كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين

عَلَى الْأَصْل الَّذِي ذَكَرنَا فِيمَا تَقَدَّمَ : أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُث عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ ، فَهُمَا يَقُولَانِ : ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَة وَقَعَتْ لِجَمِيعِ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ ، كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ ، وَأَصْحَابِ الْعَوْلِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : إنَّ الْمُوصَى قَدْ أَبْطَلَ وَصِيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْعَيْنِ فَلَهُ وِلَايَةُ الْإِبْطَالِ .
أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُبْطِلَ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْعَيْنِ ، فَالضَّرْبُ بِالْجَمِيعِ يَكُونُ ضَرَبًا بِوَصِيَّةٍ بَاطِلَةٍ فَكَانَ بَاطِلًا ، بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلِأَنَّهُ إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ حَقِّهِ ، وَبِخِلَافِ أَصْحَابِ الْعَوْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ سَبَبٌ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ فَيَضْرِبُونَ بِجَمِيعِ مَا ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ .

وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آخَرُ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى لِرَجُلِ آخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ ، وَهُوَ قَدْرُ أَلْفِ دِرْهَمٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ : خَمْسُمِائَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ وَخَمْسُمِائَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ غَيْر أَنَّ مَا أَصَابَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَكُونُ فِي الْعَبْد ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعَبْدِ ، وَمَا أَصَابَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَكُونُ بَعْضُهُ فِي الْعَبْدِ ، وَهُوَ سُدُسُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ ، وَهُوَ عُشْرُ الْعَبْدِ ، وَالْبَعْضُ فِي الدَّرَاهِمِ ، وَهُوَ خُمْسُ الْأَلْفَيْنِ ، فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِسُدُسِ الْعَبْدِ ، وَبِخُمْسِ الْأَلْفَيْنِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ ، وَصِيَّتَانِ : وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ تَنَاوَلَتْ الْعَبْدَ لِكَوْنِهِ مَالًا فَاجْتَمَعَتْ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ فَسُلِّمَ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ : ثُلُثَاهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، وَالثُّلُثُ يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ، فَيَكُونُ عَلَى الْحِسَاب مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ ، وَأَقَلُّ حِسَابٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الثُّلُثُ ثَلَاثَةٌ : قِسْمَانِ خَلَيَا عَنْ مُنَازَعَةِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَسُلِّمَ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ بَقِيَ سَهْمٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيَكُونُ بَيْنهمَا فَيَنْكَسِرُ فَنَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ سِتَّةً فَثُلُثَا السِّتَّةِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ سُلِّمَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ ، وَثُلُثُهَا ، وَهُوَ سَهْمَانِ يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ، وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ ، وَإِذَا صَارَ الْعَبْدُ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ عَلَى سِتَّةٍ يَصِيرُ كُلُّ أَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى

سِتَّةٍ فَصَارَ الْأَلْفَانِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْهُمَا : أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَصَارَ لَهُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ : أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الدَّرَاهِم ، وَسَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ كُلّهَا فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ فِي الدَّرَاهِمِ فَصَارَتْ وَصِيَّتُهُمَا جَمِيعًا عَشَرَةُ أَسْهُمٍ فَاجْعَلْ ثُلُثَ الْمَالِ عَلَى عَشْرَةِ أَسْهُمٍ ، فَالثُّلُثَانِ عِشْرُونَ سَهْمًا فَالْكُلُّ ثَلَاثُونَ سَهْمًا ، وَالْعَبْدُ ثُلُثُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَارَ الْعَبْدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ ، وَالْأَلْفَانِ عَلَى عِشْرِينَ سَهْمًا فَادْفَعْ وَصِيَّتَهُمَا مِنْ الْعَبْدِ فَوَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ خَمْسَةٌ ، وَهُوَ نِصْفُ الْعَبْدِ ، وَوَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ ، وَذَلِكَ خُمْسُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ ، وَادْفَعْ وَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ، وَذَلِكَ عِشْرُونَ سَهْمًا : أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَهُوَ خُمْسُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ فَبَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لَا وَصِيَّةَ فِيهَا فَيَدْفَعُ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَكْمُلُ لَهُمْ الثُّلُثَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ قَدْ أَخَذَ مِنْ الْأَلْفَيْنِ أَرْبَعمِائَةِ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْعَبْدِ ، وَذَلِكَ نِصْفُهُ ، وَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الدَّرَاهِم ، وَذَلِكَ خُمْسُهَا ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا الْأَلْفَيْنِ عَلَى عِشْرِينَ سَهْمًا ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْ عِشْرِينَ خُمْسُهَا ، وَحَصَلَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ سَهْمٌ ، وَذَلِكَ خُمْسُ الْعَبْدِ ، وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ عِشْرُونَ سَهْمًا ، وَهِيَ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا ، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْعَبْدِ ، وَذَلِكَ خُمُسَاهُ ، هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ( وَأَمَّا ) عَلَى قَوْلِهِمَا فَيُقْسَمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ ، وَالْمُضَارَبَةِ ، فَصَاحِبُ الْعَبْدِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ ثُلُثِهِ وَصَاحِبُ

الثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ سَهْمًا ، فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَصَاحِبُ الْعَبْدِ يَضْرِبُ بِالْجَمِيعِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ ، وَذَلِكَ سَهْمٌ فَصَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ ، وَإِذَا صَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ مَعَ الْعَوْل صَارَ كُلُّ أَلْفٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ بِغَيْرِ عَوْلٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْعَوْلِ فِي الْأَلْفِ فَصَارَتْ الْأَلْفَانِ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُهَا ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ وَصِيَّتَهُمَا سِتَّةُ أَسْهُمٍ ، وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ كُلُّهَا فِي الْعَبْدِ ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ أَسْهُمٍ : سَهْمَانِ فِي الدَّرَاهِم ، وَسَهْمٌ فِي الْعَبْدِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ ثُلُثَ الْمَالِ وَاجْعَلْ الْعَبْدَ ثُلُثَ الْمَالِ ، وَاجْعَلْ الْعَبْدَ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ ، وَادْفَعْ إلَيْهِمَا وَصِيَّتَهُمَا مِنْ الْعَبْدِ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ بَقِيَ سَهْمَانِ فَاضِلَانِ لَا وَصِيَّةَ فِيهِمَا فَادْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُمْ الثُّلُثَانِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ قَدْ أَخَذَ سَهْمَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِم ، وَانْتَقَصَ نَصِيبُ الْوَرَثَةِ مِنْ الدَّرَاهِم ، فَيَدْفَعُ سَهْمَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ إلَيْهِمْ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُمْ الثُّلُثَانِ ، وَقَدْ جَعَلَ ثُلُثَ الْمَالِ ، وَهُوَ الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ فَالثُّلُثَانِ يَكُونَانِ اثْنَيْ عَشَرَ ، فَادْفَعْ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ سَهْمَيْنِ ثُمَّ ضُمَّ السَّهْمَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِمَا إلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُمْ الثُّلُثَانِ فَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ ، وَسَهْمَانِ مِنْ الْعَبْدِ ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَذَلِكَ نِصْفُ الْعَبْدِ ، كُلُّهُ فِي الْعَبْدِ ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ فِي الْعَبْدِ ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْعَبْدِ ، وَسُدُسُ الْأَلْفَيْنِ ، وَهُمَا سَهْمَانِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى -

أَعْلَمُ .

وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ قِيمَتُهُمَا وَاحِدَةٌ لَا مَال لَهُ غَيْرُهُمَا فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَلِآخَر بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنهمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُنَازَعَةِ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ ، وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ إلَّا فِي مَوَاضِع الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْقِسْمَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ : وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ ، وَالثُّلُثَانِ يُسَلَّمَانِ لِصَاحِبِ الْجَمِيع بِلَا مُنَازَعَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ صَاحِبُ الثُّلُثِ ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَالثُّلُثُ ، وَهُوَ سَهْمٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ سَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَنَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَصِيرُ سِتَّةً قُلْنَا : السِّتَّةُ تُسَلَّمُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَالثُّلُثُ ، وَهُوَ سَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ فَصَارَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ فَلَمَّا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ صَارَ الْعَبْدُ الْآخَرُ عَلَى سِتَّةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَصَارَ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ : سَهْمَانِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ ، وَسَهْمٌ فِي الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ وَصِيَّةٌ ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ جَمِيع الْمَالِ اثْنَا عَشَرَ فَثُلُثُهَا أَرْبَعَةٌ .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - - : أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَنَطْرَحُ مِنْ وَصِيَّتِهِ سَهْمًا فَتَصِيرُ وَصِيَّتُهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ ، وَوَصِيَّةُ الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ، وَمَالُهُ عَبْدَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ عَلَى عَشَرَةٍ ، وَنِصْفٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَبْدٍ مِقْدَارُ نِصْفِ الْمَالِ فَيَدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّتَهُمَا فِيهِ ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِمَا بِوَصِيَّةِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدِ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِ ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ سَهْمٌ وَاحِد فِي الْعَبْدِ ، فَيَدْفَع ذَلِكَ إلَيْهِ فَبَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ، وَنِصْفٌ فَادْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ سَهْمَانِ ، وَيَدْفَعُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَيَبْقَى مِنْ هَذَا الْعَبْدِ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ يَدْفَعُ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَصَارَتْ كُلُّهَا سَبْعَةَ أَسْهُمٍ ، وَهِيَ ثُلُثُ الْمَالِ ، فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ مِنْهُمَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمَانِ ، وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ ، وَمِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، وَهِيَ ثُلُثَا الْمَالِ فَاسْتَقَامَ الْحِسَابُ عَلَى الثُّلُثِ ، وَالثُّلُثَيْنِ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ : فَيُقْسَمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَنَقُولُ : اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ : وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ ، وَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِالْجَمِيعِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَضْرِب بِثُلُثِهِ ، وَهُوَ سَهْمٌ فَصَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ ،

وَهُوَ مَعْنَى الْعَوْلِ فَلَمَّا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ بِالْعَوْلِ يُجْعَلُ الْعَبْدُ الْآخَرُ عَلَى ثَلَاثَةٍ بِغَيْرِ عَوْلٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْعَوْلِ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ فَسَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَصَارَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ : سَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ ، وَسَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ ، وَالْجَمِيعُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَمَالَهُ عَبْدَانِ فَيَصِيرُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى سَبْعَةٍ ، وَنِصْفٍ فَيَدْفَعُ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الْعَبْدِ مِنْ الْعَبْدِ إلَيْهِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ إلَيْهِ ، وَذَلِكَ سَهْمٌ يَبْقَى مِنْ هَذَا الْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ فَيُدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ ، وَيُدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ سَهْمٌ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَبْقَى سِتَّةُ أَسْهُمٍ ، وَنِصْفٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَسِتَّةُ أَسْهُمٍ ، وَنِصْفٌ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ فَاسْتَقَامَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى الثُّلُثِ ، وَالثُّلُثَيْنِ ، وَاَللَّه - تَعَالَى - أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا صِفَةُ هَذَا الْعَقْدِ فَلَهُ صِفَتَانِ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْوُجُودِ ، وَالْأُخْرَى بَعْدَ الْوُجُودِ ، أَمَّا الَّتِي هِيَ قَبْلَ الْوُجُودِ فَهِيَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَاجِبَةٌ ، وَبِمَا وَرَاءَهَا جَائِزَةٌ ، وَمَنْدُوبٌ إلَيْهَا ، وَمُسْتَحَبَّةٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَعِنْد بَعْضِ النَّاسِ : الْكُلُّ وَاجِبٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي صَدْر الْكِتَابِ .
وَأَمَّا الَّتِي هِيَ بَعْدَ الْوُجُودِ فَهِيَ أَنَّ هَذَا عَقَدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُوصَى حَتَّى يَمْلِكَ الرُّجُوعَ عِنْدنَا مَا دَامَ حَيًّا ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ قَبْلَ مَوْتِهِ مُجَرَّدُ إيجَابٍ ، وَأَنَّهُ مُحْتَمَلُ الرُّجُوعِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَهِيَ بِالتَّبَرُّعِ أَوْلَى كَمَا فِي الْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ إلَّا التَّدْبِيرَ الْمُطْلَقَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ أَصْلًا ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ يُضَافُ إلَى الْمَوْتِ ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ ، وَالْعِتْقُ لَازِمٌ .
وَكَذَا سَبَبُهُ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ حُكْمٍ لَازِمٍ .
وَكَذَا التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ نَصًّا ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُهُ دَلَالَةً بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ تَعَلَّقَ بِمَوْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ ، وَقَدْ لَا تُوجَدُ تِلْكَ الصِّفَةُ فَلَمْ يَسْتَحْكِمْ السَّبَبُ ، ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَكُونُ نَصًّا ، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَة ، وَقَدْ يَكُونُ ضَرُورَةً ، أَمَّا النَّصُّ فَهُوَ أَنْ يَقُول الْمُوصِي : رَجَعْتُ ، أَمَّا الدَّلَالَةُ فَقَدْ تَكُونُ فِعْلًا ، وَقَدْ تَكُونُ قَوْلًا ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ فِي الْمُوصَى بِهِ فِعْلًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّجُوعِ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّجُوعِ ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا فَعَلَ فِي الْمُوصَى بِهِ فِعْلًا لَوْ فَعَلَهُ فِي الْمَغْصُوبِ لَانْقَطَعَ بِهِ مِلْكُ الْمَالِكِ - كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا أَوْصَى بِثَوْبٍ ثُمَّ قَطَعَهُ ، وَخَاطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً أَوْ بِقُطْنٍ ثُمَّ غَزَلَهُ أَوْ لَمْ يَغْزِلْهُ ثُمَّ

نَسَجَهُ أَوْ بِحَدِيدَةٍ ثُمَّ صَنَعَ مِنْهَا إنَاءً أَوْ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ بِفِضَّةٍ ثُمَّ صَاغَ مِنْهَا حُلِيًّا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَمَّا أَوْجَبَتْ بُطْلَانَ حُكْمٍ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ ، وَهُوَ الْمِلْكُ ؛ فَلَأَنْ تُوجِبَ بُطْلَانَ مُجَرَّدِ كَلَامٍ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَصْلًا أَوْلَى ، ثُمَّ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا عَلَى التَّفْصِيلِ : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَبْدِيلُ الْعَيْنِ ، وَتَصْيِيرُهَا شَيْئًا آخَرَ مَعْنًى ، وَاسْمًا ، فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا لَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، فَكَانَ دَلِيلَ الرُّجُوعِ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا فَعَلَ فِي الْمَبِيعِ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ ، وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ إشَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ لِلْمُخَيَّرَةِ { إنْ وَطِئَكِ زَوْجُكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ } .

وَلَوْ أَوْصَى بِقَمِيصٍ ثُمَّ نَقَضَهُ فَجَعَلَهُ قَبَاءً فَهُوَ رُجُوعٌ ؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَنْقُوضٍ دَلِيلُ الرُّجُوعِ فَمَعَ النَّقْضِ أَوْلَى ، وَإِنْ نَقَضَهُ ، وَلَمْ يَخُطَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَعْدَ النَّقْضِ قَائِمَةٌ تَصْلُحُ لِمَا كَانَتْ تَصْلُحُ لَهُ قَبْلَ النَّقْضِ .

وَلَوْ بَاعَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ - كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَ نَفْسِهِ فَأَوْجَبَتْ زَوَالَ الْمِلْكِ فَلَوْ بَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مَعَ وُجُودِهَا لَتَعَيَّنَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ .

وَلَوْ بَاعَ الْمُوصَى بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَهَبَهُ ، وَسَلَّمَ ، وَرَجَعَ فِي الْهِبَةِ - لَا تَعُودُ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَطَلَتْ بِالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ ، وَالْعَائِدُ مِلْكٌ جَدِيدٌ غَيْرُ مُوصًى بِهِ فَلَا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ جَدِيدَةٍ .

وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ فَغَصَبَهُ رَجُلٌ ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَيْسَ فِعْلَ الْمُوصِي ، وَالْمُوصَى بِهِ عَلَى حَالِهِ فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ .
وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ ثَمَّ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ ، أَوْ بَاعَ نَفْسَهُ مِنْهُ كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إعْتَاقٌ مِنْ وَجْهٍ أَوْ مُبَاشَرَةُ سَبَبٍ لَازِمٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَالنَّقْضَ ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ ، وَالْمُكَاتَبَةُ مُعَاوَضَةٌ إلَّا أَنَّ الْعِوَضَ مُتَأَخِّرٌ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْبَدَلِ ، فَكَانَ دَلِيلَ الرُّجُوعِ كَالْبَيْعِ ، وَبَيْعُ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ فَكَانَ رُجُوعًا .

وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِإِنْسَانٍ ، ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ - لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ، وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ إلَّا أَنَّ إحْدَاهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ ، وَالْأُخْرَى تَمْلِيكٌ بِبَدَلٍ فَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا : نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ ، وَنِصْفُهُ يُبَاعُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ .

وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَبْدُهُ ، ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُبَاعَ مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَوْصَى أَوَّلًا بِالْبَيْعِ ثُمَّ أَوْصَى بِالْإِعْتَاقِ - كَانَ رُجُوعًا لِمَا بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ مِنْ التَّنَافِي ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ ، وَالْبَيْعِ ، فَكَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الثَّانِيَةِ دَلِيلَ الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّتَيْنِ مُتَنَافِيَتَيْنِ كَانَتْ الثَّانِيَةُ مُبْطِلَةً لِلْأُولَى ، وَهُوَ مَعْنَى الرُّجُوعِ ، وَإِنْ كَانَتَا غَيْرَ مُتَنَافِيَتَيْنِ نَفَذَتَا جَمِيعًا .

وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَالشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ لَا تَبْقَى إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ عَادَةً بَلْ تَفْسُدُ ، فَكَانَ الذَّبْحُ دَلِيلَ الرُّجُوعِ .

وَلَوْ أَوْصَى بِثَوْبٍ ثُمَّ غَسَلَهُ أَوْ بِدَارٍ ثُمَّ جَصَّصَهَا أَوْ هَدَمَهَا - لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ إزَالَةُ الدَّرَنِ ، وَالْوَصِيَّةُ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَمْ يَكُنِ الْغَسْلُ تَصَرُّفًا فِي الْمُوصَى بِهِ ، وَتَجْصِيصُ الدَّارِ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي الدَّارِ بَلْ فِي الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ ، وَالْبِنَاءُ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ فَيَكُونَ تَبَعًا لِلدَّارِ ، وَالتَّصَرُّفُ فِي التَّبَعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأَصْلِ ، وَنَقْضُ الْبِنَاءِ تَصَرُّفٌ فِي الْبِنَاءِ ، وَالْبِنَاءُ صِفَةٌ ، وَأَنَّهَا تَابِعَةٌ .

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَى الْمُوصِي بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِيرَاثٍ - فَالْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ ، وَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَا وَقَعَتْ بِثَمَنِ الْعَبْدِ بَلْ بِعَيْنِ الْعَبْدِ ، وَهُوَ مَقْصُودُ الْمُوصَى ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشِّرَاءَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى مِلْكِهِ ، وَقَدْ مَلَكَهُ فَتُنَفَّذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ .

وَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى ، وَالْمُوصَى لَهُ الثَّانِي مَحَلٌّ قَابِلٌ لِلْوَصِيَّةِ - كَانَ رُجُوعًا .
وَكَانَ إشْرَاكًا فِي الْوَصِيَّةِ ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ آخَرَ مِمَّنْ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ - فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، ثُمَّ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ مِمَّنْ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ - كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .

وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ أَوْ بِعَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ : الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ أَوْ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ - كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْأُولَى ، وَإِمْضَاءً لِلثَّانِيَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِآخَرَ هُوَ الْإِشْرَاكُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَمَلًا بِالْوَصِيَّتَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، ، وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ صِيَانَتُهُ عَنْ الْإِبْطَالِ مَا أَمْكَنَ ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الرُّجُوعِ إبْطَالُ إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِشْرَاكِ عَمَلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ ، وَعِنْدَ الْإِعَادَةِ .
وَكَوْنُ الثَّانِي مَحَلًّا لِلْوَصِيَّةِ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى الْإِشْرَاكِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ عَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالرُّجُوعِ ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رُجُوعًا هَذَا إذَا قَالَ : الْوَصِيَّةُ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ لِفُلَانٍ .
وَكَذَا إذَا قَالَ : الْوَصِيَّةُ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ قَدْ أَوْصَيْتُهَا لِفُلَانٍ أَوْ فَقَدْ أَوْصَيْتُهَا لِفُلَانٍ ، فَأَمَّا إذَا قَالَ : وَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ ، فَهَذَا يَكُونُ إشْرَاكًا ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلشَّرِكَةِ ، وَلِلِاجْتِمَاعِ .

وَلَوْ قَالَ : كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ فَهَذَا رُجُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِبْطَالِ ، وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَلْبُطْلَانِ فَتَبْطُلُ ، وَهُوَ مَعْنَى الرُّجُوعِ .

وَلَوْ قَالَ : كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ حَرَامٌ أَوْ هِيَ رِبًا لَا يَكُونُ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تُنَافِي الْوَصِيَّةَ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلَ الرُّجُوعِ .

وَلَوْ قَالَ : كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ لِفُلَانٍ وَارِثِي كَانَ هَذَا رُجُوعًا عَنْ وَصِيَّتِهِ لِفُلَانٍ ، وَوَصِيَّتُهُ لِلْوَارِثِ فَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى بِعَيْنِهَا إلَى مَنْ يَصِحُّ النَّقْلُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ ، وَالْبَاطِلُ لَا يَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ ، وَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ ضَرُورَةٌ ، وَهَذَا مَعْنَى الرُّجُوعِ ثُمَّ إنْ أَجَازَتْ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْوَصِيَّةَ لِهَذَا الْوَارِثِ نَفَذَتْ وَصَارَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَتْ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلُ لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ لِانْتِقَالِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ ، وَصَارَ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمُوصَى كَمَا لَوْ رَجَعَ صَرِيحًا .

وَلَوْ قَالَ : الْوَصِيَّةُ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ لِعَمْرِو بْنِ فُلَانٍ ، وَعَمْرٌو حَيٌّ يَوْمَ قَالَ الْمُوصِي هَذِهِ الْمَقَالَةَ كَانَ رُجُوعًا عَنْ وَصِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَمْرٍو وَقَعَتْ صَحِيحَةً ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَقْتَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ النَّقْلُ إلَيْهِ فَصَحَّ الرُّجُوعُ ، وَلَوْ كَانَ عَمْرٌو مَيِّتًا يَوْمَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَصِحَّ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ لَهُ فَلَمْ يَثْبُتْ مَا فِي ضِمْنِهِ ، وَهُوَ الرُّجُوعُ ، وَلَوْ كَانَ عَمْرٌو حَيًّا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ حَتَّى صَحَّتْ ، ثُمَّ مَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ نَفَاذَهَا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُهَا عِنْدَ مَوْتِهِ ؛ لِكَوْنِ الْمُوصَى لَهُ مَيِّتًا ، فَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْوَرَثَةِ .

وَلَوْ قَالَ : الثُّلُثُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِعَقِبِ عَمْرٍو ، فَإِذَا عَمْرٌو حَيٌّ ، وَلَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي - فَالثُّلُثُ لِعَقِبِهِ .
وَكَانَ رُجُوعًا عَنْ وَصِيَّةِ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَقِبِ عَمْرٍو وَقَعَ صَحِيحًا إذَا كَانَ لِعَمْرٍو عَقِبٌ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ عَقِبَ الرَّجُلِ مَنْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَهُوَ وَلَدُهُ فَلَمَّا مَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي - فَقَدْ صَارَ وَلَدُهُ عَقِبًا لَهُ يَوْمَ نَفَاذِ الْإِيجَابِ ، وَهُوَ يَوْمُ مَوْتِ الْمُوصِي فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِوَلَدِ فُلَانٍ ، وَلَا وَلَدَ لَهُ يَوْمئِذٍ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي - إنَّ الثُّلُثَ يَكُونُ لَهُ كَذَا هَهُنَا ثُمَّ إذَا صَحَّ إيجَابُ الثُّلُثِ لَهُ بَطَلَ حَقُّ الْأَوَّلِ ؛ لِمَا قُلْنَا ، فَإِنْ مَاتَ عَقِبُ عَمْرٍو بَعْدَ مَوْتِ عَمْرٍو قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي - رَجَعَ الثُّلُثُ إلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَهُمْ قَدْ صَحَّ لِكَوْنِهِمْ عَقِبًا لِعَمْرٍو ، فَثَبَتَ الرُّجُوعُ عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُمْ بِمَوْتِهِمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ .
وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي فِي حَيَاةِ عَمْرٍو فَالثُّلُثُ لِلْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ مَاتَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوصَى لَهُمْ اسْمُ الْعَقِبِ بَعْدُ فَبَطَلَ الْإِيجَابُ لَهُمْ أَصْلًا ، فَبَطَلَ مَا كَانَ ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ ، وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى .

وَلَوْ أَوْصَى ثُمَّ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا قَالَ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ : لَا أَعْرِفُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ ، قَالَ : هَذَا رُجُوعٌ مِنْهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَمْ أُوصِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ قَالَ : وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لَا يَكُونُ الْجَحْدُ رُجُوعًا ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لِفُلَانٍ بِقَلِيلٍ ، وَلَا كَثِيرٍ - لَمْ يَكُنْ هَذَا رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ وَصِيَّةِ فُلَانٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ .
( وَجْهُ ) مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ : أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ يَسْتَدْعِي سَابِقِيَّةَ وُجُودِ الْوَصِيَّةِ ، وَالْجُحُودُ إنْكَارُ وُجُودِهَا أَصْلًا ، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الرُّجُوعِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ رُجُوعًا ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ جُحُودُ النِّكَاحِ طَلَاقًا ؛ وَلِأَنَّ إنْكَارَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ وُجُودِهَا يَكُونُ كَذِبًا مَحْضًا ، فَكَانَ بَاطِلًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ كَالْإِقْرَارِ الْكَاذِبِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ كَاذِبًا ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ - لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ حَتَّى لَا يَحِلَّ وَطْؤُهَا .
وَكَذَا سَائِرُ الْأَقَارِيرِ الْكَاذِبَةِ إنَّهَا بَاطِلَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَا الْإِنْكَارُ الْكَاذِبُ وَجْهُ ) مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ : أَنَّ مَعْنَى الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ هُوَ فَسْخُهَا ، وَإِبْطَالُهَا ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِالْعَقْدِ السَّابِقِ ، وَبِثُبُوتِ حُكْمِهِ ، وَالْجُحُودِ فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدَ لِتَصَرُّفٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ ، وَبِثُبُوتِ حُكْمِهِ فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْفَسْخِ

فَحَصَلَ مَعْنَى الرُّجُوعِ .

وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِوَصَايَا إلَى رَجُلٍ فَقِيلَ لَهُ : إنَّكَ سَتَبْرَأُ فَأَخِّرْ الْوَصِيَّةَ فَقَالَ : أَخَّرْتُهَا - فَهَذَا لَيْسَ بِرُجُوعٍ ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ : اُتْرُكْهَا ، فَقَالَ : قَدْ تَرَكْتُهَا - فَهَذَا رُجُوعٌ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ هُوَ إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ ، وَالتَّأْخِيرُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْإِبْطَالِ ، وَالتَّرْكُ يُنْبِئُ عَنْهُ .
أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَخَّرْتُ الدَّيْنَ كَانَ تَأْجِيلًا لَهُ لَا إبْطَالًا ؟ ، وَلَوْ قَالَ : تَرَكْتُهُ كَانَ إبْرَاءً ؟ .

رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ مُسَمًّى ، وَأَخْبَرَ الْمُوصِي أَنَّ ثُلُثَ مَالِهِ أَلْفٌ أَوْ قَالَ : هُوَ هَذَا ، فَإِذَا ثُلُثُ مَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ : أَنَّ لَهُ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ ، وَالتَّسْمِيَةُ الَّتِي سَمَّى بَاطِلَةٌ - لَا يَنْقُضُ الْوَصِيَّةَ خَطَؤُهُ فِي مَالِهِ إنَّمَا غَلِطَ فِي الْحِسَابِ ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ ( وَهَذَا ) قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَدْ أَتَى بِوَصِيَّةٍ صَحِيحَةٍ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لَا تَقِفُ عَلَى بَيَانِ مِقْدَارِ الْمُوصَى بِهِ ، فَوَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً بِدُونِهِ ثُمَّ بَيَّنَ الْمِقْدَارَ ، وَغَلِطَ فِيهِ ، وَالْغَلَطُ فِي قَدْرِ الْمُوصَى بِهِ لَا يَقْدَحُ فِي أَصْلِ الْوَصِيَّةِ فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مُتَعَلِّقَةً بِثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا رُجُوعًا عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَلَطًا ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ ، فَلَا تَبْطُلُ مَعَ الشَّكِّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ أَنَّ الثَّابِتَ بِيَقِينٍ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ .

وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِغَنَمِي كُلِّهَا وَهِيَ مِائَةُ شَاةٍ ، فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ - فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِهَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَوْصَى بِجَمِيعِ غَنَمِهِ ثُمَّ غَلِطَ فِي الْعَدَدِ قَالَ : وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ لَهُ بِغَنَمِي ، وَهِيَ هَذِهِ ، وَلَهُ غَنَمٌ غَيْرُهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّ هَذَا فِي الْقِيَاسِ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَلَكِنِّي أَدَعُ الْقِيَاسَ فِي هَذَا ، وَأَجْعَلُ لَهُ الْغَنَمَ الَّتِي تُسَمَّى مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ ، وَالْإِشَارَةِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْيِينِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهَا تَحْصُرُ الْعَيْنَ ، وَتَقْطَعُ الشَّرِكَةَ ، فَتَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : أَوْصَيْتُ لَهُ بِثُلُثِ مَالِي ، وَهُوَ هَذَا ، وَلَهُ مَالٌ آخَرُ غَيْرُهُ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ هُنَاكَ لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : ثُلُثُ مَالِي ، وَالثُّلُثُ اسْمٌ لِلشَّائِعِ وَالْمُعَيَّنُ غَيْرُ الشَّائِعِ فَلَغَتْ الْإِشَارَةُ فَتَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمُسَمَّى ، وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ ، وَهَهُنَا صَحَّتْ ، وَصِيَّةُ الْإِشَارَةِ ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ التَّسْمِيَةِ فَتَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ .

وَلَوْ قَالَ : قَدْ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِرَقِيقِي ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا هُمْ خَمْسَةٌ جَعَلْتُ الْخَمْسَةَ كُلَّهُمْ فِي الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ لَكِنَّهُ غَلِطَ فِي عَدَدِهِمْ ، وَالْغَلَطُ فِي الْعَدَدِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْكُلِّ بِالْوَصِيَّةِ الْعَامَّةِ .

وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ وَهُمْ سَبْعَةٌ فَإِذَا بَنُوهُ خَمْسَةٌ كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثُّلُثَ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ ثُمَّ وَصَفَ بَنِيهِ ، وَهُمْ خَمْسَةٌ بِأَنَّهُمْ سَبْعَةٌ غَلَطًا فَيَلْغُو الْغَلَطُ ، وَيُلْحَقُ بِالْعَدَمِ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : وَهُمْ سَبْعَةٌ ، وَلَمْ يَكُونُوا إلَّا خَمْسَةً فَقَدْ أَوْصَى لِخَمْسَةٍ مَوْجُودِينَ ، وَلِمَعْدُومِينَ ، وَمَتَى جَمَعَ بَيْنَ مَوْجُودٍ ، وَمَعْدُومٍ ، وَأَوْصَى لَهُمَا يَلْغُو ذِكْرُ الْمَعْدُومِ ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلْمَوْجُودِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِعَمْرٍو ، وَخَالِدٍ ابْنَيْ فُلَانٍ ، فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ إنَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا كَذَا هَذَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لِبَنِي فُلَانٍ ، وَهُمْ خَمْسَةٌ فَإِذَا هُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ قَالَ : وَهُمْ سَبْعَةٌ ، فَإِذَا هُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ اثْنَانِ ؛ لِمَا قُلْنَا .

وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِبَنِي فُلَانٍ وَلَهُ ثَلَاثُ بَنِينَ أَوْ ابْنَانِ كَانَ جَمِيعُ الثُّلُثِ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ يُقَالُ لَهُمْ : بَنُونَ ، وَالِاثْنَانِ فِي هَذَا الْبَابِ مُلْحَقٌ بِالْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ ، وَهُنَاكَ أُلْحِقَ الِاثْنَتَانِ بِالثَّلَاثِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ كَذَا هَذَا وَلَوْ كَانَ لِفُلَانٍ ابْنٌ وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثُّلُثَ لِلْبَنِينَ ، وَالْوَاحِدُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَنِينَ لُغَةً ، وَلَا لَهُ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ، وَالْمِيرَاثِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ ، وَإِنَّمَا صُرِفَ إلَيْهِ نِصْفُ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ كَمَالَ الثُّلُثِ فِي هَذَا الْبَابِ اثْنَانِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ آخَرُ لَصُرِفَ إلَيْهِمَا كَمَالُ الثُّلُثِ ، فَإِذَا كَانَ ، وَحْدَهُ يُصْرَفُ إلَيْهِ نِصْفُ الثُّلُثِ .

وَلَوْ قَالَ : قَدْ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِابْنَيْ فُلَانٍ عَمْرٍو وَحَمَّادٍ ، فَإِذَا لَيْسَ لَهُ إلَّا عَمْرٌو كَانَ جَمِيعُ الثُّلُثِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عَمْرًا ، وَحَمَّادًا بَدَلَيْنِ عَنْ قَوْلِهِ ابْنِي فُلَانٍ ، كَمَا يُقَالُ : جَاءَنِي أَخُوكَ عَمْرٌو ، وَالْبَدَلُ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ : هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، وَالْأَخْذُ بِالثَّانِي ، فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِي ، وَالْأَوَّلُ يَلْغُو ، كَمَا إذَا قُلْتَ : جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ يَصِيرُ كَأَنَّكَ قُلْتَ جَاءَنِي زَيْدٌ ، وَاعْتَمَدْتَ عَلَيْهِ ، وَأَعْرَضْتَ عَنْ قَوْلِكَ : أَخُوكَ إلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ مِنْ النَّحْوِيِّينَ وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْمُوصِي مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهِ : عَمْرٍو ، وَحَمَّادٍ ، مُعْرِضًا عَنْ قَوْلِهِ : ابْنَيْ فُلَانٍ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِعَمْرٍو ، وَحَمَّادٍ ، وَحَمَّادٌ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَرَفَ كُلَّ الثُّلُثِ إلَى عَمْرٍ وَكَذَا هَهُنَا ، وَالْإِشْكَالُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ : عَمْرٍو ، وَحَمَّادٍ ، كَمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ قَوْلِهِ : ابْنِي فُلَانٍ ، يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ بَيَانٍ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي عَطْفِ الْبَيَانِ : الْمَذْكُورُ أَوَّلًا ، وَالثَّانِي يُذْكَرُ لِإِزَالَةِ الْجَهَالَةِ عَنْ الْأَوَّلِ ، كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ إذَا كَانَ فِي إخْوَتِهِ كَثْرَةٌ - كَانَ زَيْدٌ مَذْكُورًا بِطَرِيقِ عَطْفِ الْبَيَانِ لِإِزَالَةِ الْجَهَالَةِ الْمُتَمَكَّنَةِ فِي قَوْلِهِ : أَخُوكَ لِكَثْرَةِ الْإِخْوَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّعْتِ ، وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا ، وَهُوَ قَوْلُهُ : ابْنَيْ فُلَانٍ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ إلَّا ابْنٌ ، وَاحِدٌ ، وَهُوَ عَمْرٌو ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إلَّا نِصْفُ الثُّلُثِ ، وَالْجَوَابُ : نَعَمْ ، هَذَا الْكَلَامُ يَصْلُحُ لَهُمَا جَمِيعًا لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى مَا قُلْنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَصْحِيحَ جَمِيعِ تَصَرُّفِهِ ، وَهُوَ تَمْلِيكُهُ جَمِيعَ الثُّلُثِ ، وَأَنَّهُ أَوْصَى

بِتَمْلِيكِ جَمِيعِ الثُّلُثِ ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى عَطْفِ الْبَيَانِ : إثْبَاتُ تَمْلِيكِ النِّصْفِ ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ عَطْفِ الْبَيَانِ : أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَعْلُومًا ، كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ كَانَ زَيْدٌ مَعْلُومًا ، فَزَالَ بِهِ وَصْفُ الْجَهَالَةِ الْمُعْتَرَضَةِ فِي قَوْلِهِ : أَخُوكَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْإِخْوَةِ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا : الثَّانِي غَيْرُ مَعْلُومٍ ؛ لِأَنَّ اسْمَ حَمَّادٍ لَيْسَ لَهُ مُسَمًّى مَوْجُودٌ لَهُ لِيَكُونَ مَعْلُومًا ، فَيَحْصُلُ بِهِ بِإِزَالَةِ الْجَهَالَةِ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى عَطْفِ الْبَيَانِ فَيُجْعَلَ بَدَلًا لِلضَّرُورَةِ .

( وَلَوْ ) قَالَ : أَوْصَيْتُ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ خَمْسَةٌ وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي ، فَإِذَا بَنُو فُلَانٍ ثَلَاثَةٌ فَإِنَّ لِبَنِي فُلَانٍ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ ، وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ رُبْعَ الثُّلُثِ ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ ، وَهُمْ خَمْسَةٌ لَغْوٌ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَبَقِيَ قَوْلُهُ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِبَنِي فُلَانٍ ، وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِحُصُولِ الْوَصِيَّةِ لِأَرْبَعَةٍ ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا ؛ لِاسْتِوَاءِ كُلِّ سَهْمٍ فِيهَا .

( وَلَوْ ) قَالَ : قَدْ أَوْصَيْتُ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ بِثُلُثِ مَالِي ، فَإِذَا بَنُو فُلَانٍ خَمْسَةٌ - فَالثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : لِبَنِي فُلَانٍ اسْمٌ عَامٌّ ، وَقَوْلَهُ : وَهُمْ ثَلَاثَةٌ تَخْصِيصٌ أَيْ : أَوْصَيْتُ لِثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ ، فَصَحَّ الْإِيصَاءُ لِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَهَا مُمْكِنٌ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ .
وَكَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي كَمْ يَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ؟ بِخِلَافِ مَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجَهَالَةَ غَيْرُ مُسْتَدْرَكَةٍ .
وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِقَبِيلَةٍ لَا يُحْصَوْنَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا ، وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَنِيهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ ، وَالْبَيَانُ كَانَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبْهَمُ ، فَلَمَّا مَاتَ عَجَزَ عَنْ الْبَيَانِ بِنَفْسِهِ ، فَقَامَ مَنْ يَخْلُفُهُ مَقَامَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ ، وَلَمْ تَقُمْ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَخَلَّفَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَصِيَّةِ ، وَلَا يَقِفُ عَلَى مَقْصُودِ الْمُوصِي أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ زِيَادَةً فِي الْإِنْعَامِ أَوْ الشُّكْرِ أَوْ مُجَازَاةَ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ التَّعْيِينُ ، وَهَهُنَا الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ ، وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِصِحَّةِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ فَقَالَ : أَلَا يُرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِبَنِي فُلَانٍ ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ : فُلَانٌ ، ، وَفُلَانٌ ، وَفُلَانٌ ، فَإِذَا بَنُو فُلَانٍ غَيْرُ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ - إنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ لِمَنْ سَمَّى ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْبَعْضَ فَكَذَا هَهُنَا .
أَوْضَحَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازَ تَخْصِيصِ ثَلَاثَةٍ مَجْهُولِينَ

بِعِلْمِهِ لِجَوَازِ تَخْصِيصِ ثَلَاثَةٍ مُعَيَّنِينَ ، وَأَنَّهُ إيضَاحٌ صَحِيحٌ ، وَلَوْ قَالَ : قَدْ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِبَنِي فُلَانٍ ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ ، وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ ، فَإِذَا بَنُو فُلَانٍ خَمْسَةٌ - فَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ رُبْعُ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ فَصَارَ مُوصِيًا بِثُلُثِ مَالِهِ لِثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ ، وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ ، فَكَانَ فُلَانٌ رَابِعَهُمْ ، فَكَانَ لَهُ رُبْعُ الثُّلُثِ ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ ، وَلِرَجُلٍ آخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ : قَدْ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ ، وَقَدْ أَضَافَهَا إلَيْهِمَا فَيَقْتَضِي أَنْ يَسْتَوِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَا الْمِائَةِ فَتَحْصُلُ الْمُسَاوَاةُ ، وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ : قَدْ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُمَا فَلَهُ نِصْفُ مَا أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ تَحْقِيقَ الْمُشَارَكَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَنْصِبَاءِ ، فَيَتَحَقَّقُ التَّسَاوِي عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ تَحْقِيقًا لِمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ( وَكَذَا ) لَوْ أَوْصَى لِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ جَارِيَةٌ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهِمَا ثَالِثًا كَانَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ؟ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إثْبَاتَ الِاسْتِوَاءِ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ غَيْرُ مُمْكِنٌ .

( وَلَوْ قَالَ : ) سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ : ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ ، فَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ - فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِي أَثْبَتَ الثُّلُثَ ، فَثَبَتَ ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ السُّدُسَ ، فَثَبَتَ الْمُتَضَمَّنُ بِهِ بِثُبُوتِ الْمُتَضَمِّنِ ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْأَوَّلَ زِيَادَةً .

وَلَوْ قَالَ : سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ - فَإِنَّمَا هُوَ سُدُسٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا كُرِّرَتْ كَانَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ ، وَالسُّدُسُ هَهُنَا ذُكِرَ مَعْرِفَةً لِإِضَافَتِهِ إلَى الْمَالِ الْمَعْرُوفِ بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ .

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا أَوْصَى بِخَاتَمٍ لِفُلَانٍ وَبِفَصِّهِ لِفُلَانٍ آخَرَ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ : أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو : إمَّا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّتَانِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ ، وَإِمَّا إنْ كَانَتَا فِي كَلَامٍ مُنْفَصِلٍ ، فَإِنْ كَانَتَا فِي كَلَامٍ مُنْفَصِلٍ - فَالْحَلْقَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخَاتَمِ ، وَالْفَصُّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْفَصِّ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَتَا فِي كَلَامٍ مُنْفَصِلٍ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَقِيلَ : إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى أَيْضًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : الْحَلْقَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخَاتَمِ ، وَالْفَصُّ بَيْنَهُمَا ( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخَاتَمِ تَتَنَاوَلُ الْحَلْقَةَ ، وَالْفَصَّ ، وَبِالْوَصِيَّةِ لِآخَرَ بِالْفَصِّ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْفَصَّ لَمْ يَدْخُلْ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَقِيَ الْفَصُّ دَاخِلًا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْخَاتَمِ ، وَإِذَا أَوْصَى بِالْفَصِّ لِآخَرَ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْفَصِّ وَصِيَّتَانِ ، فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ ، وَيُسَلِّمُ الْحَلْقَةَ لِلْأَوَّلِ ، وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : إنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُ الْفَصَّ الَّذِي فِيهِ ، إمَّا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَاتَمِ بِمَنْزِلَةِ اسْمِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِذَا أَفْرَدَ الْبَعْضَ بِالْوَصِيَّةِ لِآخَرَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَيْثُ جَعَلَهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ أَوْ مَقْصُودًا بِالْوَصِيَّةِ - فَبَطَلَتْ التَّبَعِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ نَصًّا فَوْقَ الثَّابِتِ ضِمْنًا ، وَتَبَعًا .

وَالْأَصْلُ فِي الْوَصَايَا أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ، وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إنَّ الرَّقَبَةَ تَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلِ ، وَالْخِدْمَةَ لِلْمُوصَى لَهُ الثَّانِي ؟ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَظِيرَ اللَّفْظِ الْعَامِّ ، إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ التَّخْصِيصُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ بِحُرُوفِهِ ، فَيَصِيرُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ ، وَهَهُنَا كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَاتَمِ لَا يَصِيرُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْخَاتَمِ .
أَلَا يَرَى أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَاتَمِ لَا يُسَمَّى خَاتَمًا كَمَا لَا يُسَمَّى كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْإِنْسَانِ إنْسَانًا ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَظِيرَ اللَّفْظِ الْعَامِّ ، فَلَا يَسْتَقِيمُ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ مَعَ مَا أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ فِي الْعَامِّ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ ، وَمُنْفَصِلٍ ، وَالْبَيَانُ الْمُتَأَخِّرُ لَا يَكُونُ نَسْخًا لَا مَحَالَةَ بَلْ قَدْ يَكُونُ نَسْخًا ، وَقَدْ يَكُونُ تَخْصِيصًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخَاتَمِ ، وَإِنْ تَنَاوَلَتْ الْحَلْقَةَ ، وَالْفَصَّ لَكِنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِالْفَصِّ لِآخَرَ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِالْفَصِّ لِلْأَوَّلِ ، وَالْوَصِيَّةُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ مَا دَامَ الْمُوصِي حَيًّا فَتَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ .
أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ عَنْ كُلِّ مَا أَوْصَى بِهِ فَفِي الْبَعْضِ أَوْلَى ، فَيُجْعَلُ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْفَصِّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخَاتَمِ .
وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَمَةِ لِفُلَانٍ ، وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ أَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ ، وَبِبِنَائِهَا لِآخَرَ أَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الْقَوْصَرَّةِ لِفُلَانٍ ، وَبِالثَّمَرِ الَّذِي فِيهَا لِآخَرَ إنَّهُ إنْ كَانَ مَوْصُولًا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا ، فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي

ذَكَرْنَا ، وَلَوْ أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ ، وَبِخِدْمَتِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ ، أَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ ، وَبِسُكْنَاهَا لِآخَرَ ، وَبِهَذِهِ الشَّجَرَةِ لِفُلَانٍ ، وَثَمَرَتِهَا لِآخَرَ أَوْ بِهَذِهِ الشَّاةِ لِفُلَانٍ ، وَبِصُوفِهَا لِآخَرَ - فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا سَمَّى لَهُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْعَبْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ .
وَاسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ السُّكْنَى ، وَاسْمَ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الثَّمَرَةَ لَا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ ، وَلَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ مَتَى ثَبَتَ فِي الْعَيْنِ ثَبَتَ فِيهَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَكِنْ إذَا لَمْ يُفْرَدْ التَّبَعُ بِالْوَصِيَّةِ ، فَإِذَا أُفْرِدَتْ صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْوَصِيَّةِ ، فَلَمْ تَبْقَ تَابِعَةً ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ أَوْ تُجْعَلُ الْوَصِيَّةُ الثَّابِتَةُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ ، وَالسُّكْنَى ، وَالثَّمَرَةِ ، وَالْوَصِيَّةُ تَقْبَلُ الرُّجُوعَ ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ حُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
وَلَوْ ابْتَدَأَ بِالتَّبَعِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ثُمَّ بِالْأَصْلِ بِأَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ لِفُلَانٍ ثُمَّ بِالْعَبْدِ لِآخَرَ أَوْ أَوْصَى بِسُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بِالدَّارِ لِآخَرَ ، أَوْ بِالثَّمَرَةِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بِالشَّجَرَةِ لِآخَرَ ، فَإِذَا ذُكِرَ مَوْصُولًا - فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ ، وَإِنْ ذُكِرَ مَفْصُولًا - فَالْأَصْلُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْأَصْلِ ، وَالتَّبَعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الثَّابِتَةَ تَنَاوَلَتْ الْأَصْلَ ، وَالتَّبَعَ جَمِيعًا ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي التَّبَعِ وَصِيَّتَانِ ، فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ ، وَيُسَلِّمُ الْأَصْلَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ ، وَهَذَا حُجَّةُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ .

وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِالْعَبْدِ بَعْد مَا أَوْصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ، أَوْ أَوْصَى بِخَاتَمِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِفَصِّهِ لِآخَرَ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِالْخَاتَمِ بَعْد مَا أَوْصَى لَهُ بِالْفَصِّ أَوْ أَوْصَى بِجَارِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِوَلَدِهَا لِآخَرَ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِالْجَارِيَةِ بَعْد مَا أَوْصَى لَهُ بِوَلَدِهَا - فَالْأَصْلُ ، وَالتَّبَعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ : نِصْفُ الْعَبْدِ لِهَذَا ، وَنِصْفُهُ لِلْآخَرِ ، وَلِهَذَا نِصْفُ خِدْمَتِهِ ، وَلِلْآخَرِ نِصْفُ خِدْمَتِهِ ، وَكَذَا فِي الْجَارِيَةِ مَعَ وَلَدِهَا ، وَالْخَاتَمِ مَعَ الْفَصِّ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا بِالْأَصْلِ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَعِ ، وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَعِ بِانْفِرَادِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْأَصْلِ ، وَالتَّبَعِ نَصًّا ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاشْتَرَكَا فِي الْأَصْلِ ، وَالتَّبَعِ كَذَا هَذَا ، فَإِنْ كَانَ أَوْصَى لِلثَّانِي بِنِصْفِ الْعَبْدِ يُقْسَمُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .
وَكَانَ لِلثَّانِي نِصْفُ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى لَهُ بِنِصْفِ الْعَبْدِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ فِي خِدْمَةِ ذَلِكَ النِّصْفِ لِدُخُولِهَا تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِنِصْفِ الْعَبْدِ ، وَبَقِيَتْ وَصِيَّتُهُ بِالْخِدْمَةِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ عَنْ هَذَا .
وَقَالَ : إذَا أَوْصَى بِالْعَبْدِ لِرَجُلٍ ، وَأَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ ثُمَّ أَوْصَى بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ أَيْضًا لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ بَيْنَهُمَا ، وَالْخِدْمَةَ كُلَّهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لِإِفْرَادِهِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ ، فَوَقَعَ صَحِيحًا ، فَلَا تَبْطُلُ بِالْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ ، فَصَارَ الْمُوصَى لَهُ الثَّانِي مُوصًى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ، وَالْخِدْمَةُ عَلَى الِانْفِرَادِ ، فَيَسْتَحِقُّ نِصْفَ الرَّقَبَةِ لِمُسَاوَاتِهِ صَاحِبَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِهَا ، وَيَنْفَرِدُ بِالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ .
وَقَالَ : لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَأَوْصَى

لِآخَرَ بِمَا فِي بَطْنِهَا ، وَأَوْصَى بِهَا أَيْضًا لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي الْبَطْنِ ، فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَالْوَلَدُ كُلُّهُ لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ خَاصَّةً لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الرَّقَبَةِ ، وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْوَلَدِ بِالْوَصِيَّةِ بِهِ خَاصَّةً .

وَلَوْ أَوْصَى بِالدَّارِ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِبَيْتٍ فِيهَا بِعَيْنِهِ لِآخَرَ ، فَإِنَّ الْبَيْتَ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ .
وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا لِرَجُلٍ ، وَأَوْصَى بِمِائَةٍ مِنْهَا لِآخَرَ كَانَ تِسْعُمِائَةٍ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ ، وَالْمِائَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْبُيُوتَ الَّتِي فِيهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ .
وَكَذَا اسْمُ الْأَلْفِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مِائَةٍ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ، .
وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا فِي كَوْنِهِ مُوصًى بِهِ ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى طَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ ، فَيُقَسَّمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ : لِصَاحِبِ الْمِائَةِ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ فِي الْمِائَةِ ، وَلِصَاحِبِ الْأَلْفِ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ فِي جَمِيعِ الْأَلْفِ .
وَكَذَلِكَ الدَّارُ ، وَالْبَيْتُ .

وَلَوْ أَوْصَى بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ ، وَسَاحَتِهِ لِآخَرَ كَانَ الْبِنَاءُ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَا يُسَمَّى بَيْتًا بِدُونِ الْبِنَاءِ ، فَكَانَتْ وَصِيَّةُ الْأَوَّلِ مُتَنَاوِلَةً لِلْبِنَاءِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ، فَيُشَارِك الْمُوصَى لَهُ بِالسَّاحَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِدَارٍ لِإِنْسَانٍ ، وَبِبِنَائِهَا لِآخَرَ أَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْبِنَاءِ بَلْ تَكُونُ الْعَرْصَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالدَّارِ ، وَالْبِنَاءُ لِآخَرَ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ بَلْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ ؛ إذْ الدَّارُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فِي اللُّغَةِ ، وَالْبِنَاءُ فِيهَا تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُسَمَّى دَارًا بَعْدَ زَوَالِ الْبِنَاءِ ، فَكَانَ دُخُولُ الْبِنَاءِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّارِ مِنْ طَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ ، فَكَانَتْ الْعَرْصَةُ لِلْأَوَّلِ ، وَالْبِنَاءُ لِلثَّانِي ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) .
الرُّجُوعُ الثَّابِتُ مِنْ طَرِيق الضَّرُورَةِ فَنَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَّصِلَ بِالْعَيْنِ الْمُوصَى بِهِ زِيَادَةٌ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ بِدُونِهَا ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِسَوِيقٍ ثُمَّ لَتَّهُ بِالسَّمْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ اتَّصَلَ بِمَا لَيْسَ بِمُوصًى بِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِهِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا ، فَثَبَتَ الرُّجُوعُ ضَرُورَةً .
وَكَذَا إذَا وَصَّى بِدَارٍ ثُمَّ بَنَى فِيهَا أَوْ أَوْصَى بِقُطْنٍ ثُمَّ حَشَاهُ جُبَّةً فِيهِ أَوْ أَوْصَى بِبِطَانَةٍ ، ثُمَّ بَطَّنَ بِهَا أَوْ بِظَهَارَةٍ ، ثُمَّ ظَهَّرَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمُوصَى بِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ مَا اتَّصَلَ بِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِالنَّقْضِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّكْلِيفِ بِالنَّقْضِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَجُعِلَ رُجُوعًا مِنْ طَرِيقِ الضَّرُورَةِ ، وَيُمْكِنُ إثْبَاتُ الرُّجُوعِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْمُوصَى بِهِ بِغَيْرِهِ حَصَلَ بِصُنْعِ الْمُوصِي ، فَكَانَ تَعَدُّدُ التَّسْلِيمِ مُضَافًا إلَى فِعْلِهِ ، وَكَانَ رُجُوعًا مِنْهُ دَلَالَةً .
وَالثَّانِي : أَنْ يَتَغَيَّرَ الْمُوصَى بِهِ بِحَيْثُ يَزُولُ مَعْنَاهُ ، وَاسْمُهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّغْيِيرُ إلَى الزِّيَادَةِ أَوْ إلَى النُّقْصَانِ ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِثَمَرِ هَذَا النَّخْلِ ثُمَّ لَمْ يَمُتْ الْمُوصِي حَتَّى صَارَ بُسْرًا أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْبُسْرِ ثُمَّ صَارَ رُطَبًا أَوْ أَوْصَى بِهَذَا الْعِنَبِ ، فَصَارَ زَبِيبًا ، أَوْ بِهَذَا السُّنْبُلِ ، فَصَارَ حِنْطَةً ، أَوْ بِهَذَا الْقَصِيلِ ، فَصَارَ شَعِيرًا أَوْ بِالْحِنْطَةِ الْمَبْذُورَةِ فِي الْأَرْضِ ، فَنَبَتَتْ وَصَارَتْ بَقْلًا أَوْ بِالْبَيْضَةِ ، فَصَارَتْ فَرْخًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ ، فَيَثْبُتُ الرُّجُوعُ ضَرُورَةً هَذَا إذَا تَغَيَّرَ الْمُوصَى بِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ لِزَوَالِ مَعْنَاهُ ، وَاسْمِهِ ، فَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِيمَا أَوْصَى بِهِ .

وَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَحُكْمُهُ يُذْكَرُ فِي بَيَانِ مَا تَبْطُلُ بِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ، وَلَوْ أَوْصَى بِرُطَبِ هَذَا النَّخْلِ ، فَصَارَ بُسْرًا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِتَغَيُّرِ الْمُوصَى بِهِ ، وَهُوَ الرُّطَبُ مِنْ الرُّطُوبَةِ إلَى الْيُبُوسَةِ .
وَزَوَالِ اسْمِهِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الذَّاتِ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ بَقِيَ مِنْ وَجْهٍ .
أَلَا يَرَى أَنَّ غَاصِبًا لَوْ غَصَبَ رُطَبَ إنْسَانٍ ، فَصَارَ تَمْرًا فِي يَدِهِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بَلْ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ تَمْرًا ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ رُطَبًا مِثْلَ رُطَبِهِ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّةُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ : وَصِيَّةٌ بِالْمَالِ ، وَوَصِيَّةٌ بِفِعْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمَالِ ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ فَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ .

وَالْمَالُ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةً ، وَيَتَعَلَّقُ بِالْمِلْكِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ أَمَّا مِلْكُ الْعَيْنِ فَحُكْمُ مُطْلَقِ مِلْكِهِ ، وَحُكْمُ سَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ لَهَا سَوَاءٌ كَالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَنَحْوِهَا ، فَيَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا ، وَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا ، وَهِبَةً ، وَوَصِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِسَبَبٍ مُطْلَقٍ ، فَيَظْهَر فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا ، وَيَظْهَرُ فِي الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ أَوْ الْمُنْفَصِلَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي سَوَاءٌ حَدَثَتْ بَعْدَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ قَبْلَ قَبُولِهِ بِأَنْ حَدَثَتْ ثَمَّ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ ، أَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ مِلْكِ الْأَصْلِ ، وَمِلْكُ الْأَصْلِ مُوجِبٌ مِلْكَ الزِّيَادَةِ .
( وَأَمَّا ) قَبْلَ الْقَبُولِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبُولِ ثَبَتَ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ صَارَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ ، فَصَارَ سَبَبًا عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَإِذَا قُبِلَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي إذَا وَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ إنَّهُ يَمْلِكُ الْوَلَدَ ؛ لِمَا قُلْنَا ، كَذَا هَذَا .
وَكَانَتْ الزَّوَائِدُ مُوصًى بِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الْأَصْلِ مُضَافٌ إلَى كَلَامٍ سَابِقٍ كَأَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَهَلْ يَكُونُ مُوصًى بِهَا بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ؟ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَكُونُ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ فِيهَا الثُّلُثُ .
وَيَكُونُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ مِلْكِ الْأَصْلِ .

وَقَالَ عَامَّتُهُمْ : يَكُونُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَصْلِ ، وَإِنْ ثَبَتَ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ كَانَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْبَاقِي ، وَيَسْتَوِي فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ فِي مَعْنَى الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْوَلَدِ ، وَالْأَرْشِ ، وَالْعُقْرِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْأَصْلِ رَأْسًا كَالْكَسْبِ .
وَالْغَلَّةِ فَرْقًا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ ، وَبَيْنَ الْبَيْعِ حَيْثُ أَلْحَقَ الْكَسْبَ ، وَالْغَلَّةَ بِالْمُتَوَلَّدِ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَلَمْ يُلْحِقْهُمَا فِي الْبَيْعِ ، وَالْفَرْقُ : أَنَّ الْكَسْبَ ، وَالْغَلَّةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمَنْفَعَةُ تُمَلَّكُ بِالْوَصِيَّةِ مَقْصُودًا كَذَا بَدَلُهَا ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ثُمَّ إذَا صَارَتْ الزَّوَائِدُ مُوصًى بِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مَعَ الزِّيَادَةِ يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ يُعْطَيَانِ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجَانِ جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ يُعْطَى مِنْ الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ مَا فَضَلَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يُعْطَى الثُّلُثَ مِنْهُمَا جَمِيعًا بِقَدْرِ الْحِصَصِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ صَارَتْ مُوصًى بِهَا صَارَتْ كَالْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، فَيُعْطَى الثُّلُثَ مِنْهُمَا جَمِيعًا .
أَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ : أَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ حُكْمِ الْعَقْدِ فِي الْأَصْلِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ لَكِنَّ هَذَا جَائِزٌ ، كَمَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : أَنَّ الْقَوْلَ بِانْقِسَامِ الثُّلُثِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَالزِّيَادَةِ إضْرَارٌ بِالْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، بَيَانُ ذَلِكَ : أَنَّ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ

قَبْلَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ كَانَ سَلَامَةَ كُلِّ الْجَارِيَةِ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَبَعْدَ الِانْقِسَامِ لَا تَسْلَمُ الْجَارِيَةُ لَهُ بَلْ تَصِيرُ مُشْتَرَكَةً ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ خُصُوصًا فِي الْجَوَارِي ، فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إلْحَاقِ هَذَا الضَّرَرِ لِإِمْكَانِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ ضَرُورَةً لِتَعَذُّرِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّمْيِيزِ ، فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى التَّنْفِيذِ فِيهِمَا مِنْ الثُّلُثِ .

وَأَمَّا الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ قَبْلَ مِلْكِ الْأَصْلِ ، وَقَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي مَلَكَهَا الْوَرَثَةُ ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ بِالْوَصِيَّةِ الْمُضَافَةِ إلَيْهَا مَقْصُودًا ، فَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ ، فَنَذْكُرُهَا ، فَنَقُولُ - ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - : إنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَنْفَعَةِ ثَبَتَ مُوَقَّتًا لَا مُطْلَقًا ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُؤَقَّتَةً إلَى مُدَّةٍ تَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ ، وَيَعُودُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ إلَى إنْسَانٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي ، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً تَثْبُتُ إلَى وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إنْ كَانَ هُنَاكَ مُوصًى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ، وَالسُّكْنَى أَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : لَهُ ذَلِكَ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ قَدْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ كَالْمُسْتَأْجِرِ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْ غَيْرِهِ كَذَا هَذَا ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ كَذَا الْإِجَارَةُ ( وَلَنَا ) أَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى ، وَالْخِدْمَةِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، فَلَا يُحْتَمَلُ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ كَالْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلْمُسْتَعِيرِ بِالْإِعَارَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْإِجَارَةَ كَذَا هَذَا أَوْ يَخْدِمَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ .

وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ ؟ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ : لَهُ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا بِالسُّكْنَى ، وَالْخِدْمَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْمُوصَى لَهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدِمَهُ هُنَاكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ تَقَعُ عَلَى الْخِدْمَةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُتْعَارَفَة ، وَهِيَ الْخِدْمَةُ عِنْدَ أَهْلِهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ مَأْذُونًا فِيهِ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَقَّ الْحِفْظِ ، وَالصِّيَانَةِ .
وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ إذَا كَانَتْ الْخِدْمَةُ بِحَضْرَتِهِ ، هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى مَصِيرٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ سِوَاهُ يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا ، وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ ، فَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ، فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ ؛ لِمَا فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ .
وَمَا وَهَبَ لِلْعَبْدِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ اكْتَسَبَهُ - فَهُوَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالُ الْعَبْدِ ، وَالْعَبْدُ فِي الْحَقِيقَةِ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، فَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ } ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أَمَةٌ ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا - فَهُوَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الرَّقَبَةِ ، وَالرَّقَبَةُ لَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ خِدْمَةَ شَخْصَيْنِ .

وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ الْعَبْدُ وَكِسْوَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ إنْ كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَهُ ، فَكَانَتْ النَّفَقَةُ ، وَالْكِسْوَةُ عَلَيْهِ ؛ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ ، وَلِهَذَا كَانَتْ نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الرَّهْنِ إنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلرَّاهِنِ .
أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ ، كَذَا لَهُ أَنْ يَفْتِكَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ فَيَنْتَفِعَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ .
وَيَصِيرَ مِنْ أَهْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ لِلْحَالِ ، وَمَنْفَعَةُ النَّمَاءِ ، وَالزِّيَادَةِ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْخِدْمَةَ فَإِذَا بَلَغَ ، فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْصُلُ لَهُ .

وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ نَخْلٍ أُبِّرَ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ وَلَمْ تُدْرِكْ ، أَوْ لَمْ تَحْمِلْ - فَالنَّفَقَةُ فِي سَقْيِهَا ، وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، فَإِذَا أَثْمَرَتْ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُدْرِكْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ ، فَصَاحِبُ الْغَلَّةِ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا ، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا .
وَكَانَتْ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ لِإِصْلَاحِ مِلْكِهِ إلَى أَنْ تُثْمِرَ ، فَإِذَا أَثْمَرَتْ فَقَدْ صَارَتْ مُنْتَفَعًا بِهَا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْغَلَّةِ ، فَكَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ، فَإِنْ حَمَلَتْ عَامًا وَاحِدًا ثُمَّ حَالَتْ وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا - فَالْقِيَاسُ : أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا فِي الْعَامِ الَّذِي حَالَتْ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا فِيهِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ؛ لِأَنَّ بِانْعِدَامِ حَمْلِهَا عَامًا لَا تُعَدُّ مُنْقَطِعَةَ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَشْجَارِ مَا لَا يَحْمِلُ كُلَّ عَامٍ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ انْقِطَاعَ النَّفْعِ بَلْ يُعَدُّ نَفْعًا ، وَنَمَاءً ، كَذَا الْأَشْجَارُ وَلَا تُخْرِجُ إلَّا فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ .
وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ انْقِطَاعَ النَّفْعِ بَلْ يُعَدُّ نَفْعًا ، وَنَمَاءً حَتَّى كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ ، فَكَذَا هَذَا ، فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ ، وَأَنْفَقَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ عَلَيْهَا حَتَّى حَمَلَتْ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي نَفَقَتَهُ مِنْ ذَلِكَ الْحَمْلِ ، وَمَا يَبْقَى مِنْ الْحَمْلِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مُضْطَرًّا لِإِصْلَاحِ مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ مَالِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا حَمَلَتْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَّلَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ بِسَبَبِ نَفَقَتِهِ .
وَلَوْ هَلَكَتْ الْغَلَّةُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُفْتَى بِهِ وَلَا يُقْضَى .

وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَالْفِدَاءُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّقَبَةِ لَهُ ، فَكَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } ، وَصَارَ كَعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا جَنَى جِنَايَةً إنَّ الْفِدَاءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ بِحَبْسِهِ فِي دَيْنِهِ أَوْ يُقَالُ : إنَّ الْفِدَاءَ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ مِنْ الرَّقَبَةِ حَقِيقَةً ، وَالرَّقَبَةُ لَهُ ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ : إنَّ حَقَّكَ يَفُوتُ لَوْ فَدَى صَاحِبُ الرَّقَبَةِ ، أَوْ دَفَعَ ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُحْيِيَ حَقَّكَ فَافْدِ ، وَهَكَذَا يُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا جَنَى ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ لِلرَّاهِنِ ، فَإِذَا فَدَى صَاحِبُ الْخِدْمَةِ فَقَدْ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ ، فَتَكُونُ الْخِدْمَةُ عَلَى حَالِهَا .
وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْدِيَ يُقَالُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ : ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ لَهُ ، وَأَيَّ شَيْءٍ اخْتَارَهُ بَطَلَ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ فِي الْخِدْمَةِ ، أَمَّا إذَا دَفَعَ ، فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ بِالدَّفْعِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْخِدْمَةَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ .
وَكَذَلِكَ إذَا أَفْدَى ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُمْ الرَّقَبَةَ ، فَيَتَجَدَّدُ الْمِلْكُ ، وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فِيهِ ، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ ، وَقَدْ فَدَى قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ ؛ لِمَا قُلْنَا : إنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِالْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ ، وَالْعَارِيَّةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَذَا هَهُنَا ، وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ : أَدِّ إلَى وَرَثَتِهِ الْفِدَاءَ الَّذِي فَدَى ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفِدَاءَ كَانَ عَلَيْهِ لَا عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ كُلَّ مَنْفَعَةِ الرَّقَبَةِ مَصْرُوفٌ إلَيْهِ ، وَمَتَى ظَهَرَ أَنَّهُ مَصْرُوفٌ

إلَى غَيْرِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِهِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَحَمَّلَ عَنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ إحْيَاءً لِمِلْكِهِ ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ ( وَلَيْسَ ) لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِمْ مَا دَفَعَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ مِنْ الْفِدَاءِ ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الرَّقَبَةِ دَفْعَ ذَلِكَ الْفِدَاءِ إلَى وَرَثَةِ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ - بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ .
وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِي عِتْقِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ وَجَبَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ ، فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .

وَلَوْ لَمْ يَجْنِ الْعَبْدُ وَلَكِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ خَطَأً - فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا يَخْدِمُ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ كَالْعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا قُتِلَ ، وَغَرِمَ الْقَاتِلُ الْقِيمَةَ إنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا آخَرَ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، وَالدَّرَاهِمُ ، وَالدَّنَانِيرُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْنَافُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا ، فَلَا يَبْقَى عَلَيْهَا الْعَقْدُ ، فَتَبْطُلُ ، وَيَجُوزُ اسْتِئْنَافُ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، فَجَازَ أَنْ تَبْقَى عَلَيْهَا ، فَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا آخَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ ( وَإِنْ ) كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ وَصَاحِبُ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ مِلْكًا ، وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ حَقًّا يُشْبِهُ الْمِلْكَ ، فَصَارَ كَعَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ قُتِلَ عَمْدًا إنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ كَذَا هَذَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ وَلَمْ يَطْلُبْ الْآخَرُ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ ، وَصَارَ مَالًا ، فَصَارَ بِمَعْنَى الْخَطَأِ ، فَيَشْتَرِي بِهِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً .

( وَلَوْ ) فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْهِ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ ، وَأَخَذَ قِيمَتَهُ صَحِيحًا فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا مَكَانَهُ ؛ ؛ لِأَنَّ فَقْءَ الْعَيْنَيْنِ ، وَقَطْعَ الْيَدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِهْلَاكِهِ إلَّا أَنَّهُ مِمَّا يَصْلُحُ خَرَاجًا بِضَمَانٍ ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ ، وَيَأْخُذُهُ خَرَاجًا بِضَمَانِهِ ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْقِيمَةِ مَا وَصَفْنَا ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ .
( وَلَوْ ) فُقِئَتْ عَيْنُهُ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ شُجَّ مُوضِحَتُهُ ، فَأَدَّى الْقَاتِلُ أَرْشَ ذَلِكَ - فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ لَا تُنْقِصُ ، فَإِنْ كَانَتْ تُنْقِصُ ، فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالْأَرْشِ عَبْدًا بِأَنْ كَانَ الْأَرْشُ يَبْلُغُ قِيمَةَ عَبْدٍ حَتَّى يَخْدِمَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ مَعَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ فَعَلَا ذَلِكَ وَجَازَ ( وَإِنْ ) اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُبَاعَ هَذَا الْعَبْدُ ، وَيُضَمَّ ثَمَنُهُ إلَى ذَلِكَ الْأَرْشِ فَاشْتَرَيَا بِهِمَا عَبْدًا آخَرَ جَازَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا كَانَتْ تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي ذَلِكَ الْأَرْشِ ، فَكَانَ لَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ ( وَإِنْ ) اخْتَلَفَا ، وَلَمْ يَتَّفِقَا فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا ، فَلَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَاهُمَا ، وَيُشْتَرَى بِالْأَرْشِ عَبْدٌ لِخِدْمَتِهِمَا حَتَّى يَقُومَ مَقَامَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ ، فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْأَرْشِ عَبْدٌ يُوقَفُ ذَلِكَ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَقْتَسِمَاهُ نِصْفَيْنِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا ، وَإِذَا اقْتَسَمَاهُ جَازَ ذَلِكَ ( وَإِنْ لَمْ ) يَصْطَلِحَا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَيْءٍ وَلَكِنْ يُوقَفُ ذَلِكَ الْمَالُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ فَوَصِيَّتُهُ عَلَى حَالِهَا ، وَالْأَرْشُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ

أَجْزَاءِ الرَّقَبَةِ ، فَيَكُونُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ .

( وَلَوْ ) كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَأَوْصَى بِرَقَبَةِ أَحَدِهِمْ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ آخَرَ لِرَجُلٍ آخَرَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ، وَقِيمَةُ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ ، وَقِيمَةُ الَّذِي أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ ، وَقِيمَةُ الْبَاقِي أَلْفُ دِرْهَمٍ - فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ ، وَالْأَصْلُ : أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ وَصِيَّةٌ بِحَبْسِ الرَّقَبَةِ عَنْ الْوَارِثِ ، فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَجَمِيعُ مَالِ الْمَيِّتِ أَلْفٌ وَثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ : ثُلُثُهَا سِتُّمِائَةٍ ، وَجَمِيعُ سِهَامِ الْوَصَايَا ثَمَانِمِائَةٍ ، فَإِذَا زَادَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا عَلَى ثُلُثِ الْمَالِ مِائَتَيْنِ ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سِهَامِ الْوَصَايَا رُبْعُهَا ، فَيَنْقُصُ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِثْلُ رُبْعِهَا ، وَيُنَفَّذُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ، فَيَكُونُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِمَا ، وَثُلُثُ الْمَالِ سَوَاءً ، فَأَمَّا قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ فَثَلَاثُمِائَةٍ ، فَيَنْقُصُ مِنْهُ رُبْعُهَا ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ ، فَيَنْقُصُ مِنْهُ رُبْعُهَا ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ، وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، فَيُضَمُّ إلَى وَصِيَّةِ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ ، فَيَصِيرَ سِتَّمِائَةٍ ، وَذَلِكَ ثُلُثُ الْمَالِ ، وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ يُضَمُّ إلَى الْعَبْدِ الْبَاقِي ، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَصَارَ أَلْفًا ، وَمِائَتَيْنِ ، وَذَلِكَ ثُلُثَا الْمَالِ ، فَاسْتَقَامَ عَلَى الثُّلُثِ ، وَالثُّلُثَيْنِ .

( وَإِذَا ) نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا وَاحِدًا ، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ اسْتَكْمَلَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ عَبْدَهُ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ قَدْ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ ، وَبَقِيَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَتَكُونُ لَهُ ( وَكَذَلِكَ ) إنْ مَاتَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ يَخْدِمَهُ كَانَ الْعَبْدُ الْآخَرُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ التَّوْزِيعَ ، وَالتَّقْسِيمَ إنَّمَا كَانَ بَيْنَهُمَا لِثُبُوتِ حَقِّهِمَا ، فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ وَحْدَهُ ، فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبِيدِ سَوَاءٌ كَانَ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ نِصْفُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ ، وَلِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ نِصْفُ رَقَبَةِ الْآخَرَ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ ، وَقِيمَةَ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْصَى بِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُمِائَةٍ ، فَصَارَ ثُلُثُ مَالِهِ خَمْسَمِائَةٍ ، فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ، فَصَحَّ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَانِ ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ نِصْفُ الرَّقَبَةِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ نِصْفُ الْخِدْمَةِ يَخْدِمُهُ يَوْمًا ، وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا ( وَإِنَّمَا ) يُضْرَبُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ، كَمَا يُضْرَبُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؟ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَوْصَى بِحَبْسِ الرَّقَبَةِ عَنْ الْوَارِثِ ، فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِالتَّمْلِيكِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْوَرَثَةِ ، فَهِيَ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّمْلِيكِ سَوَاءٌ .

( وَلَوْ ) أَوْصَى بِالْعَبِيدِ كُلِّهِمْ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَبِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ لَمْ يَضْرِب صَاحِبُ الرِّقَابِ إلَّا بِقِيمَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَيَضْرِبُ الْآخَرُ بِخِدْمَةِ الْآخَرِ ، فَيَكُون كَالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ ( وَهَذَا ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرِّقَابِ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِغَيْرِهِ هُوَ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَقِّ غَيْرِهِ ، فَمَا دَامَ مَشْغُولًا جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ بِهِ .
( وَمِنْ ) أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يُضْرَبُ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدَيْنِ هَهُنَا لَا يُضْرَبُ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ ، وَهُوَ عَبْدٌ وَاحِدٌ ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يُضْرَبُ أَيْضًا بِعَبْدٍ وَاحِدٍ ، فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الرَّقَبَةِ ، فَاَلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْعَبْدَيْنِ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ فِي الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَبْدَيْنِ ، فَيَكُون لَهُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ رُبْعُهُ ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا ، وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا ، كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .
( وَأَمَّا ) عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُوصَى لَهُ بِالرِّقَابِ يَضْرِبُ بِالْعَبْدَيْنِ ، وَالْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ يَضْرِبُ بِعَبْدٍ وَاحِدٍ ، فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا : سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الرِّقَابِ ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ، فَلَمَّا صَارَ الثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةٍ صَارَ الثُّلُثَانِ عَلَى سِتَّةٍ ، وَالْجَمِيعُ تِسْعَةٌ : كُلُّ عَبْدٍ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرِّقَابِ سَهْمَانِ فِي الْعَبْدَيْنِ مِنْ كُلِّ رَقَبَةٍ سَهْمٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ سَهْمٌ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ يَخْدِمُ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَوْمًا ، وَلِلْوَرَثَةِ يَوْمَيْنِ ، فَحَصَلَ

لِلْمُوصَى لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلْوَرَثَةِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ ( وَلَوْ ) كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ ، وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ .
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ ، فَأَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ لِفُلَانٍ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ فِي خِدْمَةِ ذَلِكَ الْعَبْدِ يَخْدِمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَيَخْدِمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ ؛ فَيَكُونَ لِلْآخَرِ خُمْسُ الثُّلُثِ فِي الْعَبْدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُمْسُ رَقَبَتِهِ ( وَجْهُ ) ذَلِكَ : أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الرِّقَابِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرِّقَابِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ بَاقِيًا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى بِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ لِرَجُلٍ ، وَبِثُلُثِ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِرَجُلٍ ، فَاجْعَلْ كُلَّ ثُلُثٍ سَهْمًا ، فَيَضْرِبُ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ بِثُلُثِ كُلِّ عَبْدٍ ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ ، وَيَضْرِبُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ بِالْجَمِيعِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، فَاجْعَلْ ثُلُثَ الْمَالِ عَلَى خَمْسَةٍ ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ سَهْمَانِ فِي كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ سَهْمٌ وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ ، فَيَخْدِمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلِلْوَرَثَةِ يَوْمَيْنِ ، فَجَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُمَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ : سَهْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ، وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ، وَجَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلْوَرَثَةِ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ : ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدَيْنِ فِي كُلِّ عَبْدٍ أَرْبَعَةٌ ، وَسَهْمَانِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ، فَاسْتَقَامَ عَلَى الثُّلُثِ ، وَالثُّلُثَيْنِ .

وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِصَاحِبِ الرِّقَابِ ، وَبِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ لِصَاحِبِ ، الْخِدْمَةِ وَلَا مَالَ غَيْرُهُمْ لَهُ قَسَّمَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ اجْتَمَعَ فِيهِ وَصِيَّتَانِ : وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ مَالٌ .
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ الرِّقَابِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرِّقَابِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ بَاقِيًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ، وَالْخِدْمَةُ لَيْسَتْ مِنْ الرَّقَبَةِ فِي شَيْءٍ ، وَهَهُنَا أَوْصَى لَهُ بِالْمَالِ ، وَالْخِدْمَةُ مَالٌ ؛ فَلِذَلِكَ قُلْنَا : إنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَصِيَّتَانِ : وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ فَالثُّلُثَانِ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَيُجْعَلُ الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ : أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ خَلَتْ عَنْ دَعْوَى صَاحِبِ الثُّلُثِ ، وَسُلِّمَتْ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، وَسَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِمَا ، فَيَنْقَسِمُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ .
فَصَارَ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ ، فَإِذَا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ صَارَ الْعَبْدَانِ الْآخَرَانِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ : فَثُلُثُهَا أَرْبَعَةٌ ضُمَّتْ إلَى سِتَّةٍ ، فَتَصِيرُ عَشَرَةً ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ وَصَايَاهُمْ ، فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ عِشْرُونَ ، وَجَمِيعُ الْمَالِ ثَلَاثُونَ ، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ صَارَ عَشَرَةً ، فَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَشْرَةً يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ ، وَيَخْدِمُ صَاحِبَ الثُّلُثِ يَوْمًا وَلِصَاحِبِ

الثُّلُثِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، فَتَصِيرُ الْوَصِيَّةُ عَشَرَةً : سِتَّةٌ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ ، وَلِلْوَرَثَةِ عِشْرُونَ فِي كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ ، فَاسْتَقَامَ عَلَى الثُّلُثِ ، وَالثُّلُثَيْنِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ( وَأَمَّا ) عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَسْلُكَانِ مَسْلَكَ الْعَوْلِ ، فَالْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ اجْتَمَعَ فِيهِ وَصِيَّتَانِ : وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ ، وَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ لَهُ بِالْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يُضْرَبُ لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَصَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ ، فَلَمَّا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ صَارَ الْعَبْدَانِ الْآخَرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ بِغَيْرِ عَوْلٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْعَوْلِ فِي ذَلِكَ ، فَالثُّلُث بَيْنَهُمَا سَهْمَانِ ضَمَّهُ إلَى أَرْبَعَةٍ ، فَيَصِيرَ سِتَّةً فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ اثْنَا عَشَرَ ، وَالْجَمِيعُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ صَارَ عَلَى سِتَّةٍ : يَخْدِمُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلِلْآخَرِ يَوْمًا وَلِلْوَرَثَةِ يَوْمَيْنِ ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ سَهْمَانِ ، فَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ سِتَّةً : أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ ، وَسَهْمَانِ فِي الْعَبْدَيْنِ ، وَلِلْوَرَثَةِ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا : سَهْمَانِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ ، وَعَشَرَةُ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدَيْنِ ، فَاسْتَقَامَ عَلَى الثُّلُثِ ، وَالثُّلُثَيْنِ .

وَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِغَلَّتِهِ لِآخَرَ ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنَّهُ يَخْدِمُ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ شَهْرًا ، وَعَلَيْهِ طَعَامُهُ ، وَلِصَاحِبِ الْغَلَّةِ شَهْرًا ، وَعَلَيْهِ طَعَامُهُ ، وَكِسْوَتُهُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ وَصِيَّةٌ بِحَبْسِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِخْدَامُ إلَّا بَعْدَ حَبْسِهَا ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْغَلَّةِ أَيْضًا وَصِيَّةٌ بِالْقُرْبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِغْلَالُهُ إلَّا بَعْدَ حَبْسِ الرَّقَبَةِ ، فَقَدْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ ، وَحَظُّهُمَا سَوَاءٌ ، فَيَخْدِمُ هَذَا شَهْرًا ، وَيَسْتَغِلُّهُ الْآخَرُ شَهْرًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِالْأَجْزَاءِ ، فَيُقَسَّمُ بِالْأَيَّامِ ، وَطَعَامُهُ فِي مُدَّةِ الْخِدْمَةِ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ دُونَ صَاحِبِ الْغَلَّةِ ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْمَنْفَعَةُ ، وَفِي مُدَّةِ الْغَلَّةِ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ تَحْصُلُ لَهُ ( وَأَمَّا ) الْكِسْوَةُ فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّ الْكِسْوَةَ لَا تَتَقَدَّرُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا تَتَجَدَّدُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا بِانْقِضَاءِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمُدَّةِ ، كَمَا تَتَجَدَّدُ إلَى الطَّعَامِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ ، فَكَانَتْ الْكِسْوَةُ عَلَيْهِمَا ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى .

فَإِنْ جَنَى هَذَا الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا : افْدِيَاهُ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَهُمَا فَيُخَاطَبَانِ بِهِ كَمَا يُخَاطَبُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ ، فَإِنْ فَدَيَاهُ كَانَا عَلَى حَالِهِمَا ، وَإِنْ أَبَيَا الْفِدَاءَ ، فَفَدَاهُ الْوَرَثَةُ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا أَبَيَا الْفِدَاءَ ، فَقَدْ رَضِيَا بِهَلَاكِ الرَّقَبَةِ ، فَبَطَلَ حَقُّهُمَا ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ .

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ مِنْ غَلَّةِ عَبْدِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْعَبْدِ ، فَإِنَّ ثُلُثَ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ مِنْ غَلَّتِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ إلَّا بِحَبْسِ الرَّقَبَةِ ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يُضْرَبُ إلَّا بِالثُّلُثِ ، فَالثُّلُثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ، وَيَخْرُجُ الْحِسَابُ مِنْ سِتَّةٍ ، فَالثُّلُثِ ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ يُعْطَى لَهُ مِنْ الرَّقَبَةِ ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ يُسْتَغَلُّ ، وَحُسِبَتْ عَلَيْهِ غَلَّتُهُ ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهَا كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا أَوْصَى ، وَأَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ مِنْ الرَّقَبَةِ لِلْوَرَثَةِ .

فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ رُدَّ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ .
وَكَذَلِكَ مَا حُبِسَ لَهُ مِنْ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ بِمَوْتِهِ ، فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ : صَاحِبُ الْغَلَّةِ يُضْرَبُ بِالْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يُضْرَبُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ دَارِهِ ، وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ وَلِآخَرَ بِثَوْبٍ ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ تَخْرُجَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مِنْ الثُّلُثِ ، أَوْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْجَمِيعِ ، وَالْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَصِيَّةٌ بِحَبْسِ رَقَبَتِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَكِنَّ الْوَرَثَةَ أَجَازُوا فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ضُرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حَقِّهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةَ أَحَدِهِمْ تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ ، فَلَا يُضْرَبُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ ، وَقُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ ؟ لِمَا ذَكَرْنَا .

وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ لِرَجُلٍ وَبِسُكْنَاهَا لِآخَرَ ، وَبِرَقَبَتِهَا لِآخَرَ ، وَهِيَ الثُّلُثُ ، فَهَدَمَهَا رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي غَرِمَ قِيمَةَ مَا هَدَمَهُ مِنْ بِنَائِهَا ثُمَّ تُبْنَى مَسَاكِنَ ، كَمَا كَانَتْ ، فَتُؤَاجَرُ ، وَيَأْخُذُ غَلَّتَهَا صَاحِبُ الْغَلَّةِ ، وَيَسْكُنُهَا الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ ، وَالسُّكْنَى لَا تَبْطُلُ بِهَدْمِ الدَّارِ لِقِيَامِ الْقِيمَةِ مَقَامَ الدَّارِ ، كَمَا قُلْنَا فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ إذَا قُتِلَ : إنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَبْطُلُ ، وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ عَبْدًا آخَرَ لِخِدْمَتِهِ ، وَكَذَا الْبُسْتَانُ إذَا أَوْصَى بِغَلَّتِهِ لِرَجُلٍ ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ ، فَقَطَعَ رَجُلٌ نَخْلَهُ أَوْ شَجَرَهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا ، فَيَشْتَرِي بِهَا أَشْجَارًا مِثْلَهَا ، فَتُغْرَسُ .

فَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَقِيمَةُ الدَّارِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَلَهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ سِوَى ذَلِكَ فَلِصَاحِبِ الْغَلَّةِ نِصْفُ غَلَّةِ الدَّارِ ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ ، وَالدَّارِ ، خُمْسُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فِي الْمَالِ .
( وَوَجْهُ ) ذَلِكَ : أَنْ يَقُولَ : إنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ وَصِيَّةٌ بِثُلُثِ الْغَلَّةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ مَالُ الْمَيِّتِ يُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالدَّارُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الدَّارِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَلَهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ سِوَى ذَلِكَ ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الدَّارِ وَصِيَّتَانِ : وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهَا ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهَا ، فَيَجْعَلُ الدَّارَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ ، وَالثُّلُثَانِ سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ الدَّارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْبِسُ جَمِيعَ الدَّارِ لِأَجْلِهِ .
وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي سَهْمٍ وَاحِدٍ .
وَكَانَ بَيْنَهُمَا ، فَانْكَسَرَ عَلَى سَهْمَيْنِ ، فَاضْرِبْ سَهْمَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ ، فَيَصِيرَ سِتَّةً فَصَاحِبُ الثُّلُثِ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ سَهْمَيْنِ ، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ خَلَتْ عَنْ دَعْوَاهُ ، وَسُلِّمَتْ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي سَهْمَيْنِ ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ .
وَإِذَا صَارَتْ الدَّارُ ، وَهِيَ الثُّلُثُ عَلَى سِتَّةٍ ، وَالْأَلْفَانِ اثْنَا عَشَرَ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَضُمَّهَا إلَى سِتَّةٍ تَصِيرُ سِهَامُ الْوَصَايَا عَشَرَةً ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ثَلَاثُونَ ، فَنَقُولُ : ثُلُثُ الْمَالِ عَشَرَةٌ ، فَنُقَسِّمُهَا بَيْنَهُمْ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ كُلُّهَا فِي الدَّارِ وَلِصَاحِبِ

الثُّلُثِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ : أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فِي الْأَلْفَيْنِ ، وَسَهْمٌ فِي الدَّارِ ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ نِصْفُ غَلَّةِ الدَّارِ ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا الدَّارَ عَلَى عَشَرَةٍ .
وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ خَمْسَةٌ : أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فِي الْمَالِ ، وَخُمْسُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَى قَوْلِهِمَا تُقَسَّمُ الدَّارُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ ، فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ بِالْجَمِيعِ ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يُضْرَبُ بِالثُّلُثِ ، وَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ بِالْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يُضْرَبُ بِسَهْمٍ ، فَاجْعَلْ الدَّارَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ .
وَإِذَا صَارَتْ الدَّارُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ مَعَ الْعَوْلِ صَارَ كُلُّ أَلْفٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ غَيْرِ عَوْلٍ فَالْأَلْفَانِ تَصِيرُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ ضُمَّ ذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ ، فَيَصِيرَ سِتَّةً فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ ، وَالثُّلُثَانِ اثْنَا عَشَرَ ، وَالْجَمِيعُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ ثُلُثُ الْأَلْفَيْنِ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَذَلِكَ ثُلُثَا الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا الثُّلُثَ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ ، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سِتَّةٍ ثُلُثَاهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ : وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : ثُلُثَا ذَلِكَ فِي ثُلُثِ الْمَالِ .
وَقَالَ أَيْضًا : ثَلَاثَةٌ فِي الدَّارِ ؛ لِأَنَّكَ جَعَلْتَ الدَّارَ عَلَى ثَلَاثَةٍ قَبْلَ الْعَوْلِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ مِنْ الدَّارِ وَذَلِكَ ثُلُثُ الدَّارِ ، فَإِنَّ مَاتَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الدَّارِ ، وَالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ ، وَإِنَّمَا أَوْصَى لِصَاحِبِ الثُّلُثِ بِثُلُثِ الْمَالِ ، وَالدَّارِ ، فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ .
وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ

الدَّارُ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْغَلَّةِ ، وَأَخَذَ صَاحِبُ الثُّلُثِ ثُلُثَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِغْلَالَهَا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهَا وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَلَكِنَّهَا انْهَدَمَتْ قِيلَ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ : ابْنِ نَصِيبَكَ فِيهَا ، وَيَبْنِي صَاحِبُ الثُّلُثِ نَصِيبَهُ ، وَالْوَرَثَةُ نَصِيبَهُمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ ، فَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ ، وَأَيُّهُمْ أَبَى أَنْ يَبْنِيَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ حَقِّهِ ، وَلَمْ يَمْنَعْ الْآخَرَ أَنْ يَبْنِيَ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَيُؤَاجِرَهُ ، وَيُسْكِنَهُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ الْبِنَاءِ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ بُطْلَانَ حَقِّ صَاحِبِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا كَالسُّفْلِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ ، وَعُلْوِهِ لِآخَرَ ، فَانْهَدَمَا ، وَأَبَى صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَبْنِيَ سُفْلَهُ إنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ : ابْنِ سُفْلَهُ مِنْ مَالِكَ ثُمَّ ابْنِ عِلْيَةَ الْعُلْوِ ، فَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالسُّفْلِ ، فَامْنَعْهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْك قِيمَةَ السُّفْلِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْعُلْوِ إلَّا بَعْدَ بِنَاءِ السُّفْلِ ، فَكَانَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ سُفْلَهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ بِنَاءُ الْعُلْوِ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا هَهُنَا ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَسِّمَ عَرْصَةَ الدَّارِ ، فَيَبْنِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِهِ .

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ أَوْ بِغَلَّتِهَا ، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ ، فَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ أَوْ السُّكْنَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا لِلْمَيِّتِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ مَغْنَمًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لَسَلِمَتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَلَا شَهَادَةَ لِجَارِّ الْمَغْنَمِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَكَذَا إذَا شَهِدَ لِلْمَيِّتِ بِمَالٍ أَوْ بِقَتْلٍ خَطَأٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَهْمَا كَثُرَ مَالُ الْمَيِّتِ كَثُرَتْ وَصِيَّتُهُ .
وَكَانَ بِشَهَادَتِهِ جَارًّا الْمَغْنَمَ إلَى نَفْسِهِ ، فَلَا تُقْبَلُ .

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَبَدًا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَقَاسَمَ الْوَرَثَةُ الْبُسْتَانَ ، فَأَغَلَّ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ ، وَلَمْ يَغُلَّ الْآخَرَ ، فَإِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ وَقَعَتْ بَاطِلَةً ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْبُسْتَانِ ، وَالْقِسْمَةُ فِيمَا لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ بَاطِلَةٌ ، وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَقِسْمَةُ الْمَعْدُومِ بَاطِلَةٌ وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا ثُلُثَيْ الْبُسْتَانِ ؛ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي شَرِيكَ صَاحِبِ الْغَلَّةِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَبِيعَ ثُلُثَيْ الْبُسْتَان مُشَاعًا ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مَشْغُولٌ بِحَقِّ صَاحِبِ الْغَلَّةِ ، وَالْوَرَثَةُ مَمْنُوعُونَ عَنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا فِي مِقْدَارِ نَصِيبِهِمْ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ تُنْقِصُ الْغَلَّةَ ، وَتَعِيبُ .

وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ الَّذِي فِيهِ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى لَهُ بِغَلَّتِهِ أَيْضًا أَبَدًا ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَالْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ لِلْحَالِ تَسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ ، وَالْبُسْتَانُ يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ فِيهِ ، وَثُلُثُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْغَلَّةِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ هَكَذَا ، فَإِنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ لِلْحَالِ ، وَبِالْغَلَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ أَبَدًا ، فَيُعْتَبَر فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهُ ، وَلَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ كُلَّ الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ فِي الْحَال ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ أَيْضًا بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْ بُسْتَانِهِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ، وَإِذَا ضُمَّتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ إلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ زَادَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الثُّلُثِ .

وَلَوْ أَوْصَى بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ وَلَوْ أَوْصَى بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ لِرَجُلٍ ، فَأَغَلَّ سَنَةً قَلِيلًا وَسَنَةً كَثِيرًا ، فَلَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ يَحْبِس ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَلَّتِهِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ الْغَلَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُهُ فَيَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ كُلَّهُ ، فَلِذَلِكَ جَازَ فِي ثُلُثِهِ ، وَتُحْبَسُ غَلَّتُهُ حَتَّى يُنْفَقَ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا إلَى أَنْ يَمُوتَ .

وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ عَرَضِ مَالِهِ وَعَلَى آخَرَ خَمْسَةٌ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ غَلَّةِ ، بُسْتَانِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْبُسْتَانِ فَثُلُثُ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، يُبَاعُ سُدُسُ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُوقَفُ ثَمَنُهُ عَلَى يَدِ الْوَصِيِّ .
أَوْ عَلَى يَدِ ثِقَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيٌّ ، وَيُنْفَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا سَمَّى .
وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِإِنْفَاقِ دِرْهَمٍ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَقَلِّ .
وَالْأَكْثَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَعِيشَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَكْثَرَ مِمَّا يَعِيشُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ فَيُبَاعُ سُدُسُ الْغَلَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ ، وَيُنْفَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا سَمَّى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ عَرَضِ مَالِهِ ، وَالْبُسْتَانُ مَالُهُ وَلَا يُسَلَّمُ الْمَالُ إلَيْهِمَا بَلْ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْوَصِيِّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ فَالْقَاضِي يَضَعُهُ عَلَى يَدِ ثِقَةٍ عَدْلٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُوصِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمَا ، فَإِنْ مَاتَا ، وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ رُدَّ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ فَيَعُودُ إلَى الْوَرَثَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : يُنْفَقُ عَلَى فُلَانٍ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى فُلَانٍ ، وَفُلَانٍ خَمْسَةٌ حُبِسَ السُّدُسُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ ، وَالسُّدُسُ الْآخَرُ عَلَى الْمَجْمُوعَيْنِ فِي النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَرْبَعَةَ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَأَضَافَ الْخَمْسَةَ إلَى شَخْصَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَى فُلَانٍ أَرْبَعَةٌ ، وَعَلَى فُلَانٍ خَمْسَةٌ ؛ لِذَلِكَ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ : سُدُسٌ يُوقَفُ لِلْمُنْفَرِدِ ، وَسُدُسٌ لِلْمَجْمُوعَيْنِ .

وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ لِرَجُلٍ وَبِنِصْفِ غَلَّتِهِ لِآخَرَ ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ قَسَّمَ ثُلُثَ الْغَلَّةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كُلَّ سَنَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لَا تَجُوزُ ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا .
وَلَوْ كَانَ الْبُسْتَانُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ غَلَّةَ الْبُسْتَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يَدَّعِي إلَّا النِّصْفَ ، فَالنِّصْفُ خَلَا عَنْ دَعْوَاهُ فَسُلِّمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ ، وَلِنِصْفِهِ نِصْفٌ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَصَاحِبُ النِّصْفِ لَا يَدِّعِي أَكْثَرَ مِنْ سَهْمَيْنِ فَسَهْمَانِ خَلَيَا عَنْ دَعْوَاهُ سَلِمَا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، وَسَهْمَانِ آخَرَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِمَا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ ، فَصَارَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ .
وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقَسَّمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ ، فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ بِالْجَمِيعِ ، وَصَاحِبُ النِّصْفِ يُضْرَبُ بِالنِّصْفِ ، وَالْحِسَابُ الَّذِي لَهُ نِصْفُ سَهْمَانِ ، فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ بِسَهْمَيْنِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ يُضْرَبُ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا : سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ النِّصْفِ .

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِقِيمَةِ عَبْدُهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ، وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدِ ، وَلِصَاحِبِ الْبُسْتَانِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ فِي غَلَّتِهِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَالثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْبُسْتَانِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَمِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يُضْرَبُ إلَّا بِالثُّلُثِ ، فَاطْرَحْ مَا زَادَ عَلَى سِتِّمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الثُّلُثِ ، فَصَاحِبُ الْبُسْتَانِ يُضْرَبُ بِسِتِّمِائَةٍ وَصَاحِبُ الْعَبْدِ يُصْرَفُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، فَاجْعَلْ ثُلُثَ الْمَالِ ، وَهُوَ سِتُّمِائَةٍ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا ، لِصَاحِبِ الْبُسْتَانِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ، فَمَا أَصَابَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ كَانَ فِي الْبُسْتَانِ فِي غَلَّتِهِ ، وَمَا أَصَابَ صَاحِبُ الْعَبْدِ كَانَ فِي الْعَبْدِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا صَاحِبُ الْبُسْتَانِ يُضْرَبُ بِجَمِيعِ الْبُسْتَانِ ، وَهُوَ أَلْفٌ وَصَاحِبُ الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، فَيُقَسَّمُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ .

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَيْسَ فِيهَا نَخْلٌ وَلَا شَجَرٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا ، فَإِنَّهَا تُؤَاجَرُ ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْغَلَّةُ لَهُ .
وَلَوْ كَانَ فِيهَا شَجَرٌ أُعْطِيَ ثُلُثَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْغَلَّةِ يَقَعُ عَلَى الثَّمَرَةِ ، وَعَلَى الْأُجْرَةِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ انْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ أَشْجَارٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَجَرٌ فَالْوَصِيَّةُ بِالْغَلَّةِ وَصِيَّةٌ بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، وَذَلِكَ هِيَ الْأُجْرَةُ ، فَإِنْ قِيلَ : إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَزْرَعَهَا فَيَسْتَوْفِيَ زَرْعَهَا ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ زَرَعَ لَحَصَلَ لَهُ مِلْكُ الْخَارِجِ بِبَذْرِهِ ، وَالْمُوصَى بِهِ غَلَّةُ أَرْضِهِ لَا غَلَّةُ بَذْرِهِ .

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهَا وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَبَاعَهَا صَاحِبُ الرَّقَبَةِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ الْمَبِيعَ جَازَ ، وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْغَلَّةِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الثَّمَنِ ، أَمَّا جَوَازُ الْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِ الرَّقَبَةِ مِنْ صَاحِبِهَا إذَا سَلَّمَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ الْمَبِيعَ فَلِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي النَّفَاذَ إلَّا أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْغَلَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، فَإِذَا أَجَازَ فَقَدْ رَضِيَ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ ، فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ ، وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الرَّقَبَةِ ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الرَّقَبَةِ .

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَأَغَلَّ الْبُسْتَانُ سَنَتَيْنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّةِ شَيْءٌ إنَّمَا لَهُ الْغَلَّةُ الَّتِي فِيهِ يَوْمَ يَمُوتُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَتَكُونُ لَهُ الثَّمَرَةُ الَّتِي فِيهِ يَوْمَ الْمَوْتِ ، وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا مَا كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ .

فَإِنْ اشْتَرَى الْمُوصَى لَهُ الْبُسْتَانَ مِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ الشِّرَاءُ ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَيْنَ بِالشِّرَاءِ ، فَاسْتَغْنَى بِمِلْكِهَا عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ تَبْطُلُ الْإِعَارَةُ .
وَكَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ إنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ لِمَا قُلْنَا ، كَذَا هَذَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَوْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْ الْغَلَّةِ .
وَكَذَلِكَ سُكْنَى الدَّارِ ، وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ إذَا صَالَحُوهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ جَازَ ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا ، وَقَدْ أُسْقِطَ حَقُّهُ بِعِوَضٍ ، فَجَازَ كَالْخُلْعِ ، وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا ) الْوَصِيَّةُ بِأَمْرٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ فَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْإِنْفَاقِ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْقُرَبِ مِنْ الْفَرَائِضِ ، وَالْوَاجِبَاتِ ، وَالنَّوَافِلِ ( أَمَّا ) الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ فَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بِلَا فَصْلٍ ، كَمَا إذَا قَالَ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ صَحِيحٌ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ، أَوْ قَالَ : دَبَّرْتُك أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ إنْ مِتَّ مِنْ مَرْضِي هَذَا أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ أَوْ سَفَرِهِ ذَلِكَ يُعْتَقُ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى إعْتَاقِ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِي مِنْ هَذَا الْمَرَضِ ، أَوْ فِي هَذَا السَّفَرِ ، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الثُّلُثُ ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يُعْتَقْ كُلُّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ يُعْتَقْ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ يُعْتَقْ ثُلُثُهُ ، وَيَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَصِيَّةٌ ، فَلَا تُنَفَّذُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ .

( وَأَمَّا ) الْوَصِيَّةُ بِالْإِعْتَاقِ فَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْإِعْتَاقِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَلَا يُعْتَقُ مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَاضِي ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عِتْقٍ تَأَخَّرَ عَنْ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَوْ بِسَاعَةٍ ، لَا يَثْبُتُ ، وَلَا يُعْتَقُ مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ ، كَمَا إذَا قَالَ : هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِسَاعَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُوصِي هُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعِتْقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُوصِي مُعْتِقًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ أَمْرًا بِالْإِعْتَاقِ دَلَالَةً ، فَيُعْتِقُ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي .

( وَأَمَّا ) الْوَصِيَّةُ بِإِعْتَاقِ نَسَمَةٍ ، وَهِيَ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُشْتَرَى رَقَبَةٌ ، فَتُعْتَقَ عَنْهُ ، وَالنَّسَمَةُ اسْمٌ لِرَقَبَةٍ تُشْتَرَى لِلْعِتْقِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ وُجُوبِ الشِّرَاءِ ، وَالْإِعْتَاقُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ .

وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَمْ يُعْتَقْ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ عَنْهُ بِالثُّلُثِ .

وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ لَا يَبْلُغُ مِائَةً ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ بِالْإِجْمَاعِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ ، وَالتَّقْدِيرُ بِالْمِائَةِ لَا يَقْتَضِي التَّنْفِيذَ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا قَدَّرَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ثُلُثَ مَالِهِ يَبْلُغُ ذَلِكَ أَوْ رَجَاءَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ ، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي عَبْدٍ يُشْتَرَى بِخَمْسِينَ كَانَ ذَلِكَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ مَنْ أَوْصَى لَهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْعَبْدِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهُوَ الْمُوصَى لَهُ ، وَقَدْ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ ، وَالْمُشْتَرَى بِدُونِ الْمِائَةِ غَيْرُ الْمُشْتَرَى بِمِائَةٍ ، فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لَهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ فَإِنَّهَا وَصِيَّةٌ بِالْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْحَجِّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ الثُّلُثَ .

وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَمْ تُجِزْ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ لَمْ يُشْتَرَ بِهِ شَيْءٌ ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَى بِالثُّلُثِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْقَوْلَيْنِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

( وَأَمَّا ) الْوَصِيَّةُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى فُلَانٍ ، وَأَوْصَى بِالْقُرَبِ فَحُكْمُهَا وُجُوبُ فِعْلِ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا أَوْصَى ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ فَالْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ بِالنَّصِّ عَلَى الْإِبْطَالِ ، وَبِدَلَالَةِ الْإِبْطَالِ ، وَبِالضَّرُورَةِ ( أَمَّا ) النَّصُّ فَنَحْوَ أَنْ يَقُولَ : أَبْطَلْتُ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَيْتُهَا لِفُلَانٍ أَوْ فَسَخْتُهَا أَوْ نَقَضْتُهَا فَتَبْطُلَ إلَّا التَّدْبِيرَ خَاصَّةً ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْإِبْطَالِ مُطْلَقًا كَانَ التَّدْبِيرُ أَوْ مُقَيَّدًا إلَّا أَنَّ الْمُقَيَّدَ مِنْهُ يَبْطُلُ مِنْهُ بِدَلَالَةِ الْإِبْطَالِ بِالتَّمْلِيكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، كَذَا إذَا قَالَ : رَجَعْتُ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إبْطَالٌ لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ .
( وَأَمَّا ) الدَّلَالَةُ ، وَالضَّرُورَةُ فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الرُّجُوعِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ .
وَمَا لَا يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَتَبْطُلُ بِجُنُونِ الْمُوصِي جُنُونًا مُطْبَقًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ كَالْوَكَالَةِ ، فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ كَالْوَكَالَةِ فَتُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ ، كَمَا تُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْأَمْرِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ .
وَالْجُنُونُ الْمُطْبَقُ هُوَ أَنْ يَمْتَدَّ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سَنَةً ، ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ .

وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ ، وَلِهَذَا لَمْ تَبْطُلْ الْوَكَالَةُ بِالْإِغْمَاءِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمُوصَى بِهِ إذَا كَانَ عَيْنًا مُشَارًا إلَيْهَا لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ أَعْنِي مَحَلَّ حُكْمِهِ ، وَيَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّصَرُّفِ أَوْ بَقَاؤُهُ بِدُونِ وُجُودِ مَحَلِّهِ أَوْ بَقَائِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ أَوْ بِهَذِهِ الشَّاةِ ، فَهَلَكَتْ الْجَارِيَةُ ، وَالشَّاةُ .

وَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِاسْتِثْنَاءِ كُلِّ الْمُوصَى بِهِ فِي كَلَامٍ مُتَّصِلٍ ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ ؛ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لَا تَبْطُلُ ، وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ ، وَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَهُنَا رُجُوعٌ عَمَّا أَوْصَى بِهِ ، وَالْوَصِيَّةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلرُّجُوعِ ، فَيُحْمَلُ عَلَى الرُّجُوعِ .
وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْإِقْرَارَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَبْقَى الْمُقَرُّ بِهِ عَلَى حَالِهِ .
وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ ، وَلَا رُجُوعٍ ، فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ رَأْسًا ، وَتَبْقَى الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً .
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ، وَاسْتِخْرَاجِ بَعْضِ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ ، وَالرُّجُوعُ فَسْخُ الْوَصِيَّةِ ، وَإِبْطَالُهَا ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ ، وَلِهَذَا شَرَطْنَا لِجَوَازِ النَّسْخِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ النَّاسِخُ مُتَرَاخِيًا عَنْ الْمَنْسُوخِ ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْقَرْضِ ) الْكَلَامُ فِيهِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ : فِي بَيَانِ رُكْنِ الْقَرْضِ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْقَرْضِ .
( أَمَّا ) رُكْنُهُ فَهُوَ الْإِيجَابُ ، وَالْقَبُولُ ، وَالْإِيجَابُ قَوْلُ الْمُقْرِضِ : أَقْرَضْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ ، أَوْ خُذْ هَذَا الشَّيْءَ قَرْضًا ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَالْقَبُولُ هُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَقْرِضُ : اسْتَقْرَضْتُ ، أَوْ قَبِلْتُ ، أَوْ رَضِيتُ ، أَوْ مَا يَجْرِي هَذَا الْمُجْرَى ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أُخْرَى : أَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الْإِيجَابُ .

( وَأَمَّا ) الْقَبُولُ فَلَيْسَ بِرُكْنٍ ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ : لَا يُقْرِضُ فُلَانًا ، فَأَقْرَضَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ ؛ لَمْ يَحْنَثْ ، عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَحْنَثُ .
( وَجْهُ ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقْرَاضَ إعَارَةٌ ؛ لِمَا نَذْكُرُ ، وَالْقَبُولُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِي الْإِعَارَةِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ مِثْلُ الْمُسْتَقْرَضِ ؛ فَلِهَذَا اُخْتُصَّ جَوَازُهُ بِمَا لَهُ مِثْلٌ ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ ، فَكَانَ الْقَبُولُ رُكْنًا فِيهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ : لَا يَسْتَقْرِضُ مِنْ فُلَانٍ ، فَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ ، فَلَمْ يُقْرِضْهُ ؛ أَنَّهُ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُوَ الِاسْتِقْرَاضُ ، وَهُوَ طَلَبُ الْقَرْضِ كَالِاسْتِيَامِ فِي الْبَيْعِ ، وَهُوَ طَلَبُ الْبَيْعِ ، فَإِذَا اسْتَقْرَضَ فَقَدْ طَلَبَ الْقَرْضَ ، فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ ؛ فَيَحْنَثُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : ، الْقَرْضِ وَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَأَنْوَاعٌ ، بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُقْرِضِ ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُقْرَضِ ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَرْضِ .
( أَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُقْرِضِ فَهُوَ أَهْلِيَّتُهُ لِلتَّبَرُّعِ ؛ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ ، مِنْ الْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ ، وَالصَّبِيِّ ، وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ، وَالْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لِلْمَالِ تَبَرُّعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ لِلْحَالِ ؛ فَكَانَ تَبَرُّعًا لِلْحَالِ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِمَّنْ يَجُوزُ مِنْهُ التَّبَرُّعُ ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ ؛ فَلَا يَمْلِكُونَ الْقَرْضَ .

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُقْرَضِ : فَمِنْهَا الْقَبْض ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ هُوَ الْقَطْعُ فِي اللُّغَةِ ، سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ قَرْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ طَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ ، وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ ؛ فَكَانَ مَأْخَذُ الِاسْمِ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلَاتِ ، وَالْمَوْزُونَاتِ ، وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ ، فَلَا يَجُوزُ قَرْضُ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ ، وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إيجَابِ رَدِّ الْعَيْنِ وَلَا إلَى إيجَابِ رَدِّ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ؛ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِيهِ رَدَّ الْمِثْلِ ؛ فَيَخْتَصُّ جَوَازُهُ بِمَا لَهُ مِثْلٌ .

وَلَا يَجُوزُ الْقَرْضُ فِي الْخُبْزِ - لَا وَزْنًا ، وَلَا عَدَدًا - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَجُوزُ عَدَدًا ، وَمَا قَالَاهُ هُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِتَفَاوُتٍ فَاحِشٍ بَيْنَ خُبْزٍ ، وَخُبْزٍ لِاخْتِلَافِ الْعَجْنِ ، وَالنُّضْجِ ، وَالْخِفَّةِ ، وَالثِّقَلِ فِي الْوَزْنِ ، وَالصِّغَرِ ، وَالْكِبَرِ فِي الْعَدَدِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَالْقَرْضُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ أَوْسَعُ جَوَازًا مِنْ الْقَرْضِ ، وَالْقَرْضُ أَضْيَقُ مِنْهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ وَلَا يَجُوزُ الْقَرْضُ فِيهَا فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ ؛ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ الْقَرْضُ أَوْلَى إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَحْسَنَ فِي جَوَازِهِ عَدَدًا ؛ لِعُرْفِ النَّاسِ ، وَعَادَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَتَرَكَ الْقِيَاسَ ؛ لِتَعَامُلِ النَّاسِ فِيهِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ رَوَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ يُقْرِضُونَ الرَّغِيفَ ، فَيَأْخُذُونَ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ ؟ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ .

وَيَجُوزُ الْقَرْضُ فِي الْفُلُوسِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْجَوْزِ ، وَالْبَيْضِ ، وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا ، فَكَسَدَتْ ؛ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - عَلَيْهِ قِيمَتُهَا .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي بَابِ الْقَرْضِ رَدُّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ ثَمَنًا ، وَقَدْ بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةَ بِالْكَسَادِ ، فَعَجَزَ عَنْ رَدِّ الْمِثْلِ ؛ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ رُطَبًا ، فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ ؛ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ ؛ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَدَّ الْمِثْلِ كَانَ وَاجِبًا ، وَالْفَائِتُ بِالْكَسَادِ لَيْسَ إلَّا وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ ، وَهَذَا وَصْفٌ لَا تَعَلُّقَ لِجَوَازِ الْقَرْضِ بِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ بَعْدَ الْكَسَادِ ابْتِدَاءً - ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ ثَمَنًا ، فَلَأَنْ يَجُوزَ بَقَاءُ الْقَرْضِ فِيهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الدَّرَاهِمِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْغِشُّ ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْفُلُوسِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَنْكَرَ اسْتِقْرَاضَ الدَّرَاهِمِ الْمُكَحَّلَةِ ، وَالْمُزَيَّفَةِ .
وَكَرِهَ إنْفَاقَهَا - ، وَإِنْ كَانَتْ تُنْفَقُ بَيْنَ النَّاسِ - لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْعَامَّةِ ، وَإِذَا نُهِيَ عَنْهَا .
وَكَسَدَتْ ؛ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ .

وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ جِيَادٌ ، فَأَخَذَ مِنْهُ مُزَيَّفَةً أَوْ مُكَحَّلَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةً ؛ جَازَ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِدُونِ حَقِّهِ ؛ فَكَانَ كَالْحَطِّ عَنْ حَقِّهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَرْضَى بِهِ ، وَأَنْ يُنْفِقَهُ - ، وَإِنْ بَيَّنَ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ - إذْ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرَرِ الْعَامَّةِ بِالتَّلْبِيسِ ، وَالتَّدْلِيسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْنَ النَّاسِ ؛ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ ، وَيُعَاقَبَ صَاحِبُهُ إذَا أَنْفَقَهُ ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ احْتِسَابٌ حَسَنٌ فِي الشَّرِيعَةِ

وَلَوْ اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ تِجَارِيَّةً ، فَالْتَقَيَا فِي بَلَدٍ لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى التِّجَارِيَّةِ ، فَإِنْ كَانَتْ تُنْفَقُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ ؛ فَصَاحِبُ الْحَقِّ بِالْخِيَارِ : إنْ شَاءَ انْتَظَرَ مَكَانَ الْأَدَاءِ ، وَإِنْ شَاءَ أَجَّلَهُ قَدْرَ الْمَسَافَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا ، وَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ نَافِقَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ ؛ بَقِيَتْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا كَانَتْ .
وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَ لَمْ يَرْضَ بِالتَّأْخِيرِ ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ ؛ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ تَأْخِيرِ حَقِّهِ ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِهِ كَمَنْ عَلَيْهِ الرُّطَبُ إذَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ ، أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ صَاحِبَهُ بَيْنَ التَّرَبُّصِ ، وَالِانْتِظَارِ لِوَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، وَبَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ لِمَا قَالُوا ، كَذَا هَذَا .
وَإِنْ كَانَ لَا يُنْفَقُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( وَأَمَّا ) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَرْضِ : فَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ جَرُّ مَنْفَعَةٍ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ ، نَحْوُ مَا إذَا أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ غَلَّةٍ ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ صِحَاحًا ، أَوْ أَقْرَضَهُ وَشَرَطَ شَرْطًا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ { نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا } ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَشْرُوطَةَ تُشْبِهُ الرِّبَا ؛ لِأَنَّهَا فَضْلٌ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ حَقِيقَةِ الرِّبَا ، وَعَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا وَاجِبٌ هَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْقَرْضِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ وَلَكِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ أَعْطَاهُ أَجْوَدَهُمَا ؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرِّبَا اسْمٌ لِزِيَادَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْعَقْدِ ، وَلَمْ تُوجَدْ ، بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ حُسْنِ الْقَضَاءِ ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - { : خِيَارُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً } .
{ وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ قَضَاءِ دَيْنٍ لَزِمَهُ - لِلْوَازِنِ : زِنْ ، وَأَرْجِحْ } .
وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ مَسْأَلَةُ السَّفَاتِجِ ، الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا التُّجَّارُ ، أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ يَنْتَفِعُ بِهَا بِإِسْقَاطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ ؛ فَتُشْبِهُ قَرْضًا جَرَّ نَفْعًا فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْرِضُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ بِالْكُوفَةِ ، وَهَذَا انْتِفَاعٌ بِالْقَرْضِ بِإِسْقَاطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ السَّفْتَجَةَ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِي الْقَرْضِ مُطْلَقًا ، ثُمَّ تَكُونُ السَّفْتَجَةُ ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

وَالْأَجَلُ لَا يَلْزَمُ فِي الْقَرْضِ - سَوَاءٌ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ - بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ ، وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا - أَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ .
أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ لِلْحَالِ .
وَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ ؛ فَلَوْ لَزِمَ فِيهِ الْأَجَلُ ؛ لَمْ يَبْقَ تَبَرُّعًا ؛ فَيَتَغَيَّرُ الْمَشْرُوطُ ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ - ، وَالثَّانِي - أَنَّ الْقَرْضَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْعَارِيَّةِ ، وَالْأَجَلُ لَا يَلْزَمُ فِي الْعَوَارِيّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْعَارِيَّةِ : أَنَّهُ لَا يَخْلُو ، إمَّا أَنْ يُسْلَكَ بِهِ مَسْلَكُ الْمُبَادَلَةِ - ، وَهِيَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ - أَوْ يُسْلَكَ بِهِ مَسْلَكُ الْعَارِيَّةِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِمِثْلِهِ نَسِيئَةً ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ عَارِيَّةً ؛ فَجُعِلَ التَّقْدِيرُ كَأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ انْتَفَعَ بِالْعَيْنِ مُدَّةً ، ثُمَّ رَدَّ عَيْنَ مَا قَبَضَ ، وَإِنْ كَانَ يَرُدُّ بَدَلَهُ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَجُعِلَ رَدُّ بَدَلِ الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْعَيْنِ - بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ - وَقَدْ يَلْزَمُ الْأَجَلُ فِي الْقَرْضِ بِحَالٍ ؛ بِأَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ ، إلَى سَنَةٍ ، فَإِنَّهُ يُنَفِّذُ وَصِيَّتَهُ ، وَيُقْرِضُ مِنْ مَالِهِ - كَمَا أَمَرَ - ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُطَالِبُوا قَبْلَ السَّنَةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا حُكْمُ الْقَرْضِ فَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُسْتَقْرِضِ فِي الْمُقْرَضِ لِلْحَالِ ، وَثُبُوتُ مِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ لِلْمُقْرِضِ لِلْحَالِّ ، وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ لَا يُمْلَكُ الْقَرْضُ بِالْقَبْضِ مَا لَمْ يُسْتَهْلَكْ .

حَتَّى لَوْ أَقْرَضَ كُرًّا مِنْ ، طَعَامٍ وَقَبَضَهُ الْمُسْتَقْرِضُ ، ثُمَّ إنَّهُ اشْتَرَى الْكُرَّ الَّذِي عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ جَازَ الْبَيْعُ ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ بَاعَ الْمُسْتَقْرِضَ الْكُرَّ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْكُرُّ ؛ فَكَانَ هَذَا بَيْعَ الْمَعْدُومِ ؛ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْكُرَّ الَّذِي فِي هَذَا الْبَيْتِ ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ كُرٌّ ، وَجَازَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا فِي ذِمَّتِهِ ؛ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْكُرَّ الَّذِي فِي الْبَيْتِ ، وَفِي الْبَيْتِ كُرٌّ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكُرُّ الْمُقْرَضُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ ؛ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ بِالْخِيَارِ : إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ هَذَا الْكُرَّ ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ كُرًّا آخَرَ .

وَلَوْ أَرَادَ الْمُقْرِضُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا الْكُرَّ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ ، وَأَرَادَ الْمُسْتَقْرِضُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَيُعْطِيَهُ كُرًّا آخَرَ مِثْلَهُ ؛ لَهُ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ أَنْ لَا خِيَارَ لِلْمُسْتَقْرِضِ ، وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ الْكُرِّ إذَا طَالَبَ بِهِ الْمُقْرِضُ ، وَعَلَى هَذَا فُرُوعٌ ذُكِرَتْ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ .
( وَجْهُ ) رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ : أَنَّ الْإِقْرَاضَ إعَارَةٌ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْأَجَلُ ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَلَزِمَ ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ .
وَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ ، وَالْوَصِيُّ ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ، وَالْمُكَاتَبُ ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَ الْمُعَاوَضَاتِ .

وَكَذَا إقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ لَا يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مُبَادَلَةً لَبَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ ، وَالصَّرْفُ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ .
وَكَذَا إقْرَاضُ الْمَكِيلِ لَا يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَبَطَلَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَكِيلِ بِمَكِيلٍ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ ؛ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ أَنَّ الْإِقْرَاضَ إعَارَةٌ ، فَبَقِيَ الْعَيْنُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمُقْرِضِ .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ بِنَفْسِ الْقَبْضِ صَارَ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْقَرْضِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُقْرِضِ بَيْعًا ، وَهِبَةً وَصَدَقَةً ، وَسَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ ، وَإِذَا تَصَرَّفَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُقْرِضِ ، وَهَذِهِ أَمَارَاتُ الْمِلْكِ .
وَكَذَا مَأْخَذُ الِاسْمِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْقَرْضَ قَطْعٌ ، فِي اللُّغَةِ ؛ فَيَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ مِلْكِ الْمُقْرِضِ بِنَفْسِ التَّسْلِيمِ .
( وَأَمَّا ) قَوْلُهُ : إعَارَةٌ ، وَالْإِعَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ لَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ ، فَنَعَمْ ، لَكِنْ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقِيَامِ عَيْنِهِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ صَارَ قَبْضُ الْعَيْنِ قَائِمًا مَقَامَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمَنْفَعَةُ فِي بَابِ " الْإِعَارَةُ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ " ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ ، فَكَذَا مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا ، وَهُوَ الْعَيْنُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57