كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني

رُكْنُ الرَّاهِنِ بِمُجَرَّدِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ : رَهَنْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ بِدَيْنِكَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرُّكْنُ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لِمَا أَثْبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِإِزَاءِ ذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ تَبَرُّعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لَا يَصِيرُ لَازِمًا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ كَالْهِبَةِ فَكَانَ الرُّكْنُ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ ، أَوْ تَصَدَّقَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَتَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ الرُّكْنُ فِي الْبَيْعِ الْإِيجَابَ ، وَالْقَبُولَ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِيجَابُ رُكْنًا ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِهِ يُوجَدُ ، وَرُكْنُ الشَّيْءِ مَا يُوجَدُ بِهِ الشَّيْءُ ، وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّةِ جَوَازِ الرَّهْنِ قَوْله تَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَرُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ } قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدٍ { تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ شَعِيرٍ } .
الرِّهَانُ جَمْعُ رَهْنٍ كَالْعِبَادِ ، وَالْجِبَالِ ، وَالْخِبَاثِ جَمْعِ عَبْدٍ وَجَبَلٍ وَخُبْثٍ ، ثُمَّ إنَّ الْمَشَايِخَ اسْتَخْرَجُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْكَامًا فَقَالُوا : فِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الرَّهْنِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ ، أَوْ لَا فَإِنَّ دِرْعَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ مُعَدًّا لِلْجِهَادِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَنَا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ أَنَّ مَا يَكُونُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ لَا يَجُوزُ

رَهْنُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ حَبْسِهِ عَنْ الطَّاعَةِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَإِنَّ رَهْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي حَالِ إقَامَتِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ إنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّفَرِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي الْفَصْلَ بَيْنَ الْوُجُودِ ، وَالْعَدَمِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّرْطَ حَقِيقَةً بَلْ ذِكْرُ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ فَإِنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ يَمِيلُونَ إلَى الرَّهْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إمْكَانِ التَّوَثُّقِ بِالْكِتَابِ ، أَوْ الشُّهُودِ وَالْغَالِبُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ ، وَالْمُعَامَلَةُ الظَّاهِرَةُ - مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِالرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ - دَلِيلُ جَوَازِهِ بِكُلِّ حَالٍ .
قَوْلُهُ : ( وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ ) يَعْنِي قَبْضًا مُسْتَمِرًّا إلَى فِكَاكِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ كَنَفْيِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ فَكَذَا هُنَا الْقَبْضُ شَرْطُ اللُّزُومِ لَا شَرْطُ الْجَوَازِ فَإِنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا بِالتَّسْلِيمِ كَالْهِبَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الْإِقْبَاضِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا .
وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ

الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ ، ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ : الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطَ اللُّزُومِ لَا شَرْطَ الْجَوَازِ كَمَا فِي الْهِبَةِ ، ثُمَّ يُكْتَفَى فِي الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى إنَّ عِنْدَهُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ ، أَوْ وَكِيلُهُ وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ ، وَالْمُرْتَهِنَ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُون الرَّهْنُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ وَبَعْدَ التَّرَاضِي لَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَقْبِضَهُ لِيَحْبِسَهُ رَهْنًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ .

قَوْلُهُ : ( فَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مَحُوزًا مُفْرَغًا مُمَيَّزًا تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اتِّصَافَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِلَازِمٍ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاتَّصَفَ بِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ يَتِمُّ فِيهِ ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا ؛ إذْ لَوْ وَقَعَ بَاطِلًا لَقَالَ صَحَّ فَلَمَّا قَالَ تَمَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بِدُونِهَا نَاقِصًا ، وَالْبَاطِلُ فَائِتُ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ ، وَالْفَاسِدُ مَوْجُودُ الْأَصْلِ فَائِتُ الْوَصْفِ وَقَوْلُهُ " مُحْرَزًا " احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ - بِدُونِ النَّخْلِ - وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ " مُفَرَّغًا " احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ النَّخْلِ بِدُونِ الثَّمَرَةِ وَرَهْنِ الْأَرْضِ بِدُونِ الزَّرْعِ ، وَقَوْلُهُ : مُمَيَّزًا احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ الْمُشَاعِ بِأَنْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ ، أَوْ ثُلُثَهُ ، قَوْلُهُ ( وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ ) لِأَنَّ اللُّزُومَ إنَّمَا هُوَ بِالْقَبْضِ ؛ إذْ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْوَثِيقَةُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ حُكْمًا وَالِاسْتِيفَاءُ حَقِيقَةً لَا يَكُونُ بِدُونِ الْقَبْضِ فَكَذَا الِاسْتِيفَاءُ حُكْمًا .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ أَمَانَةٌ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ ) .
قَوْلُهُ : مَضْمُونٍ وَقَعَ تَأْكِيدًا ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّيُونِ مَضْمُونَةٌ وَقِيلَ احْتَرَزَ عَنْ ضَمَانِ الدَّرَكِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَأَخَذَ مِنْ الْقَائِلِ رَهْنًا بِذَلِكَ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ لَمْ يَجُزْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : الرَّهْنُ بِالدَّرَكِ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّرَكِ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْحَظْرِ ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ بِذَلِكَ تَعَامُلًا وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ فِي الرَّهْنِ إيفَاءً ، وَفِي الِارْتِهَانِ اسْتِيفَاءً فَيَحْصُلُ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَالْبَيْعِ أَمَّا الْكَفَالَةُ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ وَالْتِزَامِ الْأَفْعَالِ تَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمَالِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ أَخَذَ رَهْنًا بِالدَّرَكِ وَقَبَضَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا الشَّيْءَ لِتُقْرِضَنِي كَذَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَرْضِ بِمُقَابَلَتِهِ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الْبَيْعِ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ : رَجُلٌ بَاعَ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَخَافَ الْمُشْتَرِي الِاسْتِحْقَاقَ فَأَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ إنْ أَدْرَكَهُ فِيهِ دَرَكٌ كَانَ بَاطِلًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَ الرَّهْنِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَمْ لَا ، وَإِنْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ وَلَيْسَ هُنَاكَ دَيْنٌ وَاجِبٌ وَلَا عَلَى شَرَفِ الْوُجُوبِ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ

الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ الرَّهْنَ لِيُقْرِضَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبَضَ الرَّهْنَ مِنْهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمُ الْعَشَرَةِ إلَى الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ حَصَلَ بَعْدَ الْقَرْضِ حُكْمًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ فَيُجْعَلُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ كَذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ : وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ ، أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا فَإِنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِتَعْجِيزِهِ لِنَفْسِهِ شَاءَ الْمَوْلَى ، أَوْ أَبَى لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَأَكِّدٍ .
وَفِي النِّهَايَةِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ .
وَقَدْ أُخِذَ عَلَى الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ ، وَالْمَغْصُوبِ وَلَا دَيْنَ فِيهَا وَيُجَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ قِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَعَلَى هَذَا هِيَ دُيُونٌ وَلِأَنَّ مُوجَبَ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إنْ أَمْكَنَ ، أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ دَيْنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : رَدُّ الْعَيْنِ أَصْلٌ ، وَالْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ ، وَالْعَيْنِ ، وَفِي شَرْحِهِ

مَا كَانَ مِنْ الْأَعْيَانِ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ جَازَ الرَّهْنُ بِهِ وَمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَالْمَضْمُونُ بِنَفْسِهِ مَا يَجِبُ بِهَلَاكِهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا ، وَأَمَّا مَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ضَمَانًا صَحِيحًا أَلَا تَرَى أَنَّ بِهَلَاكِهِ لَا يَجِبُ مِثْلُهُ وَلَا قِيمَتُهُ ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ فَيَصِيرُ كَمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فَإِنْ أَعْطَى رَهْنًا بِالْمَبِيعِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ ، وَإِنْ أَعْطَى الْمُؤَجِّرُ رَهْنًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ .
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ .
وَقَالَ زُفَرُ : الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ رُهِنَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الرَّهْنُ أَمَانَةٌ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ يَسْقُطُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ سَوَاءٌ قَلَّتْ قِيمَتُهُ ، أَوْ كَثُرَتْ ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَالدَّيْنُ أَلْفًا سَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عِنْدَنَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إذَا هَلَكَ بِغَيْرِ فِعْلِ الرَّاهِنِ ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ كُلَّهَا ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الرَّاهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا كَانَ الرَّهْنُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ

ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ .
( مَسْأَلَةٌ ) إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَيْهِ : أَنَا آخُذُهُ رَهْنًا فَإِنْ ضَاعَ عِنْدِي ضَاعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِنُ : نَعَمْ ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ ضَاعَ بِالْمَالِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقِيمَته وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا ) حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا إذَا رَهَنَ بِدَيْنٍ أَمَّا إذَا رَهَنَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، أَوْ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ ، أَوْ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْعَيْنِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ غُرْمُ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ الْعَيْنِ الَّتِي رَهَنَ بِهَا وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ وَلَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِضَمَانِ الْعَيْنِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الضَّمَانِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلضَّمَانِ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مِنْ الدَّيْنِ ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ : يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ يُوجِبُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ فَكَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ ثُمَّ اسْتَوْفَاهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهِبَةَ ، وَالْبَرَاءَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَا

ضَمَانًا عَلَى الْوَاهِبِ ، وَالْمُبْرِئِ لِأَجْلِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَمْ يَضْمَنْ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ ) سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ رَهَنَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُهَايَأَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ فَلَوْ جَازَ فِي الْمُشَاعِ يَفُوتُ الدَّوَامُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا قَالَ : رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَكَذَا مَا كَانَ فِي عِلَّةِ الْمُشَاعِ مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ كَرَهْنِ النَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ ، وَالْأَرْضِ دُونَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ عَلَى الْفَسَادِ فَهَلَكَ قَالَ الْكَرْخِيُّ يَهْلِكُ أَمَانَةً وَلَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ .
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : كُلُّ مَالٍ هُوَ مَحَلٌّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ إذَا رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ إذَا رُهِنَ رَهْنًا فَاسِدًا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِشَاعَةِ الطَّارِئِيَّةِ ، وَالْأَصْلِيَّةِ فِي مَنْعِ صِحَّةِ الرَّهْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ جَمِيعَ الْعَيْنِ ، ثُمَّ تَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ ، أَوْ يَبِيعَ الرَّاهِنُ ، أَوْ وَكِيلُهُ نِصْفَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، أَوْ يُسْتَحَقَّ نِصْفُهُ فَيَبْطُلَ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً

وَيَبْقَى النِّكَاحُ فِي حَقِّهَا بِأَنْ وُطِئَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ لِذَلِكَ الْوَطْءِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا بَقَاءً وَيَمْنَعُ صِحَّتَهَا ابْتِدَاءً وَلَنَا أَنَّ الْإِشَاعَةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الطَّارِئَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ يَقْبَلُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ فِيهَا الْمِلْكُ وَالْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَالْمِلْكُ يَقْبَلُ الشُّيُوعَ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ الرَّهْنِ .
قَوْلُهُ :

( وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ دُونَ النَّخْلِ وَلَا زَرْعٍ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ دُونَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوَرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الثَّمَرُ فِي رَهْنِ النَّخْلِ كَانَ فِي مَعْنَى رَهْنِ الْمُشَاعِ مِنْ أَنَّ دُخُولَ الثَّمَرِ فِي الرَّهْنِ لَا يَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ فِيهِ ضَرَرٌ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ هُنَاكَ فِي بَيْعِ النَّخْلِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي النَّخْلِ بِدُونِ الثِّمَارِ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ وَالْمُقَارِنَ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ أَرْضًا ، وَفِيهَا زَرْعٌ ، أَوْ نَخْلٌ ، أَوْ شَجَرٌ وَعَلَى الْأَشْجَارِ ثَمَرٌ .
وَقَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ وَالْكَرْمُ وَالرَّطْبَةُ وَالتَّمْرُ وَكُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا الصِّحَّةَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِدُخُولِ الْمُتَّصِلِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ بِدُونِهِ ، ثُمَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الثِّمَارِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ضَمِنَ وَلَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ ، أَوْ النَّخْلِ ، أَوْ الشَّجَرِ ، أَوْ النَّخْلَ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الثَّمَرِ ، أَوْ الثَّمَرَ

دُونَ الشَّجَرِ ، أَوْ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَلَوْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ دُونَ الْمَتَاعِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَعَ الْمَتَاعِ ، أَوْ بِدُونِ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا رَهَنَهُ الْحَانُوتَ ، وَفِيهِ الْمَتَاعُ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ ، أَوْ رَهَنَهُ الْجَوَالِقَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ .
وَإِنْ وَهَبَهُ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ دُونَ الدَّارِ ، أَوْ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الْجَوَالِقِ دُونَ الْجَوَالِقِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ صَحَّ الرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ ، وَالْوِعَاءِ وَيُمْنَعُ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ بِالْحِمْلِ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ التَّسْلِيمُ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ غَيْرُ مَشْغُولَةٍ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ ، أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ، ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ لِلنَّخْلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ ، أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ دَارًا وَهُمَا فِي جَوْفِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْكَ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ فِيهَا فَلَيْسَ بِمُسَلِّمٍ فَإِذَا خَرَجَ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ ، وَالْمُضَارَبَاتِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ ) فَإِنْ رَهَنَ بِهَا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالرَّهْنِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَإِنْ أَخَذَ بِهَا رَهْنًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ هَلَكَ أَمَانَةً وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ ضُمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ؛ رَهْنٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا ، وَرَهْنٍ فَاسِدٍ كَالرَّهْنِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، وَرَهْنٍ بَاطِلٍ كَالرَّهْنِ بِالْأَمَانَاتِ ، وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا وَبِالدَّرَكِ فَالصَّحِيحُ ، وَالْفَاسِدُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الضَّمَانُ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ ، وَالْفَاسِدِ ، وَالْبَاطِلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُغَنِّيَةً ، أَوْ نَائِحَةً وَأَعْطَاهَا بِالْأَجْرِ رَهْنًا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ فِي يَدِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَمَانٌ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ ، وَالْأَجْرَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَالرَّهْنُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مَضْمُونٌ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَأَعْطَاهَا رَهْنًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَبْقَى رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ ) فَإِنْ رَهَنَ بِرَأْسِ مَالٍ السَّلَمِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ وَالسَّلَمُ جَائِزٌ بِحَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ بِالْبَاقِي ، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ هَلَكَ بِرَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ بُطْلَانِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَنْقَلِبُ السَّلَمُ جَائِزًا ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا ، ثُمَّ هَلَكَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ بِالْبَاقِي وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ ) لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْمُرْتَهِنِ فَمَلَكَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِغَيْرِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَا الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ الْمِلْكِ فَلَا يَقْبِضُ إلَّا بِرِضَاهُ .
قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْعَدْلُ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ) لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدٌ لِلْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَكُون مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ وَالتَّسْلِيطُ عَلَى وَجْهَيْنِ تَسْلِيطٌ مَشْرُوطٌ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَتَسْلِيطٌ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِهِ فَلَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْضًا بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْعَدْلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا يَمُوتُ أَحَدُهُمَا ، وَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَصِيَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ مِنْ بَيْعِهِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ بَطَلَ التَّسْلِيطُ وَلَيْسَ لِوَصِيِّهِ وَلَا لِوَارِثِهِ بَيْعُهُ ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيطُ بَعْدَ عَقْدِ

الرَّهْنِ فَلِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَكَالَاتِ ، وَإِنْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ ، وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَمَنَهُ عَنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ أَيْضًا بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَيُوَفِّي الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَبِيعُهُ بِالنَّقْدِ هـ ، أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَلَوْ قَبَضَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الرَّهْنِ فَكَانَ هَلَاكُهُ كَهَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَدْلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي تَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الرَّهْنَ فِي يَدِهِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ .

قَوْلُهُ : ( وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا ) مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ دُونَ الْجَوْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِقَدْرِ وَزْنِهِ لِأَنَّ عِنْدَهُ حَالَةُ الْهَلَاكِ حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَا حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ ، وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجَوْدَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : حَالَةُ الْهَلَاكِ أَيْضًا حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالرَّاهِنِ ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا كَانَ ضَرَرٌ لَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِيفَاءُ هَذَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ أَمَّا فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هِيَ حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ لَا حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالدَّيْنِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتْرُكَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنَ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ الْجَوْدَةِ ؛ لِأَنَّهُ رِبًا فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَكَذَا حَالَةُ الِانْكِسَارِ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَكَذَا حَالَةُ الِانْكِسَارِ .
بَيَانُهُ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَته عَشَرَةٌ

فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَمِثْلُ وَزْنِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَوَزْنُهُ مِثْلُ دَيْنِهِ وَعِنْدَهُمَا الِاسْتِيفَاءُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَصَارَ تِبْرًا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا فَيَكُونُ رَهْنًا مَقَامَهُ فَيَكُونُ الْمَكْسُورُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِمَا ضَمِنَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا وَيَكُونُ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَهُمَا يَقُولَانِ : الْقُلْبُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِذَا انْكَسَرَ ضَمِنَ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْقَلْبِ الْمَغْصُوبِ إذَا انْكَسَرَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً وَوَزْنُهُ عَشَرَةً وَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِيفَاءُ بِالْوَزْنِ ، وَفِيهِ وَفَاءٌ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِالْوَزْنِ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ وَلَا يُمْكِنُ أَيْضًا اعْتِبَارُ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقِيمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ .
وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ذَهَبًا إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَضْمُونٌ ، وَالِانْكِسَارُ يَنْقُصُهُ وَلَا يُسْتَدْرَكُ حَقُّ الرَّاهِنِ إلَّا بِالتَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُنَا أَنْ نَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ بِوَزْنِهِ تَضَرَّرَ الْمُرْتَهِنُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَجْعَلَهُ بِقِيمَتِهِ لِمَا فِيهِ الرِّبَا بِخِلَافِ الْأَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ ثَمَانِيَةً وَقِيمَتُهُ سِتَّةً وَهُوَ رُهِنَ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ

هَلَكَ فَبِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ يَنْقُصُهُ وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْبِرَهُ فِي التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ أَدْوَنَ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً وَوَزْنُهُ كَذَلِكَ فَهَلَكَ هَلَكَ بِوَزْنِهِ إجْمَاعًا ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَانِيَةٍ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهَا وَزْنًا وَجَوْدَةً ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ تِسْعَةً أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ هَلَكَ بِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِحَقِّ الرَّاهِنِ حَتَّى لَا يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَضْمُونٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى الرَّاهِنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَيَجُوزَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَوَزْنُهُ عَشَرَةً وَهُوَ رُهِنَ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْجَوْدَةُ الزَّائِدَةُ أَمَانَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُ .
وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهَا هُنَا ؛ لِأَنَّهَا فَاضِلَةٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ أَمَانَةٌ ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ مَضْمُونَةٌ كَالْوَزْنِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِ يَهْلِكُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ وَسُدُسُهُ عَلَى الْأَمَانَةِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ، وَإِنْ انْكَسَرَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَانْتَقَصَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ .
وَقَالَ أَبُو

يُوسُفَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمُنْكَسِرِ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَيَكُونُ مَا ضَمِنَ مَعَ سُدُسِ الْمُنْكَسِرِ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَشِيعُ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ ، وَالْمَضْمُونُ مِنْ وَزْنِ الْقُلْبِ قَدْرُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ جَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ يَبْلُغُ قِيمَةَ عَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ إذَا كَانَ عَشَرَةً ، وَالْقِيمَةُ اثْنَيْ عَشَرَ كَانَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي هِيَ الدَّيْنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ اثْنَيْ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ سُدُسٍ اثْنَانِ فَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ عَشَرَةً مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الْوَزْنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ سُدُسُهُ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ عَشَرَةٍ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَيُمَيَّزُ السُّدُسُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا مُيِّزَ كَيْ لَا يَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي سُوِّيَ فِيهَا بَيْنَ الْإِشَاعَةِ الطَّارِئِيَّةِ ، وَالْأَصْلِيَّةِ ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الطَّارِئِيَّةَ لَا تُبْطِلُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْأَمَانَةُ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ دِرْهَمَيْنِ ، أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ يُصْرَفُ إلَى الْجَوْدَةِ ، وَالْأَمَانَةِ ، وَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ عِنْدَهُ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِثْلَ دَيْنِهِ فَأَنْفَقَهُ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) يَعْنِي عَلِمَ بَعْدُ أَمَّا لَوْ عَلِمَ حَالَةَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَرُدَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ إذَا عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهَا فَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدْ الْقَبْضَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ : فَلَا شَيْءَ لَهُ يَعْنِي إذَا كَانَ مَا قَبَضَهُ مِثْلَ وَزْنِهِ وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْجِيَادَ مِنْ الزُّيُوفِ فَيَكُونُ كَالرَّهْنِ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ ) ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمٌ فَأَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِرْهَمٌ جَازَ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ لَهُ دِينَارٌ فَأَعْطَاهُ دِينَارَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِينَارٌ فَأَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ رَهْن عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَضَى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِيَ الدَّيْنِ ) لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : رَهَنْتُهُمَا بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ .
وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ .

قَوْلُهُ : ( فَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ ، أَوْ الْعَدْلَ ، أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلُ بَيْعِ مَالِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ شَرَطَ الْوَكَالَةَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ عَنْهَا فَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ ) لِأَنَّهُ لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، وَفِي عَزْلِهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ يَطْلُبُ الْمُدَّعَى وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يُعْمَلْ نَهْيُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنْعَزِلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ ، وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ غَيْرُهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَنْعَزِلْ ) لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ بِمَا يَبْطُلُ بِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ .
قَوْلُهُ :

" ( وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ ) لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ ، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ أُمِرَ بِإِحْضَارِهِ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ ، وَالْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ ) لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ ، وَإِنْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا قَضَاهُ الدَّيْنَ قِيلَ لَهُ سَلِّمْ الرَّهْنَ إلَيْهِ ) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ إلَى مَنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ الرَّاهِنُ ، أَوْ الْمُتَطَوِّعُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجِبُ رَدُّهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ

الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ : يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ لَا بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَكَذَا إذَا كَانَ مُصْحَفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ دُونَ الِانْتِفَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَيُعِيرَ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ ) لِأَنَّ الرَّاهِنَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ لَازِمٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْقُوفًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ جَازَ ) لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا ) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ وَتَصَرُّفُهُ صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ ، وَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ ، وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا هَذَا .
وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فَإِنْ فَسَخَهُ لَا يَنْفَسِخُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ؛ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِذَا افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ

يَنْفُذْ ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَازَ الثَّانِي وَإِنْ بَاعَ الرَّاهِنُ ، ثُمَّ آجَرَ ، أَوْ رَهَنَ ، أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ حَظٌّ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَالْهِبَةُ لَا بَدَلَ لَهَا وَكَذَا الرَّهْنُ أَيْضًا لَا بَدَلَ لَهُ وَاَلَّذِي فِي الْإِجَازَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلُ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ .
ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ لَا يَعُودُ الرَّهْنُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ، ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ حَقِّهِ فَلَمْ يَزُلْ حُكْمُ الرَّهْنِ وَهُنَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالرَّهْنِ وَقَدْ تَحَقَّقَ زَوَالُ مِلْكِ الرَّاهِنِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ زَالَ حَقُّهُ مِنْ الرَّهْنِ فَإِذَا فَسَخَ لَا يَعُودُ ، وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، ثُمَّ فَسَخَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ ) وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُعْتَقُ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوسِرًا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَهُ أَيْضًا وَيُسَلِّمُ قِيمَتَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْنَعُ نَفَاذَ الْعِتْقِ كَالنِّكَاحِ ، وَالْكِتَابَةِ ، وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ ، أَوْ أَمَتَهُ ، أَوْ كَاتَبَهُمَا ، أَوْ آجَرَهُمَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ عِتْقِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يُعْتَقُ وَتَبْقَى الْإِجَارَةُ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَقْبَلُهَا أَمَّا الرَّهْنُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْحُرُّ فَلَا يَبْقَى ، ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ فَلَمَّا لَمْ يُمْنَعْ الْأَعْلَى لَا يُمْنَعُ الْأَدْنَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ) لِأَنَّ عَلَيْهِ إقَامَةَ غَيْرِ الرَّهْنِ مَقَامَهُ وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ ذَلِكَ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَطُولِبَ بِالدَّيْنِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ ) لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ

وَرَدَّ الْفَضْلَ ( .
قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي ) الْأَقَلِّ مِنْ ( قِيمَتِهِ ) وَمِنْ الدَّيْنِ ( فَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ ) هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ بِإِذْنِهِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ سُلِّمَتْ لَهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الضَّمَانِ مِنْ الرَّهْنِ لَزِمَ الْعَبْدَ مَا سُلِّمَ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا الْعَبْدُ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ رَقَبَتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الرَّهْنِ ، وَإِلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعِتْقِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَيْسَرَ بِمَا سَعَى وَلَيْسَ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ رُجُوعٌ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا يَسْعَى إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَإِذْ سَعَى فَحُكْمُهُ فِي سِعَايَتِهِ حُكْمُ الْحُرِّ .
وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا حَالَ الْعِتْقِ أَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَالَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلسِّعَايَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعِتْقِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ وَقْتَ الرَّهْنِ مِائَةٌ ، ثُمَّ ازْدَادَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَى فِي مِائَةٍ قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الرَّهْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَته وَقْتَ الرَّهْنِ مِائَةً ثُمَّ انْتَقَصَتْ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَتْ خَمْسِينَ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَعَى فِي

خَمْسِينَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ فِي مَالِيَّتِهِ بِالْعَتَاقِ هَذَا الْقَدْرَ فَلَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ مِمَّا حُبِسَ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ خَمْسِينَ وَقِيمَة الْعَبْدِ مِائَةً فِي الْحَالَيْنِ سَعَى فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَلَكِنْ دَبَّرَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ كَمَا يَخْرُجُ بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ ، ثُمَّ إذَا صَحَّ التَّدْبِيرُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِدَيْنِهِ - إنْ شَاءَ - الْعَبْدَ .
وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنَ ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ، أَوْ مُعْسِرًا وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِمَوْلَاهُ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَوْلَى بِجَمِيعِ دَيْنِهِ فَكَذَا الْمُدَبَّرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُطَّلَبٌ بِالدَّيْنِ وَأَكْسَابُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمْوَالِهِ فَلَا تَخْتَصُّ الْمُطَالَبَةُ بِبَعْضِ أَمْوَالِهِ دُونَ بَعْضٍ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الْيَسَارِ ، وَالْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُدَبَّرُ بِمَا سَعَى عَلَى مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهُ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِنَفْسِهِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ ، وَالْعِتْقِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي الْعِتْقِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا تَجِبُ السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَفِي التَّدْبِيرِ تَجِبُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَالثَّانِي أَنَّ فِي الْعِتْقِ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا سَعَى عَلَى الرَّاهِنِ ، وَفِي التَّدْبِيرِ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِعَايَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَرْجِعُ ، وَفِي الْإِعْتَاقِ خَرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ سِعَايَتُهُ لِلرَّاهِنِ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ الِاسْتِيلَادُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَتَسْعَى فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ كَالْمُدَبَّرِ ؛

لِأَنَّ أَكْسَابَهَا لِمَوْلَاهَا وَلَا تَرْجِعُ بِمَا سَعَتْ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ كَسْبَهَا مَالٌ لِلْمَوْلَى .

قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ) ضَمِنَهُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فَيَكُونَ رَهْنًا .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ فَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ ) وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الزَّائِدَةِ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ يَوْمُ الْقَبْضِ لَا يَوْمُ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَإِذَا ضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ الْقِيمَةَ وَكَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا كَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَكَانَ الضَّمَانُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اُقْتُضِيَ مِنْهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ طَالَبَ بِدَيْنِهِ ، أَوْ يَبِيعُ الْقِيمَةَ .

( قَوْلُهُ : وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ مُزِيلٌ لِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَمَّا جَنَى عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا ) يَعْنِي إذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي وَلِأَنَّهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ غَاصِبٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَإِذَا ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ كَانَ لَهُ الْمُقَاصَّةُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ .

قَوْلُهُ : ( وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى أَمْوَالِهِمَا هَدَرٌ ) أَمَّا عَلَى الرَّاهِنِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ إذَا كَانَتْ تُوجِبُ الْمَالَ فَهَدَرٌ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقَوَدَ أُخِذَ بِهَا الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ مَوْلَاهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي نَفْسِهِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ هَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّا لَوْ أَثْبَتْنَاهَا احْتَجْنَا إلَى إسْقَاطِهَا ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَعِنْدَهُمَا تَثْبُتُ الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَمْ لَا فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَبْطَلَ الرَّهْنَ وَدَفَعَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ قَالَ : لَا أَبْغِي الْجِنَايَةَ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ يَثْبُتُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَيَصِيرُ كَعَبْدِ الْوَدِيعَةِ إذَا جَنَى عَلَى الْمُودَعِ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ عَلَى طَرِيقِ الرَّهْنِ وَأَمَّا إذَا جَنَى فِي مَالٍ الْمُرْتَهِنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ هَدَرٌ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ لَحِقَهُ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ شَيْءٍ يَعُودُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ تَثْبُتُ فِي مِقْدَارِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا أَفْسَدَ الرَّاهِنُ مَتَاعًا لِلْمُرْتَهِنِ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَقِيمَة الرَّهْنِ أَلْفَانِ وَهُوَ رُهِنَ بِأَلْفٍ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَةِ الْمَتَاعِ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ قَضَى عَنْهُ نِصْفَ ذَلِكَ وَكَانَ نِصْفُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ كَرِهَ بَيْعَ الْعَبْدِ فِي

ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ نِصْفَهُ وَالرَّاهِنُ نِصْفَهُ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى قَضَاءَ قِيمَةِ الْمَتَاعِ قِيلَ لَهُ : اقْضِ نِصْفَهُ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْأَمَانَةِ تَامَّةٌ وَحِصَّةَ الْمَضْمُونِ نَاقِصَةٌ فَإِنْ قَضَى الْمَوْلَى النِّصْفَ زَالَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ وَبَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِحَالِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقَوَدَ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ دَيْنُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَلِفَ بِسَبَبٍ فِي يَدِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَأُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ) وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَافِظِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي ضَمَانِهِ فَإِنْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِ الرَّهْنِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ إذَا شَرَطَ الْمُودِعُ لِلْمُودَعِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِهَا فَلَهُ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ فِي الْكَرْخِيِّ : الْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسُ ذَلِكَ كُلِّهِ .
قَوْلُهُ : ( وَأُجْرَةُ الرَّاعِي عَلَى الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِزِيَادَةِ الْحَيَوَانِ وَنَمَائِهِ فَصَارَ كَنَفَقَتِهِ ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْمَأْوَى ، وَالْمَرِيضِ وَأُجْرَةُ الْحَارِسِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ .

قَوْلُهُ ( وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ) بِخِلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا بِرَغِيفٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَكَلَ الْعَبْدُ الرَّغِيفَ صَارَ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا لِلثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ دَابَّةً بِقَفِيزِ شَعِيرٍ فَأَكَلَتْ الدَّابَّةُ الشَّعِيرَ لَمْ يَصِرْ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا ، وَنَفَقَةَ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } يَعْنِي لِلرَّاهِنِ غُنْمُهُ : مَنَافِعُهُ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ : نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَالْمُؤَجِّرِ وَكَذَا إذَا مَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ حَيَوَانًا فَعَلَفُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ فَأُجْرَةُ الظِّئْرِ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا سَقْيُ الشَّجَرِ وَتَلْقِيحُ النَّخْلِ وَجَذَاذُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ أَمْ لَا فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَإِنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، أَوْ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ ، وَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ ، وَإِنْ أَصَابَ الرَّقِيقَ جِرَاحَةٌ ، أَوْ مَرَضٌ ، أَوْ دُبِرَتْ الدَّابَّةُ فَإِصْلَاحُ ذَلِكَ وَدَوَاؤُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ

فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِالْحِسَابِ .

قَوْلُهُ ( وَنَمَاؤُهُ لِلرَّاهِنِ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ ) يَعْنِي إنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَهُ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عِنْدَ الرَّاهِنِ وَالنَّمَاءُ مِثْلُ اللَّبَنِ ، وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ وَثِمَارِ الشَّجَرِ وَالنَّخِيلِ فَأَمَّا غَلَّةُ الدَّارِ وَأُجْرَةُ الْعَبْدِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الرَّهْنِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِهِ كَمَا لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ كَسْبًا ، أَوْ وُهِبَ لَهُ هِبَةٌ فَإِنْ آجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ لَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ) يَعْنِي النَّمَاءَ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ ) ، وَإِنَّمَا قُسِمَ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَهُ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ النَّمَاءِ يَوْمَ الِانْفِكَاكِ ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ قَبْلَ الْفِكَاكِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَبِالْفِكَاكِ يُضْمَنُ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ هَلَاكِ الْأُمِّ حَتَّى مَاتَ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَصَارَ الْوَلَدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ قَبْلَ الْفِكَاكِ .
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ : رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً تُسَاوِي عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَوَلَدَتْ ، ثُمَّ هَلَكَتْ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمَ رُهِنَتْ وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ عَشَرَةً هَلَكَتْ الشَّاةُ بِحِصَّتِهَا وَهُوَ نِصْفُ الدَّيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَإِنْ ازْدَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ هَلَاكِ الْأُمِّ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي

عِشْرِينَ بَطَلَتْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ وَتَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ كَانَتْ ثَلَاثَةً وَثُلُثًا وَلَوْ صَارَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ ثَلَاثِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ الرُّبُعُ وَلَوْ انْتَقَصَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ خَمْسَةً تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ رَهَنَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا ، ثُمَّ مَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ افْتِكَاكَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِائَةً ، وَقِيمَةُ الْأُمِّ خَمْسِينَ ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ عِشْرِينَ فَإِنَّك تَقْسِمُ الدَّيْنَ عَلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْبَاعِهِ أَيْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْمِائَةِ وَهُوَ أَحَدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ - وَهُوَ سُبُعَانِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ - افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَقِيمَة الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ خَمْسَةً وَقِيمَة الْأَصْلِ عَشَرَةً فَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ الزِّيَادَةَ بِثُلُثِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ عِشْرِينَ وَقِيمَة الْأَصْلِ عَشَرَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً فَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ الزِّيَادَةَ بِثُلُثَيْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ مِنْ قِيمَتِهَا عَشَرَةٌ ، وَالْوَلَدُ يُسَاوِي عَشَرَةً لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ .

قَوْلُهُ : ( وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ ) وَهَذَا عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا تَجُوزُ فَإِذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا - وَالدَّيْنُ أَلْفٌ - يُقْسَمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا يَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ ، وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا سُدُسُ الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ نُقْصَانُ قِيمَةِ الْأَوَّلِ فِي السِّعْرِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَبْضِ فَالْمُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ نَقَصَ الْأَصْلُ فِي يَدِهِ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ فَإِنْ زَادَهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ رَهْنًا آخَرَ قَسَمْتَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى قِيمَةِ الْبَاقِي مِنْهُ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ وَكَانَ الدَّيْنُ فِيهِمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ كَرَجُلٍ رَهَنَ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ ، ثُمَّ اعْوَرَّتْ فَزَادَهُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْ ذَهَبَ بِاعْوِرَارِهَا نِصْفُ الدَّيْنِ وَبَقِيَ فِيهَا خَمْسُمِائَةٍ مَقْسُومَةٌ عَلَى قِيمَتِهَا عَوْرَاءَ وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ ثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ إنْ هَلَكَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْعَوْرَاءُ ذَهَبَ بِهَلَاكِهَا ثُلُثُ خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ ذَهَبَ بِالْعَوَرِ خَمْسُمِائَةٍ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا تَجُوزُ فِي الدَّيْنِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : لَا تَجُوزُ فِيهِمَا وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : هُوَ جَائِزٌ فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ وَزُفَرُ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَقَالَ : لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا فَقَالَا زِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَى

الرَّهْنِ جَائِزَةٌ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرَّهْنِ تُؤَدِّي إلَى شُيُوعِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَهَنَ بِنِصْفِ الدَّيْنِ رَهْنًا جَازَ وَشُيُوعُ الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ فَافْتَرَقَا وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ إذَا رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُون الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ خَاصَّةً وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالْأَلْفِ الْأَوَّلِ وَلَا يَهْلِكُ بِأَلْفَيْنِ وَكَذَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِمِائَةٍ وَقِيمَته مِائَتَانِ ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مِائَةً أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُون الْعَبْدُ رَهْنًا بِالدَّيْنَيْنِ ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ وَالْفَضْلُ مِنْ الْعَبْدِ أَمَانَةٌ وَيَبْقَى الدَّيْنُ الثَّانِي بِلَا رَهْنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ جَائِزَةٌ وَيَسْقُطُ بِمَوْتِهِ الدَّيْنَانِ جَمِيعًا .

( قَوْلُهُ : وَإِذَا رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْهِبَةِ الْمِلْكُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ مِلْكًا لِهَذَا وَمِلْكًا لِهَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكًا لِلنِّصْفِ فَيَحْصُلَ قَبْضُهُ فِي مُشَاعٍ فَلَا تَصِحَّ الْهِبَةُ ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْوَثِيقَةُ لَا الْمِلْكُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ جَمِيعُ الرَّهْنِ وَثِيقَةً لِهَذَا وَجَمِيعُهُ وَثِيقَةً لِهَذَا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْإِشَاعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةُ دَيْنِهِ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ كَانَتْ كُلُّهَا رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا رَهْنٌ وَاحِدٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ صَاحِبِهِ اسْتَرَدَّ مِنْ الدَّيْنِ قَضَاءَ مَا أَعْطَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي يَدِ الْآخَرِ فَحُكْمُ الرَّهْنِ بَاقٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالرَّهْنِ مِنْ وَاحِدٍ إذَا اسْتَوْفَى دَيْنَهُ ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا ، أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا مَكَانَهُ ) أَمَّا جَوَازُ شَرْطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي بِهِ رَهْنٌ أَوْثَقُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ فَصَارَ ذِكْرُ ذَلِكَ صِفَةً فِي الثَّمَنِ وَشَرْطُ صِفَاتِ الثَّمَنِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَهَذَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيَّنْ الرَّهْنُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلِهَذَا شَرَطَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ وَلَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا مَجْهُولًا وَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ : فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ هَذَا قَوْلُنَا .
وَقَالَ زُفَرُ يُجْبَرُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ وَلَنَا أَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَلَا إجْبَارَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيُخَيَّرُ لِفَوَاتِهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ فَقَالَ لِلْبَائِعِ : أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ فَالثَّوْبُ رَهْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى وَقْتِ الْإِعْطَاءِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ لَا يَكُونُ رَهْنًا بَلْ يَكُونُ وَدِيعَةً ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ فَيُقْضَى بِأَقَلِّهِمَا ثُبُوتًا وَهِيَ

الْوَدِيعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك ، أَوْ بِمَالِك فَإِنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا : لَمَّا مَدَّهُ إلَى الْإِعْطَاءِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ .

( قَوْلُهُ : وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ ) يَعْنِي وَلَدَهُ الْكَبِيرَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ ، وَالْمُرَادُ بِخَادِمِهِ هُوَ الْحُرُّ الَّذِي أَجَرَ نَفْسَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ حَفِظَهُ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ ، أَوْ أَوْدَعَهُ ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ غَيْرُ أَيْدِيهِمْ فَصَارَ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَهَلْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُودَعَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا وَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ فَإِنْ ضَمَّنَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُودِعِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ ضَمَّنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ ) لِأَنَّهُ بِالتَّعَدِّي خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ بِالْإِذْنِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ ، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي فَإِنْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ بِالْحِفْظِ وَهَذَا لَيْسَ بِحِفْظٍ ، وَالْيُمْنَى ، وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً فَكَانَ حِفْظًا لَا لُبْسًا وَكَذَا الثَّوْبُ إنْ لَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ ، وَإِنْ جَعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ إنْ كَانَ مِمَّنْ عَادَتُهُ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَجَمَّلُ بِهِ فَهُوَ حَافِظٌ فَلَا يَضْمَنُ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَقَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ ) لِأَنَّهُ بِاسْتِعَارَتِهِ وَقَبْضِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَزَالَ الْقَبْضَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ .
قَوْلُهُ : ( وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ ) يَعْنِي بِغَيْرِ اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَارِيَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَبَقِيَ الرَّهْنُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ - وَالرَّهْنُ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ - فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ الرَّهْنِ فِي الْحَالِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الرَّاهِنِ أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا .
وَإِنْ اسْتَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَبَقَاءِ يَدِ الرَّاهِنِ فَعَادَ ضَمَانُهُ وَإِنْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ وَهِيَ حَادِثَةٌ بَعْدَ زَوَالِ قَبْضِ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ ، أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ فَإِنْ سَمَّى لَهُ قَدْرًا

مِنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ وَكَذَا إذَا سَمَّى لَهُ صِنْفًا مِنْ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِصِنْفٍ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَضْمُونًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَتَّى إذَا هَلَكَ رَجَعَ بِهِ فَإِذَا جَعَلَهُ مَضْمُونًا بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ مِنْ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ مَالِهِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَلِأَنَّ الْمُعِيرَ يَتَوَصَّلُ إلَى أَخْذِ عَارِيَّتِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا أَذِنَ فِي مِقْدَارٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَيَعْجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فَإِنْ رَهَنَهُ بِغَيْرِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَدْرِ ، أَوْ الصِّنْفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيَفْسَخَ الرَّهْنَ وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهَا .
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ ارْهَنْهُ بِالْكُوفَةِ فَرَهَنَهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ مُخَالِفٌ ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ رَهَنَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَعَارَهُ غَيْرَ مُخَالِفٍ ضَمِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ قَدْرَ مَا سَقَطَ عَنْهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى دَيْنَهُ مِنْهُ بِأَمْرِهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا وَفَّى وَلَا يَلْزَمُهُ

أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْمُعِيرُ مُتَطَوِّعٌ فِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُسْتَعِيرُ عَنْ فِكَاكِ الرَّهْنِ فَافْتَكَّهُ مَالِكُهُ رَجَعَ بِمَا كَانَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُهُ إذَا أَعَارَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَتَيْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ بِمِائَتَيْنِ رَجَعَ بِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا إذَا اقْتَضَى بِنَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ .
( فَصْلٌ ) قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ : إذَا آجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَكَذَا إذَا أَجَرَهُ الرَّاهِنُ مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَأَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ ، أَوْ أَجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَهُ الرَّاهِنُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ وَخَرَجَ الْمَرْهُونُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهَا كَانَ إبْطَالًا لِلرَّهْنِ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُؤَجِّرَ الرَّهْنَ فَإِنْ آجَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ كَانَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إلَى وَقْتِ الْهَلَاكِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ الرَّهْنُ وَاسْتَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ، أَوْ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ

الْمُرْتَهِنِ ، أَوْ آجَرَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ، ثُمَّ أَجَازَهَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَوِلَايَةُ قَبْضِهَا إلَى الْعَاقِدِ وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّهْنَ فَإِنْ رَهَنَهُ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ ) لِأَنَّ وَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ ) هَذَا إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ صِغَارًا أَمَّا إذَا كَانُوا كِبَارًا فَهُمْ يَخْلُفُونَ الْمَيِّتَ فِي الْمَالِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ تَخْلِيصُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْحَجْرِ ) .
الْحَجْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَجَرُ حَجَرًا لِصَلَابَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ عَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجَرًا ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْبَيْتِ ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَقُومُ الْغَيْرُ فِيهِ مَقَامَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ ) أَرَادَ بِالْمُوجِبَةِ الْمُثْبِتَةَ .
قَوْلُهُ : ( الصِّغَرُ ، وَالرِّقُّ ، وَالْجُنُونُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيّه ) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ وَتَفْسِيرُ الْعَاقِلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَبِيعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الثَّمَنُ ، وَالْمُثَمَّنُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي شَاهَانْ : وَمِنْ عَلَامَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ إذَا أَعْطَى الْحَلْوَانِيَّ فُلُوسًا فَأَخَذَ الْحَلْوَى وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : أَعْطِنِي فُلُوسِي فَهَذَا عَلَامَةُ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ ، وَإِنْ أَخَذَ الْحَلْوَى وَذَهَبَ وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْفُلُوسَ فَهُوَ عَاقِلٌ .
قَوْلُهُ : .

( وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ) كَيْ لَا تُمْلَكَ رَقَبَتُهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ وَبِالْإِذْنِ رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ بِحَالٍ ) أَيْ سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَمْ لَا ، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يُفِيقُ أَصْلًا أَمَّا إذَا كَانَ يُفِيقُ وَيَعْقِلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَتَصَرُّفُهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ جَائِزٌ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا ، أَوْ اشْتَرَاهُ ) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ } وَالْمُرَادُ الْأَخَوَانِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ ، وَالْمَجْنُونَ الَّذِي لَا يُفِيقُ .
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ ) أَيْ لَيْسَ بِهَازِلٍ وَلَا خَاطِئٍ فَإِنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ .
قَوْلُهُ : ( فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ ) يَحْتَرِزُ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَإِنْ قِيلَ : التَّوَقُّفُ عِنْدَكُمْ فِي الْبَيْعِ أَمَّا الشِّرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ النَّفَاذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ .
قُلْنَا : نَعَمْ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا فِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ النَّفَاذُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ، أَوْ لِضَرَرِ الْمَوْلَى فَأَوْقَفْنَاهُ قَوْلُهُ ( وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ ) يُرِيدُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ، وَالْمَأْذُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَمَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا يُؤَاخَذُ فِي الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ كَمَا يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ سُلِّمَ مِنْهُ لَلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ وَالصَّبِيُّ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ .
قَوْلُهُ : ( دُونَ الْأَفْعَالِ ) لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا مَرَدَّ لَهَا لِوُجُودِهَا حِسًّا وَمُشَاهَدَةً بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالشَّرْعِ ، وَالْقَصْدِ مِنْ شَرْطِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ ،

وَالْقِصَاصِ فَيُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ وَإِنَّمَا لَمْ تُوجِبْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْحَجْرَ فِي الْأَفْعَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَصِحُّ مِنْهُمْ كَمَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ اسْتِيلَادَ الْمَجْنُونِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ نَاقِصٌ وَلَوْ مَلَكَ الصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَصِحُّ مِنْهُمَا وَلَوْ أَعْتَقَاهُ بِالْقَوْلِ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَصُورَةُ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ جَارِيَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِنِكَاحٍ .

قَوْلُهُ : ( وَالصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا ) لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمَا أَمَّا النَّفْعُ الْمَحْضُ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مُبَاشَرَتُهُ مِثْلُ قَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَكَذَا إذَا آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا وَيَصِحُّ قَبُولُ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَتَصِحُّ عِبَارَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالٍ غَيْرِهِ وَطَلَاقِ غَيْرِهِ وَعَتَاقِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ ، وَالْمَعْتُوهِ } ، وَالْعَتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ، وَالْعَتَاقَ إسْقَاطُ حَقٍّ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ كَالْهِبَةِ ، وَالْبَرَاءَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ وَيَعْنِي بِالطَّلَاقِ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ أَمَّا إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ صَبِيًّا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا طَلُقَتْ امْرَأَةُ الْمُوَكِّلِ وَيَعْنِي بِالْعَتَاقِ أَيْضًا إذَا كَانَ بِالْقَوْلِ أَمَّا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَصِحُّ مِنْهُمَا ، أَوْ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ كَمَا فِي مَالٍ يَتْلَفُ بِانْقِلَابِ النَّائِمِ عَلَيْهِ ، وَالْحَائِطِ الْمَائِلِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ .

قَوْلُهُ : ( فَأَمَّا الْعَبْدُ فَأَقْوَالُهُ نَافِذَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ ) أَمَّا نُفُوذُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلِقِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ ، وَأَمَّا عَدَمُ نُفُوذِهَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَرِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يُعَرَّى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ ، أَوْ كَسْبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ) لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ ) لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا ، أَوْ مَحْجُورًا : فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ دُونَ أَقْوَالِهِ إلَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِهِ مِثْلُ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهَا وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَهَذَا إذَا أَقَرُّوا ، أَمَّا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَحَضْرَةُ الْمَوْلَى شَرْطٌ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالًا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ مَحْجُورًا كَانَ ، أَوْ مَأْذُونًا ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَحْجُورِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ لَا يَصِحُّ وَمِنْ الْمَأْذُونِ يَصِحُّ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ الدَّفْعَ ، أَوْ الْفِدَاءَ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ مَحْجُورًا كَانَ ، أَوْ مَأْذُونًا وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ بِالدُّيُونِ ، وَالْغُصُوبِ وَاسْتِهْلَاكِ الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ ، وَالْجِنَايَاتِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَهْرِ امْرَأَةٍ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِافْتِضَاضِ امْرَأَةٍ بِالْأُصْبُعِ فَعِنْدَهُمَا هَذَا إقْرَارٌ بِالْجِنَايَةِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا إقْرَارٌ بِالْمَالِ فَيَصِحُّ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ ، أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ ) لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً ، أَوْ كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدًا ، أَوْ خَطَأً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إمَّا دَفْعُهُ ، وَإِمَّا فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَجَبَ الْأَرْشُ حَالًّا وَكَذَا إذَا اخْتَارَ دَفْعَ الْعَبْدِ دَفَعَهُ حَالًّا أَيْضًا وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ حُرًّا وَهُوَ مَحَلٌّ لِلْقِصَاصِ وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي حَالِ الرِّقِّ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ ، وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَهُوَ مَأْذُونٌ ، أَوْ مَحْجُورٌ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَةِ أَمَّا الْمَحْجُورُ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِإِقْرَارِهِ حُكْمٌ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ بِالدُّيُونِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَأْذُونُ فِيهَا فَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَلَمْ يَأْذَنْ فِيهَا الْمَوْلَى فَالْمَأْذُونُ فِيهَا كَالْمَحْجُورِ .

قَوْلُهُ : ( وَيَنْفُذُ طَلَاقُهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ ، وَالْمَعْتُوهِ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ ، وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ } وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ فَيَنْفُذُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ الْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ لَكِنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمَجْنُونُ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ مَلَكَ السَّاقَ وَلِأَنَّ الْحِلَّ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فَكَانَ الرَّفْعُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْلَى .

( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا أَحْجُرُ عَلَى السَّفِيهِ إذَا كَانَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا ) السَّفِيهُ خَفِيفُ الْعَقْلِ الْجَاهِلُ بِالْأُمُورِ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ الْعَامِلُ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ وَلِأَنَّ فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ ، وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْذِيرِ فَلَا يُحْتَمَلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ كَالْحَجْرِ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ ، وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُحْجَرُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ إذْ هُوَ دَفْعُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى ، الْمُفْتِي الْمَاجِنُ هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ حِيَلًا بَاطِلَةً كَارْتِدَادِ الْمَرْأَةِ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا ، أَوْ الرَّجُلِ لِيُسْقِطَ الزَّكَاةَ وَلَا يُبَالِي أَنْ يُحَلِّلَ حَرَامًا ، أَوْ يُحَرِّمَ حَلَالًا .
وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ هُوَ أَنْ يَسْقِيَ النَّاسَ دَوَاءً مُهْلِكًا .
وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ أَنْ يُكْرِيَ إبِلًا وَلَيْسَتْ لَهُ إبِلٌ وَلَا مَالٌ يَشْتَرِيهَا بِهِ ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي نَفْسَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ ) لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ لِقَوْلِهِ ( وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا ) فَقَوْلُهُ " مُفْسِدًا " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُبَذِّرًا وَسَوَاءٌ كَانَ يُبَذِّرُ مَالَهُ فِي الْخَيْرِ ، أَوْ الشَّرِّ .
قَوْلُهُ : ( يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ ) بِأَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ ، أَوْ يُحْرِقَهُ .
قَوْلُهُ : ( إلَّا أَنَّهُ قَالَ : إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ ) وَلَا يُقَالُ : كَيْفَ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ

قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ قَوْلُهُ ( فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً سُلِّمَ إلَيْهِ مَالُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ ) لِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَلَا تَأْدِيبَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ .
قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ : إنَّمَا قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ وَوَلَدُهُ قَاضِيًا ، وَفِي حِجْرِ وَلَدِهِ وَلَدٌ مَعَ كَوْنِهِ حُرًّا بَالِغًا فَيُؤَدِّي الْحَجْرُ عَلَيْهِ إلَى أَمْرٍ قَبِيحٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ لَهُ فَتَلِدُ امْرَأَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَكْبَرُ وَلَدُهُ وَيَبْلُغُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ لَهُ فَتَلِدُ امْرَأَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ جَدًّا وَلَمْ يَبْلُغْ أَشُدَّهُ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ) ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إلَّا بِحَجْرِ الْحَاكِمِ وَلَا يَصِيرُ مُطْلَقًا بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى يُطْلِقَهُ الْحَاكِمُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : فَسَادُهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَصَلَاحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِنَفْسِ السَّفَهِ وَيَذْهَبُ عَنْهُ الْحَجْرُ بِنَفْسِ الْإِصْلَاحِ فِي مَالِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا بَاعَهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ ، ثُمَّ إذَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهَا كَحُكْمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ ، وَإِنْ أَعْتَقَ جَازَ عِتْقُهُ وَلَكِنَّهُ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ .
وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ وَطَلَاقُهُ

وَيَجِبُ فِي مَالِهِ الزَّكَاةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا صَارَ مَحْجُورًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ وَصِيِّ الْأَبِ عَلَيْهِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ وَتَزْوِيجُهُ بِمِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ ، وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ ، وَإِقْرَارُهُ بِالْمَالِ ، وَإِجَارَتِهِ فَلَا تَجُوزُ مِنْهُ كَمَا لَا تَجُوزُ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِ السَّفِيهِ ، وَفِيهِ رِبْحٌ ، أَوْ مِثْلُ الْقِيمَةِ فَأَمَّا إذَا ضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ السَّفِيهِ فَلَا يُجِيزُهُ الْقَاضِي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ وَصِيِّ أَبِيهِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يَنْفُذُ ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ وَمَا لَا فَلَا ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْهَزْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْهَازِلَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ لَا عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ هَوَاهُ ، وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ عِنْدَهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ شَيْءٌ إلَّا الطَّلَاقَ كَالْمَرْقُوقِ ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ قَوْلُهُ ( وَكَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي إبْطَالِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذَّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَقِيمَة الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا ، وَقِيلَ : نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ كَانَ فِيهِ نَوْعَا مَنْفَعَةٍ وَهُمَا الْبَيْعُ ، وَالْإِجَارَةُ .
وَقَدْ بَطَلَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْبَيْعُ وَقِيمَة أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا وَبَقِيَ مِلْكُ الْإِعْتَاقِ وَقِيمَة الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا لَا رَقَبَةً ، وَالْقِنُّ مَمْلُوكٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَكَانَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَتْ

أُمَّ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِيلَادِ إيجَابَ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالْعِتْقِ فَإِنْ مَاتَ كَانَتْ حُرَّةً لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ مِنْهُ ، وَالْحَجْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا سَقَطَتْ السِّعَايَةُ عَنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ : هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَزِمَتْهَا السِّعَايَةُ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ حُرِّيَّةٍ ثَبَتَتْ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ فَصَارَ كَالتَّدْبِيرِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ ) وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مُجْتَمِعَاتٍ وَمُتَفَرِّقَاتٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَلِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ : الْمَحْجُورُ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ وَلَا أُخْتَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَاضِلُ ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ ، وَقَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِإِزَائِهِ بَدَلٌ - وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ - فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ، وَكُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مُفْسِدَةً تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِيهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ الْحَجْرِ .
وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ لَهُ إنْ شِئْت فَتَمِّمْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَكُمَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مَحْجُورًا مِثْلَهَا فَإِنْ كَانَ سَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ خُوطِبَ بِالْإِتْمَامِ ، أَوْ الْفُرْقَةِ ، وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا أَدْخَلَتْ الشَّيْنَ عَلَى أَوْلِيَائِهَا فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَجْلِهِمْ وَلَوْ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ جَازَ الْخُلْعُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَصَارَتْ بِبَذْلِ الْمَالِ مُتَبَرِّعَةً وَتَبَرُّعُهَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا جَوَازُ الْخُلْعِ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ

الطَّلَاقَ بِقَبُولِهَا وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ فَإِنَّ الْمَالَ لَمَّا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ يَكُونُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَانَ بَائِنًا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَذَلِكَ إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ كَانَ بَائِنًا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَمَةَ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً عَلَى مَالٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بَائِنًا ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمَوْلَى وَلِهَذَا يَلْزَمُهَا مَا بَذَلَتْهُ لَهُ فِي خُلْعِهَا إذَا أُعْتِقَتْ فَتُؤْخَذُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَا بَذَلَتْهُ ثَابِتًا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَا فِيمَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالٍ السَّفِيهِ ) ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتُخْرَجُ بِإِذْنِهِ وَقِيلَ فِي السَّائِمَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ يَدْفَعُ الْقَاضِي قَدْرَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لِيُفَرِّقَهَا إلَى مَصْرِفِهَا ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّتِهِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ .

( قَوْلُهُ : وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ ) لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ ، أَوْ نَذَرَ ، أَوْ ظَاهَرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مِمَّا وَجَبَ بِفِعْلِهِ فَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَنَفَذَتْ أَمْوَالُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا كَذَلِكَ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَيُصَدَّقُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ ، وَالْوَالِدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرَابَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ التَّزْوِيجَ يَصِحُّ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا ) ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ ) كَيْ لَا يُتْلِفَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ إتْلَافُ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ فَيَحْتَاطُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ بِدَفْعِهَا إلَى ثِقَةٍ يَقُومُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَفْسَدَ هَذَا الْمَحْجُورُ الْحَجَّ بِأَنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي نَفَقَةَ الرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالِابْتِدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا فِي حَالِ الْحَجْرِ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْوُجُوبُ إلَى وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ كَالْعَبْدِ ، وَالْمُعْسِرِ ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ إذَا أَفْسَدَهَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَهَا وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا فَإِنْ أُحْصِرَ فِي حَجَّتِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلَّذِي أُعْطِيَ نَفَقَتَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ فَيُحِلَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ احْتَاجَ إلَى تَخْلِيصِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الدَّوَاءِ ، وَإِنْ اصْطَادَ فِي إحْرَامِهِ ، أَوْ حَلَقَ مِنْ أَذًى ، أَوْ صَنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَكَانَ فَرْضُهُ الصَّوْمَ ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ كَالْمُعْسِرِ ، وَإِنْ ظَاهَرَ صَحَّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ وَيَجْزِيهِ الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ سَعَى الْمُعْتَقُ فِي

قِيمَتِهِ وَلَا يَجْزِيهِ الْعِتْقُ فَإِنْ صَامَ شَهْرًا ، ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَمْ يَجْزِهِ إلَّا الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَعْنَى الْعَارِضُ فَصَارَ كَالْمُعْسِرِ إذَا صَامَ شَهْرًا ، ثُمَّ وَجَدَ مَا يُعْتِقُ وَهَذَا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمَحْجُورِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ مَرِضَ فَأَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ مَالِهِ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَأْمُورٌ بِهَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا تَقَرُّبٌ إلَى اللَّهِ فَكَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ أَنَّ الْقُرْبَةَ هِيَ مَا تَصِيرُ عِبَادَةً بِوَاسِطَةٍ كَبِنَاءِ السِّقَايَةِ ، وَالْمَسَاجِدِ ، وَالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ ، وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْقُرْبَةَ وَغَيْرَهَا كَالْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ فَكَأَنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ أَعَمُّ مِنْ الْقُرَبِ وَقِيلَ الْقُرْبَةُ هِيَ الْوَسِيلَةُ إلَى الْعِبَادَةِ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ يَتَنَاوَلُ الْعِبَادَةَ ، وَالْوَسِيلَةَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ أَنَّ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً بِأَنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ : خَالِعْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ، أَوْ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الضَّمَانَ هُنَا عَلَى الضَّامِنِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَرْأَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَبُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ ، وَالْإِنْزَالِ وَالْإِحْبَالِ إذَا وَطِئَ ) فَقَوْلُهُ : بِالِاحْتِلَامِ أَيْ مَعَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالِاحْتِلَامُ يَكُونُ فِي النَّوْمِ فَإِذَا احْتَلَمَ وَأَنْزَلَ عَنْ شَهْوَةٍ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ ، وَالْإِنْزَالُ يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ وَالنَّوْمِ وَهَذَا الْبُلُوغُ الْأَعْلَى ، وَأَمَّا الْأَدْنَى فَأَقَلُّ مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، وَالْأُنْثَى تِسْعٌ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } وَأَشُدُّ الصَّبِيِّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِي الْأَشُدِّ فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ ، وَالْحَبَلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ) لِأَنَّ الْإِنَاثَ نَشْؤُهُنَّ ، وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ مِنْ إدْرَاكِ الذُّكُورِ فَنَقَصْنَا عَنْهُ سَنَةً قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إذَا تَمَّ لِلْغُلَامِ ، وَالْجَارِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَا ) وَلَا مُعْتَبَرَ بِنَبَاتِ الْعَانَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : أَنَّهُ اعْتَبَرَ نَبَاتَهَا الْخَشِنَ بُلُوغًا وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى حَلْقٍ ، وَأَمَّا نُهُودُ الثَّدْيِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ بُلُوغًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْكَمُ بِهِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ ، وَأَمَّا شَعْرُ الْإِبِطِ وَالشَّارِبِ فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَعْرِ الْعَانَةِ وَقِيلَ لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَأَمَّا الزَّغَبُ وَهُوَ الشَّعْرُ الضَّعِيفُ وَثِقَلُ الصَّوْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا رَاهَقَ الْغُلَامُ ، وَالْجَارِيَةُ وَأَشْكَلَ أَمْرُهُمَا فِي الْبُلُوغِ فَقَالَا قَدْ بَلَغْنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ ) الْمُرَاهَقَةُ مُقَارَبَةُ الِاحْتِلَامِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَقُبِلَ قَوْلُهُمَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ .
( مَسْأَلَةٌ ) : صَبِيٌّ بَاعَ وَاشْتَرَى وَقَالَ أَنَا بَالِغٌ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا غَيْرُ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الْبُلُوغُ فِيهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى جُحُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا فِي صِبَاهُ لَزِمَهُ الْآنَ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ .

قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا أَحْجُرُ فِي الدَّيْنِ ) أَيْ لَا أَحْجُرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَإِذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ ، وَإِقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا وَجَبَتْ الدُّيُونُ عَلَى رَجُلٍ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ ، وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ ) وَهَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْحَاكِمُ ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَدْيُونِ أَمَّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ قَدْ ثَبَتَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ ، أَوْ بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا ، وَيَقْضِي بِهِ دُيُونَهُ وَيَكُونُ عُهْدَةُ مَا بَاعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ دُونَ الْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكَذَا إذَا بَاعَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ لِأَجْلِ الْمُوصَى لَهُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ دُونَ الْقَاضِي ، أَوْ بَاعَ لِأَجْلِ الصَّغِيرِ تُجْعَلُ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَكَذَا أَمِينُ الْقَاضِي .
( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ ) إيفَاءً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَدَفْعًا لِظُلْمِهِ .
اعْلَمْ أَنَّ الْحَبْسَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ : تَعَالَى { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ } أَيْ يُحْبَسُوا ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَإِنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَبَسَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ فِي ذَلِكَ } وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَنَى حَبْسًا بِالْكُوفَةِ وَسَمَّاهُ نَافِعًا فَهَرَبَ النَّاسُ مِنْهُ فَبَنَى حَبْسًا أَوْثَقَ مِنْهُ وَسَمَّاهُ مُخَيَّسًا وَقَالَ : أَمَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيَّسًا بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُقَالُ مُخَيَّسٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ مُذَلَّلٌ يُقَالُ خَيَّسَهُ أَيْ أَذَلَّهُ .
وَقَوْلُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَبِيعَ الْعُرُوضَ ، ثُمَّ الْعَقَارَ .
قَوْلُهُ : (

فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَرَاهِمُ قَضَاهَا الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ إذَا وَجَدَ جِنْسَ حَقِّهِ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَدَفْعُ الْقَاضِي أَوْلَى .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ ، أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ بَاعَهَا الْقَاضِي فِي دَيْنِهِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ جَبْرًا .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ ، وَالْبَيْعِ ، وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَمَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا يَمْنَعُهُ قَوْلُهُ ( وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ ) وَيُبَعْ فِي الدَّيْنِ الْعُرُوض أَوَّلًا ، ثُمَّ الْعَقَارُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتٌ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي .
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لَهُ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِهَا فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ ؛ لِأَنَّ لُبْسَ ذَلِكَ لِلتَّجَمُّلِ ، وَقَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَصْرِفُ بَعْضَ ثَمَنِهِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَبِيتُ فِيهِ وَقِيلَ يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحَالِ حَتَّى إنَّهُ يَبِيعُ الْجُبَّةَ وَاللِّبْدَ فِي الصَّيْفِ وَالنِّطْعَ فِي الشِّتَاءِ .
قَوْلُهُ : ( وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ ) أَيْ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ قَوْلُهُ ( فَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ الْحَجْرِ بِإِقْرَارٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ) هَذَا قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ

تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ حَقُّ الْأَوَّلِينَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا مَرَدَّ لَهُ ، وَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ ) الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ هَذَا الْمَدْيُونُ الْمَحْجُورُ .
قَوْلُهُ : ( وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ ) أَيْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالٍ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُحْبَسُ فِي الدِّرْهَمِ ، وَفِي أَقَلَّ مِنْهُ ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يُحْبَسُ فِي قَلِيلِ الدَّيْنِ وَكَثِيرِهِ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْمَطْلُ ( قَوْلُهُ : وَفِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ ) الْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّ فِي الْمُؤَجَّلِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْإِعْسَارِ ؛ لِأَنَّا قَدْ عَرَفْنَا غِنَاهُ بِهِ فَدَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ دَعْوَى زَوَالِ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ مَعْنًى حَادِثٌ فَلَا يُصَدَّقُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِعْسَارِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِدَعْوَاهُ أَنْ يُسْقِطَ مَا الْتَزَمَهُ فَلَا يُقْبَلُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالتَّزْوِيجِ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْإِعْسَارِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ .
قَوْلُهُ : ( وَلَمْ يَحْبِسْهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ كَعِوَضِ الْمَغْصُوبِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ ) إذَا قَالَ أَنَا فَقِيرٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ فَمَنْ ادَّعَى الْغِنَى يَدَّعِي مَعْنًى حَادِثًا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
قَوْلُهُ : ( إلَّا أَنْ يُقِيمَ غَرِيمُهُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ مَالًا ) فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَاهُ الْفَقْرَ ، ثُمَّ الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ لَا يَخْرُجُ لِمَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا لِلْعِيدَيْنِ وَلَا لِلْجُمُعَةِ وَلَا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَا لِحَجَّةِ فَرِيضَةٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةِ بَعْضِ أَهْلِهِ وَلَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَاتَ لَهُ وَالِدٌ ، أَوْ وَلَدٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيَخْرُجَ حِينَئِذٍ ،

وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْرُجُ وَقِيلَ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْأَجْدَادِ ، وَالْجَدَّاتِ ، وَالْأَوْلَادِ ، وَفِي غَيْرِهِمْ لَا يَخْرُجُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ فِي مَوْضِعٍ خَشِنٍ لَا يُبْسَطُ لَهُ فِيهِ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَسْتَأْنِسُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا شُرِعَ لِيَضْجَرَ فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ وَإِذَا مَرِضَ وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ لَا يَخْرُجُ لِيَزْدَادَ ضَجَرًا فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُدَاوَاةِ وَيُدَاوَى فِي السِّجْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ وَخُشِيَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَجُوزُ إهْلَاكُهُ لِأَجْلِ مَالِ الْغَيْرِ ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ ، أَوْ جَارِيَتُهُ فَيَطَأَهَا حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ .
وَفِي النِّهَايَةِ إذَا طَلَبَ الْمَحْبُوسُ امْرَأَتَهُ ، أَوْ أَمَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فِي الْحَبْسِ لَمْ يُمْنَعْ إنْ كَانَ فِي الْحَبْسِ مَوْضِعٌ خَالٍ فَإِنْ امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ لَمْ تُجْبَرْ ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ أُجْبِرَتْ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَمْتَنِعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَالزَّوْجَةُ الْأَمَةُ تُجْبَرُ إذَا رَضِيَ سَيِّدُهَا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِيُشَاوِرَهُمْ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُمَكَّنُونَ بِأَنْ يَمْكُثُوا مَعَهُ طَوِيلًا ، وَالْمُحْتَرِفُ لَا يُمَكَّنُ فِي الْحَبْسِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِحِرْفَتِهِ لِيَضْجَرَ فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ ، وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِذَلِكَ ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ

صَغِيرًا وَلَهُ وَلِيّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ حَبَسَ الْقَاضِي وَلِيَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي شَهْرَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً سَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ ) ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَالِ الْمَحْبُوسِ فَمِنْ النَّاسِ مِنْ يُضْجِرُهُ الْحَبْسُ الْقَلِيلُ وَمِنْهُمْ مِنْ لَا يُضْجِرُهُ الْكَثِيرُ فَوُقِفَ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْحَاكِمِ أَنَّ لَهُ مَالًا بِأَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ سَأَلَ جِيرَانَهُ الْعَارِفِينَ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ إنَّهُ لَا مَالَ لَهُ قَبْلَ حَبْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَطَّلِعُ عَلَى إعْسَارِهِ وَلَا يَسَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَجْنِهِ لِيَضْجَرَ بِذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالٍ لَهُ ) يَعْنِي خَلَّى سَبِيلَهُ لِوُجُوبِ النَّظِرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ وَهَذِهِ قُبِلَتْ ، قُلْنَا : هَذِهِ شَهَادَةٌ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ فَالْحَبْسُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ عَلَى إفْلَاسِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا تُقْبَلُ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْحَبْسِ فَهِيَ تُقْبَلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ : كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ : إنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدِمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ ) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ

حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ السِّجْنِ وَيُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ ) وَيَدُورُونَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ وَلَا يَحْبِسُونَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتَهُ لِحَاجَةٍ لَا يَتْبَعُونَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهِ فِي الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تَلَازُمُهَا .
وَقَوْلُهُ : وَيُلَازِمُونَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ } الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةُ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ الضَّرْبُ وَالشَّتْمُ .
قَوْلُهُ : ( وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ ) أَيْ يَأْخُذُونَ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّدٌ : إذَا فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ فَتَثْبُتُ الْعُسْرَةُ فَيَسْتَحِقُّ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ ؛ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا ظَاهِرًا فَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِإِبْطَالِ الْحَقِّ فِي الْمُلَازَمَةِ .
قَوْلُهُ : ( إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَالٌ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ؛ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْعُسْرَةُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ إذَا

قَالُوا : إنَّهُ كَثِيرُ الْعِيَالِ ضَيِّقُ الْحَالِ أَمَّا إذَا قَالُوا : لَا مَالَ لَهُ لَا تُقْبَلُ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْإِعْسَارِ لَمْ يَحْبِسْهُ الْقَاضِي حَتَّى يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ مَالًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى إعْسَارِهِ وَيَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : يَحْجُرُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً .
قَوْلُهُ : ( وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ ) يَعْنِي إذَا بَلَغَ فَاسِقًا ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِمَتَاعِهِ وَصُورَتُهُ اشْتَرَى سِلْعَةً وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعٍ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي ، أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ ، أَوْ بَعْدَمَا دَفَعَ طَائِفَةً مِنْهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِأُنَاسٍ شَتَّى فَالْغُرَمَاءُ جَمِيعًا فِي الثَّمَنِ أُسْوَةٌ وَلَيْسَ بَائِعُهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ عَيْنِهِ وَرَضِيَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُنْظَرُ : إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ : أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِثَمَنِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ كَالْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الْمَرْهُونِ ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ حَلَّتْ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ وَقَدْ خَرِبَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَحَلٌّ مَعْلُومٌ فَتَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ وَمُقْتَضَاهَا الْحُلُولُ .
( مَسْأَلَةٌ ) فِي قِسْمَةِ الدَّيْنِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ : رَجُلٌ مَاتَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ لِآخَرَ ثَلَاثُونَ وَلِآخَرَ عِشْرُونَ وَلِآخَرَ عَشَرَةٌ فَخَلَّفَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَنَقُولُ : مَجْمُوعُ الدَّيْنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَيُضْرَبُ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةٌ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَصِحُّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ - لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ نَقُولَ

: كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَضْرُوبٌ فِي التَّرِكَةِ مَقْسُومٌ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ - ، وَتَضْرِبُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَخْرُجُ الْقَسْمُ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَلِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ أَرْبَعُونَ ، وَإِنْ شِئْت فَانْسُبْ الْمِائَةَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدْهَا خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا ، فَيُعْطَى صَاحِبُ الْمِائَةِ خَمْسَةَ أَثْمَانِ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَتَنْسُبُ الثَّلَاثِينَ أَيْضًا مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدُهُ ثُمُنًا وَنِصْفَ ثُمُنٍ فَيُعْطَى صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَنِصْفَ ثُمُنِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ ، وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ ثُمُنُهُ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ خَمْسَةٌ ، وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ نِصْفُ ثُمُنٍ فَيُعْطَى نِصْفَ ثُمُنِ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ .

( كِتَابُ الْإِقْرَارِ ) الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ ، وَإِظْهَارٍ لِمَا وَجَبَ بِالْمُعَامَلَةِ السَّابِقَةِ لَا إيجَابٍ وَتَمْلِيكٍ مُبْتَدَأٍ وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ كَاذِبًا ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ دِيَانَةً إلَّا إذَا سَلَّمَهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَالَ فِي شَاهَانْ : إذَا أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِ زَيْدٍ أَنَّهُ لِعَمْرٍو صَحَّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ سَابِقٍ لَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَكَذَا مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِقْرَارِ الرِّضَا وَالطَّوْعُ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا الْعَقْلُ ، وَالْبُلُوغُ ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ : جَمِيعُ مَالِي ، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْهِبَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ ) وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ عَلَى مَوْلَاهُ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى ، وَشَرَطَ الْبُلُوغَ ، وَالْعَقْلَ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ ، وَالْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ أَقْوَالُهُمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ وَقَوْلُهُ بِحَقٍّ أَيْ إذَا قَالَ : لِفُلَانٍ

عَلَيَّ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ ، أَوْ مَعْلُومًا ) جَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ ، أَوْ يَجْرَحُ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا ، أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ بِهِ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ : لِأَحَدِكُمَا عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمُقِرِّ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا قَالَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ : لَك عَلَى أَحَدِنَا مِائَةُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ .
( قَوْلُهُ : وَيُقَالُ لَهُ : بَيِّنْ الْمَجْهُولَ ) ؛ لِأَنَّ التَّجْهِيلَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ ) ( قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ ) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ : فِي الْفَلْسِ فَمَا زَادَ .
( قَوْلُهُ : وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ : فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ فَإِنْ عَادَ بَعْدُ إلَى التَّصْدِيقِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ ، وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ إنْكَارِهِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِنْ هَذَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا بَلْ سَرَقْت مِنْ هَذَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أُضَمِّنُهُ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةً وَأَقْطَعُهُ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَا بَلْ " رُجُوعٌ ، وَرُجُوعُهُ مَقْبُولٌ فِي الْحَدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الْمَالِ فَيَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُقْطَعُ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِقْرَارَ بِالسَّرِقَةِ لِلثَّانِي وَذَلِكَ مَقْبُولٌ فَيُقْطَعُ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ ) ( قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَالٌ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى بَيَانِهِ إلَيْهِ ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَقَعَ عَلَى مَالٍ مَجْهُولٍ .
( قَوْلُهُ : وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ : فِي الْقَلِيلِ ، وَالْكَثِيرِ ) لِأَنَّ الْقَلِيلَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَالِيَّةِ كَمَا يَدْخُلُ الْكَثِيرُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ حَقِيرٌ ، أَوْ قَلِيلٌ ، أَوْ خَسِيسٌ ، أَوْ تَافِهٌ ، أَوْ نَزْرٌ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي الْقَلِيلِ ، وَالْكَثِيرِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا بِهِ ، وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ وَهَذَا إذَا قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَمَّا إذَا قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا ، وَفِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ ، وَفِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يُقَدَّرُ بِقِيمَةِ النِّصَابِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَالٌ كَثِيرٌ ، أَوْ جَلِيلٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ عَظِيمٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَدَّقُ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ فَهُوَ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ ، وَالْغِنَى فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَكَمَا أَنَّ الْمِائَتَيْنِ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَالْعَشَرَةُ عَظِيمٌ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَتَقْدِيرِ الْمَهْرِ فَيَتَعَارَضُ وَيَكُونُ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى حَالِ الرَّجُلِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ مَالٌ نَفِيسٌ ، أَوْ خَطِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ لَزِمَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَوْ قَالَ : غَصَبْته إبِلًا عَظِيمَةً ، أَوْ بَقَرًا عَظِيمَةً أَوْ شَاةً عَظِيمَةً لَزِمَهُ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ الْبَقَرِ

ثَلَاثُونَ وَمِنْ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ فَأَمَّا الْخَمْسُ مِنْ الْإِبِلِ ، وَإِنْ كَانَتْ نِصَابًا فَإِنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهَا ، وَإِنَّمَا تَجِبُ مِنْ الْغَنَمِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِنُقْصَانِهَا وَقِلَّتِهَا ، وَإِنْ قَالَ : حِنْطَةٌ كَثِيرَةٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي النِّصَابِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا نِصَابَ لَهَا فَيُرْجَعُ إلَى بَيَانِ الْمُقِرِّ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ زِيَادَةً عَلَى مَا يُقْبَلُ بَيَانُهُ فِيهِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ حِنْطَةٌ حَتَّى لَا تُلْغَى الصِّفَةُ وَلَوْ قَالَ أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةً أَوْ سِتِّينَ مِثْقَالًا إنْ قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْوَالٌ جَمْعُ مَالٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ فِي الْعَادَةِ هُوَ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى حَدِّ الْغِنَى وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ هَذَا الْأَكْثَرَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ ، وَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا ) فَإِنْ بَيَّنَ أَكْثَرَ لَزِمَهُ مَا بَيَّنَ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَزْنِ لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنْ كَانُوا فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهَا

مُخْتَلِفَةٌ فَهُوَ عَلَى أَقَلِّهَا ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ دُخُولُهُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا وَصَلَ ، وَإِذَا لَمْ يَصِلْ وَسَمَّى دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ وَزْنُ سَبْعَةٍ ، وَإِنْ قَالَ دُرَيْهِمٌ ، أَوْ دُنَيْنِيرٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ تَامٌّ وَدِينَارٌ تَامٌّ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ دَرَاهِمَ ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ فَعَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَزِمَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَرَاهِمُ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَقَوْلُهُ : أَضْعَافًا جَمْعٌ آخَرُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ كَانَتْ تِسْعَةً وَقَوْلُهُ : مُضَاعَفَةً يَقْتَضِي ضِعْفَ ذَلِكَ وَضِعْفُ التِّسْعَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا فَهِيَ تِسْعَةٌ ؛ لِأَنَّ أَضْعَافًا جَمْعُ ضِعْفٍ فَإِذَا ضُوعِفَتْ الثَّلَاثَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَتْ تِسْعَةً .
وَإِنْ قَالَ : عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةً فَعَلَيْهِ ثَمَانُونَ ؛ لِأَنَّ أَضْعَافَ الْعَشَرَةِ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ضُمَّتْ إلَى الْعَشَرَةِ كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَقَدْ أَوْجَبَهَا مُضَاعَفَةً فَتَكُونُ ثَمَانِينَ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ أَضْعَافًا فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُضَاعَفَةَ سِتَّةٌ فَإِذَا أَوْجَبَهَا أَضْعَافًا اقْتَضَى ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ غَيْرُ دِرْهَمٍ فَلَهُ دِرْهَمَانِ ، وَإِنْ قَالَ غَيْرُ الْأَلْفِ فَعَلَيْهِ أَلْفَانِ ، وَإِنْ قَالَ غَيْرُ أَلْفَيْنِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ مَا قَابَلَ الشَّيْءَ عَلَى طَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ

وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدَيْنِ الْمُفَسَّرَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٍ بِالْخَفْضِ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٌ بِالرَّفْعِ ، أَوْ بِالسُّكُونِ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ ثَلَّثَ " كَذَا " بِغَيْرِ وَاوٍ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ سِوَاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٌ - بِرَفْعِهِمَا وَتَنْوِينِهِمَا - فَسَّرَ الْأَلْفَ بِمَا لَا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ قَالَ : أَلْفٌ قِيمَةُ الْأَلْفِ مِنْهُ دِرْهَمٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَتَيْنِ وَعَطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِالْوَاوِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ دِرْهَمًا مَنْصُوبًا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ ، وَإِنْ قَالَ : كَذَا وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ مِائَةٌ وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِينَارًا ، أَوْ دِرْهَمًا لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ النِّصْفُ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّ " فَوْقَ " تُسْتَعْمَلُ لِلزِّيَادَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِك مَالُ فُلَانٍ فَوْقَ مِائَةٍ ، وَإِنْ قَالَ : دِرْهَمٌ تَحْتَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ " تَحْتَ " تُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ النُّقْصَانِ فَلَزِمَهُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ كَذَا فِي الْقَاضِي ، وَإِنْ قَالَ : دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ ، أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ، أَوْ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ ، أَوْ دِرْهَمٌ ، ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ ، أَوْ قِبَلِي فَقَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ) ؛ لِأَنَّ عَلَيَّ صِيغَةُ إيجَابٍ وَكَذَا قِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْقَبَالَةَ اسْمٌ لِلضَّمَانِ كَالْكَفَالَةِ فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ هِيَ وَدِيعَةٌ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ عَلَيَّ يُفِيدُ الدَّيْنَ وَلِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ فَالْكَلَامُ لَمْ يَسْتَقِرَّ فَكَأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ اسْتِثْنَاءً فَيُقْبَلُ وَيَصِيرُ قَوْلُهُ : عَلَيَّ أَيْ عَلَيَّ حِفْظُهَا وَتَسْلِيمُهَا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ ) ( قَالَ : لَهُ عِنْدِي ، أَوْ مَعِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْتِي ، أَوْ فِي صُنْدُوقِي ، أَوْ فِي كِيسِي ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى مَضْمُونٍ وَأَمَانَةٍ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ الْوَدِيعَةُ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ هِيَ قَرْضٌ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ إنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ جَازَتْ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا لَمْ تَجُزْ ؛ لِأَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلِابْتِدَاءِ ، وَالتَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ هِبَةٌ وَمِنْ شَرْطِ الْهِبَةِ الْقَبْضُ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا فَهَذَا إقْرَارٌ ؛ لِأَنَّ بِالْهِبَةِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا لَا بِالتَّسْلِيمِ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ فِي دَرَاهِمِي هَذِهِ أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالشَّرِكَةِ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ عَارِيَّةً فَهِيَ قَرْضٌ ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ ، وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ : أَخَذْت مِنْك أَلْفًا ، ثُمَّ قَالَ : هِيَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا كَانَتْ غَصْبًا ، وَالْآخِذُ ضَامِنٌ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ هَدَمَ دَارَ غَيْرِهِ ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا

يُصَدَّقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَخَذْت لَك أَلْفَيْنِ أَحَدَهُمَا وَدِيعَةً ، وَالْآخَرَ غَصْبًا فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ وَهَذِهِ الْغَصْبُ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ بَلْ الْغَصْبُ هُوَ الَّذِي ضَاعَ ، وَهَذِهِ الْوَدِيعَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَ : اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا ، أَوْ أَجِّلْنِيهَا ، أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا فَهُوَ إقْرَارٌ ) كَذَا إذَا قَالَ خُذْهَا ، أَوْ تَنَاوَلْهَا أَوْ اسْتَوْفِهَا ، وَأَمَّا إذَا قَالَ : خُذْ أَوْ اتَّزِنْ ، أَوْ اُنْقُدْ ، أَوْ اسْتَوْفِ أَوْ تَنَاوَلْ ، أَوْ افْتَحْ كِيسَك ، أَوْ هَاتِ مِيزَانَك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ ، وَإِنْ قَالَ : هَلْ هِيَ جِيَادٌ ، أَوْ زُيُوفٌ ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ إقْرَارٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَيْسَ بِإِقْرَارٍ ، وَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ ، أَوْ صَدَقْتَ ، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ ، أَوْ لَسْتُ بِمُنْكِرٍ فَهَذَا إقْرَارٌ ، وَإِنْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ مُنْكِرًا وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ، وَإِنْ قَالَ : أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا ، أَوْ قَدْ قَبَضْتَهَا مِنِّي فَهُوَ إقْرَارٌ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْقَضَاءِ ، أَوْ الْإِبْرَاءِ ، وَإِنْ قَالَ : عَبِّ لَهَا صُرَّةً قَالَ فِي شَرْحِهِ : هُوَ إقْرَارٌ ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ رَاجِعَةٌ إلَى الْأَلْفِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَهَبْتَهَا لِي ، أَوْ قَدْ أَحَلْتُك بِهَا عَلَى فُلَانٍ ، أَوْ لَسْت أَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا الْيَوْمَ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : اقْضِنِي الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ : غَدًا ، أَوْ ابْعَثْ لَهَا مَنْ يَقْبِضُهَا ، أَوْ أَمْهِلْنِي أَيَّامًا أَوْ أَنْتَ كَثِيرُ الْمُطَالَبَةِ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ وَكَذَا إذَا قَالَ : لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا بَقِيتُ أَسْتَقْرِضُ مِنْك غَيْرَهَا ، أَوْ كَمْ تَمُنُّ عَلَيَّ بِهَا فَهُوَ إقْرَارٌ ، وَإِنْ قَالَ نَتَحَاسَبُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ، وَإِنْ قَالَ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ بَلَى فَهُوَ إقْرَارٌ ، وَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ إقْرَارٌ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ هَذَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْأَجَلَ بِكَلَامِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَهُ صُدِّقَ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي ) الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : اسْتِثْنَاءِ تَعْطِيلٍ ، وَاسْتِثْنَاءِ تَحْصِيلٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَيَصِحُّ مَوْصُولًا فَالتَّعْطِيلُ تَعْطِيلُ جَمِيعِ الْكَلَامِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ التَّحْصِيلِ فَأَلْفَاظُهُ ثَلَاثَةٌ : إلَّا وَغَيْرُ وَسِوَى ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَصَّلَ بِإِقْرَارِهِ شَيْءٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ قَالَ : عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمُسَمَّى ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ : نِسَاءٍ طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرُهُنَّ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقْنَ كُلُّهُنَّ وَكَذَا إذَا قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ، وَإِنْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعَتَقُوا جَمِيعًا وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ .
( قَوْلُهُ : وَسَوَاءٌ الْأَقَلُّ ، أَوْ الْأَكْثَرُ ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ) ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْجَمِيعِ رُجُوعٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ ، وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ نَفْيٌ وَالثَّانِي

إيجَابٌ مِثْلُ قَوْلِهِ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةَ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ نَفْيٌ فَكَأَنَّهُ نَفَى بِهِ الْإِقْرَارَ بِتِسْعَةٍ يَبْقَى وَاحِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي إيجَابٌ فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ الثَّمَانِيَةَ مَعَ الدِّرْهَمِ الْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ ، وَلَوْ قَالَ : عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ مَا أَقَرَّ بِهِ بِيَمِينِك وَالِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ بِيَسَارِكَ وَالِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ بِيَمِينِك وَعَلَى هَذَا إلَى آخِرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَا اجْتَمَعَ فِي يَسَارِك أَسْقِطْهُ مِمَّا فِي يَمِينِك فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمُقَرُّ بِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَمَا إذَا اسْتَثْنَى مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَفِيزَ حِنْطَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ صَحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا ، أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الْمِائَةُ الدِّرْهَمِ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ ، أَوْ الْقَفِيزِ ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَلَوْ قَالَ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى مَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ كَالثَّوْبِ وَالشَّاةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ كَالْكَيْلِيِّ ، وَالْوَزْنِيِّ ، وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَقَوْلُهُ إلَّا دِينَارًا ، أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ اسْتِثْنَاءُ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ فَصَحَّ فَيُطْرَحُ عَنْهُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى ، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْجُمْلَةَ فَصَارَ لَغْوًا فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ فَقَدْ أَدْخَلَ بَيْنَ الْكُرِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيْنَ الْقَفِيزِ الشَّعِيرِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَانْقَطَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَثْنَى .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الشَّعِيرِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيَلْزَمُهُ كُرُّ حِنْطَةٍ وَتِسْعٌ وَثَلَاثُونَ قَفِيزًا مِنْ الشَّعِيرِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَ

كَمَا لَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ يَا فُلَانُ إلَّا تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْمُنَادَى بِهِ هُوَ الْمُقَرُّ لَهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا قَلِيلًا لَزِمَهُ الْأَلْفُ إلَّا الشَّيْءَ الْقَلِيلَ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ ) ( قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَالْمِائَةُ دَرَاهِمُ ) يَعْنِي تَلْزَمُهُ كُلُّهَا دَرَاهِمَ وَكَذَا الدَّنَانِيرُ ، وَالْمَكِيلُ ، وَالْمَوْزُونُ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ : إذَا قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَدِرْهَمٌ كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَإِنْ قَالَ : عَشَرَةٌ وَدِرْهَمَانِ كَانَ عَلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ فِي الْأَوَّلِ دِرْهَمٌ ، وَفِي الثَّانِي دِرْهَمَانِ وَتَفْسِيرُ الْعَشَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ : عَشَرَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ، وَإِنْ قَالَ : عَشَرَةٌ وَدِينَارٌ وَعَشَرَةٌ وَدِينَارَانِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ ) ( قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ ) وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ يَلْزَمُهُ ثَوْبَانِ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ : مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فَالْجَمِيعُ أَثْوَابٌ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ : مِائَةٌ وَشَاتَانِ يَلْزَمُهُ شَاتَانِ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ فَالْكُلُّ شِيَاهٌ ، وَإِنْ قَالَ عَشَرَةٌ وَعَبْدٌ لَزِمَهُ الْعَبْدُ وَتَفْسِيرُ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ : دَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ ، أَوْ فُلُوسًا أَوْ جَوْزًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ : كَمَا إذَا قَالَ

عَلَيَّ شَيْءٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَيِّفًا ، أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَالْقَوْلُ فِي النَّيِّفِ مَا قَالَ إمَّا دِرْهَمٌ ، أَوْ أَكْثَرُ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ النَّيِّفَ مَا زَادَ وَأَنَافَ قَلَّ ، أَوْ كَثُرَ ، وَإِنْ قَالَ بِضْعٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَالْبِضْعُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثَّلَاثَةِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفٍ ، أَوْ جُلُّ أَلْفٍ ، أَوْ زُهَاءُ أَلْفٍ ، أَوْ عُظْمُ أَلْفٍ فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ وَشَيْءٌ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ : فِي الزِّيَادَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ الْكَلَامَ مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ ، أَوْ تَعْلِيقٌ فَإِنْ كَانَ إبْطَالًا فَقَدْ بَطَلَ ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إذَا مِتّ ، أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ، أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمُدَّةِ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا لَا تَعْلِيقًا حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ يَكُونُ الْمَالُ حَالًّا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانِ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ كَانَ بَاطِلًا ، وَإِنْ قَالَ فُلَانٌ شِئْت ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مُعَلَّقٌ بِخَطَرٍ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ ، أَوْ بِهُبُوبِ الرِّيحِ ، وَإِنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ مِتّ فَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ عَاشَ ، أَوْ مَاتَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ وَذَكَرَ أَجَلًا مَجْهُولًا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ ) وَصُورَتُهُ إذَا أَقَرَّ بِفَرْضٍ ، أَوْ غَصْبٍ ، أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ ، أَوْ كَذَّبَهُ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ ، وَالْإِقْرَارَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ ، وَالْبِنَاءُ ) لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَفَ بِالدَّارِ دَخَلَ الْبِنَاءُ تَبَعًا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي ، وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَصِحُّ إفْرَازُهُ مِنْ الدَّارِ ، وَإِنْ قَالَ : بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي ، وَالْأَرْضُ لِفُلَانٍ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْأَرْضِ إقْرَارًا بِالْبِنَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ ، وَالْقَوْصَرَّةُ ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَضَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ ، وَالْقَوْصَرَّةُ ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى فِعْلٍ بَلْ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ تَمْرٌ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ الْقَوْصَرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ ، وَالْقَوْلَ يَتَمَيَّزُ بِهِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْت لَهُ زَعْفَرَانًا فِي سَلَّةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ : غَصَبْته طَعَامًا فِي جَوْلَقٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْته تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ ، وَالْقَوْصَرَّةُ تُرْوَى بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَهِيَ وِعَاءٌ لِتَمْرٍ مُتَّخَذٌ مِنْ قَصَبٍ بَرِّيٍّ ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى قَوْصَرَّةً مَا دَامَ فِيهَا التَّمْرُ ، وَإِلَّا فَهِيَ زِنْبِيلٌ قَالَ الشَّاعِرُ أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً ) لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْغَصْبُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا إذَا قَالَ غَصَبْته مِائَةَ كُرٍّ حِنْطَةً فِي بَيْتٍ لَزِمَهُ الْحِنْطَةُ دُونَ الْبَيْتِ فِي قَوْلِهِمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْبَيْتُ ، وَالْحِنْطَةُ ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ غَصَبْته ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمِنْدِيلَ ظَرْفًا لَهُ وَهُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى أَخْذِ الثَّوْبِ إلَّا بِالْإِيقَاعِ فِي الْمِنْدِيلِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا ) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ وَهَذَا إذَا قَالَ : غَصَبْته أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْغَصْبَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ ) لِأَنَّ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي الْعَادَةِ كَمَا لَوْ قَالَ : غَصَبْته ثَوْبًا فِي دِرْهَمٍ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا ) لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُلَفَّ الثَّوْبُ النَّفِيسُ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ حَرْفَ " فِي " قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ ، وَالْوَسْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي } أَيْ بَيْنَ عِبَادِي فَوَقَعَ الشَّكُّ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ : مَعَ يَمِينِهِ ) لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ وَقَالَ : هِيَ زُيُوفٌ ) فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَصَلَ ، أَوْ فَصَلَ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهَا غَصْبٌ وَلَمْ يَنْسُبْ ذَلِكَ إلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ وَقِيلَ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ أَمَّا إذَا نَسَبَ ذَلِكَ إلَى بَيْعٍ ، أَوْ قَرْضٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَصَلَ ، أَوْ فَصَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ عَقْدِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الثَّمَنِ وَكَوْنَهَا زُيُوفًا عَيْبٌ فِيهَا فَقَدْ ادَّعَى رِضَا الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فَلَا يُصَدَّقُ وَعِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ ) ( قَالَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ - يُرِيدُ الضَّرْبَ ، وَالْحِسَابَ - لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَاحِدَةٌ ) لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْأَعْيَانَ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا لَهُ مِسَاحَةٌ .
وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَمَا بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ الْغَايَةُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا ) فَيَدْخُلُ الِابْتِدَاءُ ، وَالْغَايَةُ .
وَقَالَ زُفَرُ : يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ فَالْحَائِطَانِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مُرَتَّبَةً وَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَا بَيْنَ هَذَا الدِّرْهَمِ إلَى هَذَا الدِّرْهَمِ وَأَشَارَ إلَى الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثَمَانِيَةٌ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ ، أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَقَعُ طَلْقَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ ، وَإِنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، أَوْ مِنْ دِينَارٍ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الْحَدَّ الَّذِي لَا يَدْخُلُ مِنْ أَفْضَلِهِمَا وَيَقُولُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ .
وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ أَرْبَعَةُ وَلَوْ قَالَ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَكَذَا إذَا قَالَ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى

عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ فَعَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُرٌّ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ مِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَتِسْعُونَ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَإِذَا جَعَلَ الْغَايَةَ جُمْلَةً أَسْقَطَ مِنْهَا الْعَدَدَ الَّذِي يَكْمُلُ بِهِ الْجُمْلَةُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمِائَةَ تَتَرَكَّبُ مِنْ الْعَشَرَاتِ فَسَقَطَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي تَكْمُلُ بِهَا الْمِائَةُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْمِائَتَانِ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ ) ( قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك ) لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالْأَلْفِ فِي مُقَابَلَةِ مَبِيعٍ يَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ ، وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ ، وَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ ، وَإِنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُقَرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ ، وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُكَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْمَالِ إلَّا عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْت وَصَلَ ، أَوْ فَصَلَ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ ، وَإِنْكَارُهُ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ ) ( قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ ، أَوْ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَوْلُهُ : مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ ، أَوْ خِنْزِيرٍ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ لَا يَلْزَمُهُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ ، أَوْ فَصَلَ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَصَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ عَلَيَّ هَذَا الْحَائِطُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّكِّ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُهُ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْحَائِطِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ هُوَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي شَيْئًا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلثَّانِيَّ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ لِلْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ لِلثَّانِي قِيمَتَهُ وَلَوْ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَلَا أَقَلُّ ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَوْ قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا صَبِيٌّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ بَلْ أَقْرَرْت لِي وَأَنْتَ بَالِغٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا نَائِمٌ فَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ جُنُونٍ ، أَوْ بِرْسَامٍ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ أَصَابَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَتُهُ ، وَإِنْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَأَنَا صَبِيٌّ ، أَوْ مَجْنُونٌ كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا يَصِحُّ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَهِيَ زُيُوفٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا صُدِّقَ ، وَإِنْ قَالَهُ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ وَكَذَا إذَا قَالَ : أَقْرَضَنِي أَلْفًا ، ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَتَاعَ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَبِيعَ ، وَالْقَرْضَ قِيلَ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ ، وَإِنْ قَالَ غَصَبْته أَلْفًا ، أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ ، أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ وَصَلَ ، أَوْ فَصَلَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَيُودِعُ مَا يَمْلِكُ فَلَا مُقْتَضِيَ لَهُ فِي الْجِيَادِ وَلَا تَعَامُلَ فَيَصِحَّ ، وَإِنْ فَصَلَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَفْصُولًا اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ ، أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ ، الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَإِنْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَلْفًا إلَّا أَنَّهَا تَنْقُصُ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا إذَا وَصَلَ ، وَأَمَّا إذَا فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ فَإِنْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ فَهُوَ وَاصِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ : أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ الْآخَرُ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَإِنْ قَالَ أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ غَصَبْتهَا لَمْ يَضْمَنْ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ ،

وَفِي الثَّانِي أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ ، وَالْقَبْضُ فِي هَذَا كَالْأَخْذِ وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ فَلَهُ الْحَلْقَةُ ، وَالْفَصُّ ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى الْفَصَّ فَقَالَ الْخَاتَمُ لَهُ ، وَالْفَصُّ لِي كَانَ الْجَمِيعُ لِلْمُقَرِّ لَهُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ ، وَالْجِفْنُ ، وَالْحَمَائِلُ ) الْجِفْنُ الْغِمْدُ وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ يَنْطَوِي عَلَى الْكُلِّ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِحَجَلَةٍ فَلَهُ الْعِيدَانُ ، وَالْكِسْوَةُ ) الْحَجَلَةُ خَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ قَالَ أَوْصَى بِهَا فُلَانٌ ، أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ يَصْلُحُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ : عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ جِهَةِ مِيرَاثٍ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ اسْتَهْلَكْتُهَا ، وَفِي الْوَصِيَّةِ يَقُولُ أَوْصَى بِهَا فُلَانٌ غَيْرُ أَبِيهِ فَاسْتَهْلَكْتُهَا وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْجَنِينِ ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لِأَبِيهِ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَيْهِ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْوَصِيَّةِ ذُكُورُهُمْ ، وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ، وَفِي الْمِيرَاثِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ بَاعَنِي ، أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ ، ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ ذَلِكَ ، وَفِي الْوَصِيَّةِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَمْلِ الدَّابَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي حَمْلِ الْجَارِيَةِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصِحَّ ) وَهَذَا ( عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ رَجُلٌ ، أَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ ، وَالْإِبْهَامُ أَنْ يَقُولَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ ، أَوْ بِحَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَلَزِمَهُ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَهَالَةِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ يَصِحُّ وَهَذَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ جَائِزَةٌ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ ، وَإِنْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ بَعْدَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي الْعِدَّةِ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ وَكَذَا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ : الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَوْلَى وَكَذَا بِمَا فِي بَطْنِ دَابَّتِهِ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الدَّوَابِّ سِوَى الشَّاةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ .

( قَوْلُهُ : ، وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ بِالْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ ) لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِ الْمَعْرُوفِ بِالْأَسْبَابِ ؛ إذْ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ مِثْلُ بَدَلِ مَالٍ يَمْلِكُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَعُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَهَذَا الدَّيْنُ مِثْلُ دَيْنِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفْرِدَ بَعْضَهُمْ بِالْقَضَاءِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلِأَنَّ فِي إيثَارِ الْبَعْضِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ ، وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَهُ فِي مَرَضِهِ ، أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَيِّنَةِ وَقَوْلُهُ : وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ مِثْلُ ثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ لَزِمَتْهُ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ فَهَذِهِ الدُّيُونُ وَدُيُونُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا قُضِيَتْ ) يَعْنِي الدُّيُونَ الْمُقَدَّمَةَ وَفَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْوَرَثَةِ ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ إقْرَارُهُ ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ ، وَالْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الصِّحَّةِ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمَرَضِ قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ صَاحِبُهُ أَنْ يَقُومَ إلَّا أَنْ يُقِيمَهُ إنْسَانٌ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ ، وَإِنْ كَانَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ

إلَّا أَنْ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ : هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَهَذَا أَحَبُّ وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ هُوَ أَنْ لَا يُطِيقَ الْقِيَامَ إلَى حَاجَتِهِ ، وَيَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا ، أَوْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَهَذَا هُوَ حَدُّ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي تَكُونُ تَبَرُّعَاتُ صَاحِبِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَرَضُ الْمَخُوفُ كَالطَّاعُونِ ، وَالْقُولَنْجِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ ، وَالْحُمَّى الْمُطْبِقَةِ ، وَالْإِسْهَالِ الْمُتَوَاتِرِ وَقِيَامِ الدَّمِ وَالسُّلِّ فِي انْتِهَائِهِ ، وَغَيْرُ الْمَخُوفِ كَالْجَرَبِ وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالرَّمَدِ ، وَالْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَمَا فَعَلَتْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ سَلِمَتْ مِنْهُ جَازَ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ .

( قَوْلُهُ : وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ) وَكَذَا هِبَتُهُ لَهُ وَوَصِيَّتُهُ لَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَهَذَا إذَا اتَّصَلَ الْمَرَضُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَفِي الْوَصِيَّةِ عَكْسُهُ وَلَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ أَقَلَّ صُدِّقَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ جَازَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِهَذَا الْوَارِثِ فَاسْتَهْلَكْتهَا وَلَوْ وَهَبَ لِوَارِثِهِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ ضَمِنَ الْوَارِثُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ حَابَا فِيهِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُحَابَاةُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ قَدْ كُنْت أَبْرَأْت فُلَانًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي صِحَّتِي لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبَرَاءَةَ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَسْنَدَهَا إلَى زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ حَكَمْنَا بِوُجُودِهَا فِي الْحَالِ وَكَانَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَاعْلَمْ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ ، وَالْعِتْقِ ، وَالتَّدْبِيرِ ، وَالْمُحَابَاةِ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ ، وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ لَهَا ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَقَرَّ لِابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزْوِيجِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ يَعْنِي أَنَّ التَّزْوِيجَ إنَّمَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَمَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا تَوَصَّلَا بِالطَّلَاقِ إلَى تَصْحِيحِ الْإِقْرَارِ لَهَا زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَتُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَهَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِرِضَاهَا مِثْلُ أَنْ تَسْأَلَهُ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَالْإِقْرَارُ ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَانِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَرِثُ بِأَنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً صَحَّ إقْرَارُهُ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَوَصِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْبُنُوَّةِ مَعْنًى أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ وَقَوْلُهُ : صَدَّقَهُ الْغُلَامُ هَذَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ عَاقِلًا أَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِ وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ الْمُقِرُّ إنْ كَانَ امْرَأَةً لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّهَا أَكْبَرَ مِنْهُ بِتِسْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّهُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِاثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَنِصْفٍ وَقَوْلُهُ : وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ عَنْهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لِكَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ وَلَوْ أَنَّ الْغُلَامَ إنَّمَا صَدَّقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ تَصْدِيقُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ ، ثُمَّ مَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزَّوْجِ ، ثُمَّ مَاتَتْ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِالْمَوْتِ وَزَالَتْ أَحْكَامُهُ فَلَمْ يَجُزْ التَّصْدِيقُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ ثَابِتٌ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ صَغِيرٌ لَهُ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ثَبَتَ النَّسَبُ أَيْضًا مِنْ الْمَوْلَى وَيَعْتِقُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ

وَيَعْتِقُ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُ الْعَبْدِ فَقَالَ هَذَا أَبِي وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّ هُنَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ إنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ ابْنُهُ فَقَدْ ادَّعَى مَا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فَيُصَدَّقُ ، وَأَمَّا فِي دَعْوَاهُ الْأُبُوَّةَ فَإِنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَمَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يُقْبَلْ .

( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ ، وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ ، وَالْمَوْلَى ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَيُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ، أَوْ لَمْ يُقِمْ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ : وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ ، وَالْمَوْلَى ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنًى تُلْزِمُهُ نَفْسَهَا وَلَا تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهَا .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ ، أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ ) يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً ، أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَمَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهَا فَلَا تُصَدَّقُ فَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ إقْرَارِهَا وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا ، وَإِذَا ثَبَتَ الْوِلَادَةُ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِثَلَاثَةٍ الزَّوْجِ ، وَالْمَوْلَى ، وَالْأَبِ لَا غَيْرُ فَيَظْهَرُ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ بِالْوَالِدَيْنِ وَقَعَ سَهْوًا ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ التَّنَاقُضُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْأُمِّ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِهَا فَيَكُونُ تَصْدِيقُهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ إقْرَارَ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ لَا يُقْبَلُ وَيَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ : إنَّهَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَيَكُونُ كَوَلَدِ الزِّنَا فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أُمِّهِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ اثْنَانِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ كَانَ ابْنَهُمَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا يَرِثُ الْأَبَوَانِ مِنْهُ إلَّا مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السُّدُسُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ خَلَفَ أَوْلَادًا ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ وَرِثَ الْأَبُ الْبَاقِي السُّدُسَ كَامِلًا ، وَإِنْ ادَّعَى ثَلَاثَةٌ وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ

أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَهُوَ ابْنُهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا يَثْبُتُ مِنْ خَمْسٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةِ رِجَالٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يُقْضَى بِهِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ وَلَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ امْرَأَتَانِ ابْنًا وَاحِدًا ، وَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ وَلَا يُقْضَى بِهِ لِلْمَرْأَتَيْنِ ، وَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةُ تُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ ، وَالْمَرْأَتَيْنِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ ، وَإِذَا زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الزَّانِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْهَا بِالْوِلَادَةِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْوَلَدِ مِثْلُ الْأَخِ ، وَالْعَمِّ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ ) لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ ، أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَهِيَ أَوْلَى مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ ) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ فَيَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ ، ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا نِصْفَيْنِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ خَالٍ ، أَوْ عَمٍّ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك قَرَابَةٌ صَحَّ رُجُوعُهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ ؛ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ : وَالِاشْتِرَاكَ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيَثْبُتُ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ : يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ " وَيُشَارِكُهُ " إذَا أَقَرَّ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ بِأَخٍ لَهُ أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ أَخَذَتْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ وَهُوَ ابْنُ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ لِأَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِامْرَأَةٍ هَذِهِ امْرَأَةُ أَبِي إنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ جَازَ وَيَكُونُ لَهَا الثُّمُنُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمَا فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ يَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ لِلْمَرْأَةِ سَهْمَانِ وَلَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ الْآخَرُ احْتَجْت إلَى قِسْمَتَيْنِ قِسْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَهُوَ أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَمَا حَصَلَ لِلْمُقِرِّ جُعِلَ عَلَى تِسْعَةٍ لِلْمَرْأَةِ اثْنَانِ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ إلَّا أَنَّ الْمُنْكِرَ ظَالِمٌ حَيْثُ أَخَذَ النِّصْفَ تَامًّا فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُقِرِّ ، وَالْمَرْأَةِ عَلَى مَقَادِيرِ سِهَامِهِمَا يَعْنِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ سَهْمَيْنِ وَلَهُ سَبْعَةً فَلَمَّا صَارَ هَذَا النِّصْفُ عَلَى تِسْعَةٍ صَارَ الْكُلُّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ؛ تِسْعَةٌ لِلْمُنْكِرِ وَسَهْمَانِ لِلْمَرْأَةِ وَسَبْعَةٌ لِلْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ

فَيَكُونُ فِي نَصِيبِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْإِجَارَةِ ) الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهُ بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهَا أَنْ لَا تَجُوزَ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَا لَمْ يُخْلَقْ وَعَلَى مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ ، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْطِ الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ - أَيْ أَعْطَى بِي الذِّمَامَ - وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَاسْتَوْفَى مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ } .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ ) حَتَّى لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ حَائِلٌ أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَعْقُودَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الِاسْتِبَاحَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَالْمَهْرُ لَازِمٌ لَهُ ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِهَا حَائِلٌ ، أَوْ مَاتَتْ عَقِيبَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ التَّمْلِيكَاتُ نَوْعَانِ تَمْلِيكُ عَيْنٍ وَتَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ فَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ نَوْعَانِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ نَوْعَانِ أَيْضًا بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً ، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ ، وَالْمَبِيعِ ، ثُمَّ الْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ شُرِطَ فِيهَا بَيَانُ الْمِقْدَارِ وَيَقَعُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ تَقَعُ عَلَى الْغَالِبِ

مِنْهَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْغَلَبَةُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا إنْ يُبَيَّنَ أَحَدُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ كَيْلِيًّا ، أَوْ وَزْنِيًّا ، أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَوْضِعِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَيُسَلِّمُهُ عِنْدَ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ .
فَإِنْ بَيَّنَ الْأَجَلَ صَارَ مُؤَجَّلًا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا أَوْ ثِيَابًا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَالْأَجَلِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَيُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَبِيدِ ، وَالْجَوَارِي وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً مُشَارًا إلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةً فَعَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ كَالسُّكْنَى بِالرُّكُوبِ أَوْ الْمُزَارَعَةِ بِاللُّبْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِخِدْمَةِ عَبْدٍ جَازَ ، وَأَمَّا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى ، أَوْ رُكُوبَ دَابَّةٍ بِرُكُوبِ دَابَّةٍ أُخْرَى ، أَوْ زِرَاعَةَ أَرْضٍ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافِعِ بِالْمَنَافِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِجِنْسِهَا ، أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا يَخْدُمُهُ شَهْرًا بِخِدْمَةِ أَمَتِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّسَاءَ لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ فَإِنْ خُدِمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُخْدَمْ الْآخَرُ قَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَآجَرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ يَخِيطُ مَعَهُ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَصُوغَ نَصِيبَهُ مَعَهُ فِي الشَّهْرِ الدَّاخِلِ لَمْ يَجُزْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ فِي

الْعَبْدِ الْوَاحِدِ مُتَّفِقَانِ فِي الصِّفَةِ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْعَمَلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَبْدَيْنِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ .

( قَوْلُهُ : وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُون أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَيُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً كَالْحَيَوَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَكَذَا اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ .

( قَوْلُهُ : وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى ، وَالْأَرَضِينَ لِلزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الدُّورِ ، وَالْأَرْضِ لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِيهَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : شَهْرٌ ، وَالْآخَرُ : أَكْثَرُ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ .
( قَوْلُهُ : أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ ) يَعْنِي طَالَتْ ، أَوْ قَصُرَتْ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُتَوَلِّي إلَى طَوِيلِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ السِّعْرُ بِحَالِهِ لَمْ يَزْدَدْ وَلَمْ يَنْتَقِصْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ غَلَى أَجْرُهُ مِثْلَهَا فَإِنَّهُ يَفْسَخُ ذَلِكَ وَيُجَدِّدُ الْعَقْدَ ثَانِيًا ، وَفِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً فَإِنَّهَا إلَى وَقْتِ الزِّيَادَةِ يَجِبُ فِيهَا مِنْ الْمُسَمَّى بِقَدْرِهِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهَا ، وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ أُجْرَتُهَا أَيْ رَخُصَتْ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ .
وَفِي الْهِدَايَةِ الْإِجَارَةُ فِي الْأَوْقَافِ لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا فَإِنْ أَجَّرَ الْوَقْفَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلَمْ تَزْدَدْ الرَّغَبَاتُ وَلَا غَلَا السِّعْرُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ أَمَّا إذَا ازْدَادَتْ الرَّغَبَاتُ وَغَلَا السِّعْرُ فُسِخَتْ وَيُجَدَّدُ الْعَقْدُ بِالزَّائِدِ وَيُؤْخَذُ فِيمَا مَضَى بِقَدْرِ الْمُسَمَّى وَعَلَى هَذَا أَرْضُ الْيَتِيمِ ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا إذَا زَادَ وَاحِدٌ فِي أُجْرَتِهَا مُضَارَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْحَوَانِيتِ الْمَوْقُوفَةِ .
( قَوْلُهُ : وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ كَمَنْ

اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ ، أَوْ خِيَاطَتِهِ ، أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ أَنَّهُ مِنْ الْقُطْنِ ، أَوْ الْكَتَّانِ ، أَوْ الصُّوفِ ، أَوْ الْحَرِيرِ وَبَيَّنَ لَوْنَ الصِّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ أَنَّهَا فَارِسِيَّةٌ ، أَوْ رُومِيَّةٌ وَبَيَّنَ الْقَصَارَةَ أَنَّهَا مَعَ النَّشَا أَوْ دُونَهُ وَبَيَّنَ الْقَدْرَ الْمَحْمُولَ عَلَى الدَّابَّةِ وَجِنْسَهُ ، وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا ، أَوْ يَتَلَقَّاهُ فَهُوَ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَوْضِعًا مَعْلُومًا ؛ لِأَنَّ التَّشْيِيعَ يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ ، وَالْبُعْدِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَبْلُغَ عَلَيْهَا مَنْزِلَهُ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَنْقَضِيَ الْإِجَارَةُ بِبُلُوغِهِ إلَى أَدْنَى الْكُوفَةِ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَسَقْيُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنْ عَلَفَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَفَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ مَجْهُولٌ ، وَالْبَدَلُ الْمَجْهُولُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّتَهُ بِعَلَفِهَا لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ الْأُجْرَةِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا ، أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ ، أَوْ لِلطَّبْخِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ لِمَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ : وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ ، وَالْإِشَارَةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَنْقُلَ لَهُ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ ) قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَمَا لَمْ يَحُطَّ الطَّعَامَ مِنْ رَأْسِهِ لَا تَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ : إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا شَهْرًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ حَصَلَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى

الْهِلَالِ فَإِذَا انْسَلَخَ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً إنْ وَقَعَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَقَعَ عَلَى تِلْكَ السَّنَةِ كُلِّهَا بِالْأَيَّامِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ بِالْأَيَّامِ بِحَسَبِ مَا بَقِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَكْمُلُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَثْوَارًا لِلْحَرْثِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِالْعَمَلِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَحْرُثَ لَهُ أَرْضًا مَعْلُومَةً يُعَيِّنُهَا ، أَوْ يُقَدِّرُهَا بِالْمُدَّةِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْرُثَ عَلَيْهِ يَوْمًا ، أَوْ يَوْمَيْنِ ، أَوْ شَهْرًا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ مَعَ هَذَا مَعْرِفَةَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ ( مَسْأَلَةٌ ) : اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أُجْرَةِ الْعَوْنِ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْقَاضِي مَعَ الْمُدَّعِي إلَى خَصْمِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ وَكَذَا السَّارِقُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ الَّذِي يَحْسِمُ بِهِ الْعُرُوقَ عَلَى السَّارِقِ ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَهُوَ السَّرِقَةُ .

( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ ، وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا ) الْحَوَانِيتُ هِيَ الدَّكَاكِينُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَصَارَتْ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ نَوْعِهَا .
( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْحَدَّادَ ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ جَازَ وَيَعْنِي بِالطَّحَّانِ رَحَى الْمَاءِ وَرَحَى الثَّوْرِ لَا رَحَى الْيَدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُمْنَعُ مِنْ الْكُلِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ رَحَى الْيَدِ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ مُنِعَ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي الْحَلْوَانِيُّ ، وَأَمَّا كَسْرُ الْحَطَبِ فَلَا يُمْنَعُ عَنْ كَسْرِ الْمُعْتَادِ مِنْهُ وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ بِنَفْسِهِ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا فَإِذَا قَبَضَهَا ثُمَّ أَجَّرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَّرَهَا بِمِثْلِ مَا اسْتَأْجَرَهَا ، أَوْ أَقَلَّ ، وَإِنْ أَجَّرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا جَازَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى لَا يَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ فَإِنْ كَانَ زَادَ فِي الدَّارِ شَيْئًا كَمَا لَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ طَيَّنَهَا ، أَوْ أَصْلَحَ أَبْوَابَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ حِيطَانِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ ، وَأَمَّا الْكَنْسُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ زِيَادَةً وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مَنْ شَاءَ إلَّا الْحَدَّادَ ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْقُولًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْقُولًا لَمْ يَجُزْ

لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ ، وَإِذَا أَجَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ ، أَوْ الْأَرْضَ مِمَّنْ آجَرَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ .

( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِالشِّرْبِ وَالسُّلُوكِ إلَيْهَا فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَاهَا وَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ ، أَوْ الْمَرَافِقِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رِيِّهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَادَةً لِلرِّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَزْرَعُ بِهِ بَعْضَهَا فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا ، أَوْ يَقُولَ : عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ ) يَعْنِي أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ مَا لَمْ يَزْرَعْهَا أَمَّا لَوْ زَرَعَهَا وَمَضَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّتْ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا حَمْلًا مُتَعَارَفًا فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنَّ لَهُ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ عَطِبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَا قَالَ عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ فَإِنْ زَرَعَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا قَبْلَ الْفَسْخِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا

يَشَاءُ .

( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةَ لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا ، أَوْ شَجَرًا فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَهُ قَلْعُ ذَلِكَ وَيُسَلِّمُهَا فَارِغَةً ) لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ ، وَفِيهَا زَرْعٌ فَإِنَّهَا تَبْقَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقَّيْنِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْغَرْسِ وَالشَّجَرِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ، وَفِيهَا ثَمَرٌ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى إدْرَاكِهِ بِالْأُجْرَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَذَا فِي الْقَاضِي ، وَإِنْ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ ، وَفِي الْأَرْضِ رَطْبَةٌ فَإِنَّهَا تُقْلَعُ ؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَأَشْبَهَتْ الشَّجَرَةَ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَخْتَارَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَيَكُونَ لَهُ ) إنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ مَقْلُوعًا ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونَ الْبِنَاءُ لِهَذَا ، وَالْأَرْضُ لِهَذَا ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَهُ وَيَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لَهُ .

( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ ، وَالْحَمْلِ ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ لَكِنْ إذَا رَكِبَ بِنَفْسِهِ ، أَوْ أَرْكَبَ وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ فَإِنْ رَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ ، أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ مَا عُيِّنَ رَاكِبُهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَأَطْلَقَ ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ : عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فُلَانٌ ، أَوْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ فُلَانٌ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ ، أَوْ أَلْبَسَ الثَّوْبَ غَيْرَهُ كَانَ ضَامِنًا إنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ ، أَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ ) لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ فَصَحَّ التَّعْيِينُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَأَمَّا الْعَقَارُ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ سَاكِنًا فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ ) لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ سَمَّى قَدْرًا ، أَوْ نَوْعًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ ) لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ كَيْلِ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا لَا وَزْنًا وَبَعْضُهُمْ سَوَّى بَيْنَ الْكَيْلِ ، وَالْوَزْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ شَعِيرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَعَطِبَتْ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ مِنْ الشَّعِيرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا

شَعِيرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا فِي أَحَدِ الْجَوْلَقَيْنِ حِنْطَةً ، وَفِي الْآخَرِ شَعِيرًا فَعَطِبَتْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ وَنِصْفُ الْأُجْرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ ، وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ ) لِأَنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا ) لِأَنَّهُ أَضَرُّ بِالدَّابَّةِ فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَقَعُ مِنْ الدَّابَّةِ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا ، وَالْقُطْنُ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا فَكَانَ أَخَفَّ عَلَى الدَّابَّةِ وَأَيْسَرَ فَإِنْ هَلَكَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِحَمْلِهِ صَارَ مُخَالِفًا فَصَارَ كَالْغَاصِبِ كَذَا فِي الْقَاضِي ، وَأَمَّا إذَا سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ الْحَدِيدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ قُطْنًا .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا آخَرَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا ) يَعْنِي مَعَ الْأُجْرَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَأَرْدَفَ رَجُلًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرْدَفَ صَبِيًّا لَا يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ فَهُوَ كَالرَّجُلِ ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ الثِّقَلُ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَضُرُّهَا حَمْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ ) لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا كَانَ حِمْلًا لَا تُطِيقُهُ مِثْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ

فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ عَادَةِ طَاقَةِ الدَّابَّةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ .
وَقَوْلُهُ " الثِّقَلِ " بِكَسْرِ الثَّاءِ وَتَحْرِيكِ الْقَافِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَجَاوَزَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا وَبِالْخِلَافِ صَارَ ضَامِنًا ، ثُمَّ إذَا عَادَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأُجْرَةُ لِلذَّهَابِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلْمَجِيءِ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الْمَكَانَ صَارَ مُخَالِفًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَالْأُجْرَةُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْحِيرَةِ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ ، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ فَنَفَقَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ فَقِيلَ : تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ مَرْدُودًا إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَانِ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَذْهَبْ بِهَا وَجَلَسَ فِي دَارِهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَطِبَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِحَبْسِهِ لَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَرَكِبَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ إنْ كَانَ النَّاسُ يَسْلُكُونَهُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا ، وَإِنْ سَلَكَ

طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ .
وَإِذَا لَمْ تَهْلِكْ وَبَلَغَ الْمَوْضِعَ الْمَعْلُومَ ، ثُمَّ رَجَعَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ لِيَرْكَبَهَا فَذَهَبَ بِهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَسَلَّمَ الْمَفَاتِيحَ إلَيْهِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ سَوَاءٌ سَكَنَهَا ، أَوْ لَمْ يَسْكُنْ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ سُلْطَانٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا عَطِبَتْ الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ ، أَوْ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا خِلَافٍ وَلَا جِنَايَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ ، أَوْ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا عُرْيًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَّا عُرْيًا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ لَمْ يَرْكَبْهَا عُرْيًا ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْكَبَهَا ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَيْهَا ، وَلَا يَتَّكِئُ عَلَى ظَهْرِهَا بَلْ يَكُونُ رَاكِبًا عَلَى الْعُرْفِ ، وَالْعَادَةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّ الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ صَاحِبِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي إمْسَاكِهَا فَلَزِمَهُ الرَّدُّ فَإِنْ حَبَسَهَا فِي بَيْتِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا حَتَّى تَلِفَتْ إنْ كَانَ حَبَسَهَا لِعُذْرٍ لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِلَّا ضَمِنَ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ ) ( كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا ) أَيْ جَذَبَهَا إلَى نَفْسِهِ بِعُنْفٍ .
( أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ ) ( ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ مِنْهُ فِعْلًا مُتَعَارَفًا ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُعْتَادٍ ، أَوْ كَبَحَهَا كَبْحًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِدُونِ الْإِذْنِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِإِمْكَانِ التَّعْلِيمِ بِلَا ضَرْبٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا فِي الْمُعَلِّمِ ، وَالْأُسْتَاذِ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ فِي صِنَاعَةٍ إذَا ضَرَبَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ ، أَوْ وَصِيِّهِ فَمَاتَ ضَمِنَا ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَاهُ بِإِذْنِ الْأَبِ ، أَوْ الْوَصِيِّ لَمْ يَضْمَنَا وَهَذَا إذَا ضَرَبَاهُ ضَرْبًا مُعْتَادًا يُضْرَبُهُ مِثْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ضَمِنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَ الْأَبُ ابْنَهُ فَمَاتَ ضَمِنَ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ لِلتَّأْدِيبِ فَمَاتَ ضَمِنَ وَلَا يَرِثَانِ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنَانِ وَيَرِثَانِ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ لِنُشُوزٍ ، أَوْ نَحْوِهِ فَمَاتَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ إجْمَاعًا وَلَا يَرِثُ وَلَوْ وَطِئَهَا فَمَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا إذَا أَفْضَاهَا ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْوَطْءِ فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ مَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ ، وَإِنْ أَفْضَاهَا ، وَالْبَوْلُ لَا يَسْتَمْسِكُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ فَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ ، وَأَمَّا إذَا كَسَرَ فَخِذَهَا فِي حَالَةِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ كَسْرَ

الْفَخِذِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ حَادِثٍ مِنْ الْوَطْءِ الْمَأْذُونِ فِيهِ .

( قَوْلُهُ : وَالْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَجِيرٌ مُشْتَرَكٍ وَأَجِيرٍ خَاصٍّ ، فَالْمُشْتَرَكُ كُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ مَنْ يَعْمَلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِعَمَلِهِ وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَتَاعُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ مَضْمُونٌ ) عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنُهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مِنْ شَيْءٍ غَالِبٍ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ - وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ حَوَانِيتِ الْبَيْتِ - ، وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمَنَعَةِ وَمَوْتِ الشَّاةِ ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مُحْدَثًا فِيهِ عَمَلٌ أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ مُصْحَفًا لِيَعْمَلَ لَهُ غِلَافًا ، أَوْ سَيْفًا لِيَعْمَلَ لَهُ جِفْنًا ، أَوْ سِكِّينًا لِيَعْمَلَ لَهَا نَصْلًا فَضَاعَ الْمُصْحَفُ ، أَوْ السَّيْفُ ، أَوْ السِّكِّينُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ عَلَى إيقَاعِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَتَاعُ أَمَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ مَضْمُونٌ احْتِيَاطًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ الْأُجَرَاءَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ اجْتَهَدُوا فِي الْحِفْظِ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ عِنْدَ الْفَتْوَى فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الصُّلْحَ عَلَى النِّصْفِ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، ثُمَّ إذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَيُعْطِيهِ الْأُجْرَةَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ وَلَوْ ادَّعَى الْأَجِيرُ الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأُجْرَةِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْأَجِيرِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .

( قَوْلُهُ : وَمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلَقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي الْحِمْلَ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ ، وَإِنْ جَفَّفَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا عَلَى حَبْلٍ فَمَرَّتْ بِهِ حَمُولَةٌ فِي الطَّرِيقِ فَخَرَّقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَجْفِيفُهُ إلَّا عَلَى حَبْلٍ ، أَوْ حَائِطٍ بِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَصَارَ ذَلِكَ مَأْذُونًا فِيهِ فَلَمْ يَضْمَنْ وَالضَّمَانُ عَلَى سَائِقِ الْحَمُولَةِ ؛ لِأَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي الِاجْتِيَازِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَصَارَ جَانِيًا بِسَوْقِهِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِهِ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرِقَ مِنْهُمْ فِي السَّفِينَةِ ، أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ لَمْ يَضْمَنْهُ ) وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَهُ ضَمِنَهُمْ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ بَنِي آدَمَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَهُمْ لَكَانَ مُوجَبُ ضَمَانِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَضْمَنُ بِالْأَقْوَالِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ قَوْلٌ وَلِأَنَّ بَنِي آدَمَ فِي أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا فَصَدَ الْفَصَّادُ أَوْ بَزَّغَ الْبَزَّاغُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ مَوْضِعَ الْمُعْتَادِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا عَطِبَ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ تَجَاوَزَهُ ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَزْغُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ تَجَاوَزَ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ أَمْ لَا وَلَوْ قَطَعَ الْخَتَّانُ حَشَفَةَ الصَّبِيِّ فَمَاتَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ حَصَلَ مَوْتُهُ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَالثَّانِي غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ ، وَأَمَّا إذَا بَرِئَ جُعِلَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَقَطْعُ

الْحَشَفَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ كَامِلًا وَهُوَ الدِّيَةُ كَذَا فِي شَاهَانْ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ ، أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ ) وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَاصًّا ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِعَمَلِهِ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ فِي الْمُدَّةِ .

( قَوْلُهُ : وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ ) بِأَنْ سُرِقَ مِنْهُ ، أَوْ غُصِبَ .
( قَوْلُهُ : وَلَا مَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ ) بِأَنْ انْكَسَرَ الْقِدْرُ مِنْ عَمَلِهِ ، أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ دَقِّهِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ مُعْتَادٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا إذَا ضَرَبَ شَاةً فَفَقَأَ عَيْنَهَا ، أَوْ كَسَرَ رِجْلَهَا كَانَ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا ، وَإِذَا مَاتَ شَيْءٌ مِنْ الْغَنَمِ ، أَوْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَمْ يَضْمَنْ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَكَذَا إذَا سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ فَغَرِقَتْ مِنْهَا شَاةٌ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمُدَّةِ نِصْفُ الْغَنَمِ ، أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يُنْزِيَ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَاءَ حَمْلٌ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ ، وَإِنْ كَانَ الْفَحْلُ نَزَا عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، وَإِنْ نَدَّتْ وَاحِدَةٌ فَخَافَ إنْ تَبِعَهَا ضَاعَ الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ مِنْ فِعْلِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ لِلَّتِي نَدَّتْ .

( قَوْلُهُ : وَالْإِجَارَةٌ تُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ كَمَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ ) يَعْنِي الشُّرُوطَ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ ، أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، أَوْ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا إذَا شَرَطَ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَصِحُّ فَسْخُهُ بِالْإِقَالَةِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ .

( قَوْلُهُ : مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ) لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى هَيْئَةِ السَّفَرِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السَّفَرِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَاسْتَأْجَرَهُ فَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ لِلْخِدْمَةِ وَسَافَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فَخَرَجَ عَنْ الْعَقْدِ فَصَارَ مُسْتَخْدِمًا لِعَبْدِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْدُمَهُ يَوْمًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِثْلُ غَسْلِ ثَوْبِهِ وَطَبْخِ لَحْمِهِ وَعَجْنِ دَقِيقِهِ وَعَلْفِ دَابَّتِهِ وَحَلْبِهَا - إنْ كَانَ يُحْسِنُهُ - وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ ، وَإِنْزَالِ مَتَاعِهِ مِنْ السَّطْحِ وَرَفْعِهِ إلَى السَّطْحِ وَخِدْمَةِ أَضْيَافِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْخِدْمَةِ كَذَا فِي شَرْحِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ امْرَأَةً أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ وَيَخْلُوَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ ، وَإِذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ سَنَةً فَلَمَّا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَأَجَازَهَا فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُضَهَا ، وَتَكُونُ أُجْرَةُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ لِلْعَبْدِ وَأُجْرَةُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ أُجْرَةَ السَّنَةِ كُلَّهَا سَلَفًا ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَاخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِالتَّعْجِيلِ

وَيَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ لِلْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَفْسَخْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْقَبْضُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ فَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ عَتَقَتْ وَلَهَا الْخِيَارُ كَمَا فِي الْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمِلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ جَازَ ) وَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ خَاصَّةً .
وَفِي الْغَايَةِ عَلَى الذَّهَابِ ، وَالْمَجِيءِ .
( قَوْلُهُ : وَلَهُ الْمَحْمِلُ الْمُعْتَادُ ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الرَّاكِبَيْنِ ، أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ مَنْ أَشَاءُ أَمَّا إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْت عَلَى الرُّكُوبِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَعَلَى الْمُكَارِي تَسْلِيمُ الْحِزَامِ ، وَالْقَتَبِ وَالسَّرْجِ ، وَالْبُرَةِ الَّتِي فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ وَاللِّجَامِ لِلْفَرَسِ ، وَالْبَرْدَعَةِ لِلْحِمَارِ فَإِنْ تَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي يَدِ الْمُكْتَرِي لَمْ يَضْمَنْهُ كَالدَّابَّةِ ، وَأَمَّا الْمَحْمِلُ ، وَالْغِطَاءُ فَهُوَ عَلَى الْمُكْتَرِي ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي إشَالَةُ الْمَحْمِلِ ، وَحَطُّهُ وَسَوْقُ الدَّابَّةِ وَقَوْدُهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَ الرَّاكِبِينَ لِلطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا يَجِبُ لِلْأَكْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهُمَا عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُبْرِكَ الْجَمَلَ لِلْمَرْأَةِ ، وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الضَّعِيفِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْمَحْمِلَ فَهُوَ أَجْوَدُ ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِمُشَاهَدَةِ الْمَحْمِلِ وَهُوَ الْهَوْدَجُ يُقَالُ فِيهِ مِحْمَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ فِيهِ بِالْعَكْسِ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ جَازَ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ ) وَكَذَا إذَا سُرِقَ الزَّادُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ الْمَكِيلِ ، وَالْمَوْزُونِ .

قَوْلُهُ : ( وَالْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ ) أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ ، وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ ، وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ ، وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ ، أَوْ عَجَّلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُؤَجَّرُ فَأَعْتَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ صَحَّ عِتْقُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُؤَجِّرُ فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ .
( قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ ، أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَعِنْدَنَا لَا يَعْتِقُ وَعِنْدَهُ يَعْتِقُ ، ثُمَّ الْمُؤَجِّرُ إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ فِي الْعَقْدِ كَانَ لَهُ حَبْسُ الدَّارِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْمَبِيعِ ، وَالْأُجْرَةَ كَالثَّمَنِ فَكَمَا وَجَبَ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَذَا يَجِبُ حَبْسُ الْمَنَافِعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ وَقَوْلُهُ : أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَإِذَا عَجَّلَ ، ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بِالْأُجْرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا إذَا هَلَكَتْ قَالَ فِي شَرْحِهِ : إذَا عَجَّلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ مَلَكَهَا الْمُؤَجِّرُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا عَجَّلَهُ .
فَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الدَّارِ فَأَعْتَقَهُ صَاحِبُ الدَّارِ نَفَذَ عِتْقُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالتَّعْجِيلِ فَإِنْ

انْهَدَمَتْ الدَّارُ قَبْلَ قَبْضِهَا ، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ تَسْلِيمُ الدَّارِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ قَدْ مَلَكَهُ وَزَالَ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ : أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَقَدْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَاسْتَحَقَّ مِلْكَ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ إلَّا فِي آخِرِ الْمُدَّةِ ، أَوْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأُجْرَةِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُهَا فِي الْعَقْدِ مَتَى تَجِبُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا : لَا يُطَالِبُهُ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ كُلَّهَا أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُطَالِبُهُ عِنْدَ مُضِيِّ كُلِّ يَوْمٍ ، يَعْنِي أَنَّهَا تَجِبُ حَالًا فَحَالًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَتَسَلَّمْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ حَتَّى أَبْرَأَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْأُجْرَةِ ، أَوْ وَهَبَهَا لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَيْنًا كَانَتْ الْأُجْرَةُ ، أَوْ دَيْنًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا أَبْرَأَ مِنْهَا ، أَوْ وَهَبَهَا فَقَدْ أَبْرَأَ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ .
وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ الْإِجَارَةُ بِقَبُولِ الْبَرَاءَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ فَوُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إذَا

كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَيْنًا جَازَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فَوَهَبَهَا الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إنْ قَبِلَ الْهِبَةَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ ، وَإِنْ رَدَّهَا لَمْ تَبْطُلْ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ فَإِذَا رَدَّهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْعَقْدِ ) .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ ) لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَبْلُغَ ثُلُثَ الطَّرِيقِ ، أَوْ نِصْفَهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ ، وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَا بِالْأُجْرَةِ حَتَّى يَفْرُغَا مِنْ الْعَمَلِ ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَيَّاطُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ مَا خَاطَ .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ أَيْضًا قَبْلَ الْفَرَاغِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ ) لِأَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ ، وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا فَرَغَ ، ثُمَّ هَلَكَ الثَّوْبُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ يَعْنِي - إذَا خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ - ، وَعِنْدَهُمَا الثَّوْبُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَخِيطٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ مَخِيطًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزَ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ ) لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِإِخْرَاجِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَإِنْ احْتَرَقَ الْخُبْزُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأُجْرَةَ ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ وَلَا يَضْمَنُ الْحَطَبَ ، وَالْمِلْحَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَإِنْ سُرِقَ الْخُبْزُ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الطَّعَامِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَقَعَ مُسَلَّمًا ، وَبَيْتُهُ بِيَدِهِ فَاسْتَحَقَّ الْبَدَلَ بِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ ، وَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سُرِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ عَلَى أَصْلِهَا فِي ضَمَانِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقَوْلُهُ لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ شَرْطُ كَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُ : لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ يَعْنِي لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَ بَعْضَ الْخُبْزِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا لِلْوَلِيمَةِ فَالْغَرْفُ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ ، وَإِنْ أَفْسَدَ الطَّعَامَ أَوْ أَحْرَقَهُ ، أَوْ لَمْ يُنْضِجْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِلْوَلِيمَةِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَلَا غَرْفَ عَلَيْهِ فَإِذَا دَخَلَ الْخَبَّازُ ، أَوْ الطَّبَّاخُ بِنَارٍ لِيَخْبِزَ ، أَوْ لِيَطْبُخَ بِهَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ بِهَا الْبَيْتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْعَمَلِ إلَّا بِإِدْخَالِ النَّارِ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمَكَانِ إذَا احْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ السُّكَّانِ فِي الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا السَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ .
وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ اشْتَرَى رَاوِيَةً وَدَخَلَ بِهَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَنَفَرَتْ الدَّابَّةُ فَخَرَّتْ عَلَى الْقُدُورِ فَكَسَرَتْهَا ، أَوْ وَقَعَ الْمَاءُ عَلَى الطَّعَامِ فَأَفْسَدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ وَلَا عَلَى الطَّبَّاخِ ، وَالْخَبَّازِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا .

( قَوْلُهُ : وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ إذَا أَقَامَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ إلَى بَيْتِهِ ، وَالْإِقَامَةُ هِيَ النَّصْبُ بَعْدَ الْجَفَافِ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُشَرِّجَهُ ) لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ وَالتَّشْرِيجُ هُوَ أَنْ يُرَكِّبَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ بَعْدَ الْجَفَافِ ؛ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا تَلِفَ اللَّبِنُ قَبْلَ التَّشْرِيجِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْبَسِطٌ .
وَفِي الْمُصَفَّى إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ لَبِنًا فِي مِلْكِهِ فَعَمِلَهُ فَأَفْسَدَهُ الْمَطَرُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَقَامَهُ وَلَمْ يُشَرِّجْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ تَسْلِيمٌ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّشْرِيجُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ ، وَأَمَّا إذَا عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَمَا لَمْ يُشَرِّجْهُ وَيُسَلِّمْهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَخْرُجُ عَنْ ضَمَانِهِ حَتَّى إنَّهُ إذَا فَسَدَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ .

( قَوْلُهُ : وَإِذَا قَالَ إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ وَأَيُّ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَهُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ ) .
وَقَالَ زُفَرُ الْعَقْدُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ وَلَنَا أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ مَنْفَعَتَيْنِ مَعْلُومَتَيْنِ ، وَالْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْعَمَلِ وَبِأَخْذِهِ فِي الْعَمَلِ يَتَعَيَّنُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ صَبَغْته بِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ عَلَى هَذَا ، ثُمَّ إذَا خَاطَهُ فَارِسِيًّا وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ رُومِيًّا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ ) .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ .
وَقَالَ زُفَرُ كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ دِرْهَمًا ، وَإِنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَا شَيْءَ لَك قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ إنْ سَكَّنْت هَذَا الدُّكَّانَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ وَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ ) وَإِنَّمَا صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَأُجْرَتَهُ مَعْلُومَةٌ وَالشَّهْرَ لَا يَخْتَلِفُ ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِيهَا مَجْهُولَةٌ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إذَا دَخَلَتْ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ ، وَأَمَّا إذَا سَمَّى جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ يَمْضِيَ الشَّهْرُ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ ) لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِتَرَاضِيهِمَا بِالسُّكْنَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15