التهذيب في اختصار المدونة
المؤلف : أبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني

ربِّ يسر
الحمد لله القديم الأزلية، الدائم الألوهية، على ما خصَّ من نعمه حمداً يؤدي شكره، ويوجب مزيده، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ورسله.
هذا كتاب قصدت فيه إلى تهذيب مسائل المدونة والمختلطة خاصة دون غيرها، إذ هي أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين، واعتمدت فيها على الإيجاز والاختصار، دون البسط والانتشار، ليكون ذلك أدعى لنشاط الدارس، وأسرع لفهمه، وعدة لتذكره.
وجعلت مسائلها على الولاء حسب ما هي في الأمهات إلا شيئاً يسيراً ربما قدّمته أو أخّرته، واستقصيت مسائل كل كتاب فيه خلا ما تكرر من مسائله، أو ذكر منها في غيره، فإني تركته مع الرسوم، وكثير من الآثار، كراهية التطويل.
وصحّحت ذلك على روايتي عن أبي بكر بن أبي عقبة عن جبلة بن حمود عن سحنون. وكان الفراغ من تأليفه سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وإلى الله تعالى أرغب في لزوم طاعته، وشكر نعمته، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم.
* * *

(كتاب الطهارة)
1 - قال ابن القاسم: لم يُوقِّت مالك - رحمه الله - في الوضوء والغسل واحدة، ولا اثنتين، ولا ثلاثاً، إلا ما أُسبغ. وقد اختلفت الآثار في التوقيت [في الوضوء].

2 - ويمسح الرأس يبدأ بيديه من مقدم رأسه حتى يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، قال مالك وعبد العزيز(1): هذا أحسن ما سمعنا في مسح الرأس وأعمه عندنا.(2)
3 - [قال مالك]: لا يتوضأ بماء بُلّ فيه شيء من الطعام.(3)
ولا بماء وقع فيه جلد فأقام أياماً حتى ابتل، وإن وقع فيه جلد أو ثوب فأخرج مكانه جاز منه الوضوء. وليس قلة مقام الجلد فيه كقلة بقاء الخبز [فيه]، ولكل شيء وجه.
4 - لا يتوضأ بشيء من الطعام والشراب، ولا من أبوال الإبل وألبانها، ولا بالعسل الممزوج بالماء ولا بالنبيذ، والتيمم أحب إليّ من ذلك. وأحب إليّ أن يتمضمض من اللبن واللحم، ويغسل الغَمَر(4) إذا أراد الصلاة.
5 - قال مالك: ولا يتوضأ بماء قد توضئ به مرة، ولا خير فيه. قال ابن القاسم: فإن لم يجد غيره فيتوضأ به أحب إليّ، إن كان الذي توضأ به أولاً طاهر [الأعضاء] ولا يُنجِّس ثوباً أصابه.
__________
(1) هو أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، كان فقيهاً، دارت عليه الفتوى أجازه المهدي بعشرة آلاف دينار، له كتب وكلام مصنف، في الأحكام، توفي ببغداد سنة 160هـ، في خلافة المهدي، ودُفن في مقابر قريش، وقيل 164هـ، وانظر: تاريخ بغداد (10/436)، والجرح والتعديل (5/386).
(2) انظر: الخرشي على المختصر (1/120، 132)، ومواهب الجليل للحطاب (ص181، 182).
(3) كالخبز كما في المدونة، وانظر: مواهب الجليل (1/58، 59).
(4) الغَمَر: الدَّسم والُّزهومة من اللحم، النهاية (3/385).

6 - ويجوز الوضوء بالماء يقع فيه البصاق والمخاط وشبهه، وخشاش الأرض مثل الزنبور، والعقرب، [والخنفساء، والصرار] وبنات وردان(1) وشبه ذلك. ودواب الماء مثل السرطان والضفدع إذا ماتت في طعام أو شراب لم تفسده، وإذا مُلّحت حيتان فأصيبت فيها ضفادع ميتة فلا بأس بأكلها، لأن هذا من صيد البحر(2). وروث ما يؤكل لحمه مما لا يصل إلى الجيف طاهر، وكل ما لا يفسد الثوب فلا يفسد الماء.
7 - ويجوز الوضوء بسؤر(3) الدواب. وهو وغيره سواء، وعرقها وما يخرج من أنوفها طاهر. مالك: ومن توضأ بماء ولغ فيه كلب وصلى أجزأه. وقال عنه علي: فيمن توضأ بماء ولغ فيه كلب [وصلّى لا إعادة عليه، وإن علم في الوقت، قال عنه علي وابن وهب: ولا يعجبني ابتداء الوضوء به] إن كان [الماء] قليلاً، ولا بأس به في الكثير كالحوض ونحوه.
8 - وقال ابن شهاب: ولا باس أن يتوضأ بسؤر الكلب إذا اضطر إليه.
9 - قال مالك: وإن ولغ الكلب في لبن أو طعام أكل، ولا يغسل منه الإناء، وإن كان يغسل سبعاً للحديث(4) ففي الماء وحده، وكان [مالك] يضعفه ويقول: قد جاء هذا الحديث وما أدري ما حقيقته، وكان يرى الكلب كأنه من أهل البيت، ليس كغيره من السباع. قال سحنون: والهرُّ أيسر منه، لأنه مما يتخذه الناس. [قال مالك]: ولا باس بلعابه يصيب الثوب [أو الجسد] يؤكل صيده فكيف يكره لعابه؟.
__________
(1) دُويبة نحو الخنفساء حمراء اللون، وأكثر ما تكون في الحمامات والكُنُف، الوسيط (2/1066).
(2) هذا هو المشهور في المذهب خلافاً لما نُقل عن ابن نافع وابن دينار، وما نقل عن ابن عرفة عن عبد الحق، وانظر: مواهب الجليل (1/88).
(3) هو بقية الشيء، الوسيط (سأر) (1/426).
(4) رواه البخاري (172)، ومسلم (279)، ومالك (36) موطأ.

10 - [قال مالك: والطير والدجاج والأوز المُخلاّة والسباع التي تصل إلى النتن إن شربت من طعام أو لبن أو غيره أكل، إلا أن يكون في أفواهها وقت شربها أذى فلا يؤكل. وإن شربت من إناء فيه ماء فلا يتوضأ به، لاستجازة قلوحه].
11 - وقال ابن القاسم: ويطرح ويتيمم من لم يجد سواه، ومن توضأ به وصلى ولم يعلم أعاد في الوقت، وأما إن شربت [من لبن أو أكلت] من طعام، فإنما يطرح إذا أقنت أن في افواهها أذى، يعني وقت شربها، وما لم ير من ذلك فلا بأس [به] بخلاف الماء لاستجازة طرحه، وإن كانت مقصورة أو كانت بمكان لا تصيب فيه الأذى، فسؤرها طاهر، وهي كغيرها من الحمام، ولا بأس بالخبز من سؤر الفأرة، ويغسل ما أصاب بولها.(1)
12 - ولا يكره استقبال القبلة واستدبارها لبول، أو لغائط، أو لمجامعة، إلا في الفلوات، فأما المدائن والقرى والمراحيض التي على السطوح فلا بأس به، وإن كانت تلي القبلة.(2)
13 - ولا يُستنجى من الرِّيح، ولكن من البول والغائط، ومن [تَغَوَّط] واستنجى بالحجارة ثم توضأ ولم يغسل مخرج الأذى بالماء حتى صلى أجزأته [صلاته]، ويغسل مخرج الأذى [بالماء] لما يُستقبل.(3)
__________
(1) انظر: الشرح الكبير للدرديري (1/43)، والمقدمات لابن رشد (1/89، 90)، والبيان والتحصيل (1/35)، والذخيرة (1/181)، (1/187)، البيان والتحصيل (1/42)، المعيار المعرب (1/12).
(2) لحديث البخاري (394)، ومسلم (264)، وانظر: شرح السنة (1/359)، والذخيرة للقرافي (1/204، 205).
(3) انظر: الذخيرة للقرافي (1/206).

14 - و لا ينتقض الوضوء من مسّ شيء من البدن، إلا من [مسّ] الذكر وحده بباطن الكف، أو بباطن الأصابع، فينتقض [وضوءه]، وإن مسَّه بظاهر الكف أو الذراع لم ينتقض وضوءه، ولا ينتقض وضوء المرأة إذا مسَّت فرجها. ومن مس ذكره في غسل جنابته أعاد وضوءه إذا فرغ من غسله إلا أن يمرّ بيديه على مواضع الوضوء في غسله فيجزيه [ذلك].(1)
15 - ومن نام [ساجداً أو] جالساً أو راكباً الخطرة ونحوها، فلا وضوء عليه. وإن استثقل نوماً وطال ذلك أعاد الوضوء. ونومه راكباً قدر ما بين العشائين طويل، ولا وضوء على من نام محتبياً(2) [في يوم جمعة وشبهه، لأنه لا يثبت]. قال أبو هريرة: ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم وضوء.
16 - قال ابن شهاب: السنة فيمن نام راكعاً أو ساجداً فعليه الوضوء. وقال ابن أبي سلمة: من استثقل نوماً على أي حال كان فعليه الوضوء.(3)
17 - ومن اعتراه مذي أو بول المرة بعد المرة لأَبْرِدَة أو علة توضأ إلا أن يستنكحه ذلك، فيستحب له الوضوء لكل صلاة [من غير إيجاب] كالمستحاضة، فإن شق عليه الوضوء لبرد أو نحوه لم يلزمه [الوضوء]، وإن خرج ذلك من المستنكح في الصلاة داراه بخرقة ومضى في صلاته، وإن لم يكن مستنكحاً قطع، وإن كثر عليه المذي لطول عزبة، أو تذكر، لزمه الوضوء لكل صلاة.
18 - ولا شيء على من خرج من دُبره دود، وإن خرج من فرج المرأة دم فعليها الغسل إلا أن تكون مستحاضة.(4)
__________
(1) انظر: الذخيرة (1/221، 224) والموطأ (61).
(2) هو الجالس على أليته، وضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه ليستند، الوسيط (حبا) (1/160).
(3) انظر: الشرح الكبير (1/118، 119)، وأثر أبي هريرة رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (1/124)، وعبد الرزاق (1/129).
(4) انظر: الشرح الكبير (1/116)، والذخيرة (1/212، 213).

19 - قال عليّ عن مالك: ولا يغسل الرجل أنثييه من المذي(1) إذا توضأ إلا أن يصيبهما منه شيء، إنما عليه غسل ذكره.
قال مالك: والمذي أشد من الودي، لأن المذي يجب منه الوضوء مع غسل الفرج، والودي بمنزلة البول.
20 - قال يحيى بن سعيد: ومن به باسور لا يزال يطلع منه فيرده بيده فما عليه إلا غسل يده إلا أن يكثر ذلك عليه فلا يغسلها [وكان ذلك بلاء نزل به يعذر به، بمنزلة القُرحة].(2)
ومن خُنق(3) قائماً أو قاعداً ثم أفاق توضأ، ولا غسل عليه. ومن فَقَد عقله بإغماء أو بجنون أو سكر توضأ، وقد يتوضأ من هو أيسر شأناً ممن ذكرنا، وهو الذي ينام ساجداً أو مضطجعاً، لقول الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ...}، (المائدة: 6). قال زيد بن اسلم: يعني من النوم.
21 - وإذا مسّ أحد الزوجين صاحبه للذة من فوق الثوب أو [من] تحته، أو قَبَّله على غير الفم فعليه الوضوء، أنعظ(4) الرجل أم لا، [وإن مست المرأة ذكر الرجل لمداواة لغير شهوة فلا وضوء عليها]، وإن مسه لغير شهوة [لمرض به ونحوه] فلا وضوء عليه، والمفعول به ذلك إن التذ توضأ، وإلا فلا وضوء عليه.(5)
22 - ومن شك في بعض وضوئه [فلم يتيقن أنه غسله]، فليغسل ما شك فيه، ولو أيقن بالوضوء ثم شك في الحدث فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم لا فليعد وضوءه، [بمنزلة من شك فلم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فليلغ الشك] إلا أن يستنكحه ذلك كثيراً فلا يلزمه إعادة شيء من وضوء ولا صلاة.(6)
__________
(1) هو ماء رقيق يخرج من مجرى البول، من إفراز غُدد معينة عند المداعبة والتقبيل من غير إرادة، الوسيط (المذي) (2/894).
(2) انظر: الوسيط (2/751) وفيه أن القرحة: البثرة إذا دب فيها الفساد.
(3) خنق: عصر حلقه حتى مات، الوسيط (1/268).
(4) نعظ ذكره نعظاً: قام وانتصب، الوسيط (نعظ).
(5) انظر في المسألة: الشرح الكبير (1/120)، والذخيرة (1/227، 228).
(6) انظر: الذخيرة (1/218).

23 - ولا يتوضأ بسؤر النصراني ولا بماء أدخل يده فيه، ولا بأس بذلك من الحائض والجنب، إذا لم يكن في أيديهما نجس.
24 - مالك: ومن نَكَّس وضوءه وصلى أجزأته صلاته، ويعيد الوضوء أحب إليّ، وما أدري ما وجوبه وقد قال عليّ وابن مسعود: ما نبالي بدأنا بأيماننا أو بأيسارنا.
25 - [ومن فرّق وضوءه أو غسله متعمداً، أو نسي بعضه]، ومن ترك بعض مفروضات الوضوء، أو [بعض] الغسل أو لمعة عمداً حتى صلى، أعاد الوضوء والغسل والصلاة، وإن ترك ذلك سهواً حتى تطاول غسل ذلك الموضع فقط، وأعاد الصلاة، فغن لم يغسله حين ذكره استأنف الغسل والوضوء.
26 - ومن توضأ بعض وضوئه ثم عجز ماؤه فقام لطلبه فإن قرب بنى، وإن تباعد وجف وضوءه ابتدأ الوضوء، وإن ذكر في صلاته أنه لم يمسح رأسه قطع ولم يجزه مسح رأسه بما في لحيته من بلل، وليأتنف مسحه ويبتدئ الصلاة، ولا يعيد غسل رجليه [إن كان ناسياً] وكان وضوءه قد جف.(1)
27 - ومن ترك المضمضة والاستنشاق ومسح داخل أذنيه في الوضوء أو الجنابة حتى صلى أجزأته صلاته وأعاد ما ترك لما يستقبل.(2)
28 - وتمسح المرأة على رأسها كله كالرجل، وتمسح [على] ما استرخى من شعرها نحو الدلالين(3)، وكذلك الطويل الشعر من الرجال، وإن كان شعرها معقوصاً(4) مسحت على ضفرها، ولا تنقض شعرها، ولا تمسح على خمارها ولا [على] غيره، فإن فعلت أعادت الوضوء والصلاة، والأذنان من الرأس ويستأنف لهما الماء، وإذا كانت على الرأس حناء فلا تمسح عليه حتى تنزعها [فتمسح على الشعر].(5)
__________
(1) انظر: الذخيرة (1/247)، والمقدمات (1/80).
(2) انظر: المقدمات لابن رشد (1/80)، والخرشي على المختصر (1/127).
(3) أي ضفيرتين المرأة يميناً وشمالاً، تاج العروس (14/240).
(4) عقصت المرأة شعرها: أخذت كل خصلة منه فلوتها، ثم عقدتها حتى يبقى فيها التواء، ثم أرسلتها، الوسيط (2/638).
(5) انظر: تنوير المقالة للتتائي (1/515)، وبلغة السالك (1/43).

29 - ولا بأس بالمسح بالمنديل بعد الوضوء، ومن ذبح لم ينتقض وضوءه، وإن حلق رأسه لم يعد مسحه.
قال ابن أبي سلمة: هذا من لحن الفقه، [قال سحنون: يريد من خطأ الفقه]، وأنكر مالك قول من قال في الوضوء حتى يقطر أو يسيل، قال: وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد، ويحرك اللحية في الوضوء، ويمر عليها بيده من غير تخليل.(1)
* * *
باب النجاسة
30 - وما خرج من القيء بمنزلة الطعام فهو طاهر، وما تغير عن حال الطعام فهو نجس [عنده].
31 - مالك: ويغسل المحتجم موضع المحاجم، قال يحيى بن سعيد: وكذلك العرق يقطع، قال مالك: ولا يجزئ مسحها، فإن مسحها وصلى أعاد في الوقت بعد أن يغسلها.(2)
32 - [وكل] قرحة إن تركها صاحبها لم تسل وإن [نكأها] سالت، فما خرج من هذه من دم أو غيره فأصاب ثوبه أو جسده غسله، وإن كان في صلاة قطع، ولا يبني إلا في الرعاف، إلا أن يخرج منها الشيء اليسير فيفتله ولا ينصرف، وإن كانت لا تكُفّ تُمْصَل من غير أن تنكأ فليصلّي وليدرأها بخرقة ولا يقطع لذلك صلاته، ولا يغسل منه الثوب [إذا أصابه] ولا بأس أن يصلي به إلا أن يتفاحش فيستحب له غسله، والقيح والصديد مثل الدم.(3)
__________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/86)، وتنوير المقالة (1/498).
(2) انظر: حاشية الدسوقي (1/51)، ودليل السالك (ص29).
(3) انظر: الموطأ (49)، وجواهر الإكليل (1/9)، ومواهب الجليل (1/147).

33 - [قال مالك: ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -] في الدرع يطهره ما بعده(1)، هذا في القشب اليابس(2). ومن وطئ بخفيه [أو نعليه] على دم أو عذرة أو بول لم يصلّ به حتى يغسله، وإن وطئ على روث الدواب الرطب وأبوالها دلكه وصلى به، وكان مالك يقول: يغسل الخف ثم خففه، ولا بأس بطين المطر [وماء المطر المستنقع في السكك والطرق] يصيب الثوب أو الجسد [أو الخف أو النعل]، وإن كان فيه العذرة وسائر النجاسات، وما زالت الطرق وهذا فيها، وكانوا يخوضون المطر وطينه ثم يصلون ولا يغسلونه.
34 - ومن رأى في صلاته دماً يسيراً في ثوبه، دم حيض أو غيره، تمادى ولم ينزعه، إن شاء، وإن نزعه فلا بأس [به]، وإن كان كثيراً قطع [ونزعه].
35 - ولا يبني، ويبتدئ الفريضة بإقامة، ولا يبتدئ النافلة إلا أن يشاء [وإن رآه بعد فراغه من الفريضة أعادها في الوقت]، والدم كله سواء، دم حيض أو سمك أو غيره، يغسل قليله وكثيره، ولا يغسل من دم البراغيث إلا ما تفاحش، والبول والرجيع والمني والمذي والودي وخرء الطير [التي تأكل الجيف، والدجاج] التي تصل إلى النتن وزبل الدواب [وأبوالها] قليله وكثيره سواء، يغسل وتقطع منه الصلاة.
36 - [ومن ذكر أنه في ثوبه، أو رآه فإنه ينزعه، ويبتدئ الفريضة بإقامة] ومن صلى بذلك، أو بدم كثير ولم يعلم أعاد في الوقت، قيل له: فإن رآه قبل أن يدخل في الصلاة؟ قال: هو مثل هذا [كله] يفعل به كما يفعل [فيها فسرت] في هذا.
37 - وأما من أصاب ثوبه شيء من أبوال الإبل والبقر [والغنم] فلا يغسله، لأن هذه تشرب ألبانها وتؤكل لحومها، والخيل والبغال والحمير لا تشرب ألبانها ولا تؤكل لحومها. وما ينجس البدن ينجس الثوب، ولا يجزئ فرك المني من الثوب حتى يغسل بالماء.(3)
__________
(1) رواه ابو داود (383)، وابن ماجة (531)، ومالك (16).
(2) القشب: الرَّجيع، الوسيط (2/764).
(3) انظر: المعيار المعرب (1/112).

38 - ولا يزيل النجاسة من الثوب والبدن إلا الماء. وكره مالك لمن في ثوبه قطرة من دم أن ينزعه بفيه ويمحه(1)، ولكن يغسله.
39 - ومن أيقن أن نجاسة أصابت ثوبه لا يدري موضعها غسله كله، وإن علم تلك الناحية غسلها، وإن شك [أنه] أصابه شيء أم لا، نضحه بالماء، ويغسل ما قل من البول، ولو مثل رؤوس الإبر.(2)
40 - ويمسح على الجبائر، والظفر يكسى دواء أو مرارة، والصدغ يجعل عليه قرطاس من المرض، وإن لم يمسح على الجبائر أعاد الصلاة أبداً، وإذا أصاب الجنب كسر أو شجة فكان ينكب عنها الماء لموضع الجبائر، فإذا صح غسل ذلك الموضع، فإن لم يغسله حتى صلى صلوات، فإن كان في موضع لا يصيبه الوضوء كالظهر وغيره [غسل تلك اللمعة]، وأعاد [الصلاة] كل ما صلى من حين قدر أن يمسه بالماء كاللمعة.(3)
41 - ويغسل أقطع الرجلين في الوضوء موضع القطع وبقية الكعبين، [إذا القطع تحتهما] [وقد قال الله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (المائدة: 6)، والكعبان اللذان إليهما حد الوضوء هما اللذان في الساقين]، ولا يغسل ذلك أقطع المرفقين لأن المرفقين في الذراعين وقد أتى عليهما القطع، إلا أن تعرف العرب والناس أنه بقي شيء من المرفقين في العضدين فليغسل موضع القطع وبقيتهما، والتيمم مثله.
42 - وبول الجارية والغلام سواء يغسل، وإن لم يأكلا الطعام، ويستحب للأم أن يكون لها ثوب للصلاة غير الذي ترضع فيه، فإن لم تقدر صلت به، وتدرأ البول جهدها، وتغسل ما أصاب ثوبها من البول جهدها.
43 - ولا بأس بالبول قائماً في موضع لا يتطاير فيه، وأكرهه بموضع يتطاير فيه، وليبل جالساً.
* * *
[في الوضوء بماء البئر تقع فيه الدابة] (4)
__________
(1) مَحَّ الماء أو الشراب من فيه، أي لفظه.
(2) انظر: مواهب الجليل (1/108).
(3) انظر: الذخيرة للقرافي (1/317)، والمعيار (1/27).
(4) هكذا في المدونة والأصول والصواب: فيها لأن البئر مؤنثة، وفي سورة الحج آية (45).

44 - قال مالك رحمه الله: وجِباب أنْطابُلس(1)، [ومواجل(2) بَرْقَة(3)]، [التي يكون فيها ماء السماء]، إذا ماتت فيها شاة أو دابة فلا أحب أن يغتسل منه، ولا يتوضأ [به] ولا يشرب [منه]، ولا بأس أن تسقى منه الماشية. وآبار المدينة إذا ماتت فيها فأرة أو وزغة(4) استقى منها حتى تطيب.
45 - وما كان في الطرق من الغُدُر والآبار في الفلوات تصابي قد أنتنت، فإن كان نتنها من الحمأة فلا بأس بذلك. وإذا استنقع من ماء المطر شيء قليل فليتوضأ به، وإن جف تيمم بصعيده، وإن خاف أن يكون فيه زبل فلا باس به.
46 - وإذا ماتت دابة في عسل [وسمن] جامد طرحت وما حولها، وأكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا يؤكل ولا يباع، ولا بأس أن يعلف النحل.
47 - علي عن مالك: من توضأ بماء وقعت فيه ميتة فتغير لونه وطعمه وصلى أعاد الصلاة أبداً، فإن لم يتغير [لونه ولا طعمه] أعاد في الوقت.
48 - قال ربيعة وابن شهاب: كل ماء [كان] فيه فضل عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك لونه ولا طعمه ولا رائحته فلا يضره ذلك. قال ربيعة: فإن تغير لون الماء أو طعمه نزع منه قدر ما يذهب الرائحة منه.
49 - ولا بأس أن تنام الحائض والجنب في الثوب [ويعرقان فيه] إلا أن يكون في أبدانهما نَجَس، أو في الثوب نجاسة فيكره ذلك في الوقت الذي يعرق فيه، [لأنه يبتل موضع النجاسة].
50 - وإن انغمس الجنب في نهر ينوي به الغسل لم يجزئه حتى يمر بيديه على جميع جسده، وكذلك لا يجزيه الوضوء حتى يمر بيديه على مواضعه.(5)
__________
(1) هي مدينة بالإسكندرية، مراصد الاطلاع (1/124).
(2) المَوْجل: حفرة يستنقع فيها الماء بعناية، الوسيط (2/1056).
(3) البرقة: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى، مراصد الاطلاع (1/186، 187).
(4) سام أبرص، الوسيط (2/1071).
(5) انظر: الحدود لابن عرفة مع شرح الهداية لابن الرصاع (1/99، 100)، وبلغة السالك مع الشرح الصغير (1/63)، والشرح الكبير (1/135).

51 - ولا يغتسل الجنب في الماء الدائم(1)، فإن فعل أفسده إذا كانت مثل حياض الدواب، إلا أن يكون قد غسل مواضع الأذى قبل دخولها فلا بأس به، وإن اغتسل الجنب في قصرية فلا خير فيه، وإن كان غير جنب فلا بأس به. وإن أتى الجنب بئراً قليلة الماء بيده قذر وليس معه ما يغرف به، قال مالك: يحتال حتى يغسل يديه أو يغرف فيغتسل، وكره أن يقول: فيغتسل فيها. قال ابن القاسم: فإن اغتسل فيها أجزأه ولم ينجسها إن كان ماء معيناً. قال علي عن مالك: إنما كره له الاغتسال فيه إذا وجد منه بداً، وذلك جائز للمضطر إليه، إن كان الماء كثيراً يجعل ذلك.
52 - ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل، فإن أخره بعده أجزأه، وإن أخّر غسل رجليه إلى موضع يقرب من غسله أجزأه، وليس الناس فيما يكفيهم من الماء سواء.
53 - قال عبد الله بن عمر: وإن لم يتوضأ الجنب أجزأه الغسل ما لم يمسّ فرجه. ولا تنقض الحائض شعرها في غسل حيضة أو جنابة ولكن تضغثه(2) بيديها(3)، ولا بأس بما انتضح من غسل الجنب في إنائه، [ولا يستطيع الناس التحرز من هذا]، ومن أخر غسل رأسه في اغتساله من جنابة خوفاً من امرأته حتى جفّ غسله لم يجزه وابتدأ الغسل.
__________
(1) نص حديث رواه مسلم (283).
(2) ضغثت المرأة شعرها: عالجته بيديها عند الغسل ونحوه، ليدخل فيه الغسول، الوسيط (1/561).
(3) ذلك محمول على الشعر غير المضفر، وعلى المضفر الذي لم يشتد ضفره، فإن اشتد الضفر نُقض كما ينقض إذا ضفر بخيوط كثيرة. وانظر: الشرح الصغير مع بلغة السالك (1/64).

54 - وإذا حاضت المرأة وهي جنب فلا غسل عليها حتى تطهر [من حيضتها] والغسل يجب على الزوجين بالتقاء الختانين، أو مغيب الحشفة، أنزلا أو لم ينزلا، وإن لم تغب الحشفة(1) لم يجب الغسل، فإذا جامعها دون الفرج فوصل من مائه إلى داخل فرجها فلا غسل عليها إلا أن تنزل هي.(2)
55 - مسألة: ولا ينام الجنب في الليل والنهار حتى يتوضأ [جميع وضوئه] وليس ذلك على الحائض، وللجنب أن يعاود أهله، ويأكل قبل وضوئه، إذا غسل يديه من الأذى.(3)
56 - مسألة: والمنتبه من النوم يصيب في لحافه بللاً، فإن كان منياً اغتسل، وإن كان مذياً توضأ، وكذلك من لاعب امرأته في اليقظة، أو رأى في منامه أنه يجامع، فإن أمذى توضأ، وإن أمنى اغتسل، والمرأة في ذلك كالرجل.(4)
57 - ولا يطأ المسافر أهله إلا ومعهما من الماء ما يكفيهما كانا على وضوء أم لا، وليس كمن به شجة أو جرح لا يستطيع غسله بالماء، هذا له أن يطأ لطول أمره.(5)
58 - ومن اغتسل تبرداً أو للجمعة، لم يجزه من غسل الجنابة حتى ينويه، كمن صلى نافلة فلا تجزه عن فريضة، ومن توضأ لصلاة نافلة، أو قراءة في مصحف، أو ليكون على طهر أجزأه، وإن توضأ لحر يجده ولا ينوي به غيره لم يجزه لصلاة فريضة، ولا نافلة ولا مس مصحف، ولا وضوء ولا غسل إلا بنية، ومن بقيت رجلاه من وضوئه فخاض [بهما] نهراً فدلكهما فيه بيديه ولم ينو تمام وضوئه لم يجزه حتى ينويه.
__________
(1) هي رأس عضو التذكير ويُكشف عنها الختان، الوسيط (1/183).
(2) انظر: الذخيرة (1/290).
(3) انظر: الموطأ لمالك (1/78).
(4) إشارة لحديث فيه: “إنما النساء شقائق الرجال”، رواه أبو داود (1/54).
(5) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (1/57)، في نقله عن المدونة، وتفصيله للمسألة.

59 - مالك: ولا يعجبني دخول الجنب المسجد عابر سبيل ولا غيره، [و يمر فيه، ويقعد من كان على غير وضوء]. وقال زيد بن أسلم: لا بأس أن يمر الجنب في المسجد عابر سبيل.(1)
60 - ويجبر المسلم امرأته النصرانية على الطهر من الحيضة [إذ ليس له وطؤها كذلك حتى تطهر]، ولا يجبرها [على الطهر] من الجنابة [لجواز وطئها كذلك].
61 - ومن صلى ثم خرج لحاجة فرأى في ثوبه جنابة، لم يذهب لحاجته ورجع فاغتسل، وغسل ما أصاب ثوبه وأعاد الصلاة.
62 - وإذا ذكر الإمام بعد فراغه من الصلاة أنه جنب أعاد [الصلاة] وحده، وصلاة من خلفه تامة، وإن ذكر ذلك قبل تمام صلاته استخلف، فإن تمادى بعد ذكره جاهلاً أو مستحيياً أو دخل عليه ما يفسد صلاته، ثم تمادى، أو ابتدأ بهم الصلاة ذاكراً لجنابته، فقد أفسد على نفسه وعليهم، [وتلزم من خلفه الإعادة متى علموا]، ومن علم بجنابته ممن خلفه والإمام ناسٍ لجنابته فتمادى معه، فصلاته فاسدة ويعيدها أبداً.
63 - ومن صلى وفي جسمه نجاسة أو بثوب نجس، أو عليه، أو لغير القبلة أو على موضع نجس قد أصابه بول فجفّ، كانت النجاسة في موضع جبهته أو أنفه أو غيره، أعاد في الوقت، ووقته [في الظهر والعصر] إلى اصفرار الشمس [فإذا اصفرت فلا يعيد]، ووقت النصراني يُسْلِم، والحائض تطهر، والمجنون يفيق النهار كله.
64 - ومن لم يكن معه غير ثوب نجس صلى به، فإن وجد غيره أو ما يغسله به أعاد في الوقت، [قال مالك]: إن كان معه ثوب حرير، وثوب نجس، صلى بالحرير أحب إليّ، ويعيد في الوقت إن وجد غيره.
__________
(1) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (1/58).

65 - ومن أصابه حقن أو قرقرة(1) فإن كان ذلك خفيفاً فليصل، وإن كان مما يشغله أو يعجله في صلاته فلا يصلي حتى يقضي حاجته، فإن صلى بذلك أحببت له الإعادة أبداً، ولم يحفظ ابن القاسم عن مالك في الغثيان(2) شيئاً.(3)
65 - مسألة: ولا بأس أن يصلي بوضوء واحد يومين [أو ثلاثة] أو أكثر من ذلك.(4)
66 - ولا يصلي بما لبسه أهل الذمة حتى يغسل، وما نسجوه فلا بأس به. والنصراني جنب فإذا أسلم اغتسل، فإن تطهر للإسلام وقد أجمع عليه [ثم أسلم] أجزأه، فإن لم يجد الماء فليتيمم للإسلام، وينوي بتيممه الجنابة أيضاً، ثم إن وجد الماء فليغتسل.(5)
* * *
في الرعاف(6)
67 - وينصرف من الرعاف [في الصلاة] إذا سال أو قطر، قل ذلك أو كثر، [فليغسله ثم يبني على صلاته]، فإن كان غير قاطر ولا سائل فليفتله بأصابعه ويتمادى. اقل ابن المسيب: ومن لم ينقطع عنه الدم أتم صلاته إيماء. مالك: [وكل من رعف في صلاته فذهب يغسل الدم] فله أن يبني في بيته أو في موضع يقرب من غسله، إلا أن يطمع أن يدرك الإمام، أو يكون في جمعة فلا بد من المسجد.(7)
68 - وإذا رعف المأموم بعد فراغه من التشهد قبل سلام الإمام ذهب فغسل الدم [عنه]، ثم رجع فتشهد وسلم، وإن سلم الإمام ثم رعف المأموم سلم وأجزأته صلاته. وإذا عَقَد ركعة وسجدة ثم رعف ألغاها إذا بنى، وإن عقدها بسجدتيها بنى عليها.
__________
(1) القرقرة: صوت في البطن من رياح تكون فيه، الوسيط (2/757).
(2) هو تحريك المعدة وتهيؤها للقيء، التصييد (1/53).
(3) انظر الشرح الصغير (1/126).
(4) انظر: صحيح مسلم (277).
(5) إشارة لحديث أبي هريرة في البخاري (462) ومسلم (1764).
(6) هو الدم الذي يخرج من الأنف، الوسيط (1/367).
(7) انظر: الموطأ لمالك (52، 54).

69 - وإن رعف في الثانية من الجمعة فوجد الإمام، حين رجع، في التشهد جلس معه، فإذا سلّم أتى بركعة، وكذلك إن أتى بعد سلام الإمام، فليأت بركعة يجهر فيها، فإن نسي منها السورة التي مع أم القرآن سجد قبل السلام وصلاته تامة، وإن نسي منها أم القرآن سجد قبل السلام وأعاد [الصلاة] ظهراً أربعاً.
70 - وإذا رعف في الأول من الجمعة قبل أن يعقدها بسجدتيها فوجد الإمام، حين رجع، قد سلّم من الصلاة فليبتدئ ظهراً أربعاً، فإن رعف بعد كمال ركعة من الظهر فرجع والإمام في الرابعة فليصلها معه ثم يقضي ما فاته (بعد سلام الإمام]. ومن تقيّأ عامداً أو غير عامد ابتدأ الصلاة ولا يبني إلا في الرعاف.
* * *
في المسح على الخفين
71 - ويمسح على ظهور الخفين وبطونهما، ولا يتبع غضونهما وهو تكسير أعلاهما، والمسح أن يضع يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابعه، ويضع اليسرى تحتها من باطن خفيه ثم يمرهما إلى حد الكعبين. وينزع ما تحتهما من طين قبل المسح. ولا يجزئ [عند مالك] مسح أعلاه دون أسفله، ولا أسفله دون أعلاه، وإن مسح أعلاهما فقط وصلى فأحب إلي أن يعيد في الوقت، لأن عروة كان لا يمسح بطونهما.
72 - وإذا كان الخف دون الكعبين، أو كان فيه خرف تظهر منه القدم، فلا يمسح عليه، وإن كان خرقاً يسيراً مسح عليه.
73 - ومن لبس خفين على طهارة ثم أحدث فمسح عليهما ثم لبس آخرين فوقهما، ثم أحدث مسح على الأعليين، فإن لم يحدث لم يمسح عليهما [ويجزيه المسح على الداخلين]، كمتوضئ لبسهما على قدميه، فإن نزع الأعلى وقد مسح عليه، مسح الأسفل مكانه، كما يغسل رجليه إذا أخرجهما من الخف مكانه، فإن أخّر ذلك فيهما حتى تطاول [ذلك] ابتدأ الوضوء. مالك: ومن لبس خفين على خفين مسح الأعلى منهما.(1)
__________
(1) انظر: الموطأ (46، 47)، والذخيرة (328) وما بعدها، والمعيار (1/72)، والبيان والتحصيل (1/82)، والمنتقى (1/81)، والشرح الصغير (1/58).

74 - واختلف قوله في المسح على الجرموقين، فكان يقول: لا يمسح على الجرموقين إلا أن يكون فوقهما أو تحتهما جلد مخروز قد بلغ إلى الكعبين فيمسح عليهما، ثم رجع فقال: لا يمسح عليهما أصلاً، وسواء في قوليه لبسهما على رجل أو خف، وأخذ ابن القاسم بقوله الأول، ولم يأخذ مالك بحديث ابن عمر في تأخير المسح.(1)
75 - مسألة: والمرأة في مسح الخف كالرجل، وإذا خرج العقب من الخف إلى الساق قليلاً والقدم كما [في الخف] فهو على وضوئه، فإن أخرج قدميه إلى ساق الخف وقد كان مسح عليهما غسل رجليه مكانه، فإن أخر ذلك استأنف الوضوء، ولا يمسح على خفيه إلا من أدخل رجليه فيهما وهو على وضوء. فأما من تيمم ولبس خفيه لم يمسح عليهما إذا توضأ.
76 - مسألة: ويكره للمرأة تعمل الحناء، أو رجل يريد أن ينام [أو يبول] فيتعمدان لبس الخف [للمسح].
77 - وتمسح المستحاضة على خفيها.
78 - مالك: ويمسح المقيم والمسافر على خفيه، وليس لذلك وقت، ثم قال: لا يمسح المقيم.
* * *
ما جاء في التيمم(2)
__________
(1) انظر: الذخيرة (1/332).
(2) قال القراقي: وهو من خصائص هذه الأمة لطفاً من الله تعالى بها وإحساناً إليها .. وهي لغة الفصل، وانظر: الذخيرة (1/334)، وشرح الموطأ - المنتقى - (1/114)، والشرح الصغير (1/67، 74).

79 - التيمم من الجنابة والوضوء سواء، ضربة للوجه، وضربة أخرى للذراعين إلى المرفقين(1)، يضرب الأرض بيديه ضرباً خفيفاً، ثم ينفض ما تعلق بهما نفضاً خفيفاً ثم يمسح بهما وجهه، ثم يضرب بهما الأرض ثانية فيمسح يمناه بيسراه، ويسراه بيمناه، [من فوق اليد وباطن اليد إلى المرفقين]، يبدأ باليسرى فيمرها على اليمنى من فوق الكف إلى المرفق، ومن باطن المرفقين إلى الكوعين، ويمر أيضاً اليمنى على اليسرى كذلك.
80 - ولا يتيمم [في] أول الوقت مريض ولا خائف، فأما المسافر، فإن كان على يأس من الماء تيمم [في] أول الوقت، وصلى، ولا إعادة عليه [و] إن وجد الماء في الوقت، وإن كان على يقين من إدراك الماء في الوقت أخر الصلاة إلى آخر الوقت، فإن تيمم أول الوقت [وصلى] أعاد الصلاة إن وجد الماء في الوقت.
81 - وأما المسافر الذي لا علم عنده من الماء، والخائف الذي يعرف موضع الماء ويخاف أن لا يبلغه في الوقت، [والمريض] يتيممون في وسط الوقت لكل صلاة ويصلون، فإن وجدوا الماء في وقت تلك الصلاة أعادوا إلا المسافر. ومن خرج من قريته على غير وضوء يريد قرية أخرى، وهو غير مسافر فغربت له الشمس، فإن طمع بإدراك الماء قبل مغيب الشفق مضى [إليه]، وإلا تيمم وصلى.
82 - [والتيمم إلى المرفقين]، ومن تيمم إلى الكوعين أو على موضع نجس قد أصابه بول فجف أعاد في الوقت التيمم والصلاة، كمن توضأ بماء غير طاهر [وصلى] أعاد [ما دام] في الوقت.
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف جعفر بن الزبير، وجهالة أحد رواته، ولكن له شاهد عند الحاكم (1/180)، والدارقطني (1/181)، من حديث جابر، غير رواية أبي أمامة الباهلي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

83 - ويتيمم في الحضر من لم يجد الماء، وكذلك المسجون [إذا لم يجد الماء تيمم]، [ومن خاف في الحضر أن تطلع الشمس إذا ذهب إلى النيل ليتوضأ وهو في مثل المعافر(1) وأطراف الفسطاط(2) تيمم وصلى ولا يذهب إلى الماء]، ومن خاف في حضر أو سفر إن رفع الماء من البئر ذهب الوقت، تيمم وصلّى، ولا إعادة عليه إذا توضأ بعد ذلك.
ولمالك قول في الحضري أنه يعيد إذا توضأ.
84 - ومن فرّق تيممه، وكان أمراً قريباً أجزأه، وإن تباعد ابتدأ التيمم كالوضوء، وتنكيس التيمم كالوضوء.
85 - مالك: وإذا تيمم الجنب وصلى، ثم وجد الماء أعاد الغسل فقط [وصلاته الأولى تامة]، وكان ابن مسعود يقول غير هذا، ثم رجع إلى أنه يغتسل.
86 - والمجدور(3) والمحصوب(4) إذا خافا على أنفسهما [من] مسّ الماء تيمما للجنابة لكل صلاة أحدثا أم لا، ويغسل الجريح [في الجنابة] ما صح من بدنه، ويمسح على جراحه بالماء إن قدر، وإلا فعلى عصائبها، والذي أتت الجراح على أكثر جسده ولا يستطيع مسّه بالماء، والذي غمرت الجراح جسده ورأسه فلم يبق له لا يد أو رجل، والصحيح الذي يخاف على نفسه الموت من الثلج أو البرد يتيممون كلهم للجنابة.
__________
(1) اسم قبيلة من اليمن، لهم مخلاف تنسب إليه النياب المعافرية، مراصد الاطلاع (3/1287).
(2) هو بيت يُتخذ من الشعر ويُطلق على المدينة العتيقة التي بناها عمرو بن العاص، في موضع فسطاطه، وتعرف الآن بمصر القديمة، الوسيط (2/714).
(3) الجدري: مرض فيروسي مُعدٍ، يتميز بطفح جلدي حُليمي يتقيح، ويعقبه قشر، يخلف ندوباً، الوسيط (1/115).
(4) الحصبة: حُمّى حادة طفحية معدية تصحبها زكام وسعال وغير ذلك، تصيب الصغار أكثر من الكبار، حيث تأتي مرة واحدة في العمر، الوسيط (1/184).

87 - ويتيمم على الجبل والحصباء والثلج من لم يجد تراباً، وعلى طين خضخاض وغير خضخاض مما ليس بماء إذا لم يجد غيره، ويخفف وضع يديه [عليه]، ولا يتيمم على لبد(1)، قال يحيى بن سعيد: ولا بأس بالصلاة على الصفا والسبخة، وبالتيمم عليهما لمن لم يجد تراباً، وقال: وما حال بينك وبين الأرض فهو منها.
88 - ومن تيمم ثم طلع عليه [رجل معه ماء] وهو في الصلاة تمادى، وإن ذكر أن الماء في رحله قطع [وتوضأ وابتدأ الصلاة]. وإن لم يذكر حتى فرغ من صلاته، وقد نسيه أو جهله أعادها في الوقت.
89 - ومن لم يجد الماء إلا بالثمن فإن كان قليل الدراهم تيمم، وإن كان يقدر فليشتر ما لم يرفعوا عليه في الثمن، فيتيمم حينئذ.
90 - وإذا خاف العطش إن توضأ بما معه من الماء تيمم، وأبقى ماءه، وإن كان مع الجنب من الماء قدر ما يتوضأ به تيمم للجنابة لكل صلاة أحدث أم لا، وإن كان به أذى غسله بذلك الماء ولا يتوضأ به.
91 - ويتيمم المرضى والمسافرون لخسوف الشمس والقمر، ولا يتيمم من أحدث خلف الإمام في صلاة العيدين، ولا يصلي على الجنازة بتيمم إلا مسافر عدم الماء، وإذا تيمم المسافر، فليمس المصحف، ويقرأ حزبه، ويسجد إذا مر بالسجدة.
92 - ومن تيمم لفريضة فتنفل قبلها، أو صلى ركعتي الفجر، أعاد التيمم للفريضة، وإذا تيمم الجنب لنوم لا ينوي به الصلاة، ولا مس المصحف، لم يتنفل به، ولا يمس المصحف، ولا يصلي مكتوبتين بتيمم واحد، ولا بأس أن يتنفل بعد الفريضة بتيممه ذلك، ومن تيمم لفريضة فصلاها، ثم ذكر صلاة نسيها تيمم لها أيضاً.
__________
(1) هو كل شعر أو صوف متلبد، وما يوضع تحت السرج، وضرب من البسط، الوسيط: لبد (2/845).

93 - ولا يؤم المتيمم متوضئين، وليؤمهم متوضئ أحب إليّ(1)، فإن أمهم متيمم أجزأهم،ومن تيمم لفريضة فصلاها ثم ذكر أنه كان جنباً أعاد التيمم لجنابته، وأعاد الفريضة، لأن تيممه ذلك إنما كان للوضوء لا للغسل.
94 - ولا يطأ المسافر امرأته كان على وضوء أو [على] غير وضوء حتى يكون معهما من الماء ما يكفيهما جميعاً، وكذلك إن طهرت المرأة من حيضتها في سفر وتيممت، فلا يطؤها حتى يكون معهما من الماء ما يكفيهما للغسل، وإن كانا متوضئين فلا يقبل أحدهما صاحبه، إلا أن يكون معهما من الماء يكفيهما للوضوء، ولا يدخلان على أنفسهما أكثر من حدث الوضوء إذا لم يكن معهما ماء.(2)
* * *
ما جاء في الحيض(3)
95 - وما رأته المرأة [من الدم] أول بلوغها فهو حيض، وإن كانت [رأت] دفعة [واحدة] فإن لم تر غيرها اغتسلت، فإن تمادى بها الدم قعدت عن الصلاة خمسة عشر يوماً ثم هي مستحاضة.
96 - والتي أيامها غير ثابتة تحيض في شهر خمسة أيام، وفي آخر أقل أو أكثر إذا تمادى بها الدم تستظهر [على] أكثر أيامها [التي كانت تحيض]، وأيام الاستظهار كأيام الحيض، فالتي أيامها اثنا عشر [يوماً] فدون ذلك تستظهر بثلاثة أيام، وثلاثة عشر بيومين وأربعة عشر بيوم [واحد]، وخمسة عشر لا تستظهر بشيء، ثم تصير مستحاضة، [تغتسل وتصلي ويأتيها زوجها]، وكان مالك [مرة] لا يرى الاستظهار، ويقول: إذا تمادى بها الدم جلست خمسة عشر يوماً من أيام الدم، وما لم تر فيه دماً من الأيام ألغته، ثم رجع إلى الاستظهار [بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها ثم تصلي]، وترك قوله الأول [خمسة عشر يوماً].
__________
(1) قول عليّ رضي الله عنه، وابن عمر رضي الله عنهما، كما في "السنن الكبرى" للبيهقي (1/234)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/147).
(2) انظر: الشرح الكبير (1/161).
(3) انظر: الذخيرة (1/371).

97 - قال عنه ابن وهب: ورأيت أن أحتاط لها فتستظهر [وتصلي]، وليست عليها، أحب إليّ من أن تترك الصلاة وهي عليها.
98 - [قال عنه ابن القاسم] وإذا رأت صفرة أو كدرة في أيام حيضتها أو في غيرها فهو حيض، وإن لم تر معه دماً، وتغتسل إذا رأت القصة البيضاء(1)، فإن كانت ممن لا تراها، فحين ترى الجفوف، والجفوف هو أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة.
99 - وإن رأت بعد طهرها بثلاثة أيام أو نحوها دماً، فإن كان الدم الثاني قريباً من الأول أضيف إليه وكان كله حيضة [واحدة]، وإن تباعد ما بينهما، فالثاني حيض مؤتنف، ولا حد في ذلك.
100 - وإن رأت الدم يوماً والطهر يوماً أو يومين، فاختلط هكذا لفقت من أيام الدم عدة أيامها، وألغت أيام الطهر، ثم تستظهر بثلاثة أيام من أيام الدم هكذا، فإذا استكملت ثلاثة أيام من أيام الدم بعد أيام حيضتها اغتسلت وصلت، وكانت مستحاضة بعد ذلك، والأيام التي استظهرت بها هي فيها حائض، وهي مضافة إلى الحيض، رأت الدم فيما بعد ذلك أو لم تره، إلا أنها في أيام الطهر التي كانت تلغيها تتطهر عند انقطاع الدم في خلال ذلك، وتصلي ويأتيها زوجها [وتصومها وهي فيها طاهر]، [وليست تلك الأيام بطهر يعتد به في عدة الطلاق]، وإنما أمرت بالاغتسال في تلك الأيام لأنها لا تدري لعل الدم لا يعود إليها، ولا تعتد بتلك الأيام من طلاق، لأن ما قبلها وما بعدها من الدم قد ضم بعضه إلى بعض، فجعل حيضة واحدة، ثم تغتسل بعد الاستظهار وتصير مستحاضة، ثم تصلي وتصوم وتوطأ [وتتوضأ لكل صلاة إذا رأت الدم في تلك الأيام].
__________
(1) هي ماء أبيض ينزل آخر الحيض غالباً عند بعض النساء، ومن لا قصة لها،فالعبرة بجفاف الفرج من الدم، وانظر: النهاية لابن الأثير (4/471).

101 - ولا تدع الصلاة ما تمادى بها الدم، وتكون عدتها عدة المستحاضة، إلا أن ترى ما لا تشك [فيه] أنه [دم] حيض فتدع له الصلاة وتعتد به من الطلاق. [وإن لم تستيقن ذلك لم تدع الصلاة، ولم يكن ذلك لها عدة، وكانت عدتها المستحاضة وياتيها زوجها في ذلك].
102 - قال ابن القاسم: والنساء يزعمن أن دم الحيض لا يشبه دم الاستحاضة لرائحته ولونه، فإذا رأت الدم خمسة عشر يوماً، والطهر خمسة أيام، ثم الدم أياماً، ثم الطهر سبعة أيام، فهي مستحاضة، فإذا انقطع دم اسلاتحاضة، وقد كانت اغتسلت، قال [مالك]: فلا تعيد الغسل، ثم قال: تتطهر صانية أحب إليّ، وهذا استحب ابن القاسم.
103 - وإذا حاضت بعد الفجر أو حاضت في وقت صلاة، أو بعد أن صلت منها ركعة فلم تطهر حتى خرج الوقت فلا إعادة عليها.
104 - والحائض تشد إزارها، وشأنه بأعلاها(1)، إن شاء [وطئها في أعكانها(2) أو في بطنها، ولا يطؤها بين الفخذين]، ولا يقرب أسفلها، والتي أيامها خمسة ترى الطهر في أربعة فلتغتسل، ولزوجها وطؤها بعد الغسل مكانه.
* * *
القول في دم النفاس(3) والحامل ترى دماً
105 - والنفساء إذا انقطع دمها وإن كان قرب الولادة طهرت، فإن تمادى بها جلست شهرين، قاله مالك ثم رجع فقال: تجلس قدر ما يراه النساء وأهل المعرفة في النفساء من غير سقم، ثم هي مستحاضة، وتلغي ما رأت من طهر في خلال ذلك، وتحسب أيام الدم، وتغتسل إذا انقطع عنها الدم وتصلّي وتوطأ.
106 - فإذا رأت دماً قرب دم النفاس بيومين، أو ثلاثة، أو نحو ذلك فهو مضاف إلى النفاس، إلا أن يتباعد ما بين الدمين فيكون الثاني حيضاً.
__________
(1) هذا يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: “اصنعوا كل شيء إلا النكاح” رواه مسلم في الحيض (302).
(2) العكنة: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمناً، الوسيط (2/642).
(3) هو دم ينزل من رحم المرأة بسبب الولادة ستين يوماً، فأقله مع عدم الزيادة على ما قدرته النساء، انظر: حدود ابن عرفة (1/104).

107 - فإن ولدت ولداً وبقي في بطنها آخر، [فلم تضعه إلا بعد شهرين] والدم [بها] متماد فحالها كحال النفساء، ولزوجها عليها الرجعة ما لم تضع الآخر، وقيل حالها حال الحامل ما لم تضع الثاني، ولا تستظهر الحامل بشيء إذا تمادى بها الدم.
108 - قال أشهب: إلا أن تكون استرابت من حيضتها شيئاً من أول ما حملت وهي على حيضتها، فإنها تستظهر.(1)
109 - قال مالك: وإذا رأت الحامل الدم أول حملها أمسكت عن الصلاة قدر ما يجتهد لها، وليس في ذلك حد، وليس أول الحمل كآخره.
110 - قال ابن القاسم: إن رأته في ثلاثة أشهر تركت الصلاة خمسة عشر يوماً ونحوها، وإن رأته بعد ستة أشهر تركت الصلاة عشرين يوماً ونحوها.
111 - ابن وهب عن مالك: لا تصلي حتى يذهب الدم عنها، فإن طال عليها فهي كالمستحاضة، مالك: وذلك أحسن ما سمعت.
112 - قال عنه أشهب: في الحامل ترى الدم، إنها كغيرها تجلس أيام حيضتها، ثم قال بعد ذلك: ليس أول الحمل كآخره، كرواية ابن القاسم.
113 - قال أشهب: والرواية الأولى أحسن [لأن] ما حبس الحمل من حيضتها مثل ما حبس الرضاع والمرض [وغيره]، ثم تحيض فإنها تقعد حيضة واحدة.
114 - قال يحيى بن سعيد: إذا رأت الحامل الصفرة أو الكدرة لم تصل حتى ينقطع ذلك عنها.
* * *

(كتاب الصلاة الأول)
115 - قال مالك: أحب إليّ أن يصلّي الظهر في الصيف والشتاء والفيء(2) ذراع كما قال عمر(3). وما دام الظل في نقصان فهو غدوة، وإذا مدّ ذاهباً فمن ثمّ يقاس ذراع.
__________
(1) انظر: الذخيرة (1/392)، ومواهب الجليل (1/376).
(2) هو الظِلّ بعد الزوال ينبسط شرقاً، الوسيط (2/773).
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف (1/536).

116 - والعصر: والشمس بيضاء نقية. والمغرب إذا غربت الشمس للمقيم، فأما المسافر فلا بأس أن يمدّ الميل ونحوه. وأول وقت العشاء مغيب الشفق، وهو الحمرة، ولا ينظر إلى البياض الباقي بعدها، وأحب للقبائل تأخيرها بعد الشفق قليلاً، وكذلك في الحرس، ولا تؤخر إلى ثلث الليل، ويغلس بالفجر في الحضر والسفر، وآخر وقتها إذا أسفر، وكان مالك يرى أن يصلي الناس بعدما يدخل الوقت ويمضي منه بعضه في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، ولا بأس أن يخفف قراءة الصبح في السفر بسبح ونحوها، والأكرياء يعجلون الناس [للصلاة].
117 - والأذان كما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا محذورة: الله أكبر، الله أكبر، مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين، [ثم ترجع بأرفع صوتك أول مرة فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين]، حي على الصلاة، مرتين، حي على الفلاح، مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، مرة واحدة.(1)
ويقول في نداء الصبح بعد حيّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، مرتين، والإقامة كلها مرة مرة إلا التكبير فإنه مرتين.(2)
118 - ويكره التطريب في الأذان، ولا يدور في أذنه، ولا يلتفت، وليس هذا من حد الأذان، إلا أن يريد [بالتفاته] أن يسمع الناس.
119 - ويؤذن كيف تيسر عليه، ورأيت المؤذنين بالمدينة يتوجهون للقبلة في أذانهم، ويقيمون عرضاً، وذلك واسع يصنعون كيف شاءوا.
120 - ولا يتكلم في أذانه ولا الملبّي في تلبيته، ولا يردا على من سلّم عليهما، ويكره السلام على الملبي حتى يفرغ، وإن تكلم في أذانه بنى.
__________
(1) رواه مسلم (379) من أبي محذورة.
(2) رواه مسلم (379) من أبي محذورة.

121 - ولا يؤذن ولا يؤم إلا من احتلم، وجائز أذان الأعمى وإمامته. وليس على المرأة أذان ولا إقامة، وإن أقامت فحسن. ولا يؤذن قاعداً إلا من عذر فيؤذن لنفسه [إن كان مريضاً]، وجائز أن يؤذن رجل ويقيم غيره، وإن شاء جعل أصبعيه في أذنيه في أذانه وإقامته، وإن شاء ترك.
122 - وإن أذن فأخطأ فأقام ساهياً ابتدأ الأذان، ومن سمع المؤذن فليقل كقوله، وإن كان في نافلة، إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، وإن أتمّ الأذان معه [أو عجّل بالقول قبله فواسع فلا بأس]، ولا يقول مثله في الفريضة.
123 - ولا بأس أن يؤذن غير متوضئ، ولا يقيم إلا متوضئاً. ويؤذن راكباً ولا يقيم إلا نازلاً، ولا يؤذن للصلاة قبل وقتها إلا الصبح، ولا بأس باتخاذ مؤذنين، أو ثلاثة، أو أكثر، لمسجد واحد، في حضر، أو سفر، في بر، أو بحر، أو في الحُرُس.
124 - وليس الأذان إلا في مسجد الجماعات ومساجد القبائل، أو في موضع اجتمع فيه الأئمة وإن كان في حضر أو سفر، [وكذلك إمام المصر يخرج إلى الجنازة فتحضره الصلاة خارج المصر فيصلي بأذان وإقامة]، فأما غير هؤلاء يجمعون في حضر أو سفر فالإقامة تجزيهم لكل صلاة، وإن أذنوا فحسن. ويجمع الإمام الصلاتين بعرفة والمزدلفة بأذان واحد وإقامة، لكل صلاة، [أما غير الإمام فتجزيهم إقامة لكل صلاة].
125 - ومن صلى بغير إقامة عامداً أو ساهياً أجزأه، وليستغفر الله العامد.
126 - ومن دخل مسجداً قد صلى أهله فليبتدأ الإقامة لنفسه، ومن صلى [وحده] في بيته لم تجزه إقامة أهل المصر، قال ابن المسيب وابن المنكدر: من صلى وحده فليسر الإقامة في نفسه. وعلى من ذكر صلوات إقامة لكل صلاة، ولا يصلي صلاتين بإقامة واحدة.
127 - وتجوز الإجارة على الأذان، وعلى الأذان والصلاة جميعاً، وكره مالك إجارة قسام القاضي، ولا بأس بما يأخذ المعلم، اشترطه أو لم يشترطه، وإن اشترط شيئاً معلوماً على تعليم القرآن جاز.(1)
__________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (2/66).

128 - وينتظر الإمام بعد الإقامة قليلاً بقدر تسوية الصفوف، ثم إذا كبر قرأ [ولا يتربص]، وليس في سرعة القيام للصلاة [بعد الإقامة] وقت، وذلك على قدر طاقة الناس.
129 - [ومفتاح الصلاة الطهور]، وتحريمها التكبير، وتحليلها السلام.(1)
ولا يجزئ من الإحرام إلا قول: الله أكبر، ولا من التسليم إلا قوله: السلام عليكم.
130 - ولا يقول من صلى وحده أو كان إماماً أو مأموماً هذا الذي يذكر الناس: سبحانك اللهم وبحمدك [تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وكان مالك لا يعرفه] ولكن يكبر ثم يقرأ.
131 - ولا يحرم بالأعجمية، ولا يدعو بها، ولا يحلف بها، ونهى عمر عن رطانة(2) الأعاجم وقال: إنها خب.(3)(4)
132 - وإن ذكر مأموم أنه نسي تكبيرة الإحرام، فإن كان كبر للركوع ونوى بها تكبيرة الإحرام أجزأته، وإن كان كبرها ولم ينو بها ذلك تمادى مع الإمام وأعاد الصلاة احتياطاً، لأنها لا تجزئه عند ربيعة، وتجزئه عند ابن المسيب، فإن لم يكبر للركوع ولا للافتتاح حتى ركع الإمام ركعة [وركعها معه] [ثم ذكر] ابتدأ التكبير، وكان الآن داخلاً في الصلاة، ويقضي ركعة بعد سلام الإمام، ولو كان وحده ابتدأ متى ذكر [قبل ركعة أو بعدها] نوى بتكبيرة الركوع الإحرام أم لا، وكذلك الإمام لا يجزئه أن ينوي بتكبيرة الركوع الإحرام، فإن فعل أعاد هو ومن خلفه، ومن ظن أن الإمام كبر فكبر، ثم كبر الإمام، فإنه يكبر بعد الإمام من غير سلام، فإن لم يكبر بعد تكبير الإمام وتمادى معه أعاد الصلاة.
__________
(1) رواه أبو داود (62)، والترمذي (3)، وابن ماجة (275)، وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في الباب، وأحسن.
(2) رَطَن الأعجمي: تكلم بلغته، ورطن فلان: تكلم بالأعجمية، الوسيط (1/362).
(3) الخبّ: الخداع والغش، الوسيط (1/221).
(4) رواه البيهقي في الكبرى (9/234).

133 - ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، في الفريضة سراً ولا جهراً، إمام أو غيره، وذلك في النافلة واسع، إن شاء قرأ أو ترك. ولا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة، ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ، ولم يزل القراء يتعوذون في قيام رمضان إذا قاموا، ومن قرأ في غير صلاة تعوذ قبل القراءة إن شاء.
134 - ويسمع الرجل نفسه في صلاة الجهر، وفوق ذلك قليلاً، والمرأة دون الرجل في ذلك، وفي التلبية تسمع نفسها.
135 - وليس العمل على القراءة في آخر ركعة من المغرب [بعد أم القرآن] بـ {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا [بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا]}.(1)
ولا على حديث عمر في ترك القراءة، ويعيد تاركها أبداً، وروي وكيع عن عمر أنه أعاد(2)، ولا تجزئ القراءة في الصلاة حتى يحرك بها لسانه، ومن ترك القراءة في ركعة من الصبح، أو في ركعتين فأكثر من سائر الصلوات أعاد الصلاة، وإن تركها في ركعة من غير الصبح، فقد استحب مالك في خاصته أن يعيد الصلاة، وكان يقول زماناً يُلغي تلك الركعة على حديث جابر(3)، وبه أخذ ابن القاسم، ثم قال مالك آخر مرة ارجو أن تجزئه سجدتا السهو قبل السلام وما ذلك بالبين. قال ابن القاسم: والقول الأول فيما رأيت [منه] أعجب إليه وهو رأيي.
__________
(1) سورة آل عمران آية (8).
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/122)، والبيهقي في الكبرى (2/382).
(3) رواه مالك في الموطأ (74)، والبيهقي في الكبرى (2/160) عن جابر، وقال: الصحيح عن جابر من قوله غير مرفوع، وقد رفعه يحيى بن سلاّم وغير من الضعفاء عن مالك وذلك مما لا يحل روايته على طريق الاحتجاج به، وقد يشبه أن يكون ما ذهب إليه جابر في ذلك ترك القراءة خلف الإمام فيما يُجهر فيه بالقراءة دون ما لا يُجهر.

136 - ومن نسي أم القرآن حتى قرأ سورة فليبتدأ أم القرآن وليعد السورة، ولا يقضي ما نسي من القراءة لركعة في ركعة أخرى، ومن نسي السورة التي مع أم القرآن في الركعة الأولى أو في الأوليين، وقرأ بأن القرآن سجد [لسهوه] قبل السلام، فإن تعمد ذلك فلا إعادة عليه، وليستغفر الله، ولا يسجد، ولو قرأها في الركعتين الآخرتين سهواً فلا سجود عليه. وأطول الصلاة قراءة الصبح والظهر.
137 - ومفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم(1). [قال مالك: ولا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة، ولا في خفض ولا رفع]. ولا يرفع يديه [في الصلاة] إلا في الافتتاح شيئاً خفيفاً، وكذلك المرأة، وضعف مالك رفع اليدين عند الجمرتين واستلام الحجر، وبعرفات في الموقف، وعلى الصفا والمروة عند المشعر والاستسقاء، وقد رُئي مالك رافعاً يديه في الاستسقاء حين عزم عليهم الإمام، وقد جعل بطونهما مما يلي الأرض، وقال: إن كان الرفع فهكذا، قال ابن القاسم: يريد [في الاستسقاء] في مواضع الدعاء، ومن مر بالركن فلم يستطع أن يستلمه كبر ومضى ولا يرفع يديه.
138 - ومن أتى والإمام راكع فخشي رفع رأسه فليركع بقرب الصف، وحيث يطمع إذا دب راكعاً يصل إليه، فإن لم يطمع بذلك أحرم حيث أمكنه [وكذلك في صلاة العيدين وغيرهما]، [قال ابن القاسم: ولو جاء في صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء ولم يطمع أن يصل إلى الصف أحرم حيث أمكنه، بمنزلة المكتوبة]، وإذا أمكن يديه من ركبتيه في الركوع، وإن لم يسبح، أو أمكن جبهته وأنفه من الأرض [في السجود] فقد تم ذلك إذا تمكن مطمئناً.
139 - ويكبر في حال انحطاطه لركوع أو سجود، ويقول: سمع الله لمن حمده في حال رفع رأسه، ويكبر في حال رفع رأسه من السجود، وإلا في الجلسة الأولى إذا قام منها فلا يكبر حتى يستوي قائماً.
__________
(1) تقدّم قريباً.

140 - قال مالك: ولا أعرف قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وأنكره، ولم يجد فيه أحداً ولا دعاء مؤقتاً.
141 - وكره مالك الدعاء في الركوع وأجازه في السجود، ولا بأس بالتسبيح فيهما جميعاً، ولا حد في ذلك.
142 - والسجود على الأنف والجبهة جميعاً، فإن سجد على الأنف دون الجبهة أعادها أبداً، [ومن سجد على جبهته دون الأنف فصلاته مجزئة عنده ولا يعيد] ولو كان بجبهته قروح تمنعه السجود عليها أومأ ولم يسجد على الأنف، [قال أشهب: وإن سجد على الأنف أجزأه، لأنه زاد على الإيماء].
143 - ويضع المصلي بصره أمام قبلته ولا ينكس رأسه [إلى الأرض] في الركوع، ويقول المأموم والفذ إذا قال الإمام ولا الضالين: آمين، ويقول الفذ إذا رفع رأسه من الركوع: سمع الله لمن حمده، ويقول المأموم: اللهم ربنا ولك الحمد، وإن كان إماماً فليقل سمع الله لمن حمده، ولا يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول من خلفه سمع الله لمن حمده، ويقول: اللهم ربنا ولك الحمد، قال مالك، وقال مرة: لك الحمد.
144 - وأما تفريق الأصابع [في الركوع] وضمها في السجود فكان مالك يكره أن يجد فيه حداً ويراه من البدع، قال: يسجد كما يسجد الناس ويركع كما يركعون.
145 - وإن نعس المأموم في الركعة الأولى لم يعتد بها ولا يتبع فيها، وإن أدرك الإمام قبل أن يرفع رأسه من سجودها، ولكن يسجد معه ثم يقضيها بعد سلام الإمام، وإن نعس بعد عقد الأولى في ثانية أو ثالثة أو رابعة اتبع الإمام ما لم يرفع رأسه من سجودها.
146 - والجلوس بين السجدتين وفي التشهد سواء، يفضي بأليته(1) إلى الأرض، وينصب رجله اليمنى، ويثني اليسرى، ويجعل باطن إبهام رجله اليمنى مما يلي الأرض، والنساء والرجال في ذلك سواء.
__________
(1) الألية: العجيزة، أو ما ركبها من شحم ولحم، الوسيط (1/26).

147 - وإذا سجد السجدتين نهض كما هو ولا يرجع إلى الأرض، والإقعاء(1) في الصلاة مكروه، ويرفع بطنه عن فخذيه في السجود، ويجافي بضبعيه، ولا يفرج ذلك التفريج، ولكن تفريجاً متقارباً، وله أن يضع ذراعيه على فخذيه في النوافل لطول السجود، وأما في المكتوبة وما خفّ من النوافل فلا، ولا يفترش ذراعيه(2) في السجود.
148 - ويتوجه بيديه إلى القبلة، ولم يحدّ أين يضعهما، ولا يتكئ في المكتوبة على حائط أو عصا، ولا بأس به في النافلة، وإن شاء اعتمد على يديه للقيام أو ترك، [أي ذلك أرفق به فعل]، ولا يضع يمناه على يسراه في فريضة، وذلك جائز في النافلة لطول القيام.
149 - ولا يضع يده إلا على ما يضع [عليه] جبهته، وإن كان حراً أو برداً جاز أن يبسط ثوباً يسجد عليه، [ويجعل عليه كفّيه]ن وتبدي المرأة كفيها في السجود حتى تضعهما على ما تسجد عليه.
__________
(1) انظر في ماهيته: معجم المصطلحات (1/368).
(2) ينظر: البخاري (828)، حديث أبي حميد الساعدي.

150 - قال مالك: ومن صلى على كور(1) العمامة كرهته ولا يعيد، وأحب إلي أن يرفع عن بعض جبهته حتى يباشر الأرض، ويكره أن يحمل الحصباء أو التراب من موضع الظل إلى موضع الشمس ليسجد عليه، ويكره أن يسجد على الطنافس(2)، وثياب الصوف، والكتان، والقطن، وبسط الشعر [والأدم]، وأحلاس(3) الدواب، ولا يضع كفيه عليها، ولكن يقوم عليها، ويجلس ويسجد على الأرض، ولا بأس أن يسجد على الخمرة(4) والحصير وما تنبت الأرض، ويضع كفيه عليها، ولا بأس بالصلاة على طرف حصير وبطرفه الآخر نجاسة.
151 - وجائز أن يصلي المريض على فراش نجس إذا بسط عليه ثوباً طاهراً كثيفاً، وإذا قدر المريض على القيام والركوع والسجود والجلوس فعل ذلك كله، ويتشهد جالساً فإن قدر أن يسجد وإلا أومأ بسجوده، وإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع قام وأومأ لركوعه، ومد يديه إلى ركبتيه في إيمائه، ويجلس ويسجد إن قدر، وإلا أومأ بسجوده جالساً، وإن لم يقدر إلا على القيام كانت صلاته كلها قائماً ويومئ بالسجود أخفض من الركوع، ويصلي المريض على قدر ما يستطيع، فإن دين الله يسر.
__________
(1) الكور: مجتمع طاقاتها مما شُدّ على الجبهة، كما في الشرح الكبير لسيدي أحمد الدردير (1/253).
(2) الطنفسة: مثلثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وعسكها، واحدة الطنافس، القاموس (5/7).
(3) الحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رجله، والقتب والسّرج، الوسيط (1/199).
(4) الخمرة: حصيرة أو سجادة تنسج من سعف النخل وتُرْمَل بالخيوط، الوسيط (1/264).

152 - ومن افتتح الصلاة جالساً من عذر ثم صح أتم قائماً، ولو افتتح قائماً ثم عرض له مرض أتم جالساص وأجزأه، ولا يصلي المريض إلا إلى القبلة، فإن عسر عليه تحويله احتيل فيه، فإن صلى إلى غير القبلة أعاد في الوقت إليها، ويصلي من لا يقدر على القيام متربعاً، فإن لم يقدر فعلى قدر طاقته من الجلوس، فإن لم يقدر فعلى جنبه أو ظهره، ويجعل رجليه مما يلي القبلة، ويومئ برأسه، ولا دع الإيماء، وإن كان مضطجعاً، وصلاته جالساً ممسوكاً به أحب إلي من المضطجع. ولا يستند بحائض ولا جنب، فإن قدر أن يسجد [على الأرض سجد]، وإلا أومأ بظهره ورأسه، ولا يرفع إلى جبهته شيئاً يسجد عليه، ولا ينصب بين يديه شيئاً يسجد عليه، فإن فعل وجهل [ذلك لم يعد] ويؤم الصحيح المرضى [وتجزيهم صلاتهم خلفه إيماء أو جلوساً إذا هو يصلي قائماً]، ولا يؤم المريض الأصحاء إذا كان لا يقدر على القيام.(1)
153 - ويكره لمن يقدح الماء من عينيه أن يصلي مستلقياً [على ظهره] اليومين ونحوهما، فإن فعل أعاد أبداً.(2)
154 - والمصلي جالساً إذا تشهد في الركعتين [الأوليين] كبر قبل أن يقرأ ونوى به القيام للثالثة، وجلوسه في موضع الجلوس كجلوس القائم. ولا بأس بالاحتباء في النوافل للجالس بعقب تربعه، ومن صلى فريضة جالساً وهو يقدر على القيام أعاد أبداً.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (1/507).
(2) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (2/306)، وفتح الباري (2/209).

155 - ومن افتتح النافلة جالساً ثم شاء القيام، أو افتتحها قائماً ثم شاء الجلوس، فذلك له. قال ابن القاسم: قال مالك وعبد العزيز - ولم أسمع من عبد العزيز غير هذا - : من تنفل فيمحمله فقيامه تربعاً، ويركع متربعاً، ويضع يديه على ركبتيه، فإذا رفع رأسه من ركوعه قال مالك: يرفع يديه عن ركبتيه، ولا أحفظ رفع يديه عن ركبتيه عن عبد العزيز، ثم قالا: فإذا أهوى إلى السجود ثنى رجليه وأومأ بالسجود، فإن لم يقدر أن يثني رجليه أومأ متربعاً، [قال: يومئ يديه]، والشديد المرض الذي لا يقدر أن يجلس لا يعجبني أن يصلي المكتوبة في المحمل لكن على الأرض.
156 - ومن خاف أن ينزل من سباع أو غيرها صلى على دابته إيماء حيثما توجهت به، فإن أمن في الوقت فأحب إليّ أن يعيد بخلاف العدو.(1)
157 - وللمسافر أن يتنفل على الأرض ليلاً ونهاراً ويصلي في السفر الذي تقصر في مثله على دابته أينما توجهت به الوتر وركعتي الفجر والنافلة، ويسجد إيماء، وإذا قرأ سجدة تلاوة أومأ بها، فأما في السفر الذي لا يقصر فيه أو في حضر فلا، وإن كان إلى القبلة.
158 - ولا يؤم أحد جالساً(2) في فريضة ولا نافلة، وإذا ناب الإمام شيء منعه [القيام] استخلف من يصلي بالقوم، فإن جاء هو للصف فيصلي بصلاة الإمام، ولا يصلي مضطجعاً إلا مريض.
159 - ولا يصلي الإمام على شيء أرفع مما يصلي عليه أصحابه، فإن فعل أعادوا أبداً لأنهم يعبثون، إلا الارتفاع اليسير مثل ما كان بمصر فتجزئهم الصلاة.
160 - ومن صلى في دور بين يدي الإمام [بصلاة الإمام] وهم يسمعون تكبير الإمام في غير الجمعة أجزأتهم، ويكره لهم ذلك.
__________
(1) انظر: الرسالة للقيرواني (2/367، 368).
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/463)، والبيهقي في الكبرى (3/80)، والدارقطني في سننه (1/398)، وضعفه.

161 - مالك: وجائز أن يصلي في غير الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإمام والإمام في داخل المسجد، ثم كره ذلك، وبأول قوله أقول. ولا يعجبني أن يصلي على أبي قبيس(1) وقعيقعان(2) بصلاة الإمام في المسجد الحرام.
162 - وإن صلى الإمام في أسفل السفينة والناس فوق السقف أجزأهم إذا كان إمامهم قدامهم، ولا يعجبني أن يكون هو فوق وهم أسفل، ولكن يصلي الذين فوق بإمام، والذين أسفل بإمام، والسفن المتقاربة إذا كان الإمام في أحدها وصلى الباقون بصلاته أجزأهم، مثل النهر الصغير والطريق بين الإمام والمأموم.
163 - ولا بأس بالصلاة في دور محجورة(3) بصلاة الإمام في غير الجمعة، إذا رأوا عمل الإمام والناس أو سمعوه.
164 - وتجزئ الجمعة وغيرها خلف من ليس بمبتدع من الولاة.
165 - وأحق القوم [بالإمامة أعلمهم، إذا كان أحسنهم حالاً، وقال أيضاً: أولاهم] بالإمامة أفضلهم في أنفسهم، إذا كان هو أفقههم، قيل لمالك: فأقرؤهم؟، قال: قد يقرأ [من لا، يريد] من لا ترضى حاله. قال ابن وهب عن مالك: يؤم القوم أهل الفضل وأهل الصلاح منهم، وأولى بمقدم الدابة صاحبها، وصاحب الدار أولى بالإمامة إذا صلوا في منزله إلا أن يأذن لأحد.
166 - ولا يصلي من يقرأ خلف من لا يحسن القرآن، وهو أشد من إمام ترك القراءة، والإعادة في ذلك كله أبداً [على الإمام والمأموم].
167 - وإذا كان الإمام من أهل الأهواء فلا يصلى خلفه، ولا الجمعة، إلا أن يتقيه فيصليها معه ويعيدها ظهراً أربعاً. ووقف مالك في إعادة من صلى خلف إمام مبتدع، قال ابن القاسم: يعيد في الوقت، قال مالك: ولا يسلم على أهل البدع ولا يُناكحون ولا يُصلى خلفهم جمعة ولا غيرها ولا تُشهد جنائزهم.
__________
(1) أبو قبيس: جبل بمكة وانظر معجم ما استعجم (3/104).
(2) هو اسم جبل بمكة، معجم ما استعجم (3/1086).
(3) أي الممنوعة، وانظر الوسيط (1/163).

168 - ومن صلى خلف من يقرأ بما يذكر من قراءة ابن مسعود(1) فليخرج ويتركه، فإن صلى خلفه أعاد أبداً.
169 - ولا يؤم السكران، ويعيد من ائتم به.
170 - ولا يؤم الصبي في النافلة الرجال والنساء، ولا تؤم المرأة. قال النخعي: ولا تؤم في فريضة. ولا أعرابي في حضر ولا سفر، وإن كان أقرأهم.
171 - ولا يؤم العبد في الحضر في مساجد القبائل ولا في جمعة أو عيد، فإن أمهم في جمعة [أو عيد] أعاد وأعادوا، إذ لا جمعة عليه ولا عيد، وجائز أن يؤم العبد في قيام رمضان، أو في الفرائض في السفر إن كان أقرأهم من غير أن يتخذ إماماً راتباً.
وكذلك الخصي، وولد الزنا أكره أن يتخذ إماماً راتباً. [وجائز اتخاذ الأعمى إماماً راتباً].
172 - وأكره لأئمة المساجد الصلاة بغير رداء إلا إماماً في سفر أو في داره أو بموضع اجتمعوا فيه، وأحب إلي أن يجعل على عاتقه عمامة أو غيرها. ولا بأس أن تأتم بمن لم ينو هو أن يؤمك.
173 - وإذا صلى رجلان أو رجل وصبي مع إمام قاما جميعاً خلفه إن كان الصبي يعقل الصلاة لا يذهب ويتركه، وإن صلى معه رجل وامرأة قام الرجل عن يمين الإمام، وقامت المرأة خلفهما، وإن صلى معه رجل قام عن يمينه، وإن قام عن يساره أداره الإمام إلى يمينه من خلفه، وإن لم يعلم به حتى فرغ أجزأته صلاته.
174 - ومن وجد الإمام ساجداً فليكبر وليسجد، ولا ينتظره حتى يرفع رأسه.
175 - وجائز أن يصلي الرجل بامرأته المكتوبة وتكون خلفه، ومن صلى وحده فله إعادتها في جماعة، إلا المغرب، فإن أعادها فأحب إلي أن يشفعها [بركعة] وتكون الأولى صلاته.
176 - ومن سمع الإقامة، وقد صلى وحده، فليس بواجب عليه إعادتها إلا أن يشاء. ولو كان في المسجد لدخل مع الإمام، إلا في المغرب فإنه يخرج.
__________
(1) لعدم تواترها، وانظر: جواهر البيان للعسال (ص83).

177 - ومن أحرم بفريضة في المسجد ثم أقيمت عليه تلك الفريضة فإن لم يركع قطع بسلام ودخل مع الإمام. ومن ركع ركعة صلى ثانية وسلم ودخل معه.
178 - وإن صلى ثالثة صلى رابعة ولا تكون نافلة ويسلم ويدخل معه، وإن كان المغرب قطع ودخل مع الإمام، عقد ركعة أم لا، وإن صلى اثنتين أتمهما ثلاثاً وخرج، وإن صلى ثلاثاً سلم وخرج ولم يعدها.
179 - [ومن أحرم في بيته ثم سمع الإقامة يعلم أنه يدركها فلا يقطع ويتمادى].
180 - ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحداً، فإن فعل أعاد من ائتم به، إذ لا يدري أيتهما صلاته، وقد جاء حديث أن الأولى صلاته والآخرة نافلة.
181 - ومن صلى في جماعة مع واحد فأكثر [منه] لم يعد في جماعة أكثر منها، كان إماماً أو مأموماً، وليخرج من المسجد إذا أقيمت تلك الصلاة.
182 - وإذا صلى الإمام في المسجد وحده فلا يعيد في جماعة، إذ هو وحده جماعة.
183 - ولا تجمع صلاة في مسجد مرتين إلا في مسجد ليس له إمام راتب.
184 - وإذا جمع قوم في مسجد له إمام راتب ولم يحضر فله إذا جاء أن يجمع فيه، وإذا صلى فيه إمامه وحده ثم أتى أهله لم يجمعوا فيه، ومن وجد مسجداً قد جمع أهله فإن طمع بإدراك جماعة في مسجد أو غيره خرج إليها، وإن كانوا جماعة فلا بأس أن يخرجوا من المسجد فيجمعوا إلا أن يكون المسجد الحرام، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو مسجد القدس، فليصلوا فيه أفذاذاً، [إذ] هو أعظم لأجرهم.
185 - ومن صلى وبين يديه جدار مرحاض أو قبر فلا بأس به إن كان مكانه طاهراً، وجائز أن يصلي في المقبرة(1)، وعلى الثلج، وفي الحمام، إذا كان موضعه طاهراً، وفي مرابض الغنم والبقر.(2)
__________
(1) لم يأخذ إمام المدينة بحديث الترمذي عن أبي سعيد: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة، والحمام، (37).
(2) انظر: الشرح الصغير (1/97).

186 - ولا يصلي في أعطان(1) الإبل التي في المناهل(2)، وروى ابن وهب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في المجزرة، والمزبلة، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله الحرام، [ومعاطن الإبل].(3)
187 - وكره مالك الصلاة على قارعة الطريق لما يصيبها من زبل الدواب، واستحب أن يتنحى عنها [قليلاً]، وكره مالك الصلاة في الكنائس لنجاستها من أقدامهم، وللصور التي فيها، ولا ينزل بها إلا من ضرورة.
188 - ولا يصلي إلى قبلة فيها تماثيل، وتكره التماثيل التي في الأسرة والقباب والمنابر، وليس كالثياب والبسط التي تمتهن، وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقول: ما كان يمتهن فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفاً، ومن تركه غير محرم له فهو أحب إلي، ولا يلبس خاتم فيه تماثيل ولا يصلي به.
189 - ولا يصلي في الحجر، ولا في الكعبة فريضة، ولا ركعتي الطواف الواجب، ولا الوتر، ولا ركعتي الفجر، فأما غير ذلك من ركوع الطواف فلا بأس به، ومن صلى في الكعبة فريضة أعادها في الوقت.
190 - وكذلك من صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أو جلدها [أعاد في الوقت]، قال مالك: ولا يعجبني الصلاة على جلدها وإن دُبغ، فإن فعل أعاد في الوقت، ويصلى على جلد السبع إذا ذكي ويلبس، ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي، ووقف مالك عن الجواب في الكَيْمَخْت ورأيت تركه أحب إليه.
191 - وكل بما كان] يؤخذ من الميتة وهي حية فلا يكون نجساً ولا بأس أن يؤخذ منها بعد موتها، ويصلى به مثل صوفها وشعرها ووبرها، واستحسن [مالك] غسله.
__________
(1) مَبَارك الإبل، الوسيط (2/631).
(2) أي موضع شربها، الوسيط (2/998).
(3) رواه البخاري (1/632)، ومحجة الطريق: أي الطريق المستقيم، الوسيط (1/163)، وانظر: الترمذي (346)، وابن ماجة (746، 747).

192 - وكره أخذ القرن والعظم والسن والظّلْف(1) منها ورآه ميتة، وكره أخذ القرن منها في الحياة أيضاً، وكره الإدهان في أنياب الفيل والمشط بها والتجارة فيها، ولا ينتفع بشيء من عظام الميتة، ولا يوقد بها لطعام ولا لشراب، ولا يحل اللبن في ضروع الميتة.
193 - ومن توضأ بماء غير طاهر ثم علم به فليغسل ما أصاب ذلك الماء من جسده وثيابه، ويعيد الصلاة في الوقت.
194 - ومن علم وهو في الصلاة أنه [قد] استدبر القبلة أو شرّق أو غرّب قطع وابتدأ الصلاة بإقامة، وإن علم بذلك بعد الصلاة أعاد في الوقت، وإن علم في الصلاة أنه انحرف يسيراً فلينحرف إلى القبلة ويبني.(2)
195 - ووقت من صلى إلى غير القبلة في الظهر والعصر إلى اصفرار الشمس، وأما المغمى عليه يفيق من الإغماء أو من جنون مطبق أو يصيبه ذلك، والمرأة تحيض أو تطهر، والنصراني يسلم، والصبي يحتلم، فوقتهم [في الصبح ما لم تطلع الشمس]، وفي الظهر والعصر ما لم تغرب الشمس، وفي العشائين ما لم يطلع الفجر، فإذا بقي من الوقت قدر صلاة أو ركعة منها فذلك وقت الآخر منها، وهم مدركوها، [فتسقط عن التي حاضت حينئذ، وعن الذي أغمي عليه، وتجب على التي طهرت، أو أفاق أو أسلم أو احتلم]، ولو بقي من الوقت قدر صلاة وركعة من الأخرى كانوا مدركين للصلاتين معاً علىما فسّرناه.
196 - وأما من كان تحت الهدم فلم يستطع الصلاة فعليه أن يقضي ما خرج وقته لأنه في عقله، ومن بلغ مطبقاً أو جن بعد أن بلغ ثم صح فليقض الصوم ولا يقضي من الصلاة إلا ما أفاق في وقته.(3)
__________
(1) هو الظفر المشقوق للبقرة والشاة والظبي ونحوهما، الوسيط (2/597).
(2) انظر: الشرح الكبير (1/224، 225).
(3) انظر: الذخيرة للقرافي (1/494).

197 - وإذا صلت الحرة بادية الشعر أو الصدر أو ظهور القدمين أعادت في الوقت، وإذا صلت متنقبة أو متلثمة فلا تعيد، والحرة المراهقة ومن يؤمر منهن بالستر في الصلاة كالبالغة، ولا تصلي أم الولد إلا بقناع كالحرة بدرع أو قَرْقَل(1) يستر صدور قدميها، وإن صلت بغير قناع فأحب إلي أن تعيد في الوقت، ولا أوجبه عليها كوجوبه على الحرة وللأمة ومن لم تلد من السراري والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها الصلاة بغير قناع، ولا يصلين إلا بثوب يستر جميع الجسد.
198 - وإذا لم يجد العراة ثياباً صلوا أفذاذاً متباعدين قياماً يركعون ويسجدون ولا يؤمون، وإذا كانوا في ظلام لا يرى بعضهم بعضاً جمعوا وتقدمهم إمامهم.
199 - ولا بأس أن يصلي محلول الأزرار وليس عليه سراويل ولا مئزر وهو أستر من الذي يصلي متوشحاً بثوب، ومن صلى بسراويل ومئزر، وهو قادر على الثياب لم يعد في وقت ولا غيره، ومن صلى محتزماً أو جمع شعره بوقاية أو شمر كميه، فإن كان ذلك لباسه أو كان في عمل حتى حضرت الصلاة فلا بأس به، وإن تعمد [لذلك] إكفات شعر أو ثوب فلا خير فيه.
200 - ومن أدرك بعض صلاة الإمام [فسلم الإمام] فإن كان موضع جلوس له كمدرك ركعتين قام بتكبير، وإن لم يكن موضع جلوس له كمدرك ركعة أو ثلاث قام بغير تكبير، ومن أدرك التشهد الآخر فكبر وجلس وقام بتكبير، فإن قام بغير تكبير أجزأه، ومن أدرك من الظهر ركعة قرأ فيها بأم القرآن، فإذا قام يقضي قرأ بأم القرآن وسورة وجلس يتشهد ثم يأتي بركعتين يقرأ في الأولى بأم القرآن وسورة، وفي الثانية بأم القرآن وحدها، وإن كانت صلاة جهرٍ جهر في قضاء الأولتين، وما أدرك مع الإمام فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته، ومن أدرك من المغرب ركعة، قال ابن المسيب: أو فاتته منها ركعة صارت صلاته كلها جلوساً.
__________
(1) هو قميص للنساء أو ثوب لا كُمّ له، القاموس (1353).

201 - وجائز صلاة النافلة في جماعة ليلاً أو نهاراً، ويجمعها الرجل بأهل بيته وغيرهم ومن دخل مسجداً قد صلى أهله فجائز أن يتطوع قبل المكتوبة، إن كان في بقية من الوقت، وكان ابن عمر يبدأ بالمكتوبة، ومن ذكر صلاة بقيت عليه فلا يتنفل قبلها، وليبدأ بها إلا أن يكون في بقية من وقتها، وليس قبل الصلاة أو بعدها ركوع معلوم، وإنما يؤقت في ذلك أهل العراق.
202 - ومن قطع نافلة عمداً لزمه إعادتها، وإن كان ذلك لعلة لم يعدها، وإذا أقيمت الصلاة كره التنفل حينئذ، ومن أحرم في نافلة ثم أقيمت الصلاة فإن كان ممن يخفف الركعتين قبل أن يركع الإمام صلاهما ودخل معه وإلا قطع بسلام ودخل معه، ولا يقضي النافلة إذا لم يتعمد قطعها، فإن لم يقطع بسلام أعاد الصلاة، ومن أوتر في المسجد فأراد أن يتنفل بعده تربص قليلاً، وإن انصرف بعد وتره إلى بيته تنفل ما أحب.
203 - ومن سلم من صلاته تنفل في موضعه وحيث أحب من المسجد إلا في الجمعة، ولا يتنفل الإمام في موضعه [لا] في جمعة ولا غيرها.
204 - قال مالك: ومن دخل مسجداً فلا يقعد حتى يركع ركعتين إلا أن يكون مجتازاً لحاجة فجائز أن يمر فيه ولا يركع، وقاله زيد بن ثابت، ثم كره زيد أن يمر فيه ولا يركع، ولم يأخذ به مالك، وصلاة النافلة في الليل والنهار مثنى مثنى.
205 - ولا بأس بالإشارة الخفيفة في الصلاة للحاجة، ولا يكره السلام على المصلي في فريضة أو نافلة، وليرد مشيراً بيده أو برأسه. ويسبح الرجال والنساء في الصلاة للحاجة، وضعف مالك أمر التصفيق للنساء لحديث التسبيح.(1)
__________
(1) رواه البخاري (1/667)، ومسلم (1/316).

206 - وإن قهقه المصلي وحده قطع، وإن كان مأموماً تمادى وأعاد، ولا شيء عليه إن تبسّم، صلى وحده أو مأموماً، ولا يحمد الله المصلي إذا عطس، فإن فعل ففي نفسه، [وتركه خير له]، ولا يرد على من شمته إشارة، كان في فرض أو نافلة، وكان مالك إذا تثاءب في غير الصلاة سدّ فاه بيده ونفث، ولا أدري ما فعله في الصلاة.
207 - ولا يبصق في المسجد فوق الحصير ويدلكه ولكن تحته، ولا [يبصق] في حائط القبلة ولا في مسجد غير محصب إذ لا يقدر على دفن البصاق فيه، وإن كام المسجد محصباً(1) فلا بأس أن يبصق بين يديه، وعن يمينه وعن يساره أو تحت قدميه ويدفنه.
208 - ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا(2)، وروى ابن وهب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: “مروا الصبيان بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع”.(3)
209 - ويكره قتل البرغوث والقملة في المسجد، فإذا أصاب قملة وهو في الصلاة فلا يلقيها في المسجد ولا يقتلها فيه، وإن كان في غير صلاة فلا بأس أن يطرحها في غير المسجد.
210 - والقنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع، والذي يأخذ به مالك في خاصته قبل [الركوع] ولا يكبر له، ولا يجهر به [إمام ولا غيره] ولا سهو على من نسيه، وليس فيه دعاء مؤقت، ويدعو المصلي في قيامه وقعوده وسجوده بجميع حوائجه لدنياه وآخرته، ولا يدعو في الركوع، وقال ابن وهب: قال مالك: لا بأس أن يدعو الله في الصلاة على الظالم.
__________
(1) يعني كثير الحجارة الصغيرة، الوسيط (1/184).
(2) أي إذا سقطت أسنانهم، وقيل إذا نبتت من جديد، المصباح (ص82).
(3) رواه أبو داود (495) وأحمد (2/180)، والحاكم في المستدرك (1/258)، وصححه ووافقه الذهبي، من حديث عمر بن العاصي.

211 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت: “اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونَخْنَع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجِدّ، إن عذابك بالكافرين مُلْحِق”.(1)
212 - وروي عن علي أنه كبر حين قنت في الفجر، وقال ابن مسعود وغيره: القنوت [في الفجر] سنة ماضية.
213 - ومن انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه ثم تبين أنه لا شيء به ابتدأ، وإذا تعمد الإمام قطع صلاته أفسد على من خلفه، ومن أحدث بعد التشهد [وقبل السلام] أعاد الصلاة.
214 - ومن دخل مسجداً فظن أنهم في العصر، فصلى معهم وهم يصلون الظهر لم يجزه من العصر، وإذا نوى الإمام الظهر ومن خلفه ينوي العصر أجزأته ولم تجزهم.
215 - ومن أتى يوم خميس يظنه يوم الجمعة، فصلى مع الإمام الظهر أربعاً أجزأته لأن الجمعة ظهر، ومن أتى يوم الجمعة يظن أنه يوم خميس لم يجزئه، [إذ لا جمعة بلا نية].
216 - ومن انفلتت دابته وهو يصلي مشى إليها فيما قرب، إن كانت بين يديه، أو عن يمينه أو عن يساره، وإن بعدت طلبها وقطع الصلاة.
217 - والنفخ في الصلاة كالكلام، ومن فعلهما عامداً أو جاهلاً أعاد، وإن كان سهواً سجد لسهوه بعد السلام. وكذلك إن قرأ وهو في فريضة أو نافلة كتاباً بين يديه في العمد والسهو.
218 - ومن سلم من اثنتين ساهياً ثم تكلم بنى فيما قرب، [ويسجد لسهوه بعد السلام]، وإن تباعد أو خرج من المسجد ابتدأ، وقد تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - [ساهياً] وبنى على صلاته، ودخل فيما بنى بتكبير وسجد لسهوه بعد السلام، وإن انصرف حين سلّم فأكل أو شرب ابتدأ، وإن لم يطل.
__________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (2/210)، ولفظه: “نخنع” وهما بمعنى واحد، وهو حديث مرسل، كما في مراسيل أبي داود (ص12).

219 - ومن صلى خلف الصفوف منفرداً، فلا بأس بذلك، ويقف حيث شاء، ولا يجبذ إليه أحداً(1) فإن فعل فلا يتبعه، وهذا خطأ من الذي فعله وخطأ من الذي جبذه، ومن دخل المسجد وقد قامت الصفوف قاك حيث شاء، إن شاء خلف الإمام أو عن يمينه أو عن يساره، وتعجب مالك ممن قال يمشي حتى يقف حذو الإمام، وإن كانت طائفة عن يمين الإمام أو حذوه في الصف الثاني أو الأول فلا بأس أن تقف طائفة عن يسار الإمام في الصف ولا يلصق بالطائفة التي عن يمينه.
220 - ولا بأس بالصف بين الأساطين(2) لضيق المسجد.
221 - وإن صلت امرأة بين صفوف الرجال أو رجل خلف النساء لضيق المسجد أجزأتهم صلاتهم، ومن أنصت في الصلاة لمخبر يخبره فإن كان يسيراً جاز.
222 - ولا يمنع النساء من الخروج إلى المسجد، وأما الاستسقاء والعيدان فتخرج المتجالة إن أحبت.
223 - وإذا كان الصبي يعبث فلا يؤتى به [إلى] المسجد، وإذا كان لا يعبث ويكف إذا نهي فجائز، وإن أتى أباه في مكتوبة نحاه عن نفسه، ولا بأس بتركه في النافلة.
224 - ويتصدق بثمن ما يجمر به المسجد أو يخلق أحب إليّ.
225 - ولا أكره الصلاة نصف النهار في جمعة ولا غيرها. ويفتح على الإمام من خلفه في الصلاة إذا وقف، ولا يفتح أحد على من ليس معه في صلاةن ولا يفتح مصل على مصل في صلاة أخرى.
226 - ومن ابتلع فلقة حبة بين أسنانه في الصلاة لم يقطع ذلك صلاته. ولا يلتفت المصلي، فإن فعل لم يقطع ذلك صلاته، وإن كان بجميع جسده.
227 - قال الحسن: إلا أن يستدير القبلة.
__________
(1) إشارة لحديث أبي بكرة في البخاري (783) وانظر: تلخيص الحبير (2/37).
(2) جمع أسطوانة، وهي العمود والسارية، الوسيط (1/18).

228 - ولا بأس أن يروّح رجليه في الصلاة، وأكره أن يقرن قدميه يعتمد عليهما، وأكره أن يصلي وفي فيه درهم أو دينار أو شيء، فإن فعل فلا شيء عليه، وأكره أن يصلي وكمّه محشر بخبز أو غيره، أو يُفقّع أصابعه في الصلاة.(1)
229 - ولا يبني فوق المسجد بيتاً ليسكن فيه، ولا أكره أن يكون البيت تحت المسجد، ويورث، والمسجد [حبس](2) لا يُورث إذا كان صاحبه قد أباحه للناس.
230 - ومن كثر التراب بكفيه أو جبهته فله مسحه، ولا بأس بالسّدل(3) في الصلاة وإن لم يكن عليه قميص إلا إزار ورداء.
231 - وإذا بشّر [الرجل] ببشارة فخر ساجداً فمكروه، وإذا سلّم المصلي انصرف، إن شاء عن يمينه أو شماله، ولا يعرف مالك التسبيح في الركعتين الأخيرتين، ولا يتعوذ المأموم إذا سمع ذكر النار، فإن فعل فسِرّاً، وأكره الكتاب والتزويق في القبلة أو يجعل فيها مصحفاً ليصلي إليه إلا أن يكون ذلك موضعه فجائز، وأكره الصلاة إلى حجر منفرد في الطريق، وأما أحجار كثيرة فجائز.(4)
* * *
(كتاب الصلاة الثاني)
232 - وسجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء وهي في: المص، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج أولها، والفرقان، والهدهد، والم تنزيل السجدة، وص، وحم تنزيل، والسجدة منها: {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، [فصلت: 37].
233 - ومن قرأ سجدة في صلاة أو غيرها فأحب إلي أن يسجدها إلا أن يكون على غير وضوء أو في غير إبان صلاة فلا أحب له قراءتها حينئذ، وليتعهدها إذا قرأها، ويسجد قارئها بعد العصر ما لم تصفر الشمس وبعد الصبح ما لم يسفر كصلاة الجنائز، فإن أسفر أو تغيرت فلا يقرؤها [حينئذ]، فإن فعل فلا يسجدها.
__________
(1) يعني يفرقعها، الصحاح (فقع).
(2) حبس الشيء: منعه وأمسكه وسجنه، الوسيط (1/158).
(3) هو إرسال الرداء، انظر: التقييد (1/149).
(4) انظر: الذخيرة (2/416).

234 - وإن نسي سجودها في الركعة الأولى من النافلة حتى رفع رأسه من ركوعه فأحب إلي أن يقرأها في الثانية ويسجدها، ولا يفعل ذلك في الفريضة، وإن ذكرها وهو راكع في الثانية [من النافلة] تمادى ولا شيء عليه إلا أن يدخل في نافلة أخرى، فإذا قام قرأها وسجد.
235 - [ويكره للإمام والدّ أن يقرأ سورة فيه سجدة]، فإذا قرأها سجد ويكبر إذا سجدها وإذا رفع رأسه منها، واختلف قول مالك إذا كانت في غير صلاة، فكان يضعف التكبير لها قبل السجود وبعده، ثم قال: أرى أن يكبر.
236 - قال ابن القاسم: وذلك كله واسع، ولا يسلم بعدها ولا يركع بها في صلاة ولا غيرها، ولا يخطرفها المتوضي وليقرأها ويسجد من غير إيجاب، ويكره له قراءتها خاصة لا يقرأ قبلها شيئاً ولا بعدها، ثم يسجد في صلاة أو غيرها، وإن قرأها غير متوضئ، أو قرأها في صلاة فلم يسجدها، أو قرأها في غير إبان سجودها نهي عن ذلك ولا شيء عليه.
237 - وإذا قرأ السجدة من ليس لك بإمام من رجل أو امرأة أو صبي وهو قريب منك وأنت تسمع فلا سجود عليك، ومن قرأ سجدة تلاوة فسجد بها فليس على من سمعها أن يسجد إلا أن يجلس إليه، وكره مالك أن يجلس الرجل إليه لا يريد تعليماً [وكره أن يجلس إلى الرجل متعمداً لقراءة القرآن وسجوده لا يريد تعليماً]. ومن قعد إليه فعلم أنه يريد قراءة سجدة، قام عنه. وإذا لم يسجد قارئها فليسجد من جلس إليه.
238 - ويُقام الذي يقعد في المساجد يوم الخميس [وغيره] لقراءة القرآن.
239 - ولا يحمل المصحف نصراني ولا غير متوضئ إلا أن يكون في خُرْج أو غرارة أو تابوت مع غيره، وأما على وسادة أو بعلاقة فلا.(1)
240 - والخط باطل، ولا يصلي [في الحضر] إلا إلى سترة، ويدنو منها، والسترة قدر مؤخرة الرجل [في جُلّة الرمح](2)، وهو نحو من عظم الذراع.
__________
(1) رواه مالك (141)، والعلاقة: ما يعلق السيف ونحوه.
(2) أي غلظه.

241 - قال مالك: وإني لأحب أن يكون في جُلّة الرمح أو الحربة، وليس السوط بسترة.
242 - ويُصلي في السفر أو بموضع في الحضر حيث يأمن فيه من مرور شيء بين يديه إلى غير سترة.
243 - وينحاز الذي يقضي بعد سلام الإمام إلى ما قرب منه من السّواري، بين يديه أو عن يمينه، أو عن يساره، أو إلى خلفه، يتقهقر قليلاً، فإن لم يجد ما يقرب منه صلى مكانه ويدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع. [ولا يقطع الصلاة ما يمر بين يديه].
244 - ولا يناول من على يمينه شيئاً لمن على يساره [من بين يديه] ولا يناوله إياه هو ولا يصلح أن يمر بين يديه شيء، ولا بأس بالمرور بين الصفوف عرضاً(1)، والإمام سترة لمن خلفه، وإن لم يكونوا إلى سترة، وكذلك من رعف أو أحدث فليخرج عرضاً، وليس عليه أن يخرج إلى عجز المسجد.
245 - ويجمع في الحضر بين المغرب والعشاء في المطر أو في الطين والظلمة، يؤخر المغرب شيئاً ثم يجمعهما قبل مغيب الشفق وينصرف الناس وعليهم إسفار قليل، ولا يجمع في المطر بين الظهر والعصر في الحضر.
246 - ومن أتى المسجد وقد صلى المغرب فوجدهم قد جمعوا لم يصلّ العشاء حتى يغيب الشفق، وإن وجدهم في العشاء جاز أن يصليها معهم. قال ابن قسيط: الجمع ليلة المطر سنة [ماضية].
247 - وإذا خاف المريض أن يُغْلَب على عقله جمع بين الظهر والعصر عند الزوال، وبين العشائين عند الغروب، وإن كان الجمع أرفق به لشدة مرض أو بطن منخرق(2)، ولم يخف على عقله، جمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر، وبين العشائين عند غيبوبة الشفق لا قبل ذلك.
__________
(1) رواه مالك في الموطأ (42).
(2) هو المنشق الذي يشتد مشيه على غير استقامة، ويراد به هنا ما يصيب البطن من علة شديدة كالمغظ ونحوه، الوسيط (1/229).

248 - ولا يجمع المسافر في حج ولا غيره، إلا أن يَجِدّ به [السير](1) ويخاف فوات أمر فيجمع في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، إلا أن يرتحل بعد النزوال فيجمع بينهما حينئذ في المنهل(2)، ويجمع بين العشائين مقدار ما يكون المغرب في آخر وقتها [قبل مغيب الشفق]، والعشاء في أول وقتها بعد الشفق، ولم يذكر في المغرب والعشاء المرحلة.(3)
249 - ويتم المسافر حتى يبرز عن بيوت قريته، ويقصر حتى يدخلها أو قربها، ولم يحدّ في القرب حدّاً. وسئل عمن هو على الميل، فقال: يقصر.
250 - ومن وعد قوماً للسفر ليمرّ بهم أو يتقدمهم حتى يلحقوه، وبينه وبين موضعهم ما لا تقصر فيه الصلاة، فليقصر إذا برز عن قريته إذا كان عازماً على الخروج على كل حال، وإن كان لا يخرج إلا بخروجهم فليتم حتى يبرز عن موضعهم أو عن الموضع الذي يلحقونه فيه.
251 - ومن ذكر صلاة سفر في حضر، أو [صلاة] حضر في سفر وقد خرج وقتها قضاها كما وجبت عليه [أولاً]، ويصلي المسافر صلاة سفر إذا خرج في وقتها، وإذا دخل في وقتها ولم يكن صلاها في سفر صلاها حضرية، ووقت الظهر والعصر في ذلك النهار كله، والمغرب والعشاء الليل كله.
252 - وإذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام في البر أو البحر أتم الصلاة وصام.
__________
(1) أي أسرع واجتهد، الوسيط (1/114).
(2) موضع شُرب الإبل.
(3) انظر: الشرح الكبير (1/368).

والنواتية(1) معهم الأهل والولد يقصرون إذا سافروا، ومن خرج في طلب حاجة فقيل له: هي بين يديك على بريدين، ولا يدري غاية سفره فمشى كذلك أياماً فإنه يتم، ويقصر في رجوعه إذا كان أربعة بُرُد فأكثر. ومن خرج يدور في القرى وفي دورانه اربعة بُرُد قصر، والسعاة مثله، ومن خرج إلى مكة ونوى أن يسير يوماً ويقيم يوماً قصر في سفره، ومن خرج إلى أربعة بُرُد يصيد لعيشه قصر، وإن كان للهو فلا أحب له أن يقصر ولا آمره بالخروج، وكان مالك يقول: يقصر [الصلاة] في مسيرة يوم وليلة، ثم ترك ذلك وقال: في أربعة بُرُد.
وإن صلى المسافر ركعة ثم نوى الإقامة شفعها [وسلم] وكانت نافلة وابتدأ صلاة مقيم، وإن نوى الإقامة بعد تمامها فلا إعادة عليه إلا استحباباً، وإذا رجع إلى بيته في حاجة بعد أن سار ما لا يقصر فيه أتم الصلاة إذا رجع حتى يبرز ثانية.(2)
253 - ومن أقام بمكة بضعة عشر يوماً فأوطنها ثم خرج ليعتمر من الجحفة ويعود إلى مكة فيقيم بها اليوم واليومين ثم يخرج، فقال مالك: يتم في يوميه ثم قال: يقصر وهو أعجب إلي [ولم يسمعه ابن القاسم منه].
254 - وإذا مر المسافر بقرية فيها أهله وولده فأقام عندهم ولو صلاة واحدة أتمها، وإن لم يكن فيها أهله ولا ولده، أو كان فيها ولده فقط، وفيها ماشيته قصر، إلا أن يكون له مسكن فيتمّ.
255 - وإذا أدرك المسافر ركعة خلف مقيم أتم، وإن لم يدركها قصر، ويتم المقيم بقية صلاته إذا ائتم بمسافر.
256 - وإذا صلى في السفر أربعاً أعاد في الوقت، فإن كان في سفر أعاد ركعتين، وإن دخل الحضر في وقتها أعاد أربعاً، وكانت عائشة - رضي الله عنها - تتم في السفر.
__________
(1) الملاحون، الوسيط (2/999).
(2) انظر: الشرح الكبير (1/358).

257 - وإذا افتتح المسافر على الإتمام، ثم بدا له فسلّم من اثنتين لم تجزه، وإذا قام المسافر بمن خلفه من اثنتين فسبحوا به فتمادى وجهل فلا يتبعوه، ويقعدون ويتشهدون حتى يسلم فيسلمون بسلامه ويعيد وحده في الوقت.
258 - ويُتم الأسير بدار الحرب [إلا أن يسافر به فيقصر، والعسكر يقيم في دار الحرب يقصرون]، وإن طال مقامهم وليست دار الحرب كغيرها، ولو كان بغيرها أتمّ إذا نوى إقامة أربعة أيام، [وإن] لم يكن في مصر ولا قرية.
259 - ومن صلى في السفينة وهو قادر على الخروج منها أجزأه، وأحب غلي أن يخرج منها، وإ قدر على القيام فلا يصلي فيها الفريضة قاعداً، وجائز أن يجمعوا فيها بإمام، وصلاتهم على ظهرها أفذاذاً أحب إلي من صلاتهم في جماعة محنية رؤوسهم تحت سقفها، ويدورون إلى القبلة كلما دارت، فإن لم يقدروا أجزأتهم صلاتهم. ولا يتنفل في السفينة إيماء حيث ما توجهت به مثل الدابة.
260 - وقال علي عن مالك - رحمهما الله - : ومن سافر في البحر يوماً أو أكثر ثم ردته الريح إلى الموضع الذي خرج منه وحبسته فيه فليتم حتى يخرج ثانية.
261 - ومن تحرى الفجر في يوم غيم فركع [فإذا هو قبل الفجر أعادها بعده، وإن تحرى الفجر في غيم فركع] أجزأه إلا أن يتبين أتم ركوعه كان قبل الفجر.
262 - وإن أقيمت الصلاة في المسجد قبل أن يركعهما فليدخل مع الإمام ولا يركعهما [فيه] إلا بعد طلوع الشمس إن أحب، وإن سمع الإقامة قبل أن يدخل المسجد أو جاء والإمام في الصلاة، فأحب إلي أن يركعهما خارجاً في غير أفنية المسجد إن لم يخف فوات ركعة مع الإمام، فإن خاف ذلك دخل مع الإمام، وصلاهما إن أحب بعد طلوع الشمس. ويقرأ فيهما بأم القرآن. ومن فاته حزبه من الليل، وتركه حتى طلع الفجر فليصله ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الصبح، وما ذلك من عمل الناس إلا من غلبته عيناه فلا بأس به.(1)
__________
(1) انظر: الموطأ (3)، وسنن البيهقي (3/155).

263 - قال مالك: ولا يعجبني أن يصلي بعد انفجار الصبح غير هذا إلا ركعتي الفجر، وجائز أن يقرأ حينئذ سجدة ويسجد.
264 - ولا يكره الكلام بعد الفجر قبل صلاة الفجر، ويكره بعدها إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها، [وكان مالك يتحدث بعد الفجر، ويسأل حتى تقام الصلاة ثم يترك الكلام إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها].
265 - وتكره الضجعة بين الصبح وركعتي الفجر إذا أراد [بها] فصلا بينهما، وإن لم يرد ذلك فجائز، وإن صلى ركعتين بعد الفجر ولم ينو بهما ركعتي الفجر لم تجزياه.
266 - ومن نسي الوتر أو نام عنه حتى أصبح وهو يقدر على أن يوتر ويركع للفجر ويصلي الصبح [قبل أن تطلع الشمس] فعل ذلك، وإن لم يقدر إلا على الوتر والصبح صلاهما، وترك ركعتي الفجر، وإن لم يقدر إلا على الصبح [وحدها] صلاها، ولا قضاء عليه للوتر، وإن أحب ركع الفجر بعد طلوع الشمس.
267 - والوتر ركعة واحدة. وكان مالك يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين [ولا يفتي الناس بذلك]، ولا بد أن يكون قبلها شفع، ويسلّم بينهما في الحضر والسفر.(1)
268 - وجائز أن يوتر على الراحلة في السفر أينما توجهت به، وإن صلى المسافر على الأرض وله حزب من الليل فليوتر على الأرض ثم يتنفل في المحمل.
269 - ومن أوتر قبل أن يصلي العشاء أو [بعد أن] صلاها على غير وضوء أعاده بعدها، وإن أتى في رمضان فوجد الناس يوترون فصلى معهم جاهلاً قبل أن يصلي العشاء فليشفع الوتر إن كان بالقرب ثم يصلي العشاء ويعيد الوتر، وإن طاول أو خرج من المسجد فلا يشفع وتره ويعيده بعد [صلاة] العشاء.(2)
__________
(1) انظر: كشف الستر عن الوتر، وكشف الستر علىالصلاة بعد الوتر، الأول للنابلسي، والثاني للحافظ، بتحقيقنا، ط العلمية، بيروت.
(2) انظر: الشرح الصغير (1/147).

270 - وإن كان خلف إمام في الصبح أو وحده فذكر الوتر، فقد استحب [له] مالك أن يقطع ويوتر ثم يصلي الصبح لأن الوتر سنة، وهو لا يقضى بعد الصبح، ثم رخّص مالك المأموم أن يتمادى، وإن ذكره بعد الصبح لم يقضه.
271 - ومن شفّع وتره ساهياً سجد بعد السلام. ومن لم يدر أجلوسه في الشفع أم في الوتر سلّم وسجد بعد السلام وأوتر بواحدة، وإن لم يدر أفي الأولى هو جالس أو في الثانية أو في الوتر أتى بركعة وسجد بعد السلام ثم أوتر.
272 - قال مالك - رحمه الله - : ومن ذكر صلاة نسيها، وقد أحرم في فريضة غيرها قطع، وإن صلى ركعة شفعها ثم قطع، وإن ذكرها وهو في شفع سلّم وصلى ما نسي ثم أعاد التي كان فيها.
273 - وإن صلى ثلاثاً أتمها [أربعاً]. قال ابن القاسم: ويقطع بعد ثلاث أحب إلي ثم يصلي التي ذكر ثم يعيد ما كان فيه، وإن كان في هذا خلف إمام فلا يقطع، وإن كانت المغرب فإذا سلم الإمام سلم معه، ولا يشفعها ثم يصلي ما نسي ويعيد ما كان فيه مع الإمام إلا أن يكون صلى قبلها صلاة فيدرك وقتها ووقت التي صلى مع الإمام، غيعيدهما جميعاً بعد الفائتة. ووقت المغرب والعشاء في هذا [الليل كله].
274 - وإن ذكر مكتوبة وهو في نافلة فليقطع إن لم يركع(1)، وإن ركع واحدة شفعها، وقد كان مالك يقول: يقطع، واستحب ابن القاسم أن يشفع.
ومن نسي صلاة صلاها متى ما ذكرها لا يبالي أي وقت كان، وإن بدا حاجب الشمس أو كان عند غروبها.
275 - ومن ذكر صلوات يسيرة مثل الثلاث وما قرب، في وقت صلاة بدأ بهن، وإن فات وقت الحاضرة، وإن ذكرهن بعدما صلاها، صلى ما نسي، فإن بقي بعد ذلك من وقت الحاضرة قدر ركعة أعادها وإلا لم يعد، وإن كانت صلوات كثيرة بدأ بالتي حضرت، ثم صلى ما نسي، وإن ذكرهن فيها تمادى [فيها].
__________
(1) رواه البخاري (597) عن حديث أنس مرفوعاً.

276 - وإن ذكر صلوات كثيرة صلاها على قدر طاقته كما وجبت عليه، وذهب في حوائجه، فإذا فرغ صلى أيضاً حتى يتم ما بقي عليه. ويصلي صلاة الليل في النهار ويجهر، وصلاة النهار في الليل ويُسِرّ.
277 - وتكره صلاة التطوع حتى ترتفع الشمس.
278 - ومن ذكر صلاة نسيها صلاها وأعاد ما هو في وقته من الصلوات، ووقت الظهر والعصر في هذا النهار كله، والمغرب والعشاء الليل كله، والصبح إلى طلوع الشمس، فإن بقي بعد الفائتة من الوقت قدر صلاة وركعة من الأخرى أعادهما، وإن لم يبق إلا قدر صلاة أو ركعة منها جعلها للآخرة.
279 - وإن ذكر الظهر بعدما صلى العصر صلاها، فإن بقي من النهار قدر ركعة أعاد العصر وإلا فلا.
280 - وإن نسي صبحاً وظهراً من غير يومه، فذكر الظهر وحدها، فلما صلى بعضها ذكر الصبح فسدت الظهر وصلى الصبح ثم الظهر، وإن ذكرها بعد أن فرغ صلى الصبح فقط.
281 - وإن ذكر الإمام صلاة نسيها فليعلمهم ويقطع ويقطعون، بخلاف الحدث، وإن لم يذكر إلا بعد فراغه أعاد هو ولم يعيدوا هم، وقد كان يقول: يعيدون هم في الوقت.
282 - ومن صلى صلوات كثيرة وهو ذاكر لصلاة أعادها وأعاد ما كان في وقته بعدها.
* * *
جامع القول في السهو
283 - وإن سلّم الإمام من اثنتين فسبحوا به فلم يفقه، فأعلمه أحدهم متكلماً، فسأل الإمام بقيتهم فصدقوه، بنى فيما قرب وسجد بعد السلام، [ويجزئهم من تكلم ومن لم يتكلم] كما جاء في حديث ذي اليدين.(1)
284 - ومن كان وحده فليرجع إلى يقينه، فإن سأل غيره بطلت صلاته.
285 - ومن ذكر أنه في خامسة فليكف عن تمامها أي وقت ذكر، ويسجد بعد السلام.
286 - وإن صلى إمام خامسة فسها قوم كسهوه، وجلس قوم، واتبعه قوم عامدون، فصلاة الإمام ومن سها معه أو جلس تامة ويسجدون معه للسهو، وتفسد صلاة العامدين.
__________
(1) رواه مالك (62)، ومسلم (62).

287 - ومن ذكر سجدة من الأولى [أو السجدتين جميعاً] وهو راكع في الثانية أو قبل ذلك فليسجد ما لم يرفع رأسه من الركعة الثانية، ثم يبتدئ الثانية، وإن ذكرها بعد ما رفع رأسه من الثانية تمادى، وكانت أول صلاته، ويسجد في تلك بعد السلام.
288 - مالك: وعقد الركعة رفع الرأس من الركوع.
289 - وإن نسي السجود من الأولى، والركوع من الثانية، وسجد فليسجد للأولى ويبني عليها، ولا يضيف إليها من سجود الثانية شيئاً، ويسجد بعد السلام.
290 - ومن تكلم أو سلّم اثنتين أو شرب في الصلاة ناسياً سجد بعد السلام، فإن كان مأموماً حمل عنه إمامه.
291 - ومن سها عن ركعة أو سجدة أو عن سجدتي السهو قبل السلام، بنى فيما قرب، وإن تباعد ابتدأ الصلاة، ومن شك فتفكر قليلاً فتيقن أنه لم يسه فلا سجود عليه لسهوه.
292 - والسهو في الفرض والتطوع على الرجال والنساء سواء.
293 - وإن نسي التشهد الآخر وسلم، فإن كان بالقرب تشهد وسجد بعد السلام، وإن تطاول فلا شيء عليه إذا ذكر الله عز وجل، وليس كل الناس يعرف الشهد، [ولم يره نقصاً من الصلاة]، وإن رفع رأسه من السجود فسلم ساهياً قبل أن يجلس رجع أيضاً بالقرب فجلس وتشهد ويسجد للسهو بعد السلام، وإن تطاول أعاد الصلاة، ونسيان التشهدين ليس كغيرهما فيما يسهو عنه.
294 - ومن نسي تكبيرة أو سمع الله لمن حمده، مرة فلا شيء عليه، وإن ترك اثنتين من ذلك أو التشهدين سجد قبل السلام، فإن لم يسجد حتى تطاول أو انتقض وضوءه أجزأته صلاته، وإن نسي ثلاث تكبيرات أو سمع الله لمن حمده مثل ذلك، سجد قبل السلام، وإن نسي أن يسجدها حتى سلم سجدهما بالقرب وسلم وأجزأتاه، فإن لم يسجد حتى تطاول ذلك أعاد الصلاة.
295 - وإن نقص وزاد أجزأته سجود السهو قبل السلام، ومن صلى خلف من يرى السجود في النقص بعد [السلام] فلا يخالفه [فإن الخلاف شر].

296 - وإن وجب عليه سجود سهو بعد السلام، فسجد قبل السلام أجزأه، وإن نسي الجلوس الأول حتى قام فلا يرجع ويسجد قبل السلام.
297 - وإن جعل موضع (الله أكبر) (سمع الله لمن حمده)، وموضع (سمع الله لمن حمده) (الله أكبر) فليرجع فليقل كما وجب عليه، فإن لم يرجع ومضى، سجد قبل السلام كان وحده أو إماماً.
298 - وإن نسي سجود سهو بعد السلام سجده متى ما ذكر، ولو بعد شهر. وإن انتقض وضوءه توضأ وقضاهما، وإن أحدث فيهما توضأ وأعادهما، وإن أحدث بعدما سجدهما توضأ وأعادهما، فإن لم يعدهما أجزأتاه، وصلاته في ذلك كله تامة لأتهما ليستا من الصلاة. ومن صلى إيماءً سجد لسهوه إيماء.
299 - ومن عقد مع الإمام ركعة فوجب على الإمام سجود، فإن كان قبل [السلام] سجد معه قبل القضاء ثم لا يعيده، وإن كان بعد السلام فلا يسجد حتى يقضي، وقال سفيان: يسجد معه ثم يقضي. قال مالك: ولينهض المأموم إذا سلّم الإمام من الصلاة أو من السجود، واستحب ابن القاسم قيامه بعد السلام من الصلاة، فإذا أتم قضاءه سجد ما سجد إمامه، سها الإمام والمأموم معه أم لا، ذلك سواء، وإن جلس المأموم [حتى سجد الإمام] فلا يتشهد وليدع، وإن لم يعقد معه ركعة لم يسجد معه، لا قبل ولا بعد ولا يقضه.
300 - ومن أسرّ فيما يجهر فيه ناسياً سجد قبل السلام، وإن جهر فيما يسر فيه سجد بعد [السلام] إلا أن يكون جهراً خفيفاً مثل إعلانه بالآية ونحوها فلا شيء عليه.
301 - ومن شك في سجدتي السهو فلم يدر واحدة سجد أو اثنتين، سجد سجدة وتشهد وسلم، ولا سجود عليه لسهوه فيهما.
302 - فإن ظن أن الإمام سلم فقام يقضي، فتبين له فرجع قبل أن يسلم الإمام، أو أتم ما بقي عليه ورجع قبل أن يسلم الإمام، فلا سجود عليه، ولا يعتد بما صلى قبل سلام الإمام ويقضيه، وإن سلم الإمام وهو قائم أو راكع ابتدأ القراءة وسجد قبل السلام، ومن لم يدر سلم أم لا، سلم ولا سجود عليه.

303 - ومن ذكر سجدتي سهو بعد السلام من فريضة أو نافلة وهو في فريضة أو نافلة لم تفسد واحدة منهما، فإذا أتمها سجدهما.
304 - وإن كانت قبل السلام وهما من فريضة فذكرهما بقرب صلاته رجع إليها بغير سلام، وإن أطال القراءة في هذه الثانية أو ركع بطلت الأولى، فإن كانت هذه الثانية نافلة أتمها، وإن كانت فريضة قطع إلا أن يعقد منها ركعة فيشفعها استحباباً ثم يصلي الأولى والثانية.
305 - وإن كانت قبل السلام وهما من نافلة فذكرهما قبل أن يتباعد وهو في نافلة [أخرى] رجع إن لم يركع من الثانية شيئاً فسجد ما كان عليه، وتشهد وسلم وابتدأ النافلة التي كان فيها [إن شاء].
306 - ومن قام في نافلة من اثنتين ساهياً فليرجع ما لم يركع، فإن ركع فقد اختلف قوله فيه، وأحب إلي أن يرجع ما لم يرفع رأسه من الركوع ويسجد بعد السلام، وإن رفع رأسه منها أتى برابعة وسجد قبل السلام، فإن سها عن السلام حتى صلى خامسة رجع متى ما ذكر، ويسجد قبل السلام، لأن النافلة في قول بعض العلماء أربع وفي قول مالك ركعتان.
307 - وإن صلى الفريضة خمساً ساهياً سجد بعد السلام.
308 - مالك: ولا أعرف في التشهد بسم الله الرحمن الرحيم، ويبدأ بالتشهد قبل الدعاء.
309 - واستحب مالك تشهد [عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ](1)، وهو: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له]، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ثم تدعو بما أحببت.
310 - ويسلم الإمام والفذ واحدة قبالة وجهه، ويتيامن [قليلاً]، ويسلم المأموم عن يمينه ثم على الإمام، فإن كان عن يساره أحد رد عليه، وقاله ابن عمر، وكان مالك يأخذ بقول ابن المسيب، يسلم عن يمينه وعن يساره ثم يرد على الإمام ثم تركه.
__________
(1) رواه مالك في الموطأ (53)، والحاكم في المستدرك (1/266)، وصححه ووافقه الذهبي.

311 - وسلام الرجال والنساء سواء، ويسمع نفسه ومن يليه، ولا يجهر جهراً، وسلامه من الفريضة ومن السهو سواء.
ولا يقيم الإمام في مصلاه إذا سلم إلا أن يكون في سفر أو في فنائه فإن شاء تنحى أو قام.
312 - وإن شاء المأموم رد على الإمام عليك السلام، وأحب إلي: السلام عليكم.
313 - وإذا أحدث الإمام أو رعف فله أن يستخلف من يتم بالقوم، فإن قال: يا فلان تقدم، فإن كان راعفاً فقد أفسد على نفسه ولا يبني، وإن كان فيما لا يبني لم يضرهم ذلك لأنه في غير صلاة، [وإنما يضرهم إن تمادى بهم].
314 - وإن خرج الإمام ولم يستخلف أتم بهم أحدهم، فإن صلوا وحدانا أجزأهم إلا الجمعة، ويكره لهم ذلك، فإن استخلف من فاتته ركعة أتم بهم صلاة الأول واجتزأ بما قرأ، ثم يثبتون ويأتي المستخلف بما بقي عليه ثم يسلم لهم، وإن استخلفه وهو راكع فليرفع بهم.
* * *
جامع القول في صلاة الجمعة
315 - وغسل الجمعة واجب على كل محتلم(1)، ولا يُجزئ إلا متصلاً بالرّواح، فإن اغتسل وراح ثم أحدث أو خرج من المسجد إلى موضع قريب لم ينتقض غسله، وإن تباعد، أو تغدى أو نام بعد غسله أعاد ولا بأس أن يغتسل غسلاً واحداً للجنابة والجمعة ينويهما.
316 - وليس على النساء والعبيد والصبيان جمعة، فمن شهدها منهم فليغتسل وليصلها، ولا على المسافر، فإن شهدها فليصلها.
__________
(1) رواه البخاري (858)، ومسلم (846)، ومالك (4) عن أبي سعيد مرفوعاً.

317 - ومن ركع مع الإمام يوم الجمعة، ولم يقدر على السجود من زحمة الناس حتى ركع الإمام الثانية ولم يرفع رأسه فلا يسجد ويلغي الأوولى ويتبع الإمام في الثانية ويقضي ركعة. وكذلك إن زوحم عن السجود حتى قام الإمام في الثانية فليتبعه ما لم يخف أن يعقدها عليه، فإن خاف الغى الأولى ودخل معه، فإن لم يقدر على السجود حتى سلم الإمام أعاد ظهراً [أربعاً](1)، وإن عقد الأولى بسجدتيها ثم زاحموه على الثانية حتى سلم الإمام بنى على الأولى وأجزأته، وإن لم يقدر على السجود إلا علىظهر أخيه أعاد أبداً.
318 - ومن أدرك من الجمعة ركعة قضى بعد سلام الإمام أخرة يقرأ فيها بسورة الجمعة استحباباً ويجهر، وإن أدرك الجلوس صلى أربعاً.(2)
319 - ومن أحرم في نافلة يوم الجمعة فلا يركع حتى خرج الإمام تمادى، وإن خرج الإمام قبل أن يحرم فليجلس ولا يصل.(3)
320 - وإذا قام الإمام يخطب فحينئذ يجب قطع الكلام واستقباله والإنصات إليه لا قبل ذلك، ويجوز الكلام بعد فراغه من الخطبة وقبل الصلاة، ومن أقبل على الذكر شيئاً يسيراً في نفسه والإمام يخطب فلا بأس، وترك ذلك أحسن. [وأحب إلي أن ينصت ويسمع].
321 - ويجب الإنصات على من لم يسمع الإمام، مثل ما يجب على من يسمعه.
322 - ومن عطس والإمام يخطب حمد الله سراً في نفسه، ولا يشمت من عطس والإمام يخطب.
323 - ولا بأس بالاحتباء والإمام يخطب، ولا يتكلم أحد في جلوس الإمام بين خطبتيه.
324 - ويجلس الإمام في أول الخطبة حتى يؤذن المؤذنون على المنار، ثم يخطب ويجلس في وسطها جلسة خفيفة، وكذلك سائر الخطب يجلس في أولها وفي وسطها.
__________
(1) انظر: الموطأ للإمام مالك (ص86).
(2) انظر: سنن ابن ماجة (1123) عن ابن عمر.
(3) انظر: ابن ماجة (1112)، ومواهب الجليل (2/179).

325 - ولا يسلم الإمام على الناس إذا رقى المنبر. ومن شأنه أن يقول إذا فرغ من خطبته: يغفر الله لنا ولكم، وإن قال: اذكروا الله يذكركم فحسن، والأول أصوب.
326 - وجائز أن يتكلم الإمام في خبته لأمر أو نهي، ولا يكون لاغياً، ومن كلمه الإمام [فرد عليه] لم يكن لاغياً.
327 - ويستحب للإمام أن يتوكأ على عصا غير عود المنبر إذا خطب.
328 - وتصلى الجمعة في رحاب المسجد وأفنية ما يليه من الحوانيت والدور التي تدخل بغير إذن، وإن لم تتصل الصفوف [إذا ضاق المسجد]، [وكان الناس يدخلون حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته فيصلون فيها الجمعة من ضيق المسجد وهي ليست من المسجد ولكنها شارعة إلى المسجد، ولم يزل الناس يصلون فيها حتى بني المسجد].
329 - ولا يُصلى في تلك الحوانيت والدور التي [لا] تدخل بغير إذن وإن أذن أهلها، ويُصلى في الزقاق وإن كان فيها أرواث الدواب، وكذلك في جميع الصلوات لضيق المسجد، ومن صلى يوم الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإمام أعاد أبداً أربعاً.
330 - وإن استخلف الإمام من يصلي في المسجد الجامع [يوم الجمعة] وصلى هو الجمعة في غيره فالجمعة لمن صلى في الجامع وهو تركها في موضعها.
331 - ويصلي الجمعة أهل القرية المتصلة البنيان كالروحاء وشبهها، وكذلك أهل الخصوص إن كان عليهم والٍ أو لم يكن، وقال مرة: القرية المتصلة البنيان التي فيها الأسواق يجمع أهلها، ومرة لم يذكر الأسواق.
332 - وكتب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلاً فليُجَمِّعوا الجمعة، [وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا اجتمع ثلاثون بيتاً].(1)
__________
(1) لم أفق عليه، وهو ضعيف للانقطاع بين ابن وهب والقاسم بن محمد، وإرساله، ويشترط عند المالكية إذن الإمام أو السلطان أو الحاكم أو من ينيب عنه، لإقامة الجمعة.

333 - ويجب إتيان الجمعة من ثلاثة أميال وزيادة يسيرة، ومن شهد العيد يومالجمعة فلا يسقط عنه إتيان الجمعة وإن أذن له الإمام، ولم يأخذ مالك بإذن عثمان ابن عفان - رضي الله عنه - لأهل العوالي وقال: ما بلغني عن غيره.
334 - وإذا قعد الإمام على المنبر وأذن المؤذنون حرم البيع حينئذ، ومنع منه من تلزمه الجمعة ومن لا تلزمه من المسلمين، فإن تبايع حينئذ اثنان تلزمهما الجمعة أو أحدهما فسخ البيع، واحتج بالذمي الذي ابتاع طعاماً على كيل فباعه من مسلم قبل أن يكتاله، وقال: بيعه غير جائز، وإن كانا ممن لا تجب الجمعة على واحد منهما لم يفسخ.
335 - ولا يمنع أهل الأسواق البيع [والشراء] يوم الجمعة إلا في الساعة المذكورة، ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب في السبت والأحد.
336 - فإن أحدث الإمام في الخطبة فلا يتمها، ولكن يستخلف من شهدها فيتم بهم، وكذلك إن أحدث بعد الخطبة [أو بعدما أحرم]، وإن استخلف من لم يشهدها فصلى بهم أجزأهم، فإن مضى الإمام ولم يستخلف لم يصلوا أفذاذاً ويستخلفون من يتم بهم، وأحب إلي أن يقدموا من شهد الخطبة، فإن لم يشهدها أجزأهم، وإن صلوا الجمعة أفذاذاً أعادوا، ولو تقدم بهم رجل من تلقاء نفسه ولم يقدموه [هم ولا إمامهم] أجزأهم، [والجمعة وغيرها سواء]، وإن استخلف عليهم الإمام رجلاً ناسياً لجنابته أجزأتهم صلاتهم، ويعيد هو وحده، وإن كان ذاكراً لها [فسدت عليهم، وإن] استخلف عليهم سكران أو مجنوناً [أو عبداً] أو من لم يحرم خلفه أعادوا، لأن هذا الذي لم يحرم خلفه صار وحده، ولا يجمع الجمعة واحد والقوم كأنهم أحرموا قبل إمامهم، وإن خرج المستخلف من الصلاة قبل أن يعمل فيها شيئاً فقدم رجلاً منهم أو قدموه هم لأنفسهم أجزأتهم صلاتهم ولم يعيدوا.
337 - ومن أحدث يوم الجمعة والإمام يخطب خرج بغير إذن، وإنما كان الإذن الذي روي في حرب النبي عليه السلام.(1)
__________
(1) انظر: تفسير القرطبي (12/320).

338 - وإذا خطب الإمام ثم قدّم والٍ غيره، ابتدأ الخطبة وإذا قصّر في الخطبة أو نسي فلم يتكلم إلا [بمثل] الحمد لله ونحوه، أعادوا الخطبة والصلاة، وإن كان شيء له بال أجزأ.
339 - وإن جهل فصلى قبل الخطبة أعادوا الصلاة وحدها، وإذا خطب وصلى بهم الجمعة أربعاً عامداً أو جاهلاً أعاد بهم ركعتين وأجزأته الخطبة.
340 - ومن صلى الظهر في بيته قبل صلاة الإمام يوم الجمعة وهو ممن تلزمه الجمعة لم يجزه، وإنما يصلي الظهر من فاتته الجمعة.
341 - ولا جمعة على الإمام المسافر إلا أن يمرّ بقرية من عمله يجمع فيها فليجمع بهم، فإن لم يكن يجمع فيها لصغرها [فجمع بهم] فسدت عليه وعليهم.
342 - وإذا هرب الناس يوم الجمعة [عن الإمام] فلم يبق معه إلا الواحد والاثنان فإن لم يأتوا بعد انتظاره فإنه يصلي ظهراً [أربعاً].
343 - وإذا أتى من تأخير الأئمة ما يستنكر، جمع الناس لأنفسهم إن قدروا وإلا صلوا ظهراً [أربعاً] وتنفلوا معهم بصلاتهم.
344 - و لا يتنفل الإمام والمأموم بعد الجمعة في المسجد، وإن تنفل المأموم فيه [فواسع].
345 - وأحب إلي أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة ثم بـ{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.
346 - وإذا فاتت الجمعة من تجب عليهم [فلا يجمعوا، ومن لا تجب عليهم الجمعة] مصل المرضى والمسافرين وأهل السجن فجائز أن يجمعوا.
347 - وإنما كره التخطي إذا قعد الإمام على المنبر، وأما قبل ذلك فلا بأس به إذا كان بين يديه فرجة، وليترفق في ذلك.
348 - ولا جمعة في أيام منى كلها بمنى، ولا يوم التروية بمنى(1)، ولا يوم عرفة بعرفة.
349 - ومن دخل مكة فأقام بها أربعة أيام، ثم حبسه كريه يوم التروية(146) حتى صلى الناس الجمعة، فعليه أن يصلي الجمعة لأنه كالمقيم، فإن لم يقم أربعة أيام فلا جمعة عليه، لأنه مسافر.
__________
(1) هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة المبارك.

وإذا أخر الإمام الجمعة، فإنه يصليها ما لم تغرب الشمس، إذا أدرك من العصر ركعة قبل الغروب.
* * *
ما جاء في صلاة الخوف
350 - ويصلي الإمام في الخوف بالطائفة الأولى في المغرب ركعتين، ثم يتشهد ويثبت قائماً، ويتمون لأنفسهم ركعة بأم القرآن ويسلمون، ويصلي بالطائفة الثانية ركعة، يقرأ فيها هو وهم بأم القرآن ويسلم [ولا يسلمون] ويقضون ركعتين بأم القرآن وسورة في كل ركعة.
351 - ولا تصلى صلاة الخوف ركعتين إلا في السفر، فأما في الحضر والسواحل فأربع ركعات بكل طائفة ركعتين.
352 - ولا يصليها مسافر بحضريين، فإن فعل صلى بكل طائفة ركعة، ويتمون صلاتهم حضرية، وإن كان في القوم مسافرون وحضريون، فإن صلى بهم مسافر، صلى بكل طائفة ركعة، ثم يأتي المسافرون بركعة ويسلمون، ويأتي الحضريون بثلاث، وإن كان الإمام حضرياً صلى بكل طائفة ركعتين وأتم كل من خلفه، كان حضرياً أو مسافراً. وإذا اشتد الخوف صلوا على قدر طاقتهم، ركباناً أو مشاة، إيماءاً أو غير إيماء، لقبلة أو لغيرها، ويقرءون ولا إعادة عليهم إن أمنوا في الوقت.
353 - وإذا سها الإمام مع الطائفة الأولى سجدوا للسهو بعد إتمامهم، إن كان نقصاناً قبل السلام، وإن كان زيادة فبعد، ثم إذا صلى بالطائفة الثانية فعلى حديث يزيد بن رومان الذي كان مالك يأخذ به(1) يثبت الإمام جالساً، فإذا أتموا الصلاة سجد [بهم] للسهو.
354 - وأما على حديث القاسم الذي رجع إليه مالك إنما يقضون بعد سلامه، [فإن كانتا قبل السلام سجدوا معه]، وإن كانتا بعد السلام سجد هو ولم يسجدوا هم إلا بعد القضاء.
* * *
في صلاة الخسوف
355 - وصلاة الخسوف سنة لا تترك، كصلاة العيدين، ولا يجهر بالقراءة فيها إذ لا خطبة فيها، ويستفتح في كل ركعة منها بالحمد [لله].(2)
__________
(1) رواه البخاري (4131)، ومسلم (839)، (842).
(2) انظر: الفتح للحافظ (2/634).

356 - وإنما تصلى من ضحوة إلى زوال الشمس، فإذا زالت [الشمس] فلا، وروى ابن وهب عن مالك أنها تصلى في وقت صلاة، وإن كان بعد الزوال.
357 - ويصليها أهل الحضر والقرى والمسافرون ويجمعون، إلا أن يعجل بالمسافرين السير، ويصليها المسافر وحده. وتصليها المرأة في بيتها، ولا بأس أن تخرج المتجالة إليها.
358 - وإن أتموا صلاتها والشمس بحالها لم يعيدوا الصلاة ولكن يدعون ومن شاء تنفل.
359 - ومن أدرك الركعة الثانية من الركعة الأولى لم يقض شيئاً، و[كذلك] إن أدرك [الركعة] الثانية من [الركعة] الثانية، فإنما يقضي ركعة فيها ركوعان وتجزئه. وإذا سها فيها الإمام سجد لسهوه، وأنكر مالك السجود في الزلازل.
360 - [ويحرم فيها الإمام فيقوم قياماً طويلاً نحواً من [سورة] البقرة، ثم يركع ركوعاً طويلاً نحو قيامه(1)، ثم يرفع فيقرأ دون القراءة الأولى ويركع دون الركوع الأول ثم يرفع رأسه ثم يسجد سجدتين يوالي بينهما].
361 - وأحب إلي أن يطيل السجود، ثم يقوم دون القيام الذي يليه ثم يركع دون الركوع الذي يليه ثم يرفع فيقوم دون القيام الذي يليه [ثم يركع دون الركوع الذي يليه]، ثم يسجد كما ذكرنا ويتشهد ويسلم.
362 - ولا يجمع في خسوف القمر، ويصلون ركعتين كسائر النوافل.
363 - قال عبد العزيز: ونحن إذا كنا فرادى نصلي هذه الصلاة [في خسوف القمر] لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأيتم ذلك [بها] فافزعوا إلى الصلاة.(2)
* * *
صلاة الاستسقاء
364 - ويتنفل قبل الاستسقاء وبعدها في المصلّى، وإنما تصلى ضحوة، ويقرأ فيها بسبح ونحوها، ويجهر فيها، ولا يخرج إليها بمنبر، ولا يمنع أهل الكتاب من الاستسقاء.
365 - وجائز الاستسقاء في السنة مراراً، ولا يؤمر النساء والصبيان بالخروج إليها، وإن خرجوا لم يمنعوا. ولا تخرج الحيّض على حال، ولا صبي لا يعقل الصلاة.
__________
(1) رواه البخاري (1052)، ومسلم (907).
(2) رواه البخاري (1044)، ومسلم (901) عن عائشة نحوه.

366 - فإذا صلى الإمام ثم سلّم [استقبل الناس بوجهه فجلس جلسة ثم قام يخطب ويتوكأ على عصا ويجلس بين خطبتيه، فإذا فرغ] استقبل القبلة قائماً والناس جلوس، فحول ما على يمينه من ردائه على يساره، وما على يساره على يمينه، ولا يقلبه فيجعل الأسفل الأعلى، ويحول الناس كذلك وهم جلوس، ثم يدعو الإمام قائماً والناس جلوس، ولا حد في طول ذلك، ولكنه وسط، ثم ينصرفون. وليس في خطبتها تكبير، وإن أحدث [الإمام] في الخطبة تمادى.(1)
* * *
في صلاة العيدين والتكبير في أيام التشريق(2)
367 - وغُسل العيدين حسن، وليس كوجوبه في الجمعة، ثم يغدو من داره أو من المسجد إذا طلعت الشمس، ويكبر في الطريق ويسمع نفسه ومن يليه، وفي المصلى حتى يخرج الإمام فيقطع [التكبير]، ولا يكبر إذا رجع. وتكبير العيدين سواء لا حد فيه. ويخرج من طريق ويرجع من غيرها استحباباً.
368 - ويخرج الإمام في العيدين سواء بمقدار ما إذا وصل حلّت الصلاة، ويكبر الإمام في العيدين في خلال خطبته، ولا حد في ذلك.
369 - ولا تجب صلاة العيدين على النساء والعبيد، ولا يؤمرون بالخروج إليها، ومن حضرها منهم لم ينصرف إلا بانصراف الإمام، وإذا لم يخرج النساء فما عليهن واجب أن يصلين [ويستحب لهن أن يصلين] أفذاذاً، ولا تؤمهن واحدة [منهن].
370 - ويقرأ في العيدين بسبح والشمس وضحاها ونحوهما، والخطبة بعد الصلاة في العيدين، والاستسقاء، وأما الجمعة وعرفة، فالخطبة قبل الصلاة.
371 - ويكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الافتتاح، وفي الثانية خمساً غير تكبيرة القيام، وذلك كله قبل القراءة. ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى.(3)
__________
(1) ينظر: البخاري (1024)، ومسلم (894)، وفتح الباري (2/571)، والموطأ (ص135).
(2) انظر: الشرح الكبير (1/398).
(3) انظر: مواهب الجليل (2/198).

372 - ومن فاتته صلاة العيدين فيستحب له أن يصليها من غير إيجاب، ومن أدرك منها الجلوس كبر وجلس، ثم يقضي بعد سلام الإمام باقي التكبير والصلاة.
373 - وإذا صُليت في المسجد جاز التنفل قبلها وبعدها، وفي المصلى لا قبل ولا بعد، وإن نسي التكبير في الركعة الأولى فذكر قبل أن يركع رجع فكبر وقرأ وسجد بعد السلام، وإن ذكر بعدما ركع تمادى وسجد قبل [السلام].
374 - ويصليها أهل القرى كأهل الحضر، وإن أحدث الإمام في خطبة العيد تمادى.
375 - ويستحب الخروج فيها إلى المصلى إلا من عذر، وينحر الإمام أضحيته في المصلى، ويفطر في الفطر قبل أن يخرج إلى العيد، وليس ذلك في الأضحى.
376 - وليس في تكبير أيام التشريق حدّ، وبلغني عن مالك - رحمه الله - أنه كان يقول: الله أكبر، [الله أكبر، الله أكبر]، ثلاثاً.
377 - ويكبر أيام التشريق دبر خمس عشرة صلاة، أولها صلاة الظهر يوم النحر، وآخرها صلاة الصبح من اليوم الرابع وهو آخر أيام التشريق، يكبر في الصبح ويقطع في الظهر، ولا يكبر في أيام التشريق في غير دبر الصلوات، كذلك كان من يقتدى به يفعل.(1)
378 - ومن نسي التكبير، فإن كان بالقرب رجع فكبر، وإن يَعُد فلا شيء عليه، وإن سها عنه الإمام كبر المأموم، ومن فاته بعض الصلاة فلا يكبر حتى يقضي. ويكبر أيام التشريق كل مسلم صلى في جماعة أو وحده.
379 - ويجمع بين الظهر والعصر بعرفة بعد الزوال، يبدأ الإمام بالخطبة، فإذا فرغ منها جلس على المنبر، وأذن المؤذن وأقام، فإذا أقام نزل فصلى بالناس الظهر ركعتين ثم أذن فقام، ثم يصلي بهم العصر ركعتين ولا يجهر بالقراءة، وكل صلاة فيها خطبة يجهر فيها بالقراءة خلا هذه الصلاة، لأن خطبتها تعليم للحاج.
380 - ويتم أهل منى بمنى، وأهل عرفة بعرفة، وكل من لم يكن من أهها فليقصر الصلاة بها.
__________
(1) انظر: الموطأ لمالك (ص261).

381 - ولا أحب أن يكون الإمام من أهل عرفة، فإن كان منها أتم الصلاة، قال ابن مسعود: ليس على المسلمين جمعة في سفرهم ولا يوم نفرهم.(1)
* * *

(كتاب الجنائز)
382 - قال مالك: يجتهد للميت في الدعاء، وليس في ذلك حدّ، ولا يقرأ على الجنازة، وكان أبو هريرة يتبع الجنازة من أهلها، فإذا وضعت كبّر وحمد الله وصلى على نبيه، ثم قال: اللهم [إنه] عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.(2)
383 - قال مالك - رحمه الله - : وهذا أحسن ما سمعت من الدعاء على الجنازة، وليس فيه حدّ معلوم.(3)
384 - وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقف عند وسط الرجل، وفي المرأة عند منكبيها.
385 - قال مالك: ويكبر على الجنازة أربعاً. مالك: ولا يرفع يديه إلا في الأولى، قال عنه ابن وهب: ويعجبني أن يرفع [يديه] في الأربع.
386 - ولا بأس بحمل السرير من أي جانب [شئت]، وإن شئت فاحمل أو فدع(4)، وقول من قال: يبدا باليمين بدعة. والمشي أمام الجنازة هو السنة(5). وجائز أن يسبق وينتظر.
387 - ولا يصلي عليها في المسجد، إلا أن توضع بقربه فيصلي من في المسجد عليها بصلاة الإمام، إذا ضاق خارج المسجد بأهله. وجائز الجلوس عند القبر قبل أن توضع [الأرض].(6)
388 - ويصلى على قاتل نفسه [وإثمه على نفسه، ويصلى] على أولاد الزنا كسائر المسلمين.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/442).
(2) رواه مسلم (963)، ومالك في الموطأ (17) عن عوف بن مالك مرفوعاً.
(3) انظر: مواهب الجليل (2/214، 215).
(4) رواه البيهقي في الكبرى (4/19)، والصغرى (1048) عن ابن مسعود.
(5) رواه مالك في الموطأ (11).
(6) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (2/229، 230).

389 - وكل من كان حده القتل فقتله الإمام أو الناس دونه، فإنه يغسل ويكفن ويصلي عليه الناس دون الإمام، وكذلك [كل] محارب قتله الناس دون الإمام لأنه حده. فأما من جلده الإمام في زنا فمات منه، فإن الإمام يصلي عليه. [وإذا قتل في قصاص صلى عليه الناس دون الإمام].
390 - ومن اشترى صغيراً من العدو أو وقع في سهمه من المغنم فمات صغيراً لم يصلّ عليه. وإن نوى به سيده الإسلام، إلا أن يجيب إلى الإسلام بأمر يعرف أنه عقله، وهذا إذا كان كبيراً يعرف ما أجاب إليه.
391 - ومن زوج عبده من أمته وهما نصرانيان فحدث لهما ولد فليس للسيد أن يدخل الولد في الإسلام جبراً.
392 - ولا توطأ أمة من غير أهل الكتاب حتى تجيب إلى الإسلام، بأن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، [وتصلي]، أو تجيب بأمر يعرف أنها قد دخلت في الإسلام، وتستبرأ، وإن كانت من أهل الكتاب فحتى تستبرأ.
393 - والصبي إذا لم يستهل [صارخاً]، والسقط لا يرثان ولا يورثان ولا يسميان، ولا يغسلان ولا يحنطان ولا يدفنان في الدور. ومن ارتد قبل البلوغ لم تؤكل ذبيحته ولا يصلى عليه.
394 - ولا يصلى على يد ولا على رأس مع الرِجْلين، وإنما يصلى على أكثر البدن.
395 - ولا يتبع الميت بمجمرة، ولا يقلم ظفره، ولا تحلق عانته، وذلك بدعة ممن فعله.
396 - ومن فاته بعض التكبير انتظر، فإذا كبر الإمام كبر معه ويقضي متتابعاً، وإذا اجتمعت جنائز صُلي على جميعها في موضع واحد، وإذا أتى بجنازة والإمام يصلي على غيرها تمادى على الأولى ولا يدخل الثانية معها، فإذا فرغ صلى على الثانية، ولو جيء بها بعد تمام الصلاة على الأولى فلا بأس بتنحية الأولى والصلاة على الثانية.
397 - ومن أتى وقد فرغ الناس من الصلاة على الجنازة فلا يصلي عليها بعد ذلك، ولا على القبر، وليس العمل على ما جاء من الحديث في ذلك.(1)
__________
(1) رواه البخاري (458)، ومسلم (956) من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

ويجعل الرجال والصبيان [في الصلاة] مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة(1)، فإن كانوا رجالاً كلهم [جعلوا واحداً خلف واحد، ثم قال مالك] واسع أن يجعل بعضهم على بعض، وأفضلهم مما يلي الإمام أو صفاً واحداً كلهم، ويقوم الإمام وسط ذلك وكذلك النساء.
398 - ولا يصلى على أحد من أهل الأهواء، ولا يعاد مرضاهم ولا على قتلى الخوارج والإباضية.(2)
399 - ولا يصلى على الشهيد في المعترك ولا يكفن، ولا يغسل، ويدفن بثيابه، ولا ينزع عنه شيء لا خف ولا فروة، إلا درع أو سلاح، ويحفر له ويلحد، وإن عاش بعد ذلك حياة بينة، كان كالمجروح يموت بعد أيام، يغسل ويصلى عليه، وليس كحال من به رمق وهو في غمرة الموت. ولا يزاد [على] الشهيد غير ما عليه، وكذلك من قتله العدو، أي قتلة كانت في معترك أو غيره.(3)
400 - وأما من قتل مظلوماً أو قتله لصوص في معتركهم أو في دفعه إياهم عن حريمه أو مات بغرق أو هدم، فإنه يغسل ويصلى عليه.
* * *
في غسل الميت
401 - وليس في غُسل الميت حدّ ولكن ينقى [وينظف] ويعرى للغسل، وتستر عورته ويجعل الغاسل على يده خرقة ويفضي به إلى فرجه، وإن احتاج إلى أن يباشر بيده فعل، ويعصر بطنه عصراً رفيقاً ، فإن وضئ فحسن. وأحسن ما جاء في الغسل ثلاث أو خمس بماءٍ وسدر [ويجعل] في الآخر كافوراً إن تيسر.(4)
402 - ويغسل أحد الزوجين صاحبه، وإن أصاب غيره من الرجال والنساء، ويستر كل واحد منهما عورة صاحبه، وإن وضعت الزوجة حملها بعد موته وقبل غسله فجائز لها أن تغسله، وأم الولد في الغسل كالزوجة تغسل سيدها ويغسلها، والمطلقة واحدة لا تغسل زوجها إن مات قبل انقضاء عدتها.
__________
(1) رواه مالك في الموطأ (24).
(2) انظر: مواهب الجليل (2/249).
(3) انظر: مواهب الجليل (2/248).
(4) رواه البخاري (1253)، ومسلم (939)، ومالك (1) جنائز من حديث أم عطية.

403 - ومن مات في سفر لا رجال معه، ومعه نساء فيهن ذات محرم منه فلتغسله ولتستره، وإن لم يكن فيهن ذات محرم منه يممن وجهه ويديه إلى المرفقين، وإن ماتت امرأة مع رجال لا نساء معها، فإن كان فيهم ذو محرم منها غسلها من فوق الثوب، وإن لم يكن ذو محرم يمم وجهها ويديها إلى الكوعين. ولا بأس أن يغسل النساء الصبي ابن سبع سنين وشبهه.(1)
404 - ويُصب الماء على المجروح والمجدور الذي يخاف أن يتزلع(2) ولا ييمم.
405 - ولا يغسل المسلم أباه الكافر، ولا يتبعه ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع فيواريه، وكذلك الكافر بين المسلمين إذا مات، قال ربيعة: ولا يستقبل به قبلتنا ولا قبلتهم.
406 - ولا بأس بالمسك والعنبر في الحنوط، ويجعل ذلك على جسده و[بين] أكفانه ومواضع السجود، ولا يجعل من فوق الأكفان، قال عطاء: أحب الحنوط إلي الكافور، وجائز أن يحنط المحرم، ولا يلي ذلك منه محرم.
407 - ويستحب أن يكفن في ثلاثة أثواب إذا وجد.
408 - ويعمم الميت، وتجمر(3) ثيابه، ويكره في كفن الرجال والنساء الخز(4)، والمعصفر(5)، والحرير، ويكفن في العصب وهي الحبرة.(6)
409 - والأخ أولى بالصلاة على الميت من الجد، وإنما ينظر في هذا إلى من هو أقعد بالميت فهو أولى بالصلاة، والعصبة أولى بالصلاة من الزوج، والزوج أولى بإنزال المرأة في قبرها من عصبتها، ومن كانت الصلاة إليه من قاض أو صاحب شرطة أو وال فهو أحق بالصلاة على الميت إذا حضر من أوليائه، وكذلك كل بلدة كان ذلك عندهم.
__________
(1) انظر: البيان والتحصيل (2/248).
(2) أي يتشقق وفسدت جراحته، الوسيط (1/412).
(3) جمر الكفن: بخره، الوسيط (1/138).
(4) هو ما ينسج من صوف وإبْرَيسم، الوسيط (1/240).
(5) هو المصبوغ بالعُصْفر، وهو نبات شديد الحمرة في صبغه.
(6) الحبرة: ثوب من قطن أو كتان مخطط، يصنع باليمن، الوسيط (1/158).

410 - وتتبع المرأة جنازة زوجها ووالدها وولدها وأخيها إذا كان يعرف أن مثلها تخرج على مثله، وإن كانت شابة، ويكره أن تخرج على غير هؤلاء ممن [لا] ينكر لها الخروج عليهم من قراباتها.
411 - ومن مات وليس معه إلا نساء صلين عليه أفذاذاً واحدة واحدة ويكن صفوفاً.
412 - ويسلم إمام الجنازة واحدة عن يمينه يسمع نفسه ومن يليه، ويسلم المأموم واحدة يسمع بها نفسه فقط، وإن أسمع من يليه فلا بأس.
413 - ويكره تجصيص القبور والبناء عليها. وإذا أحدث إمام الجنازة استخلف من يتم بهم باقي التكبير، فإن توضأ وأدرك بعض التكبير، كان في سعة إن شاء رجع أو ترك.
414 - ويصلى عليها بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم يسفر، فإذا أسفر أو اصفرت [الشمس] فلا يصلوا حينئذ إلا أن يخافوا عليها.
415 - قال مالك: وإن غابت الشمس بدءوا بما أحبوا من المغرب أو الجنازة، وقال عنه ابن وهب: [إن صلوا عليها بعد الفريضة فهو أصوب] فإن صلوا [عليها] قبل فلا بأس.
ولا يبقر على الميتة إذا كان جنينها يضطرب في بطنها.
* * *

(كتاب الصيام)(1)
416 - ويحرم الأكل بطلوع الفجر المعترض في الأفق لا بالبياض الظاهر قبله، كما لا يمنع [ذلك] البياض [من الأكل، فكذلك لا يمنع البياض] الباقي بعد الشفق من صلاة العشاء.
__________
(1) الصيام لغة: الإمساك والترك، فمن أمسك عن شيء ما قيل له صائم، وشرعاً: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية قبل الفجر أو معه في غير أيام الحيض والنفاس والأعياد، الثمر الداني (293). وانظر: الذخيرة للقرافي (2/485)، والبيان والتحصيل لابن رشد (2/303)، والشرح الكبير (1/239)، والتفريع لابن الجلاب (1/301)، والمعيار للونشريسي (1/410).

ومن تسحر بعد الفجر ولا يعلم بطلوعه، أو أكل ناسياً لصومه، فإن كان في تطوع فلا شيء عليه، ولا يفطر بقية يومه، فإن فعل قضاه. وإن كان في نذر متتابع مثل قوله: لله علي صوم عشرة أيام متتابعات بغير عينها فنابه ذلك بعد أن صام بعضها ترك الأكل في بقية يومه وقضاه ووصله بها، فإن لم يصله أو أفطر باقي يومه ابتدأها، وإن نابه ذلك في أول يوم منها، فإن شاء أفطر وابتدأ صومه عشرة أيام، ولا أحب له أن يفطر فإن فعل فإنما عليه عشرة أيام، أحدها قضاء ذلك اليوم، وإن كانت أياماً بعينها، أو كان في رمضان فليتماد على صومه وعليه القضاء، وإن كان في قضاء رمضان فأحب أن يفطر يومه ذلك أفطره وقضاه، وأحب إلي أن يتمه ويقضيه، وإن كان في صوم تظاهر أو قتل نفس مضى في صيامه وقضى ذلك اليوم، ووصله بصيامه، فإن لم يصله ابتدأ.
417 - ومن شك في الفجر فلا يأكل، ومن أكل ثم شك أن يكون أكل قبل الفجر أو بعده فليقض في رمضان، ومن ظن أن الشمس قد غربت فأكل في رمضان، ثم طلعت [الشمس] فليقض.
418 - ومن رأى هلال رمضان وحده فليعلم الإمام لعل غيره رآه معه فتجوز شهادتهما، فإن لم يره غيره رد الإمام شهادته ولزمه الصوم في [خاصة] نفسه، فإن أفطر كفر مع القضاء.
419 - ولا يصام رمضان ولا يفطر منه ولا يقام الموسم إلا بشهادة رجلين حرين مسلمين عدلين، ولا يقبل في ذلك شهادة واحد، وإن كان عدلاً، ولا من فيه بقية رق [ولا جماعة نساء].
420 - ويقال لمن قال [يصام] بشهادة واحد، أرأيت عن أغمي آخر الشهر كيف يصنعون، [أيفطرون واحداً وثلاثين، فإن أفطروا خافوا أن يكون ذلك اليوم من رمضان].
421 - وتكره للصائم القبلة والمباشرة، فإن قبّل [امرأته] في رمضان قبلة واحدة [فأنزل] فعليه القضاء والكفارة، وإن كان من المرأة مثل ذلك فعليها القضاء والكفارة، وإن أكرهها فالكفارة عليه عنه وعنها، وعليها القضاء.

422 - وروى ابن وهب وأشهب عن مالك فيمن قبل امرأته أو غمزها أو باشرها في رمضان لا شيء عليه إلا أن يمذي فيقضي.
423 - قال ابن القاسم: وإن جامعها دون الفرج أو باشرها فأنزل فالقضاء والكفارة، وإن باشرها فأمذى أو أنعظ أو حرك ذلك منه وإن لم يمذ فليقض، وإن لم ينزل ذلك منه منياً، ولا أنعظ، ولا حرك ذلك منه لذة فلا شيء عليه.
424 - وإن لمسها فأنزل أو عالجت ذكره بيدها حتى أنزل فأمكنها منه فليقض ويكفر، وإن نظر إليها في رمضان وتابع النظر حتى أنزل فعليه القضاء والكفارة، وإن لم يتابع النظر فأمنى أو أمذى فليقض فقط.
425 - وتكره الحقنة والسعوط(1) للصائم، فإن احتقن في فرض أو واجب بشيء يصل إلى جوفه فليقض ولا يكفر.
426 - ولا يكتحل أو يصب في أذنيه دهناً إلا أن يعلم أنه لا يصل إلى حلقه، فإن اكتحل بإثمد، أو صبر، أو غيره، أو صب في أذنه الدهن لوجع به أو غيره، فوصل ذلك إلى حلقه، فليتماد في صومه، ولا يفطر بقية يومه، وعليه القضاء، ولا يكفّر إن كان في رمضان [وإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه]، وقاله أشهب.
427 - وإن قطر في إحليله دهناً أو استدخل فتائل أو داوى جائفة بدواء مائع أو غير مائع فلا شيء عليه.
428 - وإنما تكره [له] الحجامة لموضع التغرير، فإن احتجم وسَلِم فلا شيء عليه، ويكره له ذوق الملح والطعام ومضغه، وإن لم يدخل جوفه، ومضغ العلك أو يداوي [الحفر في فيه] ويمج الدواء أو يلمس الأوتار بفيه أو يمضغها.
429 - وإن ابتلع فلقة حبة بين أسنانه مع ريقه، أو دخل حلقه ذباب أو ذرعه القيء في رمضان فلا شيء عليه في ذلك.
430 - وإن استقاء فقاء فعليه القضاء، وقال أشهب: إن كان صومه تطوعاً فاستقاء فليفطر ويقض، وإن لم يفطر فلا بد من القضاء، وإن كان صومه واجباً فليتمه ويقض.
__________
(1) السعوط: دواء يصيب في الأنف، وانظر: المصباح المنير (277).

431 - ولا بأس أن يغتسل الصائم ويتمضمض من عطش أو حر، فإن تمضمض لذلك أو لوضوء صلاة فسبقه الماء إلى حلقه فليقض في الفرض والواجب لا في التطوع، ولا كفارة عليه، ولا بأس بالسواك أول النهار وآخره بعود يابس، وإن بلّه بالماء، وأما الرطب فمكروه.
432 - مالك: والصوم في السفر أحب إليّ لمن قوي عليه، فإن أصبح في السفر صائماً في رمضان ثم أفطر لعذر فعليه القضاء فقط، وإن تعمد الفطر لغير عذر فليكفر مع القضاء، وقال المخزومي وابن كنانة: لا يكفر. وقاله أشهب: إن تأول.
433 - مالك وأشهب: وإن أفطر بعد دخوله إلى أهله نهاراً فعليه القضاء والكفارة، مالك: كان فطره أول النهار أو آخره. أشهب: ولا يعذر أحد في هذا.
مالك: وإن أصبح في الحضر صائماً [في] رمضان وهو يريد سفراً فلا يفطر ذلك اليوم قبل خروجه، ولا أحب له أن يفطر بعد خروجه، فإن أفطر بعد أن سافر لزمه القضاء فقط، وقال المخزومي وابن كنانة: يلزمه القضاء والكفارة.
434 - ومن أصبح في الحضر صائماً متطوعاً، ثم سافر فأفطر، أو أفطر قبل خروجه، أو صام تطوعاً في السفر ثم أفطر، فإن كان لعذر فلا قضاء عليه وإلا فليقض، ومن علم أنه يدخل بيته من سفره أول النهار فليصبح صائماً، فإن لم يفعل وبيت الفطر ثم دخل قبل طلوع الشمس فلا يجزيه الصوم في بقية يومه وإن نواه، وعليه قضاؤه، ولا يكره له الأكل [في] بقية يومه، وله أن يطأ امرأته إن وجدها كما طهرت.
435 - ومن اصبح مفطراً ولم يأكل أو أكل ثم علم في أول النهار أو آخره أنه أول يوم من رمضان فليكف عن الأكل بقية يومه ويقضيه، ثم إن أكل بعد علمه بذلك لم يكفر إلا أن يفطره منتهكاً وهو يعلم ما يلزم المفطر عامداً فليكفر.
436 - وإن أصبح فيه صائماً متطوعاً ثم علم انه أول يوم من رمضان لم يجزه وعليه قضاؤه.
437 - ولا ينبغي صيام يوم الشك.(1)
__________
(1) ذكره مالك في الموطأ (55)، من حديث يحيى بن مالك.

438 - ومن أصبح يوم الفطر أو [يوم] الأضحى صائماً ثم علم أنه لا يجوز صومهما فأفطر فلا قضاء عليه.
439 - ومن أصبح صائماً ينوي به قضاء يوم عليه من رمضان، ثم ذكر أول النهار أنه كان قضاه، فلا يفطر وليتم صومه. أشهب: لا أحب له أن يفطر فإن فعل فلا قضاء عليه، كمن شك في الظهر فأخذ يصلي ثم ذكر أنه قد صلى، فلينصرف على شفع أحب إلي، وإن قطع فلا شيء عليه.
440 - مالك: ويكره أن يعمل في صوم التطوع ما يكره في صوم الفريضة.
441 - ومن التبست عليه الشهور في جار الحرب فصام شهراً ينوي به رمضان، فإن كان قبل رمضان لم يجزه، وغن كان بعده أجزأه، وإن صامه تطوعاً فإذا هو رمضان لم يجزه من رمضان وقضاه.
442 - ولا بأس أن يتعمد أن يصبح في رمضان جنباً. وغن حاضت امرأة أو طهرت في رمضان وقد مضى بعض النهار فلتفطر يومها ذلك، فإن رأت الطهر قبل الفجر واغتسلت بعده صامت وأجزأها، وإن لم تر الطهر إلا بعد الفجر فلتأكل يومها، وغن أصبحت فشكت أطهرت قبل الفجر أم بعده فلتصم يومها ذلك ولتقضه.
443 - ومن أغمي عليه قبل الفجر في رمضان فأفاق بعد الفجر بقليل أو كثير لم يجزه ذلك اليوم، ولو كان نائماً أجزأه، وإن نام نهاره كله، فإن كان ذلك إغماء لمرض لم يجزه، وإن أُغمي عليه وقد مضى أكثر النهار، أو أُغمي عليه بعد الفجر فأفاق نصف النهار أجزأه ولا شيء عليه، وإن أفاق بعد أيام لم يجزه صوم يوم إفاقته، لأن من لم يبيت الصوم فلا صوم له، وإن أُغمي عليه قبل طلوع الشمس فأفاق عند الغروب، لم يجزه صومه، أشهب: هذا استحسان، ولو اجتزئ به ما عنف.
444 - ومن بلغ وهو مجنون مطبق فمكث سنين ثم أفاق قضى الصوم ولا يقضي الصلاة.

445 - ومن أكل أو شرب أو جامع في رمضان ناسياً فعليه القضاء بلا كفارة، وإن ظن [أن] ذلك يفسد صومه فتعمد الأكل باقيه أو امرأة رأت [الطهر] ليلاً في رمضان فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم على أهله ليلاً فظن أن من لم يدخل نهاراً قبل أن يمسي أن صومه لا يجزيه، وأن له أن يفطر، أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنماً له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فافطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة.
446 - ابن القاسم: وما رأيت مالكاً يجعل الكفارة في شيء من هذا الوجه على التأويل إلا امرأة قالت: اليوم أحيض، وكان ذلك يوم حيضتها، فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره، والذي يأكل في رمضان متعمداً في أول نهاره، ثم يمرض في آخره مرضاً لا يقدر معه على الصوم، فقال: عليهما القضاء والكفارة. وقاله المخزومي.
447 - ولا يؤمر الصبيان بالصيام حتى تحيض الجارية ويحتلم الغلام، بخلاف الصلاة.
448 - ومن أكره، أو كان نائماً، فصب في حلقه ماء في رمضان، أو نذر أو ظهار أو في صيام كفارة القتل، أو في صيام متتابع، أو جومعت نائمة في رمضان، فالقضاء في ذلك كله يجزئ بلا كفارة، ويصل القضاء في ذلك بما كان من الصوم متتابعاً، وإن كان في صوم تطوع فلا قضاء عليه.
449 - وإذا خافت المرضع على ولدها، فإن قبل غيرها وقدرت أن تستأجر له، أو له مال فلتستأجر له، ولتصم، وغن لم يقبل غيرها أفطرت وقضت، وتطعم لكل يوم أفطرته مَدّاً(1) لكل مسكين.
__________
(1) المد: مكيال قديم اختلف الفقهاء في تقديره بالكيل المصري، فعند الشافعية مقداره نصف قدح، ونحوه المالكية، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، وعند العراقيين رطلان، وهما يساويان 880 جرام تقريباً، وانظر: الوسيط (مدد 2/893).

450 - مالك: والحامل [إذا خافت على ولدها] تفطر وتقضي [إذا صحت] ولا إطعام عليها، لأنها مريضة، ولو كانت صحيحة فخافت أن تطرح ولدها إذا صامت فلتفطر ولا إطعام عليها. وقال عنه ابن وهب: إن الحامل تفطر وتطعم، قال أشهب: هذا استحباب من غير إيجاب.
451 - قال القاسم وسالم: من أدركه الكبر فضعف عن صوم رمضان فلا فدية عليه.
452 - وإذا علمت المرأة أن زوجها يحتاج إليها فلا تتطوع بالصيام إلا بإذنه.
453 - وجائز أن يقضى رمضان في العشر(1)، ولا يقضى في أيام التشريق، ولا يصام يوم الفطر ولا يوم النحر، وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر فلا يصومهما إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي، ولا يصومهما من نذر [صوم] ذي الحجة، أو كان عليه صوم واجب، ولا يقضي فيهما رمضان أو غيره، واليوم الآخر من أيام التشريق يصومه من نذره، أو نذر [صوم] ذي الحجة، ولا يقضي فيه رمضان أو غيره. ويبتدئ فيه صيام من ظهار، أو قتل نفس أو شبه هذا، إلا أن يكون قد صام قبل ذلك فمرض ثم صح في أيام النحر فلا يصمها، وليصم هذا اليوم الرابع [و] يصله بصومه.
454 - ومن أفطر لمرض أو سفر ثم تمادى به [المرض أو السفر] إلى رمضان آخر فليصم هذا الداخل ثم يقضي الأول، وليس عليه إذا قضى الأول إطعام، وإن صح أو قدم [من سفره] قبل دخول رمضان الثاني بأيام أقل من شهر أو شهرين فلم يصمها فعليه عدتها أمداداً يفرقها إذا أخذ في القضاء أو بعده، فإن لم يخرج ذلك [حتى] مات وأوصى أن يطعم عنه فذلك في ثلثه.
__________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (4/256) من حديث الأسود ين قيس عن عمر.

455 - ولا يجزئ أن يعطي لكل مسكين أكثر من مُدّ، ويبدأ على الوصايا، والزكاة تبدأ على هذا إذا أوصى بها، وعلى العتق وغيره إلا المدبر في الصحة، قيل: فالعتق في الظهار، وقتل النفس [إن] أوصى بها مع هذا الطعام بأيهما يبدأ؟، قال: العتق في الظهار، وقتل النفس، يبدآن على كفارة الأيمان، وإن لم يوص بإخراج هذا الطعام لم يلزمه ورثته إلا أن يشاءوا، كالزكاة تجب عليه فلا يوصي بها، فإن أوصى بإخراج هذا [الطعام] وبإخراج طعام عليه من نذر بدئ بالطعام لقضاء رمضان لأنه أكد، وكذلك من عليه صوم هدي وقضاء رمضان بدأ [بصوم الهدي] إلا أن يرهقه رمضان فيقضي رمضان ثم يصوم الهدي بعد ذلك.
456 - وما ذكر الله تعالى في كتابه من [صيام] الشهور فمتتابع، ويستحب أن يتابع قضاء رمضان وصيام الجزاء والمتعة وكفارة اليمين، وصيام ثلاثة أيام في الحج، فإن فرقه أجزأه، [وإن صام يوم التروية ويوم عرفة ويوماً من آخر أيام التشريق أجزأه].
457 - ومن أسلم في رمضان فليصم باقيه ولا قضاء عليه لما تقدم منه، ويستحب له أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه.(1)
458 - ومن نذر صوم أيام أو شهور غير معينة فليصم عدد ذلك، إن شاء تابعه أو فرقه، إلا أن ينويه متتابعاً، وغن نذر صوم شهور بغير عينها متتابعة [أو غير متتابعة] فله أن يصومها للأهلة أو لغير الأهلة، فإن صامها للأهلة فكان الشهر تسعة وعشرين يوماً أجزأه، ومن صام لغير الأهلة أكمله ثلاثين، وإن صام بعض شهر، ثم صام بعد ذلك إن شاء للأهلة، ثم يكمل الشهر الأول بثلاثين يوماً، إلا أن ينذر شهوراً بعينها متتابعات فيصومها بأعيانها.
__________
(1) انظر: الاستنكار لابن عبد البر (10/92، 93، 97).

وإن نذر صوم سنة غير معينة صام اثني عشر شهراً ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر ولا أيام النحر [فما صام من الأشهر فعلى الأهلة، وما أفطر بفيه] منها لعذر أتمه ثلاثين، وإن كانت سنة بعينها صامها وأفطر منها يوم الفطر وأيام الذبح] ويصوم آخر أيام التشريق.
459 - مالك: ولا قضاء عليه فيها ولا في رمضان، إلا أن ينوي قضاء ذلك كمن نذر صلاة يوم بعينه فليصل في الأوقات الجائزة فيها الصلاة، ولا يصلي في الساعات التي لا يصلى فيها ولا شيء عليه فيها ولا قضاء.
460 - ثم سئل مالك: عمن نذر صوم ذي الحجة، فقال: يقضي أيام الذبح إلا أن يكون نوى إلا يقضيها. قال ابن القاسم: الأول أحب إلي. وما أفطر من السنة المعينة لعذر فلا قضاء عليه، وإن كان لغير عذر قضاه.
461 - وإن أفطر منها شهراً لغير عذر فكان تسعة وعشرين يوماً قضى عدد أيامه.
462 - ومن نذر صوم شهر بعينه فمرضه لم يقضه، وإن أفطره متعمداً قضى عدد أيامه متتابعاً أحب إلي، وإن فرقه أجزأه، وإن أفطر منه يوماً قضاه إلا أن يكون [أفطره] لمرض.
463 - ومن نذر صوم شهر بغير عينه متتابعاً فصام منه عشرة أيام، ثم أفطر يوماً من غير عذر ابتدأ الصوم ولا يبني [عليه].
464 - ومن قال: لله علي صوم غد، فأفطره فلا كفارة يمين عليه، لأنه جعل لنذره مخرجاً وعليه قضاؤه، ومن نذر صوم كل خميس يأتي لزمه، فإن أفطر خميساً متعمداً قضاه، وكره مالك أن ينذر صوم يوم مؤقت.
465 - ومن نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم ليلاً صام صبيحة تلك الليلة، وإن قدم نهاراً ونية الناذر الفطر، فلا قضاء عليه، ومن نذر صوم يوم قدومه أبدا فقدم يوم الاثنين صام كل يوم اثنين فيما يستقبل. ومن نذر صوم غد فإذا هو يوم الفطر أو الأضحى وقد علم به أو لا، فلا يصومه، ولا قضاء عليه فيه.

466 - وإن نذرت امرأة صوم سنة ثمانين فلا تقضي أيام حيضتها لأن الحيضة كالمرض، ولو مرضت السنة كلها لم يكن عليها قضاء، وكذلك إن نذرت صوم يوم الاثنين والخميس ما بقيت فحاضت فيهما أو مرضت فلا قضاء عليها. وأما السفر، فقال مالك: لا أدري ما هو، قال ابن القاسم: وكأنه أحب أن تقضي.
467 - وإن نذرت صيام غد فحاضت قبله أو نذرت صيام أيام حيضتها، فلا قضاء عليها [لأن الحبس جاء من غيرها].
468 - ومغيب الحشفة(1) يفسد الصوم والحج، ويوجب الغسل والحد، [ويوجب الكفارة والصداق، ويحصن المبتوتة].
469 - ولا يعرف مالك في الكفارة غير الطعام، ولا عنق ولا صوم، ويطعم في الكفارة ستين مسكيناً مدا مدا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجزيه أن يطعم ثلاثين مسكيناً مدين مدين.
470 - وإن أكره امرأته في نهار رمضان [فوطئها] فعليهما القضاء، وعليه عنه وعنها الكفارة، فإن أكرهها في الحج فجامعها فليحجها ويهدي عنها، فإن وطئها في رمضان أياماً، فعليه لكل يوم كفارة، وعليها مثل ذلك، عن طاوعته، وإن أكرهها فذلك كله عليه، وعليها هي القضاء، وإن وطئها في يوم مرتين فعليه كفارة واحدة، فإن طاوعته في الوطئ أول النهار ثم حاضت في آخره فلا بد لها من الكفارة [والقضاء].(2)
__________
(1) الحشفة: رأس عضو التذكير، ويكشف عنها الختان أو مغيب قدرها من مقطوعها، انظر: الوسيط (2/183).
(2) انظر: الشرح الكبير (1/530).

471 - مالك: ومن أصبح ينوي الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب حتى غابت الشمس أو مضى أكثر النهار فعليه القضاء [والكفارة]. قلت لابن القاسم [فإن نوى الفطر في رمضان يومه كله إلا أنه لم يأكل ولم يشرب؟ قال: قد قال مالك في ذلك شيئاً] لا أدري هل أوجب عليه القضاء مع الكفارة أو لا، [قال ابن القاسم:] وأحب إلي أن يكفر [مع القضاء، ولو أصبح ينوي الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب ثم] نوى الصوم قبل طلوع الشمس وترك الأكل وأتم صومه لم يجزه [صوم] ذلك اليوم، وبلغني عن مالك [أنه قال: إن عليه القضاء والكفارة، وهو رأيي]. وقال أشهب: عليه القضاء، ولا كفارة عليه.
472 - وإن حاضت جارية أو احتلم غلام في رمضان فأفطر بقيته، أو أفطر فيه السفيه البالغ فعلى كل واحد منهما كفارة لكل يوم أفطر مع القضاء.(1)
473 - ومن صام رمضان قضاء لرمضان قبله أجزأه وعليه قضاء الآخر.
474 - ومن نذر مشياً فخرج ينوي نذره وحجة الفريضة أجزأه لنذره، وعليه قضاء الفريضة، لأنه حين أشرك بينهما كان أولاهما بالقضاء أوجبهما عند الله، [وقد روى بعض العلماء أن ذلك الحج يجزيه لفريضته وعليه النذر].(20)
* * *
في قيام رمضان
475 - وقيام الرجل [في رمضان] في بيته أحب إلي لمن قوي عليه. ولا يؤم أحد بإجارة(2) في قيام رمضان ولا في الفريضة.
476 - وقيام رمضان تسع وثلاثون ركعة، يوتر منها بثلاث، وقد أمر عمر بن عبد العزيز القراء [أن يقوموا بذلك]، يقرءون في كل ركعة بعشر آيات.
477 - مالك: وليس ختم القرآن لسنة لقيام رمضان. ربيعة: ولو أمهم رجل بسورة حتى ينقضي الشهر لأجزأهم.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل مع مواهب الجليل (2/450).
(2) قال الونشريسي في المعيار: الأجرة على الإمامة منع منها قوم، وأجازها قوم، وفصل آخرون، ومنع الجمهور محمول على الكراهة، وانظر في (7/473، 475).

478 - وكره مالك للقراء أن يقرأ أحدهم في غير الموضع الذي انتهى إليه صاحبه، وقال: يقرأ الثاني من حيث انتهى الأول. ولا يقرأ بالألحان في الصلاة، وعظم مالك الكراهية فيه. والأمر في رمضان الصلاة، وليس بالقصص بالدعاء.
479 - ولا بأس أن يؤم [الناس] في المصحف في رمضان في النافلة، وأكرهه في الفريضة، وإن ابتدأ الإمام بغير مصحف وبين يديه مصحف منشور فلا ينبغي إذا شك في حرف أن ينظر فيه، ولكن يتم صلاته ثم ينظر.
480 - ولم يكن الأمير يصلي القيام [خلف القارئ] فيما خلا مأموماً، ولو فعل ذلك جاز، وقال ربيعة: لا يفعل ذلك إلا أن يأتي فيؤم بالناس.
481 - وجائز التنفل بين الترويحتين لمن يتم الركعتين ويسلم، فأما من يقف يقرأ وينتظرهم حتى يدخل معهم بإحرامه الأول أو بإحداث إحرام فلا يعجبني.
482 - ولا يقنت في رمضان، [لا] في أوله ولا في آخره [ولا في غيره] [ولا في الوتر. والوتر آخر الليل أحب غلي لمن قوي عليه]، ويفصل الإمام بين الشفع والوتر بتسليم، ومن صلى خلف من لا يفصل بينهما بسلام فليتبعه. قال مالك: قد كنت أنا أصلي معهم فإذا جاء الوتر انصرفت ولم أوتر.(1)
* * *

(كتاب الاعتكاف)(2)
483 - ولا اعتكاف إلا بصوم، فإن أفطر يوماً ناسياً فليقضه واصلاً باعتكافه، وإن أفطر عامداً، أو جامع في ليل أو نهار ناسياً، أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه وابتدأ. وإن حاضت معتكفة فخرجت فوطئها زوجها فسد اعتكافها، قاله ابن المسيب وغيره.
__________
(1) انظر: الموطأ (7)، (ص92)، وكشف الستر للحافظ وللنابلسي كلاهما بتحقيقنا، ط بيروت.
(2) أصله الاحتباس والعكف، الحبس، وفي الشرع: الاحتباس في المساجد للعبادة على وجه مخصوص، وانظر: الذخيرة (2/534)، والتفريع لابن الجلاب (1/312)، والبيان والتحصيل (2/306)، والمعيار للونشريسي (1/430)، والشرح الصغير (1/255)، والموطأ لمالك (ص210، 212).

ومن أصابه [في معتكفه] مرض لا يستطيع الصوم معه، أو جن، أو أغمي عليه فليخرج، فإذا صح، فليبن على اعتكافه، ويصل ذلك، فإن لم يصله استأنف.
484 - وإذا صامت امرأة شهرين في قتل نفس فحاضت فيهما بنت إذا طهرت ولا تؤخر.
485 - وإذا صح المريض المعتكف، أو طهرت الحائض [في بعض النهار]، رجعا تلك الساعة إلى معتكفهما وبنيا على ما تقدم، فإن أخرا ذلك ابتدءا الاعتكاف.
486 - ومن اعتكف بعض العشر الأواخر ثم مرض فخرج ثم صح قبل الفطر بيوم فليرجع إلى معتكفه فيبني، ولا يلبث يوم الفطر في معتكفه، [ويخرج] فإذا مضى يوم الفطر عاد على معتكفه. وقال ابن نافع عن مالك: يشهد العيد مع الناس ويرجع إلى المسجد ذلك اليوم لا إلى بيته ولا يعتد به.
487 - ويخرج المعتكف لغسل الجمعة أو الجنابة، ولا ينتظر غسل ثوبه وتجفيفه، ويستحب له أن يتخذ ثوباً غير ثوبه ليأخذه ويدع ثوبه إذا أصابته جنابة.(1)
488 - مالك: ولا بأس أن يخرج [المعتكف] فيشتري طعامه إذا لم يجد من يكفيه ذلك، ثم قال: لا أرى ذلك، وأحب إلي أن لا يدخل معتكقه حتى يفرغ من حوائجه. وقال عنه ابن نافع: لا يخرج لشراء طعام ولا غيره، ولا يدخل حتى يعد ما يصلحه، ولا يعتكف إلا من كان مكفياً حتى لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، فإن اعتكف غير مكفي، جاز أن يخرج لشراء طعامه ولا يقف مع أحد يحدثه. قال ابن القاسم: ولا يمكث بعد قضاء حاجته شيئاً.
489 - وإن خرج يطلب حداً له، أو ديناً، أو أخرج فيما عليه من حد، أو دين فسد اعتكافه، وقال ابن نافع عن مالك: إن أخرجه قاض لخصومة أو غيرها كارهاً فأحبّ إلي أن يبتدئ اعتكافه، وإن بنى أجزأه، ولا ينبغي له إخراجه حتى يتم، إلا أن يتبين له أنه إنما اعتكف لواذاً فيرى رأيه.
490 - وليس لأحد أن يشترط في الاعتكاف ما بغير سنته، قال ابن شهاب: وإن شرط أن يطلع قريته اليوم واليومين فشرطه باطل.
__________
(1) انظر: موطأ مالك (ص210)، ومصنف عبد الرزاق (4/368).

491 - ويقبل المعتكف على شأنه، ولا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه. وإن سكر ليلاً وصحا قبل الفجر، قال ابن شهاب: أو أحدث ذنباً مما نهي عنه فسد اعتكافه [وابتدأ].
492 - مالك: ولا يعجبني أن يصلي على جنازة وهو في المسجد، قال عنه ابن نافع وإن انتهى إليه زحام المصلين عليها. ولا يعود مريضاً معه في المسجد إلا أن يصلي إلى جنبه فلا بأس أن يُسلّم عليه، ولا يقوم ليعزي أو يهنئ أو ليعقد نكاحاً في المسجد إلا أن يغشاه ذلك في مجلسه فلا بأس به. ولا بأس أن يتطيب ويَنْكِح ويُنْكَح.(1)
493 - قال مالك: ولا يشتغل في مجالس العلم، قيل له: أفيكتب العلم في المسجد؟، فكره ذلك، قال ابن نافع: في الكتاب إلا أن يكون الشيء الخفيف، وقال ابن وهب: وسئل مالك: أيجلس مجالس العلماء ويكتب العلم؟، فقال: لا يفعل إلا الشيء الخفيف، والترك أحب إلي.
494 - قال ابن القاسم: ولا بأس أن يشتري ويبيع الشيء الخفيف من عيشه الذي لا يشغله.
495 - ولا يأخذ من شعره وأظفاره، ولا يدخل إليه في ذلك حجام وإن جمعه وألقاه، وإنما كره ذلك لحرمة المسجد، ويعتكف في عَجُز المسجد، ولا باس أن يعتكف في رحابه. وكره مالك للمؤذن المعتكف أن يرقى على ظهر المسجد، واختلف قوله في صعوده المنار، فمرة قال: لا، ومرة قال: نعم، وجل قوله فيه الكراهية، وذلك رأيي.
496 - ومن قال إن فعلت كذا وكذا فعلي اعتكاف شهر إن شاء الله لزمه إن فعل، ولا ثُنيا له في ذلك، ولا في طلاق أو عتق أو صدقة أو مشي إلا اليمين بالله فقط. وإن قال: إن كنت دخلت دار فلان فعلي اعتكاف شهر، ثم ذكر أنه دخلها لزمه الاعتكاف.
497 - ومن أذن لعبده أو امرأته في الاعتكاف، فليس له قطعه [عليهما] إذا دخلا فيه.
__________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (3/370) من حديث ابن جريج عن عطاء بلفظ (لا بأس أن تنكح المجاورة المعتكفة في جوارها (معتكفها).

498 - وإن نذر عبد عكوفاً فمنعه سيده كان ذلك عليه إن عتق، وكذلك المشي والصدقة [إذا نذر ذلك، فلسيده منعه، فإن عتق يوماً ما لزمه ما نذر من مشي أو صدقة] إن بقي ماله ذلك بيده ولو أذن له السيد وهو رقيق ففعل ذلك أجزأه.
499 - وإن نذر مكاتب اعتكافاً يسيراً لا ضرر فيه على سيده فليس له منعه، وإن كان ذلك كثيراً يشغله ويضر بسيده فله منعه، إذ قد يعجز في اعتكافه فلا يقدر السيد أن يخرجه منه.
500 - وتعتكف المرأة في مسجد الجماعة، ولا يعجبني أن تعتكف في مسجد بيتها، وإن طلقها زوجها أو مات عنها لم تخرج حتى تتم اعتكافها، ثم تتم باقي العدة في بيتها، قال ربيعة: وإن حاضت في العدة قبل أن ينقضي اعتكافها خرجت، فإذا طهرت رجعت لتمام اعتكافها، فإن سبق الطلاق الاعتكاف فلا تعتكف حتى تحل.
501 - والذي يجب به الاعتكاف أن يدخل معتكفه وينوي أياماً، فما نوى من ذلك لزمه، وإن نذر أياماً يعتكفها لزمته.
502 - والجوار كالاعتكاف إلا من جاور نهاراً بمكة، وانقلب ليلاً إلى أهله فلا صوم عليه ولا يلزمه بدخوله ونيته حتى ينذره بلفظه [يعني إلا اليوم الأول فإنه يلزمه بالنية والدخول]، وجوار مكة أمر يتقرب به إلى الله تعالى كالرباط والصيام، ومن نذر [جوار مسجد مثل] جوار مكة لزمه ذلك في أي البلدان كان، إذا كان ساكناً في ذلك البلد، ومن نذر صوماً بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله عز وجل لزمه ذلك فيه، وليأته وإن كان من أهل مكة والمدينة.
503 - ويعتكف أهل السواحل والثغور فيها، [يريد في مساجدها]، إن كان زمان أمن لكثرة الجيوش أو لغير ذلك، وأما في زمان الخوف فلا، [مالك]: ومن اعتكف منهم في أمن ثم نزل الخوف خرج، فإذا أمن ابتدأ [ثم قال: يبني].
504 - ومن نذر اعتكافاً فمات ولم يفعله، وأوصى أن يطعم عنه، فليطعم [عنه] عدد الأيام مُدّاً لكل مسكين، ولو نذره وهو مريض لا يستطيع الصوم ثم مات قبل صحته فأوصى بالإطعام إن لزمه فلا شيء عليه.

505 - قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: أقل مدة الاعتكاف يوم وليلة، فسألته عنه فأنكره، وقال: أقله عشرة أيام وبه أقول.(1)
506 - ومن نذر اعتكاف يوم أو ليلة لزمه اعتكاف يوم وليلة.
507 - ومن نذر عكوف شهر أو ثلاثين يوماً فلا يفرق ذلك وليعتكف ليله ونهاره.
508 - ومن نذر اعتكاف شعبان أو حج عام بعينه فمرضه فلا شيء عليه، وإن فرط فعليه القضاء، وإن نذرت امرأة اعتكاف شعبان فحاضت فيه فإنها تصل القضاء بما اعتكفت قبل ذلك، فإن لم تصل ابتدأت.
509 - ومن نذر اعتكاف أيام التشريق كمن نذر صومها، يلزمه اليوم الرابع منها، وإن نذر اعتكاف أيام النحر فلا شيء عليه، إذ لا يحل صومها.
510 - ومن نذر عكوف شهر بمسجد الفسطاط فاعتكفه بمكة أجزأه، ولا يخرج إلى مسجد الفسطاط وليعتكف بموضعه، ولا يجب الخروج إلا إلى مكة والمدينة وإيلياء(2)، وإن نذر الاعتكاف شهر بمسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يجزه اعتكافه في مسجد الفسطاط، وإن نذر اعتكافاً أو صلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فليأته [للحديث الذي جاء].(3)
511 - ولا يأتي المعتكف حاجة، ولا يخرج إليها، ولا يعين أحداً إلا أن يخرج إلى حاجة الإنسان، ولا يكون معتكفاً حتى يجتنب عيادة المريض والصلاة على الجنازة واتباعها وغير ذلك مما يجتنبه المعتكف، قال ابن نافع عن مالك: فإن شهد جنازة، أو عاد مريضاً، أو أحدث سفراً، صنع ذلك متعمداً، وجب عليه الابتداء، ولا ينفعه إن اشترط ذلك عند دخوله.
__________
(1) قال سيدي أحمد الدرديري (وأحبه عشرة أيام)، الشرح الصغير (1/255).
(2) إيلياء: اسم مدينة ببيت المقدس، حررها الله من العدوان، وهي لفظة عبرية، تعني: بيت الله، انظر: مراصد الاطلاع (1/138).
(3) رواه البخاري (1189)، ومسلم (1397) عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا).

512 - ولا باس أن يعتكف من لا تلزمه الجمع في أي مسجد شاء، فأما من تلزمه فلا يعتكف إلا في [المسجد] الجامع، ولا يبيت إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه في بعض رحابه.
513 - ولا يشتغل بشيء من التجارات ولا بأس أن يأمر من يكفيه أمر ضيعته وضيعة أهله ومصلحته وبيع ماله أمراً خفيفاً لا يشغله.
514 - مالك: ولم يبلغني أن أحداً من السلف اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن [بن الحارث بن هشام]، وليس بحرام، ولا أراهم تركوه إلا لشدته [عليهم] لأن ليله ونهاره سواء.
515 - وأكره أن يخرج لحاجة الإنسان في بيته للذريعة إلى النظر إلى أهله، والشغل بضيعته وليتخذ لذلك موضعاً يقرب منه في غير بيته، فأما الغريب فيخرج لذلك حيث تيسر عليه ولا يتباعد. ابن شهاب: ولا بأس أن يذهب المعتكف لحاجته تحت سقف بيته.
516 - ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان دخل معتكفه حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين فيصلي [فيه] المغرب ثم يقيم، فإذا كان يوم الفطر فلا يخرج إلى بيته يلبس ثيابه، ولكن يؤتى بها المسجد فيلبس، ثم يخرج منه يشهد العيد، ويرجع من المصلى إلى أهله، وإنما يرجع إلى أهله حين يمسي من آخر اعتكافه من اعتكف وسط الشهر.
517 - وجائز أن تأتيه زوجته في المسجد فتأكل معه وتحدثه وتصلح رأسه ما لم يلتذ بشيء منها في ليل أو نهار، وجائز أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر، قال ابن نافع: وإن كان حكماً فلا يحكم إلا فيما خف. قال ابن نافع عن مالك: وإن خرج لحاجة الإنسان فلقيه ولده فقبله، أو شرب ماء وهو قائم، فما أحب له ذلك، وأرجو أن يكون في سعة.

518 - [مالك]: ولا يأكل أو يشرب إلا في المسجد أو في رحابه، وأكره أن يخرج منه ويأكل بين يدي بابه، ولا يأكل أو يقيل فوق ظهر المسجد، [قال عنه ابن وهب]: وأكره أن يقيم الصلاة مع المؤذنين، لأنه يمشي وذلك عمل، [وقال عنه ابن نافع]: ولا يمشي إلى ناس في المسجد ليصلح بينهم، أو ليعقد نكاحاً لنفسه أو لغيره، وإن كان ذلك في مجلسه ولا بأس به إذا كان خفيفاً.(1)
* * *
ما جاء في ليلة القدر
519 - قال النبي عليه السلام: “التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة”.(2)
قال مالك: أرى - والله أعلم - أن التاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين.
قال ابن المسيب: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها.
* * *
“تم كتاب الاعتكاف بحمد الله وعونه
يتلوه كتاب الزكاة بحول الله وقوته”
* * *

(كتاب الزكاة(3) الأول)
520 - ولا زكاة في أقل من خمس أواق من الفضة(4)، وأوقية الفضة أربعون درهماً، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، وليس في أقل من عشرين ديناراً زكاة، وفي العشرين [ديناراً] نصف دينار(5)، وما زاد على ذلك، قل أو كثر، أخرج منه ربع عشره.
521 - ومن له مائة درهم وعشرة دنانير، أو مائة درهم وعشرة دراهم وتسعة دنانير فعليه الزكاة، ويخرج ربع [عشر] كل صنف منها، ومن له مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم فلا زكاة عليه. وصرف الزكاة عشرة دراهم بدينار.
__________
(1) انظر: الموطأ لمالك (ص208، 209).
(2) رواه مالك في موطأه (13)، (209)، والبخاري (2023).
(3) معناها في اللغة الزيادة من زكا يزكو زكاءً بالمد إذا زاد بذاته كالزكاة بصفاته كالإنسان وانظر: الذخيرة للقرافي (3/5)، والتفريع (1/274)، والمعيار (1/430)، والبيان والتحصيل (2/355).
(4) رواه مالك (1) في الزكاة، والبخاري (1477)، ومسلم (979).
(5) رواه أبو داود (1573)، وابن ماجة (1790).

522 - ويجمع بين الفضة والذهب في الزكاة كما يجمع زكاة الماشية، الضأن إلى المعز، والجواميس إلى البقر، والبخت إلى العراب وهي في البيع أصناف مختلفة.
ومن له تبر مكسور ودنانير ودراهم وزن جميع ذلك عشرون ديناراً زكاة، ويخرج ربع عشر كل صنف، وله أن يخرج في الزكاة عن الدنانير ورقاً بقيمتها، وقال في باب بعد هذا: ويخرج عن الورق ورقاً أو قيمة ذلك ذهباً.
523 - ومن تجر بعشرة دنانير وصارت عشرين زكاها لتمام حول الأصل. وحول ربح المال حول أصله، كان الأصل نصاباً أم لا، كولادة الماشية.
قال ابن القاسم: وإذا مضى لعشرة دنانير عنده حول وأنفق خمسة، ثم اشترى بالخمسة الأخرى سلعة فباعها بخمسة عشر فلا شيء عليه حتى يبيعها بعشرين، وإن كانت النفقة بعد الشراء وباع السلعة بعد ذلك بستة أو أقل أو أكثر بخمسة عشر زكى عن عشرين.
وقال المغيرة وغيره: عليه الزكاة، [أنفق] قبل الشراء أو بعده، وإن لم يتم حول العشرة حتى اشترى منها السلعة ثم باعها فلا يزكي حتى يبيع بعشرين، كانت النفقة قبل الشراء أو بعد.
524 - ومن باع عشرة دنانير بعد حولها بمائتي درهم زكاها حينئذ، ولم يؤخر كمن باع ثلاثين ضانية حلوباً بعد الحول قبل مجيء الساعي بأربعين من المعز، وهي من غير ذوات الدر أو باع عشرين جاموساً بثلاثين من البقر أو باع أربعة من البخت بخمس من الإبل العراب، فإن الساعي يأخذ منها الزكاة إذا قدم.
525 - وإذا تم حول عشرين ديناراً عنده فلم يزكها حتى ابتاع بها سلعة فباعها لتمام حول ثان بأربعين زكى العام الأول نصف دينار، وزكى تسعة وثلاثين [ديناراً]، ونصفاً لعامه هذا، إلا أن يكون عنده عرض يساوي نصف دينار، فيزكي عن عامه هذا أربعين. وإن باعها قبل تمام حول ثان بثلاثين، زكى نصف دينار عن السنة الأولى ثم استقبل بتسعة وعشرين ونصف حولاً من يوم حل حول العشرين.

526 - ومن اشترى بمال حل حوله ولم يزكه خادماً فمات، أو فرط فيه حتى ضاع فعليه الزكاة، وإن لم يفرط حتى ضاع كله أو بقي منه تسعة عشر ديناراً فلا زكاة عليه.
* * *
زكاة الحُلِيّ
527 - ولا زكاة فيما اتخذه النساء من الحلي ليكرينه أو ليلبسنه، ولا فيما اتخذه الرجل منه للباس أهله وخدمه، والأصل [له]، ولا فيما انكسر [منه] فحبسه لإصلاحه.(1)
528 - وما ورث الرجل من الحلي فحبسه ينوي به التجارة، أو لعله يحتاج إليه في المستقبل، ولم يحبسه للباس، فليزك وزنه كل عام، إن كان فيه ما يزكى، أو كان عنده من الذهب والورق ما تتم به الزكاة، وليس في حلية السيف والمصحف والخاتم زكاة.
529 - ومن اشترى حلياً للتجارة وفيه الذهب والفضة والياقوت والزبرجد واللؤلؤ فحال حوله وهو غير مدبر زكى وزن الذهب والورق، ولا يزك الحجارة حتى يبيع.
530 - وإن كان مدبراً زكى قيمة الحجارة في شهره الذي يقوّم فيه ويزكي وزن الذهب والفضة ولا يقوّمه.
531 - وروى ابن القاسم وعلي وابن نافع [أيضاً]: إذا اشترى رجل حلياً أو ورثه فحبسه للبيع كلما احتاج باع، أو لتجارة [زكاه].
وروى أشهب معهم فيمن اشترى حلياً للتجارة وهو مربوط بالحجارة ولا يستطيع نزعه، فلا زكاة عليه حتى يبيعه، وإن لم يكن مربوطاً فهو كالعين يزكيه كل عام.
وقال أشهب وابن نافع في روايتهما: إنه كالعرض يشتري للتجارة، فالمدبر يقوم جميعه، وغير المدبر لا يزكيه حتى يبيع فيزكي ثمنه لعام واحد.
وإن ابتاع مدبر آنية ذهب زكى وزنها لتمام الحول لا قيمتها وإن كثرت، فإن كان وزنها لا تجب فيه الزكاة وحال عليه عنده حول ولا مال له غيره، فلا زكاة عليه فيه إلا أن يبيعه بعد الحول بما يجب فيه الزكاة فيزكي الثمن مكانه.
__________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/474).

532 - وليس على عبد أو من فيه بقية رق زكاة في عين ولا حرث ولا ماشية ولا فيما يدير للتجارة، ولا في شيء من الأشياء، ولا على السيد [أن يزكي] عنه، ولا يزكي ما معه من مال حتى يحول عليه الحول [وهو] في يديه من يوم عتق، ولا زكاة على السيد فيما قبض منه إلا بعد حول من يوم قبضه.
533 - وتجب الزكاة على الصبيان واليتامى والمجانين في العين والحرث والماشية وفيما يديرون للتجارة.(1)
534 - ومن اشترى نوعاً من التجارة مثل الحنطة في وقتها ينتظر بها الأسواق وليس بمدبر فبارت عليه وأقامت أحوالاً فلا زكاة عليه فيها حتى يبيع فيزكي زكاة واحدة.
535 - علي عن مالك: وكذلك من له دين تجب فيه الزكاة فقبضه بعد سنين فليس عليه فيه إلا زكاة واحدة، ولو كانا يزكيان لأخرج عن العرض عرضاً، وعن الدين ديناً، لأن السنة أن تخرج صدقة كل مال منه، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: “الزكاة في العين والحرث والماشية”(2)، فليس في العرض شيء حتى يصير عيناً.
536 - ومن كانت عنده دابة للتجارة فاستهلكها رجل فأخذ منه بقيمتها سلعة، فغن [كان] نوى بها التجارة زكى ثمنها ساعة يبيعها إن كان مضى لأصل ثمن الدابة حول من يوم زكاه، وإن نوى بها القنية(3) فلا شيء عليه، وإن باعها، [حتى يحول الحول على ثمنه] من يوم باعها، وإن أخذ في قيمتها عيناً زكاه ساعة يقبضه إن كان حال على الأصل حول [وهو ثمن الدابة المستهلكة]، فإن لم يمض له حول ثم اشترى به سلعة ينوي بها التجارة فهي للتجارة، فإن نوى بها القنية فهي للقنية، ولا زكاة عليه في ثمنها إن باعها إلا بعد حول من يوم يقبضه.
__________
(1) أوجز المصنف إيجازاً بالغاً في كلامه على زكاة الصبيان والمجانين وانظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/379)، والموطأ (11، 13)، ومصنف عبد الرزاق (4/72).
(2) رواه مالك في الموطأ، (3 - الزكاة).
(3) أي الجمع.

537 - ومن باع سلعة عنده للتجارة بعد حول بمائة دينار فليزكها إذا قبضها مكانه، فإن أخذ بالمائة قبل قبضها ثوباً قيمته عشرة دنانير فلا شيء عليه في الثوب حتى يبيعه، فإن باعه بعشرة دنانير فلا شيء عليه إلا أن يكون له مال قد جرت فيه الزكاة إذا أضافه إلى العشرة كانت فيهما الزكاة، وإن باعه بعشرين أخرج نصف دينار.
538 - ومن اشترى عبداً للتجارة فكاتبه فاقتضى منه مالاً ثم عجز أو ارتجع من مفلس سلعته أو أخذ من غريمه عبداً في دينه أو ابتاع داراً للتجارة فاغتلها ثم باعها، فإن ذلك كله يرجع إلى أصلح للتجارة.
540 - ومن اكترى أرضاً واشترى طعاماً فزرعه فيها للتجارة، اخرج زكاته يوم حصاده، فإذا تم له عنده حول من يوم أدى زكاة حصاده قومه، إن كان مدبراً وله مال عين سواه، وإن لم يسكن مدبراً فلا تقويم عليه، فإذا باعه بعد حول زكى الثمن، وإن باعه قبل حول من يوم أدى زكاته تربص، فإذا تم له حول وهو في يديه وفيه ما تجب فيه الزكاة زكى، وإن اكنزاها وزرعها بطعامه أو كانت [الأرض] له فزرعها للتجارة زكى الزرع إذا حصده العشر أو نصفه، ولا زكاة عليه في ثمن الحب إذا باعه، إلا بعد حول من يوم يقبضه.
541 - ومن ابتاع عرضاً للتجارة ثم اقتناه سقطت عنه زكاة التجارة.
542 - والمدبر الذي لا يكاد يجتمع ماله كله عيناً كالحنّاط(1)، والبزاز(2)، والذي يجهز الأمتعة إلى البلدان فليجعل لنفسه من السنة شهراً يقوّم فيه عروضه التي للتجارة فيزكي ذلك مع ما معه من عين وماله ومن دين يرتجى قضاؤه، وكذلك إن تأخر بيع عروضه وقبض دينه عاماً آخر فليزكه أيضاً.
__________
(1) الحناط: بائع الحنطة، الوسيط (حنط 2/209).
(2) البزاز: بائع الثياب، الوسيط (بزز 1/56).

543 - ويقوّم [رقاب] النخل إذا ابتاعها للتجارة، ولا يقوم الثمرة لأن فيها زكاة الخرص ولأنها غلة كخراج الدار، وغلة العبد وصوف الغنم ولبنها وذلك كله فائدة وإن كان رقابها للتجارة، ولا يقوم مالاً يرتجيه من دينه [كان دينه عرضاً أو غيره، وإنما يقوم ما يرتجيه من ذلك].
544 - وإن كان غير مدبر فلا زكاة في عرض حتى يبيعه، ولا في دين حتى يقبضه.
وإن نض للمدبر(1) في السنة درهم واحد في وسطها أو في طرفيها قوم عروضه لتمامها وزكى، وإن لم ينض له شيء في سنته فلا تقويم عليه، ثم إن نض له شيء بعد ذلك، وإن قل، قوم وزكى، وكان من يومئذ حوله وألغى الوقت الأول.
* * *
في زكاة الدَّين
545 - ومن حال حول على مال عنده فلم يزكه حتى أقرضه ثم قبضه بعد سنين زكاه لعامين.
546 - ومن له على رجل دين من قرض أو بيع مضى له حول فاقتضى منه مالاً زكاة فيه في مرة أو مراراً، فلا يزكيه حتى يجتمع ما [تجب] فيه الزكاة فيزكيه يومئذ، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره أنفق الذي زكى أو أبقاه.
[وإن كانت عنده مائة دينار مضى لها حول فلم يفرط في زكاتها حتى ضاعت إلا تسعة عشر ديناراً، لم يكن عليه فيها زكاة]، وإن كان معه عشرون ديناراً لم يتم حولها فاقتضى من دينه أقل من عشرين، لم يزك شيئاً من المالين حتى يتم حول العشرين، فإذا حلّ زكاها وما كان اقتضى جميعاً، ولو لم يقبض من دينه شيئاً حتى زكى العشرين لتمام حولها ثم تلفت أو بقيت، زكى قليل ما يقتضي من دينه وكثيره، ولو تلفت العشرون قبل حولها لم يزك ما يقتضي من دينه حتى يتم عشرين ديناراً، لأن العشرين كانت [له] فائدة من غير الدين، وقد كان ملكه للدين قبل الفائدة.
__________
(1) نضّ الشيء: حصل وتيسر عليه، الوسيط (نضض 2/966).

547 - ومن أفاد مائة دينار فأقرض منها خمسين أو ابتاع بها سلعة فباعها بدين إلى أجل، فإن بقيت الخمسون الأخرى بيده حتى يتم حولها فزكاها ثم أنفقها أو أبقاها، فليزك قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره، ولو تلفت الخمسون قبل حولها أو أنفقها فلا يزك ما يقتضي من دينه حتى يتم ما اقتضى عشرين ديناراً، إلا أن يقتضي من دينه عشرة دنانير وعنده عشرة أخرى وقد مضى لها حول، فليزك جميع ذلك إلا أن يكون [قد زكى ما عنده فلا يزك غير العشرة التي اقتضاها]، وإذا لم يكن عنده مال غير العشرة التي اقتضاها فأنفقها ثم اقتضى عشرة أخرى بعدها زكى عن عشرين، لأنهما مال واحد تم له حول، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره ولو درهم واحد.
548 - ولو بقي معه من الخمسين ما لا تجب فيه الزكاة حتى تم حوله فأنفقه أو أبقاه فإنه إذا اقتضى تمام عشرين زكى عن عشرين ثم عن قليل ما يقتضي وكثيره، ولو أنفقه قبل الحول أو اقتضى من دينه شيئاً قبل حوله فأنفقه، لم يضف ما يقتضي بعد الحول إلى ذلك، ولا يزكي حتى يقبض عشرين مبتدأة.
549 - ومن له دين على ملئ يقدر على أخذه منه، أو على مفلس لا يقدر على أخذه منه، فأخذه بعد أعوام فإنما عليه زكاة عام واحد.
ومن تطوع بإخراج زكاة عن دينه قبل قبضه وعن عرض قبل بيعه وقد تم حولهما لم يجزه وليتطوع في غير هذا.
* * *
باب جامع في الفائدة والغلة والاقتضاء

550 - ومن أفاد خمسة دنانير ثم أفاد قبل تمام حولها بيوم من غير ربحها ما فيه الزكاة، أو ما يكون مع الأول فيه الزكاة، فحول المالين من يوم أفاد آخر الفائدتين، فإن كان الأول فيه الزكاة والثاني مما فيه الزكاة أم لا، فكل مال على حوله ما دام في جملتها ما تجب فيه الزكاة، فإن رجعا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعا بطل وقتاهما ورجعا كمال واحد لا زكاة فيه، ثم إن أفاد من غيرهما [ما يتم به معهما ما] فيه الزكاة استقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد المال الثالث، ولم تجر في بقية المال الأول أو الآخر أو فيهما فصار فيهما مع ما ربح فيهما أو في أحدهما قدر ما تجب فيه الزكاة إذا اجتمعا رجع كل مال على حوله.
وإذا أفاد خمسة دنانير ثم أفاد بعد ستة أشهر خمسة أخرى فتجر في الخمسة الأولى فصارت بربحها عشرين زكى كل فائدة لحولها، وإن تجر في الخمسة الثانية قبل تمام حولها فربح فيها خمسة عشر ديناراً فأكثر أضاف الخمسة الأولى إلى حول الثانية.
وإن أفاد عشرة دنانير فأقرضها ثم أفاد خمسين فحل حولها فزكاها ثم أتلفها ثم اقتضى العشرة أو ديناراً منها زكى ما اقتضى.
551 - وإذا زكى غير المدبر ماله فلينظر إلى ما كان له قبل أن يفيد هذا المال الذي زكاه من الديون التي على الناس، وما بيده مما لا تجب فيه الزكاة، فما كان بيده ناضاً زكاه مع هذا، وما كان من دين أخره فإذا قبضه أو درهماً منه زكاه.
ومن أفاد ما تجب فيه الزكاة ثم أفاد بعد ستة أشهر ما لا زكاة فيه فزكى الأول لحوله ثم أنفقه قبل حول الثاني، فإذا حلّ حول الثاني لم يزكه إلا أن يكون عنده مال أفاده معه أو قبله وبعد الأول وهو بيده لم يتلفه، وفي هذا الأوسط مع المال الثالث ما فيه الزكاة فليزكهما لحول أحدهما، وإن لم يكن في جملة ذلك ما فيه الزكاة لم تلزمه زكاة.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8