كتاب : شعب الإيمان
المؤلف : أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو
بكر البيهقي
165 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ فَرُّوخٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلَائِكَةً سِوَى الْحَفَظَةِ يَكْتُبُونَ مَا سَقَطَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمْ عَرَجَةٌ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ أَعِينُوا عِبَادَ اللهِ يَرْحَمْكُمُ اللهُ تَعَالَى "
الرَابِعُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ، وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ } [النساء: 136] وَقَالَ: { وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } [البقرة: 285] وَقَالَ: { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } [البقرة: 4] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَعْنَى
وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ " " وَالْإِيمَانُ بِالْقُرْآنِ يَتَشَعَّبُ شُعَبًا، فَأُولَاهَا: الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَيْسَ مِنْ وَضْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مِنْ وَضْعِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، والثَّانِيَةُ: الِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ مُعْجِزُ النَّظْمِ لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ، وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ . وَالثَّالِثَةُ: اعْتِقَادُ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ الَّذِي تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ هُوَ هَذَا الَّذِي فِي مَصَاحِفَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَفُتْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يُضَعْ بِنِسْيَانِ نَاسٍ وَلَا ضَلَالِ صَحِيفَةٍ، وَلَا مَوْتِ قَارِئٍ، وَلَا كِتْمَانِ كَاتِمٍ، وَلَمْ يُحَرَّفْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ حَرْفٌ، وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ حَرْفٌ، فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82]، وَقَالَ: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 155] وَقَالَ: { لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ، وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ، وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا } [النساء: 166]، وَقَالَ: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذَرِينَ } [الشعراء: 193] وَقَالَ: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [يوسف: 2]، وَمَعْنَاهُ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنْزَلْنَا الرَّسُولَ الْمُودَّى لَهُ بِهِ فَيَكُونُ الرَّسُولُ مُنْتَقِلًا مِنْ عُلُوِّ إِلَى سُفْلٍ مُؤَدِّيًا لِلْكَلَامِ الَّذِي حَفِظَهُ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، وَهُوَ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُنْتَقِلًا بِهِ مِنْ مَقَامِهِ الْمَعْلُومِ إِلَى الْأَرْضِ مُوَدِّيًا لَهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ، وَفِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لَا مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ، وَقَالَ: { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } [الأعراف: 54]، فَفَصَلَ بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْأَمْرِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا، لَمْ يَكُنْ لِتَفْصِيلِهِ مَعْنًى، وَقَالَ: { لَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ } [يونس: 19]، وَالسَّبْقُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي سَبْقَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، وَقَالَ: { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ } [النحل: 40]، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ مَخْلُوقًا تَعَلَّقَ بِقَوْلٍ آخَرَ، وَذَلِكَ حُكْمُ ذَلِكَ الْقَوْلِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِمَا لَا يَتَنَاهَى، وَذَلِكَ مُحَالٌ " قَالَ الْأُسْتَاذُ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ فِيمَا عَسَى أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا مِنَ السُّؤَالِ: " الْكَلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يُنْقَلُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَوْلُهُ " كُنْ " أَمْرُ تَكْوِينٍ لِلْمَعْدُومِ لَا أَمْرُ تَكْلِيفٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: { كُونُوا حِجَارَةً } [الإسراء: 50]، وَ { كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [البقرة: 65]، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: كُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَا يَكُونُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَقْتُ إِلَّا كَانَ كَمَا يَكُونُ نَفْسُهُ سَامِعًا لِلصَّوْتِ وَقْتَ وُجُودِ الصَّوْتِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ سَامِعًا أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالصَّوْتِ وَقْتَ وُجُودِهِ فِي أَنَّهُ سَمِعَهُ حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: { فَيَكُونُ } [النحل: 40] لَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْقِيبِ، مَعَ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ جَوَابُ إِنَّمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَكُونُ قَوْلُهُ كُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَا يَكُونُ إِلَّا كَانَ فِي الْحَالِ الَّتِي عُلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا، وَأَنْ لَا يُوجُبَ اسْتِقْبَالٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ مَا بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ كَمَا كَانَ قَوْلُهُ: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } [البقرة: 184]، مَعْنَاهُ: وَالصِّيَامُ خَيْرٌ لَكُمْ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اسْتِقْبَالًا قُلْنَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ الْكَلَامِ لِنَفْسِهِ، وَنَفْيِ النَّفَادِ عَنْهُ: { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } [الكهف: 109] . وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى طَرِيقِ التَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] " . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: قَالَ: { وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء: 164]، فذكره بِالتَّكْرَارِ، وَأَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا كَلَّمَ بِهِ مُوسَى فَقَالَ: { يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى، إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعْبُدْنِي، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }، إِلَى قَوْلِهِ: { وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [طه: 41] وَقَالَ: { يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي، وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ، وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } [الأعراف: 144] . فَهَذَا كَلَامٌ سَمِعَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ رَبِّهِ بِإِسْمَاعِ الْحَقِّ إِيَّاهُ بِلَا تُرْجُمَانٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ، وَدَعَاهُ إِلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ لِذِكْرِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، وَاصْطَفَاهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ، وَأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى خَلْقِهِ، فَمَنْ زَعَمَ إِمَّا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ غَيْرَ اللهِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ لِنَفْسِهِ، وَدَعَا مُوسَى إِلَى وَحْدَانَيَّةِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ كُفْرٌ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ دَعَا إِلَى اللهِ، كَذَّبَهُ قَوْلُهُ: { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، وَإِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعْبُدْنِي }، وَلَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ يَقُولُ: رَبِّي وَرَبُّكَ، فاعْبُدْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِمَّنْ لَهُ الرُّبُوبِيَّةُ وَالْوَحْدَانِيَّةُ، وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ مَعَ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، عَلَى أَنَّ مُوسَى كَانَ مَخْصُوصًا بِفَضْلِ كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ كَانَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَاصِيَّةُ، وَلَا شَبَهٌ أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ جِبْرِيلَ أَكْثَرَ خَاصِيَّةً مِنْهُ لِزِيَادَةِ فَضْلِ جِبْرِيلَ عَلَى صَوْتٍ يَخْلُقُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَقْتِ لِمُوسَى، وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ مُنَاظَرَةِ آدَمَ وَمُوسَى قَالَ: " فَقَالَ آدَمُ لِمُوسَى: أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ " "
166 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالِمٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْسِمِ "، فَقَالَ: " أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ " وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ سُورَةَ الرُّومِ عَلَى مُشْرِكِي مَكَّةَ فَقَالُوا: هَذَا مَا أَتَى بِهِ صَاحِبُكَ . قَالَ: " لَا، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَقَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " لَيْسَ بِكَلَامِي، وَلَا كَلَامِ صَاحِبِي، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَرُوِّينَا عَنْ عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ أَنَّهُ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ ابْنٌ لَهُ آيَةً مِنَ الْإِنْجِيلِ فَضَحِكَ، فَقَالَ: أَتَضْحَكُ مِنْ كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ " وَرُوِّينَا، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ أَنَّهُ قَالَ: " تَقَرَّبْ مَا اسْتَطَعْتَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ " وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " أَصْدَقُ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ لَمَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ ربنا "، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا إِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ " وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ، " صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ: اللهُمَّ رَبَّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ اغْفِرْ لَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ، إِنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ " " وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْآثَارِ فِي كِتَابِ الصِّفَاتِ مَعَ سَائِرِ مَا وَرَدَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ والتَّابِعِينَ، وَأَتْبَاعِهِمْ "
167 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ فِي التَّارِيخِ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مَرْوَانَ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنَاهُ، سَمِعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: " أَدْرَكْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يَقُولُونَ: " الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ " كَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْحَكَمِ وَرَوَاهُ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ يَقُولُونَ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذِهِ الْحِكَايَةِ .
168 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ السُّلَمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، فَذَكَرَهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " مَشْيَخَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَكَابِرُ التَّابِعِينَ، وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ فِي مَشْيَخَةِ أَجِلَّةٍ سِوَاهُمْ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، وَمِنْهُ كَانَ يَأْخُذُ جَهْمٌ، فَذَبَحَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيُّ يَوْمَ الْأَضْحَى " قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ: " لَوْ كَانَ كَلَامُ الْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ مُحْدَثًا كَانَ قَبْلَ حُدُوثِهِ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ كَانَ مَوْصُوفًا بِجَهْلٍ، وَآفَةٍ مَانِعَةٍ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَّا صَحَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالٍ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَ لَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ غَيْرَ عَالِمٍ، فَوَجَبَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا لِمَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ أَضْدَادُ الْكَلَامِ مِنَ السُّكُوتِ، وَالْخَرَسِ وَالطُّفُولِيَّةِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: كَلَامُ اللهِ سُبْحَانَهُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا، كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِضِدِّهِ قَبْلَ خَلْقِهِ لَهُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَخْلُوَ الْحَيُّ مِنَ الْكَلَامِ وَضِدِّهِ، وَضِدُّ الْكَلَامِ لَوْ كَانَ قَدِيمًا، لَمْ يَجُزْ عَدَمُهُ وَكَانَ يُؤَدِّي إِلَى إِحَالَةِ، وَصْفِهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْخَبَرِ وَذَلِكَ خِلَافُ الدِّينِ، وَلِأَنَّ الْكَلَامَ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا كَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّ خَلْقَهُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ فِي لَا شَيْءَ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَهُ فِي لَا شَيْءَ لِأَنَّهُ عَرَضٌ، وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَهُ فِي نَفْسِهِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَهُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ، لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا فِي غَيْرِهِ لَكَانَ مُضَافًا إِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ بِأَخَصِّ، أَوْصَافِهِ كَسَائِرِ الْأَعْرَاضِ الَّتِي هِيَ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ، وَحَيَاةٌ إِذَا خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا لِلَّهِ، وَلَا أَمْرًا لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: يَكُونُ كَلَامًا لَهُ كَمَا يَكُونُ فِعْلُهُ تَفُضَّلًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ قِيلَ: التَّفَضُّلُ هُوَ اسْمٌ يَعُمٌّ أَجْنَاسًا، وَنَحْنُ قُلْنَا يُضَافُ إِلَيْهِ بِأَخَصِّ أَوْصَافِهِ، فَإِنْ كَانَ قُوَّةً أُضِيفَتْ إِلَى مَا خُلِقَتْ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ سَمْعًا وَبَصَرًا، فَكَذَلِكَ فَقُولُوا: بِأَنَّهُ يُضَافُ إِلَيْهِ بِاسْمِ الْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ بِلَفْظِ الْكَلَامِ، وَالْقَوْلِ فَإِنْ لَمْ يُضِيفُوهُ لَا بِالْأَخَصِّ وَلَا بِالْأَعَمِّ، وَلَا إِلَى الْجُمْلَةِ، وَلَا إِلَى الْمَحَلِّ فَقَدِ افْتَرَقَ الْأَمْرُ فِيهِمَا، إِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَلَامُهُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ كَانَ لَمْ يَزَلْ خَبَرًا { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا } [نوح: 1] نُوحٌ، وَلَمْ يَزَلْ يُرْسِلُ ذَلِكَ كَذِبٌ قِيلَ: أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ: { وَقَالَ: الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ، وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ } [إبراهيم: 22] إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَقُلْ بَعْدُ، أَفَهُوَ كَذِبٌ ؟ فَإِنْ قَالَ: مَعْنَاهُ سَيَقُولُ قِيلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ } [نوح: 1] فِي أَزَلِهِ خَبَرًا عَنْ أَنْ سَنُرْسِلَ نُوحًا قَبْلَ إِرْسَالِهِ، فَإِذَا أَرْسَلَ يُكَذِّبُ خَبَرًا عَنْ إِرْسَالِهِ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ خَبَرًا، كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ بِأَنْ سَيَكُونُ الدُّنْيَا عِلْمُهُ بِأَنَّهُ كَائِنٌ، وَإِذَا كَانَ لَمْ يَحْدُثْ عِلْمٌ إِنَّمَا حَدَثَ الْمَعْلُومُ، وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ دُونَ الْعِلْمِ وَالْخَبَرِ . فَإِنْ قَالُوا: لَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا لَكَانَ لَمْ يَزَلْ آمِرًا، وَأَمْرُ مَنْ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ مُحَالٌ قِيلَ: مَنْ قَالَ: مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَزَلْ آمِرًا فَهُوَ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ آمِرًا، لَهُ يَكُونُ عَلَى مَعْنَى إِذَا خُلِقْتَ وَبَلَغْتَ، وَكَمُلَ عَقْلُكَ، فَافْعَلْ كَذَا كَأَوَامِرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ، وَمَنْ قَالَ: لَمْ يَزَلْ غَيْرَ آمِرٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَلَامُهُ أَمْرًا لِحُدُوثِ مَعْنًى فَنَقُولُ: لَا يَجِبُ إِذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا، أَنْ يَكُونَ لَمْ يَزَلْ آمِرًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَلَامِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَكُنْ كَلَامًا لِأَنَّهُ أَمْرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ كَلَامًا لِأَنَّهُ مَسْمُوعٌ يُفِيدُ مَعَانِيَ الْمُتَكَلِّمِ، وَيَنْفِي السُّكُوتَ وَالْخَوْصَ، وَيَكُونُ أَمْرًا لِعِلَّةِ الْإِفْهَامِ أَنْ كَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا لَكَانَ هَاذِيًا إِذْ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ أَحَدٌ قِيلَ أَلَيْسَ الْمُسَبِّحُ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ أَحَدٌ ؟، وَلَا يَكُونُ هَذْيًا، فَإِنْ قِيلَ اللهُ يَسْمَعُهُ، قِيلَ فَهُوَ يَسْمَعُ الْهَذَيَانِ أَيْضًا، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَيَانًا، وَلِأَنَّ مَعْنَى الْهَذَيَانِ أَنَّهُ كَلَامٌ لَا يُفِيدُ، وَكَلَامُ اللهِ يُفِيدُ الْمَعَانِيَ الْجَلِيلَةَ، فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِالْحُرُوفِ، وَتَأَخُّرِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى الْحَدَثِ، وَكَلَامُ الْبَارِي لَيْسَ بِحُرُوفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ يُسْمَعُ، وَتُفْهَمُ مَعَانِيهِ، وَالْحُرُوفُ تَكُونُ أَدِلَّةً عَلَيْهِ كَمَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ أَمَارَاتِ الْكَلَامِ، وَدَلَالَاتٍ عَلَيْهِ، وَكَمَا يُعَقِّلُ مُتَكَلِّمًا لَا مَخَارِجَ لَهُ، وَلَا أَدَوَاتَ كَذَلِكَ يُعَقِّلُ لَهُ كَلَامًا لَيْسَ بِحُرُوفٍ وَلَا أَصْوَاتٍ، وَقَوْلُهُ: { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ } [الأنبياء: 2] دَلِيلُنَا لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ فِي الْأَذْكَارِ ذِكْرًا غَيْرَ مُحْدَثٍ مَا كَانَتْ لَهُ فَائِدَةٌ كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ: جَاءَنِي رَجُلٌ لَهُ رَأْسٌ مَا كَانَتْ لَهُ فَائِدَةٌ إِذْ لَا يَخْلُو مِنْهُ رَجُلٌ، وَمَعْنَى الذِّكْرِ كَلَامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ نَفْسُ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا النَّسْخُ وَالتَّبْدِيلُ وَالْحِفْظُ فَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى الْإِحْكَامِ، وَإِلَى الْقِرَاءَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَلَامِ لَا إِلَى عَيْنِ الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ التَّبْعِيضُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْقِرَاءَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وَالْقِرَاءَةُ غَيْرُ الْمَقْرُوءِ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ اللهِ غَيْرُ اللهِ، وَقَوْلُهُ: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا } [الزخرف: 3] يُرِيدُ بِهِ سَمَّيْنَاهُ كَقَوْلِهِ: { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } [الزخرف: 19] يَعْنِي وَصَفُوا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا " قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [الحاقة: 40]، { وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ } [الحاقة: 42]، وَقَالَ: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [التكوير: 20]، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَيْ قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ، أَوْ قَوْلٌ سَمِعَهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ إِذْ نَزَلَ بِهِ عَلَيْهِ رَسُولٌ كَرِيمٌ، وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ } [التوبة: 6] فَأَثْبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ وَكَلَامُ جِبْرِيلَ مَعًا، فَدَلَّ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَالْمَقْصُودُ مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ تَكْذِيبُ الْمُشْرِكِينَ، فَمَا كَانُوا يَزْعُمُونَ مِنْ وَضْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَدْ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الْأَمِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ . وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ مُعْجِزُ النَّظْمِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ، وَالْإِعْجَازُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا يَقَعُ فِي قِرَاءةِ الْقُرْآنِ، فَنَظْمُ حُرُوفِهِ وَدَلَالَاتُهُ فِي عَيْنِ كَلَامِهِ الْقَدِيمِ، وَلَمَّا كَانَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَاجِزَيْنِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَالْمَلَائِكَةُ أَيْضًا عَاجِزُونَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ نُظُومِ كَلَامِ النَّاسِ، وَلَا يُهْتَدَى إِلَى وَجْهِهِ لِيُحْتَذَى، وَيُمَثَّلُ وَهُوَ كَتَرْكِيبِ الْجَوَاهِرِ لِتَصِيرَ أَجْسَامًا، وَقَلْبِ الْأَعْيَانِ إِذْ كَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّحَدِّي عَلَيْهِ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ دُونَ الْمَلَائِكَةِ لِأًنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَى الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ دُونَ الْمَلَائِكَةِ، وَفِي ذَلِكَ مَا أَبَانَ أَنَّ نَظْمَ الْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ جِبْرِيلَ، وَلَكِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فَبَيَانُهُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ضَمِنَ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]، وَقَالَ: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 41] فَمَنْ أَجَازَ أَنْ يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ زِيَادَةِ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ نُقْصَانِهِ مِنْهُ، أَوْ تَحْرِيفِهِ فَقَدْ كَذَّبَ اللهَ فِي خَبَرِهِ، وَأَجَازَ الْخُلْفَ فِيهِ، وَذَلِكَ كُفْرٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُمْكِنًا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دِينِهِ، وَيَقِينٍ مِمَّا هُوَ مُتُمَسِّكٌ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَأْمَنُ، أَنْ يَكُونَ فِيمَا كُتِمَ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ ضَاعَ بِنَسْخِ شَيْءٍ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، أَوْ تَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ، وَبَسَطَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ الْكَلَامَ فِيهِ، فَصَحَّ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ جَمِيعَهُ هُوَ هَذَا الْمُتَوَارَثُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ لَا زِيَادَةَ فِيهِ، وَلَا نُقْصَانَ مِنْهُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ "
ذِكْرُ حَدِيثِ جَمْعِ الْقُرْآنِ
169 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، حدثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقَاتِلٍ الْهَاشِمِيُّ الْفَرْوِيُّ، حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، أخبرنا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حدثنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: " أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ جَاءَنِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ فَقَدِ اسْتَحَرَّ وإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ نَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ . فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ " . قَالَ زَيْدٌ: " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تُكْتَبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ وَاجْمَعْهُ " . قَالَ زَيْدٌ: " فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرُونِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قَالَ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ " . قَالَ: " فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالْعُسُبِ، وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ: " لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } [التوبة: 128] خَاتِمَةُ سُورَةِ بَرَاءَةَ " قَالَ: " وَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " " انْتَهَى حَدِيثُ الْأَشْيَبِ "
وَزَادَ أَبُو الْوَلِيدِ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ حُذَيْفَةَ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ وَأَذْرِبِيجَانَ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةُ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ كَمَا اخْتَلَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَبَعَثَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَرْسِلِي الْمُصْحَفَ - أَوْ قَالَ الصُّحُفَ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ - ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكَ، فَبَعَثَتْ بِهَا إِلَيْهِ، فَدَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَمَرَهُ وَأَمَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ " - وَقَالَ غَيْرُ أَبِي الْوَلِيدِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ - وَقَالَ لَهُمْ: مَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَكُتِبَتِ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فَبَعَثَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ، وَأَمَرَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُمْحَى ، أَوْ يُحْرَقَ "
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: " فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ حِينَ نُسِخَتِ الصُّحُفُ، كُنَّا نَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُهَا، فَالْتَمَسْتُهَا فَوَجَدْتُهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ } [الأحزاب: 23] فَأَلْحَقْتُهَا بِهِ فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " فَاخْتَلَفُوا يَوْمَئِذٍ فِي التَّابُوتِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: التَّابُوهُ، وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ: التَّابُوتُ فَرُفِعَ كَلَامُهُمْ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبُوهُ التَّابُوتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ دُونَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَتأليفُ الْقُرْآنِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُوِّينَا، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - تَأْلِيفَ مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ، فِي سُورَتِهَا وَجَمَعَهَا فِيهَا بِإِشَارَةٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَانَتْ مُثْبَتَةً فِي الصُّدُورِ مَكْتُوبَةُ فِي الرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ، وَالْعُسُبِ، فَجُمِعَتْ مِنْهَا فِي صُحُفٍ بِإِشَارَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، ثُمَّ نُسِخَ مَا جُمِعَ فِي الصُّحُفِ فِي مَصَاحِفَ بِإِشَارَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَلَى مَا رَسَمَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَرُوِّينَا عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ: " يَرْحَمُ اللهُ عُثْمَانَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَصَنَعْتُ فِي الْمَصَاحِفِ مَا صَنَعَ عُثْمَانُ " " وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ، وَفِي آخِرِ كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مَا يُقَوِّي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى حِفْظِ عِبَادِهِ وَتَرْكِهِمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ وَفَّقَنَا لِمُتَابَعَةِ السُّنَّةِ وَمُجَانَبَةِ الْبِدْعَةِ "
170 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، حدثنا النُّفَيْلِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ شَدَّادِ بْنِ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْنَاهُ: هَلْ تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ ؟ قَالَ: " مَا تَرَكَ سِوَى مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ " وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ
171 - أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، حدثنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ قَالَا، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيُّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ يَعْنِي أَبَاهُ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَجَّاجِ مُجَاهِدَ بْنَ جَبْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ صُهَيْبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ "
172 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، قال حدثنا صَدَقَةُ بْنُ صَادِقٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حدثنا مُفَضَّلُ بْنُ مُهَلْهَلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: سَمِعْتُ صُهَيْبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ محَارمَهُ " قال الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَأَمَّا الْإِيمَانُ بِسَائِرِ الْكُتُبِ مَعَ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ، فَهُوَ نظيرُ الْإِيمَانِ بِسَائِرِ الرُّسُلِ مَعَ الْإِيمَانِ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَالَّذِي يَحِقُّ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ فِي كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ كَلَامَهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ يَقُومُ بِهِ، وَكَلَامُهُ مَقْرُوءٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِقِرَاءَتِنَا، مَحْفُوظٌ فِي قُلُوبِنَا، مَكْتُوبٌ فِي مَصَاحِفِنَا غَيْرُ حَالٍّ فِيهَا، كَمَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَذْكُورٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِأَلْسِنَتِنَا، مَعْلُومٌ فِي قُلُوبِنَا، مَعْبُودٌ فِي مَسَاجِدِنَا، غَيْرُ حَالٍّ فِيهَا، وَكَلَامُ اللهِ إِذَا قُرِئَ بِالْعَرَبِيَّةِ سُمِّيَ قُرْآنًا، وَإِذَا قُرِئَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ سُمِّيَ إِنْجِيلًا، وَإِذَا قُرِئَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ سُمِّيَ تَوْرَاةً، وَإِنَّمَا سُمِّيَ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ قِرَاءةً مَا سُمِّيَ قُرْآنًا دُونَ مَا سُمِّيَ تَوْرَاةً وَإِنْجِيلًا ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى كَذَّبَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَ عَنْ خِيَانَتِهِمْ، وَتَحْرِيفِهِمِ الْكَلَامَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَوَضْعِهِمِ الْكِتَابَ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ: عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، فَلَا يَأْمَنُ الْمُسْلِمُ إِذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِهِمْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ وَضْعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى "
173 - وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّقْرِ بْنِ نَصْرٍ السُّكَّرِيِّ، حدثنا أَبُو مَرْوَانَ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، ثُمَّ يُخْبِرُكُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ قَدْ غَيَّرُوا كِتَابَ اللهِ وَبَدَّلُوهُ، وَكَتَبُوا الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَلَا يَنْهَاكُمُ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ قَطُّ سَأَلَكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ "
174 - وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدٍ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ بِشْرٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، كَيْفَ تُسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللهِ تَقْرَءُونَهُ ؟ " فَذَكَرَ نَحْوَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَعَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ عُمَرَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ مِنَ الْيَهُودِ تُعْجِبُنَا أَفَتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا ؟ فَقَالَ: " أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ والنَّصَارَى ؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي "
175 أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ الْكَارِزِيُّ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أخبرنا مُجَالِدٌ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ - يَرْفَعُهُ نَحْوَ ذَلِكَ - قَالَ: قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ: ما مُتَهَوِّكُونَ ؟ قَالَ: " مُتَحَيِّرُونَ "
176 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، أخبرنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ سَهْلٍ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا " زَادَ الْقَاضِي فِي رِوَايَتِهِ: " وَاللهِ لَوْ كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيًّا مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي " . " وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَحْوِ مَا كُتِبَ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ بَرِيقَهُ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ "
الْخَامِسُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ } [النساء: 78] قَرَأَهَا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } [النساء: 79] مَعْنَاهُ: مَا أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ يَسُرُّكَ مِنْ صِحَّةِ بَدَنٍ، أَوَ ظَفَرٍ بِعَدُوٍّ وَسَعَةِ رِزْقٍ، ونحو ذَلِكَ فَاللهُ مُبْتَدِيكَ بِالْإِحْسَانِ بِهِ إِلَيْكَ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ يَسُوءُكَ، وَيَغُمُّكَ فَبِكَسْبِ يَدِكَ لَكِنَّ اللهَ مَعَ ذَلِكَ سَائِقهُ إِلَيْكَ وَالْقَاضِي بِهِ عَلَيْكَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: فِي آيَةٍ أُخْرَى وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ، فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا يَسُوءُهُ جِرَاحَاتٌ تُصِيبُهُ، أَوْ قَتْلٌ أَوْ أَخَذُ مَالٍ، أَوْ هَزِيمَةٌ وَقَدْ أَمَرَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بِأَنْ يَقُولَ: فِيهَا وَفِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ خِلَافَهَا: { قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ } [النساء: 78] فَدُلَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِتَقْدِيرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ أَنَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُصِيبُهُ جَزَاءً لَهُ بِمَا جَنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ بِكَسْبِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِلَافِ لِمَا أَمَرَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى "
177 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حدثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، حدثنا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ بِالْبَصْرَةِ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حُجَّاجًا أَنَا، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَافَقَنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ قَبْلَنَا نَاسًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَيَقُولُونَ: لَا قَدْرَ وَإِنَّمَا الْأَمْرُ أُنُفٌ قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَأَنَّهُمْ مِنِّي بَرَاءُ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ . حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّوبِ، شَدِيدُ سَوَّادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ سَفَرٍ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " قَالَ: صَدَقْتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ كَهْمَسٍ
وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ كَهْمَسٍ وَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ " قَالَ: صَدَقْتَ
178 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنبأنا أَبُو الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا كَهْمَسٌ فَذَكَرَهُ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: " وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ " . وَرُوِّينَا فِي الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالْكٍ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
179 - وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أخبرنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ خَالِدٍ الْحِمْصِيِّ، عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي، فَقَالَ: " لَوْ أَنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ، وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ، وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقَتْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا تَقَبَّلُهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، ولَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ " . قَالَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَوَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَغَيْرِهِ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ نَحْوَ ذَلِكَ . " وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ مَقْدُورٍ، فَاللهُ قَادِرُهُ وَأَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَإِنْ كَانَا ضِدَّيْنِ فَإِنَّ قَادِرَهُمَا وَاحِدٌ وَلَيْسَ قَادِرُ الشَّرِّ غَيْرَ قَادِرِ الْخَيْرِ كَمَا تَقُولُهُ الثَّنَوِيَّةُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِمَ فِي الْأَزَلِ مَا يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، ثُمَّ أَمَرَ الْقَلَمَ فَجَرَى فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِمَا عَلِمَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [يس: 12]، وَقَالَ: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } [الحديد: 22]، وَقَالَ: { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا } [الإسراء: 58] "
وَرُوِّينَا، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " " وَرُوِّينَا فِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، ثُمَّ إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى مَا عَلِمَه مِنْهُمْ، وَعَلَى مَا قَدَّرَهُ عَلَيْهِمْ قَالَ اللهُ عز وجل: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49] يعني بِحَسَبِ مَا قَدَّرْنَاهُ قَبْلَ أَنْ نَخْلُقَهُ فَجَرَى الْخَلْقُ عَلَى عِلْمِهِ وَكِتَابِهِ " وَالسَّبَبُ فِي نُزُولِ هَذِهِ
180 - مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أخبرنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا أَبُو الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَا: حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السَّهْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَالِفُونَهُ فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ، وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 48] " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ
181 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا أَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي ؟ قَالَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ " وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ عِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ، وَأنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ أَنْ يَلُومَ أَحَدًا عَلَى الْقَدَرِ الْمُقَدَّرِ الَّذِي لَا مُدْفِعَ لَهُ إِلَّا عَلَى وجه التَّحْذِيرِ لِلْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ مُوسَى بَعْدَ خُرُوجِ آدَمَ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا فِي وَقْتٍ يَكُونُ لِلتَّحْذِيرِ فِيهِ مَعْنًى، فَصَارَ بِمَا عَارَضَهُ بِهِ آدَمُ مَحْجُوجًا بِقَضِيَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللهُ أَعْلَمُ "
182 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَعَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، فَأَخَذَ عُودًا فَنَكَتَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَشَقِيَّةٌ أَمْ سَعِيدَةٌ ؟ " قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَدَعُ الْعَمَلَ، وَنَتَّكِلُ عَنْ كِتَابِنَا، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ صَارَ إِلَى السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشِّقْوَةِ صَارَ إِلَى الشَّقَاءِ . قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشِّقْوَةِ يُيَسَّرُ لِعَمَلِهَا، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ يُيَسَّرُ لِعَمَلِهَا "، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [الليل: 6] رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدٍ
183 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَآبَاذِيُّ، حدثنا أَبُو قِلَابَةَ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أخبرنا عَزَرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ ؟ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ ؟ أَوْ مِمَّا يَسْتَقْبِلُونَ بِهِ مِمَّا آتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ ؟ قُلت: لَا بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ . قَالَ: فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا ؟ قَالَ: فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْئًا إِلَّا وَهُوَ خَلْقُ اللهِ، وَمُلْكُهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ قَالَ: فَقَالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللهُ إِنِّي وَاللهِ مَا سَأَلْتُكَ إِلَّا لِأُحْرِزَ عَقْلَكَ، إِنَّ رَجُلَيْنِ - أَوْ قَالَ: رَجُلٌ - مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُونَ، وَيَكْدَحُ النَّاسُ فِيهِ الْيَوْمَ، فِيهِ شَيْءٌ قُضي عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ، أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَاتُّخِذَتْ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ ؟ قَالَ: " لَا بَلْ شَيْءٌ قُضيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ " . قَالَ: وَفِيمَا نَعْمَلُ إِذًا ؟ قَالَ: " مَنْ كَانَ خَلَقَهُ اللهُ لِوَاحِدَةٍ مِنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ فَيُيَسِّرُهُ لَهَا، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَنَفَسٌ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [الشمس: 8] رَوَاهُ مُسْلِمُ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ " وَفِي هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يُيَسَّرُ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَأَنَّ التَّيْسِيرَ إِنَّمَا هُوَ بِحَقِّ الْمُلْكِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا إِنَّمَا تَعَبَّدُوا بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّعَبُّدِ لِيَتَعَلَّقَ خَوْفُهُمْ بِالْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ عَنْهُمْ، فَلَا يَتَّكِلُوا عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَرَجَاءهِمْ بِالظَّاهِرِ الْبَادِي لَهُمْ فَيَرْجُوا بِهِ حُسْنَ أَحْوَالِهِمْ وَالْخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ مَدْرَجَا الْعُبُودِيَّةِ فَيَسْتَكْمِلُوا بِذَلِكَ صِفَةَ الْإِيمَانِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
184 - أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا سَعْدَانُ بْنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَعَمَلِهِ، وَأَجَلِهِ، وَشَقِيٌّ هُوَ أَمْ سَعِيدٌ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الْأَعْمَشِ
185 - حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَسْفَاطِيُّ قَالَ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَنَا عَنْكَ حَدِيثُ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْقَدَرِ، فَقَالَ: نَعَمْ أَنَا قُلْتُهُ رَحِمَ اللهُ الْأَعْمَشَ ورَحِمَ اللهُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، وَرَحِمَ اللهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَرَحِمَ اللهُ مَنْ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ "
186 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَتُّوثِيُّ بِالْبَصْرَةِ إِمْلَاءً، حدثنا أَبُو دَاوُدَ هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَعْوَرُ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ جَالِسًا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وحَدِيثُ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ، أُرِيدُ حَدِيثَ الْقَدَرِ قَالَ: أَنَا وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَدَّثْتُهُ بِهِ، - فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا غَفَرَ اللهُ لِلْأَعْمَشِ - كَمَا حَدَّثَ بِهِ غَفَرَ اللهُ لِمَنْ حَدَّثَ بِهِ قَبْلَ الْأَعْمَشِ، وَغَفَرَ اللهُ لِمَنْ حَدَّثَ بِهِ بَعْدَ الْأَعْمَشِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا يُخْتَمُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ إِنَّمَا يُخْتَمُ بِمَا سَبَقَ كِتَابُهُ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيٌضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ أَعْمَالَ عِبَادِهِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ مُكْتَسَبَةٌ لِلْعِبَادِ، وَمِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 96] وَمَا يَعْمَلُهُ ابْنُ آدَمَ لَيْسَ هُوَ الصَّنَمُ، وَإِنَّمَا هُوَ حَرَكَاتُهُ وَاكْتِسَابَاتُهُ، وَقَدْ حَكَمَ بِأَنَّهُ خَلَقَنَا وَخَلَقَ مَا نَعْمَلُهُ، وَهُوَ حَرَكَاتُنَا وَاكْتِسَابَاتُنَا، وَقَالَ: { اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الرعد: 16] وَقَالَ: { خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } وَأفعالُ الْخَلْقِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، لِأَنَّ صِفَاتَ ذَاتِهِ لَيْسَتْ بِأَغْيَارٍ لَهُ، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا كَمَا لَا يَتَنَاوَلُ ذَاتَهُ، وَقَالَ: { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ } [فاطر: 3] كَمَا قَالَ: { مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ } [القصص: 71]، فَكَمَا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كَذَلِكَ لَا خَالِقَ إِلَّا هُوَ، وَقَالَ: { فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا، كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 125]، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَمَا هِيَ حُجَّةٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِضْلَالِ فَهِيَ حُجَّةٌ فِي خَلْقِ الْهِدَايَةِ وَالضَّلَالِ لِأَنَّهُ قَالَ: " يَشْرَحُ " وَ " يَجْعَلُ "، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْفِعْلَ وَالْخَلْقَ، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " "
وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ "
187 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْحَذَّاءُ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، حدثنا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ صانع كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ "
وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْخَيْرُ وَالشَّرُّ خَلِيقَتَانِ تُنْصَبَانِ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " " وَرُوِّينَا فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ مَذْكُورَةٌ، مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا رَجَعَ إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ صَحَّ أَنْ يُحْدِثَ شَيْئًا فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يُحْدَثَ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُحْدَثَ بِأَنْ يَكُونَ مُحْدِثُهُ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ كَمَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَمَّا صَحَّ أَنْ يُحْدِثَ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُحْدَثَ بِأَنْ يَصِحَّ مِنْهُ، إِحْدَاثُهُ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْدَثُ، وَالْمُحْدِثُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْدِثَ كَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَحَرَّكَ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَادِثَ الَّتِي هِيَ تَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ لَا يَقْصِدُهَا كَكَوْنِ الْكُفْرِ قَبِيحًا مِنَ الْكَافِرِ غَيْرَ وَاقِعْ، عَلَى قَصْدِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَقْصِدُ أَنْ يَقَعَ كُفْرُهُ حَسَنًا غَيْرَ قَبِيحٍ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا قَبِيحًا، فَدَلَّ أَنَّ قَاصِدًا قَصَدَ إِيقَاعَهُ قَبِيحًا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقَعَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ فَعَلَهُ، عَلَى مَا هُوَ بِهِ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ يَقَعُ مُتْعِبًا مُؤْلِمًا، وَلَوْ قَصَدَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَقَعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ ذَلِكَ دَلَّ على أَنَّهُ وَقَعَ كَذَلِكَ لِقَصْدِ مَوْقِعٍ أَوْقَعَهُ كَذَلِكَ غَيْرَ الَّذِي لَوْ جَهَدَ لِخِلَافِهِ أَنْ يَقَعَ لَمْ يَقَعْ، وَلِأَنَّا نَجِدُ الْإِنْسَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِحَقَائِقِ أَفْعَالِهِ كُلِّهَا، وَكَمِّيَّاتِهَا وَعَدَدِ أَجْزَائِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُختَرِعًا لَهَا وَهُوَ لَا يُحِيطُ بِهَا عِلْمًا إِذَا لَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَمْ يُنْكَرْ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْمُخْتَرَعِينَ كَذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حِكْمَةُ الْبَارِي فِي اخْتِرَاعِهِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِأَنَّ الْكَسْبَ هُوَ اخْتِرَاعُ عَالِمٍ بِحَقَائِقِهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ، جَعَلَهُ كَسْبًا لَنَا وَنَحْنُ مُكْتَسِبُونَ لَهُ غَيْرَ مُخْتَرِعِينَ لَهُ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ، أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك: 14] وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ خَلَقَ الْإِسْرَارَ وَالْجَهْرَ اللَّذَيْنِ يُكْتَسَبَانِ بِالْقَلْبِ، وَأَنَّهُ عَلِيمٌ بِهِمَا وَكَيْفَ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ خَلَقَهُمَا، فَدَلَّ على أَنَّ الْخَلْقَ يَقْتَضِي عِلْمَ الْخَالِقِ بِالْخَلْقِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ أَنَّ كُلَّ مَقْدُورٍ فَاللهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَالْعِلْمِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَدِّرَ كُلَّ مَقْدُورٍ كَمَا يَعْلَمُ كُلَّ مَعْلُومٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِذَا وُجِدَ وَهُوَ مَقْدُورٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لَهُ، وأَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ كَمَا إِذَا وُجِدَ مَقْدُورُ الْإِنْسَانِ مُرَادًا لَهُ ألَمْ يَكُنْ فِعْلَهُ ؟ فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ اللهُ خَالِقًا لِكَسْبِ الْعِبَادِ أَفَتَقُولُونَ: إِنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ مِنْ فَاعِلَينَ ؟ قِيلَ: لَا فَاعِلَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا هُوَ، وَالْإِنْسَانُ مُكْتَسِبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ غَيْرَ فَاعِلٍ وَلَا مُحْدِثٍ الْعَيْنَ عَنِ الْعَدَمِ " وَكَانَ الشَّيْخُ الإمام أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: " فِعْلُ الْقَادِرِ الْقَدِيمُ خَلْقٌ وَفِعْلُ الْقَادِرِ الْمُحْدَثِ كَسْبٌ فَتَعَالَى الْقَدِيمُ عَنِ الْكَسْبِ، وَجَلَّ وَصَغُرَ الْمُحَدَثُ عَنِ الْخَلْقِ وَذَلَّ " " فَإِنْ قِيلَ: أَفَتَقُولُونَ هُوَ مَقْدُورٌ لِقَادِرَيْنِ ؟ قِيلَ: نَعَمْ أَحَدُهُمَا يِخَلْقِهِ وَيَخْتَرِعُهُ، وَيُخْرِجُهُ عَنِ الْعَدَمِ، وَهُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالثَّانِي يَكْتَسِبُهُ، وَلَا يَخْلُقُهُ وَهُوَ الْعَبْدُ، وَالْخَلْقُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ قُدْرَةٌ حَادِثَةٌ، فَالْقُدْرَةُ الْأَزَلِيَّةُ تُؤَثِّرُ فِي الِاخْتِرَاعِ، وَالْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ تُؤَثِّرُ فِي الِاكْتِسَابِ، فَإِنْ قَالُوا: فَإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى خَلَقَ أَعْمَالَهُ كُلَّهَا أَعْمَالًا لَهُ فَكَيْفَ يُثِيبَهُ وَيُعَاقِبُهُ، قِيلَ لَيْسَ الثَّوَابُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِتَفَضُّلٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعِقَابُ فَهُوَ لَوِ ابْتَلَاهُ فِي الْعَذَابِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ لِأَنَّهُ مُلْكُهُ وَفِي قَبْضَتِهِ، وَلَيْسَ الْكُفْرُ عِلَّةَ الْعِقَابِ، وَلَا الْإِيمَانُ عِلَّةَ الثَّوَابِ إِنَّمَا هُمَا أَمَارَتَانِ جُعِلَتَا عَلَمَيْنِ لَهُمَا . فَقِيلَ: إِنْ كُنْتَ كَافِرًا عُذِّبْتَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا عُوفِيتَ وَأُثِبْتَ . وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ خَلْقُهُ وَاخْتِرَاعُهُ لَا لِعِلَّةٍ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ . فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا عَاقَبَهُ مَا خَلَقَهُ لَهُ كَانَ ظَالِمًا لَهُ، قِيلَ: لِمَ قُلْتَ ذَلِكَ ؟ وَمَا يُنْكِرُ أَنَّ حَقِيقَةَ الظُّلْمِ هُوَ تَعَدِّي الْحَدِّ، وَالرَّسْمِ الَّذِي يَرْسِمُهُ الْآمِرُ الَّذِي لَا آمِرَ فَوْقَهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلظُّلْمِ مِنْهُ مَعْنًى إِذْ أَفْعَالُهُ كُلُّهَا تَقَعُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّعَدِّي، وَالتَّحَكُّمِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَلَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الظَّالِمِ، وَلَوْ سَاغَ مَا قُلْتَهُ لَمْ يَنْفَصِلْ مِمَّنْ قَالَ: إِذَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْكُفْرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْكُفْرِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُعَاقِبَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ ظَالِمًا لَهُ حِينَئِذٍ، وَمَا الْفَصْلُ ؟ وَكَذَلِكَ إِذَا خَلَقَ لَهُ الْآلَاتِ، وَالْحَيَاةَ وَالْقُدْرَةَ، وَالشَّهْوَةَ لِلْمَعَاصِي، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ بِهَا إِلَّا كُفْرًا بِهِ، عَرَّضَهُ لِلْهَلَاكِ، وَالْعَطَبِ فَيَكُونُ لَهُ ظَالِمًا، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي إِيلَامِ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ، وَالْبَهَائِمِ ظَالِمًا، وَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ الْعِوَضِ فِيهِ، فَإِنَّ الْعِوَضَ لَا يَحْسُن بِهِ الْقَبِيحُ فِي الشَّاهِدِ إِلَّا بِمَرْضَاةٍ، فَإِذَا كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إِلَى الظُّلْمِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ فِيمَا يَفْعَلُهُ فِي مُلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدِّ، ذَلِكَ مَا قُلْنَا لَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قِيلَ: مَنْ خَلَقَ الْكُفْرَ كَانَ كَافِرًا وَمَنَ خَلَقَ الظُّلْمَ كَانَ ظَالِمًا . قِيلَ لَهُ: مَا يُنْكَرُ عَلَى مَنْ يَقُولُ: مَنْ خَلَقَ النَّوْمَ كَانَ نَائِمًا، وَمَنْ خَلَقَ الْخَوْفَ كَانَ خَائِفًا، وَمَنْ خَلَقَ الْمَرَضَ كَانَ مَرِيضًا، وَمَنْ خَلَقَ الْمَوْتَ كَانَ مَيِّتًا، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ من هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَلْزَمْ فِي الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ . فَإِنْ قِيلَ: أَفَتَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ يَشَاءُ الْكُفْرَ وَالظُّلْمَ ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ يَشَاءُ الْكُفْرَ نَفْيَ الْغَلَبَة، وَالْعَجْزِ، وَالْإِكْرَاهِ عَلَى مَا يَشَاءُ فَنَعَمْ يَشَاءُ أَنْ يَكُونَ مَا يُرِيدُ، وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، لِمَا لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِأَنَّهُ يَكُونُ مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ خِلَافَ مَا عَلِمَ، وَالْكُفْرُ مِمَّا لَمْ يَزَلْ كَانَ عَالِمًا بِهِ، أَنَّهُ يَكُونُ مَوْجُودًا أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: { يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ } [آل عمران: 176]، وَفِيهِ جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ شَاءَ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ مِنَ الْكَافِرِ خِلَافَ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ سَأَلَا إِضْلَالَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَالشَّدَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا } [يونس: 89] فَشَاءَ إِضْلَالَهُمْ وَالسَّدَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا لَمَّا أَجَابَ دَعْوَتَهُمَا، وَفِيهِ جَوَابٌ آخَرُ يَشَاءُ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ قَبِيحًا ضَلَالًا عَمًى خَسَارًا لَا نُورًا وَهَدًى وَحَقًّا وَبَيَانًا، وَإِنْ أَرَدْتَ تَقُولُ: يَشَاءُ الْكُفْرَ أَيْ يَأْمُرُ بِهِ، فتَقُولُ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: الْحَكِيمُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُشْتَمَ وَيُذْكَرَ بِسُوءٍ قِيلَ الْحَكِيمُ مَنْ يَجْرِي الشَّتْمُ عَلَى لِسَانِ النَّائِمِ، وَالْمُبَرْسِمُ وَلَا فِعْلَ لَهُمَا، الْحَكِيمُ مَنْ يَخْلُقُ عَبْدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يَشْتُمْهُ وَيَجْحُدُهُ، ثُمَّ يُحْدِثُ لَهُ كُلَ سَاعَةٍ قُوَّةً جَدِيدَةً وَقِيلَ: مَنْ كَانَ الشَّتْمُ يُنْقِصُهُ فَلَيْسَ بحكيمٍ، وَمَنْ لَمْ يُنْقِصْهُ فَحَكِيمٌ لِأَنَّهُ يَشَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ شَتْمُ الشَّاتِمِ لَهُ بخِلَافَ مَدْحِ الْمَادِحِ لَهُ فَحَكِيمٌ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ شَتْمُ الشَّاتِمِ، لَهُ مَعْصِيَةً مِنَ الْكَافِرِ، لَا طَاعَةً فَحَكِيمٌ، لِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ الشَّيْءَ عَلَى مَا لَا يَكُونُ خِلَافُهُ فَحَكِيمٌ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الشَّتْمُ مَوْجُودًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ بِهِ عَالِمًا أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ مَوْجُودًا فَحَكِيمٌ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّيْءَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَكُونُ فِيهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَكُونَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا مَكْرُهًا & عَلَى كَوْنِ مَا لَا يُرِيدُ فَحَكِيمٌ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَطُولُ، فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقُولُونَ فِي اسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ ؟ قِيلَ: نَقُولُ هِيَ قُدْرَتُهُ وَهِيَ مَعَ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَهِيَ توفيقٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِلطَّاعَةِ، وَخِذْلَانٌ مِنْهُ فِي الْمَعْصِيَةِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } [الإسراء: 48] وَقَدْ كَانُوا لِسَبِيلِ الْبَاطِلِ مُسْتَطِيعِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَفَى عَنْهُمُ اسْتِطَاعَةَ الْحَقِّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فَاعِلِينَ لَهُ وَقَالَ: مُخْبِرًا عَنْ صَاحِبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: { إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } [الكهف: 67] فَنَفَى عَنْهُ اسْتِطَاعَةَ الصَّبْرِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ الصَّبْرَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " فَدَلَّ أَنَّهُ فِي حَالِ كَسْبِهِ مُيَسَّرٌ، وَتَيْسِيرُهُ قُدْرَتُهُ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْخَيْرَ، إِلَّا بِاللهِ وَهُوَ قَبْلَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِخَيْرٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْتِطَاعَتَهُمْ تَكُونُ مَعَهُ، وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ سَبَبٌ لِلْفِعْلِ يُوجَدُ بِوُجوُدِهَا، وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهَا فَجَرَتْ مَعَ الْكَسْبِ مَجْرَى الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ، وَلَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فَلَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الِاسْتِطَاعَةِ عَلَى الْكَسْبِ "
188 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، أخبرنا شَرِيكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَاصِمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتَّبَعْتُهُ فَانْتَهَى إِلَى الْمَقَابِرِ، فَقَالَ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دِيَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ فَرَطٌ لَنَا "، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: " وَيْحَهَا لَوِ اسْتَطَاعَتْ مَا فَعَلْتُ وَمَا اسْتَطَاعَت " " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا فِي الِاسْتِطَاعَةِ، لِأَنَّهُ نَفَى عَنْهَا الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْمُكْثِ دُونَ الِاتِّبَاعِ، فَإِنْ قِيلَ: يَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ كَلَّفَ الْعَبْدَ مَا لَا يُطِيقُهُ، إِلَّا بِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ وَلِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ أَنْ يَقُولُوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وَلَا تَكُونُ عِبَادَةُ الْعَبْدِ، إِلَّا بِمَعُونَةِ الرَّبِّ، وَقَوْلُهُ: { لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة: 286] فَمَعْنَاهُ إِلَّا مَا يَحِلُّ لَهَا، أَوْ لَا تَعْجَزُ عَنْ فِعْلِهِ بِزَمَانِهِ، أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ أَرَادَ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا مُؤْمِنَةً، إِلَّا وُسْعَهَا لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ، وَقَدْ قَالَ فِيمَا عَلِمْنَا: { رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [البقرة: 286] وَلَوْلَا جَوَازُ ذَلِكَ لَمَا عَلِمْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَإِذَا جَازَ تَكْلِيفُ مَا قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَقَدْ جَازَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُوَفَّقُ لَهُ، وَلَا يُعَانُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: أَفَتَقُولُونَ: إِنَّ فِي مَقْدُورِ اللهِ لُطْفًا لَوْ فَعَلَهُ بِالْكَافِرِ لَآمَنَ ؟ قِيلَ: نَعَمْ وَذَلِكَ اللُّطْفُ هُوَ الْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا يَفْعَلُ الطَّاعَةَ، وَهُوَ ضِدُّ مَا فَعَلَهُ بِالْكَافِرِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [السجدة: 13] قَالَ: { وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل: 93]، وَقَالَ: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 83] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى اللهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَفَضِّلٌ فِي فِعْلِهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْكَافِرِ فِي النَّظَرِ بَطَلَ قَوْلُهُ بِنَفَسَيْنِ أَمَاتَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَأَمَاتَ الْآخَرَ بَالِغًا كَافِرًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ كَانَ كَافِرًا، وَنَفْسَيْنِ أَمَاتَ أَحَدَهُمَا مُؤْمِنًا، وَأَبْقَى الْآخَرَ سَنَةً أُخْرَى حَتَّى كَفَرَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَكْفُرُ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَكْثُرُ "
189 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: " ثَلَاثَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ التَّوْفِيقِ: الْوُقُوعُ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ بِلَا اسْتِعْدَادٍ لَهُ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الذَّنْبِ مَعَ الْمَيْلِ إِلَيْهِ، وَقِلَّةُ الْهَرَبِ مِنْهُ، وَاسْتِخْرَاجُ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ عَلَامَاتِ الْخِذْلَانِ: الْوُقُوعِ فِي الذَّنْبِ مَعَ الْهَرَبِ مِنْهُ، وَالِامْتِنَاعُ مِنَ الْخَيْرِ مَعَ الِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَانْغِلَاقُ بَابِ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ رُوِّينَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ، وَالْآثَارِ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ، وَأَجَبْنَا عَمَّا يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا قُلْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ نَحْوَ الِاخْتِصَارِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ، وَمِمَّا تَحِقُّ مَعْرِفَتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا عِلَّةٌ لِصَنْعَةٍ، وَلَا يُقَالُ: لِمَ فَعَلَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِفِعْلِهِ عِلَّةٌ، فَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً اقْتَضَتْ قِدَمَ مَعْلُولِهَا، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَادِثَةً كَانَتْ لَهَا عِلَّةٌ أُخْرَى، وَلِتِلْكَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ أُخْرَى حَتَّى تؤَدِّيَ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَإِنِ اسْتَغْنَتِ الْعِلَّةُ عَنِ الْعِلَّةِ اسْتَغْنَى الْحَوَادِثُ عَنِ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَدَلَّ أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ لَا عِلَّةَ لِفِعْلِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَأَنَّهُ عَلِمَ فِي الْأَزَلِ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَوَادِثِ بِخَلْقِهِ فَقَدَّرَهُ عَلَى مَا لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِهِ، ثُمَّ خَلْقَهُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ فَلَا تَبْدِيلَ لِحُكْمِهِ، وَلَا مَرَدَّ لِقَضَائِهِ، وَفِي الْإِيمَانِ بِهِ وُجُوبُ التَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ، وَالْقُوَّةِ إِلَّا إِلَيْهِ وَالِاسْتِسْلَامُ لِلْقَضَاءِ، وَالْقَدَرِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، أَمَّا بِالْقَلْبِ: بِأَنْ لَا يَبْطِرَ، وَلَا يَأْشِرَ مِمَّا يَجْرِي بِهِ الْقَضَاءُ مِمَّا يُوَافِقُهُ وَلَا يَأْسَفَ، وَلَا يَحْزَنَ لِمَا يَأْتِي بِهِ الْقَضَاءُ مِمَّا لَا يُوَافِقُهُ . وَأَمَّا بِاللِّسَانِ: فَهُوَ أَنْ لَا يَفْتَخِرَ بِمَا يُعْجِبُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَنْسُبَ ذَلِكَ إِلَى سَبَبٍ يَكُونُ مَرْجِعُهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَتَضَجَّرَ مِمَّا يَسُوءُهُ فِعْلَ مَنْ يَشْكُو أَحَدًا أَوْ يَنْسُبُهُ إِلَى ظُلْمٍ أَصَابَهُ مِنْ قِبَلِهِ لَكِنْ يُضِيفُ الْأَمْرَيْنِ إِلَى اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَيَنْسُبُهُمَا إِلَى فَضْلِهِ، وَقَدْرِهِ وَيَذْعَنُ، وَيَسْتَسْلِمُ لِمَا يَكْرَهُهُ، وَيَحْمَدُ اللهَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ رُوِّينَا أَحَادِيثَ، وَحِكَايَاتٍ فِي التَّرْغِيبِ فِي الِاسْتِسْلَامِ لِلْقَضَاءِ، وَالْقَدَرِ، وَالتَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ مِنْ ذَلِكَ "
190 - مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حدثنا آدَمُ، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلَا أُعَلِّمُكَ، أَوْ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ "
191 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَرٌّ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا قُلْ قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ اللهُ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ
وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَ سِنِينَ، فَمَا أَرْسَلَنِي فِي حَاجَةٍ قَطُّ ، فَلَمْ تَتَهَيَّأْ إِلَّا قَالَ: " لَوْ قَضَى اللهُ كَانَ، وَلَوْ قَدَّرَ كَانَ "
192 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ الْأَنْصَارِيُّ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ، حدثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، قُضِيَ الْقَضَاءُ وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ، وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ " وَرُوِّينَا فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصِّحَّةَ، وَالْعِفَّةَ، وَالْأَمَانَةَ وَحُسْنَ الْخُلُقِ، وَالرِّضَا بِالْقَدَرِ "، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ "
193 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ الرَّازِيَّ يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو عُثْمَانَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَالَ: " الرِّضَا قَبْلَ الْقَضَاءِ عَزْمٌ عَلَى الرِّضَا، وَالرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَا "
194 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ سَعِيدَ بْنَ عُثْمَانَ الْمِصْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخَرَّازُ يَقُولُ: " الرِّضَا قَبْلَ الْقَضَاءِ تَفْوِيضٌ، وَالرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ تَسْلِيمٌ "
195 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أخبرنا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حدثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حدثنا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، بِهَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
196 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ بِمَرْوَ كَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ يَزْدَادَ الْجُرْجَانِيُّ، وَكَانَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً قَالَ: سَمِعْتُ عِصَامَ بْنَ اللَّيْثِ اللَّيْثِيَّ السَّدُوسِيَّ مِنْ بَنِي مَرَارَةَ فِي الْبَادِيَةِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: " مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَقَدَرِي فَلْيَلْتَمِسْ رَبًّا غَيْرِي "
197 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ، وَعَبْدُ الْوَاحِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُقْرِئُ بِالْكُوفَةِ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حدثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: " أَدِّ مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ تَكُنْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ، وَاجْتَنِبْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكَ تَكُنْ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ "
198 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَبُو عُتْبَةَ، حدثنا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: " ذِرْوَةُ الْإِيمَانِ أَرْبَعٌ: الصَّبْرُ لِلْحَكَمِ، وَالرِّضَا بِالْقَدَرِ، وَالْإِخْلَاصُ لِلتَّوَكُّلِ وَالِاسْتِسْلَامُ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ "
199 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْقَاسِمِ الشَّاذَيَاخِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، ح وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ صُبَيْحٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللهَ وَرِضَاهُ بِمَا قَضَى الله عَلَيْهِ، وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللهِ، وَسَخَطُهُ بِمَا قَضَى الله عَزَّ وَجَلَّ " وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ
200 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ الْبَغْدَادِيُّ، بِهَا أخبرنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا أَبُو بِشْرٍ حَاتِمُ بْنُ سَالِمٍ الْقَزَّازُ، حدثنا زَنْفَلٌ الْعَرَفِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ: " اللهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي " " وَقَدْ ذَكَرْنَا دُعَاءَ الِاسْتِخَارَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ "
201 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، أخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حدثنا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: " يَسٍتَخِيرُ أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ: اللهُمَّ خِرْ لِي، فَيُخَيَّرُ اللهُ لَهُ فَلَا يَرْضَى، وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللهُمَّ خِرْ لِي بِرَحْمَتِكَ وَعَافِيَتِكَ، وَيَقُولُ: اللهُمَّ اقْضِ لِي بِالْحُسْنَى، وَمِنَ الْقَضَاءِ بِالْحُسْنَى قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَذَهَابُ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللهُمَّ اقْضِ لِي بِالْحُسْنَى فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعَافِيَةٍ "
202 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حدثنا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حدثنا أَبُو خَيْثَمَةَ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَمْرًا فَلْيَقُلِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا - لِلْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُ - خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعِيشَتِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي وَإِلَّا فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، ثُمَّ اقْدُرْ لِي الْخَيْرَ أَيْنَ كَانَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ "
203 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ رُوحَانَ الْعَسْكَرِيُّ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ، حدثنا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ وَكِيعٌ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ بِلَالٍ، حدثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ، وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللهِ، وَأَنْ تَذِمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللهُ إِنَّ رِزْقَ اللهِ لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ كُرْهُ كَارِهٍ، إِنَّ اللهَ بِحُكْمِهِ وَجَلَالِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحِ فِي الرِّضَا وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَ الْغَمَّ وَالْحُزٍنَ فِي الشَّكِّ وَالسَّخَطِ " " مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ ضَعِيفٌ، وَرُوِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ مَرَّةً، وَمَرْفُوعًا أُخْرَى أَمَّا الْمَرْفُوعُ فَمَا "
204 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ شُعَيْبٍ الشَّاشِيُّ، حدثنا أَبُو حُمَةَ، حدثنا أَبُو قُرَّةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُرْضِيَنَّ أَحَدًا بِسَخَطِ اللهِ، وَلَا تَحْمِدَنَّ أَحَدًا عَلَى فَضْلِ اللهِ، وَلَا تَذِمَّنَّ أَحَدًا عَلَى مَا لَمْ يُؤتك اللهُ، فَإِنَّ رِزْقَ اللهِ لَا يَسُوقُهُ إِلَيْكَ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ عَنْكَ كُرْهُ كَارِهٍ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِقِسْطِهِ، وَعَدْلِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالرَّاحَةَ، وَالْفَرَحَ فِي الرِّضَا وَالْيَقِينَ، جَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي السَّخَطِ وَالشَّكِّ " وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ
205 - فَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْمَدَنِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " الرِّضَا أَنْ لَا تُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ، وَلَا تَحْمَدَ أَحَدًا عَلَى رِزْقِ اللهِ، وَلَا تَلُمْ أَحَدًا عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللهُ، فَإِنَّ الرِّزْقَ لَا يَسُوقُهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ، وَاللهُ بِقِسْطِهِ وَعِلْمِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكِّ وَالسَّخَطِ "
206 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبَانَةَ الْهَمْدَانِيُّ بِهَا، حدثنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَمَاعَةَ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: " إِذَا طَلَبَ أَحَدُكُمُ الْحَاجَةَ فَلْيَطْلُبْهَا طَلَبًا يَسِيرًا، فَإِنَّمَا لَهُ مَا قَدَّرَ لَهُ، وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَيَمْدَحَهُ فَيَقْطَعَ ظَهْرَهُ "
207 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " إِنَّ فِي طَلَبِ الرَّجُلِ إِلَى أَخِيهِ الْحَاجَةَ فِتْنَةً، إِنْ هُوَ أَعْطَاهُ حَمِدَ غَيْرَ الَّذِي أَعْطَاهُ، وَإِنْ مَنَعَهُ ذَمَّ غَيْرَ الَّذِي مَنَعَهُ "
208 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، حدثنا جَدِّي، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: " بَلَغَنِي فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا } [الكهف: 82] أَنَّ الْكَنْزَ الَّذِي كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ: عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ عَجَبًا، لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ كَيْفَ يَضْحَكُ عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَنُ عَجَبًا، لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَزَوَالَهَا، وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ "
209 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ، حدثنا حَكَمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا } [الكهف: 82] قَالَ: " كَانَ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ عَجَبًا لِمَنْ يَذْكُرُ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ كَيْفَ يَفْرَحُ، وَعَجَبًا لِمَنْ يَذْكُرُ أَنَّ النَّارَ حَقٌّ كَيْفَ يَضْحَكُ، وَعَجَبًا لِمَنْ يَذْكُرُ أَنَّ الْقَدَرَ حَقٌّ كَيْفَ يَحْزَنُ، وَعَجَبًا لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَتَصَرُّفَهَا بِأَهْلِهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا "
210 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُوسَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالُوا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَبُو الْجَوَّابِ، حدثنا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: " لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، يَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَلَأَنْ أَعَضُّ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تُطْفَأَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لِأَمْرٍ قضاه اللهُ لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ "
211 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أخبرنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْآدَمِيُّ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حدثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ "
212 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: " مَنْ وَثِقَ بِالْمَقَادِيرِ لَمْ يَغْتَمَّ "
213 - وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: " ارْضَ عَنِ اللهِ، وَثِقْ بِاللهِ فَكُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءِ اللهِ، وَأَثْنِ عَلَى اللهِ فَإِنَّهُ مَنْ عَرَفَ اللهَ رَضِيَ بِاللهِ وَسَرَّهُ مَا قَضَى، وَمَنْ طَلَبَ الْمَعْرُوفَ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَيَسَّرَ لِجُودِ كَفِّ اللهِ، وَلو عَرَفَ الْإِنْسَانُ مَا قَرُبَ لِمَا عَصَى اللهَ لِغَيْرِ اللهِ "
214 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أخبرنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ سِنَانٍ الْمُجَاشِعِيُّ وَكَانَ مِنَ الْعَابِدِينَ قَالَ: قُلْتُ لِعَابِدٍ: أَوْصِنِي، قَالَ: " أَلْقِ نَفْسَكَ مَعَ الْقَدَرِ حَيْثُ أَلْقَاكَ، فَهُوَ أَحْرَى أَنْ تُفْرِغَ قَلْبَكَ، وَأَنْ تُقِلَّ هَمَّكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُسْخِطَ رَبَّكَ فَيَحِلَّ بِكَ السَّخَطُ، وَأَنْتَ عَنْهُ فِي غَفْلَةٍ وَلَا تَشْعُرُ بِهِ "
215 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ شُمَيْطِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " يُصْبِحُ الْمُؤْمِنُ حَزِينًا وَيُمْسِي حَزِينًا، ويَنقَلَّبُ فِي النَّوْمِ وَيَكْفِيهِ مَا يَكْفِي الْعُنَيْزَةَ "
216 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ: " ذَرُوا التَّدْبِيرَ وَالِاخْتِيَارَ تَكُونُوا فِي طِيبٍ مِنَ الْعَيْشِ، فَإِنَّ التَّدْبِيرِ وَالِاخْتِيَارَ يُكَدِّرُ عَلَى النَّاسِ عَيْشَهُمْ " قَالَ: سُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَيُّ مَنْزِلَةٍ إِذَا قَامَ الْعَبْدُ بِهَا قَامَ مَقَامَ الْعُبُودِيَّةِ ؟ قَالَ: " تَرْكُ التَّدْبِيرِ " قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ يَقُولُ: " لَا تَحِلُّ السَّلَامَةُ حَتَّى تَكُونَ فِي التَّدْبِيرِ كَأَهْلِ الْقُبُورِ " قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ يَقُولُ: " الْفَرَحِ فِي تَدْبِيرِ اللهِ تَعَالَى لَنَا، وَالشَّقَاءُ فِي تَدْبِيرِنَا "
217 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ، حدثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: " قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ لَمْ يَصْلُحْ عَلَى تَقْدِيرِ اللهِ لَمْ يَصْلُحْ عَلَى تدبير نَفْسِهِ "
218 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّازِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الطُّوسِيَّ يَقُولُ: " مَنْ تَرَكَ التَّدْبِيرِ عَاشَ فِي رَاحَةٍ "
219 - سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبَّاسَ بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَهْلًا يَقُولُ: " الْبَلْوَى مِنَ اللهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: بَلْوَى رَحْمَةٍ، وَبَلْوَى عُقُوبَةٍ، فَبَلْوَى الرَّحْمَةِ يَبْعَثُ صَاحِبَهُ عَلَى إِظْهَارِ فَقْرِهِ إِلَى اللهِ وَتَرْكِ التَّدْبِيرِ، وَبَلْوَى الْعُقُوبَةِ يَبْعَثُ صَاحِبَهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَتَدْبِيرِهِ "
220 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تُرَابٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ: سَمِعْتُ شَقِيقًا يَقُولُ: " يَا فَقِيرُ لَا تَشْتَغِلْ، وَلَا تَتْعَبْ فِي طَلَبِ الْغِنَى، فَإِنَّهُ إِذَا قُسِمَ لَكَ الْفَقْرُ لَا تَكُونُ غَنِيًّا "
221 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمَّادٌ قَالَ: قَالَ أَيُّوبُ: " إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَأَرِدْ مَا يَكُونُ "
222 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حدثنا الْعَبَّاسُ بْنُ حَمْزَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ فِي قَوْلِهِ: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [التغابن: 11] قَالَ: " بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ "
223 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَزْوِينِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ: " الرِّضَا تَرْكُ الْخِلَافِ عَلَى اللهِ فِيمَا يُجْرِيهِ عَلَى الْعَبْدِ "
224 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ قَتَادَةَ، أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الضَّبُعِيُّ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، حدثنا إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ، حدثنا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: " لَقَدْ تَرَكَنِي هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتُ، وَمَا لِي فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا أَرَدْتُ فِي مَوْضِعِ قَدَرِ اللهِ " قَالَ وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَدْعُو بهما: " اللهُمَّ رَضِّنِي بِقَضَائِكَ، وَبَارِكْ لِي فِي قَدْرَكَ حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ شَيْءٍ أَخَّرْتَهُ، وَلَا تَأْخِيرَ شَيْءٍ عَجَّلْتَهُ "
225 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ الْقَزْوِينِيُّ بِالرِّيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى، أخبرنا سُلَيْمَانُ الْعَتَكِيُّ، حدثنا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: " مَا أَصْبَحَ لِي هَوًى فِي شَيْءٍ سِوَى مَا قَضَى الله عَزَّ وَجَلَّ "
226 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حدثنا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ لِي يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: " مَا تَمَنَّيْتُ شَيْئًا قَطُّ "
227 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَازِمٍ الْحَافِظُ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ، حدثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَشْعَثِ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: " الرَّاضِي لَا شَيْءَ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ "
228 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: " ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ التَّسْلِيمِ: مُقَابَلَةُ الْقَضَاءِ بِالرِّضَا، وَالصَّبْرُ عَلَى الْبَلَاءِ، وَالشُّكْرُ عَلَى الرَّخَاءِ، وثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ التَّفْوِيضِ: تَرْكُ الْحُكْمِ فِي أَقْدَارِ اللهِ فِي وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ، وَتَعْطِيلُ الْإِرَادَةِ لِإِرَادَتهِ فِي النَّوَافِلِ، وَأَسْبَابُ الدُّنْيَا، وَالنَّظَرُ إِلَى مَا يَقَعُ بِهِ مِنْ تَدْبِيرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ ذَكَاءِ الْقَلْبِ: رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ اللهِ، وَقَبُولِ كُلِّ شَيْءٍ عَنْهُ، وَإِضافةُ كُلِّ شَيْءٍ إِلَيْهِ "
229 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الْحَافِظَ يَقُولُ: أخبرنا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَلَبِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ النِّبَاجِيَّ يَقُولُ: " أَجَلُّ الْعِبَادَةِ عِنْدِي ثَلَاثَةٌ: لَا تَرُدَّ مِنْ أَحْكَامِهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْأَلْ غَيْرَهُ حَاجَةً، وَلَا تَدَّخِرْ عَنْهُ شَيْئًا "
230 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ شَمْعُونَ وَكَانَ قَدْ سُئِلَ عَنِ الرِّضَا فَقَالَ: " الرِّضَا بِالْحَقِّ، وَالرِّضَا عَنْهُ، وَالرِّضَا لَهُ " فَقَالَ: " الرِّضَا بِهِ مُدَبِّرًا وَمُخْتَارًا، وَالرِّضَا عَنْهُ قَاسِمًا وَمُعْطِيًا، وَالرِّضَا لَهُ إِلَهًا وَرَبًّا "
231 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ يُوسُفَ الشِّكْلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْفَرَجِيِّ يَقُولُ: " مَعْنَى الرِّضَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: تَرْكُ الِاخْتِيَارِ، وَسُرُورُ الْقَلْبِ بِمُرِّ الْقَضَاءِ، وَإِسْقَاطُ التَّدْبِيرِ مِنَ النَّفْسِ حَتَّى يُحْكَمَ لَهَا عَلَيْهَا "
232 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ شَاذَانَ يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو عُثْمَانَ الْبِيكَنْدِيُّ عَنِ الرِّضَا قَالَ: " مَنْ لَمْ يَنْدَمْ عَلَى مَا فَاتَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَتَأَسَّفْ عَلَيْهَا "
233 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ حَكْمَوَيْهِ الرَّازِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ الرَّازِيَّ يَقُولُ: " يَا ابْنَ آدَمَ، لَا تَأْسَفْ عَلَى مَفْقُودٍ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْكَ الْفَوْتُ، وَلَا تَفْرَحْ بِمَوْجُودٍ لَا يَتْرُكُهُ فِي يَدَيْكَ الْمَوْتُ "
234 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: { لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } [الحديد: 23] قَالَ: " لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَفْرَحُ وَيَحْزَنُ، وَلَكِنْ إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةُ جَعَلَهَا صَبْرًا، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ جَعَلَهُ شُكْرًا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَذَا يُؤَكِّدُ قَوْلَ الْحَلِيمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُزْنِ التَّسَخُّطُ وَالتَّفَجُّرُ، وَالْمُرَادُ بِالْفَرَحِ فَرَحُ التَّبَذُّخِ وَالتَّكَبُّرِ "
235 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْعَسْكَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَامِرِيُّ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ صَدَقَةَ الْحَمَّالُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ذِي النُّونِ بِأَخْمِيمَ فَسَمِعَ صَوْتَ لَهْوٍ وَدِفَافٌ وَإِكْبَارٍ فَقَالَ: " مَا هَذَا ؟ " فَقِيلَ عُرْسٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسَمِعَ إِلَى جَانِبِهِ بُكَاءً وَصِيَاحًا وَوَلْوَلَةً فَقَالَ: " مَا هَذَا ؟ " فَقِيلَ: فُلَانٌ مَاتَ، فَقَالَ لِي: " يَا عُمَرَ بْنَ صَدَقَةَ أَعْطُوا هَؤُلَاءِ فَمَا شَكَرُوا، وَابْتَلُوا هَؤُلَاءِ فَمَا صَبَرُوا، وَلِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ بِتُّ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ " فَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ إِخْمِيمَ إِلَى الْفُسْطَاطِ
236 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبُوشَنْجِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ بِشْرِ بْنِ جَابَانَ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ حَجَرِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَرِيُّ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ يَقْرَأُ فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ، أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ } [الواقعة: 59] قَالَ: " بَلْ أَنْتَ يَا رَبُّ ثَلَاثًا "، ثُمَّ قَرَأَ: { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } [الواقعة: 63] قَالَ: " بَلْ أَنْتَ يَا رَبُّ، بَلْ أَنْتَ يَا رَبُّ، بَلْ أَنْتَ يَا رَبُّ "، ثُمَّ قَرَأَ: { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ } [الواقعة: 68] قَالَ: " بَلْ أَنْتَ يَا رَبُّ ثَلَاثًا "، ثُمَّ قَرَأَ: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا، أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ } قَالَ: " بَلْ أَنْتَ يَا رَبُّ ثَلَاثًا "
237 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، " أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ لَا أَسْتَطِيعُ دَفْعَ مَا أَكْرَهُ، وَلَا أَمْلِكُ نَفْعَ مَا أَرْجُو، وَأَصْبَحَ الْأَمْرُ بِيَدِ غَيْرِي، وَأَصْبَحْتُ مُرْتَهِنًا بِعَمَلِي، فَلَا فَقِيرَ أَفْقَرُ مِنِّي، اللهُمَّ لَا تُشْمِتْ بِي عَدُوِّي، وَلَا تَسُؤْ بِي صَدِيقِي، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتِي فِي دِينِي، وَلَا تُسَلَّطْ عَلَيَّ مَنْ لَا يَرْحَمُنِي "
238 أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرحمن السُّلَمِيُّ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ حِكَايَةً عَنْ بَعْضِهِمْ، أَنَّهُ قَالَ: " كَمَالُ الدِّينِ فِي التَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَالرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ إِلَى مَنْ لَهُ الْكُلُّ "
239 - قَالَ: وَقَالَ سَهْلٌ: " مَا نَظَرَ أَحَدٌ إِلَى نَفْسِهِ فَأَفْلَحَ، وَلَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ حَالًا فَتَمَّ لَهُ، وَالسَّعِيدُ مِنَ الْخَلْقِ مَنْ صَرَفَ بَصَرَهُ عَنْ أَفْعَالِهِ، وَفُتِحَ لَهُ سَبِيلُ الْفَضْلِ وَالْأَفْضَالِ، وَرُؤْيَةِ مِنَّةِ اللهِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ زُيِّنَ فِي عَيْنِهِ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ فَافْتَخَرَ بِهَا وَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ فَسَوْفَ تُهْلِكُهُ يَوْمًا، إِنْ لَمْ تُهْلِكْهُ فِي الْوَقْتِ أَلَا تَرَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ حَكَى عَنْ قَارُونَ قَوْلَهُ: { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } [القصص: 78]، نَسِيَ الْفَضْلَ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ فَضْلًا، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ ظَاهِرًا، وَكَمْ قَدْ خُسِفَ بِالْأَشْرَارِ وَأصَحَابُهَا لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ، وَخَسْفُ الْأَشْرَارِ هُوَ مَنْعُ الْعِصْمَةِ، وَالرَّدُّ إِلَى الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَإِطْلَاقِ اللِّسَانِ بِالدَّعَاوِي الْعَرِيضَةِ، وَالْعَمَى عَنْ رُؤْيَةِ الْفَضْلِ، وَالْقُعُودُ عَنِ الْقِيَامِ بِالشَّكْرِ عَلَى مَا أَوْلَى وَأَعْطَى، حِينَئِذٍ يَكُونُ وَقْتُ الزَّوَالِ "
240 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْآدَمِيُّ الْقَارِئُ، حدثنا أَبُو الْعَيْنَاءِ، حدثنا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا أَبِي، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيِّ قَالَ: " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دَوْلَةً حَتَّى إِنَّ لِلْحُمْقِ عَلَى الْعَقْلِ دَوْلَةً " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " الدَّوْلَةُ لِمَنْ وَافَقَهُ الْقَضَاءُ وَالتَّقْدِيرُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } [آل عمران: 140] "
241 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْشٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: " إِذَا لَمْ تُطِعْ رَبَّكَ فَلَا تَأْكُلْ رِزْقَهُ، وَإِذَا لَمْ تَجْتَنِبْ نَهْيَهُ فَاخْرُجْ عَنْ مَمْلَكَتِهِ، وَإِذَا لَمْ تَرْضَ بِفِعْلِهِ فَاطْلُبْ رَبًّا سِوَاهُ، وَإِذَا عَصَيْتَهُ فَاخْرُجْ إِلَى مَكَانٍ لَا يَرَاكَ "
242 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُورٍ الصُّوفِيَّ ابْنَ ابْنَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْشٍ الزَّاهِدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَدِّي يَقُولُ: " يَضْحَكُ الْقَضَاءُ مِنَ الْحَذَرِ، وَيَضْحَكُ الْأَجَلُ مِنَ الْأَمَلِ، وَيَضْحَكُ التَّقْدِيرُ مِنَ التَّدْبِيرِ، وَتَضْحَكُ الْقِسْمَةُ مِنَ الْجَهْدِ وَالْعنَاءِ "
243 - أَنْشَدَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْشَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَلَوِيُّ الشَّهِيدُ، أَنْشَدَنِي الْمُثَنَّى لِنَفْسِهِ:"
[البحر الكامل]
وَبِعَيْنِ مُفْتَقِرٍ إِلَيْكَ رَأَيْتَنِي ... فَهَجَرْتَنِي، وَنَزَلَتْ بِي مِنْ حَالِقٍ
لَسْتَ الْمَلُومَ أَنَا الْمَلُومُ لِأَنَّنِي ... أَنْزَلْتُ حَاجَاتِي بِغَيْرِ الْخَالِقِ"
244 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَأَمُونِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ الزَّاهِدَ، يَنْشُدُ لِلشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ:"
[البحر الكامل]
وَإِذَا سَمِعْتَ بِأَنْ مَجْدُودًا حَوَى ... عُودًا فَأَثْمَرَ فِي يَدَيْهِ فَصَدِّقِ
وَإِذَا سَمِعْتَ بِأَنَّ مَحْرُومًا أَتَى ... مَاءً لِيَشْرَبَهُ فَغَاضَ فَحَقِّقِ
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى الْقَضَاءِ وَكَوْنِهِ ... بُؤْسُ اللَّبِيبِ، وَطِيبُ عَيْشِ الْأَحْمَقِ"
245 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الصَّقْرِ، أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَاتِبُ بِهَمْدَانَ أَنْشَدنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ، أنْشَدَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَبِيبٍ:"
[البحر البسيط]
لَيْسَ اخْتِيَارُ وَلَا عَقْلُ وَلَا أَدَبٌ ... يُجْدِي عَلَيْكَ إِذَا لَمْ يَسْعَدِ الْقَدْرُ
مَا يَقْضِهِ اللهُ لَا يُعْيِيكَ مَطْلَبُهُ ... وَالسَّعْيُ فِي نَيْلِ مَا لَمْ يَقْضِهِ عَسِرُ
كَمْ مَانِعٍ نَفْسَهُ أَرَابَهَا حَذَرًا ... لِلْفَقْرِ لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ ذَخْرُ
إِنْ كَانَ إِمْسَاكُهُ لِلْفَقْرِ يَحْذَرُهُ ... فَقَدْ يُعَجِّلُ فَقْرًا قَبْلَ يَفْتَقِرُ"
246 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْشَدَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ، أَنْشَدَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الدَّارِمِيُّ بِأَنْطَاكِيَةَ لِنَفْسِهِ:"
[البحر السريع]
يَا لَائِمَ الدَّهْرِ عَلَى مَا بِنَا ... لَا تَلُمِ الدَّهْرَ عَلَى غَدْرِهِ
فَالدَّهْرُ مَأْمُورٌ لَهُ آمِرٌ ... يَنْصَرِفُ الدَّهْرُ إِلَى أَمْرِهِ
كَمْ كَافِرٍ بِاللهِ أَمْوَالُهُ ... تَزْدَادُ أَضْعَافًا عَلَى كُفْرِهِ
ومُؤْمِنٌ لَيْسَ لَهُ دَانَقٌ ... يَزْدَادُ إِيمَانًا عَلَى فَقْرِهِ
لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا ... يَبْسُطُ رِجْلَيْهِ عَلَى قَدَرِهِ"
247 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحافظ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ قِصَّةَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي مَسِيرِهِ قَالَ: " فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ فِي فَلَاةٍ إِذِ احْتَاجَ إِلَى الْمَاءِ فَجَاءَهُ الْهُدْهُدُ، فَجَعَلَ يَنْقُرُ الْأَرْضَ فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْمَاءِ فَجَاءَتِ الشَّيَاطِينُ، فَسَلَخَتْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَمَا تُسْلَخُ الْإِهَابُ فَأَصَابُوا الْمَاءَ " قَالَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ: قِفْ أَرَأَيْتَ الْهُدْهُدَ كَيْفَ يَجِيءُ فَيَنْقُرُ الْأَرْضَ فَيُصِيبُ مَوْضِعَ الْمَاءِ وَهُوَ يَجِيءُ إِلَى الْفَخِّ، وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ حَتَّى يَقَعَ فِي عُنُقِهِ ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " إِنَّ الْقَدَرَ إِذَا جَاءَ حَالَ دُونَ الْبَصَرِ "
248 - سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْقَاضِي يَقُولُ: سَمِعْتُ التِّرْمِذِيَّ يَقُولُ: " إِذَا جَاءَ الْقَدَرُ عَمِيَ الْبَصَرُ، وَإِذَا جَاءَ الْحِينُ غَطَّى الْعَيْنَ "
249 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنْشَدَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ:"
[البحر الرجز]
إِذَا أَرَادَ اللهُ أَمْرًا بِامْرِئٍ ... وَكَانَ ذَا رَأْيٍ وَعَقْلٍ وَبَصَرْ
وَحِيلَةٍ يَعْمَلُهَا فِي كُلِّ مَا يَأْتِي ... بِهِ مَحْتُومُ أَسْبَابِ الْقَدَرْ
أَغْرَاهُ بِالْجَهْلِ وَأَعْمَى عَيْنَهُ ... فَسَلَّهُ عَنْ عَقْلِهِ سَلَّ الشَّعَرْ
حَتَّى إِذَا أَنْفَذَ فِيهِ حُكْمَهُ ... رُدَّ عَلَيْهِ عَقْلُهُ لِيَعْتَبِرْ"
250 - أَنْشَدَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْأَوْبَرِيُّ، أَنْشَدَنَا حَمَّادُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَكْرَاوِيُّ، لِمَحْمُودِ بْنِ الْحَسَنِ الْوَرَّاقِ:"
[البحر الطويل]
تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي كُلِّ حَاجَةٍ ... أَرَدْتَ فَإِنَّ اللهَ يَقْضِي وَيَقْدِرُ
مَتَى مَا يُرِدْ ذُو الْعَرْشِ أَمْرًا بِعَبْدهِ ... يُصِبْهُ وَمَا لِلْعَبْدِ مَا يَتَخَيَّرُ
وَقَدْ يَهْلِكُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَجْهٍ أَمِنَهُ ... وَيَنْجُو بِحَمْدِ اللهِ مِنْ حَيْثُ يَحْذَرُ"
قَالَ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْفَوَارِسِ جُنَيْدُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ:"
[البحر البسيط]
الْعَبْدُ ذُو ضَجَرٍ وَالرَّبُّ ذُو قَدَرٍ ... وَالدَّهْرُ ذُو دُوَلٍ وَالرِّزْقُ مَقْسُومُ
وَالْخَيْرُ أَجْمَعُ فِيمَا اخْتَارَ خَالِقُنَا ... وَفِي اخْتِيَارِ سِوَاهُ اللَّوْمُ وَالشُّومُ"
السَّادِسُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَمَعْنَاهُ التَّصْدِيقِ بِأَنَّ لِأَيَّامِ الدُّنْيَا آخِرًا أَيْ أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا مُنْقَضِيَةٌ، وَهَذَا الْعَالَمُ مُنْتَقَضٌ يَوْمًا صُنْعُهُ مُنْحَلٌّ تَرْكِيبُهُ، وَفِي الِاعْتِرَافِ بانْقِضَائِهِ اعْتِرَافٌ بِابْتِدِائِهِ لِأَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَفْنَى وَلَا يَتَغَيَّرُ " قَالَ: " وَفِي اعْتِقَادِهِ وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ بِهِ مَا يَبْعَثُ عَلَى فَضْلِ الرَّهْبَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى جَدُّهُ وَقِلَّةِ الرُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا وَالتَّهَاوُنِ بِأَحْزَانِهَا وَمَصَائِبِهَا وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَضَضِ الشَّهَوَاتِ، احْتِسَابًا وَثِقَةً بِمَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى جَدُّهُ عَنْهَا مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ، وَالثَّوَابِ وَقَدْ ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } [البقرة: 8]، وَقَالَ: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } [التوبة: 29] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ سِوَاهَا "
قال البيهقي رحمه الله وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ "
251 - أَخْبَرَنَاه أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصُّوفِيُّ، حدثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حدثنا كهمس بن الحسن عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ . قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مُفْنٍ مَا عَلَى الْأَرْضِ، وَمُبَدِّلُ الْأَرْضِ غَيْرَ الْأَرْضِ، وَأَنَّ الشَّمْسَ تُكَوَّرُ، وَالْبِحَارُ تُسْجَرُ، وَالْكَوَاكِبُ تُنْتَثَرُ، وَالسَّمَاءُ تَنْفَطِرُ، وَتَصِيرُ كَالْمُهْلِ فَتُطْوَى كَمَا يُطْوَى الْكِتَابُ، وَأَنَّ الْجِبَالَ تَصِيرُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ، وَيَنْسِفُهَا اللهُ نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا، وَلَا أَمْتًا وَكُلُّ ذَلِكَ كَائِنٌ كَمَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ، وَوَعْدُ اللهِ صِدْقٌ، وَقَوْلُهُ حَقٌّ " قَالَ: " وَالسَّاعَةُ الَّتِي تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا السَّاعَةُ الْآخِرَةُ مِنْ سَاعَاتِ الدُّنْيَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } [الأعراف: 187]، فَهَذَا عَلَى السَّاعَةِ الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ: { لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً } [الأعراف: 187]، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا } [الأحزاب: 63]، وَالْآخَرُ السَّاعَةُ الْأُولَى مِنْ سَاعَاتِ الْآخِرَةِ . قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ } [الروم: 55] يَعْنِي حِينَ يُبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ لِقَوْلِهِ: { يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ } [الروم: 55] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر: 46] " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ " مَعْنَاهُ وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنِّي أَنَا النَّبِيُّ الْآخِرُ لَا يَلِينِي نَبِيٌّ آخَرُ، وَإِنَّمَا يَلِينِي الْقِيَامَةُ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ دَانِيَةٌ لِأَنَّ أَشْرَاطَهَا مُتَتَابِعَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَهَا غَيْرَ أَنَّ مَا بَيْنَ أَوَّلِ أَشْرَاطِهَا إِلَى آخِرِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي أَشْرَاطِهَا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهَا هَهُنَا "
وَرُوِّينَا عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ، وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبًا بَيْنَهُمَا لَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ، وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ لَا يَسْقِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ مِنْ تَحْتِهَا لَا يَطْعَمُهَا، وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا "
252 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي آخَرِينَ قَالُوا، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
السَّابِعُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ بَعْدَ الْمَوْتِ " وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِي الْبَعْثِ كَثِيرَةٌ فَمِنْهَا: قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا } [التغابن: 7]، وَقَوْلُهُ: { قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } [الجاثية: 26] الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115] "
وَرُوِّينَا عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، وَبِالْقَدَرِ كُلِّهِ
253 - " أَخْبَرَنَاه أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأُشْنَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَطَرٍ فَذَكَرَهُ . وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ " وَالْإِيمَانُ بِالْبَعْثِ هُوَ أَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعِيدُ الرُّفَاتَ مِنْ أَبْدَانِ الْأَمْوَاتِ، وَيَجْمَعُ مَا تَفَرَّقَ مِنْهَا فِي الْبِحَارِ، وَبُطُونِ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا حَتَّى تَصِيرَ بِهَيْئَتِهَا الْأُولَى، ثُمَّ يَجْمَعُهَا حَيَّةً، فَيَقُومُ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى أَحْيَاءً صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ حَتَّى السِّقْطُ الَّذِي قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، فَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ أَوْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ أَصْلًا فَهُوَ وَسَائِرُ الْأَمْوَاتِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَأَمَّا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صِفَةِ الْقِيَامَةِ: { إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } [الحج: 2]، فَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَوَامِلَ اللَّاتِي متن بأحْمَالَهُنَّ، فَإِذَا بُعِثْنَ أَسْقَطْنَ تِلْكَ الْأَحْمَالَ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْأَحْمَالُ أَحْيَاءً فِي الدُّنْيَا أَسْقَطْنَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْيَاءً، وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا الْمَوْتُ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَحْمَالُ لَمْ يُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ فِي الدُّنْيَا أَسْقَطْنَهَا أَمْوَاتًا كَمَا كَانَتْ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إِنَّمَا هُوَ إِعَادَةُ الْحَيَاةِ إِلَى مِنْ كَانَ حَيًّا فَأُمِيتَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا نَصِيبٌ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ . وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ إِثْبَاتَ الْبَعْثِ مِنْهَا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } [يس: 81]، وَقَالَ: { أَوْلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ وَلَمْ يَعِيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الأحقاف: 33] فَأَحَالَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ جِسْمًا مِنَ النَّاسِ . وَمِنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يس: 78] فَجَعَلَ النَّشْأَةَ الْأُولَى دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، ثُمَّ قَالَ: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا، فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ } [يس: 80] فَجَعَلَ ظُهُورَ النَّارِ عَلَى حَرِّهَا وَيُبْسِهَا مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ عَلَى نَدَاوَتِهِ وَرُطُوبَتِهِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ خَلْقِهِ الْحَيَاةَ في الرِّمَّةِ الْبَالِيَةِ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ، وَقَدْ نَبَّهَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِالْأَرْضِ تَكُونُ حَيَّةً تُنْبِتُ وَتُنَمَّى، وَتُثْمِرُ، ثُمَّ تَمُوتُ فَتَصِيرُ إِلَى أَنْ لَا تُنْبِتَ وَتَبْقَى خَاشِعَةً جامِدَةً، ثُمَّ يحْييها فَتَصِيرُ إِلَى أَنْ تُنْبِتَ وَتُنَمَّى وَهُوَ الْفَاعِلَ لِحَيَاتِهَا وَمَوْتِهَا ثُمَّ حَيَاتِهَا، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُعْجِزْهُ أَنْ يُمِيتَ الْإِنْسَانَ، وَيَسْلُبَهُ مَعَانِيَ الْحَيَاةِ ثُمَّ يُعِيدَهَا إِلَيْهِ، وَيَجْلَعَهُ كَمَا كَانَ وَنَبَّهَنَا بإِحْيَاءِ النُّطْفَةِ الَّتِي هِيَ مَيِّتَةٌ، وَخَلَقَ الْحَيَوَانَ مِنْهَا عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } [البقرة: 28] يَعْنِي نُطَفًا فِي الْأَصْلَابِ، وَالْأَرْحَامِ فَخَلَقَكُمْ مِنْهَا بَشَرًا تَنْتَشِرُونَ، وَقَالَ تَعَالَى: { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَّرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } [المرسلات: 20]، فَأَعْلَمَنا أَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ النُّطْفَةَ مِنْ صُلْبِ الْأَبِ فَهِيَ مَيِّتَةٌ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَّ ثَنَاءهُ جَعَلَهَا حَيَّةُ فِي رَحِمِ الْأُمِّ يَخْلُقُ مَنْ يَخْلُقُ مِنْهَا وَيُرَكِّبُ الْحَيَاةَ فِيهِ فَهَذِا إِحْيَاءُ مَيِّتَةٍ فِي الْمُشَاهَدَةِ، فَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا لَا يَعْجِزُ عَنْ أَنْ يُمِيتَ هَذَا الْخَلْقَ، ثُمَّ يُعِيدَهُ حَيًّا، ثُمَّ بَسَطَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً، فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى } [القيامة: 37] وَنَبَّهَنَا عَلَى ذَلِكَ بِفَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى فَقَالَ عَزَّ وجل: { إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } [الأنعام: 95] وَذَلِكَ أَنَّ الْحَبَّ إِذَا جَفَّ وَيَبِسَ بَعْدَ انْتِهَاءِ نمَائِهِ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنِ ازْدِيَادِهِ، وكَذَلِكَ النَّوَى إِذَا تَنَاهَى عِظَمِهِ، وَجَفَّ وَيَبِسَ كَانَا مَيِّتَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمَا إِذَا أُودِعَا الْأَرْضَ الْحَيَّةَ فَلَقَهُمَا اللهُ تَعَالَى، وَأَخْرَجَ مِنْهُمَا مَا يُشَاهَدُ مِنَ النَّخْلِ، وَالزَّرْعِ حَيًّا يَنْشَأُ وَيَنْمُو إِلَى أَنْ يَبْلُغَ غَايَتَهُ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْبَيْضَةُ تُفَارِقُ الْبَائِضَ، وَيَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْمَوْتِ، ثُمَّ يَخْلُقُ اللهُ مِنْهَا حَيًّا فَهَلْ هَذَا إِلَّا إِحْيَاءُ الْمَيِّتَةِ، وَهُوَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ وَالْعِلْمُ بِهِ ضَرُورَى، وَقَدْ نَبَّهَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِمَا أَخْبَرَ مِنْ إِرَاءَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِحْيَاءَ الْأَمْوَاتِ، وَقَدْ نَقَلَتْهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الَّذِينَ خْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ، وَهُمْ ألوفٌ حَذّرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ . وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ، وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ: أَنِّي يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ . وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ عَصًا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَلْبِهِ إِيَّاهُ حَيَّةً، ثُمَّ إِعَادَتِهَا خَشَبَةً، ثُمَّ جَعَلَهَا عِنْدَ مُحَاجَّةِ السَّحَرَةِ حَيَّةً، ثُمَّ إِعَادَتِهَا خَشَبَةً، وَقَدْ أُشتْرِكَتْ عَامَّةُ أَهْلِ الْمِلَلِ فِي نَقْلِهِ . وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ شَأْنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ الَّذِينَ ضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ زِيَادَةً عَلَى ثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِيُدِلَّ قَوْمَهُمْ عِنْدَمَا أُعْثِرَهم عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّ مَا أُنْذِرُوا بِهِ مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلْنَا الْآثَارَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ "
الثَّامِنُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي حَشْرِ النَّاسِ بَعْدَ مَا يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى الْمَوْقِفِ الَّذِي بَيَّنَ لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ " فَيَقُومُونَ مَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي يُرِيدُ اللهُ مُحَاسَبَتَهُمْ فِيهِ أَمَرَ بِالْكُتُبِ الَّتِي كَتَبَتْهَا الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ بِذِكْرِ أَعْمَالِ النَّاسِ فَأُوتُوهَا، مِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ السُّعَدَاءُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ، أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأَشْقِيَاءُ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي الْمُطَفِّفِينَ: { أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [المطففين: 5]، وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاقِفِينَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَأَبَانَ أَنَّهُ لَا حَالَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ سِوَى الْقِيَامِ "
254 - حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ هُوَ ابْنُ الشَّرْقِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حدثنا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، حدثنا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُومُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ
255 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ " . قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا عَنَى بِالْمِيلِ أَمَسَافَةُ الْأَرْضِ أَمِ الْمِيلُ الَّذِي يُكَحَّلُ بِهِ الْعَيْنُ . قَالَ: " فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حِقْوَيْهِ ، ومَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا " قَالَ: وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى " وَقَدْ ذَكَرْنَا سَائِرَ الْأَحَادِيثِ فِيهِ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [الإسراء: 14]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 10]، وَقَالَ تَعَالَى: { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 17]، وَقَالَ: { هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [الجاثية: 29] وَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ كُتُبَهُمْ يَقُولُونَ: { مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا }، وَأَنَّ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ: { هَاؤُمُ اقْرَأُوا كِتَابِيَهْ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ }، { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ } [الحاقة : 25]، { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا } [الانشقاق: 7]، وَإِذْ وَقَفَ النَّاسُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ مِنَ الصُّحُفِ الَّتِي يُؤْتُونَها حُوسِبُوا بِهَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا بُعِثُوا لَا يَكُونُونَ ذَاكِرِينَ لِأَعْمَالِهِمْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئِهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة: 6] فَإِذَا ذَكَرُوهَا وَوُقِفُوا عَلَيْهَا حُوسِبُوا عَلَيْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي كَيْفِيَّةِ الْمُحَاسَبَةِ أَخْبَارٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ " مِنْهَا
256 - مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ شَاكِرٍ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِبٌ وَلَا تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى شَيْئًا إِلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ، وَيَنْظُرُ أَمَامَهُ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ " وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُحَاسِبُ الْمُكَلَّفِينَ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يُخَاطِبُهُمْ مَعًا، وَلَا يُخَاطِبُهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا تَدُلُّ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّ تَكْلِيمَهُ أَهْلَ رَحْمَتِهِ مِمَّا يَزِيدُهُمْ بِشَارَةً وَكَرَامَةً وَتَكْلِيمَهُ أَهْلَ عُقُوبَتِهِ مِمَّا يَزِيدُهُمْ خُسَارَةً وَحَسْرَةً قَالَ اللهُ عز وجل: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَلَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } مَعَ سَائِرِ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يَأْمُرُ مَلَائِكَتَهُ بِمُحَاسَبَةِ الْخَلْقِ بِأَمْرِهِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يَتَوَلَّى حِسَابَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَفْسِهِ وَيَأْمُرُ الْمَلَائِكَةَ بِمُحَاسَبَةِ الْكُفَّارِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَأَشَرْنَا إِلَيْهِ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ فِي ذَلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا انْتَهَى الْحِسَابُ كَانَ بَعْدَهُ وَزْنُ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ الْوَزْنَ لِلْجَزَاءِ "
257 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدَوِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ الْحَنْظَلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَيْفٍ الزَّاهِدَ يَقُولُ: " مَا أُحِبُّ أَنْ يَلِيَ حِسَابَنَا غَيْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ الْكَرِيمَ يَتَجَاوَزُ "
258 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حدثنا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: " مَا أُحِبُّ أَنَّ حِسَابِي جُعِلَ إِلَى وَالِدِي رَبِّي خَيْرٌ لِي مِنْ وَالِدِي " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ رُوِيَ في مَعْنَاهُ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا، فَلَمْ أُجْسَرْ عَلَى نَقْلِهِ، ثُمَّ إِنِّي نَقَلْتُهُ لِشُهْرَتِهِ بَيْنَ الْمُذْكِرِينَ وَأَنَا أَبْرَأُ مِنْ عَهْدِهِ "
259 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي التَّارِيخِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَزْهَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، حدثنا أَبِي، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ يُحَاسِبُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ: " اللهُ " . قَالَ: اللهُ ؟ قَالَ: " اللهُ " . قَالَ: نَجَوْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: " وَكَيْفَ يَا أَعْرَابِيُّ ؟ " قَالَ: لِأَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا قَدَرَ عَفَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ بِهَا، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ " تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ عَائِشَةَ، وَالْغَلَابِيُّ مَتْرُوكٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْمُحَاسَبَةَ تَكُونُ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ، وَقَالَ تَعَالَى: { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [الزمر: 69]، وَقَالَ: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } [النساء: 41] وَالشَّهِيدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّبِيُّ، وَشَهِيدُ كُلِّ أُمَّةٍ نَبِيُّهَا، وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ كَتَبَةُ الْأَعْمَالِ تَحْضُرُ الْأُمَّةُ وَرَسُولُهَا فَيُقَالُ لِلْقَوْمِ: مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ، وَيُقَالُ لِلرُّسُلِ: مَاذَا أَجَبْتُمْ فتقُولُ الرُّسُلُ لِلَّهِ: لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَكَأَنَّهُمْ نَسُوا مَا أُجِيبُوا بِهِ، وَتَأْخُذُ الْهَيْبَةُ بِمَجَامِعِ قُلُوبِهِمْ فَيَذْهَلُونَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عَنِ الْجَوَّابِ، ثُمَّ يُثَبِّتُهُمُ اللهُ، وَيُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرَى فَيَشْهَدُونَ بِمَا أَجَابَتْهُمْ بِهِ أُمَمُهُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " فَإِنْ كَذَّبَتْ أُمَّةٌ رَسُولَهَا وَقَالَتْ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ "
260 - فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَتُدْعَى أُمَّتُهُ فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ قَالَ: فَيُقَالُ: مَنْ شُهُودُكَ ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ قَالَ: فَيُؤْتَى بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَذَلِكُمْ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة: 143] " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: " يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالرِّجْلَانِ حَتَّى يَجِيءَ النَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغْتُمْ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، قَالَ: فَيُدْعَى قَوْمُهُمْ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَيُقَالُ لِلنَّبِيِّينَ: مَنْ يَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَتُدْعَى أُمَّةُ أَحْمَدَ فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا قَالَ: فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا قَالَ: فَيَقُولُونَ جَاءَنَا رَسُولُنَا بِكِتَابٍ أَخْبَرَنَا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا فَصَدَّقْنَاهُ، قَالَ: فَيُقَالُ صَدَقْتُمْ قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة: 143] "
261 - أَخْبَرْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَهُ " فَهَذَا فِيمَا بَيْنَ كُلِّ نَبِيٍّ وَقَوْمِهِ، فَأَمَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْمِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ صَحِيفَةُ عَمَلِهِ، وَكَاتِبَاهَا فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي الدُّنْيَا بِأَنَّ عَلَيْهِ مَلَكَيْنِ مُوَكَّلَيْنِ يَحْفَظَانِ أَعْمَالَهُ وَيَنْسَخَانِهَا، فَأَمَّا إِخْبَارُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ شَهَادَةِ الْجَوَارِحِ عَلَى أَهْلِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النور: 24] وَقَوْلِهِ: { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ، وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ } [فصلت: 22]، { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا: أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [فصلت: 21]، وقوله { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يس: 65] "
وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ: " أَتَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ " ؟ قَالَ: قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ: " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ . بِقَوْلِهِ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: بَلَى . قَالَ: فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي . قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ انْطِقِي . قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ "
262 - أَخْبَرَنَاه أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، حدثنا أَبُو النَّضْرِ، عَنِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكَتِّبِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ
وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ الرُّؤْيَةِ قَالَ:" فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، قَالَ: فَيَقُولُ: أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا . فَيَقُولُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِي فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ، فَذَكَرَ فِي السُّؤَالِ، وَالْجَوَابِ مِثْلَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَبِرَسُولِكَ، وَصَلَّيْتُ، وَصُمْتُ، وَتَصَدَّقْتُ فَيُقَالُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ، وَلَحْمُهُ، وَعَظْمُهُ بِعَمَلِهِ مَا كَانَ ذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ"
263 - أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، حدثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ" وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ، وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُ فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ سَائِرُ جَوَارِحِهِمْ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِنْكَارِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَمَا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ شَاءَ اللهُ، وَمِنْ سَائِرِ الْكَافِرِينَ حِينَ رَأَوْا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَغْفِرُ اللهُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، لَا يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، وَلَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ . قَالُوا:" إِنَّ رَبَّنَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَلَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ، فَتَعَالَوْا حَتَّى نَقُولَ: إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ذُنُوبٍ، وَلَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَا إِذْ كَتَمُوا الشِّرْكَ فَاخْتِمُوا عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عَرَفَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ اللهَ لَا يَكْتُمُ حَدِيثًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا } [النساء: 42]" وَهَذَا فِيمَا رُوِّينَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَهُ ." وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: فِي سُورَةِ زُلْزِلَتْ: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [الزلزلة: 4]، وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ:" أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلُوا عَلَى ظَهْرِهَا فَتَقُولُ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ أَخْبَارُهَا"، وَدَلَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ سَيِّدِنَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَكَثِيرًا مِنْهُمْ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَكَثِيرًا مِنْهُمْ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا شَدِيدًا"
264 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حدثنا حُصَيْنٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ" . ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ فَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّا نَحْنُ وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" فَقَالَ: عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:" نَعَمْ" . ثُمَّ قَالَ: رَجُلٌ آخَرُ: أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ:" قَدْ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ ابْنِ الْفُضَيْلِ
وَرُوِّينَاهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْهُمْ ثَلَاثًا لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: " إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ الْمَزِيدَ، فَوَجَدْتُ رَبِّي وَاجِدًا مَاجِدًا كَرِيمًا فَأَعْطَانِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعِينَ أَلْفًا قَالَ: قُلْتُ: يَا رَبِّ وَتَبْلُغُ أُمَّتِي هَذَا ؟ قَالَ: أُكَمِّلُ لَكَ الْعَدَدَ مِنَ الْأَعْرَابِ " " وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ "
265 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ إِمْلَاءً، حدثنا أَبُو مُسْلِمٍ، وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَا، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " " مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ " قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيْنَ قَوْلُهُ: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } [الانشقاق: 8] قَالَ: " ذَلُكُمُ الْعَرْضُ، وَلَكِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ حَمَّادٍ
266 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ: " اللهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا "، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ ؟ قَالَ: " يُنْظَرُ فِي كِتَابِهِ، وَيَتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهُ، وَإِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ يَا عَائِشَةُ هَلَكَ، وَكُلُّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ يُكَفِّرُ اللهُ عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةُ تَشُوكُهُ "
267 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا قَتَادَةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: أَيْ عَبْدِي تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ قَالَ: إِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ الْيَوْمَ . قَالَ: ثُمَّ أُعْطِيَ كِتَابَ حِسَابِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ: الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أوَجْهٍ أُخَرَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " قَوْلُهُ: " يُدْنِي الْمُؤْمِنَ " يُرِيدُ بِهِ يُقَرِّبُهُ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَقَوْلُهُ: " يَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ " يُرِيدُ وَاللهُ أَعْلَمُ عَطْفَهُ وَرَأْفَتَهُ وَرِعَايَتَهُ "
268 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، حدثنا شِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 34] قَالَ: " غَفَرَ لَهُمُ الذُّنُوبَ الَّتِي عَمِلُوهَا، وَشَكَرَ لَهُمُ الْخَيْرَ الَّذِي دَلَّهَمْ عَلَيْهِ فَعَمِلُوا بِهِ فَأَثَابَهُمْ عَمَلَهُمْ "
269 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ، حدثنا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ إِلَّا مَا رَحِمَ اللهُ "
270 - قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حدثنا سَعْدَوَيْهِ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنِ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ لَا يُجَازِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِذُنُوبِهِ، وَاللهِ مَا جَازَى الله عَبْدًا قَطُّ بِالْخَيْرِ، وَالشَّرِّ إِلَّا هَلَكَ، وَلَكِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا أَضْعَفَ لَهُ الْحَسَنَاتِ، وَأَلْقَى عَنْهُ السَّيِّئَاتِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَإِذَا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَكُونُ أَدْنَى إِلَى رَحْمَةِ اللهِ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ هُوَ أَدْنَى إِلَى سَخَطِ اللهِ فَيُدْخِلُهُ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } [القصص: 78]، وَقَالَ: { فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } [الرحمن: 37]، { فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ } [الرحمن: 39]، { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ } [الرحمن: 41]، وَقَالَ: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } [الصافات: 23]، وقال { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الحجر: 92] وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ مَا رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَسْأَلُهُمْ عَنْ عَمَلِهِمْ كَذَا وَكَذَا . لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يَقُولُ: عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا "
وَرُوِّينَا عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُسْئلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ يَقُولُ: " لَا يُسْأَلُ كَافِرٌ عَنْ ذَنْبِهِ كُلُّ كَافِرٍ مَعْرُوفٌ بِسِيمَاهُ "، وَفِي قَوْلِهِ: فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْئلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ يَعْنِي: " يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ وتُكَوَّرُ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْحِسَابِ، وَكُلٌّ مَعْرُوفٌ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ، أَمَّا الْكَافِرُ فَبِسَوَادِ وَجْهِهِ وَزُرْقَةِ عَيْنَيْهِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَغَرُّ مُحَجَّلٌ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ "
271 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّهَّانُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّادُ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ فَذَكَرَهُ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ، وَقَوْلِهِ: فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْئلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ سُؤَالُ التَّعَرُّفِ لتَمْيِيزِ الْمُؤْمِنِ عَنِ الْكَافِرِ، أَي إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَحْتَاجُ أَنْ تَسْأَلَ أَحَدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَقُولُ: مَا كَانَ ذَنْبُكَ، وَمَا كُنْتَ تَصْنَعُ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ بِأخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا لَكِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونُونَ نَاضِرِي الْوُجُوهِ مَشْرُوحِي الصُّدُورِ، وَالْمُشْرِكِينَ يَكُونُونَ سُودَ الْوُجُوهِ زُرْقًا مَكْرُوبِينَ، فَهُمْ إِذَا كُلِّفُوا سَوْقَ الْمُجْرِمِينَ إِلَى النَّارِ، وَتَمْيِيزَهَمُ فِي الْمَوْقِفِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ كَفَتْهُمْ مَنَاظِرُهُمْ عَنْ تَعَرُّفِ ذُنُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ " وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيُّ أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِمَّا رُوِّينَا عَنْ تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ، وَبِمَعْنَاهُ ذَكَرَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرُ الْفَرَاغَ مِنَ الْحِسَابِ، فَقَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يُسْئلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ قَالُوا: لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا يَعْنِي خَبَرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ بِمَ أُهْلِكُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَا يُسْئلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ يَقُولُ: لَا يُسْئلُ مُجْرُمُو هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ ذُنُوبِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الَّذِينَ عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَحْصَى أَعْمَالَهُمُ الْخَبِيثَةَ وَعَلِمَهَا "
272 - أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَقَ، حدثنا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلٍ فَذَكَرَهُ
273 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حدثنا آدَمُ، حدثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: { فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ } [الرحمن: 39] قَالَ: " يَقُولُ: لَا تَسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ عَنِ الْمُجْرِمِ إِنْسًا، وَلَا جَانًّا يَقُولُ: يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَافِرِينَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ زَعَمَ أَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ عَمَّا يَعْلَمُونَ مِمَّا كَانَتْ مِلَلُهُمْ تَقْتَضِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ ذَنْبًا، وَيُسْأَلُونَ عَنِ اللهِ، وَعَنْ رُسُلِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَعَنِ الْإِيمَانِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَصَحُّ وَاللهُ أَعْلَمُ "
فَصْلٌ " وَإِذَا انْقَضَى الْحِسَابُ كَانَ بَعْدَهُ وَزْنِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ الْوَزْنَ لِلْجَزَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ، فَإِنَّ الْمُحَاسَبَةَ لِتَقْرِيرِ الْأَعْمَالِ، وَالْوَزْنِ لِإِظْهَارِ مَقَادِيرِهَا لِيَكُونَ الْجَزَاءُ بِحَسَبِهَا، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } [الأنبياء: 47]، وَقَالَ: { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 9] . وَقَالَ: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّوَرِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون: 101] إِلَى قَوْلِهِ: { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 104]، وَقَالَ: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ } [القارعة: 6] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ
وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الْمِيزَانِ فِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ، فَالْإِيمَانُ بِهِ كَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ، وَبِالْجَنَّةِ وَبِالنَّارِ، وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ "
274 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْيدِ اللهِ الْمُنَادِي، حدثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ: " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْمِيزَانِ، وتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " . قَالَ - يَعْنِي السَّائِلَ -: إِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَأَنَا مُؤْمِنٌ ؟ قَالَ: " نَعَمْ " . قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " فِي الْآيَةِ الَّتِي كَتَبْنَاهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْكُفَّارِ تُوزَنُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: { بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 9]، وَالظُّلْمُ بِآيَاتِ اللهِ الِاسْتِهْزَاءُ بِهَا، وَتَرْكُ الْإِذْعَانِ لَهَا، وَقَالَ فِي آيَةٍ: { فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [المؤمنون: 103] إِلَى أَنْ قَالَ: { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } [المؤمنون: 105]، وَقَالَ فِي آيَةٍ: { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة: 10]، وَهَذَا الْوَعِيدُ بِالْإِطْلَاقِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْكُفَّارِ، فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: { وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } [الأنبياء: 47] ثَبَتَ أَنَّ الْكُفَّارَ يُسْأَلُونَ عَنْ كُلِّ مَا خَالَفُوا بِهِ الْحَقَّ مِنْ أَصْلِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يُسْأَلُوا عَمَّا وَافَقُوا فِيهِ أَصْلَ تَدَيُّنِهِمْ مِنْ ضُرُوبِ تَعاطِيهِمْ، وَلَمْ يُحَاسَبُوا بِهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا فِي الْوَزْنِ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَتْ مَوْزُونَةً فِي وَقْتِ الْوَزْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُم مُحَاسَبُونَ بِهَا فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ وَاللهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [فصلت: 6] فَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ وَأَخْبَرَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ أَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ } [المدثر: 42] فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ، وَبِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهَا مُخَاطَبُونَ بِهَا مُجْزَوْنَ عَلَى مَا أَخَلُّوا بِهِ مِنْهَا وَاللهُ أَعْلَمُ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَزْنِ، فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ صِلَةُ الْأَرْحَامِ وَمُوَاسَاةُ النَّاسِ، وَرَحْمَةُ الضَّعِيفِ وَإِغاثةُ اللهْفَانِ، وَالدَّفْعُ عَنِ الْمَظْلُومِ، وَعِتْقُ الْمَمْلُوكِ، وَنَحْوُهَا مِمَّا لَوْ كَانَتْ مِنَ الْمُسْلِمِ لَكَانَتْ بِرًّا وَطَاعَةً فَمَنْ كَانَ لَهُ أَمْثَالُ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهَا تُجْمَعُ وَتُوضَعَ فِي مِيزَانِهِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: { فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } [الأنبياء: 47] فَتَأْخُذُ مِنْ مِيزَانِهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ الْكُفْرَ إِذَا قَابَلَهَا رَجَحَ بِهَا، وَقَدْ حَرَّمَ اللهُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكُفَّارِ فَجَزَاءُ خَيْرَاتِهِ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ الْعَذَابُ فَيُعَذَّبُ عَذَابًا، دُونَ عَذَابِ كَأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ " وَمَنْ قَالَ: بِهَذَا احْتَجَّ بِمَا
275 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: وحدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَا، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يحوطك وَيَغْضَبُ لَكَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى أَنَّ خَيْرَاتِ الْكَافِرِ، لَا تُوزَنُ لِيُجْزى بِهَا بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا تُوزَنُ قَطْعًا لِحُجَّتِهِ حَتَّى إِذَا قَابَلَهَا الْكُفْرُ رَجَحَ بِهَا وَأَحْبَطَهَا، أَوْ لَا تُوزَنُ أَصْلًا، وَلَكِنْ يُوضَعُ كُفْرُهُ أَوْ كُفْرُهُ وَسَائِرُ سَيِّئَاتِهِ فِي إِحْدَى كِفَّتَيْهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَلْ لَكَ مِنْ طَاعَةٍ نَضَعُهَا فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، فَلَا يَجِدُهَا فَيَتَثَاقَلُ الْمِيزَانُ فَتَرْتَفِعُ الْكِفَّةُ الْفَارِغَةُ، وَتَبْقَى الْكِفَّةُ الْمَشْغُولَةُ فَذَلِكَ خِفَّةُ مِيزَانِهِ، فَأَمَّا خَيْرَاتُهُ فَإِنَّهَا لَا تُحْسَبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا مَعَ الْكُفْرِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [الفرقان: 23] "
وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَالِكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ: " لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ "
وَرُوِّينَا عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِيهِ، فَقَالَ: " إِنَّ أَبَاكَ طَلَبَ أَمْرًا فَأَدْرِكْهُ " يَعْنِي الذِّكْرَ
وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةُ يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ فيُعْطَى بِهَا خَيْرًا "
276 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَبُو سَهْلٍ الْقَطَّانُ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حدثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ سَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " مَنْ قَالَ: بِالْأَوَّلِ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ، وَالْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِحَسَنَاتِ الْكَافِرِ مَوْقِعُ التَّخْلِيصِ مِنَ النَّارِ، وَالْإِدْخَالِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ عَذَابِهِ الَّذِي اسْتَوْجَبَهُ بِسَيِّئَاتِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ فِي الشِّرْكِ مِنْ خَيْرَاتِهِ " وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ مَا:
277 - حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْجَوْزِيُّ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْبَزَّازُ، حدثنا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ، حدثنا عَامِرُ بْنُ مُدْرِكٍ، حدثنا عُتْبَةُ بْنُ يَقْظَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَحْسَنَ مِنْ مُحْسِنٍ كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ إِلَّا أَثَابَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ " . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا إِثَابَةُ اللهِ الْكَافِرَ ؟ قَالَ: " إِنْ كَانَ وَصَلَ رَحِمًا، أَوْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، أَوْ عَمِلَ حَسَنَةً أَثَابَهُ اللهُ تَعَالَى، وَإِثَابَتُهُ إِيَّاهُ الْمَالَ، وَالْوَلَدَ، وَالصِّحَّةَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ " . قَالَ: قُلْنَا: وَمَا إِثَابَتُهُ فِي الْآخِرَةِ ؟ قَالَ: " عَذَابٌ دُونَ الْعَذَابِ "، وَقَرَأَ: { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر: 46] قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فَفِيهِ الْحُجَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي طَالِبٍ صَحِيحٌ، وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ الْحَلِيمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ الْحَدِيثَ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَ عَنْهُ صِحَّةُ ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَرُوِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ صَاحِبا الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي كُتُبِهِمِ الصِّحَاحِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ ذَهَبَ الْمَذْهَبَ الثَّانِيَ فِي خَيْرَاتِ الْكَافِرِ أَنْ يَقُولَ: حَدِيثُ أَبِي طَالِبٍ خَاصٌّ فِي التَّخْفِيفِ عَنْ عَذَابِهِ بِمَا صَنَعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُصَّ بِهِ أَبُو طَالِبٍ لِأَجْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، وَثوَابًا لَهُ فِي نَفْسِهِ لَا لِأَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّ حَسَنَاتِ أَبِي طَالِبٍ صَارَتْ بِمَوْتِهِ، عَلَى كُفْرِهِ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي إِعْتَاقِ أَبِي لَهَبٍ ثُوَيْبَةَ وَإِرْضَاعِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ بِشَرِّ خَيْبَةٍ فَقَالَ لَهُ: مَاذا لَقِيتَ ؟ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ يرَ بَعْدَكُمْ رَخاءً غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ مِنِّي بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ، وَأَشَارَ إِلَى النَّقِيرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا، وَهَذَا أَيْضًا لِأَنَّ الْإِحْسَانَ كَانَ مَرْجِعُهُ إِلَى صَاحِبِ النُّبُوَّةِ فَلَمْ يُضَيَّعْ وَاللهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ يُحَاسَبُونَ فَإِنَّ أَعْمَالَهُمْ تُوزَنُ وَهُمْ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا الْمُؤْمِنُونَ الذين الْمُتَّقُونَ لِكَبَائِرِ الذُّنُوبِ فَهَؤُلَاءِ تُوضَعُ حَسَنَاتُهُمْ فِي الْكِفَّةِ النَّيِّرَةِ، وَصَغَائِرُهُمْ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى فَلَا يَجْعَلُ اللهُ لِتِلْكَ الصَّغَائِرِ وَزْنًا، وَتُثَقَّلُ الْكِفَّةُ النَّيِّرَةُ، وَتَرْتَفِعُ الْكِفَّةُ الْأُخْرَى ارْتِفَاعَ الْفَارِغِ الْخَالِي فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُثَابُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ حَسَنَاتِهِ وَطَاعَاتِهِ كَمَا تَلَوْنَا فِي الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْمَوَازِينِ، وَالْآخَرُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُخْطِئُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ يُوافُونَ الْقِيَامَةَ بِالْكَبَائِرِ، وَالْفَوَاحِشِ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا فَحَسَنَاتُهُمْ تُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ النَّيِّرَةِ، وَآثَامُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ فِي الْكِفَّةِ الْمُظْلِمَةِ فَيَكُونُ يَوْمَئِذٍ لِكَبَائِرِهِمِ الَّتِي جَاءُوَا بِهَا ثِقَلٌ وَلِحَسَنَاتِهِمْ ثِقَلٌ إِلَّا أَنَّ الْحَسَنَاتِ تَكُونُ بِكُلِّ حَالٍ أَثْقَلَ لِأَنَّ مَعَهَا أَصْلَ الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ مَعَ السَّيِّئَاتِ كُفْرٌ وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ مَعًا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الْحَسَنَاتِ لَمْ يُرَدْ بِهَا إِلَّا وَجْهُ اللهِ تَعَالَى وَالسَّيِّئَاتِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا مُخَالَفَةُ اللهِ وَعِنَادُهُ بَلْ كَانَ تَعَاطِيهَا لِدَاعِيَةِ الْهَوَى، وَعَلَى خَوْفٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِشْفَاقٍ مِنْ غَضَبِهِ، فَاسْتَحَالَ أَنْ تُوَازِيَ السَّيِّئَاتِ، وَإِنْ كَثُرَتْ حَسَنَاتُ الْمُؤْمِنِ، وَلَكِنَّهَا عِنْدَ الْوَزْنِ لَا تَخْلُو مِنْ تَثْقِيلٍ وَيقعُ بِهَا الْمِيزَانُ، حَتَّى يَكُونَ ثِقَلُهَا كَبَعْضِ ثِقَلِ الْحَسَنَاتِ، فَيَجْرِي أَمْرُ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ جُمْلَةً، وَدَلَّتْ سُنَّةُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَفْصِيلِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [الزمر: 53]، وَقَوْلُهُ: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: 48] . فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ، وَيُشَفِّعُ فِيمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِإِذْنِهِ، وَيُعَذِّبُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِمِقْدَارِ ذَنْبِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ خَبَرُ الصَّادِقِ، وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى وَزْنِ أَعْمَالِ الْمُخَلَّطِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا، وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء: 47] وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ حَسَنَةٌ إِلَّا تُوزَنُ، وَهَذَا بِالْمُؤْمِنِ الْمُخَلَّطِ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، لَمْ تُوزَنْ لَزَادَ ذَلِكَ فِي ثِقَلِ سَيِّئَاتِهِ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي عَذَابِهِ، فَأَمَّا أَنَّ الْوَزْنَ كَيْفَ يَكُونُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ صُحُفَ الْحَسَنَاتِ تُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ النَّيِّرَةِ، وَصُحُفَ السَّيِّئَاتِ فِي الْكِفَّةِ الْمُظْلِمَةِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تُنْسَخُ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا كَاتِبَهَا يَكُونُ وَاحِدًا لَكِنَّ الْمَلَكَ الَّذِي يَكُونُ عَنِ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَالْمَلَكُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، فَيَتَفَرَّدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَنْسَخُ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْوَزْنِ، وُضِعَتِ الصُّحُفُ فِي الْمَوَازِينِ فَيُثَقِّلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَحِقُّ تَثْقِيلُهُ، وَيُخَفِّفُ مَا يَحِقُّ تَخْفِيفُهُ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَجْسَامًا مُقَدَّرَةً بِعَدَدِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَيُمَيِّزُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى بِصِفَاتٍ تُعْرَفُ بِهَا فَتُوزَنُ كَمَا تُوزَنُ الْأَجْسَامُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا، وَاللهُ أَعْلَمُ وَيُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الْأَعْمَالِ مَوَاقِعُهَا مِنْ رِضَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَخَطِهِ، وَذَهَبَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ إِلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْمِيزَانِ بِكِفَّتَيْهِ، وَجَاءَ فِي الْأَخْبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ "
وَقَدْ رَوَى الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " الْمِيزَانُ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ يُوزَنُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، وَالسَّيِّئَاتُ، فَيُؤْتَى بِالْحَسَنَاتِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ فَتَثْقُلُ عَلَى السَّيِّئَاتِ " . قَالَ: " فَيُؤْخَذُ فَيُوضَعُ فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ مَنَازِلِهِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُؤْمِنِ الْحَقْ بِعَمَلِكَ " . قَالَ: " فَيَنْطَلِقُ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَعْرِفُ مَنَازِلَهُ بِعَمَلِهِ " . قَالَ: " وَيُؤْتَى بِالسَّيِّئَاتِ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ فَتُخَفَّفُ، وَالْبَاطِلُ خَفِيفٌ فَيُطْرَحُ فِي جَهَنَّمَ إِلَى مَنَازِلِهِ مِنْهَا وَيُقَالُ لَهُ: الْحَقْ بِعَمَلِكَ إِلَى النَّارِ " . قَالَ: " فَيَأْتِي النَّارَ فَيَعْرِفُ مَنَازِلَهُ بِعَمَلِهِ، وَمَا أَعَدَّ اللهُ فِيهَا مِنْ أَلْوَانِ الْعَذَابِ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " فَلَهُمْ أَعْرَفُ بِمَنَازِلِهِمٍ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِعَمَلِهِمْ مِنَ الْقَوْمِ فيَنْصَرِفُونَ يَوْمَ الْجَمْعِ رَاجِعِينَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ "
278 - أَخْبَرَنَاه أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّهَّانُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، فَذَكَرَهُ
279 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، حدثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حدثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ، ثُمَّ الْحُبُلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ: أَفلَكَ عُذْرٌ أو حسنة ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَيُخْرَجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ " . قَالَ: " فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، وَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ تَعَالَى شَيْءٌ " وَرَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَيُصَاحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَصَغَائِرِهَا وَفَوَاحِشِهَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [الأعراف: 33]، وَقَالَ: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [النساء: 31]، وَقَالَ: { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ } [النجم: 32]، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَدَدِ الْكَبَائِرِ مَا .
280 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْآدَمِيُّ، حدثنا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حدثنا الْأُوَيْسِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ " . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: " الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأُوَيْسِيِّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " وَلَيْسَ فِي تَقْيِيدِهِ ذَلِكَ بِالسَّبْعِ مَنْعُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَأْكِيدُ اجْتِنَابِهِنَّ، ثُمَّ قَدْ ضُمَّ إِلَيْهِنَّ غَيْرَهُنَّ، رُوِّينَا، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْكَبَائِرُ تِسْعٌ "، فَذَكَّرَهُنَّ وَذَكَرَ مَعَهُنَّ عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ وَاسْتِحْلَالَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ "
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: " الشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ " . وَقَالَ: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَوْلُ الزُّورَ " - أَوْ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ بَدَلَ قَوْلِ الزُّورِ
وَرُوِي فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ: " الْإِشْرَاكُ بِاللهِ " . قَالَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: " عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ " . قَالَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: " الْيَمِينُ الْغَمُوسُ "
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ " . قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ "
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنوْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ: " أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَكَ " . قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: " أَنْ تُقْتَلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ، أَنْ يُطْعَمَ " . قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: " أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ "
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عَصَبَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: " بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ " " وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ مَعَهُمَا، وَوَرَدَ فِيهِ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَوَرَدَ فِيهِ تَحْرِيمُ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَتَحْرِيمِ أَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ النَّفْسِ، وَتَحْرِيمِ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي مَوَاضِعَهُ مَذْكُورٌ "
وَوَرَدَ فِي السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ " " وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللهُ أَعْلَمُ تَخْصِيصَ الصَّلَاةِ بوُجُوبِ الْقَتْلِ بِتَرْكِهَا " وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بعض مَا أَوْرَدْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: " وَإِذَا تُتُبِّعَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ كَثُرَ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِنُبَيِّنَ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ بَيَانًا حَاوِيًا نَأْتِي بِهِ عَلَى مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ بِإِذْنِ اللهِ، فَنَقُولُ: قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ: أَبًا، أَوِ ابْنًا، أَوْ ذَا رَحِمٍ من الْجُمْلَةِ، أَوْ أَجْنَبِيًّا مُتَحَرِّمًا بِالْحُرْمَ، وَبِالشَّهْرِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَأَمَّا الْخَدْشَةُ، وَالضَّرْبَةُ بِالْعَصَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَمِنَ الصَّغَائِرِ، وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ، أَوْ بِذَاتِ مَحْرَمْ، أَوْلَا بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ وَلَكِنْ يِأَتيهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: 25]، وَأَمَّا مَا دُونَ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ فَإِنَّهُ مِنَ الصَّغَائِرِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ امْرَأَةِ الْأَبِ، أَوْ حَلِيلَةَ الِابْنِ، أَوْ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ أَثمٍ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْإِكْرَاهِ كَانَ كَبِيرَةً، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَقْذُوفَةُ أُمًّا، أَوْ أُخْتًا، أَوِ امْرَأَةً زَانِيَةً كَانَ فَاحِشَةً، وَقَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ، وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ بِالْخِيَانَةِ، وَالْكَذِبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ كَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُمَا أَوِ اثْنَيْنِ حَمَلَا عَلَيْهِ بِلَا سِلَاحٍ، وَهُوَ شَاكٍ السِّلَاحَ فَذَلِكَ فَاحِشَةٌ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُقُوقَ سَبٌّ أَوْ شَتْمٌ أوْ ضَرْبٌ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْعُقُوقُ بِالِاسْتِثْقَالِ لِأَمْرِهِمَا وَنَهْيِهِمَا وَالْعُبُوسِ فِي وُجُوهِهِمَا، وَالتَّبَرُّمٍ بِهِمَا مَعَ بَذْلٍ الطَّاعَةٍ وَلُزُومٍ الصَّمْتِ فَهَذَا مِنَ الصَّغَائِرٍ، فَإِنْ كَانَ مَا يَأْتِيهِ مِنْ ذَلِكَ يُلْجِئُهُمَا إِلَى أَنْ يَنْقَبِضَا عَنْهُ فَلَا يَأْمُرَانِهِ، وَلَا يَنْهَيَانِهِ، وَيَلْحَقُهُمَا مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ فَهَذَا كَبِيرَةٌ وَالسَّرِقَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَأَمَّا أَخْذُ الْمَالِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَاحِشَةٌ، وَلِذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ، وَتُقْطَعُ يَدُ الْمُحَارِبِ، وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَقَتْلُ النَّفْسِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَاحِشَةٌ، وَلِذَلِكَ لَا يَعْمَلُ عَفْوُ الْوَالِي عَنْهُ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَسَرِقَةُ الشَّيْءِ التَّافِه صَغِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِسْكِينًا لَا غِنًى بِهِ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّارِقِ الْحَدُّ، وَأَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذَ مَالُهُ مفْتَقِرُا، أَوْ كَانَ أَبَا الْآخِذِ أَوْ أُمَّهُ، أَوْ كَانَ الْآخِذُ بِالِاسْتِكْرَاهِ وَالْقهْرِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقِمَارِ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذَ شَيْئًا تَافِهًا، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَنِيًّا، لَا يتبين عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ضرر فَذَلِكَ صَغِيرَةٌ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنِ اسْتَكْثَرَ الشَّارِبُ مِنْهُ حَتَّى سَكِرَ، أَوْ جَاهَرَ بِهِ فَذَلِكَ مِنَ الْفَوَاحِشِ فَإِنْ مَزَجَ خَمْرًا بِمِثْلِهَا مِنَ الْمَاءِ فَذَهَبَتْ شَرَّتُهَا وَشِدَّتُهَا فَذَلِكَ مِنَ الصَّغَارِ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنْ صَارَ عَادَةً فَهُوَ مِنَ الْفَوَاحِشِ فَإِنْ كَانَ أَقَامَهَا، وَلَمْ يُؤْتِهَا حَقَّهَا مِنَ الْخُشُوعِ لَكِنَّهُ الْتَفَتَ فِيهَا، أَوْ فَرَقَعَ أَصَابِعَهُ، أَوِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ النَّاسِ، أَوْ سَوَّى الْحَصَى، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَسِّ الْحَصَى مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَإِنِ اتَّخَذَهُ عَادَةً فَهُوَ مِنَ الْفَوَاحِشِ، وَإِنْ تَرَكَ إِتْيَأنَ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِهَا فَهُوَ مِنَ الصَّغَائِرِ فَإِنِ اتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً، وَقَصَدَ بِهِ مُبَايَنَةَ الْجَمَاعَةِ، وَالِانْفِرَادَ عَنْهُمْ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ، وَإِنِ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ قَرْيَةٍ، أَوْ أَهْلُ بَلَدٍ فَهُوَ مِنَ الْفَوَاحِشِ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ كَبِيرَةٌ وَرَدُّ السَّائِلِ صَغِيرَةٌ فَإِنِ اجْتَمَعَ عَلَى مَنْعِهِ، أَوْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَى الْمَنْعِ الِانْتِهَارُ، وَالْإِغْلَاظُ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ، وَهَكَذَا إِنْ أتَى مُحْتَاجٌ رَجُلًا مُوسَعًا عَلَى الطَّعَامِ فَرَآهُ فَتَاقَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ فَسَأَلَهُ مِنْهُ فَرَدَّهُ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ " قَالَ: " وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ بِعَيْنِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ تَعَاطِيهِ كبيرة وتعاطيه عَلَى وَجْهٍ يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ، أَوْ أَوْجُهًا مِنَ التَّحْرِيمِ فَاحِشَةٌ، وَتَعَاطِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَقْصُرُ بِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْمَنْصُوصِ، أَوْ تَعَاطِي مَا دُونَ الْمَنْصُوصِ الَّذِي لَا يَسْتَوْفِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، أَوْ تَعَاطِي الْمَنْصُوصِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ لِأَنْ لَا يَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى غَيْرِهِ فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَتَعَاطِي الصَّغِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ، أَوْ أَوْجُهًا مِنَ التَّحْرِيمِ كَبِيرَةٌ، وَمِثَالُ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا مَضَى ذِكْرُهُ، وَأَعَادَهُ هَهُنَا وَزَادَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنَ الذَّرِيعَةِ أَنْ يَدُلَّ رَجُلًا عَلَى مَطْلُوبٍ لِيَقْتُلَ ظُلْمًا، أَوْ يُحْضِرَهُ سِكِّينًا وَهَذَا يَحْرُمُ لِقَوْلِهِ: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2]، لَكِنَّهُ مِنَ الصَّغَائِرِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِأن لا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِلظَّالِمِ إلِى التَّمَكُّنِ مِنْ ظُلْمِهِ، وَكَذَلِكَ سُؤَالُ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ طَاعَةٌ أَنْ يَقْتُلَ آخَرَ لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِرَادَةُ هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا فِعْلٌ وَاللهُ أَعْلَمُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ نَجِدُ اسْمَ الْفَاحِشَةِ وَاقِعًا عَلَى الزِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ زِيَادَةُ حُرْمَةٍ، لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْكَبَائِرِ، وَالْفَوَاحِشِ فِي الذِّكْرِ فَرَّقَ هُوَ أَيْضًا بَيْنَهُمَا فَكُلُّ مَا كَانَ أَفْحَشَ ذِكْرًا جَعَلَهُ زَائِدًا عَلَى الْكَبِيرَةِ وَاللهُ أَعْلَمُ " وَقَدْ فَسَّرَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكَبَائِرَ: " بِكُلِّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِالنَّارِ، وَالْفَوَاحِشُ مَا يُقَامُ فِيهِ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا " " وَدَلَّ كَلَامُ الْحَلِيمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرِة كَبِيرَةٌ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ وَحِكَايَاتٌ في التَّحْرِيضِ عَلَى اجْتِنَابِ الصَّغَائِرِ خَوْفًا مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا فَتَصِيرَ مِنَ الْكَبَائِرِ "
281 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، حدثنا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ إِنَّهُنَّ يَجتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ "، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُوَيِّدِ حَتَّى جَمَعُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا ، ثُمَّ أَجَّجُوا نَارًا فَأَنْضَجَتْ مَا قُذِفَ فِيهَا "
282 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: " لَا تَنْظُرُ إِلَى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ، وَلَكِنِ انْظُرْ مَنْ عَصَيْتَ "
283 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ: " تَولَّدَ وَرَعُ الْمُتَوَرِّعِينَ مِنْ ذِكْرِ الذَّرَّةِ، وَالْخَرْدَلَةِ، وَأَنَّ رَبَّنَا الَّذِي يُحَاسَبُ عَلَى اللَّحْظَةِ وَالْهَمْزَةِ وَاللَّمْزَةِ لَمُسْتَقْصٍ فِي الْمُحَاسَبَةِ، وَأَشَدُّ مِنْهُ أَنْ يُحَاسِبَهُ عَلَى مَقَادِيرِ الذَّرَّةِ وَأَوْزَانِ الْخَرْدَلَةِ، وَمَنْ يَكُنْ هَكَذَا حِسَابُهُ لَحَرِيُّ أَنْ يُتَّقَى "
284 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حدثنا ابْنُ زَيْدٍ، وَذَكَرَ عُمَرَ، وَأَبَا بَكْرٍ ابْنَيِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: " فَلَمَّا حَضَرَ أَحَدَهُمَا الْوَفَاةُ بَكَى فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ ؟ إِنْ كُنَّا لَنَغْبِطُكَ لِهَذَا الْيَوْمِ قَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا أَبْكِي أَنْ أَكُونَ أَتَيْتُ شَيْئًا رَكِبْتُهُ مِنْ مَعَاصِي اللهِ اجْتِرَاءً عَلَى اللهِ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ أَتَيْتُ شَيْئًا أَحْسِبُهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ " . قَالَ: " وَبَكَى الْآخَرُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَقِيلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ: لِقَوْمٍ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ فَأَنَا أَنْظُرُ مَا تَرَوْنَ، وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَبْدُو لِي " قَالَ: " وَكَانَ يُقَالُ مُحَمَّدٌ أَخُوهُمْ أَدْنَاهُمْ فِي الْعِبَادَةِ، وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي زَمَانِهِ "
285 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَّيْبِيُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حدثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ } [البقرة: 284] قَالَ: " يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ الْعَظِيمَ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى الصَّغِيرِ " " وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُفَرَّقٍ بَيْنَهُمَا "
286 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } [النساء: 31] قَالَ: " الْكَبَائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللهُ بِنَارٍ، أَوْ غَضِبٍ، أَوْ عَذَابٍ، أَوْ لَعْنَةٍ "
287 - وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاللهِ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ } [المائدة: 72] وَالْيأسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { لَا يَيْأَسَ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف: 87]، وَالْأَمْنُ لمَكْرِ اللهِ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف: 99]، وَمِنْهَا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْعَاقَّ جَبَّارًا شَقِيًّا عَصِيًّا، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } [النساء: 93]، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النور: 23]، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [النساء: 10] وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ } [الأنفال: 16] الآية وأَكْلُ الرِّبَا لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطَهُ } [البقرة: 275] الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، وَالسِّحْرُ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ } [البقرة: 102]، وَالزِّنَا لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَخْلُدْ فِيهاِ مُهَانًا }، وَالْيَمِينُ والْغَمُوسُ الْفَاجِرَةُ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ } [آل عمران: 77]، وَالْغُلُولُ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [آل عمران: 161]، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: { فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ } [التوبة: 35]، وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة: 283]، وَشُرْبُ الْخَمْرِ لِأَنَّ اللهَ عَدَلَ بِهَا الْأَوْثَانَ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا، وأَشْيَاءَ مِمَّا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذِمَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَنَقَضَ الْعَهْدَ"، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: { لَهُمُ اللَّعْنَةُ، وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [الرعد: 25]" قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَأَمَّا تَرْكُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَفِيمَا:
288 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ، حدثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كُلُّ مَا نَهَى الله عَنْهُ كَبِيرَةٌ " هَكَذَا قَالَ: وَكَذَا قَالَ: يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ، وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ
289 - وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: " كُلُّ مَا عُصِيَ اللهُ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّرْفَةَ فَقَالَ تَعَالَى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } [النور: 30] "
290 - وَبِإِسْنَادِهِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ ؟ فقَالَ: " هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ، وَالتَّرْهِيبِ عَنِ ارْتِكَابِهَا، فَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ "
فَصْلٌ فِي أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِذَا وَافَوُا الْقِيَامَةَ بِلَا تَوْبَةٍ قَدَّمُوهَا " قَالَ أَصْحَابُنَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى جَدُّهُ، فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُمْ مُبْتَدِيًا، وَإِنْ شَاءَ شَفَّعَ فِيهِمْ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ بِإِدْخَالِهِمُ النَّارَ فَكَانُوا مُعَذَّبِينَ مُدَّةً، ثُمَّ أَمَرَ
بِإِخْرِاجِهِمْ مِنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ إِمَّا بِشَفَاعَةٍ، وَإِمَّا بِغَيْرِ شَفَاعَةٍ، وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ إِلَّا الْكُفَّارُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً، وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } [البقرة: 81] الآية وَأَخْبَرَ أَنَّ التَّخْلِيدَ فِي النَّارِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَالْمُؤْمِنُ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ، أَوِ الْكَبَائِرِ لَمْ تَحُطْ بِهِ خَطِيئَتُهُ لِأَنَّ رَأْسَ الْخَطَايَا هُوَ الْكُفْرُ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ مِنْهُ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 82] فَوُعِدَ الْجَنَّةَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَفُرُوعِهِ، وَصَاحِبُ الْكَبِيرَةِ أَوِ الْكَبَائِرِ تَارِكُ الصَّالِحَاتِ فَصَحَّ أَنَّ وَعْدَ الْجَنَّةِ لَيْسَ لَهُ قِيلَ لَهُ: الْمُتَعَاطِي لَهَا إِذَا تَابَ مِنْهَا وَوَافَى الْقِيَامَةَ تَائِبًا تَارِكًا لِلصَّالِحَاتِ غَيْرَ جَامِعٍ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَفُرُوعِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَتَوْبَتُهُ ما تَقُومُ مَقَامَ مَا تَرَكَ مِنَ الصَّالِحَاتِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ نَازِعًا، عَنِ الشَّرِّ أَبَدًا، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَقْتًا، ثُمَّ نَزَعَ عَنْهُ وَقْتًا كَانَ بِذَلِكَ للْفَرْضِ مُبعَّضًا وَبَعْضُ الْفَرْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ جَمِيعِهِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَمُنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى التَّائِبِ فَيُكَفِّرُ بِتَوْبَتِهِ خَطَايَاهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمُنَّ عَلَى الْمُصِرِّ فَيُكَفِّرُ بِإِيمَانِهِ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ خَطَايَاهُ، وَيُكَفِّرُ بِصَلَوَاتِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ الْحَسَنَاتِ مَا فَرَّطَ مِنْهُ مُدَّةً مِنْ سَيِّئَاتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } [هود: 114] ذَلِكَ، وَإِنَّمَا افْتَرَقَا فِي أَنَّ التَّائِبَ مَغْفُورٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبٍ، وَالْمُصِرَّ قَدْ يُعَذَّبُ بِذَنْبِهِ مُدَّةً، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِأَنَّ خَبَرَ الصَّادِقِ بِذَلِكَ وَرَدَ، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: 48]، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَضَ فِي خَبَرِ اللهِ خُلْفٌ، وَبِذَلِكَ وَرَدَتِ السُّنَّةُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
291 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ: " تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا - يَعْنِي الْآيَةَ كُلَّهَا - فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " قَوْلُهُ فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ أَرَادَ كَمَا فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا يَسْرِقْنَ، وَلَا يَزْنِينَ، وَلَا يُقْتَلْنَ أَوْلَادَهُنَّ، وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } [الممتحنة: 12]، وَقَوْلُهُ: " مَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ " أَرَادَ بِهِ مَا خَلَا الشِّرْكَ كَمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " فَعُوقِبَ بِهِ " مَا خَلَا الشِّرْكَ فَجَعَلَ الْحَدَّ كَفَّارَةً، لِمَا أَصَابَ مِنَ الذَّنْبِ بَعْدَ الشِّرْكِ، وَجَعَلَ مَا لَمْ يُحَدُّ فِيهِ مَوْكُولًا إِلَى مَشِيئَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، ثُمَّ التَّعْذِيبِ لَا يَكُونُ مُؤَبَّدًا بدَلِيلِ أَخْبَارِ الشَّفَاعَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَغْفِرُ الصَّغَائِرَ لِمُجْتَنِبِ الْكَبَائِرِ، وَلَا يَغْفِرُهَا لِمَنْ لَا يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كَمَا قَالَ: فِي آيَةٍ أُخْرَى: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } [النساء: 31] قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَبَائِرِ الَّتِي شَرَطَ فِي الْمَغْفِرَةِ اجْتِنَابَهَا هِيَ الشِّرْكُ فَهِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُطْلَقَةٌ، وَتَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ بِهَا مُطْلَقَةٌ، وَهُمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَجْنَا بِهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ جميعا مُقَيَّدَتَانِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَحَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَوَعَّدَ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ بِالنَّارِ وَالْخُلُودِ فِيهَا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ إِلَّا التَّائِبِينَ فَقَالَ: { وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } [الفرقان: 68] إِلَى أَنْ قَالَ: { إِلَّا مَنْ تَابَ } [مريم: 60] قِيلَ هَذَا الْوَعِيدُ يَنْصَرِفُ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَإِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ افْتَتَحَ هَذِهِ الْآيَةَ بِذِكْرِ الشِّرْكِ فَقَالَ: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ } [الفرقان: 68] فَانْصَرَفَ قَوْلُهُ، وَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْكَبَائِرِ استوجب هَذَا الْوَعِيدُ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ قَالَ: { يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ } [الفرقان: 69] وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الشِّرْكِ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ جَمَعَ عَلَيْهِ مَعَ عَذَابِ الشِّرْكِ عَذَابَ الْكَبَائِرِ فَيَصِيرُ الْعَذَابُ مُضَاعَفًا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } [الفرقان: 70] فَذَكَرَ فِي التَّوْبَةِ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَذَلِكَ لِيُحْبِطَ الْإِيمَانُ كُفْرَهُ، وَيُحْبِطُ إِصْلَاحَهُ فِي الْإِيمَانِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِفْسَادِهِ فِي الْكُفْرِ كَمَا رُوِّينَا فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ: وَقَدْ قَالَ: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } [النساء: 93] قِيلَ: قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ قَتَلَ وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ هذه الْآيَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى سَبَبِهَا "
292 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مَحْبُوبٍ الدَّهَّانُ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ مَقِيسَ بْنَ صُبَابَةَ وَجَدَ أَخَاهُ هِشَامَ بْنَ صُبَابَةَ مَقْتُولًا فِي بَنِي النَّجَّارِ، وَكَانَ مُسْلِمًا، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ، وَقَالَ لَهُ:" ايتِ بَنِي النَّجَّارِ فَأَقْرِئْهُمْ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ قَاتِلَ هِشَامٍ أَنْ تَدْفَعُوهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا لَهُ قَاتِلًا أَنْ تَدْفَعُوا إِلَيْهِ دِيَتَهُ"، فَأَبْلَغَهُمْ الْفِهْرِيُّ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: سَمْعًا وَطَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللهِ وَاللهِ مَا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا، وَلَكِنَّا نُؤَدِّي إِلَيْهِ دِيَتَهُ قَالَ: فَأَعْطَوْهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، ثُمَّ انْصَرَفَا رَاجِعِينَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ قَرِيبٌ، فَأَتَى الشَّيْطَانُ مَقِيسَ بْنَ صُبَابَةَ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ صَنَعْتَ؟ تَقْبَلُ دِيَةَ أَخِيكَ فَيَكُونُ عَلَيْكَ سُبَّةً، اقْتُلِ الَّذِي مَعَكَ فَيَكُونُ نَفْسٌ مَكَانَ نَفْسٍ، وَفَضْلٌ بِالدِّيَةِ قَالَ: فَرَمَى إِلَى الْفِهْرِيِّ بِصَخْرَةٍ فَشَدَخَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرًا مِنْهَا وَسَاقَ بَقِيَّتَهَا رَاجِعًا إلى مَكَّةَ كَافِرًا فَجَعَلَ يَقُولُ فِي شِعْرِهِ:
[البحر الطويل]
قَتَلْتُ بِهِ فِهْرًا وَحَمَلْتُ عَقْلَهُ ... سَرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابِ قَارِعِ
وَأَدْرَكْتُ ثَأْرِي وَاضْطَجَعْتُ مُوَسِّدًا ... وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ
قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } [النساء: 93] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:" وَجَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } [النساء: 93] قَالَ: هِيَ جَزَاؤُهُ فَإِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ جَزَائِهِ فَعَلَ .
293 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ فَذَكَرَهُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَثْبُتْ إِسْنَادُهُ . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ الْبُسْتِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ:" الْقُرْآنُ كُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَمَا تَقَدَّمَ نُزُولُهُ وَمَا تَأَخَّرَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ سَوَاءٌ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ مُنَافَاةٌ، وَلَوْ جُمِعَ بَيْنَ قَوْلِهِ: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: 48]، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } [النساء: 93] وَأُلْحِقَ بِهِ قَوْلُهُ: { لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: 48] لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا، فَشَرْطُ الْمَشِيئَةِ قَائِمٌ فِي الذُّنُوبِ كُلِّهَا مَا عَدَا الشِّرْكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } [النساء: 93] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ إِنْ جَازَاهُ اللهُ، وَلَمْ يَعْفُ عَنْهُ فَالْآيَةُ الْأُولَى خَبَرٌ لَا يَقَعُ فِيهِ الْخُلْفُ، وَالْآيَةُ الْأُخْرَى، وَعْدٌ يُرْجَى فِيهِ الْعَفْوُ وَاللهُ أَعْلَمُ"
294 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْوَكِيلُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا الْأَصْمَعِيُّ قَالَ: جَاءَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ إِلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، اللهُ يَخْلُفُ وَعْدَهُ؟ قَالَ:" لَنْ يَخْلُفَ اللهُ وَعْدَهُ" . قَالَ عَمْرٌو: فَقَدْ قَالَ: قَالَ:" أَيْنَ؟" فَذَكَرَ آيَةَ وَعِيدٍ لَمْ يَحْفَظْهَا أبو عَمْرٌو فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو:" مِنَ الْعُجْمَةِ أُتِيتَ الْوَعْدُ غَيْرُ الْإِيعَادِ" ثُمَّ أَنْشَدَ أَبُو عَمْرٍو:
[البحر الطويل]
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوٍ وَعَدْتُهُ ... سَأُخْلِفُ إِيعَادِي، وَأُنْجِزُ مَوْعِدِي
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:" فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى: { وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا } [النساء: 14] قِيلَ: هَكَذَا نَقُولُ الْحُدُودُ اسْمُ جَمْعٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللهِ تَعَالَى أَجْمَعَ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ، وَتَارِكُ الْإِيمَانِ مُخَلَّدُ فِي النَّارِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ: { وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ، وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } [الانفطار: 15] قِيلَ: وَقَدْ قَالَ: { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } [الانفطار: 13]، وَالْفَاسِقُ الْمُؤْمِنُ بَرٌّ بِإِيمَانِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ بَرًّا مُطْلَقًا قِيلَ: وَكَذَلِكَ لَيْسَ بِفَاجِرٍ مُطْلَقًا، فَإِنْ قِيلَ: فُجُورُهُ أَحْبَطَ إِيمَانَهُ قِيلَ: لَيْسَ الْفَصْلُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ، وَبَيْنَ مَنْ يَقُولُ: مِنَ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ إِيمَانَهُ أَحْبَطَ فُجُورَهُ، فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفُجَّارِ الَّذِينَ قَابَلَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْأَبْرَارِ الْكُفَّارِ لِأَنَّ رَأْسَ الْبِرِّ الْإِيمَانُ، وَكَذَلِكَ رَأْسُ الْفُجُورِ الْكُفْرُ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا } [الكهف: 30]، وَقَوْلُهُ: { لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامَلٍ مِنْكُمْ } [آل عمران: 195]، وَقَوْلُهُ: { إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 40]، وَقَوْلُهُ: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } [الزلزلة: 7]، وَقَوْلُهُ: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا } [آل عمران: 30]، وَقَوْلُهُ: { فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } [الحديد: 7]، وَقَوْلُهُ: { وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنَاتِ } [التوبة: 72]، وَقَوْلُهُ: { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [الرحمن: 60] فَهَذِهِ الْآيَاتُ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، وَأَحْسَنُ الْأَعْمَالِ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَمَنْ قَالَ بِتَخْلِيدِ الْمُؤْمِنِ فِي النَّارِ كَانَ قَدْ أَضَاعَ أَجْرَ عَمَلِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَضًا، وَلِأَنَّا وَجَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ عَلَى الطَّاعَاتِ ثَوَابًا، وَعَلَى الْمَعَاصِي عِقَابًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ يَرَى مَا عَمِلَ مِنَ الْمَعَاصِي دُونَ مَا عَمِلَ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَقَدْ عَمِلَهُمَا جَمِيعًا إِلَّا وَلِآخَرَ أَنْ يَعْكِسَ ذَلِكَ فَلَا يَجِدُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ فَضْلًا، وَلِأَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى حُصُولِ طَاعَاتِهِ، وَاخْتَلَفْنَا فِي زَوَالِ حُكْمِهَا فَلَا يُرْفَعُ حُكْمُ مَا تَيَقَّنَّاهُ مِنْ حُصُولِ الطَّاعَاتِ بِمَعْصِيَةٍ لَا تَنْفِيهَا، وَلَا تُضَادَّهَا فَإِنِ احْتَجُّوا فِي إِبْطَالِ الشَّفَاعَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ، وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر: 18] فالظَّالِمُونَ هَهُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مُفْتَتَحُ الْآيَةِ إِذْ هِيَ فِي ذِكْرِ الْكَافِرِينَ، فَإِنِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [الأنبياء: 28] قِيلَ: هَذَا دَلِيلُنَا لِأَنَّ الْفَاسِقَ مُرْتَضًى بِإِيمَانِهِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [فاطر: 32] وَاصْطَفَيْنَا وَارْتَضَيْنَا وَاحِدٌ فِي اللِّسَانِ، ثُمَّ قَالَ: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } [فاطر: 32] أَيْ مِنَ الْمُصْطَفِينَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَالظُّلْمُ هُوَ الْفِسْقُ فَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِمْ ظَالِمًا، وَقَالَ فِي قِصَّةِ يُونُسَ { إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87] وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [فاطر: 32] الآية قَالَ: كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ فِي الْجُزْءِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْبَعْثِ مَذْكُورٌ بِشَوَاهِدِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى أَنْ يَشْفَعُوا لَهُ كَمَا قَالَ: { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [البقرة: 255]" قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:" وَلَا تَحْتَمِلُ الْآيَةُ غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرْتَضِينَ عِنْدَ اللهِ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى شَفَاعَةِ مَلَكٍ، وَلَا نَبِيٍّ فَصَحَّ أَنَّ الْمَعْنَى مَا قُلْنَاهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللهَ لَا يَرْتَضِي أَنْ يُشَفِّعَ لِصَاحِبِ الْكَبِيرَةِ لِأَنَّ الْمُذْنِبَ هو الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الشَّفَاعَةِ، فَكُلَّمَا كَانَ ذَنْبُهُ أَكْبَرَ كَانَ إِلَى الشَّفَاعَةِ أَحْوَجَ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اشْتِدَادُ حَاجَتِهِ إِلَى الشَّفَاعَةِ حَائِلًا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَلَيْسَ امْتِنَاعُ الشَّفَاعَةِ لِلْكَافِرِينَ لِأَنَّ ذَنْبَهُ كَبِيرٌ، وَلَكِنَّهُ بِجَحْدِهِ الْبَارِي الْمَشْفُوعَ إِلَيْهِ، أَوِ الرَّسُولَ الشَّافِعَ لَهُ، أَوْ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُشَفِّعُ فِيهِ أَحَدًا، وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلَّهَا مَعْدُومَةٌ فِي صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ" وَقَوْلُهُ:" { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا } [الانفطار: 19] لَا يَدْفَعُ الشَّفَاعَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلْكِ الدَّفْعُ بِالْقُوَّةِ، وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ تَذَلُّلٌ مِنَ الشَّافِعِ لِلْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ، وَإِقَامَةِ الشَّفِيعِ بِذَلِكَ مِنَ الْمَشْفُوعِ لَهُ، فَلَا يَوْمَ أَلْيَقُ بِهِ وَأَشْبَهُ بِأَحْوَالِهِ مِنْ يَوْمِ الدِّينِ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ سَيِّدِنَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِثْبَاتِ الشَّفَاعَةِ وَإِخْرَاجِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ وَإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ صريحة قَدْ صَارَتْ مِنَ الِاسْتفَاضَةِ، وَالشُّهْرَةِ بِحَيْثُ قَارَنتِ الْأَخْبَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ، وَكَذَلِكَ فِي مَغْفِرَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ دُونَ الشِّرْكِ مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبٍ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً، وَاللهُ وَاسِعٌ كَرِيمٌ" قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:" وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَنَحْنُ نُشِيرُ هَهُنَا إِلَى طَرَفٍ مِنْهَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء: 79] وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّفَاعَةِ وَكَذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ
295 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ، حدثنا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا دَاوُدُ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حدثنا جَدِّي أَبُو عَمْرٍو، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحُلْوَانِيُّ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حدثنا دَاوُدُ الزَّعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الشَّفَاعَةُ " وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء: 79] قَالَ: " هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي يَشْفَعُ فِيهِ لِأُمَّتِهِ "
296 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ الْأَهْوَازِيُّ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، فِي الْمُسْنَدِ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء: 79] قَالَ: " الشَّفَاعَةُ "
297 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَانَ يَقُولُ: " هَذِهِ مِمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْنَا "
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ دَاوُدَ الزَّعَافِرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء: 79] قَالَ: " الشَّفَاعَةُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " إِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِتَفَرُّدِهِ بِهَا، وَأَنَّ سَائِرَ النَّاسِ رَوَوْهُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ دَاوُدَ "
298 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا الْكُدَيْمِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تُمَدُّ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعَظَمَةِ الرَّحْمَنِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَلَا يَكُونُ فِيهَا لِأَحَدٍ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمِهِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى فَأَجِدُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَأَى اللهُ قَبْلَهَا قَالَ: فَأَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ هَذَا جَاءَنِي فَزَعَمَ أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ قَالَ وَجِبْرِيلُ سَاكِتٌ قَالَ فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ أَنَا أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكَ حَاجَتَكَ ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ إِنِّي تَرَكْتُ عِبَادًا مِنْ عِبَادِكَ قَدْ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَذَكَرُوكَ فِي شُعَبِ الْآكَامِ يَنْتَظِرُونَ جَوَابَ مَا أَجِيءُ بِهِ مِنْ عِنْدِكَ، فَيَقُولُ: أَمَا إِنِّي لَا أَخْزِيكَ فِيهِمْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء: 79] " رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَتَمَامُهُ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الشَّفَاعَةِ، وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } [الضحى: 5] "
وَرُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [إبراهيم: 36]، وَقَالَ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } [المائدة: 118] الْآيَةَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ "
299 أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ الْعَدْلُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يُونُسَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
وَرُوِّينَا عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي " فَذَكَّرَهُنَّ، وَقَالَ فِيهِنَّ: " وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ "
300 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو حَازِمٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ فَذَكَرَهُ، وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ
301 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً قَدْ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ رَوْحٍ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قِصَّةِ الْقِرَاءَةِ . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي " وَتَأْخِيرِ الدَّعْوَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى يَوْمِ يَرْغَبُ إِلَيْهِ فِيهِ الْخَلْقُ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ "
302 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حدثنا الزَّعْفَرَانِيُّ، حدثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حدثنا الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَبَعًا يَجِيءُ النَّبِيُّ، وَلَيْسَ مَعَهُ مُصَدِّقٌ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنِ الْمُخْتَارِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ رُوِّينَا فِي مَعْنَاهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَهَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْتَصُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالشَّفَاعَةِ لِأَهْلِ الْجَمْعِ حَتَّى يُرِيحَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مَكَانِهِمِ الَّذِي أُقِيمُوا فِيهِ، ثُمَّ يُشَارِكُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالصِّدِّيقِينَ فِي الشَّفَاعَةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ مَخْصُوصٌ أَيْضًا مِنْ بَيْنَهُمْ بِالشَّفَاعَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ "
303 - أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، حدثنا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لذلك فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ايتُوا نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَأْتُونَ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ايتُوا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ، وَلَكِنِ ايتُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدًا آتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ، وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ايتُوا عِيسَى عليه السلام عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللهِ وَرُوحَهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَلَكِنِ ايتُوا مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤْذَنَ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ اشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، قُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعُ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ اشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَتَّى أَرْجِعَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَي وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَغَيْرِهِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: " يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيَسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، وَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ " ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَذَا الْحَدِيثُ يَجْمَعُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْجَمْعِ حَتَّى يُرِيحَهُمْ مِنْ مَكَانِهِمْ، الَّذِي بَلَغُوا فِيهِ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فِي الشَّمْسِ، ثُمَّ شَفَاعَتَهُ لِأَهْلِ الذُّنُوبِ مِنْ أُمَّتِهِ " وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: فِي حَدِيثِهِ: " فَأَقُولُ رَبِّي أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ، أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا " . وَقَالَ: فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: " مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ " . وَفِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ: " فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُهُ مِنَ النَّارِ "
304 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حدثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " يَشْفَعُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، ثُمَّ يَشْفَعُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ خَيْرٍ، ثُمَّ يَشْفَعُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى مِنْ شَطْرِ خَرْدَلَةٍ مِنْ خَيْرٍ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَشْفَعُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ "
305 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُحَمَّدَ آبَادِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي " وَرُوِي ذَلِكَ عَنْ أَشْعَثَ الْحُدَّانِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، وَثَابِتٍ، وَقَتَادَةَ، وَزِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، وَيَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
306 - حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حدثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَزَادَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [الأنبياء: 28] فَقَالَ: " إِنَّ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي "
307 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُزَكِّي، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدي، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْحَلَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَذَكَرَهُ
308 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ح قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةَ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِمَعْنَاهُ رَوَى أَبُو ذَرٍّ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو مُوسَى، وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
309 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ يُخْرِجُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ فَيَنْبُتُونَ كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ " قَالَ: قِيلَ: لِعَمْرٍو: " وَمَا الثَّعَارِيرُ ؟ قَالَ: الضَّغَابِيسُ " قَالَ حَمَّادٌ: " وَكَانَ سَقَطَ فمه " قَالَ حَمَّادٌ: قُلْتُ لِعَمْرٍو: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: يُخْرِجُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ، قَالَ: نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَارِمٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ حَمَّادٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ
310 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حدثنا إِسْحَاقَ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ الثَّقَفِيُّ، حدثنا يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ، وَكُنْتُ رَجُلًا شَابًّا فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ الْحَجَّ، ثُمَّ نَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ، فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِلَى سَارِيَةٍ ، وَإِذَا قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: { إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [آل عمران: 192]، وَ { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } [السجدة: 20]، فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ ؟ فَقَالَ: " أَيْ بُنَيَّ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: " هَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَبْعَثُهُ اللهُ فِيهِ ؟ " فقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ " . قَالَ: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ، وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ فَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ حَفِظْتُ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ قد زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا قَالَ: " فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ " . قَالَ: " فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ الْبِيضُ " . قَالَ فَرَجَعْنَا، فَقُلْنَا: وَيْحَكُمْ تَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . قَالَ: فَرَجَعْنَا فَوَاللهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غير رَجُلٌ وَاحِدٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ
311 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيَخْرُجُونَ قَدِ امْتُحِشُوا ، وَعَادُوا حُمَمًا " . قَالَ: " فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ " . قَالَ: " فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تنبت الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ " . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا تَرَوْنَهَا تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ؟ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ وُهَيْبٍ
312 - أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا مُوسَى يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا شَيْبَانُ قَالَ: قَالَ: قَتَادَةُ، سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ، سَمِعَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ " . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ وَالصِّرَاطِ وَمُرُورِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَوْلُهُمْ: أَيْ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَحُجُّونَ مَعَنَا، وَيُجَاهِدُونَ مَعَنَا قَدْ أَخَذَتْهُمُ النَّارُ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ عَرَفْتُمْ صُورَتَهُ فَأَخْرِجُوهُ، وَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَجِدُونَ الرَّجُلَ قَدْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَإِلَى حِقْوَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مِنْهَا بَشَرًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَتَكَلَّمُونَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ قِيرَاطِ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ بَشَرًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَتَكَلَّمُونَ، فَلَا يَزَالُ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ: اذْهَبُوا وَأَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فَأَخْرِجُوهُ "
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ: " وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي، فَاقْرَءُوا: { إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } [النساء: 40] الآية فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا فَيَقُولُ هُوَ: بَقِيَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . قَالَ: " فَيَقُولُ: قَدْ شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، فَهَلْ بَقِيَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَأْخُذُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ " . قَالَ: " فَيُخْرِجُ قَوْمًا قَدْ عَادُوا حُمَمًا لَمْ يَعْمَلُوا لِلَّهِ عَمَلَ خَيْرٍ قَطُّ فَيُطْرَحُونَ فِي نَهْرِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِيهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَوْهَا، وَمَا يَلِيهَا مِنَ الظِّلِّ أُصَيْفَرَ، وَمَا يَلِيهَا مِنَ الشَّمْسِ أُخَيْضَرَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ كُنْتَ فِي الْمَاشِيَةِ " . قَالَ: " فَيَنْبُتُونَ كَذَلِكَ فَيَخْرُجُونَ أَمْثَالَ اللُّؤْلُؤِ، فَيُحَلَّوْنَ فِي رِقَابِهِمِ الْخَوَاتِيمَ، ثُمَّ يُرْسَلُونَ فِي الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمُ اللهُ مِنِ النَّارِ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرَ قَدَّمُوهُ . قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: خُذُوا فَلَكُمْ مَا أَخَذْتُمْ فَيَأْخُذُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا " . قَالَ: " ثُمَّ يَقُولُونَ لَوْ يُعْطِيَنَا اللهُ مَا أَخَذْنَا فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي أَعْطَيْتُكُمْ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذْتُمْ " . ثم قَالَ: " فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا وَمَا أَفْضَلُ مِمَّا أَخَذْنَا ؟ فَيَقُولُ: رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ
313 - " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَذَكَرَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَأَخْرَجْنَا حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فِي آخِرِهَا فَيَقُولُ لَهُ: " تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ بِهِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَسَلْ يُذَكِّرُهُ رَبُّهِ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِي قَالَ اللهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ " وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ فَيَمْكُثُونَ فِي الْجَنَّةِ حِينًا فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا، فَيَقُولُونَ تَرْفَعَ عَنَّا هَذَا الِاسْمَ فَيُرْفَعُ عَنْهُمْ "
314 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُحَمَّدَ آبَادِيُّ، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْوًا ، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَرَى الْجَنَّةَ مَلْأَى فَيَقُولُ: لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ الْجَنَّةَ مَلْأَى فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مَرَّاتٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ وَأَخْرَجَاهُ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، بَعْضَهَا فِي أَبْوَابِ الشَّفَاعَةِ، وَبَعْضَهَا فِي أَبْوَابِ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، وَذَكَرْنَا مَعَهَا غَيْرَهَا، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ هَهُنَا كِفَايَةٌ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ "
315 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَطَّانُ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حدثنا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، حدثنا أَبُو ظِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، فَيَقُولُ اللهُ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِعَبْدِي هَذَا " . قَالَ: " ذَهَبَ جِبْرِيلُ فَوَجَدَ أَهْلَ النَّارِ مُنْكَبِّينَ يَبْكُونَ " . قَالَ: " فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَ رَبَّهُ قَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَأْتِنِي بِهِ، فَإِنَّهُ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا " . قَالَ: " فَذَهَبَ فَجَاءَ بِهِ قَالَ: يَا عَبْدِي كَيْفَ وَجَدْتَ مَكَانَكَ وَمَقِيلَكَ ؟ قَالَ: يَا رَبِّ شَرَّ مَكَانٍ، وَشَرَّ مَقِيلٍ : قَالَ: رُدُّوا عَبْدِي . قَالَ: مَا كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تُعِيدَنِي إِلَيْهَا إِذَا أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: دَعُوا عَبْدِي " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " هَكَذَا رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ "
وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثَ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ: بِخَطَايَاهُمْ - أَمَاتَتْهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ فَيُجَاءُ بِهِمْ ضَبَائِرَ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَاءِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ تكون فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ بالْبَادِيَةِ "
316 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو نَضْرٍ الْفَقِيهُ، حدثنا نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّامَاتِيُّ، حدثنا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَا، حدثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، فَذَكَرَهُ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: { إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا، فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى } [طه: 74]، فَقَالَ: مَعْنَى مَا رُوِّينَاه فِي رِوَايَةِ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا صَنِيعَهُ بِبَعْضِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ ارْتَكَبُوا الذُّنُوبَ وَالْخَطَايَا، وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِنْ صَحَّ إِسْنَادُهُ صَنِيعَهُ بِبَعْضِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِّينَا هَهُنَا، وَفِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مِنِ اخْتِلَافِ حَالِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ ذُنُوبِهِمْ، وَعَلَى مِقْدَارِ مَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى مِنْ عُقُوبَتِهِمْ، وَاللهُ يَعْصِمُنَا مِنَ النَّارِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ "
317 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حدثنا الْأَشْعَثُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ } [المائدة: 37] قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِي فَقَالَ: " إِنَّ أُولَئِكَ أَهْلُهَا، إِنَّمَا هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَصَابُوا ذَنُوبًا لَمْ يُوجد مِنْهُمْ فُيُنْتَقَمُ عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ عَفَى عَنْهُمْ " وَرُوِيَ أَنَّ جَابِرًا أَجَابَ بِمِثْلِ هَذَا
318 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَهْوَازِيُّ، حدثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قال كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَكْذِيبًا بِالشَّفَاعَةِ حَتَّى أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كُلَّ آيَةٍ أَقْدِرُ عَلَيْهَا فِي ذِكْرِ خُلُودِ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا، فَقَالَ لِي: " يَا طَلْقُ، أَنْتَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ مِنِّي، وَأَعْلَمُ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي، إِنَّ الَّذِي قَرَأْتَ لَهُمْ أَهْلُهَا، وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ أَصَابُوا ذَنُوبًا فَعُذِّبُوا، ثُمَّ أُخْرِجُوا مِنْهَا، وَنَحْنُ نَقْرَأُ كَمَا قَرَأْتَ " " وَشَاهِدُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَدْ مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ "
319 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أحمد بن عَبْدَان، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، حدثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا امْتُحِشُوا فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ " قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ " . قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَاصِمٍ، مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ ؟ قَالَ: فَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا عِلْجُ، فَلَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَدَّثْتُهُ "
قَالَ: سُفْيَانُ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ تَابِعٌ لَهُ عَلَى هَوَاهُ قَالَ: فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ الْحِجْرَ فَصَلَّى فِيهِ، وَخَرَجَ صَاحِبُهُ، فَقَامَ عَلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ هَذَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ فَقَالَ لَهُ: يَا ضَالُّ أَمَا كُنْتَ تُخْبِرُنَا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَحَدٌ ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ " قَالَ: فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: " هَذَا لَهُ مَعْنًى لَا تعْرِفُهُ قَالَ: فقَالَ الرَّجُلُ: وَأَيُّ مَعْنًى يَكُونُ لِهَذَا قَالَ: ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ وَفَارَقَهُ "
320 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ، عَنْ عِيسَى بْنِ سِنَانٍ، حَدَّثَنِي رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ هَلْ كُنْتُمْ تُسَمُّونَ مِنَ الذُّنُوبِ كُفْرًا أَوْ شِرْكًا أَوْ نِفَاقًا ؟ قَالَ: " مَعَاذَ اللهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مُؤْمِنِينَ مُذْنِبِينَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَرُوِّينَا فِي مَعْنَاهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَغَيْرِهِمْ " وَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا هَهُنَا، وَفِي كِتَابِ الْبَعْثِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ بِذُنُوبِهِ غَيْرَ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَبْقَى فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَالَّذِي تَلْحَقُهُ الشَّفَاعَةُ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يُعَذَّبَ أَصْلًا غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَالذَّنْبُ خَطَرُهُ عَظِيمٌ، وَشَأْنُهُ جَسِيمٌ، وَرَبُّنَا غَفُورٌ رَحِيمٌ عِقَابَهُ شَدِيدٌ أَلِيمٌ "
321 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، حدثنا خُشَيْشٌ أَبُو مُحْرِزٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يَقُولُ: " هَبْكَ تَنْجُو بَعْدُ كَمْ تَنْجُو "
فَصْلٌ فِيمَا يُجَاوِزُ اللهُ عَنْ عِبَادِهِ، وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهِ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً
322 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ح أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، حدثنا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ، حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، ثُمَّ قَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ: أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " . قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا قَرَأَهَا الْقَوْمُ وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِثْرِهَا : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ } [البقرة: 285] إِلَى قَوْلِهِ { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة: 285]، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ، وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة: 286] قَالَ: نَعَمْ { رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } [البقرة: 286] قَالَ: نَعَمْ { رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [البقرة: 286] قَالَ: نَعَمْ { وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 286] قَالَ: نَعَمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ
323 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الصَّائِغُ، حدثنا آدَمُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } [البقرة: 284]، نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا { لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } [البقرة: 286] "
324 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } إِلَى آخِرِهَا فَبَكَى حَتَّى سَمِعْتُ نَشِيجَهُ فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا تَلَا ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: " يَغْفِرُ اللهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا حِينَ نَزَلَتْ مِثْلَ مَا وَجَدَ عَبْدُ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة: 286] الْآيَةَ، وَكَانَتِ الْوَسْوَسَةُ مِمَّا لَا طَاعَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ، فَصَارَ الْأَمْرُ بَعْدُ إِلَى قَضَاءِ اللهِ تَعَالَى أَنَّ النَّفْسَ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "
325 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ مُكْرَمٍ بِالْبَصْرَةِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ تَسْنِيمٍ، حدثنا رَوْحٌ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ يَعْنِي الْحَذَّاءَ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسِبُهُ ابْنَ عُمَرَ: { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ } [البقرة: 284] قَالَ: " نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ رَوْحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَذَا النَّسْخُ بِمَعْنَى التَّخْصِيصِ وَالتَّبْيِينِ، فَإِنَّ الْآيَةَ الْأُولَى وَرَدَتْ مَوْرِدَ الْعُمُومِ فَوَرَدَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَبَيَّنَتْ أَنَّمَا يَخْفَى مِمَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ دَفْعَهُ عَنْ قَلْبِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مِنْهُ كَسْبٌ فِي حُدُوثِهِ وَبَقَائِهِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ النَّسْخِ عَلَى الِاتِّسَاعِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الْآيَةُ الْأُخْرَى لَكَانَتِ الْآيَةُ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَبَرًا مُضَمَّنًا بِحُكْمٍ، وَكَأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُؤَاخَذَةِ عِبَادِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَتَعَبُّدِهِمْ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَعَبَّدَهُمْ بِمَا شَاءَ، فَلَمَّا قَابَلُوهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ خَفَّفَ عَنْهُمْ وَوَضَعَ عَنْهُمْ حَدِيثَ النَّفْسِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ } [البقرة: 284] خَبَرًا مُضَمَّنًا لِحُكْمٍ، أَيْ حَكَمَ بِمُحَاسَبَتِكُمْ بِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } . أَيْ حَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: { الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } . فَنَسَخَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَأَثْبَتَ الثَّانِيَ كَذَلِكَ هَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ . وَهَذَا الَّذِي كَتَبْتُهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ جُمْلَةٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ عَنْهُ، وَذَكَرَ فِيمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ: " لَكَ النَّظْرَةُ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَةُ " إِذَا كَانَتِ الْأُولَى لَا عَنْ قَصْدِ تَعَمُّدٍ، فَإذا أَعَادَ النَّظَرَ فَهُوَ كَمَنْ حَقَّقَ الْخَطْرَةَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وإِذَا تَحَقَّقَ الْخَطْرَةُ فَهُوَ كَمَنْ حَقَّقَ النَّظَرَ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ " وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " النَّسْخُ لَا يَجْرِي فِيمَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْكَذِبِ وَالْخُلْفِ، وَيَجْرِي عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِيمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا أَخْبَرَ اللهُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِشَرْطٍ وَإِخْبَارِهِ عَمَّا فَعَلَهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الشَّرْطِ فِيهِ، وَهَذَا أَصَحُّ الْوُجُوهِ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَ ابْنُ عُمَرَ الْآيَةَ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْعَفْوِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ كَرَمٌ مِنْهُ وَفَضْلٌ وَلَيْسَ بِخُلْفٍ . قَالَ: وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ مِنَ الْأخْبَارِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَالنَّسْخُ فِيهِ جَائِزٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ مَاضٍ أَوْ عَنْ زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ "
326 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، حدثنا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حدثنا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُجُوِّزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرٍ
327 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، حدثنا عَفَّانُ، حدثنا هَمَّامٌ، وَحَمَّادٌ، وَأَبَانُ، وَأَبُو عَوَانَةَ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ قَتَادَةَ
328 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَوَيْهِ الْمُؤَذِّنُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حدثنا شَيْبَانُ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا الْجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: " إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِالْحَسَنَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبهاَ اللهُ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ عَمِلَهَا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا عَشْرًا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ وَأَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً كَامِلَةً، وَمَنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ
329 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، حدثنا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: " إِنَّ رَبَّكُمْ رَحِيمٌ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةً أَوْ يَمْحُوهَا اللهُ وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلَّا هَالِكٌ " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي السَّيِّئَةِ قَالَ: " وَإِنْ تَرَكَهَا اكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرائِي " . " وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِ التَّوْبَةِ "
330 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ، حدثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: " إِذَا أَرَادَ عَبْدِي بعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ
331 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالُوا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حدثنا أَبُو الْجَوَّابِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأُحَدِّثُ نَفْسِي بِالْحَدِيثِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ: " ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الصَّغَانِيِّ
وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا الشَّيْءَ مَا نُحِبُّ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟ " قَالُوا نَعَمْ قَالَ: " ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ
332 - " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، فَذَكَرَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ
333 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ، حدثنا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ، حدثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَثَّامٍ يَقُولُ: أَتَيْتُ سُعَيْرَ بْنَ الْخِمْسِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثِ الْوَسْوَسَةِ، فَلَمْ يُحَدِّثْنِي فَأَدْبَرْتُ أَبْكِي، ثُمَّ لَقِيَنِي فقَالَ لِي: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الشَّيْءَ لَوْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: " ذَاكَ مَحْضُ أَوْ صَرِيحُ الْإِيمَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الصَّفَّارِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَثَّامٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَرَوَاهُ جَرِيرٌ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُرْسَلًا " وَهُوَ فِيمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَافِظِ "
334 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَ آبَادِيُّ، حدثنا أَبُو قِلَابَةَ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَسُلَيْمَانَ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُحَدِّثُنِي نَفْسِي مِنْ أَمْرِ الرَّبِّ لَأَنْ أَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ فَقَالَ: " أَحَدُهُمَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُقَدِّرْ منكُمْ إِلَّا عَلَى الْوَسْوَسَةِ " فَقَالَ الْآخَرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ
335 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالُوا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حدثنا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا لَأَنْ أَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيَّ، فَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ "
336 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانَسِيُّ، حدثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حدثنا شَيْبَانُ، حدثنا قَتَادَةُ، عَنْ ذَرٍّ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَحَدَنَا لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ تُعْرِضُ لَهُ بِالشَّيْءِ لَأَنْ يَكُونَ حُمَمًا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ "
337 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأُوَيْسِيُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْمَازِنِيِّ بَلَغَهُ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ الَّتِي يُوَسْوِسُ بِهَا الشَّيْطَانُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَشْيَاءُ نَجِدُهَا فِي أَنْفُسِنَا يَسْقُطُ أَحَدُنَا مِنْ عِنْدِ الثُّرَيَّا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَجَدْتُمْ ذَلِكَ ؟ ذَلكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ إِنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ أَنْ يُوقِعَ الْعَبْدَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، فَإِذَا عُصِمْتُمْ مِنْهُ وَقَعَ فِيمَا هُنَاكَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ اغْتِمَامُهُ بِمَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ مِمَّا لَا طَاقَةَ لَهُ بِدَفْعِهِ عنه وَكَرَاهِيَتِهِ لَهُ، وَإِشْفَاقِهِ مَحَبَّةً، وَبِاللهِ الْعِصْمَةُ "
فَصْلٌ فِي الْقِصَاصِ مِنَ الْمَظَالِمِ
338 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ ذَكَرْنَا مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ، وَنُقْصَانِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَهُ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَرَ إِحْبَاطَ الْحَسَنَةِ بِالسَّيِّئَةِ فِي الْإِيمَانِ يَقُولُ: يُعْطَى خَصْمُهُ مِنْ أَجْرِ حَسَنَاتِهِ الَّذِي تُقَابِلُ عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ، وَلَا يَذْهَبُ جَمِيعُهُ لِأَنَّ أَجْرَ حَسَنَاتِهِ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَعُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ لَهُ نِهَايَةٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ بِمَا لَهُ نِهَايَةٌ، وَقَوْلُهُ: إِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ يَعْنِي آخِرَهَا قَابَلَ مِنْهَا بِسَبَبِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ "
339 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو يَعْلَى قَالَا: حدثنا مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرَرٍ مُتَقَابِلِينَ } [الحجر: 47] قَالَ: " يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَاللهِ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَأَهْدَى لِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْ مَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا " قَالَ قَتَادَةُ: " كَانَ يُقَالُ: مَا يُشْبِهُ بِهِمْ إِلَّا أَهْلُ الْجَمْعِ انْصَرَفُوا مِنْ جَمْعِهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِهِ حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا بِأَنْ يَرْضَى عَنْهُمْ خُصَمَاؤُهُمْ، وَرِضَاهُمْ قَدْ يَكُونُ بِالِاقْتِصَاصِ كَمَا مَضَى فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ يَكُونُ بِأَنْ يُثِيبَ اللهُ الْمَظْلُومَ خَيْرًا مِنْ مَظْلَمَتِهِ، وَيَعْفُوَ عَنِ الظَّالِمِ بِرَحْمَتِهِ "
وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ مَا
340 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى الْهِلَالِيُّ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنٌ لِكِنَانَةَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبَّاسِ بنْ مِرْدَاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالرَّحْمَةِ فَأَكْثَرَ الدُّعَاءَ "، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ إِلَّا ظُلْمَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَمَّا ذُنُوبُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنِي قَدْ غَفَرْتُهَا، فَقَالَ: " يَا رَبِّ، إِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ تُثِيبَ هَذَا الْمَظْلُومَ خَيْرًا مِنْ مَظْلَمَتِهِ، وَتَغْفِرَ لِهَذَا الظَّالِمَ " فَلَمْ يُجِبْهُ ذلْكَ الْعَشِيَّةَ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأَجَابَهُ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَبَسَّمْتَ فِي سَاعَةٍ لَمْ تَكُنْ تَتَبَسَّمُ فِيهَا قَالَ: " تَبَسَّمْتُ مِنْ عَدُوِّ اللهِ إِبْلِيسَ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِي أُمَّتِي أَهْوَى يَدْعُو بِالْوَيْلِ، وَالثُّبُورِ ، وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْبَعْثِ، فَإِنْ صَحَّ بِشَوَاهِدِهِ فَفِيهِ الْحُجَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: 48] وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا دُونَ الشِّرْكِ "
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ " . قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ: " وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ "
341 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حدثنا السَّرِيُّ بْنُ خُرَيْمَةَ، حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حدثنا أَبِي، حدثنا الْأَعْمَشُ، حدثنا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، فَذَكَرَهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
رَوَاهُ أَبُو الْأَسْوَدِ الدِّيلِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ " . قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ: " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ " وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَغَيْرِهِمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . " وَلَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ مُنَافَاةٌ، وَقَدْ يَكُونُ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ، وَالِاقْتِصَاصُ قَدْ يَكُونُ بِالتَّعْذِيبِ عَلَى مَا طُرِحَ عَلَيْهِ مِنَ سَيِّئَاتِ خَصْمِهِ وَحَبِطَ مِنْ أَجْرِ حَسَنَاتِهِ فَيَبْقَى مُرْتَهِنًا بِسَيِّئَاتِهِ، وَسَيِّئَاتِ خَصْمِهِ، وَقَدْ يُثِيبُ اللهُ تَعَالَى الْمَظْلُومَ وَيَعْفُو عَنِ الظَّالِمِ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ الْوَارِدُ بِهِ، أَمَّا التَّعْزِيرُ بِالنَّفْسِ فَمَا لَا يَرْضَاهُ عَاقِلٌ، وَمَنْ لَا يَصْبِرُ عَلَى وَجَعِ سِنٍّ، وَحُمَّى يَوْمٍ فَحَقِيقٌ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ أَمْرٍ يُعَرِّضُهُ لِعَذَابٍ وَجِيعٍ وِعِقَابٍ أَلِيمٍ لَا يَعْلَمُ شِدَّتَهُ وَلَا نِهَايَتَهُ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ظِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ عَبْدًا فِي جَهَنَّمَ يُنَادِي أَلْفَ سَنَةٍ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ حَتَّى يَأْمُرَ بِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السلامُ فَيُخْرِجَهُ مِنْهَا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "