كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي

لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعِبَادِ فَتَكُونُ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةً بِالنِّيَابَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لَهَا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الْمَوْلَى فَوِلَايَتُهُ بِالْمِلْكِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا لِلَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مَالِكَةً وَكَذَا الذِّمِّيُّ وَالْمُكَاتَبُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْمَالِكُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّأْدِيبُ وَالتَّثْقِيفُ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُخَاطَبٍ شَرْعًا وَهُوَ كَتَأْدِيبِ الدَّوَابِّ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَالتَّقَدُّمُ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ فِي وِلَايَةِ الْحُدُودِ كَالْقَرِيبِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ وَالْمَوْلَى يَمْلِكُ مَالِيَّتَهُ لَا غَيْرُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَصَارَ كَالْحُرِّ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ دُونَ الْأَمْوَالِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى التَّسْبِيبُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ لَا الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ قَتَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا وَنَادَى الْأَمِيرُ فِي النَّاسِ وَالْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَالنِّدَاءِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّسْبِيبِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَاطَبَ الْمَوَالِيَ كُلَّهُمْ بِذَلِكَ وَكُلُّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْمُبَاشَرَةَ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْمَوَالِي بِأَنْ يُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَنَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ لِلْمَوْلَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ .

( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ ) أَيْ بِلَا إذْنٍ وَعَنْ مَالِكٍ إلَّا فِي الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ الْعَبَادِلَةُ الثَّلَاثَةُ ) أَيْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ امْرَأَةً وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَتْلًا بِسَبَبِ الرِّدَّةِ أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ قَطْعًا لِلسَّرِقَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ نَعَمْ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ ) الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ سَبْعَةٌ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّزَوُّجُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَوْنُهُمَا مُحْصَنَيْنِ حَالَةَ الدُّخُولِ أَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ لَيْسَا بِمُكَلَّفَيْنِ وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ } أَيْ الْحَرَائِرَ وَلِأَنَّهَا مُمَكَّنَةٌ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الْمُغْنِي عَنْ الزِّنَا ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ } وَلِأَنَّهُ يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ إذْ الْكَافِرَةُ لَا تُحْصِنُهُ وَيُمْكِنُهُ مِنْ اعْتِقَادِ الْحُرْمَةِ أَوْ يُؤَكِّدُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ } قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجَلْدِ فِي أَوَّلِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَدِينَةَ وَصَارَ مَنْسُوخًا بِهَا ثُمَّ نُسِخَ الْجَلْدُ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ } أَيْ الْمَنْكُوحَاتِ وَقَالَ تَعَالَى { فَإِذَا أُحْصِنَّ } أَيْ تَزَوَّجْنَ وَلِأَنَّهُ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَأَمَّا الدُّخُولُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ } الْحَدِيثَ وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِغَيْرِ دُخُولٍ وَلِأَنَّهُ

بِإِصَابَةِ الْحَلَالِ تَنْكَسِرُ شَهْوَتُهُ وَيَشْبَعُ فَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزِّنَا وَالْمُعْتَبَرُ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ وَأَمَّا إحْصَانُهُمَا حَالَةَ الدُّخُولِ فَلِأَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِهِ تَتَكَامَلُ إذْ الطَّبْعُ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْمَجْنُونَةِ وَقَلَّمَا يُرْغَبُ فِي الصَّغِيرَةِ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهَا فِيهِ وَفِي الْمَمْلُوكَةِ حَذَرًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ وَفِي الْكَافِرَةِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِحْصَانُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ } وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَكُلُّهَا زَوَاجِرُ عَنْ الزِّنَا وَالْجِنَايَةُ عِنْدَ تُوَفِّرْ النِّعْمَةِ وَوُجُودِ الْمَانِعِ أَغْلَظُ وَأَقْبَحُ فَيُنَاطُ بِهَا نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ وَلِهَذَا هَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاءَ النَّبِيِّ بِضِعْفِ مَا هَدَّدَ بِهِ غَيْرَهُنَّ وَعَاتَبَ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ بِزَلَّاتٍ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا غَيْرُهُمْ لِزِيَادَةِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِاعْتِبَارِهِمَا وَنَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ زَالَ الْإِحْصَانُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْجُنُونِ وَالْعُنَّةِ يَعُودُ مُحْصَنًا إذَا أَفَاقَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ حَتَّى يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ إلَخْ ) قَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ لِأَنَّ إحْصَانَ الْقَذْفِ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُنَا يَدْخُلُ بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَعْنِي تَكُونُ الصِّحَّةُ قَائِمَةً حَالَةَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِتَزَوُّجِهَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَقِبَهُ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً أَيْ الشَّرَائِطُ الَّتِي هِيَ الْإِحْصَانُ وَكَذَا شَرْطُ الْإِحْصَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الرَّجْمِ هِيَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ فَهِيَ أَجْزَاؤُهُ أَوْ هُوَ هَيْئَةٌ يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهَا فَهِيَ أَجْزَاءُ عِلَّتِهِ وَكُلُّ جُزْءٍ عِلَّةٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ شَرْطُ وُجُوبِ الرَّجْمِ وَالْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُسَمَّى بِالْإِحْصَانِ وَالشَّرْطُ يَثْبُتُ سَمْعًا أَوْ قِيَاسًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ ) إلَى هُنَا كَلَامُ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْإِحْصَانُ وَالتَّكْلِيفُ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا فِي خَطِّهِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ ) أَيْ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالتَّكْلِيفُ الرَّابِعُ الْإِسْلَامُ الْخَامِسُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ السَّادِسُ الدُّخُولُ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْوَطْءُ السَّابِعُ إحْصَانُهُمَا حَالَةَ الدُّخُولِ ا هـ وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الزِّنَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ جَمِيعًا لَكِنْ لِلرَّجْمِ شَرَائِطُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ يَجِبُ الرَّجْمُ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْجَلْدُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّخُولَ آخِرُ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الدُّخُولُ

أَوَّلًا ثُمَّ وُجِدَ سَائِرُ الشَّرَائِطِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ بَعْدَهَا بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَنَى الرَّجُلُ لَا رَجْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا وَلَمْ تَكْمُلْ شَرَائِطُ إحْصَانِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَمَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكْمُلُ الْإِحْصَانُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا ثُمَّ إذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَيُمْكِنُهُ ) أَيْ الْإِسْلَامُ يُمْكِنُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ شَرْطُ الْإِحْصَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ الذِّمِّيَّ الثَّيِّبَ الْحُرَّ إذَا زَنَى عِنْدَنَا يُجْلَدُ وَلَا يُرْجَمُ وَعِنْدَهُمَا يُرْجَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ) أَيْ ثُمَّ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ وَكَذَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا أَيْضًا بِالْجِمَاعِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ ) أَيْ التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا

إحْصَانُهُمَا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ فِي شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ فَهُوَ شَرْطٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ أَمَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَدَخَلَ بِهَا لَا يَصِيرُ الزَّوْجُ مُحْصَنًا بِهَذَا الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ زَنَى بَعْدَهُ لَا يُرْجَمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَصِيرُ مُحْصَنَةً فَلَا تُرْجَمُ لَوْ زَنَتْ وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَيْ يَطَأَهَا زَنَى لَا يُرْجَمُ وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ مَا دَخَلَ لَا يُرْجَمُ لَوْ زَنَى مَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَتْ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا فَإِذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكَوْنُهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ فَعَنْ هَذَا عَرَفْت أَنَّ إحْصَانَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ شَرْطٌ لِإِحْصَانِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ إحْصَانِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِإِحْصَانِ الْآخَرِ حَتَّى يُحَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّ نَفْسِهِ جَلْدًا كَانَ أَوْ رَجْمًا ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ وَهُوَ الدُّخُولُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَهُ امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ فِي نِكَاحِهِ يُرْجَمُ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ ا هـ وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فَإِنْ أَقَرَّا بِالدُّخُولِ ثَبَتَ

إحْصَانُهُمَا وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ لِأَنَّ حُكْمَ إقْرَارِهِ يَلْزَمُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَهُمَا يُنْكِرَانِ الدُّخُولَ فَهُمَا مُحْصَنَانِ لِأَنَّ الْوَلَدَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ يُثْبَتُ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ كَمَا لَا يَثْبُتُ الزِّنَا وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطٌ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ وَهُوَ الزِّنَا لَا إلَى الشَّرْطِ وَلَوْ رَجَعُوا لَا يَضْمَنُونَ وَقَالَا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ بِهِمْ وَبِشُهُودِ الزِّنَا وَيَسْتَفْسِرُ الْقَاضِي شُهُودَ الْإِحْصَانِ مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ فَإِنْ ذَكَرَا الشَّرَائِطَ وَقَالَا دَخَلَ بِهَا كَفَى ذَلِكَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ الدُّخُولُ قَدْ يَكُونُ لِلزِّنَا وَقَدْ يَكُونُ لِلْوَطْءِ فَلَا يُقْبَلُ لِلِاحْتِمَالِ وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْوَطْءِ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَيُقَالُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَفِي جَامِعِ الرَّازِيّ لَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ ) يَعْنِي فِي الْمُحْصَنِ ( وَ ) لَا بَيْنَ ( جَلْدٍ وَنَفْيٍ ) يَعْنِي فِي الْبِكْرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُحْصَنِ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَجُلٍ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ جَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي مَاعِزٍ وَلَا فِي الْغَامِدِيَّةِ وَلَا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَى بِهَا الْعَسِيفُ بَلْ رَجَمَهُمْ مِنْ غَيْرِ جَلْدٍ وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ حَدًّا لَمَا تَرَكَهُ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْجَلْدِ مَعَ الرَّجْمِ لِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ زَاجِرًا وَزَجْرُهُ بِالْجَلْدِ لَا يَتَأَتَّى مَعَ هَلَاكِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالرَّجْمِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ الْعُقُوبَاتِ فَإِذَا عَرِيَ عَنْ الْفَائِدَةِ فَلَا يُشْرَعُ وَلِهَذَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْ شَخْصٍ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ زَجْرُهُ وَزَجْرُ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالْأَوَّلِ وَمَا رَوَوْهُ مَعْنَاهُ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ أَوْ الرَّجْمُ لِأَنَّ الْوَاوَ تَجِيءُ بِمَعْنَى أَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثَلَاثَ وَرُبَاعَ } أَيْ أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى أَوْ ثَلَاثَ أَوْ رُبَاعَ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ جَلْدُ

مِائَةٍ إنْ لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ وَهَذَا مَعْنًى مُسْتَقِيمٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ فَإِنَّ كُلَّ ثَيِّبٍ لَا يُرْجَمُ فَيَكُونُ تَنْبِيهًا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْحُكْمَيْنِ فِي الثَّيِّبِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَجْهَ نَسْخِهِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الَّذِي جَمَعَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا جَلَدَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ ثُمَّ لَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ رَجَمَهُ فَإِنَّ جَابِرًا قَالَ إنَّ { رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَدَهُ الْحَدَّ ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِعْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ الرَّجْمَ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَدِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَا يَجُوزُ وَعَرَّفَ أَحَدَ الْحَدَّيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرَ بِالسُّنَّةِ فَلِهَذَا قَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لِأَنَّ الْجَمْعَ مَشْرُوعٌ فِي وَاحِدٍ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ فِي الْبِكْرِ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ } { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْعَسِيفِ عَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ } وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَضْرِبُونَ وَيُغَرِّبُونَ وَلِأَنَّ الزِّنَا يَنْشَأُ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ فَيُفَرَّقُ وَيُغَرَّبُ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَمَّا كَانَ تَمَكُّنُهُ مِنْ السَّرِقَةِ بِالْمَشْيِ وَالْبَطْشِ صَارَ حَدُّهُ قَطْعَ آلَةِ الْمَشْيِ وَالْبَطْشِ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ

جَلْدَةٍ } جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجِبِ نَظَرًا إلَى الْجَوَابِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ مَا يَكُونُ كِفَايَةً لِأَنَّهُ مِنْ جَزَأَ بِالْهَمْزِ أَيْ كَفَى وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ كُلَّ الْمُوجِبِ إذْ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَلَوْ وَجَبَ التَّغْرِيبُ لَكَانَ الْجَلْدُ بَعْضَ الْمُوجِبِ فَيَكُونُ نَسْخًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ تَعْرِيضًا لَهَا عَلَى الزِّنَا لِأَنَّهَا إذَا تَبَاعَدَتْ عَنْ الْعَشَائِرِ وَالْأَقَارِبِ ارْتَفَعَ الْحَيَاءُ وَإِذَا نَزَلَتْ فِي الرِّبَاطَاتِ أَوْ الْخَانَاتِ أَحْوَجَهَا انْقِطَاعُ مَوَادِّ الْمَعَاشِ إلَى اتِّخَاذِ الزِّنَا مَكْسَبَهُ لِارْتِفَاعِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَهُوَ أَقْبَحُ وُجُوهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَقَعُ جَهْرًا لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ وَقَاحَةٍ وَمَعَ الْعَشَائِرِ إنْ وَقَعَ يَقَعُ خُفْيَةً وَمَكْتُومًا لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ اسْتِحْيَاءٍ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفَى شَخْصًا فَارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنْفِيَ بَعْدَهُ أَبَدًا وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ نَفْيَهُمْ كَانَ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَالتَّعْزِيرِ لَا بِطَرِيقِ الْحَدِّ لِأَنَّ مِثْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَحْلِفُ أَنْ لَا يُقِيمَ الْحَدَّ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالزِّنَا أَلَا تَرَى { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَفَى الْمُخَنَّثَ } وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفَى نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَكَانَ غُلَامًا صَبِيحًا يُفْتَتَنُ بِهِ النِّسَاءُ وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ وَلَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا فَإِنَّ الْغُلَامَ قَالَ لَهُ مَا ذَنْبِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَا ذَنْبَ لَك وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِي حَيْثُ لَا أُطَهِّرُ دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْك فَنَفَاهُ وَالْتَحَقَ بِالرُّومِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنْفِيَ أَحَدًا بَعْدَ هَذَا وَلِأَنَّ نَفْيَ الْمَرْأَةِ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا لِأَنَّ سَفَرَهَا

بِغَيْرِ مَحْرَمٍ حَرَامٌ وَلَا ذَنْبَ لِلْمَحْرَمِ حَتَّى يُنْفَى مَعَهَا وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُهَاجِرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ سَفَرًا وَإِنَّمَا تَطْلُبُ الْخَلَاصَ حَتَّى لَوْ وَصَلَتْ إلَى جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ مَنَعَةٌ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَتُسَافِرَ وَكَذَا فِي الْأَمَةِ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الْخِدْمَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْلَاهَا وَكَذَا الْعَبْدُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ } فَإِنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ عَلَى الْمُحْصَنِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَيَانُ نَسْخِهِ أَنَّ حَدَّ الزِّنَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ الْإِيذَاءَ بِاللِّسَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَآذَوْهُمَا } ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } ثُمَّ نُسِخَ الْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ } فَكَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ النُّورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خُذُوا عَنِّي وَلَوْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا لَقَالَ خُذُوا عَنْ اللَّهِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فَكَانَ الْجَلْدُ حَدَّ كُلِّ زَانٍ ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِالرَّجْمِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ مَعْمُولًا بِهِ فَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ عَلَى الْجَلْدِ فَقَطْ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ وَعَلَى الرَّجْمِ فَقَطْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ غَرَّبَ بِمَا يَرَى صَحَّ ) أَيْ لَوْ غَرَّبَ الْإِمَامُ الْجَانِيَ بِمَا يَرَى مِنْ التَّغْرِيبِ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالتَّغْرِيبِ الْحَبْسُ

قَالَ الشَّاعِرُ وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبٌ أَيْ لَمَحْبُوسٌ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ نَفْيِهِ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ لِأَنَّهُ بِالنَّفْيِ يَعُودُ مُفْسِدًا كَمَا كَانَ وَلِهَذَا كَانَ الْحَبْسُ حَدًّا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ دُونَ النَّفْيِ وَحُمِلَ النَّفْيُ الْمَذْكُورُ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ فَيَكُونُ كُلُّ الْمُوجِبِ ) أَيْ لِأَنَّ الْحَكِيمَ مَهْمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى بَيَانِ بَعْضِ الْحُكْمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعُمَرُ نَفَى شَخْصًا ) أَيْ وَهُوَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَيَانُ نَسْخِهِ أَنَّ حَدَّ ) لَفْظَةُ حَدٍّ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ ا هـ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ ) أَيْ إذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَكَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ لِأَنَّ الرَّجْمَ مُتْلِفٌ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى التَّلَفِ وَالْجَلْدُ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَا فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ وَإِنْ كَانَ الزَّانِي ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ إذَا ضُرِبَ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا مِقْدَارَ مَا يَتَحَمَّلُهُ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ رَجُلًا ضَعِيفًا زَنَى فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اضْرِبُوهُ حَدَّهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَعِيفٌ مِمَّا نَحْسَبُ وَلَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةً قَتَلْنَاهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خُذُوا عُثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ثُمَّ اضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً قَالَ فَفَعَلُوا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد { لَوْ حَمَلْنَاهُ إلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ وَمَا هُوَ إلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ }قَوْلُهُ عُثْكَالًا ) الْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ عُنْقُودُ النَّخْلِ وَالشِّمْرَاخُ شُعْبَةٌ مِنْهُ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ وَتَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ ) أَيْ لَوْ كَانَتْ الزَّانِيَةُ حَامِلًا لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْهَلَاكُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَهُ حُرْمَةُ الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ الزِّنَا لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ { امْرَأَةً مِنْ غَامِدٍ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَك ارْجِعِي وَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ تَعَالَى وَتُوبِي إلَيْهِ فَقَالَتْ أَرَاك تُرِيدُ أَنْ تَرْدُدَنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَتْ إنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا قَالَ أَنْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَ إذًا لَا تَرْجُمْهَا وَتَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مِنْ يَرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إلَيَّ رَضَاعُهُ قَالَ فَرَجَمَهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَتُحْبَسُ حَتَّى تَلِدَ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً لَا تُحْبَسُ وَلَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ لَمْ تُجْلَدْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ { عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا فَأَتَيْتُهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ أَنْ أَجْلِدَهَا أَنْ أَقْتُلَهَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحْسَنْت اُتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُنْتَظَرُ الْبُرْءُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ بِخِلَافِ الرَّجْمِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الرَّجْمَ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا

لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ { جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْت فَطَهِّرْنِي وَأَنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرْدُدُنِي لَعَلَّك تَرْدُدُنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى قَالَ : إمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْته قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحَفَرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَتَنَفَّلَ خَالِدٌ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إيَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَانِ مِنْ غَامِدٍ فَأَخَّرَ رَجْمَ إحْدَاهُمَا إلَى أَنْ يُفْطَمَ وَلَدُهَا دُونَ الْأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مِنْ غَامِدٍ وَالْأُخْرَى مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَغَلِطَ الرَّاوِي فِي الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُبْلَى أَرَاهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى حَبَسَهَا إلَى سَنَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجُمُهَا وَإِذَا شَهِدُوا عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ فَنَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَقُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ دُرِئَ عَنْهَا الْحَدُّ وَلَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَيُقْبَلُ فِي الرَّتْقَاءِ وَالْعَذْرَاءِ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْفَتْوَى الْوَلْوَالِجِيُّ وَالْمُثْنَى أَحْوَطُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَقَالَ ) لَفْظُ فَقَالَ مَشْطُوبٌ عَلَيْهِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ يُرَاجَعُ الْحَدِيثُ ( قَوْلُهُ تَمَاثَلَ ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .

( بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ ) الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمُكَلَّفِ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ عَنْ طَوْعٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلُ حَرَامٍ وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَثْبُتُ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا وَأَنَّ الْوَقْفَ أَصَحُّ وَعِنْدَنَا لَا يَضُرُّ ذَلِكَ إذَا صَحَّ الرَّفْعُ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَهُ تَارَةً وَيُفْتُونَ بِهِ أُخْرَى وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا } ثُمَّ الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فَالْأَوَّلُ يُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَيَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَحِلَّ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ فَكَانَ زِنًا حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ الظَّنُّ وَلِهَذَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ وَالنَّوْعَانِ الْآخَرَانِ الشُّبْهَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمِيَّةٌ فَيَثْبُتُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ لِدَلِيلٍ قَائِمٍ بِهِ يَقْتَضِي الْحِلَّ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ إفَادَتِهِ لِمَانِعٍ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ

( بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ ) ( قَوْلُهُ ثُمَّ الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالشُّبْهَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ وَهُوَ أَنْ يُشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُسَمَّى شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي شُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ نَاشِئَةً فِي الْمَحِلِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَحِلِّ شُبْهَةُ الْمِلْكِ أَعْنِي شُبْهَةَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ مِلْكِ الْبِضْعِ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَحِلَّ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا حَقِيقَةً ثُمَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشُّبْهَتَيْنِ يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ إذَا قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِارْتِفَاعِ الِاشْتِبَاهِ وَفِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِقِيَامِ الْمَحِلِّ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَأَصْحَابُنَا قَسَّمُوا الشُّبْهَةَ قِسْمَيْنِ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ وَشُبْهَةَ مُشَابَهَةٍ أَيْ شُبْهَةً فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَمْ يُشْتَبَهْ عَلَيْهِ وَشُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةَ مِلْكٍ أَيْ الثَّابِتُ شُبْهَةٌ حَكَمَ الشَّرْعُ بِحِلِّ الْمَحِلِّ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فَصَارَتْ الشُّبْهَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةً شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ وَشُبْهَةً فِي الْعَقْدِ وَكَذَا قَسَّمَهَا فِي

الْمُحِيطِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ ) أَيْ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ وَلَا دَلِيلَ فِي السَّمْعِ يُفِيدُ الْحِلَّ بَلْ ظَنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا كَمَا يَظُنُّ أَنَّ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ تَحِلُّ لَهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَاسْتِخْدَامُهَا حَلَالٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ وَإِلَّا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا لِفَرْضِ أَنْ لَا دَلِيلَ أَصْلًا لِتَثْبُتَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةٌ أَصْلًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ ظَنَّ الْحِلَّ أَوْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا حَدَّ بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ وَإِنْ ظُنَّ حُرْمَتُهُ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَمُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَجْلِ شُبْهَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَحِلِّ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَا فَامْتَنَعَ الْحَدُّ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ لِلْحِلِّ قَائِمٌ وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إثْبَاتِهِ حَقِيقَةً لِمَانِعٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ شُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ فِي الْمَحِلِّ بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } يَقْتَضِي الْمِلْكَ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ وَكَذَا أَمَةُ وَلَدِ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَدَّةُ الَّتِي طَلَّقَهَا بِالْكِنَايَاتِ فِيهَا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ قَوْلَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَيَدِهِ وَتَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ وَقَدْ بَقِيَتْ الْيَدُ فَتَبْقَى الشُّبْهَةُ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَمِنْهَا جَارِيَةُ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي كَسْبِ عَبْدِهِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْمَبِيعَةِ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْبَعْضِ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرَ

وَمِنْهَا الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ يَقَعُ بِهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ وَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَصَارَتْ كَالْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِشُبْهَةِ الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ وَأَمَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ ) أَيْ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ لَهُ وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشُّبْهَةِ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي هَؤُلَاءِ اللَّاتِي ذَكَرَهُنَّ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مَقْطُوعٌ بِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ كَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ لِذَلِكَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً إنْ ظَنَّ حِلَّهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقَطْعِيِّ وَكَذَا الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَلَا مِلْكَ لَهُ وَلَا حَقَّ فِي مَالِهِمْ وَكَذَا الْعَبْدُ فِي مَالِ مَوْلَاهُ غَيْرَ أَنَّ الْبُسُوطَةَ تَجْرِي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْوَالِ وَالرِّضَا بِذَلِكَ عَادَةً وَهِيَ تُجَوِّزُ الِانْتِفَاعَ بِمَالِهِ شَرْعًا فَإِذَا ظَنَّ الْوَطْءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَلَالًا يُعْذَرُ لِأَنَّ وَطْءَ الْجَوَارِي مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ فَيُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْحَالُ وَالِاشْتِبَاهُ فِي مَحِلِّهِ مَعْذُورٌ فِيهِ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَيْضًا أَخَوَاتٌ مِنْهَا الْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَمِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا

مَوْلَاهَا لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَتَثْبُتُ الشُّبْهَةُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْفِرَاشِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مَعْنَاهَا فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ يَكُونُ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْعَيْنَ وَلَئِنْ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُفِيدَ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لَهَا بَعْدَ الْهَلَاكِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فِيهَا فَصَارَتْ كَالْجَارِيَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ وَكَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَثْبُتُ حَقِيقَةً فِي حَالِ قِيَامِهَا عِنْدَ نُفُوذِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُطْلَقًا اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْتَبَهْ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ وَكَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ قُلْنَا الِاسْتِيفَاءُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفِيدُ الْمُتْعَةَ بِحَالٍ وَالْغَرِيمُ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ التَّرِكَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ مَلَكَ الْعَيْنَ أَوْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهَا لَمَا جَازَ بَيْعُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ كَالرَّهْنِ ثُمَّ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِدَعْوَى الْفَحْلِ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِدَعْوَى الْجَارِيَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ

لَا يُوجِبُ السُّقُوطَ عَنْ الْأَصْلِ كَالْبَالِغِ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْجَارِيَةِ بِاعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى فَقَطْ ) أَيْ يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ ادَّعَاهُ فِي الشُّبْهَةِ الْأُولَى وَهِيَ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ وَلَا يَثْبُتُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَهُوَ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ وَإِنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْمِلْكِ أَوْ الْحَقِّ فِي الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْفِرَاشِ وَالْفِرَاشُ أَوْ شُبْهَتُهُ تُوجَدُ بِأَحَدِهِمَا وَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ زِنًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الثَّانِي فَتَمَحَّضَ زِنًا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَالْمَحَلُّ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَعَنْ الْحَقِّ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاشْتِبَاهَ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَمَا يَأْتِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَوَلَدِ وَلَدِهِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا أَمَةُ وَلَدِ الْوَلَدِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَى الْأَبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقِيمَةِ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا مَلَكَهَا بِجَمِيعِ الْعُقْرِ سَقَطَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْجُزْءِ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ أَمَّا الْجَدُّ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَدَّ يَكُونُ مَحْجُوبًا بِالْأَبِ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِعَدَمِ تَأْوِيلِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي يَتَأَوَّلُ بِهَا الْمِلْكُ فِي ثَانِي الْحَالِ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالِ أَعْنِي قَرَابَةَ الْوِلَادِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فَدُرِئَ الْحَدُّ بِهَا وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ سُقُوطُ الْحَدِّ فِيهِ لِشُبْهَةٍ فِي الْمَحِلِّ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْحُرْمَةَ أَوْ لَا يَعْلَمَ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ فِي الْحَالَيْنِ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا إذَا هَلَكَتْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ النِّهَايَةِ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ نَافِلَتِهِ وَالْأَبُ فِي الْأَحْيَاءِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يُحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ يَجِبُ الْحُكْمُ بِغَلَطِهِ وَأَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ لَفْظَةُ لَا لِأَنَّ جَمِيعَ الشَّارِحِينَ لِهَذَا الْمَكَانِ مُصَرِّحُونَ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ وَنَفْسُ أَبِي اللَّيْثِ صَرَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْأَبِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ

جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لَمْ تَثْبُتْ دَعْوَةُ الْجَدِّ إذَا كَذَّبَهُ وَكَذَّبَ الْوَلَدَ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِيلَادِ تَنْبَنِي عَلَى وِلَايَةِ نَقْلِ الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ وِلَايَةُ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَدُ الْوَلَدِ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْجَدِّ وَأَنَّهُ عَمُّهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ الْبُنُوَّةُ فَيَجِبُ الْعُقْرُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَدِّ عِنْدَ ذَلِكَ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الدَّعْوَةِ صَدَّقَهُ ابْنُ الِابْنِ أَوْ كَذَّبَهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ كَالْأَبِ فِي الْوِلَايَةِ فَلَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى نَفْسِهِ بِدَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِيهَا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ ) يَعْنِي هَلْ الْكِنَايَاتُ بَوَائِنُ أَوْ رَوَاجِعُ ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ ) أَيْ إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ ) أَيْ الْمَجْعُولَةُ مَهْرًا إذَا وَطِئَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلزَّوْجَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ ) أَيْ بَيْنَ الْوَاطِئِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مُخْتَارَةٍ كَمَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدْ

انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ ) أَيْ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَمَالِكًا بِالْهَلَاكِ مِنْ وَقْتِ الرَّهْنِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ دَخَلَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ صُوَرٌ مِثْلُ وَطْءِ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَمُكَاتَبِهِ وَوَطْءِ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَاَلَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ جَارِيَتُهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُك غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ مُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ أُمَّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ فَاسْتُحْسِنَ أَنْ يُدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدُّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ا هـ وَقَدْ عَدَّهَا الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ سِتَّةً أَيْضًا تَبَعًا لِلشَّارِحِينَ فَقَالَ قَبْلَ مَا نَقَلْته عَنْهُ آنِفًا وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ ابْنِهِ وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ وَالْمَجْعُولَةُ مَهْرًا وَالْمُشْتَرَكَةُ وَالْمَرْهُونَةُ إذَا وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ وَعَلِمْت أَنَّهَا لَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ وَهِيَ هُنَا قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ أَيْ الْحُرْمَةُ الْقَائِمَةُ بِهَا فِيهَا شُبْهَةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ نَظَرًا إلَى دَلِيلِ الْحِلِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } وَنَحْوِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا ا هـ مَعَ حَذْفِ ( قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلِشُبْهَةِ الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَشُبْهَةُ الْفِعْلِ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ أَنْ يَطَأَ

جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَكَذَا جَارِيَةُ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَيَا أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَائِنًا عَلَى مَالٍ وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ بِلَا مَالٍ فَإِنَّهَا مِنْ الْحُكْمِيَّةِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي أَعْتَقَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهِ وَالْعَبْدُ يَطَأُ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ وَالْمُرْتَهِنُ يَطَأُ الْمَرْهُونَةَ ا هـ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْكَنْزِ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ خَمْسَةً وَذَكَرَ الشَّارِحُ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي أَوْ جَارِيَةً أَجْنَبِيَّةً عَلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ ) أَيْ فَإِنَّ الزَّيْدِيَّةَ يَقُولُونَ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَالْإِمَامِيَّةُ يَقُولُونَ إنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ ) قَالَ فِي أَمَالِي الْحَسَنِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ وَقَالَ إنَّهَا لِي حَلَالٌ عَلَيْهِ الْعُقْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ إنْ جَاءَتْ بِهِ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا عُقْرَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الظَّنَّ وَالْآخَرُ لَمْ يَدَّعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا لِعِلْمِهِمَا الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا ثَبَتَتْ فِي الْفِعْلِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَعَدَّتْ إلَى الْآخَرِ ضَرُورَةً ا هـ ( قَوْلُهُ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِدَعْوَى

الْجَارِيَةِ الْحِلَّ ) أَيْ لَا يُحَدُّ الْوَاطِئُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاشْتِبَاهَ إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ ظَنَنْت أَنَّ عَبْدَ مَوْلَايَ أَوْ مَوْلَاتِي أَوْ ابْنَ مَوْلَايَ أَوْ مَوْلَاتِي أَوْ زَوْجَ سَيِّدَتِي يَحِلُّ لِي لِأَنَّ دَعْوَى الِاشْتِبَاهِ يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهَا سَقَطَ عَنْهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِزَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ جَارِيَةُ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ وَلَدُهُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْحِلُّ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْبَالِغِ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا لَا لِلشُّبْهَةِ بَلْ لِلْحَدِّ ا هـ ( قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ) أَيْ لِلْعُقُوبَاتِ لِكَوْنِهَا مَرْفُوعَةَ الْقَلَمِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى فَقَطْ ) سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فِيمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقِيلَ هِيَ امْرَأَتُهُ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُك فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَهَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مَعَ أَنَّهَا شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ ادَّعَاهُ فِي الشُّبْهَةِ الْأُولَى ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ زِنًا لِشُبْهَةٍ فِي الْمَحِلِّ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ وَهُوَ الْحَقُّ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ ) أَيْ لَمْ يَخْلُصْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْوَاطِئِ لَا إلَى الْمَحِلِّ فَكَانَ الْمَحِلُّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ بِهَذَا الْوَطْءِ

وَلِذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الزِّنَا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَإِنْ ظَنَّ حِلَّهُ وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ ) يَعْنِي وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ لَا بُسُوطَةَ فِي مَالِ هَؤُلَاءِ عَادَةً فَلَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إلَى دَلِيلٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ مِنْهُمْ حَيْثُ لَا تُقْطَعُ بِهَا يَدُهُ لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ يَجِبُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِرْزُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الْمَحَارِمَ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً فَيُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَأَمَّا هُنَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا وَقَدْ وُجِدَ وَيُدْرَأُ بِالْحِلِّ أَوْ بِشُبْهَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَيَتَبَيَّنْ لَك هَذَا الْمَعْنَى فِي الضَّيْفِ فَإِنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمُضِيفِ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَإِنْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ بَلْ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ أَيْ يُحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لِأَنَّهُ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ لَا تُشْتَبَهُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَقَدْ يَنَامُ فِي فِرَاشِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ وَالْمَعَارِفِ وَالْجِيرَانِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى دَلِيلٍ فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ يَعْرِفُهَا بِالْجَسِّ وَالنَّفَسِ وَالرَّائِحَةِ وَالصَّوْتِ فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ التَّفَحُّصِ عَنْهَا إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ فَقَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْإِخْبَارُ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِاسْمِ امْرَأَتِهِ فَوَاقَعَهَا لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ فِي الْمَزْفُوفَةِ وَإِنْ أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ أَنَا امْرَأَتُك وَلَا أَنَا فُلَانَةُ يُحَدُّ

لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ وَلَوْ أَكْرَهَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ مَعَ الْقَطْعِ

( قَوْلُهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ هُنَا لَا فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ الِانْبِسَاطِ فَلَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذَا لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحَدُّ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَ الدَّارَ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلْكُ لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ الْحَدِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِلْمُهُ بِالْحُرْمَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَانَ قَلِيلَ الْجَدْوَى أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَدَّ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي ثَبَتَ زِنَاهُ عِنْدَهُ عُرِفَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْإِمَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ سِوَى الْوِلَادِ ) أَيْ كَالْخَالِ وَالْخَالَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلِاشْتِبَاهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ الْكَمَالُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ

مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَاسُوهَا عَلَى الْمَزْفُوفَةِ بِجَامِعِ ظَنِّ الْحِلِّ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا شُبْهَةَ هُنَا أَصْلًا سِوَى أَنْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ وَمُجَرَّدُ وُجُودِ امْرَأَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْحِلِّ لِيَسْتَنِدَ الظَّنُّ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى الْفِرَاشِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ مِنْ حَبَائِبِهَا الزَّائِرَاتِ وَقَرَابَاتِهَا فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى مَا يَصْلُحُ دَلِيلَ حِلٍّ فَكَانَ كَمَا لَوْ ظَنَّ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِلْخِدْمَةِ وَالْمُودَعَةَ حَلَالًا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ ا هـ ( قَوْلُهُ فُلَانَةَ يُحَدُّ ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَالُ مُتَوَسِّطًا فِي اطْمِئْنَانِ النَّفْسِ إلَى أَنَّهَا هِيَ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِأَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُك ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ هِيَ زَوْجَتُك فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدُ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَيُطْلَقُ لَهُ الْعَمَلُ إذْ الْمَرْءُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلَا دَلِيلَ يَقِفُ عَلَيْهِ سِوَى هَذَا وَلِهَذَا قُلْنَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْإِخْبَارَ بِالْمِلْكِ كَالْمُتَحَقِّقِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ عَنْهُ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ بَعْدَمَا وَطِئَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ حَلَالٌ لَهُ ظَاهِرًا وَالْحُكْمُ يُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَكَانَ زِنًا حَقِيقَةً فَيَبْطُلُ بِهِ إحْصَانُهُ وَاسْتِنَادُهُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِذَلِكَ عَلِقَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَقْ ادَّعَاهُ أَوْ لَمْ يَدَّعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَيْهِ مَهْرٌ ) لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ مِمَّا ذَكَرْنَا يَجِبُ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ وَعَلِقَتْ مِنْهُ وَادَّعَى نَسَبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ذَكَرَهَا فِي الزِّيَادَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ بِوَطْءِ جَارِيَةِ السَّيِّدِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِهِ وَلَوْ قِيلَ

وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ فَمُسْتَقِيمٌ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى عَبْدَهُ بِجَارِيَتِهِ وَيَكُونُ الْمَهْرُ لِلْمَوْطُوءَةِ بِذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ حَقَّ الشَّرْعِ لِمَا أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ لَهُ وَهَذَا كَالْعِوَضِ عَنْهُ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْحَدِّ لَوَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْحَدَّ سَاقِطٌ عَنْهَا

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِأَجْنَبِيَّةٍ ) اُنْظُرْ مَا تَقَدَّمَ بِأَسْطُرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا إذَا ادَّعَاهَا إلَخْ فَإِنَّهُ مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ كَمَا فِي الْمَزْفُوفَةِ وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زُفَّتْ ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ زُفَّتْ أَيْ بُعِثَتْ وَهُوَ مِنْ بَابِ فَعَلَ يَفْعُلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ فَلِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ بَيَانُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ إلَّا بِالْإِخْبَارِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا إذَا جَاءَتْ الْجَارِيَةُ وَقَالَتْ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً يَحِلُّ وَطْؤُهَا اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهَا فَلَمَّا كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ اشْتِبَاهٍ تَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ فَسَقَطَ الْحَدُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ فِيهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ نَسَبٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا شُبْهَةُ دَلِيلٍ فَإِنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ هِيَ زَوْجَتُك دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا حَلَّ وَطْءُ الْأَمَةِ إذَا جَاءَتْ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ مَوْلَايَ أَرْسَلَنِي إلَيْك هَدِيَّةً فَإِذَا كَانَ دَلِيلًا غَيْرَ صَحِيحٍ فِي الْوَاقِعِ أَوْجَبَ الشُّبْهَةَ الَّتِي يَثْبُتُ مَعَهَا النَّسَبُ وَعَلَى الْمَزْفُوفَةِ الْعِدَّةُ ا هـ قَوْلُهُ عِنْدَ طَائِفَةٍ أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ ) أَيْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الَّذِي زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ

أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنَّ إحْصَانَهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ مُعْتَمِدًا دَلِيلًا وَلِذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْمَهْرُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ وَطْئًا حَلَالًا ظَاهِرًا أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَقِيَ الظَّاهِرُ مُعْتَبَرًا فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَبِالشُّبْهَةِ سَقَطَ الْحَدُّ لَكِنْ سَقَطَ إحْصَانُهُ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ زِنًا وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى كَوْنِهَا شُبْهَةَ مَحَلٍّ لِأَنَّ فِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ زِنًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَأَطْلَقُوا أَنَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ مَحَلٍّ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلِمْتهَا حَرَامًا عَلَيَّ لِعِلْمِي بِكَذِبِ النِّسَاءِ لَمْ يُحَدَّ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَوْنُ الْإِخْبَارِ يُطْلِقُ الْجِمَاعَ شَرْعًا لَيْسَ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هُوَ مَا مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ نَحْوَ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } وَالْمِلْكُ الْقَائِمُ لَلشَّرِيك لَا مَا يُطْلَقُ شَرْعًا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ فِيهِ وَبِهَذِهِ وَالْمُعْتَدَّةُ ظُهُورُ عَدَمِ انْضِبَاطِ مَا مَهَّدُوهُ مِنْ أَحْكَامِ الشُّبْهَتَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ) أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِمَحْرَمٍ نَكَحَهَا ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ مَحْرَمٍ تَزَوَّجَهَا وَهَذَا هُوَ الشُّبْهَةُ فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَكِنْ إنْ كَانَ عَالِمًا يُوجَعُ بِالضَّرْبِ تَعْزِيرًا لَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا يُحَدُّ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِنَّ كَإِضَافَتِهِ إلَى الذُّكُورِ لِكَوْنِهِ صَادَفَ غَيْرَ الْمَحِلِّ فَيَلْغُو لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحِلًّا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْحِلُّ هُنَا وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَكُونُ وَطْؤُهَا زِنًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهَا وَالْحَقِّ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } إلَى قَوْلِهِ { إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } وَالْفَاحِشَةُ هِيَ الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } الْآيَةَ وَمُجَرَّدُ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى غَيْرِ الْمَحِلِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ الْوَارِدَ عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا حَتَّى لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُعْذَرُ بِالِاشْتِبَاهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَحَلٌّ لِهَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِمَقْصُودِهِ الْأَصْلِيِّ وَكُلُّ أُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ قَابِلٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ وَإِذَا كَانَتْ قَابِلَةً لِمَقْصُودِهِ كَانَتْ قَابِلَةً لِحُكْمِهِ إذْ الْحُكْمُ يَثْبُتُ ذَرِيعَةً إلَى الْمَقْصُودِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحِلِّ حَقِيقَةً لِمَكَانِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِيهِنَّ بِالنَّصِّ فَيُورِثُ شُبْهَةً إذْ الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ

الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةُ بِنَفْسِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَنَا وَلَا هِيَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ وَمَعَ هَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهَا شَيْئًا اُعْتُبِرَتْ مَالًا فِي حَقِّ انْعِقَادِ الْعَقْدِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهَا لِكَوْنِهَا مَالًا عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَكَوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يُنَافِي الشُّبْهَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالنِّكَاحُ فِي إفَادَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ أَوْلَى فِي إفَادَةِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ فَمَا كَانَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ كَانَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الشُّبْهَةِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْفَاحِشَةِ عَلَى أَنَّهُ زِنًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ اسْمٌ لِلْمُحَرَّمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وَقَالَ تَعَالَى { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ إلَّا اللَّمَمَ } فَلَا يَكُونُ اسْمُ الْفَاحِشَةِ مُخْتَصًّا بِالزِّنَا وَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ لَا عَلَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بِزِنًا اتِّفَاقًا وَلَا عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إذْ النِّكَاحُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَرَّةً فَيَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ دُونَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَكَانَ مَشْرُوعًا فِي دِينِ مَنْ قَبْلَنَا وَالذِّمِّيُّ لَا يُقَرُّ عَلَى الزِّنَا وَلَمْ يُشْرَعْ الزِّنَا فِي دِينٍ مِنْ الْأَدْيَانِ قَطُّ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ

الْحَدُّ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا يُبَالِغُ فِي تَعْزِيرِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا فِيهِ فَسَادُ الْعَالَمِ وَمِنْ الشُّبْهَةِ فِي الْعَقْدِ وَطْءُ الْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى أَوْ وَطْءِ أَمَةٍ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُنَّ أَوْ وَطِئَ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُشْرِكَةً تَزَوَّجَهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُمَا أَوْ الْأَخِيرَةَ لَوْ كَانَ مُتَعَاقِبًا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ كَيْفَمَا كَانَ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِمَحْرَمٍ نَكَحَهَا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ بِنَسَبٍ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ فَوَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَكِنْ يَجِبُ الْمَهْرُ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لَا حَدًّا مُقَدَّرًا شَرْعًا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ وَقَالَا وَالشَّافِعِيُّ أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَكَذَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجِبُ حَدُّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مُحَرَّمَةٍ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَفِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتُهُ وَمُطَلَّقَتُهُ الثَّلَاثَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ كَالْمَحْرَمِ قَالَ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلِفًا كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَبِلَا شُهُودٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْكُلِّ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَمَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَرَادَ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا نِكَاحَ الْمَحَارِمِ وَالْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ وَمُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ وَمَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ وَأُخْتَ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَنِكَاحَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ وَالنِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَفِي كُلِّ هَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ

وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَقَدْ تَعَارَضَا حَيْثُ جَعَلَ فِي الْكَافِي الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْأَمَةَ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ وَتَزَوُّجَ الْعَبْدِ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ وَجَعَلَهَا هَذَا الشَّارِحُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَأَضَافَ إلَى ذَلِكَ مَا سَمِعْت ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيرِ ثُمَّ قَوْلُ حَافِظِ الدِّينِ فِي الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ سُقُوطِ الْحَدِّ فِي تَزَوُّجِ الْمَجُوسِيَّةِ وَمَا مَعَهَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا يَعْنِي حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا فِي تَزَوُّجِ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمَا مَعَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِبَقَاءِ نِكَاحِهَا وَعِدَّتِهَا كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْمَجُوسِيَّةِ مُغَيَّاةٌ بِتَمَجُّسِهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ حَلَّتْ كَمَا أَنَّ تِلْكَ لَوْ طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ وَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي الْمَحَارِمِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي وَاَلَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهِمْ مِثْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ كَذَلِكَ ذَكَرُوا فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَامِسَةً أَوْ مُعْتَدَّةً وَعِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ تُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى عِلْمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَيَوْجَعُ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعُمِّمَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ

عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ خَصَّصَ مُخَالَفَتَهُمَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الرِّوَايَاتِ ا هـ ( قَوْله وَاَلَّذِينَ ) الْوَاوُ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالتِّلَاوَةُ بِدُونِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِأَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَبِلِوَاطَةٍ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلِهَا وَلَا بِاللِّوَاطَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا فَيُرْجَمُ إنْ كَانَ مُحْصَنًا وَإِلَّا يُجْلَدْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ بِسَفْحِ الْمَاءِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا كَالزِّنَا فِي الْقُبُلِ بَلْ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ فِي الزِّنَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ حُدُوثُ وَلَدٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَكَانَ فَوْقَهُ فِي تَضْيِيعِ الْمَاءِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ وَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِهِ مُشْتَهًى لِأَنَّ الْمَحِلَّ إنَّمَا يُشْتَهَى بِاللِّينِ وَالْحَرَارَةِ وَالدُّبُرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْقُبُلِ وَلِهَذَا يَرْغَبُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ كَمَا يَرْغَبُونَ فِي الْقُبُلِ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ كَالزِّنَا بَلْ أَكْثَرُ وَأَشَدُّ حُرْمَةً مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي الزِّنَا يُمْكِنُ إزَالَةُ الْحُرْمَةِ بِالتَّزَوُّجِ وَالشِّرَاءِ وَلَا يُمْكِنُ فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إنَّهُمَا يُقْتَلَانِ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللِّوَاطَةِ يُرْجَمُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مُوجَبِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِحُكْمِ الزِّنَا فَمِنْ مَذْهَبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُحْرَقَا بِالنَّارِ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ

يُعْلَى بِهِمَا أَعْلَى مَكَان مِنْ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَيَا مَنْكُوسَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ } وَمَذْهَبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنْ يُحْبَسَا فِي أَنْتَنِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يَمُوتَا نَتِنًا وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا مِنْ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُهْدَمُ عَلَيْهِمَا جِدَارٌ كُلُّ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ وَالْحُدُودُ لَا تَثْبُتُ بِهِ وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَذَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُسَمَّى هَذَا زِنًا وَإِنَّمَا يُسَمُّونَهُ لِوَاطَةً قَالَ الشَّاعِرُ مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍّ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءُ وَإِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالزِّنَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ وَاللُّوَاطَةُ لَيْسَتْ بِمِثْلٍ لِلزِّنَا لِأَنَّ فِي اللِّوَاطَةِ قُصُورًا دُونَ الزِّنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّاعِيَ فِي الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَإِفْسَادِ الْفِرَاشِ وَإِهْلَاكِ الْبَشَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُفْضِي إلَى وَلَدٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَتَثْقِيفِهِ فَيَكُونُ هَالِكًا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَوْجُودٍ فِي اللِّوَاطَةِ وَهِيَ أَنْدَرُ وُقُوعًا لِكَوْنِ الدَّاعِي فِيهَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُشَابِهْهُ إلَّا فِي الْحُرْمَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْإِلْحَاقُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَوْلَ مِثْلُ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا يُلْحَقُ بِهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهِ لِقُصُورٍ فِيهِ فَكَذَا هُنَا لِأَجْلِ قُصُورِهِ امْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِ وَسَفْحُ الْمَاءِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَزْلُ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَكَذَا فِي الْمَنْكُوحَةِ بِرِضَاهَا وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَظَهَرَتْ الْمُحَاجَّةُ فِي الصَّحَابَةِ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ

رَأَى الْإِمَامُ فِي قَتْلِ مَنْ اعْتَادَهُ مَصْلَحَةً جَازَ لَهُ قَتْلُهُ أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ ثُمَّ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُ يَوْجَعُ ضَرْبًا وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ هَذَا إذَا فَعَلَ فِي الْأَجَانِبِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَنْكُوحَتِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِأَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلٍ ) أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيذَ وَالتَّبْطِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الدُّبُرَ لِأَنَّ بَيَانَهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَبِلِوَاطَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِلِوَاطَةٍ ) اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَتَى الْمَرْأَةَ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَيْ فِي الدُّبُرِ أَوْ عَمِلَ مَعَ الْغُلَامِ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلِهَا ) أَيْ بَلْ يُعَزَّرُ وَقَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مُحَرَّمٌ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَتَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً أُخْرَى فَإِنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ لِذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ كَالزِّنَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ اعْتِرَافَهُمَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الزِّنَا بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا ا هـ قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَالَا هُوَ كَالزِّنَا ا هـ ( قَوْلُهُ يُحَرَّقَانِ ) بِإِثْبَاتِ النُّونِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يُلْقَيَا مَنْكُوسَيْنِ ) أَيْ مَعَ اتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُهْدَمُ عَلَيْهِمَا جِدَارٌ ) أَيْ وَلَوْ كَانَ زِنًا فِي اللِّسَانِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا بَلْ كَانُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى إيجَابِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهِ فَاخْتِلَافُهُمْ فِي مُوجِبِهِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الزِّنَا وَلَا مَعْنَاهُ نَعَمْ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ قَائِلُهُمْ مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍّ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءُ غَلَطٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شِعْرِ أَبِي نُوَاسٍ مِنْ قَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا دَعْ عَنْك لَوْمِي فَإِنَّ اللَّوْمَ إغْرَاءُ وَدَاوِنِي بِاَلَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ وَهِيَ قَصِيدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي دِيوَانِهِ وَهُوَ

مُوَلَّدُ لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِكَلَامِهِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَطْهِيرُ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ عَنْ أَمْثَالِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ مَنْ اعْتَادَهُ ) أَيْ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ سِيَاسَةً أَمَّا الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ مَنْكُوحَتُهُ ) أَيْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ ) نَعَمْ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْزِيرِ وَالْقَتْلِ لِمَنْ اعْتَادَهُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ لَكِنْ لِلشَّافِعِيِّ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ هَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا فِي الْجَنَّةِ قِيلَ إنْ كَانَ حُرْمَتُهَا عَقْلًا وَسَمْعًا لَا تَكُونُ وَإِنْ سَمْعًا فَقَطْ جَازَ أَنْ تَكُونَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِيهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَبْعَدَهُ وَاسْتَقْبَحَهُ فَقَالَ { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ } وَسَمَّاهُ خَبِيثَةً فَقَالَ { كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ } وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَهِيمَةٍ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَفْحُ الْمَاءِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى فَيَسْتَدْعِي زَاجِرًا قُلْنَا إنَّ وَطْءَ الْبَهِيمَةِ لَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا لِوُجُودِ الِانْزِجَارِ بِدُونِ الْحَدِّ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ وَغَلَبَةُ الشَّبَقِ كَمَا يَكُونُ بِالْكَفِّ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَهًى لَوَجَبَ سَتْرُهُ كَمَا فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ وَقَعَ فِي بَهِيمَةٍ فَعَزَّرَ الرَّجُلَ وَأَمَرَ بِالْبَهِيمَةِ فَأُحْرِقَتْ كَانَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهِ فَيَلْحَقُهُ الْعَارُ بِذَلِكَ لَا لِأَنَّ الْإِحْرَاقَ وَاجِبٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا تُحْرَقُ هَذِهِ أَيْضًا هَذَا إنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ تُذْبَحُ هَكَذَا ذَكَرُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ .( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ ) أَيْ وَكَذَا إذَا زَنَى بِمَيْتَةٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ) أَيْ سَتْرُ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ ا هـ قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْإِحْرَاقُ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ وَلَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُحْرَقُ بِالنَّارِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ } وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِمَقْصُودِهِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَالِاسْتِيفَاءُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ هُنَالِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا لِإِمَامِنَا عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ حَتَّى يُقِيمَهُ هُنَالِكَ فَامْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ فَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا وَلَوْ غَزَا الْخَلِيفَةُ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أَمِيرُ مِصْرٍ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ لِأَنَّ الْعَسْكَرَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْهُمْ كَمَا يُقِيمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ زَنَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ خَارِجَ الْمُعَسْكَرِ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِمَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كَالْمُسْتَأْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا زَنَى هُنَاكَ وَلَوْ دَخَلَتْ سُرِّيَّةٌ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ لِأَنَّ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ أَوْ السَّرِيَّةِ فُوِّضَ إلَيْهِمَا تَدْبِيرُ الْحَرْبِ لَا إقَامَةَ الْحُدُودِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا رَوَيْنَا وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُعَارِضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاجْلِدُوا } فَلَا يُقْبَلُ قُلْنَا خُصَّ مِنْهُ مَوَاضِعُ الشُّبْهَةِ مِنْ ذَلِكَ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَأَهْلُ الْبَغْيِ الْتَحَقُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بَغْيٍ ) أَيْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ وَمَنَعَةٌ وَيُخَالِفُونَ بَعْضَ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّأْوِيلِ وَيَظْهَرُونَ عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ الْبِلَادِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ } لَمْ يُعْلَمُ لَهُ وُجُودٌ وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ دَخَلَتْ سَرِيَّةٌ ) أَيْ وَهُمْ الَّذِينَ يَسْرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَخْتَفُونَ بِالنَّهَارِ وَمِنْهُ خَيْرُ { السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ قُلْنَا خُصَّ مِنْهُ ) يَعْنِي الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ ) أَيْ لِأَنَّهُ بَعْدَ لَحَاقِ الْخُصُوصِ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً قَطْعًا وَيَقِينًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِزِنَا حَرْبِيٍّ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّهِ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِزِنَا رَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمِنٍ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَتُحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا لَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ تُحَدُّ الْمُسْلِمَةُ دُونَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الْمُسْتَأْمِنُ أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ زَنَى ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِمُسْتَأْمِنَةٍ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْلِمُ دُونَ الْمُسْتَأْمِنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُحَدُّ الْمُسْتَأْمِنَةُ أَيْضًا وَأَبُو يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا تُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ فِي دَارِنَا إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ كَمَا تُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمِنَ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الزِّنَا لِكَوْنِهِ حَرَامًا فِي كُلِّ الْأَدْيَانِ وَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى إقَامَتِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا كَالذِّمِّيِّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّنَا وَشِرَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْمُصْحَفِ وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِمَا إنْ اشْتَرَاهُمَا كَمَا يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُبْنَى عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ تُبْنَى عَلَى الِالْتِزَامِ إذْ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ حَكَمْنَا بِدُونِ الْتِزَامِهِ أَدَّى إلَى

تَنْفِيرِهِ مِنْ دَارِنَا وَقَدْ نُدِبْنَا إلَى مُعَامَلَةٍ تَحْمِلُهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي دَارِنَا لِيَرَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمَ وَهُوَ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ حُقُوقَ الْعِبَادِ لِأَنَّ دُخُولَهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَالْتَزَمَ أَنْ يُنْصِفَهُمْ كَمَا يُنْصَفُ وَأَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا كَمَا لَا يُؤْذَى فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ ، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ تُضْرَبْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَمَنْعُ الْكَافِرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَاجِبٌ عَلَيْنَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ عَلَى حَالِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِهِ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ وَلَمْ يَظْهَرُ حُكْمُ الْأَمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ بِالْأَمَانِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا فِي الدُّنْيَا ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ فَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَكَذَا الْمَنْعُ مِنْ شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ قَهْرَ الْمُسْلِمِ بِالْإِذْلَالِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْمُصْحَفِ وَنَحْنُ بِالْأَمَانِ لَمْ نَلْتَزِمْ الِاحْتِمَالَ وَالصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا نُمَكِّنُهُ مِنْهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ فِعْلُ الرَّجُلِ أَصْلٌ وَفِعْلُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِالْفَاعِلِ فَصَارَ مَحَلًّا لَهُ وَالْمُحَالُ كَالشُّرُوطِ فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ فِعْلِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ وَفِعْلُهُ هُنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إنْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا فَكَذَا تَمْكِينُهَا مِنْهُ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُسْتَأْمِنَةَ فَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَهِيَ تَبَعٌ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْهُ وَهُوَ أَصْلٌ لِمَا ذَكَرْنَا ، نَظِيرُهُ فِعْلُ الصَّغِيرِ أَوْ

الْمَجْنُونِ مَعَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَإِنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ إذَا زَنَى بِصَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَإِنْ زَنَتْ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ بِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْفِعْلِ الْفَاحِشِ وَهُوَ الزِّنَا وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْتَأْمِنِ زِنًا لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا عِنْدَنَا بِالْعِبَادَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ وَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَإِحْصَانُ الْمُسْتَأْمِنِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهُمَا قَاذِفٌ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِكَوْنِهِ صَادِقًا فِيهِمَا لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُمَا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ الْمُسْتَأْمِنُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ غَابَ الرَّجُلُ بَعْدَ ثُبُوتِ زِنَاهُمَا وَالْمَرْأَةُ حَاضِرَةٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُخَاطَبَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا زِنًا وَالتَّمْكِينُ مِنْهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ فِعْلُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ قُلْنَا تَبَعٌ فِي حَقِّ نَفْسِ الْفِعْلِ لَا فِي حُكْمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً وَالرَّجُلُ غَيْرَ مُحْصَنٍ يُجْلَدُ الرَّجُلُ وَتُرْجَمُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَصِيرُ تَبَعًا لَهُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ شُبْهَةً فِي حَقِّهَا ، وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ زَنَتْ مُطَاوِعَةٌ بِمُكْرَهٍ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ زَنَى مُسْتَأْمِنٌ بِمُسْتَأْمِنَةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ

( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ وَمُحَمَّدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ ) أَيْ كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ حَلَالًا وَحَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ يَجِبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ هُنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمِنَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى الْفَاعِلِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ إذَا زَنَتْ بِحَرْبِيٍّ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُ جَمِيعًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ لِكَوْنِهَا مَحِلًّا فَوَجَبَ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَلَى الْأَصْلِ امْتِنَاعُهُ عَلَى التَّبَعِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَلَى التَّبَعِ امْتِنَاعُهُ عَلَى الْأَصْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَهُ عِنْدَهُمَا ) سَيَأْتِي قَرِيبًا نَقْلًا عَنْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ ا هـ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ زَنَى مُكْرَهٌ بِمُطَاوِعَةٍ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَتْ

الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ ا هـ فَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلًا ا هـ وَهَكَذَا الْأَتْقَانِيُّ لَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى ) أَيْ حَرْبِيٌّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِزِنَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ بِمُكَلَّفَةٍ بِخِلَافِ عَكْسِهِ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ وَهِيَ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَكَانَ زِنًا وَالزِّنَا مِنْهَا مُتَصَوَّرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً بِقَوْلِهِ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَلِهَذَا مَنْ قَذَفَهَا بِهِ يُحَدُّ وَلَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الزِّنَا مِنْهَا لَمَا حُدَّ قَاذِفُهَا كَقَاذِفِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِذَا كَانَ زِنًا فَامْتِنَاعُ وُجُوبِ الْحَدِّ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهَا كَمَا فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِالصَّبِيَّةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأُنْثَى وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الذَّكَرِ وَلِهَذَا هُوَ يُسَمَّى زَانِيًا وَوَاطِئًا وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِهِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ لِلْعِيشَةِ وَالدَّافِقِ لِلْمَدْفُوقِ أَوْ لِكَوْنِهَا مُتَسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَيَتَعَلَّقُ الْحَدُّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَمُؤَثَّمٌ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا مُوجِبًا لِلْحَدِّ إذْ هُوَ لَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى فِعْلُهَا زِنًا إذَا مَكَّنَتْ مِنْ الزِّنَا تَبَعًا وَفِعْلُهُمَا لَيْسَ بِزِنًا فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا أَيْضًا

زِنًا وَهَذَا لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ فَاعِلٍ لَا يَأْثَمُ وَلَا يُحْرَجُ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهَا الْحَدَّ كَتَمْكِينِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ النَّائِمِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّجُلِ هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ زِنًا حَقِيقَةً وَعَدَمُهُ فِي التَّبَعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَمِ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهَا زِنًا حَقِيقَةً لِإِلْحَاقِ الْعَارِ بِهَا بِنِسْبَتِهَا إلَى التَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ وَصْفٌ قَبِيحٌ فِي حَقِّهَا فَلِهَذَا يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ عَلَيْهَا لَا لِأَنَّهَا زَنَتْ حَقِيقَةً وَعِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِعْلَهَا مَعَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا يُشِيرُ إلَى أَنَّ إحْصَانَهَا لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِهِ حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ ثُمَّ وَطْءُ الصَّبِيِّ يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً غَيْرَ مُطَاوِعَةٍ أَوْ أَمَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ انْتَفَى الْحَدُّ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بِفِعْلِهِ وَرِضَا الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا أَمْرُهُمَا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ كَبِيرَةً مُطَاوِعَةً لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهَا وَأَمْرُهَا صَحِيحٌ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا ، وَمَنْ أَمَرَ صَبِيًّا بِشَيْءٍ وَلَحِقَهُ بِذَلِكَ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَى الْآمِرِ فَلَا يُفِيدُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِزِنَا صَبِيٍّ إلَى قَوْلِهِ عَكْسُهُ ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ ) أَيْ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْعَاقِلُ الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ ) أَيْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يُجَامَعُ مِثْلُهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ السَّلِيمَةَ لَا تَرْغَبُ فِي مِثْلِهَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَلَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةً لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَأَفْضَاهَا وَلَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِصِغَرِهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْطِرُهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ وَهُوَ كَالْإِيلَاجِ فِي الْبَهِيمَةِ وَنَقَلَ أَيْضًا صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا جَامَعَ ابْنَةَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَأَفْضَاهَا وَأَفْسَدَهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا لِأَنَّ هَذِهِ مِمَّنْ لَا يُجَامَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ لَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا ا هـ ( قَوْلُهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ ) أَيْ دُونَ الْمَرْأَةِ ا هـ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالرَّاضِيَةِ ) فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَيْكُمْ مَسَائِلُ وَهِيَ أَنَّ الْمُكْرَهَ إذَا زَنَى بِمُطَاوِعَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُسْتَأْمِنُ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ النَّائِمِ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَ الْحَدِّ عَلَى الذَّكَرِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ قُلْت الْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ

لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ وُجِدَ تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْمُحَرَّمَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ مِنْ الزِّنَا أَصْلًا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِالزِّنَا لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ لَكِنَّ الْحَدَّ لَمْ يَلْزَمْ الْكَافِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حُقُوقَ الشَّرْعِ وَأَمَّا تَمْكِينُهَا نَفْسَهَا مِنْ النَّائِمِ فَمَمْنُوعٌ إذْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِهَذَا أَجَابَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِشُبْهَةٍ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَمَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِقُصُورِ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهَا سَقَطَ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الرَّجُلِ كَمَا إذَا كَانَتْ صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُمَكِّنَةَ مِنْ النَّائِمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّ الْقُصُورَ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا وُجِدَ مِنْهَا فِعْلٌ خِلَافُ الرِّوَايَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهَا ) أَيْ لِأَنَّهَا لَمَّا طَاوَعَتْهُ صَارَتْ آمِرَةً لَهُ بِالزِّنَا مَعَهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَأَمْرُهَا صَحِيحٌ لِوِلَايَتِهَا عَلَى

نَفْسِهَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا إيرَادُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ انْتَفَى عَنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ مَنْقُوضَةٌ بِزِنَا الْمُكْرَهِ بِالْمُطَاعَةِ وَالْمُسْتَأْمِنِ بِالذِّمِّيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ فَوُرُودُهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ هَذِهِ قَاعِدَةً وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِيرَادِ ثُمَّ تَكَلَّفَ الدَّفْعَ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالزِّنَا بِمُسْتَأْجَرَةٍ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ اسْتَأْجَرَهَا وَمَعْنَاهُ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ فَزَنَى بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَكَانَ زِنًا مَحْضًا فَيُحَدُّ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ لِاسْتِبَاحَةِ الْأَبْضَاعِ شَرْعًا فَكَانَ لَغْوًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ أَوْ لِلْخَبْزِ ثُمَّ زَنَى بِهَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ لَا الْأَعْيَانُ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِانْعِقَادَ لَثَبَتَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً طَلَبَتْ مِنْ رَجُلٍ مَالًا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدَّ عَنْهُمَا وَقَالَ هَذَا مَهْرُهَا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَهْرَ أُجْرَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } فَصَارَ شُبْهَةً لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِك لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فَكَذَا إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك أَوْ خُذِي هَذَا لِأَطَأَك أَوْ مَكِّنِينِي مِنْ نَفْسِك بِكَذَا وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَنْفَعَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ شَرْعًا فَاعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْإِجَارَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَمَّ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى مَحَلٍّ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي ذَلِكَ

الْمَحِلِّ لَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِإِكْرَاهٍ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِإِكْرَاهٍ وَهَذَا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَالطَّوَاعِيَةِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ لَا تُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَلِأَنَّهَا مُرَخَّصٌ لَهَا هَذَا الْفِعْلُ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا لِكَوْنِ نَسَبِ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَلِهَذَا يُوجِبُ الْقَاصِرُ مِنْ الْإِكْرَاهِ فِي حَقِّهَا شُبْهَةً وَلَا عُقُوبَةَ فِي الْمُرَخَّصِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَخَّصٍ لَهُ فَيُمْكِنُ تَرْتِيبُ الْعُقُوبَةِ عَلَى فِعْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَهُوَ مُنْزَجِرٌ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُحَدُّ كَالْمَرْأَةِ وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا يَكُونُ طَوْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ قَدْ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ وَاخْتِيَارٌ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ خَوْفُ التَّلَفِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ قَادِرٍ وَقَادِرٍ بَلْ فِي غَيْرِ السُّلْطَانِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى عَجَلَةٍ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ فَيَسْتَعْجِلُ قَبْلَ ظُهُورِ الْأَمْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِأَنَّ الْمُبْتَلَى بِهِ يَسْتَغِيثُ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ أَوْ بِالْحِيَلِ وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ فَكَانَ فِي زَمَنِهِ لِلسُّلْطَانِ قُوَّةٌ وَلَا يَسْتَجْرِئُ

أَحَدٌ عَلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْفَسَادِ وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتْ قُوَّةُ الْمُفْسِدِينَ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَنِهِ وَزَمَانُنَا كَزَمَانِهِمَا أَوْ أَفْسَدُ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالسُّلْطَانِ .( قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا ) أَيْ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا ) أَيْ لِقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِرِيحٍ تَسْفُلُ إلَى الْحُجْرَةِ ا هـ فَتْحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِإِقْرَارٍ إنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ إذَا أَنْكَرَهُ الْآخَرُ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا إنْ ادَّعَى الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا الشُّبْهَةَ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتهَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَنْكَرَ بِأَنْ قَالَ مَا زَنَيْت وَلَمْ يَدَّعِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ الْحَدُّ دُونَ الْمُنْكِرِ وَجْهُ الْوِفَاقِيَّةِ أَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالنِّكَاحُ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ فَأَنْكَرَتْ فَحَدَّهُ وَتَرَكَهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَتَكْذِيبُ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ تُهْمَةً فِي إقْرَارِهِ خُصُوصًا فِي الْحُدُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا وَفُلَانٌ قَتَلْنَا فُلَانًا عَمْدًا وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ بِهِمَا فَانْتِفَاؤُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْآخَرِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَاحِدٍ وَنَظِيرُهُ أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى رَجُلٍ آخَرَ بِأَنْ يَقُولُ زَنَيْت بِهَا أَنَا وَفُلَانٌ وَلِأَنَّ الْمُنْكِرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا بِإِنْكَارِهِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يُحَدُّ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يُنْكِرَ الْغَائِبُ الزِّنَا أَوْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ

لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الزِّنَا أَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ يَكُونُ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ يَجِبُ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْبِضْعِ شَرْعًا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَهِيَ تُنْكِرُهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزِّنَا لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الْمَهْرِ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا أَوْ نَقُولُ صَارَتْ مُكَذِّبَةً شَرْعًا بِسُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِهَا كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَنْكَرَتْ وَأَقَامَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ أَنْكَرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هُنَا

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِإِقْرَارٍ ) أَيْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ هِيَ تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَقَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَفِيمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ وَادَّعَى الرَّجُلُ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ يَرُدُّهُ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَعُودَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا هَكَذَا أَوْ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَمَتَى هُوَ وَأَيْنَ هُوَ وَادَّعَى الْآخَرُ النِّكَاحَ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْعُقْرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَصَارَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْمُدَّعِي فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ أَيْضًا لِأَنَّ النِّكَاحَ إذَا وُجِدَ قَامَ بِالطَّرَفَيْنِ فَتَعَدَّتْ الشُّبْهَةُ إلَى جَانِبِ الْآخَرِ ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ بِأَنَّهُ لِخَطَرِ الْمَحِلِّ لَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى النِّكَاحِ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْمُقِرُّ فَإِذَا كَانَتْ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ الْحَدِّ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ وَادَّعَتْ عَلَى الرَّجُلِ حَدَّ الْقَذْفِ يُحَدُّ الرَّجُلُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ وَوُجُوبَ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا ادَّعَى غَيْرُ الْمُقِرِّ النِّكَاحَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ أَمَّا إذَا أَقَرَّ

أَحَدُهُمَا وَنَفَى الْآخَرُ الزِّنَا وَلَمْ يَدَّعِ النِّكَاحَ فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ كَذَبَ مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ لَمْ يُحَدَّ الرَّجُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحَدُّ وَإِنْ قَالَتْ زَنَى بِي مُسْتَكْرَهَةً حُدَّ الرَّجُلُ دُونَهَا وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّ هَذَا زَنَى بِهَا وَكَذَّبَهَا الرَّجُلُ لَمْ تُحَدَّ الْمَرْأَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُحَدُّ وَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقَتْ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُحَدَّ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَخْ ) وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْإِكْرَاهِ حَيْثُ قَالَ وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ سِيَّانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا قَالَ ) أَيْ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ مُحْتَمِلَةٌ لِلصِّدْقِ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ مُدَّعِي النِّكَاحِ مِنْهُمَا يَكُونُ النِّكَاحُ ثَابِتًا فَلَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي صُورَتَيْ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ وَدَعْوَاهُ الزِّنَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي صُورَةِ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا لِدَعْوَاهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا مَعَ ثُبُوتِ الْوَطْءِ بِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِهَتِهِ كَانَتْ مُكَذَّبَةً شَرْعًا وَالْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ عَقْدٍ أَوْ عُقْرٍ فَلَزِمَ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ رَدَّتْهُ إلَّا أَنْ تُبَرِّئَهُ مِنْهُ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي إنْكَارِهِ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِإِنْكَارِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ إلَخْ ) وَحَدِيثُ سَهْلٍ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَوْ تَأْوِيلُهُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ وَطَالَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ فَحَدَّهُ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَذْفِهِ إيَّاهَا بِالزِّنَا لَا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا ا هـ مَبْسُوطٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ إلَخْ ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشُّبْهَةَ لَا فِي مَسْأَلَةِ إنْكَارِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ يَجِبُ الْمَهْرُ ) أَيْ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ بِدَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَبَطَلَ زَعْمُهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي الْمُفَوِّضَةِ ا هـ كِفَايَةٌ قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزِّنَا ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْفِي وُجُوبَ الْمَهْرِ بِزَعْمِهَا أَنَّهَا زَانِيَةٌ وَلَا عُقْرَ لَهَا ا هـ كِفَايَةٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ ) مُرَادُهُ قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهَا الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ كَمَا إذَا زَنَى بِهَا ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهَا وَلَا يُقَالُ لَمَّا مَاتَتْ بِفِعْلِ الزِّنَا صَارَ الزِّنَا قَتْلًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ إلَّا الْقَتْلُ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الزِّنَا كَقَطْعِ الْيَدِ إذَا سَرَى وَمَاتَ صَارَ قَتْلًا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْقَطْعِ حَتَّى لَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ النَّفْسِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْقِصَاصِ لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الْيَدِ بَدَلُ الْيَدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بَدَلُ النَّفْسِ وَالْيَدُ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ تَهْلِكُ بِهَلَاكِ النَّفْسِ تَبَعًا وَيَدْخُلُ ضَمَانُهَا فِي ضَمَانِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَضَمَانِ النَّفْسِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ : أَحَدُهُمَا بِالزِّنَا وَالْآخَرُ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ فَصَارَ كَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْخَمْرِ لِلذِّمِّيِّ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهَا بِفِعْلِ الزِّنَا سَبَبٌ لِمِلْكِهِ إيَّاهَا لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِهِ فَكَذَا هُنَا وَلِأَنَّ اعْتِرَاضَ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يَسْقُطُ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ الدَّمِ وَهُوَ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الْمِلْكَ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُقَسَّطًا عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ مِلْكٍ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا

الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْمَالِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ وَحْدَهُ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِرَاضَ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ وَإِنَّمَا سَقَطَ فِي السَّرِقَةِ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ وَهِيَ شَرْطٌ فِيهِ لَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَلَوْ اسْتَنَدَ الْمِلْكُ كَمَا قَالَ كَأَنْ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَهُوَ الْعَيْنُ لَا فِي حَقِّ الْمُتَلَاشِي وَهُوَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبِضْعِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّهِ حَتَّى يُجْعَلَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِلْكَهُ بَلْ الْمُسْتَوْفَى حَرَامٌ مَحْضٌ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِمِلْكِ الْعَيْنِ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ يَكُونُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْجِنَايَةِ بِالْمَوْتِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذْهَبَ عَيْنَهَا بِالزِّنَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ إذْ الْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ إبْقَاءُ الْمَنَافِعِ تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَتْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا زَنَى بِهَا أَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ جَنَتْ الْأَمَةُ فَزَنَى بِهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَتَلَتْ نَفْسًا عَمْدًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَمْلِكُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ فَإِنْ فَدَاهَا الْمَوْلَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الزَّانِيَ لَمْ يَمْلِكْ الْجُثَّةَ وَإِنْ دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ وَلَوْ زَنَى بِكَبِيرَةٍ فَأَفْضَاهَا فَإِنْ كَانَتْ

مُطَاوِعَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْضَاءِ لِرِضَاهَا بِهِ وَلَا مَهْرَ لَهَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا شَيْءَ فِي الْإِفْضَاءِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا مَهْرَ لَهَا ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْإِفْضَاءِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهَا فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْمَرْأَةِ كَامِلَةً لِأَنَّهُ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا حُدَّ وَضَمِنَ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِمَا أَنَّ جِنَايَتَهُ جَائِفَةٌ وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَوْلُ يَسْتَمْسِكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِمَا نَذْكُرُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْأَرْشِ بِرِضَاهَا وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَع مِثْلُهَا فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالْمَهْرُ كَامِلًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِ الْقُصُورِ فِي مَعْنَى الزِّنَا وَهُوَ الْإِيلَاجُ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَالْوَطْءُ الْحَرَامُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا انْتَفَى الْحَدُّ فَيَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِكَوْنِهِ جَائِفَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ الدِّيَةَ وَلَا يَضْمَنُ الْمَهْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ الْمَهْرَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُمَا أَنَّ الدِّيَةَ ضَمَانُ كُلِّ الْعُضْوِ وَالْمَهْرَ ضَمَانُ جُزْءٍ مِنْهُ وَضَمَانُ الْجُزْءِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْكُلِّ إذَا كَانَا فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا قُطِعَ إصْبَعُ إنْسَانٍ ثُمَّ قُطِعَ كَفُّهُ قَبْلَ الْبُرْءِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْإِصْبَعِ فِي أَرْشِ الْكَفِّ

وَيَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِوُجُودِ صُورَةِ الزِّنَا وَهُوَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَسَرَ فَخِذَ امْرَأَةٍ فِي الزِّنَا أَوْ جَرَحَهَا ضَمِنَ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَحُدَّ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ يَعْنِي بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا ) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْأَمَةِ لِتَكُونَ صُورَةُ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَمَا سَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ ) أَيْ وَهُمَا الزِّنَا وَالْقَتْلُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ عَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَنْهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا خِلَافُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَادَتُهُ إذَا كَانَ خِلَافُهُ ثَابِتًا ذَكَرَهُ وَكَذَا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَافِي خِلَافًا وَإِنَّمَا نَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ خِلَافَهُ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَحِينَ نَقَلَ قَوْلَهُ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا قَوْلَ لِمُحَمَّدٍ وَقِيلَ الْأَشْبَهُ كَوْنُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا قَوْلَ لَهُ بِأَنْ تَوَقَّفَ لَذَكَرَهُ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ فِي عِدَادِ تَلَامِذَتِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا قَالَهُ قَوْلًا يَنْقُلُهُ هُوَ وَعَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ هَكَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَنَى وَجَنَى فَيُؤَاخَذُ بِمُوجِبِ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ وَكَوْنُ الضَّمَانِ يَمْنَعُ الْحَدَّ لِاسْتِلْزَامِهِ الْمِلْكَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ دَمٍ وَجَبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ وَالدَّمِ لَيْسَ بِمَالٍ ( قَوْلُهُ يَسْقُطُ ) أَيْ يَسْقُطُ الْحَدُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا إلَخْ ) وَفِي الْفَوَائِدِ

الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَمَّا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ السَّرِقَةِ أَنَّهُ إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ أَفْضَاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَانْظُرْهُ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخَلِيفَةُ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَبِالْأَمْوَالِ لَا بِالْحَدِّ ) يَعْنِي مِثْلَ حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمُفَوَّضَةِ إلَى الْإِمَامِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَتِهَا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ إقَامَتَهَا بِطَرِيقِ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ لِيَنْزَجِرَ وَلَا يَفْعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَنْزَجِرُ بِمُعَاقَبَةِ نَفْسِهِ إذْ لَا يَخَافُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يُبَالِي بِهَا فَلَا يُفِيدُ وَفِعْلُ نَائِبِهِ كَفِعْلِهِ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُفِدْ لَا يُشْرَعُ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ إنَّمَا تُشْرَعُ لِأَحْكَامِهَا فَإِذَا لَمْ تُفِدْ أَحْكَامَهَا لَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ كَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ بَلْ لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِمَامِ لِيُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْمَنَعَةِ وَالْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَكَذَا هُنَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْإِمَامِ إمَّا بِتَمَكُّنِهِ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخَلِيفَةُ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَبِالْأَمْوَالِ إلَخْ ) فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يُؤَاخَذُ بِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْإِمَامِ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ إذَا صَنَعَ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ فَلَا حَدَّ وَأَمَّا الْقِصَاصُ وَالْمَالُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ وَفَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْإِمَامَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ بِالْخَلِيفَةِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَذَفَ إنْسَانًا أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ هَذِهِ الْحُدُودَ يُفَوَّضُ إقَامَتُهَا وَاسْتِيفَاؤُهَا إلَى الْإِمَامِ لِكَوْنِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدُّ الْقَذْفِ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا فَكَانَ كَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ ) وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لِتَمْكِينِ الْوَلِيِّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ ا هـ كَمَالٌ

( بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْفَوْرِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ وَحَدُّ التَّقَادُمِ شَهْرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِشَيْءٍ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي عَلَى مَا هُوَ دَأْبُهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَأَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَكَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الشَّهْرَ وَمَا فَوْقَهُ آجِلٌ وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ عَاجِلًا فَإِنْ قَضَاهُ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ بَرَّ وَإِلَّا فَلَا وَحَدُّ التَّقَادُمِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ السُّكْرِ بِغَيْرِهَا انْقِطَاعُ الرَّائِحَةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَجْعَلُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْإِقْرَارُ لَا يُمْنَعُ بِالتَّقَادُمِ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَبْطُلُ الْحُدُودُ بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا صَارَتْ حُجَّةً بِاعْتِبَارِ وَصْفِ الصِّدْقِ وَتَقَادُمُ الْعَهْدِ لَا يُخِلُّ بِالصِّدْقِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً كَالْإِقْرَارِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيُّمَا قَوْمٍ شَهِدُوا فِي حَدٍّ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ عِنْدَ حَضْرَتِهِ فَإِنَّمَا هُمْ شُهُودُ ضِغْنٍ وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ مَتَى عَايَنَ الزِّنَا وَنَحْوَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ حِسْبَةِ أَدَاءِ

الشَّهَادَةِ لِيُقَامَ الْحَدُّ فَيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } وَحِسْبَةُ السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الشَّارِعَ نَدَبَ إلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَوْرَتَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَوْرَاتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَقَالَ تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَتَأْخِيرُهُمْ الْأَدَاءَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلسَّتْرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لِلسَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِضَغِينَةٍ حَرَّكْتُهُمْ فَيُتَّهَمُونَ فِيهَا وَلَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ وَإِنْ كَانَ لَا لِلسَّتْرِ صَارُوا آثِمِينَ فَاسِقِينَ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَتَأْخِيرَهَا فِسْقٌ وَلِهَذَا لَوْ أَخَّرَ الشَّهَادَةَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي بِلَا عُذْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَلِأَنَّ تُهْمَةَ الضَّغِينَةِ لَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَبْطُلُ بِالتُّهْمَةِ وَالْفِسْقِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِيهَا فَالتَّأْخِيرُ لِعَدَمِ الدَّعْوَى إذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِهَا فَكَانُوا مَعْذُورِينَ بِالتَّأْخِيرِ فَإِنْ قِيلَ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ وَمَعَ هَذَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهَا بِالتَّقَادُمِ قُلْنَا الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْحَدِّ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى السَّرِقَةِ بِدُونِ الدَّعْوَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيُحْبَسُ السَّارِقُ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالُهُ لَا يَعْرِفُ السَّارِقَ فَيُتَّهَمُونَ بِالتَّأْخِيرِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ تُقَامُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَرَفَ إعْلَامُهُ فَيَصِيرُ فَاسِقًا بِالْكِتْمَانِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى

كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا تُعْتَبَرُ التُّهْمَةُ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ إذْ التُّهْمَةُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُكْتَفَى بِالصُّورَةِ لِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِصُورَةِ الشُّبْهَةِ كَمَا يَسْقُطُ بِمَعْنَاهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ يَسْقُطُ بِمَعْنَاهُ وَدَعْوَاهُ تَسْقُطُ بِصُورَتِهِ ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ بِدَلِيلِ عَمَى الشُّهُودِ وَرِدَّتِهِمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الزَّانِي لِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَضْمَنُ الْمَالَ ) أَيْ إذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ بِالسَّرِقَةِ الْمُتَقَادِمَةِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْمَالِ وَيَضْمَنُهُ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ بِالْحَدِّ لِلتُّهْمَةِ وَلَا يَمْنَعُ بِالْمَالِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَلِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ أَيْضًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَثْبَتُوا زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ حُدَّ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ ) وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّا بِالزِّنَا بِغَائِبَيْنِ } وَلِأَنَّ الزِّنَا قَدْ ثَبَتَ بِالْحُجَّةِ فَيَجِبُ الْحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ تُفَوِّتُ الدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا وَلِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ فِي السَّرِقَةِ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ

وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ فِي الزِّنَا أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ فَيَكُونَ شُبْهَةً قُلْنَا دَعْوَى النِّكَاحِ شُبْهَةٌ لِاحْتِمَالِ الصِّدْقِ فَتُعْتَبَرُ وَاحْتِمَالِ الدَّعْوَى شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحُدُودِ وَلَا يُقَالُ يُنْتَقَضُ هَذَا بِالْقِصَاصِ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا لَا يَتَمَكَّنُ الْحَاضِرُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَفْوُ حَقِيقَةً الْمُسْقِطُ وَاحْتِمَالُهُ يَكُونُ شُبْهَةَ الْمُسْقِطِ لَا شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ

( بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ ثُبُوتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَبِهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ احْتَاجَ هُنَا أَنْ يَذْكُرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا كَانَ سَبَبًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ مِثْلَ التَّقَادُمِ وَالرُّجُوعِ وَكَوْنِ الشُّهُودِ عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِثْلَ ظُهُورِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا بِكْرًا أَوْ مِثْلَ كَوْنِ عَدَدِ الشُّهُودِ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي الْبَابِ فَأُخِّرَ الْبَابُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَوَارِضُ وَالْأَصْلُ عَدَمِ الْعَارِضِ ا هـ ( قَوْلُهُ مُتَقَادِمٍ ) قَالَ الْكَمَالُ إسْنَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى ضَمِيرِ السَّبَبِ أَيْ مُتَقَادِمٍ سَبَبُهُ وَهُوَ الزِّنَا مَثَلًا وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَقَوْلُهُ شَهِدُوا بِحَدٍّ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ بِسَبَبِ الْحَدِّ وَالتَّقَادُمُ صِفَةٌ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ ا هـ فَتْحٌ وَالتَّقَادُمُ مِنْ الْقِدَمِ بِمَعْنَى الْقَدِيمِ وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ أَيْ بِحَدٍّ قَدِيمٍ سَبَبُهُ لَا حَدِيثٍ وَالْقَدِيمُ يَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ ) وَقَدْ جَعَلُوهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ جَهَدْنَا بِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقَدِّرَهُ لَنَا فَلَمْ يَفْعَلْ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ فَمَا رَآهُ بَعْدَ مُجَانَبَةِ الْهَوَى تَفْرِيطًا فَهُوَ تَقَادُمٌ وَمَا لَا يُعَدُّ تَفْرِيطًا غَيْرُ مُتَقَادِمٍ وَأَحْوَالُ الشُّهُودِ وَالنَّاسِ وَالْعُرْفِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَظَرٍ نَظَرٌ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ فِيهَا تَأْخِيرٌ فَنَصْبُ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ وَقَدْ جَعَلُوهُ

أَيْ لَفْظَ حِينٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ سَأَلَ الْقَاضِي الشُّهُودَ مَتَى زَنَى بِهَا فَقَالُوا مُنْذُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ أُقِيمَ الْحَدُّ وَإِنْ قَالُوا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فَقَدْ قَدَّرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِشَهْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ لَا يُمْنَعُ بِالتَّقَادُمِ ) أَيْ لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ لَكِنَّ هَذَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ فِيهِ بِالتَّقَادُمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا بَيَّنَّا وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي حَدِّ الشُّرْبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ هَذَا التَّقَادُمُ الْمُقَدَّرُ بِشَهْرٍ بِالِاتِّفَاقِ فِي غَيْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَمَّا فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ فَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ بَعْدَهَا لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَأَحْتَسِبُ الْأَجْرَ عَلَى اللَّهِ ادَّخَرَهُ عِنْدَهُ لَا يَرْجُو ثَوَابَ الدُّنْيَا ، وَالِاسْمُ الْحِسْبَةُ بِالْكَسْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ يُمْنَعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ ) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ) وَقَوْلُ زُفَرَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ ) أَيْ الِاسْتِيفَاءَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَثْبَتُوا زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ حُدَّ ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ لَا يُحَدُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إذَا حَضَرَتْ رُبَّمَا جَاءَتْ بِشُبْهَةٍ دَارِئَةٍ لِلْحَدِّ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الرَّجُلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ

الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ ) أَيْ يُحَدُّ الرَّجُلُ بِإِجْمَاعِهِمْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَفْوُ إلَخْ ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ فَعَفَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِحَقِيقَةِ الْعَفْوِ لَا بِشُبْهَةِ الْعَفْوِ فَإِذَا غَابَ كَانَ احْتِمَالُ الْعَفْوِ شُبْهَةً فَاعْتُبِرَتْ الشُّبْهَةُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا حَضَرَتْ وَادَّعَتْ النِّكَاحَ كَانَ شُبْهَةً فَإِذَا غَابَتْ اُحْتُمِلَ الشُّبْهَةُ فَلَا تُعْتَبَرُ وَلِأَنَّهُ وَهْمٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ وَاحْتِمَالُهُ يَكُونُ شُبْهَةَ الْمُسْقِطِ ) أَيْ وَإِنَّمَا يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ لَوْ كَانَ الْعَفْوُ نَفْسُهُ شُبْهَةً فَيَكُونُ احْتِمَالُهُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْغَائِبَةِ فَإِنَّ نَفْسَ دَعْوَاهَا النِّكَاحُ مَثَلًا شُبْهَةٌ فَاحْتِمَالُ دَعْوَاهَا ذَلِكَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَاعْتِبَارُهَا بَاطِلٌ وَإِلَّا أَدَّى إلَى نَفْيِ كُلِّ حَدٍّ فَإِنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرْجَعَ عَنْهُ وَكَذَا الشُّهُودُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعُوا فَلَوْ اُعْتُبِرَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ انْتَفَى كُلُّ حَدٍّ وَوَجْهُ أَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ أَنَّ نَفْسَ رُجُوعِ الْمُقِرِّ وَالشَّاهِدِ شُبْهَةٌ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَذِبُهُ فِي الرُّجُوعِ فَاحْتِمَالُ الرُّجُوعِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ ا هـ فَتْحٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَجْهُولَةٍ حُدَّ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي طَوْعِهَا أَوْ فِي الْبَلَدِ وَلَوْ عَلَى كُلِّ زِنًا أَرْبَعَةٌ ) أَيْ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا نَعْرِفُهَا عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي طَوَاعِيَتِهَا بِأَنْ قَالَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَأَكْرَهَهَا وَقَالَ آخَرَانِ إنَّهَا طَاوَعَتْهُ أَوْ فِي الْبَلَدِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ وَإِنْ تَمَّ فِي كُلِّ زِنًا أَرْبَعَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِمَجْهُولَةٍ فُلَانَةَ لَوْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لَعَرَفَهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَلَا أَمَتُهُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِأَنْ لَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ قُلْنَا الْإِنْسَانُ لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَذِبًا وَلَا حَالَ الِاشْتِبَاهِ فَلَمَّا أَقَرَّ انْتَفَى كَوْنُ الْمَوْطُوءَةِ امْرَأَتَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الِاحْتِمَالُ الْبَعِيدُ بِأَنْ تَكُونَ أَمَتَهُ بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ كَالْإِرْثِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَوْ بِالتَّوَالُدِ مِنْ مَمْلُوكَاتِهِ أَوْ مَمْلُوكَاتِ آبَائِهِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِدَادِ بَابِ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ فِي الْمَعْرُوفَةِ أَيْضًا كَمَا يُحْتَمَلُ فِي الْمَجْهُولَةِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يُحَدُّ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يَمْنَعْهُ دِينُهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ ظَاهِرًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ الْمَوْطُوءَةَ أَنْ يَكُونَ زِنًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الزَّانِي وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا فِي طَوْعِ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ زِنَئَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَمْ يَكْمُلْ فِي كُلِّ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ لِأَنَّ زِنَاهَا طَوْعًا غَيْرُ زِنَاهَا مُكْرَهَةً فَلَا تُحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزُفَرَ وَقَالَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ خَاصَّةً لِأَنَّ الشُّهُودَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ زَنَى وَتَفَرَّدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الطَّوْعَ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْفِعْلِ وَالْكُرْهُ يَقْتَضِي تَفَرُّدَهُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا بِالزِّنَا فَصَارَا خَصْمَيْنِ فِيهِ وَلَا شَهَادَةَ لِلْخَصْمِ وَإِنَّمَا سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُمَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ وَلِأَنَّ زِنَاهَا مُكْرَهَةً يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَإِنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا زَنَتْ مُكْرَهَةً سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَاعْتِبَارُ عَدَدِ الْأَرْبَعَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَهَذَا شَهَادَةٌ عَلَى سُقُوطِ إحْصَانِهَا وَسُقُوطُ الْإِحْصَانِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْإِحْصَانِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَهَذَا التَّخْرِيجُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَاتِّفَاقُ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مُخْرِجٌ لِكَلَامِهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ وَفَائِدَةُ اخْتِلَافِ الطَّرِيقِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ وَشَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا فَعَلَى قَوْلِهِ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَا قُلْنَا وَعِنْدَهُمَا يُقَامُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ وَلَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهَا بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ

بِهِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَلَمْ يَتِمَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَلَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يُحَدَّا وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّونَ وَلِأَنَّ الْعَدَدَ لَمْ يَتَكَامَلْ فِي كُلِّ زِنًا فَصَارُوا قَذْفَةً وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ وَقَعَ شَهَادَةَ صُورَةٍ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتَمَامِ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ فَاعْتَبَرْنَا تَكَامُلَ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ اعْتِبَارًا لِلصُّورَةِ وَاعْتَبَرْنَا نُقْصَانَ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ فَقُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا حَدُّ الزِّنَا اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا جَاءَ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } شَرْطُ شَهَادَةِ الْأَرْبَعِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ وَالْإِحْصَانِ مُطْلَقًا عَنْ الْقَاذِفِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِأَنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ وَأَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَا وَقْتًا وَاحِدًا بِأَنْ شَهِدَ كُلُّ طَائِفَةٍ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ وَلَا يُعْرَفُ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ فَيَعْجِزُ الْقَاضِي عَنْ الْحُكْمِ بِهِمَا لِلتَّعَارُضِ أَوْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ فَتَهَاتَرَتَا وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَهُنَا أَظْهَرُ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزِّنَا تَمَّ فِيهِ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَيُحْتَمَلُ

صِدْقُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَلَا يُحَدُّونَ مَعَ الِاحْتِمَالِ .

( قَوْلُهُ فَلَمَّا أَقَرَّ ) أَيْ بِالزِّنَا كَانَ فَرْعُ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَبِهْ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ وَصَارَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ أَعْرِفْهَا أَيْ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا وَلَكِنْ عَلِمْت أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَكَانَ هَذَا كَالْمَنْصُوصِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ فَكَانَ قَوْلُهُ لَا أَعْرِفُهَا لَيْسَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ) أَيْ بِزِنَاهُ بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّ الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ وَلَا خَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تُتَصَوَّرُ أَمَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَةً نِكَاحًا فَاسِدًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَيْتُمُوهَا مَعِي لَيْسَتْ زَوْجَتِي وَلَا أَمَتِي لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ فَلَا يُحَدُّ وَأَمَّا مَا قِيلَ وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا فَبِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُقَامُ الْحَدُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ أَرْبَعًا حُدَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا قِيلَ قَائِلُهُ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ زِنَاهَا طَوْعًا غَيْرُ زِنَاهَا مُكْرَهَةً ) أَيْ وَشَهَادَتُهُمْ بِزِنًا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَالشَّاهِدَانِ بِزِنَاهُ بِطَائِعَةٍ يَنْفِيَانِ زِنَاهُ بِمُكْرَهَةٍ وَالْآخَرَانِ يَنْفِيَانِ زِنَاهُ بِطَائِعَةٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ عَلَى خُصُوصِ الزِّنَا لِلتَّحَقُّقِ فِي الْخَارِجِ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ ) أَيْ وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ بِخِلَافِ جَانِبِهَا وَلِأَنَّ طَوَاعِيَتَهَا شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَثْبُتْ إذْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَتَعَارَضُوا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا

بِمَعْنًى غَيْرِ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا لَوْ زَنَى بِصَغِيرَةٍ مُشْتَهَاةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَسُقُوطُ الْإِحْصَانِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْإِحْصَانِ ) أَيْ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ ) أَيْ فِي خِلَافِيَّةِ زُفَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا إلَخْ ) حَاصِلُهَا أَنَّهُ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ إلَّا أَنَّ رَجُلَيْنِ قَالَا اسْتَكْرَهَهَا وَآخَرَيْنِ قَالَا طَاوَعَتْهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَا يُحَدُّ الرَّجُلُ خَاصَّةً ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَتِمَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ ) أَيْ الشَّهَادَةُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ ) أَيْ لِلْقَذْفِ ا هـ قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّونَ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ا هـ فَتْحٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ ) أَيْ عَنْ الْقَاذِفِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْإِحْصَانِ ) أَيْ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَا فِي زَاوِيَةٍ وَكَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَانْتِهَاؤُهُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى يَنْتَقِلَانِ إلَيْهِ بِالِاضْطِرَابِ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبَهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَسْبِ مَا عِنْدَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفُوا فِي سَاعَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ مُتَقَارِبَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَمْتَدَّ الزِّنَا إلَيْهَا يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الثَّوْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حَالَةَ الزِّنَا يُقْبَلُ وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ فَيُعَايِنَ كُلُّ فَرِيقٍ غَيْرَ الَّذِي عَايَنَهُ الْآخَرُ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَذَ فِي الْعَمَلِ فِي ثَوْبٍ ثُمَّ لَبِسَ آخَرَ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا يُقْبَلُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ يُصَارُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ مَشْرُوعٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ أَصْلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَشْهَدُ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أَصْحَابُهُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُقْبَلُ ) أَيْ كَالدَّارَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْقِيَاسُ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَانْتِهَاؤُهُ فِي زَاوِيَةٍ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا شَهِدُوا فَاخْتَلَفُوا فِي الْإِكْرَاهِ وَالطَّوَاعِيَةِ فَإِنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ كُرْهًا وَانْتِهَاؤُهُ طَوَاعِيَةً قَالَ فِي الْكَافِي يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ إذَا كَانَ عَنْ إكْرَاهٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِانْتِهَاءِ يَجِبُ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَهُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الزَّاوِيَتَيْنِ يَجِبُ فَافْتَرَقَا ا هـ ( قَوْلُهُ يَنْتَقِلَانِ إلَيْهِ بِالِاضْطِرَابِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَا قِيلَ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفُوا نَقْلَهُ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا قَائِمٌ فِي الْبَلَدَيْنِ نَعَمْ إنَّمَا هُمْ مُكَلَّفُونَ بِأَنْ يَقُولُوا مَثَلًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْوَجْهُ مَا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا ) أَيْ أَنَّهَا بَيْضَاءُ أَوْ سَمْرَاءُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ فِي طُولهَا وَقِصَرِهَا ) أَيْ أَوْ فِي سِمَنِهَا وَهُزَالِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ التَّوْفِيقُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِإِيجَابِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِلْإِقَامَةِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالِاحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ قُلْنَا التَّوْفِيقُ فِي الْحُدُودِ مَشْرُوعٌ صِيَانَةً لِلْبَيِّنَاتِ عَنْ التَّعْطِيلِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَشْهَدُ بِزِنًا إلَخْ ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَرْبَعَةً لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَهِدَ بِالزِّنَا الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى هَذَا

الِاتِّحَادِ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ الِاخْتِلَافِ ثَابِتٌ بِأَنْ كَانَ الزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِزِنًا عَلَى حِدَةٍ وَفِي ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ا هـ كِفَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ وَالشُّهُودُ فَسَقَةٌ أَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَإِنْ شَهِدَ الْأُصُولُ أَيْضًا لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ ) يَعْنِي لَمْ يُحَدَّ الزَّانِيَانِ وَلَا الشُّهُودُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْبَكَارَةِ فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى الشُّهُودِ وَلِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ إنَّهَا بِكْرٌ وَقَوْلُهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُوَ مَجْبُوبٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ صُورَةً وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَهُنَا لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَنَظِيرُهُ إذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَوُجِدَتْ رَتْقَاءَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبِكْرِ وَالْمَجْبُوبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الشُّهُودُ فَسَقَةً فَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ الزِّنَا مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْقُصُورِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الثُّبُوتِ وَيَسْقُطُ عَنْ الشُّهُودِ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ الْقَاذِفُ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ عَلَى أَنَّ الْمَقْذُوفَ قَدْ زَنَى يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِخِلَافِ الْقَاتِلِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ الْفَسَقَةِ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ قَدْ عَفَوْا لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ بِالْقَتْلِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ

وَالِاحْتِمَالِ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَمْ يَجِبْ بِالْقَذْفِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةَ عَطَفَهُ عَلَى الشَّرْطِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الشَّرْطِ شَرْطٌ فَكَانَ الْعَجْزُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ وَأَمَّا الْقَوَدُ فَمُرَتَّبٌ عَلَى نَفْسِ الْقَتْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } فَظَهَرَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ وَتَقَرَّرَ فَلَوْ سَقَطَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ شَهَادَةٌ مُلْزِمَةٌ وَهَذَا وَلِأَنَّ الْعَفْوَ مُسْقِطٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَالْعَجْزُ مُوجِبٌ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِالْعَجْزِ مَعَ شَهَادَتِهِمْ فَلَا يَجِبُ وَأَمَّا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فَلِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَفِي شَهَادَةِ الْفُرُوعِ أَوْ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ يُمْكِنُ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُمَا عَادَةً وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ تُنْصَبُ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْحُدُودِ إلَى الْبَدَلِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ وَلَا حَدَّ عَلَى الْفُرُوعِ وَلِأَنَّهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَى الزِّنَا إنَّمَا حَكَوْا شَهَادَةَ الْأُصُولِ وَالْحَاكِي لِلْقَذْفِ لَا يَكُونُ قَاذِفًا لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَالْأَهْلِيَّةُ مَوْجُودَةٌ وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا لِإِثْبَاتِهِ وَإِنْ جَاءَ الْأُصُولُ وَشَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يُحَدُّوا أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ شَهِدَ الْأُصُولُ لَمْ

يُحَدَّ أَحَدٌ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَدْ رُدَّتْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ بِالْأَمْرِ وَالتَّحْمِيلِ وَالشَّهَادَةُ مَتَى رُدَّتْ لِتُهْمَةٍ لَمْ تُقْبَلْ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ أَبَدًا وَإِنَّمَا تُقْبَلُ فِي الْمَالِ شَهَادَةُ الْأُصُولِ بَعْدَمَا رُدَّتْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ لَمْ تُرَدَّ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا حَصَلَ فِيهَا شُبْهَةُ الرَّدِّ وَالْمَالُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ دُونَ الْحَدِّ وَلَا يُحَدُّ الْأُصُولُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ وَلَا الْفُرُوعِ بَعْدَهُ أَبَدًا هَذَا إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِتُهْمَةٍ مَعَ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ رُدَّتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ ثُمَّ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ هُمْ الَّذِينَ زَنَوْا بِهَا فَلَا يُحَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يُحَدُّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ مِنْ الشُّهُودِ وَالْمَرْأَةُ حَدَّ الزِّنَا وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الشُّهُودَ الثَّانِيَ جَرَحُوا الشُّهُودَ الْأُوَلَ بِفِعْلِ الزِّنَا وَقَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَعَلَى الْمَرْأَةِ بِشَهَادَتِهِمْ فَيُحَدُّونَ حَدَّ الزِّنَا ثُمَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِثُبُوتِ فِسْقِهِمْ بِالزِّنَا فَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ وَلَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُرَادُ بِهِ النَّفْيُ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لِلثَّانِي عَادَةً كَمَا إذَا قَالَ زَيْدٌ دَخَلَ عَمْرٌو الدَّارَ وَقَالَ آخَرُ لِزَيْدٍ هُوَ الَّذِي دَخَلَ الدَّارَ فَالشُّهُودُ الْأُوَلُ أَثْبَتُوهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالشُّهُودُ الثَّانِي نَفَوْهُ عَنْهُ وَأَثْبَتُوهُ عَلَى الشُّهُودِ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَفْعَلَهُ شَخْصَانِ

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ صَادِقًا وَالْآخَرُ كَاذِبًا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا حَدَّ الزِّنَا لِذَلِكَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا عَلَى رَجُلٍ فِي بَلَدٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِالزِّنَا وَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ بِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ زَنَوْا بِهَا وَشَهِدَ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ الثَّانِي بِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ زَنَوْا بِهَا لَا حَدَّ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَرِيقُ الْأَوْسَطُ مِنْ الشُّهُودِ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوْسَطَ صَارُوا فَسَقَةً بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ بِالزِّنَا عَلَيْهِمْ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَصَارُوا قَذَفَةً لَهُمْ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِكَمَالِ النِّصَابِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الزِّنَا لِثُبُوتِهِ عَلَيْهِمْ بِالشُّهُودِ الْأَخِيرِ .

( قَوْلُهُ فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ ) إذْ لَا بَكَارَةَ مَعَ الزِّنَا وَقَوْلُ النِّسَاءِ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَتَثْبُتُ بَكَارَتُهَا بِشَهَادَتَيْنِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لَمْ تُعَارِضْ شَهَادَتُهُنَّ شَهَادَتَهُمْ بَلْ تَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ بَكَارَتُهَا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنْ تَعُودَ الْعَذِرَةُ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي إزَالَتِهَا فَلَا تُعَارِضُ شَهَادَةَ الزِّنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْحَدُّ وَإِنْ عَارَضَتْ بِأَنْ لَا يُتَحَقَّقَ عَوْدُ الْعَذِرَةِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ شَهَادَتُهُنَّ وَلِأَنَّهَا لَا تُقَوِّي قُوَّةَ شَهَادَتِهِمْ قُلْنَا سَوَاءٌ انْتَهَضَتْ مُعَارَضَةٌ أَمْ لَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُورِثَ شُبْهَةً بِهَا يَنْدَرِئُ قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مُتَكَامِلَةٌ ا هـ وَكُتِبَ مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ إذَا أَشْهَدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَوُجِدَتْ رَتْقَاءَ إلَخْ ) وَتُقْبَلُ فِي الرَّتْقَاءِ وَالْعَذْرَاءِ وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الشُّهُودُ فَسَقَةً ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَصْلُهُ أَنَّ الشُّهُودَ أَصْنَافٌ صِنْفٌ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً كَالْحُرِّ الْعَدْلِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَصِنْفٌ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ كَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِمْ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْأَدَاءَ فَاتَ فِي الْأَعْمَى لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَفِي الْمَحْدُودِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ لِأَدَاءِ شَهَادَتِهِ وَصِنْفٌ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاء وَلَكِنَّ فِي أَدَائِهِ نَوْعَ قُصُورٍ كَالْفُسَّاقِ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ ) أَيْ فَاحْتَطْنَا فِي الْحَدَّيْنِ وَالشَّافِعِيُّ خَالَفَنَا فِيهِ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَهُ

كَالْعَبْدِ ا هـ كَافِي .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ أَوْ ثَلَاثَةً حُدَّ الشُّهُودُ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعُمْيَانِ أَوْ الْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا الْمَالُ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهَا الْحَدُّ وَهُوَ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَشَهَادَةُ الثَّلَاثَةِ قَذْفٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ حَقِيقَةً وَخُرُوجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ قَذْفًا بِاعْتِبَارِ الْحِسْبَةِ وَلَا حِسْبَةَ عِنْدَ نُقْصَانِ الْعَدَدِ فَيُحَدُّونَ وَحَدَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ وَهُمْ أَبُو بَكْرَةَ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَنَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا .

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ ) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا حِسْبَةَ عِنْدَ نُقْصَانِ الْعَدَدِ ) أَيْ وَخُرُوجُ الشَّهَادَةِ عَنْ الْقَذْفِ بِاعْتِبَارِهَا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ شَهْدُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهَاءٍ وَدَالٍ قُلْت وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ حَرْفِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ نَسَبُهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْعَسْكَرِيُّ وَقَالَ لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ السَّكَنِ يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَالِدَةُ أَبِي بَكْرَةَ وَزِيَادٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ شَهِدَ أَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعٌ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ عَلَى الْمُغِيرَةِ وَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَيْهِ كَمَا يَنْظُرُونَ إلَى الْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَجَاءَ زِيَادٌ فَقَالَ عُمَرُ جَاءَ رَجُلٌ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِحَقٍّ قَالَ رَأَيْت مَنْظَرًا قَبِيحًا وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَجَلَدَهُمْ عُمَرُ الْحَدَّ ا هـ مَعَ حَذْفٍ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ حُدَّ فَوُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا حُدُّوا ) وَلِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ الشُّهُودُ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَأَرْشُ ضَرْبِهِ هَدَرٌ وَإِنْ رُجِمَ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا أَرْشُ الضَّرْبِ أَيْضًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ وَقَدْ جَرَحَتْهُ السِّيَاطُ أَوْ مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ أَمَّا الرَّجْمُ فَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ وَخَطَؤُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِأَنَّ عَمَلَهُ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ غُرْمُهُ فِي مَالِهِمْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا أَرْشُ الضَّرْبِ فَلَهُمَا أَنَّ الْجَرْحَ أُضِيفَ إلَى شَهَادَتِهِمْ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقُ الضَّرْبِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْجَرْحِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيَنْتَظِمُ الْجَارِحُ وَغَيْرُهُ فَيَكُونُ الْكُلُّ مُضَافًا إلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ بِالرُّجُوعِ وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ يَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَلَّادِ يَنْتَقِلُ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَصَارَ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا أَخْطَأَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ وَقَعَ فِعْلُهُ لَهُ وَفِعْلُهُ وَقَعَ هُنَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِمْ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ لَهُمْ فَيَجِبُ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْجَلْدُ حَدًّا وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ مُهْلِكٍ وَلَا جَارِحٍ وَلَا يَقَعُ جَارِحًا ظَاهِرًا إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ وَهُوَ قِلَّةُ اهْتِدَائِهِ لِذَلِكَ فَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالضَّرْبِ وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ

بِالسَّلَامَةِ بِخِلَافِ الرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِشَهَادَتِهِمْ فِيهِمَا الْإِتْلَافُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ وَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ ظُهُورِهِمْ عَبِيدًا لِمَا ذَكَرْنَا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَرْشُ ضَرْبِهِ هَدَرٌ ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْصَنٍ فَضَرَبَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَقَدْ جَرَحَتْهُ السِّيَاطُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَرْشُ الضَّرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا فَرُجِمَ فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ ) أَيْ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ إنْ لَمْ يَمُتْ وَالدِّيَةَ إنْ مَاتَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ يَجِبُ ) أَيْ بِأَنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَضْمَنُوا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَصَارَ ) أَيْ الْجَرْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ كَالرَّجْمِ ) يَعْنِي إذَا رَجَمَ الْإِمَامُ أَحَدًا ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ فَالضَّمَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا هَذَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْقِصَاصِ ) يَعْنِي إذَا حُكِمَ بِالْقِصَاصِ لِأَحَدٍ ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالْقِصَاصِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ أَنَّ الْجَرْحَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى شَهَادَتِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا بِشَهَادَتِهِمْ الْحَدَّ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ لَا جَارِحٌ وَلَا مُتْلِفٌ وَلِهَذَا لَا يُحَدُّ فِي الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَلَا الْمَرَضِ تَفَادِيًا عَنْ الْإِتْلَافِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ ) أَيْ وَهُوَ الْجَلَّادُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ ) أَيْ وَلِأَنَّهُ مَا تَعَمَّدَ الْجَرْحَ فَلَوْ ضَمَّنَّاهُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ ا هـ كَافِي .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الرَّجْمِ حُدَّ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ ) وَكَذَا كُلَّمَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يُحَدُّ وَيَغْرَمُ رُبْعَ الدِّيَةِ أَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ بِشَهَادَتِهِمْ فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَتْلَفَ بِغَيْرِ حَقٍّ تَجِبُ عَلَيْهِ الْغَرَامَةُ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّلَفُ مُسْتَحَقًّا بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ فِي هَذَا الْبَابِ يُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ حَتَّى لَوْ كَانَ الشُّهُودُ خَمْسَةً فَرَجَعَ وَاحِدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ التَّلَفَ مُسْتَحَقٌّ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا الْحَدُّ فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّاجِعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ إمَّا أَنْ يَجِبَ بِالْقَذْفِ قَبْلَ الرَّجْمِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لِكَوْنِهِ لَا يُورَثُ أَوْ بِالْقَذْفِ بَعْدَ الرَّجْمِ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَرْجُومَ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِكَوْنِهِ مَرْجُومًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَيَكُونُ شُبْهَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَهُ غَيْرُهُ وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ لِلْحَالِ وَلِأَنَّهُ انْعَقَدَ شَهَادَةً وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ بِهَذَا الْوَصْفِ لَكِنَّهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ يَنْقَلِبُ قَذْفًا لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِشَهَادَتِهِ بِهِ بَعْدَ الْوُجُودِ فَيَنْفَسِخُ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَيَكُونُ قَذْفًا لِلْحَالِ وَهُوَ مَحْضٌ فِي زَعْمِهِ فَيُحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهُ غَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ مَرْجُومٌ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُوجَدْ فَسْخُ الشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ زَعْمَ الرَّاجِعِ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَنَظِيرُهُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ لِلْحَالِ وَلِأَنَّهُ زَعْمٌ وَيَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بَعْدَمَا قَذَفَهُ بِأَنَّهُ كَانَ عَفِيفًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ بِرَجْمِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَصَارَ كَمَا إذَا

قَذَفَهُ غَيْرُهُ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ عَفِيفًا قُلْنَا الْحُجَّةُ لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ لِانْفِسَاخِهَا فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ كَامِلَةً فَلَا يُعْتَبَرُ زَعْمُهُ فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدًا حَيْثُ لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ تَبَيَّنَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً بَلْ كَانَتْ قَذْفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَصَارُوا قَاذِفِينَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَالْحَدُّ لَا يُورَثُ عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ فَجُلِدَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِزُفَرَ أَنَّ الْمَقْذُوفَ حَيٌّ هُنَا فَيُطَالَبُ هُوَ بِالْحَدِّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَدْ مَاتَ بِالرَّجْمِ وَالْحَدِّ لَا يُورَثُ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ بِالزِّنَا بِغَيْرِهَا وَرُجِمَ فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ ضَمِنُوا دِيَتَهُ إجْمَاعًا وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّونَ وَلِأَنَّ رُجُوعَ كُلِّ فَرِيقٍ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ لَا غَيْرُ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَلِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَقُولُ إنَّهُ عَفِيفٌ قُتِلَ ظُلْمًا وَأَنَّهُ قَذَفَهُ كَاذِبًا .( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّاجِعِ ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ الْبَاقُونَ إجْمَاعًا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ قَذْفًا لِلْحَالِ ) أَيْ وَالْمَقْذُوفُ فِي الْحَالِ مَيِّتٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ الشُّهُودِ عَبْدًا أَيْ بَعْدَ الرَّجْمِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُحَدُّونَ ) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ كَاكِيٌّ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَبْلَهُ حُدُّوا وَلَا رَجْمَ ) أَيْ لَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّهُودِ قَبْلَ الرَّجْمِ يُحَدُّ كُلُّهُمْ وَلَا يُرْجَمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَسَقَطَ إحْصَانُهُ ثُمَّ بِالرُّجُوعِ يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ فَقَطْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ إعْلَامُ مَنْ لَهُ حَقٌّ بِحَقِّهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَكَانَ الْمُفَوَّضُ إلَى الْحَاكِمِ الِاسْتِيفَاءُ فَلَمَّا لَمْ يَسْتَوْفِ لَمْ يَسْتَحْكِمْ قَضَاؤُهُ فَكَانَ الْعَارِضُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْعَارِضِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ الْإِمْضَاءُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَعَزْلِهِ وَرِدَّةِ الشُّهُودِ وَعَمَاهُمْ وَغَيْبَتِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ بِإِقَامَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْقَبُولَ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ الْحُكْمِ وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا جَمِيعًا وَقَالَ زُفَرُ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَلِأَنَّ رُجُوعَ الرَّاجِعِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَقِيَ قَذْفًا عَلَى حَالِهِ وَلَا يَكُونُ شُبْهَةً وَلِهَذَا لَا يُقْضَى بِهَا بِالْمَالِ بَعْدَ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيُحَدُّ كُلُّهُمْ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ بِرُجُوعِ غَيْرِهِمْ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ وَلَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّا نَقُولُ الْحَدُّ وَجَبَ عَلَيْهِمْ بِقَذْفِهِمْ لَا بِالرُّجُوعِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ وَإِنَّمَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ قَذْفًا بِاتِّصَالِ

الْقَضَاءِ بِهَا وَبِالرُّجُوعِ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ فَصَارَ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ الشَّاهِدُ الرَّابِعُ عَنْ الشَّهَادَةِ ابْتِدَاءً بَعْدَمَا شَهِدَ أَصْحَابُهُ .( قَوْلُهُ لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ ا هـ كَافِي وَفِي نُسْخَةٍ وَاحِدٌ مِنْ الشُّهُودِ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ ) أَيْ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَكَانَ الْعَارِضُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ كَوْنِ الْإِمْضَاءِ مِنْ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا اعْتَرَضَتْ أَسْبَابُ الْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ أَوْ سُقُوطِ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ أَوْ عَزْلِ الْقَاضِي يَمْتَنِعُ اسْتِيفَاءُ حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَمَاهُمْ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعَمْيِهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ شُبْهَةً ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ شَهَادَةٌ تَأَمَّلْ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَمْسَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الشُّهُودُ خَمْسَةً فَرُجِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعِ مِنْ الضَّمَانِ وَالْحَدِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِكُلِّ الْحَقِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّهِمَا وَأَمَّا الْغُرْمُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ بِبَقَائِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَلْزَمُهُمَا الرُّبْعُ فَإِنْ قِيلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا حِينَ رَجَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالضَّمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ بِرُجُوعِ غَيْرِهِ قُلْنَا وُجِدَ مِنْهُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَالضَّمَانِ وَهُوَ قَذْفُهُ وَإِتْلَافُهُ بِشَهَادَتِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِرُجُوعِ الثَّانِي ظَهَرَ الْوُجُوبُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا كَمَا لَوْ قُتِلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ فَظَهَرُوا كَذَلِكَ ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ كَمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاتِلِ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فِيمَا إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ بَعْدَمَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَضْمَنُوا وَإِنْ ثَبَتُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا لَمْ يَضْمَنُوا بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِيمَا عَمِلُوا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا كَالْقَاضِي وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ ضَمِنُوا لَكَانَ ضَمَانَ عُدْوَانٍ وَذَلِكَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ بِالتَّسْبِيبِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا التَّسْبِيبُ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ الزِّنَا وَهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهُ وَإِنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ فَيَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِتَبَيُّنِ خَطَأِ الْإِمَامِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَعْمَلُ وَلَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَصَارَتْ كَعِلَّةِ الْعِلَّةِ لِإِلْزَامِهِمْ الْقَاضِيَ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي التَّزْكِيَةِ دُونَ شُهُودِ الْإِحْصَانِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ قَرِيبٍ وَالشَّهَادَةُ مُوجِبَةٌ لِلْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدُوا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَخْبَرُوا لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا

بِالْحُرِّيَّةِ وَأَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ وَظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنُوا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي ذَلِكَ إذْ الرِّقُّ لَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ إذْ هِيَ اجْتِنَابُ الْمَحْظُورَاتِ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ حَيْثُ اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ لَمْ يَقَعْ شَهَادَةً وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ وُجِدَ الشُّهُودُ كُفَّارًا وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَمَعْنَاهُ قَتْلُهُ عَمْدًا بَعْدَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَهَذَا لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمَّا ظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَصِرْ مُبَاحَ الدَّمِ وَقَدْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الرَّجْمُ وَهَذَا جَزٌّ فَلَمْ يُوَافِقْ أَمْرَ الْقَاضِي لِيَصِيرَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي نَفَذَ ظَاهِرًا وَحِينَ قَتَلَهُ كَانَ الْقَضَاءُ صَحِيحًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَعَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ حَيْثُ يَجِبُ حَالًّا لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ وَفِي الْكَافِي وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي

الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ وَإِنْ قُضِيَ بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشُّهُودُ عَبِيدًا وَلَا كُفَّارًا وَأَمَّا إذَا وُجِدُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَوْ رَجَمَهُ كَمَا أَمَرَ الْإِمَامُ ثُمَّ وُجِدَ الشُّهُودُ عَبِيدًا فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْجَزِّ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ وَلِهَذَا يُؤَدِّبُهُ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رُجِمَ فَوُجِدُوا عَبِيدًا فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ) وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا .( قَوْلُهُ فَظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا ) أَيْ أَوْ كُفَّارًا كَمَا سَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ ) أَيْ وَالْإِسْلَامِ ا هـ كَافِي

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ لِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفِسْقِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عَوْرَةِ الْغَيْرِ عَمْدًا فِسْقٌ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ يُبَاحُ النَّظَرُ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى { فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وَلَا وَجْهَ إلَى التَّحَمُّلِ إلَّا بِالنَّظَرِ عَمْدًا لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ نَظَرُ الْأَرْبَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَلِأَنَّ التَّعَمُّدَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ جَائِزٌ كَالطَّبِيبِ وَالْخَافِضَةِ وَالْخَاتِنِ وَالْقَابِلَةِ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ هُنَا ثَابِتَةٌ لِإِقَامَةِ الْحِسْبَةِ وَتَقْلِيلِ الْفَسَادِ فِي الْعَالَمِ وَأَيَّةُ حَاجَةٍ أَعْظَمُ مِنْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْإِبَاحَةِ .( قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى { فَأَشْهِدُوا } ) التِّلَاوَةُ فَاسْتَشْهِدُوا ( قَوْلُهُ وَالْخَافِضَةِ ) قَالَ فِي الصِّحَاح وَخَفَضْتُ الْجَارِيَةَ مِثْلَ خَتَنْتُ الْغُلَامَ وَاخْتَفَضَتْ هِيَ وَالْخَافِضَةُ الْخَاتِنَةُ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ رُجِمَ ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يُنْكِرَ الدُّخُولَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِذَا جَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا شَرْعًا لِأَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ بِهَا وَلِهَذَا يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ عَاقِلَةٍ وَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ تُقْبَلُ وَيُرْجَمُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَتَوَابِعِهِ وَزُفَرُ يَقُولُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَ وُجُودِ الْإِحْصَانِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ بِتَكْمِيلِ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَهَذَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لِلْعُقُوبَةِ وَالْمُكَمِّلُ كَالْمُوجِبِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وُجُودًا عِنْدَهُ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ وُجُوبًا وَضَرَرُ الْعُقُوبَةِ لَا يَثْبُتُ بِالْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْوُجُودِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ لَيْسَ بِعِلَّةِ عُقُوبَةٍ وَلَا سَبَبٍ وَلَا شَرْطٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا يَكُونُ مُوجِبًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ وَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا الزِّنَا وَالسَّبَبُ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْضٍ بَلْ هُوَ مَانِعٌ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ كُلِّهَا تَمْنَعُ عَنْ الْقَبَائِحِ وَالشَّرْطُ مَا يُوجِدُ الْعِلَّةَ بِصُورَتِهَا وَيَتَوَقَّفُ

انْعِقَادُهُ عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ الْوُجُوبِ كَدُخُولِ الدَّارِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا الزِّنَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ لَمْ يُوجَدْ بِصُورَتِهِ حَتَّى يَنْعَقِدَ عِلَّةً لِوُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى وُجُودِ الْإِحْصَانِ وَلَا يُضَافُ وُجُودُ الرَّجْمِ إلَيْهِ فَكَانَ عَلَامَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الرَّجْمُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ الزِّنَا وَالْحُكْمُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْعَلَامَةِ لَا وُجُوبًا وَلَا وُجُودًا وَلَا إفْضَاءً فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَمِّلٍ لِلْعُقُوبَةِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْإِحْصَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الذُّكُورَةُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِيمَا يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَالْإِحْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ عُقُوبَةً أَوْ ضَرَرًا وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي شَيْءٍ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْصَانُ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ بَلْ هُوَ أَوْصَافٌ حَمِيدَةٌ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْإِسْلَامِ كُلُّهَا تُنَافِي الْعُقُوبَةَ بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ فَإِنَّهَا مُكَمِّلَةٌ لِلْعِلَّةِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا قَوْلُ النِّسَاءِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا وَلَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ إحْصَانُهُ وَلِأَنَّ لَفْظَةَ الدُّخُولِ مُشْتَرَكٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَطْءِ وَفِي الزِّفَافِ وَفِي الْخَلْوَةِ وَالزِّيَارَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ

قَرَبَهَا أَوْ أَتَاهَا وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ بِحَرْفِ الْبَاءِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } الْمُرَادُ الْجِمَاعُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا } أَيْ جَامَعَهَا وَفِي الْعُرْفِ إذَا قِيلَ فُلَانٌ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ دُونَ الْخَلْوَةِ وَإِذَا خَلَا بِهَا يُقَالُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهُوَ بِمَعْنَى الزِّيَارَةِ وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَطِئْتُهَا وَأَنْكَرَتْ صَارَ مُحْصَنًا دُونَهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ كُنْتُ نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ كَانَتْ مُسْلِمَةً وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ هَلْ هُوَ شَرْطٌ مُكَمِّلٌ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ الزِّنَا أَوْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .قَوْلُهُ وَكُلِّهَا ) الْوَاوُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ) أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ الزِّنَا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ ) أَيْ قَبْلَ ظُهُورِ الزِّنَا ا هـ .

( بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْ شَرِبَ خَمْرًا فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ أَوْ كَانَ سَكْرَانًا وَلَوْ بِنَبِيذٍ وَشَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً حُدَّ إنْ عُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا وَصَحَا ) لِحَدِيثِ أَنْسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ } قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ إلَى أَنْ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ إلَى أَنْ جَلَدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَرَفَعَ الْقَتْلَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي السَّكْرَانِ { إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ { فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانٍ فِي الرَّابِعَةِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ } وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ طَوْعًا لِأَنَّ الشُّرْبَ مُكْرَهًا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ صَاحِيًا لِيُفِيدَ الضَّرْبُ وَهُوَ الْحَدُّ فَائِدَتَهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ الْأَنْبِذَةُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارُ مَرَّتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ كَمَا فِي الزِّنَا قُلْنَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ

فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ .

( بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ ) قُدِّمَ حَدُّ الزِّنَا عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي الزِّنَا أَشَدُّ وَلِهَذَا كَانَ حَدُّ الزِّنَا مِائَةً أَوْ رَجْمًا فِي الْحُرِّ وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَمَانُونَ فِي الْحُرِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعُونَ كَمَا فِي الْعَبْدِ يُحَقِّقُهُ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك } قَالَ وَأَنْزَلَ تَصْدِيقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } الْآيَةَ وَأُخِّرَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ حَدِّ الشُّرْبِ لِتَيَقُّنِ الْجَرِيمَةِ فِي الشَّارِبِ دُونَ الْقَاذِفِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَدَقَ فِي الْقَذْفِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ زَانِيًا وَلِهَذَا كَانَ حَدُّ الْقَذْفِ أَخَفَّ الْجَمِيعِ وَتَأْخِيرُ حَدِّ السَّرِقَةِ لِمَا أَنَّهُ شُرِعَ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَالْمَالُ تَبَعٌ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَأُخِّرَ حَدُّ السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ وَلِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَصِيَانَةِ الْأَنْسَابِ وَالْعَقْلِ آكَدُ مِنْ صِيَانَةِ الْمَالِ بَقِيَ أَنَّهُ أَخَّرَهُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمَالَ دُونَ الْعِرْضِ فَإِنَّهُ جُعِلَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ عَنْ كُلِّ مَا تَكْرَهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ أَيْ إلَى الْحَاكِمِ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ وَهُوَ غَيْرُ سَكْرَانٍ مِنْهَا وَيُعْرَفُ كَوْنُهُ يُحَدُّ إذَا كَانَ سَكْرَانًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ سَكْرَانًا أَيْ جَاءُوا بِهِ إلَيْهِ سَكْرَانًا مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ النَّبِيذِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَيْ بِالشُّرْبِ فِي

الْأَوَّلِ وَهُوَ عَدَمُ السُّكْرِ مِنْهَا وَفِي الثَّانِي وَهُوَ السُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَالشَّهَادَةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقَيَّدَةٌ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا بِالشُّرْبِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ الرِّيحَ قَائِمٌ حَالَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ بِأَنْ يَشْهَدَا بِهِ وَبِالشُّرْبِ أَوْ يَشْهَدَا بِهِ فَقَطْ فَيَأْمُرَ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيُسْتَنْكَهُ وَيُخْبِرَهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ وَأَمَّا إذَا جَاءُوا بِهِ مِنْ بَعِيدٍ فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ مَجِيئَهُمْ بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمْ أَخَذُوهُ فِي حَالِ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ خُصُوصًا بَعْدَ مَا حَمَلْنَا كَوْنَهُ سَكْرَانًا مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ فَإِنَّ رِيحَ الْخَمْرِ لَا تُوجَدُ مِنْ السَّكْرَانِ مِنْ غَيْرِهَا وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَلِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ فَالْمُرَادُ فِي الثَّانِي أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ غَيْرِهَا مَعَ وُجُودِ رَائِحَةِ ذَلِكَ الْمُسْكِرِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْخَمْرِ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ قَدْ ظَهَرَتْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَشَهِدَ رَجُلَانِ ) وَإِنَّمَا قُلْنَا وَشَهِدَ رَجُلَانِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً لِأَنَّهَا مُورِثَةٌ لِلشُّبْهَةِ ا هـ رَازِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } اعْتَبَرَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ عَدَمِ نِصَابِ الرِّجَالِ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَتَهُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ وَتُهْمَةَ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى }

ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَدُّ فَائِدَتُهُ ) أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَدِّ الِانْزِجَارُ وَلَا يَحْصُلُ الِانْزِجَارُ إذَا حُدَّ فِي حَالِ السُّكْرِ لِعَدَمِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ الْحَدِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ الْأَنْبِذَةُ الْمُحَرَّمَةُ ) أَيْ وَلِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ) أَيْ وَزُفَرَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ مَرَّتَيْنِ ) أَيْ فِي مَجْلِسَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ شَهِدَا بَعْدَ مُضِيِّ رِيحِهَا لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا أَوْ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ أَوْ أَقَرَّ سَكْرَانٌ بِأَنْ زَالَ عَقْلُهُ لَا ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا إذَا أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رَائِحَتِهَا أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ بِذَلِكَ فَلِلتَّقَادُمِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ وَهُوَ زَوَالُ الرَّائِحَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ التَّقَادُمَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ كَمَا فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُدُودِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْت مُدَامَةً فَقُلْتُ لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْتُ السَّفَرْجَلَا وَلَهُمَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ تَلْتِلُوهُ وَمَزْمِزُوهُ ثُمَّ اسْتَنْكَهُوهُ فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ بَعْدَمَا ذَهَبَتْ رَائِحَتُهَا وَاعْتَرَفَ بِهِ فَعَزَّرَهُ وَلَمْ يَحُدَّهُ وَلَا يُقَالُ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِنَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلِأَنَّا نَقُولُ لَا بَلْ هُوَ اسْتِدْلَالٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْحَدِّ كَانَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ إجْمَاعُهُمْ بِرَأْيِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ شَرَطَا فِيهِ الرَّائِحَةَ وَلَا إجْمَاعَ عِنْدَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ وَمُطْلَقُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ } مَخْصُوصٌ بِالْمُضْطَرِّ وَالْمُكْرَهِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ أَيْضًا بِإِجْمَاعِهِمْ وَلِأَنَّ قِيَامَ الْأَثَرِ مِنْ أَقْوَى دَلَائِلِهِ عَلَى الْقُرْبِ فَيُقَدَّرُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ لِعَدَمِ الْأَثَرِ فِيهَا

فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ وَالتَّمْيِيزُ مُمْكِنٌ لِمَنْ يَعْرِفُ وَإِنَّمَا يُشْتَبَهُ عَلَى الْجُهَّالِ وَكَوْنُهُ مُقِرًّا لَا يُنَافِي التَّأْكِيدَ بِاشْتِرَاطِ الرَّائِحَةِ كَمَا لَا يُنَافِي التَّأْكِيدَ فِي الزِّنَا بِاشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ ثُمَّ الرَّائِحَةُ يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ حَتَّى لَوْ أَخَذُوهُ وَرِيحُهَا يُوجَدُ فِيهِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ إلَى الْإِمَامِ لِبُعْدِ مَسَافَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ وَمِنْهُ احْتِرَازٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مُضِيِّ رِيحِهَا لَا لِبُعْدِ مَسَافَةٍ وَلَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانًا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُجُودُ الرَّائِحَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا فَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا وَالرَّائِحَةُ مُحْتَمَلَةٌ أَيْضًا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالشَّكِّ وَكَذَا إذَا وُجِدَ سَكْرَانًا لَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْمُبَاحِ وَأَمَّا إذَا رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَهَذَا وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فَصَارَ شُبْهَةً وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ وَهُوَ سَكْرَانٌ فَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَفِي إقْرَارِهِ زِيَادَةُ الِاحْتِمَالِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مِثْلَ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا أَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي السَّرِقَةِ فِي حَقِّ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَأُقِيمَ السُّكْرُ مَقَامَ الرُّجُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى أَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ فِي حَالَةِ السُّكْرِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ

فَيُعْتَبَرُ فِعْلُهُ فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَاعْتِقَادٍ بِخِلَافِ ارْتِدَادِهِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ بِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَالِاعْتِقَادِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ كُفْرٌ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَإِسْلَامِ الْمُكْرَهِ وَهَذَا إذَا سَكِرَ بِالْمُحَرَّمِ وَأَمَّا إذَا سَكِرَ بِالْمُبَاحِ كَشُرْبِ الْمُضْطَرِّ وَالْمُكْرَهِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ وَالدَّوَاءِ فَلَا تُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ بَيَّنَ حَدَّ السَّكْرَانِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ زَالَ عَقْلُهُ وَهُوَ أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرِّجَالَ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا يَعْرِفَ شَيْئًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا هُوَ مَنْ يَهْذِي وَيَخْلِطُ جَدَّهُ بِهَزْلِهِ وَلِأَنَّهُ هُوَ السَّكْرَانُ فِي الْعُرْفِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ سَوْطًا وَلَهُ أَنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ فَتُعْتَبَرُ النِّهَايَةُ فِي سَبَبِهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَنِهَايَةُ السُّكْرِ أَنْ يَغْلِبَ السُّرُورُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَسْلُبَ التَّمْيِيزَ أَصْلًا وَمَا دُونَهُ لَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } عَبَّرَ عَنْ الصَّحْوِ بِعِلْمِ مَا يَقُولُونَ فَكَانَ السُّكْرُ ضِدَّهُ وَهُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِمَا يَقُولُونَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَالْمُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالِاتِّفَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْحُرُمَاتِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ أَثَرِ السُّكْرِ فِي مَشْيِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الصَّاحِيَ رُبَّمَا يَتَمَايَلُ فِي مَشْيِهِ وَالسَّكْرَانَ قَدْ لَا يَتَمَايَلُ وَيَمْشِي مُسْتَقِيمًا .

( قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَا بَعْدَ ) بَعْدُ ظَرْفٌ لِلْفِعْلَيْنِ قَبْلَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ التَّقَادُمُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ) اعْلَمْ أَنَّ التَّقَادُمَ فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ مَانِعٌ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنَّ فِي تَقْدِيرِهِ اخْتِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهْرٍ هَذَا فِي غَيْرِ حَدِّ الشُّرْبِ وَقَدَّرَ مُحَمَّدٌ فِيهِ أَيْضًا كَمَا فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ بِشَهْرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ ) أَيْ لِأَنَّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَلِأَنَّهُ قَدْ تُوجَدُ رَائِحَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ وَقَدْ يُتَكَلَّفُ لِزَوَالِ الرَّائِحَةِ مَعَ بَقَاءِ الْخَمْرِ فِي الْبَطْنِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالشُّرْبِ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا لَا يُبْطِلُهُ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُبْطِلُهُ التَّقَادُمُ كَمَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُتَّهَمُ فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ تَطَاوُلِ الْعَهْدِ وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ هَذَا عَظِيمٌ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلِ أَنْ يَبْطُلَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ وَأَنَا أُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ عَامًا أَنَّهُ كَانَ شَرِبَ النَّبِيذَ وَسَكِرَ تَقَادَمَ أَوْ لَمْ يَتَقَادَمْ وُجِدَ رِيحُهَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَلَهُمَا أَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلَا يَصِحُّ إجْمَاعُهُمْ بِدُونِ رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ اعْتَبَرَ هُوَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنْ قُلْت الشَّرْطُ يُوجِبُ وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ قُلْت عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ أَوْجَبَ

عَدَمَ الْحُكْمِ بَلْ لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَدِّ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَلِأَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ لَمْ يَرَ الْحَدَّ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّائِحَةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي فِي الْإِقْرَارِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ لِمَا بَيَّنَّا وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحُدُودِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا مُقِرًّا بِهَا الرَّدُّ وَالْإِعْرَاضُ وَعَدَمُ الِاسْتِمَاعِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَقَرَّ مَاعِزٌ فَكَيْفَ يَأْمُرُ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالتَّلْتَلَةِ وَالْمَزْمَزَةِ وَالِاسْتِنْكَاهِ حَتَّى يَظْهَرَ سُكْرُهُ فَلَوْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رَجُلٍ مُولَعٍ بِالشَّرَابِ مُدْمِنٍ فَاسْتَجَازَهُ لِذَلِكَ ا هـ وَرَجَّحَ الْكَمَالُ أَيْضًا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ أَيْ هَذَا التَّقَادُمَ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا أَنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي أَوْ شَهْرٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الرَّائِحَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْت مُدَامَةً فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا وَانْكَهْ بِوَزْنِ امْنَعْ وَنَكِهَ مِنْ بَابِهِ أَيْ أَظْهَرَ رَائِحَةَ فَمِهِ فَظَهَرَ أَنَّ رَائِحَةَ الْخَمْرِ مِمَّا تَلْتَبِسُ بِغَيْرِهَا فَلَا يُنَاطُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ بِوُجُودِهَا وَلَا بِذَهَابِهَا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَلْتَبِسُ عَلَى ذَوِي الْمَعْرِفَةِ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ بِوُجُودِهَا وَلِأَنَّ الْمَعْقُولَ تَقَيُّدُ قَبُولِهَا بِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَالتُّهْمَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الشَّهَادَةِ بِسَبَبِ وُقُوعِهَا بَعْدَ ذَهَابِ الرَّائِحَةِ

بَلْ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ تَأْخِيرًا يُعَدُّ تَفْرِيطًا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي تَقْدِيرِ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ وَبِهِ تَذْهَبُ الرَّائِحَةُ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عُرِفَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي حَامِدٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ بِابْنِ أَخٍ لَهُ سَكْرَانَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ تَرْتَرُوهُ وَمَزْمِزُوهُ وَاسْتَنْكِهُوهُ فَفَعَلُوا فَرَفَعَهُ إلَى السِّجْنِ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْغَدِ وَدَعَا بِسَوْطٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَدُقَّتْ ثَمَرَتُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى صَارَتْ دِرَّةً ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ اجْلِدْ وَارْجِعْ يَدَك وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدُفِعَ بِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَوْنُ الشَّهَادَةِ لَا يُعْمَلُ بِهَا إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ فِيهِ شَهَادَةٌ مُنِعَ مِنْ الْعَمَلِ بِهَا لِقِيَامِ الرَّائِحَةِ وَقْتَ أَدَائِهَا بَلْ وَلَا إقْرَارٌ إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ حَدَّهُ بِظُهُورِ الرَّائِحَةِ بِالتَّرْتَرَةِ وَالْمَزْمَزَةِ وَالتَّحْرِيكِ بِعُنْفٍ وَالتَّرْتَرَةُ وَالتَّلْتَلَةُ التَّحْرِيكُ وَهُمَا بِتَاءَيْنِ مَنْقُوطَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِأَنَّ بِالتَّحْرِيكِ تَظْهَرُ الرَّائِحَةُ مِنْ الْمَعِدَةِ الَّتِي كَانَتْ خَفِيَتْ وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحْسَنْت فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إذْ وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَقَالَ أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتُكَذِّبُ الْكِتَابَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ وَفِيهِ لَفْظُ رِيحِ شَرَابٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الرَّائِحَةِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ الرَّائِحَةِ مَعَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَصَحُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ نَفْيُهُ وَمَا ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ يُعَارِضُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ عَزَّرَ مَنْ وَجَدَ مِنْهُ الرَّائِحَةَ وَيَتَرَجَّحُ وَلِأَنَّهُ أَصَحُّ ا هـ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْت مُدَامَةً الْبَيْتَ ) يُرْوَى بِكَلِمَةِ قَدْ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ وَبِدُونِهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْفُقَهَاءِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَسْقُطُ الْهَمْزَةُ لِلْوَصْلِ مِنْ انْكَهْ فِي اللَّفْظِ وَعَلَى الثَّانِي تُحَرَّكُ بِالْكَسْرِ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَيَجُوزُ تَحْرِيكُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فِي الْحَشْوِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالتَّمْيِيزُ مُمْكِنٌ ) أَيْ بَيْنَ الرَّوَائِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِبُعْدِ مَسَافَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَلَا يَكُونُ التَّقَادُمُ مَانِعًا عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ عَنْ عُذْرٍ فَلَا يُتَّهَمُونَ فِي التَّأْخِيرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ إذَا أَخَّرُوا الشَّهَادَةَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فَكَذَا هُنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ وَهُوَ سَكْرَانٌ ) اعْلَمْ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ بَيَانُهُ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى نَحْوَ حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ لَا يُؤَاخَذُ بِمَا أَقَرَّ وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ كَلَامَهُ هَذَيَانٌ يُحْتَمَلُ الْكَذِبُ وَمَعَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْحُدُودَ

يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا لَا لِإِثْبَاتِهَا إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعَتَاقٍ صَحَّ إقْرَارُهُ إلَّا أَنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ إذَا صَحَّا وَهَذَا لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَا يُقَامُ بِدُونِ دَعْوَى الْمَقْذُوفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ كَالصَّاحِي فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْآفَةَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانًا حُبِسَ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُحَدَّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسَ حَتَّى يَخِفَّ عَنْهُ الضَّرْبُ فَيُحَدَّ لِلسُّكْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانًا وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ سُكْرِهِ لَا يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ بِالسُّكْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ) أَيْ بَعْدَ الصَّحْوِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ أَوْ الِاسْتِخْفَافِ وَبِاعْتِبَارِ الِاسْتِخْفَافِ حُكِمَ بِكُفْرِ الْهَازِلِ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهِ لِمَا يَقُولُ وَلَا اعْتِقَادَ لِلسَّكْرَانِ وَلَا اسْتِخْفَافَ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ قِيَامِ الْإِدْرَاكِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَدِّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَقَوْلِهِمَا وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتُعْتَبَرُ النِّهَايَةُ فِي سَبَبِهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ ) أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الزِّنَا تُعْتَبَرُ الْمُخَالَطَةُ كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَفِي السَّرِقَةِ

يُعْتَبَرُ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ التَّامِّ فَكَذَا هُنَا اُعْتُبِرَ أَقْصَى غَايَاتِ السُّكْرِ وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ مَبْلَغًا لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَالرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَا يُحَدُّ وَلِأَنَّ السُّكْرَ نَاقِصٌ وَفِي النَّقْصِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا السُّكْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّ حُرْمَتَهَا قَطْعِيَّةٌ لَا اجْتِهَادِيَّةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى قَوْلَهُمَا لِضَعْفِ وَجْهِ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا فَقَدْ سَلَّمَ أَنَّ السُّكْرَ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْحَالَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَأَنَّهُ تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ هِيَ سُكْرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَمْشِي مُسْتَقِيمًا ) أَيْ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ ا هـ هِدَايَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَدُّ السُّكْرِ وَالْخَمْرِ وَلَوْ شَرِبَ قَطْرَةً ثَمَانُونَ سَوْطًا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعُونَ لِمَا رَوَيْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ } وَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُضْرَبَ شَارِبُ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ } وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ جَلْدَةً رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَمَالِكٌ بِمَعْنَاهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَا رَوَاهُ كَانَ بِجَرِيدَتَيْنِ فَنَعْلَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ ضَرْبَةٍ بِضَرْبَتَيْنِ فَكَانَ حُجَّةً لَنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { جُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ بِنَعْلَيْنِ } فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ بَدَلَ كُلِّ نَعْلٍ سَوْطًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْجَرِيدَتَانِ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَ الْوَلِيدَ ثَمَانِينَ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعِينَ وَيَتَوَجَّهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَلَدَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِهِ وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ ضَرْبِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَلِهَذَا جَلَدَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَمَانِينَ بَعْدَمَا اسْتَشَارَ النَّاسَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْعَبْدِ نِصْفُهُ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْخَمْرِ فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَأَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ

جَلَدُوا عَبِيدَهُمْ نِصْفَ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَبْلُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَدُّ السُّكْرِ ) وَالسُّكْرُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ كَذَا السَّمَاعُ أَيْ حَدُّ الْخَمْرِ كَيْفَمَا شَرِبَهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَنْ طَوْعٍ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا قَطْعِيَّةٌ يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْهَا بِلَا اشْتِرَاطِ السُّكْرِ وَحَدُّ السُّكْرِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَإِنَّ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ مَا لَمْ يَسْكَرْ وَلِأَنَّ حُرْمَتَهَا اجْتِهَادِيَّةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ثَمَانُونَ سَوْطًا ) أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ كَحَدِّ الزِّنَا ) لِأَنَّ تَكْرَارَ الضَّرْبِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَيُتَوَقَّى الْمَوَاضِعُ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا فِي حَدِّ الزِّنَا لِمَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ إيصَالَ الْأَلَمِ بِالْبَدَنِ وَيُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُبَالَغَةً فِي الْإِيلَامِ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ كَحَدِّ الزِّنَا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا قُلْنَا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَقَلَّ الْحُدُودِ عَدَدًا وَأَخَفَّ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَصْفًا فَلَا يُخَفَّفُ ثَالِثًا بِتَرْكِ التَّجْرِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ ) أَيْ وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ الضَّرْبُ وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُرَادُ بِهِ الطُّهْرَةُ مِنْ الذَّنْبِ وَجَمِيعُ الْأَعْضَاءِ تَحْتَاجُ إلَى التَّطْهِيرِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمُسْتَثْنَاةِ فَإِنَّ الضَّرْبَ عَلَى الْوَجْهِ يُورَثُ الْمَثُلَةَ وَهِيَ مَنْهِيَّةٌ وَالضَّرْبَ عَلَى الْفَرْجِ وَالرَّأْسِ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تُنْزَعُ ا هـ قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

( بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّمْيِ مُطْلَقًا وَمِنْهُ الْقَذَّافَةُ وَالْقَذِيفَةُ لِلْمِقْلَاعِ وَالتَّقَاذُفُ التَّرَامِي وَفِي الشَّرْعِ رَمْيٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا صَرِيحًا وَهُوَ الْقَذْفُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَشَرْطُهُ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ وَعَجْزُ الْقَاذِفِ عَنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَبِالتَّأْخِيرِ يَتَضَرَّرُ الْمَقْذُوفُ بِالْعَارِ وَفِي الْمَجْلِسِ لَا يُعَدُّ تَأْخِيرًا كَتَأْخِيرِهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْجَلَّادُ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّ الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّهَادَةَ وُجِدَتْ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ فَتُعْتَبَرُ لِلدَّرْءِ عَنْ الزَّانِي لَا لِلْوُجُوبِ عَلَى الْقَاذِفِ كَشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ .

( بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ ) قَدْ ذَكَرَ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَقَامَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَاجْتَنَبَ السَّبْعَ الْكَبَائِرَ نُودِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَدْخُلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ وَذُكِرَ مِنْهَا قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ } وَتَعَلَّقَ الْحَدُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدِينَ إلَى قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِسَائِرِ الْمَعَاصِي غَيْرِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بَلْ التَّعْزِيرُ وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الزِّنَا وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ لِيَظْهَرَ بِهِ صِدْقُهُ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ وَلَا شَيْءَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إلَّا الزِّنَا ثُمَّ ثَبَتَ وُجُوبُ جَلْدِ الْقَاذِفِ لِلْمُحْصَنِ بِدَلَالَةِ هَذَا النَّصِّ لِلْقَطْعِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ صِفَةُ الْأُنُوثَةِ وَاسْتِقْلَالُ دَفْعِ عَارِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّأْثِيرِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى ثُبُوتِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِيَّةً وَثُبُوتًا ) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ كَحَدِّ الشُّرْبِ عَدَدًا وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَكَذَا ثُبُوتًا حَتَّى يَثْبُتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِمَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ عَلَى مَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا .( قَوْلُهُ وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً ) يَعْنِي فِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَاذِفَ إذَا كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى مَا مَرَّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِزِنًا حُدَّ بِطَلَبِهِ مُفَرَّقًا ) أَيْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ مُفَرَّقًا عَلَى أَعْضَاءِ الْقَاذِفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَالْمُرَادُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ شَرَطَ أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الزِّنَا وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْمُحْصَنَاتِ لَكِنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ يَشْمَلُهُمَا فَكَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ دَلَالَةً وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { لَمَّا أُنْزِلَتْ الْآيَةُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا الْآيَةَ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَانُوا قَاذِفِينَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاذِفُ بِالزِّنَا بِأَنْ قَالَ جَامَعْتُ فُلَانَةَ حَرَامًا ، أَوْ فَجَرْتُ بِهَا وَنَحْوُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْجِمَاعَ الْحَرَامَ قَدْ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا يُقَالُ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَشُرِطَ طَلَبُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسٍ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

وَلِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ وَكَذَا قَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِزِنًا ) قَالَ الْهِدَايَةُ بِصَرِيحِ الزِّنَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِأَنْ قَالَ لِمُحْصَنٍ يَا زَانِي أَوْ لِمُحْصَنَةٍ أَوْ قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ ا هـ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مَنْ قَذَفَ أَحَدًا بِفِعْلٍ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْقَاذِفِ فَيَجِبُ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً إذَا كَانَ حُرًّا وَأَرْبَعُونَ إذَا كَانَ عَبْدًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ عَلَى الْمَقْذُوفِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَيَجِبُ التَّعْزِيرُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ بِصَرِيحِ الزِّنَا يُحْتَرَزُ عَنْ الْقَذْفِ بِالْكِنَايَةِ كَقَائِلٍ صَدَقْتَ لِمَنْ قَالَ يَا زَانِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ كَمَا قُلْتَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ الْآخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ وَلَوْ قَالَ أَنَا أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ حُدَّ وَيُحَدُّ بِقَوْلِهِ زَنَى فَرْجُكِ وَبِقَوْلِهِ زَنَيْتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا قَطَعَ كَلَامَهُ وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ بِخِلَافِهِ مَوْصُولًا وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ أَوْ أَبِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَسُفْيَانُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يُحَدُّ بِالتَّعْرِيضِ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَ رَجُلًا بِالتَّعْرِيضِ وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِهِ مِنْ الْقَرِينَةِ صَارَ كَالصَّرِيحِ قُلْنَا لَمْ

يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ مِثْلَهُ فَإِنَّا رَأَيْنَاهُ حَرَّمَ صَرِيحَ خِطْبَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ فَقَالَ { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } وَقَالَ { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } فَإِذَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ نَفْيُ اتِّحَادِ حُكْمِهِمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحَدَّ الْمُحْتَاطَ فِي دَرْئِهِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمْ يُلْزِمْ الْحَدَّ لِلَّذِي قَالَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ } يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ إلْزَامَ حَدِّ الْقَذْفِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَدَّعِ وَأُورِدَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَثْبُتُ بِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ وَوُرُودُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَلَيْسَ حُجَّةً فِي الرِّوَايَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِالِاقْتِضَاءِ وَالثَّابِتُ مُقْتَضًى كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَالْحَقُّ أَنْ لَا دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ فِي ذَلِكَ لِمَا سَيَظْهَرُ بَلْ حَدُّهُ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ فَهُوَ وَارِدٌ لَا يَنْدَفِعُ وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْقَذْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الزِّنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيِّ أَوْ النَّبَطِيِّ أَوْ الْفَارِسِيِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُحَدُّ لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ إلَخْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ أَوْ ثَوْرٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ دَرَاهِمَ حَيْثُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْتِ وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أُخِذَ الْمَالُ وَلَوْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ جَامَعَك فُلَانٌ جِمَاعًا حَرَامًا لَا يُحَدُّ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَلِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَالْجِمَاعُ الْحَرَامُ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَكَذَا لَا يُحَدُّ بِقَوْلِهِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ لِأَنَّهُ

لَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ زِنًا وَلَا بِقَوْلِهِ أَشْهَدَنِي رَجُلٌ أَنَّك زَانٍ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِقَذْفِ غَيْرِهِ وَلَا بِقَوْلِهِ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى الزِّنَا لِأَنَّ أَفْعَلَ فِي مِثْلِهِ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْعِلْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ فِي فُرُوعٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ كَلَامُ الْكَمَالِ ( قَوْلُهُ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ ) وَالرَّجُلَانِ هَذَانِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ وَالْمَرْأَةُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ا هـ زَرْكَشِيٌّ ( قَوْلُهُ دَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ ) فَإِذَا لَمْ يُطَالِبْ الْمَقْذُوفُ فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ فَلَا يُسْتَوْفَى الْحَدُّ حِينَئِذٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ ) لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ فَيُنْزَعَانِ وَلَا يُنْزَعُ غَيْرُهُمَا إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّشْدِيدُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ رَدُّ شَهَادَتِهِ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِهِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْجَلْدِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِمَا بِالتَّجْرِيدِ وَبِزِيَادَةِ وَصْفِ الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُنْزَعُ غَيْرُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ ) أَيْ الثَّوْبِ الْمَحْشُوِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُ ) أَيْ سَبَبَ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ كَذِبُهُ فِي النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِحْصَانُهُ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ زِنًا ) وَأَرَادَ بِالْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ الزِّنَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ بِالتَّكْلِيفِ وَلِأَنَّهُمَا لِعَدَمِ عَقْلِهِمَا أَوْ لِقُصُورِهِ لَا يَقِفَانِ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ فَلَا يَلْحَقُهُمَا الشَّيْنُ بِهِ وَالْعَقْلُ زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَهُ عَاقِبَةٌ ذَمِيمَةٌ وَكَمَالُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلَفْظُ الْإِحْصَانِ يَنْتَظِمُ الْحُرِّيَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } أَيْ الْحَرَائِرَ ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ } وَيَنْتَظِمُ الْعِفَّةَ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } أَيْ الْعَفَائِفُ وَقِيلَ الْحَرَائِرُ وَلِأَنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا يَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَالصِّدْقُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا يَجِبُ الْحَدُّ فَيَكُونُ الْكُلُّ وَهِيَ خَمْسُ شَرَائِطَ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا .

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِحْصَانُهُ ) أَيْ الْمَقْذُوفِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَيْ الْعَفَائِفُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَةً فِي الْحَيْضِ أَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً سَقَطَ إحْصَانُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا فَدَخَلَ بِهَا أَوْ أُمِّهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ وَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ ا هـ لَفْظُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بِنْتِ الْمَمْسُوسَةِ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا ) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ ا هـ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ فِي غَضَبٍ حُدَّ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُحْصَنَةً لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِأُمِّهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ كَانَ مِنْ الزِّنَا ضَرُورَةً إذْ لَا نِكَاحَ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ أَبَدًا وَفِيهِ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا حَدَّ إلَّا فِي قَذْفِ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيِ رَجُلٍ مِنْ أَبِيهِ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي غَضَبٍ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ أَيْ أَنْتَ لَا تُشْبِهُ أَبَاك فِي الْمُرُوءَةِ وَالسَّخَاءِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ فَيُحَدُّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ يُحَدُّ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْمُشَاتَمَةِ لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ نَسَبِهِ وَنِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يُحَدُّ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنَّ أَخْلَاقَهُ تُشْبِهُ أَخْلَاقَ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَكَأَنَّهُ ابْنُهُ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ قَذْفًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَلَكِنْ أَوْجَبْنَاهُ اسْتِحْسَانًا فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَثَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَذْفُ أُمِّهِ لَا لَفْظًا وَلَا اقْتِضَاءً لِأَنَّ نَفْيَ الْوِلَادَةِ نَفْيٌ لِلْوَطْءِ وَفِيهِ نَفْيُ الزِّنَا لَا إثْبَاتُهُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62