كتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
المؤلف : أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي

المجلد الأول
رسالة ابن أبي زيد

مقدمة مؤلف الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلممقدمة مؤلف الرسالة
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه:
الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته وصوره في الأرحام بحكمته وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما ونبه بآثار صنعته وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه فهدى من وفقه بفضله وأضل من خذله بعدله ويسر المؤمنين لليسرى وشرح صدورهم للذكرى فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين وبقلوبهم مخلصين وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين وتعلموا ما علمهم ووفقوا عند ما حد لهم واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهمأما بعد: أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها وشيء من الآداب منها وجل من أصول الفقه وفنونه على مذهب الإمام مالك ابن أنس رحمه الله تعالى وطريقته مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين لما رغبت فيه من تعليم ذلك للوالدان كما تعلمهم حروف القرآن ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركتهوتحمد لهم عاقبته فأجبتك إلى ذلك لما رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليهواعلم أن خير القلوب أوعاها للخير وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه وأولى ما عني به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها وتنبيههم على معالما لديانة وحدود الشريعة ليراضوا عليها وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم وتعمل به جوارحهم فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفي غضب الله وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر.

وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون إن شاء الله يحفظه ويشرفون بعلمه ويسعدون باعتقاده والعمل به وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع سنين ويضربوا عليها لعشر ويفرق بينهم في المضاجع فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم وسكنت إليه أنفسهم وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهموقد فرض الله سبحانه على القلب عملاً من الاعتقادات وعلى الجوارح الظاهرة عملاً من الطاعاتوسأفصل لك ما شرطت لك ذكره باباً ليقرب من فهم متعلميه إن شاء الله تعالى وإياه نستخير وبه تستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات
من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ولا شريك له ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء لا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في مائية ذاته: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبينعلى العرش استوى وعلى الملك احتوى وله الأسماء الحسنى والصفات العلى لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفدوالإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير يضل من يشاء فيخذله بعدله ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيدتعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد عنه غنى أو يكون خالق لشيء إلا هو رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم الباعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهمثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم فجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا
وأنزل عليه كتابه الحكيم وشرح به دينه القويم وهدى به الصراط المستقيم وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من يموت كما بدأهم يعودونوأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات وصفح لهم بالتوبة عن كبائر

السيئات وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا إلى مشيئته: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ومن عاقبه بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة: 7] ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمتهوأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيتهوأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة {وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر: 22] لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8] ويؤتون صحائفهم بأعمالهم فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يصلون سعيراوأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيها أعمالهموالإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه ويذاد عنه من بدل وغيروأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها فيكون فيها النقص وبها الزيادة ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعملولا قول وعمل إلا بنية ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنةوأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلةوأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدينوأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون. {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم وأن ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه
وأن خير القرون القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهد يون.

أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعينوأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهبوالطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم وترك المراء والجدال في الدين وترك كل ما أحدثه المحدثون وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليما كثيرا

باب ما يجب منه الوضوء والغسل
الوضوء يجب لما يخرج من أحد المخرجين من بول أو غائط أو ريح أو لما يخرج من الذكر من مذي مع غسل الذكر كله منهوهو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالإنعاظ عند الملاعبة أو التذكار وأما الودي فهو ماء أبيض خاثر يخرج بإثر البول يجب منه ما يجب من البولوأما المني فهو الماء الدافق الذي يخرج عند اللذة الكبرى بالجماع رائحته كرائحة الطلع وماء المرأة ماء رقيق أصفر يجب منه الطهر فيجب من هذا طهر جميع الجسد كما يجب من طهر الحيضةوأما دم الاستحاضة فيجب منه الوضوء ويستحب لها ولسلس البول أن يتوضأ لكل صلاةويجب الوضوء من زوال العقل بنوم مستثقل أو إغماء أو سكر أو تخبط جنونويجب الوضوء من الملامسة للذة والمباشرة بالجسد للذة والقبلة للذة ومن مس الذكرواختلف في مس المرأة فرجها في إيجاب الوضوء بذلكويجب الطهر مما ذكرنا من خروج الماء الدافق للذة في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة أو انقطاع دم الحيضة أو الاستحاضة أو النفاس أو بمغيب الحشفة في الفرج وإن لم ينزلومغيب الحشفة في الفرج يوجب الغسل ويوجب الحد ويوجب الصداق ويحصن الزوجين ويحل المطلقة ثلاثا للذي طلقها ويفسد الحج ويفسد الصوموإذا رأت المرأة القصة البيضاء تطهرت وكذلك إذا رأت الجفوف تطهرت مكانها رأته بعد يوم أو يومين أو ساعة ثم إن عاودها دم أو رأت صفرة أو كدرة تركت الصلاة ثم إذا انقطع عنها اغتسلت وصلتولكن ذلك كله كدم واحد في العدة والاستبراء حتى يبعد ما بين الدمين مثل ثمانية أيام أو عشرة فيكون حيضا مؤتنفاومن تمادى بها الدم بلغت خمسة عشر يوما ثم هي مستحاضة تتطهر وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها.

وإذا انقطع دم النفساء وإن كان قرب الولادة اغتسلت وصلت وإن تمادى بها الدم جلست ستين ليلة ثم اغتسلت وكانت مستحاضة تصلي وتصوم وتوطأ.

باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزىء من اللباس في الصلاة
باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزى ء من اللباس في الصلاةوالمصلي يناجي ربه فعليه أن يتأهب لذلك بالوضوء أو بالطهر إن وجب عليه الطهر ويكون ذلك بماء طاهر غير مشوب بنجاسة ولا بماء قد تغير لونه لشيء خالطه من شيء نجس أو طاهر إلا ما غيرت لونه الأرض التي هو بها من سبخة أو حمأة أو نحوهماوماء السماء وماء العيون وماء الآبار وماء البحر طيب طاهر مطهر للنجاساتوما غير لونه بشيء طاهر حل فيه فذلك الماء طاهر غير مطهر في وضوء أو طهر أو زوال نجاسة وما غيرته النجاسة فليس بطاهر ولا مطهر وقليل الماء ينجسه قليل النجاسة وإن لم تغيرهوقلة الماء مع إحكام الغسل سنة والسرف منه غلو وبدعة وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمد وهو وزن رطل وثلث وتطهر بصاع وهو أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلاموطهارة البقعة للصلاة واجبة وكذلك طهارة الثوب فقيل إن ذلك فيهما واجب وجوب الفرائض وقيل وجوب السنن المؤكدةوينهى عن الصلاة في معاطن الإبل ومحجة الطريق وظهر بيت الله الحرام والحمام حيث لا يوقن منه بطهارة والمزبلة والمجزرة ومقبرة المشركين وكنائسهموأقل ما يصلي فيه الرجل من اللباس ثوب ساتر من درع أو رداء والدرع القميص ويكره أن يصلي بثوب ليس على أكتافه منه شيء فإن فعل لم يعدوأقل ما يجزى ء المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها وخمار تتقنع به وتباشر بكفيها الأرض في السجود مثل الرجل.

باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار
وليس الاستنجاء مما يجب أن يوصل به الوضوء لا في سنن الوضوء ولا في فرائضه وهو من باب إيجاب زوال النجاسة به أو بالاستجمار لئلا يصلي بها في جسده ويجزى ء فعله بغير نية وكذلك غسل الثوب النجسوصفة الاستنجاء أن يبدأ بعد غسل يده فيغسل مخرج البول ثم يمسح ما في المخرج من الأذى بمدر أو غيره أو بيده ثم يحكها بالأرض ويغسلها ثم يستنجي بالماء ويواصل صبه ويسترخي قليلا ويجيد عرك ذلك بيده حتى يتنظف وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين ولا يستنجى من ريح ومن استجمر بثلاثة أحجار يخرج آخرهن نقيا أجزأه والماء أطهر وأطيب وأحب إلى العلماءومن لم يخرج منه بول ولا غائط وتوضأ لحدث أو نوم أو لغير ذلك مما يوجب الوضوء فلا بد من غسل يديه قبل دخولهما في الإناءومن سنة الوضوء غسل اليدين قبل دخولهما في الإناء والمضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الأذنين سنة وباقيه فريضةفمن قام إلى وضوء من نوم أو غيره فقد قال بعض العلماء يبدأ فيسمي الله ولم يره بعضهم من الأمر بالمعروف وكون الإناء على يمينه أمكن له في تناوله ويبدأ فيغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا فإن كان قد بال أو تغوط غسل ذلك منه ثم توضأ ثم يدخل يده في الإناء فيأخذ الماء فيمضمض فاه ثلاثا من غرفة واحدة إن شاء أو ثلاث غرفات وإن استاك بأصبعه فحسن ثم يستنشق بأنفه الماء ويستنثره ثلاثا يجعل يده على أنفه كامتخاطه ويجزئه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق وله جمع ذلك في غرفة واحدة والنهاية أحسن ثم يأخذ الماء إن شاء بيديه جميعا وإن شاء بيده اليمنى فيجعله في يديه جميعا ثم ينقله إلى وجهه فيفرغه عليه غاسلا له بيديه من أعلى جبهته وحده منابت شعر رأسه إلى طرف ذقنه ودور وجهه كله من حد عظمي لحييه إلى صدغيه ويمر يديه على ما غار من ظاهر أجفانه وأسارير جبهته وما تحت مارنه من ظاهر أنفه يغسل وجهه هكذا ثلاثا ينقل الماء إليه ويحرك لحيته في غسل وجهه بكفيه ليداخلها الماء لدفع الشعر لما يلاقيه من الماء وليس عليه تخليلها في الوضوء في قول مالك ويجري عليها يديه إلى آخرهاثم يغسل يده اليمنى ثلاثا أو اثنتين يفيض عليها الماء ويعركها بيده اليسرى ويخلل

أصابع يديه بعضها ببعض ثم يغسل اليسرى كذلك ويبلغ فيهما بالغسل إلى المرفقين يدخلهما في غسله وقد قيل إليهما حد الغسل فليس بواجب إدخالهما فيه وإدخالهما فيه أحوط لزوال تكلف التحديدثم يأخذ الماء بيده اليمنى فيفرغه على باطن يده اليسرى ثم يمسح بهما رأسه يبدأ من مقدمه من أول منابت شعر رأسه وقد قرن أطراف أصابع يديه بعضها ببعض على رأسه وجعل إبهاميه على صدغيه ثم يذهب بيديه ماسحا إلى طرف شعر رأسه مما يلي قفاه ثم يردهما إلى حيث بدأ ويأخذ بإبهاميه خلف أذنيه إلى صدغيه وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب رأسه والأول أحسن
ولو أدخل يديه في الإناء ثم رفعهما مبلولتين ومسح بهما رأسه أجزأهثم يفرغ الماء على سبابتيه وإبهاميه وإن شاء غمس ذلك في الماء ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهماوتمسح المرأة كما ذكرنا وتمسح على دلاليها ولا تمسح على الوقاية وتدخل يديها من تحت عقاص شعرها في رجوع يديها في المسحثم يغسل رجليه يصب الماء بيده اليمنى على رجله اليمنى ويعركها بيده اليسرى قليلا قليلا يوعبها بذلك ثلاثا وإن شاء خلل أصابعه في ذلك وإن ترك فلا حرج والتخليل أطيب للنفس ويعرك عقبيه وعرقوبيه وما لا يكاد يداخله الماء بسرعة من جساوة أو شقوق فليبالغ بالعرك مع صب الماء بيده فإنه جاء الأثر "ويل للأعقاب من النار" وعقب الشيء طرفه وآخره ثم يفعل باليسرى مثل ذلك وليس تحديد غسل أعضائه ثلاثا ثلاثا بأمر لا يجزى ء دونه ولكنه أكثر ما يفعل ومن كان يوعب بأقل من ذلك أجزأه إذا أحكم ذلك وليس كل الناس في إحكام ذلك سواء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"وقد استحب بعض العلماء أن يقول بإثر الوضوء اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرينويجب عليه أن يعمل عمل الوضوء احتسابا لله تعالى لما أمره به يرجو تقبله وثوابه وتطهيره من الذنوب به ويشعر نفسه أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه والوقوف بين يديه لأداء فرائضه والخضوع له بالركوع والسجود فيعمل على يقين بذلك وتحفظ فيه فإن تمام كل عمل بحسن النية فيه.

باب في الغسل
أما الطهر فهو من الجنابة ومن الحيضة والنفاسفإن اقتصر المتطهر على الغسل دون الوضوء أجزأه وأفضل له أن يتوضأ بعد أن يبدأ بغسل ما بفرجه أو جسده من الأذى ثم يتوضأ وضوء الصلاة فإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما إلى آخر غسله ثم يغمس يديه في الإناء ويرفعهما غير قابض بهما شيئا فيخلل بهما أصول شعر رأسه ثم يغرف بهما الماء على رأسه ثلاث غرفات غاسلا له بهن وتفعل ذلك المرأة وتضغث شعر رأسها وليس عليها حل عقاصها ثم يفيض الماء على شقه الأيمن ثم على شقه الأيسر ويتدلك بيديه بإثر صب الماء حتى يعم جسده وما شك أن يكون الماء أخذه من جسده عاوده بالماء ودلكه بيده حتى يوعب جميع جسده ويتابع عمق سرته وتحت حلقه ويخلل شعر لحيته وتحت جناحيه وبين أليتيه ورفغيه وتحت ركبتيه وأسافل رجليه ويخلل أصابع يديه ويغسل رجليه آخر ذلك يجمع ذلك فيهما لتمام غسله ولتمام وضوئه إن كان أخر غسلهماويحذر أن يمس ذكره في تدلكه بباطن كفه فإن فعل ذلك وقد أوعب طهره أعاد الوضوء وإن مسه في ابتداء غسله وبعد أن غسل مواضع الوضوء منه فليمر بعد ذلك بيديه على مواضع الوضوء بالماء على ما ينبغي من ذلك وينويه.

باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم
التيمم يجب لعدم الماء في السفر إذا يئس أن يجده في الوقت وقد يجب مع وجوده إذا لم يقدر على مسه في سفر أو حضر لمرض مانع أو مريض يقدر على مسه ولا يجد من يناوله إياه وكذلك مسافر يقرب منه الماء ويمنعه منه خوف لصوص أو سباع وإذا أيقن المسافر بوجود الماء في الوقت أخر إلى آخره وإن يئس منه تيمم في أوله وإن لم يكن عنده منه علم تيمم في وسطه وكذلك إن خاف أن لا يدرك الماء في الوقت ورجا أن يدركه فيه ومن تيمم من هؤلاء ثم أصاب الماء في الوقت بعد أن صلى فأما المريض الذي لم يجد من يناوله إياه فليعد وكذلك الخائف من سباع ونحوها وكذلك المسافر الذي يخاف أن لا يدرك الماء في الوقت ويرجو أن يدركه فيه ولا يعيد غير هؤلاءولا يصلي صلاتين بتيمم واحد من هؤلاء إلا مريض لا يقدر على مس الماء لضرر بجسمه مقيم وقد قيل يتيمم لكل صلاة وقد روي عن مالك فيمن ذكر صلوات أن يصليها بتيمم واحدوالتيمم بالصعيد الطاهر وهو ما ظهر على وجه الأرض منها من تراب أو رمل أو حجارة أو سبخةيضرب بيديه الأرض فإن تعلق بهما شيء نفضهما نفضا خفيفا ثم يمسح بهما وجهه كله مسحا ثم يضرب بيديه الأرض فيمسح يمناه بيسراه يجعل أصابع يده اليسرى على أطراف أصابع يده اليمنى ثم يمر أصابعه على ظاهر يده وذراعه وقد حنى عليه أصابعه حتى يبلغ المرفقين ثم يجعل كفه على باطن ذراعه من طي مرفقه قابضا عليه حتى يبلغ الكوع من يده اليمنى ثم يجري باطن بهمه على ظاهر بهم يده اليمنى ثم يمسح اليسرى باليمنى هكذا فإذا بلغ الكوع مسح كفه اليمنى بكفه اليسرى إلى آخر أطرافه ولو مسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى كيف شاء وتيسر عليه وأوعب المسح لأجزأهوإذا لم يجد الجنب أو الحائض الماء للطهر تيمما وصليا فإذا وجدا الماء تطهرا ولم يعيدا ما صلياولا يطأ الرجل امرأته التي انقطع عنها دم حيض أو نفاس بالتطهر بالتيمم حتى يجد من الماء ما تتطهر به المرأة ثم ما يتطهران به جميعا وفي باب جامع الصلاة شيء من مسائل التيمم.

باب في المسح على الخفين
وله أن يمسح على الخفين في الحضر والسفر ما لم ينزعهما وذلك إذا أدخل فيهما رجليه بعد أن غسلهما في وضوء تحل به الصلاة فهذا الذي إذا أحدث وتوضأ مسح عليهما وإلا فلاوصفة المسح أن يجعل يده اليمنى من فوق الخف من طرف الأصابع ويده اليسرى من تحت ذلك ثم يذهب بيده إلى حد الكعبين وكذلك يفعل باليسرى ويجعل يده اليسرى من فوقها واليمنى من أسفلها ولا يمسح على طين في أسفل خفه أو روث دابة حتى يزيله بمسح أو غسلوقيل يبدأ في مسح أسفله من الكعبين إلى أطراف الأصابع لئلا يصل إلى عقب خفه شيء من رطوبة ما مسح من خفيه من القشب وإن كان في أسفله طين فلا يمسح عليه حتى يزيله.

باب في أوقات الصلاة وأسمائها
أما صلاة الصبح فهي الصلاة الوسطى عند أهل المدينة وهي صلاة الفجر فأول وقتها انصداع الفجر المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة حتى يرتفع فيعم الأفق وآخر الوقت الإسفار البين الذي إذا سلم منها بدا حاجب الشمس وما بين هذين وقت واسع وأفضل ذلك أولهووقت الظهر إذا زالت الشمس عن كبد السماء وأخذ الظل في الزيادة ويستحب أن تؤخر في الصيف إلى أن يزيد ظل كل شيء ربعه بعد الظل الذي زالت عليه الشمس وقيل إنما يستحب ذلك في المساجد ليدرك الناس الصلاة وأما الرجل في خاصة نفسه فأول الوقت أفضل له وقيل أما في شدة الحر فالأفضل له أن يبرد بها وإن كان وحده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم" وآخر الوقت أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل نصف النهاروأول وقت العصر آخر وقت الظهر وآخره أن يصير ظل كل شيء مثليه بعد ظل نصف النهار وقيل إذا استقبلت الشمس بوجهك وأنت قائم غير منكس رأسك ولا مطأطئ له فإن نظرت إلى الشمس ببصرك فقد دخل الوقت وإن لم ترها ببصرك فلم يدخل الوقت وإن نزلت عن بصرك فقد تمكن دخول الوقت والذي وصف مالك رحمه الله أن الوقت فيها ما لم تصفر الشمسووقت المغرب وهي صلاة الشاهد يعني الحاضر يعني أن المسافر لا يقصرها ويصليها كصلاة الحاضر فوقتها غروب الشمس فإذا توارت بالحجاب وجبت الصلاة لا تؤخر وليس لها إلا وقت واحد لا تؤخر عنهووقت صلاة العتمة وهي صلاة العشاء وهذا الاسم أولى بها غيبوبة الشفق والشفق الحمرة الباقية في المغرب من بقايا شعاع الشمس فإذا لم يبق في المغرب صفرة ولا حمرة فقد وجب الوقت ولا ينظر إلى البياض في المغرب فذلك لها وقت إلى ثلث الليل ممن يريد تأخيرها لشغل أو عذر والمبادرة بها أولى ولا بأس أن يؤخرها أهل المساجد قليلا لاجتماع الناس ويكره النوم قبلها والحديث لغير شغل بعدها.

باب في الأذان والإقامة
والأذان واجب في المساجد والجماعات الراتبة فأما الرجل في خاصة نفسه فإن أذن فحسن ولا بد له من الإقامة وأما المرأة فإن أقامت فحسن وإلا فلا حرجولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح فلا بأس أن يؤذن لها في السدس الأخير من الليلوالأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم ترجع بأرفع من صوتك أول مرة فتكرر التشهد فتقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاحفإن كنت في نداء الصبح زدت ههنا الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم لا تقل ذلك في غير نداء الصبح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله مرة واحدةوالإقامة وتر: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.

باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن
الإحرام في الصلاة أن تقول الله أكبر لا يجزى ء غير هذه الكلمة وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك ثم تقرأ فإن كنت في الصبح قرأت جهرا بأم القرآن لا تستفتح بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أم القرآن ولا في السورة التي بعدها فإذا قلت {وَلا الضَّالِّينَ} فقل آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام وتخفيها ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه ويقولها فيما أسر فيه وفي قوله إياها في الجهر اختلافثم تقرأ سورة من طوال المفصل وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس وتجهر بقراءتهافإذا تمت السورة كبرت في انحطاطك للركوع فتمكن يديك من ركبتيك وتسوي ظهرك مستويا ولا ترفع رأسك ولا تطأطئه وتجافي بضبعيك عن جنبيك وتعتقد الخضوع بذلك بركوعك وسجودك ولا تدعو في ركوعك وقل إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في اللبثثم ترفع رأسك وأنت قائل سمع الله لمن حمده ثم تقول اللهم ربنا ولك الحمد إن كنت وحدك ولا يقولها الإمام ولا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ويقول اللهم ربنا ولك الحمدوتستوي قائما مطمئنا مترسلا ثم تهوي ساجدا لا تجلس ثم تسجد وتكبر في انحطاطك للسجود فتمكن جبهتك وأنفك من الأرض وتباشر بكفيك الأرض باسطا يديك مستويتين إلى القبلة تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك وكل ذلك واسع غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض ولا تضم عضديك إلى جنبيك ولكن تجنح بهما تجنيحا وسطا وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إبهاميهما إلى الأرض وتقول إن شئت في سجودك سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي أو غير ذلك إن شئت وتدعو في السجود إن شئت وليس لطول ذلك وقت وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكناثم ترفع رأسك بالتكبير فتجلس فتثني رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين وتنصب اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وترفع يديك عن الأرض على ركبتيك ثم تسجد الثانية كما فعلت أولا ثم تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس ولكن كما ذكرت لك وتكبر في حال قيامك.

ثم تقرأ كما قرأت في الأولى أو دون ذلك وتفعل مثل ذلك سواء غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قنت قبل الركوع بعد تمام القراءة والقنوت اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحقثم تفعل في السجود والجلوس كما تقدم من الوصف فإذا جلست بعد السجدتين نصبت رجلك اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وثنيت اليسرى وأفضيت بأليتك إلى الأرض ولا تقعد على رجلك اليسرى وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسعثم تتشهد والتشهد التحيات ل الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة ا لله وبركاته السلام علينا وعلى عباد ا لله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فإن سلمت بعد هذا أجزأك ومما تزيده إن شئت وأشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم صل على ملائكتك والمقربين وعلى أنبيائك والمرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب النار وسوء المصير
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثم تقول السلام عليكم تسليمة واحدة عن يمينك تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فيسلم واحدة يتيامن بها قليلا ويرد أخرى على الإمام قبالته يشير بها إليه ويرد على من كان سلم عليه على يساره فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئا ويجعل يديه في تشهده على فخذيه ويقبض أصابع يده اليمنى ويبسط السبابة يشير بها وقد نصب حرفها إلى وجهه واختلف في تحريكها فقيل

يعتقد بالإشارة بها أن الله إله واحد ويتأول من يحركها أنها مقمعة للشيطان وأحسب تأويل ذلك أن يذكر بذلك من أمر الصلاة ما يمنعه إن شاء الله عن السهو فيها والشغل عنها ويبسط يده اليسرى على فخذه الأيسر ولا يحركها ولا يشير بها ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويكبر الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها وليس بواجبويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد الفجر يقرأ في كل ركعة بأم القرآن يسرهاوالقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون ذلك قليلا ولا يجهر فيها بشيء من القراءة ويقرأ في الأولى والثانية في كل ركعة بأم القرآن وسورة سرا وفي الأخيرتين بأم القرآن وحدها سراويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يقوم فلا يكبر حتى يستوي قائما
هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضا فإذا استوى قائما كبر ويفعل في بقية الصلاة من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ما تقدم ذكره في الصبحويتنفل بعدها ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعات يسلم من كل ركعتين ويستحب له مثل ذلك قبل صلاة العصرويفعل في العصر كما وصفنا في الظهر سواء إلا أنه يقرأ في الركعتين الأوليين مع أم القرآن بالقصار من السور مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهماوأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين منها ويقرأ في كل ركعة منهما بأم القرآن وسورة من السور القصار وفي الثالثة بأم القرآن فقط ويتشهد ويسلمويستحب أن يتنفل بعدها بركعتين وما زاد فهو خير وإن تنفل بست ركعات فحسن والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه وأما غير ذلك من شأنها فكما تقدم ذكره في غيرها وأما العشاء الأخيرة وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى فيجهر في الأوليين بأم القرآن وسورة في كل ركعة وقراءتها أطول قليلا من قراءة العصر وفي الأخيرتين بأم القرآن في كل ركعة سرا ثم يفعل في سائرها كما تقدم من الوصف ويكره النوم قبلها والحديث بعدها

لغير ضرورةوالقراءة التي يسر بها في الصلاة كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن وأما الجهر فأن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده والمرأة دون الرجل في الجهر وهي في هيأة الصلاة مثله غير أنها تنضم ولا تفرج فخذيها ولا عضديها وتكون منضمة منزوية في جلوسها وسجودها وأمرها كلهثم يصلي الشفع والوتر جهرا وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار وإن جهر في النهار في تنفله فذلك واسع وأقل الشفع ركعتان ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون ويتشهد ويسلم ثم يصلي الوتر ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين وإن زاد من الأشفاع جعل آخر ذلك الوتر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل اثنتي عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدةوأفضل الليل آخره في القيام فمن أخر تنفله ووتره إلى آخره فذلك أفضل إلا من الغالب عليه أن لا ينتبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل ثم إن شاء إذا استيقظ في آخره تنفل ما شاء منها مثنى مثنى ولا يعيد الوتر ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار ثم يوتر ويصلي الصبح ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن صلى الصبحومن دخل المسجد على وضوء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين إن كان وقت يجوز فيه الركوع ومن دخل المسجد ولم يركع الفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه فقيل يركع وقيل لا يركعولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر إلى طلوع الشمس.

باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم
ويؤم الناس أفضلهم وأفقههم ولا تؤم المرأة في فريضة ولا نافلة لا رجالا ولا نساءويقرأ مع الإمام فيما يسر فيه ولا يقرأ معه فيما يجهر فيه ومن أدرك ركعة فأكثر فقد أدرك الجماعة فليقض بعد سلام الإمام ما فاته على نحو ما فعل الإمام في القراءة وأما في القيام والجلوس ففعله كفعل الباني المصلي وحده ومن صلى وحده فله أن يعيد في الجماعة للفضل في ذلك إلا المغرب وحدها ومن أدرك ركعة فأكثر من صلاة الجماعة فلا يعيدها في جماعة ومن لم يدرك إلا التشهد أو السجود فله أن يعيد في جماعةوالرجل الواحد مع الإمام يقوم عن يمينه ويقوم الرجلان فأكثر خلفه فإن كانت امرأة معهما قامت خلفهما وإن كان معهما رجل صلى عن يمين الإمام والمرأة خلفهما ومن صلى بزوجته قامت خلفه والصبي إن صلى مع رجل واحد خلف الإمام قاما خلفه إن كان الصبي يعقل لا يذهب ويدع من يقف معهوالإمام الراتب إن صلى وحده قام مقام الجماعة ويكره في كل مسجد له إمام راتب أن تجمع فيه الصلاة مرتينومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحدا وإذا سها الإمام وسجد لسهوه فليتبعه من لم يسه معه ممن خلفه ولا يرفع أحد رأسه قبل الإمام ولا يفعل إلا بعد فعله ويفتتح بعده ويقوم من اثنتين بعد قيامه ويسلم بعد سلامه وما سوى ذلك فواسع أن يفعله معه وبعده أحسن وكل سهو سهاه المأموم فالإمام يحمله عنه إلا ركعة أو سجدة أو تكبيرة الإحرام أو السلام أو اعتقاد نية الفريضة وإذا سلم الإمام فلا يثبت بعد سلامه ولينصرف إلا أن يكون في محله فذلك واسع.

باب جامع في الصلاة
وأقل ما يجزى ء المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها وهو القميص والخمار الحصيف ويجزى ء الرجل في الصلاة ثوب واحد ولا يغطي أنفه أو وجهه في الصلاة أو يضم ثيابه أو يكفت شعره وكل سهو في الصلاة بزيادة فليسجد له سجدتين بعد السلام يتشهد لهما ويسلم منهما وكل سهو بنقص فليسجد له قبل السلام إذا تم تشهده ثم يتشهد ويسلم وقيل لا يعيد التشهد ومن نقص وزاد سجد قبل السلام ومن نسي أن يسجد بعد السلام فليسجد متى ما ذكره وإن طال ذلك وإن كان قبل السلام سجد إن كان قريبا وإن بعد ابتدأ صلاته إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة مع أم القرآن أو تكبيرتين أو التشهدين وشبه ذلك فلا شيء عليهولا يجزى ء سجود السهو لنقص ركعة ولا سجدة ولا لترك القراءة في الصلاة كلها أو في ركعتين منها وكذلك في ترك القراءة في ركعة من الصبح واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها فقيل يجزى ء فيه سجود السهو قبل السلام وقيل يلغيها ويأتي بركعة وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة ويعيد الصلاة احتياطا وهذا أحسن ذلك إن شاء الله تعالىومن سها عن تكبيرة أو عن سمع الله لمن حمده مرة أو القنوت فلا سجود عليه ومن انصرف من الصلاة ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها فليرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر تكبيرة يحرم بها ثم يصلي ما بقي عليه وإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته وكذلك من نسي السلامومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين وصلى ما شك فيه وأتى برابعة وسجد بعد سلامهومن تكلم ساهيا سجد بعد السلام ومن لم يدر أسلم أم لم يسلم سلم ولا سجود عليه ومن استنكحه الشك في السهو فليله عنه ولا إصلاح عليه ولكن عليه أن يسجد بعد السلام وهو الذي يكثر ذلك منه يشك كثيرا أن يكون سها زاد أو نقص ولا يوقن فليسجد بعد السلام فقط وإذا أيقن بالسهو سجد بعد إصلاح صلاته فإن كثر ذلك منه فهو يعتريه كثيرا أصلح صلاته ولم يسجد لسهوه ومن قام من اثنتين رجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه فإذا فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام وومن ذكر صلاة صلاها متى ما ذكرها على نحو ما

فاتته ثم أعاد ما كان في وقته مما صلى بعدها ومن عليه صلوات كثيرة صلاها في كل وقت من ليل أو نهار وعند طلوع الشمس وعند غروبها وكيفما تيسر له وإن كانت يسيرة أقل من صلاة يوم وليلة بدأ بهن وإن فات وقت ما هو في وقته وإن كثرت بدأ بما يخاف فوات وقتهومن ذكر صلاة في صلاة فسدت هذه عليه ومن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء وإن كان مع إمام تمادى وأعاد ولا شيء عليه في التبسم والنفخ في الصلاة كالكلام والعامد لذلك مفسد لصلاتهومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت وكذلك من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس وكذلك من توضأ بماء نجس مختلف في نجاسته وأما من توضأ بماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه أعاد صلاته أبدا ووضوءهورخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر وكذلك في طين وظلمة يؤذن للمغرب أول الوقت خارج المسجد ثم يؤخر قليلا في قول مالك ثم يقيم في داخل المسجد ويصليها ثم يؤذن للعشاء في داخل المسجد ويقيم ثم يصليها ثم ينصرفون وعليهم إسفار قبل مغيب الشفقوالجمع بعرفة بين الظهر والعصر عند الزوال سنة واجبة بأذان وإقامة لكل صلاة وكذلك في جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة إذا وصل إليهاوإذا جد السير بالمسافر فله أن يجمع بين الصلاتين في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وكذلك المغرب والعشاء وإذا ارتحل في أول وقت الصلاة الأولى جمع حينئذ وللمريض أن يجمع إذا خاف أن يغلب على عقله عند الزوال وعند الغروب وإن كان الجمع أرفق به لبطن ونحوه جمع وسط وقت الظهر وعند غيبوبة الشفق والمغمى عليه لا يقضي ما خرج وقته في إغمائه ويقضي ما أفاق في وقته مما يدرك منه ركعة فأكثر من الصلوات وكذلك الحائض تطهر فإذا بقي من النهار بعد طهرها بغير توان خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن كان الباقي من الليل أربع ركعات صلت المغرب والعشاء وإن كان من النهار أو من الليل أقل من ذلك صلت الصلاة الأخيرة وإن حاضت لهذا التقدير لم تقض ما حاضت في وقته وإن حاضت لأربع ركعات من النهار فأقل إلى ركعة أو لثلاث ركعات من الليل إلى ركعة قضت الصلاة الأولى فقط واختلف في حيضها لأربع ركعات من الليل فقيل مثل ذلك وقيل إنها حاضت في وقتهما فلا تقضيهماومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء.

ومن ذكر من وضوئه شيئا مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب أعاد ذلك وما يليه وإن تطاول ذلك أعاده فقط وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال ذلك وإن كان قد صلى في جميع ذلك أعاد صلاته أبدا ووضوءهوإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده وإن تطاول فعل ذلك لما يستقبل ولم يعد ما صلى قبل أن يفعل ذلكومن صلى على موضع طاهر من حصير وبموضع آخر منه نجاسة فلا شيء عليه والمريض إذا كان على فراش نجس فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليهوصلاة المريض إن لم يقدر على القيام صلى جالسا إن قدر على التربع وإلا فبقدر طاقته وإن لم يقدر على السجود فليومى ء بالركوع والسجود ويكون سجوده أخفض من ركوعه وإن لم يقدر صلى على جنبه الأيمن إيماء وإن لم يقدر إلا على ظهره فعل ذلك ولا يؤخر الصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق. وإن لم يقدر على مس الماء لضرر به أو لأنه لا يجد من يناوله إياه تيمم فإن لم يجد من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا أو عليه طين فإن كان عليه جص أو جير فلا يتيمم بهوالمسافر يأخذه الوقت في طين خضخاض لا يجد أين يصلي فلينزل عن دابته ويصلي فيه قائما يومى ء بالسجود أخفض من الركوع فإن لم يقدر أن ينزل فيه صلى على دابته إلى القبلةوللمسافر أن يتنفل على دابته في سفره حيثما توجهت به إن كان سفرا تقصر فيه الصلاة وليوتر على دابته إن شاء ولا يصلي الفريضة وإن كان مريضا إلا بالأرض إلا أن يكون إن نزل صلى جالسا إيماء لمرضه فليصل على الدابة بعد أن توقف له ويستقبل بها القبلةومن رعف مع الإمام خرج فغسل الدم ثم بنى ما لم يتكلم أو يمش على نجاسة ولا يبني على ركعة لم تتم بسجدتيها وليلغها ولا ينصرف لدم خفيف وليفتله بأصابعه إلا أن يسيل أو يقطر ولا يبني في قيء ولا حدث ومن رعف بعد سلام الإمام سلم وانصرف وإن رعف قبل سلامه انصرف وغسل الدم ثم رجع فجلس وسلم وللراعف أن يبني في منزله إذا يئس أن يدرك بقية صلاة الإمام إلا في الجمع فلا يبني إلا في الجامعويغسل قليل الدم من الثوب ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره وقليل كل نجاسة غيره

وكثيرها سواء ودم البراغيث ليس عليه غسله إلا أن يتفاحش.

باب في سجود القرآن
وسجود القرآن إحدى عشرة سجدة وهي العزائم ليس في المفصل منها شيء في المص عند قوله: {وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف 206] وهو آخرها فمن كان في صلاة فإذا سجدها قام وقرأ من الأنفال أو من غيرها ما تيسر عليه ثم ركع وسجد وفي الرعد عند قوله: {وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد 15] وفي النحل: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 5] وفي بني إسرائيل: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء: 109] وفي مريم: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم: 58] وفي الحج أولها: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وفي الفرقان: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [الفرقان: 60] وفي الهدهد: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] وفي الم تنزيل: {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وفي ص: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] وقيل عند قوله: {لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] وفي حم تنزيل: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]ولا يسجد السجدة في التلاوة إلا على وضوء ويكبر لها ولا يسلم منها وفي التكبير في الرفع منها سعة وإن كبر فهو أحب إلينا ويسجدها من قرأها في الفريضة والنافلة ويسجدها من قرأها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس.

باب في صلاة السفر
ومن سافر مسافة أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا فعليه أن يقصر الصلاة فيصليها ركعتين إلا المغرب فلا يقصرها ولا يقصر حتى يجاوز بيوت المصر وتصير خلفه ليس بين يديه ولا بحذائه منها شيء ثم لا يتم حتى يرجع إليها أو يقاربها بأقل من الميلوإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم الصلاة حتى يظعن من مكانه ذلك ومن خرج ولم يصل الظهر والعصر وقد بقي من النهار قدر ثلاث ركعات صلاهما سفريتين فإن بقي قدر ما يصلي فيه ركعتين أو ركعة صلى الظهر حضرية والعصر سفرية ولو دخل لخمس ركعات ناسيا لهما صلاهما حضريتين فإن كان بقدر أربع ركعات فأقل إلى ركعة صلى الظهر سفرية والعصر حضرية وإن قدم في ليل وقد بقي للفجر ركعة فأكثر ولم يكن صلى المغرب والعشاء صلى المغرب ثلاثا والعشاء حضرية ولو خرج وقد بقي من الليل ركعة فأكثر صلى المغرب ثم صلى العشاء سفرية.

باب في صلاة الجمعة
والسعي إلى الجمعة فريضة وذلك عند جلوس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنون في الأذان والسنة المتقدمة أن يصعدوا حينئذ على المنار فيؤذنون ويحرم حينئذ البيع وكل ما يشغل عن السعي إليها وهذا الأذان الثاني أحدثه بنو أميةوالجمعة تجب بالمصر والجماعة والخطبة فيها واجبة قبل الصلاة ويتوكأ الإمام على قوس أو عصا ويجلس في أولها وفي وسطها وتقام الصلاة عند فراغها ويصلي الإمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ في الأولى بالجمعة ونحوها وفي الثانية: بـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] ونحوهاويجب السعي إليها على من في المصر ومن على ثلاثة أميال منه فأقل ولا تجب على مسافر ولا على أهل منى ولا على عبد ولا امرأة ولا صبي وإن حضرها عبد أو امرأة فليصلها وتكون النساء خلف صفوف الرجال ولا تخرج إليها الشابة وينصت للإمام في خطبته ويستقبله الناسوالغسل لها واجب والتهجير حسن وليس ذلك في أول النهار وليتطيب لها ويلبس أحسن ثيابه وأحب إلينا أن ينصرف بعد فراغها ولا يتنفل في المسجد وليتنفل إن شاء قبلها ولا يفعل ذلك الإمام وليرق المنبر كما يدخل.

باب في صلاة الخوف
وصلاة الخوف في السفر إذا خافوا العدو أن يتقدم الإمام بطائفة ويدع طائفة مواجهة العدو فيصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يثبت قائما ويصلون لأنفسهم ركعة ثم يسلمون فيقفون مكان أصحابهم ثم يأتي أصحابهم فيحرمون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يتشهد ويسلم ثم يقضون الركعة التي فاتتهم وينصرفون هكذا يفعل في صلاة الفرائض كلها إلا المغرب فإنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعةوإن صلى بهم في الحضر لشدة خوف صلى في الظهر والعصر والعشاء بكل طائفة ركعتين ولكل صلاة أذان وإقامة وإذا اشتد الخوف عن ذلك صلوا وحدانا بقدر طاقتهم مشاة أو ركبانا ماشين أو ساعين مستقبلي القبلة وغير مستقبليها.

باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى
وصلاة العيدين سنة واجبة يخرج لها الإمام والناس ضحوة بقدر ما إذا وصل حانت الصلاة وليس فيها أذان ولا إقامة فيصلي بهم ركعتين يقرأ فيهما جهرا بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما ويكبر في الأولى سبعا قبل القراءة يعد فيها تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات لا يعد فيها تكبيرة القيام وفي كل ركعة سجدتان ثم يتشهد ويسلم ثم يرقى المنبر ويخطب ويجلس في أول خطبته ووسطها ثم ينصرف ويستحب أن يرجع من طريق غير الطريق التي أتى منها والناس كذلكوإن كان في الأضحى خرج بأضحيته إلى المصلى فذبحها أو نحرها ليعلم ذلك الناس فيذبحون بعدهوليذكر الله في خروجه من بيته في الفطر والأضحى جهرا حتى يأتي المصلى الإمام والناس كذلك فإذا دخل الإمام للصلاة قطعوا ذلك ويكبرون بتكبير الإمام في خطبته وينصتون له فيما سوى ذلكفإن كانت أيام النحر فليكبر الناس دبر الصلوات من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع منه وهو آخر أيام منى يكبر إذا صلى الصبح ثم يقطع والتكبير دبر الصلوات الله أكبر الله أكبر الله أكبر وإن جمع مع التكبير تهليلا وتحميدا فحسن يقول إن شاء ذلك الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وقد روي عن مالك هذا والأول والكل واسع والأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة والأيام المعدودات أيام منى وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحروالغسل للعيدين حسن وليس بلازم ويستحب فيهما الطيب والحسن من الثياب.

باب في صلاة الخسوف
وصلاة الخسوف سنة واجبة إذا خسفت الشمس خرج الإمام إلى المسجد فافتتح الصلاة بالناس بغير أذان ولا إقامة ثم قرأ قراءة طويلة سرا بنحو سورة البقرة ثم يركع ركوعا طويلا نحو ذلك ثم يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ثم يقرأ دون قراءته الأولى ثم يركع نحو قراءته الثانية ثم يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ثم يسجد سجدتين تامتين ثم يقوم فيقرأ دون قراءته التي تلي ذلك ثم يركع نحو قراءته ثم يرفع كما ذكرنا ثم يقرأ دون قراءته هذه ثم يركع نحو ذلك ثم يرفع رأسه كما ذكرنا ثم يسجد كما ذكرنا ثم يتشهد ويسلمولمن شاء أن يصلي في بيته مثل ذلك أن يفعلوليس في صلاة خسوف القمر جماعة وليصل الناس عند ذلك أفذاذا والقراءة فيها جهرا كسائر ركوع النوافل وليس في إثر صلاة خسوف الشمس خطبة مرتبة ولا بأس أن يعظ الناس ويذكرهم.

باب في صلاة الاستسقاء
وصلاة الاستسقاء سنة تقام يخرج لها الإمام كما يخرج للعيدين ضحوة فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] وفي كل ركعة سجدتان وركعة واحدة ويتشهد ويسلم ثم يستقبل الناس بوجهه فيجلس جلسة فإذا اطمأن الناس قام متوكئا على قوس أو عصا فخطب ثم جلس ثم قام فخطب فإذا فرغ استقبل القبلة فحول رداءه يجعل ما على منكبه الأيمن على الأيسر وما على الأيسر على الأيمن ولا يقلب ذلك وليفعل الناس مثله وهو قائم وهم قعود ثم يدعو كذلك ثم ينصرف وينصرفون ولا يكبر فيها ولا في الخسوف غير تكبيرة الإحرام والخفض والرفع ولا أذان فيها ولا إقامة.

باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه.
ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر وإغماضه إذا قضى ويلقن لا إله إلا الله عند الموت وإن قدر على أن يكون طاهرا وما عليه طاهر فهو أحسن ويستحب أن لا يقربه حائض ولا جنب وأرخص بعض العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس ولم يكن ذلك عند مالك أمرا معمولا به ولا بأس بالبكاء بالدموع حينئذ وحسن التعزي والتصبر أجمل لمن استطاع وينهى عن الصراخ والنياحةوليس في غسل الميت حد ولكن ينقى ويغسل وترا بماء وسدر ويجعل في الأخيرة كافور وتستر عورته ولا تقلم أظفاره ولا يحلق شعره ويعصر بطنه عصرا رفيقا وإن وضى ء وضوء الصلاة فحسن وليس بواجب ويقلب لجنبه في الغسل أحسن وإن أجلس فذلك واسعولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة والمرأة تموت في السفر لا نساء معها ولا محرم من الرجال فلييمم رجل وجهها وكفيها ولو كان الميت رجلا يمم النساء وجهه ويديه إلى المرفقين إن لم يكن معهن رجل يغسله ولا امرأة من محارمه فإن كانت امرأة من محارمه غسلته وسترت عورته وإن كان مع الميتة ذو محرم غسلها من فوق ثوب يستر جميع جسدهاويستحب أن يكفن الميت في وتر ثلاثة أثواب أو خمسة أو سبعة وما جعل له من وزرة وقميص وعمامة فذلك محسوب في عدد الأثواب الوتر وقد كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية أدرج فيها إدراجا صلى الله عليه وسلمولا بأس أن يقمص الميت ويعمم وينبغي أن يحنط ويجعل الحنوط بين أكفانه وفي جسده ومواضع السجود منهولا يغسل الشهيد في المعترك ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه ويصلى على قاتل نفسه ويصلى على من قتله الإمام في حد أو قود ولا يصلي عليه الإمامولا يتبع الميت بمجمر والمشي أمام الجنازة أفضل ويجعل الميت في قبره على شقه الأيمن وينصب عليه اللبن ويقول حينئذ اللهم إن صاحبنا قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره وافتقر إلى ما عندك اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

ويكره البناء على القبور وتجصيصهاولا يغسل المسلم أباه الكافر ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع فليوارهواللحد أحب إلى أهل العلم من الشق وهو أن يحفر للميت تحت الجرف في حائط قبلة القبر وذلك إذا كانت تربة صلبة لا تتهيل ولا تتقطع وكذلك فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم.

باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت
والتكبير على الجنازة أربع تكبيرات يرفع يديه في أولاهن وإن رفع في كل تكبيرة فلا بأس وإن شاء دعا بعد الأربع ثم يسلم وإن شاء سلم بعد الرابعة مكانه ويقف الإمام في الرجل عند وسطه وفي المرأة عند منكبيها والسلام من الصلاة على الجنائز تسليمة واحدة خفية للإمام والمأموموفي الصلاة على الميت قيراط من الأجر وقيراط في حضور دفنه وذلك في التمثيل مثل جبل أحد ثواباويقال في الدعاء على الميت غير شيء محدود وذلك كله واسع ومن مستحسن ما قيل في ذلك أن يكبر ثم يقول الحمد لله الذي أمات وأحيا والحمد لله الذي يحيي الموتى له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والسناء وهو على كل شيء قدير اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت
أمته وأنت تحييه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئناك شفعاء له فشفعنا فيه اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة اللهم قه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم إنه قد نزل بك وأنت خير منزول به فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعدهتقول هذا بإثر كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة اللهم اغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبنا ومثوانا ولوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام وأسعدنا بلقائك وطيبنا للموت وطيبه لنا واجعل فيه راحتنا ومسرتنا ثم تسلموإن كانت امرأة قلت اللهم إنها أمتك ثم تتمادى بذكرها على التأنيث غير أنك لا تقول وأبدلها زوجا خيرا من زوجها لأنها قد تكون زوجا في الجنة لزوجها في الدنيا ونساء الجنة

مقصورات على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا والرجل قد يكون له زوجات كثيرة في الجنة ولا يكون للمرأة أزواجولا بأس أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة ويلي الإمام الرجال إن كان فيهم نساء وإن كانوا رجالا جعل أفضلهم مما يلي الإمام وجعل من دونه النساء والصبيان من وراء ذلك إلى القبلة ولا بأس أن يجعلوا صفا واحدا ويقرب إلى الإمام أفضلهموأما دفن الجماعة في قبر واحد فيجعل أفضلهم مما يلي القبلةومن دفن ولم يصل عليه وووري فإنه يصلى على قبره ولا يصلى على من قد صلي عليه ويصلى على أكثر الجسد واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل.

باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله
تثني على الله تبارك وتعالى وتصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم تقول اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه اللهم فاجعله لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وأجرا وثقل به موازينهم وأعظم به أجورهم ولا تحرمنا وإياهم أجره ولا تفتنا وإياهم بعده اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وعافه من فتنة القبر ومن عذاب جهنمتقول ذلك في كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ولمن سبقنا بالإيمان اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ثم تسلمولا يصلى على من لم يستهل صارخا ولا يرث ولا يورث ويكره أن يدفن السقط في الدورولا بأس أن يغسل النساء الصبي الصغير ابن ست سنين أو سبع ولا يغسل الرجال الصبية واختلف فيها إن كانت لم تبلغ أن تشتهى والأول أحب إلينا.

باب في الصيام
وصوم شهر رمضان فريضة يصام لرؤية الهلال ويفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما فإن غم الهلال فيعد ثلاثين يوما من غرة الشهر الذي قبله ثم يصام وكذلك في الفطرويبيت الصيام في أوله وليس عليه البيات في بقيته ويتم الصيام إلى الليل ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور وإن شك في الفجر فلا يأكل ولا يصام يوم الشك ليحتاط به من رمضان ومن صامه كذلك لم يجزه وإن وافقه من رمضان ولمن شاء صومه تطوعا أن يفعلومن أصبح فلم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان لم يجزه وليمسك عن الأكل في بقيته ويقضيهوإذا قدم المسافر مفطرا أو طهرت الحائض نهارا فلهما الأكل في بقية يومهماومن أفطر في تطوعه عامدا أو سافر فيه فأفطر لسفره فعليه القضاء وإن أفطر ساهيا فلا قضاء عليه بخلاف الفريضةولا بأس بالسواك للصائم في جميع نهاره ولا تكره له الحجامة إلا خيفة التغرير ومن ذرعه القيء في رمضان فلا قضاء عليه وإن استقاء فقاء فعليه القضاءوإذا خافت الحامل على ما في بطنها أفطرت ولم تطعم وقد قيل تطعم وللمرضع إن خافت على ولدها ولم تجد من تستأجر له أو لم يقبل غيرها أن تفطر وتطعمويستحب للشيخ الكبير إذا أفطر أن يطعم والإطعام في هذا كله مد عن كل يوم يقضيهوكذلك يطعم من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر ولا صيام على الصبيان حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية وبالبلوغ لزمتهم أعمال الأبدان فريضة قال الله سبحانه: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59]ومن أصبح جنبا ولم يتطهر أو امرأة حائض طهرت قبل الفجر فلم يغتسلا إلا بعد الفجر أجزأهما صوم ذلك اليوم ولا يجوزصيام يوم الفطر ولا يوم النحر ولا يصوم اليو[مين اللذين بعد يوم النحر إلا المتمتع الذي لا يجد هديا واليوم الرابع لا يصومه متطوع ويصومه من نذره أو من كان في صيام متتابع قبل ذلك.

ومن أفطر في نهار رمضان ناسيا فعليه القضاء فقط وكذلك من أفطر فيه لضرورة من مرضومن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر وإن لم تنله ضرورة وعليه القضاء والصوم أحب إليناومن سافر أقل من أربعة برد فظن أن الفطر مباح له فأفطر فلا كفارة عليه وعليه القضاء وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع مع القضاء والكفارة في ذلك إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فذلك أحب إلينا وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعينوليس على من أفطر في قضاء رمضان متعمدا كفارة ومن أغمي عليه ليلا فأفاق بعد طلوع الفجر فعليه قضاء الصوم ولا يقضي من الصلوات إلا ما أفاق في وقتهوينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ويعظم من شهر رمضان ما عظم الله سبحانه ولا يقرب الصائم النساء بوطء ولا مباشرة ولا قبلة للذة في نهار رمضان ولا يحرم ذلك عليه في ليلهولا بأس أن يصبح جنبا من الوطء ومن التذ في نهار رمضان بمباشرة أو قبلة فأمذى لذلك فعليه القضاء وإن تعمد ذلك حتى أمنى فعليه الكفارةومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وإن قمت فيه بما تيسر فذلك مرجو فضله وتكفير الذنوب به والقيام فيه في مساجد الجماعات بإمام ومن شاء قام في بيته وهو أحسن لمن قويت نيته وحده وكان السلف الصالح يقومون فيه في المساجد بعشرين ركعة ثم يوترون بثلاث ويفصلون بين الشفع والوتر بسلام ثم صلوا بعد ذلك ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر وكل ذلك واسع ويسلم من كل ركعتينقالت عائشة رضي الله عنه ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على اثنتي عشرة ركعة بعدها الوتر.

باب في الاعتكاف
والاعتكاف من نوافل الخير والعكوف الملازمة ولا اعتكاف إلا بصيام ولا يكون إلا متتابعا ولا يكون إلا في المساجد كما قال الله سبحانه: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]فإن كان بلد فيه الجمعة فلا يكون إلا في الجامع إلا أن ينذر أياما لا تأخذه فيها الجمعة وأقل ما هو أحب إلينا من الاعتكاف عشرة أيام ومن نذر اعتكاف يوم فأكثر لزمه وإن نذر ليلة لزمه يوم وليلةومن أفطر فيه متعمدا فليبتدى ء اعتكافه وكذلك من جامع فيه ليلا أو نهارا ناسيا أو متعمدا وإن مرض خرج إلى بيته فإذا صح بنى على ما تقدم وكذلك إن حاضت المعتكفة وحرمة الاعتكاف عليهما في المرض وعلى الحائض في الحيض فإذا طهرت الحائض أو أفاق المريض في ليل أو نهار رجعا ساعتئذ إلى المسجدولا يخرج المعتكف من معتكفه إلا لحاجة الإنسان وليدخل معتكفه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يبتدى ء فيها اعتكافه ولا يعود مريضا ولا يصلي على جنازة ولا يخرج لتجارةولا شرط في الاعتكاف ولا بأس أن يكون إمام المسجدوله أن يتزوج أو يعقد نكاح غيرهومن اعتكف أول الشهر أو وسطه خرج من اعتكافه بعد غروب الشمس من آخره وإن اعتكف بما يتصل فيه اعتكافه بيوم الفطر فليبت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى.

باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين
وزكاة العين والحرث والماشية فريضة فأما زكاة الحرث فيوم حصاده والعين والماشية ففي كل حول مرة ولا زكاة من الحب والتمر في أقل من خمسة أوسق وذلك ستة أقفزة وربع قفيز والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلام ويجمع القمح والشعير والسلت في الزكاة فإذا اجتمع من جميعها خمسة أوسق فليزك ذلك وكذلك تجمع أصناف القطنية وكذلك تجمع أصناف التمر وكذلك أصناف الزبيب والأرز والدخن والذرة كل واحد منها صنف لا يضم إلى الآخر في الزكاة وإذا كان في الحائط أصناف من التمر أدى الزكاة عن الجميع من وسطهويزكى الزيتون إذا بلغ حبه خمسة أوسق أخرج من زيته ويخرج من الجلجلان وحب الفجل من زيته فإن باع ذلك أجزأه أن يخرج من ثمنه إن شاء اللهولا زكاة في الفواكه والخضر ولا زكاة من الذهب في أقل من عشرين دينارا فإذا بلغت عشرين دينارا ففيها نصف دينار ربع العشر فما زاد فبحساب ذلك وإن قلولا زكاة من الفضة في أقل من مائتي درهم وذلك خمس أواق والأوقية أربعون درهما من وزن سبعة أعني أن السبعة دنانير وزنها عشرة دراهم فإذا بلغت هذه الدراهم مائتي درهم ففيها ربع عشرها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلكويجمع الذهب والفضة في الزكاة فمن كان له مائة درهم وعشرة دنانير فليخرج من كل مال ربع عشرهولا زكاة في العروض حتى تكون للتجارة فإذا بعتها بعد حول فأكثر من يوم أخذت ثمنها أو زكيته ففي ثمنها الزكاة لحول واحد أقامت قبل البيع حولا أو أكثر إلا أن تكون مديرا لا يستقر بيدك عين ولا عرض فإنك تقوم عروضك كل عام وتزكي ذلك مع ما بيدك من العينوحول ربح المال حول أصله وكذلك حول نسل الأنعام حول الأمهاتومن له مال تجب فيه الزكاة وعليه دين مثله أو ينقصه عن مقدار مال الزكاة فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده مما لا يزكى من عروض مقتناة أو رقيق أو حيوان مقتناة أو عقار أو ريع ما فيه وفاء لدينه فليزك ما بيده من المال فإن لم تف عروضه بدينه حسب بقية دينه فيما بيده فإن بقي بعد ذلك ما فيه الزكاة زكاه ولا يسقط الدين زكاة حب ولا تمر ولا ماشية.

ولا زكاة عليه في دين حتى يقبضه وإن أقام أعواما فإنما يزكيه لعام واحد بعد قبضه وكذلك العرض حتى يبيعه وإن كان الدين أو العرض من ميراث فليستقبل حولا بما يقبض منهوعلى الأصاغر الزكاة في أموالهم في العين والحرث والماشية وزكاة الفطرولا زكاة على عبد ولا على من فيه بقية رق في ذلك كله فإذا أعتق فليأتنف حولا من يومئذ بما يملك من ماله ولا زكاة على أحد في عبده وخادمه وفرسه وداره ولا ما يتخذ للقنية من الرباع والعروض ولا فيما يتخذ للباس من الحليومن ورث عرضا أو وهب له أو رفع من أرضه زرعا فزكاه فلا زكاة عليه في شيء من ذلك حتى يباع ويستقبل به حولا من يوم يقبض ثمنهوفيما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة الزكاة إذا بلغ وزن عشرين دينارا أو خمس أواق فضة ففي ذلك ربع العشر يوم خروجه وكذلك فيما يخرج بعد ذلك متصلا به وإن قل فإن انقطع نيله بيده وابتدأ غيره لم يخرج شيئا حتى يبلغ ما فيه الزكاةوتؤخذ الجزية من رجال أهل الذمة الأحرار البالغين ولا تؤخذ من نسائهم وصبيانهم وعبيدهم وتؤخذ من المجوس ومن نصارى العرب والجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعون درهما ويخفف عن الفقير ويؤخذ ممن تجر منهم من أفق إلى أفق عشر ثمن ما يبيعونه وإن اختلفوا في السنة مراراوإن حملوا الطعام خاصة إلى مكة والمدينة خاصة أخذ منهم نصف العشر من ثمنهويؤخذ من تجار الحربيين العشر إلا أن ينزلوا على أكثر من ذلكوفي الركاز وهو دفن الجاهلية الخمس على من أصابه.

باب في زكاة الماشية
وزكاة الإبل والبقر والغنم فريضة ولا زكاة من الإبل في أقل من خمس ذود وهي خمس من الإبل ففيها شاة جذعة أو ثنية من جل غنم أهل ذلك البلد من ضأن أو معز إلى تسع ثم في العشر شاتان إلى أربعة عشر ثم في خمسة عشر ثلاث شياه إلى تسعة عشر فإذا كانت عشرين فأربع شياه إلى أربع وعشرين ثم في خمس وعشرين بنت مخاض وهي بنت سنتين فإن لم تكن فيها فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين ثم في ست وثلاثين بنت لبون وهي بنت ثلاث سنين إلى خمس وأربعين ثم في ست وأربعين حقة وهي التي يصلح على ظهرها الحمل ويطرقها الفحل وهي بنت أربع سنين إلى ستين ثم في إحدى وستين جذعة وهي بنت خمس سنين إلى خمس وسبعين ثم في ست وسبعين بنتا لبون إلى تسعين ثم في إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة فما زاد على ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبونولا زكاة من البقر في أقل من ثلاثين فإذا بلغتها ففيها تبيع عجل جذع قد أوفى سنتين ثم كذلك حتى تبلغ أربعين فيكون فيها مسنة ولا تؤخذ إلا أنثى وهي بنت أربع سنين وهي ثنية فما زاد ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيعولا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغتها ففيها شاة جذعة أو ثنية إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان إلى مائتي شاة فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فما زاد ففي كل مائة شاةولا زكاة في الأوقاص وهي ما بين الفريضتين من كل الأنعام ويجمع الضأن والمعز في الزكاة والجواميس والبقر والبخت والعراب وكل خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية ولا زكاة على من لم تبلغ حصته عدد الزكاةولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة وذلك إذا قرب الحول فإذا كان ينقص أداؤهما بافتراقهما أو باجتماعهما أخذا بما كانا عليه قبل ذلكولا تؤخذ في الصدقة السخلة وتعد على رب الغنم ولا تؤخذ العجاجيل في البقر ولا الفصلان في الإبل وتعد عليهم ولا يؤخذ تيس ولا هرمة ولا الماخض ولا فحل الغنم ولا شاة العلف ولا التي تربي ولدها ولا خيار أموال الناس ولا يؤخذ في ذلك عرض ولا ثمن فإن أجبره المصدق على أخذ الثمن في الأنعام وغيرها أجزأه إن شاء اللهولا يسقط الدين زكاة حب ولا تمر ولا ماشية.

باب في زكاة الفطر
وزكاة الفطر سنة واجبة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل كبير أو صغير ذكر أو أنثى حر أو عبد من المسلمين صاعا عن كل نفس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وتؤدى من جل عيش أهل ذلك البلد من بر أو شعير أو سلت أو تمر أو أقط أو زبيب أو دخن أو ذرة أو أرز وقيل إن كان العلس قوت قوم أخرجت منه وهو حب صغير يقرب من خلقة البرويخرج عن العبد سيده والصغير لا مال له يخرج عنه والده ويخرج الرجل زكاة الفطر عن كل مسلم تلزمه نفقته وعن مكاتبه وإن كان لا ينفق عليه لأنه عبد له بعدويستحب إخراجها إذا طلع الفجر من يوم الفطر ويستحب الفطر فيه قبل الغدو إلى المصلى وليس ذلك في الأضحى ويستحب في العيدين أن يمضي من طريق ويرجع من أخرى.

باب في الحج والعمرة
وحج بيت الله الحرام الذي ببكة فريضة على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا من المسلمين الأحرار البالغين مرة في عمره والسبيل الطريق السابلة والزاد المبلغ إلى مكة والقوة على الوصول إلى مكة إما راكبا أو راجلا مع صحة البدنوإنما يؤمر أن يحرم من الميقات وميقات أهل الشأم ومصر والمغرب الجحفة فإن مروا بالمدينة فالأفضل لهم أن يحرموا من ميقات أهلها من ذي الحليفة وميقات أهل رسالة القيرواني ج1/ص73
العراق ذات عرق وأهل اليمن يلملم وأهل نجد من قرن ومن مر من هولاء بالمدينة فواجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة إذ لا يتعداه إلى ميقات لهويحرم الحاج أو المعتمر بإثر صلاة فريضة أو نافلة يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وينوي ما أراد من حج أو عمرةويؤمر أن يغتسل عند الإحرام قبل أن يحرم ويتجرد من مخيط الثياب ويستحب له أن يغتسل لدخول مكة ولا يزال يلبي دبر الصلوات وعند كل شرف وعند ملاقاة الرفاق وليس عليه كثرة الإلحاح بذلكفإذا دخل مكة أمسك عن التلبية حتى يطوف ويسعى ثم يعاودها حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاهاويستحب أن يدخل مكة من كداء الثنية التي بأعلى مكة وإذا خرج خرج من كدى وإن لم يفعل في الوجهين فلا حرجقال فإذا دخل مكة فليدخل المسجد الحرام ومستحسن أن يدخل من باب بني شيبة فيستلم الحجر الأسود بفيه إن قدر وإلا وضع يده عليه ثم وضعها على فيه من غير تقبيل ثم يطوف والبيت على يساره سبعة أطواف ثلاثة خببا ثم أربعة مشيا ويستلم كلما مر به كما ذكرنا ويكبر ولا يستلم الركن اليماني بفيه ولكن بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل فإذا تم طوافه ركع عند المقام ركعتين ثم استلم الحجر إن قدر ثم يخرج إلى الصفا فيقف عليه للدعاء ثم يسعى إلى المروة ويخب في بطن المسيل فإذا أتى المروة وقف عليها للدعاء ثم يسعى إلى الصفا يفعل ذلك سبع مرات فيقف بذلك أربع وقفات على الصفا وأربعا على المروة.

ثم يخرج يوم التروية إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم يمضي إلى عرفات ولا يدع التلبية في هذا كله حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها وليتطهر قبل رواحه فيجمع بين الظهر والعصر مع الإمام ثم يروح معه إلى موقف عرفة فيقف معه إلى غروب الشمس ثم يدفع بدفعه إلى المزدلفة فيصلي معه بالمزدلفة المغرب والعشاء والصبح ثم يقف معه بالمشعر الحرام يومئذ بها ثم يدفع بقرب طلوع الشمس إلى منى ويحرك دابته ببطن محسر فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات مثل حصى الخذف ويكبر مع كل حصاةثم ينحر إن كان معه هدي ثم يحلق ثم يأتي البيت فيفيض ويطوف سبعا ويركع ثم يقيم بمنى ثلاثة أيام فإذا زالت الشمس من كل يوم منها رمى الجمرة التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يرمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بإثر الرمي في الجمرة الأولى والثانية ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف فإذا رمى في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف إلى مكة وقد تم حجه وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف فإذا خرج من مكة طاف للوداع وركع وانصرفوالعمرة يفعل فيها كما ذكرنا أولا إلى تمام السعي بين الصفا والمروة ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته والحلاق أفضل في الحج والعمرة والتقصير يجزئ وليقصر من جميع شعره وسنة المرأة التقصيرولا بأس أن يقتل المحرم الفأرة والحية والعقرب وشبهها والكلب العقور وما يعدو من الذئاب والسباع ونحوها ويقتل من الطير ما يتقى أذاه من الغربان والأحدية فقطويجتنب في حجه وعمرته النساء والطيب ومخيط الثياب والصيد وقتل الدواب وإلقاء التفث ولا يغطي رأسه في الإحرام ولا يحلقه إلا من ضرورة ثم يفتدي بصيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو ينسك بشاة يذبحها حيث شاء من البلادوتلبس المرأة الخفين والثياب في إحرامها وتجتنب ما سوى ذلك مما يجتنبه الرجل وإحرام المرأة في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهه ورأسه ولا يلبس الرجل الخفين في الإحرام إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين.

والإفراد بالحج أفضل عندنا من التمتع ومن القران فمن قرن أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدي يذبحه أو ينحره بمنى إن أوقفه بعرفة وإن لم يوقفه بعرفة فلينحر بمكة بالمروة بعد أن يدخل به من الحل فإن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة فإن فاته ذلك صام أيام منى وسبعة إذا رجعوصفة التمتع أن يحرم بعمرة ثم يحل منها في أشهر الحج ثم يحج من عامه قبل الرجوع إلى أفقه أو إلى مثل أفقه في البعد ولهذا أن يحرم من مكة إن كان بها ولا يحرم منها من أراد أن يعتمر حتى يخرج إلى الحلوصفة القران أن يحرم بحجة وعمرة معا ويبدأ بالعمرة في نيته وإذا أردف الحج على العمرة قبل أن يطوف ويركع فهو قارنوليس على أهل مكة هدي في تمتع ولا قرانومن حل من عمرته قبل أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتعومن أصاب صيدا فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من فقهاء المسلمين ومحله منى إن وقف به بعرفة وإلا فمكة ويدخل به من الحل وله أن يختار ذلك أو كفارة طعام مساكين أن ينظر إلى قيمة الصيد طعاما فيتصدق به أو عدل ذلك صياما أن يصوم عن كل مد يوما ولكسر المد يوما كاملاوالعمرة سنة مؤكدة مرة في العمرويستحب لمن انصرف من مكة من حج أو عمرة أن يقول آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.

باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة
والأضحية سنة واجبة على من استطاعها وأقل ما يجزى ء فيها من الأسنان الجذع من الضأن وهو ابن سنة وقيل ابن ثمانية أشهر وقيل ابن عشرة أشهر والثني من المعز وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية ولا يجزى ء في الضحايا من المعز والبقر والإبل إلا الثني والثني من البقر ما دخل في السنة الرابعة والثني من الإبل ابن ست سنين وفحول الضأن في الضحايا أفضل من خصيانها وخصيانها أفضل من إناثها وإناثها أفضل من ذكور المعز ومن إناثها وفحول المعز أفضل من إناثها وإناث المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحاياوأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ولا يجوز في شيء من ذلك عوراء ولا مريضة ولا العرجاء البين ضلعها ولا العجفاء التي لا شحم فيها ويتقى فيها العيب كله ولا المشقوقة الأذن إلا أن يكون يسيرا وكذلك القطع ومكسورة القرن إن كان يدمي فلا يجوز وإن لم يدم فذلك جائزوليل الرجل ذبح أضحيته بيده بعد ذبح الإمام أو نحره يوم النحر ضحوة ومن ذبح قبل أن يذبح الإمام أو ينحر أعاد أضحيته ومن لا إمام لهم فليتحروا صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه ومن ضحى بليل أو أهدى لم يجزهوأيام النحر ثلاثة يذبح فيها أو ينحر إلى غروب الشمس من آخرها وأفضل أيام النحر أولها ومن فاته الذبح في اليوم الأول إلى الزوال فقد قال بعض أهل العلم يستحب له أن يصبر إلى ضحى اليوم الثانيولا يباع شيء من الأضحية جلد ولا غيرهوتوجه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة وليقل الذابح بسم الله والله أكبر وإن زاد في الأضحية ربنا تقبل منا فلا بأس بذلك ومن نسي التسمية في ذبح أضحية أو غيرها فإنها تؤكل وإن تعمد ترك التسمية لم تؤكل وكذلك عند إرسال الجوارح على الصيدولا يباع من الأضحية والعقيقة والنسك لحم ولا جلد ولا ودك ولا عصب ولا غير ذلك ويأكل الرجل من أضحيته ويتصدق منها أفضل له وليس بواجب عليهولا يأكل من فدية الأذى وجزاء الصيد ونذر المساكين وما عطب من هدي التطوع قبل محله ويأكل مما سوى ذلك إن شاءوالذكاة قطع الحلقوم والأوداج ولا يجزى ء أقل من ذلك وإن رفع يده بعد قطع بعض

ذلك ثم أعاد يده فأجهز فلا توءكل وإن تمادى حتى قطع الرأس أساء ولتؤكل ومن ذبح من القفا لم تؤكلوالبقر تذبح فإن نحرت أكلت والإبل تنحر فإن ذبحت لم تؤكل وقد اختلف في أكلها والغنم تذبح فإن نحرت لم تؤكل وقد اختلف أيضا في ذلك وذكاة ما في البطن ذكاة أمه إذا تم خلقه ونبت شعرهوالمنخنقة بحبل ونحوه والموقوذة بعصا وشبهها والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إن بلغ ذلك منها في هذه الوجوه مبلغا لا تعيش معه لم تؤكل بذكاةولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ ولا يصلى عليه ولا يباع ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في حال الحياة وأحب إلينا أن يغسل ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيل وقد اختلف في ذلكوما ماتت فيه فأرة من سمن أو زيت أو عسل ذائب طرح ولم يؤكل ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه في غير المساجد وليتحفظ منه وإن كان جامدا طرحت وما حولها وأكل ما بقي قال سحنون إلا أن يطول مقامها فيه فإنه يطرح كلهولا بأس بطعام أهل الكتاب وذبائحهم وكره أكل شحوم اليهود منهم من غير تحريم ولا يؤكل ما ذكاه المجوسي وما كان مما ليس فيه ذكاة من طعامهم فليس بحراموالصيد للهو مكروه والصيد لغير اللهو مباح وكل ما قتله كلبك المعلم أو بازك المعلم فجائز أكله إذا أرسلته عليه وكذلك ما أنفذت الجوارح مقاتله قبل قدرتك على ذكاته وما أدركته قبل إنفاذها لمقاتله لم يؤكل إلا بذكاة وكل ما صدته بسهمك أو رمحك فكله فإن أدركت ذكاته فذكه وإن فات بنفسه فكله إذا قتله سهمك ما لم يبت عنك وقيل إنما ذلك فيما بات عنك مما قتلته الجوارح وأما السهم يوجد في مقاتله فلا بأس بأكلهولا تؤكل الإنسية بما يؤكل به الصيدوالعقيقة سنة مستحبة ويعق عن المولود يوم سابعه بشاة مثل ما ذكرنا من سن الأضحية وصفتها ولا يحسب في السبعة الأيام اليوم الذي ولد فيه وتذبح ضحوة ولا يمس الصبي بشيء من دمها ويؤكل منها ويتصدق وتكسر عظامها وإن حلق شعر رأس المولود وتصدق بوزنه من ذهب أو فضة فذلك مستحب حسن وإن خلق رأسه بخلوق بدلا من الدم الذي كانت تفعله

الجاهلية فلا بأس بذلكوالختان سنة في الذكور واجبة والخفاض في النساء مكرمة.

باب في الجهاد
والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض وأحب إلينا أن لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلى دين الله إلا أن يعاجلونا فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية وإلا قوتلوا وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا حيث تنالهم أحكامنا فأما إن بعدوا منا فلا تقبل منهم الجزية إلا أن يرتحلوا إلى بلادنا وإلا قوتلواوالفرار من العدو من الكبائر إذا كانوا مثلي عدد المسلمين فأقل فإن كانوا أكثر من ذلك فلا بأس بذلكويقاتل العدو مع كل بر وفاجر من الولاةولا بأس بقتل من أسر من الأعلاج ولا يقتل أحد بعد أمان ولا يخفر لهم بعهدولا يقتل النساء والصبيان ويجتنب قتل الرهبان والأحبار إلا أن يقاتلوا وكذلك المرأة تقتل إذا قاتلت ويجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم وكذلك المرأة والصبي إذا عقل الأمان وقيل إن أجاز ذلك الإمام جاز
وما غنم المسلمون بإيجاف فليأخذ الإمام خمسه ويقسم الأربعة الأخماس بين أهل الجيش وقسم ذلك ببلد الحرب أولىوإنما يخمس ويقسم ما أوجف عليه بالخيل والركاب وما غنم بقتال ولا بأس أن يؤكل من الغنيمة قبل أن يقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك وإنما يسهم لمن حضر القتال أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم ويسهم للمريض وللفرس الرهيص ويسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه ولا يسهم لعبد ولا لامرأة ولا لصبي إلا أن يطيق الصبي الذي لم يحتمل القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له ولا يسهم للأجير إلا أن يقاتلومن أسلم من العدو على شيء في يده من أموال المسلمين فهو له حلال ومن اشترى شيئا منها من مال العدو لم يأخذه ربه إلا بالثمن وما وقع في المقاسم منها فربه أحق به بالثمن وما لم يقع في المقاسم فربه أحق به بلا ثمنولا نفل إلا من الخمس على الاجتهاد من الإمام ولا يكون ذلك قبل القسم والسلب من النفلوالرباط فيه فضل كبير وذلك بقدر كثرة خوف أهل ذلك الثغر وكثرة تحررهم من

عدوهم ولا يغزى بغير إذن الأبوين إلا أن يفجأ العدو مدينة قوم ويغيرون عليهم ففرض عليهم دفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا.

باب في الأيمان والنذور
ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ويؤدب من حلف بطلاق أو عتاق ويلزمه ولا ثنيا ولا كفارة إلا في اليمين بالله عز وجل أو بشيء من أسمائه وصفاته ومن استثنى فلا كفارة عليه إذا قصد الاستثناء وقال إن شاء الله ووصلها بيمينه قبل أن يصمت وإلا لم ينفعه ذلكوالأيمان بالله أربعة فيمينان تكفران وهو أن يحلف بالله إن فعلت أو يحلف ليفعلن ويمينان لا تكفرانإحداهما لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء يظنه كذلك في يقينه ثم يتبين له خلافه فلا كفارة عليه ولا إثم والأخرى الحالف متعمدا للكذب أو شاكا فهو آثم ولا تكفر ذلك الكفارة وليتب من ذلك إلى الله سبحانه وتعالىوالكفارة إطعام عشرة مساكين من المسلمين الأحرار مدا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وأحب إلينا أن لو زاد على المد مثل ثلث مد أو نصف مد وذلك بقدر ما يكون من وسط عيشهم في غلاء أو رخص ومن أخرج مدا على كل حال أجزأهوإن كساهم كساهم للرجل قميص وللمرأة قميص وخمار أو عتق رقبة مؤمنةفإن لم يجد ذلك ولا إطعاما فليصم ثلاثة أيام يتابعهن فإن فرقهن أجزأهوله أن يكفر قبل الحنث أو بعده وبعد الحنث أحب إليناومن نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ولا شيء عليه ومن نذر صدقة مال غيره أو عتق عبد غيره لم يلزمه شيء ومن قال إن فعلت كذا فعلي نذر كذا وكذا لشيء يذكره من فعل البر من صلاة أو صوم أو حج أو عمرة أو صدقة شيء سماه فذلك يلزمه إن حنث كما يلزمه لو نذره مجردا من غير يمين وإن لم يسم لنذره مخرجا من الأعمال فعليه كفارة يمينومن نذر معصية من قتل نفس أو شرب خمر أو شبهه أو ما ليس بطاعة ولا معصية فلا شيء عليه وليستغفر الله وإن حلف بالله ليفعلن معصية فليكفر عن يمينه ولا يفعل ذلك وإن تجرأ وفعله أثم ولا كفارة عليه ليمينهومن قال علي عهد الله وميثاقه في يمين فحنث فعليه كفارتان وليس على من وكد اليمين فكررها في شيء واحد غير كفارة واحدة ومن قال أشركت بالله أو هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا فلا شيء عليه ولا يلزمه غير الاستغفار ومن حرم على نفسه شيئا مما أحل

الله له فلا شيء عليه إلا في زوجته فإنها تحرم عليه إلا بعد زوجومن جعل ماله صدقة أو هديا أجزأه ثلثه ومن حلف بنحر ولده فإن ذكر مقام إبراهيم أهدى هديا يذبح بمكة وتجزئه شاة وإن لم يذكر المقام فلا شيء عليه ومن حلف بالمشي إلى مكة فحنث فعليه المشي من موضع حلفه فليمش إن شاء في حج أو عمرة فإن عجز عن المشي ركب ثم يرجع ثانية إن قدر فيمشي أماكن ركوبه فإن علم أنه لا يقدر قعد وأهدى وقال عطاء لا يرجع ثانية وإن قدر ويجزئه الهدي وإذا كان صرورة جعل ذلك في عمرة فإذا طاف وسعى وقصر أحرم من مكة بفريضة وكان متمتعا والحلاق في غير هذا أفضل وإنما يستحب له التقصير في هذا استبقاء للشعث في الحجومن نذر مشيا إلى المدينة أو إلى بيت المقدس أتاهما راكبا إن نوى الصلاة بمسجديهما وإلا فلا شيء عليهوأما غير هذه الثلاثة مساجد فلا يأتيها ماشيا ولا راكبا لصلاة نذرها وليصل بموضعه ومن نذر رباطا بموضع من الثغور فذلك عليه أن يأتيه.

باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع
ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل فإن لم يشهدا في العقد فلا يبني بها حتى يشهداوأقل الصداق ربع دينار وللأب إنكاح ابنته البكر بغير إذنها وإن بلغت وإن شاء شاورها وأما غير الأب في البكر وصي أو غيره فلا يزوجها حتى تبلغ وتأذن وإذنها صماتها ولا يزوج الثيب أب ولا غيره إلا برضاها وتأذن بالقولولا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها كالرجل من عشيرتها أو السلطان وقد اختلف في الدنية أن تولي أجنبياوالابن أولى من الأب والأب أولى من الأخ ومن قرب من العصبة أحق وإن زوجها البعيد مضى ذلكوللوصي أن يزوج الطفل في ولايته ولا يزوج الصغيرة إلا أن يأمره الأب بإنكاحها وليس ذوو الأرحام من الأولياء والأولياء من العصبةولا يخطب أحد على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه وذلك إذا ركنا وتقارباولا يجوز نكاح الشغار وهو البضع بالبضع ولا نكاح بغير صداق ولا نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل ولا النكاح في العدة ولا ما جر إلى غرر في عقد أو صداق ولا بما لا يجوز بيعهوما فسد من النكاح لصداقه فسخ قبل البناء فإن دخل بها مضى وكان فيه صداق المثل وما فسد من النكاح لعقده وفسخ بعد البناء ففيه المسمى وتقع به الحرمة كما تقع بالنكاح الصحيح ولكن لا تحل به المطلقة ثلاثا ولا يحصن به الزوجانوحرم الله سبحانه من النساء سبعا بالقرابة وسبعا بالرضاع والصهر فقال عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23] فهؤلاء من القرابة واللواتي من الرضاع والصهر قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وقال تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22].

وحرم النبي صلى الله عليه وسلم بالرضاع ما يحرم من النسب ونهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها فمن نكح امرأة حرمت بالعقد دون أن تمس على آبائه وأبنائه وحرمت عليه أمهاتها ولا تحرم عليه بناتها حتى يدخل بالأم أو يتلذذ بها بنكاح أو ملك يمين أو بشبهة من نكاح أو ملكولا يحرم بالزنى حلالوحرم الله سبحانه وطء الكوافر ممن ليس من أهل الكتاب بملك أو نكاح ويحل وطء الكتابيات بالملك ويحل وطء حرائرهن بالنكاح ولا يحل وطء إمائهن بالنكاح لحر ولا لعبد ولا تتزوج المرأة عبدها ولا عبد ولدها ولا الرجل أمته ولا أمة ولده وله أن يتزوج أمة والده وأمة أمه وله أن يتزوج بنت امرأة أبيه من رجل غيره وتتزوج المرأة ابن زوجة أبيها من رجل غيرهويجوز للحر والعبد نكاح أربع حرائر مسلمات أو كتابيات وللعبد نكاح أربع إماء مسلمات وللحر ذلك إن خشي العنت ولم يجد للحرائر طولاوليعدل بين نسائه وعليه النفقة والسكنى بقدر وجده ولا قسم في المبيت لأمته ولا لأم ولده ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلهاونكاح التفويض جائز وهو أن يعقداه ولا يذكران صداقا ثم لا يدخل بها حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل لزمها وإن كان أقل فهي مخيرة فإن كرهته فرق بينهما إلا أن يرضيها أو يفرض لها صداق مثلها فيلزمهاوإذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاق وقد قيل بغير طلاق وإذا أسلم الكافران ثبتا على نكاحهما وإن أسلم أحدهما فذلك فسخ بغير طلاق فإن أسلمت هي كان أحق بها إن أسلم في العدة وإن أسلم هو وكانت كتابية ثبت عليها فإن كانت مجوسية فأسلمت بعده مكانها كانا زوجين وإن تأخر ذلك فقد بانت منه وإذا أسلم مشرك وعنده أكثر من أربع فليختر أربعا ويفارق باقيهنومن لاعن زوجته لم تحل له أبدا وكذلك الذي يتزوج المرأة في عدتها ويطؤها في عدتهاولا نكاح لعبد ولا لأمة إلا أن يأذن السيدولا تعقد امرأة ولا عبد ولا من على غير دين الإسلام نكاح امرأةولا يجوز أن يتزوج الرجل امرأة ليحلها لمن طلقها ثلاثا ولا يحلها ذلك.

ولا يجوز نكاح المحرم لنفسه ولا يعقد نكاحا لغيره ولا يجوز نكاح المريض ويفسخ وإن بنى بها فلها الصداق في الثلث مبدأ ولا ميراث لها ولو طلق المريض امرأته لزمه ذلك وكان لها الميراث منه إن مات في مرضه ذلكومن طلق امرأته ثلاثا لم تحل له بملك ولا نكاح حتى تنكح زوجا غيرهوطلاق الثلاث في كلمة واحدة بدعة ويلزمه إن وقع وطلاق السنة مباح وهو أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه طلقة ثم لا يتبعها طلاقا حتى تنقضي العدة وله الرجعة في التي تحيض ما لم تدخل في الحيضة الثالثة في الحرة أو الثانية في الأمةفإن كانت ممن لم تحض أو ممن قد يئست من المحيض طلقها متى شاء وكذلك الحامل وترتجع الحامل ما لم تضع والمعتدة بالشهور ما لم تنقض العدة والأقراء هي الأطهاروينهى أن يطلق في الحيض فإن طلق لزمه ويجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة والتي لم يدخل بها يطلقها متى شاء والواحدة تبينهاوالثلاث تحرمها إلا بعد زوج ومن قال لزوجته أنت طالق فهي واحدة حتى ينوي أكثر من ذلكوالخلع طلقة لا رجعة فيها وإن لم يسم طلاقا إذا أعطته شيئا فخلعها به من نفسهومن قال لزوجته أنت طالق البتة فهي ثلاث دخل بها أو لم يدخل وإن قال برية أو خلية أو حرام أو حبلك على غاربك فهي ثلاث في التي دخل بها وينوى في التي لم يدخل بهاوالمطلقة قبل البناء لها نصف الصداق إلا أن تعفو عنه هي إن كانت ثيبا وإن كانت بكرا فذلك إلى أبيها وكذلك السيد في أمتهومن طلق فينبغي له أن يمتع ولا يجبر والتي لم يدخل بها وقد فرض لها فلا متعة لها ولا للمختلعةوإن مات عن التي لم يفرض لها ولم يبن بها فلها الميراث ولا صداق لها ولو دخل بها كان لها صداق المثل إن لم تكن رضيت بشيء معلوموترد المرأة من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج فإن دخل بها ولم يعلم ودى صداقها ورجع به على أبيها وكذلك إن زوجها أخوها وإن زوجها ولي ليس بقريب القرابة فلا شيء عليه ولا يكون لها إلا ربع دينار.

ويؤخر المعترض سنة فإن وطى ء وإلا فرق بينهما إن شاءتوالمفقود يضرب له أجل أربع سنين من يوم ترفع ذلك وينتهي الكشف عنه ثم تعتد كعدة الميت ثم تتزوج إن شاءت ولا يورث ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش إلى مثلهولا تخطب المرأة في عدتها ولا بأس بالتعريض بالقول المعروفومن نكح بكرا فله أن يقيم عندها سبعا دون سائر نسائه وفي الثيب ثلاثة أيام رسالة القيرواني ج1/ص96
ولا يجمع بين الأختين في ملك اليمين في الوطء فإن شاء وطء الأخرى فليحرم عليه فرج الأولى ببيع أو كتابة أو عتق وشبهه مما تحرم بهومن وطى ء أمة بملك لم تحل له أمها ولا ابنتها وتحرم على آبائه وأبنائه كتحريم النكاح والطلاق بيد العبد دون السيدولا طلاق لصبيوالمملكة والمخيرة لهما أن يقضيا ما دامتا في المجلس وله أن يناكر المملكة خاصة فيما فوق الواحدة وليس لها في التخيير أن تقضي إلا بالثلاث ثم لا نكرة له فيهاوكل حالف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر فهو مول ولا يقع عليه الطلاق إلا بعد أجل الإيلاء وهو أربعة أشهر للحر وشهران للعبد حتى يوقفه السلطانومن تظاهر من امرأته فلا يطؤها حتى يكفر بعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ليس فيها شرك ولا طرف من حرية فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدين لكل مسكين ولا يطؤها في ليل أو نهار حتى تنقضي الكفارة فإن فعل ذلك فليتب إلى الله عز وجل فإن كان وطؤه بعد أن فعل بعض الكفارة بإطعام أو صوم فليبتدئها ولا بأس بعتق الأعور في الظهار وولد الزنى ويجزى ء الصغير ومن صلى وصام أحب إليناواللعان بين كل زوجين في نفي حمل يدعى قبله الاستبراء أو رؤية الزنى كالمرود في المكحلة واختلف في اللعان في القذف وإذا افترقا باللعان لم يتناكحا أبداويبدأ الزوج فيلتعن أربع شهادات بالله ثم يخمس باللعنة ثم تلتعن هي أربعا أيضا وتخمس بالغضب كما ذكر الله سبحانه وتعالى وإن نكلت هي رجمت إن كانت حرة محصنة بوطء تقدم من هذا الزوج أو زوج غيره وإلا جلدت مائة جلدة وإن نكل الزوج جلد حد القذف ثمانين ولحق به الولد.

وللمرأة أن تفتدي من زوجها بصداقها أو أقل أو أكثر إذا لم يكن عن ضرر بها فإن كان عن ضرر بها رجعت بما أعطته ولزمه الخلع والخلع طلقة لا رجعة فيها إلا بنكاح جديد برضاهاوالمعتقة تحت العبد لها الخيار أن تقيم معه أو تفارقهومن اشترى زوجته انفسخ نكاحهوطلاق العبد طلقتان وعدة الأمة حيضتانوكفارات العبد كالحر بخلاف معاني الحدود والطلاقوكل ما وصل إلى جوف الرضيع في الحولين من اللبن فإنه يحرم وإن مصة واحدة ولا يحرم ما أرضع بعد الحولين إلا ما قرب منهما كالشهر ونحوه وقيل والشهرين ولو فصل قبل الحولين فصالا استغنى فيه بالطعام لم يحرم ما أرضع بعد ذلك ويحرم بالوجور والسعوط ومن أرضعت صبيا فبنات تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر إخوة له ولأخيه نكاح بناتها.

باب في العدة والنفقة والاستبراء
وعدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء كانت مسلمة أو كتابية والأمة ومن فيها بقية رق قرءان كان الزوج في جميعهن حرا أو عبدا والأقراء هي الأطهار التي بين الدمين فإن كانت ممن لم تحض أو ممن قد يئست من المحيض فثلاثة أشهر في الحرة والأمة وعدة الحرة المستحاضة أو الأمة في الطلاق سنة وعدة الحامل في وفاة أو طلاق وضع حملها كانت حرة أو أمة أو كتابية والمطلقة التي لم يدخل بها لا عدة عليها وعدة الحرة من الوفاة أربعة أشهر وعشر كانت صغيرة أو كبيرة دخل بها أو لم يدخل مسلمة كانت أو كتابية وفي الأمة ومن فيها بقية رق شهران وخمس ليال ما لم ترتب الكبيرة ذات الحيض بتأخيره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر وقد بنى بها فلا تنكح في الوفاة إلا بعد ثلاثة أشهروالإحداد أن لا تقرب المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة بحلي أو كحل أو غيره وتجتنب الصباغ كله إلا الأسود وتجتنب الطيب كله ولا تختضب بحناء ولا تقرب دهنا مطيبا ولا تمتشط بما يختمر في رأسها وعلى الأمة والحرة الصغيرة والكبيرة الإحداد واختلف في الكتابيةوليس على المطلقة إحداد وتجبر الحرة الكتابية على العدة من المسلم في الوفاة والطلاق وعدة أم الولد من وفاة سيدها حيضة وكذلك إذا أعتقها فإن قعدت عن الحيض فثلاثة أشهرواستبراء الأمة في انتقال الملك حيضة انتقل الملك ببيع أو هبة أو سبي أو غير ذلكومن هي في حيازته قد حاضت عنده ثم إنه اشتراها فلا استبراء عليها إن لم تكن تخرج واستبراء الصغيرة في البيع إن كانت توطأ ثلاثة أشهر واليائسة من المحيض ثلاثة أشهر والتي لا توطأ فلا استبراء فيهاومن ابتاع حاملا من غيره أو ملكها بغير البيع فلا يقربها ولا يتلذذ منها بشيء حتى تضعوالسكنى لكل مطلقة مدخول بها ولا نفقة إلا للتي طلقت دون الثلاث وللحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثا ولا نفقة للمختلعة إلا في الحمل ولا نفقة للملاعنة وإن كانت حاملا ولا نفقة لكل معتدة من وفاة ولها السكنى إن كانت الدار للميت أو قد نقد كراءها ولا تخرج من بيتها في طلاق أو وفاة حتى تتم العدة إلا أن يخرجها رب الدار ولم يقبل من الكراء ما يشبه كراء المثل فلتخرج وتقيم بالموضع الذي تنتقل إليه حتى تنقضي العدة.

والمرأة ترضع ولدها في العصمة إلا أن يكون مثلها لا يرضع وللمطلقة رضاع ولدها على أبيه ولها أن تأخذ أجرة رضاعها إن شاءتوالحضانة للأم بعد الطلاق إلى احتلام الذكر ونكاح الأنثى ودخول بها وذلك بعد الأم إن ماتت أو نكحت للجدة ثم للخالة فإن لم يكن من ذوي رحم الأم أحد فالأخوات والعمات فإن لم يكونوا فالعصبةولا يلزم الرجل النفقة إلا على زوجته كانت غنية أو فقيرة وعلى أبويه الفقيرين وعلى صغار ولده الذين لا مال لهم على الذكور حتى يحتلموا ولا زمانة بهم وعلى الإناث حتى ينكحن ويدخل بهن أزواجهن ولا نفقة لمن سوى هؤلاء من الأقاربوإن اتسع فعليه إخدام زوجته وعليه أن ينفق على عبيده ويكفنهم إذا ماتوا واختلف في كفن الزوجة فقال ابن القاسم في مالها وقالعبد الملك في مال الزوج وقال سحنون إن كانت ملية ففي مالها وإن كانت فقيرة ففي مال الزوج.

باب في البيوع وما شاكل البيوع
وأحل الله البيع وحرم الربا {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 275- 276] وكان ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه وإما أن يربي له فيه ومن الربا في غير النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا وكذلك الذهب بالذهب ولا يجوز فضة بفضة ولا ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالذهب ربا إلا يدا بيد والطعام من الحبوب والقطنية وشبهها مما يدخر من قوت أو إدام لا يجوز الجنس منه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز فيه تأخير ولا يجوز طعام بطعام إلى أجل كان من جنسه أو من خلافه كان مما يدخر أو لا يدخر ولا بأس بالفواكه والبقول وما لا يدخر متفاضلا وإن كان من جنس واحد يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة وسائر الإدام والطعام والشراب إلا الماء وحده وما اختلفت أجناسه من ذلك ومن سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه إلا في الخضر والفواكهوالقمح والشعير والسلت كجنس واحد فيما يحل منه ويحرم والزبيب كله صنف والتمر كله صنف والقطنية أصناف في البيوع واختلف فيها قول مالك ولم يختلف قوله في الزكاة أنها صنف واحدولحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحش صنف ولحوم الطير كله صنف ولحوم دواب الماء كلها صنف وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه وألبان ذلك الصنف وجبنه وسمنه صنفومن ابتاع طعاما فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه إذا كان شراؤه ذلك على وزن أو كيل أو عدد بخلاف الجزاف وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب إلا الماء وحده وما يكون من الأدوية والزراريع التي لا يعتصر منها زيت فلا يدخل ذلك فيما يحرم من بيع الطعام قبل قبضه أو التفاضل في الجنس الواحد منهولا بأس ببيع الطعام القرض قبل أن يستوفيه ولا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل قبل قبضه.

وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء بخطر أو غرر في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز ولا يجوز بيع الغرر ولا بيع شيء مجهول ولا إلى أجل مجهولولا يجوز في البيوع التدليس ولا الغش ولا الخلابة ولا الخديعة ولا كتمان العيوب ولا خلط دنيء بجيد ولا أن يكتم من أمر سلعته ما إذا ذكره كرهه المبتاع أو كان ذكره أبخس له في الثمنولا يفيت الرباع حوالة الأسواقولا يجوز سلف يجر منفعة ولا يجوز بيع وسلف وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء والسلف جائز في كل شيء إلا في الجواري وكذلك تراب الفضةولا تجوز الوضيعة من الدين على تعجيله ولا التأخير به على الزيادة فيه ولا تعجيل عرض على الزيادة فيه إذا كان من بيع ولا بأس بتعجيل ذلك من قرض إذا كانت الزيادة في الصفةومن رد في القرض أكثر عدد في مجلس القضاء فقد اختلف في ذلك إذا لم يكن فيه شرط ولا وأي ولا عادة فأجازه أشهب وكرهه ابن القاسم ولم يجزهومن عليه دنانير أو دراهم من بيع أو قرض مؤجل فله أن يعجله قبل أجله وكذلك له أن يعجل العروض والطعام من قرض لا من بيعولا يجوز بيع ثمر أو حب لم يبد صلاحه ويجوز بيعه إذا بدا صلاح بعضه وإن نخلة من نخيل كثيرةومن ابتاع عبدا فوجد به عيبا فله أن يحبسه ولا شيء له أو يرده ويأخذ ثمنه إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عندهوإن رد عبدا بعيب وقد استغله فله غلتهوالبيع على الخيار جائز إذا ضربا لذلك أجلا قريبا إلى ما تختبر فيه تلك السلعة أو ما تكون فيه المشورةولا يجوز النقد في الخيار ولا في عهدة الثلاث ولا في المواضعة بشرطوالنفقة في ذلك والضمان على البائع وإنما يتواضع للاستبراء الجارية التي للفراش في الأغلب أو التي أقر البائع بوطئها وإن كانت وخشا.

ولا تجوز البراءة من الحمل إلا حملا ظاهرا والبراءة في الرقيق جائزة مما لم يعلم البائعولا يفرق بين الأم وولدها في البيع حتى يثغروكل بيع فاسد فضمانه من البائع فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعليه قيمته يوم قبضه ولا يرده وإن كان مما يوزن أو يكال فليرد مثلهولا يجوز بيع ما في الأنهار والبرك من الحيتان ولا بيع الجنين في بطن أمه ولا بيع ما في بطون سائر الحيوانات ولا بيع نتاج ما تنتج الناقة ولا بيع ما في ظهور الإبل ولا بيع الآبق والبعير الشارد ونهي عن بيع الكلاب واختلف في بيع ما أذن في اتخاذه منها وأما من قتله فعليه قيمتهولا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه ولا بيعتان في بيعة وذلك أن يشتري سلعة إما بخمسة نقدا أو عشرة إلى أجل قد لزمته بأحد الثمنين ولا يجوز بيع التمر بالرطب ولا الزبيب بالعنب لا متفاضلا ولا مثلا بمثل ولا رطب بيابس من رسالة جنسه من سائر الثمار والفواكه وهو مما نهي عنه من المزابنة ولا يباع جزاف بمكيل من صنفه ولا جزاف بجزاف من صنفه إلا أن يتبين الفضل بينهما إن كان مما يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه ولا بأس ببيع الشيء الغائب على الصفة ولا ينقد فيه بشرط إلا أن يقرب مكانه أو يكون مما يؤمن تغيره من دار أو أرض أو شجر فيجوز النقد فيهوالعهدة جائزة في الرقيق إن اشترطت أو كانت جارية بالبلد فعهدة الثلاث الضمان فيها من البائع من كل شيء وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرصولا بأس بالسلم في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام بصفة معلومة وأجل معلوم ويعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة وإن كان بشرط وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يوما أو على أن يقبض ببلد آخر وإن كانت مسافته يومين أو ثلاثة ومن أسلم إلى ثلاثة أيام يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه غير واحد من العلماء وكرهه آخرون ولا يجوز أن يكون رأس المال من جنس ما أسلم فيه ولا يسلم شيء في جنسه أو فيما يقرب منه إلا أن يقرضه شيئا في مثله صفة ومقدارا والنفع للمتسلفولا يجوز دين بدين وتأخير رأس المال بشرط إلى محل السلم أو ما بعد من العقدة من

ذلك ولا يجوز فسخ دين في دين وهو أن يكون لك شيء في ذمته فتفسخه في شيء آخر لا تتعجلهولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن لا يكون عليك حالاوإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقدا أو إلى أجل دون الأجل الأول ولا بأكثر منه إلى أبعد من أجله وأما إلى الأجل نفسه فذلك كله جائز وتكون مقاصةولا بأس بشراء الجزاف فيما يكال أو يوزن سوى الدنانير والدراهم ما كان مسكوكا وأما نقار الذهب والفضة فذلك فيهما جائز ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا ولا ما يمكن عده بلا مشقة جزافاومن باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وكذلك غيرها من الثمار والإبار التذكير وإبار الزرع خروجه من الأرضومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاعولا بأس بشراء ما في العدل على البرنامج بصفة معلومة ولا يجوز شراء ثوب لا ينشر ولا يوصف أو في ليل مظلم لا يتأملانه ولا يعرفان ما فيه وكذلك الدابة في ليل مظلمولا يسوم أحد على سوم أخيه وذلك إذا ركنا وتقاربا لا في أول التساوموالبيع ينعقد بالكلام وإن لم يفترق المتبايعانوالإجارة جائزة إذا ضربا لها أجلا وسميا الثمنولا يضرب في الجعل أجل في رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه ولا شيء له إلا بتمام العملوالأجير على البيع إذا تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر وإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارةوالكراء كالبيع فيما يحل ويحرم ومن اكترى دابة بعينها إلى بلد فماتت انفسخ الكراء فيما بقي وكذلك الأجير يموت والدار تنهدم قبل تمام مدة الكراءولا بأس بتعليم المتعلم القرآن على الحذاق ومشارطة الطبيب على البرءولا ينتقض الكراء بموت الراكب أو الساكن ولا بموت غنم الرعاية وليأت بمثلها ومن اكترى كراء مضمونا فماتت الدابة فليأت بغيرها وإن مات الراكب لم ينفسخ الكراء وليكتروا مكانه غيره.

ومن اكترى ماعونا أو غيره فلا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق إلا أن يتبين كذبهوالصناع ضامنون لما غابوا عليه عملوه بأجر أو بغير أجر ولا ضمان على صاحب الحمام ولا ضمان على صاحب السفينة ولا كراء له إلا على البلاغولا بأس بالشركة بالأبدان إذا عملا في موضع واحد عملا واحدا أو متقاربا وتجوز الشركة بالأموال على أن يكون الربح بينهما بقدر ما أخرج كل واحد منهما والعمل عليهما بقدر ما شرطا من الربح لكل واحد ولا يجوز أن يختلف رأس المال ويستويا في الربحوالقراض جائز بالدنانير والدراهم وقد أرخص فيه بنقار الذهب والفضة ولا يجوز بالعروض ويكون إن نزل أجيرا في بيعها وعلى قراض مثله في الثمن وللعامل كسوته وطعامه إذا سافر في المال الذي له بال وإنما يكتسي في السفر البعيد ولا يقتسمان الربح حتى ينض رأس المالوالمساقاة جائزة في الأصول على ما تراضيا عليه من الأجزاء والعمل كله على المساقى ولا يشترط عليه عملا غير عمل المساقاة ولا عمل شيء ينشئه في الحائط إلا ما لا بال له من شد الحظيرة وإصلاح الضفيرة وهي مجتمع الماء من غير أن ينشى ء بناءها والتذكير على العامل وتنقية مناقع الشجر وإصلاح مسقط الماء من الغرب وتنقية العين وشبه ذلك جائز أن يشترط على العاملولا تجوز المساقاة على إخراج ما في الحائط من الدواب وما مات منها فعلى ربه خلفه ونفقة الدواب والأجراء على العامل وعليه زريعة البياض اليسير ولا بأس أن يلغى ذلك للعامل وهو أحله وإن كان البياض كثيرا لم يجز أن يدخل في مساقاة النخل إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقلوالشركة في الزرع جائزة إذا كانت الزريعة منهما جميعا والربح بينهما وإذا كانت الأرض لأحدهما والعمل على الآخر أو العمل بينهما واكتريا الأرض أو كانت بينهما أما إن كان البذر من عند أحدهما ومن عند الآخر الأرض والعمل عليه أو عليهما والربح بينهما لم يجز ولو كانا اكتريا الأرض والبذر من عند واحد وعلى الآخر العمل جاز إذا تقاربت قيمة ذلك ولا ينقد في كراء أرض غير مأمونة قبل أن تروىومن ابتاع ثمرة في رؤوس الشجر فأجيح ببرد أو جراد أو جليد أو غيره فإن أجيح قدر

الثلث فأكثر وضع عن المشتري قدر ذلك من الثمن وما نقص عن الثلث فمن المبتاعولا جائحة في الزرع ولا فيما اشتري بعد أن يبس من الثمار وتوضع جائحة البقول وإن قلت وقيل لا يوضع إلا قدر الثلثومن أعرى ثمر نخلات لرجل من جنانه فلا بأس أن يشتريها إذا أزهت بخرصها تمرا يعطيه ذلك عند الجذاذ إن كان فيها خمسة أوسق فأقل ولا يجوز شراء أكثر من خمسة أوسق إلا بالعين والعرض.

باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء
ويحق على من له ما يوصي فيه أن يعد وصيته ولا وصية لوارث والوصايا خارجة من الثلث ويرد ما زاد عليه إلا أن يجيزه الورثة والعتق بعينه مبدأ عليها والمدبر في الصحة مبدأ على ما في المرض من عتق وغيره وعلى ما فرط فيه من الزكاة فأوصى به فإن ذلك في ثلثه مبدأ على الوصايا ومدبر الصحة مبدأ عليهوإذا ضاق الثلث تحاص أهل الوصايا التي لا تبدئة فيهاوللرجل الرجوع عن وصيته من عتق وغيرهوالتدبير أن يقول الرجل لعبده أنت مدبر أو أنت حر عن دبر مني ثم لا يجوز له بيعه وله خدمته وله انتزاع ماله ما لم يمرض وله وطؤها إن كانت أمة ولا يطأ المعتقة إلى أجل ولا يبيعها وله أن يستخدمها وله أن ينتزع مالها ما لم يقرب الأجلوإذا مات فالمدبر من ثلثه والمعتق إلى أجل من رأس مالهوالمكاتب عبد ما بقي عليه شيء والكتابة جائزة على ما رضيه العبد والسيد من المال منجما قلت النجوم أو كثرت فإن عجز رجع رقيقا وحل له ما أخذ منه ولا يعجزه إلا السلطان بعد التلوم إذا امتنع من التعجيزوكل ذات رحم فولدها بمنزلتها من مكاتبة أو مدبرة أو معتقة إلى أجل أو مرهونة وولد أم الولد من غير السيد بمنزلتها ومال العبد له إلا أن ينتزعه السيد فإن أعتقه أو كاتبه ولم يستثن ماله فليس له أن ينتزعه وليس له وطء مكاتبته وما حدث للمكاتب والمكاتبة من ولد دخل معهما في الكتابة وعتق بعتقهما وتجوز كتابة الجماعة ولا يعتقون إلا بأداء الجميعوليس للمكاتب عتق ولا إتلاف ماله حتى يعتق ولا يتزوج ولا يسافر السفر البعيد بغير إذن سيده وإذا مات وله ولد قام مقامه وودى من ماله ما بقي عليه حالا وورث من معه من ولده ما بقي وإن لم يكن في المال وفاء فإن ولده يسعون فيه ويؤدون نجوما إن كانوا كبارا وإن كانوا صغارا وليس في المال قدر النجوم إلى بلوغهم السعي رقوا وإن لم يكن له ولد معه في كتابته ورثه سيدهومن أولد أمة فله أن يستمتع منها في حياته وتعتق من رأس ماله بعد مماته ولا يجوز بيعها ولا له عليها خدمة ولا غلة وله ذلك في ولدها من غيره وهو بمنزلة أمه في العتق يعتق بعتقها وكل ما أسقطته مما يعلم أنه ولد فهي به أم ولد ولا ينفعه العزل إذا أنكر ولدها وأقر

بالوطء فإن ادعى استبراء لم يطأ بعده لم يلحق به ما جاء من ولدولا يجوز عتق من أحاط الدين بماله ومن أعتق بعض عبده استتم عليه وإن كان لغيره معه فيه شركة قوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم يقام عليه وعتق فإن لم يوجد مال بقي سهم الشريك رقيقا ومن مثل بعبده مثلة بينة من قطع جارحة ونحوه عتق عليهومن ملك أبويه أو أحدا من ولده أو ولد ولده أو ولد بناته أو جده أو جدته أو أخاه لأم أو لأب أو لهما جميعا عتق عليه ومن أعتق حاملا كان جنينها حرا معها ولا رسالة القيرواني ج1/ص116
يعتق في الرقاب الواجبة من فيه معنى من عتق بتدبير أو كتابة أو غيرهما ولا أعمى ولا أقطع اليد وشبهه ولا من على غير الإسلامولا يجوز عتق الصبي ولا المولى عليهوالولاء لمن أعتق ولا يجوز بيعه ولا هبته ومن أعتق عبدا عن رجل فالولاء للرجل ولا يكون الولاء لمن أسلم على يديه وهو للمسلمين وولاء ما أعتقت المرأة لها وولاء من يجر من ولد أو عبد أعتقته ولا ترث ما أعتق غيرها من أب أو ابن أو زوج أو غيرهوميراث السائبة لجماعة المسلمينوالولاء للأقعد من عصبة الميت الأول فإن ترك ابنين فورثا ولاء مولى لأبيهما ثم مات أحدهما وترك بنين رجع الولاء إلى أخيه دون بنيه وإن مات واحد وترك ولدا ومات أخوه وترك ولدين فالولاء بين الثلاثة أثلاثا.

باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب
وإنما الشفعة في المشاع ولا شفعة فيما قد قسم ولا لجار ولا في طريق ولا عرصة دار قد قسمت بيوتها ولا في فحل نخل أو بئر إذا قسمت النخل أو الأرض ولا شفعة إلا في الأرض وما يتصل بها من البناء والشجرولا شفعة للحاضر بعد السنة والغائب على شفعته وإن طالت غيبته وعهدة الشفيع على المشتري ويوقف الشفيع فإما أخذ أو ترك ولا توهب الشفعة ولا تباع وتقسم بين الشركاء بقدر الأنصباءولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث إلا أن يكون ذلك في المرض فذلك نافذ من الثلث إن كان لغير وارثوالهبة لصلة الرحم أو لفقير كالصدقة لا رجوع فيها ومن تصدق على ولده فلا رجوع له وله أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثاوالأم تعتصر ما دام الأب حيا فإذا مات لم تعتصر ولا يعتصر من يتيم واليتم من قبل الأبوما وهبه لابنه الصغير فحيازته له جائزة إذا لم يسكن ذلك أو يلبسه إن كان ثوبا وإنما يجوز له ما يعرف بعينه وأما الكبير فلا تجوز حيازته لهولا يرجع الرجل في صدقته ولا ترجع إليه إلا بالميراثولا بأس أن يشرب من لبن ما تصدق به ولا يشتري ما تصدق به
والموهوب للعوض إما أثاب القيمة أو رد الهبة فإن فاتت فعليه قيمتها وذلك إذا كان يرى أنه أراد الثواب من الموهوب لهويكره أن يهب لبعض ولده ماله كله وأما الشيء منه فذلك سائغ ولا بأس أن يتصدق على الفقراء بماله كله للهومن وهب هبة فلم يحزها الموهوب له حتى مرض الواهب أو أفلس فليس له حينئذ قبضها ولو مات الموهوب له كان لورثته القيام فيها على الواهب الصحيح.

ومن حبس دارا فهي على ما جعلها عليه إن حيزت قبل موته ولو كانت حبسا على ولده الصغير جازت حيازته له إلى أن يبلغ وليكرها له ولا يسكنها فإن لم يدع سكناها حتى مات بطلت وإن انقرض من حبست عليه رجعت حبسا على أقرب الناس بالمحبس يوم المرجعومن أعمر رجلا حياته دارا رجعت بعد موت الساكن ملكا لربها وكذلك إن أعمر عقبه فانقرضوا بخلاف الحبس فإن مات المعمر يومئذ كانت لورثته يوم موته ملكاومن مات من أهل الحبس فنصيبه على من بقي ويؤثر في الحبس أهل الحاجة بالسكنى والغلة ومن سكن فلا يخرج لغيره إلا أن يكون في أصل الحبس شرط فيمضي ولا يباع الحبس وإن خرب ويباع الفرس الحبس يكلب ويجعل ثمنه في مثله أو يعان به فيه واختلف في المعاوضة بالربع الخرب بربع غير خربوالرهن جائز ولا يتم إلا بالحيازة ولا تنفع الشهادة في حيازته إلا بمعاينة البينة وضمان الرهن من المرتهن فيما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه وثمرة النخل الرهن للراهن وكذلك غلة الدور والولد رهن مع الأمة الرهن تلده بعد الرهن ولا يكون مال العبد رهنا إلا بشرط وما هلك بيد رسالة القيرواني ج1/ص120
أمين فهو من الراهنوالعارية مؤداة يضمن ما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه من عبد أو دابة إلا أن يتعدىوالمودع إن قال رددت الوديعة إليك صدق إلا أن يكون قبضها بإشهاد وإن قال ذهبت فهو مصدق بكل حال والعارية لا يصدق في هلاكها فيما يغاب عليه ومن تعدى على وديعة ضمنها وإن كانت دنانير فردها في صرتها ثم هلكت فقد اختلف في تضمينه ومن اتجر بوديعة فذلك مكروه والربح له إن كانت عينا وإن باع الوديعة وهي عرض فربها مخير في الثمن أو القيمة يوم التعديومن وجد لقطة فليعرفها سنة بموضع يرجو التعريف بها فإن تمت سنة ولم يأت لها أحد فإن شاء حبسها وإن شاء تصدق بها وضمنها لربها إن جاء وإن انتفع بها ضمنها وإن هلكت قبل السنة أو بعدها بغير تحريك لم يضمنها وإذا عرف طالبها العفاص والوكاء أخذها ولا يأخذ الرجل ضالة الإبل من الصحراء وله أخذ الشاة وأكلها إن كانت بفيفاء لا عمارة فيها ومن استهلك عرضا فعليه قيمته وكل ما يوزن أو يكال فعليه مثلهوالغاصب ضامن لما غصب فإن رد ذلك بحاله فلا شيء عليه وإن تغير في يده فربه

مخير بين أخذه بنقصه أو تضمينه القيمة ولو كان النقص بتعديه خير أيضا في أخذه وأخذ ما نقصه وقد اختلف في ذلكولا غلة للغاصب ويرد ما أكل من غلة أو انتفع وعليه الحد إن وطى ء وولده رقيق لرب الأمة ولا يطيب لغاصب المال ربحه حتى يرد رأس المال على ربه ولو تصدق بالربح كان أحب إلى بعض أصحاب مالك وفي باب الأقضية شيء من هذا المعنى.

باب في أحكام الدماء والحدود
ولا تقتل نفس بنفس إلا ببينة عادلة أو باعتراف أو بالقسامة إذا وجبت يقسم الولاة خمسين يمينا ويستحقون الدم ولا يحلف في العمد أقل من رجلين ولا يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد وإنما تجب القسامة بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد على القتل أو بشاهدين على الجرح رسالة القيرواني ج1/ص122
ثم يعيش بعد ذلك ويأكل ويشرب وإذا نكل مدعو الدم حلف المدعى عليهم خمسين يمينا فإن لم يجد من يحلف من ولاته معه غير المدعى عليه وحده حلف الخمسين ولو ادعي القتل على جماعة حلف كل واحد خمسين يمينا ويحلف من الولاة في طلب الدم خمسون رجلا خمسين يمينا وإن كانوا أقل قسمت عليهم الأيمان ولا تحلف امرأة في العمد وتحلف الورثة في الخطإ بقدر ما يرثون من الدية من رجل أو امرأة وإن انكسرت يمين عليهم حلفها أكثرهم نصيبا منها وإذا حضر بعض ورثة دية الخطإ لم يكن له بد أن يحلف جميع الأيمان ثم يحلف من يأتي بعده بقدر نصيبه من الميراثويحلفون في القسامة قياما ويجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس أهل أعمالها للقسامة ولا يجلب في غيرها إلا من الأميال اليسيرةولا قسامة في جرح ولا في عبد ولا بين أهل الكتاب ولا في قتيل بين الصفين أو وجد في محلة قوموقتل الغيلة لا عفو فيه وللرجل العفو عن دمه العمد إن لم يكن قتل غيلة وعفوه عن الخطإ في ثلثه وإن عفا أحد البنين فلا قتل ولمن بقي نصيبهم من الدية ولا عفو للبنات مع البنين ومن عفي عنه في العمد ضرب مائة وحبس عاماوالدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم ودية العمد إذا قبلت خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض ودية الخطإ مخمسة عشرون من كل ما ذكرنا وعشرون بنو لبون ذكورا وإنما تغلظ الدية في الأب يرمي ابنه بحديدة فيقتله فلا يقتل به ويكون عليه ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها وقيل ذلك على عاقلته وقيل ذلك في مالهودية المرأة على النصف من دية الرجل وكذلك دية الكتابيين ونساؤهم على النصف من ذلك والمجوسي ديته ثمانمائة درهم ونساوهم على النصف من ذلك ودية جراحهم

كذلكوفي اليدين الدية وكذلك في الرجلين أو العينين وفي كل واحدة منهما نصفها وفي الأنف يقطع مارنه الدية وفي السمع الدية وفي العقل الدية وفي الصلب ينكسر الدية وفي الأنثيين الدية وفي الحشفة الدية وفي اللسان الدية وفيما منع منه الكلام الدية وفي ثديي المرأة الدية وفي عين الأعور الدية وفي الموضحة خمس من الإبل وفي السن خمس وفي كل إصبع عشر وفي الأنملة ثلاث وثلث وفي كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل وفي المنقلة عشر ونصف عشر والموضحة ما أوضح العظم والمنقلة ما طار فراشها من العظم ولم تصل إلى الدماغ وما وصل إليه فهي المأمومة ففيها ثلث الدية وكذلك الجائفة وليس فيما دون الموضحة إلا الاجتهاد وكذلك في جراح الجسدولا يعقل جرح إلا بعد البرء وما برى ء على غير شين مما دون الموضحة فلا شيء فيهوفي الجراح القصاص في العمد إلا في المتالف مثل المأمومة والجائفة والمنقلة والفخذ والأنثيين والصلب ونحوه ففي كل ذلك الديةولا تحمل العاقلة قتل عمد ولا اعترافا به وتحمل من جراح الخطإ ما كان قدر الثلث فأكثر وما كان دون الثلث ففي مال الجاني وأما المأمومة والجائفة عمدا فقال مالك ذلك على العاقلة وقال أيضا إن ذلك في ماله إلا أن يكون عديما فتحمله العاقلة لأنهما لا يقاد من عمدهما وكذلك ما بلغ ثلث الدية مما لا يقاد منه لأنه متلف ولا تعقل العاقلة من قتل نفسه عمدا أو خطأوتعاقل المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل فإذا بلغتها رجعت إلى عقلهاوالنفر يقتلون رجلا فإنهم يقتلون به والسكران إن قتل قتل وإن قتل مجنون رجلا فالدية على عاقلته وعمد الصبي كالخطإ وذلك على عاقلته إن كان ثلث الدية فأكثر وإلا ففي ماله وتقتل المرأة بالرجل والرجل بها ويقتص لبعضهم من بعض في الجراحولا يقتل حر بعبد ويقتل به العبد ولا يقتل مسلم بكافر ويقتل به الكافر ولا قصاص بين حر وعبد في جرح ولا بين مسلم وكافر والسائق والقائد والراكب ضامنون لما وطئت الدابة وما كان منها من غير فعلهم أو وهي واقفة لغير شيء فعل بها فذلك هدر وما مات في بئر أو معدن من غير فعل أحد فهو هدروتنجم الدية على العاقلة في ثلاث سنين وثلثها في سنة ونصفها في سنتين والدية

موروثة على الفرائضوفي جنين الحرة غرة عبد أو وليدة تقوم بخمسين دينارا أو ستمائة درهم وتورث على كتاب اللهولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية وقاتل الخطإ يرث من المال دون الديةوفي جنين الأمة من سيدها ما في جنين الحرة وإن كان من غيره ففيه عشر قيمتهاومن قتل عبدا فعليه قيمتهوتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة والغيلة وإن ولي القتل بعضهموكفارة القتل في الخطإ واجبة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ويؤمر بذلك إن عفي عنه في العمد فهو خير لهويقتل الزنديق ولا تقبل توبته وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام وكذلك الساحر ولا تقبل توبته ويقتل من ارتد إلا أن يتوب ويؤخر للتوبة ثلاثا وكذلك المرأة ومن لم يرتد وأقر بالصلاة وقال لا أصلي أخر حتى يمضي وقت صلاة واحدة فإن لم يصلها قتلومن امتنع من الزكاة أخذت منه كرها ومن ترك الحج فالله حسبه ومن ترك الصلاة جحدا لها فهو كالمرتد يستتاب ثلاثا فإن لم يتب قتلومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ولا تقبل توبته ومن سبه من أهل الذمة بغير ما به كفر أو سب الله عز وجل بغير ما به كفر وقتل إلا أن يسلم وميراث المرتد لجماعة المسلمينوالمحارب لا عفو فيه إذا ظفر به فإن قتل أحدا فلا بد من قتله وإن لم يقتل فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جرمه وكثرة مقامه في فساده فإما قتله أو صلبه ثم قتله أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يتوب فإن لم يقدر عليه حتى جاء تائبا وضع عنه كل حق هو لله من ذلك وأخذ بحقوق الناس من مال أو
دم وكل واحد من اللصوص ضامن لجميع ما سلبوه من الأموال وتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة والغيلة وإن ولي القتل واحد منهم ويقتل المسلم بقتل الذمي قتل غيلة أو حرابةومن زنى من حر محصن رجم حتى يموت والإحصان أن يتزوج امرأة نكاحا صحيحا ويطأها وطأ صحيحا فإن لم يحصن جلد مائة جلدة وغربه الإمام إلى بلد آخر وحبس فيه عاما وعلى العبد في الزنى خمسون جلدة وكذلك الأمة وإن كانا متزوجين ولا تغريب عليهما ولا على امرأة.

ولا يحد الزاني إلا باعتراف أو بحمل يظهر أو بشهادة أربعة رجال أحرار بالغين عدول يرونه كالمرود في المكحلة ويشهدون في وقت واحد وإن لم يتم أحدهم الصفة حد الثلاثة الذين أتموها ولا حد على من لم يحتلم ويحد واطى ء أمة والده ولا يحد واطى ء أمة ولده وتقوم عليه وإن لم تحملويؤدب الشريك في الأمة يطؤها ويضمن قيمتها إن كان له مال فإن لم تحمل فالشريك بالخيار بين أن يتماسك أو تقوم عليهوإن قالت امرأة بها حمل استكرهت لم تصدق وحدت إلا أن تعرف بينة أنها احتملت حتى غاب عليها أو جاءت مستغيثة عند النازلة أو جاءت تدميوالنصراني إذا غصب المسلمة في الزنى قتلوإن رجع المقر بالزنى أقيل وتركويقيم الرجل على عبده وأمته حد الزنى إذا ظهر حمل أو قامت بينة غيره أربعة شهداء أو كان إقرار ولكن إن كان للأمة زوج حر أو عبد لغيره فلا يقيم الحد عليها إلا السلطانومن عمل عمل قوم لوط بذكر بالغ أطاعه رجما أحصنا أو لم يحصناوعلى القاذف الحر الحد ثمانون وعلى العبد أربعون في القذف وخمسون في الزنى والكافر يحد في القذف ثمانين ولا حد على قاذف عبد أو كافر ويحد قاذف الصبية بالزنى إن كان مثلها يوطأ ولا يحد قاذف الصبي ولا حد على من لم يبلغ في قذف ولا وطءومن نفى رجلا من نسبه فعليه الحد وفي التعريض الحد ومن قال لرجل يا لوطي حد ومن قذف جماعة فحد واحد يلزمه لمن قام به منهم ثم لا شيء عليهومن كرر شرب الخمر أو الزنى فحد واحد في ذلك كله وكذلك من قذف جماعة ومن لزمته حدود وقتل فالقتل يجزى ء عن ذلك إلا في القذف فليحد قبل أن يقتلومن شرب خمرا أو نبيذا مسكرا حد ثمانين سكر أو لم يسكر ولا سجن عليه ويجرد المحدود ولا تجرد المرأة إلا مما يقيها الضرب ويجلدان قاعدين ولا تحد حامل حتى تضع ولا مريض مثقل حتى يبرأولا يقتل واطى ء البهيمة وليعاقبومن سرق ربع دينار ذهبا أو ما قيمته يوم السرقة ثلاثة دراهم من العروض أو وزن ثلاثة

دراهم فضة قطع إذا سرق من حرز ولا قطع في الخلسة ويقطع في ذلك يد الرجل والمرأة والعبد ثم إن سرق قطعت رجله من خلاف ثم إن سرق فيده ثم إن سرق فرجله ثم إن سرق جلد وسجنومن أقر بسرقة قطع وإن رجع أقيل وغرم السرقة إن كانت معه وإلا اتبع بها ومن أخذ في الحرز لم يقطع حتى يخرج السرقة من الحرز وكذلك الكفن من القبر ومن سرق من بيت أذن له في دخوله لم يقطع ولا يقطع المختلسوإقرار العبد فيما يلزمه في بدنه من حد أو قطع يلزمه وما كان في رقبته فلا إقرار لهولا قطع في ثمر معلق ولا في الجمار في النخل ولا في الغنم الراعية حتى تسرق من مراحها وكذلك التمر من الأندرولا يشفع لمن بلغ الإمام في السرقة والزنى واختلف في ذلك في القذف
ومن سرق من الكم قطع ومن سرق من الهري وبيت المال والمغنم فليقطع وقيل إن سرق فوق حقه من المغنم بثلاثة دراهم قطعويتبع السارق إذا قطع بقيمة ما فات من السرقة في ملائه ولا يتبع في عدمه ويتبع في عدمه بما لا يقطع فيه من السرقة.

باب في الأقضية والشهادات
والبينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة كذلك قضى حكام أهل المدينة وقد قال عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجوروإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي فيه معرفة واليمين بالله الذي لا إله إلا هو ويحلف قائما وعند منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر وفي غير المدينة يحلف في ذلك في الجامع وموضع يعظم منه ويحلف الكافر بالله حيث يعظموإذا وجد الطالب بينة بعد يمين المطلوب لم يكن علم بها قضي له بها وإن كان علم بها فلا تقبل منه وقد قيل تقبل منهويقضى بشاهد ويمين في الأموال ولا يقضى بذلك في نكاح أو طلاق أو حد ولا في دم عمد أو نفس إلا مع القسامة في النفس وقد قيل يقضى بذلك في الجراحولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد يقضى بذلك مع رجل أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال وشبهه جائزة ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا يقبل إلا العدول ولا تجوز شهادة المحدود ولا شهادة عبد ولا صبي ولا كافر وإذا تاب المحدود في الزنى قبلت شهادته إلا في الزنى ولا تجوز شهادة الابن للأبوين ولا هما له ولا الزوج للزوجة ولا هي له وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه ولا تجوز شهادة مجرب في كذب أو مظهر لكبيرة ولا جار لنفسه نفعا ولا دافع عنها ضررا ولا وصي ليتيمه وتجوز شهادته عليه ولا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهنولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضا ولا يقبل في ذلك ولا في التجريح واحدوتقبل شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبيروإذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم يأخذ المبتاع أو يحلف ويبرأوإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما حلفا وقسم بينهما وإن أقاما بينتين قضي بأعدلهما فإن استويا حلفا وكان بينهماوإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد بزور قاله

أصحاب مالكومن قال رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك أو قراضك فالقول قوله ومن قال دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان فعلى الدافع البينة وإلا ضمن وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم أو دفع إليهم وإن كانوا في حضانته صدق في النفقة فيما يشبهوالصلح جائز إلا ما جر إلى حرام ويجوز على الإقرار والإنكاروالأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له ومن استحق أمة قد ولدت فله قيمتها وقيمة الولد يوم الحكم وقيل يأخذها وقيمة الولد وقيل له قيمتها فقط إلا أن يختار الثمن فيأخذه من الغاصب الذي باعها ولو كانت بيد غاصب فعليه الحد وولده رقيق معها لربهاومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع قيمة العمارة قائما فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا فإن أبى كانا شريكين بقيمة ما لكل واحدوالغاصب يؤمر بقلع بنائه وزرعه وشجره وإن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض والشجر ملقى بعد قيمة أجر من يقلع ذلك ولا شيء عليه فيما لا قيمة له بعد القلع والهدمويرد الغاصب الغلة ولا يردها غير الغاصبوالولد في الحيوان وفي الأمة إذا كان الولد من غير السيد يأخذه المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحدوإصلاح السفل على صاحب السفل والخشب للسقف عليه وتعليق الغرف عليه إذا وهى السفل وهدم حتى يصلح ويجبر على أن يصلح أو يبيع ممن يصلحولا ضرر ولا ضرار فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها أو فتح باب قبالة بابه أو حفر ما يضر بجاره في حفره وإن كان في ملكهويقضى بالحائط لمن إليه القمط والعقودولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ وأهل آبار الماشية أحق بها حتى يسقوا ثم الناس فيها سواء ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنعه فضله واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا وينبغي أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبه في جداره ولا يقضى عليه وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على

أرباب الماشية ولا شيء عليهم في فساد النهارومن وجد سلعته في التفليس فإما حاصص وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها وهو في الموت أسوة الغرماءوالضامن غارم وحميل الوجه إن لم يأت به غرم حتى يشترط أن لا يغرمومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا إلا أن يغره منه وإنما الحوالة على أصل دين وإلا فهي حمالة ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغريم أو غيبتهويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه ولا يحل ما كان له على غيرهولا تباع رقبة المأذون فيما عليه ولا يتبع به سيده ويحبس المديان ليستبرأ ولا حبس على معدموما انقسم بلا ضرر قسم من ربع وعقار وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد ولا يؤدي أحد الشركاء ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجز القسم إلا بتراضووصي الوصي كالوصي وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم ومن أوصى إلى غير مأمون فإنه يعزلويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراثومن حاز دارا على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم لا يدعي شيئا فلا قيام له ولا حيازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدةولا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو بقبضهومن أوصى بحج أنفذ والوصية بالصدقة أحب إلينا وإذا مات أجير الحج قبل أن يصل فله بحساب ما سار ويرد ما بقي وما هلك بيده فهو منه إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فالضمان من الذين واجروه ويرد ما فضل إن فضل شيء.

باب في الفرائض
ولا يرث من الرجال إلا عشرة الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد للأب وإن علا والأخ وابن الأخ وإن بعد والعم وابن العم وإن بعد والزوج ومولى النعمةولا يرث من النساء غير سبع البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والزوجة ومولاة النعمةفميراث الزوج من الزوجة إن لم تترك ولدا ولا ولد ابن النصف فإن تركت ولدا أو ولد ابن منه أو من غيره فله الربعوترث هي منه الربع إن لم يكن له ولد ولا ولد ابن فإن كان له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها فلها الثمنوميراث الأم من ابنها الثلث إن لم يترك ولدا أو ولد ابن أو اثنين من الإخوة ما كانوا فصاعدا إلا في فريضتين في زوجة وأبوين فللزوجة الربع وللأم ثلث ما بقي وما بقي للأب وفي زوج وأبوين فللزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وما بقي للأب ولها في غير ذلك الثلث إلا ما نقصها العول إلا أن يكون للميت ولد أو ولد ابن أو اثنان من الإخوة ما كانا فلها السدس حينئذوميراث الأب من ولده إذا انفرد ورث المال كله ويفرض له مع الولد الذكر أو ولد الابن السدس فإن لم يكن له ولد ولا ولد ابن فرض للأب السدس وأعطي من شركه من أهل السهام سهامهم ثم كان له ما بقيوميراث الولد الذكر جميع المال إن كان وحده أو يأخذ ما بقي بعد سهام من معه من زوجة وأبوين أو جد أو جدةوابن الابن بمنزلة الابن إذا لم يكن ابن فإن كان ابن وابنة فللذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك في كثرة البنين والبنات وقلتهم يرثون كذلك جميع المال أو ما فضل منه بعد من شركهم من أهل السهام وابن الابن كالابن في عدمه فيما يرث ويحجبوميراث البنت الواحدة النصف والاثنتين الثلثان فإن كثرن لم يزدن على الثلثين شيئا وابنة الابن كالبنت إذا لم تكن بنت وكذلك بناته كالبنات في عدم البنات فإن كانت ابنة وابنة ابن فللابنة النصف ولابنة الابن السدس تمام الثلثين وإن كثرت بنات الابن لم يزدن على ذلك السدس شيئا إن لم يكن معهن ذكر وما بقي
للعصبة وإن كانت البنات اثنتين لم يكن لبنات

الابن شيء إلا أن يكون معهن أخ فيكون ما بقي بينهن وبينه للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك إذا كان ذلك الذكر تحتهن كان ذلك بينه وبينهن كذلك وكذلك لو ورث بنات الابن مع الابنة السدس وتحتهن بنات ابن معهن أو تحتهن ذكر كان ذلك بينه وبين أخواته أو من فوقه من عماته ولا يدخل في ذلك من دخل في الثلثين من بنات الابنوميراث الأخت الشقيقة النصف والاثنتين فصاعدا الثلثان فإن كانوا إخوة وأخوات شقائق أو لأب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قلوا أو كثروا والأخوات مع البنات كالعصبة لهن يرثن ما فضل عنهن ولا يربى لهن معهنولا ميراث للإخوة والأخوات مع الأب ولا مع الولد الذكر أو مع ولد الولدوالإخوة للأب في عدم الشقائق كالشقائق ذكورهم وإناثهم فإن كانت أخت شقيقة وأخت أو أخوات لأب فالنصف للشقيقة ولمن بقي من الأخوات للأب السدس ولو كانتا شقيقتين لم يكن للأخوات للأب شيء إلا أن يكون معهن ذكر فيأخذون ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيينوميراث الأخت للأم والأخ للأم سواء السدس لكل واحد وإن كثروا فالثلث بينهم الذكر والأنثى فيه سواء ويحجبهم عن الميراث الولد وبنوه والأب والجد للأبوالأخ يرث المال إذا انفرد كان شقيقا أو لأب والشقيق يحجب الأخ للأب وإن كان أخ وأخت فأكثر شقائق أو لأب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان مع الأخ ذو سهم بدى ء بأهل السهام وكان له ما بقي وكذلك يكون ما بقي للإخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يبق شيء فلا شيء لهم إلا أن يكون في أهل السهام إخوة لأم قد ورثوا الثلث وقد بقي أخ شقيق أو إخوة ذكور أو ذكور وإناث شقائق معهم فيشاركون كلهم الإخوة للأم في ثلثهم فيكون بينهم بالسواء وهي الفريضة التي تسمى المشتركةولو كان من بقي إخوة لأب لم يشاركوا الإخوة للأم لخروجهم عن ولادة الأم وإن كان من بقي أختا أو أخوات لأبوين أو لأب أعيل لهن وإن كان من قبل الأم أخ واحد أو أخت لم تكن مشتركة وكان ما بقي للإخوة إن كانوا ذكورا أو ذكورا وإناثا وإن كن إناثا لأبوين أو لأب أعيل لهن والأخ للأب كالشقيق في عدم الشقيق إلا في المشتركة وابن الأخ كالأخ في عدم الأخ كان شقيقا أو لأب ولا يرث ابن الأخ للأم والأخ للأبوين يحجب الأخ للأب والأخ للأب أولى من ابن أخ شقيق وابن أخ شقيق أولى من ابن أخ لأب وابن أخ لأب يحجب عما لأبوين وعم لأبوين يحجب عما لأب وعم لأب يحجب ابن عم لأبوين وابن عم لأبوين

يحجب ابن عم لأب وهكذا يكون الأقرب أولىولا يرث بنو الأخوات ما كن ولا بنو البنات ولا بنات الأخ ما كان ولا بنات العم ولا جد لأم ولا عم أخو أبيك لأمه ولا يرث عبد ولا من فيه بقية رق ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولا ابن أخ لأم ولا جد لأم ولا أم أبي الأم ولا ترث أم أبي الأب مع ولدها أبي الميت ولا ترث إخوة ة لام مع الجد للأب ولا مع الولد وولد الولد ذكرا كان الولد أو أنثى ولا ميراث للإخوة مع الأب ما كانوا ولا يرث عم مع الجد ولا ابن أخ مع الجدولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية ولا يرث قاتل الخطإ من الدية ويرث من المال وكل من لا يرث بحال فلا يحجب وارثاوالمطلقة ثلاثا في المرض ترث زوجها إن مات من مرضه ذلك ولا يرثها وكذلك إن كان الطلاق واحدة وقد مات من مرضه ذلك بعد العدة وإن طلق الصحيح امرأته طلقة واحدة فإنهما يتوارثان ما كانت في العدة فإن انقضت فلا ميراث بينهما بعدها ومن تزوج امرأة في مرضه لم ترثه ولا يرثهاوترث الجدة للأم السدس وكذلك التي للأب فإن اجتمعا فالسدس بينهما إلا أن تكون التي للأم أقرب بدرجة فتكون أولى به لأنها التي فيها النص وإن كانت التي للأب أقربهما فالسدس بينهما نصفين ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين أم الأب وأم الأم وأمهاتهما ويذكر عن زيد بن ثابت أنه ورث ثلاث جدات واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب أم الأب وأم أبي الأبولم يحفظ عن الخلفاء توريث أكثر من جدتينوميراث الجد إذا انفرد فله المال وله مع الولد الذكر أو مع ولد الولد الذكر السدس فإن شركه أحد من أهل السهام غير الإخوة والأخوات فليقض له بالسدس فإن بقي شيء من المال كان له فإن كان مع أهل السهام إخوة فالجد مخير في ثلاثة أوجه يأخذ أي ذلك أفضل له إما مقاسمة الإخوة أو السدس من رأس المال أو ثلث ما بقي فإن لم يكن معه غير الإخوة فهو يقاسم أخا وأخوين أو عدلهما أربع أخوات فإن زادوا فله الثلث فهو يرث الثلث مع الإخوة إلا أن تكون المقاسمة أفضل له والإخوة للأب معه في عدم الشقائق كالشقائق فإن اجتمعوا عاده الشقائق بالذين للأب فمنعوه بهم كثرة الميراث ثم كانوا أحق منهم بذلك إلا أن يكون مع الجد أخت شقيقة ولها أخ لأب أو أخت لأب أو أخ وأخت لأب فتأخذ نصفها مما حصل وتسلم ما بقي إليهم ولا يربى للأخوات مع الجد إلا في الغراء وحدها وسنذكرها بعد هذا.

ويرث المولى الأعلى إذا انفرد جميع المال كان رجلا أو امرأة فإن كان معه أهل سهم كان للمولى ما بقي بعد أهل السهام ولا يرث المولى مع العصبة وهو أحق من ذوي الأرحام الذين لا سهم لهم في كتاب الله عز وجل ولا يرث من ذوي الأرحام إلا من له سهم في كتاب اللهولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو جره من أعتقن إليهن بولادة أو عتقوإذا اجتمع من له سهم معلوم في كتاب الله وكان ذلك أكثر من المال أدخل عليهم كلهم الضرر وقسمت الفريضة على مبلغ سهامهمولا يعال للأخت مع الجد إلا في الغراء وحدها وهي امرأة تركت زوجها وأمها وأختها لأبوين أو لأب وجدها فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس فلما فرغ المال أعيل للأخت بالنصف ثلاثة ثم جمع إليها سهم الجد فيقسم جميع ذلك بينهما على الثلث لها والثلثين له فتبلغ سبعة وعشرين سهما.

باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب
الوضوء للصلاة فريضة وهو مشتق من الوضاءة إلا المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين منه فإن ذلك سنة والسواك مستحب مرغب فيه والمسح على الخفين رخصة وتخفيف والغسل من الجنابة ودم الحيض والنفاس فريضة وغسل الجمعة سنة وغسل العيدين مستحب والغسل على من أسلم فريضة لأنه جنب وغسل الميت سنةوالصلوات الخمس فريضة وتكبيرة الإحرام فريضة وباقي التكبير سنة والدخول في الصلاة بنية الفرض فريضة ورفع اليدين سنة والقراءة بأم القرآن في الصلاة فريضة وما زاد عليها سنة واجبة والقيام والركوع والسجود فريضة والجلسة الأولى سنة والثانية فريضة والسلام فريضة والتيامن به قليلا سنة وترك الكلام في الصلاة فريضة والتشهدان سنة والقنوت في الصبح حسن وليس بسنة واستقبال القبلة فريضة وصلاة الجمعة والسعي إليها فريضة والوتر سنة واجبة وكذلك صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء وصلاة الخوف واجبة أمر الله سبحانه وتعالى بها وهو فعل يستدركون به فضل الجماعةوالغسل لدخول مكة مستحبوالجمع ليلة المطر تخفيف وقد فعله الخلفاء الراشدون والجمع بعرفة والمزدلفة سنة واجبة وجمع المسافر في جد السير رخصة وجمع المريض يخاف أن يغلب على عقله تخفيف وكذلك جمعه لعلة به فيكون ذلك أرفق بهوالفطر في السفر رخصة والإقصار فيه واجب وركعتا الفجر من الرغائب وقيل من السنن وصلاة الضحى نافلة وكذلك قيام رمضان نافلة وفيه فضل كبير ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والقيام من الليل في رمضان وغيره من النوافل المرغب فيها والصلاة على موتى المسلمين فريضة يحملها من قام بها وكذلك مواراتهم بالدفن وغسلهم سنة واجبةوكذلك طلب العلم فريضة عامة يحملها من قام بها إلا ما يلزم الرجل في خاصة نفسهوفريضة الجهاد عامة يحملها من قام بها إلا أن يغشى العدو محلة قوم فيجب فرضا عليهم قتالهم إذا كانوا مثلي عددهم والرباط في ثغور المسلمين وسدها وحياطتها واجب يحمله من قام به.

وصوم شهر رمضان فريضة والاعتكاف نافلة والتنفل بالصوم مرغب فيه وكذلك صوم يوم عاشوراء ورجب وشعبان ويوم عرفة والتروية وصوم يوم عرفة لغير الحاج أفضل منه للحاجوزكاة العين والحرث والماشية فريضة وزكاة الفطر سنة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلموحج البيت فريضة والعمرة سنة واجبة والتلبية سنة واجبة والنية بالحج فريضة والطواف للإفاضة فريضة والسعي بين الصفا والمروة فريضة والطواف المتصل به واجب وطواف الإفاضة آكد منه والطواف للوداع سنة والمبيت بمنى ليلة يوم عرفة سنة والجمع بعرفة واجب والوقوف بعرفة فريضة ومبيت المزدلفة سنة واجبة ووقوف المشعر الحرام مأمور به ورمي الجمار سنة واجبة وكذلك الحلاق وتقبيل الركن سنة واجبة والغسل للإحرام سنة والركوع عند الإحرام سنة وغسل عرفة سنة والغسل لدخول مكة مستحبوالصلاة في الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة والصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فذا أفضل من الصلاة في سائر المساجد واختلف في مقدار التضعيف بذلك بين المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يختلف أن الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه وسوى المسجد الحرام من المساجد وأهل المدينة يقولون إن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون الألف وهذا كله في الفرائض وأما النوافل ففي البيوت أفضلوالتنفل بالركوع لأهل مكة أحب إلينا من الطواف والطواف للغرباء أحب إلينا من الركوع لقلة وجود ذلك لهمومن الفرائض غض البصر عن المحارم وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج ولا في النظر إلى المتجالة ولا في النظر إلى الشابة لعذر من شهادة عليها وشبهه وقد أرخص في ذلك للخاطبومن الفرائض صون اللسان عن الكذب والزور والفحشاء والغيبة والنميمة والباطل كله قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وقال عليه السلام: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"وحرم الله سبحانه دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إلا بحقها ولا يحل دم امرئ

مسلم إلا أن يكفر بعد إيمانه أو يزني بعد إحصانه أو يقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض أو يمرق من الدين ولتكف يدك عما لا يحل لك من مال أو جسد أو دم ولا تسع بقدميك فيما لا يحل لك ولا تباشر بفرجك أو بشيء من جسدك ما لا يحل لك قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5- 7] وحرم الله سبحانه الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن يقرب النساء في دم حيضهن أو نفاسهن وحرم من النساء ما تقدم ذكرنا إياه وأمر بأكل الطيب وهو الحلال فلا يحل لك أن تأكل إلا طيبا ولا تلبس إلا طيبا ولا تركب إلا طيبا ولا تسكن إلا طيبا وتستعمل سائر ما تنتفع به طيبا ومن وراء ذلك مشتبهات من تركها سلم ومن أخذها كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيهوحرم الله سبحانه أكل المال بالباطل ومن الباطل الغصب والتعدي والخيانة والربا والسحت والقمار والغرر والغش والخديعة والخلابةوحرم الله سبحانه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وما ذبح لغير الله وما أعان على موته ترد من جبل أو وقذة بعصا أو غيرها والمنخنقة بحبل أو غيره إلا أن يضطر إلى ذلك كالميتة وذلك إذا صارت بذلك إلى حال لا حياة بعده فلا ذكاة فيها ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ ولا يصلى عليه ولا يباع ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في الحياة وأحب إلينا أن يغسل ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيلوكل شيء من الخنزير حرام وقد أرخص في الانتفاع بشعرهوحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرها وشراب العرب يومئذ فضيخ التمر وبين الرسول عليه السلام أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام وكل ما خامر العقل فأسكره من كل شراب فهو خمر وقال الرسول عليه السلام: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها"ونهى عن الخليطين من الأشربة وذلك أن يخلطا عند الانتباذ وعند الشرب ونهى عن الانتباذ في الدباء والمزفت ونهى عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل لحوم الحمر الأهلية ودخل مدخلها لحوم الخيل والبغال لقول الله تبارك وتعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] ولا ذكاة في شيء منها إلا في الحمر الوحشيةولا بأس بأكل سباع الطير وكل ذي مخلب منها.

ومن الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقين وإن كانا مشركين فليقل لهما قولا لينا وليعاشرهما بالمعروف ولا يطعهما في معصية كما قال الله سبحانه وتعالى وعلى المؤمن أن يستغفر لأبويه المؤمنين وعليه موالاة المؤمنين والنصيحة لهم ولا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه كذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أن يصل رحمهومن حق المؤمن على المؤمن أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض ويشمته إذا عطس ويشهد جنازته إذا مات ويحفظه إذا غاب في السر والعلانية ولا يهجر أخاه فوق ثلاث ليال والسلام يخرجه من الهجران ولا ينبغي له أن يترك كلامه بعد السلام والهجران الجائز هجران ذي البدعة أو متجاهر بالكبائر لا يصل إلى عقوبته ولا يقدر على موعظته أو لا يقبلها ولا غيبة في هذين في ذكر حالهما ولا فيما يشاور فيه لنكاح أو مخالطة ونحوه ولا في تجريح شاهد ونحوهومن مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعكوجماع آداب الخير وأزمته تتفرع عن أربعة أحاديث قول النبي عليه السلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقوله عليه السلام من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقوله عليه السلام للذي اختصر له في الوصية لا تغضب وقوله عليه السلام: "المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه"ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله ولا أن تتلذذ بسماع كلام امرأة لا تحل لك ولا سماع شيء من الملاهي والغناء ولا قراءة القرآن باللحون المرجعة كترجيع الغناء وليجل كتاب الله العزيز أن يتلى إلا بسكينة ووقار وما يوقن أن الله يرضى به ويقرب منه مع إحضار الفهم لذلكومن الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من بسطت يده في الأرض وعلى كل من تصل يده إلى ذلك فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبهوفرض على كل مؤمن أن يريد بكل قول وعمل من البر وجه الله الكريم ومن أراد بذلك غير الله لم يقبل عمله والرياء الشرك الأصغروالتوبة فريضة من كل ذنب من غير إصرار والإصرار المقام على الذنب واعتقاد العود إليه.

ومن التوبة رد المظالم واجتناب المحارم والنية أن لا يعود وليستغفر ربه ويرجو رحمته ويخاف عذابه ويتذكر نعمته لديه ويشكر فضله عليه بالأعمال بفرائضه وترك ما يكره فعله ويتقرب إليه بما تيسر له من نوافل الخير وكل ما ضيع من فرائضه فليفعله الآن وليرغب إلى الله في تقبله ويتوب إليه من تضييعه وليلجأ إلى الله فيما عسر عليه من قياد نفسه ومحاولة أمره موقنا أنه المالك لصلاح شأنه وتوفيقه وتسديده لا يفارق ذلك على ما فيه من حسن أو قبيح ولا ييأس من رحمة اللهوالفكرة في أمر الله مفتاح العبادة فاستعن بذكر الموت والفكرة فيما بعده وفي نعمة ربك عليك وإمهاله لك وأخذه لغيرك بذنبه وفي سالف ذنبك وعاقبة أمرك ومبادرة ما عسى أن يكون قد اقترب من أجلكولا تخرج امرأة إلا مستترة فيما لا بد لها منه من شهود موت أبويها أو ذي قرابتها أو نحو ذلك مما يباح لها ولا تحضر من ذلك ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود أو شبهه من الملاهي الملهية إلا الدف في النكاح وقد اختلف في الكبرولا يخلو رجل بامرأة ليست منه بمحرم ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليها أو نحو ذلك أو إذا خطبها وأما المتجالة فله أن يرى وجهها على كل حالوينهى النساء عن وصل الشعر وعن الوشمومن لبس خفا أو نعلا بدأ بيمينه وإذا نزع بدأ بشماله ولا بأس بالانتعال قائما ويكره المشي في نعل واحدةوتكره التماثيل في الأسرة والقباب والجدران والخاتم وليس الرقم في الثوب من ذلك وتركه أحسنواختلف في لباس الخز فأجيز وكره وكذلك العلم في الثوب من الحرير إلا الخط الرقيقولا يلبس النساء من الرقيق ما يصفهن إذا خرجن ولا يجر الرجل إزاره بطرا ولا ثوبه من الخيلاء وليكن إلى الكعبين فهو أنظف لثوبه وأتقى لربه وينهى عن اشتمال الصماء وهي على غير ثوب يرفع ذلك من جهة واحدة ويسدل الأخرى وذلك إذا لم يكن تحت اشتمالك ثوبواختلف فيه على ثوب ويؤمر بستر العورة وإزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه والفخذ

عورة وليس كالعورة نفسهاولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر ولا تدخله المرأة إلا من علة ولا يتلاصق رجلان ولا امرأتان في لحاف واحد.

باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك
ومن الفطرة خمس قص الشارب وهو الإطار وهو طرف الشعر المستدير على الشفة لا إحفاؤه والله أعلم وقص الأظفار ونتف الجناحين وحلق العانة ولا بأس بحلاق غيرها من شعر الجسد والختان للرجال سنة والخفاض للنساء مكرمةوأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تعفى اللحية وتوفر ولا تقص قال مالك ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا وقاله غير واحد من الصحابة والتابعينويكره صباغ الشعر بالسواد من غير تحريم ولا بأس به بالحناء والكتم ونهى الرسول عليه السلام الذكور عن لباس الحرير وتختم الذهب وعن التختم بالحديد ولا بأس بالفضة في حلية الخاتم والسيف والمصحف ولا يجعل ذلك في لجام ولا سرج ولا سكين ولا في غير ذلك ويتختم النساء بالذهب ونهي عن التختم بالحديد والاختيار مما روي في التختم التختم في اليسار لأن تناول الشيء باليمين فهو يأخذه بيمينه ويجعله في يساره.

باب في الطعام والشراب
وإذا أكلت أو شربت فواجب عليك أن تقول بسم الله وتتناول بيمينك فإذا فرغت فلتقل الحمد لله وحسن أن تلعق يدك قبل مسحها ومن آداب الأكل أن تجعل بطنك ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس وإذا أكلت مع غيرك أكلت مما يليك ولا تأخذ لقمة حتى تفرغ الأخرى ولا تتنفس في الإناء عند شربك ولتبن القدح عن فيك ثم تعاوده إن شئت ولا تعب الماء عبا ولتمصه مصاوتلوك طعامك وتنعمه مضغا قبل بلعه وتنظف فاك بعد طعامك وإن غسلت يدك من الغمر واللبن فحسن وتخلل ما تعلق بأسنانك من الطعام ونهى الرسول عليه السلام عن الأكل والشرب بالشمال وتناول إذا شربت من على يمينك وينهى عن النفخ في الطعام والشراب والكتاب وعن الشرب في آنية الذهب والفضة ولا بأس بالشرب قائما ولا ينبغي لمن أكل الكراث أو الثوم أو البصل نيئا أن يدخل المسجد ويكره أن يأكل متكئا ويكره الأكل من رأس الثريد ونهي عن القران في التمر وقيل إن ذلك مع الأصحاب الشركاء فيه ولا بأس بذلك مع أهلك أو مع قوم تكون أنت أطعمتهم ولا بأس في التمر وشبهه أن تجول يدك في الإناء لتأكل ما تريد منه وليس غسل اليد قبل الطعام من السنة إلا أن يكون بها أذى وليغسل يده وفاه بعد الطعام من الغمر وليمضمض فاه من اللبن وكره غسل اليد بالطعام أو بشيء من القطاني وكذلك بالنخالة وقد اختلف في ذلك ولتجب إذا دعيت إلى وليمة المعرس إن لم يكن هناك لهو مشهور ولا منكر بين وأنت في الأكل بالخيار وقد أرخص مالك في التخلف لكثرة زحام الناس فيها.

باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله والقول في السفر
ورد السلام واجب والابتداء به سنة مرغب فيها والسلام أن يقول الرجل السلام عليكم ويقول الراد وعليكم السلام أو يقول سلام عليكم كما قيل له وأكثر ما ينتهي السلام إلى البركة أن تقول في ردك وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولا تقل في ردك سلام الله عليكوإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم وكذلك إن رد واحد منهم وليسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالسوالمصافحة حسنة وكره مالك المعانقة وأجازها ابن عيينة وكره مالك تقبيل اليد وأنكر ما روي فيه ولا تبتدأ اليهود والنصارى بالسلام فمن سلم على ذمي فلا يستقيله وإن سلم عليه اليهودي أو النصراني فليقل عليك ومن قال عليك السلام بكسر السين وهي الحجارة فقد قيل ذلكوالاستئذان واجب فلا تدخل بيتا فيه أحد حتى تستأذن ثلاثا فإن أذن لك وإلا رجعتويرغب في عيادة المرضىولا يتناجى اثنان دون واحد وكذلك جماعة إذا أبقوا واحدا منهم وقد قيل لا ينبغي ذلك إلا بإذنه وذكر الهجرة قد تقدم في باب قبل هذاقال معاذ بن جبل ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله وقال عمر أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ومن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أصبح وأمسى "اللهم بك نصبح وبك نمسي وبك نحيا وبك نموت" ويقول في الصباح "وإليك النشور" وفي المساء: "وإليك المصير" وروي مع ذلك "اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظا ونصيبا في كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو ذنب تغفره أو شدة تدفعها أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها برحمتك إنك على كل شيء قدير"ومن دعائه عليه السلام عند النوم أنه كان يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن واليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول: "اللهم باسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك رهبة منك

ورغبة إليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك أستغفرك وأتوب إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"ومما روي في الدعاء عند الخروج من المنزل "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي" وروي في دبر كل صلاة أن يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويكبر الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديروعند الخلاء تقول الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوتهوتتعوذ من كل شيء تخافه وعندما تحل بموضع أو تجلس بمكان أو تنام فيه تقول أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلقومن التعوذ أن تقول أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن فتنة الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ويقال في ذلك أيضا ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيمويستحب لمن دخل منزله أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا باللهويكره العمل في المساجد من خياطة ونحوها ولا يغسل يديه فيه ولا يأكل فيه إلا مثل الشيء الخفيف كالسويق ونحوه ولا يقص فيه شاربه ولا يقلم فيه أظفاره وإن قص أو قلم أخذه في ثوبه ولا يقتل فيه قملة ولا برغوثا وأرخص في مبيت الغرباء في مساجد الباديةولا ينبغي أن يقرأ في الحمام إلا الآيات اليسيرة ولا يكثر ويقرأ الراكب والمضطجع والماشي من قرية إلى قرية ويكره ذلك للماشي إلى السوق وقد قيل إن ذلك للمتعلم واسع ومن قرأ القرآن في سبع فذلك حسن والتفهم مع قلة القراءة أفضل وروي أن النبي عليه السلام لم يقرأه في أقل من ثلاثويستحب للمسافر أن يقول عند ركوبه: بسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في

الأهل والمال ويقول الراكب إذا استوى على الدابة سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبونوتكره التجارة إلى أرض العدو وبلد السودان وقال النبي عليه السلام: "السفر قطعة من العذاب"ولا ينبغي أن تسافر المرأة مع غير ذي محرم منها سفر يوم وليلة فأكثر إلا في حج الفريضة خاصة في قول مالك في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها ذو محرم فذلك لها.

باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك
ولا بأس بالاسترقاء من العين وغيرها والتعوذ والتعالج وشرب الدواء والفصد والكي والحجامة حسنة والكحل للتداوي للرجال جائز وهو من زينة النساء ولا يتعالج بالخمر ولا بالنجاسة ولا بما فيه ميتة ولا بشيء مما حرم الله سبحانه وتعالىولا بأس بالاكتواء والرقى بكتاب الله وبالكلام الطيب ولا بأس بالمعاذة تعلق وفيها القرآنوإذا وقع الوباء بأرض قوم فلا يقدم عليه ومن كان بها فلا يخرج فرارا منهوقال الرسول عليه السلام في الشؤم إن كان ففي المسكن والمرأة والفرس وكان عليه السلام يكره سيى ء الأسماء ويحب الفأل الحسنوالغسل للعين أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب على المعينولا ينظر في النجوم إلا ما يستدل به على القبلة وأجزاء الليل ويترك ما سوى ذلكولا يتخذ كلب في الدور في الحضر ولا في دور البادية إلا لزرع أو ماشية يصحبها في الصحراء ثم يروح معها أو لصيد يصطاده لعيشه لا للهوولا بأس بخصاء الغنم لما فيه من صلاح لحومها ونهي عن خصاء الخيل ويكره الوسم في الوجه ولا بأس به في غير ذلكويترفق بالمملوك ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق.

باب في الرؤيا والتثاوب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ومن رأى منكم ما يكره في منامه فإذا استيقظ فليتفل عن يساره ثلاثا وليقل: اللهم إني أعوذ بك من شر ما رأيت في منامي أن يضرني في ديني ودنياي"ومن تثاءب فليضع يده على فيه ومن عطس فليقل: الحمد الله وعلى من سمعه يحمد الله أن يقول له: يرحمك الله ويرد العاطس عليه: يغفر الله لنا ولكم أو يقول: يهديكم الله ويصلح بالكمولا يجوز اللعب بالنرد ولا بالشطرنج ولا بأس أن يسلم على من يلعب بها ويكره الجلوس إلى من يلعب بها والنظر إليهمولا بأس بالسبق بالخيل وبالإبل وبالسهام بالرمي وإن أخرجا شيئا جعلا بينهما محللا يأخذ ذلك المحلل إن سبق هو وإن سبق غيره لم يكن عليه شيء هذا قول ابن المسيب وقال مالك إنما يجوز أن يخرج الرجل سبقا فإن سبق غيره أخذه وإن سبق هو كان للذي يليه من المتسابقين وإن لم يكن غير جاعل السبق وآخر فسبق جاعل السبق أكله من حضر ذلكوجاء فيما ظهر من الحيات بالمدينة أن تؤذن ثلاثا وإن فعل ذلك في غيرها فهو حسن ولا تؤذن في الصحراء ويقتل ما ظهر منهاويكره قتل القمل والبراغيث بالنار ولا بأس إن شاء الله بقتل النمل إذا آذت ولم يقدر على تركها ولو لم تقتل كان أحب إلينا ويقتل الوزغ ويكره قتل الضفادعوقال النبي عليه السلام: "إن الله أذهب عنكم غبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي أو فاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب " وقال النبي عليه السلام في رجل تعلم أنساب الناس "علم لا ينفع وجهالة لا تضر" وقال عمر: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم وقال مالك: وأكره أن يرفع في النسبة فيما قبل الإسلام من الآباءوالرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ومن رأى في منامه ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ من شر ما رأى ولا ينبغي أن يفسر الرؤيا من لا علم له بها ولا يعبرها على الخير وهي عنده على المكروهولا بأس بإنشاد الشعر وما خف من الشعر أحسن ولا ينبغي أن يكثر منه ومن الشغل

به وأولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله علم دينه وشرائعه مما أمر به ونهى عنه ودعا إليه وحض عليه في كتابه وعلى لسان نبيه والفقه في ذلك والفهم فيه والتهمم برعايته والعمل به والعلم أفضل الأعمال وأقرب العلماء إلى الله تعالى وأولاهم به أكثرهم له خشية وفيما عنده رغبة والعلم دليل إلى الخيرات وقائد إليها واللجأ إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه واتباع سبيل المؤمنين وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة ففي المفزع إلى ذلك العصمة وفي اتباع السلف الصالح النجاة وهم القدوة في تأويل ما تأولوه واستخراج ما استنبطوه وإذا اختلفوا في الفروع والحوادث لم يخرج عن جماعتهموالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللهقال أبو محمد عبد الله بن أبي زيدقد أتينا على ما شرطنا أن نأتي به في كتابنا هذا مما ينتفع به إن شاء الله من رغب في تعليم ذلك من الصغار ومن احتاج إليه من الكبار وفيه ما يؤدي الجاهل إلى علم ما يعتقده من دينه ويعمل به من فرائضه ويفهم كثيرا من أصول الفقه وفنونه ومن السنن والرغائب والآدابوأنا أسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياك بما علمنا ويعيننا وإياك على القيام بحقه فيما كلفنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

فواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العظيم ذي الجلال والإكرام، المان علينا بنعمة الإسلام، والمبين لنا معالم حدود الأحكام، مفرقا لنا فيه بين الحلال والحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله، الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي ليس لنهايته أمد، المنزه عن الصاحبة والشريك والولد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله من بختم النبوة والرسالة انفرد، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه في كل أمد"وبعد": فيقول العبد الحقير الضعيف، والمفتقر إلى مولاه القوي اللطيف، أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي بلدا، الأزهري موطنا المالكي مذهبا، قد كثر اشتغال الناس برسالة الإمام أبي محمد الملقبة بباكورة السعد وبزبدة المذهب، لما ظهر في الخافقين من أثرها وبركتها، لأنها أول مختصر ظهر في المذهب بعد تفريع ابن الجلاب وكثرت الشراح عليها، ولم يكن يستغنى بواحد منها عن غيره، أردت أن أضع عليها شرحا مشتملا إن شاء الله بفضله العميم على ما يحتاج إليه، بحيث إن الشيخ أو الطالب يستغني به عند الاقتصار عليه وسميته: "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " وأسأل الله المان بفضله أن يرزقني الإخلاص بوضعه ليكون موجبا للفوز لديه للقطع بعجزنا والعلم بأن الأمر منه وإليه، وسلكت فيه صنعة المزج ليسهل تناوله، فقلت مستعينا بالله إنه مفيض الخير والجودقوله: "بسم" ابتدأ بها لأنه يستحب الابتداء بها اقتداء بالكتب السماوية التي أشرفها القرآن لما قاله العلامة أبو بكر التونسي من إجماع علماء كل ملة على أن الله سبحانه افتتح جميع كتبه ببسم الله الرحمن الرحيم، ويشهد له خبر بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة كل كتاب، وقول يوسف بن عمر أنها مبدأ كلمات الله لما ورد من أنها أنزلت على آدم ثم رفعت وأنزلت على من بعده حتى أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم فقول المؤلفين اقتداء بالقرآن ليس للاحتراز بل لأنه أشرف الكتب المنزلة، ولم تزل الناس تقتدي بالأشرف وعملا بخبر "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أو باسم الله أو بالحمد لله أو بحمد أو لا يفتتح بذكر الله فهو أقطع أو أبتر أو أجذم" 1 أي قليل البركة أو مقطوعهاـــــــ
1 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الأدب باب: الهدي في الكلام حديث 4840, واين ماجة حديث 1894 وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/220. صححه ابن حبان وفي إسناده مقال وعلى تقدير صحته فالرواية المشهورة فيه بلفظ حمد الله وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية.

ولا تعارض بين هذه الروايات لأن المقيد منها يحمل على المطلق، فكل لفظ ابتدئ به منها يحصل المقصود، لأن الغرض الثناء على الله وهو يحصل بمطلق ذكرولا يقال: القاعدة عكس هذا الحمل لأن المعروف عند الأصوليين حمل المطلق على المقيد كما في آيتي الظهار والقتل فإنهم حملوا الرقبة المطلقة في الظهار على المقيدة في كفارة القتل بالمؤمنة. لأنا نقول: قاعدة الأصوليين مشروطة بكون القيد واحدا، وأما إذا تعددت القيود وتخالفت فيرجع للمطلق أو يحمل حديث البسملة على البدء الحقيقي وهو جعل الشيء أول عمل يعمل بحيث لم يسبقه شيء. وحديث الحمدلة على الإضافي وهو الذي يكون أمام المقصود بالذات فيصدق بما بعد البسملة، ولم يعكس لقوة حديث البسملة ولموافقة الكتاب العزيز الوارد على هذا المنوال، أو أن الغرض من الروايات تخيير البادئ في العمل برواية منها، لأن الخبرين إذا تعارضا ولم يعلم سبق ولا نسخ فإنه يخير في العمل بأحدهما كما في الأصول، ذكر هذا الجواب مرشد الشيرازي، والذي قاله الحافظ ابن حجر أنه يوقف عن العمل بهما، وهذا التعارض المحتاج لتلك الأجوبة مبني على حمل الباء في بسم الله وفي بالحمد لله صلة ليبدأوأما إن جعلت للاستعانة أو للمصاحبة التبركية أو للملابسة فلا تعارض، لأن الاستعانة بشيء لا تنافي الاستعانة بغيره، ومعنى البال الحال والشأن، ومعنى أقطع وأجذم وأبتر ناقص قليل البركة، ويصح أن يكون من باب التشبيه البليغ، وهو ما حذفت منه أداة التشبيه نحو زيد حمار أو أسد أي كأجذم أو كأبتر في النقص، لأن الشخص الأجذم ناقص بالنسبة للسليم، والشاة ذات الذنب كاملة بالنسبة لمقطوعته، فهو من باب تشبيه النقص المعنوي بالحسي، لأن الحسي قريب للنفس تدركه سريعا فشبه صلى الله عليه وسلم به لذلك، وقيد الأمر بذي البال للاحتراز عن الأمور غير ذات البال وهي سفاسف الأمور ومحقراتها، فلا تطلب فيها بسملة لعدم الاهتمام بها أو يهتم بها لا شرعا، فلا يجوز فيها تسمية بل تحرم في المحرم وتكره في المكروهفإن قيل: البسملة والحمدلة من الأمور ذوات البال فتحتاج إلى البسملة ويتسلسل الأمرأجيب بجوابين: أحدهما: أن المراد الأمر الذي يقصد في ذاته بحيث لا يكون وسيلة لغيرهثانيهما: وهو الأحسن أن يقال كل من البسملة والحمدلة كما يحصل البركة لغيره ويمنع نقصه كذلك يجب أن يحصل البركة لنفسه كالشاة من الأربعين تزكي نفسها وغيرها، وإنما كان هذا الجواب أحسن لأن الوسيلة قد تطلب فيها البسملة كالوضوء.

فإن قيل: كثير من الأمور يبدأ فيه بالبسملة والحمدلة ولا يتم وكثير بالعكس فالجواب: أن المراد بالتمام في الحديث كونه معتبرا شرعا باشتماله على ما يستحب فيه ويحصل البركة، ويعدم تمامه عدم اعتباره في الشرع فالمراد بتمامه تمامه في المعنى، وبعدم تمامه نقصه في المعنى وإن كمل في الحسفإن قيل: يشكل على الحديث {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] فإنه لم يصدر اسم الله لأن صورة الكتاب الذي أرسله سليمان عليه السلام لبلقيس: من عبد الله بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] ثم طبقه بالمسك وختمه بخاتمه ثم قال للهدهد: اذهب بكتابي، هذا فألقه إليهم أي إلى بلقيس وقومها مع أن الكتاب من ذوات البال. فالجواب من وجوه: أحسنها وعليه نقتصر أن بلقيس لما كانت كافرة خاف سليمان أن تهين اسم الله إذا رأته مصدرا به في أول الكتاب فصدر سليمان اسمه ليكون وقاية لاسمه تعالىفإن قيل: مقتضى الحديث أن يقال بالله بدل بسم الله حتى يصدق عليه لفظ الابتداء باسم الله فلماذا قال بسم الله ولم يقل بالله عملا بمقتضى الحديث؟ فالجواب ما قاله شيخ الإسلام وغيره: أن كل حكم ورد على اسم فهو في الحقيقة وارد على مدلوله إلا لقرينة كضرب فعل ماض، وذلك لأنه إذا قيل: ذكرت اسم زيد فليس معناه أنه ذكر لفظ اسم بل أنه ذكر لفظ زيد لأنه مدلول اسم زيد، إذ مدلول اللفظ الدال عليه وهو لفظ زيد، فكذا قوله: بسم الله أبتدئ معناه أبتدئ بمدلول اسم الله وهو لفظ الله فكأنه قال بالله أبتدئ، وإنما لم يقل بالله لأن التبرك والاستعانة بذكر اسمه أو للفرق بين اليمين أي الحلف والتيمن أي التبرك، ولأن المسمى إذا كان في غاية العظمة لا يذكر بل اسمه وحضرته وجنابه، كما يقال: سلام على المجلس العالي وعلى الحضرة العالية، وقولنا ضرب فعل ماض فإن الحكم بالفعلية فيه إنما هو وارد على ضرب نفسه لا على مدلوله من الحدث والزمن بقرينة امتناع وروده عليه، إذ الفعلية المحكوم بها إنما يتصف بها اللفظ لا الحدث والزمانوالاسم لغة ما دل على مسمى، وعرفا ما دل مفردا على معنى بنفسه غير متعرض ببينته للزمان، وهو مشتق عند البصريين من السمو وهو العلو لأنه يعلي مسماه ويظهره، وعند الكوفيين مشتق من السمة وهي العلامة فهو من الأسماء الثلاثية المحذوفة منها، وأو هي لامه عند البصريين لأن أصله عندهم سمو، وفاؤه عند الكوفيين لأن أصله عندهم وسم، فوزن اسم

إما افع أو اعل، وفائدة الخلاف1 في الاشتقاق تظهر في صفات البارئ سبحانه وتعالى، فعلى كلام البصريين تكون صفاته تعالى قديمة، وعلى كلام الكوفيين تكون حادثة. ولا يقال: يلزم
ـــــــ
1 الخلاف: المضادة وخالفه إلى الشيء عصاه إليه أو قصده بعد أن نهاه عنه جاء في فتح القدير والدر المختار وحاشية ابن عابدين ونقله التهانوي عن بعض أصحاب الحواشي التفريق بين الاختلاف والخلاف بأن الأول يستعمل في قول بني على دليل والثاني فيما لا دليل عليه وأيده التهانوي بأن القول المرجوح في مقابلة الراجح يقال له خلاف لا اختلاف قال: والحاصل منه ثبوت الضعف في جانب المخالف في الخلاف كمخالفة الإجماع وعدم ضعف جانبه في الاختلاف وقد وقع في كلام بعض الأصوليين والفقهاء عدم اعتبار هذا الفرق بل يستعملون أحيانا اللفظين بمعنى واحد فكل أمرين خالف أحدهما الآخر خلافا فقد اختلفا إختلافا وقد يقال: إن الخلاف أعم مطلقا من الاختلاف وينفرد الخلاف في مخالفة الإجماع ونحوه. هذا ويستعمل الفقهاء التنازع أحيانا بمعنى الاختلافالاختلاف في الأمور الاجتهادية- علم الخلاف- حقبقة الاختلاف وأنواعه:
على المجتهدين تحقيق موضع الاختلاف فإن نقل الخلاف في مسألة لا خلاف فيها خطأ كما أن نقل الوفاق في موضع الخلاف لا يصح فليس كل تعارض بين قولين يعتبر اختلافا حقيقا بينهما فإن الاختلاف إما أن يكون اختلافا في العبارة أو اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد وهذ الأخير هو الاختلاف الحقيقيأما الاختلاف في العبارة فأن يعبر كل من المختلفين عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه مثال ذلك تفسير الصراط المستقيم. قال بعضهم: هو القرآن وقال بعضهم هو الإسلام فهذان القولان متفقان لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن الكريم وكذلك قول من قال: هو السنة والجماعةوأما اختلاف التنويع فأن يذكر كل من المختلفين من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصهمثال ذلك تفسير قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]
قال بعضهم: السابق: الذي يصلي أول الوقت والمقتصد في أثنائه والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار.وقيل السابق المحسن بالصدقة والمقتصد بالبيع والظالم بأكل الرباواختلاف التنوع في الأحكام الشرعية قد يكون في الوجوب تارة وفي الاستحباب أخرى فالأول مثل أن يجب على قوم الجهاد وعلى قوم الصدقة وعلى قوم تعليم العلم وهذا يقع في فروض الأعيان كما مثل. وفي فروض الكفايات ولها تنوع يخصها وهو أنها تتعين على من لم يقم بها غيره فقد تتعين في وقت أو مكان وعلى شخص أو طائفة كما يقع مثل ذلك في الولايات والجهات والفتيا والقضاء قال ابن تيمية: وكذلك كل تنوع في الواجبات يقع مثله في المستحباتوقد نظر الشاطبي في المسألة وحصر الخلاف غير الحقيقي في عشرة أنواع: منها: ما تقدم من الاختلاف في العبارة ومنها: أن لا يتوارد الخلاف على محل واحد. ومنها: اختلاف أقوال الإمام الواحد بناء على تغير الاجتهاد والرجوع عما أفتى به أولا. ومنها: أن يقع الاختلاف في العمل لا في الحكم بأن يكون كل من العملين جائزا كاختلاف القراء في وجوه القراءات فإنهم لم يقرءوا بما قرءوا به على إنكار غيره بل على إجازته والإقرار بصحته فهذا ليس في الحقيقة باختلاف فإن المرويات على الصحة لا خلاف فيها إذ الكل متواتروهذه الأنواع السابقة تقع في تفسير القرآن وفي اختلافهم في شرح السنة وكذلك في فتاوى الأئمة وكلامهم في مسائل العلم. وهي أنواع وإن سميت خلافا – إلا أنها ترجع إلى الوفاق.

على هذا كون الكوفيين معتزلة. لأنا نقول: لازم المذهب ليس بمذهب على الصواب على أن هذا مقتضى اللفظوجرى خلاف في كون الاسم عين المسمى أو غيره أو ولا والحق التفصيل1وهو أنه إن
ـــــــ
الحكم التكليفي للاختلاف بحسب أنواعه: أمور الدين التي يمكن أن يقع فيها الخلاف إما أصول الدين أو فروعه وكل منهما إما أن يثبت بالأدلة القاطعة أو لا فهي أربعة أنواع:
النوع الأول: أصول الدين التي تثبت بالأدلة القاطعة كوجود الله تعالى ووحدانيته وملائكته وكتبه ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم والبعث بعد الموت ونحو ذلك. فهذه أمور لا مجال فيها للاختلاف من أصاب الحق فيها فهو مصيب ومن أخطأه فهو كافرالنوع الثاني: بعض مسائل أصول الدين مثل مسألة رؤية الله في الآخرة وخلق القرآن وخروج الموحدين من النار وما يشابه ذلك فقيل يكفر المخالف ومن القائلين بذلك الشافعي فمن أصحابه من حمله على ظاهره ومنهم من حمله على كفران النعم وشرط عدم التكفير أن يكون المخالف مصدقا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والتكذيب المكفر أن ينفي ما أخبر به الرسول ويزعم أن ما قاله كذب محض أراد به صرف الناس عن شيء يريده كذا قال الغزاليالنوع الثالث: الفروع المعلومة من الدين بالضرورة كفرضية الصلوات الخمس وحرمة الزنا فهذا ليس موضعا للخلاف ومن خالف فيه فقد كفر
النوع الرابع: الفروع الاجتهادية التي قد تخفى أدلتها فهذه الخلاف فيها واقع في الامة ويعذر المخالف فيها لخفاء الأدلة أو تعارضها أو الاختلاف في ثبوتها وهذا النوع هو المراد في كلام الفقهاء إذا قالوا في المسألة خلاف. وهو موضوع هذا البحث على أنه الخلاف المعتد به في الأمور الفقهية فأما إن كان في المسألة دليل صحيح صريح لم يطلع عليه المجتهد فخالفه فإنه معذور بعد بذل الجهد ويعذر أتباعه في ترك رأيه أخذا بالدليل الصحيح الذي تبين أنه لم يطلع عليه فهذا النوع لا يصح اعتماده خلافا في المسائل الشرعية لأنه اجتهاد لم يصادف محلا وإنما يعد في مسائل الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعةأدلة جواز الاختلاف في المسائل الفرعيةأولا: ما وقع من الصحابة في غزوة بني قريظة: روي البخاري عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهمثانيا: اتفاق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم كمسائل في العبادات والنكاح والمواريث والعطاء والسياسة وغير ذلك. أنظر الموسوعة الفقهية 291- 294, ومعجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 2/44, 45, ومن مصادره: النظم المستعذب 2/35, ولب الأصول على جمع الجوامع ص 181 الحق في اللغة: خلاف الباطل وهو مصدر حق الشيء يحق إذا ثبت ووجب وجاء في القاموس أن الحق يطلق على المال والملك والموجود الثابت ومعنى حق الأمر وجب ووقع بلا شك وعرفه الجرجاني بأنه الثابت الذي لا يسوغ إنكاره والحق اسم من أسماء الله تعالى وقيل من صفاته ومن معاني الحق في اللغة: النصيب والواجب واليقين وحقوق العقار مرافقه.

أريد اللفظ فغير المسمى لأنه يتألف من أصوات وحروف والمسمى لا يكون كذلك، وإن أريد به ذات الشيء فهو عين المسمى لكنه لم يشتهر بهذا المعنى، وأما لو أريد بالاسم الصفة لانقسم انقسامها فيكون عين المسمى في الواحد والقديم وغيره في كالخالق والرازق، ويكون لا عينا ولا غيرا في نحو الحي والسميع وسائر صفات الذات"الله" علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد فهو جزئي، وقولنا: الواجب الوجود إلخ تعيين للموضوع له، فلا يقال: إن الواجب الوجود كلي فلا يكون الموضوع له معينا، فلا تفيد لا إله إلا الله التوحيد وهو أعرف المعارف والاسم الأعظم أيضا عند أكثر أهل العلم، وعدم الاستجابة لكثيرين لعدم استجماعهم شروط الدعاء التي من جملتها أكل الحلال لم يتسم به غيره تعالى، ويقال: إن بعض الجبارين عزم أن يسمي ولده بلفظ الله فابتلعته الأرض، وقيل: نزلت عليه نار فأحرقته. اختلف في أصل لفظ الجلالة الذي تركبت منه، فقيل: أصله لاه بالتنوين عند الكوفيين مصدر لاه يليه ليها ولاها إذا احتجب أو ارتفع لأنه تعالى محجوب عن إدراك الأبصار ومرتفع عن كل شيء وعما لا يليق به، ثم أدخل عليه الألف واللام وأدغم وفخم فصار الله، وعلى هذا فهو غير مشتقوعند البصريين إله بالتنوين فيكون وصفا لأنه اسم مفعول كما يدل عليه قوله بعد ومعناه المعبود، وعلى هذا فيكون مشتقا، ثم أدخلت عليه أل فصار الإله، ثم حذفت الهمزة وأدغم وفخم، ومعناه قبل دخول أل عليه يطلق على المعبود مطلقا، وبعد دخولها يصير علما بالغلبة على الذات العلية، لكن قبل الإدغام والحذف غلبته تحقيقية وبعدهما تقديرية، والفرق بينهما أن التحقيقية اللفظ أطلق بالفعلي على غير ما غلب فيه من الأفراد، والتقديرية اللفظ فيها صالح
ـــــــ
والحق في الاصطلاح يأتي بمعنييين:
الأول: هو الحكم المطابق للواقع ويطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك ويقابله الباطلوالآخر: أن يكون بمعنى الواجب الثابتوهو قسمان: حق الله وحق العباد. فأما حق الله فقد عرفه التفتازاني: بأنه ما يتعلق به النفع العام للعالم من غير اختصاص بأحد فينسب إلى الله تعالى لعظم خطره وشمول نفعه أو كما قال ابن القيم: حق الله مالا مدخل للصلح فيه كالحدود والزكوات والكفارات وغيرها. وأما حق العبد فهو ما يتعلق به مصلحة خاصة له كحرمة ماله أو كما قال ابن القيم: وأما حقوق العباد فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها أنظر معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/578- 580, ومن مصادره: المصباح المنير حقق ص 55, وأنيس الفقهاء ص 216.

لإطلاقه على أفراد كثيرة على تقدير وجودها، لكن لم يوجد إلا الفرد المستعمل فيه اللفظ كلفظ الجلالة، فإن ذات الباري واحدة وحقيقة الغلبة قصر اللفظ على بعض مسمياته إما تحقيقا أو تقديرا، وعلى أن أصل الله إله وهو قول البصريين وإنه وصف، فاختلف فيما اشتق منه فقيل من أله يأله ألاهة وألوهة بمعنى عبد، وقيل من أله إذا تحير؛ لأن العقول تتحير في معرفته، أو من ألهمت إلى فلان أي سكنت إليه لأن القلوب تطمئن بذكره والأرواح تسكن إلى معرفته، أو من أله إذا فرغ من أمر نزل إليه، وقيل غير ذلك كما في البيضاوي، فعلم مما قررنا أن المختلف فيه بالاشتقاق وعدمه إنما هو أصل لفظ الجلالة لا لفظها، خلافا لما جرى عليه الألسنة وفي عبارة كثير من المؤلفين، ونقل الأستاذ أبو القاسم القشيري أن جميع أسمائه تعالى صالحة للتخلق بها أو التعلق إلا لفظ الجلالة فإنه لا يصح إلا للتعلق، ومعنى التعلق الاعتماد والتوكل عليه والافتقار إليه ومعنى التخلق الاتصاف فإن نحو الرحمن والحليم يمكن أن يتصف بمعناهما بعض المؤمنين نحو فلان حليم أو عنده رحمة"الرَّحْمَنِ" أي البالغ في الرحمة والإنعام لأنه المنعم بجلائل النعم "الرَّحِيمِ" المنعم بدقائق النعم، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان بنيتا للمبالغة من رحم كالعليم من علم، واستعملتا مجازا في الكثرة كسائر صفات الله التي على صيغة المبالغة كغفور وشكور ولا مبالغة فيها، لأن المبالغة الحقيقية إثباتك للشيء أكثر مما يستحقه، ولا يصح ذلك إلا فيما يقبل الزيادة والنقص، وصفاته تعالى منزهة عن ذلك لبلوغها الغاية، ولا يقال: الصفة المشبهة إنما تصاغ من اللازم ورحم متعد، لأنا نقول: الفعل المتعدى إذا أريد به المدح أو الذم يجعل لازما بمنزلة فعل الغريزة، فينقل إلى باب فعل بضم العين ثم تشتق منه الصفة المشبهة أو ينزل منزلة اللازم، والفرق بين ما نزل منزلة اللازم وما جعل لازما أن الأول متعد للمفعول لكن بقطع النظر عن مفعوله فلا يذكر ولا يقدر، وأما الثاني فهو غير متعد والرحمة المفهومة من رحمن ورحيم لغة رقة في القلب وانعطاف تقتضي التفضل والإحسان، وهذا المعنى محال في حقه تعالى، فيجب حمله في حقه تعالى على الغاية لا على المبدأ، فالتفضل والإحسان غاية الرحمة والرقة مبدؤها، وكذا سائر أسماء الله المأخوذة من نحو ذلك إنما تؤخذ في حقه باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعالات، فالرحمة في حقه إرادة التفضل بناء على أنها صفة ذات أو نفس التفضل بناء على أنها صفة فعل، فهي مجاز مرسل في الإحسان أو في إرادته بإطلاق اسم السبب على المسبب أو استعارة تمثيلية، وهي ما يكون وجه الشبه فيها منتزعا من

عدة أمور، بأن يمثل حاله تعالى بحال ملك عطف على رعيته ورق لهم فعمهم معروفه فأطلق عليه الاسم وأريد غايته التي هي الإحسان أو إرادته، ومن هنا يؤخذ أن الرحمن مجاز لا حقيقة له على نزاع بينهم من فن البيان يطول ذكرهوإنما قدم الله على الرحمن الرحيم لأنه اسم. بخلافهما، والذات مقدمة على الصفات، وقدم الرحمن على الرحيم لأمور: منها اختصاصه بالبارئ بخلاف الرحيم، والخاص1 مقدم على العام2 والمختص المعرف بالألف واللام فلا يرد لا زلت رحمانا، أو أن المراد لا زلت ذا رحمة، فهو على حذف مضاف كما قاله ابن مالك، واعترض الجواب بأنه من تعنتهم في كفرهم فإنه غير مسلمومنها أبلغيته دون الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطع وقطع بالتشديد ولا ينتقض بحذر وحاذر، لأن هذا أكثري أو مشروط باتحاد نوع الاسمية، وحذر صفة مشبهة من صيغ المبالغة، وحاذر اسم فاعل، وأبلغية الرحمن إما باعتبار الكمية التي هي إفراد مدلوله التضمني وهو الرحمة، وإما باعتبار الكيفية التي هي قوة مدلوله التضمني وعظمته في نفسهومنها أنه قيل: إنه علم أو صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره؛ لأنه وصف لمن وسعت رحمته كل شيء، وهذا لا يصدق على شيء من المخلوقات. ومنها ما تقدم من أن
ـــــــ
1 الخاص في اللغة: من خص الشيء يخصه خصوصا فهو خاص من باب قعد: ضد عم واختص مثله والخاصة خلاف العامةوفي اصطلاح الأصوليين: هو ما وضع لواحد منفرد أو كثير محصور سواء أكان الواحد باعتبار الشخص كزيد أو باعتبار النوع كرجل وفرسوإذا ورد في النص لفظ خاص ثبت الحكم لمدلوله ما لم يقم دليل على تأويله وإرادة معنى آخر منه وإن تعارض الخاص مع العام بأن دل كل منهما على خلاف ما يدل عليه الآخر فذهب الشافعية إلى أن الخاص يخصص العام سواء علم أن الخاص متأخر عن العام أم تقارنا أم علم تأخره عن الخاص أم جهل التاريخ. وقال الحنفية: إن تأخر الخاص نسخ من العام بقدر ما يدل عليه وإن تأخر العام نسخ الخاص وإن جهل المتقدم يجب التوقف. إلا أن يترجح أحدهما على الآخر بمرجح. أنظر الموسوعة الفقهية 19/5, 62 العام: هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بوضع واحد من غير حصروعرف بعض الأصوليين العام بأنه: لفظ يتناول أفرادا متفقة الحدود على سبيل الشمولوالفرق بين العموم والعام: أن العام هو اللفظ المتناول والعموم تناول اللفظ لما صلح له فالعموم مصدر والعام اسم فاعل مشتق من هذا المصدروهما متغايران لأن المصدر الفعل والفعل غير الفاعل أنظر الموسوعة الفقهية 31/5.

الرحيم معناه المنعم بدقائق النعم، فذكر بعد الرحمن المنعم بالجلائل ليكون كالتتمة والرديف له، وإنما اختصت البسملة بهذه الأسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها. واختلف في الباء من بسم الله فقيل: زائدة فلا تتعلق بشيء، وعليه فاسم مبتدأ مرفوع تقديرا وخبره محذوف تقديره اسم الله مبتدأ به أو مستعان به، والصواب أنها أصلية متعلقة بمحذوف يصح كونه اسما أو فعلا خاصا أو عاما مقدما أو مؤخرا، فهذه ثمانية أوجه: الأولى منها كونه فعلا خاصا مؤخراأما أولوية كونه فعلا فلأن الأصل1 في العمل للأفعال، ولما في تقدير الاسم من زيادة الإضمار لأنه يضمر المضاف والمضاف إليه، ومتعلق الجار والمجرور إن جعل خبرا، وإن لم يجعل المجرور خبرا يحتاج إلى تقدير خبر، فالحاصل أنه يحتاج إلى ثلاثه أمور بخلاف الفعل وفاعله فإنهما كلمتان، وكونه خاصا لأن كل شارع في شيء يضمر ما تجعل التسمية مبدأ له وكونه مؤخرا عن الرحمن الرحيم، لأن تقديم المعمول ههنا أوقع كما في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لأنه أهم وأدل على الاختصاص، لأن المشركين كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم فيقولون: باسم اللات باسم العزى، فقصد الموحد تخصيص اسم الله بالابتداء للاهتمام والرد عليهم، فنكتة التقديم الاهتمام عند النحويين وإفادة الاختصاص ويعبر عنه بالحصر عند
ـــــــ
1 الأصل يجمع على أصول وقد كثر استعمال الأصل فاستعمل في كل ما يستند إليه غيره ويبتني عليه من حيث إنه يبتني عليه ويتفرع عنه فالأب أصل للولد والأساس أصل للجدار والنهر أصل للجدول وسواء أكان الإبتناء حسيا كما مثل أم عقليا كابتناء المدلول على الدليلويطلق الأصل في الاصطلاح بمعان ترجع كلها إلى استناد الفرع إلى أصله وابتنائه عليه ومن تلك المعاني الاصطلاحية:
1- الدليل في مقابلة المدلول 2-القاعدة الكلية 3- المستصحب وهو الحالة الماضية. 4- ما يقابل الأوصاف 5- وعلى أصول الإنسان: أبيه وأمه وأجداده وجداته وإن علوا. 6- على المبدل منه في مقابلة البدل. 7- وعلى أصل القياس المحل المقيس عليه 8- وعلى الأصول في باب البيوع ونحوها الأشجار والدور ونحو ذلك في مقابلة الثمرة والمنفعة 9- وعلى أصول المسائل في الميراث يخرج منه فرض المسألة أو فروضها بلا كسر. 10- وعلى الأصل في باب رواية الأخبار: الشيخ المروي عنه في مقابلة الفرع وهو الراوي أو النسخة المنقول منها في مقابلة النسخة المنقولة. 11- وعلى أصول كل علم مبادئه والقواعد العامة التي تستخدم في دراسته أنظر الموسوعة الفقهية 5/55, 56, ومعجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/203, 204, ومن مصادره الكليات ص 122, وإحكام الفصول ص 52.

البيانيين، والمراد أن المقصود بالذات للنحويين الاهتمام، والمقصود بالذات للبيانيين الحصر، فلا ينافي أن كلا من الفريقين لا يخالف غيره فيما يدعيه بل لكل مقصود بالذات، والفرق بين الاهتمام والحصر أن الحصر يقتضي الرد على مدعي الشركة أو العكس بخلافه الاهتمام لا يقتضي ردا، لأن الإنسان قد يهتم ولا يرد على أحد، وأما اختصاص بسم الله بالابتداء وحمله من بين أسماء الله مختصا بهفالحاصل أن معنى الاختصاص هنا جعل التأليف مختصا به دون غيره، فالحاصل أن معنى الاختصاص هنا جعل التأليف مقصورا على التبرك أو الاستعانة باسمه تعالى، لا التبرك أو الاستعانة باسم اللات أو العزى وهو من باب قصر الأفراد، لأنه يخاطب به من يعتقد الشركة، والكفار إنما كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم للتبرك للاختصاص لا لاعترافهم بصحة التبرك باسمه تعالى لقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 30]ومسلم الفرق بين قصر الأفراد والقلب بأن الأول يخاطب به من يعتقد الشركة، والقلب يخاطب به من يدعي العكس، وقيدنا التقديم بها هنا للاحتراز عن نحو {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فإن تقديم العامل فيه أوقع وأبلغ، لأن المقام يقتضي تقديم العامل لما قيل من أنها أول سورة أو أول آية من سورة نزلت، فكان الأمر بالقراءة أهم وإن كان ذكر الله أهم في نفسه، ولكن الأهمية العارضة تقدم مراعاتها على الذاتية، لأن العارضة في مراعاتها بلاغة ليست للذاتية، لأن بلاغة الكلام مطابقة لمقتضى الحال، أو أن بسم ربك متعلق باقرأ الثاني تعلق المفعولية ودخلت فيه الباء مع تعدي الفعل بنفسه للدلالة على التكرير، واقرأ الأول لا مفعول له لتنزيله منزلة اللازم فمعناه أوجد القراءة نحو: فلان يعطيفإن قيل: ما حكم حذف ذلك المتعلق هل الوجوب أو الجواز؟ فالجواب أن يقال: إن كان خاصا ودلت عليه قرينة ما جاز حذفه، والقرينة عليه هنا هي الشروع في التأليف وأيضا كثرة الاستعمال مع فهم المعنى، بخلاف ما لو كان خاصا ولم تدل عليه قرينة فيجب ذكره لأنه لا يحذف إلا ما علم، وأما إن كان عاما نحو: كائن أو مستقر فلا يجوز ذكره اختيارا فلا يرد. فأنت لدى بحبوحة الهون كائنفإن قيل: ما محل الجار والمجرور في مثل هذا؟ فالجواب أن فيه تفصيلا محصله إن قدر العامل فعلا كما يقوله الكوفيون كان محله نصبا على المفعولية أو على الحالية من فاعل ذلك الفعل، والتقدير أؤلف متبركا أو مستعينا بسم الله الرحمن الرحيم، وكذا لو قدر المحذوف

مصدرا مبتدأ على ما يقوله البصريون وعلقاه بنفس المبتدأ والخبر محذوف تقديره ابتدائي بسم الله ثابت أو حاصل ولا يقال: يلزم حذف المصدر وإبقاء عمله لأنه يتوسع في الظرف والمجرور بحذف عاملهما، على أن اشتراط ذكر المصدر في العمل إنما هو في عمله بطريق النيابة عن الفعل فما هنا عمله بسبب ما فيه من رائحة الفعل، لهذا يجوز تقديمه عليه عند المحققين خلافا لمن منع، واشتراط الذكر والتقديم إنما هو عند عمله بالحمل على الفعل، وكذا لو قدر تعلقه بخبر محذوف، وأما لو جعل نفس الخبر أو هو مع كائن لجاز الحكم على محله بالرفع وبالنصب، أما الحكم بالرفع فلأنه في محل الخبر، وأما بالنصب فلأنه معمول لكائن المحذوف، ومن له أدنى معرفة بالعربية يدرك ذلك. ولفظ الجلالة مجرور بالمضاف الذي هو اسم على الصحيح، والرحمن نعت الله بناء على أنه صفة، والرحيم كذلك، وأما على علمية الرحمن فيكون بيانا أو بدلا، والرحيم نعت له لا لله لئلا يلزم تقديم البدل على النعت وهو ممتنع، ويجوز أيضا جعل الرحمن نعتا لله مع كونه علما نظرا لمعناه كما قال شيخ الإسلام في متن البسملة: وهذا الإعراب مستعمل عربية وقراءة، ويجوز قطع النعت هنا للعلم بالمنعوت فيرفع الرحمن الرحيم أو ينصبان قال في الخلاصة: وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا والأوجه تسعة حاصلة من ضرب ثلاثة، وهي: رفع الرحمن أو نصبه أو جره في الثلاثة في الرحيم المجمع على جوازه منها جر الجميع، وأما رفعهما أو نصبهما أو نصب الرحيم أو رفعه مع جر الرحمن فيجوز عربية لا قراءة بخلاف جره مع نصب الرحمن أو رفعه فيمتنع
لما يلزم عليه من الاتباع بعد القطع على طريقة ابن أبي الربيع، وأما على ما قاله صاحب البسيط من أن الصحيح الجواز فلا منع، وما في نظم شيخ مشايخنا الأجهوري حيث قال: إن ينصب الرحمن أو يرتفعا فالجر في الرحيم قطعا منعا وإن يجر فأجز في الثاني ثلاثة الأوجه خذ بياني فعلى إحدى الطريقتين لشهرتها، وإلا فالشيخ واسع الاطلاع وأكثر إحاطة بما طرق الأسماعتتمة: في الكلام على البسملة مشتملة على فائدتين:
إحداهما: لا منافاة بين قول العلماء، ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز فإنه مفتتح بها بإجماع الصحابة قراءة وكتابة، وكذا في أوائل السور خلا سورة براءة، وبين قول مالك إنها ليست آية من الفاتحة ولا من كل سورة لاختلاف العلماء فيها في تلك الأماكن، ولا يقال: لو كانت قرآنا لكفر جاحدها، لأنه يقال عليه: لو كانت من غير القرآن لكفر مثبتها. وفي

التتائي: وقد يجاب عن المالكي بأنه أراد أن الكتاب العزيز ابتدأ بها في الكتابة أي وهذا لا يستلزم كونها قرآنا، وقولنا في تلك الأماكن للاحتراز عنها في آية النمل فإنها آية قطعا ثانيتهما: روي عن ابن مسعود رضي الله عنه عنه أنه قال: من أراد أن ينجيه الله تعالى من الزبانية التسعة عشر فليقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فيجعل الله له بكل حرف جنة من كل واحدوروي أن رجلا كتب إلى عمر رضي الله تعالى عنه: إن بي صداعا لا يسكن فابعث لي دواء فبعث إلي قلنسوة، فكان إذا وضعها على رأسه سكن صداعه وإذا رفعها عاد الصداع إليه، ففتحها فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما أطلنا الكلام عليها لمس الحاجة إلى ما ذكرناولما استحب بعض العلماء البداءة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبالحمدلة لكل مصنف ومدرس وقارئ بين يدي شيخه سواء كان المبدوء أو المقروء فقها أو حديثا أو غيرهما ذكرهما عقب البسملة على ما في بعض النسخ فقال: "وصلى الله " بلفظ الخبر والمراد الطلب أي أنزل يا الله الرحمة المقرونة بالتعظيم أو مطلقها، لأن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن غيرهم التضرع والدعاء بخير "على سيدنا " أي فائقنا وعظيمنا في سائر خصال الخير من ساد قومه يسودهم سيادة وهو سيد وأصله سيود على وزن فيعل اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، ويطلق السيد على الحليم الذي لا يستفزه الغضب، وعلى الكريم وعلى المالك وعلى الشخص الكامل المحتاج إليه، وعبر بسيدنا إشارة إلى جواز استعماله فيه صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها. قال في التحقيق: واستعماله في غير الله كثير، قال تعالى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} [آل عمران: 39] {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} [يوسف: 25]واختلف في إطلاقه على الله تعالى، فعن مالك منعه وقيل يكره وقيل يجوز، ولا وجه لمنع استعماله في غير الله تعالى، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحسن: "إن ابني هذا سيد" 1 وفي سعد: "قوموا لسيدكم" 2 و "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" 3 "محمد " بدل أو عطف بيانـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الصلح باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: "إن ابني هذا سيد"حديث 2704, وأبو داود 4290, والترمذي حديث 3773, والنسائي حديث 14102 صحيح: أخرجه البخاري كتا ب الجهاد والسير باب إذا نزل العدو على حكم رجل حديث 3043, ومسلم كتاب الجهاد والسير باب: جواز قتال من نقض العهد حديث 1768, وأبو داود حديث 5215, وأحمد 3/22 حديث 111843 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الفضائل باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم حديث 2278. وأبو داود حديث 4673, والترمذي حديث 3148, وابن ماجة حديث 4308, وأحمد 1/281.

وهو علم منقول من اسم مفعول الفعل المضعف، سمي به أفضل الخلق نبينا صلى الله عليه وسلم لكثرة خصاله المحمودة، والمسمي له جده عبد المطلب رجاء أن يحمده أهل السماء والأرض فحقق الله رجاءه"و" صلى الله على "آله " أي أتقياء أمته عليه الصلاة والسلام كما هو قول مالك رضي الله عنه لتعميم الدعاء كما قاله الأزهري وجماعة، بخلاف باب الزكاة فإن المراد بهم أقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب، وآل اسم جمع لا واحد له من لفظه مشتق من آل يئول إذا رجع إليك بقرابة ونحوها أصله أول كجمل تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، وقيل أصله أهل قلبت الهاء همزة ثم الهمزة ألفا لوقوعها ساكنة بعد فتحة، ويشهد للأول تصغيره على أويل، والثاني تصغيره على أهيل، ولا يضاف إلا لمن له شرف ولو باعتبار الدنيا فيدخل آل فرعون، فلا يقال آل الإسكافي ونحوه من أصحاب الحرف الرذلة بخلاف هل فيضاف إلى كل شيء وأضافه للضمير إشارة للجواز خلافا لمن منع"و " صلى الله أيضا على "صحبه " اسم جمع لصاحب عند سيبويه بمعنى الصحابي وجمع له عند الأخفش وبه جزم الجوهري كركب وراكب، والصحابي عرفا كما قال ابن حجر من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة، ووصول أحدهما إلى الآخر وإن لم يكالمه ويدخل فيه رؤية أحدهما إلى الآخر، سواء كان اللقاء بنفسه أو بغيره، والتعبير باللقاء أولى من قول بعضهم: الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يخرج ابن أم مكتوم ونحوه من العميان وهم صحابة بلا تردد، وقولي مؤمنا كالفصل يخرج من حصل له اللقاء في حال كفره، وقولي به فصل ثان يخرج به من لقيه مؤمنا بغيره من الأنبياء، لكن هل يخرج من لقيه مؤمنا بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة فيه نظر، والذي مال إليه شيخ الإسلام اعتبار لقيه بعد نبوته، ونقل من كلام ابن حجر ما يدل عليه، واعتبر جماعة التمييز وألغاه آخرون، وجزم الجلال بعد عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام من الصحابة، ونقل عن بعضهم عد الخضر وإلياسقال الذهبي: عيسى ابن مريم نبي وصحابي فإنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فهو آخر الصحابة موتا، وهذا مبني على أنه لا يشترط في اللقى التعارف، وقد اعتبره آخرون فأخرجوهم والحق الدخول، ولما اشتهر عند بعض الشيوخ كراهة إفراد الصلاة عن السلام وإن كان خارج المذهب على ما لبعضهم جمع المصنف بينهما فقال بالعطف على صلى الله. "وسلم " أي على محمد وآله

وصحبه، وما قيل من كراهة الصلاة والسلام على غير الأنبياء والملائكة فذلك على وجه الاستقلال، والجملة خبرية لفظا إنشائية معنى قصد بها التضرع إلى الله تعالى بأن يرحم ويحيي نبيه، والمراد برحمته لنبيه زيادة تكرمة له وإنعام، وبالسلام عليه تأمينه بطيب تحية وإعظامفإن قيل مما يجب اعتقاده أن الله تعالى أفاض على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كل كمال لبشر أو ملك حتى لم يبق كمال منها إلا وقد أفيض عليه فأي شيء يطلب حصوله له؟ فالجواب من أوجه: منها أن أمره سبحانه وتعالى إيانا بالصلاة عليه محض تعبدومنها: أن ذلك على طريقة الشكر له منا للمكافأة له عليه الصلاة والسلام لما في الوسعومنها: أن ذلك لطلب كمال في سعة كرمه تعالى، علق حصوله على الصلاة مثلا لأنه يلزم من جمعه للكمالات المفرقة في الملك والبشر أن لا يكون عنده تعالى زيادة ولذلك يقولون: الكامل يقبل الكمال، والأظهر أن فائدة الصلاة عائدة علينا بسببه صلى الله عليه وسلم حال حياته وبعد وفاته لما ورد من أنه إذا صلى عليه أحدنا صلاة صلى الله عليه بها عشرا"تتمة " الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مشتملة على بيان فوائدها وهي أنها مقبولة من كل مؤمن لما ورد من أن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الأعمال مقبولا ومردودا إلا الصلاة عليك فإنها مقبولة غير مردودة وقد روي أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يبدأه الداعي ويختمه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: وسئل الشيخ السنوسي عما تقدم من كون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة غير مردودة هل هو صحيح؟ فأجاب بأنه مشكل إذ لو قطع بقبولها لقطع للمصلي عليه صلى الله عليه وسلم بحسن الخاتمة، ويجاب بأن معنى القطع بقبولها إذا ختم للمصلي بالإيمان وجد حسنتها قطعا مقبولة من غير ريب، بخلاف سائر الحسنات لا وثوق بقبولهما وإن مات صاحبها على الإيمان، ويحتمل أن قبولها على القطع إذا صدرت من صاحبها محبة في المصطفى فيقطع بانتفاعه بها في الآخرة ولو بتخفيف العذاب عنه إن قضى عليه به ولو على سبيل الخلود لعظم محبته صلى الله عليه وسلم، وانتفاع أبي لهب بسقيه في نقرة إيهامه وتخفيف عذابه يوم الاثنين لعتقه مبشرته بولادته صلى الله عليه وسلم فإذا حصل انتفاعها بحب طبيعي وكان لغيره تعالى فكيف بحب المؤمن له صلى الله عليه وسلم؟ انتهى من كفاية المحتاجولها فضائل لا تحصى فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يلقى الله وهو عنه راض فليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم"1 وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: "أكثروا من الصلاة علي
ـــــــ
1 لم أقف عليه.

فإنها تحل العقد وتكشف الكرب"1 والكثرة كما قال بعض أقلها ثلاثمائة وفضلها مشهور حتى ورد أنها أمحق للذنوب من الماء البارد للنار، وورد إن السلام علي أفضل من عتق الرقاب2 وحكم الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الوجوب في العمر مرة وكذلك الحمد لله، وما زاد على ذلك فهو مستحب أو سنة، ومما هو واجب في العمر مرة الاستغفار والتهليل والتسبيح والتكبير والتعوذ والحوقلة، هكذا قال بعض شراح أم البراهين، واستدل على ذلك بورود المذكورات بصيغة الأمر نحو: فسبح وكبر فاستعذ بالله، ويتأكد الحث عليها يوم الجمعة وليلتها لأنها في ليلة الجمعة ويومها أفضل من نفسها في غيرهما حتى قيل: إن الصلاة عليه ليلة الجمعة أفضل من قراءة القرآن في تلك الليلة، كما يتأكد الحث عليها عند ذكره والثناء عليه وفي آخر الدعاء وفي آخر الكتاب، ولكن لا يحصل ثوابها للمصلي إلا إذا قالها بقصد الدعاء والتحية، فلا يثاب البياع عليها إذا قالها ليعجب غيره من حسن بضاعته؛ لأنه يكره له قولها في تلك الحالة، كما تكره عند الذبح والعطاس وفي الحمام والخلاء وعند الجماع وفي المواضع القذرة وعند الأكل والشرب، فتلخص أنها قد تجب وقد تحرم كقوله عند فعل محرم، وقد تكره وقد تستحب ولا يتأتى فيها الإباحة، وثبت في بعض النسخ القليلة لفظ"قال أبو محمد " كتبه المصنف وهي جائزة لمن بلغ درجة التعظيم سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا، ولإشعارها بالتعظيم امتنع تكنية الكافر المبتدع والفاسق إلا إذا لم يعرف إلا بها، أو خيف من ذكره باسمه فتنة، فقد كني عبد العزى بأبي لهب لأنه لا يعرف إلا بها أو كراهة في اسمه حيث جعل عبد الصنم، وكني إبليس بأبي مرة وبأبي الغمر وبأبي كردوس وعلمه الأصل قبل عصيانه عزازيل، وعبر بقال لتحقق وقوع المقول نحو: أتى أمر الله، والكثير أنها من وضع التلامذة؛ لأن المصنف سيذكرها في آخر الكتاب، وعليه فالتعبير يقال في محله ولذلك أكثر النسخ على حذفها هنا"عبد الله " اسم المصنف فهو بدل أو عطف بيان"بن أبي زيد " بحذف ألف ابن ورفعه لأنه صفة لعبد الله، وأبي زيد كنية لأبي المصنف واسمه عبد الرحمن، وقيل اسمه عبد الله بن بلال بن عبد الرحمنـــــــ
1 لم أقف عليه2 موضوع: أنظر كشف الخفاء 2/39, والفوائد المجموعة 1/328, والمقاصد الحسنة 1/760, والأسرار المرفوعة 1/235, والجد الحثيث 1/128, والنخبة البهية 1/75, وأسنى المطالب 1/175.

"القيرواني" بالرفع نعت لعبد الله، والقيرواني نسبة للقيروان بلدة معروفة بالمغرب نسب المصنف إليها لأنها مسكنه ومولده رضي الله عنه سنة ست عشرة وثلثمائة، وتوفي سنة ست وتسعين وثلثمائة، فعمره حينئذ ثمانون سنة على ما قاله بعض الشراح، ومناقب المصنف كثيرة شهيرة منها كثرة حفظه وديانته وكمال ورعه وزهده، وكان ممن من الله عليه بسعة المال وبسطة اليد، ويقال إن من عمل بكتابه بعد قراءته يجمع الله فيه من الأوصاف الحسان ما كان في المصنف أو معظمها، ومن أعظم أوصافه علو سنده؛ لأنه كان يروي عن سحنون بواسطة وعن ابن القاسم بواسطتين وعن مالك بثلاث، وكان يعرف بمالك الصغير وبخليفة مالك، وكان يقال فيه قطب المذهب، وبالجملة فالمصنف إمام عظيم جمع في كتابه هذا ما يجب على المكلف معرفته من عقائد الإيمان وأحكام العبادات والمعاملات ومما يسن أو يندب من الآداب، ولما ابتدأ بالبسملة ابتداء حقيقيا وهو الذي لم يسبقه شيء، ابتدأ بالحمدلة ابتداء إضافيا وهو الذي يتقدم أمام المقصود سبقه شيء أم لا فقال: "الحمد لله" أي مملوك ومستحق لله: ولم يقل للخالق أو الرازق لأن لفظ الجلالة جامع لمعاني الأسماء والصفات، إذ يضاف إليه غيره ولا يضاف إلى غيره، فيقال الرحمن مثلا اسم الله ولا يقال الله اسم الرحمن، وأيضا للإشارة إلى استحقاقه الحمد لذاته لأنه لو قال الحمد للخالق أو الرازق لتوهم أن استحقاقه الحمد إنما هو لكونه خالقا أو رازقا، وعبر بالجملة الاسمية دون الفعلية كحمدت أو نحمد لإفادة الاسمية ثلاث فوائد:
الدلالة على استحقاق المولى الحمد، ولشمول لفظ الحمد للقديم والحادث وصيرورة اللفظ محض صدقبيان الأولى: أن حمدت أو نحمده محض إخبار وليس فيه دلالة على استحقاق المولى الحمد لفقد آلة التعريفوبيان الثانية: أن لفظ حمدت أو نحمد إنما يدل على الحادث فقطوبيان الثالثة: أن حمدت أو نحمد خبر فإن صدر منه فهو صدق وإلا كان كذبا بخلاف قوله الحمد لله فهو صدق حمده أو لم يحمده، واختلف في الألف واللام في الحمد فقيل للجنس ويعبر عنها فاللام الحقيقة، فتفيد قصر الحمد على الله للقاعدة وهي أن المبتدأ إذا كان معرفا فاللام الجنس يكون محصورا في المسند وعكسه عكسه، واختصاص الجنس بالله يوجب اختصاص جميع أفراد الحمد لله.

وقيل للاستغراق وقيل للعهد، ومعنى كونها للاستغراق دلالتها على أن أفراد المحامد الأربعة وهما القديمان والحادثان لله، ومعنى كونها للجنس دلالتها على استحقاق المولى الحمد الذي هو الثناء، لأن الحمد إن كان قديما فهو وصفه وإن كان حادثا فهو خلقه، فتعين استحقاقه للحمد دون غيره، وأما حمد الناس بعضهم لبعض على الإحسان المشار إليه في الحديث وهو: "من لم يحمد الناس لم يحمد الله" فهو في الحقيقة حمد لله، فاستعماله في حق الحادث مجاز لأن المنعم الحقيقي هو الله تعالى فهو المستحق للحمد، لأن توحيد العباد للإحسان لغيرهم إنما هو من الله تعالى، ومعنى كونها للعهد دلالتها على الحمد الذي صدر من المولى في الأزل، وذلك أن الله تعالى لما علم عجز خلقه عن كنه حمده حمد نفسه بنفسه في أزله نيابة عن خلقه قبل أن يحمدوه، وهذا بناء على أن العهد ذكري أو الذي قدره الله في ذهن آدم ثم نطق به بناء على أن العهد ذهني، وجملة الحمد لله خبرية لفظا إنشائية معنى لحصول الحمد بها مع الإذعان لمدلولها، ويجوز أن تكون موضوعة شرعا للإنشاء وهو كلام يحصل مدلوله في الخارج بالتلفظ به نحو: أنت حر وقم، والخبر كلام يحصل مدلوله في الخارج قبل النطق به والتلفظ به حكاية له، وهذا معنى قولهم: الإنشاء يتبعه مدلوله والخبر يتبع مدلوله، وإنما كانت جملة الحمد لله إنشائية معنى لأمور: منها حصول الحمد بالتكلم بها مع الإذعان لمدلولهاومنها: أن قائل الحمد لله لا يقصد به الإخبار عن حمد غيره وإنما يقصد إيجاد الحمد منه له تعالى، كما إذا قال لعبده أنت حر إنما يقصد إيجاد العتق وصدوره منه وذلك لا يمكن إلا بجعل الجملة إنشائيةومنها: أن وصف المتكلم لله تعالى بأنه مستحق لجميع المحامد إنما يحصل بقوله الحمد لله، كما أن وصف العبد بالحرية إنما يحصل بقوله أنت حر وذلك علامة الإنشاءومنها: إن المتكلم يثاب على قوله الحمد لله بناء على كونه حامدا به، ولو كانت الجملة خبرية لم يثب، إذ الثواب إنما هو على الثناء على الله به لا على الإخبار، وهذا ما قرره الجلال المحلي معارضا به الشيخ علاء الدين ومن تبعه القائلين بأنها خبرية لفظا ومعنى، وأن المخبر بأن الحمد لله مثن عليه فيحصل له الثواب بمحض الخبر، وحقيقة الحمد اللفظي لغة الثناء بالجميل على الجميل الاختياري حقيقة أو حكما على جهة التعظيم والتبجيل ظاهرا وباطنا، وسواء تعلق بالفضائل وهي المزايا غير المتعدية أو بالفضائل وهي المزايا المتعدية، ومعنى كونها متعدية أنه يتوقف تحققها على تعلقها بالغير، مثال القاصرة: الحسن والعلم والشجاعة.

ومثال المتعدية: الإنعام والكرم، وبهذا علمت أنه ليس المراد تعدي ذوات الكمالات لأنه لا شيء من ذواتها يجاوز محله، وليس المراد تعدي الأثر أيضا لأن العلم والقدرة يتعدى أثرهما إلى الغير مع حكمنا عليهما بالقصور، وإنما المراد بالتعدي توقف اتصاف الموصوف به على وصول الأثر للغير، والقاصرة ما يصح اتصاف موصوفه به ولو لم يتعد أثره للغير، وإن كان يتعدى نحو العلم والشجاعة، فإنه يصح الوصف بهما ولو لم يتعد أثرهما للغير، لأن العلم يظهر بنحو السؤال مثلا، والشجاعة بنحو الإقدام على الحروبوالحمد يتوقف على خمسة أمور: محمود به ومحمود عليه وحامد ومحمود وما يدل على اتصاف المحمود بالمحمودية. فالمحمودية صفة تظهر اتصاف شيء بها على وجه مخصوص، ويجب أن تكون صفة كمال شرعا عند صاحب العقل السليم، ولا يشترط في المحمودية به كونه اختياريا، فلو وصفه بالحسن الذاتي مع بقية المعتبرات في الحمد كان حمدا وأما الأمر الثاني، وهو المحمود عليه فهو ما كان الوصف بالجميل بإزائه ومقابلته، ويجب أن يكون كمالا وأن يكون اختياريا ولو حكما ليشمل حمد الله تعالى على صفاتهوأما الأمر الثالث وهو الحامد فهو من يتحقق الحمد منه. وأما الأمر الرابع وهو المحمود فلا بد أن يكون فاعلا مختارا حقيقة أو حكما. وأما الأمر الخامس فهو ذكر ما يدل على اتصاف المحمود بالمحموديةوأما معناه: اصطلاحا فهو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما، والشكر لغة هو الحمد اصطلاحا، وأما الشكر اصطلاحا فهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من سمع وبصر وغيرهما إلى ما خلق له وأعطاه لأجله، وظاهر كلام السعد في الشكر اللغوي شموله النعمة الواصلة للشاكر وغيره، وكلام الفخر الرازي في تفسير الفاتحة تقييدها بوصلها للشاكر، وأما المدح فهو لغة الثناء باللسان على الجميل مطلقا على جهة التعظيم، واصطلاحا اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل أو الفواضل، فبين الحمد اللغوي والشكر اللغوي عموم وخصوص من وجه لصدقهما بالثناء باللسان في مقابلة إحسان، وانفراد الشكر المذكور بصدقه بغير اللسان في مقابلة إحسان، فمورد الحمد أخص فيحلم أعم، والشكر بعكسه وبينه وبين الحمد العرفي عموم وخصوص من وجه أيضا لمساواة الحمد العرفي للشكر اللغوي، وبينه وبين الشكر العرفي عموم وخصوص مطلق لشمول فيحلم الحمد لله تعالى ولغيره واختصاص متعلق الشكر به تعالى، وبينه وبين المدح اللغوي عموم وخصوص مطلق أيضا لصدق الحمد بالاختياري فقط.

وصدق المدح بالاختياري وغيره، وبينه وبين المدح العرفي كذلك لما تقدم، وبين الشكر اللغوي والحمد العرفي تساو، وبينه وبين الشكر العرفي عموم وخصوص مطلق لصدق اللغوي بالنعمة فقط وصدق العرفي بها وبغيرها، وبينه وبين الحمد اللغوي كذلك لصدق الشكر بالثناء باللسان وغيره وصدق الحمد المذكور باللسان فقط، ومعنى الوجهين اجتماعهما في مادة بجهتي خصوصهما وانفراد كل واحد بجهة عمومه، ومعنى المطلق أن ينفرد أحدهما فقط بجهة عمومهواعلم أن النسب المذكورة بين الحمدين والشكرين والمدحين يصح أن تكون بحسب الحمل وبحسب التحقق والوجود إلا النسبة بين الحمد اللغوي والشكر الاصطلاحي فإنها إنما تصح بحسب التحقق والوجود لا بحسب الحمل، إذ لا يصح حمل الثناء باللسان إلخ على صرف العبد جميع ما أنعم الله به ولا عكسه، ولكن كلما وجد صرف العبد إلخ يوجد الوصف بالجميل بلا عكس"تتمة" تشتمل على ما يتعلق بالحمد بعد معرفة انقسامه إلى قديم وهو ثناء الله على نفسه بكلامه، وحادث وهو ثناء الخلق عليه تعالى أو على غيره من خلقه وهو انقسامه إلى مطلق ومقيد، فالمطلق هو الحمد على مجرد الذات نحو الحمد لله، والمقيد هو الحمد للذات لأجل شيء نحو الحمد لله الرازق، أو الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، واختلف الأئمة في الأفضل فالذي عليه مالك أن المقيد أفضل من المطلق، بالإثبات أفضل من المقيد بالنفي لما تقرر من أن الصفات الثبوتية أفضل من السلبية، والدليل على أفضلية المقيد كثرة وروده في القرآن ولأنه يثاب عليه ثواب الواجب، لأن الغالب وقوعه في مقابلة نعمة، وفضل الثناء نفي المطلق لصدقه على جميع المحامد، ووقع خلاف في أفضل المحامد فقيل أفضلها: الحمد لله بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم، على جميع نعمه كلها ما علمت منها وما لم أعلم، وزاد بعضهم: عدد خلقه كلهم ما علمت منهم وما لم أعلم وقيل أفضلها: الحمد لله حمدا يوافي، نعمه ويكافئ مزيده، لما ورد أن الله تعالى لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض قال: يا رب شغلتني بكسب يدي فعلمني شيئا فيه مجامع الحمد والتسبيح، فأوحى الله إليه أن قل ثلاث مرات عند كل صباح وعند كل مساء: الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، فقد جمعت لك فيها جميع المحامد. وقيل أفضل الصيغ: اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وثمرة الخلاف تظهر في بر من حلف ليثنين على الله بأفضل الثناءات

والورع والاحتياط في بره بالإتيان بجميعها، ولا يشكل على هذا الخلاف أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، لأن هذا بالنظر للدخول في الإسلام والحمد يقع على السراء والضراء، بخلاف الشكر فإنه لا يقع إلا على السراء، وحكم الحمد الوجوب في العمر مرة بقصد أداء الواجب كالنطق بالشهادتين ولو في حق المسلم الأصلي، وما زاد على المرة فمستحب، ووصف مدلول لفظ الجلالة بقوله: "الذي" اسم موصول صلته "ابتدأ" أي أوجد جميع أفراد "الإنسان" من غير سبق مثال، والمراد به الواحد من البشر الشامل للذكر والأنثى بناء على أن اشتقاقه من التأنس، وأما على أن اشتقاقه من ناس ينوس إذا تدلى وتحرك فليشمل الجن، فأل في الإنسان للاستغراق الشامل لآدم وعيسى عليهما السلام، ويكون قوله الآتي: وصوره في الأرحام راجعا لبعض ما تقدم، لأن آدم لم يصور في رحم وكثيرا ما يذكر العام، ويعود الضمير على بعض أفراده كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} إلى قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فإن ضمير المطلقات عام وضمير بعولتهن خاص بالرجعيات، وبدأ بالهمز وابتدأ بمعنى، وأيضا المصنف لم يقصد الإتيان بلفظ القرآن ولا بمعناه للإجماع على حرمة رواية القرآن بالمعنى لأنه يتعبد بلفظه، والوصف هنا كاشف؛ لأن الخالق والمبتدئ ليس إلا الله، قال جل من قائل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 12- 13] فالأول آدم والثاني ذريته، لكن غير عيسى خلق من ماء الأم والأب، وأما عيسى فإنه من نطفة أمه فقط إذ لا أب له، وذلك أن الملك تمثل لها بصورة بشر شاب أمرد حسن الصورة لشدة اللذة بالنظر إليه فنزل الماء منها إلى الرحم فتولد عيسى عليه السلام بمجرد النفخة الموجبة للذة منها، فهو من نطفة أمه فقط قاله الحلبيوفي هذا رد على الطبائعيين في إنكارهم وجود مولود من ماء أحد الزوجين دون الآخر، هكذا قال بعض العلماء، وهذا بخلاف قول المفسر بعد قول الله تعالى لمريم حين قولها: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: 20- 21] بأن ينفخ - بأمري - جبريل فيك فتحملي به، فهذا ليس فيه تصريح بأنه خلق من مائها وحرره وصلة ابتدأ"بنعمته " تعالى واختلف في المراد بنعمته فقيل قدرته لأن القدرة من صفات التأثير، وقيل المراد بها الإنعام وهو أظهر، فتكون الباء سببية أي ابتدأه. بسبب إنعامه عليه الإيجاد من العدم، وحقيقة النعمة بكسر النون كل ما ينتفع به من كل ملائم تحمد عاقبته، ومن ثم اختلف

هل الكافر منعم عليه على ثلاثة أقوال: فالذي عليه الأشعري أنه غير منعم عليه لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقيل: منعم عليه فيهما وهو قول المعتزلة لأنه ما من عذاب إلا وثم ما هو أشد منه، وقيل: منعم عليه في الدنيا دون الآخرة، وأما النعمة بالفتح فهي المصدر أي النعم، وأما بالضم فهي السرور، ونعم الله تعالى على عباده لا تحصى. قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] أي إن تريدوا عدها لا يمكنكم ذلكفإن قيل: الله تعالى ابتدأ جميع الحوادث فما وجه الاقتصار على الإنسان؟ فالجواب أنه إنما اقتصر عليه لأنه أشرف الموجودات، فلا ينافي أن جميع الموجدات عمتها نعمة الإيجاد، واختلف العلماء في أول نعمة على العبد فقيل الوجود وهذه عامة حتى للكافر، وقيل الحياة التي تؤول إلى إدراك اللذات التي لا يعقبها ضررتنبيهان الأول: وقع التوقف من بعض الأكابر في بعض المخلوقات غير الحيوانات كالأشجار والأحجار هل هي منعم عليها أو وجودها نعمة على الغير؟ وأقول: الذي يظهر لي من كلام العلماء في حد النعمة هو الثاني، لأن وجود الجمادات ونحوها كل ما لا نفع له بوجود نفسه نعمة على غيره من كل ما يترتب على وجوده انتفاع به وليس منعما عليه، بخلاف الحيوان فإنه منعم عليه بنحو الصحة والأكل والشرب كالإنسانالثاني: أفضل النعم على الإنسان كتب الإيمان في قلبه لأنه سبب للخلود في الجنة، ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: أنه سمع رجلا يقول: الحمد لله على نعمة الإسلام، فقال له: "يا هذا قد حمدت الله تعالى على نعمة لم تحمده على نعمة أفضل منها"ولذا قال في الجزائرية:
فليس يحصى الذي أولاه من نعم ... أجلها نعمة الإيمان بالرسل
من ذا من الخلق يحصي شكر واهبها ... لو كان يشكر طول الدهر لم يصل
وأما فضلها في حق غير المسلم فتأخير عقوبته في الدنيا، وقيل: توفيقه لما يجازى عليه في الدنيا أو في الآخرة خيرا كالصدقة ونحوها"وصوره" أي وشكل الله معظم أفراد الإنسان على الشكل الذي أراده "في الأرحام" جمع رحم وهو موضع نطفة الذكر في فرج الأنثى، وجمعها باعتبار أفراد الإنسان أو باعتبار الظلمات الثلاث التي هي البطن والرحم والمشيمة.

"بحكمته" أي بإتقانه وابتداعه على وجه المصلحة له، حيث خلق له بصرا وجعله في أعلاه لتكون منفعته أعم، وجعل عليه أجفانا كالأغطية تقيه من سائر الآفات، وجعلها متحركة تنطبق وتنفتح بمقدار الحاجة، وجعل في أطرافها شعرا لمنع لدغ الذباب والهوام إن نزلت عليها، وجعلها زينة لها كحلية ما يحلى، وجعل عظم الحاجب بارزا يقيها ويدفع عنها لأنها لطيفة في شكلها، وجعل وجهه لظهر أمه لئلا يتأذى بحر الطعام والشراب، وجعل غذاءه في سرته وأنفه بين فخذيه ليتنفس في فارغ، وفسرنا الحكمة بالإتقان إلخ، لأن التصوير تأثير فلا يحسن تفسير الحكمة بالعلم؛ لأن العلم صفة إحاطة، والتصوير تشكيل ونقل للشيء من حال إلى حال، فهو تأثير بالإتقان والإحكام بقدرته على وفق ما سبق في علمه وخصصته إرادته، فالحكمة وضع الشيء في محله؛ وبقولنا التصوير نقل للشيء إلخ ظهر صحة تعلق القدرة والأحكام بالتصوير، وعدم صحة تعلق القدرة في الموجود إنما ذلك في موجود كمل وجوده، وأما مجرد حصول النطفة في الفرج فتعلق القدرة والحكمة باق فيها حتى تصور على الحالة التي أرادها الخالق وسبق علمه بهاتنبيهان الأول: علم مما قررنا أن الضمير المستتر في صوره عائد على الله، والبارز المنصوب على الإنسان والضمير المجرور بحكمته عائد على اللهالثاني: أشار بقوله بنعمته إلخ إلى زيادة الصفات على الذات لما سبق من أن النعمة بمعنى القدرة، ففيه رد على النفات وعلى الطبائعيين القائلين بأنه تعالى فاعل بالذات لا بالاختيار، وعلى النصارى في قولهم: إن عيسى ابن الله، لأن المصور بالكسر لا يكون أبا للمصور بالفتح حتى غيروا قوله تعالى، في التوراة: عيسى نبي الله وأنا ولدته بتشديد اللام بعيسى بني بلفظ التصغير وأنا ولدته بفتح اللام مخففة من الولادة، وإنما قلت أفراد الإنسان لأن منه من لم يصور في رحم كآدم عليه الصلاة والسلام، والحاصل أن الإنسان على ثلاثة أقسام: من لا أب ولا أم وهو آدم وحواء، ومن له أم دون أب وهو عيسى عليه الصلاة والسلام ومن له الأب والأم وهو الباقي"وأبرزه " أي وأخرج الله الإنسان من ضيق البطن بعد تصويره. "إلى رفقه" أي ارتفاقه بما يجده بعد خروجه من أنواع الراحة واللذة، وعلى هذا فالمصدر مضاف إلى الفاعل وهو الإنسان، ويحتمل أن فاعل الرفق هو الله تعالى والمعنى عليه وأبرز تعالى الإنسان إلى إرفاقه تعالى به بإخراجه من بطن أمه، فتلخص أنه يجوز أن يكون الضمير في رفقه إلى الإنسان وإلى

الله تعالى، وعلى الاحتمالين المصدر مضاف إلى الفاعل، وأما إن لم يكن له أم كآدم وحواء عليهما الصلاة والسلام فرفقه به نفخ الروح فيه وإقداره على النطق لأنه ينال بهما لذة الدنيا والآخرة إن كان من أهل الطاعة، فأنواع رفق الله بالإنسان كثيرة ولا حصر لها، ففيها زيادة على ما تقدم وهو خروجه من بطن أمه برأسه في أغلب الأحوال دون رجليه، وجعل حجر أمه له وطاء وثديها له سقاء ولبنها معتدلا بين العذوبة والملوحة إذ لو كان أحدهما فقط لسئمه، وجعل باردا في الصيف حارا في الشتاء"و " أبرزه أيضا إلى تناول "ما يسر " أي مسهل "له من رزقه " وهو ما ينتفع به أكلا أو شربا أو لبسا، إذ الرزق عند أهل السنة ما ينتفع به، تكفل سبحانه وتعالى لكل حيوان بمحض فضلة لا عن إيجاد ولا جواب، إذ لا يجب عليه سبحانه لمخلوقه شيء وما أوهم الوجوب كقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 60] ونحو: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]، فمعنا بمحض فضله وبكون الرزق من حلال وحرام فالبهائم مرزوقة، وقيل الرزق ما ملك وهو قول ضعيف لاقتضائه أن الله تعالى يقال له مرزوق لأنه مالك لجميع الموجودات، ولاقتضائه أن البهائم وكل من لا يملك غير مرزوق، ولاقتضائه أن الإنسان يأكل رزق غيره وأنه يموت قبل استيفاء رزقه، وجميع ذلك لا يصحقال صاحب الجوهرة:
والرزق عند القوم ما به انتفع ... وقيل لا بل ما ملك وما اتبع
فيرزق الله الحلال فاعلما ... ويرزق المكروه والمحرما
والأرزاق مقسومة معلومة عند أهل السنة لا تزيد بتقوى ولا تنقص بفجور قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] وهذا لا ينافي الزيادة في البركة والنقصان بسبب الطاعة والعصيان، إذ المنفي الزيادة الحسية والنقص الحسي. ولما بين المصنف أن الله تعالى بدأ الإنسان وأحسن تقويمه، شرح في تعديد نعمه عليه فقال: "وعلمه " أي وعلم الله الإنسان ومفعول علم "ما لم يكن" عند خروجه من بطن أمه "يعلم " قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} [النحل: 78] الآية، فشمل كلام المصنف كالآية العلم الحاصل بإلهام واكتساب، وأول ما يعلمه الإنسان معرفة آبائه وأقاربه، ثم تميزه بين الحيوانات، ثم معرفة الضروريات من الآلام واللذات والفرح والحزن والسرور، ثم معرفة وجوب وجوده تعالى وتوحيده وما يترتب على ذلك، وهذا صريح في أن الأصل في الإنسان الجهل حتى بنوا عليه مسألة فقهية وهي: لو حاز شخص شيئا وادعى المحاز عنه الجهل

وادعى الحائز أنه كان عالما بذلك فالقول قول المحاز عنه"و " بسبب ابتدائه وامتنانه عليه بما تقدم من تعليمه "كان " أي صار "فضل الله عليه عظيما " بسبب ما امتن عليه من إيجاده وتعليمه ما لم يكن يعلم الذي أعظمه معرفة الباري المترتب عليها الخلود في الجنة مع الفوز بالنعيم المقيم، إذ لا فضل أعظم من هذا، والفضل إعطاء الشيء من غير عوض لا في الحال ولا في المال، وهذا لا يكون من غيره تعالى، وإنما قال عظيما دون غيره من الأوصاف لاندراج كل صفة حسنة تحت العظمةتنبيه في قوله وعلمه تلميح بالآية السابقة وهو من المحسنات البديعية وليس فيه رواية القرآن بالمعنى للإجماع على منعها، وليس باقتباس أيضا لكثرة التغيير فيه والله أعلم"و " من فضله تعالى على الإنسان أن "نبهه " أي أيقظه من غفلته بأن جعل له عقلا يهتدي به إلى الاستدلال "بآثار " أي محدثات "صنعته " على معرفة صانعه، والمراد بصنعته صنعه أي إيجاده، وحاصل المعنى: أن الله تعالى جعل لعبده ما يستدل به على معرفة وجوب وجود خالقه ووحدانيته وسائر ما يجب عليه له سبحانه وتعالى وهي جميع المخلوقات التي هي آثار صنعته، فإن النظر فيها يوصل إلى ذلك، وإنما فسرنا الصنعة بالصنع الذي هو الإيجاد لأن الصنعة حقيقة هي العلم الحاصل من التمرن في العمل ولا تصح إرادتها هنا، وطريق الاستدلال بالآثار على معرفة وجوب وجوده أن تركب قياسا بأن تقول: هذه الآثار مصنوعات، وهذه يقال لها مقدمة صغرى، وكل مصنوع لا بد له من صانع تام العلم والقدرة، ويقال لهذه مقدمة كبرى ينتج هذه المصنوعات لها صانع، ومن الطرق الموصلة إلى معرفة وجود الخالق أيضا أن تنظر إلى أقرب الأشياء إليك وهي نفسك فتعلم بالضرورة أنك لم تكن ثم كنت، فتعلم أن لك موجودا أوجدك لاستحالة أن توجد نفسك، وهو محال لما يلزم عليه من التقدم على نفسه والتأخر عنها لوجوب سبق للفاعل على فعلهتنبيه:لم يعلم من كلام المصنف حكم نظر الإنسان في نفسه أو غيرها من المخلوقات، والحكم فيه الوجوب للاتفاق على وجوب معرفة الله بالدليل ليخرج من التقليد1 إلى
ـــــــ
1 التقليد لغة: مصدر ققلد أي جعل الشيء في عنق غيره مع الإحاطة به. وتقول: قلدت الجارية إذا جعلت في عنقها القلادة فتقلدتها هي وقلدت الرجل السيف فتقلده: إذا جعل حمائله في عنقه. وأصل القلد كما في لسان العرب لي الشيء على الشيء نحو لي الحديدة الدقيقة على مثلها ومنه: سوار مقلود. وفي التهذيب: تقليد البدنة أن يجعل في عنقها عروة مزادة أو حلق نعل فيعلم أنها هدي. وقلد فلانا الأمر

التحقيق، وهو أول الواجبات على من له قدرة عليه ويأثم بتركه وإن كان إيمان المقلد صحيحا على المعتمدقال صاحب الجوهرة مشيرا إلى وجوب المعرفة وما يوصل إليها بقوله:
واجزم بأن أولا مما يجب ... معرفة وفيه خلف منتصب
فانظر لنفسك ثم انتقل ... للعالم العلوي ثم السفلي
تجد به صنعا بديع الحكم ... لكن به قام دليل العدم
فالوجوب بالشرع لا بالعقل عند أهل السنة"و " من فضله تعالى على الإنسان أن "أعذر إليه " أي قطع عذره بإرساله إليه الأحكام. "على ألسنة المرسلين الخيرة " بكسر الخاء وفتح الياء الخلاصة المنتخبين الخبرة مع زيادة الإيضاح. "من خلقه " تعالى وإنما أعذر الله الإنسان، والمراد جميع أفراده بإرسال المرسلين فيبلغوا لهم الأحكام ويوضحوا لهم الشرائع ليقطعوا بذلك حجتهم ويزيحوا عنهم عللهم فيما قصرت عن إدراكه عقولهم من مصالح الدنيا والآخرةقال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] فلولا إعذاره سبحانه وتعالى إليهم وقطعه عذرهم على ألسنة المرسلين وإقامته الحجة عليهم ببعثته أهل خيرته المرشدين لتوهموا أن لهم حجة وعذرا قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134] لا سيما وقد جعلت أجسامنا تقبل السهو والغفلة، وسلطت علينا الشياطين والشهوة والهوى؛ فإهمالك إيانا من غير إرسال من يعلمنا بما يجب أو يحرم علينا إغراء لنا على فعل القبائح وترك الواجبات، لا سيما مع رغبة النفس إلى نيل مشتهاها وإن كان موجبا لهلاكها ورداها، والمرسلين جمع مرسل وهو إنسان حر ذكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه للعباد حتى إلى نفسه، لأن الرسول إذا بلغ الأمة
ـــــــ
إياه ومنه تقليد الولاة الأعمال ويستعمل التقليد في العصور المتأخرة بمعنى المحاكاة في الفعل وبمعنى التزييف أي صناعة شيء طبقا للأصل المقلد وكلا المعنيين مأخوذ من التقليد للمجتهدين لأن المقلد يفعل مثل فعل المقلد دون أن يدري وجهه والأمر التقليدي ما يفعل اتباعا لما كان قبل لا بناء على فكر الفاعل نفسه وخلافه الأمر المبتدع. ويرد التقليد في الاصطلاح الشرعي بأربعة معان:
أولها: تقليد الوالي أو القاضي ونحوهما أي توليتهما العمل. ثانيها: تقليد الهدي بجعل شيء في رقبته ليعلم أنه هدي. ثالثها: تقليد التمائم ونحوها. رابعها: التقليد في الدين وهو الأخذ فيه بقول الغير مع عدم معرفة دليله أو هو العمل بقول الغير من غير حجة. أنظر الموسوعة الفقهية 13/154, 155.

حكما فإنه يكون مساويا لهم في ذلك الحكم إلا أن يقوم الدليل على التخصيص لهم، وبهذا عرفت أنه لا إشكال في قول المصنف وأعذر إليه أي إلى الإنسان الموهم خروجه صلى الله عليه وسلم من أفراده، لأن شأن الرسول مغايرته للمرسل إليه إلا في مثل هذا الموضع، فإن الرسول داخل في المرسل إليهم وإن اختلف حال المرسلين، لأن منهم من أرسل إلى جميع الناس كنبينا عليه الصلاة والسلام، ومن عداه إنما أرسل إلى البعضواستعمل جمع القلة موضع جمع الكثرة مجازا لأن عدتهم كثيرة تزيد على ثلثمائة أو أربعة عشر، والأولى عدم الاقتصار على عدد فيهم كالأنبياء أولهم لهم آدم عليه الصلاة والسلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ومن في خلقه لبيان الجنس، فيفيد تفضيل رسل البشر على الملائكة وهو المختار عند الأكثر، وأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" 1
ويليه عليه الصلاة والسلام في الفضل أولوا العزم أي الصبر على المشاق كإبراهيم ونوح وموسى وعيسى وإسماعيل، لصبر إبراهيم على النار، ونوح على أذى قومه، وإسماعيل على الذبح لأنه الذبيح على مذهب أهل السنة لا إسحاق، وعدتهم عشرة وقيل خمسة، ولشدة صبرهم وعظمتهم عند ربهم إنما كان يوحى إليه في النوم واليقظة بخلاف غيرهم إنما كان يوحى إليه في النوم دون اليقظة، ويلي الأنبياء مطلقا في الفضل الملائكة. قال صاحب الجوهرة:
وأفضل الخلق على الإطلاق ... نبينا فمل عن الشقاق
والأنبياء يلونه في الفضل ... وبعدهم ملائكة ذي الفضل
وهذه طريقة الأشاعرة وفيها تفضيل عوام الملائكة وهم غير الرسل على عوام البشر كالعلماء والأولياء نحو أبي بكر وعمر وغيرهما من أهل الفضل ومقابلها طريقة الماتريدية، واعتمد بعضهم تفضيل خواص البشر وهم الرسل على سائر الملائكة، وتفضيل خواص الملائكة وهم رسلهم كجبريل وميكائيل على عوام البشر كأبي بكر، وعوام البشر على عوام الملائكةوفي منهج الأصوليين للسراج البلقيني عند الحنفية المختار أن الخواص من الملائكة أفضل من الأنبياء غير الرسل، والأنبياء غير الرسل أفضل من الملائكة غير الرسل، والتفضيل حيث قيل به يكون باعتبار كثرة الثواب والعمل، ومما يدل على مزية المصطفى أيضا أنه لم يكن لأحد
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الفضائل باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم حديث 2278, وأبو داود حديث 4673, والترمذي حديث 3148, وابن ماجة حديث 4308, وأحمد 1/281, حديث 2546 وقد تقدم برقم 4.

معجزات كمعجزاته كمية ولا كيفية، ولا نزل عليه جبريل كعدد نزوله عليه فإنه نزل عليه أربعا وعشرين ألف مرة وقيل ستا وعشرين ألف مرة كما نقله السيوطي ولم يبلغ أحد هذا، وجبريل أول من سجد من الملائكة لآدم عليه السلامتنبيهات: الأول: إنما قلنا: ومن فضله أن أعذر إليه إشارة إلا أن إرسال الرسل من الجائزات العقلية خلافا لبعض فرق المبتدعة في قولهم أنه واجب على الله تعالى أو عبث لا عن العقل عنه أو أنه محال، فما ذكره المصنف من كون الإرسال من قبيل الجائز عقلا الواجب سمعا وشرعا هو مذهب الأشاعرة، وأشار إليه صاحب الجوهرة بقوله:
ومنه إرسال جميع الرسل ... فلا وجوب بل بمحض الفضل
لكن بذا إيماننا قد وجبا ... فدع هوى قوم بهم قد لعبا
والضمير في منه للجائز العقليالثاني: الرسول عرفا إنما يكون من الإنس لا من الملائكة ولا من الجن، والعام الرسالة من الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فإنه مرسل حتى للملائكة على أصح القولين، وإيمان الجن بالتواتر الدال عليه قوله تعالى: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف: 30] لا يدل على إرساله لهم لجواز أن يكون إيمانهم به تبرعا منهم وأما قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] فالمراد من أحدكم وهم الإنس على حد: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] فإن المراد من إحداهماالثالث: لا معارضة بين قول المصنف هنا، وأعذر إليه المقتضي لقصر الإرسال على جنس الإنسان وبين قوله الآتي الباعث الرسل إليهم أي إلى جميع العباد المقتضي للتعميم، لأن الإرسال للإنسان لا ينافي الإرسال لغيره وقال التقي السبكي بعد ترجيحه إرساله إلى الملائكة أنه مرسل لجميع الأنبياء والأمم السابقة من لدن آدم إلى قيام الساعة، ورجحه البارزي وزاد: أنه مرسل لجميع الحيوانات والجمادات، وزيد على ذلك أنه مرسل إلى نفسه نص على ذلك الحلبيالرابع: فهم مما ذكرنا من أن الإرسال لتبليغ الشرائع أن من مات ولم تبلغه دعوة نبي لا عقاب عليه ولا ثواب له لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] ويكون قراره في الجنة لأنه غير مكلف كالبله والمجانين ومن ولد أكمه أعمى أصم، لأن دخول الجنة لا ينال بعمل وإنما هو بمحض الفضل لكن لا ثواب لهم لأن الثواب إنما يكون في نظير

الأعمال المقبولة، وأيضا النار إنما يخلد فيها الكفار وأهل الفترة ومن ذكر معهم غير كفار، وقيل هؤلاء في المشيئة، وقيل يبعث لهم يوم القيامة نذير فإن أطاعوه دخلوا الجنة وإن عصوه دخلوا النار، ولما كان التنبيه بآثار مصنوعاته والإعذار بإرسال الرسل سببا للهداية للإيمان وفقدهما سببا للغواية والكفران قال بفاء السببية الدالة على تسبب ما بعدها عما قبلها"فهدى" الله سبحانه وتعالى بمعنى أرشد ودل، لأن حقيقة الهداية عند أهل السنة على ما اشتهر في النقل عنهم هي الدلالة1 على طريق توصل إلى المطلوب، سواء حصل الوصول والاهتداء أو لم يحصل، وعند المعتزلة الدلالة الموصلة إلى المطلوب ويرد عليهم آية: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] لأنهم لو وصلوا لما استحبوا العمى على الهدى، ويدل لأهل السنة آية: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] لأن معناه لا توصل، وأما إرشاده إدلاله فمعلوم لا ريب فيه، ويحتمل أن معنى هدى خلق قدرة الطاعة في قلب من أراد توفيقه للإيمان، لأن فاعل هدى هو الله سبحانه وتعالى، وهذا تفسير مناسب لقوله بعد: وأضل من خذله بعدله، لأن معنى أضل خلق قدرة المعصية في قلب من أراد خذلانه كما يأتي، والأول مناسب لقوله فيما يأتي: فآمنوا بالله بألسنتهم بناء على أنه مفرع على قوله هنا فهدى"من وفقه" أي أراد توفيقه للإيمان إذ الموفق بالفعل مؤمن، وحقيقة التوفيق في اللغة التأليف وجعل الأشياء متوافقة وشرعا. قال إمام الحرمين: خلق القدرة على الطاعة والداعية إليها في العبد، وقال الأشعري: خلق قدرة الطاعة في العبد ولا يصدق على الكافر أنه موفق لأنه أراد بالقدرة العرض المقارن لفعل الطاعة لا سلامة الآلات التي بنى عليها الأول، فزاد قيد الداعية لإخراجه لأنهم اختلفوا هل القدرة على الطاعة تخلق قبلها أو مقارنة لها؟ فإمام الحرمين بنى كلامه على أن القدرة على الطاعة تخلق قبلها فاحتاج إلى زيادة قيد الداعية، والأشعري بنى كلامه على أن القدرة على الطاعة تخلق مقارنة لها فالكافر والفاسق غير موفقين لعدم حصولها
ـــــــ
1 الدلالة: بفتح الدال وكسرها جمع دلائل مصدر دل: أرشد وهي: كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ودلالة اللفظ على معناه مطابقة وعلى جزئه تضمن وعلى لازمه الذهني التزام والأخير شاملة لدلالة الاقتضاء ودلالة الإيماء إن توقف صدق المنطوق أو صحته على إضماء فدلالة إقتضاء وإلا فإن دل على ما لم يقصد فدلالة إشارة وإلا فدلالة إيماءفالأول: كخبر: "وضع عن أمتي الخطأ والنسيان" أي المؤاخذة بهاوالثاني: كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي أهلهاوالثالث: كقولك لمالك عبد أعتقه عني ففعل أي ملكه لي فأعتقه عني والدلالة: بفتح الدال من دل فعل الدال أنظر معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 2/84, ومعجم لغة الفقهاء 210.

منهما وصلة فهدى"بفضله" أي بمحض عطائه وامتنانه، لأنه لا يجب عليه تعالى شيء لخلقه لإصلاح ولا أصلح"وأضل" بمعنى خلق سبحانه وتعالى القدرة على الكفر والعصيان في قلب "من خذله" أي أراد خذلانه أي عدم إيمانه وتوفيقه، لأن الخذلان ضد التوفيق فهو خلق القدرة على المعصية في العبد والداعية إليها، أو خلق قدرة المعصية في العبد على الرأيين في التوفيق، ويرادفه اللطف وهو ما يقع عنده صلاح العبد آخرة بأن تقع منه الطاعة دون المعصية، والمراد بآخرة آخر الأمرين بأن يريد فعل المعصية ثم يعدل عنها إلى فعل الطاعة لآخر عمرهقال اللقاني بعد كلام طويل: فبهذا ظهر ترادف التوفيق والعصمة واللطف والضلال والخذلان والكفر عرفا أو تساويها وصلة خذله "بعدله" أي بوضعه الشيء في محله لأنه تعالى يستحيل عليه الظلم والجورقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} [يونس: 44] والعدل ما للفاعل أن يفعله من حجر عليه، فالحاصل أن توفيقه تعالى لبعض خلقه محض فضل وإضلاله لبعضهم محض عدل، لأنه تعالى لا يجب عليه شيء لخلقه خلافا للمعتزلة في قولهم بوجوب الصلاح والأصلح على الله لعباده لبطلان مذهبهم. قال صاحب الجوهرة:
وقولهم إن الصلاح واجب ... عليه زور ما عليه واجب
ألم يروا إيلامه الأطفالا ... وشبهها فحاذر المحالا
وكيف يجب عليه فعل الصلاح والأصلح وقد أمات المرسلين والعلماء الذين يرشدون الخلق إلى معرفة ما يجب عليهم وما يحرم، وأحيا إبليس وأعوانه الساعين في الفساد والإضلال إلى يوم الدين، وخلق الكافر الفقير المعذب في الدنيا بالفقر والأسقام وفي الآخرة بالتخليد في النار، ومما يبطل مذهبهم ما حكي من المناظرة بين الشيخ أبي الحسن الأشعري إمام هذا الفن وبين شيخه أبي علي الجبائي المعتزلي، لأن الأشعري كان تلميذا له في مبتدأ أمره، ثم رجع عن مذهبه إلى كلام أهل السنة لما تبين له فساد مذهبه، والذي ناظره فيه قصة الإخوة المشهورة قائلا له: ماذا تقول في ثلاثة إخوة مات أحدهم صغيرا وكبر اثنان فكفر أحدهما وآمن الآخر ما حكمهم؟ فقال الجبائي في الجواب: المطيع والصغير يدخلان الجنة والكافر يدخل النار، فقال له الأشعري: هل يستويان في الجنة؟ فقال: لا، لأن الكبير عمل الطاعاتقال له الأشعري: فلو قال له الصغير يا رب كان الأصلح أن تحييني حتى أصير كبيرا

وأعمل الطاعات فلم فوت علي ذلك ما يكون جوابه؟ فقال له الجبائي: يقول له الرب: علمت أنك لو كبرت كنت تكفر وتدخل النار ففعلت معك الأصلح لك، فقال له الأشعري: حينئذ يقوم أهل النار جميعا يقولون يا ربنا كان الأصلح في حقنا أن تميتنا صغارا لندخل الجنة فلم فوت علينا ذلك فما يكون جوابه لهم فقال له الجبائي: أبك جنون؟ فقال له: لا بل وقف حمار الشيخ في العقبة، وقد رويت هذه القصة بوجوهثم عطف على قوله فهدى قوله: "ويسر" الله تعالى بمعنى هيأ ووفق "المؤمنين" أي المصدقين بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم "ل" فعل "اليسرى" أي الطاعة، ويحتمل أن المراد باليسرى الجنة والأول أنسب بقوله: "وشرح" أي فتح ووسع "صدورهم" أي قلوبهم "للذكرى" أي لقبول الموعظة وثبوت الإيمان، وهذا كله على جهة المجاز، وإلا فالشرح حقيقة من صفات الأجسام، وعلامة انشراح الصدر العمل لدار الآخرة والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله، ويفهم بطريق المقابلة من قوله: ويسر المؤمنين لليسرى أن الكافرين ميسرون إلى ضدها، لأن كلا ميسر أي مهيأ لما خلق له من خير أو شر، وإن كان الجميع صادرا من الخلق بإرادته تعالى، إلا أن الخيرات مرادة ومأمور بها والشرور مرادة غير مأمور بها، لأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء وتعالى أن يقع في ملكه ما لا يريد خلافا للمعتزلة، وعبر بالمؤمنين دون المسلمين لتلازمهما شرعا ولجريان العادة بذكر الإيمان في، مقابلة الكفر، ثم عطف على قوله فهدى من وفقه بالفاء التفريعية الدالة على تسبب ما بعدها عما قبلها قوله: "فآمنوا بالله" أي صدقوا بوجوب وجوده تعالىوفي كلامه حذف تقديره وبرسله أيضا. وإنما حذف ذلك لأن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالرسول إذ لا إيمان لمن لم يؤمن بهما فكأنه ذكرهما، والدلالة على ذلك أيضا قوله بعد: وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين والضمير في آمنوا راجع إلى من في قوله: فهدى من وفقه وجمعه نظرا إلى معناها على حد {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ} [يونس: 42] الآية، ويحتمل عوده إلى المؤمنين في يسر المؤمنين لتأول المؤمنين بمن أراد الله إيمانهم لتصير الضمائر كلها للمؤمنين، وبين الإيمان بقوله: "بألسنتهم" متعلق بقوله: "ناطقين" الواقع حالا من فاعل آمنوا، والتقدير: فآمنوا أي صدقوا بالله وبما جاء به رسله حال كونهم ناطقين أي قائلين بألسنتهم نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، على ما ارتضاه ابن عرفة ومن تبعه، وما يؤدي معنى الشهادتين على ما ارتضاه تلميذه الأبي ومن تبعه، هذا كله عند القدرة على النطق وإلا اكتفى بالإشارة إلى

الشهادتين وذكر الألسنة لبيان الواقع إذ النطق لا يكون إلا بها"وبقلوبهم" متعلق بقوله: "مخلصين" الواقع حالا ثانية من فاعل آمنوا، ومعنى المخلصين مصدقين بما علم مجيء الرسول به ضرورة، هذا هو المراد بالإخلاص هنا، لأن هذا المعنى هو المعتبر في معنى الإيمان، وليس المراد به إخلاص العمل لأنه غير شرط في الإيمان، على أن إخلاص العمل داخل في قوله: وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين، لا يقال: الإيمان بالله هو نفس التصديق، فما فائدة النص على ذلك ثانيا بقوله وبقلوبهم مخلصين؟ لأنا نقول قصد بذلك معنى التصديق الكافي في الإيمان وهو التصديق بالباطن والظاهر مع الإذعان والانقياد لا مجرد نسبة الصدق إليه، فلا يكفي لوجود ذلك في نحو أبي طالب ومن يشبهه ممن يصدق بلسانه وهو جاحد بقلبه استكبارا أو عنادا فلا ينفعه ذلك التصديق والقلوب جمع قلب يطلق على اللحمة الصنوبرية وعلى المعنى القائم بها وهو العقل بناء على أن محله القلب وهو المشهورقال الغزالي: القلب الذي يقع منه التصديق ويثاب ويعاقب لطيفة ربانية متعلقة بالقلب بمعنى اللحمة الصنوبرية تعلق الأعراض بالجواهر، ويسمى روحا ونفسا وهو أشد تقلبا من القدر في غليانه"وبما أتتهم" أي جاءتهم "به رسله وكتبه" الجار والمجرور متعلق بقوله "عاملين" الواقع حالا ثالثة لكن مقدرة لأن الأعمال متأخرة عن الإيمان، ومعنى العمل بما أتت به الرسل والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر المشار إليه بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] والحاصل أن المصنف جرى هنا وفي آخر باب ما تنطق به الألسنة على مذهب السلف من أن الإيمان مركب من ثلاثة أمور: النطق باللسان والتصديق بالقلب والعمل بالجوارح، لكن الأعمال عندهم شرط لكماله، وذكر في أول الباب المذكور أنه مركب من أمرين فقط وهو المعتمد كما سيصرح به فيما يأتي بقوله: ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل، ولكن بحمل اشتراط العمل على الكمال صار كلامه أولا وثانيا وثالثا على قول واحد وهو أن الإيمان مركب من النطق والتصديق فقط، وأما العمل فهو خارج عن حقيقة الإيمان شرط لكماله، والخلاف في حقيقة الإيمان شهير على أقوال أشهرها ما عليه جمهور المتكلمين من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم من أنه التصديق بما علم مجيء الرسل به ضرورة، وأما النطق بالشهادتين فهو شرط لإجراء أحكام الدنيا الأعمال شرط لكمال الإيمان، واقتصر عليه صاحب الجوهرة حيث قال:
وفسر الإيمان بالتصديق ... والنطق فيه الخلف بالتحقيق

فقيل شرط كالعمل وقيل بل ... شطر والإسلام اشرحن بالعمل
وما عدا مذهب السلف ومذهب الجمهور من المذاهب خلاف المشهور، وإنما قدم المجرورات على عواملها لاستقامة الفواصل، وهو يورث الكلام حلاوة وعطف على آمنوا قوله: "وتعلموا " أي الذين آمنوا بمعنى فهموا معنى "ما علمهم " الله سبحانه وتعالى أي وصله إليهم على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] الآية، فإنهم عرفوا منه جميع ما كانوا يجهلونه مما يجب عليهم معرفته مما يحب الله ورسوله وجميع أحكام الشريعة، وفعلوا ما وجب عليهم وتركوا ما نهوا عنه كما أشار إليه بقوله: "ووقفوا عندما " أي الحد الذي "حد" أي بين "لهم" والمراد بالوقوف هنا المواظبة على الشيء لا الوقوف الحسي، والمراد بالحد الذي حد الله لعباده الواجبات والمنهيات، فوقوفهم على المأمورات بالامتثال إلى فعلها وعلى المنهيات بمجرد اجتنابها، لأن المكلف يخرج من عهدتها ولو بتركها مكرها، إذ المتوقف على نية الامتثال بالنسبة إليها إنما هو الثواب المترتب على نيته، بخلاف المأمورات لا يخرج من عدتها إلا أن يأتي امتثالا لأمر الشارع بها لا إن فعلها لقصد غير اللهقال الأجهوري في شرح خليل: والحاصل أن ما تتوقف صحته على نية يتوقف حصول الثواب فيه على النية مع قصد الامتثال أولا مع قصد امتثال ولا عدمه، وأما مع قصد عدم الامتثال فلا ثواب فيه، وأما ما تتوقف صحته على نية فيتوقف الثواب فيه على قصد الامتثال وإلا لا فلا ثواب فيه. قاله في فضل الجماعة، وعدم الثواب في فعله لا ينافي الخروج من عهدته بفعله كقضاء الدين ونحوه، كما يخرج من عهدة المنهي عنه بمجرد تركه لما قدمنا من أن التوقف عند تركه إنما هو ثواب الامتثال، ولا يشكل على ما ذكرنا في المأمورات من أكره على فعل الصلاة وإخراج الزكاة لأن نية المكره لتارك الصلاة عنادا أو الزكاة الإمام أو نائبه ونيته تقوم مقام نية المكره بالفتح. "واستغنوا " أي المؤمنون الكاملون في الإيمان بمعنى اكتفوا"بما أحل" الله "لهم" بالنص على حله مقتصرين على تناوله ورغبوا "عما حرم عليهم" بالنص على تحريمه فلا يتناولون شيئا منه، والمراد بالنص مطلق الدليل1 ليشمل
ـــــــ
1 الدليل لغة: هو المرشد والكاشف من دللت على الشيء ودللت إليه والمصدر دلولة ودلالة بكسر الدال وفتحها وضمها والدال وصف للفاعل والدليل ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري ولو ظنا وقد يخصه بعضهم بالقطعي ولذلك كان تعريف أصول الفقه بأنه أدلة الفقه جاريا على الرأي الأول القائل بالتعميم في تعريف الدليل بما يشمل الظني لأن أصول الفقه التي هي أدلة الفقه الإجمالية

القياس1والاستحسان2
ـــــــ
تشمل ما هو قطعي كالكتاب والسنة المتواترة وما هو ظني كالعمومات وأخبار الآحاد والقياس والاستصحاب ومن هنا عرفه في المحصول وفي المعتمد بأنه طرق الفقه ليشمل القطعي والظنيالأدلة المثبتة للأحكام نوعان: متفق عليه ومختلف فيه فالمتفق عليه أربعةوهي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس التي ترجع إليها أدلة الفقه الإجمالية. والمختلف فيه كثير جمعها القرافي في مقدمة الذخيرة منها: الاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذريعة والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب وإجماع أهل المدينة وغيرها ويقصد بالأحكام الأحكام التكليفية الخمسة الوجوب والندب والإباحة والكراهة والحرمة والأحكام الوضعية: كالشرط والمانع والسبب ونحوها أنظر الموسوعة الفقهية 21/23, 24, ومعجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 2/87, 88, ومن مصادره: مسلم الثبوت 1/20, ومنتهى الوصول ص 41 القياس في اللغة: تقدير شيء على مثال شيء وتسويته به لذلك سمي المكيال مقياسا يقال: فلان لا يقاس على فلان لا يساويه. أما في الاصطلاح: فقد اختلف علماء الأصول فيه حتى قال إمام الحرمين يتعذر الحد الحقيقي في القياس لاشتماله على حقائق مختلفة كالحكم والعلة والفرع والجامع. وعرفه المحققون بأنه: مساواة فرع لأصل في علة الحكم أو زيادته عليه في المعنى المعتبر في الحكم وقيل: حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بجامع حكم أو صفة أو نفيهماأركان القياس: لا تتم ماهية القياس إلا بوجود أركانه وهي أربعة: 1- الأصل: وهو محل الحكم المشبه به. 2- الفرع: وهو المشبه. 3- الحكم: وهو ما ثبت بالشرع في الأصل كتحريم الخمر. 4- العلة: وهو الوصف الجامع بين الأصل والفرع أما شروط كل ركن من هذه الأركانحجية القياس: لا خلاف بين العلماء في أن القياس حجة في الأمور الدنيوية كالأغذية والأدوية أما القياس الشرعي إذا عدم النص والإجماع فقد ذهب جمهور أئمة الصحابة والتابعين وجمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن القياس الشرعي أصل من أصول التشريع يستدل به على الأحكام التي لم يرد بها السمع ونقل عن أحمد لا يستغني أحد عن القياسما يجري فيه القياس: اختلف العلماء في جيان القياس في بعض الأمور كالأسباب والكفارات والمقدرات التي لا نص فيها ولا إجماع وغير ذلك فذهب أصحاب أبي حنيفة وجماعة من الشافعية وكثير من علماء الأصول إلى أنه لا يجري القياس في الأسباب وذهب أكثر الشافعية إلى أنه يجري فيها ومعنى القياس في الأسباب أن يجعل الشارع وصفا سببا لحكم فيقاس عليه وصف آخر فيحكم بكونه سببا كما اختلفوا في جريانه في الحدود والكفارات والمقدرات التي لا نص ولا إجماع فيها فمنعه الحنفية وجوزه غيرهم أنظر الموسوعة الفقهية 34/912 الاستحسان في اللغة: هو عد الشيء حسنا وضده الاستقباحوفي علم أصول الفقه عرفه بعض الحنفية بأنه: اسم لدليل يقابل القياس الجلي يكون بالنص أو الإجماع أو الضرورة أو القياس الخفي كما يطلق عند الحنفية في كتاب الكراهية والاستحسان على استخراج المسائل الحسان فهو استفعال بمعنى إفعال كاستخراج بمعنى إخراج قال النجم النسفي: فكأن الاستحسان هاهنا إحسان المسائل وإتقان الدلائل.

والإجماع له ولو قيدنا بالكامل في الإيمان لأن الذي يقتصر على الحلال لا يكون إلا
ـــــــ
حجية الاستحسان عند الأصوليين: اختلف الأصوليون في قبول الاستحسان فقبله الحنفية ورده الشافعية وجمهور الأصوليين. أما المالكية فقد نسب إمام الحرمين القول به إلى مالك وقال بعضهم: الذي يظهر من مذهب مالك القول بالاستحسان لا على ما سبق بل حاصله: استعمال مصلحة جزئية في مقابلة قياس كلي فهو يقدم الاستدلال المرسل على القياسوأما الحنابلة فقد حكي عنهم القول به أيضا والتحقيق أن الخلاف لفظي لأن الاستحسان إن كان هو القول بما يستحسنه الإنسان ويشتهيه من غير دليل فهو باطل ولا يقول به أحد وإن كان هو العدول عن دليل إلى دليل أقوى منه فهذا مما لا ينكره أحدأقسام الاستحسان:
ينقسم الاستحسان بحسب تنوع الدليل الذي يثبت به إلى أربعة انواع:
أولا: استحسان الأثر أو السنة: وهو أن يرد في السنة النبوية حكم لمسألة ما مخالف للقاعدة المعروفة في الشرع في امثالها لحكمة يراعيها الشارع كبيع السلم جوزته السنة نظرا للحاجة على خلاف الأصل في بيع ما ليس عند الإنسان وهو المنعثانيا: استحسان الإجماع: وهو أن ينعقد الإجماع في أمر على خلاف مقتضى القاعدة كما في صحة عقد الاستصناع فهو في الأصل أيضا بيع معدوم لا يجوز وإنما جوز بالإجماع استحسانا للحاجة العامة إليهثالثا: استحسان الضرورة: وهو أن يخالف المجتهد حكم القاعدة نظرا إلى ضرورة موجبة من جلب مصلحة أو دفع مفسدة وذلك عندما يكون اطراد الحكم القياسي مؤديا إلى حرج في بعض المسائل كتطهير الآبار والحياض لأن القياس ألا تطهر إلا بجريان الماء عليها وفيه حرج شديدرابعا: الاستحسان القياسي: وهو أن يعدل عن حكم القياس الظاهر المتبادر إلى حكم مخالف بقياس آخر هو أدق وأخفى من القياس الأول لكنه أقوى حجة وأسد نظرا فهو على الحقيقة قياس سمي استحسانا أي قياسا مستحسنا للفرق بينهما وذلك كالحكم على سؤر سباع الطير فالقياس نجاسة سؤرها قياسا على نجاسة سؤر سباع البهائم كالأسد والنمر لأن السؤر معتبر باللحم ولحمها نجس والاستحسان طهارة سؤرها قياسا على طهارة سؤر الآدمي فإن ما يتصل بالماء من كل منهما طاهر وإنما رجع القياس الثاني لضعف المؤثر في الحكم في القياس الأول وهو مخالطة اللعاب النجس للماء في سؤر سباع البهائم فإنه منتف في سباع الطير إذ تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر جاف لا لعاب فيه فانتفت علة النجاسة فكان سؤرها طاهرا كسؤر الآدمي لكنه مكروه لأنها لا تحترز عن الميتة فكانت كالدجاجة المخلاة أنظر الموسوعة الفقهية 3/218, وتقريب الأصول إلى علم الأصول ص 399- 400, وتعليق الدكتور محمد المختار عليهوالإجماع1 له ولو قيدنا بالكاملين في الإيمان، لأن الذي يقتصر على الحلال لا يكون إلا
1 الإجماع في اللغة: يراد به تارة العزم يقال: أجمع فلان كذا أو أجمع على كذا إذا عزم عليه وتارة يراد به الإتفاق فيقال: أجمع القوم على كذا أي اتفقواعليه وعن الغزالي أنه مشترك لفظي وقيل: إن المعنى الأصلي له العزم والاتفاق لا زم ضروري إذا وقع من جماعةوالإجماع في اصطلاح الأصوليين: اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر ما بعد عصره صلى الله عليه وسلم على أمر شرعي والمراد بالأمر الشرعي ما لايدرك لولا خطاب الشارع سواء أكان قولا أم فعلا أم اعتقادا أم تقريرا. أنظر الموسوعة الفقهية 2/48, الإحكام للآمدي 2/280, وكشف الأسرار 3/423, والمحصول 2/1/19.

كامل الإيمان، وبقي على المؤلف الذي لم يرد فيه نص بحل ولا تحريم هل يكون حلالا أو يوقف عنه؟ وهما قولان في المسألة لكن بعد ورود الشرع، لأنه لا حكم قبل الشرع لا أصليا ولا فرعيا، خلافا للمعتزلة في تحكيمهم العقل قبل ورود الشرع، وما قيل من أن الأشياء قبل ورود الشرع فيها ثلاثة أقوال: الإباحة1 والتحريم2 والوقف ففيه نظر لما عرفت من أنه لا حكم قبل الشرع قاله الأجهوري وغيره، وبيان فساد مذهبهم مذكور في المطولات، وهذا آخر الخطبةوشرع الآن في بيان السبب3 الحامل على تأليف هذه الرسالة فقال: "أما بعد" أما بفتح
ـــــــ
1 الإباحة في اللغة: الإحلال يقال: أبحتك الشيء أي أحللته لك والمباح خلاف المحظور وعرف الأصوليون الإباحة بأنها: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين تخييرا من غير بدل أنظر الموسوعة الفقهية 1/127, ومعجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/33, 34, ومن مصادره شرح الكوكب المنير ص 130, والبحر المحيط 1/3182 التحريم في اللغة: خلاف التحليل وضده. والحرام: نقيض الحلال يقال: حرم عليه الشيء حرمة وحراما والحرام: ما حرم الله والمحرم الحرام والمحارم: ما حرم الله وأحرم بالحج أو العمرة أو بهما إذا دخل في الإحرام بالإهلال فيحرم عليه به ما كان حلالا من قبل كالصيد والنساء فيتجنب الأشباء التي منعه الشرع منها كالكيب والنكاح والصيد وغير ذلك. والأصل فيه المنع فكان المحرم ممتنع من هذه الاشياء ومنه حديث الصلاة: تحريمها التكبير فكأن المصلي بالتكبير والدخول في الصلاة صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها فقيل للتكبير: تحريم لمنعه الصلي من ذلك والإحرام أيضا بمعتى التحريم يقال: أحرمه وحرمه بمعنىوهو في اصطلاح الأصوليين: خطاب الله المقتضي الكف عن الفعل اقتضاء جازما بأن لم يجوز فعله بدليل قطعي كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] فقد ثبت التحريم والأمر بالكف بالنص القرآني القاطع وكتحريم الربا في قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275]. وأورد البركي في تعريفاته الفقهية تعريف التحريم فقال: هو جعل الشيء محرما وإنما خصت التكبيرة الأولى في الصلاة بالتحريمة لأنها تحرم الأمور المباحة قبل الشروع في الصلاة دون سائر التكبيرات هذا وللتحريم إطلاق آخر حين يصدر من غير الشارع كتحريم الزوج زوجته على نفسه أو تحريم بعض المباحات بيمين أو بغيرها ومعناه هنا: المنع أنظر الموسوعة الفقهية 10/206, 207, ومعجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/437, ومن مصادره: جمع الجوامع ص 10, والواضح في أصول الفقه ص 273 السبب لغة: الحبل. ثم استعمل لكل شيء يتوصل به إلى غيره والجمع أسبابوالسبب في الاصطلاح: أحد أقسام الحكم الوضعي وعرفه الحنفية: بأنه ما يكون طريقا إلى الحكم من غير تأثير أي من غير أن يضاف إليه وحوب ولا وجود ولا يعقل فيه معاني العلل لكن يتخلل بينه وبين الحكم علة لا تضاف إلى السبب واحترز بقيد كونه طريقا عن العلامة واحترز بقيد الوجوب عن

الهمزة وتشديد الميم حرف بسيط، وبعد ظرف زماني باعتبار النطق ومكاني باعتبار الرقم، وأصل أما بعد مهما يكن من شيء بعد البسملة والحمدلة وما معهما فأقول: إنك سألتني ومهما مبتدأ والاسمية لازمة للمبتدأ ويكن شرط والفاء لازمة له غالبا، فحين تضمنت أما معنى الابتداء والشرط أي حلت محلهما فحذفهما اختصارا للزومها الفاء غالبا، ولصوق الاسم الذي هو بعد إقامة اللازم مقام الملزوم وإبقاء لأثره في الجملة، فأما قائمة مقام شيئين، وبعد قائمة مقام الثالث الذي هو المضاف إليه ولذا بنيت لتضمنها معناهوتقدم أن سبب الحذف الاختصار وسبب تقدير ما ذكر الإشارة إلى تحقق الجواب، لأنك إذا أردت الإخبار عن وقوع أمر ولا محالة تقول أما بعد فيكون كذا، لا أن المعنى مهما يوجد شيء في الكون يكون كذا، والكون لا يخلو عن وجود شيء، والمعلق على المحقق محقق، فهي حرف شرط وتوكيد دائما وتفصيل غالبا، ويجب توسط جزء مما في حيزها بينها وبين الفاء، إما مبتدأ نحو: أما زيد فمنطلق، أو مفعول نحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى: 90] أو غيرهما من ظرف أو حال، كراهة توالي لفظتي إرادة الشرط والجزاء الموهم أن تلك الفاء عاطفة على مقدر والواقع ليس كذلك، وقولنا غالبا للاحتراز عما إذا كان جوابها قولا وأقيمت حكايته مقامه، وإلا فيجوز حذفهما بكثرة نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] أي فيقال لهم: أكفرتم؟ وأما إذا لم يكن الجواب قولا فلا يحذف إلا ندورا نحو: أما بعد ما بال رجال الحديث؟
ـــــــ
العلة إذ العلة ما يضاف إليها ثبوت الحكم وهذا هو المقصود بقولهم: وحوب واحترز بقيد وجود عن العلة والشرط لأن الحكم يضاف إلى العلة وجودا بها ويضاف إلى الشرط وجودا عنده واحترز بقيد ولا يعقل فيه معاني العلل عن السبب الذي له شبهة العلة وهو ما أثر في الحكم بواسطة فلا يوجد للسبب الحقيقي تأثير في الحكم بواسطة أو بغير واسطةوعرف الشافعية السبب بأنه: كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعيواحترز بالظاهر عن الوصف الخفي كعلوق النطفة بالرحم فإنه سبب خفي لا يعلق عليه وجوب العدة وإنما يعلق على وصف ظاهر وهو الطلاق مثلا. واحترز بالمنضبط عن السبب المتخلف الذي لا يوجد دائما كالمشقة فإنها تتخلف ولذا علق سبب القصر على السفر دون
المشقة. ومثال السبب: زوال الشمس أمارة معرفة لوجوب الصلاة في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وكجعل طلوع الهلال أمارة على وجوب صوم رمضان في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] أنظر الموسوعة الفقهية 24/145, ومعجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 2/232- 236, ومن مصادره: غاية الوصول ص 13, وشرح الكوكب المنير 1/445- 451.

واعلم أن بعده فيه أربعة مباحث:
الأول: في إعرابها أو بنائها ومحصله أنها تبنى عند حذف ما تضاف إليه إن كان معرفة ونوى ثبوت معناه لشبهها بالحرف في الافتقار، وبنيت على حركة ليدل على أصلها وهو الإعراب، وكانت الحركة ضمة جبرا لما فإنها من حذف المضاف إليه، وأما لو ذكر المضاف إليه أو حذف ونوى ثبوت لفظه أو حذف ونوى ثبوت معناه وكان نكرة أو حذف ولم ينو لفظه ولا معناه فإنها تعرب في تلك الأحوال الأربعة بالنصب على الظرفية أو مع الجر بمن خاصةالثاني: في العامل فيها، ومحصل ما قاله الدماميني أنها منصوبة لفظا أو محلا، إما بفعل الشرط المحذوف الذي هو يكن أو يوجد، وإما بلفظ إما لنيابتها عن فعل الشرط، والصحيح كما قاله ابن جماعة أنها جزء من الجواب فتكون معمولة لما بعد الفاءالثالث: حكم الإتيان ببعد في الخطب الاستحباب1 لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي بها في الخطب
ـــــــ
1 الاستحباب في اللغة: مصدر استحبه إذا أحبه ويكون الاستحباب بمعتى الاستحسان واستحبه عليه: آثره والاستحباب عند الأصوليين غير الحنفية اقتضاء خطاب الله العقل اقتضاء غير جازم بأن يجوز تركه وضده الكراهيةويرادف المستحب: المندوب والتطوع والطاعة والسنة والنافلة والنفل والقربة والمرغب فيه والإحسان والفضيلة والرغيبة والأدب والحسنوخالف بعض الشافعية في الترادف المذكور كالقاضي حسين وغيره فقالوا: إن الفعل إن واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم فهو السنة وإن لم يواظب عليه كأن فعله مرة أو مرتين فهو المستحب وإن لم يفعله وهو ما ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد فهو التطوع ولم يتعرضوا للمندوب هنا لعمومه للأقسام الثلاثة بلا شك وهذا الخلاف لفظي إذ حاصله أن كلا من الأقسام الثلاثة كما يسمى باسم من الأسماء الثلاثة كما ذكر هل يسمى بغيره منها؟ فقال البعض: لا يسمى إذ السنة الطريقة والعادة والمستحب المحبوب والتطوع: الزيادة والأكثر قالوا: نعم يسمى ويصدق على كل من الأقسام الثلاثة أنه طريقة أو عادة في الدين ومحبوب للشارع بطلبه وزائد على الواجب. وذهب الحنفيةإلى أن المستحب هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتركه أخرى فيكون دون السنن المؤكدة كما قال التهانوي بل دون سنن الزوائد كما قال أبو البقاء الكفوي ويسمى عندهم بالمندوب لدعاء الشارع إليه وبالتطوع لكونه غير واجب وبالنفل لزيادته على غيرهوإنما سمي المستحب مستحبا لاختيار الشارع إياه على المباح وهم بهذا يقتربون مما ذهب إليه القاضي حسين لولا أنهم يختلفون معه في التطوع حيث يجعلونه مرادفا للمستحب ويجعله قسيما له على ما تقدمويفرقون بين المستحب وبين السنة بلأنها هي: الطريقة المسلوكة في الدين من غير التزام على سبيل المواطبة فيخرج المستحب بالقيد الأخير إذ لا مواظبة عليه من قبل النبي عليه الصلاة والتسليموبعض الحنفية لم يفرق بين المستحبات وسنن الزوائد فقال: المستحب هو الذي يكون على سبيل العادة سواء أترك أحيانا أم لا.

والمكاتبات وتستعمل مقرونة بأما أو بالواو، ولا يجوز الجمع بينهما إلا على جعل الواو استئنافية، وعند انفراد الواو تكون نائبة عن أما فتكون نائبة النائبالرابع: اختلف فيما نطق بها أولا على أقوال سبعة: فقيل يعرب بن قحطان، وقيل داود، وقيل يعقوب، وقيل سحبان، وقيل قيس، وقيل كعب، وأقربها أنه داود وهي فصل الخطاب الذي أوتيه، وقيل غيره، وجمع بين الأقوال بأن كل واحد أول باعتبار قومه"أعاننا الله" أي اللهم أعنا، فالجملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى. "وإياك" يا سائل، وذكره بعد دخوله في أعانتا بناء على أن الضمير لجميع المسلمين وهو الأولى اهتماما به ليحقق دخوله في الدعاء، وعلى أن الضمير للمصنف يكون أتى بنون العظمة في أعاننا إظهارا للزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله له بتأهيله للعلم امتثالا لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] وفيه إشارة إلى جواز التعاظم بالعلم، فقد جاء في الأثر: "ليس منا من لم يتعاظم بالعلم"1وقال علي رضي الله تعالى عنه لا يحل الفخر لأحد إلا للعالم بعلمه لأن العلم نور العالم وروح فيه، فإن تعاظم به أو افتخر فيحق له ذلك لأنه لباس ظاهر، ولا يحل ذلك لغير العالم لأنه يفتخر بأمر باطن لا يعلم حقيقته فيصير مدعيا، وإياك أن تفهم أن معنى التعاظم رؤية النفس مرتفعة على الغير بحيث يحتقر سواه، فإن هذا ينهى عنه بإجماع المسلمين، وأما قوله عليه الصلاة والسلام وهو الحديث المتقدم: "ليس منا من لم يتعاظم بالعلم"2 فمعناه: ليس منا من
ـــــــ
وفي نور الأنوار شرح المنار: السنن الزوائد في معنى المستحب إلا أن المستحب ما أحبه العلماء والسنن الزوائد ما اعتاده النبي عليه السلام هذا وقد يطلق المستحب على كون الفعل مطلوبا طلبا جازما أو غير جازم فيشمل الفرض والسنة والندب وعلى كونه مطلوبا طلبا غير جازم فيشمل الأخيرين فقط. وذهب الأصوليون من غير الحنفية إلى أن المستحب يمدح فاعله ويثاب ولا يذم تاركه ولا يعاقب.وذلك لأن ترك المستحب جائز. غير أن هذا الترك إن ورد فيه نهي غير جازم نظر: فإن كان مخصوصا كان مكروها وإن كان نهيا غير مخصوص وهو النهي عن ترك المندوبات عامة المستفاد من أوامرها فإن الأمر بالشيء يفيد النهي عن تركه فيكون خلاف الأولى كترك صلاة الضحىوذلك لأن الطلب بدليل خاص آكد من الطلب بدليل عام والمتقدمون يطلقون المكروه على ذي النهي المخصوص وغير المخصوص وقد يقولون في الأول مكروه كراهة شديدة كما يقال في المندوب سنة مؤكدة أما الحنفية فإنهم ينصون على أن الشيء إذا كان مستحبا أو مندوبا عندهم وليس سنة فلا يكون تركه مكروها أصلاولا يوجب تركه إساءة أيضا فلا يوجب عتابا في الآخرة كترك سنن الزوائد بل أولى في عدم الإساءة وعدم استحقاق العتاب لأنه دونها في الدوام والمواظبة وإن كان فعله أفضل ولمعرفة ماتبقى من مباحث الاستحباب ككون المستحب مأمورا به وهل يلزم بالشرع فيه؟ أنظر الموسوعة الفقهية 3/213, 2141 لم أقف عليه2 لم أقف عليه.

لم يعتقد أن الله جعله عظيما بالعلم حيث جعله محلا له وموصوفا به، ولم يسترذله بحيث يحظره عليه ويمنعه منه لأنه ورد في الحديث: "إذا استرذل الله عبدا حظر عليه بالعلم والآدب"1 والسائل الذي خاطبه المصنف هو الشيخ الصالح مؤدب الأطفال محرز بفتح الراء، وهذا يقتضي أن محرزا لقي المصنف ولا استحالة في ذلك، وإن كان المؤلف بالقيروان حين التأليف ومحرز بتونس لأنه يمكن أن يكون حضر له لخصوص السؤال في تأليفها ورجع إلى تونس سريعا، بل هذا هو الظاهر لقرينة الخطاب، ولو كان غائبا حين سؤاله لقال: أعاننا الله وإياه، وعلى فرض عدم حضوره يجوز الدعاء له مع غيبته كما في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وأيضا الدعاء للغائب فيه فضل كثيرقال صلى الله عليه وآله وسلم: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وعند رأسه ملك كلما دعا لأخيه بخير قال آمين ولك بمثل ذلك" رواه البخاري في الأدب وقدم نفسه في الدعاء اقتداء بالكتاب والسنة فالكتاب حكاية عن نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28] والسنة ما في أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدأ بنفسهفإن قيل: من آداب الدعاء تقديم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والمصنف لم يصل، والجواب يمكن أن يكون صلى في نفسه أو اكتفى بالصلاة بعد البسملةتنبيه: في قول المصنف: أعاننا الله إلخ الإشارة إلى أن العبد له قدرة يكتسب بها فعل الخير والشر، وفيه رد على الجبرية القائلين بأن العبد لا قدرة له وإنما هو كالنخلة تميلها الرياح وكالميت بين يدي الغاسل يميله كيف يشاء، وعلى المعتزلة في قولهم: العبد يخلق أفعال نفسه، ومذهب أهل السنة من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين. قال في الجوهرة مشيرا للمذاهب الثلاث:
وعندنا للعبد كسب كلفا ... به ولكن لم يؤثر فاعرفا
فليس مجبورا ولا اختيارا ... وليس كلا يفعل اختيارا
ومتعلق أعاننا "على رعاية" أي حفظ "ودائعه" تعالى وهي جوارح الإنسان، وأضيفت له تعالى لأنه الخالق لها، ويقال لها الكواسب وهي سبع: السمع والبصر واللسان واليدان
ـــــــ
1 موضوع: أنظر: الكامل 2/339, وكشف الخفا 2/235, والمصنوع 1/156 والفواكه المجموعة 1/285, والأسرار المرفوعة 1/302, وتنزيه الشريعة 1/272, وضعيف الجامع 4998.

والرجلان والبطن والفرج، وحفظها أن لا يرتكب بها منهيا عنه، لأن أبواب جهنم عضد الجوارح السبع من عصى ربه بجارحة يفتح له باب من تلك، ومن أطاعه بجوارحه السبع غلق عنه الأبواب السبع، وتفسير الودائع بالجوارح أولى من تفسيرها بالشرائع من الصلاة والزكاة وغيرهما من المأمورات، لأنه يقتضي التكرار في كلامه لقوله: وحفظ ما أودعنا من شرائعه، وقيل: المراد بها الأمانات، ويجوز إرادة جميع ما ذكر، لأن المكلف راع على جميع جوارحه وعبادته وسائر تصرفاته كما في حديث: "كلكم راع" وأعاننا الله وإياك يا محرز على "حفظ ما أودعنا " أي ائتمننا عليه وكلفنا به "من شرائعه " جمع شريعة وهي لغة الطريق، وشرائع الله أحكامه وتكاليفه، وحفظها الإتيان بها مع المداومة فيما تطلب إدامته كالصلاة والصوم ونحوهما على الوجه الكاملوقال الطيالسي: قلت لأبي محمد: ما الودائع التي أردت؟ قال: الإيمان، قلت: ما الشرائع؟ قال: الإسلام قلت: لم لم تجعلها شيئا واحدا؟ قال: وديعة الإيمان عقد خفي وديعة الإسلام كذلك مع عمل ظاهر جلي. قلت: ولم لم تقل وحفظ ما كلفنا من شرائعه؟ فسكت ا هـ. وأقول: يمكن الجواب بأنه إنما عبر بلفظ الودائع تلميحا بالآية، وقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72] الآية، فإن المراد بها التكاليف، فلما سماها الله تعالى أمانة ناسب التعبير عنها بالودائع جمع وديعة وهي أمانة والتلميح من المحسنات البديعية، وعلى تفسير أبي محمد الودائع والشرائع بالإيمان والإسلام يكون عبر عن كل منها بلفظ الجمع تعظيما أو بالنظر لتعدد متعلق كل من الإيمان والإسلام"تنبهات" الأول: إنما أتى بهذا الدعاء قبل الشروع في المقصود لما أنه يستحب للإنسان الملازمة على الدعاء، ولا سيما الشارع في تأليف ينبغي له الإكثار من الدعاء لنفسه وللمتسبب لما ورد من أن من أهمل الدعاء فقد استهدف للبلاء، وقال صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه" 1 واقتصر على تينك الدعوتين لأجل الاختصار فلا ينافي أن بسطه أفضل من اختصاره، وما قيل من أن أدعية السلف لا تزيد على سبع كلمات غير معول عليه، أو المراد من الإخبار بما اتفق منهم فلا ينافي أن الزيادة أفضلالثاني: لم يعلم هل الأفضل للداعي التصريح بحاجته أو عدم التصريح، وقد نص العلماء
ـــــــ
1 حسن: أخرجه الترمذي كتاب الدعوات حديث 3373, وأبو يعلى في مسنده 12/11, حديث 6655, وحسنه الألباني صحيح ابن ماجه 3827.

على أن التعريض بها أفضل من تسميتها فإنه شعار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ألا ترى أن أيوب قال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83] فعرض ولم يصرح، وكذا موسى عند قوله: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]الثالث: آدابه كثيرة منها أن يصلح لسانه بأن يدعو بأدب حصول أمر ممكن عادة وشرعا فلا يدعو بمستحيل ولا يأتي بشيء من الألفاظ مما يعد إساءة أدب في
المخاطبات لوجوب تعظيم الله، ومنها أن لا يكون ملحونا مع القدرة على الإعراب لما جاء في الحديث: "لا يقبل دعاء ملحون"1قال ابن الصلاح: إلا أن لا يستطيع غيره فيعذر. "فإنك" الفاء واقعة في جواب أما لما فيها من معنى الشرط. "سألتني " الخطاب في الموضعين لمحرز لأنه السائلفإن قيل: كيف يصح جعل جملة "فإنك سألتني" جوابا مع أن الجواب لا يكون إلا مستقبلا لأنه معلق على الشرط، فالشرط سابق عليه ضرورة والواقع هنا خلاف ذلك، لأن سؤال محرز المدلول عليه بسألتني قد وقع في الزمان الماضي؟ فالجواب أن يقال: الحكم على جملة فإنك سألتني بأنها جواب على ضرب من المجاز لوقوعها في محل الجواب، والجواب حقيقة محذوف، وتلك الجملة معمولة له أقيمت ومقامه عند حذفه، والتقدير: أما بعد ما تقدم فإنى قائل لك إنك سألتني أي طلبت مني لخضوع السائل، واللفظ الدال على الطلب يكون مع استعلاء الطالب أمرا، ومع خضوعه سؤالا، ومع التساوي التماساولبعض السؤال والالتماس يكونان من المتماثلين، والدعاء طلب الأدنى من الأعلى والأمر عكسه، وقد تقرر في الشرع أن حكم السؤال عما يجب على السائل معرفته الوجوب. قال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وإن كان عن غير واجب أو كان وسيلة لنفع غير السائل كان مستحبا، والياء في سألتني هي المفعول الأول والثاني "أن أكتب لك" يا محرز والمراد أؤلف لك، وعدل عنه إلى أكتب تواضعا لما في التعبير بالتأليف من الإشعار بالتعظيم المنهي عنه، وأيضا في التعبير بالكتابة إشارة إلى جواز كتابة العلم خلافا لمن منع كتابته لئلا يعتمد على المكتوب ويترك الحفظ، ولكن في هذا الزمان لا يختلف في الجواز لقصر الهمم، ولذلك قال للذي شكا إليه سوء الحفظ: "استعن عليه بيمينك"2ـــــــ
1 موضوع: أنظر: كشف الخفا 1/288, والمصنوع 1/62, والأسرار المرفوعة 1/1252 ضعيف: أخرجه الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الرخصة فيه حديث 2666, أنظر ضعيف الجامع 813, ولفظه "استعن بيمينك".

وقال سحنون: العلم صيد والكتابة قيد ومفعول أكتب. "جملة" أي طائفة من المسائل المقصودة للسائل "مختصرة" من الاختصار بمعنى الإيجاز أي قليلة اللفظ كثيرة المعنى، وإنما طلبها مختصرة لسهولة حفظ المختصر وضبطه، وترغيبا للطالب في تناولها ولبعض التفرقة بين الاختصار والإيجاز وهي أن الاختصار يكون في اللفظ والإيجاز يكون في المعنى، كما فرقوا بين الاقتصار والاختصار بأن الاقتصار هو الإتيان ببعض الشيء وترك بعضه والاختصار تجريد اللفظ اليسير من الكثير مع بقاء المعنى الأصلي. ولبعض الاختصار حذف بعض الكلام لدليل، والاقتصار حذف بعضه لغير دليلثم بين ما تشتمل عليه تلك الجملة بقوله: "من واجب أمور الديانة"1فمن داخلة على واجب لبيان الجنس، والواجب لقب لأحد الأحكام الخمسة الشرعية وله ألقاب أخر: الفرض والمكتوب والمحتم والمستحق واللازم فهذه ستة. وأمور جمع أمر بمعنى الفعل وإن كان بمعنى القول المخصوص جمع على أوامر، والمراد هنا الأول بدليل إضافة الواجب إليه. والديانة مفرد الديانات مصدر دان يدين إذا طاع، والأولى تفسير الأمر بالشأن لأجل شموله للأقوال وغيرها، لأن أمور الدين التي سيذكرها منها القول وهو النطق بالشهادتين، ومنها الاعتقاد بالقلب، ومنها أفعال الجوارحوفي بعض النسخ الديانات بالجمع أورد عليها أن الدين الحق واحد، وأجيب بأنه جمع باعتبار أشخاص المكلفين أو باعتبار أنواع العبادات، والواجب الذي هو أحد الأحكام ما يمدح فاعله ويذم تاركه والحرام عكسه. وعرف بعضهم الواجب بأنه ما يثاب على فعله امتثالا ويعاقب على تركه اختيارا غالبا فيهماقال القرافي: ليس كل واجب يثاب على فعله ولا كل
ـــــــ
1 الفرض والواجب عند الجمهور بمعنى واحد إلا في الحج ويور اللفظان عندهم على معنى الثبوت والتقدير مطلقا وهو أعم من أن يثبت بدليل قطعي أو ظني وذهب الحنفية وأحمد في رواية إلى التفريق بين الفرض والواجب فمدار الفرض عندهم لغة على القطع وشرعا: على ما ثبت بدليل موجب للعلم قطعا من الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع ومدار الواجب عندهم لغة على السقوط واللزوم وشرعا: على ما يكون دليله موجبا للعلم فيثبت الواجب عندهم بدليل ظنيويظهر أثر التفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية في أن جاحد الفرض كافر لأنه أنكر ما وجب عليه اعتقاد فرضيته قطعا ولا يكفر جاحد الواجب لأن دليله لا يوجب الاعتقاد وإنما يوجب العمل ولذا يفسق تاركه ومثال الأول الصلوات الخمس فإنها فرض علمي وعملي ومثال الثاني صلاة الوتر عند أبي حنيفة فهي فرض عملي ويقال له: فرض عملا واجب اعتقادا وسنة ثبوتا أنظر الموسوعة الفقهية 32/95, 96.

حرام يثاب على تركه، فنفقات الزوجات ورد الغصوبات والديون والعواري إذا فعلها المكلف غافلا عن نية امتثال أمر الله فيها وقعت واجبة مبرئة للذمة، ولا يثاب على شيء من ذلك كله حتى ينوي امتثال أمر الله فيه، قيل: ومن الواجب الذي لا ثواب في فعله معرفة الله تعالى لأن الثواب يتبع النية والنية هنا ممنوعة، لأن وجوب الشيء بالشرع إنما يكون من جهته، فمن لم يعرفه لا يكون عنده شيء واجب بالشرع فلا يتصور أن يفعله بالنية امتثالا، وإذا انتفى فعله بالنية المذكورة انتفى الثواب، هذا ملخص كلام الأجهوريوقال اللقاني: قال بعض المحققين: لا تحتاج معرفة الله إلى نية بل لا يمكن توقفها عليها لأن النية قصد المنوي وإنما يقصد العاقل ما يعرف، فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة وهو محال، وبحث بعضهم فيه قائلا: إن كل عاقل يشعر بأن له من يدبره فإذا نظر في الدليل ليتحققه لم تكن النية محالة، ونقل عن السعد أن الحق ترتب الثواب عليها باعتبار أسبابها فإنها اختيارية وحصولها بعد النظر عادي عند الأشعري، والمحرم الذي لا يثاب على تركه شرب الخمر والسرقة والزنا وقتل النفس وما أشبه ذلك من المحرمات، فإنه يخرج من عهدتها بتركها ولا يثاب على شيء من ذلك كله حتى ينوي بالترك امتثال أمر الله تعالى، ولما كان واجب أمور الديانة مبهما بينه بقوله: "مما تنطق به الألسن" كالشهادتين للقادر على النطق بهما، وكقراءة أم القرآن، والآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر الواجبات القولية، والألسنة جمع لسان آلة النطق المعروفة"و" مما "تعتقده" أي تجزم به وتصمم عليه "القلوب" كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخروفي بعض النسخ: الأفئدة بدل القلوب جمع قلب وقد مر بيانه"و " مما "تعمله " أي تكتسبه "الجوارح " وهي السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والفرج والبطن وتسمى الكواسب لأن بها يكتسب الإنسان الخير والشر. ثم عطف على واجب قوله: "وما يتصل بالواجب " أظهر في محل الإضمار أي فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانات ومما يتصل به"من ذلك " المذكور بناء على أن الإشارة راجعة للثلاثة، ويصح رجوعه لما تعمله الجوارح فقط بدليل بيان المتصل بعد بقوله: من السنن ونوافلها ورغائبها، لأن الثلاثة إنما تتصل بأعمال الجوارح بخلاف ما تنطق به الألسنة فلا تتصل به رغيبة، وما تعتقده القلوب لا تتصل به سنةوالحاصل أن أعمال الجوارح منها ما هو سنة ومنها ما هو رغيبة ومنها ما هو فضيلة، فيتصل

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11