كتاب : توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار
تأليف: أبي إبراهيم محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد المعروف بالأمير الصنعاني

مقدمة كتابه التمهيد وقال البلقيني" بالموحدة مضمومة وكسر القاف نسبة إلى قرية بمصر وهو إمام كبير الشأن وهو شيخ الحافظ ابن حجر وغيره من الأئمة "في علوم الحديث وذكر محمد بن جرير الطبري1 أن التابعين أجمعوا بأسرهم على قبول المراسيل ولم يأت عنهم إنكاره ول عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين قال ابن عبد البر كأن ابن جرير يعني أن الشافعي أول من أبى قبول المراسيل انتهى" لما قاله إلى رأس المائتين ولا يخفى أن التابعين قبلوا مراسيل التابعين إذ هي الموجودة في عصرهم ومراسيل الصحابة لكن لا خفاء أن هذا لا ينطبق على ما هو المراد بالمرسل عند الزيدية.
على أن هذا النقل الذي نقله ابن جرير وقوله إنه لم يأت عن أحد إنكاره إلى رأس المائتين ونقله ابن الحاجب أيضا فيه أمران الأول قد نقل عن سعيد ابن المسيب وهو من كبار التابعين كما عرفت أن المرسل ليس بحجة ومثله نقله الحافظ ابن حجر عن ابن سيرين وبه يعرف بطلان الإجماع وأن دعوى أنه لم يأت فيه خلاف إلا من بعد المائتين غير صحيح ويؤيد بطلان دعوى الإجماع أنه حكى عن أبي اسحق الإسفراييني أنه لا يقبل المرسل مطلقا حتى مرسل الصحابة قال لا لأجل الشك في عدالتهم بل لأجل أنهم قد يروون عن التابعين قال إلا أن يخبر الصحابي عن نفسه أنه لا يروى إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أو عن صحابي فحينئذ يجب العمل بما يرويه وذكر ابن بطال عن الشافعي أن المرسل عنده ليس بحجة حتى مرسل الصحابة.
وبهذا تعرف أن المسألة غير إجماعية فلا يتم لهم ولمن تبعهم دليلا على ذلك.
"وروى البلقيني قبول المراسيل عند أحمد بن حنبل في رواية وعدها" أي روايته عنه "من زوائد فوائده" لأنه يروها أهل علوم الحديث عن أحمد.
قلت: قد رواها أيضا تلميذ البقيني الحافظ ابن حجر ولكنها في مراسيل التابعين وإنما الاشتراط أن يكون المرسل من كبار التابعين بل ولو من صغارهم ولكن قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة ما لفظه وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حق جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه
ـــــــــــــــــــ
1 محمد بن جرير الطبري الإمام صاحب التصانيف المشهورة ورحل في طلب الحديث وسمع بالعراق والشام ومصر وحدث بأكثر مصنفاته. مات سنة 310. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/145. وتاريخ بغداد 2/162. ووفيات الأعيان 3/332.

على ذلك أحمد بن حنبل وغيره انتهى فينظر في نقل البلقيني وابن حجر عن أحمد.
"الوجه الثاني" من وجوه أدلة قبول المرسل عند الزيدية "أن الأدلة الدالة على التعبد بخبر الواحد" وهي معروفة في الأصول وعمدتها إجماع الصحابة والتابعين على العمل بها فهو عائد إلى الاستدلال الأول وهي "لم تفصل بين كونه مسندا أو مرسلا" لأن الكل يصدق عليه أنه خبر أحادي.
"الوجه الثالث" من الأدلة "أن الثقة إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جازما بذلك" هذا هو الذي قيد به المسألة في مختصره كما ذكرناه هو احتراز عن أن يرويه بصيغة التمريض "وهو يعلم أن من رواه مجروح العدالة كان الثقة قد أغرى السامع بالعمل بالحديث والرواية له" وهي من العمل أيضا إلا أنها لما تعورفت فيما عداها عطفها عليه "وذلك خيانة للمسلمين لا تصدر عن العدل" والفرض أنه عدل "ولهذا قبل المحدثون ما جزم به البخاري من التعاليق على أصح الأقوال" مع أنها مراسيل.
وأجيب عنه بأنه اختص البخاري بقبول تعاليقه لأنه التزم الصحة في كتابه بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا ذلك وإن كان المشهور أن تعاليقه التي يحكم لها بالصحة هي ما علقه بصيغة الجزم لأنه يدل على صحة الإسناد بينه وبين من علق عنه.
وقال الحافظ ابن حجر إن كل ما أورده البخاري في كتابه مقبول إلا أن درجاته متفاوتة في الصحة ولتفاوتها تخالف بين العبارتين في الجزم والتمريض إلا في مواضع يسيرة جدا أوردها وتعقبها بالتضعيف أو التوقف في صحتها انتهى.
قلت: هذا كلام الحافظ هنا والذي أفاد كلامه في مقدمة الفتح أن المعلق في الصحيح بصيغة الجزم يحتمل ثلاثة أقسام:
الأول: معلق قد وصله في محل آخر فهذا موصول في الحقيقة وتعليقه عارض بسبب الاختصار.
و الثاني: قسمان: معلق لا يلتحق بشرطه لكنه حسن وصلاح للحجية.
وثانيهما: ضعيف بالانقطاع هذا كلامه وإذا عرفته عرفت أن ما أورده بصيغة الجزم متردد بين ما ذكر فلا يتم الحكم لما أورده بها شيء حتى يكشف عن حاله فمن قال ما أورده البخاري معلقا بصيغة الحزم صحيح فقوله غير صحيح لما عرفته من الاحتمال.

ثم ذكر الحافظ في المقدمة فيما يورده البخاري بصيغة التمريض أنه متردد بين خمسة أشياء صحيح على شرطه صحيح على شرط غيره حسن ضعيف فرد انجبر بالعمل على موافقته ضعيف فرد لا جابر له هذا خلاصة ما أفاده كلامه في المقدمة.
وإذا عرفت تردد الصيغة بين هذه الخمسة فهي مبهمة لا يتم معرفة المراد منها إلا بعد الكشف عن حقيقتها وعرفت أن في تسميتها صيغة تمريض بحثا فإن الثلاثة الأول مما يجزم به وكأن المراد أنها صيغة تمريض نظرا إلى شرط البخاري في غير القسم الأول فإنه على شرطه.
ومن هنا تعلم أن صيغة التمريض لا تدل على الضعف في اصطلاح البخاري ومن استدل بها على ضعف ما يرويه بها فقد جهل مراده ثم لا يعزب عنك أنه كان الأولى أن يجعل ما هو على شرط غيره من أقسام ما عبر عنه بصيغة الجزم كما أنه كان المتعين في القسم الأول من هذه الأقسام أن يعبر عنه بها وذلك لأنه قد جعل الحسن من أقسام ما يعبر عنه بصيغة الجزم وهو أنزل منه رتبة كما أنه كان يتعين جعل الضعيف بالانقطاع من هذا القسم أي من قسم ما يعبر عنه بصيغة التمريض لا مما يعبر عنه بصيغة الجزم وقد جعله من أقسام ما عبر عنه بصيغة الجزم وبعد هذا تعرف تقارب الصيغتين وتعرف أن تقرير الحافظ في النكت يخالف تقريره في المقدمة فتأمل ومنه تعرف أن قول المصنف ولهذا قبل المحدثون ما جزم به البخاري من التعاليق ليس على إطلاقه بل فيه التفصيل الذي سمعته.
"واعتذر المحدثون عن هذه الحجيج" التي استدل بها قابلوا المراسيل "أما إجماع الصحابة فلم يسلموا علمهم الجميع" لتفرقهم في الآفاق "و" لا يسلموا "أن سكوتهم عن رضا" وقد عرفت أنهما ركنا الإجماع السكوتي "وإن سلموا فلا حجة في ذلك لوجهين :
أحدهما : أن قبول مراسيل الصحابة مجمع على جوازه ممن روى الإجماع عليه ابن عبد البر في تمهيده ذكره في حديث ابن عمر في المواقيت" قد قدمنا الخلاف في مراسيل الصحابة عن أبي اسحق الإسفراييني وكذلك صرح أبو بكر الباقلاني في التقريب أن المرسل لا يقبل مطلقا حتى مراسيل الصحابة وذلك للعلة التي ذكرناها ونقل عدم قبول مراسيلهم عن الشافعي ابن بطال في أوائل شرح البخاري ذكر هذا كله الحافظ ابن حجر.

فالتابعون لم يتم إجماعهم وإن أريد إجماع الصحابة على قبول مراسيلهم فلا يسمى ما جاء عنهم مرسلا كما عرفت من تعريف المرسل إلا على التعريف بأنه ما سقط منه راو وإذا عرفت تعريف المرسل بكل تعريف عرفت أن لا يصح أن يقال مرسل الصحابة إذ لا مرسل لهم ففي قولهم مرسل الصحابة تسامح.
"وثانيهما" أي وجهي عدم حجية ما ذكر على تقدير التسليم "أن المرسل" اسم فاعل "في ذلك الزمان لم يكن يرسل إلا عن عدل" لأن العدالة غالبة في أهل ذلك العصر "ألا ترى أن ابن عباس وأبا هريرة لما أخبرا عمن أرسلا كيف أسندا الحديث إلى عدلين" أسامة بن زيد والفضل ابن العباس "فإن جوزنا إسناد الرواية إلى غير عدل في ذلك الزمان فذلك نادر ولا نادر غير معتبر ولا يجب الاحتراز منه لأنه مرجوح" والعمل على الراجح "بل قال ابن سيرين إنهم" أي الصحابة "لم يكونوا يبحثون عن الإسناد حتى ظهرت البدع وحافظوا على الإسناد ليعرفوا حديث أهل السنة" فيأخذوا به "من حديث أهل البدعة" فيتركونه ويأتي ما في هذا.
"فإذا ثبت إجماع الصحابة على قبول مراسيل أهل ذلك العصر لم يكن حجة عامة على قبول كل مرسل" لأن الدليل الخاص لا ينطبق على المدعي العام "وبيانه أنه احتجاج بفعل" وهو القبول من البعض والسكوت من الآخرين "والفعل لا عموم له" إذ العموم والخصوص من خواص الأقوال.
"وهذا سؤال وارد فلعل الصحابة لو رأوا ما حدث في الناس من التساهل في رواية الحديث لبحثوا أشد البحث فقد روى مسلم عن ابن عباس أنه سمع رجلا" هو بشير مصغر بشر بالمعجمة بعد الموحدة آخره راء بن كعب "يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينظر إليه فقيل له في ذلك" القائل هو بشير فإنه قال لابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع "فقال" ابن عباس "إنا كنا إذا سمعنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصغينا إليه فلما ركب الناس الصعب والذلول" قال النووي في شرح مسلم أصل الصعب والذلول في الإبل والصعب العسر المرغوب عنه ولا ذلول السهل الطيب المرغوب فيه والمعنى سلكوا كل مسلك مما يحمد ويذم "لم نأخذ من الناس" أي من أحاديثهم "إلا ما نعرف رواه مسلم في مقدمة كتابه" الصحيح فقال ثنا أبو أيوب سليمان ابن عبد الله الغيلاني ثنا أبو عامر يعني العقدي أنبأنا رباح عن قيس ابن سعد عن مجاهد قال جاء بشير العدوي

إلى ابن عباس الحديث.
"فإذا كان هذا في زمن ابن عباس فكيف بعده" إلا أنه لا يخفى أن في هذا دليلا على وجود من لا يوثق بروايته في زمن الصحابة وليس فيه دليل على قبول المرسل ولا على عدم قبوله على أنه قال الحافظ في التقريب في ترجمة بشير ما لفظه بشير مصغر ابن كعب بن أبي الحميري العدوى أبو أيوب البصري ثقة مخضرم والمخضرم بفتح الراء من التابعين من أدرك الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست لهم صحبة ولم يشترط بعض أهل العلم نفي الصحبة قال الزين والمخضرم متردد بين الصحابة المعاصرة بين التابعين لعدم الرؤية وظاهر كلامه أنه في الاصطلاح خاص بما ذكر والذي في القاموس أن المخضرم الذي مضى نصف عمره في الإسلام ونصفه في الجاهلية أو من أدركهما أو شاعر أدركهما كلبيد انتهى فالمذكور أحد معانيه اللغوية وبه يعرف أن بشيرا من كبار التابعين.
"وأما الوجه الثاني" من أدلة قابلي المراسيل "وهو أن أدلة قبول الآحاد عامة للمراسيل والمسانيد فغير مسلم بل هي متناولة لقبول الصدر الأول ومن كان على مثل صفتهم" على أنه لا يتحقق المرسل في عصر النبوة إلا نادرا "أما الإجماع فهو على قبولهم" هذا تكرار زاده ليعطف عليه قوله "وكذا قبول رسل النبي صلى الله عليه وسلم: المبعوثين إلى الآفاق" فإنه من أدلة وجوب العمل بالآحاد وهو عطف على جملة أما الإجماع فهو على قبولهم وكلامنا في المراسيل عن غير أهل الصدر الأول "وكذا قبوله صلى الله عليه وسلم الآحاد وقبول الصحابة لهم" فإنه خاص بأهل ذلك العصر وهذه من أدلة قبول الآحاد وهي لا تشمل المرسل كما قاله من استدل بها على قبوله على أن رسله صلى الله عليه وسلم يبلغون عنه ما سمعوه منه أو يبلغون كتبه وهي كذلك غالبا وكذا قبوله الآحاد ليس دليلا أنهم يأتونه بمراسيل بل يخبرونه عمن شافهم فكيف يجعل دليل المسند دليلا للمرسل ويدعى شموله له؟.
"وكذا الدليل العقلي" الذي استدل القائلون بحجية الآحاد وأنها أدلة شاملة للمراسيل مقصور أي الدليل العقلي "على ما يثمر الظن" هذه إشارة من المصنف أن القائلين بأن الأمة متعهدة بقبول الآحاد عقلا وهذا قول أبي الحسين البصري والفقال وابن سريج واستدل أبو الحسين بأن العمل بالظن في تفاصيل الجمل المعلوم وجوبها عقلا واجب عقلا بدليل أن العقل يقضي بقبول خبر العدل في مضرة طعام معين وفي

إنكسار جدار يريد أن ينقض فيحكم العقل بأن الطعام لا يؤكل وأن الجدار لا يقام تحته وذلك تفصيل لما علم بالعقل إجمالا وهو وجوب اجتناب المضار وما نحن فيه كذلك للقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم: بعث لتحصيل المصالح ودفع المضار وخبر الواحد تفصيل له فإذا أفاد الظن وجب العمل به مطلقا انتهى ولكن شارك أبا الحسين في مدعاه أدلة أخرى معروفة وقد أجاب من لم يقل بالدليل العقلي على خبر الآحاد وادعى بأنه ليس عليه دليل إلا من السمع عن هذا الدليل بما هو معروف في الأصول.
"والمراسيل عند المخالف" وهو القائل بأنها لا تقوم بها حجة "لا تثمر الظن الراجح على الإطلاق وإن أثمر بعضها" الظن الراجح "فهو مقبول بالاتفاق كما سيأتي وإنما وقع الخلاف" بين الفريقين "فيما لا يثمر" ظنا راجحا "وما لا يرتقي إلى مرتبة أخبار الآحاد التي قبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه" أي في إفادة الظن وكأنه يريد فيما يثمر ظنا راجحا كما قلناه لا أنه يثمر ظنا ويقولون إنه يعمل به ولا يقول هذا أحد فإن العمل لا يكون إلا بعلم أو ظن ولا يجوز العمل تخمينا إلا أن ينص الشارع إلى وجوب العمل به وجب وإن لم يحصل ظنا كالحكم بالعدلين إذا شهدا فإنه يجب عليه الحكم حصل له ظن أول ولعل قابل الآحاد يقول إنه يجب العمل بها وإن لم تثمر ظنا فيتم ما قاله.
واعلم أن حقيقة الظن الاعتقاد الراجح بأحد المجوزين فالراجحية لازمة لحصول الظن فإن استواء الظرفين شك كما عرف في الأصول وبها يختلف قوة وضعفا فإذا عرفت هذا فالخبر المرسل إن أفاد الظن عمل به عند الفريقين وإن لم يثمره عمل به عند أحدهما فعرفت أن تقسيم المصنف للمرسل إلى ما يثمر ظنا راجحا وإلى ما يثمر ظنا غير راجح أو إلى مالا يثمر ظنا أصلا غير صحيح إلا أن يحمل راحجا على أن المراد قويا وغيره على ظن غير قوي أو يحمل قول راجح على أنه وصف كاشف ويراد بالآخر أنه لا يثمر ظنا أصلا وفي قوله وما يرتقي إلى آخره تأمل إلا أن يكون من عطف الخاص على العام.
"وأما الوجه الثالث" من وجوه قابل المرسل "وهي" الأولى وهو كأنه أنته لكونه في معنى الحجة "حمل الراوي" الأحسن المرسل "وعلى السلامة والقول بأن عدم القبول" لما أرسله "تهمة له بقبيح" هو الكذب ونحوه "فهذا" الوجه "مبني على أصلين" لا يتم إلا بصحتها وسيعلم أنه لا صحة لهما فإن "أحدهما قد انكشف خلافه وثانيهما متنازع

فيه فأما الأول فهو أن المحدثين قالوا إن الحمل على السلامة يزول متى انكشف خلافه" إذ الحمل على السلامة مجرد إحسان ظن فإذا ما يطل الظن دل على عدم صحة أمارته "قالوا ونحن قد جربنا وساء لنا الثقات" على ثلاثة أوجه:
الأول: قوله: "فمنهم من أسند الرواية" التي أرسلها "إلى ما لا يرضاه المرسل هو بنفسه ولا غيره" من ذلك قول أبي حنيفة ما رأيت أكذب من جابر الجعفي وحديثه عنه موجود وقول الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذابا وحديثه عنه موجود.
و الثاني: قوله: "ومنهم من أسند الرواية إلى من يقبله" هو "وغيره لا يقبله فقد وقع الاختلاف في الجرح والتعديل كثيرا" فقد أسند الشافعي عن ابن أبي يحيى وأسند مالك عن عبد الملك بن أبي المخارق وأحمد بن حنبل عن عامر بن صالح والكل متكلم فيه كما يأتي آخر هذا البحث.
و الثالث: قوله: "ومنهم من أسند الرواية إلى ثقة مقبول" كما تقدم في حديث البراء وأبي هريرة.
إن قيل: ما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة إلى الإرسال قلت: قال الحافظ ابن حجر إن له أسبابا منها أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده فيرسل اعتمادا على صحته عن شيوخه كما صح عن ابراهيم النخعي أنه قال ما حدثتكم عن ابن مسعود فقد سمعته عن غير واحد وما حدثتكم به وسميت فهو عمن سميت ومنها أن يكون نسى من حدثه وعرف المتن فذكره مرسلا لأن أصل طريقته أن لا يحمل إلا عن ثقة ومنها أن لا يقصد التحديث بل يذكره على وجه المذاكرة أو على جهة الفتوى فيذكر المتن لأنه المقصود في تلك الحالة دون السند ولا سيما إذا كان السامع عارفا بمن روى فتركه لشهرته وغير ذلك من الأسباب.
"قالوا" أي أئمة الحديث "فلأجل اختلاف أحوال الثقات" ممن يطوون ذكره عند الإرسال "لم نأمن أن يكون المرسل ممن يرسل عن الضعفاء بمرة فاحترزنا وتركنا الجميع" سيما وقد حصل لهم من التتبع أن المرسل عن الثقات المتفق عليهم قسما واحدا فصار معلوم بين القسمين الآخرين ومجهولا أيضا.
"وأما الأصل الثاني" من الأصلين الذين بنى عليهما الأصل الثالث "وهو قول أصحابنا إن عدم القبول تهمة للمرسل بقبيح" وهو الكذب ونحوه والتهمة لا يجوز العمل عليها "فهو أيضا يشتمل على نقض لجواب المحدثين المقدم" وهو قولهم ونحن

قد جربنا وساء لنا الثقات إلى آخره "فلنقدم تحريره" أي تحرير كلام الأصحاب "ثم نورد عذر المحدثين فيه أما النقض الوارد عليهم" أي المحدثين "فلأصحابنا أن يقولوا قولكم إن في العدول" أي الثقات كما هي عبارتهم آنفا "من بحث" مبنى للمجهول أي عن سند ما أرسله وتفصيل ما أجمله وكشف ما ستره وأهمله "فأسند إلى من لا يقبل" عنده وعند غيره وهو القسم الأول من الثلاثة "غير مسلم" عدالة من فعل ذلك "فإنا ننازع في عدالة من فعل هذا" لأنه خيانة للمسلمين وحمل على العمل والرواية عمن لا يجوز العمل بروايته ولا الرواية بما رواه.
قلت: لا يعزب عنك أن هذا النقض لا يتم إلا بعد تقرر أن من نقض قائل إنه لا يقبل إلا مرسل من أرسل عن ثقة عنده أو ثقة مجمع عليه والذي تقدم أن الزيدية يقولون بقبول المرسل مطلقا كالحنفية وفي شرح الغاية وغيرها أن قبول المرسل مطلقا رأي أئمتنا أي أئمة الزيدية وقال المصنف في الروض الباسم في بحث كفار التأويل ما لفظه فالزيدية إن لم يقبلوا كفار التأويل وفساقه قبلوا مرسل من يقبلهم وإن لم يقبلوا المجهول قبلوا مرسل من يقبله ولا يفرق بينهم من يحترز عن هذا البتة وهذا يدل على أن حديثهم أي الزيدية في مرتبة لا يقبلها إلا من يجمع بين قبول المراسيل بل المقاطيع وقبول المجاهيل وقبول كفار التأويل والفساق من أهل التأويل انتهى بلفظه فكيف يتم لهم هنا هذا الجواب القاضي بأن مراسيلهم لا تكون إلا عمن يرسل عن الثقات وقال أيضا قد بينا أن الزيدية أحوج الناس إلى قبول المبتدعة وأن مدار حديثهم على من يخالفهم وأن كثيرا من أئمتهم نصوا على قبول كفار التأويل وادعوا الإجماع على ذلك وأن أئمة الزيدية يقبلون مراسيل أولئك كالمنصور والمؤيد والإمام يحيى والقاضي زيد القاضي عبد الله بن زيد وغيرهم انتهى بلفظه.
قلت: ومراده بالمؤيد أحمد بن الحسين الهاروني ولكن الذي رأيته في خطبة التجريد له ما لفظه وعندنا لا يحل لأحد أن يروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا سمعه من فم المحدث العدل فحفظه ثم يحدث كما سمعه فإن كان إماما تلقاه بالقبول وإن كان غير إمام فكذلك ثم رواه غير مرسل وصح عنده فإن المراسيل عندنا وعند عامة الفقهاء لا تقبل ولقد أدركت أقواما ممن لا يتهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحفظون السند فما قبلت أخبارهم ول نقبلها عنهم لعدم حفظهم للأسانيد انتهى بلفظه.

"وجواب المحدثين على هذا" النقض أنهم "لا يسلمون إطلاق اسم القبيح على مثل هذا" فلا يتم قولهم إن عدم القبول تهمة للمرسل بقبيح "لأن هذه المسألة" أي الإرسال عمن ليس بعدل "ظنية مختلف فيها فالمرسل أن يعتقد أن المرسل" غير مقبول فيرسل عنه "و" يعتقد "أن على من سمعه البحث" لكن لا يخفى أن هذا الصنيع توعير لمسلك الشريعة السمحة السهلة.
"فإن جاء" المرسل "بلفظ التمريض" كروى ونحوه "والبلوغ" بلغنا كذا "فظاهر" أنه لم يجزم وعدم الجزم باعث على البحث عن الراوي "فإنه يصدق فيه" أنه بلغه سواء كان صحيحا أو ضعيفا.
"وإن كان الراوي له مجروحا" بل لا ينبغي أن يأتي بتلك الألفاظ إلا مع القدح في الراوي "والعنعنة" يأتي تحقيقها اشتقاقا وحكما قريبا "قريب من ذلك في الاحتمال" فإن لها احتمالات "على أني لم أجد لأحد من أهل المذهب نصا أن هذا يسمى مرسلا" قال المصنف في العواصم لا أعلم أحدا ذكر البلوغ أو الرواية بلفظ ما لم يسم فاعله في المراسيل ولا فيما يجب قبوله من أخباره الثقات.
"وإن جاء بلفظ الجزم" عطف على قوله فإن جاء بلفظ البلوغ إلى آخره "فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا" أي الذي أتى فيه الراوي بصيغة الجزم "هو الذي نص الأصحاب على تسميته مرسلا فالمحدثون اعتذروا عنه بأمرين أحدهما ما ذكره قاضي القضاة وهو أنا لا نسلم أن هذه الصيغة الجازمة تدل على ثقة المرسل بصحة ما أرسله" وأنه لم يجزم بإرساله إلا لثقة من أرسل عنه "فأن يجوز لمن ظن صحة الحديث" ولو كان عن مجروح "أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ذكره عنه" أي عن قاضي القضاة والقياس عنهم لأنه للمحدثين "أبو الحسين في المعتمد عند الكلام على الترجيح وعلى هذا لو ظن ذلك من خبر مجروح العدالة جاز له أن يقول ذلك وإن لم يجز له العمل" لأنه لا يجوز العمل إلا بخير العدل لأنه الذي تعبدنا بالعمل بخيره وهذا مبني على أن الرواية ليست بعمل وإلا فالأقوال داخلة تحت الأعمال كما قررناه في حواشي شرح العمدة في الكلام على حديث: "إنما الأعمال بالنيات".
"كما قد يجوز العمل حيث لا تجوز الرواية عند بعض العلماء كما يأتي في باب الوجادة وهي العمل بالخط وذلك أن للعمل شرطا وللرواية شرطا فشرط العمل الظن الصادر عن أمارة لم يرد الشرع بالمنع من العمل بها ولا عارضها أرجح منها ولا مثلها

على خلاف في" الأمارة "المماثلة لها" دليله أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر الصحابة أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وخشوا خروج الوقت قبل دخولها أي بني قريظة صلى جماعة عملا بظنهم أن الأمر مقيد بعدم خروج الوقت وعمل آخرون بخلافه ظنا أنه أمر مطلق فهذا عمل عن أمارة لم يرد المنع من الشرع بالعمل بها وقد تعارضت الأمارتان الإطلاق والتقييد إذ الكل قد ورد في الشرع فعملت كل طائفة بأمارة وأقرهم صلى الله عليه وسلم على ذلك وإنما اختلف في الأمارة المماثلة لما عارضها لأنه يكون العمل بإحداهما دون الأخرى تحكما ومن خالف قال هو مخير بين الأمارتين لتماثلهما.
"وشرط الرواية عدم تعمد الكذب" فهذا شرط في الراوي أن لا يتعمد كذبا "لا سوى" لا غير ذلك من الشروط إلا أنه لا يخفى أن شرط الراوي العدالة وهي أخص من هذا الذي ذكر ولا يصح أن يريد تعمد الكذب مع العدالة فإن عدم تعمده داخل في مفهومها "وإليه الإشارة بحديث "من كذب علي متعمدا" 1" أو إلى أن شرط الرواية عنه صلى الله عليه وسلم عدم تعمد الكذب وهذا مشكل إذ يلزم منه قبول رواية من ليس بمسلم إلا أن يريد مع كونه مسلما ثم رأيت المصنف قد أورد هذا السؤال على نفسه في مسألة قبول كفار التأويل وأجاب عنه بما يأتي.
واعلم أن بين الرواية والعمل عموما وخصوصا من وجه فقد يعمل بالقياس وقد يروى المنسوخ فما كل عمل برواية ولا كل رواية يعمل بها ويجتمعان في رواية يعمل بها وحينئذ يتحد شرط الرواية وشرط العمل فالتفرقة بين شرط الرواية وشرط العمل ليس له كثير فائدة على تقدير ثبوته وكأنه يريد أن هذا شرط لرواية لا يعمل بها كالإسرائيلات ونحوها لكنه لا يساعد عليه قوله هل جاز العمل أو لم يجز ويريد سواء عمل بها أو لم يعمل واستعمال هل في هذا المعنى لا أعرفه في العربية ويحتمل أن النسخة غلطا إلا أنى قد قابلتها على نسخ من التنقيح.
"فقد يروي الثقة" التعبير بالثقة عود إلى شرط رواية العمل وكان الأولى فقد يروى من لم يتعمد الكذب "المنسوخ والمرجوح وعن الثقة والضعيف والمجروح" مما لا يعمل به "بل قد صح: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة2 أي لا إثم عليكم ولا تضييق في الحديث عنهم والمراد التحديث عن أحوالهم
ـــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 أبو داود 3662. والترمذي 2669. وأحمد 2/159, 202.

وتصاريفها وتقلبهم في البلاد لا عما يخبرون به عن الله وعن كتبه مما ل يصدقه كتابنا ولا كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه تعالى قد حكى أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه وأن منهم أميون لا يعملون الكتاب إلا أماني ويحتمل أن المراد حدثوا عن المؤمنين من بني إسرائيل ما يحدثونكم به من أخبار كتبهم وأحكامها وذلك كقوله تعالى: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] إلا أنه تعبد ول يتم به مراد المصنف وقد ورد في حديث آخر: "إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" 1 ومراد المصنف الاستدلال بأنه يؤاذن الشارع بالتحدث عن قوم ليسوا بمسلمين فضلا عن المجاريح.
"وقد يروى عن المجروح متقويا به وهو متعمد" في العمل "على عموم أو قياس أو" معتمد "على الأصل وهو" أحد الأمرين "الإباحة أو الحظر على حسب رأيه في ذلك" إذ العلماء مختلفون هل الأصل في الأشياء هو الإباحة أو الخطر كما هو معروف في الأصول "ولو لم يكن معه إلا الحديث الذي رواه لم يستجز العمل" وإن جاز أن يرويه فعمل الراوي بالحديث الضعيف لا يدل على أنه مستند إليه إلا أنه يشكل على هذا قولهم العمل على وفق الحديث الضعيف يدل على قوته أو على أن له أصلا.
"أقصى ما في الباب أن يجويز هذا ضعف عند الناظر فيه" إذ التجويزات تحمل جزم الثقات في الروايات على أنهم جزموا بالرواية عن الضعفاء والمجاريح تجويز مستبعد ضعيف "لكنا قد رأينا العلماء والثقات يذهبون إلى مذاهب ضعيفة ولأجل تجويز ذلك عليهم" على العلماء والثقات "امتنع جواز تقليد المجتهد لهم بعد اجتهاده" فيه أبحاث:
الأول : أن امتناع تقليد المجتهد ليس لأجل أن المجتهد والرواة قد يذهبون إلى مذاهب ضعيفة بل علة امتناع تقليده لغيره هو الإجماع كما نقله ابن الحاجب واستدل به وأقره العضد وغيره وتبعه الآخذون من كتابه كالفصول ومؤلف الغاية وشرحها وإنما الخلاف هل يجوز له أن يقلد قبل اجتهاده في الحادثة فالجمهور على أنه أيضا يحرم عليه التقليد لغيره لأنه مأمور باتباع ظن نفسه الحاصل عن الأدلة لا باتباع ظنون المجتهدين واستدلوا أيضا على تحريمه بأن جواز تقليده لغيره حكم شرعي لا بد من الدليل عليه ولا دليل وبأن التقاليد بدل عن الاجتهاد جوز ضرورة لمن لا يمكنه
ـــــــــــــــــــ
1 أحمد 4/136, والحاكم 3/358.

الاجتهاد ولا يجوز الأخذ بالبدل مع التمكن من المبدل منه كالضوء واليتيم ولأن عمله يخالف ظنه جرأة منه محرم.
الثاني : قوله إنه جعل قبول خبر الثقات تقليد وقد تقدم له أن قبول خبر الثقات ليس بتقليد اعترض بذلك عبارة الحافظ ابن حجر في عدد أحاديث البخاري.
الثالث : قوله "وامتنع الاحتجاج بأقوالهم" إن أراد احتجاج المجتهد فهو الأول إذ الاحتجاج بها تقليد لهم وإن أراد احتجاج المقلد لهم فمشكل لأن أقوال المجتهدين حجة في حقه سواء كانت لهم مذاهب ضعيفة أولا فإنهم لم يشترطوا في الأصول أنه لا يقلد إلا مجتهدا ليس له قول ضعيف وإن أراد الاحتجاج بروايات المرسلين فمع عدم وضوح عبارته في هذا المراد فهو غير صحيح إذ هو محل للنزاع.
"ولذلك" أي ولأجل أن التجويز والاحتمال يمنع من الجزم بنسبة القول المحتمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان المختار الذي صححه المنصور بالله وأبو طالب والجمهور أن الصحابي إذا قال قولا في أمر الشريعة" من تلقاء نفسه ولم ينسبه إليه صلى الله عليه وسلم "لم يكن حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: متى كان يحتمل وجها في الاجتهاد صحيحا أو فاسدا فجعلوا احتمال الوجه الفاسد مانعا من الجزم بنسبة القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم" فكذلك إذا احتمل قول التابعي أو غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عن ضعيف أو مجروح كان مانعا عن كون الصيغة الجازمة تدل على ثقة المرسل بصحة ما أرسله.
"فمتى قدرنا أن قول الثقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه يستجيزه الثقة إذا سمعه من مجروح يظن صدقه فيستحل بروايته" التي رواها عن المجروح "الراوية دون العمل امتنع الجزم بصحته سواء كان هذا الاحتمال صحيحا في نظرنا نحن أو ضعيفا" كما أن قول الصحابي الذي احتمل وجها في الاجتهاد فاسدا ولا يحل معه نسبة ما قاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فمجرد الاحتمال مانع إلا أنه لا يخفى الفرق بين المسألتين فإن الصحابي لم ينسب قوله إليه صلى الله عليه وسلم بخلاف المرسل فإنه نسبه إليه صلى الله عليه وسلم ثم الاحتمال في كلام الصحابي واضح بل الأصل أنه حيث لم ينسبه ليس إلا قولا له بخلاف الثقة المرسل فقد نسب ما رواه إليه صلى الله عليه وسلم فالعلة هي ما يفيده مما يأتي قريبا ثم إن من في كلام المصنف ما يشعر بأنه إذا لم يحتمل كلام الصحابي وجها في الاجتهاد جاز

نسبة كلامه صلى الله عليه وسلم إليه وفيه بحث ظاهر وكن يغني عن قوله ولذلك كان المختار إلى آخره.
قوله: "قالوا وكيف لا يجوز هذا" أي يجعله جائزا عن الثقات "وقد جربناه في حق كثير من الثقات" قد قدمنا شطرا من أمثلة ذلك "والتجويز بعد التجوبة ضروري لا يمكن الإنفكاك عنه" وصف كاشف للضروري وهذا هو الدليل الناهض على رد المرسل ولما استشعر من هذا أنه يقال وكيف يجوز للثقة أن يروي عن المجروح ويجزم بنسبة ما يحدث به إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أجاب عنه بقوله "وإذا جاز هذا عليهم" أي الثقات "على جهة التأويل" منهم للإرسال عن المجاريح "لم يكن جرحا فيهم" في الثقات المرسلين لأنه بالتأويل ينتفي الجرح والتأويل هو ما تقدم وبيان أنه ليس بجرح بعد التأويل "لأن المسألة إن كانت ظنية فلا إثم عليهم وهي كذلك" أي ظنية "ولو كان خطؤهم قطعيا" من باب الفرض "فلا دليل على أنه فسق وذنب المتأول إذا لم يبلغ الفسق لم يقدح به إجماعا" فكذلك لم يكن إرسال الثقات عن المجاريح قادحا في الثقات فإذا بلغ ذنب المتأول الفسق كانت مسألة فساق التأويل وسنأتي.
"هكذا ذكره أصحابنا" كأنه يريد من قوله وذنب المتأول بدليل قوله "وذلك كخطأ المعتزلة عندنا في الإمامة" فإنهم يقولون الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترتيب الواقع بعد وفاته ويقولون بجوازها في غير أولاد علي رضي الله عنهم وفاطمة عليهم السلام والزيدية يقولون إن مسألة الإمامة قطعية ومخالفة القطعي عندهم فسق فليس التمثيل به كالممثل له "فثبت أنه يجوز على الثقة انه يستجيز إرسال الحديث عن المجروح وإنا لو عرفنا أنه" أي الإرسال عن المجروح "فعله مستحلا لم نقدح في عدالته" الذي سلف قريبا أنه لا يقدح في عدالته بذلك إن فعله متأولا وهذا ينافي ما سلف والذي تقدم هو الحق إذ من يستحل الرواية عن المجاريح والوضاعين والكذابين فقد استحل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحلاله كبيرة وقيل كفر.
"الأمر الثاني" من اعتذار المحدثين عن قبول مرسل الثقة الذي جزم بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم أنه قال المحدثون "سلمنا أن الثقة لا يصح على كل تقدير أن يستجيز الرواية" أي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم "إلا حيث يجوز العمل وأن ذلك" أي استحلاله الرواية دون العمل "لو فرض صدوره عنه كان قدحا في عدالته"

لإغرائه غيره على العمل بما لا يحل عنده العمل به "لكن ما المانع من أن يثق بمن لا نستجيز" معشر المحدثين "الرواية عنه لو صرح" المرسل "به" بمن روى عنه "مثل تجويز أن يروى عن مجهول وحديثه عنده مقبول أو عن سيئ الحفظ مختلف فيه أو عن مجروح جهل هو جرحه وقد عرفنا نحن جرحه أو عن مغفل قد استوى حفظه وسهوه ومذهبه قبوله مطلقا أو قبوله مع الترجيح أو نحو ذلك مما اختلف فيه" .
أما جهل المرسل لجرح من أرسل عنه فليس من مسائل الخلاف فإن إرساله عنه جاهلا لجرحه غير قادح في إرساله وإن كان قدحا في المرسل فما كان يحسن عده مما اختلف فيه كما لا يخفى "فيؤدي" أي قبول مرسل الثقة المجزوم به "إلى تقليد المجتهد" القابل للمرسل "لغيره" وهو المرسل "في مسائل الاجتهاد" كقبول المغفل ونحوه "وبنائه" أي المجتهد "لاجتهاده على تقليد" المرسل والمجتهد لا يجوز له التقليد فإن قلت: قد تقدم للمصنف غير مرة أن قبول خبر العدل ليس تقليدا له قلت: ذلك فيما إذا أخبر العدل عن غير إرسال إذ هو الذي قام الدليل على قبول خبره كما عرفته.
إن قلت: هذا بعينه يجري في القدح المطلق والتعديل المطلق لاختلاف العلماء فيما يقدح به وفيما يشترط في العدالة فقابل القدح المطلق والتعديل المطلق ينبغي أن يكون مقلدا لا مجتهدا لأنه يبني اجتهاده على رأي غيره تجريحا وتعديلا.
قلت: لا محيص عن هذا ويأتي بسطه في محله.
"وهذا العذر الثاني" الذي ذكره المحدثون "أقرب من الأول والجواب عليه" من طرف قابل المرسل "أصعب وتلخيصه" أي هذا الجواب "أن تصحيح" العالم "الحديث أمر ظني نظري اجتهادي" زيادة في البيان وإلا فقد أغنى عنه نظري "ولا يجوز للمجتهد أن يقلد غيره في نحو ذلك" لا يخفى أن التقليد لا يجوز للمجتهد في شيء فليس للظرف مفهوم ويأتي توفيه الكلام فيما ذكره قريبا.
"ويرد على المحدثين هنا سؤالان: أحدهما أن يقول من عرف بالإرسال عن المجاريح" أي متأولا "كانت هذه علة مانعة من قبول حديثه" إن أريد حديثه الذي أرسله فهم قائلون بذلك فلذا لا يقبلون مرسله ولا مرسل غيره وإن أريد حديثه الذي أسنده فلا مانع عن جعله علة فيه أيضا "وإن لم يكن" إرساله عن المجاريح "قدحا مؤثرا في دينه" لما سلف من تأوله وأن ذنب المتأول لا يقدح به إجماعا ما لم يبلغ الفسق وذلك أنه يكون بإرساله عن المجاريح "كالصدوق المغفل بمرة" فإنه غير مقبول.

"لكن الظاهر من الثقات أنهم لا يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق صحيح" لا يخفى أن هذا الاستدراك هو محل السؤال ولكنه قد تقدم م يغني عنه مرارا أقربها قوله إنهم جربوا فوجدوا الثقات أرسلوا عن غير العدول وهو معني أرسلوا عن غير طريق صحيح فهذه التجربة عارضت الظاهر "ولهم" أي للمحدثين "أن يقولوا هنا ما تريدون بأن الظاهر أنهم لا يقولون ذلك من غير طريق صحيح هل صحيحة عندهم? فمسلم" على أحد التقادير وإلا فمن التقادير أنه قد يروى الثقة عن المجاريح اتكالا على بحث السامع عن سند الحديث كما تقدم في قوله فللمرسل أن يعتقد أن المرسل غير مقبول وأن على من سمعه البحث إلى آخره "ولا يضر تسليمه" على غير ذلك التقدير "أو" يريدون "صحيحة مجمع على صحتها" حتى يلزم قبول المرسل "فغير مسلم" لما عرفت أن إرسالهم من لا يرتضيه الأكثر "وهو جواب متجه" .
وقد عرفت من سياق السؤال والجواب أن المراد إذا كانت هذه علة مانعة من قبول حديثه أي المرسل وهو أحد شقي الترديد الذي قدمناه وعلمت أنه مراد المحدثين فليس محلا للسؤال ولا الجواب.
"السؤال الثاني" مما يرد على المحدثين على تقريرهم رد المرسل "أن يقال" لأهل الحديث "أنتم قد أجزتم العمل بالحديث متى قال الحافظ الثقة إنه حديث صحيح وعلى هذا عمل المتأخرين وقد تقدم نصهم على جوازه" حيث قسموا الصحيح إلى سبعة أقسام منها ما حكم إمام بصحة الحديث بل تقدم عن ابن الصلاح أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأزمنة بل عليه أن يرجع إلى ما صححه القدماء "مع أن يحتمل أن يصحح الثقة الحافظ حديث المجهول والصدوق المغفل إذا لم يتحقق أن خطأه أكثر من صوابه أو نحو ذلك مما اختلف فيه أهل العلم وجاز على الثقة الحافظ أن يذهب إليه فإذا جاز العمل به مع هذه الاحتمالات جاز العمل بحديث المرسل مع تلك الاحتمالات" من غير فرق.
"ولهم" أي المحدثين "أن يجيبوا" عن هذا السؤال "فيقولوا: أما قدماء الحفاظ فلم يعرف عنهم بالنص أنهم كانوا يجيزون ذلك" أي تصحيح أحاديث من ذكرتم "والصحيح أنه لا يكون العالم مجتهدا مع تقليده في تصحيح الحديث" لجواز أن من قلده في تصحيح الحديث بنى ذلك التصحيح على قواعد مخالفة فيها فيكون قد بنى

اجتهاده على تقليد غيره "وإنما يكون" من قلد غيره في تصحيح الحديث "مرجحا لا سوى" .
اعلم أنه تقدم للمصنف كلامان متناقضان في هذه المسألة ولنوف البحث حقه فيها فإنه لا غناء للناظر من تحقيقها وقد كنت كتبت فيها رسالة جواب سؤال سميتها إرشاد النقاد إلى تيسر الاجتهاد اشتملت على فصول تتعلق بأطراف سؤال ورد في غير ذلك فنذكر هنا ما يتعلق بالبحث هذا كما وعدنا به فيما سلف فنقول:
قد عرفنا أنهم رسموا الصحيح بأنه الذي اتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط عن مثله مع السلامة من الشذوذ والعلة فإذا قال العالم الحافظ كالبخاري مثلا هذا حديث صحيح فمعناه أنه متصل الإسناد وأن رواته كلهم عدول تام ضبطهم لم يخالف فيه الثقة ما رواه الناس وليس فيه أسباب خفية طرأت عليه تقدح في صحته فقوله صحيح يتضمن الإخبار بالجمل الخمس وقد تقرر بالبرهان الصحيح قبول خبر العدل وتقرر به أيضا أن قبوله ليس من باب التقليد كما عرف ذلك في أصول الفقه وقدم المؤلف ذلك فأخبار العدل بأنه حديث صحيح إخبار بعدالة رواته وتمام حفظهم وعدم شذوذ ما رووه وعدم إعلاله ولا يخفى أن قبول خبره قد يفيد بأنه سواء دل على تعديله بالتضمن أو التزام أو المطابقة وقد جعل أئمة الأصول والحديث من طرق التعديل حكم مشترط العدالة بالشهادة وعمل العالم بروايته ورواية من لا يروي إلا عن عدل ومعلوم أن دلالة هذه الطرق على عدالة الشاهد والراوي إلزامية فقول الثقة حديث صحيح يتضمن إخباره بالأمور الخمسة التي ذكرناها بالتضمن بل قول المعدل فلان عدل عبارة عن أنه آت بالواجبات مجتنب للمقبحات فلفظ عدل دل بالتضمن على الأخبار بالعدالة فكما أنا حكمنا بأن قوله عدل أو ثقة خبر يجب قبوله وليس قبوله تقليدا كذلك قوله صحيح.
فإن قلت: إخباره بأن الحديث صحيح إخبار بما ظهر له ويحتمل أنه في نفس الأمر باطل.
قلت: وكذلك إخباره بأن زيدا عدل إخبار عن ظنه بأن آت بالوجبات مجتنب للمقبحات بحسب ما رآه أو أخبر به مع جواز أنه في نفس الأمر غير مسلم وقد أمرنا بقبول خبر المعدل بأن فلانا عدل مثلا فهذه التجويزات لا نكلف بها على أن البخاري مثلا ليس معه في كون الرواة الذين لم يلقهم وهم شيوخ شيوخه عدولا إلا

إخبار العدول بأنهم ثقات حفاظ فقبولنا لخبره بأن الحديث قد عدلت نقلت:ه كقبوله لأخبار الثقات بأن الرواة الذين رووا عنهم حفاظ ثقات فكما أنهم لا يجعلون البخاري مقلدا في التصحيح مع أن عدالة من صحح أحاديثهم متلقاة عن إخبار من قبله فكذلك نحن في قبولنا لأخباره بعدالة رواة الحديث الذي صححه.
وأنت إذا نظرت إلى أئمة النقاد كالحاكم أبي عبد الله وأبي الحسن الدار قطني وابن خزيمة ونحوهم كالحافظ المنذري وجدت تصحيحهم لأحاديث قوم وتضعيفهم لأحاديث آخرين دائرا على الاستناد إلى كلام الحفاظ فبلهم كيحيى بن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم من أئمة هذا الشأن وأنه ثبت لهم عنهم أو عن أحدهم الأخبار بأن فلانا حجة أو عدل أو ثبت أو نحوها من عبارات التعديل وكذلك التضعيف يدور على إخبار أولئك وأمثالهم بأن فلانا كذاب أو نحوه ثم حكموا بصحة الحديث أو ضعفه مستندين في الأمرين على إخبار من قبلهم ألا ترى أنه تجنب الرواية عن ابن اسحق جماعة من أئمة الصحيح لكلام مالك وقدحه فيه وتجنب الرواية عن الحارث الأعور من تجنبها لقدح الشعبي فيه مع أنهم لم يلاقوا الحارث ولا ابن اسحق وإنما قبلوا أخبار من لاقاهم فعرفت أن البخاري ومسلما مثلا لم يلقيا إلا شيوخهما وبين شيوخها إلى الصحابة وسائط كثيرون اعتمدوا في توثيقهم وعدمه على الرواية عن الأئمة من قبلهم.
فإذا كان الواقع من مثل البخاري من تصحيحه الأحاديث تقليدا لأنه بناه على إخبار غيره عن أحوال الرواة الذين صحح حديثهم كان كل قابل لخبر من أخبار الثقات مقلدا وإن كان الواقع من التصحيح من البخاري مثلا اجتهادا مع بنائه على قبوله لأخبار من قبله عن صفات الرواة فيكون أيضا قبولنا الخبر البخاري عن صحة الحديث المتفرع عن إخبار الثقات اجتهادا فإنه لا فرق بين الأخبار بأن هؤلاء الرواة ثقات حفاظ وبين الأخبار بأن الحديث صحيح وإلا بالإجمال والتفصيل وكأهم عدلوا عن التفصيل إلى الإجمال اختصارا أو تقريبا لأنهم عقبوا كل حديث بقولهم رواته عدول تاموا الضبط ورووه متصلا ولا شذوذ فيهولا علة لطالت مسافة الكلام وضاق نطاق الكتاب الذي يؤلفونه من الاستيفاء لأحاديث الأحكام فضلا عما سواها من الأحاديث على أن هذا التفصيل لو جاءوا به لا يخلو عن الإجمال إذ لم يذكر فيه كل راو على انفراده بصفاته بل التحقيق أن قولهم عدل مراد به آت بالواجبات مجتنب للمقبحات

محافظ عل المروءات فهو أيضا غير مفصل للمراد كما ذكرناه.
فإن قلت: من شرائط الصحة السلامة عن الشذوذ والعلة وليس مدار هذين الأمرين الأخبار بل التتبع لطرق الأسانيد والمتون.
قلت: أما أولا فالشذوذ والإعلال نادران والحكم للغالب لا للنادر ألا ترى أن الراجح العمل بالنص وإن جوز أنه منسوخ عملا بالأغلب وهو عدم النسخ وقد تقدم للمصنف أن ظاهر الحديث المعل السلامة عن العلة حتى تثبت العلة بطريق مقبولة.
وأما ثانيا فإن قول الثقة هذا حديث صحيح أي غير شاذ ولا معل إخبار منه أيضا بأنه لم يقع في رواته راو ثقة خالف الناس فيهولا وجدت فيه علة قادحة وهذا في الحقيقة خبر عن الراوي بصفة زائدة على مجرد عدالته وضبطه أو إخبار عن حال المتن بأن ألفاظه مصونة عن ذلك وليس هذا خبرا عن اجتهاد بل عن صفات الرواة والمتون وفي التحقيق هي أخبار عائدة إلى تمام ضبط الرواة وتتبع مروياتهم حتى أحافظ بألفاظها فالكل عائد إلى الأخبار عن الغير لا عن الاجتهاد الحاصل من دليل ينقدح للمجتهد به رأي وإذا كان خبرا فوجوب قبوله اجتهاد لا تقليد.
فإن قلت: قد أشار المصنف إلى وجه كون قبول تصحيح الغير تقليدا له في التصحيح بأنه قد اختلف العلماء في شرائط القبول للتصحيح وقد يبني تصحيحه على شرط يراه من تابعه على تصحيحه ليس شرطا أو العكس.
قلت: التحقيق أنه قد وقع الإجماع على أنه يشترط في الرواة الصدق والضبط لروايته وفي ديانته يشترط أن يغلب خيره على شره هذا أمر مجمع عليه ومنهم من زاد شروطا وهي السلامة من البدعة والمحافظة على المروءة وجعل العدالة اسما لما لا يكاد يتحقق إلا في معصوم وقد بينا في رسالة ثمرات النظر في علم الأثر الأدلة على ما قررناه هنا من أن الشرط هو الأمران وأنه محل وفاق وأنه من شرط تلك الشروط لم يتم له الوفاء بها بل قبل خبر المبتدع بقدرو إرجاء ونصب ورفض إذا كان صدوقا وقد بسطنا هنالك ما يجزم الناظر فيه بأنه الحق فمن قال إن فلانا عدل أفادنا خبره أنه صدوق وأن خيره غالب على شره وهو الذي يقبل عندنا والذي قام عليه الاتفاق وإن رمى ببدعة قدر ونحوها فإنها لا تقدح في رواية الصدوق.
وإذا عرفت هذا تحصل لك أن من قبل خبر الثقة في التصحيح فهو مجتهد في قبول خبره كما يقبل سائر الأخبار عن الثقات ولا يكون بقبولها مقلدا والحمد لله ولم

نعلم أنا سبقنا إلى هذا التقرير.
"وأما المتأخرون" عطف على قوله أما قدماء الحفاظ وهم الذي تقدم نصهم على جواز العمل بتصحيح الثقة "فلهم" في الاعتذار عن العمل بتصحيح الغير "أن يقولوا إنا لا نجوز العمل بتصحيح الثقة الحافظ إلا حيث قد عرفنا مذهبه في شرائط قبول الأخبار فعرفنا أنه لا يقبل المجهول ولا الصدوق السيئ الحفظ ولا غير ذلك من المواضع المختلف في قبولها" الظاهر أن هذا لا بد منه كما أنا لا بد أن نعرف مذهب من يخبر بعدالة المجهول.
"ولهذا" أي لأجل شرط معرفة مذهب الثقة الحافظ "فإنهم لا يكتفون بتصحيح الحاكم أبي عبد الله في المستدرك" لما عرف من تساهله ورأيه في جعل الحسن صحيحا "إلا من يذهب مذهبه في تصحيح الحسان بل في تصحيح بعض الأحاديث التي يجوز بل يجب قبولها على قواعد كثير من الفقهاء والأصوليين وهذا جواب صحيح لكنه يتضمن الإقرار بقبول بعض المراسيل فإن الثقة الحافظ على كلامهم متى قال هذا إسناد صحيح ولا علة له وجب قبوله وإن لم يرولنا ذلك الإسناد الذي حكم بصحته وأي فائدة لنا في مجرد سماع أسماء الرواة" التي سردها الثقة "إذا كان يجوز لنا العمل بالحديث والرواية له من غير بحث عن رجاله" لعدم الفائدة إذ البحث عنهم. لي إلا لنعرف صحة الحديث أو عدمها وإذ قد أخبر الثقة أنه صحيح فقد تضمن خبره أنهم ثقات فهو كما لو أخبرنا عن كل واحد أنه ثقة لم يبق لنا حاجة إلى البحث عنهم.
"فثبت بهذا أن المتأخرين من المحدثين قد وافقوا على قبول بعض المراسيل" قلت: بل المتقدمون قد قبلوا تزكية من تقدسهم من الرواة وبنوا على ذلك تصحيح الحديث وتضعيفه فقبول المتأخرين للثقة في قوله إن المرسل صحيح كقبول المتقدمين للثقة في تزكية الرواة وغاية الفرق أنه في المرسل تزكية ضمنية وفي المسند تزكية مطابقية كما قررناه فلا عذر عن قبول المرسل الذي صححه "وهو ما نص على صحته ثقة عارف بهذا الشأن" يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة إلا أن هذا شرط عزيز وإنما قال قد وافقوا على قبوله "لارتفاع العلل الموهنة للمراسيل عن هذا النوع منها كما وافقوا على قبول مراسيل الصحابة لمثل ذلك" ومراده بمراسيل الصحابة هو ما إذا صرح الصحابي بأنه لم يسمع الحديث منه صلى الله صلى الله عليه وسلم وإلا فقد عرفت من تعريف المرسل أنه لا

يدخل تحته رواية الصحابة إلا عن رأي غير المحدثين.
"وبهذا تعرف أن القصد حصول الثقة بصحة الحديث لا مجرد الإسناد" فإن الإسناد إنما يحتاج إليه لينظر في رجاله فيصحح الحديث أو يضعف "و" يعرف "أن المرسل حيث يكون كذلك" أي مصححا "مقبول مثل ما ذهب إليه الشافعي في المراسيل كما تقدم أو مثل ما اتفق عليه جماهير العلماء والمحدثين فيما علقه البخاري تعليقا مجزوما به" فإنهم قبلوه لاشتراطه الصحة كما سلف وقد حصل الشرط في المرسل الموصوف وفي العلق بل المعلق مرسل على رأي بعض أئمة الأصول وتقدم تحقيق الكلام في تعاليق البخاري فتذكر.
"ومثل ما ذكرنا من الاكتفاء بتصحيح أئمة الحديث فهذا" أي قبول مراسيل من صحح المرسل "إذن محل اجتهاد وكل واحد يعمل بظنه ولا حرج" هذا عود إلى أن العامل بتصحيح الأئمة للحديث مجتهد كما قررناه "ولله الحمد والمنة" .
"وقد استحب المحدثون على الإسناد في هذه الأعصار وإن أمكن الاستغناء عنه" بما صححه الأئمة وإنما استحبوه "لوجوه" ثلاثة:
"أحدها: تمكين من لم يستجز الاكتفاء بتصحيح الثقة من النظر في الإسناد" بذكر رجاله "على رأي من ذهب إلى أن هذا ممكن" وهو غير ابن الصلاح ومن تبعه "كما تقدم" وتقدم ما فيه.
الوجه "الثاني: تمكين من استجاز ذلك" أي الاكتفاء بتصحيح الثقة "من مرتبة النظر في الأسانيد المقوية للظن وإن لم تكن واجبة" لأنه مع الاكتفاء بما ذكر حصل له ما يجب عليه العمل به "فهي مرتبة شريفة مستحبة بغير شك" إذ العلم التفصيلي وإن أغنى عنه العلم بالجملى فإنه مستحب قطعا.
الوجه "الثالث: بقاء سلسلة الإسناد المخصوص بهذه الأمة المكرمة" فإنها قد رويت آثار باختصاصها به.
"ويلحق بها" أي بمسألة المراسيل "فائدتان:
إحداهما: أن الإسناد إذا كان فيه عن رجل أو شيخ فهو منقطع لا مرسل في عرف المحدثين" هكذا ذكره ابن الصلاح "قاله الحاكم" ونقله زين الدين وزاد قوله: "وابن القطان في بيان الوهم والإيهام" . وقال الحافظ ابن حجر: فيه أمران:

أحدهما : أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه وذلك أن كلام الحاكم يشير إلى تفصيل فيه وهو أنه إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو منقطعا وإن روي من طريق مبهمة وطريق مفسرة فلا يسمى منقطعا لمكان الطريق المفسرة وذلك أنه قال في نوع المنقطع وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل ليس يسمى ولا يدخل في المنقطع مثاله رواية سفيان الثوري عن داود بن أبي هند قال حدثنا شيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين الفجور والعجز فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز" 1 قال ورواه وهب بن خالد وعلي بن عاصم عن داود بن أبي هند قال حدثني رجل من جديلة يقال له أبو عمر عن أبي هريرة رضي الله عنه به قال الحاكم2: فهذا النوع الوقوف عليه متعذر إلا على الحفاظ المتبحرين.
قلت: فتبين بهذه الرواية المفسرة أنه لا انقطاع في رواية سفيان وأما إذا جاءت رواية واحدة مبهمة فلم يتردد الحاكم تسمية منقطعا وهي قضية صنيع أبي داود في المرسل وغيره.
الثاني : أنه لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي أما لو قال التابعي عن رجل فلا يخلو إما أن يصفه بالصحبة أولا إن لم يصفه بها فلا يكون ذلك متصلا لاحتمال أن يكون تابعيا آخر بل هو مرسل على بابه وإن وصفه بها فإن كان التابعي سالما عن التدليس حملت عنعنته على السماع انتهى.
"وأما الجويني فقال وقول الراوي أخبرني رجل أو عدل موثوق من المرسل أيضا قال" الجويني "وكذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يسم حاملها ذكره في البرهان" قال فيه وإنما ألحق هذا القسم بالمرسلات من جهة الجهل بناقل الكتب ولو ذكر من يعزو الخبر إلى الكتاب ناقل الكتاب وحامله التحق الحديث بالمسندات. انتهى.
"قال زين الدين: وفي كلام غير واحد من أهل الحديث أنه متصل" إلا أنه يقال "في إسناده مجهول وحكاه الرشيد المطار في الغرر المجموعة عن الأكثر واختاره شيخنا الحافظ أبو سعيد" يريد العلائي "في كتاب جامع التحصيل انتهى" كلام زين الدين.
ـــــــــــــــــــ
1 رواه الحاكم في: معرفة علوم الحديث ص 28.
2 معرفة علوم الحديث ص 28.

"قلت: وهو الصحيح لأن من قال عن شيخ أو رجل فقد أحال السامع إلى رواية مجهولة فلا يحل له العمل بالحديث بخلاف المرسل" اسم فاعل "الذي جزم برفع الحديث" وكان لا يرسل إلا عن عدل.
"الفائدة الثانية مراسيل الصحابة مقبولة عندنا وعند المحدثين وعند الأكثرين من طوائف العلماء" وهذا كما عرفت على اصطلاح غير المحدثين أو الأكثر منهم فإنهم ليس المرسل عندهم إلا ما سلف رسمه أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وقد تقدم دعوى ابن عبد البر الإجماع على ذلك" تقدم للمصنف الاستدلال بإجماع الصحابة على قبول مرسل الصحابي وعن ابن جرير الطبري نقل إجماع التابعين.
"قال زين الدين: وقد ادعى بعض الحنفية الإجماع عليه وهو غير جيد" قال: "فقد خالف فيه الإسناد أبو اسحق الإسفراييني" فلت لم ينفرد به الأستاذ بل قال القاضي أبو بكر الباقلاني وصرح في التقريب بعدم قبول المرسل مطلقا وتقدم التعليل بأنه ليس لأجل الشك في عدالة الصحابة بل لأنهم قد يروون عن التابعي مغلوبة كما يأتي.
"قال: وتعليل ابن الصلاح لذلك بأن روايتهم عن الصحابة" مقبولة لأن الصحابة لا يرسلون إلا عن صحابة مثلهم وقد تقرر عدالة فتقبل مراسيلهم تعليل "غير جيد" لما يفيده قوله "والصواب أن يقال: إن غالب روايتهم عن الصحابة" لا كلها "إذ قد سمع جماعة من الصحابة عن بعض التابعين وسيأتي في كلام ابن الصلاح في رواية الأكابر عن الأصاغر أن ابن عباس وبقية العبادلة" وهم ابن عمر وابن عمرو بن العاص وابن الزبير وليس منهم ابن مسعود وغلط الجوهري قاله في القاموس "رووا عن كعب الأحبار وهو من التابعين" بالحاء المهملة والموحدة في القاموس كعب الحبر ويكسر ولا يقال الأحبار وفي نسيم الرياض يقال كعب الأحبار وكعب حبر بكسر الحاء وفتحها وقوله في القاموس ولا يقال كعب الأحبار غير صحيح انتهى. "وروي أيضا كعب عن التابعين" فقد تأخذ عنه العبادلة ما رواه عن التابعين.
"وقد ذكر ابن حجر أن بعض الصحابة روى حديث بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: ستة رواة وأن ذلك أكثر ما وجد من هذا القبيل" قد قدمنا لك أن هذا وإن وقع فإنه نادر مغلوب والحكم للغالب على أنه لا يتم إلا في روايات صغار الصحابة أما كبارهم فأخذهم عن التابعين مستبعد جدا.

مسألة: 30 [في فوائد تتعلق بالمرسل]
"ويلحق بهذا فوائد" ثلاث:
"الأولى: أن هذا الكلام كله في ما لم تتعارض" أي المراسيل "وعند التعارض يجب البحث عن الأسانيد لوجوب الترجيح حينئذ بالإجماع وتوقف الترجيح حينئذ على النظر في الأسانيد" يقال قد تقدم أن ما صححه الشيخان أرجح مما صححه غيرهما فقد يكون المرسل حكم بصحته الشيخان فيرجح على ما عارضه من مرسل حكم بصحته أحد الأئمة غيرهما وكذا تقدم ما حكم البخاري بصحته كتعاليقه المجزومة على ما قالوه على مرسل صححه مسلم ونحوه ذلك فهذا ترجيح من غير احتجاج إلى النظر في الأسانيد وكأنه يريد المصنف ذكر الأغلب.
"و" الفائدة "الثانية: من اختصر بعض المسندات فحذف أسانيدها لم يكن له حكم المراسيل" وذلك كما صنعه ابن الأثير في الجامع الكبير ثم من تبعه في حذف أسانيد الأمهات وكذلك صنيع الحافظ السيوطي في جامعه الكبير والصغير ومن تبعه "لأن العهدة عند المختصر على الراوي الأول والراوي الأول قد أسند ومن أسند ولم يصحح لم يتحمل عهدة" لأنه قد أحال الناظر على النظر في رجال كتابه وأما من صحح من الشيخين فالعهدة عليهما.
والفائدة "الثالثة من اعتقد أن العلماء لا يروون إلا عن عدول كان مرسله أضعف المراسيل أو كان غير مقبول وأمثلهم" أي المرسلين "من يشترط تصريح العالم أنه لا يروى إلا عن ثقة من غير أن يعرف مذهبه" أي مذهب المشترط في إرساله عن الثقة "في التوثيق" أما إذا عرف مذهبه فيه فإنه قد أبان عمن يرسل.
"ثم" أمثلهم بعد ذلك "من يشترط أن تكون عادته الرواية عن العدل من غير تصريح" كأنه يريد من غير أن يصرح في روايته بتعديله بأن يقول أخبرني العدل.

"ثم" أمثلهم "من لا يشترط العادة" وهو آخر رتب الأمثلية في الإرسال.
"ومن طالع تراجم العلماء علم ما في هذا المذهب" وهو اعتقاده أنه لا يروى العلماء إلا عن عدل "من المفسدة" وهي وجود روايات عن العلماء من غير طريق العدول "فقد روى مالك" في الموطأ "عن" عبد الملك بن "أبي المخارق" بالخاء المعجمة آخره قاف "وهو متكلم عليه" قال المصنف في العواصم قال ابن عبد البر المالكي المجتهد في تمهيده كان مجمعا على تجريحه ولم يرو عنه مالك إلا حديثا واحدا في وضع الأكف وقد رواه من طريق صحيحة فرواه في الموطأ عن أبي حازم التابعي الجليل عن سهل بن سعد الصحابي انتهى ولم أجده في الميزان.
"و" روى "الشافعي عن ابن أبي يحيى" هو إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي فال ابن عبد البر في التمهيد أجمعوا على تجريح ابن أبي يحيى قال المصنف في العواصم قلت: أما الإجماع على تجريحه فلا فقد وافق الشافعي على توثيقه أربعة من الحفاظ وهم ابن جريج وحمدان بن محمد الأصبهاني وابن عدي وابن عقدة الحافظ الكبير لكن تضعيفه قول الجمهور بلامرية انتهى. "والزنجي" بالزاي والجيم وهو مسلم بن خالد المخزومي المعروف بالزنجي وقال ابن حجر في تقريب التهذيب صدوق كثير الأوهام "وقد تكلم عليهما" وقد سمعته.
"و" روى "أحمد بن حنبل عن عامر بن صالح" ابن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام وانفرد بتوثيقه حتى قال أبو داود سمعت يحيى بن معي يقول جن أحمد يحدث عن عامر بن صالح قال الذهبي لعل أحمد ما روى عن أو هي منه وإنما روى عنه أحمد لأنه لم يكن عنده يكذب وكان عالما بالفقه والعلم والحديث والنسب وأيام العرب وقال أبو حاتم ما أرى بحديثه بأسا "وغيره" ممن ضعف وهؤلاء الثلاثة الأئمة هم الذين يعرفون باشتراط العدالة وقد رووا عن المجاريح فلا يوثق بإرسال من يشترط العدالة.
واعلم أنه قد عيب على الشافعي ذلك وأجيب عنه بأنه قد يعتري الحافظ الشك في التعيين أي تعيين اسم من روى عنه مع عدم شكه في عدالته فيتورع عن التعيين احتياطا وقال ابن الصباغ في العدة إن الشافعي إنما يطلق ذلك في ذكره لأصحابه أن الحجة عنده في هذا الحكم لا في مقام الاحتجاج به على غيره وكذا قال القاضي أبو الطيب قال وقد قيل إنه كان قد أعلم أصحابه بذلك قال ابن حبان إنه إذا قال

الشافعي أخبرني الثقة عن ابن أبي ذئب فهو ابن أبي فديك أو عن الليث فهو يحيى بن حسان أو عن الوليد بن كثير فهو عمرو بن أبي سلمة أو عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد الزنجي أو عن صالح مولى التوأمة فهو إبراهيم بن أبي يحيى ذكر هذا البرماوي في شرح ألفيته في أصول الفقه ثم نقل أقوالا غير هذه فيما يريده الشافعي بالثقة قلت: وكلها تخمين وتظنن.
"و" روى "أبو حنيفة عن غير واحد من الضعفاء والمجاهيل" أي عن جماعة كثيرة.
"و" روى "الإمامان الهادي" يحيى بن الحسين بن القاسم "والقاسم" بن إبراهيم المعروف بالرسي "عن حسين بن عبد الله" أي "ابن ضميره" عن أبيه عن جده كذا في نسخ التنقيح وفي الميزان الحسين بن عبد الله بن أبي ضميره سعيد الحميري المدني روى عن أبيه وعنه يزيد بن الخيار وغيره كذبه مالك وقال أبو حاتم متروك الحديث كذاب وقال أحمد لا يساوي شيئا وقال ابن معي ليس بثقة ولا مأمون وقال البخاري منكر الحديث ضعيف وقال أبو زرعة ليس بشيء قاله في الميزان.
"و" روى الإمامان أيضا عن "أبي هرون عمارة خوين" الخاء المعجمه آخر نون بزنه التصغير "العبدي" قال في الميزان تابعي لين بمره كذبه حماده بن زيد وقال شعبه لان أقدم فتضرب عنق أحب ألي من أن أحدث عن أبى هرون وقال أحمد ليس بشيء وقال ابن معين ضعيف لا يصدق في حديثه قال النسائي متروك الحديث "وقد تكلم عليهما" على الحسن بن أبي ضميرة وعلى أبي هرون كما عرفت "والرواية عنهما في الأحكام" للإمام الهادي "وهي عن أبي ضميره" كثيرة "بل لا يسندان" الفتح وحفيده الهادي "عن غيره غالبا وكذا روى الهادي في المنتخب عن كادح" بالمهملتين "ابن جعفر" في المميزان رجلان كل واحد منهما اسمه كادح بن جعفر الأول يروي عن ابن لهيعه قال أبو حاتم صدوق وقال الأزدى ضعيف وقال أحمد بن حنبل رجل صالح خير فاضل والآخر كادح بن جعفر أبو أحمد عن سفيان الثوري قال الأزدي وغيره كذاب انتهى ولا أدري أيهما أراد المصنف ولعله الآخر.
"و" كذا روى الهادي أيضا "عن حسين بن عبد الله بن عباس" قال في الميزان إنه روى عن ربيعة بن عباد وكريب وعكرمة وعنه ابن جريج وابن المبارك وسليمان بن بلال وجماعة قال ابن معين ضعيف وقال أحمد له أشياء منكرة وقال البخاري:

قال علي تركت حديثه وقال أبو زرعة وغيره ليس بقوي وقال النسائي متروك وقال ابن معين مرة ليس بأس يكتب حديثه وقال الجوزجاني لا يشتغل به.
"و" روى الهادي أيضا "عن عمرو بن شعيب" عن أبيه عن جده وهو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص كان عمرو أحد علماء زمانه أخذ عن أبيه وطاووس وسليمان بن يسار وآخرين وروى عنه أمم ووثقه ابن معين وصالح حزرة وابن راهوية وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر وقال أبو عبيد الآجري قيل لأبي داود عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة قال لا ولا نصف حجة وقال أحمد بن حنبل له أشياء مناكير وإنما يكتب حديثه ليعتبر به وأما أن يكون حجة فلا وقال أبو زرعة وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده وقال إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها وقد أطال الذهبي في الميزان في شأنه وذكر كلام الناس فيه ثم قال إنه ثبت سماع عمرو بن شعيب من جده وهو الذي وباه وروايته عن أبيه عن جده ليست مرسلة ولا منقطعة أما كونها وجادة أو بعضها سماعا وبعضها وجادة فهذا محل نظر ولسنا نقول إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح بل هو من قبيل الحسن انتهى كلامه وعرفت معنى قوله "وفي كل منهم كلام" وسمعته.
"وروى السيد أبو طالب عن محمد بن الأشعث المتأخر" لم أجده في الميزان فينظر و روى أيضا أبو طالب "عن داود بن سليمان الغازي" في الميزان داود بن سليمان الجرجاني الغازي عن علي بن موسى الرضي وغيره كذبه يحيى بن معين ولم يعفه أبو حاتم وبكل حال فهو شيخ كذاب.
"وروى السيد المؤيد بالله عن نعيم" هو ابن سالم بن قنبر كذبوه ومن طريقه روى المؤيد بالله صلاة الفرقان.
"ورويا" أبو طالب والمؤيد "وأحمد بن عيسى وغير واحد من أئمتنا عن حسين بن علوان الكلبي" قال الذهبي روى عن الأعمش وهشام بن عروة وقال يحيى بن معين كذاب وقال أبو حاتم والنسائي والدار قطني متروك الحديث وقال ابن حبان يضع الحديث على هشام وغيره ولا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب وساق أحاديث عن منا كيره.
"و" روى أئمتنا أيضا "عن أبي خالد الو اسطي" قال الذهبي يقال اسمه عمرو

حدث عن زيد بن علي كذبه أبو حاتم وقال وكيع كان في جوارنا يضع الحديث فلما فطن له تحول إلى واسط وروى عياش عن يحيى قال كذاب ومثله عن أحمد بن حنبل ومثله عن الدار قطني.
"وروى السيد أبو عبد الله" الحسني "عن" الشيخ "الأشبح بن أبي الدنيا" في الميزان أبو الدنيا الأشبح المعري كذاب طرفي كان بعد الثلاثمائة ادعى السماع من علي بن أبي طالب اسمه عمران ابن خطاب. انتهى.
"وكل هؤلاء" الخمسة "متكلم عليه" بما عرفناك "منسوب إلى تعمد الكذب مجمع على ذلك في أكثرهم بين أئمة الحديث" وقد سمعته "من الشيعة والسنية" فلا يتوهم أن القدح فيهم خاص بالسنية "بل لم تسلم رواة البخاري ومسلم مع شدة العناية" من الشيخين "في تنقيتهم" وقد عرفت ما قيل في رجال الشيخين مما قدمناه في أوائل الشرح.
وإذا عرفت ما ساقه المصنف إلى هنا علمت اختلال القول بأن رواية العدل تعديل وتبين لك أنها قاعدة غير صحيحة ولا ينبغي الاعتماد عليها والتعويل وإن قال ابن الحاجب في مختصر المنتهى إن المختار إذا كان لا يروي إلا عن عدل فإن هذا الشرط لا يتم الوفاء به لأحد من أئمة الحديث وغيرهم.
* * *

مسألة: 31 [في بيان المنقطع والمعضل]
"المنقطع والمعضل" جمعهما المصنف لتقاربهما وإلا فهما نوعان مستقلان جعلهما ابن الصلاح كل نوع على حدة والمعضل بالضاد المعجمة مفتوحة اسم مفعول مأخوذ من أعضله بمعنى أعياه "اختلفوا في صورتيهما" على أقوال في المنقطع.
الأول: "قال زين الدين: وابن الصلاح" لو قدمه لكان أولى "فالمشهور أن المنقطع ماسقط من رواته راو واحد غير الصحابي انتهى" إذ لو كان الساقط الصحابي لكان مرسلا واعلم أنهم يعلون الحديث بالانقطاع وتارة يضعفون به الإسناد ذكره زين الدين ولم يذكره ابن الصلاح نعم في: كلامه ما يفيد في الجملة.
والثاني : قوله: "وحكى الحاكم وغيره من أهل الحديث أنه" أي المنقطع "ما سقط منه قبل الوصول إلى التابعي شخص واحد وإن كان" الساقط "أكثر من واحد" اثنان فصاعدا وهي عبارة الزين "في موضع واحد سمي معضلا وإلا يكن" أكثر من واحد "فمنقطع في موضعين" هذا ظاهر العبارة وليس هذا المفاد هو المراد بل المراد وإلا يكن الساقط هو المتصف بأنه أكثر من واحد في موضع واحد بل كان في موضعين مختلفين مفترقين فهو منقطع في موضعين كما تدل له عبارة الزين فإنه قال: أما إذا سقط واحد من بين رجلين ثم سقط من موضع آخر من الإسناد واحد آخر فهو منقطع في موضعين ثم قال: ولم أجد في كلامهم إطلاق المعضل عليه وإذا كان الانقطاع بأكثر من اثنين قيل منقطع بثلاثة أو أربعة أو نحوهما.
"ويسمى المعضل أيضا منقطعا فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا" إذ قد شرط فيه سقوط راو غير صحابي والمعضل شرط فيه سقوط أكثر من واحد في موضع واحد فقد صدق على ما سقط فيه أكثر من واحد أنه سقط فيه الواحد, فكل ما سقط أكثر من واحد فهو منقطع ومعضل وأما ما لم يسقط فيه غير واحد فهو منقطع

لا غير فعلى هذا كان ينبغي أن يرسم المنقطع بأنه: ما سقط من رواته راو أو أكثر سواء كان على جهة التوالي أو لا.
"قال الزين" بعد كلام الحاكم "فقول الحاكم قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد فإنه لو سقط التابعي لكان منقطعا" اعلم أن الحاكم ذكر في النوع التاسع من أنواع علوم الحديث أن المنقطع ثلاثة أنواع ثم قال: مثال نوع منها ثم ساق حديثا فيه عن أبي العلاء وهو ابن الشخير عن رجلين من بني حنظلة عن شداد بن أوس قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث1 ثم قال هذا الإسناد مثل نوع من المنقطع للجهالة بالرجلين بين أبي العلاء بن الشخير وشداد بن أوس ثم قال وشواهده في الحديث كثيرة.
ثم قال وقد يروي الحديث وفي إسناده رجل غير مسمى وليس بمنقطع ثم ساق حديثا فيه حدثنا شيخ عن أبي هريرة وذكر حديث: "يأتي على الناس زمان بخير الرجل...", الحديث قد قدمناه2 ثم قال وقد يسمى ذلك الرجل في رواية فإذا هو أبو عمرو والجدلي قال فهذا النوع من المنقطع الذي لا يقف عليه إلا الحافظ المتبحر الفهم.
والنوع الثالث: من المستفيض المنقطع الذي يكون في الإسناد رواية راو لم يسمع من الذي يروى عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي ثم ذكر مثاله فهذا كلام الحاكم في جعل الأنواع الثلاثة من المنقطع وابن الصلاح نقل كلام الحاكم وجعل نوعين من المنقطع وهما ما سقط منه راو وهو ثالث أنواع الحاكم و الثاني: الإسناد الذي يذكر بعض رواته بلفظ منهم نحو رجل أو شيخ أو نحوهما وذكر مثاله وأدرج الأول في الثاني3.
إذا عرفت هذا فالمصنف لم يذكر إلا نوعا واحدا مما ذكره الحاكم وابن الصلاح ذكر نوعين وأدخل الأول في الثاني: وقد تقدم للمصنف أن الإسناد الذي فيه عن رجل أو شيخ من المنقطع عند الحاكم ومن المتصل الذي في إسناده مجهول عند غيره واختاره فلهذا حذفه هنا وبني على دخول الأول في الثاني: فأسقطهما وإنما ذكرت هذا لئلا
ـــــــــــــــــــ
1 معرفة علوم الحديث ص 27.
2 سبق تخريجه.
3 معرفة علوم الحديث ص 76, 81.

يهم الناظر أن المصنف فاته ما ذكره ابن الصلاح وأن ابن الصلاح فاته ما ذكره الحاكم وقد نقلا عنه بعض كلامه.
الثالث : من صور المنقطع ما أفاده قوله "وقال ابن عبد البر1 المنقطع ما لم يتصل إسناده والمرسل مخصوص بالتابعي" أي أنه ما قال التابعي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سلف "فالمنقطع أعم" لأنه يصدق على المرسل أنه لم يتصل إسناده "والمرسل بعض صور المنقطع" لما عرفت.
الرابع قوله "قال ابن الصلاح2: عن بعضهم إن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان" .
هذا لفظ ابن الصلاح وتثنية خبر كلاهما جائز والأولى إفراده كما في قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف: 33] وقول الشاعر:
كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا "لكل مالم يتصل إسناده قال وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وهو الذي حكاه الخطيب في كفايته3" فهذه أربعة رسوم للمنقطع.
قال الحافظ ابن الحجر وفات المصنف يعني ابن الصلاح من حكاية الخلاف في المنقطع ما قاله الإمام أبو الحسن الكيا الهراسي في تعليقه فإنه ذكر فيه أن اصطلاح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ذكر إسناد أصلا والمرسل ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل قال ابن الصلاح: هذا لا يعرف عن أحد من المحدثين ولا عن غيرهم وإنما هو كبسه انتهى.
قلت: وكأه لما كان من كيسه ترك ذكره هنا.
"قال ابن الصلاح4: ومن المعضل قسم ثان وهو أن يروى تابع التابعي عن التابعي حديثا مرقوفا على التابعي وهو معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم: بسند متصل" .
ـــــــــــــــــــ
1 التمهيد 1/21.
2 علوم الحديث ص80.
3 ص21.
4 علوم الحديث ص 83.

اعلم أن هذا ليس لفظ ابن الصلاح وإنما هو لفظ زين الدين فإنه قال في ألفيته1:
والمعضل الساقط منه اثنان فصاعدا ومنه قسم ثاني ثم قال في شرحه ومن المعضل قسم ثاني إلى آخره وأما ابن الصلاح فإنه نقله عن الحاكم ولفظه وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثا موقوفا عليه وهو حديث مسند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل ثم ذكر مثاله ثم قال قلت: هذا جيد حسن انتهى.
فكان يحسن من المصنف أن يقول قال زين الدين: ومن المعضل قسم ثان لأنه عبارته ثم يحسن تطبيق قوله ابن الصلاح هذا جيد حسن عليه تطبيقا حسنا وأما تطبيقه على قوله قال ابن الصلاح: ومن المعضل ثم يقول "قال ابن الصلاح: وهذا جيد حسن" فإن تطبيقه عليه غير جيد وما كان يحسن من الزين والمصنف عدم التنبيه بأن ذلك من كلام الحاكم وإنما استحسنه ابن الصلاح واستجاده "لأن هذا الانقطاع بواحد" هو الذي بين تابع التابعي والتابعي "مضموما إلى القف على التابعي يشتمل على" تفسير "الانقطاع باثنين" هما "الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى" لأنه قد سقط فيه اثنان على الولاء ثم ورد مسندا متصلا ولا أدري ما وجه الأولوية2 فإن هذا قد ذهب إعضاله بإتيانه من طريق مسندا متصلا والقسم الأول لم يأت إلا معضلا فهو أولى بالإعضال من هذا الذي زال إعضاله في رواته.
"قال" ابن الصلاح: "والمحدثون يقولون معضل بفتح الضاد وهو من حيث الاشتقاق مشكل وقد بحثت عنه فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد" قلت: تعقبه السخاوي بأن أعضل بمعنى مستغلق لازم وإنما المتعدي أعضل بمعنى أعيا فإشكال المأخذ باق غير مندفع قال فالأولى أنه من أعضله بمعنى أعياه ففي القاموس عضل عليه ضيق وبه الأمر اشتد كأعضل وأعضله وتعضلا لداء الأطباء وأعضلهم فكأن
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 1/75/134.
2 وجه الأولوية أن الذي سقط منه اثنان غير الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم يقال له معضل فالذي سقط منه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصل لأنه منشأ الأحكام والصحابي الملتقى عنه تلك الأحكام قد أدرك من الإعياء مالم يدركه الآخر فكان باستحقاق اسم الإعضال أولى. أنظر حاشية الأجهوري ص 59.

المحدث أعضله وأعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه "ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى" كأنه يريد أنه لم يأت إلا بفتح الضاد فلا التفات إلى غيره قال الشيخ زكرياء واعلم أن معضل يقال للمشكل أيضا هو بكسر الضاد أو بفتحها على أنه مشترك انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر إنه اعترض على ابن الصلاح مغلطاي بناء على ما فهمه من كلامه أن مراده نفي جواز استعمال معضل بكسر الضاد فقال كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس غريبا وليس كذلك لأن صاحب المغرب حكاه في الأفعال عضل الشيء عضلا أعوج يعني فهو معضل.
قلت: لم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا وإنما أراد أنه لم يوجد منه معضل بفتح الضاد لأن معضل بكسر الضاد من رباعي قاصر والكلام إنما هو في رباعي متعد وعضل يدل عليه لأن فعيلا بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي وقد فسر أعضل بمستغلق بفتح اللام فتبين أنه رباعي متعد وذلك يقتضي صحة قولنا معضل بفتح الضاد وهو المقصود هكذا قرره شيخنا شيخ الإسلام انتهى.
فائدة قال الحافظ ابن حجر قد وجدت التعبير بالمعضل في كلام جماعة من الأئمة فيما لم يسقط منه شيء البته فمن ذلك ما قاله محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات صالح الهرابى حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن إبن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيمر بالمربض في البيت فيسلم عليه ولا يقف قال الذهلي هذا حديث معضل لا وجه له إنما هو فعل عائشة رضي الله عنها ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ذكر والوهم فيما ترى من ابن لهيعة ثم ساق أمثلة من كلام الأئمة في ذلك ثم قال فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين أو يكون المعضل الذي عرف به المصنف يريد إبن الصلاح وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد وهذا الذي نقلناه من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد يعنون به المستغلق الشديد وبالجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا.
واعلم أنه الحافظ ابن حجر أن إبن الصلاح لم يذكر حكم المنقطع كما ذكر حكم المرسل قلت: وكذلك المصنف قال وقد قال إبن السمعاني من منع من قبول المراسيل فهو أشد منعا لقبول النقطعات ومن قبل المراسيل اختلفوا.

قلت: وعلى هذا مذهب من يفرق بين المرسل والمنقطع أما يسمى الجميع مرسلا على ما سبق تحريره فلأنه نقل عن الجوز جاني أنه قال في مقدمة كتابه في المطبوعات المعضل أسوأ حالا من المنقطع والمنقطع أسوأ حالا من المرسل والمرسل لا تقوم به حجة قلت: إنما يكون المعضل أسوأ حالا من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد فأما إذا كان في موضعين أو أكثر فإنه يساوي المعضل في سوء الحال انتهى.
* * *

مسألة: 32 [في بيان العنعنة وحكمها]
"العنعنة هي مصدر عنعن الحديث" أي مصدر جعلى مأخوذ من لفظ عن فلان كأخذهم حولق وحوقل من قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وسبحل من قول سبحان الله.
"إذا رواه بلفظة عن من غير بيان" من الراوي "للتحديث والسماع1" إذ لو صرح بهما كان العمدة ما صرح به.
"واختلفوا في حكمها" أي العنعنة على قولين:
الأول : الاتصال كما قال "فالذي عليه العمل وهو الصحيح الذي ذهب إليه الجماهير من أئمة العلم أنه" أي الحديث المروى بعن "من قبيل الإسناد المتصل بشرط سلامة الراوي من التدليس وشرط ثبوت ملاقاة الراوي لمن روى عنه بالعنعنة" زاد ابن عبد البر شرطا ثالثا لقبوله كما يأتي.
"قال ابن الصلاح2: وكاد ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك قال الزين" في شرح ألفيته3 "لا حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه" قلت: لفظه أي ابن عبد البر في مقدمة التمهيد4 اعلم وفقك الله تعالى أنى تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهي عدالة المخبرين ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء التدليس.
ـــــــــــــــــــ
1 أنظر فتح المغيث للسخاوي 1/189.
2 علوم الحديث ص 83.
3 1/78.
4 1/12-14.

ثم قال وهو قول مالك وعامة أهل العلم انتهى ذكره البرماوي في شرح ألفيته في الأصول فعرفت منه أنه إنما ذكر الإجماع على قبوله قال الحافظ ابن حجر ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل قال ولذلك قال ابن الصلاح: كاد انتهى قلت: إذا كان لا يلزم من القبول الاتصال فلا وجه لكاد بل لا وجه للتأيد بكلام ابن عبد البر على الاتصال على أن في النفس شيئا من قول الحافظ لا تلازم فإن غير المتصل لا يقبل لجواز الانقطاع ونحوه فليتأمل ثم بعد كتب هذا رأيت في حاشية البقاعي فقال إنه يلزم من ذلك أي من قبوله أن يكون متصلا كما ذكرناه ولله الحمد.
"وادعى أبو عمر الداني" القارئ المشهور الحافظ وهو بالدال المهملة نسبة إلى دانية مدنية من مدن الأندلس "إجماع أهل النقل على ذلك لكنه اشترط أن يكون معروفا بالرواية عنه" نقل هذا عن الداني ابن الصلاح قال الحافظ ابن حجر إنما أخذه الداني من كلام الحاكم ولا شك أن نقله عنه أولى لأنه من أئمة الحديث وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه فالعجب كيف نزل عن النقل إلى الداني. انتهى.
قلت: ولو نقل كلام الحاكم لكان صريحا فيما ادعاه من الإجماع على الاتصال قلت: عبارة الحاكم بلفظها العنعنة التي ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل وكذا قال الخطيب إلا أن عبارته بلفظ أهل العلم مجمعون على أن قول المحدث غير المدلس عن فلان صحيح معمول به إذا كان لقيه وسمع منه انتهى وكلامه مثل كلام ابن عبد البر لا مثل كلام الحاكم وقال الزين بعد نقل كلام الداني "لكن قد يظهر عدم اتصاله بوجه آخر كما في الإرسال الخفي كما سيأتي" فهذا استدراك لكونه قد لا يطرد اتصال الحديث المعنعن وإن جمع الشروط إلا أنه نادر والحمل على الاتصال هو الأصل.
"وما ذكرناه من اشتراط ثبوت اللقاء" يبين الراوي ومن عنعن عنه "هو مذهب علي بن المديني والبخاري وغيرهما من أئمة أهل العلم وأنكر مسلم في خطبة صحيحه اشتراط ذلك وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن الشايع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك كونهما في عصر واحد" .
قلت: ولننقل لفظ مسلم في ذلك قال في مقدمة صحيحه وقد ادعى بعض

منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأحاديث وتسقيمها بقول لو اضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لا ماتته ولا إخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه إلى أن قال وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام عن الحكاية عن قوله والأخبار عن سوء رويته أن كل إسناد بحديث فيه عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به غير أنا لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث أن الحجة عنده لا تقوم بحديث جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم أنهما اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا أو تشافها بالحديث بينهما أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما أو تلاقيهما مرة في دهرهما فما فوقها ثم قال وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم والأخبار والروايات قديما وحديثا أن كل رجل ثقة راو عن مثله وجائز ممكن لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وإن لم يأت خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية به ثابتة والحجة بها لازمة إلا أن تكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه ولم يسمع منه شيئا وأما والأمر مبهم على ما فسرنا فالرواية على السماع أبدا انتهى وقد طال في التهجين على من شرط اللقاء.
قال النووي في شرحه وقد أنكر المحققون ما ذهب إليه مسلم وقالوا إنه ضعيف والذي رده هو الصحيح المختار الذي عليه أئمة هذا الفن علي بن المديني والبخاري وغيرهما.
قلت: ومن هنا تعرف أن الخلاف بين البخاري ومسلم في شرطية اللقاء وعدمه إنما هو في الحديث المعنعن فاكتفي مسلم بإمكان اللقاء وإنه لا يقول الثقة عن فلان إلا وقد لاقاه وإن لم نعلم ملاقاته إياه والبخاري يقول إنه لا بد من تحقق اللقاء ولو مرة وقد أورد عليه مسلم إيرادات وأطال الكلام ثم لا يعزب عنك أنه قد سبق ترجيح البخاري على مسلم بأنه يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بإمكانه ومشترط التحقيق أولى من مشترط الإمكان ولا يخفى أن هذا شرط في مسألة من مسائل طرق الرواية هي رواية العنعنة والرواية في الصحيحين بها قليلة فلا يتم ترجيح جميع ما في

الكتاب ببعض مسائل رواياته وغاية هذا أن تكون رواية البخاري بالعنعنة أصح من رواية مسلم بها فتذكر ما سلف فأنا لم نورد هذا هنالك.
"قال ابن الصلاح: وفيما قال مسلم نظر" هو ما سمعته من كلام النووي.
واعلم أنهم هنا لم يستدلوا لما ذهب إليه البخاري وغيره من شرطية اللقاء ولا لما ذهب إليه مسلم من عدمه وما كان يحسن إهمال الدليل مع نقل الأقاويل وإلا كان تقليدا محضا وقد استدل ابن حجر لكلام البخاري فقال والحامل للبخاري على اشتراط ذلك تجويز أهل ذلك العصر للإرسال فلو لم يكن مدلسا وحدث عن بعض عاصره لم يدل ذلك على أنه سمع منه لأنه وإن كان غير مدلس فقد يحتمل أن يكون أرسل عنه لشيوع الإرسال بينهم فاشترط أن يثبت أنه لقيه وسمع منه ليحمل ما يرويه منه على السماع لأنه لو لم يحمل على السماع لكان مدلسا والفرض السلامة من التدليس فتبين رجحان مذهبه.
وقال الحافظ أيضا وإذا ثبت اللقاء ولو مرة حملت عنعنة غير المدلس على السماع مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك قال وأما احتجاج مسلم على فساد ذلك بأن لنا أحاديث اتفق الأئمة على صحتها ومع ذلك ما رويت إلا معنعنة ولم يأت في خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه فلا يلزم من ذلك عنده نفيه في نفس الأمر. انتهى.
قلت: هذا الاستدلال ذكره مسلم في مقدمة صحيحه وكذلك ألزم البخاري أنه إذا ثبت اللقاء ولو مرة وروى أحاديث يعلم أنه لا يتسع لها زمن اللقاء أن يحملها على السماع فالتزم الحافظ ابن حجر ذلك.
قلت: وفي كلامه أبحاث .
الأول : أن الدلالة العقلية دلت على أنه لا يتسع زمن اللقاء لما رواه عنه ويقول يحمل على السماع فإنه لا يخفى أن افتقار الفعل والقول إلى زمن يتسع لوقوعهما فيه أمر ضروري مخالفته دالة على كذب مدعيه.
البحث الثاني : أن قول الحافظ فلا يلزم من ذلك عنده أي عند البخاري نفيه في نفس الأمر غير دافع لما قاله مسلم لأن ما في نفس الأمر لا تكليف به وإلا فكل ظاهر يجوز خلافه في نفس الأمر والخطاب متعلق بالظاهر في التكاليف لا بما في نفس الأمر ألا ترى أن من عدل ثقة يجوز أنه غير عدل في نفس الأمر بل يجوز أنه

غير مسلم مع أنا مكلفون بقبول تعديل الثقة وكذلك ما صححه الثقة يجوز أنه موضوع في نفس الأمر وبالجملة ما في نفس الأمر لا تكليف به.
البحث الثالث: استدلال الحافظ ابن حجر للبخاري على شرطية اللقاء بتجويز أهل عصره للإرسال غير ناهض على الشرطية للقاء لأن هذا التجويز لا يرفع الأصل في إخبار الثقة وأنه محمول على اتصال السماع مع معاصرته لمن يروى عنه وإمكان اللقاء وإذ قد قبل البخاري عنعنة من ثبت له اللقاء ولو مرة مع احتمال أن بعض ما رواه لم يسمعه فقد حمله على السماع مع الاحتمال فليجزه مع احتمال الإرسال مع أنه احتمال بعيد واحتمال عجم السماع أقرب فيما يرويه السامع ويكثر في روايته مع حقارة زمن اللقاء.
وإذا عرفت هذا فمذهب مسلم لا يخلو عن القوة لمن أنصف وقد قال أبو محمد بن حزم في كتاب الأحكام اعمل أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول فهو على اللقاء والسماع سواء قال أخبرنا أو حدثنا أو عن فلان أو قال فلان فكل ذلك محمول على السماع منه انتهى.
قلت: ولا يخفى أن قد قدمنا عنه خلاف هذا في حديث المعازف فتذكره.
الثاني من الأقوال في العنعنة : ما أفاده قوله "قال الزين وذهب بعضهم إلى أن الإسناد المعنعن من قبيل المرسل والمنقطع" أي فلا يحتج به ونقل عن النووي أنه قال هذا المذهب مردود بإجماع السلف.
"قلت: وهذا هو اختيار أبي طالب في عنعنة الصحابي وكذلك قال الشيخ الحسن الرصاص قال المنصور بالله هو يحتمل الاتصال والإرسال وكلامهم" أي الثلاثة "كله إنما رسموه في حق الصحابي فإن قلت: وما الفرق بين الصحابي وغيره قلت: الفرق أنه لم يثبت عن الصحابي أن ذلك يفيد السماع" قلت: لا يخفى ركة هذا الجواب فإن الصحابي ليس له عرف في روايته بل تارة يقول سمعت وتارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البقاعي الفرق احتمال كون غير الصحابي ليس بثقة بخلاف الصحابة فكلهم عدول فهو مقبول بأي عبارة أتى لأنه دائر بين كونه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم: أو من صحابيي وكونه سمعه من بعض التابعين بعيد جدا فلا يؤثر فيه هذا الاحتمال بخلاف غير الصحابي كالتابعي فإنه يحتمل احتمالا قريبا قويا أن يكون سمع معنعنة أو

متونه من غير صحابي وأن يكون من سمعه من غير ثقة انتهى بمعناه فهذا هو الفرق وقد عبر البقاعي بالقبول بناء على أنه لازم للاتصال.
قلت: والأحسن التفصيل فمن علم ملازمته له صلى الله عليه وسلم فروايته محمولة على السماع بأي عبارة أديت وإن كان من غير الملازمين فيحتمل الأمرين فقد كان عمر وهو من خواص الصحابة يتناوب النزول إلى مقامة صلى الله عليه وسلم هو وجار له فينزل عمر يوما ويأتي جاره بما استفاده ذلك اليوم وينزل جاره يوما فيأتي عمر بما استفاده ذلك اليوم كما هو مصرح به في صحيح البخاري وغيره في قصة اعتزاله صلى الله عليه وسلم لنسائه وقد قال أبو هريرة إنه كان يشغل أصحابه الصفق في الأسواق والأعمال في مزارعهم أي يشغلهم عن ملازمته صلى الله عليه وسلم وكان أبو هريرة لا يشغله شيء عن ذلك فالاحتمال الذي قاله المنصور بالله بالنظر إلى الطرق الأخير مما ذكرناه أقرب قال البرماوي إنه جرى البيضاوي والهندي على تصحيح الاتصال فيما إذا كانت العنعنة بين الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم.
"وأما من ثبت عنه أنه" أي المعنعن "يفيد السماع" كلمة من بيانية الضمير عنه "من جماهير المحدثين فإنه يكون مفيدا لذلك في حقه مثلما أن المتأخرين لما استعملوا العنعنة في الأجازة وصار ذلك عرفا لهم لم نحكم فيها بالسماع في حقهم" إذا عرفت أنه قد صار عرفا لهم "فالحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية" كما برهن على هذا في الأصول الفقيه "ولا ينبغي أن يكون في هذا اختلاف" بعد ثبوت العرف فيه "وإنما الخلاف في حق من لم يثبت عنه نقل" أي عرف "في ذلك من الصحابة والتابعين والفقهاء والأصوليين والقليل من المحدثين" قال الحافظ ابن حجر على كلام ابن الصلاح ما لفظه حاصل كلام المصنف أن للفظ عن ثلاثة أحوال:
أحدها : أنها بمنزلة حدثنا أو خبرنا بالشرط السابق.
الثاني : أنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت من مدلس وهاتان الحالتان مختصة بالمتقدمين.
وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة فهي بمنزلة أخبرنا لكنه إخبار جملى كما سيأتي تقريره في الكلام على الإجازة وهذه هي
الحالة الثالثة .

إلا أن الفرق بينها وبين الحالة الأولى مبني على الفرق فيما بين السماع والأجازة لكون السماع أرجح وبقي حالة أخرى لهذه اللفظة وهي خفية جدا لم ينبه أحد عليها في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سباق قصة سواء أدركها الناقل أن لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف فيقدر مثال ذلك ما أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبيه قال حدثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو اسحق عن أبيه عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه لم يرد أبو اسحق بقوله عن أبي الأحوص أنه أخبره به وإنما فيه شيء محذوف تقديره عن قصة أبي الأحوص أو عن شأن أبي الأحوص وما أشبه ذلك لأنه لا يكون أبو الأحوص حدثه بعد قتله ثم ذكر أمثلة لذلك ثم قال وأمثلة هذا كثيرة ومن تتبعها وجد سبيلا إلى التعقب على أصحاب المسانيد ومصنفي الأطراف في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفنا من المراد بهذه العنعنة انتهى.
* * *

مسألة:33 [في بيان اختلاف العلماء في قول الراوي أن فلانا قال]
"ومما اختلف فيه إذا قال الراوي أن فلانا قال فقيل هو كالعنعنة" يأتي فيه ما أتى فيها "وهو قول مالك" فإنه سئل عن قول الراوي عن فلان أنه قال كذا أو أن فلانا قال كذا فقال هما سواء قال البرماوي إن كون محل النزاع مثل ما ذكره من التصريح بعد أن بلفظ قال فيه نظر فإن ذلك لا ينحط عن درجة قال المجردة عن أن إذا لم يرد فيه إلا ما يدل على التأكد قال والذي يظهر أن محل النزاع أن يقول مثلا فلان أن فلانا فعل كذا وأن لفلان كذا أو نحوه من غير أن يذكر لفظا يدل على أنه حدثه بذلك أو سمعه منه انتهى.
"وحكى ابن عبد البر في التمهيد عن الجمهور أنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة" هذا القيد في غير الأعمى "قال الزين يعني مع السلامة من التدليس" وحكة أيضا أن أن وعن سواء حكاه عن الجمهور أهل العلم "وحكى ابن عبد البر عن بعضهم أن حرف أن محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع من جهة أخرى" وهذا البعض هو أبو بكر البردنجي قال ابن عبد البر بعد نقله عنهه وعندي لا معنى لهذا وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله "وضعفه ابن عبد البر محتجا" على ضعفه "بالإجماع على أن مثل ذلك يفيد الاتصال في حق الصحابة" قلت: لفظ ابن عبد البر لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"قلت: الإجماع غير مسلم في حق الصحابة خاصة وقال أحمد بن حنبل ليس أن وعن سواء" وذلك أنه قيل له إن رجلا قال عروة عن عائشة وعن عروة أن عائشة هل هما سواء قال كيف يكونان سواء ليسا بسواء "قال الزين" معللا لكلام

أحمد ابن حنبل لأن قول التابعي عن عائشة يفيد الإسناد إليها وقوله أن عائشة قالت لا يفيد ذلك فلعله أي التابعي استفاد من غيرها أي غير عائشة أنها قالت ذلك أو فعلت إلا أنه اعتبر الزين إدراك الراوي للقصة حيث قال:
قلت: الصواب أن من أدرك ما رواه بالشرط الذي تقدما
نحكم له بالوصل كيفما روى يقال أو عن أو بأن فسوى وأطال في شرحه بذكر الأمثلة والمصنف اختصر المقال "قال ابن الصلاح: والزين أما في الأعصار الأخيرة" قد عرفت حدها مما قدمناه عن الحافظ ابن حجر "فقد صارت العنعنة مستعملة في الأجازة دون السماع فافهم ذلك ولكنه لا يخرج الحديث عن الاتصال بنوع من الوصل لأن حكم الإجازة الوصل لا القطع" .
قال ابن الصلاح: كثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن أنه رواه بالإجازة قال ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على ما لا يخفى انتهى قلت: ويأتي تحقيقه في بحث الأجازة.
* * *

مسألة:34 [في حكم تعارض الوصل والإرسال]
"تعارض الوصل والإرسال" لعارض "والرفع والوقف" وهما مسألتان في الحقيقة الأولى تعارض الوصل والإرسال إذا كان ذلك في رواية راويين "اختلف أهل العلم إذا وصل الحديث بعض الرواة وأرسله آخر" اختراز عما إذا كان لا مرسل والواصل واحدا فإنه يأتي حكمه "هل الحكم لمن وصل أو لمن أرسل أو للأكثر أو للأخفظ على أربعة أقوال" أما إذا كان الذي أرسل واسند واحد مرة كذا ومرة كذا فقال البرماوي الظاهر المقبول وبه جزم الإمام وأتباعه ويأتي في كلام المصنف وقد استدل للمانع في هذه الصورة بأن المتحقق الإرسال والوصل زيادة وحذفها قد شكك في ثبوتها وإن لم يشكك في العدالة لجواز الغلط والنسيان والغفلة ونحو ذلك مما ليس بربية في الراوي وهو موجب للريبة في المروى فذلك علة كالاضطراب في الإسناد بل أشر لأنه ناقض نفسه فيه انتهى.
"الأول" من الأربعة "أن الحكم لمن وصل" معناه أنا نحكم لتلك الطريق المرسلة المرسلة أنها موصولة نظرا إلى ما بان بتلك الطريق الأخرى "هذا هو المذهب المشهور في كتب الزيدية لا يكاد يعرف غيره عن أحد من أئمتهم وهو قول أكثر علماء الأصول" وذلك لأن الوصل زيادة عدل وهي مقبولة فكما قبلنا إرساله لعدالته فلنقبل وصله له.
"قال زين الدين: وهو الصحيح كما صحح الخطيب قال ابن الصلاح: وهو الصحيح في الفقه وأصوله" هكذا قاله ابن الصلاح قال البقاعي إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظرا لم يحكه وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه وذلك أنهم لا يحكمون فيها يحكم مطرد وإنما يديرون ذلك على القرائن انتهى.
ويأتي ما يفيد هذا في كلام الحافظ ابن حجر وعنه أخذه البقاعي فإنه شيخه إلا

أن عبارته دلت أن هذا لبعض حذاق المحدثين لا لكلهم كما أفاد أول كلامه قال الحافظ الذي صححه الخطيب شرطه أن يكون الراوي عدلا ضابطا وأما الفقهاء والأصوليون فيقبلون ذلك مطلقا وبين الأمرين فرق كثير.
قال وههنا شيء يتعين التنبيه عليه وهو أنهم شرطوا في الصحيح ألا يكون شاذا وفسروا الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفا فيه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا ثم قالوا تقبل الزيادة مطلقا فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عددا أو أضبط حفظا أو كتابا على من وصل أيقبلونه أم لا وهل يسمونه شاذا أم لا أو لا بد من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض والحق في هذا أن زيادة لا ثقة لا تقبل دائما ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين لم يصب وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف ولم يتعرض بقيتهم لنفيها لفظا ولا معنى وممن صرح بذلك الإمام فخر الدين وابن الأنباري شارح البرهان وغيرهما.
قال ابن السمعاني إذا كان راوي الناقصة لا يغفل وكانت الدواعي متوفرة على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الدواعي متوفرة على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الزيادة وكان المجلس واحدا فالحق أن لا تقبل رواية الزيادة هذا الذي ينبغي انتهى.
واعلم أن المصنف لم يستدل لهذا القول الأول بدليل بل ساق كلام الناس كما يسوق المقلد وكان عليه أن يستدل لهذا وفي مختصر ابن الحاجب وشرحه للعضد استدلال للفريقين بما محصله لنا أي دليل على القبول أنه أي راوي الزيادة عدل جازم بروايته في حكم ظني فوجب قبول قوله وعدم رواية غيره لا يصلح مانعا إذا الفرض جواز الغفلة قال من خالف الجمهور الظاهر نسبة الوهم إليه لوحدته وتعددهم فوجب رده وأجيب بأن سهو الإنسان فيما لم يسمع حتى جزم بأنه سمع بعيد جدا بخلاف سهوه عما يسمع فإن ذهول الإنسان عما يجري بحضوره لاشتغاله عنه كثير الوقوع هذا إذا اتحد المجلس أما إذا تعدد فتقبل باتفاق انتهى فشرط للقبول شرطين اتحاد المجلس وأن يكون المروى مما لا يغفل مثلهم عن نقل لا زيادة فإن جهل كونه واحدا أو متعددا فأولى بالقبول مما اتحد لاحتمال التعدد.
"وسئل البخاري عن حديث لا نكاح إلا بولي" أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي موسى وأخرجه ابن ماجه عن ابن عباس وأخرجه الطبراني في الكبير أيضا

عن أبي أمامة وأخرجه الحاكم عن أبي هريرة1 "وقد أرسله شعبة وسفيان" الثوري "وهما في الحفظ جبلان وأسنده إسرائيل بن يونس" أي ابن أبي اسحق السبيعي الكوفي أحد الأعلام قال أحمد بن حنبل ثقة وجعل يتعجب من حفظه قال الذهبي2 بعد الثناء عليه نعم شعبة أثبت منه إلا في ابن أبي اسحق. انتهى.
والحديث المذكور رواه شعبة وسفيان عن أبي اسحق السبيعي عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ورواه إسرائيل عن جده أبي اسحق عن أبي برد ة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم "في آخرين" فلا يقال الزيادة شذوذ في الحديث وتعيين بعض الآخرين يأتي قريبا "فقال البخاري الزيادة من الثقة مقبولة وحكم لمن وصله" فدل أنه يرى قبول الزيادة من الثقة مطلقا.
واعلم أنه لا يتم ما ذكرنا مثالا لما ذكر مما نحن فيه حتى يتحقق اتحاد المجلس أو يلتبس لما عرفت من أنه قال الحافظ ابن حجر رحمها لله إن الاستدلال الحكم للواصل دائما على العموم ليس من صنيع البخاري ولكنه في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة إنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول منها أن يونس بن أبي اسحق وابنه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي اسحق موصولا ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم ووافقهم على ذلك أبو عوانة وشريك النخعي وزهير بن أمية وتمام العشرة من أصحاب أبي اسحق مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان فإنما أخذاه عن أي اسحق في مجلس واحد فقد رواه الترمذي قال حدثنا محمود بن غيلان قال ثنا أبو داود الطيالسي في مسنده قال ثنا شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا اسحق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" 3 فقال أبو اسحق نعم فشعبة وسفيان إنما أخذاه معا في مجلس واحد عرضا كما ترى ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على مما أخذ عنه عرضا في محل واحد هذا إذا قلنا
ـــــــــــــــــــ
1 ابن أبي شيبة 4/130, وأحمد 4/394. وأبو داود 2085. والترمذي 1101, وابن ماجة 1880. وابن حبان 1243. والطبراني 8/351. والحاكم 2/169.
2 الميزان 1/209/820.
3 سبق تخريجه.

حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين مع أن الشافعي يقول العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد فتبين أن ترجيح البخاري وصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ليست مع المرسل بل بما ظهر من قرائن الترجيح ويزيد ذلك ظهورا تقديمه للإرسال في مواضع أخرى.
مثاله: ما رواه الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن ابن أبي بكر هو ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أم سلمة قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لها: "إن شئت سبعت لك" 1 ورواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لأم سلمة قال البخاري في تاريخه2 الصواب قول مالك مع إرساله فصوب الإرسال هنا لقرينة ظهرت له وصوب الوصل هناك لقرينة ظهرت له فتبين أنه ليس له عمل مطرد في ذلك.
"القول الثاني" من الأربعة "أن الحكم لمن أرسل حكاه الخطيب3 عن أكثر أصحاب الحديث" لم يذكر دليله أيضا وقد عرفت دليله من كلام ابن الحاجب والعضد وجوابه.
"القول الثالث" من الأربعة "أن الحكم للأكثر" فإن كان من أرسله أكثر ممن وصله فالحكم للإرسال والعكس ولم يذكر الدليل أيضا وكأنه يقول إن الظن يدور مع الكثرة.
"القول الرابع: أن الحكم للأحفظ" قيل وليسا بشيء لأن مرجع ذلك إلى الترجيح ولا يدفع الريبة لأن الشك في أحد المتقابلين شك في الآخر والشك لا يعمل به وفاقا.
"والذين قالوا إن الحكم للأكثر أو للأحفظ اختلفوا هل تكون مخالفة الأكثر والتحفظ قدحا في عدالته" أي عدالة راوي الزيادة "كما أنها قدح في روايته" عند من ردها "فيه قولان: أصحها: أنها لا تقدح في عدالته" لأن الفرض أنه ثقة فروايته مقبولة وإن لم يروها غيره فهذه الأولى من مسألتي التعارض.
و الثانية قوله "وإذا اختلفا" أي الراويان أو الخبران "في الوقف والرفع فهي مثل هذه
ـــــــــــــــــــ
1 مالك في: النكاح: حديث 14. ومسلم في: الرضاع: حديث 41, 42, وأحمد 6/292.
2 1/47.
3 الكفاية ص 411.

سواء" إذ الرفع زيادة ثقة وتقدم قبولها أو عدمه هذا إذا اختلف الرافع والواقف وأما إذا كان واحدا فقد أشار إليها بقوله "قالوا: ومثل ذلك" أي مثال تعدد الواقف والرافع "أيضا أن يكون الرافع والواقف أو المسند والمرسل واحدا فإن الحكم للرفع" على الوقف "والوصل" على الإرسال "على الأصح" لما عرفت من أنها زيادة ثقة "فيما قاله زين الدين" وقال هكذا صححه ابن الصلاح "وقيل: للأكثر من أحواله" هذا القول نسبة الزين إلى الأصوليين "فإن كان أكثر أحوال الراوي الرفع والوقف منه نادر فالحكم لرفع وكذلك العكس" هو أن يكون الوقف أكثر أحوال الراوي والرفع منه نادر فيكون الحكم للوقف.
قال المصنف: "قلت: وعندي أن الحكم في هذا لا يستمر بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال وهو موضع اجتهاده" .
قلت: وقد سبق ابن دقيق العيد إلى هذا وجعله للمحدثين فانه قال من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مسند ومرسل أو رافع وواقف أو ناقص زائد أن الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليس قانونا مطردا ومراجعة أحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول وبهذا جزم الحافظ العلائي فقال كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان و أحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنه لا يحكم في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر على الترجيح بالنسبة إلى ما يقوي عند أحدهم في حديث حديث قال الحافظ ابن حجر وهذا العمل الذي حكاه عنهم إنما هو فيما يظهر لهم فيه الترجيح وأما ما لا يظهر فيه الترجيح فالظاهر أنه المفروض في أصل المسألة.
"فإن غلب على الظن وهم الثقة في الرفع والوصل" بقرائن تثمر الظن "بمخالفة الأكثرين من الحافظ الذين سمعوا الحديث معه من شيخه في موقف واحد" هذا رجوع إلى القول الثالث: أن الحكم للأكثر إلا أن قوله "ونحو ذلك من القرائن" دال على أن الملاحظة ليست للكثرة لا غير كالقول الثالث: بل الملاحظ القرائن والكثرة أحد القرائن فإن القرائن إذا حصلت في غير جانب الزيادة.
"فإن الرفع والوصل حينئذ مرجوحان والحكم بهما حكم بالرجوح وهو خلاف المعقول والمنقول أما المعقول فظاهر" فإن العقل يقضي بالعمل الراجح حيث كان "وأما المنقول فلأن جماعة من الصحابة وقفوا عن قبول خبر الواحد عند الريبة وشاع ذلك

ولم ينكر كما فعله عمر في حديث فاطمة بنت قيس في بأنه لا نفقة ولا سكنى للمطلقة المبتوتة" أخرجه أحمد1 عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم: نفقة ولا سكنى قال سلمة بن كهيل فذكرت ذلك لإبراهيم يعني النخعي فقال قال عمر لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة لها النفقة والسكنى وأخرجه مسلم2 وأبو عوانة وابن حبان زاد مسلم في رواية في طريق أخرى لا ندري أحفظت أم نسيت وحققنا أن حديث فاطمة لا يرد بما قاله عمر بل هو معمول به كما أوضحناه في سبل السلام وحواشي ضوء النهار.
"و" كما فعله عمر "في حديث أبي موسى في الأمر بالاستئذان" أخرج مسلم3 أن أبا موسى استأذن على عمر بن الخطاب ثلاثا فلم يأذن له فرجع ففرغ عمر فقال ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له فقالوا رجع فدعاه فقال ما هذا قال كنا نؤمر بذلك فقال لتأتيني على هذا ببينة فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم فقالوا لا يشهد لك على ذلك إلا أصفرنا فانطلق أبو سعيد الخدري فشهد له فقال عمر لمن حوله خفى هذا على من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق في الأسواق وله ألفاظ أخر وطرق.
"و" كما فعله "أبو بكر في حديث المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه4 من طرق من حديث قبيصة بن ذؤيب وغيره أن الجده جاءت إلى أبي بكر الصديق فسألته ميراثها فقالها مالك في كتاب الله شيء ولا علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال هل معك على هذا أحد فقال محمد بن مسلمة مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر.
"بل كما فعله علي رضي الله عنه في استحلاف من اتهمه وتوقفه عن قبوله حتى
ـــــــــــــــــــ
1 أحمد 6/411, 412.
2 في: الطلاق: حديث 46.
3 في: الأدب: حديث 34: 37.
4 الترمذي في: الفرائض: ب 10, وابن ماجة في: الفرائض: ب 4.

يحلف" رواه الحافظ الذهبي في التذكرة وقال هو حديث حسن ورواه المنصور بالله وأبو طالب عن علي عليه السلام قال كنت إذا سمعت حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعي الله به ما شاء فإذا سمعته من يغره استحلفته فإذا حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له1 ذكره المصنف في العواصم إلا أنه قد روى عن البخاري أن هذا غير صحيح عن علي رضي الله عنه.
"بل كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أن أخبره ذو اليدين أنه قصر صلاته فإنه أنكر ذلك لأجل سكوت الجماعة واختصاص ذي اليدين بالخبر ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "أحق ما يقول ذو اليدين" أخرج أحمد والشيخان2 وغيرهم بألفاظ من طرق عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى عليه وآله وسلم إحدى صلاتي المشي فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم انطلق إلى خشية معروضة في مقدم المسجد فقال بيديه عليها هكذا كأنه عضبان وخرج سرعان3 الناس من باب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يسألاه وفي القوم رجل في يديه طول كان يسمى ذا اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت أم نسيت؟ فقال: "لم أنس ولم تقصر الصلاة", فقال: صليت ركعتين, فقال: "أكما يقول ذو اليدين", فقالوا: نعم, الحديث هذا إذا كان أحد الرواة أكثر.
"وأما إذا رواه ثقتان على سواء أو قريب من السواء فالحكم لمن زاد" لأن لأنها زيادة ثقة لم يعارضها أرجح منها "وكذلك إذا كان أحدهما مثبتا والآخر نافيا مع تساويهما أو تقاربهما فالحكم للمثبت" لأنه عمل بالروايتين "وبين ذلك مراتب في القوة والضعف لا يمكن حصرها بل ينظر الناظر في كل ما وقع فيه هذا التعارض ويعمل بحسب قوة ظنه" بتتبعه للمرجحات المعروفة في الأصول.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 ابن عدي 1/421. والإتحاف 8/603, والعقيلي 1/106. وابن السني 353.
2 البخاري 1/86, وأحمد 2/235.
3 سرعان الناس: بفتح السين والراء أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة النهاية 2/361.

مسألة:35 [في بيان التدليس]
"التدليس" قال الحافظ ابن حجر إنه مشتق من الدلس وهو الظلام قاله ابن السيد وكأنه أظلم أمره على الناظر لتغطيته وجه الصواب وقال البقاعي إنه مأخوذ من الدلس بالتحريك وهو اختلاط الظلام الذي هو سبب لتغطية الأشياء عن البصر ومنه التدليس في البيع يقال دلس فلان على فلان أي ستر عنه العيب الذيي في متاعه كأنه أظلم عليه الأمر.
"قال في الجوهرة قد تعورف عنه العييب معناه الأصلي وهو أن يروى" الراوي "عن شيخ شيخه موهما أنه سمعه منه" .
زاد النصف في العواصم من غير أن يكذب فيقول حديثي فلان "والذي عليه علماء الزيدية أن المدلس مقبول لأن التدليس ضرب من الإرسال وقد تقدم دليل قبول المراسل ولا كلام أنه ينطبق دليل قبول المراسيل" على قبول المدلس وقل من سلم من التدليس وقد روى أن ابن عباس رضي الله عنهما ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم: إلا أحاديث يسيرة قال بعضهم أربعة أحاديث وبقية أحاديثه سمعها عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وهو لا يكاد يذكر من بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره المصنف في العواصم "هكذا ذكره الإمام المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة وهو قول عامة الزيدية والمعتزلة فيما أعلم قلت: وهو" أي الحديث المدلس "أولى بالقبول من المرسل لأنه إذا كان في الإسناد من لا يقبل فالحديث مردود" لوجود من لا يقبل في روايته "وإن كان عن ثقات عنده" عند المدلس لا عند غيره "فقد أوهم المدلس أنه صحيح" لطيه ذكر شيخه مثلا "وقصد إبهام ذلك" إذ لولا القصد لما دلس.

"بخلاف المرسل فهو وإن أوهم الصحة فلم تظهر منه قرينة تدل على أنه قصد الإيهام لكنه يحتمل صحته عنده فإن كان يعرف شرطه في الصحة" أي شرط المدلس للصحة "قبل أيضا" أي حديث المدلس كما يقبل المرسل "على مقتضى قواعد المحدثين المتأخرين كما مر في المرسل وإن لم يعرف" شرطه في الصحة "كان" الحديث المدلس "كالمرسل وإن جاء بعن لأنه" قد "قصد إيهام الصحة" .
وحاصله أن المدلس أوهم الصحة وأتى بقرينة دالة على قصدها بخلاف المرسل فإنه أوهم الصحة ولم يقم قرينة تدل على قصدها فكان قبول المدلس أولى من قبيل المرسل وفي كلامه نظر.
"ولا يكفي في جرح المدلس" أي في جرحنا بالتدليس لمن عرف به "أنه دلس حديث" راو "ضعيف" بغير الكذب بإسقاطه "أو" راو "كذاب حتى يعرف أن الكذاب" الذي أسقطه من السند "متعمد" للكذب "لا مخطئ" بأن يكون واهما "و" حتى يعرف "أن المدلس قد عرف عتمده الكذب في الحديث و" حتى "يكون ما دلسه" من الحديث "في الحلال والحرام" قلت: أو المندوب أو المكروه إذ الكل أحكام شرعية وإنما اشتهر عن المحدثين أه يقبل الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب فكأنه لذلك قيده المصنف "و" حتى "لا يكون يرويه من غير تلك الطريق هذه أربعة شروط" ثلاثة وجودية وشرط عدمي "يعز وجود واحد منها ولا يغرنك قول المحدثين فلان كذاب فقد يطلقون ذلك على من يكذب مخطئا لا متعمدا لأن الحقيقة اللغوية" لمسمي الكذب تقتضي أنه كذاب إذ الكذب لغة الأخبار بخلاف الواقع ولا يشترط فيه العمدية نعم العمدية شرط في الإثم على أنه لا يخفى أن الأصل في إطلاق المحدثين للكذب فيمن يصفونه به هو الكذب حقيقة الصادر عن عمد يعرف ذلك من تصرفاتهم وإذا كان هو الأصل فلا بد من قرينة على أنهم أرادوا به الوهم كما أفاده قوله "ولهذا وصفوا بذلك خلفا من أهل الصدق إذا وهموا" فأن القرينة كونهم وصفوا بذلك من يعرف بالصدق.
"والصواب أنه لا يسمى من وهم كذابا لأن العرف في الكذاب أنه المتعمد كما قاله الجاحظ" فإنه يقول الكذب عدم المطابقة مع الاعتماد كما عرف في الأصول وعلم البيان من حقيقة مذهبه وقد رد أئمة الأصول والبيان ما ذهب إليه وأن التعمد أمر قلبي لا يطلع عليه فالأصل هو العمد.

"ولهذا" أي لأجل أن الكذب في عرف اللغة إنما هو للمتعمد "قالت عائشة في ابن عمر ما كذب ولكنه وهم وهو" أي اللفظ الذي قالته عائشة "ثابت في الصحيح وهي من أهل اللسان" فإنه أخرج مسلم بألفاظ كثيرة من طرق عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها قلت: ولا يخفى أن عائشة رضي الله عنها لم تطلق الكذب على الوهم ولا الكذاب على الواهم الذي بحث المصنف فيه فما في كلامها حجة له فإنها نفت الكذب عن ابن عمر رضي الله عنهما وأثبتت له الوهم مع أنه قال المصنف إن الحقيقة اللغوية إطلاق الكذب على المخطيء غير المتعمد وابن عمر هنا عند عائشة مخط ونفت عنه الكذب وهي كما قال من أهل اللسان أي اللغة قبل هذا العرف الذي خصصه بالمتعمد فتأمل.
"فلمثل هذا لم يجرح أئمتنا من دلس على الإطلاق ولم يستثنوا من دلس عمن تكلم فيه لأنه لا يكون مجروحا إلا بتلك الشروط" .
قلت: لا خفاء أن من قال فيه الأئمة إنه كذاب فالأصل في الإطلاق الحقيقة العرفية وقدم المصنف أنها الكذب عن عمد فأقل أحوال من قيل فيه ذلك الوقوف عن قبول روايته ورواية من دلس عنه وإلا كان قبولا مع الريبة وعملا مع الشك.
"وقد نهى" مبني للمعلوم سفيان "الثوري عن الرواية عن محمد بن السائب الكلبي" هو أبو نصر الكوفي المفسر الأخباري روى عن الشعبي وجماعة قال الذهبي في الميزان قال الكلبي حفظت ما لم يحفظه أحد حفظت القرآن في ستة أو سبعة أيام ونسيت ما لم ينسه أحد فبضت على لحيتي لأخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة وذكر له أحاديث وذكر من يرتضي روايته ثم ذكر عن ابن معين أن الكلبي ليس ثقة وعن الجوزجاني وغيره وقال الدار قطني متروك وقال ابن حبان مذهبه في الدين ووضوح الكذب أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه "فقيل له" لسفيان الثوري بعد نهيه عن الرواية عنه "فلم تروى عنه قال لأني أعرف صجقه من كذبه قلت" في بيان معرفته لصدقه من كذبه "مثل أن يتذكر بروايته أو بما في كتابه ما كان حافظا له أو يرى معه خط ثقة يعرفه مع قرائن ضرورية" .

"وقال زين الدين: التدليس على ثلاثة أقسام" قال عليه البقاعي إن أراد أصل التدليس فليس إلا ما ذكر ابن الصلاح من كونهما اثنين باعتبار إسقاط الراوي أو ذكره وتعمية وصفه وإن أراد الأنواع فهي أكثر من ثلاثة بما يأتي من تدليس القطع وتدليس الضعف قال زين الدين: مشيرا إليه "ذكر ابن الصلاح منها قسمين :
القسم الأول: تدليس الإسناد وهو أن يسقط" الراوي المدلس "شيخه ويروي عن شيخ شيخه" يعني بالنسبة إلى هذا الحديث المدلس بعينه وإلا فشرط هذا الذي سماه شيخ شيخه أن يكون شيخه نفسه حتى تحصل الإيهام فالأحسن في العبارة أن يقال تدليس الإسناد أن يسند عمن لقيه ما لم يسمع منه بلفظ موهم أفاده البقاعي قلت: وهو رسم قد اشتمل على الشرطين اللذين ذكرهما المصنف لو لا أنه أتى بالقاء عوضا عن المعاصرة وذلك يجري على رأي من يشترطه ولا يكتفي بها وقد أفاد كونه شيخا للمدلس قول المصنف إيهام أنه سمع فإنه إذا كان شيخا له وقع الإيهام وإلا فلا.
"وله" أي لتدليس الإسناد "شرطان أحدهما أن يأتي بلفظ محتمل غير كذب مثل عن فلان ونحوه وثانيهما أن يكون عاصره لأن شرط التدليس إيهام أنه سمع منه" ولا يتم إلا بالمعاصرة واللقاء عند شرطه "وإذا لم يعاصره زال التدليس" وصار كذابا أو مرسلا محضا "هذا هو الصحيح المشهور وروى ابن عبد البر" في التمهيد "عن بعضهم أنهلا يشترط ذلك" قال فجعل التدليس أن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع وإلا لكان كذبا.
"قال ابن عبد البر فعلى هذا ما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره ومثله" أي مثل التدليس في حكمه وذكره الشيخ وحذف الآلة أيضا من التدليس في الرواية "أن يسقط" أي الراوي "أداة الرواية" من حدثنا ونحوه "ويسمى الشيخ فقط فيقول فلان" فيكون فاعلا لفعل محذوف لا قرينة على تعيينه أو مبتدأ لا قرينة على تعيين خبره وهل هو قال أو حدث أو نحوه.
"وهذا يفعله أهل الحديث كثيرا قال علي بن خشرم" بمعجمتين بزنة جعفر ثقة "كنا عند ابن عيينة فقال الزهري فقيل له حدثكم الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عم معمر عن الزهري" فيقدر في مثل هذا قال الزهري "وقد مثل ابن الصلاح القسم الأول بهذا المثال" فدل على أنه أراد بقوله شيخه مثلا فيشمل

شيخ شيخه كما في المثال.
"ثم حكى" ابن الصلاح "الخلاف فيمن عرف بهذا هل يرد حديثه مطلقا أو ما لم يصرح فيه بالاتصال وفيه أقوال" ثلاثة:
"أحدها: أنه يرد مطلقا وإن صرح بالسماع لأنه مجروح حكاه ابن الصلاح عن فريق من أهل الحديث والفقهاء" وحكاه عبد الوهاب في الملخص فقال التدليس جرح ومن ثبت أنه يدلس لا يقبل حديثه مطلقا قال وهو الظاهر على أصول مالك.
"و" ثانيها: "قيل: إن صرح بالسماع قبل" كقوله سمعت وحدثنا وأنبأنا قيل "وهو الصحيح وإن لم يصرح به فعن النووي لا يقبل اتفاقا قال الزين" وقد حكاه البيهقي في المدخل عن الشافعي وسائر أهل العلم بالحديث وحكاية الاتفاق هنا غلط "وهو محمول على اتفاق من لا يقبل المرسل" انتهى.
فقول المصنف قال زين الدين: وهو محمول على اتفاق لا يقبل المرسل هو أحد الاحتمالين في كلام الزين ثم "قال الزين واعلم أن ابن عبد البر قد حكى عن أئمة الحديث" كأن المراد بهم غير الفريق الذين ردوه مطلقا "أنهم قالوا يقبل تدليس ابن عيينة لأنه إذا وقف أحال على ابن جريح ومعمر ونظرائهما وهذا ما رجحه ابن حبان وقال هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن" ولذا قيل أما الإمام ابن عيينة فقد اغتفروا تدليسه من غير رد "ولا يكاد يوجد لابن عيينة خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل بقية" بالموحدة والقاف وتحتية وهكذا في شرح الزين على الألفية وهو بقية بن الوليد ولست أدري ما مراد ابن حبان إن كان هذا لفظه هل هو مثال للثقة المدلس عنه كما هو ظاهر السياق بل لا يحتمل سواه فإن كان كذلك فبقية هو بن الوليد أبو محمد الحميري الحافظ أحد الأعلام قال ابن المبارك صدوق لكن يكتب عمن أقبل وأدبر وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة وقال بعضهم كان مدلسا فإذا قال عن فليس بحجة وقال ابن حبان سمع عن مالك وشعبة أحاديث مستقيمة ثم سمع عن أقوام كاذبين عن شعبة ومالك فروى عن الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء وقال أبو حاتم لا يحتج به قلت: هذا كلام أبي حاتم وأبن حبان فيه فكيف يتم هاهنا مثالا للثقة والحجة وقال أبو مسهر أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية وأطال الذهبي في ترجمته بمثل هذا فكيف يجعل مثالا للثقة والعجب من الزين نقل كلام ابن حبان

ولم يبين مراده وتبعه المصنف وظني والله أعلم أن في كلام ابن حبان سقطا وأن أصل عبارته وليسس مثل بقية أي ليس سفيان مثل بقية يدلس عن الكذابين والله أعلم.
"ثم مثل ذلك" أي شبه ابن حبان تدليس ابن عيينة "بمراسيل كبار الصحابة فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي" كما قد عرفت أن هذا هو الأغلب في مراسيلهم "ونص أبو بكر البزار والحافظ أبو الفتح الأزدي وأبو بكر الصيرفي من الشافعية على قبول من عرف بالتدليس عن الثقات قال زين الدين: بعد حكاية قول من رد المدلس مطلقا" دلس عن ثقة أو عن غير ثقة.
"والصحيح كما قال ابن الصلاح: التفصيل فإن صرح بالسماع قبل" يريد لو أنه قال مثلا في مجلس حدثني زيد وقد قال عمرو وفي مجلس آخر قال في ذلك بعينه عن عمرو فقد دلسه في هذا المجلس لكن تصريحه بسماعه عن شيخه وروايته عنه بالسماع دلت على أنه إنما رواه باختصار فدلسه ولا يضره تدليسه "وإن لم يصرح بالسماع فحكمه حكم المرسل قال الزين وإلى هذا ذهب الأكثرون وممن رواه عن جمهور أئمة الحديث والفقه والأصول شيخنا أبو سعيد العلائي في كتاب المراسيل وهو قول عن الشافعي وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم قال الخطيب جمهور من يحتج بالمرسل يقبل التدليس" لما تقدم من استدلال المصنف من أنه أولى بالقبول.
"قال الزين ومنهم من لا يقبل المدلس إذا روى بالعنعنة" لأن شرط المرسل أن يروي بصيغة الجزم والعنعنة ليست بصيغة جزم وإنما نحكم لها بالاتصال إذا صدرت عن غير المدلس.
"قلت: وهو قياس قول أئمتنا وعلمائنا لأنهم مثلوا المرسل بقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجد فيهم" أي في أئمة الزيدية وعلمائهم "من ذكر العنعنة من المرسل ويحتمل أن يقبلوا المدلس بعن وإن لم يقبلوا ذلك من المرسل لأن المدلس قد ظهر منه قصد إيهام الصحة" من جهتين كما قاله المصنف قريبا "بخلاف المرسل فإنه إن أوهم لم يظهر منه قصد الإيهام كما تقدم وظاهر إطلاقهم" أي الأئمة من علماء المذهب "في قبوله يعم العنعنة والله أعلم" .
"إذا عرفت هذا القسم الأول" وهو تدليس الإسناد "فاعلم أن في رواة الصحيحين

جماعة من المشاهير بالتدليس كالأعمش" وهو سليمان بن مهران الكوفي أحد الأعلام معدود في صغار التابعين ما نقموا منه إلا التدليس كما في الميزان فالأعمش عدل صادق ثبت صاحب سنة ولكنه يحسن الظن بمن حدثه ويروى عنه ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذيي يدلسه فإن هذا حرام قال الذهبي ربما دلس عن ضعيف فلا يدري فمتى قال حدثنا فلا كلام ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فروايته عنهم تحمل على الاتصال.
"وهشيم بن بشير" السلمي أبو معاوية الواسطي الحافظ أحد الأعلام سمع الزهري وعمرو بن دينار أيام الحج وكان مدلسا وهو لين في الزهري وقال الجوزجاني هشيم ما شئت من رجل غير أنه كان يروى عن قوم لم يلقهم عبد الرزاق عن ابن المبارك قلت: لهشيم لم تدلس وأنت كثير الحديث قال إن كثيرين قد دلسوا منهم الأعمش وسفيان.
"وقتادة" هو ابن دعامة الدوسي حافظ ثقة ثبت لكنه مدلس ورمى بالقدر قاله يحيى بن معين ومع هذا احتج به أرباب الصحاح ولا سيما إذا قال حدثنا.
"والثوري" هو سفيان بن سعيد الثوري في الميزان الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء لكن له نقدا وذوقا ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين.
"وابن عيينة" هو سفيان بن عيينة الهلالي في الميزان أحد الثقات الأعلام أجمعت الأمة على الاحتجاج به وكان يدلس لكن المعهود منه أن لا يدلس إلا عن ثقة.
"والحسن البصري" في الميزان ثقة لكنه يدلس عن أبي هريرة فإذا قال حدثنا فهو حجة بلا نزاع.
"وعبد الرزاق" بن همام الصنعني في الميزان أحد الأعلام الثقات وساق من كلام الناس فيه ولم يذكره بالتدليس إلا أنه ساق من رواياته ما يدل على تدليسه.
"والوليد بن مسلم" هو أبو العباس الدمشقي مولى بني أمية في الميزان أحد الأعلام وعالم أهل الشام ثم قال أبو مسهر الوليد مدلس وربما دلس عن الكذابين ثم قال قلت: إذا قال الوليد عن ابن جريج أو عن الأوزاعي فليس يعتمد

لأنه يدلس عن الكذابين وإذا قال حدثنا فهو حجة.
قلت: يقال عليه إن كان يعلم أن من دلس عنه كذاب أي من أسقطه وانتقل إلى شيخه الصدوق فهذا خيانة منه فلا يقبل إذا قال حدثني فضلا عن أن يكون حجة وإن كان لا يعلم أن من أسقطه كذاب وإنما علمه غيره فلا تحل بروايته تدليسه.
"وغيرهم ولكن قال النووي إن ما فيهما" أي في الصحيحين "وفي غيرهما من الكتب الصحيحة" التي التزم مصنفوها الصحة "من المدلسين بعن محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى" .
قلت: قال الإمام صدر الدين بن المرجل في كتاب الإنصاف في النفس من هذا الاستثناء غصة لأنها دعوى لا دليل عليها لا سيما أنا قد وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها وكذلك استشكل ذلك قبله المحقق ابن دقيق العيد فقال لا بد من الثبوت على طريقة واحدة إما القبول مطلقا في كل كتاب أو الرد مطلقا في كل كتاب وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه فغاية ما توجه به أحد أمرين إما أن يدعى أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها قال وهذا إحلة على جعاله وإثبات أمر مجرد الاحتمال وإما أن يدعى أن الإجماع على صحة ما في الصحيحين دليل على وقوع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على هذا الخطأ وهو ممتنع قال لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه قال وهذا فيه عسر قال ويلزم على هذا ألا يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصحيح ولا نقول هذا على شرط مسلم مثلا لأن الإجماع المدعي ليس موجودا في الخارج انتهى.
قلت: على أنا قد قدمنا لك ما في الجماع من نظر هذا وفي الأسئلة الإمام تقي الدين السبكى للحافظ أبى الحجاج المزى وسألت عما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنا هل نقول إنهما اطلعا على اتصالها قال كذا يقولون وما فيه إلا تحسين الظن بهما وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما يوجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح.
قال الحافظ ابن حجر وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط وأما ما

كان في المتابعات فيحتمل التسامح في تخريجها كغيرها.
ويأتي للمصنف وجه حمل روايات الشيخين على ما ذكر ثم إذا عرفت ما نقلناه عرفت ما في كلام الزين الماضي وما في كلام المصنف الآى من قوله "وقال الحافظ أبو محمد عبد الكريم الحلبي في كتاب القدح المعلى قال أكثر العلماء إن المعنعنات التي هي في الصحيحين منزلة منزلة السماع" يقال هذه دعوى فأين دليلها "قلت: ويحتمل أنهما" أي الشيخين "لم يعرفا سماع ذلك المدلس الذي رويا عنه" كما ادعاه لهما النووي "لكن عرفا لحديثه من التوابع ما يدل على صحته مما لو ذكراه لطال" قلت: وعلى هذا يكون الصحيح الذي فيهما من هذا النوع صحيحا لغيره "فاختارا" أي الشيخان "إسناد الحديث إلى المدلس لجلالته وأمانته وانتفاء تهمة الضعف عن حديثه ولم يكن في التابعين الثقات الذي تابعوا المدلس من يماثله ولا يقاربه فضلا وشهرة مثل أن يكون مدلس الحديث سفيان الثوري والحسن البصري أو نحوهما ويتابعه على روايته عن شيخه أو عن شيخ شيخه" بالسماع "من هو دونه من أهل الصدق ممن" هو ليس بمدلس.
حاصل هذا الوجه أن الشيخين رويا عن المدلس ما هو ثابت عندهما من طريق غيره بالسماع إلا أنهما آثرا الإتيان برواية المدلس لجلالته وأمانته وإن كان الأتيان منهما بالأدنى دون الأعلى في الرواية ثم هذه دعوى لهما كدعوى النووي وصاحب القدح المعلي وفيهما ما سلف من الإشكال.
والمصنف قد أراد الجواب عنه بقوله "فأن قلت: فلم حملوا" أي أئمة الحديث "صاحبي الصحيح ونحوهما من أئمة الحديث على ذلك" أي مع أنه لا دليل عليه "قلت: لأنه إذا ثبت عن الثقة البصير بالفن الفارس فيه" كالشيخين "أنه لا يقبل المدلس بعن وأن التدليس عنده مذموم ثم رأيناه يروى أحاديث على هذه الصفة" أي مدلسة بعن "ويحكم صحتها كان نصه على عدم قبولها" الذي فرضناه "يدل على أنه قد عرف اتصالها من غير تلك الطريق" فهذا حكم لأئمة الصحيح بأن مارووه عن المدلسين فانه صحيح ومستند هذا الحكم إحسان الظن بهم لما عرف من قاعدتهم.
قلت: إلا أنه قد يقال يلزم من هذا أن ما وجدناه ضعيفا من الرواة في كتاب الشيخين ونحوهما أن نحكم له بالصحة لما علم من أنهما قد التزما الصحة وقد عرفت أنه انتقد عليهما جماعة رويا عنهم وأقر الحافظ ذلك الانتقاد "بخلاف من لم

يعرف مذهبه في المدلسين" فإنا لا نحكم له بهذا الحكم فيما دلسه "وهذا الكلام ينزل منزلتين :
إحداهما: أن يكون البخاري ومسلم ونحوهما ممن صحح حديث المدلسين قد نص على أن عنعنة المدلس غير صحيحة وأن يكون قد نص على أن ذلك المدلس مدلس عنده إذ من الجائز أنه لم يعرف أنه مدلس وقبل عنعنته بناء على عدالته" .
فقد عرفت من مجموع ما سلف من كلام المصنف وكلامنا أن بين الشيخين في الحديث المعنعن خلافا فالبخاري يشترط اللقاء بين الراوي ومن عنعن عنه ومسلم يكتفي بإمكانه وكل من الشيخين يرى المعنعن الذي على شرطه متصلا وحينئذ فما رواه كل واحد منهما بالعنعنة في كتابه فهو متصل على أصله وحجة يجب العمل بها عنده وأما عنعنة المدلس فهي نوع من مطلقها وليس لهما كلام خاص فيها وكأنه لذلك تردد المصنف في ذلك وفي قوله بناء على عدالته تأمل لأنهم لم يجعلوا التدليس قادحا في الراوي كما عرفت.
"وفي هذه المنزلة يقوى حمل أئمة الحديث على ذلك" أي على أنهم قد عرفوا اتصال ما رووه عن المدلسين من غير تلك الطريق "قوة" مصدر تأكيدي بعد وصفه بقوله تطمئن إلخ صار نوعيا "تطمئن بها النفس" إلا أنه من البعيد أن يجهل الشيخان مثلا المدلسين من الرواة غاية البعد.
"المنزلة الثانية أن لا يثبت نصهم على شيء من ذلك" أي لا على أن عنعنة المدلس غير صحيحة ولا على أن ذلك المدلس مدلس "أو يثبت" نصهم "على بعض ذلك" كعدم صحة حديث المدلس "دون بعض ولكن يغلب على الظن" أي ظن الناظر المجهتد "مع شهرة أولئك بالتدليس ومع معرفة أئمة الحديث لأحوال الرجال" يغلب في الظن "أنهم يعرفون تدليسهم ويغلب أيضا على الظن أنهم لا يقبلون عنعنة المدلسين" والأمارة التي تثير هذا الظن هي قوله "لأن حفاظ الحديث" ونقلة مذاهب أئمته في الرواة "ما نقلوا ذلك" أي قبول عنعنة المدلسين "عنهم" عن رأي أئمتهم "والعادة" المعزوفة لنقلة الحديث ومذاهب أئمته تقضي "بنقل مثله عن مثلهم فهذه المنزلة دون تلك في القوة بكثير" أي في الدلالة على أن أئمة الصحيح قد عرفوا اتصال ما رووه بالعنعنة عن المدلسين من غير تلك الطريق.
"ومن ظن صحتها وترجحت له" بظن اتصالها "كان له أن يعمل بها" أي وجوبا كما

يأتي "ومن لم يحصل له ظن فله أن لا يعمل بها" إذ مدار العمل على العلم أو الظن والأول قد تعذر فلم يبق إلا الظن إلا أن كلامه ظاهر في عدم وجوب العمل بها عند حصول الظن والظاهر أنه يجب إذا لم يجد غيرها وقوله فله أن لا يعمل بها بل الظاهر أنه يحرم عليه العمل لأنه لا يكون إلا عن علم أو ظن والفرض عدمهما فكان الأولى أن يقول فعليه أن لا يعمل بها.
"ويختلف الناس فيها" أي في المنزلة الثانية "على حسب اطلاعهم على أحوال هؤلاء في كتب تواريخ الرجال" ويحصل بذلك ظن الصحة أو عدمه.
"لكن ليس لنا أن نحكم بتعذر المنزلة الأولى" ولا بثبوتها "إلا بعد البحث التام من أهل المعرفة التامة" عن النصين اللذين ذكرهما المصنف "والله أعلم" وذلك لأن الحكم على الأمور والنقلية إثباتا ونفيا لا يتم إلا بعد كمال الإستقراء لكتب تاريخ الرجال وكذلك المنزلة الثانية ليس لنا أن نحكم بتعذرها أو عدمه إلا بعد البحث التام أيضا فإنهما من الأمور النقلية أيضا.
"فهذا الوجه" الذي "ذكروه" أي أئمة هذا الشأن في العذر عن رواية الشيخين عن المدلسين وهو ما نقله عن النووي وعن صاحب القدح المعلي وقد ذكر أيضا المصنف وجها من العذر لنفسه حيث قال قلت: ويحتمل إلى آخره ثم قال:
"وعندي وجه آخر" أي في العذر عنهم في ذلك وسماه آخر إما بالنسبة إلى الوجه الذي تقدم له وهو غير هذا الوجه فإن الذي تقدم له هو احتمال أن الشيخين عرفا لما روياه عنه من الحديث المدلس توابع إلى آخر كلامه أو بالنسبة إلى ما اعتذر به غير أو بالنسبة إلى عذره السابق وعذر غيره "وهو أن التدليس الصادر عن الثقات الرفعا مثل تدليس سفيان الثوري والحسن البصري ونحوهما نوع من الضعف" في الرواية "والقريب المختلف في قبوله فهو مما ينجبر بالمتابعات" والشواهد حتى يصبر بهما صحيحا لغيره "وقد عرفنا من طريق مشيخة الحديث أن الضعف القريب إذا انجبر بكثرة المتابعات ارتقى من الضعف إلى القوة" حتى يصير صحيحا لغيره.
"قال النووي وهذا" أي انجبار الضعيف بكثرة المتابعات "مشهور عنهم وروى النووي عن مسلم تنصيصا" أي نص عليه مسلم "أنه يروى الحديث بالإسناد الضعيف لعلوه ويترك الإسناد الصحيح النازل" لذلك الحديث الذي رواه بالإسناد الضعيف "لشهرته عند أهل هذا الشأن فيحصل للإسناد الضعيف بشهرة الإسناد الصحيح جابر

متابع وشاهد للإسناد الضعيف الذي رواه به" وهذا نص من مسلم أن في صحيحه رواية عن الضعفاء.
"قلت: وليس بالإسناد الضعيف بمعنى المردود وإنما هو المشتمل على رجال من أهل العدالة والصدق لكن من حفظهم ضعف لم يبلغ إلى مرتبة الرد كما بينته فيما تقدم" وقد لا يكون قلت: فلا وجه للحصر بأنما في قوله وإنما هو إلى آخره "فافهم عرف القوم وهذا الوجه يزداد قوة إذا ثبت معرفة المصحح لأولئك المدلسين كما تقدم" فإنه لا يصحح عن حديثهم إلا ما ثبت عنده اتصاله من طريق آخري.
إذا عرفت هذا فقد استفيد من مجموع ما تقدم أن في الصحيحين أحاديث هي في نفسها ضعيفة لكنها منجبرات بمتابعات وشواهد ونحوها وإذا تذكرت ما تقدم لهم من صحة ما في الصحيحين إلا ما انتقد عليهما علمت أنها صحة للذات أو للغير.
واعلم أن في قول المصنف الرفعاء إشارة إلى أن في المدلسين في رواة الصحيحين أقواما ليسوا من الرفعاء.
وقد قال الحافظ ابن حجر المدلسون الذين خرج حديثهم في الصحيحين ليسوا في مرتبة واحدة في ذلك بل هم على مراتب:
الأولى : من لم يوصف بذلك إلا نادرا وغالب رواياتهم مصرحة بالسماع والغالب أن إطلاق من أطلق ذلك عليهم فيه تجوز من الإرسال إلى التدليس ومنهم من يطلق ذلك بناء على الظن ويكون التحقيق بخلافه ثم عد جماعة وجعلهم ثلاث طبقات وسرد أسماءهم من دون بيان أحوالهم فاتبعنا كل اسم بيان حاله تكميلا للإفادة كما ستمر بك.
ثم قال فمن هذا أيوب السختياني قلت: قال النووي في تهذيبهم الثقات هو إمام التابعين أبو بكر بن أبي تميم السختياني بكسر التاء قال ابن عبد البر وغيره كان يبيع السختياني بالبصرة وأي أنس بن مالك رضي الله عنه اتفقوا على جلالته وأمانته وحفظه وتوثيقه ووفور علمه وفقهه وسيادته وأطال الثناء عليه ولم يذكره بتدليس.
قال وجرير بن حازم قلت: بالحاء المهملة وبعد الألف زاي هو الأزدي البصري أحد الأئمة الكبار الثقات.
قال الذهبي قال يحيى القطان كان جرير يقول في حديث الضبع عن جابر عن عمر ثم جعل بعد عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن

الضبع فقال هي من الصيد انتهى1 فأفاد أنه دلس هذا ولم يصفه بالتدليس لأنه في روايته الأخرى صرح عن جابر عن عمر فلا تدليس.
قال والحسين بن واقد قلت: أخرج له مسلم والأربعة وثقة ابن معين ويغره واستنكر له أحمد بعض حديثه وحرك رأسه كأنه لم يره.
قال وحفص بن غياث قلت: أخرج له الستة قال الذهبي أحد الأئمة الثقات وثقة ابن معين والعجلي وقال أبو زرعة ساء حفظه بعد ما استقضى فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح.
قال وسليمان التيمي قلت: هو ابن طرخان أبو المعتمر البصري نزل في التيمم فنسب إليهم ثقة عالم أخرج له الستة.
قال وطاووس قلت: ابن كيسان اليماني يقال اسمه ذكوان وطاووس لقبه ثقة فقيه أخرج له الستة.
قال وأبو قلابة قلت: بكسر القاف آخر موحدة وبعدها تاء تأنيث هو عبد الله بن زيد الجرمي ثقة فاضل الإرسال أخرج له الستة.
قال وعبد ربه بن نافع قلت: هو ابن شهاب الكناني الحناط الحاء المهملة فنون صدوق يهم أخرجوا له ما عدا الترمذي.
قال والفضل بن ذكين قلت: بالمهملة مضمومة بزنة التصغير أبو نعيم وهو الكوفي ثقة أخرج له الستة.
قال وموسى بن عقبة بن أبي عياش قلت: بمثناة تحتية فمعجمة آخره هو الأسدي مولى آل الزبير فقيه ثقة إمام في المغازي لم يصح أن ابن معين لمينه أخرج له الستة.
قال وعبد الله بن وهب قلت: هو ابن مسلم القرشي فقيه ثقة حافظ عابد أخرج له الستة.
قال وهشام بن عروة قلت: أي ابن الزبير بن العوام ثقة فقيه ربما دلس أخرج له الستة.
قال ويحيى بن سعيد قلت: هو الأنصاري المدني القاضي ثقة ثبت.
ـــــــــــــــــــ
1 أبو داود 3801. والترمذي 1792, والنسائي 7/200, والدارمي 1941.

فهؤلاء الرفعاء من المدلسين في الصحيحين ممن لم يوصف بالتدليس إلا نادرا وغالب رواياتهم على السماع.
الثانية : من أكثر الأئمة من أخراج حديثه إما لأمانته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير أو أنه كان لا يدلس إلا عن ثقة.
فمن هذا الضرب إبراهيم بن زيد النخعي قلت: هو الفقيه الثقة يرسل كثيرا أخرج له الستة.
قال وإسماعيل بن أبي خالد هو الأحمسي مولاهم البجلي ثقة ثبت أخرج له الستة.
قال: وبشير بن المهاجر هو الغنوي بالغين المعجمة والنون صدوق لين الحديث رمى بالأرجاء أخرج له الستة إلا البخاري.
قال: والحسن بن ذكران قلت: بالمعجمة هو أبو سلمة البصري صدوق يخطئ ورمة بالقدر كان يدلس.
قال: والحسن البصري قدمنا بيان حاله.
قال: والحكم بن عتيبة قلت: بالعين المهملة فمثناه فوقيه فمثناه تحتية فموحدة مصغر أبو محمد الكندي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس أخرج له الستة.
قال: وحماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي أبو أسامة مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس أخرجوا له.
قال وزكرياء بن أبي زائدة قلت: هو أبو يحيى الكوفي ثقة كان يدلس أخرجوا له.
قال: وسالم بن أبي الجعد قلت: هو الغطفاني الأشجعي مولاهم كوفي ثقة كان يرسل كثيرا.
قال: وسعيد بن أبي عروبة قلت: أي ابن مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة.
قال: وسفيان الثوري قلت: قدمنا بيان حاله وسفيان بن عيينة كذلك أيضا.
وشريك القاضي هو ابن عبد الله النخعي القاضي بواسطة أبو عبد الله صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه بعد ولي القضاء بالكوفة وكان عالما فاضلا عابدا.

وعبد الله بن عطاء المكي صدوق ويخطئ ويدلس.
قال: وعكرمة بن خالد المخزومي ثقة.
قال: ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير خازم بالخاء والزاي المعجمتين ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره.
قال: ومخرمة بن بكير قلت: ابن أبي عبد الله بن الأشج المدني صدوق وروايته عن أبيه وجادة من كتابه.
ويونس بن عبيد بن أبي دينار العبدي أبو عبيد البصري ثقة ثبت فاضل ورع. انتهى.
وصف من ذكره ابن حجر في النكت مسرودا وأوصافهم نقلناها من كتابه التقريب.
ثم قال في النكت.
الثالثة من أكثروا التدليس وعرفوا به وهم بقية ابن الوليد قد قدمنا بيان حاله.
وحبيب بن أبي ثابت قلت: هو الأسدي مولاهم أبو يحيى ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس أخرج له الستة.
قال: وحجاج بن أرطاة قلت: هو بفتح الهمزة أبو أرطاة النخعي الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس أخرج له مسلم والأربعة والبخاري في التأريخ.
قال: وحميد الطويل قلت: هو ابن أبي حمد الطويل أبو عبيد البصري ثقة مدلس أخرج له الستة.
قال: وسليمان الأعمش قلت: تقدم بيان حاله.
قال: وسويد بن سعيد قلت: هو أبو محمد صدوق في نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول أخرج له مسلم والترمذي.
قال: وأبو سفيان المكي وعبد الله بن أبي تحبيح قلت: وهو يسار المكي ثقة رمى بالقدر وربما دلس.
قال: وعباد بن منصور قلت: هو الناجي بالنون والجيم أبو سلمة البصري القاضي رمى بالقدر صدوق وكان يدلس وتغير بآخرة أخرج له الأربعة.
وعبد الرحمن المحاربي هو أبو محمد الكوفي لا بأس به وكان يدلس.

وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو أخرج له الستة صدوق يخطئ وكان مرجيا أفرط ابن حبان فقال متروك أخرج له مسلم الأربعة وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج هو الأموي مولاهم المكي فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل أخرج له الستة.
وعبد الملك بن عمير ثقة فقيه عالم تغير حفظه ربما يدلس أخرج له الستة.
وعبد الوهاب بن عطاء الحفاف هو البصري العجلي مولاهم يرسل صدوق ربما أخطأ أنكورا عليه حديثا في العباس فقال دلسه عن تعمد.
وعكرمة بن عمار العجلي أبو عمار الناجي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن كثير اضطراب.
وعمرو بن عبيد الطنافسي بفتح الطاء والنون بعد ألفه فاء مكسورة ثم مهملة هو الكوفي صدوق أخرج له الستة.
وعمرو بن عبيد الله أبو اسحق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة مكثر ثقة عابد اختلط بأخرة أخرج له الستة.
وعيسى بن موسى عنجار بضم المعجمة وسكون النون بعدها جيم وهو أبو أحمد صدوق ربما أخطأ وربما يدلس يكثر من التحديث عن المتروكين.
وقتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة ثبت أخرج له الستة.
ومبارك بن فضالة يفتح الفاء وتخفيف المعجمة أبو فضالة البصري صدوق مدلس ويسوي لم يخرج له الشيخان وأخرج له ابن حبان والترمذي وأبو داود.
ومحمد بن اسحق بن يسار المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق يدلس أخرج له مسلم والأربعة.
ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي هو أبو المنذر البصري صدوق بهم أخرج له البخاري والأربعة غير ابن ماجه.
ومحمد بن عجلان هو المدني صدوق إلا أنها اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة أخرج له مسلم والأربعة.
ومحمد بن عيسى هو بن تحبيح البغدادي أبو جعفر ثقة فقيه لم يخرج له الشيخان إنما أخرج له الأربعة وابن حبان.
ومحمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال المهملة

وضم الراء الأسدي مولاهم صدوق إلا أنه يدلس أخرج له الستة.
ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري فقه حافظ متفق على جلالته وإتقانه.
قلت: لم يذكره الذهبي في الميزان مع أنه ألفه لمن تكلم فيه فما كان يحسن أن يعده الحافظ ابن حجر في هذه الطبقة بعد قوله إنه اتفق على جلالته وإتقانه.
ومروان بن معاوية الفراري هو من شيوخ أحمد ثقة مشهور تكلم فيه بعضهم لكثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين كان ثبتا حافظا أخرج له الستة.
والمغيرة بن مقسم بكسر الميم هو الضبي مولاهم أبو هاشم الكوفي الأعمى ثقة متقن إلا أنه كان يدلس لا سيما عن إبراهيم أخرج له الستة.
ومكحول الشامي هو ثقة فقيه لكنه يكثر الإرسال أخرج له مسلم والأربعة.
وهشام بن حسان هو الأزدي أبو عبد الله البصري ثقة وأثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قال كان يرسل عنهما أخرج له الستة.
قال: وهشيم بن بشير قلت: بموحدة ومعجمة يزنة عظيم ثقة ثبت كثير التدليس أخرج له الستة.
قال: والوليد بن مسلم الدمشقي قلت: هو القرشي مولاهم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية أخرج له الستة.
قال: ويحيى بن أبي كثير قلت: هو الطائي مولاهم أبو نصر اليماني ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل.
قال: وأبو حمزة قلت: بالحاء المهملة والزاي المشددة هو خليفة الرقاشي بفتح الراء وبالقاف مشهور بكنيته قيل اسمه حكم ثقة.
فهذه أسماء من ذكر التدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا حديثه أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا ساقهم الحافظ ابن حجر في نكته وبينا أحوالهم من التقريب كثيرا ومن الميزان وهو الأقل وقوله ممن أخرجا حديثه أو أحدهما فيه نظرية ففي من عده من لم يخرجا له ولا أحدهما شيئا.
"قال الزين في التدليس ذمة أكثر العلماء وهو مكروه جدا وروى الشافعي عن

شعبة أنه قال لأن أزني أحب إلى من أن أدلس" ضبطه بعضهم بالمهملة ثم موحدة مضموم الهمزة قال فإن الربا أخف من الزنا قال وفيه أيضا مناسبة فإن الربا أصله التكثر والزيادة ومتى دلس فقد كثر مروياته بذلك الشيخ الذي ارتقى إليه وأوهم كثرة مشايخه عند ما عمى أوصافهم قال شيخنا وقوله إن الربا بالموحدة أخف ليس كذلك ففي بعض الأحاديث لأن يأكل الرجل درهما من ربا أشد من كذا وكذا زنية قاله البقاعي.
"قال ابن الصلاح: وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير" وذمه أيضا جماعة من أقران شعبة وأتباعه فروينا عن عبد الصمد ابن عبد العزيز عن أبيه أنه قال التدليس ذل وحكى عبدان عن ابن المبارك أنه ذكر بعض من يدلس فذمه ذما شديدا وقال دلس للناس أحاديثه والله لا يقبل تدليسا وقال وكيع لا يحل تدليس القوت فكيف تدليس الحديث وعن أبي عاصم النبيل قال أقل حالات المدلس عندي أن يدخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ذكر ذلك الحافظ.
فائدة : قال الحاكم: أكثر أهل الكوفة يدلسون والتدليس في أهل الحجارة قليل جدا وفي أهل بغداد نادر والله أعلم.
"القسم الثاني: من التدليس تدليس الشيوخ قال ابن الصلاح: وهو أخف من الأول" لو قال الأول أشد من سدا لكان أولى لأنه ليس في واحد منهما خفة لكن قد يطلقون أفعل ولا يريدون حقيقة معناه والمراد هنا هذا أقل شدة من الأول وإن كانت العبارة لا تفي به.
"وهو أن يصف المدلس شيخه الذي سمع منه بوصف لا يعرف به من اسم أو كنية أو قبيلة أو بلد أو صنعة أو نحو ذلك" لكي "يوعر" يعسر "الطريق على معرفة السامع له" .
قال الحافظ ابن حجر ليس قوله مما لا يعرف به قيدا بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا كقول الخطيب أخبرنا علي ابن أبي على البصري ومراده بذلك أبو القاسم علي بن أبي علي الحسن بن علي التنوخي وأصله من البصرة فقد ذكره بما يعرف به لكنه لم يشتهر بذلك وإنما اشتهر بكنيته واشتهر أبوه باسمه واشتهرا بنسبتهما إلى القبيلة لا إلى البلد ولهذا نظائر كصنيع البخاري في الذهلى فإنه

تارة يسميه فقط فيقول حدثنا محمد ابن عبد الله فينسبه إلى جده وتارة يقول محمد بن خالد فينسبه إلى والد جده وكل ذلك صحيح إلا أن شهرته بمحمد بن يحيى الذهلي والله الموفق "كقول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله" والحال أنه "يريد عبد الله بن أبي داود السجستاني أو نحو ذلك" من الأمثلة.
"قال ابن الصلاح: وفيه" أي في هذا القسم من التدليس "تضييع للمروى عنه" بعدم معرفة عينه ولا حاله.
"قال زين الدين: و" فيه تضييع "للحديث المروي أيضا بأن لا يتنبه له فيصير بعض رواته مجهولا" فهذه مفسدة عظيمة في هذا القسم منه.
"قلت: وإنما كان أخف من" القسم "الأول" من التدليس وهو تدليس الإسناد "لأنه قال زال الغرر فإن شيخه الذي دلس اسمه" لا يخلو "إما أن يعرف فيزول الغرر أولا يعرف فيكون في الإسناد مجهول كما قاله زين الدين قال زين الدين: ويختلف الحال في كراهية هذا القسم باختلاف المقصد" للمدلس "الحامل له على ذلك" التدليس "فشر ذلك أن يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه ضعيفا فيدلسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء" وهذا غش للمسلمين.
"قلت: إذا كان يعتقد أن ضعف من دلسه ضعف يسير يحتمل وعرفه بالصدق والأمانة واعتقد وجوب العلم بخبره لما له من التوابع والشواهد وخاف من إظهار الرواية عنه وقوع فتنة من غال مقبول" عند الناس "ينهى عن حديث هذا المدلس ويترتب على ذلك سقوط جملة من السنن النبوية فله أن يفعل مثل هذا ولا حرج عليه" لأنه إنما قصد بتدليسه نصح المسلمين في الحقيقة وإيثار المصلحة على المفسدة.
"وقد دلس عن الضعفاء إمام أهل الرواية والدراية ومن لا يتهم في نصحه للأئمة سفيان بن سعيد الثوري" سبق بيان حال إمامته في الدين "فمن مثل سفيان في منقبة واحدة من مناقبه أو من يبلغ من الرواة إلى أدنى" مرتبة من "مراتبه ولو لا هذا المذر ونحوه من" الأعذار "الضروريات ما دلس الحديث أكابر الثقات من أهل الديانة والأمانة والنصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولجميع أهل الإسلام وقد روى أن رواة الحديث وأهل العلم في بعض أيام بني أمية" وهي أيام عبد الملك وولاته كالحجاج "وبعض بلدانهم كانوا لا يقدرون على إظهار الرواية عن علي عليه السلام" لشدة عدوانهم له ولمن ذكره.

"قال زين الدين: وقد يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه صغيرا في السن أو تأخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه وقد يكون الحامل إيهام كثرة الشيوخ قلت: وهذا مقصد يلوح على صاحبه بمحبته الثناء وشوب الإخلاص" إذا إيهام كثرة الشيوخ دال على محبته لمدحه بكثرة ملاقاة من أخذ عنه وهمته ورغبته "مع أن له محملا صالحا إذا تؤمل وهو أن يكون كثير الشيوخ أجل قدرا مع من لا يميزوهم الأكثرون فيكون ذلك داعيا لهم إلى الأخذ عن الراوي وذلك" أي الإيهام لكثرة الشيوخ ليأخذ عنه الناس "يشتمل على قربة عظيمة وهي إشاعة الأخبار النبوية" .
"قال زين الدين: وممن اشتهر بالقسم الثاني: من التدليس" وهو تدليس الشيوخ "أبو بكر الخطيب" فقد "كان لهجابه في تصانيفه" قال الحافظ ابن حجر ينبغي أن يكون الخطيب قدوة في ذلك وأن يستدل بفعله على جوازه فإنه إنما يعمى على غير أهل الفن وأما أهله فلا يخفى ذلك عليهم لمعرفتهم بالتراجم ولم يكن الخطيب يفعل ذلك إيهاما الكثرة فإنه مكثر من الشيوخ والمرويات والناس بعده عيال عليه وإنما يفعل ذلك تفننا في العبارة.
"قال زين الدين: ولم يذكر ابن الصلاح حكم من عرف بهذا النوع من التدليس" مع ذكره لحكم من دلس تدليس الإسناد كما عرفته قال زين الدين: "وقد جزم ابن الصباغ في العدة بأن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس" أي إذا كان الحامل له على تدليسه ذلك "وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب" خبر من فقل ذلك "أن لا يقبل خبره وإن كان هو" أي المدلس "يعتقد فيه" أي فيمن دلسه "الثقة فقط غلط في ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه قلت: وفي هذا" الذي جزم به ابن الصباغ "نظرا لأنه إما أن يغير اسمه إلى اسم ثقة آخر محتج به مع أن الذي دلسه ثقة" عنده "محتج به فليس فيه إلا أن يتضمن تعديلا غير مبين السبب لرجل مبهم غير معين وهو ذلك المدلس" أي الذي طوى ذكره ووضع اسم الثقة موضع اسمه فكأنه قال حدثني الثقة وهذا تعديل إجمالي.
"فأما الإجمالي في التعديل فالصحيح في الأصول وعلوم الحديث أنه يكفي لتعسر ذكر أسباب العدالة كما يأتي" من أنه يقبل التعديل الإجمالي. "وأما توثيق الرجل المبهم فالصحيح الذي عليه العمل جوازه" وذلك "لأن المتأخرين قد اتفقوا على العمل بما حكم بصحته الأئمة من غير بحث عن الإسناد" كما قدمنا تحقيقه.

"وأما قوله" أي ابن الصباغ في تعليل عدم قبول المدلس تدليس الشيوخ "إنه يجوز أن يعرف غيره من جرحه" أي من جرح من طوى اسمه "ما لا يعرفه" الطاوي لاسمه المعتقد ثقته "فذلك لا يمنع من توثيقه" له أي من اعتقاد أنه ثقة "ولا" يمنع أيضا "من قبول توثيقه من لأن الأصل عدم ذلك الجائز" فإن من أخبر العدل أنه ثقة قبل خبره وارتفع تجويز عدم عدالته تجويزا يمنع من قبوله.
"ومتى وقع ذلك الجائز وهو اطلاع الغير على حرج في ذلك الموثق فمن علم بذلك الجرح متعبد بعد علمه باجتهاده في قبول لا حرج إن كان مطلقا أو رده أو ترجيح الجرح على التوثيق أو العكس أو العمل بالمتأخر منهما" كما هو معروف من الوجوه عند تعارض الجرح ولا تعديل "ولو كان التجويز" في الثقة أنه غير ثقة "يمنع من العمل في الحال لم يحل لنا قبول ثقة قط تجويز أن نطلع نحن" بعدحين "على ما يجرحه والله أعلم" .
خلاصته أنا نحن متعبدون بقبول من هو عدل ثقة في الحال الراهنة من غير نظر إلى تجويزخلاف ما عرفناه وهذا إذا دلسه المدلس وغير اسمه إلى اسم ثقة "وأما إن غيره إلى اسم مجروح فالحديث مردود ولا تدليس" لأن ذكر المجروح رفع التدليس "وأما إن لم يغيره إلى اسم غيره" بل أتى به باسمه غير المشهور بلفظه "فقد غيره إلى مجهول الذات والإسلام" .
في هذا الكلام تأمل فينظر في نسخ التنقيح ويحتمل أنه يريد المصنف أن كونه لم يغيره بل أسقطه فيكون قد أحال على مجهول الذات والإسلام إلا أنه لو أراد هذا لكان الصواب أن يقول فإن أسقطه فقد أحال على مجهول الذات والإسلام ويكون فقد خرج عن العهدة أي عهدة التدليس والنقل إلى رواية منقطعة إلا أن قوله فإن حكم إلخ يشعر أنه تفريع عن التدليس لا عن من أسقط الراوي بقوله فلا ذنب وقوله لأن المدلس قد حكم بها والذي ظهر لي أن كلام المصنف لا يخلو عن الاضطراب "فقد خرج من العهدة فإن حكم أحد بصحة الحديث من غير معرفة فلا ذنب للمدلس وإن حكم بالصحة لأن المدلس قد حكم بها قد تبعه" أي يتبع المدلس "في القول بصحة الحديث واكتفى بمجرد تصحيحه من غير كشف ولا ذنب له في ذلك أيضا البتة" .
واعلم أن المصنف قد ذكر عن الزين في الحامل على التدليس أنه قد يكون لصغر

سن المروي عنه ولم يذكر حكم هذا القسم مع ذكره لحكم بعض الأقسام وقد ذكره الزين عن ابن الصباغ فقال وإن كان لصغر سنه فذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه.
وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال فيه نظر لأنه يصير بذلك مجهولا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا فمن أحاط علما بذلك لا يكون الرجل المدلس عنده مجهولا وتلك أنزل مراتبه وقد بلغنا أن كثيرا من الأئمة الحفاظ امنحنوا طلبتهم المهرة بمثل ذلك فشهد لهم بالحفظ لما تسارعوا إلى الجواب عن ذلك وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كان ينظر في كتاب العلم لأبي بكر بن أبي عاصم فوقع في أثنائه حدثنا الشاعي حدثنا ابن عيينة فذكر حديثا فقال لعله سقط منه شيء فالتفت إلي فقال ما تقول فقلت: الإسناد متصل وليس الشافعي هذا محمد ابن إدريس الإمام بل هذا ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس ثم استدللت على ذلك بأن ابن أبي عاصم معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه ولقد كان ظن الشيخ في السقوط قويا لأن مولد ابن أبي عاصم بعد وفاة الشافعي الإمام بمدة وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد إن تدليس الثقة مصلحة وهي امتحان الأذهان في استحراج ذلك وإلقاؤه إلى من يراد اختيار حفظه ومعرفته بالرجال وفيه مفسدة من حيث إنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولا لا يعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر قال الحافظ وقد نازعته في كونه يصير مجهولا عند الجميع لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفا وهو في نفس الأمر صحيح وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل من رتبة من يرد خبره مطلقا إلى رتبة من يتوقف فيه فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن أخذ ذلك الراوي عنه فمفسدته أشد كما وقع لعيطة العوفي في تكنيته محمد ابن السائب الكلبي أبا سعيد فكان إذا حدث عنه يقول حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري لأن عطية كان قد لقيه وروى عنه وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ انتهى.
قال الحافظ ابن حجر تنبيه : ويلحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد كما إذا قال

المصري حدثني فلان بالأندلس فأراد موضعا بالقرافة أو قال بزقاق حلب وأراد موضعا بالقاهرة أو قال البغدادي حدثني فلان بما وراء النهر وأراد نهر دجلة أو قال بالرقة وأراد بستانا على شاطئ دجلة أو قال الدمشقي حدثني بالكرك وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق ولذلك أمثلة كثيرة وحكمه الكراهة لأنه يدخل في باب التشيع وإيهام الرحلة في طلب الحديث إلا أن تكون هنالك قرينة تدل على عدم إرادة التكثر فلا كراهة. انتهى.
"القسم الثالث" من التدليس "وهو شر أقسام التدليس وهو تدليس التسوية وصورته أن يروي حديثا عن شيخ ثقة وذلك الثقة يرويه عن ضعيف غير ثقة عن ثقة فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأولى فيسقط الضعيف من السند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني: بلفظ محتمل فيسوي الإسناد كله ثقات ولهذا سمي تدليس التسوية" قال زين الدين: إنه لم يذكر ابن الصلاح هذا القسم.
قال الحافظ ابن حجر وفيه مشاححة فإن التسوية على تسميتها تدليسا هي من قبيل القسم الأول وهو تدليس الإسناد فلم يترك قسما ثالثا وإنما ترك تفريع القسم الأول أو أخل بتعريفه ثم قال والتسوية هي أعم من أن تكون بتدليس أو لم تكن قال ومثال التسوية التي لا تدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن مالكا سمع عن ثور ين زيد أحاديث عن عكرمة عن ابن عباس ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس وحذف عكرمة لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه فهذا قد سوى الإسناد بإبقاء من هو عنده ثقة وحذف من ليس بثقة فالتسوية قد تكون بلا تدليس وتكون بالإرسال فهذا تحرير القول فيها وقد وقع هذا لمالك في مواضع أخرى وعد الحافظ روايات وقعت لمالك كذلك ثم قال فلو كانت التسوية تدليسا لعد مالك في المدلسين وقد أنكروا على من عده منهم ثم قال فعلى هذا فقول شيخنا وصورة هذا القسم ثم سرد ما سرده المصنف إلى آخر كلامه تعريف غير جامع بل حق العبارة أن يقول أن يجيء الراوي ليشمل المدلس وغيره إلى حديث قد سمعه من الشيخ وسمعه ذلك الشيخ من آخر عن آخر فيسقط الواسطة بصيغة محتملة فيصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل ثم ذكر أن من التسوية في اصطلاحهم أن يسقط من السند الواحد وإن كان ثقة فيكون السند غالبا مثلا فلا تختص التسوية بإسقاط الضعيف.
"وهذا شر أنواع التدليس لأن شيخه وهو الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس .

فلا يتحترز الواقف على السند عن عنعنته وأمثالها من الألفاظ المحتملة التي لا يقبل مثلها من المدلسين ويكون هذا المدلس الذي يتحرز من تدليسه" أي المدلس بالتسوية "قد أتى بلفظ السماع الصريح عن شيخه فأمن بذلك من تدليس" قال زين الدين: وفي هذا غرور شديد.
"وممن نقل عنه أنه كان يفعل ذلك بقية بن الوليد" وقد قدمنا ما قيل فيه بل وذكرنا جماعة ممن سوى فيما سردناه من ذكر الدليسين في الصحيحين أو أحدهما "والوليد بن مسلم" قال الذهبي أنكر ما أتى به الوليد بن مسلم حديث حفظ القرآن ورواه الترمذي "والأعمش والنووي" كما قدمنا في بيان حالهما.
"وبقية والوليد بن مسلم ممن ينبغي الاحتراز من تدليسهما لا سيما تدليس الوليد ابن مسلم إذا أتى بعن عن الأوزاعي وابن جريج" قال زين الدين: قال أبو مسهرة كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وقال صالح جزرة سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت: للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي قال كيف قلت: تروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري أبا الهيثم بنمرة وفروة قال أمثل الأوزاعي يروي عن هؤلاء قلت: فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث ومناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من حديث الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي.
"قال الذهبي: وإذا قال" يعني الوليد بن مسلم "حدثنا فهو حجة قلت: ما تغني" من الأغنياء بالغين المعجمة والنون "عنك حدثنا الأوزاعي إذا جاء بلفظ محتمل بعد الأوزاعي فلهذا قال الحافظ العلائي إن هذا الجنس أفحش أنواع التدليس وشرها قلت: ولعل من جرح بالتدليس يحتج بأنه لا شك أن قصد المدلس الإيهام في موضع الخلاف فلا يؤمن تدليس التسوية من كل مدلس وإن لم يشعر به أحد وذلك يقتضي رد ما قال فيه سمعت وحدثنا وفي الإيهام في موضع الخلاف نوع من الجرح في الرواية وإن لم يجرح في الديانة ولذلك قال شعبة لأن أزني أحب إلى من أن أدلس والله أعلم" .
قال البقاعي: سألت شيخنا يريد به الحافظ ابن حجر هل تدليس التسوية جرح قال لا شك أنه جرح فإنه خيانة لمن ينقل إليهم وغرور فقلت: كيف يوصف به

الثوري والأعمش مع جلالتهما فقال أحسن ما يعتذر به في هذا الباب أن مثلهما لا يفعل ذلك إلا في حق من يكون ثقة عنده ضعيفا عند غيره.
"قلت: وفي أقسام التدليس قسم رابع لم يذكره ابن الصلاح ولا زين الدين وهو أن يقول المدلس حدثنا فلان وفلان وينسب السماع إلى شيخين فأكثر ويصرح بالسماع ويقصد قصر اتصال السماع على أول من ذكره ويوهم بعطف الشيخ الثاني: عليه أنه سمع منه وإنما سمع من الأول يجعل الثاني" في قصده "مبتدأ خبره ما بعده مما يصح فيه ذلك أو نحوه من التأويلات المخرجة له عن تعمد الكذب وحكى هذا النوع الحاكم عن هشيم وحكم فاعله حكم الذي قبله" .
قلت: قد ذكر هذا القسم من التدليس الحافظ ابن حجر حيث قال وقد فاتهم من تدليس الإسناد نوع آخر وهو تدليس العطف وهو أن يروى عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع من أحدهما دون الآخر فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني: عليه فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضا وإنما حدث بالسماع عن الأول ونوى القطع فقال وفلان أي حدث فلان مثاله ما رويناه في علوم الحديث للحاكم قال اجتمع أصحاب هشيم فقالوا لا نكتب عنه اليوم مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم فحدث بعدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم سيئا قالوا لا قال بلى كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئا انتهى فهذا تهو الذي ذكره المصنف وقد سماه ابن حجر تدليس العطف.
ثم قال الحافظ: وفاتهم فرع آخر أيضا وهو تدليس القطع مثاله ما رويناه في الكامل لأبي أحمد بن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول حدثنا ثم يسكت وينوى القطع ثم يقول هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. انتهى.
قال البقاعي والتحقيق أنه ليس إلا قسمان تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ ويتفرع على الأول تدليس العطف وتدليس الحذف وأما تدليس التسوية فيدخل في القسمين فتارة يصف شيوخ السند بما لا يعرفون من غير إسقاط فتكون تسوية الشيوخ وتارة يسقط الضعفاء فتكون تسوية السند وهذا يسميه القدماء تجويدا فيقولون جوده فلان يريدون ذكر من فيه من الأجواد وحذف الأدنياء. انتهى.
* * *

مسألة:36 [في بيان الشاذ]
"الشاذ" في لغة الانفراد قال الجوهري شذ يشذ ويشذ بضم الشين وكسرها أي انفرد عن الجمهور.
"اختلفوا فيه فقال الشافعي ليس الشاذ أن يروى الثقة مالا يرويه غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس" أخرجه الحاكم عن الشافعي من طريق ابن خزيمة عن يونس ابن عبد الأعلى قال قال لي الشافعي إلى آخره "وذكر أبو يعلي الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز نحو هذا وقال الحاكم: هو الذي يتفرد به ثقة وليس له أصل يتابع ذلك الثقة فلم يشترط مخالفة الناس" .
قال البقاعي: قال شيخنا أسقط يريد الدين من قول الحاكم قيدا لا بد منه وهو أنه قال وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ويشير إلى هذا قوله ويغاير المعلل.
قال الحافظ ابن حجر الحاصل من كلامهم أن الخليلي سوى بين الشاذ والفرد المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح وغير الصحيح فكلامه أعم وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ وأخص منه كلام الشافعي لأنه يقول إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم لكن الشافعي صرح بأنه أي الشاذ مرجوح وأن الرواية الراجحة أولى وهي ما لا شذوذ فيها لكن هل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة محل توقف انتهى فإن قلت: قد تقدم لهم في رسم الصحيح قيد أن لا يكون شاذا وهو يفيد أن الشاذ لا يكون صحيحا لعدم شمول رسمه له.
قلت: لا يعذر لمن اشترط نفي الشذوذ عن الصحيح أن يقول بأن الشاذ ليس بصحيح

بذلك المعنى.
إن قلت: من كان رأيه أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وفسر الشاذ بأنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه أنه يقدم الوصل مطلقا سواء كان رواة الإرسال أقل أو أكثر أحفظ أم لا فإذا كان راوي الإرسال أرجح ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف نحكم له بالصحة مع شرطهم في الصحيح أن لا يكون شاذا هذا في غاية الإشكال.
قلت: قال الحافظ ابن حجر إنه يمكن بأن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في رسم الصحيح إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك فأهل الحديث يشترطون أن لا يكون الحديث شاذا ويقولون إن من أرسل عن الثقات فإن كان أرجح ممن وصل م الثقات قدم والعكس ويأتي فيه الاحتمال عن القاضي وهو أن الشذوذ إنما يقدح في الاحتجاج لا في التسمية.
"وذكر" أي الحاكم "أنه" أي الشاذ "يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك" فافترقا.
قال الحافظ ابن حجر وهو على هذا أدق من المعلل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة ورزقه الله نهاية الملكة. انتهى.
"وقال أبو يعلي الخليلي" في تعريف الشاذ عن أهل الحديث "الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غيره ثقة" وملخص الأقوال أن الشافعي فيد الشاذ بقيدين الثقة والمخالفة والحاكم قيد بالثقة فقط على ما قاله المصنف والخليلي على نقله عن حفاظ الحديث لم يقيده بشيء ثم قال الخليلي "فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل" فإنه لا يقبل ولو كان حديثه غير شاذ فكيف معه "وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" فإن قلت: هذه زيادة ثقة لتفرده بما روى عن غيره كما ينفرد راوي الزيادة وقد قبل فما الفرق قلت: يأتي لهم الفرق إن شاء الله تعالى.
"ففي رواية الخليلي هذه عن حفاظ الحديث أنهم لم يشترطوا في الشاذ مخالفة الناس" كما لم يشرطها الحاكم ولا تفرد الضعيف الأولى ولا تفرد الثقة لأنه الذي

شرطه الأولون "بل مجرد التفرد ورد ابن الصلاح ما قاله الخليلي والحاكم" فقال ابن الصلاح: بعد حكايته لما سلف ما لفظه أما ما حكم عليه الشافعي بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول وأما ما حكيناه عن غيره يريد به الحاكم والخليلي فيشكل بما تفرد به العدل الحافظ الضابط ثم ساق أحاديث يأتي للمصنف بعضها "بأفراد الثقات الصحيحة" فإنه يصدق على أفراد الثقات الصحيحة عليه بأنه تفرد به الثقة ولكنه صحيح مقبول "و" رد ما قالاه أيضا "بقول مسلم الآتي ذكره" في ذكر ما تفرد به الزهري.
"فقال" أي ابن الصلاح "أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا شك أنه غير مقبول" تقدم لفظ ابن الصلاح وإنما كان غير مقبول لأنه خالف الناس "وأما ما حكيناه عن غيره فيتكل بما يتفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: "إنما الأعمال بالنيات" 1" قال فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح فقول المصنف "ثم ذكر مواضع التفرد منه" هو ما ذكرناه آنفا من تفرد علقمة 000 الخ.
قال الحافظ ابن حجر قد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرق و الثاني: أن حديث النية لم يتفرد به عمر بل قد رواه أبو سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقد سرد الجواب عن الاعتراضين هنا لك.
"ثم قال" ابن الصلاح: "وأضح منه حديث عبد الله ابن دينار عن ابن عمر مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن بيع الولاء وهبته2 تفرد به عبد الله بن دينار" .
في الميزان عبد الله بن دينار مولى أبي بكر أحد الأعلام الإثبات انفرد بحديث الولاء فلذلك ذكره العقيلى في الضعفاء وقال في رواية المشايخ عنه إضراب ثم ساق له حديثين مضطربي الإسناد وإنما الاضطراب من غيره ولا يلتفت إلى نقل العقيلي فإن عبد الله حجة بالإجماع وثقه يحي وأحمد وأبو حاتم. انتهى.
ـــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 النسائي 7/306. وابن ماجة 2747, 2848, واحمد 2/9, 79, والبيهقي 10/292.

ووجه أرجحيته في الوضوح أن حديث الأعمال بالنيات وردت له متابعات فهو ليس بفرد وإن كانت تلك التابعات كلها واهية جدا بخلاف حديث بيع الولاء فلم يأت له متابع وحديث عبد الله بن دينار هو الذي مثلوا به للفرد المطلق أيضا "و" أوضح منه "حديث مالك" عن الزهري عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة" أي عام الفتح "وعلى رأسه المغفر1 تفرد2 به مالك عن الزهري وكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إسناد واحد تفرد به ثقة" أي ومع هذا فهي صحيحة مقبولة فلم يتم قول الخليلي إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به فهذا رد على الخليلي وأما الحاكم فإنه ليس في كلامه أنه يقبل أو لا يقبل بل ذكر معناه ولم يذكر حكمه فما أدري ما وجه إيراد ابن الصلاح لذلك عليه وتلقي الزين ثم المصنف لما أورده عليه بالقبول فليتأمل.
ثم العجب قول الخليلي إن أهل الحديث يقولون إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به وقد اتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد ابن حنبل أن حديث إنما الأعمال ثلت الإسلام ومنهم من قال ربعه وقد أسند هذه الحكاية عنهم الحافظ في الفتح وأبان وجه كونه ثلثا أو ربعا للإسلام.
واعلم أنه قد تعقب زين الدين كلام ابن الصلاح في أنه تفرد بحديث المغفر مالك عن الزهري فقال قد روى من غير طريق مالك فرواه البزار من رواية ابن أخي الزهري وابن سعد في الطبقات وابن عدي في الكامل جميعا من رواية أبي أويس وذكر ابن عدي في الكامل أن معمرا رواه وذكر المزي في الأطراف أن الأوزاعي رواه وقال ابن العربي إنه رواه من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وأنه وعد أصحابه بتخريجها فلم يخرج منها شيئا.
قال الحافظ ابن حجر وقد تتبعت طرق هذا الحديث فوجدته كما قال ابن العربي من ثلاثة عشر طريقا عن الزهري غير طريق مالك ثم سردها في نكته وأطال الكلام ثم قال وقد أطلت الكلام في هذا الحديث وكان الغرض منه الذب عن أعراض هؤلاء الحفاظ والإرشاد إلى عدم الظن والرد بغير اطلاع.
ـــــــــــــــــــ
1 على رأسه المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. المعجم ص 452.
2 البخاري في: الجهاد: ب 169. ومسلم في: الحج: حديث 450. وأحمد 3/109.

قلت: وهو إشارة إلى رد طعن من طعن على ابن العربي دعواه أنه رواه من ثلاثة عشر طريقا وقد طعن على ابن العربي بعض أهل بلدته لما لم يبرز لهم بيان ما ادعاه من الطرق فقال:
يا أهل حمص ومن بها أوصيكم بالبر والتقوى وصية مشفق
فخذوا عن العربي أسماء الدجى وخذوا الرواية عن إمام متقي
إن الفتى ذرب اللسان مهذب إن لم يجد خبرا صحيحا يخلق وأراد بحمص اشبيلية لأنه يقال لها ذلك.
قال ابن حجر: إنه بلغ ابن العربي ذلك أي هذه الأبيات فعلم تعنتهم فحمله الحمق على كتمان ذلك أو لم يحمله وعاق عنه عائق ثم قال ابن حجر: وآفة هذا كله الإطلاق في موضع التقييد فمن قال من الأئمة إن هذا الحديث تفرد به مالك عن الزهري فليس على إطلاقه وإنما المراد بشرط الصحة ومن قال كابن العربي إنه رواه من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح فلا اعتراض ولا تعارض وقال ابن حبان: لا يصح إلا من رواية مالك عن الزهري فهذا التقييد أولى من ذلك الإطلاق وهذا بعينه حاصل في حديث: "إنما الأعمال بالنيات". انتهى.
"قال" ابن الصلاح "وفي غرائب الصحيح أشباه لذالك كثيرة قال" أي ابن الصلاح "وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري قدر تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشركه فيها أحد بأسانيد جياد" قال الحافظ ابن حجر: هو في صحيح مسلم في كتاب الأيمان والنذور منه- أي في باب من حلف باللات والعزى من باب الأيمان والنذور وقوله: بأسانيد جياد يتبادر منه قبول نفس المتون ولا يقال يحتمل أنه أراد جودة الأسانيد من الزهري إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل الظاهر إرادة الجودة في جميع السند من مسلم إلى آخره واختلف النسخ في العدد والأكثر بتقديم السين على التاء.
"قال" ابن الصلاح "فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم بل الأمر فيه على تفصيل نبينه" ليس في هذا التفصيل من الشاذ إلا ما قاله أولا وهو الذي عرفه به الشافعي وأما الثاني: فهو صحيح غريب وأما الثالث: فهو حسن لذاته غريب وأما الرابع: فإنه ضعيف إذا أتى ما يجبره صار حسنا لغيره.

"فنقول:إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان مخالفا لما رواه من هو أحفظ منه لذلك وأضبط كان ما تفرد به شاذا مردودا" .
و الثاني : "إن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره" فإنه ينقسم إلى قسمين:
الأول : قوله "فينظر في هذا المتفرد" الذي لم يخالف في روايته غيره وفيه قسمان:
الأول : ما أفاده قوله "فإن كان عدلا ضابطا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه" قال ابن الصلاح: كما سبق من الأمثلة.
الثاني : ما أفاده قوله "وإن لم يكن" أي المنفرد بالرواية "ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له" بالخاء المعجمة والراء "مزحزحا" بالزاي والحاء المهملة مكررات أي مبعدا "عن مرتبة الصحيح" لفقد شرط رواته فيه.
"ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة" من كونه حديثا حسنا أو ضعيفا أو نحوهما "بحسب الحال فيه" وقد بينها بأنها قسمان:
الأول : قوله: "فإن كن المتفرد به غير بعيد من درجة الحافظ المتقن" وهو خفيف الضبط "المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك" أي جعلناه حسنا "ولم نحطه إلى قبيل الضعيف" .
و الثاني : قوله "وإن كان بعيدا من ذلك" أي من درجة من ذكر "رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر" .
قال ابن الصلاح: "فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان :
أحدهما: الفرد المخالف .
و الثاني: الفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجب التفرد والشذوذ" .
قال القاضي ابن جماعة هذا التفضيل حسن ولكن أخل في القسمة الحاصرة بأحد الأقسام وهو حكم الثقة الذي خالفه ثقة مثله فإنه ما بين ما حكمه انتهى.
قلت: قوله أحفظ منه وأضبط على صيغة التفضيل يدل على أن المخالف إن كان مثله لا يكون مردودا.
"قلت: أما من تفرد" من الرواة "عن العالم الحريص على نشر ما عنده م الحديث وتدوينه ولذلك العالم كتب معروفة وقد قيد حديثه فيها وتلاميذه" الآخذون عنه "حفاظ حراص على ضبط حديثه وكتبه حفظا وكتابة فكلام المحدثين" الذي نقله الخليلي من

التوقف في رواية الثقة "معقول" يقبله العقل "لأن في شذوذه ريبة قد توجب زوال الظن" بحفظه "على حسب القرائن وهو موضع اجتهاد" ردا وقبولا.
"وأما من شذ بحديث عمن ليس" من مشايخه "كذلك فلا يلزم رده" إذ ليس محل ريبة وإلا فالأول لم يقل بأنه يرد بل جعله موضع اجتهاد "وإن كان دون الحديث المشهور" الذي خالفه "في القوة وإلا" يقبله "لزم قول أبي علي الجبائي أنه لا يقبل إلا اثنين وكان يلزم أيضا في الصحابي إذا انفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم" إذ العلة هي الانفراد وقد حصلت ولا قائل من الجمهور وإن كان عمر رضي الله عنه قد كان يقبل ما انفرد الراوي كما عرفت فيما مضى.
"وقول ابن الصلاح إن التفصيل الذي أورده هو الأولى" لم يقل إنه الأولى بل قال بل الأمر على تفصيل إلى آخره نعم يفيد كلامه أنه الأولى "فيه سؤال" الاستفسار "وهو أن يقال تريد أن مذهبك هو الأولى فذلك صحيح وهو مذهب حسن أو تريد أن ذلك مذهب أئمة الحديث فيحتاج إلى نقل والظاهر أنه أراد الأول إذ لم ينسبه إلى أحد" فهو له وإن كان قوله مذاهب أئمة الحديث يشعر بأن تفصيله هو رأي أئمة الحديث فهو لهم "ثم تضيعفه لما قاله الخليلي والحاكم" حيث قال إنهما أطلقا ما فلصله هو "غير لازم بما ذكره لأن الحاكم حكى ذلك ولم ينسبه إلى أحد فلم يرد عليه أن غيره من المحدثين خالفه في ذلك" قد يقال إن الحاكم بصدد تدوين علوم الحديث التي تعارفها أئمة الحديث لا بصدد تدوين يخصه فورد عليه أفراد الصحيح وهب أنه أراد أنه مذهبه فإنه يرد عليه ما أورده ابن الصلاح لأن الحاكم متابع للناس في الحكم بصحة ما في الصحيحين وقبول ما اشتملا عليه من الحديث.
"وأما الخليلي فلم يحك ذلك عن جميع أهل الحديث" حتى يقال إن إطلاقه يوافق مذاهب أئمة الحديث كما قاله ابن الصلاح "بل قد نقل أهل الحجاز قريبا من مذهب ابن الصلاح فابن الصلاح إن نقل عمن نقل عنه الخليلي خلاف نقل الخليلي كانا روايتين" عن مروى عنه واحد.
"ولا نكارة في هذا فقد يكون للعالم قولان في المسألة وقد يصدق الناقلان وإن اختلف ما نقلاه فلم يكن إبن الصلاح أولى بصحة النقل إلا أن يكون ما نقله هو آخر قولي الحافظ المختلف عنه النقل" هذا إن كان النقل عن معينين "وأما إن لم ينقل إبن الصلاح عمن نقل عنه الخليلي فلا يرد كلامه على الخليلى البتة" لأن كل واحد ناقل عن

غير من نقل عنه الآخر فلا اعترض على واحد منهما.
"والظاهر أن إبن الصلاح لا يخالف في صدور ذلك" أي ما نقله الخليلي "عن كثير" من المحدثين "ولهذا قال" ابن الصلاح "في نوع المنكر ما لفظه وإطلاق الحكم على التفرد بالرد والنكارة والشذوذ موجود في الكلام كثير من أهل الحديث" فهذا نص منه على أن كثيرا من أهل الحديث يطرح الشاذ مطلقا وهو زائد على ما نقله الخليلي فإنه نقل الرد في الضعيف والتقف في الثقة.
"والصواب أن فيه التفصيل الذي بيناه" يريد المصنف قوله آنفا قلت: أما من تفرد عن العالم إلى آخر كلامه إلا أنه يرد عليه ما أورده هو على إبن الصلاح من السؤال ويجاب عنه بأنه يريد ما اختاره لنفسه ولذا قال الصواب أي بالنظر إلى الدليل الذي أبداه عن غيره "يعني في هذا الباب" الذي تقدم قريبا "وهو الكلام على الشاذ" وإذا عرفت أن الصواب ما ذكره الصنف رحمة الله من التفصيل عرفت صحة ما فرعه عليه من قوله "فثبت بهذا أن قدح الحدثين في الحديث بالشذوذ والنكارة مشكل وأكثره ضعيف إلا ما تبين فيه سبب النكارة والشذوذ" فإنه يعلم منه وجه الرد أو غيره.
"وقد يقع منهم" أي من أئمة الحديث الرد بالشذوذ والنكارة "في موضعين: أحدهما: القدح في الحديث نفسه" بأن يقولوا إنه منكر أو شاذ "والثاني: القدح في راوي الشواذ والمناكير" فيقدحون فيه بأنه يروى الشواذ والمناكير "فإذا ثبت بنقل الثقة عن الحفاظ أنهم يعيبون" من العيب "تفرد الثقة بالحديث وإن لم يخالف غيره فقد زادوا على" أبى على "الجبائى فإنه اشترط أن يكون الحديث مرويا ثقتين ولم يقدح في الثقة الواحد إذا روى بل وقف في قبول حديثه يرويه معه آخر" والمحدثون قدحوا في المنفرد ولذا زادوا على أبي علي الجبائي "وهذا غلو منكر وقد جرحوا كثيرا من أهل العلم بذلك وما على الحفاظ أن حفظوا وينسي غيرهم" إذا لم يحفظ الحديث ولا عرفه بل من المشهور أن من حفظ حجة على من لم يحفظ كما قال أبو هريرة لابن عمر رضي الله عنهم في قصة معروفة وبهذا عرفت أن تفرد الثقة لا يكون قدحا فيما رواه ولا يعد شاذا يرد به حديثه.
"وقول ابن الصلاح إن حديث إنما الأعمال بالنيات من الأفراد الصحاح معترض" بأنه ليس من الأفراد "وقد تبع غيره في ذلك فقد قال بذلك جماعة" أي بأنه من الأفراد "وقد اعترضوا في ذلك" وقدمنا شيئا من ذلك "وقد رواه ابن حجر في كتاب

شيخه شيخ الإسلام البلقيني عن عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم لكن من طرق ضعيفة" وحينئذ فلا اعتراض ولا معارضة فتذكر.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري إن حديث إنما الأعمال بالنيات متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ قال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه من الأفراد لأنه لا يروي ذلك عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد قال الحافظ وهو كما قال فإنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد وهو كما قال لكن بقيدين أحدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدار قطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما ثانيهما السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية ثم ساقها في الفتح وقد عرفت مما قدمناه عن ابن حجر أيضا أنه لا اعتراض ولا معارضة إذ المراد أنه فرد باعتبار طريقة الصحيحة غير فرد باعتبار مطلق الطرق كما قال المصنف لكن من طرق ضعيفة والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة: 37 [في بيان حقيقة المنكر وأقسامه]"المنكر" اسم مفعول "قال الحافظ أبو بكر أحمد بن هرون البرديجي" بموحدة مفتوحة وتكسر فراء ساكنة فدال مهملة مكسورة فمثناة تحتية فميم فجيم نسبة إلى برديج بزنة فعليل بلدة بينها وبين برذعة نحو أربعة وعشرين فرسخا ينسب إليها هذا الحافظ وبرذعة بموحدة فراء ساكنة فذال معجمة فعين مهملة وهي مدينة بأران إن حقيقة المنكر "هو الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر" هكذا رواه ابن الصلاح عن الحافظ أبي بكر بلاغا فقال بلغنا عن أبي بكر1.
"ثم اعترضه ابن الصلاح وقال هو ينقسم إلى ما ينقسم إليه الشاذ وهو بمعنى الشاذ قلت: وكان يليق إلا يجعل نوعا وحده" ضقال الحافظ ابن حجر: على قول ابن الصلاح إنه ينقسم إلى ما ينقسم إليه الشاذ ما لفظه هما مشتركان في كون كل واحد منهما على قسمين وإنما اختلافهما في مراتب الرواة فالضعيف إذا انفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن فهذا أحد قسمي الشاذ فغن خولف فيما هذه صفته مع ذلك كان أشد شذوذا وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ تلك المرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط فهذا القسم الثاني من الشاذ وهو المعتمد في تسميته وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ في بعض دون بعض أو الضعيف في بعض مشايخه بشيء لا متابع له ولا شاهد عليه فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث فإن خولف في ذلك فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين.
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 105.

فبان بهذا فصل المنكر من الشاذ وأن كلا منهما قسمان يجمعهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالف انتهى.
وقال في النخبة وشرحها1 وشرح شرحها بعد ذكر نحو ما ذكره الحافظ هنا ما لفظه وعرف بهذا أي بما ذكرناه من التقرير الدال على الفرق بين الشاذ والمنكر أن بينهما عموما وخصوصا من وجه وهو أنه يعتبر في كل منهما شيء لا يعتبر في الآخر ويعتبر في كليهما شيء آخر حيث اعتبر في كليهما مخالفة الأرجح وفي الشاذ مقبولية الراوي وفي المنكر ضعفه لأن بينهما اجتماعا في اشتراط المخالفة وافتراقا في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف أي لسوء حفظه أو جهالته أو نحو ذلك.
قال: وقد غفل أي عن الاصطلاح أو عن هذا التحقيق من سوى بينهما أراد به ابن الصلاح فإنه سوى بينهما. انتهى.
"وقال الحافظ ابن حجر: في مقدمة شرح البخاري" المعروف بفتح الباري "في ترجمة بريد بضم بضم الموحدة هو ابن عبد الله بن أبي برده ابن أبي موسى إن أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة" .
قال ابن الصلاح: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث.
قال ابن حجر: قلت: وهو ما ينبغي التيقظ له فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المنفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده انتهى.
قلت: وفي مقدمة صحيح مسلم وعلامة المنكر في حديث المحدث ما إذا عوضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم ولم يكذبوا فيها فإذا كان الأغلب من حديثه ذلك كان مهجور للحديث غير مقبولة ولا مستعملة فعلى هذا رواية المتروك عند مسلم يسمى منكر قال الحافظ وهذا هو المختار
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 ص 36.

مسألة: 38 [في بيان حقيقة الأفراد]
من أنواع علوم الحديث "الأفراد" لم يفردها بتعريف لأنه يعرف إذ لا يخلو "إما أن يكون الحديث فردا مطلقا" أي غير مقيد بشيء كما يعرف من مقابله "فحكمه حكم الشاذ والمنكر كما تقدم" .
قال الحافظ ابن حجر: إنه ينقسم المطلق إلى نوعين :
أحدهما : تفرد شخص من الرواة بالحديث دون غيره.
والثاني : قد ينقسم أيضا دون غيره قسمين أحدهما بقيد كون الفرد ثقة والثاني لا بقيد .
فأما أمثلة الأول فكثيرة جدا وقد ذكر شيخنا في منظومته له حديث ضمرة بن سعيد بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي واقد في القراءة في الأضحى قال شيخنا لم يروه أحد من الثقات غير ضمرة بن سعيد وله طريق أخرى من طريق عائشة سندها ضعيف انتهى.
قلت: الحديث المشار إليه لفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأضحى والفطر بقاف "واقتربت الساعة" رواه مسلم وأصحاب السنن1.
قال وأما أمثلة الثاني فكثيرة جدا منها في الصحيحين حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس عن عبد الله بن عمر في حصار الطائف تفرد به ابن عيينة عن عمرو وعمرو عن أبي العباس أبو العباس عن عبد الله بن عمر كذلك.
ومثال النوع الثاني حديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهل بن بيضاء له طريقان رواتهما كلهم مدنيون قال الحاكم تفرد أهل المدينة
ـــــــــــــــــــ
1 مسلم في: العيدين: حديث 14, وأبو داود في: الصلاة ب 246. وما لك في العيدين: حديث 8.

بهذه السنة1.
أو يكون مقيدا وهو نوعان :
الأول : قوله: "أو مقيدا بالنسبة إلى الثقات كقولهم لم يروه من الثقات إلا فلان فلا يحتج به إلا أن من رواه من غير الثقات قد بلغ مرتبة الاعتبار" ويأتي تحقيقها قريبا "كذا نص عليه الزين ولفظه إذا كان القيد بالنسبة لرواية الثقة كقولهم لم يروه ثقة إلا فلان فإن حكمه قريب من حكم الفرد المطلق لأن رواية غير الثقة كلا رواية إلا أن يكون قد بلغ رتبة من يعتبر بحديثه انتهى والصحيح أنه يأتي فيه ما يأتي في الشاذ من التفصيل" وقد مضى ذلك.
والثاني : قوله: "أو مقيدا بالنسبة إلى بلد كأفراد الكوفيين والبصريين فلا ضعف فيه" لأنه ليس مفردا ما تفرد به جماعة من أهل الكوفة أو البصرة نعم إن تفرد به واحد منهم فهو الذي أشارة إليه بالاستثناء بقوله "إلا أن ينسب إليه مجازا والمنفرد به واحد منهم" كأن يقال تفرد به الكوفيين مثلا والمنفرد به واحد من أهل الكوفة فنسب التفرد إليهم مجازا من باب عقروا الناقة "فيكون حكمه حكم ما انفرد به واحد كما تقدم" لأنه هو إنما قال فيه بالنسبة.
قلت: قد جعل الحافظ ابن حجر النسبي أربعة أنواع :
الأول : تفرد شخص عن شخص كحديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر في قصة الكدية التي عرضت لهم يوم الخندق أخرجه البخاري2 وقد تفرد به عبد الواحد بن أيمن عن أبيه وقد روى من غير حديث جابر وأمثلة ذلك في كتاب الترميذي كثيرة جدا بل قد ادعى بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من الغرائب من هذا القبيل وليس كما قال لتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق.
الثاني : تفرد أهل بلد عن شخص كحديث القضاة ثلاثة3 تفرد به أهل مرو عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وقد جمعت طرقه في جزء.
الثالث : تفرد شخص عن أهل بلد أخرى مثاله ما رواه أبو داود4 من
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 97: ذكر النوع الخامس والعشرين.
2 البخاري في: المغازي ب 29, والدارمي في: المقدمة: ب 7.
3 الترمذي 1322. والبيهقي 10/116- 117. وشرح السنة10/94.
4 في: الطهارة ب 126. والبيهقي 1/227, 228, والبغوي 1/532.

حديث جابر في قصة الشجوج إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقه قال أبي داود فيما حكاه الدار قطني في السنن هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحلها عنهم أهل الجزيرة انتهى.
قلت: ظاهر هذا الكلام أن التفرد شامل لتفرد الصحابي وأنه يجرى فيه ما ذكر من الأحكام وهو مشكل فإنه كم من حديث تفرد به صحابي فإن خصوا هذا التفرد بمن عدا الصحابة فهو تخصيص لبعض الثقات عن بعض فلينظر وهذا يجرى فيما سلف من بعض أقسام الشاذ.
"وهذا القسم" وهو الأفراد "آخره إبن الصلاح وزين الدين إلى ما بعد الاعتبار والمتابعات ورأيت تقديمه أكثر مناسبة" لما بينه وبين ما سبقه من المناسبة "والله أعلم" .

مسألة: 39 [في بيان حقيقة الاعتبار والمتابعات والشواهد]
من أنواع علوم الحديث "الاعتبار والمتابعات والشواهد" هكذا عبارة ابن الصلاح ضقال الحافظ ابن حجر: عليها قلت: هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد وليس كذلك بل الاعتبار هي الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد وعلى هذا كان حق العبارة أن يقول معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد وما أحسن قول شيخنا في منظومته1:
الاعتبار سبرك الحديث هل تابع راو غيره فيما حمل فهذا سالم من الاعتراض. انتهى.
وذلك لأن الاعتبار هو نقس معرفة القسمين أو علة معرفتهما وليس قسيما لهما لعدم اندراج الثلاثة تحت أمر واحد فإن التقسيم هو ضم القيود المتباينة أو المتخالفة إلى القسم وليس هذا كذلك بل الاعتبار هيئة للتوصل إلى المتابع أو الشاهد فكيف يكون قسما لهما2؟.
"هذه ألفاظ يتداولها أهل الحديث بينهم فالاعتبار" حقيقته أن يأتي المحدث إلى حديث لبعض الرواة فتعتبره بروايات غيره من الرواة واعتباره يكون بسيره أي المحدث أي بتتبعه طرق الحديث ليعرف المحدث هل يشاركه أي يشارك الراوي في رواية ذلك الحديث الذي سبر طرقه راو غيره أي غير ذلك البعض فرواه أي ذلك الغير عن شيخه عن شيخ البعض فيكون شيخا لهما فإذا لم يجد من يشاركه في شيخه تتبع الطرق فإذا لم يجد فيها من رواه عن شيخه فعن شيخ شيخه إلى الصحابي أي يكون السبر والتتبع إلى أن ينتهي إلى الصحابي "فإن وجد من رواه عن أحد منهم" من
ـــــــــــــــــــ
1 1/94/171.
2 أنظر فتح المغيث للسخاوي 1/241.

شيوخه "فهو تابع" أي المروى من طريق أخرى غير طريق البعض فإنه يسمى تابعا فالاعتبار طريق لمعرفة التابع فإن كان عن شيخه فهذه هي المتابعة التامة وظاهر كلامهم أنه لا يطلق عليها اسم الشاهد كما يطلق على ما يأتي في قوله "وقد يسمى ما وجد من التوابع عن شيخ شيخه فمن فوقه شاهدا كما يسمى تابعا" وهو ظاهر في أنه لا يسمى القسم الأول شاهدا "وإن لم يجد" بعد تتبع الطرق عن شيخه ولا عن الشيخ شيخه "نظرت: هل رواه أو معناه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق ذلك الصحابي فإن وجدت فهو شاهد" ولا يسمى تابعا.
"وسيأتي في مراتب الجرح والتعديل بيان من يعتبر به في التوابع والشواهد إن شاء الله تعالى" فالمعتبر إما أن يجد من رواه عن شيخ ذلك الراوي الذي هو بصدد اعتبار روايته فهي المتابعة التامة أو لا يجده لكنه وجده عن شيخ شيخه فهي متابعة ويقال لها شاهدا أولا يجد إلا عن صحابي آخر فهو شاهد لا غير لكنه قسمان إما أن يجده بلفظه أو بمعناه فكانت الأقسام أربعة متابعة تامة متابعة غير تامة شاهد باللفظ شاهد بالمعنى.
مثال المتابعة التامة ما رواه الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون ولا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فإن الحديث المذكور في جميع الموطآت عن مالك بهذا الإسناد فأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي1 فهذه متابعة تامة في غاية الصحة لرواية الشافعي والعجب من البيهقي كيف خفيت عليه ودل أن مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا قاله الحافظ ابن حجر.
قلت: لا عجب من البيهقي لأنه إنما ذكر أن الشافعي تفرد بذلك اللفظ عن رواية الموطات وهذا صحيح وليس في كلامه أنه لا متابع له بل القول بأن رواية البخاري متابعة تامة دليل تقرير كلام البيهقي في تفرد الشافعي.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الصوم: ب 11, ومسلم في: الصيام: حديث 5, 6, واحمد 1/218.

ثم قال الحافظ وقد توبع عليه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر رضي الله عنهما أحدهما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث وفي آخره فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين الثاني أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين فهذه متابعة أيضا لكنها ناقصة.
وأما شاهده فله شاهدان أحدهما من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم عن سعيد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة ولفظه فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وثانيهما من حديثابن عباس أخرجه النسائي من رواية عمر وبن دينار عن محمد بن حنين بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر فهذا مثال صحيح بطريق صحيحة للمتابعة التامة والمتابعة الناقصة والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى انتهى.
"وإن لم يجد شيئا من التوابع والشواهد فالحديث فرد من الأفراد ولم يمثله ابن الصلاح ولا زين الدين بمثال مرضي" بل ولا غير مرضي فإنهما لم يذكرا له مثالا أصلا.
فائدة قال ابن الصلاح: واعلم أن هذا التتبع يكون من الجوامع وهي الكتب التي جمعت فيها الأحاديث على ترتيب أبواب كتب الفقه كالأمهات الست أو ترتيب الحروف الهجائية كما فعله ابن الأثير في جامع الأصول أو ترتيبه عليها نظرا إلى أول حرف في كل حديث ومن المسانيد وهي من الكتب التي جمع فيها مسند كل صحابي على حدة على اختلاف في مراتب الصحابة وطبقاتهم والتزام نقل ما ورد عنهم صحيحا كان أو ضعيفا ومن الأجزاء وهي ما دون فيه حديث شخص واحد أو أحاديث جماعة من مادة واحدة.
* * *

مسألة: 40 [في زيادة الثقات]
من أنواع علوم الحديث "زيادة الثقات هي فن لطيف تستحسن العناية قه وقد كان الفقيه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري مشهور بمعرفة ذلك وكذلك أبو الوليد حسان بن محمد القرشي تلميذ ابن سريج وغير واحد من أئمة الحديث" هذا كلام ابن الصلاح وزين الدين وزاد وأبو نعيم الجرجاني ولكنه قال بزيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث.
قال عليه الحافظ ابن حجر مراده بذلك الألفاظ التي يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما رواه الفقهاء دون المحدثين في الأحاديث فإن تلك تدخل في المدرج لا في هذا وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهرا لأن العلامة مغلطاوي استشكل ذلك على المصنف ودل أنه ما فهم مغزاه قال ابن حبان في مقدمة الضعفاء لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صنعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة زادها في الخبر حتى كأن السنن نصب عينيه إلا محمد بن اسحق بم خزيمة فقط.
"واختلف العلماء فيها" أي في حكم الزيادة من الثقات "فالذي عليه أئمة أهل البيت قبولها وهو الذي حكاه الخطيب عن الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث وادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا عند أهل الحديث" فقال في مسألة الانتصار لا خلاف نجده بين أهل الصنعة أن الزيادة من الثقة مقبولة.
"وشرط أبو بكر الصيرفي الشافعي والخطيب أن يكون راويها حافظا" الظاهر أن هذا الشرط لا خلاف فيه للعمل بها.
"و" شرط "ابن الصباغ" في العدة "أن لا يكون" راوي الزيادة "واحدا ومن روى الحديث ناقصا" عن تلك الزيادة "جماعة" فاعل روى منصفين بأن "لا يجوز عليهم الوهم ومجلس الحديث" الذي سمع فيه راوي الزيادة وراوي النقص "واحد" فهذه

ثلاثة شروط زادها ابن الصباغ وكأن دليله عليها أنه يبعد أن يحفظ واحد ولا يحفظ جماعة ومجلس السماع والشيخ واحد فإن الوهم يتطرق إلى الواحد دون الجماعة.
ولهذا تنتقض القاعدة المشهورة بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ بالتخصيص بمثل هذه الصورة ولم يستدل المصنف لهذا القول كما لم يستدل لغيره ولعله يقول دليل قبولها مطلقا ما علم من دليل وجوب قبول خبر الآحاد وبهذا احتج من قبل الزيادة مطلقا وهم الأولون فقالوا إن الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولا فكذلك انفراده بالزيادة ورد هذا الاحتجاج من لم يقبله بأنه ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان مقبولا كما سبق بيانه في نوع الشاذ وبالفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة فإن تفرده بالحديث لا يتطرق نسبة السهو والغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة في روايته لهم بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظا وأكثر عددا فإن الظن غالب بترجيح روايتهم على روايته ومبني هذا الأمر على غلبة الظن واحتج بعض الأصوليين أنه من الجائز أن يقول الشارع كلاما في وقت فيسمعه شخص ويزيده في وقت آخر فيحضره غير الأول ويؤدي كل ما سمع وبتقدير اتحاد ا لمجلس فقد يحضر أحدهما في أثناء الكلام فيسمع ناقصا وبضبطه الآخر تاما أو ينصرف أحدهما قبل تمام الكلام ويتأخر الآخر وبتقدير حضورهما فقد يذهل أحدهما أو يعرض له ألم أو جوع أو فكر شاغل أو نحو ذلك من العوارض ولا يعرض لمن حفظ الزيادة.
وأجيب عن هذا بأن الذي يبحث فيه المحدثون في هذه إنما هو في زيادة أحد روايتي التابعين فمن بعدهم أما الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين في قصة آخر من يخرج من النار وأنه تعالى يقول له بعد ما يتمنى "لك ذلك ومثله معه" وقال أبو سعيد الخدري أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لك ذلك وعشرة أمثاله معه" 1 ونحوه من الأمثلة كثير وأنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه كمالك عن نافع عن ابن عمر إذا روى الحديث جماعة من الحفاظ الإثبات العارفين بحديث ذلك
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الرقاق: ب 51, وابن ماجة في: الزهد: ب 39, وأحمد 1/460.

الشيخ وانفرد دونهم بعص رواته بزيادة فيه فإنها لو كانت محفوظة ما غفل الجمهور من رواته عنها وينفرد واحد بحفظها دونهم مع توفر دواعيهم إلى الأخذ عنه وجمع حديثه فإن ذلك يقتضي ريبة توجب التوقف عنها.
قلت: وبمعرفتك محل النزاع تعرف عدم نهوض الاحتجاج بقبوله صلى الله عليه وسلم خبر الأعرابي برؤية الهلال وقبول خبر ذي اليدين وأبي بكر وعمر كما استدل به البرماوي.
"والقول الثاني" هذا مقابل لقوله فالذي عليه أئمة أهل البيت فإنه القول الأول "أنها لا تقبل الزيادة مطلقا" ممن رواه ناقصا ومن غيره "حكاه" أبو بكر "الخطيب" البغدادي "في الكفاية وابن الصباغ في العدة عن قوم من أصحاب الحديث" وروايته للقبول ع جمهور المحدثين وروايته لعدم قبوله عن قوم منهم.
قال الحافظ ابن حجر: والذي اختاره يعني الخطيب لنفسه أن الزيادة مقبولة إذا كان راويها عدل حافظا متقنا ضابطا قال قلت: وهذا متوسط بين المذهبين فلا ترد الزيادة من الثقة مطلقا ولا تقبل مطلقا.
"والثالث" من الأقوال التفصيل وهو "أنها لا تقبل ممن رواه ناقصا وتقبل من غيره من الثقات حكاه الخطيب عن فرقة من الشافعية وفي المسألة أقوال غير هذه" .
قلت: ذكر البرماوي في شرح ألفيته في أصول الفقه عشرة أقوال.
"وقد قسمه" أي ما يرى بالزيادة "ابن الصلاح إلى ثلاثة أقسام" :
"أحدهما: ما يقع منافيا لما قد رواه الحافظ فهو مردود كما مر في الشاذ" .
"الثاني ما تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما روى الغير لمخالفة أصلا فهذا مقبول وقد ادعى فيه اتفاق العلماء وقد تقدم أيضا في الشاذ" قال ابن الصلاح: قد سبق مثاله في نوع الشاذ.
"الثالث ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظ في حديث لم يذكرها" تلك الزيادة "سائر من روى ذلك الحديث" المجرد عن الزيادة قال ابن حجر: هذا التفصيل قد سبق المؤلف إليه يريد ابن الصلاح إمام الحرمين في البرهان فقال بعض أن حكى عن الشافعي وأبي حنيفة قبول زيادة الثقة هذا عندي فيما إذا سكت الباقون فإن صرحوا بنفي ما نقله هذا الراوي مع إمكان اطلاعهم فهذا يوهن قول قابل الزيادة.
وفضل أبو نصر ابن الصباغ في العدة تفصيلا آخرين أن يتعدد المجلس فيعمل بهما

لأنهما كالخبرين أو يتحد فإن كان الذي نقل الزيادة واحدا والباقون جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت الزيادة وإن كان بالعكس أو كان كل من الفريقين جماعة فالقبول وكذا إن كان كل منهما واحد حيث يستويان وإلا فرواية الضابط منهما أولى بالقبول.
وقال الإمام فخر الدين: إن كان الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها فلا يقبل ذلك إن صرح بنفيها وإلا قبلت.
وقال الآمدي وجرى عليه ابن الحاجب إن اتحد المجلس فإن كان من لم يروها قد انتهوا إلى حد لا تقضي العادة بغفلة مثلهم عن سماعها والذي رواها واحد فهي مردودة وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد فاتفق جماعة الفقهاء والمتكلمين على قبول الزيادة خلافا للجماعة ثم قال فائدة حكى ابن الصلاح عن الخطيب فيما إذا تعارض الوصل والإرسال أن الأكثر من أهل الحديث يرون أن الحكم للمرسل وحكى هنا عنه أن الجمهور من أئمة الفقه والحديث يرون أن الحكم لمن أتى بالزيادة إن كان منه وهو ظاهر التعارض ومن أبدى فرقا بين المسألتين فلا يخلو عن تكلف وتعسف وقد جزم ابن الحاجب أن الكل بمعنى واحد فقال إذا أسند الحديث وأرسلوه أو رفعه ووقفوه أو وصله وقطعوه فحكمه حكم الزيادة في التفصيل السابق ثم ذكر جوابا لا يخلو عن تكلف وتعسف.
"ومثله ابن الصلاح1 بما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين2" قال ابن الصلاح: فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة من المسلمين "وروى عبيد الله" مصعر "ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من الأئمة منهم الشافعي وأحمد قال الزين وهذا المثال غير صحيح فقد تابع مالكا على ذلك" أي على زيادة من المسلمين "عمر بن نافع" أي العدوي مولى ابن عمر ثقة "والضحاك بن عثمان" بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي بكسر أوله وبالزاي أبو عثمان النهدي
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 113.
2 البخاري في: الزكاة: ب 70, 71, ومسلم في: الزكاة: حديث 12, 13, 16. وأحمد 2/102.

"ويونس بن يزيد وعبد الله بن عمر" البصري وأبو المظفر السري بالتشديد العطار "والمعلي بن إسماعيل" لم أجده في الميزان ولا في التقريب ثم رأيت في نكت البقاعي أنه قال فيه أبو حاتم الرازي ليس بحديثه بأس صالح الحديث لم يرو عنه غير أرطاة وذكره ابن حبان في الثقات وحديثه هذا أخرجه ابن حبان في صحيحه والدار قطني في سننه عن أرطاة بن منذر عن المعلي بن إسماعيل عن نافع بالزيادة المذكورة وكثير بن فرقد نزيل مصر ثقة وثقة ابن معين وأبو حاتم وأخرج له البخاري قاله البقاعي في نكته وروايته أخرجها الحاكم في المستدرك من رواية الليث بن سعد عن "كثير بن فرقد" عن نافع وقال فيها من المسلمين وأخرجها الدار قطني في السنن وقال الحاكم هذا الحديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه "واختلف في زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب" .
واعلم أن أصل التمثيل للزيادة وقع للترمذي لأنه قال ما لفظه حديث ابن عمر رواه مالك عن نافع عن ابن عمر نحو حديث أيوب وزاد فيه من المسلمين ورواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه من المسلمين انتهى فتبعه ابن الصلاح واعترضه النووي بقوله لا يصح التمثيل بهذا الحديث لأنه لم ينفرد به بل وافقه في الزيادة عمر بن نافع بن عمر والضحاك بن عثمان والأول في صحيح البخاري والثاني في صحيح مسلم وقد تعقب النووي الشيخ تاج الدين التبريزي بقوله إنما مثل به حكاية عن الترمذي فلا يرد عليه شيء وتعقب بأن ابن الصلاح أقره ورضيه فورد عليه ما ورد على الترمذي.
فعرفت أن القول بأنها زيادة تفرد بها مالك كلام الترمذي وأنه قد سبق بالاعتراض على ابن الصلاح النووي.
وقال ابن حبان أورده بالزيادة الحاكم والدار قطني والطحاوي وبدونها مسلم وللزيادة شاهد وهو حديث ابن عباس عند أبي داود1 فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وأخرجه الحاكم2 والدار قطني ووجه الدلالة فيه أن الكافر لا طهرة له. انتهى.
"قال" أي الزين "والصحيح في المثال" ما ذكره ابن الصلاح أيضا وهو "حديث
ـــــــــــــــــــ
1 في: الزكاة: ب 18. وابن ماجة في: الزكاة: ب 61.
2 علوم الحديث ص 131.

"جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" زاد فيه "وتربتها طهورا" 1 أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي وانفرد بذلك من دون سائر الرواة" قال الزين بعد هذا والحديث رواه مسلم والنسائي2 من رواية الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال عليه الحافظ ابن حجر وهذا التمثيل ليس بمستقيم أيضا لأن أبا مالك قد تفرد برواية جملة الحديث عن ربعي بن خراش كما تفرد بروايته ربعي عن حذيفه فإن أراد أن لفظة تربتها زائدة في هذا الحديث على باقي الأحاديث في الجملة فإنه يرد عليه أنها في حديث علي رضي الله عنه كما نبه عليه شيخنا وإن أراد أن أبا مالك تفرد بها وأن رفقته عن ربعي لم يذكروها كما هو ظاهر كلامه فليس صحيح.
قلت: وحديث علي أخرجه أحمد في مسنده بإسناد حسن بلفظ وجعل التراب لي طهورا وأخرجه البيهقي أيضا.
"قال ابن الصلاح: وفي هذا القسم شبه من القسم الأول المردود" وهو أول الأقسام الثلاثة من تقسيم ابن الصلاح "من حيث أن ما رواه الجماعة عام" لأجزاء الأرض "وهذا مخصوص" بالتربة "وفي ذلك نوع مخالفة ومغايرة" وهي مغايرة الخاص والعام "ويشبه القسم الثاني" من الثلاثة وهو "المقبول من حيث إنه لا منافاة بينهما" إذ لا منافاة بين عام وخاص في الحقيقة ولذا قال في العبارة الأولى نوع مخالفة.
"قلت: وهو موضع ترجيح واجتهاد" في القبول وعدمه وحيث لا يحصل موجب الرد فالأصل وجوب قبول الثقات وقد يقع الغلط في الحكم بالانفراد أي في حكم العالم بأن هذا الحديث أو الزيادة تفرد بها الراوي لأن الأصل عدمه فلا يحكم به إلا بدليل كذا عللوه والانفراد وعدمه ليس أحدهما أصلا بل يتوقف الحكم بهما على البحث والاستقراء "فهذا ابن الصلاح غلط على مالك في ذلك" كما عرفت آنفا "وهو" أي ابن الصلاح "من أئمة هذا العلم فكيف بغيره قال ابن الصلاح: وبين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه" إذ الوصل زيادة ثقة "وقد قدمنا الكلام عليه" أي في القسم الثالث.
"قال" أي ابن الصلاح "ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث وترجيحه"
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 1/91, ومسلم في: المساجد: حديث 3. وأبو داود 489. والترمذي 317, وأحمد 1/250.
2 2/56.

أي الأرسال "من قبيل تقديم الجرح على التعديل" لأنه بإطراح من وصل كان كالجرح له "قال ويمكن أن يجاب عنه بأن الجرح إنما قدم لما فيه من زيادة الثقة والزيادة هنا مع من وصل" وليس في عبارة ابن الصلاح لفظ يمكن.
* * *

مسألة: 41 [في بيان المعل, وأقسامه, وحكمه]
من أنواع علوم الحديث "المعل هو الذي يسمى عندهم المعلل والمعلول" وهذا على خلاف قياس اللغة كما يأتي.
"قال زين الدين: ويسمى الحديث الذي شملته علة معللا ولا يسمى معلولا" فإنه قال1:
وسم ما بعلة مشمول معللا ولا تقل معلول "وقد وقع في عبارة كثير من أهل الحديث تسميته بالمعلول وذلك موجود في كلام الترمذي وابن عدي2 والدار قطني وأبي يعلي الخليلي والحاكم وغيرهم قال ابن الصلاح: وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة3 وقال النووي أنه لحن قال زين الدين والأجود في تسميته المعل" قال وكذلك هو في عبارة بعضهم "وأكثر عباراتهم في الفعل أنهم يقولون أعله فلان بكذا وقياسه معل وهو المعروف في اللغة قال الجوهري لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة" وفي القاموس العلة المرض عل واعتل وأعله الله فهو معل وعليل ولا يقال معلول والمتكلمون يستعملونها.
"وقال صاحب المحكم" وهو علي بن أحمد بن سيده اللغوي النحوي الأندلسي أبو
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 1/104/193.
2 ابن عدي هو: الإمام الحافظ الكبير أبة أحمد عبد الله بن عدي بن محمد بن مبارك الجرجاني صاحب الكامل في الجرح والتعديل قال الخليلي: كان عديم النظير حفظا وجلالة. مات سنة 365. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/283, وشذرات الذهب 3/51, والعبر 2/337.
3 علوم الحديث ص 115.

الحسن الضرير كان من أئمة اللغة عارفا بالأشعار واللغة وأيام العرب وفاته سنة ثمان وخمسين وأربعمائة "واستعمل أبو اسحق" لعله الزجاج "لفظة المعلول في المتقارب من العروض قال والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا كثيرا" هذا هو مقول صاحب المحكم ثم "قال وفي الجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج" بالمثلثة واللام مفتوحتين وبالجيم وقال في القاموس ثلجت نفسي كنصر وفرح ثلوجا وثلجا اطمأنت انتهى "لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جنته ورسللته ولم يستعملا في الكلام واستفنى عنهما بأفعلت قال" أي صاحب المحكم أو سيبويه "وإذا قالوا" أي العرب "جن وسل" بالبناء للمفعول "فإنما يقولون" إذا أرادوا الأخبار عما وقع فيه "جعل فيه الجنون والسل كما قالوا حزن" بالحاء المهملة والزاي من الحزن هكذا رأيناه في التنقيح مضبوطا والذي في نكت البقاعي ما يفيد أنه بالقاف آخره قال إنه قال ابن الصلاح: حرق الرجل كعنى زال حق وركه وفي مختصر العين للزبيددي والحارقة عصبة متصلة بين وابلة الفخذ والعضلة وإذا انقطعت الحارقة ولم تلتئم قيل رجل محروق وقد حرق انتهى والوابلة بالموحدة طرف رأس العضلة والفخذ أو طرف الكتف أو عظم في مفصل الركبة أو ما التف من عظم الفخذ قاله في القاموس وفسل بالفاء المهملة من الفسالة يقال فسل ككرم وعلم فسالة وفسولة والفسل الرذل الذي لا مروة له كالمفسول قاله في القاموس.
إذا عرفت هذا عرفت أن هذا البناء إنما يكون من المتعدي ولا تعدية هنا فجاء على خلاف القاعدة "انتهى" .
وهذا من اضبط تخميني إذ اللفظ في نسخ التنقيح غير واضح ولا متجه المعنى وهو منقول من شرح الأنفيه والزين نقله من المحكم فينظر وفي القاموس جن بالضم جنا وجنونا واستجن بنيا للمفعول وتجنن وتجانن وأجنه الله فهو مجنون انتهى.
وأما علله فيستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه عن الشيء وشغله من تعليل الصبي بالطعام يعني فلا يقال علل الحديث بمعنى أعله فليس بينهما مناسبة في اللغة وهو ظاهر إذ لا تلاقي بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي وهو المراد بالمناسبة.
"قال" أي زين الدين في تعريف العلة التي بحثنا فيها "والعلة" في اصطلاح أئمة

الحديث "عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت" بالهمزة "على الحديث فأثرت فيه أي قدحت في صحته" ولذا أخذوا في رسم الصحيح أن لا يكون شاذا ولا معللا.
قلت: وكان هذا تعريف أغلبي للعلة وإلا فإنه سيأتي أنهم قد يعلون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة ويعلون بما لا يؤثر في صحة الحديث ويأتي في آخر البحث تحقيق ذلك.
واعلم أن الرسم للعلة ذكره ابن الصلاح وتبعه الزين ونقله المصنف وضقال الحافظ ابن حجر: على كلام ابن الصلاح.
قلت: هذا تحرير كلام الحاكم في علوم الحديث1 فإنه قال وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فتخفى عليهم عملته والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع معلولا ولا الحديث الذي في رواته مجهول أو مضعف معلولا وإنما يسمى معلولا إذا آل أمره إلى شيء من ذلك وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود انتهى.
"وتدرك العلة بتفرد الراوي ومن التنبيه" بالمثناة من فوق من نبه "على ذلك" على الإعلال بالتفرد والإشارة إليه "قوله تعالى: {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] بعد قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] في الكشاف القول القرآن أفلم يدبروه ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروه واستدعوه كقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 6] أو ليخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وآباؤهم إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان انتهى.
فالتنبيه بالآية على ما قاله المصنف يتم على أحد الاحتمالين "ففيه" أي في قوله تعالي: {أَمْ جَاءَهُمْ} الآية- دليل "أن الفطر مجبولة" مخلوقة "على الشك في الشاذ في المنكر وأن العذر" لمن رده "بذلك شائع" وهذا في نكارة القول وشذوذه وغرابته وفي الحديث حدثوا الناس بما تسعه عقولهم أتحبون أن يكذب الله ورسوله2 وهو أيضا
ـــــــــــــــــــ
1 ص 112-113.
2 الكنز 8/293.

دليل على نفرة العقول عن الشاذ من الأقوال المستغربة.
قلت: ولو أتى المصنف بالآية الثانية وهي قوله: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 69] بكان آتيا بما فيه الإشارة إلى نكارة المخبر والراوي وأن عدم معرفته عذرا أيضا في عدم قبوله والتشكك في قوله وسيأتي أنه يعل بفسق الراوي وضعفه ويصدق عليه أنه لم يعرف بالعدالة التي هي مدار المقبول.
"ومن ذلك" أي من التنبيه والإشارة "حديث ذي اليدين" تقدم اسمه وقصته "فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ما قاله لتفرده به حتى وافقه عليه الحاضرون" حين سألهم صلى الله عليه وسلم عن حقيقة ما قاله ذو اليدين.
"ومخالفة غيره" غير الراوي "له" وهو عطف على قوله تفرد الراوي وهو الثاني مما تدرك به العلة "مع قرائن تنضم إلى ذلك يهتدي الناقد بها إلى اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك" مما ذكر "بحيث غلب على ظنه ذلك فأمضاه" برده الحديث "وحكم به أو تردد في ذلك" فلم يرده ولم يعلم به "فوقف وأحجم عن الحكم بصحة الحديث فإن لم يغلب ظنه صحة الإعلال" أحسن المصنف بهذه العبارة وعدوله عن عبارة غيره بالتعليل "بذلك فظاهر الحديث المعل السلامة من العلة" أي من وجودها فيه "حيث تثبت من طريق مقبولة" تنتهض على صحة الإعلال.
"قال الخطيب1 السبيل إلى معرفة علة الحديث أن تجمع بين طرقه وتنظر في اختلاف رواته وتعتبر" أي الخطأ والصواب "بمكانهم من الحفظ" وقد مثله ابن الصلاح والزين بحديث أنس ابن مالك في البسملة وهو مثال العلة في المتن وبحديث كفارة المجلس في علة الإسناد2 وقد أطال الكلام في ذلك الحافظ ابن حجر وأتى ببيان طرق الحديثين بما فيه طول فمن أراد التوسع طالع ذلك.
"وقال ابن المديني الباب إذا لم تجتمع طرقه لم يتبين خطاؤه" ضقال الحافظ ابن حجر: وهذا الفن يعني التعليل أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما عاليا واطلاعا حاويا وإدراك المراتب الرواة ومعرفة شافية ولم يتكلم فيه إلا إفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله عز وجل
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 117.
2 المصدر السابق.

فيهم من معرفة ذلك والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك. انتهى.
ثم أخذ في تقسيم محلات العلة فقال "والعلة تكون في الإسناد" كالوصل في المرسل والرفع في الموقوف "وهو الأغلب و" قد تكون "في المتن" باختلاف ألفاظه "ثم العلة في الإسناد" تنقسم باعتبار القدح فإنها "قد تقدح في المتن كالإعلال بالإرسال وقد لا تقدح" فيه "كالإعلال بوهم الراوي في اسم أحد رجال الإسناد مع ثبوت الإسناد عن الثقات على الصواب من غير رواية ذلك" الراوي "الذي وهم" قال البقاعي الكلام الضابط أن يقال الحديث لا يخلو إما أن يكون فردا أوله أكثر من إسناد فالأول يلزم من القدح في سنده القدح في متنه وبالعكس والثاني لا يلزم من القدح في أحدهما القدح في الآخر.
وقال الحافظ ابن حجر: قلت: إذا وقعت العلة في الإسناد فقد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن وكذا القول في المتن سواء فالأقسام على هذا ستة.
فمثال ما وقعت العلة في الإسناد ولم تقدح مطلقا ما يوجد مثلا مدلسا بالعنعنة فإن ذلك يوجب التوقف عن قبوله فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح فيها بالسماع تبين أن العلة غير قادحة وكذا إذا اختلف في الإسناد على بعض رواته فإن ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه فإن أمكن الجمع بينهما على طرائق أهل الحديث بالقرائن التي تحف الإسناد أن تلك غير قادحة.
ومثال ما وقعت العلة فيه في الإسناد ويقدح فيه دون المتن ما مثل به المصنف يريد ابن الصلاح من إبدال روايته وهو بقسم مقلوب المتن أليق فإن أبدل راو ضعيف براو ثقة وتبين الوهم فيه استلزم القدح في المتن أيضا إن لم يكن له طريق أخرى صحيحة ومن أغمض ذلك أن يكون الضعيف موافقا للثقة في اسمه ومثال ذلك ما وقع لأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي أحد الثقات عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وهو من ثقات الشاميين قدم الكوفة فكتب عنه أهلها ولم يسمع منه أبو أسامة ثم قدم بعد ذلك الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تيميم وهم من ضعفاء الشاميين فسمع منه أبو أسامه وسأله عن اسمه فقال عبد الرحمن بن يزيد فظن أبو أسامة أنه ابن جابر فصار يحدث عنه وينسبه من قبل نفسه فيقول حدثنا عبد الرحمن

بن يزيد بن جابر فوقعت المناكير في رواية أبي أسامة عن ابن جابر وهما ثقتان فلم يفظن لذلك إلا أهل النقد فميزوا ذلك ونصوا عليه كالبخاري وأبي حاتم وغير واحد ومثال ما وقعت فيه العلة في المتن دون الإسناد ولا يقدح فيهما ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين إذا أمكن الجمع رد الجميع إلى معنى واحد فإن القدح ينتفي عنهما وسنزيد ذلك أيضاحا في النوع الرابع إن شاء الله تعالى.
ومثال ما وقعت فيه العلة في المتن واستلزمت القدح في الإسناد ما يرويه راو بالمعنى الذي ظنه يكون خطأ والمراد بلفظ الحديث غير ذلك فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي فيعلل الإسناد.
ومثال ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد ما ذكره المصنف من أحد الألفاظ الواردة في حديث أنس وهي قوله لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها فإن أصل الحديث في الصحيحين بلفظ البخاري وكانوا يفتتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولفظ مسلم في رواية نفي الجهر وفي رواية أخرى نفي القراءة ثم تكلم على تلك الروايات بما يطول ذكره1.اهـ.
ولما ذكر زين الدين في منظومته ما أفاده قوله2:
وكثر التعليل بالأرسال للوصل لا يقوي على اتصال
وقد يعلون بنوع قدح فسق وغفلة ونوع جرح قال مشيرا إلى ذلك "وقد يعلون" أي: أئمة الحديث "الحديث بأشياء لست غامضة كالإرسال وفسق الراوي وضعفه وذلك موجود في كتب العلل" وقد قدمنا لك أن التعريف للعلة أغلبي "ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه" ليعرف الرواة الإرسال والوصل والوقف والرفع.
"وبعضهم" أي بعض أئمة الحديث هكذا أجمله ابن الصلاح وبينه الزين بأنه أبو يعلي الخليلي كما ذكره المصنف "يعل الحديث بما لا يقدح في صحته كإسناد منقطع أقوى من إسناد موصول" قال الزين كالحديث الذي وصله الثقةالضابط فأرسله غيره "حتى عد" ذلك البعض "من أنواع المعل ما هو صحيح معل" فلا منافاة عنده بين الصحة
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الأذان: ب 89. وأبو داود في: الصلاة ب 122. والترمذي في: المواقيت: ب 68, واحمد 3/101.
2 فتح المغيث 1/112- 205.

والإعلال فعلى هذا فإنه يحذف قيد ولا ولا علة من رسم الصحيح "كما أن من الحديث ما هو صحيح شاذ" كأن المراد عند ذلك البعض فيحذف أيضا قيد ولا شاذ من الرسم "وهو مذهب أبي يعلي الخليلي في الأمرين" وعبارة الزين وقائل ذلك هو أبو يعلي الخليلي قال في كتاب الإرشاد إن الأحاديث على أقسام كثيرة صحيح متفق عليه وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه ثم ذكر ما مثل به الخليلي الصحيح المعل وأغرب ما ذكر من الإعلال جعل النسخ علة كما فعله الترمذي وأشار إليه زين الدين بقوله1:
والنسخ سمى الترمذي علة فإن يرد في عمل فاجنح له وقال غنه من زوائده على ابن الصلاح وقول الزين فإن يرد بضم حرف المضارعة من الإرادة أي إن يرد الترمذي أن النسخ علة في العمل فهو صحيح ولهذا قال فاجنح من الجنوح أي من إليه وإن أراد علة في صحة نقله فلا لأن في الصحيح أحاديث منسوخة كثيرة انتهى.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 1/113/208.

مسألة: 42 [في حقيقة المضطرب وأنواعه وحكمه]
من أنواع علوم الحديث المضطرب يحتمل أنه مأخوذ من اضطرب بمعنى
اختل أو من اضطرب القوم إذا اختلفت كلمتهم وحقيقته "هو ما اختلف كلام راويه فيه" المراد جنس الراوي الواحد فلا يشمل اختلاف الأكثر لأنه سيذكره المصنف وقال زين الدين1:
مضطرب الحديث ما قد رودا مختلفا من واحد فأزيدا "فرواه مرة على وجه ومرة على وجه مخالف له وهكذا إذا اضطرب فيه راويان فأكثر فرواه كل واحد على وجه مخالف للآخر" .
قال الحافظ العلائي: ذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما غامضا واطلاعا حاويا وإدراك كالمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة. انتهى.
قلت: هو كما قاله الحافظ في بحث الإعلال والبحثان متقاربان جدا والاضطراب نوع من الإعلال.
ثم أشار إلى تقسيمه إلى قسمين فقال: "وقد يكون" الاضطراب "في المتن" في ألفاظه "وفي السند" كذا قاله ابن الصلاح إلا أنه زاد بعد هذا وقد يكون من راو واحد وقد يكون من رواة. انتهى.
ونقل الحافظ ابن حجر عن الحافظ العلائي أنه قال:
الاختلاف تارة يكون في المتن وتارة في السند فالذي في السند يتنوع أنواعا :
أحدها: تعارض الوصل والإرسال.
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 1/113/209.

ثانيها : تعارض الوقف والرفع.
ثالثها : تعارض الاتصال والانقطاع.
رابعها : أن يروي الحديث قوم مثلا عن رجل عن تابعي عن صحابي ويرويه ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه.
خامسها : زيادة رجل في أحد الإسنادين.
سادسها : الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان مترددا بين ثقة وضعيف.
فأما الثلاثة الأول : فقد تقدم القوم فيها وأن المختلفين إما أن يكونا متماثلين في الحفظ والإتقان أم لا فالمتماثلون إما أن يكون عددهم من الجانبين سواء أم لا فإن استوى مع استواء أوصافهم وجب التوقف حتى يترجح أحد الفريقين بقرينة من القرائن فمتى اعتضدت أحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكم بها ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث بل كل حديث يقوم به مرجح خاص لا يخفي على الممارس الفظن الذي أكثر من جمع الطرق ولهذا كان مجال النظر في هذا أكثر من غيره وإن كان أحد المتماثلين أكثر عددا فالحكم لهم على قول الأكثر وقد ذهب قوم إلى تعليله وإن كان من وصل أو رفع أكثر والصحيح خلاف ذلك وأما غير المتماثلين فإما أن يتساووا في الثقة أولا فإنتساووا في الثقة فإن كان من وصل أو رفع أحفظ فالحكم له ولا يلتفت إلى تعليل من علله بذلك أيضا وإن كان العكس فالحكم للمرسل والواقف وإن لم يتساووا في الثقة فالحكم للثقة ولا يلتفت إلى تعليل م علله برواية غير الثقة إذا خالف.
هذا جملة تقسيم الاختلاف وبقي إذا كان رجال أحد الإسنادين أحفظ والآخر أكثر فقد اختلف المتقدمون فيه فمنهم من يرى قول الأحفظ أولى لإتقانه وضبطه ومنهم من يرى قول الأكثر أولى لبعدهم من الوهم ولا شك أن الاحتمال من الجهتين منقدح قوي لكن ذلك إذا لم ينته عدد الأكثر إلى درجة قوية جدا بحيث يبعد اجتماعهم على الغلط أو يتعذر أو يمتنع عادة فإن نسبة الغلط إلى الواحد وإن كان أرجح من أؤلئك في الحفظ والإتقان أقرب من نسبته إلى الجمع الكثير.
ثم ذكر أمثلة من ذلك وقال:
وأما النوع الرابع : وهو الاختلاف في السند- فلا يخلو إما أن يكون الرجلان ثقتين أم لا فإن كانا ثقتين فلا يضر الاختلاف عند الأكثر لقيام الحجة بكل منهما فكيفما

دار الإسناد كان عن ثقة وربما احتمل أن يكون الراوي سمعه منها جميعا وقد وجد ذلك في كثير من الحديث لكن ذلك يقوى حيث يكون الراوي ممن له اعتناء بالطلب وتكثير الطرق وأما ما ذهب إليه كثير من أهل الحديث من أن الاختلاف دليل على عدم ضبطه في الجملة فيضر ذلك لو كانت رواته ثقات إلا أن يقوم دليل أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعا أو بالطريقين جميعا فهو رأي فيه ضعف لأنه كيفما دار عن ثقة وفي الصحيحين من ذلك جملة أحاديث لكن لا بد في الحكم بصحة ذلك من سلامته من أن يكون غلطا أو شاذا.
وأما إذا كان في أحد الروايتين المختلف فيهما ضعيفا لا يحتج به فههنا مجال للنظر وتكون تلك الطريق التي سمى الضعيف فيها وحصل الحديث عنه لا لوقف أو إرسال بالنسبة إلى الطريق الأخرى فكل ما ذكرنا هناك من الترجيحات يجيء هنا.
ويمكن أن يقال في مثل هذا يحتمل أن يكون الراوي إذا كان مكثرا قد سمعه منهما أيضا كما تقدم.
فإن قيل: إذا كان الحديث عنده عن الثقة فلم يرويه عن الضعيف.
فالجواب أنه يحتمل أنه لم يطلع على ضعف شيخه أو اطلع عليه لكن ذكره اعتمادا علىصحة الحديث عنده من الجهة الأخرى.
وأما النوع الخامس وهو زيادة الرجل بين الرجلين في السند فسيأتي تفصيله في النوع السابع والثلاثين إن شاء الله تعالى.
وأما النوع السادس وهو الاختلاف في اسم الراوي ونسبه فهو على أقسام أربعة:
الأول : أن يبهم من طريق ويسمى من أخرى فالظاهر أن هذا لا تعارض فيه لأنه يكون المبهم في إحدى الروايتين هو المعين في الأخرى وعلى تقدير أن يكون غيره فلا تضر رواية من سماه وعرفه إذا كان ثقة رواية من أبهمه.
القسم الثاني : أن يكون الاختلاف في العبارة فقط والمعنى بها في الكل واحج فإن مثل هذه لا يعد اختلافا أيضا ولا يضر إذا كان الراوي ثقة.
القسم الثالث : أنيقع التصريح باسم الراوي ونسبه لكن مع الاختلاف في سياق ذلك ثم ذكر مثاله.
القسم الرابع : أن يقع التصريح به من غير اختلاف لكن يكون ذلك من متفقين أحدهما ثقة والآخر ضعيف أو أحدهما يستلزم الاتصال والآخر الإرسال كما قدمنا

ذلك ثم سرد المثال وأطال فيه المقال.
ثم قال فهذه الأنواع الستة التي يقع بها التعليل وقدمين كيفية التصرف فيها وما عداها إن وجد لم يخف إلحاقه بها.
وأما الاختلاف الذي يقع في المتن فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرا من الأحاديث وأمثلة ذلك كثيرة وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيما وبيان أمثلة لتصير ذلك قاعدة يرجع إليها.
فنقول: إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان سياق الحديث في واقعة يظهر تعددها فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين.
مثال الأول: حديث أبي هريرة في السهو يوم ذي اليدين وأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وسلم من ركعتين ثم قام إلى خشية في المسجد فاتكا عليها فذكره ذو اليدين بسهوه صلى الله عليه وآله وسلم فسأل صلى الله عليه وسلم الصحابة فقالوا له نعم فصلى الركعتين اللتين سها عنهما1 وحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وآله سلم صلى العصر فسلم على ثلاث ثم دخل صلى الله عليه وسلم منزله فجاء الخرباق وكان في يديه طول فناداه صلى الله عليه وسلم فأخبره بصنعه فخرج صلى الله عليه وسلم وهو غضبان فسأل الناس فأخبروه فأتم صلاته وحديث معاوية بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم المغرب فسلم من ركعتين ثم انصرف فأدركه طلحة بن عبيد الله فأخبره بصنعه فرجع صلى الله عليه وسلم فأتم صلاته فإن هذه الأحاديث الثلاثة ليس الواقعة فيها واحدة بل سياقها يشعر بتعددها.
وقد غلط بعضهم فجعل حديث أبي هريرة وعمران ابن حصين قصة واحدة ورام الجمع بينهما على نوع من التعسف الذي نستنكره وسببه الاعتماد على قول من قال إن ذا اليدين اسمه الخرباق وعلى تقدير ثبوت أنه هو فلا مانع أن يقع ذلك له في واقعتين ولا سيما أن في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين وفي حديث عمران سلم من ثلاث إلى غير ذلك من الاختلاف المشعر بكونهما واقعتين وكذا حديث معاوية بن خديج ظاهر أنها قصة ثالثة لأنه ذكر أنها المغرب وأن المنبه على
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الصلاة: ب 88, والسهو: ب 5. وأبو داود: ب 189, والنسائي في: السهو: ب 22, وأحمد 2/234.

السهو طلحة بن عبيد الله.
ومثال الثاني حديث علي بن رباح قال سمعت فضالة بن عبيد يقول أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة وفيها خرز وذهب وهي من المغنم تباع فأمر صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن" 1 وحديث حنش الصنعاني عن فضالة قال اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب باثني عشر دينارا فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تباع حتى تفصل وفي لفظه له كنا نبايع يوم خيبر اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب إلا وزنا بوزن" 2 وفي رواية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم غام خيبر بقلادة فيها خرز وذهب ابتاعها رجل بسبعة دنانير أو تسعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حتى يميز بينه وبينها" الحديث وفي رواية لحنش كنا مع فضالة في غزوة فصارت لي ولأصحابي قلادة بها ذهب وجوهر فأردت أن أشتريها فقال لي فضالة انزع ذهبها واجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة فأنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل" 3 وهذه الروايات كلها في صحيح مسلم فقال البيهقي وغيره إن هذه محمولة على أنها كانت بيوعا شهدها فضالة فأداها كلها وحنش أداها متفرقة.
قلت: بل هما حديثان لا أكثر رواهما جميعا حنش بألفاظ مختلفة وروى علي بن رباح أحدهما وبيان ذلك أن حديث علي بن رباح شبيه برواية حنش الثالثة وليست بينهما مخالفة إلا في تعيين وزنها في رواية حنش دون رواية الآخر فهذا حديث واحد اتفقا فيه على ذكر القلادة وأنها مشتملة على خرز وذهب وأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من بيعها حتى يميز الذهب من غيره وأما رواية حنش الأولى فليس فيها إلا ذكر المفاضلة في كون القلادة كان فيها أكثر من اثني عشر والمتن كان فيها اثني عشر فنهاهم عن ذلك وروايته الثانية شبيهة بذلك إلا أنها عامة في النهي عن بيع الذهب متفاضلا وتلك فيها بيان القصة فقط والآخرة شبيهة بالثانية والقصة التي وقعت فيها
ـــــــــــــــــــ
1 مسلم في: المساقاة: ب 17. حديث 89. وأحمد 2/262, 6/19.
2 مسلم في: المساقاة: ب 17 حديث 91. وأبو داود 3353. والبيهقي 5/293.
3 مسلم في: المساقاة: ب 17 حديث 92.

إنما هي للتابعي لا للصحابي فوضح أنهما حديثان لا أكثر والله أعلم.
ثم إن هذا كله لا ينافي المقصود من الحديث فإن الروايات كلها متفقة على المنع من بيع الذهب بالذهب ومعه شيء غيره فلو لم يمكن الجمع لما ضره الاختلاف والله أعلم.
فهذان مثالان واضحان فيما يمكن تعدد الواقعة فيه وفيما يبعد الجمع فأما إذا تعذر الجمع بين الروايات بأن لا يكون المخرج واحدا فلا ينبغي سلوك تلك الطريق والمالمتعسفة مثاله حديث أبي هريرة أيضا في قصة ذي اليدين فإن في بعض طريقه أن ذلك كان في صلاة الظهر وفي أخرى في صلاة العصر وفي أكثر الرويات قال في إحدى صلاتي العشي إما الظهر أو العصر فمن زعم أن رواية أبي هريرة لقصة ذي اليدين كانت متعددة وقعت مرة في الظهر ومرة في العصر لأجل هذا الاختلاف ارتكب طريقا وعرا بل هي قصة واحدة وأدل دليل على ذلك الرواية التي فيها الترددد هل هي الظهر أوالعصر فإنها مشعرة بأن الراوي كان يشك في أيهما ففي بعض الأحيان كان يغلب على ظنه أحدهما فيجزم به فلذا وقع في بعض طرقه ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس ما يقول ذو اليدين قالو صدق وفي أخرى أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم وفي أخرى فأوموا أن نعم فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب ولا يلزم ن ذلك تعدد الواقعة قال العلائي وهذه الطريقة التي سلكها الشيخ محي الدين توصلا إلى تصحيح كل من الروايات صونا للرواة الثقات أن يتوجه الغلط إلى بعضهم.
ثم ذكر أمثلة من الأحاديث حملها الشيخ على تعدد الواقعة والأقرب خلافه ثم قال ومما يمكن فيه احتمال تعدد الواقعة ويمكن أيضا الجمع بين الروايات ولو اختلفت المخارج ما يكون الحمل فيه على طريق من المجاز كما في حديث أن عمر نذر باعتكاف ليله في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره وفي رواية اعتكاف يوم وكلاهما في الصحيح والتحقيق أنه نذر يوما بليلته وأمره صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره فعبر بعض الرواية عنه بيوم وأراد بليلته وبعضهم بليلة وأراد بيومها والتعبير بكل واحد من هذين عن المجموع من المجاز الشائع الكثير الاستعمال أو بتقييد في الأطلاق كما في حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في النهي عن مس الذكر باليمين فإن بعض الرواة عن يحيى أطلق وبعضهم قيد بحالة البول

أو بتخصيص العام كما في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر في زكاة الفطر وقوله فيه من المسلمين1 أو بتفسير المبهم وتبين المجمل كما في حديث وائل بن حجر في قصة صاحب النسعة2 فإن في رواية أبي هريرة عند الترمذي إبهام كيفية القتل وفي حديث وائل عند مسلم بيانها3.
وأما ما يتعذر فيه احتمال التعدد ويبعد فيه أيضا الجمع بين الروايات فهو على قسمين أحدهما ولا تتضمن المخالفة بين الروايات اختلاف حكم شرعي فلا يقدح ذلك في الحديث وتحمل تلك المخالفات على خلل وقع لبعض الرواة إذا رووه بالمعنى متصرفين بما يخرجه عن أصله.
مثاله: حديث جابر في وفاء دين أبيه فإنه مخرج في الصحيح عن عدة طرق وفي سياقه تباين لا يتأنى الجمع فيهه إلا بتكلف شديد لأن جميع الروايات عبارة عن دين كان على أبيه ليهودي فأوفاهم ممن نخلة ذلك العام ففي رواية وهب بن كيسان أنه كان ثلاثين وسقا وأن النبي صلى الله عليه وسلم كلمه في الصبر فابى فدخل النبي صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها ثم قال جابر حد له فحدله بعد ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث عبد الله بن كعب عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم أن يقبلوا تمر الحائط ويحللوه فأبوا وفي رواية الشعبي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اذهب فبيدر كل تمر على ناحية" وأنه صلى الله عليه وسلم طاف في أعظمها بيدرا ثم جلس صلى الله عليه وسلم فقال: "ادع أصحابك", فما زال يكبل لهم حق أدى الله أمانة والدي وفي آخره: "فسلم الله البيادر كلها" 4 ففي هذه الروايات اختلاف شديد كما ترى وفي حملها على التعدد بعد وتكلف والأقرب ما أشرنا إليه وأن المقصود في جميعها البركة في التمر بسبب النبي صلى الله عليه وسلم وأن الاختلاف في ألفاظها وقع من بعض الرواة.
وكذا حديث جابر في قصة الجمل فإن الروايات اختلفت في قدو الثمن وفي الاشتراط وعدمه وقد ذكره البخاري مبينا في موضوعين من صحيحه وقال إن قول
ـــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 النسعة: بالكسر سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره وقد تنسج عريضة تجعل على صدر البعير النهاية 5/48.
3 مسلم فب: القسامة: ب 10. حديث 32.
4 البخاري 4/17, 5/123. والنسائي 8/18. وشرح السنة 13/303.

الشعبي بوقية أرجح وأن الاشتراط أصح وهو ذهاب منه إلى ترجيح بعض الروايات وأما دعوى التعدد فغير ممكن.
ومن ذلك حديث عائشة في ضياع العقد ونزول آية التيمم ففي رواية القاسم أن المكان كان البيداء أو ذات الجيش وفيها انقطع عقد لي وفيها أنهم باتوا على غير ماء وفيها فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته وفي رواية عروة أنها سقطت في الأبواء وفي رواية في مكان يقال له الصلصل وفيه إن القلادة استعارتها عائشة من أسماء وفيها انسلت القلادة من عنقها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رجلين يلتمسانها فوجداها فحضرت الصلاة فلم يدريا كيف يصنعان وفي رواية أرسل ناسا وعين منهم أسيد بن حضير وفيها أن الذين أرسلوا حضرتهم الصلاة فصلوا على غير وضوء1.
قال ابن عبد البر ليس اختلاف النقلة في العقد ولا في القلادة ولا في الموضع الذي سقط فيه ذلك لعائشة ولا كونه لعائشة أو لأسماء مما يقدح في الحديث ول يوهنه لأن المعنى المراد من الحديث والمقصود هو نزول آية التيمم ولم يختلفوا في ذلك.
قلت: وكلامه يشعر بتعذر الجمع بين الروايتين وليس كذلك بل الجمع بينهما ممكن بالتعبير بالقلادة عن العقد وبأن إضافتها إلى أسماء إضافة ملك وإلى عائشة إضافة يد وبأن انسلالها كان بسبب انقطاعها وبأن الإرسال في طلبها كان في ابتداء الحال ووجدانها كان في آخره حين بعثوا البعير وأما قوله إن الذين ذهبوا في طلبها هم الذين وجدوها فلا بعد فيه أيضا لاحتمال أن يكون وجدانهم إياها بعد رجوعهم.
وإذا تقرر ذلك كانت القصة واحدة وليس فيها مخالفة إلا أن في رواية عروة زيادة على ما في رواية القاسم من ذكر صلاة المبعوثين في طلبها بغير وضوء ولا اختلاف ولا تعارض فيها.
ومن الأحاديث التي رواها بعض الرواة بالمعنى الذي وقع له وحصل من ذلك الغلط لبعض الفقهاء بسببه ما رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: التيمم: ب 1. ومسلم في: التوبة: حديث 56. وأحمد 4/264.

صلى الله عليه وسلم قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" 1 الحديث2 ورواه عنه سفيان بن عيينه وإسماعيل بن جعفر وروح ابن القاسم وعبد العزيز الدراوردي وطائفة من أصحابه وهكذا رواه عنه شعبة في رواة حفاظ أصحابه وانفرد وهب بن جرير عن شعبة بلفظ: "لا تجزى صلاة لا يقرأ فيه بفاتحة الكتاب" 3 حتى زعم بعضهم أن هذه الرواية مفسرة للخداع الذي في الحديث وأنه عدم الأجزاء وهذا لا يتأتى له إلا لو كان مخرج الحديث مختلفا فأما والسند متحد فلا ريب أنه حديث واحد اختلف لفظه فتكون رواية وهب بن جرير شاذة بالنسبة إلى ألفاظها بقية الرواة لا تفاقهم دونه على اللفظ الأول لأنه يبعد كل البعد أن يكون أبو هريرة سمعه باللفظين ثم نقل عنه ذلك.
ومن ذلك حديث الواهبة نفسها فإن مدارهه علىأبي حازم عن سهل بن سعد واختلف الرواة على ابي حازم فقال مالك وجماعة معه "فقد زوجتكما" وقال ابن عيينة "أنكحتكما" وقال ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن "ملكتكها" وقال الثوري "أملكتكها" وقال أبو غسان أمكنا كها أو أكثر هذه الروايات في الصحيحين فمن البعيد جدا أن يكون سهل بن سعد شهد هذه القصة من أولها إلى آخرها مرارا عديدة في كل مرة لفظ غير الذي سمعه في الأخرى بل ربما يعلم ذلك بطريق القطع وأيضا فالمقطوع به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه الألفاظ كلها في مرة واحدة تلك الساعة فلم يبق إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفظا منها وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى والله أعلم.
ثم إن الاختلاف في الإسناد إذا كان بين ثقات متساوين وتعذر الترجيح فهو في الحقيقة لا يضر في قبول الحديث والحكم بصحته لأنه عن ثقة في الجملة ولكن يضر ذلك في الأصحية عند التعارض مثلا فحديث لم يختلف فيه عن راويه أصلا أصح من حديث اختلف فيه في الجملة وإن كان ذلك الاختلاف في نفسه يرجع إلى من لا يلتزم القدح انتهى ما نقله الحافظ ابن حجر عن الحافظ العلائي مع اختصار لبعض الأمثلة وهو وإن طال نافع جدا سما مع اختصار المصنف للمقال وهو مفتقر إلى الإطالة.
ـــــــــــــــــــ
1 فهي خداج: الخداج النقصان يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه وإن كان تام الخلق. وأخدجته إذا ولدته ناقص الخلق وإن كان لتمام الحمل. والخداج: مصدر على حذف المضااف: أي ذات خداج النهاية 2/12.
2 ابن ماجة 840, 841. وأحمد 2/457.
3 ابن خزيمة 490, وابن عدي 3/991.

وذكرنا ما سردنا من الأمثلة فتكون طريقا تسلك أمثالها في أمثاله.
ولما ذكر المصنف أنه ما اختلف فيه كلام راويه أو رواته أبان أنه مقيد بقيد التساوي فقال "وإنما يسمي مضطربا إذا تساوت الروايتان المختلفان في الصحة" ولا يخفى أنه كان ينبغي ذكر هذا القيد في رسم المضطرب "وإن ترجحت إحداهما لم يطلق عليه اسم الاضطراب على الراجح" إذ الذي عارضه كالعدم لمرجوحيته "والحكم حينئذ له" أي للراجح وأما حكم الاضطراب فأشار إليه بقوله "والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بعد ضبط رواته" فإن كان واحدا فظاهر وإن كان أكثر من واحد فقد اشترك الكل في عدم الضبط وإنما يزول عن البعض بالترجيح.
"ومن أمثلة مضطرب المتن حديث فاطمة بنت قيس المرفوع" قالت سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: "إن في المال لحقا سوى الزكاة" رواه الترمذي 1 هكذا" بإثبات حق في المال غير الزكاة "ورواه ابن ماجه2 عنها" عن فاطمة بن قيس بلفظ "ليس في المال حتى سوى الزكاة وإسناده واحد عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عنها" قال الزين فهذا الاضطراب لا يحتمل التأويل وقول البيهقي إنه لا يحفظ لهذا اللفظ الثاني إسناد معارض بما رواه ابن ماجه. انتهى.
وقال البقاعي هذا لا يصح أن يكون مثالا لمضطرب المتن أما أولا فلان أبا حمزة شيخ شريك ضيعف فهو مردود من قبل ضعف راويه لا من قبل اضطرابه وأما ثانيا فإنه يمكن تأويله بأنها روت كلا اللفظين عنه صلى الله عليه وسلم ويكون الحق المثبت في اللفظ الأول المراد به الحق المستحب الذي لم يجب كصدقة النفل وإكرام الضعيف ونحو ذلك كما يقال حقك واجب علي والحق المنفي في اللفظ الثاني هو الفرض وقوله مردود من قبل الضعف وذلك أن الشرط في المضطرب أن يكون علة رده هو الاضطراب لا غير ولولاه لكان صحيحا.
"ومثال الاضطراب في الإسناد ما وقع في إسناده حديث أبي هريرة مرفوعا في السترة" للمصلى "فإن لم يجد عصا فليحفظ حظا" فإنهم اضطربوا في اسم بعض رواته اضطرابا كثيرا" وذلك أن الحديث رواه أبو داود وابن ماجه3 من رواية إسماعيل بن أمية
ـــــــــــــــــــ
1 رقم 659, 660. والدار قطني 2/125, وابن عدي 4/1328.
2 رقم 1789, والإتحاف 4/105.
3 أبو داود 689. وابن ماجة 943. وأحمد 249.

عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده حريث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليجعل شيئا تلقاء وجهه الحديث وفيه فإن لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا وقد اختلفوا فيه على إسماعيل اختلافا كثيرا فرواه بشر بن المفضل وروح ابن القاسم عنه هكذا ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة ورواه حميد بن الأسود عنه عن أبي عمرو بن محمد عن عمرو بن حريث ابن سليم عن أبي هريرة ورواه وهيب بن خالد وعبد الوارث عنه عن أبي عمرو ابن حريث عن جده حريث ورواه ابن جريج عنه عن حريث بن عمار عن أبي هريرة ورواه داود عليه الحارثي عنه عن أبي عمرو بن محمد عن جده حريث ابن سليمان قال أبو زرعة الدمشقي لا نعلم أحدا أثبته ونسبه غير داود ورواه سفيان بن عيينه عنه فاختلفت فيه على ابن عيينة.
قال ابن المديني: عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي محمد عمرو بن حريث عن أبيه عن جده حريث رجل من بني عذرة قال سفيان لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه قال ابن المديني قلت: له إنهم يختلفون فيه فتفكر ساعة ثم قال ما أحفظه إلا أبا محمد بن عمرو ورواه محمد بن سلام البيكندي عن ابن عيينة مثل رواية شريك بن المفضل وروح ورواه مسدد عن ابن عيينة عن إسماعيل عن عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة ورواه عمار بن خالد الواسطي عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي عمرو محمد بن عمرو بن حريث بن سليم وفيه من الاضطراب غير ما ذكرت انتهى من شرح ألفية الزين.
وقال تلميذه الحافظ ابن حجر بقي أمر يجب التيقظ له وذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية عن هذا الرجل إنما وقع بينهم الاختلاف في اسمه أو كنيته وهل روايته عن أبيه أو جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب لأن الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحا واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك لأنه إن كان ذلك الرجل ثقة فلا ضير وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك ومع هذا كله فالطريق التي ذكرها ابن الصلاحثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأسا.

ثم قال الحافظ: تنبيه :
قول ابن عيينة لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه فيه نظر فقد رواه الطبراني من طريق أبي موسى الأشعري وفي إسناده أبو هرون العقدي وهو ضعيف ولكنه وارد على إطلاق ابن عيينة للنفي.
قلت: يحتمل أنه يريد لم نجد شيئا صحيحا ولكنه لا يناسبه قوله ولم يجيء إلا من هذا الوجه فإنه ظاهر في نفي مجيئه من غيره مطلقا.
قال: ثم وجدت له شاهدا آخر وإن كان موقوفا أخرجه مسدد في مسنده الكبير فقال حدثنا هشيم حدثنا خالد الحذاء عن أياس بن معاوية عن سعيد بن جبير قال إذا كان الرجل يصلى في فضاء فليركز بين يديه شيئا قإن لم يستطع أن يركزه فليعرضه فإن لم يكن معه شيء فليخط خطا في الأرض رجاله ثقات وقول البيهقي إن الشافعي ضعفه فيه نظر فإنه احتج به فيما وقفت عليه في المختصر الكبير للمزني والله أعلم.
ولهذا صحح الحديث أبو حاتم بن حبان والحاكم وغيرهما وذلك مقتضى ثبوت عدالته عند من صححه فما يضره بعد ذلك أن لا ينضبط اسمه إذا عرفت ذاته انتهى.
* * *

مسألة: 43 [في بيان حقيقة المدرج وأنواعه وحكمه]
من علوم الحديث "المدرج" اسم مفعول من أدرجه بمهملتين وجيم "أقسام" أربعة كما يعدها المصنف قسم في المتن وثلاثة في الإسناد هكذا قسمه ابن الصلاح وتبعه الزين ضقال الحافظ ابن حجر: قد قسمه الخطيب الذي صنف فيه إلى سبعة أقسام وسيأتي ما ذكره الحافظ في تلخيصه لكلام الخطيب إن شاء الله تعالى.
"الأول: ما أدرج في آخر الحديث من قول بعض بعض رواته إما الصاحبي أو من بعده موصولا بالحديث من غير فصل" تأكيد لم قبله "فيلتبس على من لا يعلم الحال" أي الكلام النبوي من غيره "فيحسب الجميع موصولا" .
وذلك "كحديث ابن مسعود وقوله بعد التشهد فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك" تمامه إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد أخرجه أبو داود1 هذا من قوله فإذا فعلت إلى آخره "موقوف على الصحيح" من كلام ابن مسعود "وقد أدرجه بعضهم في الحديث" وهو زهير بن معاوية أبوخيثمة فأنه وصله بالمرفوع في رواية أبي داود هذه قال الحاكم2 قوله إذا فعلت هذا مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود وكذا قال البيهقي في المعرفة وكذا قال الخطيب في كتابه الذي جمعه في المدرج إنها مدرجة وقال النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مدرجة3. انتهى.
ويدل لادراجها رواية شبابة بن سوار عنه ففصله وبين أنه من قول ابن مسعود.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الاستئذان ب 27, 28. ومسلم في: الصلاة حديث 59: 61. وأحمد 1/292.
2 علوم الحديث ص 40: ذكر النوع الثالث عشر.
3 تدريب الراوي 1/268.

قال: قال عبد الله: فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد رواه الدار قطني وقال شبابه ثقة وقد فصل آخر الحديث جعله من قول ابن مسعود وهو أصح من رواية من أدرج آخره ورواه غير شبابه وفصله وبين أنه من قول ابن مسعود.
"فاحتجت به الحنفية على أن السلام لا يجب" بناء منهم على عدم إدراج هذه الزيادة وهو خلاف ما قاله الأئمة الحفاظ كما عرفت.
قلت: واستدل لهم الطحاوي على ماذهبوا إليه من عدم وجوب السلام في كتابه معاني الآثار بما أخرجه بسنده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رفع المصلى رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته" وبحديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فلما سلم أخبر بصنيعه فثنى رجله وسجد سجدتين أخرجه الطحاوي أيضا بسنده من حديث ابن مسعود قال ففي هذا الحديث أنه أدخل في الصلاة ركعة من غيرها قبل السلام ولم ير ذلك مفسدا الصلاة ولو رآه مفسدا لما إذا لأعادها فلما لم يعدها وقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم دل ذلك أن التسليم ليس من صلبها ألا ترى أنه لو كان جاء بالخامسة وقد بقي عليه مما قبلها جدة كان ذلك مفسدا للأربع لأنه خلطهن بما لييس منهن فلو كان السلام واجبا كوجوب سجود الصلاة لكان حكمه أيضا كذلك ولكنه بخلافه فهو سنة.
ثم قال وقد روى أيضا في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أو أربعا فليبن على اليقين ويدع الشك فإن كانت صلاته نقصت فقد أتمها وكانت السجدتان يرغمان الشيطان وإن كانت صلاته تامة كل ما زاد والسجدتان له نافلة" 1 فقد جعل صلى الله عليه وسلم الخامسة الزائدة والسجدتين اللتين للسهو تطوعا ولم يجعل ما تقدم من الصلاة بذلك فاسدا وإن كان المصلى قد خرج منها فثبت بذلك أن الصلاة تتم بغير تسليم وأن التسليم من سنتها لا من صلبها انتهى كلامه وإنما سقناه لتعلم أن الحنفية لهم أدلة غير هذه الزيادة المدرجة وإن كانت هذه الأدلة التي أتى بها الطحاوي مما يدخله التأويل على تكلف وهذا المثال في الأدراج في آخر الحديث.
ـــــــــــــــــــ
1 أبو داود 1029. والترمذي 396. وابن ماجة 1204. والدار قطنيي 1/374-375.

"و" قد "يكون الكلام المدرج في أوله" أي الحديث ضقال الحافظ ابن حجر: وهو نادر جدا "مثل أن يتكلم الصحابي بأمر يذهب إليه ثم يحتج عليه بلفظ حديث ثم يقول هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعنى ما احتج به لا ما احتج عليه فيتوهم السامع أن الجميع مرفوع وقد يقع ذلك" الأدراج في الأول مع فصل الصحابي لكلامه على جهة الوهم من السامع.
مثل حديث أبي هريرة أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار رواه الخطيب1 من رواية أبي قطن وشبابة فرقهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار فقوله أسبغوا الوضوء من قول أبي هريرة وصل الحديث في أوله "فإن البخاري رواه عنه" أي عن أبي هريرة في صحيحه2 عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال ويل للأعقاب من النار قال الخطيب وهم أبو القطن عمرو بن الهثيم وشبابة بن سوار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه وذلك أن قوله أسبغوا الوضوء كلام أبي هريرة وقوله ويل للأعقاب من النار كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جماعة من الحفاظ رووه عن شعبة وجعلوا الكلام الأول كلام أبي هريرة ولاكلام الثاني مرفوعا وقد عرفت مراده بقوله "والراوي لهما جميعا عنه محمد بن زياد" فإنه روى المدرجة الموصولة ولكن ليس الوهم من محمد بن زياد بل من أبي قطن وشبابة كما عرفت علىأن قوله أسبغوا الوضوء قد ثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح قال الحافظ وفتشت ما جمعه الخطيب في المدرج ومقدار ما زدت عليه فلم أجد له مثالا آخر إلا ما جاء في بعض طرق حديث بسرة الآتي من رواية محمد بن دينار عن هشام بن حسان.
"وقد يقع ذلك" أي الأدراج "في وسط الكلام مثل أن يروي حديث ومذهب فيسمعهما سامع فيحسبها حديثين فيرويهما على هذه الصورة وهي" أي صورة الإدراج "متقاربة وأكثرها وقوعا هو الأول" وهو الإدراج في آخره.
"ومثال هذا الأخير" وهو وقوع الأدراج في الوسط "ما رواه الدار قطني في سننه3 من
ـــــــــــــــــــ
1 6/4.
2 1/23, 35, 52, 53.
3 1/147, 148.

رواية عبد الحميد بن جعفر" أي ابن عبد الله بن الحكم الأنصاري المدني قال النسائي يس به بأس وكذا قال أحمد وقال ابن معين ثقة "عن هشام بن عروة" بن الزبير وهشام إمام معروف كبير القدر ثقة "عن أبيه" عروة "عن بسرة" بضم الموحدة وسكون السين المهملة "بنت صفوان" وهي صحابية جليلة "مرفوعا من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه" تثنية رفض بضم الراء وتفتح وسكن الفاء فغين معجمة وهو واحد الأرفاغ وهو أصول المغابن كالأبط والحوالب وغيرهما من مطاوي الأعضاء وما يجتمع فيه الوسخ والعرق قاله في النهاية1 "فليتوضأ" .
"قال الدار قطني كذا رواه عبد الحميد عن هشام ووهم في ذكر الأنثيين والرفغ فجعلهما من المرفوع والمحفوظ أن ذلك من قول عروة وكذلك" أي كونه من قول عروة "رواه الثقات عن هشام منهم أيوب السختياني وحماد بن زيد وغيرهما ثم رواه" أي الدار قطني "من طريق أيوب" السختياني "بلفظ من مس ذكره فليتوضأ قال" أي أيوب "وكان عروة يقول إذا مس رفغية أو أنثيية أو ذكره فليتوضأ" فبين أن ذلك من قول عروة لا أنه من المرفوع وقد ثبت أن أيوب أثبت من عبد الحميد وقد وافقه غيره فكان روايتهم دليلا على إدراج عبد الحميد لتلك الزيادة "وكذا قال الخطيب إن عبد الحميد تفرد بذلك" فحكم بأدراج ما تفرد به تقديما لرواية غيره عليه ممن هو أثبت منه.
"وأما زين الدين فخالف" كلام الدار قطني والخطيب "وقال إنه" أي عبد الحميد "لم ينفرد بذلك فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية أبي كامل الجحدري عن يزيد بن زريع" تصغير زرع قال في الميزان شيخ رملي لا يكاد يعرف يروي عن عطاء الخرساني ضعفه ابن معين ضقال الحافظ ابن حجر: على كلام شيخ الزين هو كما قال إلا أنه مدرج أيضا والذي أدرجه أبو كامل الجحدري رواية عن يزيد وقد خالفه عبيد الله بن عمر القواريري وأبو الأشعث أحمد بن المقدام وأحمد بن المقدام وأحمد بن عبيد الله العنبري وغير واحد فرووه عن يزيد بن زريع موصولا انتهى "عن أيوب عن هشام عن أبيه عن بسرة مرفوعا بلفظ الحديث المعروف أولا سوى" أي الذي فيه رفع الزيادة لكنه قال الحافظ أنه بين الدار قطني أنه مدرج "قال زين الدين واختلف فيه على يزيد بن زريع" عبارته وعلى هذا فقد اختلف فيه.
ـــــــــــــــــــ
1 2/244.

"ورواه الدار قطني 1 أيضا من رواية ابن جريج عن هشام عن أبيه عن مروان" بن الحمم بن أبي العاص يأتي بيان حاله "عن بسرة بلفظ: "إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه" ولم يذكر الرفع وزاد في السند مروان بن الحكم قلت: أما طريق ابن زريع فلا تنهض دليلا على صحة الحديث" وأنه لا إدراج فيها "لما وقع فيها من الاختلاف على يريد" ولأنه أي يزيد كما قال الذهبي لا يكاد أن يعرف "ولما له من العلة بمخالفة أيوب وحماد وغيرهما من الثقات من سائر من روى حديث بسرة" .
قال الحافظ ابن حجر: إنه رواه عشرون من الحفاظ مقتصين على المرفوع منه فقط "بل سائر من روى حديث من مس الذكر من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم" فإنه رواه منهم جابر وأبو هريرة وعبد الله ابن عمر وزيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وأم حبيبة وعائشة وأم سلمة وابن عمرو علي بن طلق والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنس سردهم الحافظ ابن حجر في التلخيص ثم خرج رواياتهم.
"وأما طريق ابن جريج فهي مردودة بمروان بن الحكم فهو مجروح عند أهل البيت وعند غيرهم بل لا يعلم في ذلك خلاف" فإنه نقل المصنف في العواصم أنه قال ابن حبان في مقدمة صحيحه عائذا بالله أن نحتج بمروان وذويه في شيء من كتبنا وقال ابن قدامة الحنبلي في كتابه الكافي على مذهب الإمام أحمد بن حنبل في باب صفة الأئمة في إمامة الفاسق بالأفعال روايتين إحداهما تصح لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "كيف بك إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة" الحديث2 إلى قوله في الاحتجاج وكان الحسن والحسين عليهما السلام يصليان وراء مروان انتهى فيه بيان مقدار معرفتهم بمقدار أهل البيت وبموضع أعدائهم من الفسق انتهى "وإنما روى عنه المحدثون أحاديث يسيرة لما رواها معه غيره من الثقات كما بينت ذلك في العواصم" قال فيه فإن قلت: فما الوجه في روايته عنهم؟.
فالجواب من وجهين:
الأول : أن الرواية لا تدل على التعديل كما ذكره الإمام يحيى وابن الصلاح وقد روى زين العابدين وعروة بن الزبير عن مروان ولم يدل ذلك على عدالته عندهما.
ـــــــــــــــــــ
1 1/146, 147, 148, والنسائي 1/100, وابن ماجة 479. وأحمد 6/407.
2 مسلم في: الصلاة: ب 41. حديث 238. والبيهقي 3/124.

فكذلك رواية المحدثين عنهم ثم ذكر ما قدمنااه من قول النووي في شرح مسلم إنه قد روى سلم في الصحيح عن جماعة من الضعفاء إلى آخر ما قدمناه.
قال المصنف فدل على أنهم قد يروون عمن ليس بثقة عندهم فإن قلت: فما عذرهم في ذلك قلت: لهم عذران فيه.
أحدهما: الرغبة في علو الإسناد لما فيه من التسهيل على طلبة هذا الشأن مع كون الحديث معروفا عندهم بإسناد نازل من طريق الثقات.
وثانيهما: وهو كثير الوقوع أن يكون الحديث مرويا من طرق كثيرة في كل منها ضعف لكن بعضها يجبر بعضا ويقويه ويشهد له مع كون بعض الرواة عدلا في دينه صدوقا في قوله كثير الوهم فلم يعتمد عليه وحده في التصحيح لولا ما جبر ضعفه في الشواهد والمتابعات التي يحصل من مجموعها قوة كبيرة توجب الحكم بصحة الحديث أو حسنه فيذكرون بعض طرقه الضعيفة ويتركون بعض الطرق للإختصار والتقريب على طلبة العلم.
ثم إنه سرد الأحاديث المروية عن مروان وهي لا تبلغ عشرة أحاديث وذكر من رواها غيره من الثقات ثم قال وبالجملة فلم يرو مروان إلا عن علي عليه السلام وعثمان وزيد بن ثابت وأبي هريرة وبسرة وعبد الرحمن بن الأسود وقد ذكرت جميع ما روى عنهم.
الوجه الثاني : أن رواية المحدثين عنه مع تصريحهم بماله من الأفعال القبيحة تدل على ما ذكره الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري أن روايتهم عنه كانت قبل أحداثه أيام كان عندهم في المدينة واليا من جهة الخلفاء قبل أن يتولى الخلافة انتهى.
قلت: أما هذا العذر الذي ذكره المصنف عن الحافظ ابن حجر عذر باطل وإن أقره المصنف فإن أعظم ما قدحوا به على مروان قتله لطلحة أحد العشرة وقتله له كان يوم الجمل اتفاقا قال الذهبي وحضر الوقعة يوم الجمل وقتل طلحة ونجا فليته ما نجا وكذلك ذكره في النبلاء ومعلوم أنه لم يتول المدينة في عصر أحد من الخلفاء إنما ولاه إياها معاوية فلم يلها إلا بعد قتله لطلحة قال الذهبي في النبلاء إن مروان قتل طلحة ثم قال قاتل طلحة في الوزر بمنزلة قاتل علي. انتهى.
وإذا عرفت هذا فالعذر للمحدثين في الرواية من مروان هو الأول.
"وقد تكلم عليه ابن عبد البر في الاستيعاب" قال المصنف في العواصم وممن

ذكر مروان أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب ولم يذكره بتقوى ولا وصفه بديانة بل روى عن علي عليه السلام أنه نظر إليه يوما فقال ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك إذا شابت ذراعاك وكان يقال له خيط باطل وفيه يقول أخوه عبد الرحمن بن الحكم لما بويع له بالخلافة:
لحا الله قوما ملكوا خيط باطل على الناس يعطي من يشاء ويمنع "والذهبي في النبلاء وقال" أي ابن عبد البر أو الذهبي لكن اللفظ المذكور رأيناه لابن عبد البر "في ترجمة طلحة" من الاستيعاب "إنه الذي قتله رماه بسهم على جهة للغدر وهو من جملة أصحابه" فإن مروان خرج من أهل الجمل في حرب علي عليه السلام "وقال" أي الذهبي "في الميزان في ذكر مروان قتل طلحة ونجا فليته ما نجا" قال المصنف في العواصم فلو كان عنده من أهل الصحاح ما تمنى له الهلاك وكره له النجاة وقد نص في الميزان على أن له أعمالا موبقة قال المصنف وهذا تصريح بفسقه.
"وذكر" أبو محمد "ابن حزم أنه كان فاسقا غير متأول أو كما قال" ولفظه عنه في العواصم وقال ابن حزم في أسماء الخلفاء والأئمة وقد ذكر بعض مساوي مروان وهو أول من شق عصا المسلمين بلا شبيه ولا تأويل وقتل النعمان بن بشير أول مولود في الإسلام في الأنصار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أنه خرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة.
"وذكر البخاري والذهبي أنه" أي مروان "ليس بصحابي قلت: بل كان عدوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرف ذلك من عرف أخباره وأكثر ما قيل فيه" أي في تنزيهه "أنه لم يكن منهما في الحديث وهذا لا ينفع إلا مع التأويل والتدين وهو منهما براء" كما تقدم عن ابن حزم.
"مع أن الحديث" أي حديث مس الذكر "مروي عنه من غير هذه الطريق بغير هذه الزيادة" تقدم تعداد رواته من الصحابة من طرق عديدة.
"قال الشيخ تقي الدين في الإقتراح إذا تقدم ذكر الأنثيين على الذكر ضعف الإدراج" لفظه في شرح ألفية الزين1 وقد ضعف ابن دقيق العيد الطريق إلى الحكم
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 1/120.

بالإدراج في مثل هذا فقال في الاقتراح ومما يضعف فيه أن يكون مدرجا في أثناء لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما إن كان مقدما على اللفظ المروي أو معطوفا عليه بواو العطف كما لو قال من مس أنثيية وذكره فليتوضأ بتقديم الأنثيين على الذكر فها هنا يضعف الإدراج لما فيه من اتصال هذه اللفظة بالعامل الذي هو من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى ثم "قال زين الدين لم يرد مقدما" في شيء من طرق الحديث قال البقاعي ليس كذلك فقد وقع في كتاب الثواب لابن شاهين من رواية محمد بن دينار عن هشام عن عروة من مس أنثييه وذكره فقد الأنثيين "وإنما ذكره الشيخ مثالا فليعلم ذلك" .
واعلم أن أمثلة الأدراج في وسط الحديث كثيرة.
منها حديث عروة عن عائشة في حديث بدء الوحي في قولها: "وكان يخلو بغار حراء يتحدث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد"1 فقوله وهو التعبد مدرج من كلام الزهري في وسط الحديث كما بينه في فتح الباري.
ومنها حديث مالك2 عن الزهري عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه المغفر وهو غير محرم فقيل له إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلوه" 3 فإن قوله: وهو غير محرم من كلام الزهري أدرجه الراوي عنه وقد رواه أصحاب الموطأ بدون هذه الزيادة وبين بعضهم أنها من كلام الزهري.
ومنها حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة 4 شرك وما منا إلا ولكن الله تعالى يذهبه بالتوكل" رواه الترمذي5 وقال هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة يريد ابن كهيل قال وسمعت محمدا يقول في هذا وما منا إلا عندي من قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ضقال الحافظ ابن حجر: قد رواه
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: بدء الوحي ب 3, ومسلم في: الإيمان: حديث 252. وأحمد 6/233.
2 سبق تخريجه.
3 البخاري في: الجهاد ب 169. ومسلم في: الحج: حديث 450. وأحمد 3/164.
4 الطيرة: بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي: التشاؤم بالشيء وهي مصدر تطير يقال: تطير طيرة.
وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضرا إذا عملوا بموجبه فكأنهم أشركوه مع الله في ذلك. النهاية 3/152.
5 1614, وأبو داود 3910. وابن ماجة 3538. وأحمد 1/389, 440.

علي بن الجعد وغندر وحجاج بن محمد ووهب بن جرير والنضرين إسماعيل وجماعة عن شعبة فلم يذكروا فيه وما منا إلا وهكذا رواه اسحق بن راهويه عن أبي نعيم عن سفيان الثوري.
ومنها قوله في حديث عكرمة عن أبي هريرة في صفة نزول الوحي: "تنزل الملائكة من العنان - والعنان السحاب" الحديث1 قال قوله: "والعنان السحاب" مدرج.
واعلم أن الطريق إلى معرفة المدرج من وجوه :
الأول : أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مثل حديث ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للمملوك أجران" - والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرأمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك", رواه البخاري2 فهذا الفصل الذي في آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ يمتنع أن يتمنى أن يصير مملوكا وأيضا فلم يكن له أم يبرها بل هذا من قول أبي هريرة أدرجه في المتن وقد بينه حبان بن موسى عن ابن المبارك فساق الحديث إلى قوله: "أجران" ثم قال: والذي نفس أبي هريرة بيده إلى آخره وكذا هو في رواية بن وهب عن يونس عند مسلم وهذا من فوائد المستخرجات كما تقدم.
وكذلك ما في حديث ابن مسعود من قوله: "الطيرة شرك" - "وما منا إلا" فإنه مدرج فإنه لا يصح أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاستحالة أن يضاف إليه شيء من الشرك.
الثاني من الوجوه أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي صلى الله عليه وسلم.
كحديث ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار" 3 هكذا رواه أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن أبي بكر بن عياش بإسناده ورواه غيره عن أبي بكر بن عياش بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلمة: "من جعل الله ندا دخل النار" 4 وأخرى أقولها ولم أسمع منه صلى الله عليه وسلم: من مات لا يجعل لله ندا دخل الجنة والحديث في صحيح مسلم عن ابن مسعود بلفظ قال
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: بدء الخلق: ب 6.
2 البخاري في: العتق: ب 16. ومسلم في: الأيمان: حديث 44. وأحمد 2/330.
3 مسلم في: الإيمان: حديث 151. وأحمد 1/382.
4 أحمد 1/402, 407.

رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت: أخرى فذكره فهذا يجزم بكونه مدرجا لكن لا يجزم بتعيين الجملة المدرجة هل هي دخول الجنة لمن لم يجعل لله ندا أو دخول النار فيمن جعل لله ندا لاختلاف الرواية.
الثالث : أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج فيه عن المتن المرفوع بإضافته إلى قائله.
ومثاله حديث ابن مسعود فإذا قلت: هذا فقد قضيت صلاتك تقدم وله أمثلة كثيرة.
قال الحافظ ابن حجر: والحكم على هذا القسم الثالث بالأدراج يكون بحسب غلبة ظن المحدث الحافظ الناقد ول يوجب القطع بذلك بخلاف القسمين الأولين وأكثر هذا القسم الثالث يقع تفسيرا لبعض الألفاظ الواقعة في الحديث كما في أحاديث الشغار1 والمحاقلة2 والمزاينة3 ونحوها والأمر في ذلك سهل لأنه إن أثبت رفعه فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى من غيره.
وفي الجملة إذا قام الدليل على إدراج جملة معينة بحيث يغلب على الظن ذلك فسواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر فإن سبب ذلك الاختصار من بعض الرواة بحذف أداة التفسير أو التفصيل فيجيء من بعده فيرويه مدمجا من غير تفصيل فيقع ذلك.
ثم ذكر بسنده إلى أبي حاتم بن حبان أنه قال أحمد بن حنبل كان وكيع يقول في الحديث يعني كذا وكذلك كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا وربما أسقط أداة التفسير وكان بعض أقرانه يقول له أفصل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ ابن حجر ثم قال وقد ذكرت كثيرا من هذه الحكايات وكثيرا من أمثلة ذلك في كتاب
ـــــــــــــــــــ
1 الشغار: نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل: شاغرني أي زوجني أختك أو ابنتك أو من تلي امرها حتى أزوجك أختي أو بنتي أو من ألي أمرها ولا يكون بينهما مهر ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الاخرى. النهاية 2/482.
2 المحاقلة: مختلف فيها قيل هي اكتراء الأرض بالحنطة وهو الذي يسميه المزارعون: المحارثة. وقيل: هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما وقيل غير ذلك. أنظر النهاية 1/416.
3 المزابنة: هي بيع الرطب في رؤس النخل بالتمر واصله من الزبن وهو الدفع كأن كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه بما يزداد منه. النهاية 2/294.

اسمه تقريب المنهج لترتيب المدرج أعان الله على تكميله وتبييضه إنه على كل شيء قدير.
"القسم الثاني" من أقسام المدرج "أن يكون الحديث عند راويه بإسناد إلا طرقا منه فإنه عنده إسناد آخر فيجمع الراوي عنه" أي عن الراوي المذكور "طرفي الحديث بإسناد الطرف الأول" تاركا لإسناده للطرف الآخر.
"مثاله حديث رواه أو داود من رواية زائدة" اسم فاعل من الزيادة وهو ابن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة مقبولة "وشريك فرقهما" في الرواية و رواه النسائي م حديث "سفيان بن عيينة كلهم" أي زائدة وشريك وسفيان رووه "عن عاصم" بن كليب كما في شرح الألفية "عن أبيه عن وائل بن حجر" بضم الحاء المهملة وسكون الجيم صحابي جليل كان من ملوك اليمن "في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه ثم جئتهم بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب1" وفي لفظ لأبي داود عن شريط عن عاصم ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة وعليهم أكسية وبرانس2 "تحرك أيديهم تحت الثياب" أي لأجل رفعها عند التكبيرة الأولى.
"قال موسى بن هرون" الحمال "وذلك عندنا وهم فقوله ثم جئت ليس هو بهذا الإسناد وإنما أدرج عليه وهو من رواية عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل وهكذا راه مبينا وهير بن معاوية وأبو بدر شجاع ابن الوليد" فيما أثبت له ممن روى رفع الأيدي من تحت الثياب عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل "فهذه رواية مضبوطة اتفق عليها زهير وشجاع وقال ابن الصلاح: إنه الصواب" .
"القسم الثالث" من أقسام المدرج "أن يدرج بعض حديث في حديث آخر مخالف له في السند" .
"مثاله حديث سعيد بن أبي مريم" هو سعيد بن الحكم ابن محمد ابن سالم أبي مريم الجمحي بالولاء أبو محمد البصري ثقة ثبت فقيه "عن مالك عن الزهري عن
ـــــــــــــــــــ
1 أبو داود في: الصلاة: ب 115, والدارمي في: الصلاة: ب 92.
2 برانس: جمع برنس وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو ممطر أو غير ذلك. وقال الجوهري: هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام وهو من البرنس بكسر الباء القطن والنون زائدة وقيل إنه غير عربي النهاية 1/122.

أنس مرفوعا: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا" 1 في النهاية2 "لا يعطي كل منكم أخاه دبره وفقاه فيعرض عنه ويهجره" انتهى "ولا تنافسوا" هو من الشيء النفيس وهو ما يرغب فيه ويبخل به لعزته وهو مضارع فلان وفلان مثل تقاتلا وهكذا بقية ألفاظ الحديث كلها أفعال مضارعة حذف منها حرف المضارعة تخفيفا ومعنى تنافسوا تقاسموا النفاسة بأن يعد كل منهمالشيء نفيسا فيتجاذبونه فيؤدي ذلك إلى فساد عريض.
"فقوله ولا تنافسوا مدرجه في هذا الحديث أدرجها ابن أبي مريم فيه من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا" 3 بالجيم التفحص من الجاسوس صاحب سر الشر قال في القاموس أي خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله ولا تفحصوا عن بواطن الأمور ولا تبحثوا عن العورات والتحسس بالحاء قال فيه إنه الاستماع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخبر "ولا تنافسوا ولا تحاسدوا وكلا الحديثين مخرج في الصحيحين متفق عليه من طريق مالك وليس فيه ولا تنافسوا وهي في الثاني هكذا الحديثان عند رواة الموطأ" .
"القسم الرابع" من أقسام المدرج "أن يروى بعض الرواة حديثا عن جماعة وبينهم في إسناده أو متنه اختلاف فيجمع الكل على إسناد واحد مما اختلفوا فيه" ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق ومثاله حديث رواه الترمذي وساقه الزين في شرح الألفية فمن أراده فليراجعه فلم أجد نسخة منه أثق بالنقل منها.
"قال زين الدين ولهذا لا ينبغي لمن يروي حديثا بسند في جماعة في طبقة واحدة مجتمعين في الرواية عن شيخ واحد أن يحذف بعضهم لاحتمال أن يكون اللفظ في السند والمتن لأحدهم وحمل رواية الباقين عليه قربما كان من حذفه هو صاحب ذلك اللفظ" .
"قال ابن الصلاح: واعلم أنه لا يجوز تعمد شيء من الإدراج" فيه بحث وهو أنه
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 8/23, 25. ومسلم في: البر والصلة: ب 7. حديث 23. وأحمد 1/5.
2 2/97.
3 البخاري 4/5. ومسلم في: البر والصلة: حديث 28. والترمذي 1988. ومالك 908, وأحمد 312.

قد ثبت إدراج أئمة كبار تفاسير ألفاظ الحديث كما تقدم في التحنث ونحوه وتقدم أن الأمر في ذلك سهل لأنه إن ثبت مرفوعا فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى فالقياس أن يقال إدراج ما هو من تفاسير الألفاظ لا يحرم وإدراج ما هو من غيرها مما فيه حكم شرعي وإيهام أنه مرفوع هو الذي لا يجوز.
"قلت: فقول زين الدين لا ينبغي لمن يروى حديثا بسند فيه جماعة إلى آخره محمول على الاستحباب كما تشعر به لفظة لا ينبغي" ولأنه إنما علله بالاحتمال "لأن الظاهر عدم الإدراج" فلا يحكم به إلا بدليل وقد قدمنا الوجوه التي يستدل بها عليه "و" لأن "عادة الحفاظ في ذلك إذا سكتوا فذلك منهم إشعار بأن الإسناد والمتن للجميع وإن لم يكن كذلك" أي لم يكن الإسناد والمتن للجميع "قالوا واللفظ لفلان" "قال الزين وهذا النوع" يريد نوع الأدراج بأقسامه "قد صنف فيه" أبو بكر الخطيب البغدادي وقسمه إلى سبعة أقسام "فشفى وكفى" تقدم أنه ضقال الحافظ ابن حجر: وقد لخصته أي كتاب الخطيب ورتبته على الأبواب والمسانيد وزدت على ما ذكره الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره وهذا هو الكتاب الذي سماه الحافظ تقريب المنهج بترتيب المدرج وذكر أنه سأل الله تعالى الإعانة على تمامه وتبييضه1.
واعلم أنه زاد الحافظ في مدرج الإسناد قسمين على هذه الثلاثة:
الأول : منهما وهو الرابع أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفا منه فإنه لم يسمعه من شيخه فيه وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل وهذا مما يشترك فيه الإدراج والتدليس مثال ذلك حديث إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس في قصة العرنيين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها" 2 ولفظه: "وأبولها" إنما سمعه حميد من قتادة عن أنس بينه يزيد بن هرون ومحمد بن أبي عدي ومروان بن معاوية وآخرون كلهم يقول فيه: "فشربتم من ألبانها" قال حميد قال قتادة عن أنس: "وأبوالها" فرواية إسماعيل فيها إدراج وتسوية.
وثانيهما : وهو الخامس أن لا يذكر المحدث متن الحديث بل يسوق إسناده فقط ثم
ـــــــــــــــــــ
1 تدريب الراوي 1/274.
2 البخاري في: الجهاد: ب 152, ومسلم في: القسامة: حديث 9-11, وأحمد 3/107.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5