة، فجعلوا كلما حلوا عقدة وجد راحة حتى حلت العقد، فكأنه أُنشِط من عقال، وأمر أن يتعوذ بهاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية على عدد العقد، وكان الذى سحره لبيد بن أعصم.
{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }
وقوله عز وجل: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ...}.
والغاسق: الليل "إذا وقب" إذا دخل فى كل شىء وأظلم، ويقال: غسق وأغسق.
{ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ }
وقوله عز وجل: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ...}.
وهن السواحر ينفثن سحرهن. ومِنْ شَرِّ حاسدٍ إِذَا حَسَدَ، يعنى: الذى سحره لبيداً.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الناس )
{مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ }
قوله عز وجل: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ...}.
إبليس يوسوس فى صدر الإنسان، فإذا ذكر الله عز وجل خنس.
{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}
قوله عز وجلّ: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ...}.
فالناس ها هنا قد وقعت على الجنة وعلى النسا كقولك: يوسوس فى صدور الناس: جنتهم وناسهم، وقد قال بعض العرب وهو يحدّث: جاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل: من أنتم؟ فقالوا: أناس من الجن وقد قال الله جل وعز: {أنّه اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنّ} فجعل النفر من الجن كما جعلهم من الناس، فقال جلّ وعز: {وأَنَّهُ كان رِجالٌ من الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ من الجنّ} فسمّى الرجال من الجن والإنس والله أعلم.
[تمّ كتاب المعانى، وذاك من الله وحده لا شريك له
والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمد وآله وسلم]
[تمت هذه النسخة المباركة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وصلى الله على من لا نبى بعده محمد
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً دائماً إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين آمين].