كتاب : الناسخ والمنسوخ
المؤلف : أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي النحاس

قال أبو جعفر فقد تبين بهذا الحديث أن قوله جل وعز ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى الأول خلاف الثاني ولأنه جعل لرسول الله خاصة فإن الثاني خلافه لأنه لآجناس جماعة
وفي الحديث قوله صلى الله عليه و سلم لا نورث ما تركنا صدقة فأصحاب الحديث يفرقون بهذا الحديث ويجعلونه من حديث عمر ثم يجعلونه من حديث عثمان ومن حديث علي ومن حديث الزبير ومن حديث سعد ومن حديث عبدالرحمن بن عوف ومن حديث العباس لأنهم جميعا قد اجتمعوا عليه
وفي قوله صلى الله عليه و سلم لا نورث قولان أحدهما أنه يخبر عنه وحده كما يقول الرئيس فعلنا وصنعنا
والقول الآخر أن يكون لا نورث لجميع الأنبياء صلى الله عليهم وأكثر أهل العلم على هذا القول
فإن أشكل على أحد قوله عز و جل إخبارا وإني خفت الموالي من ورائي مريم وما بعده فقد بين هذا أهل العلم فقالوا إنما قال هذا زكريا عليه السلام وإني خفت الموالي من ورائي لأنه خاف ألا يكون في مواليه مطيع لله عز و جل يرث النبوة من بعده والشريعة فقال هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ثم قال واجعله رب رضيا
وكذا قوله جل وعز وورث سليمان داوود النمل 6 ا فإن أشكل على أحد فقال إن سليمان قد كان نبيا في وقت أبيه قيل له قد كان ذلك إلا أن الشرائع كانت إلى داود وكان سليمان معينا له فيها وكذا كانت سبل الأنبياء صلى الله عليهم إذا اجتمعوا أن تكون الشريعة إلى واحد منهم فورث سليمان ذلك

وأما قوله شر ما تركنا صدقة فللعلماء فيه ثلاثة أقوال
منهم من قال هو بمنزلة الصدقة أي لا يورث وإنما هو في مصالح المسلمين
ومنهم من قال كان النبي قد تصدق به
والقول الثالث أن تكون الرواية لا نورث ما تركنا صدقة بالنصب فتكون ما بمعنى الذي وتكون في موضع نصب أيضا والمعاني في هذا متقاربة لأن المقصود أنه عليه السلام لا يورث

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الممتحنة
حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة
فيها أربع آيات
أولاهن قوله جل وعز لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين الممتحنة 8
للعلماء فيها أربعة أقوال منهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي مخصوصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا ومنهم من قال هي في حلفاء النبي ومن بينه وبينه عهد لم يقضه ومنهم من قال هي عامة محكمة
فممن قال هي منسوخة قتادة كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله جل وعز لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين قال نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم التوبة ه

والقول الثاني قول مجاهد قال الذين لم يقاتلوكم في الدين الذين آمنوا وأقاموا بمكة ولم يهاجروا
والقول الثالث قول أبي صالح قال هم خزاعة وقال الحسن هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناة أن تبروهم وتقسطوا إليهم قال توفوا لهم بالعهد الذي بينكم وبينهم
والقول الرابع أنها عامة محكمة قول حسن بين وفيه أربع حجج منها أن ظاهر الآية يدل على العموم
ومنها أن الأقوال الثلاثة مطعون فيها لأن قول قتادة إنها منسوخة رد عليه لأن مثل هذا ليس بمحظور وأن قوله جل وعز فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم التوبة 5 ليس بعام لجميع المشركين ولا هو على ظاهره فيكون كما قال قتادة وانما هو مثل قوله عز و جل والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ثم ثبت عن الني القطع في ربع دينار فصاعدا فصارت الآية لبعض السراق لأن النبي صلى الله عليه و سلم المبين عن الله عز و جل فكذا فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قد خرج منه أهل الكتاب إذا أدوا الجزية وخرج منه الرسول بسنة النبي
كما قال أبو وائل عن عبدالله بن مسعود وكنت عند النبي صلى الله عليه و سلم حتى وافاه رسولان من مسيلمة فقال لهما أتشهدان أني رسول الله فقالا

أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله فقال آمنت بالله وبرسوله لولا أن الرسول لا يقتل لقتلتكما ونهى رسول الله عن قتل العسيف
فهذا كله خارج من الآية فقد علم أن المعنى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم على ما أمرتم فلا يمتنع أن يكون ما أمر به من الإقساط إليهم وهو العدل فيهم ومن برهم أي الإحسان إليهم بوعظهم أو غير ذلك من الإحسان ثابتا
فمن ذلك أنه قد أجمع العلماء أن العدو إذا يعد وجب ألا يقاتل يدعى ويعرض عليه الإسلام فهذا من الإحسان إليهم والعدل فيهم
وقد روي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كان إذا غزى قوما إلى بلاد الروم أمرهم ألا يقاتلوا حتى يدعوا من عزموا على قتاله إلى الإسلام
وهذا قول مالك بن أنس في كل من عزم على قتاله وهو مروي عن حذيفة

وقال الحسن والنخعي وربيعة والزهري والليث بن سعد انه لا يدعى من بلغته الدعوة وهو قول للشافعي وأحمد وإسحاق
والقول الثاني أنها مخصوصة في المؤمنين الذين لم يهاجروا مطعون فيه لأن أول السورة يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الممتحنة والكلام متصل فليس من آمن ولم يهاجر يكون عدوا لله عزوجل وللمؤمنين والقول الثالث يرد بهذا
فصح القول الرابع وفيه من الحجة أيضا أن بر المؤمن من بينه وبينه نسب أو قرابة من أهل الحرب غير منهي عنه ولا محرم لأنه ليس في ذلك تقوية له ولا لأهل دينه بسلاح أو كراع ولا فيه إظهار عورة للمسلمين
والحجة الرابعة أن تفسير الآية إذا جاء عن صحابي لم يسع أحدا مخالفته ولا سيما إذا كان مع قوله توقيف بسبب نزول الآية
قال أبو جعفر وقد وجدنا هذا
قال أبو جعفر حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إسماعيل بن يحيى قال حدثنامحمد بن إدريس عن أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء ابنة أبي بكر قالت قدمت علي

أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله فاستفتيت رسول الله فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي مشركة أفأصلها قال نعم صلى أمك
وحدثناأحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن عبدالله الأصبهاني قال حدثناإبراهيم بن الحجاج قال حدثني عبدالله بن المبارك عن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير عن عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال قدمت قتيلة ابنة العزى بن أسعد على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بهدايا سمن وتمر وقرظ فأبت أن تقبلها ولم تدخلها منزلها فسألت لها عائشة عن ذلك فنزلت لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم الممتحنة
قال أبو جعفر فقد بان ما قلناه بهذين الحديثين وبما ذكرناه من الحجج

باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار الممتحنة 10 فنسخ الله جل وعز بهذا على قول جماعة من العلماء ما كان رسول الله عاهد عليه عامة قريش أنه إذا جاءه أحد منهم مسلم رده إليهم نقض الله جل وعز هذا في النساء ونسخه وأمر المؤمنين إذا جاءتهم المرأة المسلمة مهاجرة امتحنوها فإن كانت مؤمنة على الحقيقة لم يردوها إليهم
واحتج من قال هذا بأن القرآن ينسخ السنة
ومنهم من قال وهذا كله منسوخ في الرجال والنساء ولا يجوز للإمام أن يهادن الكفار على أنه من جاء منهم مسلما رده إليهم لأنه لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقيم مسلم بأرض الشرك تجري عليه أحكام أهل الشرك
واختلفوا في التجارة إلى أرض الشرك
قال أبو جعفر وسنذكر ذلك بعد ذكر الحديث الذي فيه خبر صلح النبي وما في ذلك من النسخ والإحكام والفوائد
فمن ذلك ما قرىء على أحمد بن شعيب بن علي عن سعيد بن عبدالرحمن قال حدثنا سفيان عن الزهري قال ونبأني معمر بعد عن الزهري عن عروة بن الزبير أن مسور بن مخرمة ومروان بن

الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قالا خرج رسول الله عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما اتخذ الحليفة قلد الهدى وأشعره وأحرم منها ثم بعث عينا له من خزاعة وسار النبي حتى إذا كان وذكر كلمة قال أبو جعفر الصواب حتى إذا كان بغدير الأشظاظ أتى عينه فقال إن قريشا جمعوا لك جموعا وجمعوا لك الأحابيش وإنهم مقاتلوك وصادوك عن البيت
فقال النبي صلى الله عليه و سلم أشيروا علي أترون أن نميل على ذراري هؤلاء القوم الذين أعانوا علينا فإن نجوا يكن الله عز و جل قد قطع عنقا من الكفار وإلا تركتهم محروبين وموتورين فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله إنما خرجت لهذا الوجه عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه فقال النبي امضوا على اسم الله
قال أبو جعفر أحسب أن أبا عبدالرحمن اختصر هذا الحديث لما فيه والذي فيه يحتاج إلى تفسيره والحكمة فيه أو يكون

بما يقدر أنه يحتاج إليه منه لأن عبدالرزاق رواه عن معمر عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان بتمامه فذكر نحو هذا ثم قال فراحوا يعني حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بغبرة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش
ثم سار رسول الله حتى كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت فقالوا خلأت القصواء خلأت فقال النبي ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون منها حرمات الله جل وعز إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت به قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا فلم تلبثه الناس أن نزحوه فشكي إلى رسول الله العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه
فبيناهم كذلك إذا جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه

خزاعة وكان عيبة نصح رسول الله من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤى لإعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت
فقال رسول الله إنا لم نجيء لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وإن قريشا نهكتهم الحرب فاضرت بهم فإن شاءوا هادنتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله عز و جل أمره
فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا إن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله
فقال عروة بن مسعود الثقفي أي قوم ألستم بالولد قالوا بلى قال ألست بالوالد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ عليكم جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها

ودعوني آته قالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي فقال له النبي نحوا من قوله لبديل
فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت وقومك هل سمعت أن أحدا من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوها وأرى أوباشا من الناس خلقا أن يفروا ويدعوك فقال أبو بكر رضي الله عنه امصص بظر اللات أنحن نفر وندعه فقال من ذا فقالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك
قال وجعل يكلم النبي فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي ومعه السيف وعلى رأسه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله ضرب يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله فرفع عروة رأسه وقال من هذا فقالوا

المغيرةبن شعبة فقال أي غدر أولست أسعى في غدرك
وكان المغيرة قد صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء
ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي بعينيه قال فوالله ما يتنخم رسول الله نخامة إلا وقعت في يد رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم أمرا تبدروه وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له
قال فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيسر والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن ينتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها منه
فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف على النبي وأصحابه قال النبي هذا فلان من قوم يعظمون البدن فابعثوها

له واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فقال رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعوني آته قالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي
فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا الكاتب فقال رسول الله اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن أكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله ما نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسوله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب من محمد بن عبدالله فقال قال الزهري وذلك قوله لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله عز و جل إلا أعطيتهم إياها

فقال النبي أن تخلوا بيننا وبين البيت نطوف به فقال سهيل بن عمرو والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما
فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو وهو يوسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما نقاضيك عليه أن ترده إلى فقال النبي إنا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله إذن لا أصالحك على شيء أبدا قال النبي فأجره لي قال ما أنا بمجيره لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل فقال مكرز بلى قد أجرناه لك فقال أبو جندل أي معاشر المسلمين أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ماذا لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أوليس كنت قد وعدتنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى أفاخبرتك أنك تأتيه العام قال لا قال فإنك تأتيه وتطوف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال أيها

الرجل انه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت فوالله إنه لعلى الحق قلت أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفاخبرك أنك تأتيه العام قال لا قال فإنك آتيه وتطوف به
قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا
فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر وتحلق فخرج فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ امرأتين كانا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية

ثم رجع النبي إلى المدينة فجاءه أبو بصير قال أبو جعفر وهو عتبة بن أسد بن حارثة الثقفي رجل من قريش وهو مسلم فارسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه النبي إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم قال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فامكنه منه فضربه به حتى برد وفر الأخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال النبي لقد رأي هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي قال قتل والله صاحبي واني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم

فخرج حتى أتى سيف البحر
قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل قال فلحق بأبي بصير فجعل لايخرج من قريش رجل قد أسلم إلآ لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة
قال فوالله ما يسمعون بعير لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي يناشدونه بالله والرحم إلا أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي إليهم فأنزل الله عز و جل وهو الذي كف أيديهم عنهم وأيديكم عنهم ببطن مكة الفتح 24 حتى بلغ حمية الجاهلية

وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم والأحكام وحالوا بينه وبين البيت
قال أبو جعفر في هذا الحديث من الناسخ والمنسوخ والأداب والأحكام من الحج والجهاد وغيرهما ومن التفسير وغيره نيف وثلاثون موضعا نذكرمنها موضعا موضعا إن شاء الله
فمن ذلك الوقوف على أن أصحاب رسول الله الذين كانوا بالحديبية بضع عشرة مائة وهم الذين أنزل الله عز و جل فيهم لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ا الفتح 8 ا وأن البضع يقع لأربع قال جابر بن عبدالله كنا ألفا وأربعمائة وأن المائة تعد عدد الواحدة
وفيه أن رسول الله سن لمن أراد العمرة من المدينة وأهل من ذي الحليفة سنة ست ثم أقام الأمر على ذلك كما روى مالك عن نافع عن ابن عمه عن النبي قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وذكر الحديث
وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من الإحرام من بلد الرجل لأن رسول الله منه أحرم بعمرة في هذا الوقت

ومنه أيضا أنه ليس معنى قول الله عز و جل وأتموا الحج والعمرة لله البقرة 196 أن يحرم الرجل من دويرة أهله ولو كان كذا لكان رسول الله أولى الناس بالعمل به
فإن قيل فقد قال علي بن أبي طالب بى رضي الله عنه إتمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك قيل هذا يتأول على أنه خاص لمن كان بين الميقات ومكة كما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم من كان أهله دون الميقات فمهله من حيث كان أهله وكما يهل أهل مكة من مكة
وفيه أن رسول الله أشعرالبدن فكانت هذه سنة على خلاف ما يقول الكوفيون أنه لا يجوز إشعار البدن
وقرىء على أحمد بن شعيب عن العباس بن عبدالعظيم قال حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا مالك بن أنس عن عبدالله بن أبي بكر عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قلد رسول الله هديه بيده وأشعرها ثم لم يحرم شيئا كان الله عز و جل أحله له وبعث

بالهدى مع أبي فدل هذا الحديث على خلاف ما يقول الكوفيون لأنهم زعموا أن الإشعار منسوخ بنهي النبي عليه السلام عن المثلة
ونهى النبي عن المثلة إنما كان في وقعة أحد وقيل في وقعة خيبر وحج أبو بكر رضي الله عنه بالناس بعد ذلك فكان الإشعار بعد ذلك ومحال أن ينسخ الأول الآخر وقد كان الإشعار أيضا في حجة الوداع
وفيه أيضا سنة التقليد وفيه أن الاشعار والتقليد قبل الإحرام
وفيه السنة في التوجيه بعين إلى العدو وفيه التوجيه برجل واحد فدل هذا على أنه يجوز للرجل أن يسافر وحده في حال الضرورة
وفيه أنه يجوز للواحد في حال الضرورة أن يهجم على الجماعة كما قال النبي يوم الأحزاب من يعرف لنا خبر القوم فقال الزبير أنا فقال النبي في لكل نبي حواري وحواري الزبير
وفيه الدليل على صحة خبر الواحد ولولا أنه مقبول ما وجه النبي بواحد ليخبره بخبرالقوم
وفيه مشاورة النبي عليه السلام أصحابه قال الحسن فعل ذلك لتستن به أمته وما شاور قوم إلا هدوا لأرشد الأمور
وقال سفيان الثوري بلغني أن المشورة نصف العقل وحدثني أحمد بن عاصم قال حدثني عبدالله بن سعيد بن الحكم بن محمد

قال حدثني أبي قال حدثناابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في قوله عز و جل وشاورهم في الأمر عمران 59 قال أبو بكر وعمر
وفيه مشورة أم سلمة على النبي أن يخرج إلى الناس فينحر ويحلق لأنها رأت أنهم لا يخالفون فعله فدل هذا على أن الحديث في أمر النساء ليس في المشورة وإنما هو في الولاية
وفيه السنة على أن النحر قبل الحلق لقول النبي انحروا ثم احلقواا
وفيه أن من قلد وأشعر لم يحرم على خلاف ما يقول بعض الفقهاء
وفيه إباحة سبي ذراري المشركين إذا خرج المشركون فأعانوا مشركين

اخرين لقول النبي أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم
وفيه إجازة ققال المحرم من صده عن البيت ومنعه من نسكه لقول النبي أو ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه
وفيه قول النبي والذي نفسي بيده لا يسألوننى خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ولم يقل إن شاء الله
قال أبو جعفر ففي هذا أجوبة منها أن يكون هذا شيئا قد علم أنه كذا فلا يحتاج أن يسثشى فيه لأن الإنسان إنما أمر بالإستثناء فيما يخاف أن يمنع منه فيجوز أن يكون الاستثناء حذف لعلم السامع أو لم يذكره المحدث أو جرى على وجه النسيان
وفيه إعطاء النبي عليه السلام السهم لأصحابه حتى جعلوه في الماء فكان ذلك من علامات نبوته عليه السلام وازديادهم بصيرة
وفيه إجازة مهادنة المشركين بلا مال يؤخذ منهم إذا كان ثم ضعف
وفيه أن محمد بن إسحاق قال هادنهم عشر سنين فعمل بذلك جماعة من الفقهاء وقالوا لا تجوز المهادنة أكثر من عشر سنين إذا كان ثم خوف
ومنهم من قال ذلك إلى الإمام يفعل فيه ما فيه صلاح المسلمين

وفيه إجازة مهادنة المشركين على ما فيه ضعف على المسلمين مما ليس فيه معصية لله عز و جل إذا احتيج إلى ذلك لأن النبي لما كتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم امتنعوا من ذلك وأبوا أن يكتبوا إلا باسمك اللهم فأجابهم إلى ذلك لأن هذا كله لله عز و جل وكذا لما قالوا لا تكتب إلا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فأجابهم إلى ذلك رسول الله وهو محمد بن عبد الله
وفيه من المشكل أنه قاضاهم على أنه من جاءه منهم مسلما رده إليهم حتى نفر جماعة من الصحابة من هذا منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى ثبته أبو بكر رضي الله عنهما وتكلم العلماء في هذا الفعل فمنهم من قال فعل النبي صلى الله عليه و سلم هذا لقلة أصحابه وكثرة المشركين وأنه أراد أن يشتغل بغير قريش حتى يقوى أصحابه
ومن أصح ما قيل فيه وهو مذهب محمد بن إسحاق أنه كثر الإسلام بعد ذلك حتى إنه كان لا يخاطب أحد يعقل الإسلام إلا أسلم فمن هذا أن الله عز و جل علم أن منهم من سيسلم وأن في هذا الصلاح ولم يكن في رده من أسلم إليهم إلا أحد أمرين إما أن يفتن فيقول بلسانه ما ليس بقلبه فالوزر ساقط عنه وإما أن يعذب في الله فيثاب على أنهم انما كانواا بحي أهاليهم وأقربائهم فهم مشفقون عليهم
والدليل على أن الله عز و جل علم أن في ذلك الصلاح إحمادهم العاقبة بأن سأل الكفار المسلمين أن يحوزوا إليهم كل من أسلم

وفيه قوله إني رسول الله لا أعصيه فدل على أن هذا كان عن أمر الله عزوجل
وفيه تبيين فضل أبي بكر رضي الله عنه وأنه أعلم الناس بعد رسول الله بأحكام الله عز و جل وشرائع نبيه عليه السلام لأنه أجاب عمر رضي الله عنهما بمثل جواب رسول الله وثبته وإنما كان ذلك من عمر كراهة لإعطاء الدنية في الإسلام
وفيه هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله وكان في هذا الرد على من زعم من الفقهاء أنه لا يجوز أن تكتب هذا ما شهد عليه الشهود قال لأن هذا يكون نفيا
قال أبو جعفر هذا إغفال قال الله عز و جل هذا ما توعدون ليوم الحساب
وفيه إجازة صلح الإمام لواحد من المشركين عن جميعهم لأن سهيل بن عمرو هو الذي صالح
وفيما استحباب الفأل لقول رسول الله لما جاء سهيل قد سهل لكم من أمركم
وفيه إجازة قيام الناس على رأس الإمام بالسيوف إذا كان ذلك ترهيبا للعدو ومخافة للعذر لأن في الحديث أن مغيرة بن شعبة كان قائما على رأس النبي متقلدا سيفه فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ضربه المغيرة بنعل سيفه وقال له أخر عن لحية رسول الله فنزع يده

وفيه خبر المغيرة أنه لما خرج مع قوم من المشركين فقتلهم وأخذ مالهم ثم جاء إلى النبي مسلما فقال له النبي أما إسلامك فأقبله وأما المال فلست منه في شيء لأن المشركين وإن كانت أموالهم مغنومة عند القهر فلا يحل أخذها عند الأمن وإذا كان الإنسان مصاحبا لهم فقد أمن كل واحد منهم صاحبه فسفك الدماء وأخذ المال عند ذلك غدر والغدر محظور وأموال الأبرار والفجار لهم يستوون في ذلك لا يؤخذ منها شيء إلا بالحق
وفيه طهارة النخامة لأن أصحاب رسول الله كان إذا تنخم منهم من يأخذ النخامة فيحك بها جلده على خلاف ما قال إبراهيم النخعي أن النخامة إذا سقطت في ماء هريق
وفيه من قول النبي فإنك تأتيه فدل هذا على أنه من حلف على فعل ولم يوجب وقتا أن وقته أيام حياته
وفيه أن من أحرم بحج أو عمرة فحصره عدو حل من إحرامه ونحر هديه مكانه لأن النبي عليه السلام كذا فعل لما حصر يوم الحديبية حل ونحر في الحل وأمر أصحابه بذلك
وفيه أن أبا بصير لما سلمه النبي عليه السلام إلى الرجلين فقتل أحدهما وهو ممن دخل في الصلح فلم يطالبه النبي عليه السلام به لما لم يطالب به أولياؤه فكان الحكم فكذا في نظير هذا
وفيه أنه وقع الصلح على أن يرد إليهم من جاء منهم فلما اعتزل

أبو بصير بسيف النحر واجتمع إليه كل من أسلم لم يأمر بردهم فدل هذا على أنه ليس على الإمام إن صالح على مثل هذا في قول من يقول ليس بمنسوخ فليس عليه أن يدر من لم يكن عنده
وفيه ولا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وكان هذا ليس فيه ذكر النساء فلا نسخ على هذه الرواية وفي رواية عقيل ولا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وأحد محيط بالرجال والنساء ثم أنزل الله عز و جل نسخ هذا في النساء وكان فيه دليل أنه من شرط شرطا ليس في كتاب الله عز و جل فهو باطل كما روى عن النبي كل شرط ليس في كتاب الله عز و جل فهو باطل
وفيه أن المسلمين لما اجتمعوا بسيف البحر وضيقوا على قريش سألوا النبي أن يضمهم إليه فأنزل الله عز و جل وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم 24
قال أبو جعفر وقد روى في نزول هذه الآية غير هذا كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمد بن بحر بن مطر قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله

وأصحابه من التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم فأخذهم رسول الله فأعتقهم فأنزل الله عز و جل وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم الآية
قال أبو جعفر وهذا إسناد مستقيم وهو أولى من الأول من غير جهة وذلك أن في هذا الحديث هبطوا من التنعيم والتنعيم من بطن مكة وأبو بصير كان بسيف البحر وسيف البحر ليس من بطن مكة وأيضا فإن في هذا الحديث الظفر بهم وليس في ذلك ظفر
وفي الحديث الأول ما دل على أن من جالس إماما أو عالما فرأى إنسانا قد ألحقه مكروها فينبغي له أن يغتره ويصون الإمام أو العالم عن الكلام فيه لأن عروة بن مسعود لما أخذ بلحية النبي ضرب المغيرة بن شعبة يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله
وفيه استعمال الحلم من أدب رسول الله كما أمره الله عز و جل في كتابه فقال جل وعز ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم فصلت 34 35
قال أبو جعفر ومن حسن ما قيل في هذه الآية ما قاله ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ادفع بالتي هي أحسن قال أمر الله عز و جل المؤمنين بالصبر عند الجزع والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها

إلا ذو حظ عظيم قال الذين أعد الله لهم الجنة
وفي الآية التي قصدت لذكرها وءاتوهم ما أنفقوا فللشافعي فيها قولان أحدهما أن هذا منسوخ قال الشافعي رحمه الله وإذا جاءت المرأة الحرة من أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من أهل الحرب إلى الإمام في دار الإسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض وإذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره بوكالته ففيه قولان أحدهما يعطي العوض والقول ما قال الله عز و جل وفيه قول آخر وهو ألا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض وإن شرط الإمام رد النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال إن شرط رسول الله لأهل الحديبية إذ فيه أن يرد من جاء منهم وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا ففسخه الله جل وعز ورد العضو من فسخ من فسخه منهم فلما قضى الله جل وعز ثم رسوله أن لا يرد النساء كان شرط من شرط رد النساء مفسوخا وليس عليه عوض لأن الشرط المفسوخ باطل ولا عوض للباطل
قال أبو جعفر وهذا القول عنده أشبه القولين ألا يعطى عوضا وقد تكلم على أن النبي صالحهم على رد النساء ثم إن الله جل وعز نسخ ذلك فكان في هذا نسخ السنة بالقرآن ومذهبه غير هذا لأن مذهبه أن لا ينسخ القرآن إلا قرآن ولا ينسخ السنة إلا سنة فقال بعض أصحابه لما أنزل الله عز و جل الآية لم يرد النبي النساء فنسخت السنة السنة

وثبت أنه لا يجوز أن يشترط الإمام رد النساء بحكم الله عز و جل ثم بحكم رسول الله
واختلف العلماء في صلح الإمام المشركين على أن يرد إليهم من جاء منهم مسلما
فقال قوم لا يجوز هذا وهو منسوخ واحتجوا بحديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ا بن أبي حازم عن خالد بن الوليد أن رسول الله بعثه إلى قوم من خثعم فاعتصموا بالسجود فقتلهم فوداهم رسول الله بنصف الدية وقال أنا بريء من كل مسلم أقام مع مشرك في دار الحرب لا تراءى ناراهما قالوا فهذا ناسخ لرد المسلمين إلى المشركين إذ كان رسول الله قد برىء ممن أقام معهم في دار الحرب

قال أبو جعفر وهذا قول الكوفيين ومذهب مالك والشافعي رحمهما الله أن هذا الحكم غير منسوخ قال الشافعي وليس لأحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل بأمره لأنه يلي الأموال كلها فمن عقد غير الخليفة هذا العقد فهو مردود
قال أبو جعفر وفي هذه الآية ولا تمسكوا بعصم الكوافر الممتحنة ام
ففي هذا قولان أحدهما أنه منسوخ منه كما قال الله عز و جل والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ولو كان إلى ظاهر الآية لم تحل كافرة بوجه
وقال قوم هي محكمة إلا أنها مخصوصة لمن كان من غير أهل الكتاب فإذا أسلم وثني أو مجوسي ولم تسلم امرأته فرق بينهما وهذا قول بعض أهل العلم ومنهم من قال ينتظر بها تمام العدة
فممن قال يفرق بينهما ولا ينتظر تمام العدة مالك بن أنس وهو قول الحسن وطاووس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة والحكم وقال الزهري ينتظر بها العدة وهو قول الشافعي وأحمد رحمهما الله
وقال أصحاب الرأي ينتظر بها ثلاث حيض إذا كانا جميعا في دار الحرب أو في دار الإسلام فإن كان أحدهما في دار الحرب والآخر في

دار الإسلام انقطعت العصمة بينهما
قال أبو جعفر وهذا الاختلاف في المدخول بها فإن كانت غير مدخول بها فلا نعلم اختلافا في انقطاع العصمة بينهما وكذا يقول مالك في المرأة ترتد وزوجها مسلم انقطعت العصمة بينهما وحجته ولا تمسكوا بعصم الكوافر وهو قول الحسن البصري والحسن بن صالح
ومذهب الشافعي وأحمد أنه ينتظر بها تمام العدة
فإن كان الزوجان نصرانيين فأسلمت الزوجة ففيه أيضا اختلاف
فمذهب مالك والشافعي وأحمد وهو قول مجاهد الوقوف إلى تمام العدة
ومن العلماء من قال انفسخ النكاح بينهما قال يزيد بن علقمة أسلم جدي ولم تسلم جدتي ففرق بينهما عمر رضي الله عنه وهو قول طاووس وجماعة غيره منهم عطاء والحسن وعكرمة وقالوا لا سبيل عليها إلا بخطبة واحتج بعضهم بقوله جل وعز ولا تمسكوا بعصم الكوافر الممتحنة 10
وهذا الاحتجاج غلط لأن الكوافر لا يكون إلا للنساء ولا يجمع كافر على كوافر الحجة فيه ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا 21
ومن العلماء من قال يستتاب فإن تاب وإلا وقعت الفرقة

ومنهم من قال يزول النكاح باختلاف الدارين
ومنهم من قال لا يزول النكاح إذا كانا في دار الهجرة وهذا قول النخعي
ومنهم من قال تخير فإن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته
فإن أسلم الزوج فهي زوجته بحالها لأنها كتابية فإن أسلما جميعا فهما على نكاحهما لا اختلاف في ذلك

باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة قال الله عز و جل وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فئاتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا الممتحنة 11 الآية
أكثر العلماء على أنها منسوخة قال قتادة وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار الذين ليس بينكم وبينهم عهد فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ثم نسخ هذا في سورة براءة

وقال الزهري انقطع هذا يوم الفتح وقال سفيان الثوري لا يعمل به اليوم
وقال مجاهد وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار الذين بينكم وبينهم عهد أو ليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم أي فاقتصصتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا أي الصدقات فصار قول مجاهد أنها في جميع الكفار وقول قتادة أنها فيمن لم يكن له عهد وقول ثالث أنها نزلت في قريش حين كان بينهم وبين النبي عهد كما روى الزهري عن عروة عن عاثشة قالت حكم الله بينهم فقال جل وعز وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا فكتب إليهم المسلمون قد حكم الله بيننا بأنه إن جاءتكم امرأة منا أن توجهوا إلينا بصداقها وإن جاءتنا امرأة منكم وخفنا إليكم بصداقها فكتبوا إليهم أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئا فإن كان لنا ضدكم شيء فوجهوا به فأنزل الله عز و جل وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فئاتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا الممنحنة 11 الآية

باب ذكر الآية الرابعة من هذه السورة
قال الله جل وعز يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن 12 الآية
فمن العلماء من قال هذه منسوخة بالإجماع أجمع العلماء على أنه ليس على الإمام أن يشترط عليهن هذا عند المبايعة إلا أن أبا حاتم فرق بين هذا وبين النسخ وقال هذا هو إطلاق الترك من غير أن ينسخ بآية
واحتج بقول الله جل وعز ما ننسخ من آية أو ننسها قال ننساها نطلق لكم تركها
قال أبو جعفر هذا قول حسن وأصله عن ابن عباس رحمه الله وهو الذي يفرق بين نسخ ونسي
وقال بعض أهل النظر الآية محكمة فإذا تباعدت الدار واحتيج إلى المحنة كان على إمام المؤمنين إقامة المحنة

سورة الصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق والتحريم
قال أبو جعفر قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا أحمد بن بشير عن سعيد عن قتادة أن هذه السور مدنيات نزلن بالمدينة
وحدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أن سورة الصف نزلت بمكة وأن سورة الجمعة والمنافقين نزلتا بالمدينة وأن سورة التغابن نزلت بمكة إلأ آيات من آخرها نزلن بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي شكا الى

النبي صلى الله عليه و سلم جفاء أهله وولده فأنزل الله جل وعز يا أيها الذين ءامنوا إن من أزوجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم إلى اخر السورة وأن سورة التحريم والطلاق مدنيتان
قال أبو جعفر فالقول الأول مروي عن مجاهد وعن كريب عن ابن عباس قوله تعالى في هذه الآية فاتقوا الله ما استطعتم قد ذكرناه في سورة آل عمران وذكرنا قول من قال إنه ناسخ لقوله جل وعز يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته
وفيها وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حمله
قال أبو جعفر وقد ذكرناه في سورة البقرة وقول من قال هو ناسخ لحكم المتوفى عنها زوجها وهي حامل
فأما المطلقة فلا اختلاف في حكمها أنها إذا ولدت فقد انقضت عدتها وإنما الاختلاف في المتوفى عنها زوجها وهي حامل
فمن الصحابة من يقول عدتها آخر الأجلين منهم علي وابن عباس رضي الله عنهما ومنهم من قال إذا ولدت فقد انقضت عدتها منهم

عبدالله بن مسعود قال نزلت هذه بعد تلك
قال أبو جعفر وظاهر القرآن يدل على ما قال ابن مسعود قال الله عز و جل وأولات الأحمال أجلهن أن يضغن حملهن ولم يفرق بين المطلقة والمتوفى عنها زوجها وكذا السنة

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الملك ونون والحاقة وسئل سائل ونوح والجن
حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة فهن مكيات
فيهن قوله عز و جل فاصبر صبراا جميلا مذهب ابن زيد والشافعي أن هذا منسوخ وأنه كان قبل الأمر بالقتال فلما أمر بالقتال أمر بالغلظة والشدة على الكفار والمنافقين
ورد عليه بعض أهل العلم قال لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل صابرا عليهم

صبرا جميلا ولم يكن في وقت خلاف وقت فيكون كما قال ابن زيد وفيهن والذين في أموالهم حق معلوم للسائل
قال أبو جعفر وقد ذكرنا هذا في سورة الذاريات بما لا يحتاج معه الى زيادة

سورة المزمل
حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنها نزلت بمكة فهي مكية سوى آيتين منها فإنهما نزلتا بالمدينة وهما قوله عز و جل إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل إلى آخرها
قال أبو جعفر فيها موضعان قال الله وجل وعز يا أيها المزمل قم الليل إلآ قليلا الآية فجاز أن يكون هذا ندبا وحضا وأن يكون حتما وفرضا غير أن بابه بآن يكون حتما وفرضا إلا أن يدل دليل على غير ذلك والدلائل تقوى أنه كان حتما وفرضا وذلك أن الندب والحض لا يقع على بعض الليل دون بعض لأن قيامه ليس مخصوصا به وقتا دون وقت وأيضا فقد جاء التوقيف بما سنذكره إن شاء الله تعالى
وجازأن يكون هذا حتما وفرضا على النبي صلى الله عليه و سلم وحده
وجاز أن يكون عليه وعلى أمته فجاء التوقيف بأنه كان عليه وعلى المؤمنين ثم نسخ
كما قرىء على أحمد بن شعيب عن اسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد بن الحارث قال حدثنا سعيد قال ثنا قتادة عن زرارة بن

اوفى عن سعد بن هشام قال انطلقنا إلى عائشة رضي الله عنها فاستأذنا عليها فقلت أنبئيني بقيام رسول الله قالت ألست تقرأ هذه السورة يا أيها المزمل قلت بلى قالت إن الله جل وعز افترض القيام في أول يا أيها المزمل على النبي وعلى أصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله عز و جل خاتمتها اثني عشر شهرا ثم أنزل التخفيف في اخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا بعد أن كان فريضة قال أبو عبدالرحمن مختصر
فتبين بهذا الحديث أنه كان فرضا عليه وعلى أصحابه ثم نسخ
وقول عائشة رضي الله عنها حولا يبين لك ما في الناسخ والمنسوخ مما يشكل على أقوام وذلك أنه إذا قيل لهم صلوا كذا إلى حول أو قيل لهم صلوا كذا ثم نسخ بعد فقد كان في معنى قوله صلوا كذا أنه إلى وقت كذا وإن لم يذكرفعلى هذا يكون النسخ
وقرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع ويعلى قالا حدثنا مسعر عن سماك الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول لما أنزلت أول يا أيها المزمل كانوا يقومون نحوا من

قيامهم في شهر رمضان حتى نزلت آخرها وكان بين أولها وآخرها نحوا من سنة
قال حدثني جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن عبدالله قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا فلما قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة نسختها هذه الآية إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدرالليل والنهار الى آخرها
وحدثنا محمد بن رمضان بن شاكر قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله قال ومما نقل بعض من سمعت منه من أهل العلم أن الله جل وعز أنزل فرضا في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس فقال يا أيها المزمل قم اليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلآ أو زد عليه ورتل القران ترتيلا ثم نسخ هذ ا في السورة معه فقال إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل ونصفه وثلثه إلى وءاتوا الزكاة ولما ذكر الله عز و جل بعد أمره بقيام

الليل نصفه إلا قليلا أو الزيادة عليه فقال أدنى من ثلثي اليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك كان بينا في كتاب الله نسخ قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول الله عز و جل فاقرءوا ما تيسر منه فخفف فقال علم أن سيكون منكم مرضى إلى فاقرءوا ما تيسر منه
ثم احتمل قول الله عز و جل فاقرءوا ما تيسر منه معنيين أحدهما أن يكون فرضا ثابتا لأنه أزيل به فرض غيره والاخر أن يكون فرضا منسوخا أزيل بغيره كما أزيل به غيره وذلك لقول الله عز و جل ومن الليل فتجهد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فاحتمل قوله عز و جل ومن الليل فتجهد به نافلة لك أي أن يتهجد بغير الذي فرضه عليه مما تيسر منه قال الشافعي رحمه الله فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنين فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم تدل على أن لا واجب من الصلاة الا الخمس

قال أبو جعفر وأما الموضع الثاني فقوله عز و جل واصبر على ما يقولون وأهجرهم هجرا جميلا
قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني محمد بن بكر البصري قال حدثنا همام بن يحيى عن قتادة في قوله تعالى واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا قال كان هذا قبل أن يؤمر بالقتال ثم أمر بعد بقتالهم وقتلهم فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المدثر إلى اخر اقرأ باسم ربك
حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة
وجدنا فيهن أربعة مواضع

باب ذكر الموضع الأول
قال الله عز و جل ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلآ
قال ابن زيد كان هذا أول شيء فريضة ثم خففها الله عز و جل فقال ومن الليل فتهجد به نافلة لك

ذكر الموضع الثاني قال الله عز و جل قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى الأعلى 14 115
تكلم العلماء في هذه الآية بأجوبة
فروي عن ابن عباس أنه قال من تزكى من الشرك وروى عنه أنه قال أخرجوا زكاة الفطرقبل صلاة العيد
وعن أبي مالك من تزكى من آمن
وعن عكرمة من تزكى من قال لا إله إلا الله
وعن قتادة من تزكى بالعمل الصالح والورع
وعن ابن جريج من تزكى بماله وعمله
وعن عطاء الصدقات كلها

وعن عبدالله إذا خرجت إلى الصلاة فتصدق بشيء إن استطعت فإن الله عز و جل يقول قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة لأن التزكي في اللغة التطهر وهذا كله تطهر لأنه انتهاء إلى ما يكفر ا لذنوب وقيل زكاة من هذا لأنها تطهير لما في المال وقيل هي من الزكاء أي من الزيادة والنماء
وإنما أدخلت هذه الآية في الناسخ والمنسوخ لأن جماعة من العلماء تأولوها على أنها في زكاة الفطر منهم عمر بن عبدالعزيز قال أخرجوا زكاة الفطر من قبل أن تصلوا صلاة العيد فإن الله عز و جل يقول قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى
وهو قول سعيد بن المسيب وأبي العالية وموسى بن وردان فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بزكاة الفطر وفرضها قبل أن تفرض الزكاة فجاز أن تكون الزكاة ناسخة لأنها بعدها وجاز أن تكونا واجبتين وقد ثبت وجوبهما وإن كان حديث قيس بن سعد بن عبادة ربما أشكل فتوهم سامعه النسخ في ذلك
كما قرىء على أحمد بن شعيب بن علي عن محمد بن عبدالله المبارك قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن

لقاسم بن محيمرة عن أبي عمار عن قيس بن سعد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله
قال أبو جعفر وهذا الحديث لا يدل على نسخ لأنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمرهم بها والأمر مرة واحدة يكفي ولا يزول إلا بشيء ينسخه
القول والقول بأنها واجبة على الغني والفقير قول أبي هريرة وابن عمروابي العالية والزهري وابن سيرين والشعبي ومالك والشافعي وابن المبارك غير أن الشافعي وابن المبارك قالا إذا كان عنده فضل على قوته وقوت من يعوله كانت واجبة عليه
وأهل الرأي يقولون لا تجب زكاة الفطر على من تحل له الصدقة
وقال إسحاق بن راهويه أوجب رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر وعمل بها الخلفاء الراشدون المهديون وهذا يدل على أنه إجماع

حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عبدالله بن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر في رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين
قال أبو جعفر وقد أشكل هذا الحديث على بعض أهل النظر فقال ليس على الرجل أن يخرج عن عبده لأن العبد فرض عليه ولم يفرض على مولاه وفي الحديث أن يخرج عنه فذلك على العبد أن يخرج عن نفسه إذا أعتق وهذا قول بالظاهر وقد بين ذلك الحديث الاخر الثالث الذي لا تدفع صحته
روى عبيدالله عن نافع عن ابن عمر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو عبد بصاع من شعير أو صاع من تمر
فقد بين هذا الحديث ذاك فيجوز أن يكون على كل حر وعبد يخرج عنه الحر ويجوز أن يكون على بمعنى عن وذلك معروف في اللغة موجود قال الله عز و جل أفتمارونه على ما يرى لا نعلم اختلافا أن معناه عما يرى وأنشد النحويون ... اذا رضيت على بنو قشير ... لعمر أبيك أعجبني رضاها

قال محمد بن جرير أجمع أهل العلم على أن زكاة الفطر فرضت ثم اختلفوا في نسخها
قال أبو جعفر فلما ثبت بالأسانيد الصحاح عن النبي لم يجزأن يزال إلا بالإجماع أو حديث يزيلها ويبين نسخها ولم يأت من ذلك شيء وصح عن الصحابة والتابعين إيجابها
واختلفوا في مقدار ما يخرج منها من البر والزبيب وأجمعوا أنه لا يجوز من الشعير و التمر إلا صاع وممن قال لا يجزىء من البر إلا صاع الحسن ومالك والشافعي وأحمد ويروى هذا القول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس واختلف عنهما
وممن قال يجزىء نصف صاع من الصحابة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وأسما ء وجابر وابن الزبير وأبوهريرة ومعاوية فهؤلاء ثمانية من الصحابة
ومن التابعين سعيد بن المسيب وعمربن عبدالعزيز وعروة وأبو سلمة

وعطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو قلابة وعبدالله بن شداد ومصعب بن سعد فهؤلاء أحد عشر من التابعين
وممن دونهم الليث بن سعد والثوري ا وأبو حنيفة وصاحباه
قال أبو جعفر والحجة للقول الأول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما فرض صاعا من شعير أو صاعا من تمر وكان قوتهم فوجب أن يكون كل قوت كذلك
والحجة للقول الثاني أن الصحابة هم الذين قدروا نصف صاع بر وهم أعلم الناس بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا تجوز مخالفتهم إلا إلى قول بعضهم
فإن قيل فقد خالفهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس فالجواب أنه قد اختلف عنهما وليس أحد القولين أولى من الآخر إلا بالاحتجاج بغيرهما

وقرىء على أحمد بن شعيب عن عمران بن موسى عن عبدالوارث قال حدثنا أبو أيوب عن نافع عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر وأنثى فعدل الناس به نصف صاع بر
قال أبو جعفر فهذا ابن عمر يخبر أن الناس فعلوا هذا والناس الجماعة

فأما الزبيب فأهل العلم مجمعون على أنه لا يجزىء منه في زكاة الفطر إلا صاع خلا أبا حنيفة فإن أبا يوسف روى عنه أنه يخرج منه نصف صاع كما يخرج من البر
فأما الاختيار فيما يخرج فأهل العلم يختلفون في ذلك يروى عن ابن عمر أنه كان يخرج التمر وقال مالك رحمه الله أحب ما أخرج أهل المدينة إلى التمر وقال أحمد إخراج التمر أحب إلي وإن كانوا يقتاتون غيره وقال غيره لأن التمر منفعه عاجلة وقال الشافعي رحمه الله البر أحب إلي وقال أبو يوسف أعجلها منفت الدقيق يخرج نصف صاع دقيق من بر أوصاعا من دقيق الشعير
قال أبو جعفر فأما إخراج القيمة فمختلف فيه أيضا فممن أجاز

ذلك عمر بن عبدالعزيز والحسن وأهل الرأي
ولم يجز مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله إلا إخراج المكيلة كما جاءت به السنة
وقال أبو إسحاق ذلك عند الضرورة
فأما دفع زكاة الفطر إلى إنسان وا حد وإن كانت عن جماعة فمما اختلف فيه أيضا وأجازه أهل المدينة
وقال الشافعي رحمه الله تقسم كما تقسم الزكاة
وأما إعطاء أهل الذمة منها فمختلف فيه أيضا فأكثر أهل العلم لا يجيزه ومنهم من أجازه فممن أجازه مرة الهمداني وهو قول أهل الرأي فرقوا بينها وبين الزكاة فلم يجيزوا في الزكاة إلا دفعها إلى المسلمين وأجازوا في زكاة الفطر أن تدفع إلى أهل الذمة
وأما دفع الرجل عن زوجته فمختلف فيه أيضا فأكثر أهل العلم يوجبون عليه ذلك
وقال الثوري وأهل الرأي لا يجب ذلك عليه

واختلفوا أيضا في أهل البادية فقال عطاء والزهري وربيعة لا تجب عليهم زكاة الفطر وقال سعيد بن المسيب هي واجبة عليهم قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وهو قول أكثر أهل المدينة وأهل الكوفة
وأما العبد المأذون له في التجارة فمختلف في أداه زكاة الفطر عنه أيضا فقال الحسن وعطاء لا يجب على مولاه أن يؤديها عنه وهو قول أهل الرأي وقال مالك والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي عليه أن يؤديها عنه

واختلفوا أيضا في المكاتب فقال مالك على مولاه أن يؤدي عنه وقال أهل الرأي والشافعي ليس ذلك عليه وكذا يروى عن ابن عمر
وبهذا الاختلاف قال بعض العلماء ليس على الرجل أن يؤدي إلا عن نفسه كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على كل حر وعبد فالحر يؤدي عن نفسه والعبد يؤدي عن نفسه
كما روى عبيدالله عن نافع عن ابن عمر قال ليس على العبد في ماله شيء إلا صدقة الفطر إلا أن الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا يقولون

عليه أن يخرج عن عبده
فأما تقدير الصاع فقد قدره جماعة من أهل العلم على أنه خمس ويبة وا لمد ربعه
قال أبو جعفر ولا نعلم اختلافا في الكيل فمن قال يخرج الإنسان صاعا من بر قال يخرج الويبة عن خمسة ومن قال يخرج نصف صاع من البر قال الوبية عن عشرة وهذا قول الليث بن سعد والمتفقهون من أهل الرأي يقولون عن ثمانية
واختلفوا في مقدار الصاع من الوزن فقول الشافعي وأبو يوسف أنه خمسة أرطال وثلث وعن أهل المدينة أخذ هذا وهم

أعلم الناس به وقال أبو حنيفة ومحمد هو ثمانية أرطال
وأما الموضع الثالث فقول الله عز و جل فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر
قال ابن زيد أي لست تكرههم على الإيمان ثم جاء بعد ذلك جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم واقعدوا لهم كل مرصد فنسخ هذالست عليهم بمسيطر فجاء قتله أو يسلم والتذكرة كما هي لم تنسخ وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس لست عليهم بمصيطر قال بجبار
قال أبو جعفر وهذا معروف في اللغة يقال تسيطر على القوم اذا تسلط عليهم أي لست تجبرهم على الإسلام إنما عليك أن تدعوهم إليه ثم تكلهم إلى الله عزوجل
وأما الموضع الرابع فقوله عز و جل فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب
اختلف العلماء في معناه فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد بن

نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة فإذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء وقال الحسن إذا فرغت من غزوك وجهادك فتعبد لله عز و جل وقال مجاهد إذا فرغت من شغلك بأمور الدنيا فصل واجعل رغبتك إلى الله عزوجل
قال أبو جعفر وإنما ادخل هذا في الناسخ والمنسوخ لأن عبدالله بن مسعود قال في معنى فانصب فانصب لقيام الليل وفرض قيام الليل منسوخ على أن هذا غيرواجب
والمعاني في الآية متقاربة أي إذا فرغت من شغلك بما يجوز أن تشتغل به من أمور الدنيا والآخرة فانصب أي فانتصب لله عز و جل واشتغل بذكره ودعائه والصلاة له ولا تشتغل باللهو وما يؤثم
وقد بين ابن مسعود ما أراد بقوله فإذا فرغت من الفرائض فا نصب لقيام الليل

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القدر إلى آخر القرآن
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أن سورة القدر ولم يكن مدنيتان وأن إذا زلزلت الأرض زلزالها إلى آخر قل يا أيها الكافرون مكية وأن إذا جاء نصر الله إلى آخر قل أعوذ برب الناس مدنية

وقال كريب وجدنا في كتاب ابن عباس أن من سورة القدر إلى آخر القرآن مكية إلا إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وقل هو الله أحد

وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فإنهن مدنيات
وقال أبو جعفر لم يجد فيهن ناسخا ولا منسوخا وإذا تدبرت ذلك وجدت أكثرهن وأكثر ما ليس فيه ناسخ ولا منسوخ إنما هو فيما لا يجوز أن يقع فيه نسخ لأنه لا يجوزأن يقع نسخ في توحيد الله عزوجل ولا في أسمائه ولا في صفاته والعلماء يقولون ولا في أخباره ومعناه ولا في اخباره بما كان وما يكون
والحكمة في هذا أن النسخ إنما يكون في أحكام الشرائع من الصلاة والصيام والحظر والإباحة وقد يجوز أن ينقل الشيء من الأمر إلى النهي ومن النهي إلى الأمر لأنك إذا قلت افعل كذا وكذا محرم عليك سنة جاز أن تبيحه بعد سنة وإذا قلت افعل كذا وكذا محرم عليك وأنت لا تريد وقتا أو شرطا فكذا أيضا سواء عليك ذكرته أم لم تذكره فهذا محال في توحيد الله عز و جل وأسمائه وصفاته وإخباره بما كان وما يكون
ألا ترى أنه محال أن تقول قام فلان ثم تقول بعد وقت لم يقم لأنه لم يقع في الأول اشتراط ولا زمان فالنسخ في الإخبار بما كان وما يكون

كذب وفي الأمر والنهي أيضا مما لا يقع فيه نسخ وذلك الأمر بتوحيد الله عز و جل واتباع رسله صلى الله عليهم أجمعين
وخص محمدا نبي الرحمة بالصلاة والتسليم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وتباعه بإحسان وفضل وكرم والحمد لله رب العالمين
تم كتاب الناسخ واالمنسوخ في القرآن والحمد لله كثيرا
تأليف أبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي رحمة الله عليه
قوبلت بحسب الإمكان وفرغ من مقابلتها يوم السبت السابع عشر من شهر ربيع الآخرة لسنة سبع وثلانين وسبعمائة هجرية والحمد لله رب العالمين

أقسام الكتاب
1 2 3