كتاب : الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل
المؤلف : عبد الله بن قدامة المقدسي أبو محمد

كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل فصل مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين قال الشيخ العالم العلامة الأوحد الصدر الكامل شيخ الإسلام قدوة الأنام موفق الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار عالم خفيات الأسرار غافر الخطيئات و الأوزار الذي امتنع عن تمثيل الأفكار و ارتفع عن الوصف بالحد و المقدار و أحاط علمه بما في لجج البحار و له ما سكن في الليل و النهار أنعم علينا بالنعم الغزار و من علينا بالنبي المختار محمد سيد الأبرار المبعوث من أطهر بيت في مضر بن نزار صلى الله عليه و على آله الأطهار و صحابته المصطفين الأخيار صلاة تجوز حد الإكثار دائمة بدوام الليل و النهار هذا كتاب استخرت الله تعالى في تأليفه على مذهب إمام الأئمة و رباني الأمة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه في الفقه توسطت فيه بين الإطالة والاختصار و أومأت إلى أدلة مسائله مع الاقتصار و عزيت أحاديثه إلى كتب أئمة الأمصار ليكون الكتاب كافيا في فنه عما سواه مقنعا لقارئه بما حواه وافيا بالغرض من غير تطويل جامعا بين بيان الحكم و الدليل و بالله أستعين و عليه اعتمد و إياه أسأل أن يعصمنا من الزلل و يوفقنا لصالح القول و النية والعمل ويجعل سعينا مقربا إليه و نافعا لديه و ينفعنا و المسلمين بما جمعنا و يبارك لنا فيما صنعنا و هو حسبنا ونعم الوكيل

باب حكم الماء الطاهر
يجوز التطهر من الحدث والنجاسة بكل ماء نزل من السماء : من المطر وذوب الثلج والبرد لقوله تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وقول النبي صلى الله عليه و سلم [ اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد ] متفق عليه وبكل ما نبع من الأرض من العيون والبحار والآبار لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح و [ كان النبي يتوضأ من بئر بضاعة ] رواه النسائي
فصل :
فإن سخن بالشمس أو بطاهر لم تكره الطهارة به لأنها صفة خلق عليها الماء فأشبه ما لو برده وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه ولم يتحقق فهو طاهر لأن الأصل طهارته فلا تزول بالشك ويكره استعماله لاحتمال النجاسة وذكر أبو الخطاب رواية أخرى : أنه لا يكره لأن الأصل عدم الكراهية وإن كانت النجاسة لا تصل إليه غالبا ففيه وجهان :
أحدهما : يكره لأنه يحتمل النجاسة فكره كالتي قبلها
والثاني : لا يكره لأن احتمال النجاسة بعيد فأشبه غير المسخن
وإن خالط الماء طاهر لم يغيره لم يمنع الطهارة به لأن النبي صلى الله عليه و سلم : [ اغتسل مع زوجته في قصعة فيها أثر العجين ] رواه النسائي وابن ماجة والأثرم [ و ] لأن الماء باق على إطلاقه
فإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا لم يغيره ثم [ تطهر ] به صح لما ذكرنا
وإن كان الماء لا يكفيه لطهارته فكذلك لأنه المائع استهلك في الماء كالتي قبلها
وفيه وجه آخر : لا تجوز الطهارة به لأنه أكملها بغير الماء فأشبه ما لو غسل به بعض أعضائه
وإن غير الطاهر صفة الماء لم يخل من أوجه أربعة :
أحدها : ما يوافق الماء في الطهورية كالتراب وما أصله الماء كالملح المنعقد من الماء فلا يمنع الطهارة به لأنه يوافق الماء في صفته أشبه الثلج
والثاني : ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود فلا يمنع لأنه تغير عن مجاورة فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة قربة
الثالث : ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء وما يجري عليه الماء من الكبريت والقار وغيرهما وورق الشجر على السواقي والبرك وما تلقيه الرياح والسيول في الماء من الحشيش والتبن ونحوهما فلا يمنع لأنه لا يمكن صون الماء عنه
الرابع : ما سوى هذه الأنواع كالزعفران والأشنان والملح المعدني وما لا ينجس بالموت كالخنافس والزنابير وما عفي عنه لمشقة التحرز إذا ألقي في الماء قصدا فهذا إن غلب على أجزاء الماء مثل أن جعله صبغا أو حبرا أو طبخ فيه سلبه الطهورية [ بغير ] خلاف لأنه زال اسم الماء فأشبه الخل
وإن غير إحدى صفاته طعمه أو لونه أو ريحه ولم يطبخ فيه فأكثر الروايات عن أحمد أنه لا يمنع لقول الله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } ولأنه خالطه طاهر لم يسلبه اسمه ولا رقته ولا جريانه أشبه سائر الأنواع
وعنه : لا تجوز الطهارة به لأنه سلب إطلاق اسم الماء أشبه ماء الباقلاء المغلي وهذا اختيار الخرقي وأكثر الأصحاب
فصل :
فأن استعمل في رفع الحدث فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه و سلم : [ صب على جابر من وضوئه ] رواه البخاري ولأنه لم يصبه نجاسة فكان طاهرا كالذي تبرد به وهل تزول طهوريته به ؟
فيه روايتان :
أشهرهما : زوالها لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه المتغير بالزعفران
والثانية : لا تزول لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه التبرد به
وإن استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد وغسل الجمعة والغسلة الثانية والثالثة فهو باق على إطلاقه لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا
وعنه أنه غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية أشبه المستعمل في رفع الحدث
فصل :
وإن استعمل في غسل نجاسة فانفصل متغيرا بها أو قبل زوالها فهو نجس لأنه متغير بنجاسه أو ملاق لنجاسة لم يطهرها فكان نجسا كما لو وردت عليه
وما انفصل من الغسلة التي طهرت المحل غير متغير فهو طاهر إن كان المحل أرضا لأن النبي صلى الله عليه و سلم [ أمر أن يصب على بول الأعرابي ذنوب من ماء ] متفق عليه
فلو كان المنفصل نجسا لكان تكثيرا في النجاسة
وإن كان غير الأرض ففيه وجهان :
أظهرهما : طهارته كالمنفصل عن الأرض ولأن البلل الباقي في المحل طاهر والمنفصل بعد المتصل فكان حكمه حكمه
والثاني : هو نجس لأنه ماء يسير لاقى نجاسة فتنجس بها كما لو وردت عليه
فإن قلنا بطهارته فهل يكون مطهرا ؟ على وجهين على الروايتين في المستعمل في رفع الحدث وقد مضى توجيههما
فصل : وإذا انغمس المحدث في ماء يسير ينوي به رفع الحدث صار مستعملا لأنه استعمل في رفع الحدث ولم يرفع حدثه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه وهو جنب ] رواه مسلم والنهي يقضي فساد المنهي عنه ولأنه بأول جزء انفصل منه صار مستعملا فلم يرتفع الحدث عن سائره
فصل :
وما سوى الماء من المائعات كالخل [ والمرق ] والنبيذ وماء الورد والمعتصر من الشجر لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا ولقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } فأوجب التيمم على من لم يجد ماء وقال النبي صلى الله عليه و سلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب : [ تحتيه ثم تقرصيه ثم تنضحيه بالماء ثم تصلي فيه ] متفق عليه فدل على أنه لا يجوز بغيره والله أعلم

باب الماء النجس
إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته نجس بغير خلاف لأن تغيره لظهور أجزاء النجاسة فيه
وإن لم تغيره لم يخل من حالين :
أحدهما : أن يكون قلتين فصاعدا فهو طاهر لم روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال : [ إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ] رواه الأئمة وقال الترمذي : هذا الحديث حسن وفي لفظ [ لم ينجسه شيء ] وروى أبو سعيد رضي الله عنه قال : قيل : يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي : بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ؟ فقال : [ الماء طهور ولا ينجسه شيء ] قال أحمد : حديث بئر بضاعة صحيح
قال أبو داود : قدرت بئر بضاعة بردائي فوجدتها ستة أذرع ولأن الماء الكثير لا يمكن حفظه في الأوعية فعفي عنه كالذي لا يمكن نزحه
الثاني : ما دون القلتين ففيه روايتان :
أظهرهما : نجاسته لأن قوله : [ إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ] يدل على أن ما لم يبلغها ينجس ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات ] متفق عليه فدل على نجاسته من غير تغيير ولأن الماء اليسير يمكن حفظه [ في الأوعية ] فلم يعف عنه وجعلت القلتان حدا بين القليل والكثير
والثانية : هو طاهر لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] وروى أبو إمامة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه ] رواه ابن ماجة ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير
فصل :
وفي قدر القلتين روايتان :
إحداهما : [ إنهما ] أربعمائة رطل بالعراقي لأنه روي عن ابن جريج ويحيى بن عقيل : أن القلة تأخذ قربتين وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصارت القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل
والثانية : هما خمسمائة رطل لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال : رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفا فيكونان خمس قرب
وهل هذا تحديد أو تقريب ؟
فيه وجهان :
أظهرهما : أنه تقريب فلو نقص رطل أو رطلان لم يؤثر لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريبا والشيء إنما جعل نصفا احتياطا والغالب أنه يستعمل فيما دون النصف وهذا لا تحديد فيه
والثاني : أنه تحديد فلو نقص شيئا يسيرا تنجس بالنجاسة لأنا جعلنا ذلك احتياطا وما وجب الاحتياط به صار فرضا كغسل جزء من الرأس مع الوجه
فصل :
وجميع النجاسات في هذا سواء ما عدا بول الآدميين وعذرتهم المائعة فإن أكثر الروايات عن أحمد أنها تنجس الماء الكثير لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه ] متفق عليه إلا أن يبلغ حدا لا يمكن نزحه كالغدران والمصانع بطريق مكة فذلك الذي لا ينجسه شيء لأن نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن البول في الماء الدائم ينصرف إلى ما كان في أرضه على عهده من آبار المدينة ونحوها
وعنه أنه كسائر النجاسات لعموم الأحاديث التي ذكرناها ولأن البول كغيره من النجاسات في سائر الأحكام فكذلك في تنجيس الماء وحديث البول لا بد من تخصيصه فنخصه بخبر القلتين
فصل :
وإذا وقعت النجاسة في ماء فغيرت بعضه فالمتغير نجس وما لم يتغير إن بلغ قلتين فهو طاهر لعموم الأخبار فيه ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو لم يتغير فيه شيء وإن نقص عنهما فهو نجس لأنه ماء يسير لاقى ماء نجس فنجس به فإذا كان بين الغديرين ساقية فيها ماء يتصل بهما فهما ماء واحد
فصل :
فأما الماء الجاري إذا تغير بعض جريانه بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة وما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه وما وراءها طاهر لأنه لم يصل إليها وإن لم يتغير منه شيء احتمل أنه لا ينجس لأنه ماء كثير يتصل بعضه ببعض فيدخل في عموم الأخبار السابقة أولا فلم ينجس كالراكد ولو كان ماء الساقية راكدا لم ينجس إلا بالتغير فالجاري أولى لأنه أحسن حالا
وجعل أصحابنا المتأخرون كل جرية كالماء المنفرد فإذا كانت النجاسة في جرية تبلغ قلتين فهي طاهرة ما لم تتغير وإن كان دون القلتين فهي نجسة وإن كانت النجاسة واقفة فكل جرية تمر عليها إن بلغت قلتين فهي طاهرة وإلا فهي نجسة وإن اجتمعت الجريات فكان في الماء قلتان طاهرتان متصلة لاحقة أو سابقة فالمجتمع كله طاهر إلا أن يتغيربالنجاسة لأن القلتين تدفعان النجاسة عن نفسهما ويطهرهما ما اجتمع معهما وإن لم يكن فالجميع نجس والجرية ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها وما قرب منها مع ما يحاذي ذلك فيما بين طرفي النهر
فصل :
وهو في ثلاثة أقسام :
الأول : ما دون القلتين فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين إما أن ينبع فيه أو يصب عليه وسواء كان متغيرا فزال تغيره أو غير متغير فبقي بحاله
الثاني : قدر قلتين فتطهيره بالمكاثرة المذكورة أو بزوال تغيره بمكثه
الثالث : الزائد عن القلتين فتطهيره بهذين الأمرين أو بنزح يزيل تغيره ويبقى بعده قلتان ولا يعتبر صب الماء دفعة واحدة لأن ذلك يشق لكن يصبه على حسب ما أمكنه من المتابعة إما أن يجريه من ساقية أو يصبه دلوا فدلوا وإن كوثر بماء دون القلتين أو طرح فيه تراب أو غير ماء لم يطهره لأن ذلك لا يدفع النجاسة عن نفسه فلم يطهره الماء كما لو طرح فيه مسك ويتخرج أن يطهره لأنه تغير الماء فأشبه ما لو زال بنفسه ولأن علة التنجيس في الماء الكثير التغير فإذا زالت زال حكمها كما لو زال تغيير المتغير بالطاهرات
فأما ما دون القلتين فلا يطهر بزوال التغير لأن العلة فيه المخالطة لا التغير
فصل :
فإن اجتمع نجس إلى نجس فالجميع نجس وإن كثر لأن اجتماع النجس إلى النجس لا يتولد بينهما طاهر كالمتولد بين الكلب و الخنزير ويتخرج أن يطهر إذا زال التغير وبلغ القلتين لما ذكرناه وإن اجتمع مستعمل إلى مثله فهو باق على المنع فإذا اجتمع مستعمل إلى طهور يبلغ القلتين فالكل طهور لأن القلتين تزيل حكم النجاسة فالاستعمال أولى فإن اجتمع مستعمل إلى طهور دون القلتين وكان المستعمل يسيرا عفي عنه لأنه لو كان مائعا غير الماء عفي عنه فالمستعمل أولى وإن كثر بحيث لو كان مائعا غلب على أجزاء الماء منع كغيره من الطاهرات

باب الشك في الماء
إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة به سواء وجد متغيرا أو غير متغير لأن الأصل الطهارة والتغير يحتمل أن يكون من مكثة أو بما لا يمنع فلا يزول في الشك
وإن تيقن نجاسته ثم شك في طهارته فهو نجس لأن الأصل نجاسته
وإن علم وقوع النجاسة فيه ثم وجد متغيرا تغيرا يجوز أن يكون منها فهو نجس لأن الظاهر تغيره بها
وإن أخبره ثقة بنجاسة الماء لم يقبل حين يعين سببها لاحتمال اعتقاده نجاسته بما لا ينجسه كموت ذبابة فيه وإن عين سببها لزمه القبول رجلا كان أو امرأة بصيرا أو أعمى لأنه خبر ديني فلزمه قبوله كرواية الحديث ولأن للأعمى طريقا إلى العلم بالحس والخبر ولا يقبل خبر كافر ولا صبي ولا مجنون ولا فاسق لأن روايتهم غير مقبولة
وإن أخبره أن كلبا ولغ في هذا الإناء دون هذا وقال آخر : إنما ولغ في هذا الإناء دون ذاك حكم بنجاستهما لأنه يمكن صدقهما لكونهما في وقتين أو كانا كلبين وإن عينا كلبا ووقتا لا يمكن لا يمكن شربه فيه منهما تعارضا وسقط قولهما لأنه لا يمكن صدقهما ولم يترجح أحدهما
فصل :
وإن اشتبه الماء النجس بالطاهر تيمم ولم يجز له استعمال أحدهما سواء كثر عدد الطاهر أو لم يكثر وحكي عن أبي علي النجاد أنه إذا كثر عدد الطاهر فله أن يتحرى ويتوضأ بالطاهر عنده لأن احتمال إصابة الطاهر أكثر والأول المذهب لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو كان النجس بولا أو كثر عدد النجس أو اشتبهت أخته بأجنبيات ولأنه لو توضأ بأحدهما ثم تغير اجتهاده في الوضوء الثاني فتوضأ بالأول لتوضأ بماء يعتقد نجاسته وإن توضأ بالثاني من غير غسل أثر الأول تنجس يقينا وإن غسل أثر الأول نقض اجتهاده باجتهاده وفيه حرج ينتفي بقوله سبحانه : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فتركهما أولا أولى
وهل يشترط لصحة التيمم إراقتها أو خلطهما ؟ فيه روايتان :
إحداهما : يشترط ليتحقق عدم الطاهر
والثانية : لا يشترط لأن الوصول إلى الطاهر متعذر واستعماله ممنوع منه فلم يشترط عدم كماء الغير
وإن اشتبه مطلق بمستعمل توضأ من كل إناء وضوءا لتحصل له الطهارة بيقين وصلى صلاة واحدة وإن اشتبهت بالثياب الطاهرة بالنجسة وأمكنه الصلاة في عدد النجس وزيادة صلاة لزمه ذلك لأنه أمكنه تأدية فرضه يقينا من غير مشقة فلزم كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل وإن كثر عدد النجس فذكر بن عقيل أنه يصلي في أحدها بالتحري لأن اعتبار اليقين يشق فاكتفى بالظاهر كما لو اشتبهت القبلة
فصل :
وهو ثلاثة أقسام : طاهر وهو ثلاثة أنواع :
أحدها : الآدمي متطهرا كان أو محدثا لما روى أبو هريرة قال لقيني النبي صلى الله عليه و سلم وأنا جنب فانخنست منه فاغتسلت ثم جئت فقال : [ أين كنت يا أبا هريرة ؟ قلت يا رسول الله ! كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال : سبحان الله ! إن المؤمن ليس بنجس ] متفق عليه وعن عائشة : [ أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه النبي صلى الله عليه و سلم فيضع فاه على موضع فيها فيشرب ] رواه مسلم
النوع الثاني : ما يؤكل لحمه فهو طاهر بلا خلاف
الثالث : ما لا يمكن التحرز منه وهو السنور وما دونها من الخلقة لما روت كبشة بنت كعب بن مالك قالت : دخل علي أبو قتادة فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت فرآني أنظر إليه فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ ! قلت نعم قال : إن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : [ إنها ليس بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح دل بمنطوقه على طهارة الهرة وبتعليله على الطهارة ما دونها لكونه مما يطوف علينا ولا يمكن التحرز عنه كالفأرة ونحوها فهذا سؤره وعرقه وغيرهما طاهر
القسم الثاني : نجس وهو : الكلب والخنزير وما تولد منهما فسؤره نجس وجميع أجزائه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا ] متفق عليه ولولا نجاسته ما وجب غسله والخنزير شر منه لأنه منصوص على تحريمه ولا يباح إنقاذه بحال وكذلك ما تولد من النجاسات كدود الكنيف وصراصره لأنه متولد من نجاسة فكان نجسا كولد الكلب
القسم الثالث : مختلف فيه وهو ثلاثة أنواع كذلك :
أحدهما : سائر سباع البهائم والطير وفيهما روايتان :
إحداهما : أنها نجسة لأن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال : [ إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ] فمفهومه : أنه ينجس إذا لم يبلغها ولأنه حيوان حرم لخبثه يمكن التحرز عنه فكان نجسا كالكلب
والثانية : أنها طاهرة لما روى أبو سعيد الخدري أن رسول صلى الله عليه و سلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب الحمر وعن الطهارة بها فقال : [ لها ما أخذت في أفواهها ولنا ما غبر طهور ] رواه ابن ماجة
ومر عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص بحوض فقال عمرو : يا صاحب الحوض ! ترد على حوضك السباع ؟ فقال عمر : يا صاحب الحوض ! لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا رواه مالك في الموطأ
النوع الثاني : الحمار الأهلي والبغل ففيهما روايتان :
إحداهما : نجاستهما لقول النبي صلى الله عليه و سلم : في الحمر يوم خبير : [ إنها رجس ] متفق عليه ولما ذكرنا من السباع
والثانية : أنها طاهرة لأنه قال : إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه ولو شك في نجاسته لم يبح استعماله ووجهها ما روى جابر أن رسول ( صلى الله عليه و سلم ) سئل : أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال [ نعم وبما أفضلت السباع كلها ] رواه الشافعي في مسنده ولأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يركب الحمار والبغال وكان الصحابة يقتنونها ويصحبونها في أسفارهم فلو كانت نجسة لبين لهم نجاستها ولأنه لا يمكن التحرز عنها لمقتنيها فأشبهت الهرة ويحكم بطهارته ويجوز بيعها فأشبهت مأكول اللحم
النوع الثالث : الجلالة وهي أكثر علفها النجاسة ففيها روايتان :
إحداهما : نجاستها لأن النبي صلى الله عليه و سلم [ نهى عن مركوب الجلالة وألبانها ] رواه أبو داود ولأنها تنجست بالنجاسة والريق لا تطهر
والثانية : أنها طاهرة لأن الضبع والهر يأكلان النجاسة وهما طاهران
وحكم أجزاء الحيوان من جلده وشعره وريشه حكم سؤره لأنه من أجزائه فأشبه فمه فإذا وقع في الماء ثم خرج حيا فحكم ذلك حكم سؤره
قال أحمد في فأرة سقطت في ماء ثم خرجت حية : لا بأس به
فصل :
إذا أكلت الهرة نجاسة ثم شربت من ماء بعد غيبتها لم ينجس لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ إنها ليست بنجس ] مع علمه بأكل النجاسات وإذا شربت قبل الغيبة فقال أبو الحسن الآمدي : ظاهر قول أصحابنا : طهارته للخبر ولأننا حكمنا لطهارتها بعد الغيبة واحتمال طهارتها بها شك لا يزيل يقين النجاسة
وقال القاضي : ينجس لأن أثر النجاسة في فمها بخلاف ما بعد الغيبة فإنه يحتمل أن تشرب من ماء يطهر فاها فلا ينجس ما تيقنا طهارته بالشك
فصل :
والحيوان الطاهر على أربعة أضرب :
أحدها : ما تباح ميتته كالسمك ونحوه والجراد وشبهه فميتته طاهرة لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ والحل ميتته ]
والثاني : ما ليست له نفس سائلة كالذباب والعقارب والخنافس فهو طاهر حيا وميتا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء ] { رواه البخاري بمعناه فأمر بمقله ليكون شفاء لنا إذا أكلنا ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل إذا مات فيه
والثالث : الآدمي ففيه روايتان :
أظهرهما : أنه طاهر بعد الموت لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن المؤمن ليس بنجس ] ولأنه لو كان نجس العين لم يشرع غسله كسائر النجاسات
والثانية : هو نجس قال أحمد في صبي مات في بئر : تنزح وذلك لأنه حيوان له سائلة أشبه الشاة
والرابع : ما عدا ما ذكرنا ما له نفس سائلة لا تباح ميتته فميتته نجسة لقوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } وقوله تعالى : { إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس }

باب الآنية
وهي ضربان :
مباح من غير كراهية : وهو إناء طاهر من غير جنس الإثمان ثمينا كان أو غير ثمين كالياقوت و البلور والعقيق والخزف والخشب والجلود والصفر لأن النبي صلى الله عليه و سلم اغتسل من جفنة وتوضأ من تور من صفر و تور من حجارة ومن قربة وإداوة
والثاني : محرم وهو آنية الذهب والفضة لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا من صحافهما فإن لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ] وقال : [ الذي يشرب من آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ] متفق عليهما فتوعد عليه بالنار فدل على تحريمه ولأن فيه سرفا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء ولا يحصل هذا في [ ثمين ] الجواهر لأنه لا يعرفها إلا خواص الناس ويحرم اتخاذها ولأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه [ على ] هيئة الاستعمال كالطنبور ويستوي في ذلك الرجال والنساء لعموم الخبر وإنما أبيح للنساء التحلي للحاجة إلى الزينة للأزواج فما عداه تجب التسوية فيه بين الجميع وما ضبب بالفضة أبيح إذا كان يسيرا لما روى أنس أن قدح الرسول صلى الله عليه و سلم انكسر فاتخذ من مكان الشعب سلسلة من فضة رواه البخاري
ولا يباح الكثير لأن فيه سرفا فأشبه الإناء الكامل واشترط أبو الخطاب أن يكون لحاجة لأن الرخصة وردت في شعب القدح وهو لحاجة ومعنى الحاجة أن تدعو الحاجة إلى ما فعله به وإن كان غيره يقوم مقامه وقال القاضي : يباح من غير حاجة لأنه يسير إلا أن أحمد كره الحلقة لأنها تستعمل وتكره مباشرة الفضة بالاستعمال فأما الذهب فلا يباح لا في الضرورة كأنف الذهب لأن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) : [ رخص لعرفجة بن سعد لما قطع أنفه يوم الكلاب واتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره أن يتخذ أنفا من الذهب ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ويباح ربط أسنانه بالذهب إذا خشي سقوطها لأنه في معنى أنف الذهب وذكر أبو بكر في التنبيه أنه يباح يسير الذهب وقال أبو الخطاب : ولا بأس بقبيعة السيف بالذهب لأن سيف عمر كان فيه سبائك من ذهب ذكره الإمام أحمد وعن مزيدة العصري قال : دخل الرسول صلى الله عليه و سلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة رواه الترمذي وقال هو حديث غريب
فصل :
فإن تطهر في آنية الذهب والفضة ففيه وجهان :
أحدهما : تصح طهارته وهذا قول الخرقي لأن الوضوء جريان الماء على العضو وليس بمعصية وإنما المعصية استعمال الإناء
والثاني : لا تصح اختاره أبو بكر لأنه استعمال للمعصية في العبادة أشبه الصلاة في الدار المغصوبة
فصل :
وهم ضربان :
أحدهما : من لا يستحل الميتة كاليهود فأوانيهم طاهرة [ مباحة الاستعمال ] لأن النبي أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة فأجابه رواه أحمد في المسند وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية
والثاني : من يستحل الميتات والنجاسات كعبد الأصنام والمجوس وبعض النصارى فلما لم يستعملوه في آنيتهم فهو طاهر وما استعملوه فهو نجس لما روى أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم ؟ قال ( صلى الله عليه و سلم ) [ لا تأكلوا فيها إلا أن تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها ] متفق عليه وما شك في استعماله فهو طاهر وذكر أبو الخطاب أن أواني الكفار كلها طاهرة
وفي كراهية استعمالها روايتان :
إحداهما : تكره لهذا الحديث
والثانية : لا تكره لأن النبي صلى الله عليه و سلم أكل فيها
فأما ثياب الكفار فما لم يلبسوه أو علا من ثيابهم كالعمامة والطيلسان فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه كانوا يلبسون ثيابا من نسج الكفار وما لاقى عوراتهم فقال أحمد : أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيهما فيحتمل وجوب الإعادة وهو قول القاضي لأنهم يتعبدون بالنجاسة ويحتمل ألا تجب وهو قول أبي الخطاب لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك
فصل :
وجلود الميتة نجسة ولا تطهر بالدباغ في ظاهر المذهب لقول الله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } والجلد جزء منها وروى أحمد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال : قرء علينا كتاب رسول الله في أرض جهينة وأنا غلام شاب : [ أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ]
قال أحمد ما أصلح إسناده [ تعجب منه ] ولأنه جزء من الميتة نجس بالموت فلم يطهر كاللحم وعنه : يطهر منها جلد ما كان طاهرا حال الحياة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال : [ ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به ؟ قالوا : إنها ميتة فقال : إنما حزم أكلها ] متفق عليه
ولا يطهر جلد ما كان نجسا لأن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) - [ نهى عن جلود السباع وعن مياثر النمور ] رواه الأثرم ولأن أثر الدبغ في إزالة نجاسة حادثة بالموت فيعود الجلد إلى ما كان عليه قبل الموت كجلد الخنزير
وهل يعتبر في طهارة الجلد المدبوغ أن يغسل بعد دبغه ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يعتبر لما روى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أيما إهاب دبغ فقط طهر ] متفق عليه
والثاني : يعتبر لأن الجلد محل النجس فلا يطهر بغير الماء كالثوب
فصل :
وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها نجس لا يطهر بحال لأنه جزء من الميتتة فيدخل في عموم قول الله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } والدليل على أنه منها قول الله تعالى : { قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } ولأن دليل الحياة الإحساس والألم والضرس يؤلم ويحس بالضرس برد الماء وحرارته وما فيه حياة يحله الموت فينجس به كاللحم
فصل :
وصوفها ووبرها وشعرها وريشها طاهر لأنه لا روح له فلا يحله الموت لأن الحيوان لا يألم بأخذه ولا يحس ولأنه لو كانت فيه حياة لنجس بفصله من الحيوان في حياته لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما أبين من حي فهو ميت ] رواه أبو داود بمعناه
فصل :
وحكم شعر الحيوان وريشه حكمه في الطهارة والنجاسة متصلا كان أو منفصلا في حياة الحيوان أو موته فشعر الآدمي طاهر لأن النبي صلى الله عليه و سلم ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس رواه الترمذي وقال : حديث حسن واتفق على معناه ولولا طهارته لما فعل ولأنه شعر حيوان طاهر فأشبه شعر الغنم
فصل :
ولبن الميتة نجس لأنه مائع في وعاء نجس وإنفحتها نجسة لذلك وعنه : أنها طاهرة لأن الصحابة رضي الله عنهم أكلوا من جبن المجوس وهو يصنع بالإنفحة وذبائحهم ميتة فأما البيضة : فإن صلب قشرها لم ينجس كما لو وقعت من شيء نجس وإن لم يصلب فهي كاللبن
وقال ابن عقيل : لا تنجس إذا كان عليها جلدة تمنع وصول النجاسة إلى داخلها
فصل : وكل ذبح لا يفيد إباحة اللحم لا يفيد طهارة المذبوح كذبح المجوسي ومتروك التسمية وذبح المحرم للصيد وذبح الحيوان غير المأكول لأنه ذبح غير مشروع فلم يطهر كذبح المرتد

باب السواك وغيره
السواك سنة مؤكدة لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ] متفق عليه وعنه عليه السلام أنه قال : [ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ] رواه الإمام أحمد في المسند ويتأكد استحبابه في أوقات ثلاثة : عند الصلاة لما ذكرنا وإذا قام من النوم لما روى حذيفة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك ] متفق عليه ولأن النائم ينطبق فمه ويتغير والثالث : عند تغير الفم بمأكول أو خلو معدته ولأن السواك شرع لتنظيف الفم وإزالة رائحته ويستحب في سائر الأوقات لما روى شريح بن هانئ قال : سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل بيته ؟ قالت بالسواك رواه مسلم
قال ابن عقيل : لا يختلف المذهب أنه لا يستحب السواك للصائم بعد الزوال لأنه يزيل خلوف فم الصائم و خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعا فلم يستحب إزالته كدم الشهداء
وهل يكره ؟ على روايتين :
أحدهما : يكره لذلك
والثانية : لا يكره لأن عامر بن ربيعة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم قال الترمذي : هذا الحديث حسن ويستاك بعود لين ينقي الفم ولا يجرحه ولا يتفتت فيه وكان النبي صلى الله عليه و سلم يستاك بعود أراك ولا يستاك بعود رمان لأنه يضر بلحم الفم ولا عود ريحان لأنه يروى أنه يحرك عرق الجذام فإن استاك بإصبعه أو خرقة لم يصب السنة لأنها لم ترد به ولا يسمى سواكا [ قال ابن عبد القوي على القول المجود ] : ويحتمل أن يصيب لأنه يحصل من الإنقاء بقدره
فصل :
ومن السنة تقليم الأظافر وقص الشرب ونتف الإبط وحلق العانة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اله صلى الله عليه و سلم [ الفطرة خمس : الختان و الاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ] متفق عليه
فصل :
ويجب الختان لأنه من ملة إبراهيم فإنه روي أن إبراهيم عليه السلام ختن نفسه متفق عليه وقد قال الله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ولأنه يجوز كشف العورة من أجله ولو أنه واجب ما جاز النظر إليها لفعل مندوب
فإن كان كبيرا وخاف على نفسه من الختان سقط وجوبه

باب فرائض الوضوء وسننه
أول فرائضه : النية : وهي شرط الطهارة الأحدث كلها الغسل والوضوء والتيمم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] متفق عليه ولأنها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة
ومحل النية : القلب لأنها عبارة عن القصد ويقال : نواك بخير أي : قصدك به ومحل القصد القلب ولا يعتبر أن يقول بلسانه شيئا فإن لفظ بما نواه كان آكد موضع وجوبها عند المضمضة ن لأنها أول واجباته ويستحب تقديمها على غسل اليدين والتسمية لتشمل مفروض الوضوء ومسنونه ويستحب استدامة ذكرها في سائر وضوءه فإن عزبت في أثنائها جاز لأن النية في أول العبادة تشمل جميع أجزائها كالصيام وإن تقدمت النية الطاهرة بزمن يسير وعزبت عنه في أولها جاز لأنها عبادة فلم يشترط اقتران النية بأولها كالصيام
وصفتها : أن ينوي رفع الحدث أي : إزالة المانع من الصلاة أو الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها كالصلاة والطواف ومس المصحف وإن نوى الجنب بغسله قراءة القرآن صح لأنه يتضمن رفع الحدث وإن نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة كلبس ثوبه ودخول بيته والأكل لم يرتفع حدثه لأنه ليس بمشروع أشبه التبرد وإن نوى ما يستحب له الطهارة كقراءة القرآن وتجديد الوضوء وغسل الجمعة والجلوس في المسجد والنوم فكذلك في إحدى الروايتين لأنه لا يفتقر إلى رفع الحدث أشبه لبس الثوب والأخرى : يرتفع حدثه لأنه يشرع له فعل هذا وهو غير محدث وقد نوى ذلك فينبغي أن تحصل له ولأنها طهارة صحيحة فرفعت الحدث كما لو نوى رفعه وإن نوى رفع الحدث و التبرد صحت طهارته لأنه أتى بما يجزئه وضم إليه ما لا ينافيه فأشبه ما لو نوى بالصلاة والعبادة والإدمان على السهر فإن نوى طهارة مطلقة لم يصح لأن منها ما لا يرفع الحدث وهو الطهارة من النجاسة وإن نوى رفع حدث بعينه فهل يرتفع غيره ؟ على وجهين قال أبو بكر : لا يرتفع لأنه لم ينوه أشبه إذا لم ينو شيئا وقال القاضي : يرتفع لأن الأحدث تتداخل فإن ارتفع بعضها ارتفع جميعها وإن نوى صلاة واحدة نفلا أو فرضا لا يصلي غيرها ارتفع حدثه ويصلي ما شاء لأن الحدث إذا ارتفع لم يعد إلا لسبب جديد ونيته للصلاة تضمنت رفع الحدث وإن نوى نية صحيحة ثم غير نيته فنوى التبرد في بعض الأعضاء لم يصح ما غسله للتبرد فإن أعاد غسل العضو بنية الطهارة صح ما لم يعطل الفصل
فصل :
ثم يقول : بسم الله وفيها روايتان :
إحداهما : أنها واجبة في طهارات [ الأحدث ] كلها اختارها أبو بكر لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ] قال أحمد : حديث أبي سعيد أحسن شيء في الباب
والثانية : أنها سنة اختارها الخرقي قال الخلال الذي استقرت الروايات عنه : أنه لا باس به إذا ترك التسمية لأنها عبادة فلا تجب فيها التسمية كغيرها وضعف أحمد الحديث فيها وقال : ليس يثبت في هذا الحديث واختلف من أوجبها في سقوطها بالسهو فمنهم من قال : لا تسقط كسائر واجبات الطهارة ومنهم من أسقطها لأن الطهارة عبادة تشتمل على مفروض ومسنون فكان من فروضها ما يسقطه السهو كالصلاة والحج فإن ذكرها في أثناء وضوئه سمى حيث ذكر
ومحل التسمية اللسان لأنها ذكر وموضعها بعد النية ليكون مسميا على جميع الوضوء
فصل :
في غسل الكفين : ثم يغسل كفيه ثلاثا لأن عثمان وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالا : فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات متفق عليهما ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء ثم إن كان لم يقم من نوم الليل فغسلهما مستحب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده ] متفق عليه ولم يذكر البخاري ثلاثا فتخصيصه هذه الحالة بالأمر دليله على عدم الوجوب في غيرها
وإن قام في نوم الليل ففيه روايتان :
إحداهما : أنه واجب اختارها أبو بكر لظاهر الأمر فإن غمسهما قبل غسلهما صار الماء مستعملا لأن النهي عن غمسهما يدل على أنه يفيد منعا وإن غسلهما دون الثلاث ثم غمسهما فكذلك لأن النهي باق وغمس بعض يده كغمس جميعها ويفتقر غسلها إلى النية لأنه غسل وجب تعبدا أشبه بالوضوء
والرواية الثانية : ليس بواجب اختارها الخرقي لأن اليد عضو لا حدث عليه ولا نجاسة فأشبهت سائر الأعضاء وتعليل الحديث يدل على أنه أريد به الاستحباب لأنه علل بوهم النجاسة ولا يزال اليقين بالشك فأن غمسهما في الماء فهو باق على إطلاقه
فصل :
ثم يتمضمض ويستنشق لأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر أنه مضمض واستنشق وهما واجبان في الطهارتين لقول الله تعالى : { فاغسلوا وجوهكم } وهما داخلان في حد الوجه ظاهران يفطر الصائم بوصول القيء أليهما ولا يفطر بوضع الطعام فيهما ولا يحد بوضع الخمر فيهما ولا يحصل الرضاع بوصل اللبن إليهما ويجب غسلهما من النجاسة فيدخلان في عموم الآية وعنه : الاستنشاق وحده واجب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ] : [ إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينتثر ] متفق عليه وعنه : أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى لأنهما طهارة تعم جميع البدن ويجب فيها غسل ما تحت الشعور وتحت الخفين
ويستحب المبالغة فيهما إلا أن يكون صائما لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال للقيط بن صبرة : [ وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ] حديث صحيح وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا وفي المضمضة إدارة الماء في أقاصي الفم ولا يجعله وجورا وهو مخير بين أن يمضمض ويستنشق ثلاثا من غرفة أو من ثلاث غرفات لأن في حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم مضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا وفي لفظ : أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات متفق عليهما وإن شاء فصل بينهما لأن جد طلحة بن مصرف قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق رواه أبو داود ولا يجب الترتيب بينهما وبين الوجه لأنهما منه لكن تستحب البدء بهما اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم
فصل :
ثم يغسل وجهه وذلك فرض بالإجماع لقوله تعالى : { فاغسلوا وجوهكم } وحده من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا ولا اعتبار بالأصلع الذي ينحسر شعره عن ناصيته ولا الأفرع الذي ينزل شعره على جبهته
فإن كان في الوجه شعر كثيف يستر البشرة ولم يجب غسل ما تحته لأنه باطن أشبه [ باطن ] أقصى الأنف ويستحب تخليله لأن النبي صلى الله عليه و سلم خلل لحيته وروى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال : [ هكذا أمرني ربي عز و جل ] رواه أبو داود
وإن كان يصف البشرة وجب غسل الشعر والبشرة
وإن كان بعضه خفيا وبعضه كثيفا وجب غسل ظاهر الكثيف وبشرة الخفيف معه وسواء في هذا شعر اللحية أو الحاجبين والشارب والعنفقة لأنها شعور معتادة على الوجه أشبهت اللحية
وفي المسترسل من اللحية عن حد الوجه روايتان :
إحداهما لا يجب غسله لأنه شعر نازل عن محل الفرض أشبه الذؤابة في الرأس
والثاني : يجب لأنه نابت في بشرة الوجه أشبه الحاجب ويدخل في حد الوجه العذار [ وهو : الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن إلى الصدغ
والعارض : الذي تحت العذار ] والذقن : هو مجتمع اللحيين ويخرج منهما النزعتان وهما : ما ينحسر عنهما الشعر في فودي الرأس لأنهما في الرأس لدخولهما فيه والصدغ : هو الذي عليه الشعر في حق الغلام محاذ لطرف الأذن الأعلى لأنه شعر متصل بالرأس ابتداء فكان من الرأس كسائره وقد مسحه النبي صلى الله عليه و سلم مع رأسه في حديث الربيع
ويستحب أن يزيد في ماء الوجه لأن فيه غضونا وشعورا ودواخل وخوارج ويمسح مآقيه ويتعاهد المفصل وهو البياض الذي بين اللحية والأذن فيغسله
ولا يجب غسل داخل العينين ولا يستحب لأنه لا يؤمن الضرر من غسلهما
فصل :
ثم يغسل يديه إلى المرفقين وهو فرض بالإجماع لقول الله تعالى : { وأيديكم إلى المرافق } ويجب غسل المرفقين لأن جابرا رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه رواه الدار قطني وفيه دار الماء وهذا يصلح بيانا لأن إلى بمعنى مع كقوله تعالى : { من أنصاري إلى الله } [ أي : مع الله ] { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم }
ويجب غسل أظفاره وإن طالت والأصبع الزائدة والسلعة لأن ذلك من يده وإن كانت له يد زائدة أصلها في محل الفرض وجب غسلها لأنها نابتة من محل الفرض أشبهت الإصبع وإن نبتت في العضد أو المنكب لم يجب غسلها وإن حاذت محل الفرض لأنها من غير محل الفرض فهي كالقصيرة وإن كانت له يدان متساويتان على منكب واحد وجب غسلهما لأن إحداهما ليست أولى من الأخرى
وإن تقلعت جلدة من الذراع فتدلت من العضد لم يجب غسلها لأنها صارت من العضد وإن تقلعت من العضد فتدلت من الذراع وجب غسلها لأنها متدلية من محل الفرض وإن تقلعت من إحداهما فالتحم رأسها بالأخرى وجب غسل ما حاذى محل الفرض منها لأنها كالجلد الذي عليهما فإن كانت متجافية في وسطها غسل ما تحتها من محل الفرض وإن كان أقطع فعليه غسل ما بقي من محل الفرض فإن لم يبق منه شيء سقط الغسل ويستحب أن يمس محل القطع بالماء لئلا يخلو العضو من طهارة
وتستحب البداءة بغسل اليمنى من يديه ورجليه لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يحب التيمن في ترجله و تنعله و طهوره وفي شأنه كله متفق عليه فإذا بدأ باليسرى جاز لأنهما كعضو واحد بدليل قوله سبحانه وتعالى : { وأيديكم } { وأرجلكم } فجمع بينهما
فصل :
ثم يمسح رأسه وهو فرض بغير خلاف لقول الله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } وهو ما ينبت عليه الشعر المعتاد من الصبي مع النزعتين ويجب استيعابه بالمسح لقوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } والباء للإلصاق فكأنه قال امسحوا رؤوسكم وصار كقوله سبحانه : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } قال ابن برهان : من زعم أن الباء للتبغيض فقد جاء أهل اللغة بما لا تعرفونه وظاهر قول الإمام أحمد : المرأة يجزئها مسح مقدم الرأس لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها وعنه في الرجل : أنه يجزئه مسح بعضه لأن النبي صلى الله عليه و سلم : [ مسح بناصيته وعمامته ] رواه مسلم
وكيفما مسح الرأس أجزأ بيد واحدة أو بيدين إلا أن المستحب أن يمر يديه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يعيدهما إلى الموضع الذي بدأ منه لأن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما قال في صفة وضوء النبي ( ص ) [ ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ] متفق عليه ولا يستحب تكرار المسح لأن أكثر من وصف وضوء النبي ( ص ) ذكر أنه مسح مرة واحدة ولأنه ممسوح في طهارة أشبه التيمم وعنه : يستحب تكراره لأن النبي ( ص ) توضأ ثلاثا ثلاثا وقال : [ هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي ] رواه ابن ماجه ولأنه أصل في الطهارة أشبه الغسل
والأذنان في الرأس يمسحان معه لقول النبي ( ص ) : [ الأذنان من الرأس ] رواه أبو داود وروت الربيع بنت معوذ أن النبي ( ص ) مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة واحدة رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ويستحب إفرادهما بماء جديد لأنهما كالعضو المنفرد وإنما هما من الرأس وعلى وجه التبع ولا يجزىء مسحهما عنه لذلك وظاهر كلام أحمد أنه لا يحب مسحهما لذلك ويستحب أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويجعل إبهاميه لظاهرهما ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده لأن الرأس ما ترأس وعلا ولو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة دون الظاهر لم يجزه لأن الحكم تعلق بالشعر فلم يجزه مسح غيره ولو مسح رأسه ثم حلقه أو غسل عضوا ثم قطع جزعا منه أو جلده لم يؤثر في طهارته لأنه ليس ببدل عما تحته فلم يلزمه بظهره طهارة فإن أحدث بعد ذلك غسل ما ظهر لأنه صار ظاهرا فتعلق الحكم به ولو حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب لزمه غسله لأنه صار ظاهرا
فصل :
ثم يغسل رجليه إلى الكعبين وهو فرض لقوله تعالى : { وأرجلكم إلى الكعبين } ويدخل الكعبين في الغسل لما ذكرنا في المرفقين ولا يجزئ مسح الرجلين لما روى عمر أن رجلا ترك موضع ظفر في قدمه اليمنى فأبصره النبي ( ص ) فقال : [ ارجع فأحسن وضوءك ] فرجع ثم صلى رواه مسلم وإن كان الرجل أقطع اليدين فقدر على أن يستأجر من يوضئه بأجرة مثله لزمه كما يلزمه شراء الماء ولا يعفى عن شيء من طهارة الحدث وإن كان يسيرا لما ذكرنا من حديث عمر
ويستحب أن يخلل أصابعه لأن النبي ( ص ) : [ إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك ] رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن
فصل :
ويجب ترتيب الوضوء على ما ذكرنا في ظاهر المذهب وحكي عنه أنه ليس بواجب لأن الله سبحانه وتعالى عطف الأعضاء المغسولة بالواو ولا ترتيب فيها
ولنا أن في الآية قرينة تدل على الترتيب لأنه أدخل الممسوح بين المغسولات وقطع النظير عن نظيره ولا يفعل الفصحاء هذا إلا لفائدة ولا نعلم هنا فائدة سوى الترتيب ولأن النبي ( ص ) لم ينقل عنه الوضوء إلا مرتبا وهو يفسر كلام الله سبحانه بقوله مرة وبفعله مرة أخرى فإن نكس وضوءه فختم بوجهه لم يصح إلا غسل وجهه وإن غسل وجهه ويديه ثم غسل رجليه ثم مسح برأسه صح وضوءه إلا غسل رجليه فيغسلهما ويتم وضوءه
فصل :
ويوالي في غسل الأعضاء وفي وجوب الموالاة روايتان :
إحداهما : يجب لأن النبي ( ص ) رأى رجلا يصلي وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة رواه أبو داود ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسلها ولأن النبي ( ص ) والى بين الغسل
والثانية : لا تجب لأن المأمور به الغسل وقد أتى به وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ وترك مسح خفيه حتى دخل المسجد فدعي لجنازة فمسح عليهما وصلى عليها والتفريق المختلف فيه : أن يؤخر غسل عضو حتى يمضي زمن ينشف فيه الذي قبله في الزمن المعتدل فإن أخر غسل عضو لأمر في الطهارة من إزالة الوسخ أو عرك عضو لم يقدح في طهارته
فضل :
والوضوء مرة يجزىء والثلاث أفضل لأن النبي ( ص ) توضأ مرة مرة وقال : [ هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة ] ثم توضأ مرتين ثم قال : [ هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر ] ثم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال : [ هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي ] أخرجه ابن ماجة وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض فلا بأس فقد حكى عبد الله بن زيد وضوء رسول الله ( ص ) فغسل يديه مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاث [ وغسل وجهه ثلاثا ] ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم الرأس ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم درهما ثم رجع من المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه متفق عليه ولا يزيد عن ثلاث لأن أعرابيا سأل النبي ( صلى الله عليه و سلم ) فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال : [ هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم ] رواه أبو داود ويكره الإسراف في الماء لأن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) مر على سعد وهو يتوضأ فقال : [ لا تسرف قال : يا رسول الله : في الماء إسراف ؟ قال : نعم وإن كنت على نهر جار ] رواه ابن ماجة
فصل :
ويستحب إسباغ الوضوء ومجاوزة قدر الواجب بالغسل لأن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد ورجله حتى أشرع في الساق ثم قال : هكذا رأيت رسول الله ( ص ) يتوضأ وقال : قال رسول الله ( ص ) : [ أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله ] متفق عليه
فصل :
لا بأس بالمعاونة على الوضوء والغسل بتقريب الماء وحمله وصبه لأن النبي ( ص ) كان يحمل له الماء ويصب عليه قال أنس رضي الله عنه : كان النبي ( ص ) ينطلق لحاجته فآتيه أنا وغلام من الأنصار بإداوة من ماء يستنجي به وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : كنت مع النبي ( ص ) فمشى حتى توارى عني في سواد الليل ثم جاء فصببت عليه من الإداوة فغسل وجهه وذكر بقية الوضوء متفق عليهما وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنا نعد لرسول الله ( ص ) ثلاثة آنية في الليل مخمرة إناء لطهره وإنا لسواكه وإنا لشرابه أخرجه ابن ماجة
فصل :
وفي تنشيف بلل الغسل والوضوء روايتان :
إحداهما : يكره لأن ميمونة رضي الله عنها وصفت غسل النبي ( ص ) قالت : فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده متفق عليه
والأخرى : لا بأس به لأنه إزالة الماء عن بدنه أشبه نفضه بيديه
فصل :
ويستحب أن يقول بعد فراغه من الوضوء : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي ( ص ) أنه قال : [ من توضأ وأحسن وضوئه ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها يشاء ] رواه مسلم
فصل :
والمفروض من ذلك بغير خلاف خمسة : النية وغسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين
وخمسة فيها روايتان : الترتيب والموالاة والمضمضة والاستنشاق والتسمية
والسنن سبعة : غسل الكفين والمبالغة في المضمضة والاستنشاق وتخليل اللحية وأخذ ماء جديد للأذنين وتخليل الأصابع و البداءة باليمنى والدفعة الثانية والثالثة

باب المسح على الخفين
وهو جائز بغير خلاف لما روى جرير رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه متفق عليه قال إبراهيم : فكان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ولأن الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة بنزعه فجاز المسح عليه كالجبائر ويختص جوازه في الوضوء دون الغسل لما روى صفوان بن عسال رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفر أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأن الغسل يقل فلا تدعو الحاجة إلى المسح على الخف فيه بخلاف الوضوء ولجواز المسح عليه شروط أربعة : أحدها أن تكون ساترا لمحل الفرض من القدم كله فإن ظهر منه شيء لم يجز المسح لأن حكم ما استتر المسح وحكم ما ظهر الغسل ولا سبيل إلى الجمع بينهما فغلب الغسل كما لو ظهرت إحدى الرجلين فإن تخرقت البطانة دون الظهارة أو الظهارة دون البطانة جاز المسح لأن القدم مستور به وإن كان فيه شق مستطيل ينضم لا يظهر منه القدم جاز المسح عليه لذلك وإن كان الخف رقيقا يصف لم يجز المسح عليه لأنه غير ساتر وإن كان ذي شرج في موضع القدم وكان مشدودا لا يظهر شيئا من القدم إذا مشى جاز المسح عليه لأنه كالمخيط
فصل :
الثاني : أن يمكن متابعة المشي فيه فإن كان يسقط من القدم لسعته أو ثقله لم يجز المسح عليه لأن الذي تدعو الحاجة إليه هو الذي يمكن متابعة لمشي فيه وسواء في ذلك الجلود و الخرق والجوارب لما روى المغيرة ( رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم : مسح على الجوربين النعلين أخرجه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح قال الإمام أحمد : يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ولأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف فإن شد على رجليه لفائف لم يجز المسح عليها لأنها لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها
فصل :
الثالث : أن يكون مباح فلا يجوز المسح على المغصوب والحرير لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة كسفر المعصية
فصل :
الرابع : أن تلبسهما على طهارة كاملة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه قال : [ دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما ] متفق عليه فإن تيمم ثم لبس الخف لم يجز المسح عليه لأن طهارته لا ترفع الحدث وإن لبست المستحاضة ومن به سلس البول خفا على طهارتهما فلهما المسح لأنها صارت ناقصة في حقها فأشبهت التيمم
وإن غسل إحدى رجليه فأدخلها الخف ثم غسل الأخرى فأدخلها لم يجز المسح لأنه لبس الأول قبل كمال الطهارة
وعنه : يجوز لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس فأشبه ما لو نزع الأول ثم لبسه بعد أن غسل الأخرى
وإن تطهر ولبس خفيه فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يجز المسح لأن الرجل حصلت على مقرها وهو محدث فأشبه من بدأ اللبس محدثا وإن لبس خفا على طهارة ثم لبس فوقه آخر أو جرموقا قبل أن يحدث جاز المسح على الفوقاني سواء كان التحتاني صحيحا أو مخرقا لأنه خف صحيح يمكن متابعة المشي فيه لبسه على طهارة كاملة أشبه المنفرد وإن لبس الثاني بعد الحدث لم يجز المسح عليه لأنه لبسه على غير طهارة وإن مسح الأول ثم لبس الثاني لم يجز المسح عليه لأن المسح لم يزل الحدث عن الرجل فلم تكمل الطهارة
وإن كان التحتاني صحيحا والفوقاني مخرقا فالمنصوص جواز المسح لأن القدم مستور بخف صحيح وقال بعض أصحابنا : لا يجوز لأن الحكم تعلق بالفوقاني فاعتبرت صحته بالمنفرد وإن لبس المخرق فوق لفافة لم يجز المسح عليه لأن القدم لم يستتر بخف صحيح وإن لبس مخرقا فوق مخرق فاستتر القدم بهما احتمل أن لا يجوز المسح لذلك واحتمل أن يجوز لأن القدم استتر بهما فصارا كالخف الواحد
فصل :
و يتوقت المسح بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر لما روى عوف بن
مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم ] قال الإمام أحمد : هذا أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه و سلم وهو آخر فعله
وسفر المعصية كالحضر لأن ما زاد يستفاد بالسفر وهو معصية فلم يجز أن يستفاد به الرخصة
ويعتبر ابتداء المدة من حين الحدث بعد اللبس في إحدى الروايتين لأنهما عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة والآخر من حين المسح لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالمسح ثلاثة أيام فاقتضى أن تكون الثلاثة كلها يمسح فيها
وإن أحدث من الحضر ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر لأنه بدأ العبادة في السفر
وإن مسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم لأنها عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر فإن وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم كالصلاة وإن مسح المسافر أكثر من يوم وليلة ثم أقام انقضت مدته في الحال وإن شك هل بدء المسح في الحضر أو في السفر بنى على مسح الحضر لأن الأصل الغسل والمسح رخصة فإذا شككنا في شرطها رجعنا إلى الأصل وإن لبس وأحدث وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعدها وقلنا : ابتداء المدة من حين المسح بنى الأمر في المسح على أنه قبل الظهر وفي الصلاة على أنه مسح بعدها لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ووجوب غسل الرجل فرددنا كل واحد منهما إلى أصله
فصل :
والسنة أن يمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يديه مفرجتي الأصابع على أصابع قدميه ثم يجرهما على ساقيه لما روى المغيرة رضي الله عنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يمسح على الخفين على ظاهرهما حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه قال : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يمسح على ظاهر خفيه رواه بن داود
فإن اقتصر على مسح الأكثر من أعلاه أجزأه وإن اقتصر على مسح أسفله لم يجزه لأنه ليس محلا للمسح أشبه الساق
فصل :
إذا انقضت مدة المسح أو خلع خفيه أو أحدهما بعد المسح بطلت طهارته في أشهر الروايتين ولزمه خلعهما لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال بطلت الطهارة في القدمين فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض
والثانية يجزئه غسل قدميه لأنه زال بدل غسلهما فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء وإن أخرج قدمه إلى ساق الخف بطل المسح لأن استباحة المسح تعلقت باستقرارهما فبطلت بزواله كاللبس
وإن مسح على الخف الفوقاني ثم نزعه بطل مسحه ولزمه نزع التحتاني لأنه زال الممسوح عليه فأشبه المنفرد
فصل :
في المسح على العمامة : ويجوز المسح على العمامة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال : توضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ومسح على الخفين والعمامة حديث [ حسن ] صحيح وعن عمر بن أمية رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم مسح على عمامته وخفيه رواه البخاري وروى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه قال : من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله ولأن الرأس عضو سقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه لأنه جرت العادة بكشفه في العمائم فعفي عنه بخلاف بعض القدم ويشترط أن بكون لها ذؤابة أو تكون تحت الحنك لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة وقد نهي عن التشبه بهم فلم تستبح بها الرخصة كالخف المغصوب فإن كانت ذات حنك جاز المسح عليها وإن لم يكن لها ذؤابة لأنها تفارق عمائم أهل الذمة
وإن أرخى لها ذؤابة ولم يتحنك ففيه وجهان :
أحدهما : يجوز المسح عليها لذلك
والثاني : لا يجوز لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط قال أبو عبيدة : الاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء
فصل :
وحكمها في التوقيت واشترط تقديم الطهارة وبطلان الطهارة بخلعها كحكم الخف لأنها أحد الممسوحين على سبيل البدل وفيما يجزئه مسحه منها ؟ روايتان :
إحداهما : مسح أكثرها لما ذكرنا
والثاني : يلزمه استيعابها لأنها بدل من جنس المبدل فاعتبر كونه مثله كما لو عجز عن قراءة الفاتحة وقدر على قراءة غيرها اعتبر أن يكون بقدرها ولو عجز عن القراءة فأبدلها بالتسبيح لم يعتبر كونه بقدرها وإن خلع العمامة بعد مسحها وقلنا لا يبطل الخلع الطهارة لزمه مسح رأسه وغسل قدميه ليأتي بالترتيب
وإن قلنا بوجوب استيعاب مسح الرأس فظهرت ناصية ففيه وجهان :
أحدهما : يلزمه مسحها معه لأن المغيرة رضي الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه و سلم : توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين ولأنه جزء من الرأس ظاهر فلزم مسحه كما لو ظهر سائر رأسه
والثاني : لا يلزمه لأن الفرض تعلق بالعمامة فلم يجب مسح غيرها كما لو ظهر أدناه
وإن انتقض من العمامة كور ففيه روايتان :
أحدهما : يبطل المسح لزوال الممسوح عليه
والأخرى : لا يبطل لأن العمامة باقية أشبه كشط الخف مع بقاء البطانة
فصل :
ولا يجوز المسح على الكلوتة ولا وقاية المرأة لأنها لا تستر جميع الرأس ولا يشق نزعها فأما القلانس المبطنات كدنيات القضاة والنوميات وخمار المرأة ففيهما روايتان :
إحداهما : يجوز المسح عليها لأن أنسا رضي الله عنه مسح على قلنسوته وعن عمر رضي الله عنه : إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته و عمامته وكانت أم سلمة تمسح على الخمار وقال الخلال : قد روي المسح على القلنسوة من رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بأسانيد صحاح واختاره لأنه ملبوس للرأس معتاد أشبه العمامة
و الثاني : لا يجوز لأنه لا يشق نزع القلنسوة ولا يشق على المرأة المسح من تحت خمارها فأشبه الكلوتة والوقاية
فصل :
ويجوز المسح على الجبائر الموضوعة على الكسر لأنه يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال : انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أمسح عليها رواه ابن ماجه ولأنه ملبوس يشق نزعه فجاز المسح عليه كالخف ولا إعادة على الماسح كما ذكرنا
ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة لأن المسح عليها إنما جاز للضرورة فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة
وتفارق الجبيرة الخف بثلاثة أشياء :
أحدها : يجب مسح جميعها لأنه مسح للضرورة أشبه التيمم ولأن استيعابها بالمسح لا يضر بخلاف الخف
الثاني : أن مسحها لا يتوقف لأنه جاز لأجل الضرورة فيبقى ببقائه
الثالث : أنه يجوز في الطهارة الكبرى لأنه مسح أجيز للضرورة أشبه التيمم
وفي تقدم الطهارة روايتان :
إحداهما : يشترط لأنه حائل منفصل يمسح عليه أشبه الخف فإن لبسها على غير طهارة أو تجاوز بشدها موضع الحاجة وخاف الضرر بنزعها تيمم لها كالجريح العاجز عن غسل جرحه
والثانية : لا يشترط لأنه مسح أجيز للضرورة فلم يشترط تقدم الطهارة له كالتيمم
فصل :
ولا فرق بين الجبيرة على الكسر أو جرح يخاف الضرر بغسله لأنه موضع يحتاج إلى الشد عليه فأشبه الكسر ولو وضع على الجرح دواء وخاف الضرر بنزعه مسح عليه نص عليه وقد روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها

باب نواقض الطهارة الصغرى
وهي ثمانية : الخارج من السبيلين وهو نوعان :
معتاد فينقض بلا خلاف لقول الله تعالى : { أو جاء أحد منكم من الغائط } ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ولكن من غائط وبول ونوم ] وقوله : [ فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ] وقال في المذي : [ يغسل ذكره ويتوضأ ] متفق عليه
النوع الثاني : نادر كالحصى والدود والشعر والدم فينقض أيضا لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال للمستحاضة : [ تتوضأ عند كل صلاة ] رواه أبو داود ودمها غير معتاد ولأنه خارج من السبيل أشبه المعتاد ولا فرق بين القليل والكثير
فصل :
الثاني : خروج النجاسة من سائر البدن وهو نوعان :
غائط وبول فينقض قليل وكثيره لدخوله في النصوص المذكورة
الثاني : دم وقيح وصديد وغيره فينقض كثيره لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش : [ إن دم عرق فتوضئي لكل صلاة ] رواه الترمذي فعلل بكونه دم عرق وهذا كذلك ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل ولا ينقض يسيره لقول ابن عباس في الدم : إن كان فاحشا فعليه الإعادة قال الإمام أحمد : عدة من الصحابة تكلموا فيه ابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ و ابن أبي أوفى عصر دملا وذكر غيرهما ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا
وظاهر مذهب أحمد أنه لا حد للكثير إلا ما فحش لقول ابن عباس
وقال ابن عقيل : إنما يعتبر الفاحش في نفوس أوساط الناس لا المتبذلين ولا الموسوسين كما رجعنا في يسير اللقطة الذي لا يجب تعريفه إلى ما لا تتبعه نفوس الأوساط
وعن أحمد : أن الكثير شبر في كثير
وعنه : قدر الكف فاحش
وعنه : قدر عشر أصابع كثير وما يرفعه بإصبعه الخمس يسير
وقال الخلال : والذي استقر عليه قوله : إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه
فصل :
الثالث : زوال العقل وهو نوعان :
أحدهما : النوم فينقض لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ ولكن من غائط وبول ونوم ] وعنه عليه السلام أنه قال : [ العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ ] رواه أبو داود ولأن النوم مظنة الحدث فقام مقامه كسائر المظان ولا يخلو من أربع أحوال :
أحدها : أن يكون مضجعا أو متكئا أو معتمدا على شيء فينقض الوضوء قليله و كثيره لما رويناه
والثاني : أن يكون جالسا غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله لما روى أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضؤون رواه مسلم بمعناه ولأن النوم إنما نقض لأنه مظنة لخروج الريح من غير علمه ولا يحصل ذلك ههنا لأنه يشق التحرز منه لكثرة وجوده من منتظري الصلاة فعفي عنه وإن كثر واستثقل نقض لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه
الحال الثالث : القائم ففيه روايتان :
إحداهما : إلحاقه بحالة الجلوس لأنه في معناه
والثانية : ينقض يسيره لأنه لا يحتفظ حفاظ الجالس
الرابع : الراكع والساجد وفيه روايتان :
أولهما : أنه كالمضجطع لأنه ينفرج محل الحدث فلا يتحفظ فأشبه المضطجع
والثانية : أنه كالجالس لأنه على حال من أحوال الصلاة أشبه الجالس
والمرجع في اليسير والكثير إلى العرب ما عد كثيرا فهو كثير وما لا فلا لأنه لا حد له في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض والإحراز وإن تغير عن هيئته انتقض وضوءه لأنه دليل على كثرته استثقال فيه
النوع الثاني : زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر ينقض الوضوء لأنه لما نص على نقضه بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء لأنها أبلغ في إزالة العقل ولا فرق بين الجالس وغيره والقليل والكثير لأن صاحب هذه الأمور لا يحس بحال بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه وإن خرج منه شيء قبل استثقاله في نومه أحس به
الرابع : أكل لحم الجزور فينقض الوضوء لما روى جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : [ إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ ] قال : أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : [ نعم توضأ من لحوم الإبل ] رواه مسلم قال أبو عبد الله : فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث البراء بن عازب وجابر بن سمرة ولا فرق بين قليله و كثيره و نيئه و مطبوخه لعموم الحديث
وعنه في من أكل وصلى ولم يتوضأ : إن كان يعلم أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالوضوء منه فعليه الإعادة وإن كان جاهلا فلا إعادة عليه
وفي اللبن روايتان :
إحداهما : لا ينقض لأنه ليس بلحم
والثانية : ينقض لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ توضؤوا من لحوم الإبل وألبانها ] رواه أحمد في المسند
وفي الكبد والطحال وما لا يسمى لحما وجهان :
أحدهما : لا ينقض لأنه ليس بلحم
والثاني : ينقض لأنه من جملته فأشبه اللحم وقد نص الله على تحريم لحم الخنزير فدخل فيه سائر أجزائه
ولا ينقض الوضوء مأكول غير احم الإبل ولا ما غيرت الناس لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم في لحم الغنم : [ وإن شئت فلا توضأ ] ويروى أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم : ترك الوضوء مما غيرت النار رواه أبو داود
فصل :
والخامس : لمس الذكر فيه ثلاث روايات :
إحداهن : لا ينقض [ الوضوء ] لما روى قيس بن طلق [ عن أبيه ] أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة قال : [ هل هو إلا بضعة منك ] رواه أبو داود ولأنه جزء من جسده أشبه يده
والثانية : ينقض وهي أصح لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من مسه ذكره فليتوضأ ] قال أحمد رضي الله عنه : هو حديث صحيح وروى أبو هريرة نحوه وهو متأخر عن حديث طلق لأن في حديث طلق أنه قدم وهم يؤسسون المسجد و أبو هريرة قدم حين فتحت خبير فيكون ناسخا له
والثالثة : إن قصد إلي مسه نقض ولا ينقض من غير قصد لأنه لمس فلم ينقض بغير قصد كلمس النساء
وفي لمس حلقة الدبر ومس المرأة فرجها روايتان :
إحداهما : لا ينقض لأن تخصيص الذكر بالنقض دليل على عدمه من غيره
والثانية : ينقض لأن أبا أيوب وأم حبيبة قالا : سمعنا النبي صلى الله عليه و سلم يقول : [ من مس فرجه فليتوضأ ] قال أحمد حديث أم حبيبة صحيح وهذا عام ولأنه سبيل فأشبه الذكر
وحكم لمسه فرج غيره حكم لمس فرج نفسه صغيرا كان أو كبيرا لأن نصه على نقض الوضوء بمس ذكر نفسه ولم يهتك به حرمة وهذا تنبيه على نقضه بمس من غيره
وفي مس الذكر المقطوع وجهان :
أحدهما : لا ينقض كمس يد المرأة المقطوعة
والآخر : ينقض لأنه مس ذكر وإن انسد المخرج وانفتح غيره لم ينقض مسه لأنه ليس بفرج ولا ينقض مس فرج البهيمة لأنه لا حرمة لها ولا مس ذكر الأنثى المشكل ولا قبله لأنه لا يتحقق كونه فرجا وإن مسهما معا نقض لأن أحدهما فرج وإن مس رجل ذكره لشهوة نقض لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره وإن كانت امرأة فقد مسها لشهوة وإن مست امرأة قبله لشهوة لما ذكرنا واللمس الذي ينقض هو اللمس بيده إلى الكوع ولا فرق بين ظهر الكف وبطنه لأن أبا هريرة روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ ] من المسند ورواه الدار قطني بمعناه واليد المطلقة تتناول اليد إلى الكوع لما نذكره في التيمم
ولا ينقض غير الفرج كالعانة والأنثين وغيرهما لأن تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه
فصل :
السادس : لمس النساء وهو أن تمس بشرته بشرة أنثى وفيه ثلاث روايات :
إحداهن : ينقض بكل حال لقوله تعالى : { أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا }
والثانية : لا ينقض لما روي : أن النبي صلى الله عليه و سلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ رواه أبو داود وعن عائشة رضي الله عنها قالت : فقدت النبي ( ص ) فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد رواه النسائي ومسلم ولو بطل وضوءه لفسدت صلاته
والثالثة : هي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان لشهوة ولا ينقض لغيرها جمعا بين الآية والأخبار ولأن اللمس ليس بحدث وإنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت فيه الحالة التي تدعوا فيها إلى الحدث كالنوم
ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة وذوات المحارم وغيرهن لعموم الأدلة فيه
وإن لمست امرأة رجلا ففيه روايتان :
إحداهما : أنها كالرجل لأنها ملامسة توجب طهارة فاستوى فيها الرجل والمرأة كالجماع
والثانية : لا ينقض وضوءها لأن النص لم يرد فيها ولا يصح قياسها على المنصوص لأن اللمس منه أدعى إلى الخروج
وهل ينقض وضوء الملموس ؟ فيه روايتان
وإن لمس سن امرأة أو شعرها أو ظفرها لم ينقض وضوءه لأنه لا يقع عليها الطلاق بإيقاعه عليه وإن لمس عضوا مقطوعا لم ينقض وضوءه لأنه لا يقع عليه اسم امرأة وإن مس غلاما أو بهيمة أو مست امرأة امرأة لم ينقض الوضوء لأنه ليس محلا لشهوة الآخر شرعا
فصل :
السابع : الردة عن الإسلام وهو أن ينطق بكلمة الكفر أو يعتقدها أو يشك شكا يخرجه عن الإسلام فينتقض وضوءه لقول الله تعالى : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ولأن الردة حدث لقول ابن عباس : الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان فيدخل في عموم قوله عليه السلام : [ لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ] متفق عليه ولأنها طهارة من حدث فأبطلتها الردة كالتيمم
فصل :
الثامن : غسل الميت عده أصحابنا من نواقض الوضوء لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وقال أبو هريرة : أقل ما فيه الوضوء لأنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث ولا فرق بين الميت المسلم والكافر والصغير والكبير في ذلك لعموم الأمر والمعنى
وكلام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب فإنه قال : أحب إلي أن يتوضأ وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت بكون الحديث موقوفا على أبي هريرة والوضوء كذلك ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص والأصل عدم وجوبه فيبقى عليه وما عدا هذا لا ينقض بحال
فصل :
ومن تيقن الطهارة وشك هل أحدث أم لا فهو على طهارته لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : [ إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه هل خرج شيء أو لم يخرج ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ] رواه مسلم والبخاري ولأن اليقين لا يزال بالشك
وإن تيقن الحدث شك في الطهارة فهو محدث لذلك
وإن تيقنهما وشك في السابق منهما نظر في حاله قبلهما فإن كان متطهرا فهو محدث الآن لأنه تيقن زوال تلك الطهارة بحدث وشك هل زال أم لا فلم يزل يقين الحدث بشك الطهارة وإن كان قبلهما محدثا فهو الآن متطهر لما ذكرنا في التي قبلها
فصل :
ولا تشترط الطهارتان معا إلا لثلاثة أشياء :
الصلاة : لقول النبي ( ص ) : [ لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ]
والطواف : لقول النبي ( ص ) : [ الطواف في البيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام ] رواه الشافعي في مسنده
ومس المصحف : لقول الله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } وفي كتاب النبي ( ص ) لعمر بن حازم : [ لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر ] رواه الأثرم ولا بأس بحمله في كمه أو بعلاقته وتصحفه بعود لأنه ليس بمسه له ولذلك لو فعله بامرأة لم ينتقض وضوءه
وإن مس المحدث كتاب فقه أو رسالة فيها آي من القرآن جازه لأنه لا يسمى مصحفا والقصد منه غير القرآن ولذلك كتب النبي ( ص ) إلى قيصر في رسالته : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } الآية متفق عليه وكذلك إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن
وإن مس درهما مكتوبا عليه آية فكذلك في أحد الوجهين لما ذكرنا
والثاني : لا يجوز لأنه معظم ما فيه من القرآن
وفي مس الصبيان ألواحهم وحملها على غير طهارة وجهان :
أحدهما : لا يجوز لأنهم محدثون فأشبهوا البالغين
والثاني : يجوز لأن حاجتهم ماسة إلى ذلك ولا تتحفظ طهارتهم فأشبه الردهم
ومن كان طاهرا وبعض أعضائه نجس فمس المصحف بالعضو الطاهر جاز لأن حكم النجاسة لا يتعدى محلها بخلاف الحدث
فصل :
ويستحب تجديد الطهارة لأن النبي ( ص ) كان يتوضأ لكل صلاة طلبا للفضل رواه البخاري
[ وصلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد ] ليبين الجواز رواه مسلم

باب آداب التخلي
يستحب لمن أراد قضاء الحاجة أن يقول : بسم الله لما روى علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ستر ما بين الجن و عورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله ] رواه بن ماجة و الترمذي ويقول : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل الخلاء قال ذلك متفق عليه
فإذا خرج قال : غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني لما روت عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خرج من الخلاء قال : [ غفرانك ] حديث حسن وعن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج من الخلاء قال : [ الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ] رواه ابن ماجة ويقدم رجله اليسرى في الدخول ورجله اليمنى في الخروج لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه ويضع ما فيه ذكر الله أو قرآن صيانة له فإذا كان ذلك دراهم فقال أحمد رضي الله عنه : أرجو أن لا يكون به بأس قال : والخاتم فيه اسم الله يجعله في بطن كفه ويدخل الخلاء
فصل :
وإن كان في الفضاء أبعد لما روى جابر قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد
ويستتر عن العيون لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره ]
ويرتاد لبوله مكانا رخوا لئلا يترشش عليه ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روء عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ] أخرج هذه الأحاديث الثلاثة أبو داود
ويبول قاعدا لأنه أستر له وأبعد من أن يترشش عليه
فصل :
ولا يجوز استقبال القبلة في الفضاء بغائط ولا بول لما روى أبو أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا ] قال أبو أيوب : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله متفق عليه
وفي استدبارها روايتان :
إحداهما : لا يجوز لهذا الحديث
والأخرى : يجوز لما روى ابن عمر قال رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم جالسا على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة متفق عليه
وفي استدبارها في البنيان روايتان :
إحداهما : لا يجوز لعموم النهي
والثانية : يجوز لما روى عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت : ذكر عند النبي صلى الله عليه و سلم أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال : [ أو قد فعلوا ؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة ] رواه الإمام أحمد و ابن ماجه قال أحمد : أحسن حديث يروى في الرخصة حديث عراك وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن سماه مرسلا لأن عراكا لم يسمع من عائشة وعن مروان الأصفر أنه قال : أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليه فقلت : يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ قال : بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس رواه أبو داود
ويكره أن يستقبل الشمس والقمر تكريما لهما وأن يستقبل الريح لئلا ترد البول عليه
فصل :
ويكره أن يبول في شق أو ثقب لما روى عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه و سلم : [ نهى أن يبال في الجحر ] رواه أبو داود ولأنه لا يأمن أن يكون مسكنا للجن أو يكون فيه دابة تلسعه ويكره البول في طريق أو ظل ينتفع به أو مورد ماء لما روى معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل ] رواه أبو داود ويكره البول في موضع تقع فيه الثمرة لئلا تتنجس به والبول في المغتسل لما روى عبد الله بن مغفل قال : [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبول الرجل في مغتسله ] رواه بن ماجة قال أحمد رضي الله عنه : إن صب عليه الماء فجرى في البالوعة فذهب فلا بأس
فصل :
يكره أن يتكلم على البول أو يسلم أو يذكر الله تعالى بلسانه لأن النبي صلى الله عليه و سلم سلم عليه رجل وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ ثم قال : [ كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ] رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ويكره الإطالة أكثر من الحاجة لأنه يقال : إن ذلك يدمي الكبد ويأخذ منه الباسور ويتوكأ في جلوسه على الرجل اليسرى لما روى سراقة بن مالك قال : علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى وننصب اليمنى رواه الطبراني في معجمه ولأنه أسهل لخروج الخارج ويتنحنح ليخرج ما تم ثم يسلت من أصل ذكره فيما بين المخرجين ثم ينتره برفق ثلاثا فإذا أراد الاستنجاء تحول من موضعه لئلا يرش على نفسه
فصل :
ولاستنجاء واجب من كل خارج من السبيل معتادا كان أو نادرا لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال في المذي : [ يغسل ذكره ويتوضأ ] وقال : [ إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه ] رواه أبو داود عن ابن أبي أوفى عن النبي ( ص ) والنسائي وأحمد والدار قطني وقال : إسناد حسن صحيح ولأن المعتاد نجاسة لا مشقة في إزالتها فلم تصح الصلاة معها كالكثير والنادر لا يخلو من رطوبة تصحبه غالبا ولا يجب من الريح لأنها ليست نجسة ولا يصحبها نجاسة وقد روي : [ من استنجى من الريح فليس منا ] رواه الطبراني في المعجم الصغير
فصل :
وإن تعدت النجاسة المخرج بم لم تجر العادة به كالصفحتين ومعظم الحشفة لم يجزئه إلا الماء لأن ذلك نادر فلم يجز فيه المسح كيده وإن لم يتجاوز قدر العادة جاز بالماء والحجر نادرا كان أو معتادا لحديث ابن أبي أوفى ولأن النادر خارج يوجب الاستنجاء أشبه المعتاد والأفضل الجمع بين الماء والحجر يبدأ بالحجر لأن عائشة رضي الله عنها قالت : مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني أستحييهم فإن النبي ( ص ) كان يفعله حديث صحيح ولأنه أبلغ في الإنقاء وأنظف ولأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تباشرها يده فإن اقتصر على أحدهما جاز والماء أفضل لأن أنسا قال : [ كان النبي ( ص ) إذا خرج لحاجة أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني : يستنجي به ] متفق عليه ولأنه يزيل عين النجاسة وأثرها ويطهر المحل
وإن اقتصر على الحجر أجزأ بشرطين :
أحدهما : الإنقاء وهو أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء بحيث يخرج الآخر نقيا
والثاني : استيفاء ثلاثة أحجار لقول سلمان رضي الله عنه : لقد نهانا - يعني النبي ( ص ) - أن نستنجي باليمين وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستنجي برجيع أو عظم رواه مسلم فإن كان الحجر كبيرا فمسح بجوانبه ثلاث مسحات أجزأه ذكره الخرقي لأن المقصود عدد المسحات دون عدد الأحجار بدليل أنا لم نقتصر على الأحجار بل عديناه إلى ما في معناه من الخشب والخرق
وقال أبو بكر لا يجزئه اتباعا للفظ الحديث وقال : لا يجزئه الاستجمار بغير الأحجار لأن الأمر ورد بها على الخصوص ولا يصح لأن في سياقه [ وإن نستنجي برجيع أو عظم ] فيدل على أنه أراد الحجر وما في معناه ولولا ذلك لم يخص هذين بالنهي وروى طاوس أن النبي ( ص ) قال : [ فليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاثة حثيات من تراب ] رواه الدارقطني ولأنه نص على الأحجار لمعنى معقول فيتعداه الحكم كنصه على الغضب في منع القضاء
فصل :
ويجوز الاستجمار بكل جامد طاهر منق غير مطعوم لا حرمة له ولا متصل بحيوان فيدخل فيه الحجر وما قام مقامه من الخشب والخرق والتراب ويخرج منه المائع لأنه يتنجس بإصابة النجاسة فيزيد المحل تنجسا ويخرج منه النجس لأن النبي ( ص ) ألقى الروثة وقال : [ إنها ركس ] رواه البخاري ولأنه يكسب المحل نجاسة فإن استجمر به والمحل رطب لم يجزه الاستجمار بعده لأن المحل صار نجسا بنجاسة واردة عليه فلزم غسله كما لو تنجس بذلك في حال طهارته ويخرج ما لا ينقي كالزجاج والفحم الرخو لأن الإنقاء شرط ولا يحصل به ويخرج المطعومات والروث والرمة وإن كانا ظاهرين لما روى ابن مسعود أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قال : [ لا تنجسوا بالروث ولا بالعظام فأن زاد إخوانكم من الجن ] رواه مسلم علل النهي بكونه زادا للجن فزادنا أولى ويخرج ما له حرمة كالورق المكتوب لأن له حرمة أشبه المطعوم ويخرج منه ما يتصل بحيوان كيده وذنب بهيمة وصوفها المتصل بها لأنه ذو حرمة فأشبه سائر أعضاءها وإن استجمر بما نهى عنه لم يصح لأن الاستجمار رخصة فلا تستباح بالمحرم كسائر الرخص
فصل :
ولا يستجمر بيمينه ولا يستعين بها فيه لحديث سلمان وروى أبو قتادة أن النبي ( ص ) قال : [ لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ] متفق عليه فيأخذ ذكره بيساره ويمسح به الحجر أو الأرض فإن كان الحجر صغيرا أمسكه بعقبيه أو بإبهامي قدميه فمسح عليه فإن لم يمكنه أخذ الحجر بيمينه والذكر بيساره فمسحه على الحجر
ولا يكره الاستعانة باليمنى في الماء لأن الحاجة داعية إليه فإذا استجمر بيمينه أجزأه لأن الاستجمار بالحجر لا باليد فلم يقع النهي على ما يستنجي به
فصل :
وكيف حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأه إلا أن المستحب أن يمر حجرا من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها ثم يمره على صفحته اليسرى حتى يرجع به إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : [ أو لا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة ] رواه الدارقطني وقال إسناد حسن ويبدأ بالقبل لينظفه لئلا تتنجس يده به عند الاستجمار في الدبر والمرأة مخيرة في البداءة بأيهما شاءت لعدم ذلك فيها
فصل :
فإن توضأ قبل الاستنجاء ففيه روايتان :
إحداهما : لا يجزئه لأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم
والثانية : يصح لأنها نجاسة فلم يشترط تقديم إزالتها كالتي على ساقه فعلى هذه الرواية إن قدم التيمم على الاستجمار ففيه وجهان :
أحدهما : يصح قياسا على الوضوء
والثاني : لا يصح لأنه لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا تباح مع قيام المانع وإن تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير الفرج ففيه وجهان :
أحدهما : لا يصح قياسا على نجاسة الفرج
والثاني : يصح لأنها نجاسة لم توجب التيمم فلم تمنع صحته كالتي على ثوبه

باب ما يوجب غسله
الموجب له في حق الرجل ثلاث أشياء :
الأول : إنزال المني وهو الماء الدافق تشتد الشهوة عند خروجه ويفتر البدن بعده وماء الرجل أبيض ثخين وماء المرأة أصفر رقيق قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر ] رواه مسلم فيجب الغسل بخروجه في النوم واليقظة لأن أم سليم قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) : [ نعم إذا رأت الماء ] متفق عليه فإن خرج لمرض من غير شهوة لم يوجب لأن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض ولا يخرج في المرض إلا رقيقا فإن احتلم فلم يرى بللا فلا غسل عليه لحديث أم سليم وإن رأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل لما روت عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما فقال : [ يغتسل ] وسئل عن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل فقال : [ لا غسل عليه ] رواه أبو داود فإن وجد منيا في ثوب ينام فيه هو وغيره فلا غسل عليه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالشك
وإن لم يكن ينام فيه غيره وهو ممن يمكن أن يحتلم كابن اثني عشر سنة فعليه الغسل
وإعادة الصلاة من أحدث نومة نامها لأن عمر رضي الله عنه رأى في ثوبه منيا بعد أن صلى فاغتسل وأعاد الصلاة
فصل :
و المذي : ماء رقيق يخرج بعد الشهوة متسببا لا يحس بخروجه فلا غسل فيه ويجب منه الوضوء لما روى سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم وسألته عنه فقال : [ يجزيك من ذلك الوضوء ] حديث صحيح وهل يوجب غسل الذكر والأنثيين ؟ على روايتين :
إحداهما : لا يوجب لحديث سهل
والثانية : يوجب لما روى علي رضي الله عنه قال : كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم لمكان ابنته فأمرت المقداد فسأله فقال : [ يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ] رواه أبو داود
والودي : ماء أبيض يخرج عقب البول فليس فيه إلا الوضوء لأن الشرع لم يرد فيه بزيادة عليه
فإن خرج منه شيء ولم يدر أمني هو أو غيره ؟ في يقظة فلا غسل فيه لأن المني الموجب الغسل يخرج دفقا بشهوة فلا يشتبه بغيره وإن كان في نوم وكان نومه عقيب شهوة بملاعبة أهله أو تذكر فهو مذي لأن ذلك سبب المذي والظاهر أنه مذي وإن لم يكن كذلك اغتسل لحديث عائشة في الذي جد البلل ولأن خروج المني في النوم معتاد وغيره نادر فحمل الأمر على المعتاد
فصل :
وإن أحس بانتقال المني من ظهره فأمسك ذكره فلم يخرج ففيه روايتان :
إحداهما : لا غسل عليه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا رأت الماء ]
والثانية : يجب لأنه خرج من مقره أشبه ما لو ظهر
فإن اغتسل فخرج بعد ذلك وجب الغسل على الرواية الأولى لأن الواجب متعلق بخروجه ولم يجب على الثانية لأنه تعلق بانتقاله وقد اغتسل له
وعنه : إن خرج قبل البول وجب الغسل لأنا نعلم أنه المني المنتقل فإن خرج بعده لم يجب لأنه يحتمل أنه غيره وهو خارج لغير شهوة وفي فضلة المني الخارج بعد الغسل الروايات الثلاث
فصل :
والثاني : التقاء الختانين وهو تغيب الحشفة في الفرج يوجب الغسل وإن عري عن الإنزال لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل ] رواه مسلم وختان الرجل : الجلدة التي تبقى بعد الختان وختان المرأة جلدة كعرف الديك في أعلى الفرج يقطع منها في الختان فإذا غابت الحفشة في الفرج تحاذى ختاناهما فيقال : التقيا وإن لم يتماسا
ويجب الغسل في الإيلاج في كل فرج قبل أو دبر من آدمي أو بهيمة حي أو ميت لأنه فرج أشبه قبل المرأة
فإن أولج من قبل الخنثى المشكل فلا غسل عليهما لأنه لا يتيقن كونه فرجا فلا يجب الغسل بالشك
فصل :
والثالث : إسلام الكافر وفيه روايتان :
إحداهما : يوجب الغسل اختارها الخرقي لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر ثمامة بن أثال وقيس بن عاصم أن يغتسلا حين أسلما ولأن الكافر لا يسلم من حدث لا يرتفع حكمه باغتساله فقامت مظنة ذلك مقامه ولا يلزمه أن يغتسل للجنابة لأن الحكم تعلق بالمظنة فسقط حكم المظنة كالمشقة في السفر
والثانية : لا غسل عليه اختارها أبو بكر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لمعاذ : [ إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فأن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات ] متفق عليه ولم يأمرهم بالغسل ولو كان أول الفروض لأمر به ولأنه أسلم العدد الكثير والجم الغفير فلو أمروا بالغسل لنقل نقلا متواترا
فإن أجنب في حال كفره احتمل أنه لا يجب الغسل عليه لما ذكرناه واحتمل أنه يجب وهو قول أبي بكر لأن حكم الحدث باق
فصل :
أما المرأة فيجب من حقها الأغسال المذكورة وتزيد بالغسل من الحيض والنفاس ونذكره في بابه
ولا يجب الغسل في الولادة العارية من الدم لأن الإيجاب من الشرع ولم يوجب لها ولا هي في معنى المنصوص عليه
وعنه يجب بها لأنها لا تكاد تعرى من نفاس موجب فكانت مظنة له فأقيمت مقامه كاتقاء الختانين مع الإنزال
فصل :
ولا يجب الغسل بغير ذلك من غسل ميت أو إفاقة مجنون أو مغمى عليه لما ذكرناه
فصل :
ومن لزمه الغسل حرم عليه ما حرم على المحدث ويحرم عليه قراءة آية فصاعدا لقول علي رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو قال : يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة رواه أبو داود وفي بعض آية روايتان :
إحداهما : يحرم قراءته لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن ] رواه أبو داود
والأخرى : يجوز لأن الجنب لا يمنع من قول : بسم الله والحمد لله وذلك بعض آية
فصل :
ويحرم عليه اللبث في المسجد لقوله تعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } يعني مواضع الصلاة وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ] رواه أبو داود ولا يحرم العبور عفي المسجد لقوله تعالى : { إلا عابري سبيل } ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعائشة : [ ناوليني الخمرة من المسجد ] قالت : إني حائض قال : [ إن حيضك ليست في يدك ]
قال بعض أصحابنا : إذا توضأ الجنب حل له اللبث في المسجد لأن الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم إذا أراد أن يتحدث في المسجد وهو جنب توضأ ثم دخل فجلس فيه ولأن الوضوء يخفف بعض حدثه فيزول بعض ما منعه
فصل :
ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة لما روى ابن عمر أن عمر قال : يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال : [ نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد ] متفق عليه ويستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يعود للجماع ويغسل فرجه فأما الحائض فلا يستحب لها شيء من ذلك لأن الوضوء لا يؤثر في حدثها ولا يصح منها

باب الغسل من الجنابة
وهي على ضربين : كامل ومجزئ
الضرب الأول : الكامل يأتي فيه بتسعة أشياء : النية وهو أن ينوي الغسل للجنابة أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل كقراءة القرآن و اللبث في المسجد ثم يسمي ثم يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما به من الأذى ويغسل فرجه وما يليه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بها أصول شعره ويخلله بيده ثم يفيض الماء على سائر جسده ثم يدلك بدنه بيده وإن توضأ إلا غسل رجليه ثم غسل قدميه آخرا فحسن قال أحمد رضي الله عنه : الغسل من الجنابة على حديث عائشة يعني قولها : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيديه حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده
وقالت ميمونة : وضع لرسول الله صلى الله عليه و سلم وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه ثم غسل جسده فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده متفق عليهما
الضرب الثاني : المجزئ وهو ينوي ويعم بدنه وشعره بالغسل والتسمية ههنا كالتسمية في الوضوء فيما ذكرنا ويجب إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر وإن كان كثيفا لحديث عائشة ولا يجب نقضه إن كان مضفورا لما روت أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال : [ لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ] رواه مسلم ولا ترتيب الغسل لأن الله تعالى قال : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } ولم يقدم بعض البدن على بعض لكن يستحب البداءة بما ذكرناه و البداءة بغسل الشق الأيمن لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يحب التيامن في طهوره ولا موالاة فيه لأنه طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة
فصل :
فأما غسل الحيض فهو كغسل الجنابة سواء إلا أنه يستحب لها أن تأخذ شيئا من المسك أو طيب أو غيره فتتبع به أثر الدم ليزيل [ زفورته ] لما روت عائشة رضي الله عنها : أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال : [ خذي فرصة من مسك فتطهري بها ] فقالت : كيف أتطهر بها ؟ فقالت عائشة : قلت : تتبعي بها أثر الدم رواه مسلم فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب فإن لم تجد فالماء كاف
وهل عليها نقض شعرها للغسل منه ؟ فيه روايتان :
إحداهما : لا يجب لأنه غسل واجب أشبه الجنابة
والثانية : يجب ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته وإنما عفي عنه في الجنابة لأنه يتكرر فيشق النقض فيه بخلاف الحيض
فصل :
والأفضل تقديم الوضوء على الغسل للخبر الوارد فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما لقول الله تعالى : [ { إن كنتم جنبا فاطهروا } ولم يأمر بالوضوء معه ] ولأنهما عبادتان من جنس : صغرى وكبرى فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية كالحج والعمرة
وعنه : لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ لأنهما نوعان يجبان بسببين فلم يدخل إحداهما في الآخر كالحدود وإن نوى إحداهما دون الآخر فليس له غيرها لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ وإنما لكل امرئ ما نوى ]
فصل :
ويجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا و يتوضآ من إناء واحد لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يغتسل هو وزوجته من إناء واحد يغرفان منه جميعا متفق عليه وقال ابن عمر كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد رواه أبو داود ويجوز للمرأة التطهر بفضل طهور الرجل وفضل طهور المرأة وللرجل التطهر بفضل طهور الرل وفضل طهور المرأة ما لم تخل به
فإن خلت به ففيه وجهان :
إحداهما : يجوز أيضا لما روت ميمونة رضي الله عنها قالت : أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه و سلم ليغتسل منها فقلت : إني اغتسلت منه فقال : [ إن الماء ليس عليه جنابة ] رواه أبو داود ولأنه ماء لم ينجس ولم يزل عن إطلاقه فأشبه فضله الرجل
والثانية : لا يجوز للرجل التطهر به لما روى الحكم بن عمرو قال : نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة حديث حسن قال أحمد رحمه الله : جماعة من الصحابة كرهوه ذكر منهم ابن عمر وعبد الله بن سرجس وخص ما خلت به لقول عبد الله بن سرجس : توضأ أنت ههنا وهي ههنا فأما إذا خلت به فلا تقربنه
ومعنى الخلوة : أن لا يشاهدها إنسان تخرج بحضوره عن الخلوة في النكاح
وذكر القاضي أنها لا تخرج عن الخلوة ما لم يشاهدها رجل
وإنما تؤثر خلوته في الماء اليسير لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير فهذا أولى
ولا يخرج الماء الذي خلت به المرأة عن إطلاقه بل يجوز للنساء التطهر به من الحدث والنجاسة
وللرجل إزالة النجاسة به لأن منع الرجل من الوضوء به تعبد فوجب قصره على مورده
وذكر القاضي أنه لا يزيل النجاسة لأن ما لا يرفع الحدث لا يزيل النجس كالخل
وهذا لا يمكن القول بموجبه فإن هذا يرفع حدث المرأة بخلاف الخل

باب التيمم
التيمم طهارة بالتراب يقوم مقام الطهارة بالماء عند العجز عن استعماله لعدم أو مرض لقول الله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر } إلى قوله : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } وروى عمار قال : أجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي ( صلى الله عليه و سلم ) فذكرت ذلك له فقال : [ إنما يكفيك أن بقول بيديك هكذا ] ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه متفق عليه والسنة في التيمم أن يضرب بيديه على الأرض ضربة واحدة ثم يمسح بها وجهه ويديه إلى الكوعين للخبر ولأن الله تعالى أمر بمسح اليدين واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع بدليل قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وإن مسح يديه إلى المرفقين فلا بأس لأنه قد روي عن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) وسواء فعل ذلك بضربتين أو أكثر ويستحب تفريق أصابعه عند الضرب ليدخل الغبار فيما بينهما وإن كان التراب ناعما فوضع اليدين عليه وضعا أجزأه ويسمح جميع ما يجب غسله من الوجه مما لا يشق مثل باطن الفم والأنف وما تحت الشعور الخفيفة لقوله تعالى : { امسحوا بوجوهكم } وكيفما مسح بعد أن يستوعب الوجه و الكفين إلى الكوعين جاز لأن المستحب في الضربة الواحدة أن يمسح وجهه بباطن أصابع يديه وظاهر كفيه بباطن راحتيه وإن مسح بضربتين مسح بأولاهما وجهه وبالثانية يديه فإن مسح إلى المرفقين وضع بطون أصابع اليسرى على ظهور أصابع اليمنى ثم يمرهما إلى مرفقيه ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمر عليه ويرفع إبهامه فإن بلغ الكوع أمر إبهام يده اليسرى على إبهام يده اليمنى ثم مسح بيده اليمنى يده اليسرى كذلك ثم مسح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل بين أصابعه وإن يممه غير جاز كما يجوز أن يوضئه
وإن أثارت الريح عليه ترابا فمسح وجهه بما على يديه جاز وإن مسح وجهه بما عليه لم يجز لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به ويحتم أن يجزئه إذا صمد للريح لأنه بمنزلة مسح غيره له
فصل :
وفرائض التيمم : النية لما ذكرناه في الوضوء ومسح الوجه والكفين للأمر به وترتيب اليدين على الوجه قياسا على الوضوء وفي التسمية والموالاة روايتان كالوضوء
فأما النية فهو أن ينوي استباحة ما لا يباح إلا به فإن نوى صلاة مكتوبة أبيح له سائر الأشياء لأنه تابع لها فيدخل في نية المتبوع وإن نوى نفلا أو صلاة مطلقة لم يبح له الفرض لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا يستبيح به الفرض حتى ينويه وله قراءة القرآن لأن النافلة تتضمن القرآن وليس له الجنازة المتعينة لأنها فرض ولو كانت نفلا فله فعلها
وإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه الأعلى
فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه لأن التيمم لا يرفع الحدث
وعنه : ما يدل على أنه يرفع الحدث فيكون حكمه حكم الوضوء في نيته
ولا بد له من تعيين ما تيمم له من الحدث الموجب للغسل أو الوضوء أو النجاسة فإن تيمم للحدث ونسي الجنابة أو الجنابة ونسي الحدث لم يجزئه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ وإنما لكل امرئ ما نوى ] ولأن ذلك لا يجزئ في الماء وهو الأصل ففي البدل أولى
فصل :
ويجوز التيمم عن جميع الأحداث لظاهر الآية وحديث عمار وروى عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال : [ يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء عندي قال : عليك بالصعيد فإنك يكفيك ] متفق عليه
ويجوز التيمم للنجاسة على البدن لأنها طهارة مشترطة للصلاة فناب فيها التيمم كطهارة الحدث
واختار أبو الخطاب أنه يلزمه الإعادة إذا تيمم لها عند عدم الماء
وقيل في وجوب الإعادة روايتان :
إحداهما : لا يجب لقول عليه السلام : [ التراب كافيك ما لم تجد الماء ] وقياسا على التيمم الحدث
والأخرى تجب الإعادة لأنه صلى بالنجاسة فلزمته الإعادة كما لو تيمم
ولا يجوز التيمم عن النجاسة في غير البدن لأنها طهارة في البدن فلا تؤثر في غيره كالوضوء
فصل :
ولجواز التيمم ثلاث شروط :
أحدها : العجز عن استعمال الماء وهو نوعان :
أحدهما : عدم الماء لقول الله تعالى : { فلم تجدوا ماء } ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عسر سنين فإن وجدت الماء فأمسه جلدك ] رواه أبو داود
النوع الثاني : الخوف على نفسه باستعمال الماء لمرض أو قرح يخاف باستعمال الماء تلفا أو زيادة مرض أو تباطؤ البرء أو شيئا فاحشا في جسمه لقول الله تعالى : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } وقوله تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } وإن وجد ماء يحتاج إلى شربه للعطش أو شرب رفيقه أو بهائمه أو بينه و بينه سبع أو عدو يخافه على نفسه أو ماله أو خاف على ماله إن تركه وذهب إلى الماء فله التيمم لأنه خائف الضرر باستعماله فهو كالمريض وإن خاف لشدة البرد تيمم وصلى لما روى عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت وصليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب ؟ ] فأخبرته من بالذي منعني من الاغتسال ثم قلت سمعت الله يقول : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فضحك النبي صلى الله عليه و سلم ولم يقل شيئا رواه أبو داود
ولأنه خائف على نفس أشبه المريض ولا إعادة عليه إن كان مسافرا لما ذكرنا
وإن كان حاضرا ففيه روايتان :
إحداهما : لا يلزمه الإعادة لذلك
والثانية : يلزمه لأنه ليس بمريض ولا مسافر فلا يدخل في عموم الآية ولأن الحضر مظنة إمكان إسخان الماء فالعجز عنه عذر غير متصل
وإن قدر على إسخان الماء لزمه كما يلزمه شراء الماء ومن كان واجدا للماء فخاف فوت الوقت لتشاغله بتحصيله أو استسقائه لم يبح له التيمم لأن الله تعالى قال : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا واجد
وإن خاف فوات الجنازة فليس له التيمم لذلك
وعنه : يجوز لأنه لا يمكن استدراكها
فصل :
والثاني : طلب الماء شرط في الرواية المشهورة لقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } ولا يقال : لم يجد إلا لمن طلب ولأنه بدل فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل كالصيام في الظهار
وعنه : ليس بشرط لأنه ليس بواجب قبل الطلب فيدخل في الآية
وصفة الطلب أن ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراءه وإن كان قريبا من حائل من ربوة أو حائط علاه فنظر حوله وإن رأى خضرة أو نحوها استبرأها
وإن كان معه رفيق سأله الماء فإن بذله له لزمه قبوله لأن المنة لا تكثر في قبوله
وإن وجد ماء يباع بثمن المثل أو بزيادة غير مجحفة بماله وهو واجد للثمن غير محتاج إليه لزمه شراؤه كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة
فإن لم يبذله له صاحبه لم يكن له أخذه قهرا وإن استغنى عنه صاحبه لأن له بدلا وإن علم بماء قريب لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أو فوت الوقت أو الرفقة وإن تيمم ثم رأى ركبا أو خضرة أو شيئا يدل على الماء أو سرابا ظنه ماء قبل الصلاة لزمه الطلب لأنه وجد دليل الماء وبطل تيممه لأنه وجب عليه الطلب فبطل تيممه كما لو رأى ماء وإن رأى الركب ونحوه في الصلاة لم تبطل لأنه شرع فيها بطهارة متيقنة فلا يبطلها في الشك
فصل :
الثالث : دخول الوقت شرط لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم فلم يصح تيممه كما لو تيمم وهو واجد للماء وإن كان التيمم لنافلة لم يجز في وقت النهي عن فعلها لأنه قبل وقتها وإن تيمم لفائتة أو نافلة قبل وقت الصلاة ثم دخل الوقت بطل تيممه وإن تيمم لمكتوبة في وقتها فله أن يصليها وما شاء من النوافل قبلها وبعدها ويقضي فوائت ويجمع بين الصلاتين لأنها طهارة أباحت فرضا فأباحت سائر ما ذكرناه كالوضوء ومتى خرج الوقت بطل التيمم في ظاهر المذهب لأنها طهاة عذر وضرورة فتقدرت بالوقت كطهارة المستحاضة
وعنه : يصلي بالتيمم حتى يحدث قياسا على طهارة الماء
فصل :
والأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت إن رجا وجود الماء لقول علي رضي الله عنه في الجنب : يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت ولأن الطهارة في الماء فريضة وأول الوقت فضيلة وانتظار الفريضة أولى وإن يئس من الماء استحب تقديمه لئلا يترك فضيلة متيقنة لأمر غير مرجو
ومتى تيمم وصلى صحت صلاته ولا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت لما روى عطاء بن يسار قال : خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء و الصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا النبي صلى الله عليه و سلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد : [ أجزأتك الصلاة ] وقال للذي أعاد : [ لك الأجر مرتين ] رواه أبو داود وقال : قد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم والصحيح أنه مرسل ولأنه أدى فريضة بطهارة فأشبه ما لو أداها بطهارة الماء
فإن علم أن في رحله ماء نسيه فعليه الإعادة لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالنسيان كما لو نسي عضوا لم يغسله وإن ضل عن رحله أو ضل عنه غلامه الذي معه الماء فلا إعادة عليه لأنه غير مفرط وإن وجد بقربه بئرا أو غديرا علامته ظاهرة أعاد لأنه مفرط في الطلب وإن كانت أعلامه خفية لم يعد لعدم تفريطه
فصل :
وإن وجد ماء لا يكفيه لزمه استعماله وتيمم للباقي إن كان جنبا لقول الله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا واجد وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ] رواه البخاري وقال : [ إذا وجدت الماء فأمسه جلدك ] ولإنه مسح أبيح للضرورة فلم يبح في غير موضعها كمسح الجبيرة
وإن كان محدثا ففيه وجهان :
أحدهما : يلزمه استعماله لذلك
والآخر : لا يلزمه لأن الموالاة شرط يفوت بترك غسل الباقي فبطلت طهارته بخلاف غسل الجنابة
وإن كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا غسل الصحيح وتيمم للجريح جنبا كان أو محدثا لقول النبي صلى الله عليه و سلم للذي أصابته الشجة : [ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده ] رواه أبو داود لأن العجز ههنا ببعض البدن وفي الاعواز العجز ببعض الأصل فاختلفا كما أن الحر إذا عجز عن بعض الرقبة في الكفارة فله العدول إلى الصوم ولو كان بعضه حرا فملك بنصفه الحر مالا لزمه التكفير بالمال ولو تكن كالتي قبلها
فصل :
ويبطل التيمم بجميع مبطلات الطهارة التي تيمم عنها لأنه بدل عنها فإن تيمم لجنابة ثم أحدث منع ما يمنعه المحدث من الصلاة والطواف ومس المصحف لأن التيمم ناب عن الغسل فأشبه المغتسل إذا أحدث ويزيد التيمم بمبطلين :
أحدهما : القدرة على استعمال الماء سواء وجدت في الصلاة أو قبلها أو بعدها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك ] دل بمفهومه على أنه ليس بطهور عند وجود الماء و بمنطوقه على وجوب استعماله عند وجوده ولأنه قدر على استعمال الماء فأشبه الخارج من الصلاة
فعلى هذا إن وجد في الصلاة خرج وتوضأ واغتسل إن كان جنبا واستقبل الصلاة كما لو أحدث في أثنائها
وعنه : إذا وجده في الصلاة لم يبطل لأنه شرع في المقصود فأشبه المكفر يقدر على الإعتاق بعد شروعه في الصيام إلا أن المروذي روى عنه أنه قال : كنت أقول : إنه يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية
والثاني : خروج الوقت يبطلها لما ذكرناه فإن خرج وهو في الصلاة بطل كما لو أحدث
ومن تيمم وهو لابس خفا أو عمامة يجوز المسح عليهما ثم خلع أحدهما فقد ذكر أصحابنا أنه يبطل تيممه لأنه من مبطلات الوضوء ولا يقوى ذلك عندي لأنها طهارة لم يمسح عليهما فلم تبطل بخلعهما كالملبوس على غير طهارة بخلاف الوضوء
فصل :
ويجوز التيمم في السفر الطويل والقصير وهو ما بين قرتين قريبتين لقوله تعالى : { أو على سفر } ولأن الماء يعدم في القصير غالبا أشبه الطويل ويجوز في الحضر للمرض للآية ولأنه عذر غالب يتصل أشبه السفر وإن عدم الماء في الحضر لحبس تيمم ولا إعادة عليه لأنه في عدم الماء وعجزه عن طلبه كالمسافر وأبلغ منه فألحق به وإن عدمه لغير ذلك وكان يرجوه قريبا تشاغل بطلبه ولم يتيمم وإن كان ذلك يتمادى تيمم وصلى وأعاد لأنه عذر نادر غير متصل ويحتمل أنه لا يعيد لأنه في معنى عادم الماء في السفر فألحق به
وإن كان مع المسافر ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتركه ثم عدم الماء في الوقت تيمم وصلى ولا إعادة عليه لأنه لم يخاطب باستعماله
وإن كان ذلك في الوقت ففيه وجهان :
أحدهما : تلزمه الإعادة لأنه مفرط
والثاني : لا تلزمه لأنه عادم للماء أشبه ما قبل الوقت
فصل :
ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد لقوله تعالى : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } وما لا غبار له لا يمسح شيء منه
وقال ابن العباس : الصعيد تراب الحرث والطيب : هو الطاهر وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله تعالى قبلي جعل لي التراب طهورا ] رواه الشافعي في مسنده ولو كان غيره طهورا ذكره فيما من الله به عليه
وعنه : يجوز التيمم بالرمل والسبخة لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ جعلت الأرض لي مسجدا وطهورا ] رواه البخاري ومسلم وقال ابن أبي موسى : إن لم يجد غيرهما تيمم بهما
وإن دق الخزف أو الحجارة وتيمم به لم يجزئه لأنه ليس بتراب
وإن خالط التراب جص أو دقيق أو زرنيخ فحكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات
وإن خالط ما لم يعلق باليد كالرمل والحصى لم يمنع التيمم به لأنه لا يمنع وصول الغبار إلى اليد
وإن ضرب بيده على صخرة عليها غبار أو حائط أو لبد فعلا يديه غبار أبيح التيمم به لأن المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه وقد روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه رواه أبو داود
ولا بأس أن يتيمم الجماعة من موضع واحد كما يتوضؤون من حوض واحد
وإن تناثر من التراب على العضو بعد استعماله شيء :
احتمل أن يمنع من استعماله مرة ثانية لأنه كالماء المستعمل
واحتمل أن يجوز لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا بخلاف الماء
فصل :
فإن عدم الماء والتراب ووجد طينا لم يستعمله وصلى على حسب حاله ولم يترك الصلاة لأن الطهارة شرط فتعذرها لا يبيح أمر الصلاة كالسترة والقبلة وفي الإعادة روايتان :
إحداهما : لا تلزمه لأن الطهارة شرط فأشبهت السترة والقبلة
والثانية : تلزمه لأنه عذر نادر غير متصل أشبه نسيان الطهارة
فصل :
إذا اجتمع جنب وميت وحائض معهم ماء لأحدهم لا يفضل عنه فهو أحق به ولا يجوز أن يؤثر به لأنه واجد للماء فلم يجزئه التيمم فإن آثر به وتيمم لم يصح تيممه مع وجوده لذلك وإن استعمله الآخر فحكم المؤثر به حكم من أراق الماء
وإن كان الماء لهم فهم فيه سواء وإن وجدوه فهو للأحياء دون الميت لأنه لا وجدان له
وإن كان لغيرهم فأراد أن يجوز به فالميت أولى به لأن غسله خاتمة طهارته وصاحباه يرجعان إلى الماء ويغتسلان
وإن فضل عنه ما يكفي أحدهما فالحائض أحق به لأن حدثهما آكد وتستبيح بغسلها ما يستبيحه الجنب وزيادة الوطء وإن اجتمع على رجل حدث ونجاسة فغسل النجاسة أولى لأن طهارة الحدث لها بدل مجمع عليه بخلاف النجاسة
وإن اجتمع محدث وجنب فلم يجدا إلا ما يكفي المحدث فهو أحق به لأنه يرفع جميع حدثه وإن كان يكفي الجنب وحده فهو أحق به لما ذكرنا في الحائض وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يقدم الجنب لما ذكرنا
والثاني : المحدث لأن فضلته يلزم الجنب [ استعمالها ] فلا تضيع بخلاف فضلة الجنب
والثالث : التسوية : لأنه تقابل الترجيحان فتساويا فتدفع إلى من شاء منهما أو يقرع بينهما والله أعلم

باب الحيض
وهو دم ترخيه الرحم يخرج من المرأة في أوقات معتادة يتعلق به ثلاثة عشر حكما :
أحدها : تحريم فعل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ] متفق عليه
والثاني : سقوط فرضها لقول عائشة رضي الله عنها : كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه
والثالث : تحريم الصيام ولا يسقط وجوبه لحديث عائشة وقول النبي صلى الله عليه و سلم :
[ أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل ؟ ] قلن بلى رواه البخاري
والرابع : تحريم الطواف لقول النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة إذ حاضت : [ افعلي ما يفعل الحاج غير أن تطوفي بالبيت حتى تطهري ] متفق عليه
والخامس : تحريم قراءة القرآن لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ] رواه الترمذي
والسادس : تحريم مس المصحف لقوله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } ولقول النبي صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم : [ لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر ] رواه الأثرم
والسابع : تحريم اللبث في المسجد لما ذكرناه من قبل
والثامن : تحريم الطلاق لما نذكره في النكاح
والتاسع : تحريم الوطء في الفرج لقوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن }
ولا يحرم الاستمتاع بها في غير الفرج لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ اصنعوا كل شيء غير النكاح ] رواه مسلم
وقالت عائشة : كان الرسول صلى الله عليه و سلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض متفق عليه ولأنه وطء حرم للأذى فاختص بمحله كالوطء في الدبر
والعاشر : منع صحة الطهارة لأنه حدث يوجب الطهارة فاستمرار يمنع صحتها كالبول
والحادي عشر : وجوب الغسل لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ دعي الصلاة قدر الأيام التي تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي ] متفق عليه
الثاني عشر : وجوب الاعتداد به لما نذكره في العدد
الثالث عشر : حصول البلوغ به لما نذكره في موضعه
فإذا انقطع دمها ولم تغتسل زالت أربعة أحكام : سقوط فرض الصلاة لأن سقوطه بالحيض قد زال ومنع صحة الطهارة لذلك وتحريم الصيام لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله كالجنابة وتحريم الطلاق لأن تحريمه لتطويل العدة وقد زال هذا المعنى
وسائر المحرمات باقية لأنها تثبت في حق المحدث الحدث الأكبر وحدثها باق وتحريم الوطء باق لأن الله تعالى قال : { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن } قال
مجاهد : حتى يغتسلن
فإن لم تجد الماء تيممت وحل وطؤها لأنه قائم مقام الغسل فحل به ما يحل بالغسل وإن تيممت للصلاة حل وطؤها لأن ما أباح الصلاة أباح ما دونها
وإن وطئ الحائض قبل طهرها فعليه كفارة [ دينار أو ] نصف دينار لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : [ يتصدق بدينار أو بنصف دينار ] قال أبو داود : كذا الرواية الصحيحة
وعن أحمد : لا كفارة فيه لأنه وطء حرم للأذى فلم تجب به كفارة كالوطء في الدبر والحديث توقف أحمد عنه للشك في عدالة راويه
وإن وطئها بعد انقطاع دمها فلا كفارة عليه لأن حكمه أخف ولم يرد الشرع بالكفارة فيه
فصل :
وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين فإن رأت قبل ذلك دما فليس بحيض ولا يتعلق به أحكامه لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة
وأقل الحيض يوم وليلة
وعنه : يوم لأن الشرع علق على الحيض أحكاما ولم يبين قدره فعلم أنه رده إلى العادة كالقبض والحرز وقد وجد حيض معتاد يوما ولم يوجد أقل منه
قال عطاء : رأيت من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر
قال عبد الله الزبيري : كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما
[ وأكثره خمسة عشر يوما ] لما ذكرنا
وعنه سبعة عشرة يوما
وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما لما روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن امرأة ادعت انقضاء عدتها في شهر فقال لشريح : قل فيها فقال : إن جاءت ببطانة من أهلها يشهدن أنها حاضت في شهر ثلاث مرات تترك الصلاة فيها وإلا فهي كاذبة فقال علي رضي الله عنه : قالون يعني جيد وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر ولا يمكن إلا بما ذكرنا من أقل الحيض وأقل الطهر
وعنه : أقله خمسة عشر لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي ] وليس لأكثر حد وغالب الحيض ست أو سبع لقول النبي صلى الله عليه و سلم لحمنة بنت جحش
[ تحيضي - في علم الله - ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوما أو ثلاثة وعشرين كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن ] حديث حسن وغالب الطهر أربعة وعشرون أو ثلاثة وعشرون لهذا الحديث
وإذا بلغت المرأة ستين عاما يئست من المحيض لأنه لم يوجد لمثلها حيض معتاد فإن رأت دما فهو دم فاسد وإن رأته بعد الخمسين ففيه روايتان :
إحداهما : هو دم فاسد أيضا لأن عائشة رضي الله عنها قالت : إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض
والثانية : إن تكرر بها الدم فهو حيض وهذا أصح لأنه قد وجد ذلك
وعنه : أن نساء العجم ييأسن في خمسين ونساء العرب إلى ستين لأنهن أقوى جلبة
وقال الخرقي : إذا رأت الدم لها خمسون سنة فلا تدع الصلاة ولا الصوم وتقضي الصوم احتياطا
وإن رأته بعد الستين فقد زال الإشكال فتصوم وتصلي ولا تقضي
والحامل لا تحيض وإن رأت دما فهو دم فاسد لقول النبي صلى الله عليه و سلم في سبايا أوطاس : [ لا توطأ حامل حتى تضع ولا حامل حتى تستبرأ بحيضة ] يعني تستعلم براءتها من الحمل بالحيضة فدل على أنها لا تجتمع معه
فصل :
والمبتدأ فيها الدم في سن تحيض لمثله تترك الصلاة والصوم لأن دم الحيض جبلة وعادة ودم الفاسد عارض لمرض ونحوه والأصل عدمه فإن انقطع لدون يوم وليلة فهو دم فاسد وإن بلغ ذلك جلست يوما وليلة فإن انقطع دمها لذلك اغتسلت وصلت وكان ذلك حيضها
وإن زاد عليه ففيه أربع روايات :
أشهرهن : أنها تغتسل عقيب اليوم والليلة وتصلي لأن العبادة واجبة بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تسقطها بالشك
فإن انقطع دمها ولم يعبر أكثر الحيض اغتسلت غسلا ثانيا ثم تفعل ذلك في شهر آخر
وعنه : تفعله في شهري آخرين
فإن كان في الأشهر كلها مدة واحدة علمت أن ذلك حيضها فانتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامت الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في حيضها
والثانية : تجلس ما تراه من الدم إلى أكثر الحيض لأنه دم يصلح حيضا فتجلسه كاليوم والليلة
والثالثة : تجلس ستا أو سبعا لأن الغالب في النساء هكذا يحضن ثم تغتسل وتصلي
والرابعة : تجلس عادة نسائها لأن الغالب أنها تشبههن في جميع ذلك فإذا انقطع الدم لأكثر الحيض فما دون وتكرر صار عادة فانتقلت إليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه
وإن عبر دمها أكثر الحيض علمنا استحاضتها فنظر في دمها فإن كان متميزا بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر وكان الأسود لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فهذه مدة حيضها زمن الدم الأسود فتجلسه فإذا خلفته اغتسلت وصلت لما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت : يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ قال : [ لا إنما ذلك عرق ليس بالحيض فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ] متفق عليه يعني بإقباله : سواده ونتنه وبإدباره : رقته وحمرته وفي لفظ قال : [ إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الأحمر فتوضئي إنما هو عرق ] رواه النسائي وقال ابن عباس : ما رأت الدم البحراني فإنها تدع الصلاة إنما والله لن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني و المذي إن لم تكن مميزة جلست من كل شهر ستة أيام أو سبعة لما روي أن حمنة بنت جحش قالت : يا رسول الله إني أستحاض حيضة شديدة منكرة قد منعتني الصوم والصلاة فقال لها : [ تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلى ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ] رواه الترمذي وقال حديث حسن وذكر أبو الخطاب في المبتدأة هذه الروايات الأربع وحكي عن ابن عقيل في المبتدأة المميزة أنها تجلس بالتمييز في أول مرة لما ذكرنا من الأخبار ولأن التمييز يجري مجرى العادة والمعتاد تجلس عدة أيام عادتها كذلك المميزة
فصل :
وإن استقرت لها عادة فما رأت من الدم فيها فهو حيض سواء كان كدرة أو صفرة أو غيرها لما روى مالك عن علقمة عن أمه : أن النساء كن يرسلن بالدرجة فيها الشيء من الصفرة إلى عائشة فتقول : لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء قال مالك و أحمد : هو بياض أبيض يتبع الحيضة ولأنه دم من زمن العادة أشبه الأسود
فإن تغيرت العادة لم تخل من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن ترى الطهر قبل تمامها فإنها تغتسل وتصلي لأن ابن عباس قال : لا يحل لها رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل ولأنها طاهر فتلزمها الصلاة كسائر الطاهرات
وإن عاودها الدم في عادتها ففيه روايتان :
إحداهما : تتحيض فيه وهي الأولى لأنه دم صادف العادة فكان حيضا كالأول
والثانية : لا تجلس حتى تتكرر لأنه جاء بعد طهر فلم يكن حيضا بغير تكرار كالخارج عن العادة
وإن عاودها بعد العادة وعبر أكثر الحيض فهو استحاضة وإن لم يعبر ذلك وتكرر فهو حيض وإلا فلا لأنه لم يصادف عادة فلا يكون حيضا بغير تكرار
القسم الثاني : أن ترى الدم في غير عادتها قبلها أو بعدها مع بقاء عادتها أو طهر فيها أو في بعضها فالمذهب أنها لا تجلس ما خرج عن العادة حتى تكرر وفي قدره روايتان :
إحداهما : ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ دعي الصلاة أيام أقرائك ] وأقل ذلك ثلاثا
والثانية : مرتان لأن العادة مأخوذة من المعاودة وذلك يحصل بمرتين فعلى هذا تصوم وتصلي فيما خرج عن العادة مرتين أو ثلاثا فإن تكرر انتقلت إليه وصار عادة وأعادت ما صامته من الفرض فيه لأنا تبينا أنها صامته في حيضها
قال الشيخ رحمه الله : ويقوى عندي أنها تجلس متى رأت دما يمكن أن يكون حيضا وافق العادة أو خالفها لأن عائشة رضي الله عنها قالت : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ولم تقيده بالعادة وظاهر الأخبار تدل على أن النساء كن يعددن ما يرينه من الدم حيضا من غير افتقاد عادة ولم ينقل عنهن ذكر العادة ولا عن النبي صلى الله عليه و سلم بيان لها ولا الاستفصال عنها إلا في التي قالت : إني أستحاض فلا أطهر وشبهها من المستحاضات أما في امرأة يأتي دمها في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم يطهر فلا والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضا ولم يأت من الشرع تغيير ولذلك أجلسنا المبتدأة من غير تقدم عادة ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف والعرف أن الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص وفي اعتبار العادة على هذا الوجه إخلال ببعض المتنقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتها للدم في وقت الحيض على صفته وهذا لا سبيل إليه
فصل :
القسم الثالث : أن ينضم إلى العادة ما يزيدان بمجموعهما على أكثر الحيض فلا تخلو من حالين :
أحدهما : أن تكون ذاكرة لعادتها فإن كانت غير مميزة جلست قدر عادتها واغتسلت بعدها وصلت وصامت لقول النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة بنت أبي حبيش : [ دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي ] متفق عليه وإن كانت مميزة ففيها روايتان :
إحداهما : تعمل بالعادة لهذا الحديث
والأخرى : تعمل بالتمييز وهو اختيار الخرقي لما تقدم من أدلته
الحال الثاني : أن تكون ناسية لعادتها :
فإن كانت مميزة عملت بتمييزها لأنه دليل لا معارض له فوجب العمل به كالمبتدأة
وإن لم تكن مميزة فهي على ثلاثة أضرب :
إحداهن : المتحيرة وهي الناسية لوقتها وعددها فهذه تتحيض في كل شهر ستة أيام أو سبعة على حديث حمنة بنت جحش ولأنه غالب عادات النساء فالظاهر أنه حيضها
وعنه : أنها ترد إلى عادة نسائها كما تقدم
وقيل : فيها الروايات الأربعة
ويجعل حيضها من أول كل شهر في أحد الوجهين لقول النبي ( ص ) : [ تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام من كل شهر ثم اغتسلي وصلي ثلاثة وعشرين يوما ] فجعل حيضها من أوله والصلاة في بقيته
والآخر : تجلسه بالاجتهاد لأن النبي ( ص ) ردها إلى الاجتهاد في العديد بين الست والسبع فكذلك في الوقت
وإن علمت أن حيضها في وقت من الشهر كالنصف الأول ولم تعلم موضعه منه ولا عدده فكذلك إلا أن اجتهادها يختص بذلك الوقت دون غيره
الضرب الثاني : أن تعلم عددها وتنسى وقتها نحو أن تعلم أن حيضها خمس ولا تعلم لها وقتا
فهذه تجلس قدر أيامها من أول كل شهر في أحد الوجهين
وفي الآخر تجلسه بالتحري
وإن علمته في وقت من الشهر مثل أن علمت أن حيضها في العشر الأول من الشهر أو العشر الأوسط جلست قدر أيامها من ذلك الوقت دون غيره
الضرب الثالث : ذكرت وقتها ونسيت عددها مثل أن تعلم أن اليوم العاشر من حيضها ولا تدري قدره فحكمها في قدر ما تجلسه حكم المتحيرة واليوم العاشر حيض بيقين
فإن علمته أول حيضها جلست بقية أيامها بعده وإن علمته آخر حيضها جلست الباقي قبله
وإن لم تعلم أوله ولا آخره جلست مما يلي أول الشهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلس بالتحري
فصل :
ومتى ذكرت الناسية عادتها رجعت إليها لأنها تركتها للعجز عنها فإذا زال العجز وجب العمل بها لزوال العارض فإن كانت مخالفة لما عملت قضت ما صامت من الفرض في مدة العادة وما تركت من الصلاة والصيام فيما خرج عنها لأننا تبينا أنها تركتها وهي طاهرة
فصل :
ولا تصير المرأة معتادة حتى تعلم طهرها وشهرها ويتكرر
وشهرها : هو المدة التي يجتمع لها فيه حيض وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوما يوم للحيض وثلاثة عشر للطهر وغالبه الشهر المعروف لحديث حمنة ولأنه غالب عادات النساء وأكثره لا حد له [ لأن أكثر الحيض لا يتعداه ] وتثبت العادة بالتمييز كما لو تثبت بانقطاع الدم فلو رأت المبتدأة خمسة أيام دما أسود ثم احمر وعبر أكثر الحيض وتكرر ذلك ثلاثا ثم رأت في الرابع دما مبهما كان حيضها أيام الدم الأسود لأنه صار عادة لها
فصل :
والعادة على ضربين : متفقة و مختلفة
فالمتفقة : مثل من تحيض خمسة من كل شهر والمختلفة مثل من تحيض في شهر ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم يعود إلى الثلاثة ثم إلى أربعة على هذا الترتيب أو في شهر ثلاثة وفي الثاني خمسة وفي الثالث أربعة ثم تعود إلى الثلاثة فكل ما أمكن ضبطه من ذلك فهو عادة مستقرة وما لم يمكن ضبطه نظرت إلى القدر الذي تكرر منه فجعلته عادة كأنها رأت في شهر ثلاثة وفي شهر أربعة وفي شهر خمسة فالثلاثة حيض لتكررها ثلاثا
فإذا رأت في الرابع ستة فالأربعة حيض : لتكررها ثلاثا فإذا رأت في الخامس سبعة فالخمسة حيض وعلى هذا ما تكرر فهو حيض وما فلا
فصل :
في التلفيق : إذا رأت يوما دما ويوم طهرا فإنها تغتسل وتصلي في زمن الطهر لقول ابن عباس رضي الله عنه : لا يحل لها إذا رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل ثم إن انقطع الدم لخمسة عشر فما دون فجميعه حيض تغتسل عقيب كل يوم وتصلي في الطهر وإن عبر الخمسة عشر فهي مستحاضة ترد إلى عادتها فإن كانت عادتها سبعة متوالية جلست ما وافقها من الدم فيكون حيضها منه ثلاثة أيام أو أربعة وإن كانت ناسية فأجلسناها سبعة وإن أجلسناها أقل الحيض جلست يوما وليلة لا غير وإن كانت مميزة ترى يوما دما أسود ثم ترى نقاء ثم ترى أسود إلى عشرة أيام ثم ترى دما أحمر وعبر ردت إلى التمييز فيكون حيضها زمن الدم الأسود دون غيره ولا فرق بين أن ترى الدم زمنا يكون أن يكون حيضا كيوم وليلة أو دون ذلك كنصف يوم ونصف ليلة فإن كان النقاء أقل من ساعة فالظاهر أنه ليس بطهر لأن الدم يجري تارة وينقطع أخرى وقد قالت عائشة رضي الله عنها : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء
فصل :
وإذا رأت ثلاثة أيام دما ثم طهرت اثني عشر يوما ثم رأته ثلاثة دما فالأول حيض لأنها رأته في زمان إمكانه والثاني استحاضة لأنه لا يمكن أن يكون ابتداء حيض لكونه لم يتقدمه أقل الطهر ولا من الحيض الأول لأنه يخرج عن الخمسة عشر و الحيضة الواحدة لا تكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوما فإن كان بين الدمين ثلاثة عشر يوما فأكثر وتكرر فهما حيضتان لأنه أمكن جعل كل واحد منهما حيضة منفردة لفصل أقل الطهر بينهما وإن أمكن جعلهما حيضة واحدة بأن لا يكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر عشر يوما مثل أن ترى يومين دما وتطهر عشرة وترى ثلاثة دما وتكرر فهما حيضة واحدة لأنه لم يخرج زمنها عن مدة أكثر الحيض وعلى هذا يعتبر ما ألقي من المسائل في التلفيق
فصل :
في المستحاضة وهي :
التي ترى دما ليس بحيض ولا نفاس وحكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات وفعلها لأنها نجاسة غير معتادة أشبه سلس البول فإن اختلط حيضها باستحاضتها فعليها الغسل عند انقطاع الحيض لحديث فاطمة ومتى أرادت الصلاة غسلت فرجها وما أصابها من الدم حتى إذا استنقأت عصبت فرجها واستوثقت بالشد والتلجيم ثم توضأت وصلت لما روي أن النبي ( ص ) قال لحمنة بنت جحش حين شكت إليه كثرة الدم : [ أنعت لك الكرسف ] يعني القطن تحشي به المكان قالت : إنه أشد من ذلك فقال : [ تلجمي ]
وعن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله ( ص ) فاستفتت لها
أم سلمة رسول الله ( ص ) فقال : [ لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل ] رواه أبو داود فإن خرج الدم بعد الوضوء لتفريط في الشد أعادت الوضوء لأنه حدث أمكن التحرز عنه
وإن خرج لغير تفريط فلا شيء عليها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : اعتكفت مع رسول الله ( ص ) امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري ولأنه لا يمكن التحرز منه فسقط وتصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض والنوافل قبل الفريضة وبعدها حتى يخرج الوقت فتبطل بها طهارتها وتستأنف الطهارة لصلاة أخرى لما روي في حديث فاطمة أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قال لها : [ اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي ] قال الترمذي هذا حديث صحيح ولأنها طهارة عذر وضرورة فقيدت بالوقت كالتيمم وإن توضأت قبل الوقت بطل وضوءها بدخوله كما في التيمم وإن انقطع دمها بعد الوضوء وكانت عادتها انقطاعه وقتا لا يتسع للصلاة لم يؤثر انقطاعه لأنه لا يمكن الصلاة فيه وإن لم تكن فيه عادة أو كانت عادتها انقطاعه مدة طويلة لزمها استئناف الوضوء وإن كانت في الصلاة بطلت لأن العفو عن الدم لضرورة جريانه فيزول بزواله وحكم من به سلس البول أو المذي أو الريح أو الجرح الذي لا يرقأ دمه حكمها في ذلك إلا أن ما لا يمكن عصبه يصلي بحاله فقد صلى عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دما
فصل :
قال أصحابنا ولا توطأ مستحاضة لغير ضرورة لأنه أذى في الفرج أشبه دم الحيض فإن الله تعالى قال : { هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } فعلله بكونه أذى وإن خاف على نفسه العنت أبيح الوطء لأنه يتطاول فيشق التحرز منه وحكمه أخف لعدم ثبوت أحكام الحيض فيه
وحكى أبو الخطاب فيه عن أحمد رضي الله عنه روايتان :
إحداهما : كما ذكرنا
والثانية : يحل مطلقا لعموم النص في حل الزوجات وامتناع قياس المستحاضة على الحائض لمخالفتها لها في أكثر أحكامها ولأن وطء الحائض ربما يتعدى ضرره إلى الولد فإنه قد قيل : إنه يكون مجذوما بخلاف دم المستحاضة
فصل :
ويستحب لها الغسل لكل صلاة لأن عائشة رضي الله عنها روت : أن أم حبيبة استحيضت فسألت النبي ( ص ) فأمرها أن تغتسل لكل صلاة [ رواه أبو داود ] وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد فهو حسن لما روي أن النبي ( ص ) قال لحمنة : [ فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حتى تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين مع الصبح كذلك فافعلي إن قويت على ذلك هو أعجب الأمرين إلي ] وهو حديث صحيح و إن توضأت لوقت كل صلاة أجزأها لما ذكرنا سابقا

باب النفاس
وهو خروج الدم بسبب الولادة وحكمه حكم الحيض فيما يحرم ويجب ويسقط به لأنه دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل فإن خرج قبل الولادة بيومين أو ثلاثة فهو نفاس لأن سبب خروجه الولادة وإن خرج قبل ذلك فهو دم فاسد لأنه ليس بنفاس لبعده من الولادة ولا حيض لأن الحامل لا تحيض
وأكثر النفاس أربعون يوما لما روت أم سلمة قالت : كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة رواه أبو داود
وليس لأقله حد فأي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي ويستحب لزوجها الإمساك عن وطئها حتى تتم الأربعين
فإن عاودها الدم في مدة النفاس فهو نفاس لأنه في مدته أشبه الأول
وعنه : أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم احتياطا لأن الصوم واجب بيقين فلا يجوز تركه لعارض مشكوك فيه ويفارق الحيض المشكوك فيه لكثرته وتكرره ومشقة إيجاب القضاء فيه
وما زاد على أربعين فليس بنفاس وحكمها فيه حكم غير النفساء إذا رأت الدم وصادف عادة الحيض فهو حيض وإلا فلا
فصل :
وإذا ولدت توأمين فالنفساء من الأول لأنه دم خرج عقيب الولادة فكان نفاسا كما لو كان منفردا وآخر منه فإذا أكملت أربعين من ولادة الأول انقضت مدتها لأنه نفاس واحد لحمل واحد فلم تزد العادة منه على أربعين
وعنه : أنه من الأول ثم تستأنفه في الثاني لأن كل واحد منهما سبب للمدة فإذا اجتمعا اعتبر أولها من الأول وآخرها من الثاني كالوطء في إيجاب العدة

باب أحكام النجاسات
بول الآدمي نجس لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال في الذي يعذب في قبره : [ إنه كان لا يستتر من بوله ] متفق عليه والغائط مثله
والودي : ماء أبيض يخرج عقيب البول حكمه حكم البول لأنه في معناه
و المذي نجس لقول النبي صلى الله عليه و سلم لعلي رضي الله عنه في المذي : [ اغسل ذكرك ] ولأنه خارج من الذكر لا يخلق منه الولد أشبه البول
وعنه : أنه كالمني : لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني
وبول ما يؤكل لحمه و رجيعه نجس لأنه بول حيوان غير مأكول أشبه بول الآدمي إلا بول ما لا نفس له سائلة فإن ميتته طاهرة فأشبه الجراد
وبول ما يؤكل لحمه و رجيعه طاهر
وعنه أنه كالدم لأنه رجيع والمذهب الأول لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ صلوا في مرابض الغنم ] حديث صحيح وكان يصلي فيها قبل بناء مسجده وقال للعرنيين : [ انطلقوا إلى إبل الصدقة فاشربوا من ألبانها وأبوالها ] متفق عليه
ومني الآدمي طاهر لأن عائشة قالت : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيصلي فيه متفق عليه ولأنه بدء خلق آدمي فكان طاهرا كالطين
وعنه : أنه نجس يجزىء فرك يابسه ويعفى عن يسيره لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغسل المني عن ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا حديث صحيح لأنه خارج من مخرج البول أشبه المذي
وفي رطوبة فرج المرأة روايتان :
إحداهما : أنها نجس لأنها بلل من الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذي
والثانية : أنها طاهرة لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو من جماع لأن الأنبياء لا يحتلمون وهو يصيب رطوبة الفرج
و القيء نجس لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد أشبه الغائط
وفي كل حيوان غير الآدمي ومنيه في حكم بول في الطهارة و النجاسة لأنه في معناه
و النخامة طاهر سواء خرجت من رأس أو صدر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم وتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض ] رواه مسلم
وذكر أبو الخطاب أن البلغم نجس قياسا على القيء والأول أصح والبصاق والمخاط والعرق وسائر رطوبات الآدمي طاهرة لأنه من جسم طاهر وكذلك هذه الفضلات من كل حيوان طاهر
فصل :
والدم نجس لقول النبي صلى الله عليه و سلم لأسماء في الدم : [ اغسليه بالماء ] متفق عليه ولأنه نجس لعينه بنص القرآن أشبه الميتة إلا دم السمك فإنه طاهر لأن ميتته طاهرة مباحة
وفي دم ما لا نفس له سائلة كالذباب والبق والبراغيث والقمل روايتان :
إحداهما : نجاسته لأنه دم أشبه المسفوح
والثانية : طهارته لأنه دم حيوان لا ينجس بالموت أشبه دم السمك وإنما حرم الدم المسفوح
و العلقة نجسة لأنها دم خارج من الفرج أشبه الحيض
وعنه : إنها طاهرة لأنها لأنها بدء خلق آدمي أشبهت المني
و القيح نجس لأنه دم استحال إلى نتن وفساد والصيد مثله إلا أن أحمد قال : هما أخف حكما من الدم لوقوع الخلاف بين نجاستهما وعدم النص فيهما
وما بقي من الدم في اللحم معفو عنه
ولو علت حمرة الدم في القدر لم يكن نجسا لأنه لا يمكن التحرز منه
فصل :
والخمر نجس لقول الله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم والنبيذ مثله لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] رواه مسلم ولأنه شراب فيه شدة مطربة أشبه الخمر
فإن انقلبت الخمرة خلا بنفسها طهرت لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر كالماء الذي تنجس بالتغير [ إذا زال تغيره ]
وإن خللت لم تطهر لما روي : أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم : عن أيتام ورثوا خمرا فقال : [ أهرقها قال : أفلا أخللها ؟ قال : لا ] رواه أحمد في مسنده و
الترمذي ولو جاز التخليل لم ينه عنه
ويتخرج أن تطهر لزوال علة التحريم كما لو تخللت ولا يطهر غيرها من النجاسات بالاستحالة
فلو أحرقت فصارت رمادا أو تركت في ملاحة فصارت ملحا لم تطهر لأن نجاستها لعينها بخلاف الخمر فإن نجاستها لمعنى زال بالانقلاب
ودخان النجاسة وبخارها نجس فإن اجتمعت منه شيء أو لاقى جسما صقيلا فصار ماء فهو نجس
وما أصاب الإنسان من دخان النجاسة وغبارها فلم يجتمع منه شيء ولا ظهرت صفته فهو معفو عنه لعدم إمكان التحرز منه
فصل :
ولا يختلف المذهب في نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما إذا أصابت غير الأرض أنه يجب غسلها سبعا إحداهن بالتراب سواء كان من ولوغه أو غيره لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن التراب ] متفق عليه ولمسلم : أولاهن التراب
وعنه : يغسله سبعا وواحدة التراب لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب ] رواه مسلم والأولى أصح لأنه يحتمل أنه على عد التراب ثامنة لكونه من الماء من غير جنسه والأولى جعل التراب من الأولى للخبر وليكون الماء بعده فينظفه وحيث جعله جاز لقوله في اللفظ الآخر : وعفروه الثامنة بالتراب فيدل على أن عين الغسلة غير مرادة
وإن جعل مكان التراب جامدا آخر كالأشنان ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يجزئه لأن نصه على التراب تبينه على ما هو أبلغ منه في التنظيف
والثاني : لا يجزئه لأنه تطهير ورد الشرع فيه بالتراب فلم يقم غيره مقامه كالتيمم
والثالث : يجزئه إن عدم التراب أو كان مفسدا للمغسول للحاجة وإلا فلا
وإن جعل مكانه غسلة ثامنة لم يجزه لأنه أمر بالتراب معونة للماء في قلع النجاسة أو للتعبد ولا يحصل بالماء وحده وقد ذكر فيه الأوجه الثلاثة وإن ولغ في الإناء كلب أو وقعت فيه نجاسة أخرى لم تغير حكمه لأن الغسل لا يزداد بتكرار النجاسة كما لو ولغ فيه الكلب مرات
وإن أصاب الثوب منم ماء الغسلات ففيه وجهان :
أحدهما : يغسل سبعا إحداهن بالتراب لأنها نجاسة كلب
والثاني : حكمه حكم المحل الذي انفصل عنه في الغسل في التراب وفي عدد الغسلات لأن المنفصل كالبلل الباقي وهو يطهر بباقي العدد كذلك هذا
فصل :
والنجاسات كلها على الأرض يطهرها أن يغمرها الماء فيذهب عينها ولونها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء ] متفق عليه
ولو كانت أرض البئر نجسة فنبع عليها الماء طهرها
ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بغسل بول الأعرابي ولأنه محل نجس أشبه الثوب
وإن طبخ اللبن المخلوط بالزبل النجس لم يطهر لكن ما يظهر منه يحترق فيذهب عينه ويبقى أثره فإذا غسل طهر ظاهره وبقي باطنه نجسا لو حمله مصل لم تصح صلاته وإن ظهر من باطنه شيء فهو نجس
فصل :
إذا أصاب أسفل الخف أو الحذاء نجاسة ففيه ثلاث روايات :
إحداهن : يجزئ دلكه بالأرض لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب ] وفي لفظ : إذا وطئ بنعله رواه أبو داود لأنه محل تتكرر فيه النجاسة فأجزأ فيه المسح كمحل الاستنجاء
والثانية : يجب غسله لأنه ملبوس فلم يجز فيه المسح كظاهره
والثالثة : يجب غسله من البول و العذرة لفحشهما ويجزئ دلكه من غيرهما
فإن قلنا : يجزئ المسح ففيه وجهان :
أحدهما : يطهر اختاره ابن حامد للخبر
والثاني : لا يطهر لأنه محل نجس فلم يطهره المسح كغيره
وفي محل الاستنجاء بعد الاستجمار وجهان أيضا :
أحدهما : يطهر قال أحمد رضي الله عنه في المستجمر يعرق في سراويله : لا بأس به وقول النبي صلى الله عليه و سلم في الروث والرمة : [ لا يطهرن ] دليل على أن غيرهما يطهر
والثاني : لا يطهر لما ذكرنا في القياس
فصل :
ويجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضج وهو أن يغمره بالماء وإن لم يزل عنه لما روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله ( ص ) فأجلسه في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه
ولا يجزئ في بول الجارية إلا الغسل لما روى علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( ص ) [ بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل ] رواه أحمد في المسند فإن أكلا الطعام وتغذيا به غسل بولهما لأن الرخصة وردت فيمن لم يطعم فبقي من عداه على الأصل
وفي المذي روايتان :
إحداهما : يجزئ نضحه لما روى سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء فقلت : يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : [ يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه ] وقال الترمذي : هذا حديث صحيح
والثانية : يجب غسله لأن النبي ( ص ) أمر بغسل الذكر منه ولأنه نجاسة من كبير أشبه البول
فصل :
وما عدا المذكور من النجاسات في سائر المحال فيه روايتان :
إحداهما : يجزئ مكاثرتها بالماء حتى تذهب عين النجاسة ولونها من غير عدد قياسا على نجاسة الأرض ولأن النبي ( ص ) قال لأسماء في الدم : [ اغسليه بالماء ] ولم يذكر عددا وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان غسل الثوب من النجاسة سبع مرات فلم يزل النبي ( ص ) يسأل حتى جعل الغسل من البول مرة رواه أبو داود
والثانية : يجب فيها العدد وفي قدره روايتان :
إحداهما : سبع لأنها نجاسة من غير الأرض فأشبهت نجاسة الكلب
وفي اشتراط التراب وجهان
والثانية : ثلاث لقول النبي ( ص ) : [ إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يديه في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده ] أمر بالثلاث وعلل بوهم النجاسة ولا يرفع وهمها إلا ما يرفع حقيقتها
فإن قلنا بالعدد لم يحتبس برفع الثوب من الماء غسلة حتى يعصره وعصر كل شيء يحبسه فإن كان بساطا ثقيلا أو زليا فعصره بتقليبه ودقه حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء
فصل :
وإذا غسل النجاسة فلم يذهب لونها أو ريحها لمشقة إزالته عفي عنه لما روي أن
خولة بنت يسار قالت : يا رسول الله أرأيت لو بقي أثره تعني : الدم فقال رسول اله ( ص ) : [ الماء يكفيك ولا يضرك أثره ] رواه أبو داود بمعناه
فصل :
ويعفى عن يسير الدم في غير المائعات لأنه لا يمكن التحرز منه فإن الغالب أن الإنسان لا يخلو من حبة وبثرة فألحق نادره بغالبه وقد روي عن جماعة من الصحابة الصلاة من الدم ولم يعرف لهم مخالف
وحد اليسير ما لا ينقض مثله الوضوء وقد ذكر في موضوعه
و القيح والصديد كالدم لأنه مستحيل منه
وفي المني إذا حكمنا بنجاسته روايتان :
إحداهما : أنه كالدم لأنه مستحيل منه
والثانية : لا يعفى عنه لأنه يمكن التحرز منه
وفي المذي وريق البغل والحمار وعرقهما وسباع البهائم وجوارح الطيور وبول الخفاش روايتان :
إحداهما : يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه فإن المذي يكثر من الشباب ولا يكاد يسلم مقتني هذه الحيوانات من بللها فعفي عن يسيرها كالدم
والثانية : لا يعفى عنهما لعدم ورود الشرع فيها
وفي النبيذ روايتان :
إحداهما : يعفى عن يسيره لوقوع الخلاف فيه
والثانية : لا يعفى عنه لأن التحرز عنه ممكن
وما عدا هذا من النجاسة لا يعفى عن شيء منه ما أدركه الطرف منها وما لم يدركه لأنها نجاسة لا يشق التحرز منها فلم يعف عنها كالكثير

كتاب الطهارة
الصلوات المكتوبات الخمس لما روى طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا قال : يا رسول الله ماذا فرض الله علي من الصلاة ؟ قال : [ خمس صلوات في اليوم والليلة قال : هل علي غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع شيئا ] متفق عليه
ولا تجب إلا على مسلم عاقل بالغ فأما الكافر فلا تجب عليه أصليا كان أو مرتدا
وخرج أبو إسحاق بن شاقلا رواية أخرى : أنها تجب على المرتد ويؤمر بقضائها لأنه اعتقد وجوبها وأمكنه التسبب إلى أدائها فأشبه المسلم
والمذهب الأول لقول الله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ولأنه قد أسلم كثير في عصر النبي صلى الله عليه و سلم وبعده فلم يؤمروا بقضاء ولأن في إيجاب القضاء تنفيرا له عن الإسلام فعفي عنه
ولا تجب على مجنون لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ ] حديث حسن ولأن مدته تتطاول فيشق إيجاب القضاء عليه فعفي عنه
ولا تجب على الصبي حتى يبلغ للحديث ولأن الطفل لا يعقل المدة التي يكمل فيها عقله وبنيته تخفى وتختلف فنصب الشرع علامة ظاهرة وهي البلوغ لكنه يؤمر بها لسبع ويضرب عليها لعشر ليتمرن و يعتادها فلا يتركها عند بلوغه وتصح صلاته ويستحب لها فعلها لما ذكرنا
وعنه : أنها تجب عليه إذا بلغ عشرا لكونه يعاقب على تركها والواجب ما عوقب على تركه
والأول المذهب
فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في الوقت لزمته إعادتها لأنه صلاها نفلا فلم تجزه عما أدرك وقته من الفرض كما لو نواها نفلا
وإن بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض قبل غروب الشمس لزمته الظهر والعصر وإن كان ذلك قبل طلوع الفجر لزمته المغرب والعشاء لأن ذلك يروى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس رضي الله عنهما ولأن وقتهما وقت لكل واحدة منهما حال العذر فأشبه ما [ لو ] أدرك جزءا من وقت الأولى
وإن بلغ في وقت الفجر لم يلزمه غيرها لأن وقتها مختص بها
وتجب الصلاة على المغمى عليه لمرض أو شرب دواء وعلى السكران لأن عمارا أغمي عليه فقضى ما فاته ولأن مدته لا تتطاول ولا تثبت الولاية عليه فوجبت عليه كالنائم
فصل :
ومن وجبت عليه الصلاة لم يجز له تأخيرها عن وقتها إذا كان ذاكرا لها ن قادرا على فعلها إلا المتشاغل بتحقيق شرطها ومن أراد الجمع لعذر فإن جحد وجوبها كفر لأنه كذب الله تعالى في خبره
وإن تركها متهاونا بها معتقدا وجوبها وجب قتله لقول الله تعالى : { فاقتلوا المشركين } إلى قوله : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } فدل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة يقتلون ولأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على قتال مانعي الزكاة والصلاة آكد منها
ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام ويضيق عليه ويدعى إلى فعل كل صلاة في وقتها ويقال له : إن صليت وإلا قتلناك لأنه قتل لترك واجب فيتقدمه الاستتابة كقتل المرتد فإن تاب وإلا قتل بالسيف وهل يقتل حدا أو لكفره ؟
فيه روايتان :
إحداهما : لكفره وهو كالمتمرد في أحكامه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ] رواه مسلم ولأنها من دعائم الإسلام لا تدخلها نيابة بنفس ولا مال فيكفر تاركها كالشهادتين
والثانية : يقتل حدا كالزاني المحصن لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة من لم يحتفظ عليهن لي يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ] من المسند ولو كفر لم يدخله في المشيئة
ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ] [ ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله ] متفق عليهما
ولأنها فعل واجب في الإسلام فلم يكفر تاركها المعتقد لوجوبها كالحج

باب أوقات الصلوات
الأولى هي الظهر لما روى أبو برزة الأسلمي قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس يعني : تزول في حديث طويل متفق عليه وأول وقتها إذا زالت الشمس وآخره إذا كان ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت الشمس عليه لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس والفيء مثال الشراك ثم صلى بي في المرة الأخيرة حين صار ظل كل شيء مثله وقال : الوقت ما بين هذين ] في حديث طويل قال الترمذي : هو حديث حسن ويعرف زوال الشمس بطول الظل بعد تناهي قصره
والأفضل تعجيلها لحديث أبي برزة إلا في شدة الحر فإنه يستحب الإبراد بها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أبردوا [ بالظهر ] في شدة الحر فإن شدة الحر من فيح جهنم ] متفق عليه
فصل :
ثم العصر وهي الوسطى لما روى علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب : [ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ] متفق عليه
وأول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله وآخره إذا صار ظل كل شيء مثليه لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث جبريل : [ وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم صلى بي المرة الآخرة حين صار ظل كل شيء مثليه ]
وعنه : أن آخره ما لم تصفر الشمس لما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ وقت العصر ما لم تصفر الشمس ] رواه مسلم
ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى غروب الشمس
ومن أدرك منها جزءا قبل الغروب فقد أدركها لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ] متفق عليه
وتعجيلها أفضل بكل حال لقول أبي برزة في حديثه : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية متفق عليه
فصل :
ثم المغرب وهي الوتر وأول وقتها إذا غابت الشمس وآخره إذا غاب الشفق الأحمر لما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بلالا فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق ثم قال : [ وقت وصلاتكم بين ما رأيتم ] رواه مسلم
وفي حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ وقت المغرب ما لم يغب الشفق ] ويكره تأخيرها عن وقتها لأن جبريل عليه السلام صلاها بالنبي صلى الله عليه و سلم في اليومين في أول وقتها وقال جابر : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي المغرب إذا وجبت الشمس متفق عليه
فصل :
ثم العشاء وأول وقتها إذا غاب الشفق الأحمر وآخره ثلث الليل لما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق وصلاها في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل ) وحديث ابن عباس في صلاة جبريل مثله وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الشفق الحمرة فإن غاب الشفق وجبت الصلاة ] رواه الدارقطني
وعنه : آخره نصف الليل لما روى عبد الله بن عمر أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قال : [ وقت العشاء إلى نصف الليل ] رواه مسلم و أبو داود
والأفضل تأخيرها لقول أبي برزة : كان النبي صلى الله عليه و سلم يستحب أن يؤخر العشاء متفق عليه
ويستحب أن يراعى حال المأمومين لقول جابر : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي العشاء أحيانا يقدمها وأحيانا يؤخرها إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر متفق عليه
ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني على ما ذكرناه في وقت العصر
فصل :
ثم الفجر وأول وقتها إذا طلع الفجر الثاني بغير خلاف وهو البياض الذي يبدو من قبل المشرق معترضا لا ظلمة بعده وآخره إذا طلعت الشمس لما روى بريدة عن النبي ( ص ) أنه أمر بلالا فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني صلى الفجر فأسفر بها ثم قال : [ وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم ] وفي حديث ابن عباس جبريل مثله
والأفضل تعجيلها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ( ص ) يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليه
وعنه : يراعي حال المأمومين فإن أسفروا فالإسفار أفضل لما ذكرنا في العشاء
فصل :
وتجب الصلاة بأول الوقت لأن الأمر بها يتعلق بأول وقتها والأمر يقتضي الوجوب ولأنه سبب الوجوب فتثبت عقبيه كسائر الأسباب ويستقر الوجوب بذلك
فلو جن بعد دخول جزء من وقت الصلاة أو حاضت المرأة لزمها القضاء لأنه إدراك جزء تجب بها الصلاة فاستقرت به كآخر الوقت
وهل تجب العصر بإدراك جزء من وقت الظهر ؟ فيه وجهان :
أحدهما : تجب لأنه أدرك جزءا من وقت إحدى صلاتي الجمع فلزمته الأخرى كإدراك جزء من وقت العصر
والثاني : لا تجب لأنه لم يدرك شيئا من وقتها ولا وقت تبعها فأشبه من لم يدرك شيئا بخلاف العصر فإنها تفعل تبعا للظهر فمدرك وقتها مدرك لجزء من وقت تبع الظهر وهكذا القول في المغرب والعشاء
ومن أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت فهو مدرك لها لما روى أبو هريرة أن النبي ( ص ) قال : [ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ] وفي لفظ : [ إذا أدرك أحدكم سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح فليتم صلاته ] متفق عليه
وفي مدرك أقل من ركعة وجهان :
أحدهما : يكون مدركا لها لأنه إدراك جزء من الصلاة فاستوى فيه الركعة وما دونها كإدراك الجماعة
والثاني : لا يكون مدركا لها لتخصيصه الإدراك بركعة وقياسا على إدراك الجمعة
فصل :
ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر وقتها لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي ( ص ) في اليوم الثاني في آخر الوقت
فإن أخرها عن وقتها لزمه قضاؤها على الفور لقول النبي ( ص ) : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ] متفق عليه فإن فاتته صلوات لزمه قضاؤهن مرتبات لأنها صلوات مؤقتات فوجب الترتيب فيها كالمجموعتين
فإن خشي فوات الحاضرة قدمها لئلا تصير فائتة ولأن فعل الحاضرة آكد بدليل أنه يقتل بتركها بخلاف الفائتة
وعنه : لا يسقط الترتيب لما ذكرنا من القياس
وإن نسي الفائتة حتى صلى الحاضرة سقط الترتيب وقضى الفائتة وحدها لقول النبي ( ص ) : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ] رواه النسائي وإن ذكرها في الحاضرة والوقت ضيق فكذلك
وإن كان متسعا وهو مأموم أتمها وقضى الفائتة وأعاد الحاضرة لما روى ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) قال : [ من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام ] رواه أبو حفص العكبري وأبو يعلى الموصلي وروي موقوفا على ابن عمر
وفي المنفرد روايتان :
إحداهما : أنه كذلك
والأخرى : يقطعها
وعنه من الإمام : أنه ينصرف ويستأنف المأمومون قال أبو بكر لم ينقلها غير حرب
وإن كثرت الفوائت قضاها متتابعة ما لم تشغله عن معيشته أو تضعفه في بدنه حتى يخشى فوات الحاضرة فليصلها ثم يعود إلى القضاء
وعنه : إذا كثرت الفوائت فلم يمكنه فعلها قبل فوات الحاضرة فله فعل الحاضرة في أول وقتها لعدم الفائدة في التأخير مع لزوم الإخلال في الترتيب
فصل :
ومن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه خمس صلوات ينوي في كل واحدة أنها المكتوبة ليحصل له تأدية فرضه بيقين
وإن نسي ظهرا وعصرا من يومين لا يدري أيتهما الأولى لزمه ثلاث صلوات ظهرا ثم عصرا ثم ظهرا [ أو ] عصرا ثم ظهرا ثم عصرا ليحصل له ترتيبها بيقين
فصل :
ومن شك في دخول الوقت لم يصل حتى يتيقن أو يغلب على ظنه ذلك بدليل
فإن أخبره ثقة عن علم عمل به وإن أخبره عن اجتهاد لم يقلده واجتهد حتى يغلب على ظنه دخوله فإن صلى فبان أنه وافق الوقت أو بعده أجزأه لأنه صلى بعد الوجوب
وإن وافق قبله لم يجزه لأنه صلى قبل الوجوب

باب الأذان
الأذان مشروع للصلوات الخمس دون غيرها وهو من فروض الكفاية لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فلم يجز تعطيله كالجهاد فإن اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا عليه : وإن أذن واحد في المصر أسقط الفرض عن أهله ولا يجزئ الأذان قبل الوقت لأنه لا يحصل المقصود منه إلا الفجر فإنه يجزئ الأذان لها بعد نصف الليل لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ] متفق عليه
ولأنه وقت النوم فيحتاج إلى التأذين قبل الوقت لينتبه النائم ويتأهب للصلاة بخلاف سائر الصلوات
ولا يؤذن قبل الوقت إلا من يتخذه عادة لئلا يغر الناس ويكون معه من يؤذن في الوقت كفعل بلال و ابن أم مكتوم
ولا يجوز تقديم الإقامة على الوقت لأنها تراد لافتتاح الصلاة ولا تفتتح قبل الوقت
فصل :
ويذهب أبو عبد الله رضي الله عنه إلى أذان بلال الذي أريه عبد الله بن زيد كما روي عنه أنه قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا فقلت : يا عبد الله أتتبع الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ قلت ندعو به إلى الصلاة فال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت : بلى فقال تقول : الله أكبر : الله أكبر : الله أكبر : الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال : ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال : تقول : إذا أقمت الصلاة : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بما رأيت فقال : [ إنها رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى طوتا منك ] رواه أبو داود فهذه صفة الأذان والإقامة المستحب لأن بلالا كان يؤذن به حضرا وسفرا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أن مات
وإن رجع في الأذان أو أثنى الإقامة فلا بأس لأنه من الاختلاف المباح
ويستحب أن يقول في أذان الصبح بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين لما روى أبو محذورة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : [ إن كان في أذان الصبح قلت : الصلاة خير من النوم مرتين ] رواه النسائي ويكره التثويب في غيره لما روى بلال قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء رواه ابن ماجة
ودخل ابن عمر مسجدا يصلي فيه فسمع رجلا يثوب في أذان الظهر فخرج وقال : أخرجتني البدعة
فصل :
ويسن الأذان للفائتة لأن النبي صلى الله عليه و سلم فاتته الصبح فقال : [ يا بلال قم فأذن ] ثم صلى ركعتين ثم أقام ثم صلى الغداة متفق عليه
وإن كثرت الفوائت أقام وأذن للأولى ثم أقام للتي بعدها لما روى ابن مسعود أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله ثم أمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء رواه الأثرم
وإن جمع بين الصلاتين فكذلك لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر والعصر بعرفة بأذان و إقامتين رواه مسلم
وإن ترك الأذان للفائتة أو المجموعتين في وقت الآخرة منهما فلا بأس لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى المغرب والعشاء بإقامة لكل صلاة من غير أذان متفق عليه
فصل :
ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ولا يصح من كافر ولا طفل ولا مجنون لأنهم من غير أهل العبادات ولا يشرع الأذان للنساء ولا الإقامة ولا يصح منهن لأنه يشرع فيه رفع الصوت ولسن من أهل ذلك ولا لخنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا
وفي أذان الفاسق والصبي العاقل وجهان :
أحدهما : يصح لأنه مشروع لصلاتهما وهما من أهل العبادات
والثاني : لا يصح لأنه إعلام بالوقت ولا يقبل فيه خبرهما وفي الأذان الملحن وجهان :
أحدهما : يصح لأنه أتى به مرتبا فصح كغيره
والثاني : لا يصح لما روى ابن عباس قال : كان لرسول صلى الله عليه و سلم مؤذن يطرب فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن ] رواه الدارقطني
وفي أذان الجنب وجهان :
أحدهما : يصح لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالحدث الأصغر
والثاني : لا يصح لأنه ذكر مشروع للصلاة يتقدمها أشبه الخطبة
فصل :
ويستحب للمؤذن أن يكون أمينا لأنه مؤتمن على الأوقات صيتا لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعبد الله بن زيد : [ ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك ] رواه أبو داود ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان وأن يكون عالما بالأوقات ليتمكن من الأذان في أوائلها وأن يكون بصيرا لأن الأعمى لا يعلم إلا أن يكون معه بصير يؤذن قبله كبلال مع ابن مكتوم فإن تشاح اثنان في الأذان قدم أكملهما في هذه الخصال لأن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قدم بلالا على عبد الله بن زيد لكونه أندى صوتا وقسنا عليه باقي الخصال فإن استويا في ذلك أقرع بينهما لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ما يستهموا عليه لاستهموا ] متفق عليه وتشاح الناس في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد
وعنه : يقدم من يرضاه الجيران لأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم
ولا بأس أن يؤذن اثنان أحدهما بعد الآخر لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يؤذن له بلال وابن أم مكتوم إذا نزل هذا طلع هذا ولا يسن أكثر من هذا إلا أن تدعو إليه الحاجة فيجوز لأن عثمان رضي الله عنه اتخذ أربعة مؤذنين
فصل :
يستحب أن يؤذن قائما لقول النبي صلى الله عليه و سلم لبلال : [ قم فأذن ] ولأنه أبلغ في الإسماع فإن أذن قاعدا أو راكبا في السفر جاز لأن الصلاة آكدة منه وهي تجوز كذلك وأن يؤذن على موضع عال لأنه أبلغ في الإعلام وروي أن بلالا كان يؤذن على سطح امرأة ويرفع صوته لما روى أبو هريرة عن النبي ( ص ) أنه قال للمؤذن : [ يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس ] رواه أبو داود ولا يجهد نفسه فوق طاقته لئلا ينقطع صوته ويؤذي نفسه وإن أذن لفائتة أو لنفسه في مصر لم يجهر لأنه لا يدعو أحدا وربما غر الناس وإن كان في الصحراء جهر في الوقت فإن أبا سعيد قال : [ إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء إنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ] سمعته من رسول الله ( ص ) رواه البخاري ويستحب أن يؤذن متوضئا لأن أبا هريرة قال : لا يؤذن إلا متوضئ وروي مرفوعا أخرجه الترمذي ويستحب أن يؤذن مستقبل القبلة ويلتفت يمينا إذا قال : حي على الصلاة ويسارا إذا قال : حي على الفلاح ولا يزيل قدميه ويجعل إصبعيه في أذنيه لما روى أبو جحيفة قال : أتيت النبي ( ص ) وهو في قبة حمراء من أدم وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا و ههنا يقول يمينا وشمالا حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه وفي لفظ : ولم يستدر وأصبعاه في أذنيه رواه الترمذي
ويستحب أن يترسل في الأذان و يحدر الإقامة لأن النبي ( ص ) قال : [ يا بلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر ] رواه أبو داود ولأن الأذان إعلام الغائبين والترسل فيه أبلغ في الإسماع والإقامة إعلام الحاضرين فلم يحتج إلى الترسل فيه ويكره التمطيط والتلحين فيه لما تقدم
فصل :
ولا يصح الأذان إلا مرتبا متواليا لأنه لا يعلم أنه أذن بدونهما فإن سكت فيه سكوتا طويلا أعاد ولا يصح أن يبني على أذان غيره لأنه عبادة بدنية فلم يبن فعله على فعل غيره كالصلاة فإن أغمي عليه ثم أفاق قريبا بنى وإن طال الفصل ابتدأ لتحصيل الموالاة وإن ارتد في أثنائه بطل أذانه لقول الله تعالى : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ويكره الكلام فيه فإن تكلم بكلام طويل ابتدأ لإخلاله بالموالاة وإن كان يسيرا بنى لأن ذلك لا يبطل الخطبة وهي آكد منه إلا أن يكون كلاما محرما ففيه وجهان :
أحدهما : لا يبطل لأنه لا يخل بالمقصود
والثاني : يبطل لأنه فعل محرما فيه
فصل :
ويستحب أن يؤذن لأول الوقت ليعلم الناس بوقت الصلاة فيتهيؤوا لها وقد روي أن بلالا كان يؤذن في أول الوقت وربما أخر الإقامة شيئا رواه ابن ماجة
ويؤخر الإقامة لما روى جابر أن النبي ( ص ) قال لبلال : [ اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ] رواه أبو داود ولأن الإقامة لافتتاح الصلاة فينبغي أن تتأخر قدرا يتهيؤون فيه للصلاة فإن كان للمغرب جلس فيه جلسة خفيفة لما روى أبو هريرة عن النبي ( ص ) قال : [ جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة ] رواه تمام في الفوائد ويستحب أن يقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه لكونه قد أذن في مكان بعيد لقول بلال للنبي ( ص ) لا تسبقني بآمين لأنه لو أقام في موضع صلاته لم يخف سبقه بذلك ويستحب لمن أذن أن يقيم لما روى زياد بن الحارث الصدائي أنه أذن فجاء بلال ليقيم فقال النبي ( ص ) : [ إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم ] من المسند وإن أقام غيره جاز لما روى أبو داود في حديث الأذان أن النبي ( ص ) قال : [ ألقه على بلال ] فألقاه عليه فأذن بلال فقال عبد الله : أنا رأيته وأنا كنت أريده فقال : [ فأقم أنت ]
فصل :
ولا يجوز أخذ الأجرة عليه لما روي عن عثمان بن أبي العاص أنه قال : إن آخر ما عهد إلي النبي ( ص ) : [ أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا ] قال الترمذي : هذا حديث حسن ولأنه قربة لفاعله أشبه الإمامة وإن لم يوجد من يتطوع به رزق الإمام من بيت المال من يقوم به لأن الحاجة داعية إليه فجاز أخذ الرزق عليه كالجهاد وإن وجد متطوعا به لم يرزق لأن المال للمصلحة فلا يعطى في غير مصلحة
فصل :
ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول لما روى أبو سعيد أن رسول الله ( ص ) قال : [ إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول ] متفق عليه
ويقول عند الحيعلة : لا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( ص ) : [ إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله فقال : أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال : حي على الصلاة فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة ] رواه مسلم قال الأثرم : هذا من الأحاديث الجياد
فإن سمع الأذان في الصلاة لم يقل مثل قوله لأن في الصلاة شغلا فإذا فرغ قال ذلك
وإن كان في قراءة قطعها وقال ذلك لأن القراءة لا تفوت وهذا يفوت وعن جابر أن النبي ( ص ) قال : [ من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة و ابعثه المقام المحمود الذي وعدته حلت له الشفاعة يوم القيامة ] أخرجه البخاري ورواه [ سعد ] أن النبي ( ص ) قال : [ من قال حين يسمع النداء وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا و بمحمد رسولا غفر له ذنبه ] رواه مسلم ويستحب الدعاء بين الأذان والإقامة لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : [ الدعاء بين الأذان و الإقامة لا يرد ] حديث حسن

باب شرائط الصلاة
وهي ستة :
الطهارة من الحدث لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يقبل الله صلاة بغير طهور ] رواه مسلم
والثاني : الطهارة من النجس لقول النبي صلى الله عليه و سلم لأسماء في دم الحيض : [ حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه وصلي فيه ] فدل على أنها ممنوعة من الصلاة فيه قبل غسله فمتى كانت عليه في بدنه أو ثيابه نجاسة مقدور على إزالتها غير معفو عنها لم تصح صلاته
وإن جبر عظمه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر و أجزأته صلاته لأن ذلك يبيح ترك التطهر من الحدث وهو آكد
ويحتمل أن يلزمه قلعه إذا لم يخف التلف لأنه لا يخاف التلف أشبه إذا لم يخف الضرر
وإن أكل نجاسة لم يلزمه فيها لأنها حصلت في معدته فصارت كالمستحيل في المعدة
وإن عجز عن إزالة النجاسة عن بدنه أو خلع الثوب النجس لكونه مربوطا أو نحو ذلك صلى ولا إعادة عليه لأنه شرط عجز عن فسقط كالسترة
وإن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه لأن ستر العورة آكد لوجوبه في الصلاة وغيرها وتعلق حق الآدمي به في ستر عورته وصيانة نفسه
والمنصوص أن يعيد لأنه ترك شرطا مقدورا عليه
ويتخرج أن لا يعيد كما لو عجز عن خلعه أو صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه وإن خفي عليه موضع النجاسة لم يزل حكمها حتى يغسل ما يتيقن به أن التطهر قد لحقها لأنه تيقن النجاسة فلا يزول إلا بيقين غسلها
فإن صلى على منديل طرفه نجس على الطاهر منه صحت صلاته فإن كان المنديل عليه أو متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى لم تصح صلاته لأنه حامل لها وإن كان في يده حبل مشدود في شيء نجس ينجر معه إذا مشى لم تصح صلاته لأنه كالحامل لها وإن كان لا ينجر معه كالفيل والسفينة النجسة لم تبطل صلاته لأنه غير حامل لها فأشبه ما لو كان مشدودا في دار فيها حش
وإن حمل في الصلاة حيوانا طاهرا لم تبطل صلاته لأن النبي صلى الله عليه و سلم صلى حاملا أمامة بنت زينب ابنته متفق عليه ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدته فأشبه ما في جوف المطلي
ولو حمل قارورة فيها نجاسة لم تصح صلاته لأنه حامل لنجاسة في غير معدتها أشبه ما لو حملها في كمه
فصل :
ويشترط طهارة موضع صلاته لأنه يحتاج إليه في الصلاة أشبه الثوب فإن كان بدنه أو ثوبه يقع على موضع نجس لم تصح صلاته وإن لاصقها على حائط أو ثوب إنسان فذكر ابن عقيل أن الصلاة صحيحة لأنه ليس بموضع لصلاته ولا محمولا فيها
وإن سقط عليه نجاسة يابسة فزالت أو أزالها بسرعة لم تبطل صلاته لأنه زمن يسير فعفي عنه كاليسير في القدر وإن كانت النجاسة محاذية لبدنه في سجوده لا تصيب بدنه ولا ثوبه صحت صلاته
وإن بسط على الأرض النجسة ثوبا أو طينها صحت صلاته عليها مع الكراهة لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مباشر لها
وقيل : لا تصح لأن اعتماده على الأرض النجسة
وإن خفيت النجاسة في موضع معين حكمه حكم الثوب وإن خفيت في صحراء صلى حيث شاء لأنه لا يمكنه حفظها من النجاسة و لا غسل جميعها
فإن حبس في مكان نجس صلى ولا إعادة عليه لأنه صلى على حسب حاله أشبه المربوط إلى غير القبلة فإن كانت رطبة يخاف تعديها إليه أومأ بالسجود وإن لم يخف سجد بالأرض
فصل :
إذا رأى عليه نجاسة بعد الصلاة وجوز حدوثها بعدها لم تلزمه الإعادة لأن الأصل عدمها في الصلاة وإن علم أنها كانت عليه في الصلاة ففيه روايتان :
إحداهما : يعيد لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالجهل كالوضوء وقياسا على سائر الشرائط
والثانية : لا يلزمه لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم فقال : [ ما لكم خلعتم فقالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال : أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن فيهما قذرا ] رواه أبو داود ولو بطلت لاستأنفها فعلى هذا إن علم بها في الصلاة فأمكنه إزالتها بغير عمل طويل فعل كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم وإن علم بها قبل الصلاة ثم نسيها فقال القاضي : يعيد لأنه فرض في تركها وقال أبو الخطاب : فيها روايتان كالتي قبلها لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان كواجبات الصلاة
فصل :
ولا تصح الصلاة في خمس مواضع :
المقبرة حديثة كانت أو قديمة والحمام داخله وخارجه لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ] رواه أبو داود وروى أبو مرثد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ] رواه مسلم
و أعطان الإبل وهي التي تقيم فيها وتأوي إليها [ لما روى جابر بن سمرة أن رجلا قال : يا رسول الله أنصلي في مرابض الغنم ؟ قال : نعم قال : أنصلي في مبارك الإبل ؟ قال : لا ] رواه مسلم ولأن هذه المواضع مظنة للنجاسة فأقيمت مقامها
والحش لأن النهي عن هذه المواضع تنبيه على النهي عنه ولأن احتمال النجاسة فيه أكثر وأغلب
والموضع المغصوب لأن قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه فلم يقع عبادة كالصلاة في زمن الحيض
وعنه : أن الصلاة في هذه المواضع تصح مع التحريم لأن النهي لمعنى في غير الصلاة أشبه المصلي وفي يده خاتم من ذهب وعنه : إن علم النهي لم تصح صلاته لارتكابه للنهي وإن لم يعلم صحت وضم بعض أصحابنا إلى هذه المواضع أربعة أخر المجزرة وهي موضع الذبح والمزبلة وقارعة الطريق وظهر البيت الحرام فجعل فيها الروايات الثلاث لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قال : [ سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة المجزرة و المزبلة و المقبرة و معاطن الإبل والحمام وقارعة الطريق وفوق بيت الله العتيق ] رواه ابن ماجة وفيه ضعف ولأن قارعة الطريق والمجزرة والمزبلة مظان للنجاسة أشبهت الحش والحمام وفي الكعبة يكون مستدبرا لبعض القبلة وإن صلى النافلة في الكعبة أو على ظهرها وبين يديه شيء منها صحت صلاته لأن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في البيت ركعتين متفق عليه
والصلاة إلى هذه المواضع صحيحة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا فحيثما أدركتك الصلاة فصل ] متفق عليه إلا المقبرة فإن ابن حامد قال : لا تصح الصلاة إليها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تصلوا إليها ] وإن صلى في مسجد بني في المقبرة فحكمه حكمها وإن حدثت المقبرة حوله صحت الصلاة فيه لأنه ليس بمقبرة
وفي أسطحة هذه المواضع وجهان :
إحداهما : أن حكمها حكمها لأنها تابع لها
والثاني : تصح لأنه ليس بمظنة للنجاسة ولا يتناوله النهي

باب ستر العورة
وهو الشرط الثالث للصلاة لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] رواه أبو داود وعورة الرجل ما بين سرته وركبتيه لما روى أبو أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة ] رواه أبو بكر بإسناده وعن جرهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ غط فخذك فإن الفخذ من العورة ] رواه أحمد رضي الله عنه في المسند وليست السرة والركبة من العورة لما ذكرنا
وعنه : إنها الفرجان لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه و سلم رواه البخاري وعورة الحر والعبد سواء لعموم الأحاديث
فصل :
والمرأة كلها عورة إلا الوجه وفي الكفين روايتان : لقول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }
قال ابن عباس : وجهها وكفيها ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام وستر الكفين بالقفازين ولو كانا عورة لم يحرم سترهما
والثانية : أن الكفين عورة لأن المشقة لا تلحق في سترهما فأشبها سائر بدنها وما عدا هذا عورة لقول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) : [ لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] وعن أم سلمة قالت : يا رسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار ؟ فقال : [ نعم إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها ] رواه أبو داود
فصل :
وما يظهر دائما من الأمة كالرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبتين ليس بعورة لأن عمر رضي الله عنه نهى الأمة عن التقنع والتشبه بالحرائر قال القاضي في الجامع وما عدا ذلك عورة لأنه لا يظهر غالبا أشبه ما تحت السرة
وقال ابن حامد عورتها كعورة الرجل لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة ] يريد عورة الأمة رواه الدارقطني ولأنه من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل والمدبرة والمعلق عتقها بصفة كالقن لأنهما مثلها في البيع وغيره وأم الولد والمعتق بعضها كذلك لأن الرق باق فيهما إلا أنه يستحب لهما التستر لما فيهما من شبه الأحرار
وعنه : أنها كالحرة لذلك
وعورة الخنثى المشكل كعورة الرجل لأن الأصل عدم وجوب الستر فلا نوجبه بالشك وإن قلنا : العورة الفرجان لزمه ستر قبله وذكره لأن أحدهما واجب الستر ولا يتيقن ستره إلا بسترهما
فصل :
وإن انكشف من العورة شيء يسير عفي عنه لأن اليسير يشق التحرز منه وإن كثر بطلت الصلاة به لأن التحرز منه ممكن وإن أطارت الريح ثوبه عن عورته فأعاده بسرعة لم تبطل صلاته لأنه يسير فأشبه اليسير في العورة
فصل :
ويجب ستر العورة بما يستر لون البشرة من الثياب أو الجلود أو غيرها فإن وصف لون البشرة لم يعتد به لأنه ليس بساتر ويجب أن يجعل على عاتقه شيئا من اللباس في الصلاة المفروضة لما روى أبو هريرة أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قال : [ لا يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء ] متفق عليه فإن ترك عليه شيئا من اللباس أجزأه وإن لم يسترها استدلالا بمفهوم الحديث وقال القاضي : ستر المنكبين واجب في الفرض وقيل : يجزئه وضع خيط وظاهر الحديث يدل على ما ذكرناه
فصل :
ويستحب للرجل أن يصلي في قميص ورداء أو إزار وسراويل لما روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قال : قال عمر : إذا كان لأحدكم ثوبا فليصل فيهما رواه أبو داود فإن اقتصر على ثوب واحد أجزأه لأن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في ثوب واحد متفق عليه والقميص أولى من الرداء لأنه أعم في الستر فإن كان واسع الجيب ترى منه عورته لم يجزئه لما روى سلمة بن الأكوع قال : قلت : يا رسول الله إنا نصيد أفنصلي في القميص الواحد ؟ قال : [ نعم و ازرره ولو بشوكة ] حديث حسن فإن كان ذا لحية تسد جيبه فلا ترى عورته جاز وإن صلى في رداء وكان واسعا التحف به وإن كان ضيقا خالف بين طرفيه على منكبيه كالقصار لما روى عمر بن أبي سلمة [ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي في ثوب واحد قد ألقى طرفيه على عاتقيه ] متفق عليه وإن لم يجد ما يستر عورته أو منكبيه ستر عورته لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به ] رواه البخاري
ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وجلباب تلتحف به لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : تصلي المرأة في ثلاثة أثواب : درع وخمار وإزار وإن صلت في درع وخمار يستر جميع بدنها أجزأ لما روينا من حديث أم سلمة وقد روي عن أم سلمة و ميمونة أنهما كانا يصليان في درع وخمار ليس عليهما أزار رواه مالك
فصل :
فإن عدم السترة وأمكنه الاستتار بحشيش بربطه عليه أو ورق لزمه لأنه ساتر للبشرة أشبه الثياب وإن وجد طينا لم يلزمه أن يطين عورته لأنه يلوثه : ولا يغيب الخلقة وإن وجد بارية تؤذي جسمه ويدخل القصب فيه لم يلزمه لبسها لما فيه من الضرر وإن وجد ماء لم يلزمه النزول فيه وإن كان كدر لأنه ليس يستره ويمنعه التمكن من الصلاة
فصل :
فإن لم يجد إلا ما يستر بعض العورة ستر الفرجين لأنهما أغلظ وإن لم يطف إلا أحدها ستر الدبر في أحد الوجهين لأنه أفحش وفي الآخر القبل لأنه به يستقبل القبلة والدبر يستتر بالأليتين وأيهما ست أجزأه
فصل :
فإن عدم بكل حال صلى عريانا جالسا يومئ بالسجود لأنه يحصل به ستر أغلظ العورة هو آكد لما ذكرناه وعنه يصلي قائما ويركع ويسجد لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط يصلي العراة جماعة صفا واحدا لئلا يرى بعضهم عورات بعض ويقوم إمامهم في وسطهم ليكون أستر له فإن لم يسعهم صف واحد صلوا صفين وغضوا أبصارهم فإن كان فيهم نساء صلى كل نوع لأنفسهم فإن ضاق المكان صلى الرجل و استدبرهم النساء ثم صلى النساء و استدبرهن الرجال
فصل :
وإن وجد الستر بعد الصلاة لم يعد لأنه شرط للصلاة عجز عنه أشبه القبلة وإن وجدها في أثناء الصلاة قريبة ستر وبنى لأنه عمل قليل وإن كانت بعيدة بطلت صلاته لأنه يفتقر إلى عمل كثير وإن عتقت الأمة في الصلاة وهي مكشوفة الرأس فكذلك فإن لم تعلم حتى صلت أعادت كما لو بدت عورتها ولم تعلم بها
فصل :
إذا كان معهم ثوب لأحدهم لزمته الصلاة فيه فإن آثر غيره وصلى عريانا لم تصح لأنه قادر على السترة فإذا صلى استحب أن يعيره لرفقته فإن لم يفعل لم يغصب لأن صلاتهم تصح بدونه وإن أعاره لواحد لزمه قبوله وصار بمنزلته لأن المنة لا تلحق به ولو وهبه له لم يلزمه قبوله لأن فيه منة فإن أعاره لجميعهم صلى فيه واحد بعد واحد إلا أن يخاف ضيق الوقت فيصلي فيه واحد والباقون عراة ويستحب أن يعيره لمن يصلح لإمامتهم حتى يؤمهم ويقوم بين أيديهم فإن أعاره لغيره جاز
قال القاضي : ويصلي وحده لأنه قادر على شرط الصلاة فلم يجز أن يأتم بالعاجز عنه كالمعافى يأتم بمن به سلس البول
فصل :
ويحرم لبس الثوب المغصوب لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه فإن لم يجد غيره صلى وتركه ويحرم على الرجال استعمال ثياب الحرير في لبسها وافتراشها وكذلك المنسوج بالذهب و المموه به لما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم ] قال الترمذي : هذا حديث صحيح وإن صلى في ذلك ففيه روايتان مضى توجيههما في المواضع المنهي عنها
وإن صلى في عمامة محرمة أو خاتم ذهب صحت صلاته لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة
ولا بأس في صلاة المرأة في الحرير والذهب لحله بها ولا بأس بلبس الرجل الخز لأن الصحابة رضي الله عنهم لبسوه ومن لم يجد إلا ثوب حرير صلى فيه ولا يعيد لأنه مباح له في تلك الحال ويباح علم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع حديث صحيح
وقال أبو بكر : يباح وإن كان مذهبا وكذلك الرقاع و لبنة الجيب وسجف الفراء وما نسج من الحرير وغيره جاز لبسه إذا قل الحرير عن النصف لما روي عن ابن عباس أنه قال : إنما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الثوب المصمت أما العلم و سدى الثوب فليس به بأس رواه أبو داود وإن زاد على النصف حرم لأن الحكم للأغلب وإن استويا ففيه وجهان :
أحدهما : إباحته للخبر
والثاني : تحريمه لعموم خبر التحريم
ويباح لبس الحرير للقمل والحكة لأن أنسا روى أن عبد الرحمن بن عوف والزبير ابن العوام شكوا القمل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فرخص لهما في قميص الحرير متفق عليه
وعنه : لا يباح لعموم التحريم واحتمال اختصاصهم بذلك وهل يباح لبسه في الحرب فيه روايتان :
إحداهما : لا يجوز لعموم الخبر
والثانية : يجوز لأن المنع منه للخيلاء وهي غير مذمومة في الحرب وكان لعروة يلمق من ديباج بطانته من سندس يلبسه في الحرب
وليس لولي الصبي أن يلبسه الحرير لأنه ذكر فيدخل في عموم الخبر
وعنه : يباح أن الصبي غير مكلف فأشبه ما لو ألبسه الدابة
فصل :
ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يتزعفر الرجل متفق عليه وعن علي رضي الله عنه قال : نهاني النبي صلى الله عليه و سلم عن لباس المعصفر رواه مسلم ولا بأس لذلك للنساء فأما ما عليه صور الحيوان فقال : أبو الخطاب : يحرم لبسه لأن أبا طلحة قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : [ لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ] وقال ابن عقيل : يكره وليس بمحرم لأن في سياق الحديث : [ إلا رقم في ثوب ] متفق عليه
فصل :
ويكره اشتمال الصماء لما روى أبو سعيد عن النبي ( ص ) أنه نهى عن اشتمال الصماء رواه البخاري ومعنى الصماء : أن يجعل الرداء تحت كتفه الأيمن ويرد طرفيه على الأيسر فيبقى منكبه الأيمن مكشوفا
وعنه : إنما نهي عنه لم يكن عليه إزار فيبدو فرجه أما إذا كان عليه إزار فتلك لبسة المحرم لا بأس بها
ويكره إسبال القميص و الإزار والسراويل اختيالا لأن النبي ( ص ) قال : [ من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ] متفق عليه
ويكره تغطية الفم في الصلاة لما روى أبو هريرة أن النبي ( ص ) : [ نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه ] رواه أبو داود
ويكره شد الوسط بما يشبه شد الزنار لما فيه من التشبه بالنصارى فأما شده بغير ذلك فلا بأس به ويكره لف الكم لأن النبي ( ص ) قال : [ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعرا ولا ثوبا ] متفق عليه

باب استقبال القبلة
وهو الشرط الرابع للصلاة لقول الله تعالى : { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } والناس في القبلة على ضربين :
منهم من يلزمه إصابة العين وهو المعاين للكعبة
أو من بمكة أو قريبا من وراء حائل فمتى علم أنه مستقبل الكعبة عمل بعلمه وإن لم يعلم كالأعمى والغريب بمكة أجزأه الخبر عن يقين أو مشاهدة أنه مصل إلى عين الكعبة
الثاني : من فرضه إصابة جهة الكعبة وهو البعيد عنها فلا يلزمه إصابة العين لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما بين المشرق والمغرب قبلة ] قال الترمذي : هذا حديث صحيح ولأن الإجماع انعقد على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة ولا يمكن أن يصيب العين إلا أحدهما وهذا ينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : الحاضر في قرية أو من يجد من يخبره عن يقين ففرضه التوجه إلى محاريبهم أو الرجوع إلى خبرهم لأن هذا بمنزلة النص فلا يجز الرجوع إلى الاجتهاد معه كالحاكم إذا وجد النص
الثاني : من عدم ذلك وهو عارف بأدلة القبلة ففرضه الاجتهاد لأن له طريقا إلى معرفتها بالاجتهاد فلزمه ذلك كالعالم في الحادثة
الثالث : من عجز عن ذلك لعدم بصره أو بصيرته أو لرمد أو حبس ففرضه تقليد المجتهد لأنه عجز عن معرفة الصواب باجتهاده فلزمه التقليد كالعامي في الأحكام وإن أمكنه تعرف الأدلة والاستدلال بها فبل خروج الوقت لزمه ذلك لأنه قدر على التوجه باجتهاد نفسه فلم يجز له تقليد غيره كالعالم فإن اختلف مجتهدان قلد العامي أوثقهما عنده فإن قلد الآخر احتمل أن يجوز لأنه دليل مع عدم غيره فكذلك مع وجوده واحتمل أن لا يجوز لأنه عمل بما يغلب على ظنه خطؤه فأشبه المجتهد إذا خالف جهة ظنه فإن استويا عنده قلد من شاء منهما كالعامي في الأحكام
فصل :
ومن ترك فرضه في الاستقبال وصلى لم تصح صلاته وإن أصاب لأنه تارك لفرضه فأشبه ما لو أخطأ وإن أتى بفرضه فبان أنه أخطأ وكان في الحضر أعاد لأن ذلك لا يكون إلا لتفريط وإن كان مسافرا لم يعده لأنه أتى بما أمر من غير تفريط فلم تلزمه إعادة كما لو أصاب وإن بان له الخطأ في الصلاة استقبل جهة القبلة وبنى على صلاته لأن أهل قباء بلغهم تحويل القبلة وهم في الصلاة فاستداروا إليها وأتموا صلاتهم متفق عليه وإن اختلف اجتهاد رجلين لم يجز لأحدهما الائتمام بصاحبه لأنه يعتقد خطأه وإن اتفق اجتهادهما فصليا جميعا فبان الخطأ لأحدهما استدار وحده ونوى كل واحد منهما مفارقة صاحبه فإن كان معهما مقلد تبع الذي قلده منهما فدار بدورانه وأقام بإقامته وإن قلدهما جميعا لم يدر إلا بدورانهما لأنه دخل في الصلاة بظاهر فلا يزول إلا بمثله وإن تغير اجتهاده في الصلاة رجع إليه كما لو بان له الخطأ نص عليه لأنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة فلم يجز له تركها وقال ابن أبي موسى : لا يرجع ويبني على الأول كيلا ينقض اجتهاده باجتهاده والأول أولى وإن شك في الصلاة مضى على ما هو عليه لأنه دخل فيها بظاهر فلا يزول عنه بالشك وإن تبين له الخطأ ولم يعلم جهة القبلة فسدت صلاته لأنه لا يمكن إتمامها إلى جهة يعلم الخطأ فيها ولا التوجه إلى جهة أخرى بغير دليل وإن صلى بالاجتهاد ثم أراد صلاة أخرى لزمه الاجتهاد لها كالحاكم إذا اجتهد في حادثة ثم حدثت مرة أخرى
فصل :
فإن خفيت الأدلة على المجتهد بغيم أو غيره صلى على حسب حاله ولا إعادة عليه لما روى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فنزل قوله تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله } رواه بن ماجة و الترمذي ولأنه أتى بما أمر به فأشبه المجتهد مع ظهور الأدلة وإن لم يجلد المقلد من يقلده صلى وفي الإعادة روايتان :
إحداهما : لا يعيد لما ذكرنا
والثاني : يعيد لأنه صلى بغر دليل
وقال ابن حامد : إن أخطأ أعاد وإلا ففيها وجهان
ويجوز للأعمى الاستدلال باللمس فإذا لمس المحراب جاز له استقباله لأنه يحصل بذلك العلم فأشبه البصير فإن شرع في الصلاة بخبر غيره فأبصر في أثنائها وهو ممن فرضه الخبر بنى على صلاته لأن فرضه لم يتغير وإن كان فرضه الاجتهاد فشاهد ما يدل على القبلة من شمس أو محراب أو نحوه أتم صلاته وإن لم يشاهد شيئا وكان قلد مجتهدا فسدت صلاته لأن فرضه الاجتهاد فلا تجوز صلاته باجتهاد غيره
فصل :
ولا يقبل خبر كافر ولا فاسق ولا صبي ولا مجنون لما تقدم ويقبل خبر من سواهم من الرجال والنساء والعبيد والأحرار لأنه خبر من أخبار الديانة فأشبه الرواية وإن رأى محاريب لا يعلم أهي للمسلمين أم لغيرهم ؟ لم يلتفت إليها لأنه لا دلالة له فيها
فصل :
والمجتهد في القبلة العالم بأدلتها وإن كان عاميا ومن لا يعرفها فهو مقلد وإن كان فقيها فإن من علم دليل شيء كان مجتهدا فيه وأوثق أدلتها النجوم لقوله تعالى : { وبالنجم هم يهتدون } و آكدها القطب وهو نجم خفي حوله أنجم دائرة كفراشة الرحى إحدى طرفيها الفرقدان وفي طرفها الآخر الجدي وبين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق و ثلاثة من أسفل تدور هذه الفراشة حول القطب دوران الرحى حول قطبها في كل يوم وليلة دورة وحول الفراشة بنات نعش مما يلي الفرقدين وهي سبعة أنجم متفرقة مضيئة والقطب في وسط الفراشة لا يبرح مكانه إذا جعله إنسان وراء ظهره في الشام كان مستقبلا للكعبة وإن استدبر الفرقدين أو الجدي كان مستقبلا للجهة وكذلك بنات نعش إلا أن انحرافه يكون أكثر والشمس والقمر ومنازلهما وهي ثمانية وعشرون منزلا تطلع كلها من المشرق وتغرب من المغرب يكون في طلوعها على ميسرة المصلي وفي غروبها عن يمينه
ويستدل من الرياح بأربع تهب من زوايا السماء الدبور تهب مما بين المغرب والقبلة مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن والصبا مقابلتها تهب من ظهره إلى كتفه اليسرى مارة إلى مهب الدبور والجنوب تهب مما بين المشرق والقبلة مارة إلى الزاوية المقابلة لها والشمال تهب من مقابلتها مارة إلى مهب الجنوب
فصل :
ويسقط الاستقبال من ثلاثة مواضع :
أحدها : عند العجز لكونه مربوطا إلى غير القبلة يصلي على حسب حاله لأنه فرض عجز عنه أشبه القيام
والثاني : في شدة الخوف مثل حال التحام الحرب والهرب المباح من عدو أو سيل أو سبع لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب فيجوز له ترك القبلة ويصلي حيث أمكنه راجلا وراكبا لقول الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } قال ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ] رواه البخاري
ولأنه عاجز عن الاستقبال فأشبه المربوط فإن كان طالبا للعدو يخاف فوته ففيه روايتان :
إحداهما : يجوز له صلاة الخائف كالمطلوب لأن عبد الله بن أنيس قال : بعثني النبي صلى الله عليه و سلم إلى سفيان بن خالد الهذلي لأقتله فانطلقت أمشي فحضرت العصر وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه رواه أبو داود وظاهره أنه أخبر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم فلم ينكره وقال الأوزاعي : قال شرحبيل بن حسنة : لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتر فصلى على الأرض فمر به شرحبيل فقال : مخالف خالف الله به فخرج الأشتر في الفتنة ولأنها إحدى حالتي الخوف فأشبهت حالة المطلوب
والثانية : لا يجوز لأنه آمن
الثالث : النافلة في السفر فإن كان راكبا فله الصلاة على دابته لما روى ابن عمر أن رسول صلى الله عليه و سلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه وكان يوتر على بعيره متفق عليه وكان يصلي على حماره ولا فرق بين السفر الطويل والقصير لأن ذلك تخفيف في التطوع كيلا يؤدي إلى قطعه وتقليله فيستوي فيه الطويل والقصير فإن أمكنه الاستقبال والركوع والسجود كالذي في العمارية لزمه ذلك لأنه كراكب السفينة ويحتمل أن لا يلزمه لأن الرخصة العامة يستوي فيها ذو الحاجة وغيره وإن شق عليه صلى حيث كان وجهه يومىء بالركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه وإن شق عليه استقبال القبلة في تكبيرة الإحرام كراكب الجمل المقطور لا يمكنه إدارته لم يلزمه وإن كان سهلا ففيه وجهان :
أحدهما : يلزمه ذلك اختاره الخرقي لأنه أمكنه الاستقبال في ابتداء الصلاة فلزمه كالماشي
والثاني : لا يلزمه اختاره أبو بكر لأنه جزء من الصلاة فأشبه سائرها فإن عدلت به البهيمة عن جهة مقصده إلى جهة القبلة جاز لأنها الأصل وإن عدلت إلى غيرها وهو عالم بذلك مختار له بطلت صلاته لأنه ترك قبلته لغير عذر وإن ظنها طريقه أو غلبته الدابة لم تبطل
فأما الماشي ففيه روايتان : إحداهما : له الصلاة حيث توجه لأنها إحدى حالتي سير المسافر فأشبه الراكب لكنه يلزمه الركوع والسجود على الأرض مستقبلا لإمكان ذلك
والثانية : لا يجوز وهو ظاهر قول الخرقي لأن الرخصة وردت في الراكب والماشي يخالفه لأنه يأتي في الصلاة يمشي وذلك عمل كثير فإن دخل المسافر في طريقه بلدا جاو أن يصلي فيه وإن كان في البلد الذي يقصده أتم صلاته ولم يبتدىء فيه صلاة

باب في الشرط الخامس : وهو الوقت
وقد ذكرنا أوقات المكتوبات ولا تصح الصلاة قبل وقتها بغير خلاف فإن أحرم بها فبان أنه لم يدخل وقتها انقلبت نفلا لأنه لما بطلت نية الفريضة بقيت نية الصلاة ووقت سنة كل صلاة مكتوبة متقدمة عليها من دخول وقتها إلى فعلها ووقت التي بعدها من فعلها إلى آخر وقتها فأما النوافل المطلقة فجميع الزمان وقت لها إلا خمسة أوقات بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تنزل وبعد العصر حتى تتضيف الشمس للغروب وإذا تضيفت حتى تغرب فلا يجوز التطوع في هذه الأوقات بصلاة لا سبب لها لقول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) : [ لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ] متفق عليه وروى عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات كان رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول وحين تضيف الشمس للغروب رواه مسلم والنهي عما بعد العصر يتعلق بالفعل فلو لم يصل فله التنفل وإن صلى غيره لأن لفظ العصر بإطلاقه ينصرف إلى الصلاة وعن أحمد رضي الله عنه فيما بعد الصبح مثل ذلك لأنها إحدى الصلاتين فكان النهي متعلقا بفعلها كالعصر والمشهور في المذهب أنه متعلق بالوقت لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ليبلغ الشاهد الغائب أن لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين ] رواه أبو داود وسواء في هذا مكة ويوم الجمعة وغيرهما لعموم النهي في الجميع
فصل :
ويجوز قضاء المكتوبات في كل وقت لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ] متفق عليه وقول عليه السلام : [ من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ] ويجوز في وقتين منهما وهما بعد الفجر وبعد العصر الصلاة على الجنازة لأنهما وقتان طويلان فالانتظار فيهما يضر بالميت وركعتا الطواف بعده لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار ] رواه الشافعي و الأثرم وإعادة الجماعة لما روى يزيد بن الأسود أنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الفجر فلما قضى صلاته إذا هو برجلين لم يصليا معه فقال : [ ما منعكما أن تصليا معنا ] قالا : يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال : [ لا تفعلا إذا صليتما في رحلكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة ] رواه الأثرم
فأما فعل هذه الصلوات الثلاث في الأوقات الثلاثة البقية ففيها روايتان :
إحداهما : يجوز لعموم الأدلة المجوزة ولأنها صلاة جازت فيها بعض أوقات النهي فجازت في جميعها كالقضاء
والثانية : لا يجوز لقول عقبة في حديثه : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا
وذكر الصلاة مع الدفن ظاهر في الصلاة على الميت ولأن النهي في هذه الأوقات آكد لتخصيصهن بالنهي في أحاديث ولأنها أوقات خفيفة لا يخاف على الميت فيها ولا يشق تأخير الركوع للطواف فيها بخلاف غيرها
فصل :
ومتى أعاد المغرب شفعها برابعة نص عليه لأنها نافلة ولا يشرع التنفل بوتر في غير الوتر ومتى أقيمت الصلاة في وقت نهي وهو خارج من المسجد لم يستحب له الدخول فإن دخل صلى معهم لما روي عن ابن عمر أنه خرج من دار عبد الله بن خالد حتى إذا نظر إلى باب المسجد إذا الناس في الصلاة فلم يزل واقفا حتى صلى الناس وقال : إني قد صليت في البيت
فصل :
فأما سائر الصلوات ذوات الأسباب كتحية المسجد وصلاة الكسوف وسجود التلاوة وقضاء السنن ففيها روايتان :
إحداهما : المنع لعموم النهي ولأنها نافلة فأشبهت ما لا سبب له
والثانية : يجوز فعلها لما روت أم سلمة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم بعد العصر فصلى ركعتين فقلت : يا رسول الله صليت صلاة لم أكن أراك تصليها فقال : [ إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر وإنما قدم وفد بني تميم فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان ] رواه مسلم وعن قيس بن عمر قال : رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا يصلي بعد الصبح ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أصلاة الصبح مرتين ] فقال له الرجل : إني لم أكن صليت ركعتين قبلها فصليتهما الآن فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف والمنصوص عن أحمد رضي الله عنه في الوتر أنه يفعله قبل الفجر لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح ] رواه الأثرم وقال في ركعتي الفجر : إن صلاهما بعد الفجر أجزأه قال أحمد رحمه الله : وأما أنا فأختار تأخيرهما إلى الضحى لما روى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من لم يصل ركعتي الفجر فليصليهما بعد ما تطلع الشمس ]

باب النية
وهي الشرط السادس فلا تصح الصلاة إلا بها بغير خلاف لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
[ إنما الأعمال بالنيات ] ولأنها عبادة محضة فلم تصح بغير نية كالصوم ومحل النية : القلب فإذا نوى بقلبه أجزأه وإن لم يلفظ بلسانه وإن نوى صلاة فسبق لسانه إلى غيرها لم تفسد صلاته
والأفضل النية مع تكبير الإحرام لأنها أول الصلاة لتكون النية مقارنة للعبادة ويستحب اصطحاب ذكرها في سائر الصلوات لأنها أبلغ في الإخلاص وإن تقدمت النية التكبير بزمن يسير جاز ما لم يفسخها لأن أولها من أجزأئها فكفى استصحاب النية فيها كسائر أجزاءها وإن كانت فرضا لزمه أن ينوي الصلاة بعينها ظهرا أو عصرا لتتميز عن غيرها قال ابن حامد : ويلزمه أن ينوي فرضا لتتميز عن ظهر الصبي والمعادة عن غيرها وقال غيره : لا يلزمه لأن ظهر هذا لا يكون إلا فرضا وينوي الأداء في الحاضر والقضاء في الفائتة وفي وجوب ذلك وجهان :
أولهما : أنه لا يجيب لأنه لا يختلف المذهب في من صلى في الغيم بالاجتهاد فبان بعد الوقت أن صلاته صحيحة وقد نواها أداء فإن كانت سنة معينة كالوتر ونحوه لزم تعيينها أيضا وإن كانت نافلة مطلقة أجزأته نية الصلاة ومتى شك في أثناء الصلاة هل نواها أم لا ؟ لزمه استئنافها لأن الأصل عدمها فإن ذكر أنه نوى قبل أن يحدث شيئا من أفعال الصلاة أجزأه وإن فعل شيء قبل ذكره بطلت صلاته لأنه فعله شاكا في صلاته وإن نوى الخروج من الصلات بطلت لأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها وإن تردد في قطعها فعلى وجهين :
أحدهما : تبطل لما ذكرنا
والثاني : لا تبطل لأنه دخل فيها بنية متيقنة فلا يخرج منها بالشك
وإذا نوى في صلات الظهر ثم قلبها عصرا فسدتا جميعا لأنه قطع نية الظهر ولم تصح العصر لأنه ما نواها عند الإحرام وإن قلبها نفلا لعذر مثل أن يحرم بها منفردا فتحضر جماعة فيجعلها نفلا ليصلي فرضه في الجماعة صح لأن نية النفل تتضمنها نية الفرض وإن فعل ذلك لغير غرض كره وصح قلبها لما ذكرنا ويحتمل أن لا يصح لما ذكرنا في الظهر والعصر

فصل : تابع باب صفة الصلاة
ثم يرفع رأسه مكبرا ويعتدل جالسا وهما الركن العاشر والحادي عشر لقول النبي صلى الله عليه و سلم للأعرابي : [ ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ] ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى لقول أبي حميد في وصف صلاة النبي صلى الله عليه و سلم ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه وقالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه و سلم يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهى عن عقبة الشيطان رواه مسلم ويسن أن يثني أصابع اليمنى نحو القبلة لما روى النسائي عن ابن عمر أنه قال : من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ويكره الإقعاء وهو أن يفترش قدميه ويجلس على عقبيه بهذا فسره أحمد لحديث أبي حميد وعائشة وعن أحمد أنه قال : لا أفعله ولا أعيب في فعله العبادلة كانوا يفعلونه وقال ابن عباس : هو سنة نبيك صلى الله عليه و سلم رواه مسلم ويقول : رب اغفر لي لما روى حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فكان يقول بين السجدتين : [ رب اغفر لي رب اغفر لي ] رواه النسائي والقول في وجوبه وعدده كالقول في تسبيح الركوع وإن قال ما روى ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول بين السجدتين : [ اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني ] فلا بأس رواه أبو داود
فصل :
ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى سواء وفيها ركنان ثم يرفع رأسه مكبرا لحديث أبي هريرة وهل يجلس للاستراحة فيه ؟ فيه روايتان :
إحداهما : يجلس اختارها الخلال لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه و سلم : كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض متفق عليه وصفة جلوسه مثل جلسة الفصل لما روى أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثم ثنى رجله وقعد و اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم نهض حديث صحيح وقال الخلال : روى عن أحمد من لا أحصيه كثرة أنه يجلس على إليته وقال الآمدي : يجلس على قدميه ولا يلصق إليته بالأرض
والرواية الثانية : لا يجلس بل ينهض على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينهض على صدور قدميه وفي حديث وائل بن حجر : وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه وفي لفظ : فإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه رواه أبو داود ولا يعتمد بيده على الأرض لما ذكرنا إلا أن يشق ذلك عليه لضعف أو كبر ولا يكبر لقيامه من جلس الاستراحة لأنه قد كبر لرفعه من السجود
فصل :
تصلي الركعة الثانية كالأولى لقول النبي صلى الله عليه و سلم للأعرابي : [ ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها ] إلا في النية والاستفتاح لأنه يراد لافتتاح الصلاة وفي الاستعاذة روايتان :
إحداهما : يستعيذ لقول الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } فيقتضي أن يستعيذ عند كل قراءة
والثانية : لا يستعيذ لما روى أبو هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت رواه مسلم
ولأن الصلاة جملة واحدة فإذا أتى بالاستعاذة من أولها كفى كالاستفتاح فإن نسيها في أول الصلاة أتى بها في الثانية والاستفتاح خلاف ذلك نص عليه
فصل :
ثم يجلس مفترشا لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى وفي لفظ : فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته صحيح ويستحب أن يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة مضمومة الأصابع مستقبلا بأطرافها القبلة أو يلقمها ركبته ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يعقد الوسطى مع الإبهام عقد ثلاث وخمسين ويشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى ويقبض الخنصر والبنصر لما روى ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار السبابة رواه مسلم
وعنه : يبسط الخنصر والبنصر لما روى ابن الزبير قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بإصبعه السبابة يدعو ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى يدعو وفي لفظ : وألقم كفه اليسرى ركبته رواه مسلم وفي لفظ : وكان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها رواه أبو داود
فصل :
ثم يتشهد لما روى ابن مسعود قال : علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله متفق عليه قال الترمذي هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد فاختاره أحمد لذلك فإن تشهد بغيره مما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم كتشهد ابن عباس وغيره جاز نص عليه ومقتضى هذا أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس فإذا فرغ منه وكانت الصلاة أكثر من ركعتين لم يزد عليه لما روى ابن مسعود أن النبي ( ص ) : كان يجلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف رواه أبو داود لشدة تخفيفه ثم نهض مبكرا كنهوضه من السجود ويصلي الثالثة والرابعة كالأوليين إلا في الجهرية ولا يزيد على فاتحة الكتاب لما قدمناه
فصل :
فإذا فرغ جلس فتشهد وهما الركن الثاني والثالث عشر لأن النبي ( ص ) أمر به وعلمه
ابن مسعود ثم قال : [ فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك ] رواه أبو داود وعن
ابن مسعود قال : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد : السلام على الله قبل عباده فقال النبي ( ص ) : [ لا تقولوا السلام على ولكن قولوا التحيات لله ] فدل هذا على فرض ويجلس متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه لقول أبي حميد في وصفه : فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب اليمنى فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وجلس متوركا على شقه الأيسر وقعد على مقعدته رواه البخاري
وقال الخرقي : يجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى ويجعل إليته على الأرض لأن في بعض لفظ حديث أبي حميد : جلس على إليتيه وجعل باطن قدمه اليسرى عند مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمنى وقال ابن الزبير : كان رسول الله ( ص ) إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه رواهما أبو داود : وأيهما فعل جاز ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما لأنه جعل للفرق ولا حاجة إليه مع عدم الاشتباه
فصل :
ثم يصلي على النبي ( ص ) وفيها روايتان :
إحداهما : ليست واجبة لقول النبي ( ص ) في التشهد : [ فإذا فعلت فقد تمت صلاتك ]
والثانية : أنها واجبة قال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد قال : كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة ووجهها ما روى كعب بن عجرة قال : إن النبي ( ص ) خرج علينا فقلنا : يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك كيف نصلي عليك ؟ قال : [ قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] متفق عليه قال بعض أصحابنا : وتجب الصلاة على هذه الصفة لأمر النبي ( ص ) بها والأولى أن يكون هذا الأفضل وكيفما أتى بالصلاة أجزأه لأنها رويت بألفاظ مختلفة فوجب أن يجزىء منها ما اجتمعت عليه الأحاديث
فصل :
ويستحب أن يتعوذ من أربع لما روى أبو هريرة قال : كان رسول الله ( ص ) يدعو : [ اللهم إني أستعيذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ] متفق عليه ولمسلم : [ إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ] وذكره وما دعا به مما ورد في القرآن والأخبار فلا بأس إلا أن يكون إماما فلا يستحب له التطويل كيلا يشق على المأمومين إلا أن يؤثروا ذلك وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله ( ص ) : علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال : [ قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني أنك أنت الغفور الرحيم ] متفق عليه
فصل :
ولا يجوز أن يدعو فيها بالملاذ وشهوات الدنيا وما يشبه كلام الآدميين مثل : اللهم ارزقني زوجة حسناء وطعاما طيبا لقول النبي ( ص ) : [ إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ] رواه مسلم ولأن هذا يتخاطب بمثله الآدميون أشبه تمشيت العاطس ورد السلام
فصل :
ثم يسلم والسلام هو الركن الرابع عشر لقول النبي ( ص ) : [ مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ] رواه أبو داود و الترمذي ولأنه أحد طرفي الصلاة فكان فيه نطق واجب كالأول ويسلم تسليمين فيقول : السلام عليكم ورحمة الله ويلتفت عن يمينه وعن يساره كذلك لما روى ابن مسعود أن النبي ( ص ) كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وفي لفظ : رأيت رسول الله ( ص ) يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه وعن يساره رواه مسلم ويكون التفاته في الثانية أوفى قال [ ابن عقيل ] يبتدىء بقوله : السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت قائلا : ورحمة الله عن يمينه و يساره لقول عائشة كان الرسول ( ص ) يسلم تلقاء وجهه معناه ابتداء السلام ويستحب أن يجهر بالأولى أكثر من الثانية نص عليه واختاره الخلال وحمل أحمد حديث عائشة أن النبي ( ص ) كان يسلم تسليمة واحدة على أنه كان يجهر بواحدة ويستحب أن لا يمد السلام لأن أبا هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) : [ حذف السلام سنة ] رواه الترمذي وقال : حديث صحيح قال ابن مبارك : معناه لا يمده مدا قال أحمد : معناه لا يطول به صوته
فصل :
والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة لأن عائشة وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع رووا أن النبي ( ص ) صلى فسلم مرة واحدة ولأنه إجماع حكاه ابن المنذر وعنه أن الثانية واجبة لأن جابرا قال : قال النبي ( ص ) : [ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله ] رواه مسلم ولأنها عبادة لها تحللان فكان الثاني واجبا كالحج
فصل :
فإن اقتصر على قول : السلام عليكم فقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه يجزئه نص عليه في صلاة الجنازة لأن النبي ( ص ) قال : [ تحليلها التسليم ] وهو حاصل بدون الرحمة وعن علي رضي الله عنه أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم السلام عليكم وقال ابن عقيل : الصحيح أنه لا يجزىء لأن من وصف سلام النبي ( ص ) من الصحابة قال فيه : ( ورحمة الله ) ولأنه سلام ورد فيه ذكر الرحمة فلم يجزئه بدونها كالسلام على النبي ( ص ) في التشهد ويأتي بالسلام مرتبا فإن نكسه فقال : عليكم السلام أو نكس التشهد لم تصح
وذكر القاضي وجها من صحته لأن المقصود يحصل وهو بعيد لأن النبي ( ص ) قال مرتبا وعلمهم إياه مرتبا ولأنه ذكر يؤتى به في أحد طرفي الصلاة فاعتبر ترتيبه كالتكبير
فصل :
وينوي بسلامه الخروج من الصلاة فإن لم ينو لم تبطل صلاته نص عليه لأن نية الصلاة قد شملت جميعها والسلام من جملتها ولأنها عبادة فلم تجب النية للخروج منها كسائر العبادات وقال ابن حامد : تبطل صلاته لأنه أحد طرفي الصلاة فوجبت له النية كالآخر وإن نوى بالسلام على الحفظة وعلى المصلين معه فلا بأس نص عليه لحديث جابر الذي قدمناه وفي لفظ : [ أمرنا النبي ( ص ) أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعض ] رواه أبو داود
فصل :
ويتسحب ذكر الله تعالى بعد انصرافه من الصلاة ودعائه واستغفاره قال المغيرة : كان النبي ( ص ) يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ] متفق عليه وقال ثوبان : كان رسول الله ( ص ) إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال : [ اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ] رواه مسلم وقال ابن عباس : إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله ( ص ) وقال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته متفق عليه
فصل :
ويكره للإمام إطالة الجلوس في مكانه مستقبل القبلة لأن عائشة قالت : كان رسول الله ( ص ) إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : [ اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ] رواه ابن ماجه فإن أحب قام وإن شاء انحرف عن قبلته لما روى سمرة قال : كان رسول الله ( ص ) إذا صلى أقبل علينا بوجهه رواه مسلم
وينصرف حيث شاء عن يمين أو شمال لقول ابن مسعود : لا يجعل أحدكم للشيطان خطا في صلاته يرى أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت رسول الله ( ص ) أكثر ما ينصرف عن يساره متفق عليه
فإن كان مع الإمام رجال ونساء فالمستحب أن تثب النساء ويثبت هو والرجال بقدر ما ينصرف النساء لقول أم سلمة : إن النساء في عهد رسول الله ( ص ) كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله ( ص ) ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله ( ص ) قام الرجال قال الزهري : فنرى أن ذلك لكي ينفذ من ينصرف من النساء رواه البخاري ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء ولا يثبت المأمومون قبل انصراف الإمام لئلا يذكر سهوا فيسجد وقد قال النبي ( ص ) : [ إني إمامكم فلا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف ] رواه مسلم
فإن انحرف عن قبلته أو خالف السنة في إطالة الجلوس مستقبل القبلة فلا بأس أن يقوم المأموم ويدعه
فصل :
ويكره للإمام التطوع في موضع صلاة مكتوبة نص عليه وقال : كذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وللمأموم أن يتطوع في موضع صلاته فعله ابن عمر رضي الله عنه وروى المغيرة بن شعبة أن البني ( ص ) قال : [ لا يتطوع الإمام في مقامه الذي يصلي به الناس ] رواه أبو داود فإن دعت إليه ضرورة لضيق المسجد انحرف قليلا عن مصلاه ثم صلى
فصل :
وترتيب الصلاة على ما ذكرنا وهو الركن الخامس عشر فصارت أركان الصلاة خمسة عشر لا يسامح بها في عمد ولا سهو
وواجباتها المختلف فيها : تسعة التكبير سوى تكبيرة الإحرام التسبيح في الركوع والسجود مرة مرة وقول : سمع الله لمن حمده وقول : ربنا ولك الحمد وقول : رب اغفر لي بين السجدتين مرة والتشهد الأول والجلوس له والصلاة على النبي ( ص ) و التسليمة الثانية : وقد ذكرنا في وجوب جميعها روايتين
وما عدا ذلك فسنن تتنوع ثلاثة أنواع :
سنن الأقوال وهي اثنتا عشرة الاستفتاح والاستعاذة وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم وقول آمين وقراءة السورة بعد الفاتحة والجهر و الإخفات في موضعهما وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود وعلى المرة في سؤال المغفرة وقول ملء السماء بعد التحميد والدعاء والتعوذ في التشهد الأخير وقنوت الوتر
النوع الثاني : سنن الأفعال وهي اثنتان وعشرون رفع اليدين عند الإحرام الركوع والرفع منه ووضع اليمنى على اليسرى وجعلهما تحت السرة والنظر إلى موضع سجوده و وضع اليدين على الركبتين في الركوع ومد الظهر والتسوية بين رأسه وظهره والتجافي فيه و البداءة بوضع الركبتين قبل اليدين في السجود ورفع اليدين قبل الركبتين في النهوض و التجافي فيه وفتح أصابع رجليه فيه وفي الجلوس ووضع يديه حذو منكبيه مضمومة مستقبلا بها القبلة و التورك في التشهد الأخير والافتراش في الأول وفي سائر الجلوس ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة محلقة والإشارة بالسبابة ووضع اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة والالتفات عن يمينه وشماله في التسليم والسجود على أنفه وجلسة الاستراحة على إحدى الروايتين فيهما
والنوع الثالث : ما يتعلق بالقلب وهو الخشوع ونية الخروج في سلامه
فصل :
ولا يسن القنوت في صلاة فرض لأن أبا مالك الأشجعي قال : قلت لأبي : يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله ( ص ) وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا في الكوفة نحوا من خمس سنين أكانوا يقنتون ؟ قال : أي بني محدث قال الترمذي : هذا حديث حسن وعن أنس : أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قنت شهرا يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه رواه مسلم فإن نزل في المسلمين نازلة فللإمام القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع اقتداء برسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) لما روى أبو هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم رواه سعيد في سننه وليس ذلك لآحاد المسلمين ويقول في قنوته نحوا من قول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) وقول عمر رضي الله عنه وكان عمر يقول في القنوت : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ) رواه أبو داود

باب صفة الصلاة
وأركانها خمسة عشر :
القيام وهو واجب في الفرض لقول الله تعالى : { وقوموا لله قانتين } وقال النبي صلى الله عليه و سلم لعمران بن حصين : [ صل قائما فإن لم تستطيع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ] رواه البخاري
فإن كبر للإحرام قاعدا أو في حالة نهوضه للقيام لم يعتقد به لأنه أتى به في غير محله
ويستحب القيام للمكتوبة عند قول المؤذن : قد قامت الصلاة لأنه دعاء إلى القيام فاستحب المبادرة إليه
ويستحب للإمام تسوية الصفوف لما روى أنس بن مالك قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذ بيمينه - يعني عودا في المحراب - ثم فقال التفت وقال : [ اعتدلوا سووا صفوفكم ] ثم أخذ بيساره وقال : [ اعتدلوا سووا صفوفكم ] رواه أبو داود
فصل :
ثم يكبر للإحرام وهو الركن الثاني لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال للمسيء في صلاته : [ إذا قمت إلى الصلاة فكبر ] وقال : [ مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ] رواه أبو داود وقال : [ لا يقبل الله صلاة امرىء حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول : الله أكبر ] ولا يجزئه غيره من الذكر ولا قول : الله أكبر ولا التكبير بغير العربية لما ذكرنا فإن لم يحسن العربية لزمه التعلم فإن خشي خروج الوقت ففيه وجهان :
أحدهما : يكبر بلغته لأنه عجز عن اللفظ فلزمه الإتيان بمعناه كلفظة النكاح
والثاني : لا يكبر بغير العربية لأنه ذكر تنعقد به الصلاة فلم يجز التعبير عنه بغير العربية كالقراءة فعلى هذا يكون حكمه حكم الأخرس فإن عجز عن بعض اللفظ أو عن بعض الحروف أتى بما يمكنه وإن كان أخرس فعليه تحريك لسانه لأن ذلك كان يلزمه مع النطق فإذا عجز عن أحدهما بقي الآخر ذكر القاضي ويقوى عندي أن لا يلزمه تحريك لسانه لأن ذلك إنما وجب على الناطق ضرورة القراءة وإذا سقطت سقط ما هو من ضرورتها كالجاهل الذي لا يحسن شيئا من الذكر ولأن تحريك لسانه بغير القراءة عبث مجرد فلا يرد الشرع به ويبين التكبير ولا يمططه فإن مططه تمطيطا يغير المعنى مثل أن يمد الهمزة في اسم الله تعالى فيجعله استفهاما أو يمد إكبار فيزيد ألفا فيصير جمع كبير وهو الطبل لم تجزه ويجهر بالتكبير إن كان إماما بقدر ما يسمع من خلفه وإن لم يكن إماما بقدر ما يسمع نفسه كالقراءة
فصل :
ويستحب أن يرفع يده ممدودة الأصابع مضموما بعضها إلى بعض حتى يحاذي بهما منكبيه أو فروع أذنيه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم : كان إذا افتتح الصلاة رفع يده حذو منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود متفق عليه ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه لأن الرفع للتكبير فيكون معه فإن سبق رفعه التكبير أثبتهما حتى يكبر ولا يحطهما في حال التكبير وإن لم يرفع حتى فرغ التكبير لم يرفع لأنه سنة فات محلها وإن ذكر في الثانية رفع لأن محله باق وإن عجز عن الرفع إلى حذو المنكبين رفع قدر ما يمكنه وإن عجز عن رفع إحدى اليدين رفع الأخرى لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ]
فصل :
فإذا فرغ استحب وضع يمينه على شماله لما روى هلب قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه قال الترمذي : هذا حديث حسن ويجعلهما تحت السرة لما روي عن علي أنه قال : السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة رواه أبو داود وعنه : فوق السرة وعنه : أنه مخير ويستحب جعل نظره إلى موضع سجوده لأنه أخشع للمصلي وأكف لنظره
فصل :
ويستحب أن يستفتح قال أحمد أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر - يعني ما رواه الأسود - أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر فقال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك رواه مسلم ولو أن رجلا استفتح ببعض ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من الاستفتاح كان حسنا أو قال : جائزا وإنما اختاره أحمد لأن عائشة وأبا سعيد قالا : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استفتح الصلاة قال ذلك وعمل به عمر بمحضر من الصحابة فكان أولى من غيره وصوب الاستفتاح بغيره مثل ما روى أبو هريرة قال : قلت : يا رسول الله أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول ؟ قال : [ أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ] متفق عليه قال أحمد : ولا يجهر الإمام بالاستفتاح لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجهر به
فصل :
ثم يستعيذ بالله فيقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } قال ابن المنذر : وجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول قبل القراءة : [ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ]
فصل :
ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بها لما روى أنس بن مالك قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم رواه البخاري و مسلم وفيها روايتان :
إحداهما : أنها آية من الفاتحة اختارها أبو عبد الله بن بطة وأبو حفص لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية والحمد لله رب العالمين آيتين ولأن الصحابة أثبتوها في المصاحف فيما جمعوا من القرآن فدل على أنها منها
والثانية : ليست منها لما روى أبو هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى : حمدني عبدي فإذا قال : الرحمن الرحيم قال الله : أثنى علي عبدي فإذا قال : مالك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين إلى آخرها قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ] رواه مسلم ولو كانت بسم الله الرحمن الرحيم منها لبدأ بها ولم يتحقق التنصيف ولأن مواضع الآي كالآي في أنها لا تثبت إلا بالتواتر ولا تواتر فيما نحن فيه ومن نسي الاستفتاح حتى شرع في الاستعاذة أو نسي الاستعاذة حتى شرع في البسملة أو البسملة حتى شرع في الفاتحة على الرواية التي تقول : ليست من الفاتحة لم يرجع إليها لأنها سنة فات محلها
فصل :
ثم يقرأ الفاتحة وهو الركن الثالث في حق الإمام المنفرد لما روى عبادة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب ] متفق عليه
ولا تجب على المأموم لقول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما لي أنازع القرآن ] قال : فانتهوا الناس أن يقرأوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه و سلم رواه مالك في الموطأ ولأنها لو وجبت عليه لم تسقط عن المسبوق كسائر الأركان لكن إن سمع قراءة الإمام أنصت له ويقرأ في سكاته و إسراره لأن مفهوم قوله : فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه أنهم يقرأون في غيره
وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة لما روى أبو قتادة أن النبي ( ص ) : [ كان يقرأ في الآخرتين بأم الكتاب ] متفق عليه وروي أن النبي ( ص ) علم المسيء في صلاته فقال : [ اقرأ بفاتحة الكتاب ما تيسر ثم قال : اصنع في كل ركعة مثل ذلك ] ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة فتكرر في كل ركعة كالركوع وعنه : لا تجب إلا في الأوليين لأنها لو وجبت في غيرهما لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين
ويجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية فإن قطع قراءتها بذكر كثير أو سكوت طويل عامدا أعادها وإن فعل ذلك ناسيا أو كان الذكر أو السكوت يسيرا أتمها لأن الموالاة لا تفوت بذاك وإن نوى قطعها لم تنقطع لأن القراءة باللسان فلم تنقطع بالنية بخلاف نية الصلاة
ويأتي فيها بإحدى عشرة تشديدة فإن أخل بحرف منها أو شدة لم تصح لأنه لم يقرأها كلها والشدة أقيمت مقام حرف وإن خفف الشدة صح لأنه كالنطق به مع العجلة
فصل :
فإذا فرغ منها قال : آمين يجهر بها فيما يجهر فيه بالقراءة لما روى وائل بن حجر أن النبي ( ص ) كان إذا قال : { ولا الضالين } قال : آمين ورفع بها صوته رواه أبو داود ويؤمن المأمومون مع تأمينه لقول رسول الله ( ص ) : [ إذا قال الإمام { ولا الضالين } فقولوا : آمين ] وفي لفظ : [ إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ] متفق عليه ويجهرون بها لما روى عطاء أن ابن الزبير كان يؤمن ويؤمنون حتى إن للمسجد للجة رواه الشافعي في مسنده فإن نسيه الإمام جهر به المأموم ليذكره فإن لم يذكره حتى شرع في القراءة لم يأت به لأنه سنة فات محلها
وفي آمين لغتان : قصر الألف ومدها مع التخفيف فإن شدد الميم لم يجزئه لأنه يغير معناها
فصل :
فإن لم يحسن الفاتحة لزمه تعلمها فإن ضاق الوقت عن ذلك قرأ سبع آيات من غيرها وهل يجب أن يكون في عدد حروفها ؟ على وجهين :
أحدهما : [ يجب ] لأن الثواب مقدر بالحروف فاعتبرت كالآي
والآخر : لا يعتبر لأنه من فاته صوم يوم طويل لم يعتبر كون القضاء في يوم طويل مثله فإن لم يحسن سبعا كرر ما يحسن بقدرها فإن لم يحسن إلا آية من الفاتحة وشيئا من غيرها ففيه وجهان :
أحدهما : يكرر آية الفاتحة لأنها أقرب إليها
والثاني : يقرأ تمام السبع من غيرها لأنه لو لم يحسن شيئا من الفاتحة قرأ من غيرها فما عجز عنه منها وجب أن يأتي ببدل من غيرها فإن لم يحسن الفاتحة بالعربية لم يجز أن يترجم عنها بلسان آخر لأن الله تعالى جعل القرآن عربيا ويلزمه أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عبد الله بن أوفى قال : جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه و سلم ) فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال : [ قل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ] رواه أبو داود ولأنه ركن من الصلاة فقام غيره مقامه عند العجز عنه كالقيام فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدره فإن لم يحسن شيئا وقف بقدر القراءة
فصل :
ويستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة سكتة يقرأ قيها من خلفه لما روى سمرة : أنه حفظ عن رسول الله ( ص ) سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } رواه أبو داود وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا افتتح الصلاة وإذا قال : { ولا الضالين }
فصل :
ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة سورة تكون في الصبح في طوال المفصل وفي المغرب في قصاره وفي سائرهن من أوساطه لما روى جابر بن سمرة أن النبي ( ص ) كان يقرأ في الفجر بـ { ق } رواه مسلم
وعنه : أن النبي ( ص ) كان يقرأ في الظهر والعصر بـ { السماء والطارق } و { السماء ذات البروج } ونحوهما من السور رواه أبو داود
وعنه قال : كان رسول الله ( ص ) إذا دحضت الشمس صلى الظهر ويقرأ بنحو : { والليل إذا يغشى } والعصر كذلك والصلوات كلها إلا الصبح فإنه كان يطيلها رواه أبو داود وما قرأ به بعد أم كتاب في ذلك كله أجزأه
ويستحب له أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة لما روى أبو قتادة أن النبي ( ص ) كان يقرأ في الركعتين الأوليتين من الظهر بفاتحة الكتاب و سورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانا وكان يقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وكان يقرأ في العصر في الركعتين الأوليتين بفاتحة الكتاب و سورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الركعة الأولى من الصبح ويقصر في الثانية متفق عليه وفي رواية : فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى ولا يزيد على أم الكتاب في الآخريين من الرباعية ولا الثالثة من المغرب لهذا الحديث
فصل :
ويسن للإمام الجهر بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء والإسرار فيما وراء ذلك لأن النبي ( ص ) كان يفعل ذلك ولا يسن الجهر لغير الإمام لأنه لا يقصد إسماع غيره وإن جهر المنفرد فلا بأس لأنه لا ينازع غيره وكذلك القائم لقضاء ما فاته من الجماعة وإن فاتته الصلاة ليلا فقضاها نهارا لم يجهر لقول النبي ( ص ) : [ إن صلاة النهار عجماء ] فإن فاتته صلاة نهار فقصاها ليلا لم يجهر لأنها صلاة نهار وإن فاتته ليلا فقضاها ليلا في جماعة جهر
وإذا فرغ من القراءة استحب له أن يسكت سكتة قبل الركوع لأن في حديث سمرة في بعض رواياته : [ وإذا فرغ من القراءة سكت ]
فصل :
ثم يركع وهو الركن الرابع لقول الله تعالى : { اركعوا واسجدوا } ويكبر للركوع لما روى أبو هريرة أن رسول الله ( ص ) كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه يفعل ذلك في صلاته كلها رواه البخاري وفي هذه التكبيرات روايتان :
إحداهما : أنها واجبة لأن النبي ( ص ) كان يفعلها وقد قال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] متفق عليه ولأن الهوي إلى الركوع فعل فلم يخل من ذكر واجب كالقيام
والثانية : لا يجب لأن النبي ( ص ) لم يعلمها المسيء في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ويستحب أن يرفع يديه مع التكبير لحديث ابن عمر وقدر الإجزاء : الانحناء حتى يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يسمى راكعا بدونه
ويجب أن يطمئن راكعا وهو الركن الخامس لقول رسول الله ( ص ) للمسيء في صلاته : [ ثم اركع حتى تطمئن راكعا ] متفق عليه ويستحب أن يضع يديه على ركبتيه قابضا لهما ويسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا يخفضه ويجافي يديه على جنبيه لما روى أبو حميد أن رسول الله ( ص ) كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره و في لفظ : ركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع وفي رواية : ووضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه حديث صحيح
فصل :
ثم يقول : سبحان ربي العظيم وفيه روايتان :
إحداهما : يجب لما روى عقبة بن عامر أنه لما نزل : { فسبح باسم ربك العظيم } قال النبي ( ص ) : [ اجعلوها في ركوعكم ] فلما نزل : { سبح اسم ربك الأعلى } قال : [ اجعلوها في سجودكم ] رواه أبو داود ولأنه فعل في الصلاة فلم يخل من ذكر واجب كالقيام
والثانية : ليس بواجب لأن النبي ( ص ) لم يعلمه المسيء في صلاته وأدنى الكمال ثلاثة لما روى ابن مسعود أن النبي ( ص ) قال : [ إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه ] رواه الأثرم و الترمذي وإن اقتصر على واحدة أجزأه لأنه ذكر مكرر فاجزأت الواحدة كسائر الأذكار
فصل :
ثم يرفع رأسه قائلا : سمع الله لمن حمده حتى يعتدل قائما وهذا الرفع والاعتدال الركن السادس والسابع لقول النبي ( ص ) للمسيء في صلاته : [ ثم ارفع حتى تعتدل قائما ] وفي حديث أبي حميد أن رسول الله ( ص ) قال : [ سمع الله لن حمده ] ورفع يديه واعتدل حتى ركع كل عظم في موضعه معتدلا وفي وجوب التسميع روايتان لما ذكرنا في التكبير ولا يشرع للمأموم لقول رسول الله ( ص ) : [ إذا قال : الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد ] ويقول في اعتداله : ربنا ولك الحمد وفي وجوبه روايتان لما ذكرنا قال الأثرم : وسمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو وقال : قد روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث وعن سعيد عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه وإن قال : ربنا لك الحمد جاز نص عليه لأنه قد صحت به السنة
ويستوي في ذلك كل مصل لأن النبي ( ص ) قاله وأمر به المأمومين ويستحب أن يقول ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من بعد لما روى أبو سعيد وابن أبي أوفى أن النبي ( ص ) كان إذا رفع رأسه قال : [ سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ] متفق عليه ولا يستحب للمأموم الزيادة على [ ربنا ولك الحمد ] نص عليه لقول النبي ( ص ) : [ فقولوا ربنا ولك الحمد ] ولم يأمره بغيره وعنه : ما يدل على استحباب قول : [ ملء السماء ] وهو اختيار أبي الخطاب لأنه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم كالتكبير وموضع ربنا ولك الحمد من حق الإمام المنفرد بعد اعتداله وللمأموم حال رفعه لأن قوله : [ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ] يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم وهي حال رفعه
فصل :
في السجود : ثم يخر ساجدا ويطمئن في سجوده وهما الركن الثامن والتاسع لقول الله تعالى : { اسجدوا } وقول النبي ( ص ) للأعرابي : [ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ] وينحط إلى السجود مكبرا لحديث أبي هريرة : ولا يرفع يديه لحديث ابن عمر ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه لما روى وائل بن حجر قال : [ كان رسول الله ( ص ) ذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإن نهض رفع يديه قبل ركبتيه ] رواه أبو داود السجود على هذه الأعضاء واجب لما روى ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : [ أمرت أن أسجد على سبع أعظم الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين ] متفق عليه
وفي الأنف روايتان :
إحداهما : لا يجب السجود عليه لأنه ليس من السبعة المذكورة
والثانية : تجب لإشارة النبي ( ص ) إلى أنفه عند بيان أعضاء السجود ولا يجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء إلا الجبهة فإن فيها روايتين :
إحداهما : يجب لما روي عن خباب قال : شكونا إلى رسول الله ( ص ) حر الرمضاء في جباهنا و أكفنا فلم يشكنا رواه مسلم
والثانية : لا يجب وهو ظاهر المذهب لما روى أنس قال : كنا نصلي مع النبي ( ص ) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود رواه البخاري و مسلم ولأنها من أعضاء السجود فجاز السجود على حائلها كالقدمين ويستحب أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه لما روى أبو حميد أن النبي ( ص ) جافى عضديه عن إبطيه ووصف البراء سجود النبي ( ص ) : فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال : هكذا كان رسول الله ( ص ) يسجد رواه أبو داود ويستحب أن يضم أصابع يديه بعضها إلى بعض ويضعها على الأرض حذو منكبيه ويرفع مرفقيه ويكون على أطراف أصابع قدميه ويثنيها نحو القبلة لما روى أبو حميد أن النبي ( ص ) : وضع كفيه حذو منكبيه وفي لفظ : سجد غير مفترض ولا قبضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة وفي رواية : فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد وقال النبي ( ص ) : [ إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش افتراش الكلب ] صحيح متفق على معناه ويقول : سبحان ربي الأعلى وحكمه حكم تسبيح الركوع في عدده ووجوبه لما مضى فإذا أراد السجود فهو على وجهه فوقعت جبهته على الأرض أجزأه لأنه قد نواه وإن انقلب على جنبه ثم انقلب فمست جبهته الأرض ناويا السجود أجزأه وإن لم ينو لم يجزئه ويأتي بالسجود بعده

باب صلاة التطوع
وهي من أفضل تطوع البدن لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ واعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة ] رواه ابن ماجة ولأن فرضها آكد الفروض فتطوعها آكد التطوع
وهي تنقسم أربعة أقسام :
القسم الأول : السنن والرواتب وهي ثلاثة أنواع :
النوع الأول : الرواتب مع الفرائض و آكدها عشر ركعات وذكرها ابن عمر قال : حفظت من النبي صلى الله عليه و سلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه و سلم فيها أحد حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه
و آكدها ركعتا الفجر قالت عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر وقال : [ ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها ] رواهما مسلم وقال : [ صلوهما ولو طردتكم الخيل ] رواه أبو داود ويستحب له تخفيفها لقول عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب ؟ متفق عليه ويقرأ فيهما وفي ركعتي المغرب : { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } قال أبو هريرة إن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قرأ في ركعتي الفجر : { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } رواه مسلم وعن ابن مسعود أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) : كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } رواه ابن ماجة ويستحب ركوعهن في البيت لحديث ابن عمر ولما روى رافع بن خديج قال : أتانا رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) في بني عبد الأشهل فصلى المغرب في مسجدنا ثم قال : [ اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم ] رواه ابن ماجة قال أحمد : ليس هاهنا شيء آكد من الركعتين بعد المغرب يعني فعلها في البيت
ويستحب المحافظة على أربع قبل الظهر وأربع بعدها لما روت أم حبيبة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار ] وقال الترمذي : هذا حديث صحيح
وعلى أربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ رحيم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا ] رواه أبو داود
وعلى ست بعد المغرب لما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من صلى بعد المغرب ستا لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له عبادة اثنتي عشرة سنة ] رواه الترمذي
وعلى أربع بعد العشاء لقول عائشة رضي الله عنها : ما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات رواه أبو داود
فصل :
في الوتر :
النوع الثاني : الوتر وهو سنة مؤكدة لمداومة النبي صلى الله عليه و سلم في حضره وسفره وروى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمسة فليفعل و من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ] رواه أبو داود وحكي عن أبي أنه واجب لذلك والصحيح أنه ليس بواجب لأنه يصلي على الراحلة من غير ضرورة ولا يجوز ذلك في واجب
والكلام فيه في ثلاثة أشياء : وقته وعدده وقنوته
أما وقته فمن صلاة العشاء إلى صلاة الصبح لما روى أبو بصرة أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قال : [ إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر ] رواه الإمام أحمد وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة ] متفق عليه
والأفضل فعله سحرا لقول عائشة : من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتهى وتره إلى السحر متفق عليه فمن كان له تهجد جعل الوتر بعده ومن خشي أن لا يقوم أوتر قبل أن ينام لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله و من طمع أن يقوم من آخره فليوتر من آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل ] رواه مسلم
فمن أوتر قبل النوم ثم قام للتهجد لم ينقض وتره وصلى شفعا حتى يصبح لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا وتران في ليلة ] وهذا حديث حسن ومن أحب تأخير الوتر فصلى مع الإمام التراويح والوتر قام إذا سلم الإمام فضم إلى الوتر ركعة أخرى لتكون شفعا ومن فاته الوتر حتى يصبح صلاه قبل الفجر لما ذكرنا متقدما
وأما عدده فأقله ركعة لحديث أبي أيوب وأكثره إحدى عشر يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة لما روت عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليه وأدنى الكمال : ثلاث بتسليمتين لما روى ابن عمر أن رجلا سال رسول الله ( ص ) عن الوتر فقال رسول الله ( ص ) : [ افصل بين الواحدة و الثنتين بالتسليم ] رواه الأثرم
فإن أوتر خلف الإمام تابعه فيما يفعله لئلا يخالفه قال أحمد : يعجبني أن يسلم في الركعتين وإن أوتر بثلاث لم يضيق عليه عندي
ويستحب أن يقرأ في الأولى بـ { سبح اسم ربك الأعلى } وفي الثانية : { قل يا أيها الكافرون } وفي الثالثة : { قل هو الله أحد } لما روى أبي بن كعب قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) يوتر بـ { سبح اسم ربك الأعلى } و { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } رواه أبو داود
وإن أوتر بخمس سردهن فلم يجلس إلا في آخرهن لأن عائشة قالت : كان رسول الله ( ص ) يصلي في الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر في ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن متفق عليه وإن أوتر بتسع لم يجلس إلا بعد الثامنة ولم يسلم ثم جلس بعد التاسعة فتشهد وسلم وكذلك يفعل في السبع لما روى سعد بن هشام قال : قلت لعائشة : أنبئيني عن وتر رسول اله ( ص ) فقالت : كنا نعد كل سواكه و طهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويصلي تسع ركعات ولا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمد ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيحمد الله ويذكره ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشر ركعة يا بني فلما أسن رسول الله ( ص ) وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين صنيعه في الأول رواه مسلم و أبو داود وفي حديثه : أوتر بسبع ركعات لم يجلس فيهن إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة
وأما القنوت فيه فمسنون في جميع السنة وعنه : لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان لأن أبيا كان يفعل ذلك حين يصلي التراويح وعن أحمد ما يدل على رجوعه قال في رواية المروذي : قد كنت أذهب إلى أنه في النصف الأخير من رمضان ثم إني قنت هو دعاء وخير ولأن ما شرع في الوتر في رمضان شرع من غيره كعدده ويقنت بعد الركوع لما روى أبو هريرة وأنس أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قنت بعد الركوع رواه مسلم
ويقول في قنوته : ما روى الحسن بن علي قال : علمني رسول الله ( ص ) كلمات أقولهن في الوتر : [ اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ] رواه الترمذي وقال لا نعرف عن النبي ( ص ) في القنوت شيئا أحسن من هذا وعن علي رضي الله عنه قال : كان رسول الله ( ص ) يقول في آخر الوتر : [ اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ومعافاتك من عقوبتك و بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ] رواه الطيالسي
وعن عمر رضي الله عنه أنه قنت فقال : بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك وهاتان سورتان من مصحف أبي وقال ابن قتيبة : نحفد نبادر وأصل الحفد : مداركة الخطو والإسراع والجد بكسر الجيم أي : الحق لا اللعب وملحق بكسر الحاء لاحق وإن فتحها جاز
وإن قنت الإمام أمن من خلفه فإن لم يسمع قنوت الإمام دعا هو نص عليه
ويرفع يده في القنوت إلى صدره لأن ابن مسعود فعله وإذا فرغ أمر يديه على وجهه وعنه : لا يفعل والأولى أولى لأن السائب بن يزيد قال : إن رسول الله ( ص ) كان إذا دعا رفع يديه رواه أبو داود
فصل :
النوع الثالث : صلاة الضحى وهي مستحبة لما روى أبو هريرة قال : أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاث أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام متفق عليه
وأقلها ركعتان لحديث أبي هريرة وأكثرها ثمان ركعات لما روت أم هانئ أن النبي ( ص ) دخل بيتها يوم فتح مكة وصلى ثمان ركعات فلم أر قط صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود متفق عليه
ووقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقوله عليه السلام : [ صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ] رواه مسلم قال أبو الخطاب : يستحب المداومة عليها لحديث أبي هريرة ولقول عليه السلام : [ من حافظ على شفعة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ] أخرجه الترمذي ولأن أحب العمل إلى الله أدومه وقال غيره لا يستحب ذلك لقول عائشة : ما رأيت رسول الله ( ص ) يصلي الضحى قط متفق عليه ولأن فيه تشبيها بالفرائض
فصل :
والقسم الثاني : ما سن له الجماعة منها التراويح وهو قيام رمضان وهي سنة مؤكدة لأن النبي ( ص ) قال : [ من صام رمضان و قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ] متفق عليه وقام النبي ( ص ) بأصحابه ثلاث ليال ثم تركها خشية أن تفرض فكان الناس يصلون لأنفسهم حتى خرج عمر رضي الله عنه عليهم وهم أوزاع يصلون فجمعهم على أبي بن كعب قال السائب بن يزيد : لما جمع عمر الناس على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة فالسنة أن يصلي بهم عشرين ركعة في الجماعة لذلك ويوتر الإمام بهم بثلاث ركعات لما روى مالك عن يزيد بن رومان قال : كان الناس يقومون في عهد عمر رضي الله عنه بثلاث وعشرين ركعة قال أحمد يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه لأن النبي ( ص ) قال : [ إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة ] قال : ويقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم قال القاضي : لا تحتسب الزيادة على ختمة لئلا يشق عليهم ولا النقصان منها ليسمعهم جميع القرآن إلا أن يتفق جماعة يؤثرون الإطالة فلا بأس بها وسميت هذه تراويح لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربعة يستريحون
وكره أحمد التطوع بينها وقال : فيه عن ثلاثة من أصحاب النبي ( ص ) كراهية عبادة و أبو الدرداء و عقبة بن عامر
ولا يكره التعقيب وهو أن يصلوا بعد التراويح نافلة في جماعة لأن أنسا قال : ما يرجعون إلا لخير يرجونه أو لشر يحذرونه وعنه : أنه يكره إلا أنه قول قديم قال أبو بكر : إن أخروا الصلاة إلى منتصف الليل أو آخره لم يكره رواية واحدة قال أحمد فإذا أنت فرغت من قراءة : { قل أعوذ برب الناس } فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع وادع وأطل القيام رأيت أهل مكة وسفيان بن عيينة يفعلونه واختلف أصحابنا في قيام ليلة الشك فأقامها القاضي لأن القيام تبع للصيام ومنعها أبو حفص العكبري لأن الأصل بقاء شعبان ترك ذلك في الصيام احتياطا ففيها يبقى على الأصل
فصل :
القسم الثالث : التطوع المطلق وهو مشروع في الليل والنهار وتطوع الليل أفضل لقول رسول الله ( ص ) : [ أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل ] وهو حديث حسن والنصف الأخير أفضل قال عمرو بن عبسة : قلت : يا رسول الله أي الليل أسمع ؟ قال : [ جوف الليل الأخير ] رواه أبو داود وقال النبي ( ص ) : [ أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ] متفق عليه
ويستحب للمجتهد أن يستفتح صلاته بركعتين خفيفتين لقول رسول الله ( ص ) : [ إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ] رواه مسلم
ويستحب أن يكون له ركعات معلومة يقرأ فيها حزبه من القرآن لأن رسول الله ( ص ) قال : [ أحب العمل إلى الله الذي يدوم عليه صاحبه وإن قل ] متفق عليه
وقالت عائشة : كان رسول الله ( ص ) يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة رواه مسلم
وهو مخير إن شاء خافت وإن شاء جهر قالت عائشة : كل ذلك كان يفعل النبي ( ص ) ربما أسر وربما جهر حديث صحيح إلا أنه إن كان يسمع ما ينفعه أو يكون أنشط له وأطيب لقلبه فالجهر أفضل وإن كان يؤذي أحدا أو يخلط عليه القراءة فالسر أولى فإن أبا سعيد قال : اعتكف رسول الله ( ص ) في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال : [ ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ] رواه أبو داود
فصل :
ويستحب أن يختم القرآن في كل سبع لأن النبي ( ص ) قال لـ عبد الله بن عمرو :
[ اقرأ القرآن في كل سبع ] متفق عليه
و يحزبه أحزابا لما روى أوس بن حذيفة قال : قلنا لرسول الله ( ص ) : لقد أبطأت علينا الليلة قال : [ إنه طرأ علي حزبي فكرهت أن أجيء حتى أتمه ] قال أوس : فسألت أصحاب رسول الله ( ص ) كيف يحزبون القرآن ؟ قال : قالوا : ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاثة عشرة وحزب المفصل وحده رواه أبو داود
فصل :
وصلاة الليل مثنى مثنى لا يزيد على ركعتين لما روى ابن عمر أن النبي ( ص ) قال : [ صلاة الليل مثنى مثنى ] قيل لابن عمر : ما مثنى مثنى ؟ قال : تسليم من كل ركعتين متفق عليه
وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس لأن تخصيص الليل بالتثنية دليل على إباحة الزيادة عليها في النهار
والأفضل التثنية لأنه أبعد فيها من السهو
فصل :
والتطوع في البيت أفضل لقول رسول الله ( ص ) : [ عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ] رواه مسلم ولأنه من عمل السر ويجوز منفردا وفي جماعة لأن أكثر تطوع النبي ( ص ) كان منفردا وقد أم ابن عباس في التطوع مرة و حذيفة مرة و أنسا واليتيم مرة فدل على جواز الجميع
فصل :
وتجوز التطوع جالسا لأن النبي ( ص ) قال : [ صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ] رواه مسلم ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لأنه يستحب تطويله وتكثيره فسومح في ترك القيام تكثيرا له ويستحب أن يكون في حال القيام متربعا ليخالف حالة الجلوس ويثني رجليه حال السجود لأن حال الركوع كحال القيام وقال الخرقي : يثنيها في الركوع أيضا لأن ذلك يروى عن أنس وإن صلى على غير هذه الهيئة جاز وإذا بلغ الركوع فإن شاء قام ثم ركع لما روت عائشة قالت : لم أر رسول الله ( ص ) يصلي صلاة الليل قاعدا حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع متفق عليه
وإن شاء ركع من قعود لما روت عائشة : أن رسول الله ( ص ) كان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد رواه مسلم
فصل :
القسم الرابع : صلوات لها أسباب منها تحية المسجد لما روى أبو قتادة قال : قال رسول الله ( ص ) : [ إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ] متفق عليه
ومنها صلاة الاستخارة قال جابر : كان رسول الله ( ص ) يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة في القرآن يقول : [ إذا هم أحدكم في الأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك و أستقدرك بمقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر و تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم إن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري و آجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه و إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال : من عاجل أمري و آجله فاصرفه عني و اصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ] أخرجه البخاري
فصل :
وسجود التلاوة سنة للقارىء والمستمع لأن ابن عمر قال : كان رسول الله ( ص ) يقرأ علينا السورة من غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لوضع جبهته متفق عليه ولا يسن للسامع على غير قصد لأن عثمان رضي الله عنه مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد وقال : إنما السجدة على من استمع
ويشترط كون التالي يصلح إماما للمستمع لما روي أن رسول الله ( ص ) أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله ( ص ) فقال رسول الله ( ص ) : [ إنك كنت إمامنا ولو سجدت لسجدنا ] رواه الشافعي
ويسجد القارئ لسجود الأمي والقادر على القيام بالعجز عنه لأن ذلك ليس بواجب فيه ولا يقوم الركوع مقام السجود لأنه سجود مشروع فأشبه سجود الصلاة وإن كانت السجدة آخر السورة سجد ثم قام فقرأ شيئا ثم ركع وإن أحب قام ثم ركع من غير قراءة وإن شاء ركع في آخر السورة لأن السجود يؤتى به عقيب الركوع
فصل :
[ في أن سجود التلاوة غير واجب ] :
وسجود التلاوة غير واجب لأن زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي ( ص ) النجم فلم يسجد منا أحد متفق عليه وقال عمر : يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يكتبها الله علينا
وله أن يومئ بالسجود على الراحلة كصلاة السفر ويشترط له ما يشترط للنافلة ويكب للسجود تكبيرة واحدة في الصلاة وفي غيرها لأن ابن عمر قال : كان رسول الله ( ص ) يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه ويرفع يديه في غير الصلاة لأنها تكبيرة افتتاح وإن كان في صلاة ففيها روايتان ويكبر للرفع منه لأنه رفع من سجود أشبه سجود الصلاة ويسلم إذا رفع تسليمة واحدة لأنها صلاة ذات إحرام فأشبهت صلاة الجنازة
وعنه : لا سلام له لأنه لم ينقل عن النبي ( ص ) ولا يفتقر إلى تشهد ولا يسجد فيه لسهو لأنه لا ركوع فيه أشبه صلاة الجنازة ولا يفتقر إلى قيام لأنه لا قراءة فيه ويقول فيه ما يقول في سجود الصلاة فإن قال ما روت عائشة أن النبي ( ص ) كان يقول في سجود القرآن : [ سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته ] فحسن وهذا حديث صحيح فإن قال غيره مما ورد في الأخبار فحسن
فصل :
وسجدات القرآن أربع عشرة سجدة في ( الحج ) منها اثنتان وثلاث في المفصل وعنه : أنها خمس عشرة سجدة منها سجدة ( ص ) لما روى عمرو بن العاص أن رسول الله ( ص ) أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وسجدتان في الحج رواه أبو داود والصحيح أن سجدة ( ص ) ليست من عزائم السجود لما روى ابن عباس أنه قال : ليست ( ص ) من عزائم السجود رواه أبو داود
ومواضع السجدات واجبة بالإجماع إلا سجدات المفصل والثانية من الحج وقد ثبت ذلك في حديث عمرو وروى عقبة بن عامر أنه قال : يا رسول الله أفي الحج سجدتان ؟ قال : [ نعم ومن لم يسجدهما لا يقرأهما ] رواه أبو داود وأول السجدات آخر الأعراف وفي الرعد عند قوله : { بالغدو والآصال } وفي النحل عند : { ويفعلون ما يؤمرون } وفي سبحان عند { يزيدهم خشوعا } وفي مريم عند : { خروا سجدا وبكيا } وفي الحج : الأولى عند : { يفعل ما يشاء } والثانية عند : { لعلكم تفلحون } وفي الفرقان عند : { وزادهم نفورا } وفي النمل عند : { العرش العظيم } وفي ألم تنزيل عند : { وهم لا يستكبرون } وفي { حم } عند : { وهم لا يسأمون } وفي آخر النجم عند : { إذا السماء انشقت } عند { لا يسجدون } وآخر { اقرأ } ويكره اختصار السجود وهو أن يجمع آيات السجدات فيقرأ في ركعة وقيل : أن يحذف آيات السجدات في قراءته وكلاهما مكروه لأنه محدث وفيه إخلال في الترتيب
فصل :
وسجود الشكر مستحب عند تجدد النعم لما روى أبو بكرة قال : كان النبي ( ص ) إذا جاءه شيء يسر به خر ساجدا وصفته وشروطه كصفة سجود التلاوة وشروطها ولا يسجد للشكر في الصلاة لأن سببه ليس منها فإن فعل بطلت كما لو سجد في الصلاة لسهو صلاة أخرى

باب سجود السهو
وإنما يشرع لجبر خلل الصلاة وهو ثلاثة أقسام : زيادة ونقص وشك
والزيادة ضربان : زيادة أقوال تتنوع ثلاثة أنواع :
أحدها : أن يأتي بذكر مشروع في غير محله كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس والتشهد في القيام والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد الأول ونحوه فهذا لا يبطل الصلاة بحال لأنه ذكر مشروع في الصلاة ولا يجب له سجود لأن عمده غير مبطل وهل يسن السجود لسهره ؟ فيه روايتان :
إحداهما : يسن لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ]
والثانية : لا يسن لأن عمده غير مبطل فأشبه العمل اليسير
الثاني : أن يسلم في الصلاة قبل إتمامها فإن كان عمدا بطلت صلاته لأنه تكلم فيها وإن كان سهوا وطال الفصل بطلت أيضا لتعذر بناء الباقي عليها وإن ذكر قريبا أتم صلاته وسجد بعد السلام فإن كان قد قام فعليه أن يجلس لينهض عن جلوس لأن القيام واجب للصلاة ولم يأت به قاصدا لها والأصل فيه ما روى أبو هريرة قال : صلى بنا النبي صلى الله عليه و سلم إحدى صلاتي العشي فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان شبك بين أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرج السرعان من أبواب المسجد فقالوا : قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له : ذو اليدين فقال له : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ قال : [ لم أنس ولم تقصر ] فقال : أكما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : نعم قال : فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر متفق عليه
وإن انتقض وضوءه أو دخل في صلاة أخرى أو تكلم من غير شأن الصلاة كقوله : اسقني ماء فسدت صلاته وإن تكلم مثل كلام النبي صلى الله عليه و سلم وذي اليدين ففيه ثلاث روايات :
إحداهن : لا تفسد لأن النبي صلى الله عليه و سلم و أبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا ثم أتموا صلاتهم
والثانية : لا تفسد صلاة الإمام لأن له أسوة بالنبي صلى الله عليه و سلم وتفسد صلاة المأموم لأنه لا يمكنه التأسي بأبي بكر وعمر لأنهما تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه و سلم وإجابته واجبة ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلا عن قصر الصلاة في زمن يمكن ذلك فيه فعذر بخلاف غيره واختارها الخرقي
والثالثة : تفسد صلاتهم لعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ] اختارها أبو بكر والأول أولى
النوع الثالث : أن يتكلم من صلب الصلاة فإن كان عمدا أبطل الصلاة إجماعا لما رويناه ولما روى زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه حتى نزلت : { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام متفق عليه وإن تكلم ناسيا أو جاهلا بتحريمه ففيه روايتان :
إحداهما : يبطلها لما روينا ولأنه من غير جنس الصلاة فأشبه العمل الكثير
والثانية : لا يفسدها لما روى معاوية بن الحكم السلمي قال : بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ! ما شأنكم تنظرون إلي ؟ ! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم لكي أسكت فلما صلى رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ثم قال : [ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ] رواه مسلم فلم يأمره النبي صلى الله عليه و سلم بالإعادة لجهله والناسي في معناه
وإن غلب بكاء فنشج بما انتظم حروفا لم تفسد صلاته نص عليه لأن عمر رضي الله عنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف وإن غلط في القراءة وأتى بكلمة من غيره لم تفسد صلاته لأنه لا يمكنه التحرز منه
وإن نام فتكلم احتمل وجهين
أحدهما : لا تفسد صلاته لأنه عن غلبة أشبه ما تقدم
والثاني : أنهه ككلام الناسي وإن شمت عطاسا أفسدت صلاته لحديث معاوية وكذلك إن رد سلاما أو سلم على إنسان لأنه من كلام الآدميين فأشبه تشميت العاطس وإن قهقه بطلت صلاته لأن جابرا روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء ] رواه الدارقطني
والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدا لأنه أقل ما ينتظم منه الكلام وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نفخ في الصلاة وتنحنح فيها وهو محمول على أنه لم يأت بحرفين أو لم يأت بحرفين مختلفين
فصل :
الثاني : زيادة الأفعال وهي ثلاثة أنواع :
أحدهما : زيادة من جنس الصلاة كركعة أو ركوع أو سجود فمتى كان عمدا أبطلها وإن كان سهوا سجد له لما روى ابن مسعود قال : صلى بنا رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) خمسا فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم فقال : [ ما شأنكم ؟ ] قالوا : يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء ؟ قال : [ لا ] قالوا : إنك صليت خمسا فانفتل وسجد سجدتين ثم سلم ثم قال : [ إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] وفي لفظ : [ إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين ] رواه مسلم
ومتى قام الرجل إلى ركعة زائدة فلم يذكر حتى سلم سجد للحال وإن ذكر قبل السلام سجد ثم سلم وإن ذكر في الركعة جلس على أي حال كان فإن كان قيامه قبل التشهد تشهد ثم سجد ثم سلم وإن كان بعده سجد ثم سلم وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه و سلم صلى عليه ثم سجد وسلم
فصل :
وإذا سها الإمام فزاد أو نقص فعلى المأمومين تنبيهه لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى فزاد أو نقص ثم قال ك [ إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ] وعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء ] وفي لفظ : [ التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ] متفق عليه
وإذ سبح به اثنان لزمه الرجوع إليهما لأن النبي صلى الله عليه و سلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر وأمر بتذكيره ليرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا وليس لهم اتباعه لبطلان صلاته فإن اتبعوه بطلت صلاتهم إلا أن يكونوا جاهلين فلا تبطل لأن أصحاب النبي ( ص ) تابعوا في الخامسة وإن فارقوه وسلموا صحت صلاته وذكر القاضي رواية أخرى أنهم يتابعونه استحبابا ورواية ثالثة أنهم ينتظرونه اختارها ابن حامد وإن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يرجع لأن قولهما إنما يفيد الظن واليقين أولى وإن سبح به واحد لم يرجع نص عليه لأن النبي ( ص ) لم يرجع بقول ذي اليدين وحده وإن سبح به من يعلم فسقه لم يرجعه لأن خبره غير مقبول وإن افترق المأمومون طائفتين سقط قولهم لتعارضه عنده وإن نسي التشهد الأول فسبحوا به بعد انتصابه قائما لم يرجع ويتابعونه في القيام لما روى زياد بن علاقة قال : صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتين وسلم وقال : هكذا صنع رسول الله ( ص ) رواه الإمام أحمد
وإن رجع بعد شروعه في القراءة لم يتابعوه لأنه خطأ فإن سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه لأنه ترك واجبا تعين عليهم فلم يجز لهم اتباعه في تركه وإن ذكر التشهد قبل انتصابه فرجع إليه بعد قيام المأمومين وشروعهم في القراءة لزمهم الرجوع لأنه رجع إلى واجب فلزمهم متابعته ولا عبرة بها فعلوه قبله
النوع الثاني : زيادة من غير جنس الصلاة كالمشي والحك والتروح فإن كثر متواليا أبطل الصلاة إجماعا وإن قل لم يبطلها لما روى أبو قتادة أن النبي ( ص ) صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا قام حملها وإذا سجد وضعها متفق عليه وروي عنه أنه فتح الباب لعائشة وهو في الصلاة ولا فرق بين العمد والسهو فيه لأنه من غير جنس الصلاة ولا يشرع له سجود لذلك واليسير : ما شابه فعل النبي ( ص ) فيما رويناه ومثل تقدمه وتأخره في صلاة الكسوف والكثير : ما زاد على ذلك مما عد كثيرا في العرف فيبطل الصلاة إلا أن يفعله متفرقا
النوع الثالث : الأكل والشرب متى أتى بهما في الفريضة عمدا بطلت لأنهما ينافيان الصلاة والنافلة كالفريضة
وعنه : لا يبطلها اليسير والأولى أولى لأن ما أبطل الفريضة أبطل النافلة كالعمل الكثير وإن فعلها سهوا وكثر ذلك بطلت الصلاة لأنه عمل كثير وإن قل فكذلك لأنه من غير جنس الصلاة فسوى بين عمده وسهوه كالمشي
وعنه : لا يبطل لأنه سوى بين قليله و كثيره في العمد فعفي عنه في السهو كالسلام فعلى هذا يسجد له لأنه تبطل الصلاة بعمده وعفي عن سهوه فيسجد له كحنس الصلاة
ومن ترك في فيه ما يذوب كالسكر وابتلع ما يذوب منه فهو أكل وإن بقي في فمه أو بين أسنانه يسير من بقايا الطعام يجري به الريق فابتلعه لم تبطل صلاته لأنه لا يمكنه التحرز منه وإن ترك في فيه لقمة لم يبلعها لم تبطل صلاته لأنه عمل يسير ويكره لأنه يشغل عن خشوعها وقراءتها فإن لاكها فهو كالعمل وإن كثر أبطل وإلا فلا
فصل :
القسم الثاني : النقض وهو ثلاثة أنواع :
أحدها : ترك ركن كركوع أو سجود فإن كان عمدا أبطل الصلاة وإن كان سهوا فله أربعة أحوال :
أحدها : لم يذكره حتى سلم وطال الفصل فتفسد صلاته لتعذر البناء مع طول الفصل
الثاني : ذكره قريبا من التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة لأن الركعة التي ترك الكن منها بطلت بتركه والشروع في غيرها فصارت كالمتروكة
الثالث : ذكر المتروك قبل شروعه في قراءة الركعة الأخرى فإنه يعود فيأتي بما تركه ثم يبني على صلاته : فإن سجد سجدة ثم قام قبل جلسة الفصل فذكر جلس للفصل ثم سجد ثم قام وإن ترك السجود وحده سجد ولم يجلس لأنه لم يتركه ولو جلس للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل لأنه نوى بجلوس النفل فلم يجزئه عن الفرض كمن سجد للتلاوة لم يجزئه عن سجود الصلاة ويسجد للسهو فإن لم يعد إلى فعل ما تركه فسدت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا إلا أن يكون جاهلا
الحال الرابع : ذكر بعد شروعه في قراءة الفاتحة في ركعة أخرى فتبطل الركعة التي ترك ركنها وحدها ويجعل الأخرى مكانها ويتم صلاته ويسجد قبل السلام
وإن ترك ركنين مع ركعتين أتى بركعتين مكانها
وإن ترك أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة تصح له الركعة الرابعة ويأتي بثلاث ركعات ويسجد للسهو وعنه : أن صلاته تبطل لأنه يفضي إلى عمل كثير غير معتد به
وإن ذكر وهو في التشهد أنه ترك سجدة من الرابعة سجد في الحال ثم تشهد وسجد للسهو فإن لم يعلم من أي الركعات تركها جعل من ركعة قبلها ليلزمه ركعة وإن ذكر في الركعة أنه ترك ركنا لم يعلم أركوع هو أم سجود ؟ جعله ركوعا ليأتي به ثم بما بعده كي لا يخرج من الصلاة على شك
النوع الثاني : ترك واجب غير ركن عمدا كالتكبير غير تكبيرة الإحرام وتسبيح الركوع والسجود بطلت صلاته إن قلنا بوجوبه وإن تركه سهوا سجد للسهو قبل السلام لما روى عبد الله بن مالك ابن بحينة قال : صلى بنا النبي ( ص ) الظهر فقام في الركعتين فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم متفق عليه فثبت هذا بالخبر وقسنا عليه سائر الواجبات وإن ذكر التشهد قبل انتصابه قائما رجع فأتى به وإن ذكر بعد شروعه في القراءة لم يرجع لذلك لأنه تلبس بركن مقصود فلم يرجع إلى واجب وإن ذكره بعد قيامه وقبل شروعه في القراءة لم يرجع أيضا لذلك لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) أنه قال : [ إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائما جلس فإن استتم قائما لم يجلس وسجد سجدتي السهو ] رواه أبو داود
وقال أصحابنا : وإن رجع في هذه الحالة لم تفسد صلاته ولا يرجع إلى غيره من الواجبات لأنه لو رجع إلى الركوع لأجل تسبيحة لزاد ركوعا في صلاته وأتى بالتسبيح في ركوع غير مشروع
النوع الثالث : ترك سنة فلا تبطل الصلاة بترها عمدا ولا سهوا ولا سجود عليه لأنه شرع للجبر فإن لم يكن الأصل واجبا فجبره أولى ثم إن كان المتروك من سنن الأفعال لم يشرع له السجود لأنه يمكن التحرز منه وإن كان من سنن الأقوال ففيه روايتان :
أحدهما : لا يسن له السجود كسنن الأفعال
والثانية : يسن لقول عليه السلام : [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ]
فصل :
القسم الثالث : الشك وفيه ثلاث مسائل :
إحداهن : شك في عدد الركعات ففيه ثلاثة روايات :
إحداهن : يبني على غالب ظنه ويتم صلاته ويسجد بعد السلام لما روى ابن مسعود قال : قال رسول الله ( ص ) : [ إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين ] متفق عليه و للبخاري : ( بعد التسليم )
الثانية : يبني على اليقين لما روى أبو سعيد قال : قال رسول الله ( ص ) : [ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أو أربعا ؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى أربعا كانتا ترغيما للشيطان ] رواه مسلم
والرواية الثانية : يبني الإمام على غالب ظنه والمنفرد على اليقين لأن للإمام من يذكره إن غلط فلا يخرج منها على شك والمنفرد يبني على اليقين لأنه لا يأمن الخطأ وليس له من يذكره فلزمه البناء على اليقين كيلا يخرج من الصلاة شاكا فيها وهذا ظاهر المذهب
المسألة الثانية : شك في ركن من الصلاة فحكمه حكم تاركه لأن الأصل عدمه
المسألة الثالثة : شك فيها يوجب سجود السهو من زيادة أو ترك واجب ففيه وجهان :
أحدهما : لا سجود عليه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالشك
والثاني : إن شك في زيادة لم يسجد لأن الأصل عدمها وإن شك في ترك واجب لزمه السجود لأن الأصل عدمه وإنما يؤثر الشك إذا وجد في الصلاة فإن شك بعد سلامها لم يلتفت إليه لأن الظاهر الإتيان بها على الوجه المشروع لأن ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه فسقط وهكذا الشك في سائر العبادات بعده فراغه منها
فصل :
وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب لأن النبي ( ص ) فعله وأمر به ولأنه شرع لجبر واجب فكان واجبا كجبرانات الحج وجميعه قبل السلام لأنه من تمامها وشأنها فكان قبل سلامها كسجود صلبها إلا في ثلاث مواضع :
أحدها : إذا سلم من نقصان في صلاته سجد بعد السلام لحديث ذي اليدين
الثاني : إذا بنى على غالب ظنه سجد بعد السلام لحديث ابن مسعود
الثالث : إذا نسي السجود قبل السلام سجده بعده لأنه فاته الواجب فقضاه وعن أحمد : أن جميعه قبل السلام إلا أن ينساه قبل أن يسلم
وعنه : ما كان من زيادة فهو بعد السلام لحديث ذي اليدين وما كان من نقصان أو شك كان قبله لحديث ابن بحينة وابن سعيد فمن سجد قبل السلام جعله بعد فراغه من التشهد لحديث ابن بحينة : فيكبر للسجود والرفع منه ويسجد سجدتين كسجدتي صلب الصلاة ويسلم عقيبها وإن سجد بعد السلام كبر للسجود والرفع منه لحديث ذي اليدين ويتشهد ويسلم لما روى عمران بن حصين أن النبي ( ص ) صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد وسلم وهذا حديث حسن ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد كسجود صلب الصلاة فإن نسي السجود فذكره قبل طول الفصل سجد وإن تكلم
وقال الخرقي : يسجد ما لم يخرج من المسجد وإن تكلم لأن النبي ( ص ) سجد بعد السلام والكلام رواه مسلم
وإن نسيه حتى طال الفصل أو خرج من المسجد على قول الخرقي سقط وعنه : يعيد الصلاة
وقال أبو الخطاب : إن ترك المشروع قبل السلام عامدا بطلت صلاته لأنه ترك واجبا فيها عمدا وإن ترك المشروع بعد السلام عمدا أو سهوا لم تبطل صلاته لأنه ترك واجبا ليس منها فلم تبطل تبركه كجبرانات الحج
فصل :
فإن سها سهوين محل سجودهما واحد كفاه أحدهما لقول النبي ( ص ) : [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] ولأن السجود إنما أخر ليجمع السهو كله ولولا ذلك فعله عقيب السهو لأنه سببه وإن كان أحدهما قبل السلام الآخر بعده ففيه وجهان :
أحدهما : يجزئه سجود واحد لذلك ويسجد قبل السلام لأنه أسبق و آكد ولم يسبقه ما يقوم مقامه فلزمه الإتيان بخلاف الثاني
والثاني : يأتي بهما في محلهما لقول النبي ( ص ) : [ لكل سهو سجدتان ] رواه أبو داود
فصل :
وليس على المأموم سجود لسهوه فإن سها إمامه فعليه السجود معه لما روى ابن عمر أن النبي ( ص ) قال ك [ ليس على من خلف الإمام سهوا فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه ] رواه الدارقطني ولأن المأموم تابع لإمامه فلزمه متابعته في السجود وفي تركه
ويسجد المسبوق مع إمامه في سهوه الذي لم يدركه فإن كان السجود بعد السلام لم يقم المسبوق حتى يسجد معه
وعنه : لا سجود عليه هاهنا والأول المذهب فإن قام ولم يعلم فسجد الإمام رجع فسجد معه إن يكن استتم قائما وإن استتم قائما مضى ثم سجد في آخر صلاته قبل سلامه لأنه قام عن واجب فأشبه تارك التشهد الأول وإن سجد مع الإمام ففيه روايتان :
إحداهما : يعيد السجود لأن محله آخر الصلاة وإن سجد مع إمامه تبعا فلم يسقط المشروع في محله كالتشهد
والثانية : لا يسجد لأنه قد سجد و انجبرت صلاته وإن لم يسجد مع إمامه سجد وجها واحدا
وإن ترك الإمام السجود فهل يسجد المأموم ؟ فيه روايتان :
إحداهما : يسجد لأن صلاته نقضت بسهو إمامه ولم يجبرها فلزمه جبرها
والثانية : لا يسجد لأنه إنما يسجد تبعا فإن لم يوجد المتبوع لم يجب التبع
فصل :
والنافلة كالفريضة في السجود لعموم الأخبار ولأنها في معناها ولا يسجد لسهو في سجود السهو لأنه يفضي إلى التسلسل ولا في صلاة جنازة لأنه لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى ن لا يسجد لفعل عمد لأن السجود سجود للسهو ولأن العمد إن كان لمحرم أفسد الصلاة وإن كان من غيره فلا عذر عليه والسجود إنما شرع في محل العذر
فصل :
ومن أحدث عمدا بطلت صلاته لأنه أخل بشرطها عمدا وإن سبقه الحدث أو طرأ عليه ما يفسد طهارته كظهور قدمي الماسح وانقضاء مدة المسح ومن به سلس لبول بطلت صلاته
وعنه فيمن سبقه الحدث : يتوضأ ويبني وهذه الصورة في معناها والمذهب الأول لأن الصلاة لا تصح من محدث في عمد ولا سهو وله أن يستخلف من يتم به الصلاة
وعنه : ليس له ذلك لأن صلاته باطلة والمذهب الأول لأن عمر رضي الله عنه حين طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة فلم ينكره أحد فكان إجماعا وإن لم يستخلف فاستخلف الجماعة لأنفسهم أو صلوا وحدانا جاز
قال أصحابنا : وله استخلف من لم يكن معه في الصلاة لأن النبي ( ص ) دخل في صلاة أبي بكر ولم يكن معه فأخذ من حيث انتهى إليه أبو بكر فإن كان مسبوقا ببعض الصلاة فتمت صلاة المأمومين قبله وجلسوا يتشهدون وقام هو فأتم صلاته ثم أدركهم فسلم بهم ولا يسلمون قبله لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف فالمأمومون أولى بانتظاره

باب ما يكره في الصلاة
يكره الالتفات لغير حاجة لأن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن التفات الرجل وهو في الصلاة فقال : [ هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل ] حديث صحيح ولا تبطل الصلاة به ما لم يستدر بجملته أو يستدبر القبلة
ولا يكره للحاجة لأن سهل بن الحنظلية قال : جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب قال : وكان بعث أنس بن أبي مرثد طليعة رواه أبو داود
وقال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلتفت يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره رواه النسائي ويكره رفع البصر لما روى البخاري أن أنسا قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم - فاشتد قوله في ذلك حتى قال - لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم [ ويكره أن يصلي ويده على خاصرته ] لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يصلي الرجل متخصرا متفق عليه ويكره أن يكف شعره أو ثيابه أو يشمر كميه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعرا ولا ثوبا ] متفق عليه ويكره أن يصلي معقوصا أو مكتوفا لما روي أن ابن عباس رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص فحله وقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إنما مثل هذا مثل الذي يصلي مكتوف ] رواه الأثرم
ويكره أن يشبك أصابعه لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه رواه ابن ماجة ويكره فرقعة الأصابع لما روي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة ] رواه ابن ماجة ويكره التروح لأنه من العبث ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس لما روى ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجلس الرجل وهو يعتمد على يديه رواه أبو داود ويكره مسح الحصى لما روى أبو ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا قام أحدكم في الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى ] من المسند ويكره أن يكثر الرجل مسح جبهته لقول ابن مسعود : إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة ويكره النظر إلى ما يلهيه لما روت عائشة قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في خميصة لها أعلام فقال : [ شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بأنبجانيته ] متفق عليه ويكره أن يصلي وبين يديه ما يلهيه لقول النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة : [ أميطي عنا قرامك هذا فإنه ما تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي ] رواه البخاري ويكره كثرة التميل لقول عطاء : إني لأحب أن يقل فيه التحريك وأن يعتدل قائما على قدميه إلا أن يكون إنسانا كبيرا لا يستطيع ذلك فأما التطوع فإنه يطول على الإنسان فلا بد من التوكي على هذا مرة وعلى هذا مرة وكان ابن عمر رضي الله عنه لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما الأخرى ولكن بين ذلك ويكره تغميض العين نص عليه أحمد رضي الله عنه وقال : هو من فعل اليهود ويكره العبث كله وما يذهب بخشوع الصلاة ولا تبطل الصلاة بشيء من هذا إلا ما كان عملا كثيرا
فصل :
ولا بأس بعد الآي والتسبيح لأنه روي عن طاوس والحسن وابن سيرين ولا بأس بقتل الحية والعقرب لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب وإن قتل القملة فلا بأس فإن عمر رضي الله عنه كان يقتل القمل في الصلاة
رواه سعيد
قال القاضي : والتغافل عنها أولى ولا بأس بالعمل اليسير للحاجة لما قدمنا
فصل :
فإن تثاءب في الصلاة استحب له أن يكظم فإن لم يقدر وضع يده على فمه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع ] وفي رواية : [ فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل ] وهذا حديث حسن صحيح وإن بدره البصاق بصق عن يساره أو تحت قدمه فإن كان في المسجد بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال : [ ما بال أحدكم يقوم مستقبل القبلة فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه وإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ] ووصف القاسم : فتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض وإن سلم على المصلي رد بالإشارة لما روى جابر قال : أدركت النبي ( ص ) وهو يصلي فسلمت عليه فأشار إلي فلما فرغ دعاني وقال : [ إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي ] متفق عليه

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10