كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ رضي الله عنه:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ, وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْحِبَنَا الْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ خَطَإٍ وَزَلَلٍ, وَيُوَفِّقَنَا لِلصَّوَابِ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ. آمِينَ آمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ, فَإِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ أَنْ نَعْمَلَ لِلْمَسَائِلِ الْمُخْتَصَرَةِ الَّتِي جَمَعْنَاهَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ " بِالْمُحَلَّى " شَرْحًا مُخْتَصَرًا أَيْضًا, نَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى قَوَاعِدِ الْبَرَاهِينِ بِغَيْرِ إكْثَارٍ, لِيَكُونَ مَأْخَذُهُ سَهْلاً عَلَى الطَّالِبِ وَالْمُبْتَدِئِ, وَدَرَجًا لَهُ إلَى التَّبَحُّرِ فِي الْحِجَاجِ وَمَعْرِفَةِ الاِخْتِلاَفِ وَتَصْحِيحِ الدَّلاَئِلِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِمَّا تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهِ وَالإِشْرَافِ عَلَى أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْوُقُوفِ عَلَى جَمْهَرَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَمْ يَصِحَّ, وَالْوُقُوفِ عَلَى الثِّقَاتِ مِنْ رُوَاةِ الأَخْبَارِ وَتَمْيِيزِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِ الْقِيَاسِ وَتَنَاقُضِهِ وَتَنَاقُضِ الْقَائِلِينَ بِهِ, فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلِ ذَلِكَ, وَاسْتَعَنْته تَعَالَى عَلَى الْهِدَايَةِ إلَى نَصْرِ الْحَقِّ, وَسَأَلْته التَّأْيِيدَ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَتَقْرِيبِهِ, وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِوَجْهِهِ خَالِصًا وَفِيهِ مَحْضًا آمِينَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَلْيَعْلَمْ مَنْ قَرَأَ كِتَابَنَا هَذَا أَنَّنَا لَمْ نَحْتَجَّ إلاَّ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ مُسْنَدٍ, وَلاَ خَالَفْنَا إلاَّ خَبَرًا ضَعِيفًا فَبَيَّنَّا ضَعْفَهُ, أَوْ مَنْسُوخًا فَأَوْضَحْنَا نَسْخَهُ. وَمَا تَوْفِيقُنَا إلاَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

مسائل التوحيد
مسائل التوحيد
أول مايلزم كل أحد ولا يصح الإسلام إلا به
التَّوْحِيدِ
1 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: "رضي الله عنه: أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ, وَلاَ يَصِحُّ الإِسْلاَمُ إلاَّ بِهِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَرْءُ بِقَلْبِهِ عِلْمَ يَقِينٍ وَإِخْلاَصٍ لاَ يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ الشَّكِّ فِيهِ أَثَرٌ وَيَنْطِقَ بِلِسَانِهِ, وَلاَ بُدَّ بِأَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ, حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ, حدثنا رَوْحٌ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَعْقُوبَ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ, فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" . وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا مُسْنَدًا مُعَاذٌ, وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُم.ْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} . وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. وَأَمَّا وُجُوبُ عَقْدِ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . وَالإِخْلاَصُ فِعْلُ النَّفْسِ. وَأَمَّا وُجُوبُ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ, فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ الْمُخْرِجَةُ لِلدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَكُونُ إلاَّ بِاللِّسَانِ ضَرُورَةً.

وتفسير هذه الجملة هو أن الله تعالى إله كل شيء دونه
2 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: " وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعَالَمَ بِكُلِّ مَا فِيهِ ذُو زَمَانٍ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ قَطُّ, وَلاَ يُتَوَهَّمُ, وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُوَ الْعَالَمُ, عَنْ زَمَانٍ. وَمَعْنَى الزَّمَانِ هُوَ مُدَّةُ بَقَاءِ الْجِسْمِ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا وَمُدَّةُ وُجُودِ الْعَرَضِ فِي الْجِسْمِ, وَإِذْ الزَّمَانُ مُدَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عَدَدٌ مَعْدُودٌ, وَيَزِيدُ بِمُرُورِهِ وَدَوَامِهِ, وَالزِّيَادَةُ لاَ تَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلاَّ فِي ذِي مَبْدَأٍ وَنِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى مَا زَادَ فِيهِ. وَالْعَدَدُ أَيْضًا ذُو مَبْدَأٍ, وَلاَ بُدَّ, وَالزَّمَانُ مُرَكَّبٌ بِلاَ شَكٍّ مِنْ أَجْزَائِهِ, وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ فَهُوَ بِيَقِينٍ ذُو نِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَمُنْتَهَاهُ وَالْكُلُّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَجْزَائِهِ, وَأَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا ذَاتُ مَبْدَأٍ, فَهُوَ كُلُّهُ ذُو مَبْدَأٍ ضَرُورَةً, فَلَمَّا كَانَ الزَّمَانُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مَبْدَأٍ ضَرُورَةً, وَكَانَ الْعَالَمُ كُلُّهُ لاَ يَنْفَكُّ, عَنْ زَمَانٍ وَالزَّمَانُ ذُو مَبْدَأٍ, فَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَا الْمَبْدَأِ فَهُوَ ذُو مَبْدَأٍ, وَلاَ بُدَّ, فَالْعَالَمُ كُلُّهُ جَوْهَرُهُ وَعَرَضُهُ ذُو مَبْدَأٍ وَإِذْ هُوَ ذُو مَبْدَأٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ, وَالْمُحْدَثُ يَقْتَضِي مُحْدِثًا ضَرُورَةً إذْ لاَ يُتَوَهَّمُ أَصْلاً, وَلاَ يُمْكِنُ مُحْدَثٌ إلاَّ وَلَهُ مُحْدِثٌ, فَالْعَالَمُ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ وَلَهُ خَالِقٌ لَمْ يَزَلْ, وَهُوَ مَلِكُ كُلِّ مَا خَلَقَ, فَهُوَ إلَهُ كُلِّ مَا خَلَقَ وَمُخْتَرِعُهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ.

هو الله لا إله إلا هو
3 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: " هُوَ اللَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ, وَأَنَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ, وَلاَ يَزَالُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مَخْلُوقٌ, وَأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَجَبَ أَنْ لَوْ كَانَ الْخَالِقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَرَهُمَا الْعَدَدُ, وَكُلُّ مَعْدُودٍ فَذُو نِهَايَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا, وَكُلُّ ذِي نِهَايَةٍ فَمُحْدَثٌ. وَأَيْضًا فَكُلُّ اثْنَيْنِ فَهُمَا غَيْرَانِ, وَكُلُّ غِيَرَيْنِ فَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى مَا صَارَ بِهِ غَيْرَ الآخَرِ, فَعَلَى هَذَا كَانَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا, وَلاَ بُدَّ مُرَكَّبًا مِنْ ذَاتِهِ وَمِمَّا غَايَرَ بِهِ الآخَرَ, وَإِذَا كَانَ مُرَكَّبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ مُدَبَّرٌ فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ وَعَادَ الأَمْرُ إلَى وُجُوبِ أَنَّهُ وَاحِدٌ, وَلاَ بُدَّ, وَأَنَّهُ بِخِلاَفِ خَلْقِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ, وَالْخَلْقُ كَثِيرٌ مُحْدَثٌ فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى بِخِلاَفِ ذَلِكَ, وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ, إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ تَعَالَى اللَّهُ, عَنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.

وأنه خلق كل شيء لغير علة أوجبت عليه أن يخلق
4 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا فَعَلَ لِعِلَّةٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ إمَّا لَمْ تَزَلْ مَعَهُ. وَأَمَّا مَخْلُوقَةً مُحْدَثَةً, وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ, فَلَوْ كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ لَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ مُمْتَنِعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ لَمْ يَزَلْ, فَكَانَ يُبْطِلُ التَّوْحِيدَ الَّذِي قَدْ أَبَنَّا بُرْهَانَهُ آنِفًا. وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ إذْ كَانَتْ عِلَّةُ الْخَلْقِ لَمْ تَزَلْ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ لَمْ يَزَلْ, لإِنَّ الْعِلَّةَ لاَ تُفَارِقُ الْمَعْلُولَ, وَلَوْ فَارَقَتْهُ لَمْ تَكُنْ عِلَّةً لَهُ, وَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا بُرْهَانَ وُجُوبِ حُدُوثِ الْعَالَمِ كُلِّهِ. وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ هَهُنَا عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ لَكَانَ مُضْطَرًّا مَطْبُوعًا أَوْ مُدَبِّرًا مَقْهُورًا لِتِلْكَ الْعِلَّةِ, وَهَذَا خُرُوجٌ, عَنِ الإِلَهِيَّةِ, وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُحْدَثَةً لَكَانَتْ, وَلاَ بُدَّ إمَّا مَخْلُوقَةً لَهُ تَعَالَى. وَأَمَّا غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ, فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ فَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا وُجُوبَ كَوْنِ كُلِّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ مَخْلُوقًا, فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ. وَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً وَجَبَ, وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ, فَإِنْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى وَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا, وَهَذَا يُوجِبُ وُجُوبَ مُحْدِثِينَ لاَ نِهَايَةَ لِعَدَدِهِمْ. وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَبِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ إلَى الْفِعْلِ فَقَدْ حَصَرَهُ الْعَدَدُ ضَرُورَةً بِمِسَاحَتِهِ أَوْ بِزَمَانِهِ, وَلاَ بُدَّ, وَكُلُّ مَا حَصَرَهُ الْعَدَدُ فَهُوَ مُتَنَاهٍ. فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا وَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ خُلِقَتْ الْعِلَّةُ لاَ لِعِلَّةٍ. سَأَلُوا: مِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَخْلُقَ الأَشْيَاءَ لِعِلَّةٍ وَيَخْلُقَ الْعِلَّةَ لاَ لِعِلَّةٍ, وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ.

وأن النفس مخلوقة
- مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّفْسَ مَخْلُوقَةٌ.
بُرْهَانُ هَذَا: أَنَّنَا نَجِدُ الْجِسْمَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ لاَ يَحُسُّ شَيْئًا, وَأَنَّ الْمَرْءَ إذَا فَكَّرَ فِي شَيْءٍ مَا فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَخَلَّى, عَنِ الْجَسَدِ كَانَ أَصَحَّ لِفَهْمِهِ وَأَقْوَى لاِِدْرَاكِهِ, فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحَسَّاسَ الْعَالِمَ الذَّاكِرَ هُوَ شَيْءٌ غَيْرُ الْجَسَدِ وَنَجِدُ الْجَسَدَ إذَا تَخَلَّى مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا بِكُلِّ أَعْضَائِهِ, وَلاَ حِسَّ لَهُ, وَلاَ فَهْمَ إمَّا بِمَوْتٍ, وَإِمَّا بِإِغْمَاءٍ, وَإِمَّا بِنَوْمٍ.فَصَحَّ أَنَّ الْحَسَّاسَ الذَّاكِرَ هُوَ غَيْرُ الْجَسَدِ, وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي اللُّغَةِ نَفْسًا وَرُوحًا, وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذِكْرُهُ: ْ{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الآُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فَكَانَتْ النُّفُوسُ كَمَا نَصَّ تَعَالَى كَثِيرَةً, وَكَذَلِكَ وَجَدْنَاهَا نَفْسًا خَبِيثَةً وَأُخْرَى طَيِّبَةً, وَنَفْسًا ذَاتَ شَجَاعَةٍ وَأُخْرَى ذَاتَ جُبْنٍ, وَأُخْرَى عَالِمَةً وَأُخْرَى جَاهِلَةً. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِكُلِّ حَيٍّ نَفْسًا غَيْرَ نَفْسِ غَيْرِهِ, فَإِذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَكَانَتْ النُّفُوسُ كَثِيرَةً مُرَكَّبَةً مِنْ جَوْهَرِهَا وَصِفَاتِهَا, فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ, وَهِيَ مَا لَمْ يَنْفَكَّ قَطُّ مِنْ زَمَانٍ وَعَدَدٍ فَهِيَ مُحْدَثَةٌ مُرَكَّبَةٌ, وَكُلُّ مُحْدَثٍ مُرَكَّبٍ مَخْلُوقٌ. وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِمَّا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَقَدْ خَالَفَ اللَّهَ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} وَخَالَفَ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَا قَامَ بِهِ الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ".

وهي الروح نفسه
6 - مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ الرُّوحُ نَفْسُهُ,
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ كَمَا ذَكَرْنَا بِأَنَّ هَهُنَا شَيْئًا مُدَبِّرًا لِلْجَسَدِ هِيَ الْحَيُّ الْحَسَّاسُ الْمُخَاطَبُ, وَلَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ قَطُّ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ, فَكَانَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ النَّفْسِ قَدْ زَعَمَ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ وَقَالَ مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِصِحَّتِهِ, وَهَذَا بَاطِلٌ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فَمَنْ لاَ بُرْهَانَ لَهُ فَلَيْسَ صَادِقًا.فَصَحَّ أَنَّ النَّفْسَ وَالرُّوحَ اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ. حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ, حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ, هُوَ ابْنُ زَيْدٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلاَلٍ: "اكْلأْ

لَنَا اللَّيْلَ" فَغَلَبَتْ بِلاَلاً عَيْنَاهُ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم, وَلاَ بِلاَلٌ, وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ, فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمْ اسْتِيقَاظًا فَقَالَ: "يَا بِلاَلُ فَقَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ" . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} إلَى قَوْلِهِ: {أَجَلٍ مُسَمًّى} . وحدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ, حدثنا أَبُو دَاوُد, حدثنا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ, حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ, حدثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ, حدثنا خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ حَدَّثَنِي أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ نَوْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلاَ إنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّا لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا, عَنْ صَلاَتِنَا, وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ" فَعَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَنْفُسِ وَبِالأَرْوَاحِ, عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ, وَلاَ يَثْبُتُ عَنْهُ عليه السلام فِي هَذَا الْبَابِ خِلاَفٌ لِهَذَا أَصْلاً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ".

والعرش مخلوق
7- مَسْأَلَةٌ: وَالْعَرْشُ مَخْلُوقٌ
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وَكُلُّ مَا كَانَ مَرْبُوبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ.

وأنه تعالى ليس كمثله شيء
8 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَلاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ. قَدْ مَضَى الْكَلاَمُ فِي هَذَا, وَلَوْ تَمَثَّلَ تَعَالَى فِي صُورَةِ شَيْءٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ مِثْلاً لَهُ وَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .

وأن النبوة حق
9 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النُّبُوَّةَ حَقٌّ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا غَابَ عَنَّا أَوْ كَانَ قَبْلَنَا فَلاَ يُعْرَفُ إلاَّ بِالْخَبَرِ عَنْهُ. وَخَبَرُ التَّوَاتُرِ يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ, وَلاَ بُدَّ, وَلَوْ دَخَلَتْ فِي نَقْلِ التَّوَاتُرِ دَاخِلَةٌ أَوْ شَكٌّ لَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّكُّ هَلْ كَانَ قَبْلَنَا خَلْقٌ أَمْ لاَ ; إذْ لَمْ نَعْرِفْ كَوْنَ الْخَلْقِ مَوْجُودًا قَبْلَنَا إلاَّ بِالْخَبَرِ, وَمَنْ بَلَغَ هَهُنَا فَقَدْ فَارَقَ الْمَعْقُولَ وَبِنَقْلِ التَّوَاتُرِ الْمَذْكُورِ صَحَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ النَّاسِ أَتَوْا أَهْلَ زَمَانِهِمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ الْخَلْقِ أَوْحَى إلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِإِنْذَارِ قَوْمِهِمْ بِأَوَامِرَ أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا, فَسَأَلُوا بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوا: "فَأَتَوْا بِأَعْمَالٍ هِيَ خِلاَفٌ لِطَبَائِعِ مَا فِي الْعَالَمِ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا مَخْلُوقٌ, حَاشَا خَالِقَهَا الَّذِي ابْتَدَعَهَا كَمَا شَاءَ, كَقَلْبِ عَصًا حَيَّةً تَسْعَى, وَشَقِّ الْبَحْرِ لِعَسْكَرٍ جَازُوا فِيهِ وَغَرِقَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ ; وَكَإِحْيَاءِ مَيِّتٍ قَدْ صَحَّ مَوْتُهُ, وَكَإِبْرَاءِ أَكْمَهٍ وُلِدَ أَعْمَى, وَكَنَاقَةٍ خَرَجَتْ مِنْ صَخْرَةٍ, وَكَإِنْسَانٍ رُمِيَ فِي النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ, وَكَإِشْبَاعِ عَشَرَاتٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ, وَكَنَبَعَانِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ إنْسَانٍ حَتَّى رُوِيَ الْعَسْكَرُ كُلُّهُ. فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَهِدَ لَهُمْ بِمَا أَظْهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَصِحْ مَا أَتَوْا بِهِ عَنْهُ وَأَنَّهُ تَعَالَى صَدَّقَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ".

وأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله إلى جميع الإنس والجن كافرهم ومؤمنهم
10- مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ, كَافِرِهِمْ وَمُؤْمِنِهِمْ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام أَتَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْمَنْقُولِ إلَيْنَا بِأَتَمِّ مَا يَكُونُ مِنْ نَقْلِ التَّوَاتُرِ, وَأَنَّهُ دَعَا مَنْ خَالَفَهُ إلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ, عَنْ ذَلِكَ, وَأَنَّهُ شُقَّ لَهُ الْقَمَرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}. وَحَنَّ الْجِذْعُ إذْ فَقَدَهُ حَنِينًا سَمِعَهُ كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ, وَهُمْ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ ; وَدَعَا الْيَهُودَ إلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ ; وَأَخْبَر هُمْ أَنَّهُمْ لاَ يَتَمَنَّوْنَهُ فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ, عَنْ تَمَنِّيهِ جِهَارًا. وَدَعَا النَّصَارَى إلَى مُبَاهَلَتِهِ فَأَبَوَا كُلُّهُمْ. وَهَذَانِ الْبُرْهَانَانِ مَذْكُورَانِ جَمِيعًا فِي نَصِّ الْقُرْآنِ, كَمَا ذُكِرَ فِيهِ تَعْجِيزَهُ جَمِيعَ الْعَرَبِ, عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوَّلَهُمْ, عَنْ آخِرِهِمْ ; وَنَبَعَ لَهُمْ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ, وَأَطْعَمَ مِئِينَ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ وَجَدْيٍ, وَأَذْعَنَ مُلُوكُ الْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ لاَِمْرِهِ لِلآيَاتِ الَّتِي صَحَّتْ عِنْدَهُمْ عَنْهُ, فَنَزَلُوا, عَنْ مُلْكِهِمْ كُلِّهِمْ طَوْعًا دُونَ رَهْبَةٍ أَصْلاً, وَلاَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَغْزُوَهُمْ, وَلاَ بِرَغْبَةٍ رَغَّبَهُمْ بِهَا, بَلْ كَانَ يَتِيمًا فَقِيرًا. وَهُنَاكَ قَوْمٌ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ كَصَاحِبِ صَنْعَاءَ وَكَصَاحِبِ الْيَمَامَةِ, كِلاَهُمَا أَقْوَى جَيْشًا وَأَوْسَعُ مِنْهُ بِلاَدًا, فَمَا الْتَفَتَ لَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ قَوْمِهِمَا, وَكَانَ هُوَ أَضْعَفَهُمْ جُنْدًا وَأَضْعَفَهُمْ بَلَدًا وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ بِلاَدِ الْمُلُوكِ دَارًا, فَدَعَا الْمُلُوكَ وَالْفُرْسَانَ الَّذِينَ قَدْ مَلَئُوا جَزِيرَةَ الْعَرَبِ وَهِيَ نَحْوُ شَهْرَيْنِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلَى إقَامَةِ الصَّلاَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَإِسْقَاطِ الْفَخْرِ وَالتَّجَبُّرِ, وَالْتِزَامِ التَّوَاضُعِ وَالصَّبْرِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا مِنْ كُلِّ حَقِيرٍ أَوْ رَفِيعٍ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ, وَلاَ عَشِيرَةٌ تَنْصُرُهُ, بَلْ اتَّبَعَهُ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَهُ مُذْعِنًا لِمَا بَهَرَهُمْ مِنْ آيَاتِهِ ; وَلَمْ يَأْخُذْ قَطُّ بَلْدَةً عَنْوَةً وَغَلَبَةً إلاَّ خَيْبَرَ وَمَكَّةَ فَقَطْ وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعًا وَقَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} .

نسخ الله بملته كل ملة
11 - مَسْأَلَةٌ: نَسَخَ عَزَّ وَجَلَّ بِمِلَّتِهِ كُلَّ مِلَّةٍ وَأَلْزَمَ أَهْلَ الأَرْضِ جِنَّهُمْ وَإِنْسَهُمْ اتِّبَاعَ شَرِيعَتِهِ الَّتِي بَعَثَهُ بِهَا, وَلاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهَا ; وَأَنَّهُ عليه السلام خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ ; بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور, حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ, عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ" فَجَزَعَ النَّاسُ فَقَالَ: "قَدْ بَقِيَتْ مُبَشِّرَاتٌ وَهُنَّ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ".

إلا أن عيسى بن مريم عليه السلام سينزل
12 - مَسْأَلَةٌ: إلاَّ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام سَيَنْزِلُ
وَقَدْ كَانَ قَبْلَهُ عليه السلام أَنْبِيَاءُ كَثِيرَةٌ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ لَمْ يُسَمِّ ; وَالإِيمَانُ بِجَمِيعِهِمْ فَرْضٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ ؛ مَاحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ; قَالُوا: "حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ, وَ, هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: "سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". قَالَ: " فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لاَ, إنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ, تَكْرِمَةُ اللَّهِ هَذِهِ الآُمَّةِ". وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ آدَمَ وَنُوحًا وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَدَاوُدوَسُلَيْمَانَ وَيُونُسَ وَاَلْيَسَع وَإِلْيَاسَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَأَيُّوبَ وَعِيسَى وَهُودًا وَصَالِحًا وَشُعَيْبًا وَلُوطًا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا}.

وأن جميع النبيين وعيسى ومحمد عليهم السلام عبيد الله تعالى
13 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا عليهم السلام عَبِيدًا لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقُونَ ; نَاسٌ كَسَائِرِ النَّاسِ ; مَوْلُودُونَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ; إلاَّ آدَمَ وَعِيسَى ; فَإِنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تُرَابٍ بِيَدِهِ ; لاَ مِنْ ذَكَرٍ, وَلاَ مِنْ أُنْثَى ; وَعِيسَى خُلِقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, عَنِ الرُّسُلِ عليهم السلام أَنَّهُمْ قَالُوا: {إنْ نَحْنُ إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} .
وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} . وَقَالَ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} . وَقَالَ تَعَالَى:, عَنْ جِبْرِيلَ عليه السلام, أَنَّهُ قَالَ لِمَرْيَمَ عليها السلام: {إنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغْيًا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} .

وأن الجنة حق مخلوقة للمؤمنين
14 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ, وَلاَ يَدْخُلُهَا كَافِرٌ أَبَدًا ; قَالَ تَعَالَى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} .

وأن النار حق دار مخلوقة لا يخلد فيها مؤمن
15 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لاَ يَخْلُدُ فِيهَا مُؤْمِنٌ.
قَالَ تَعَالَى: {لاَ يَصْلاَهَا إلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} .

يدخل النار من شاء الله من المسلمين
16 - مَسْأَلَةٌ: يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ
الَّذِينَ رَجَحَتْ كَبَائِرُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهُونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {فأما مَنْ

لاتفنى الجنة ولا النار ولا أحد ممن فيهما أبدا
17 - مَسْأَلَةٌ: لاَ تَفْنَى الْجَنَّةُ, وَلاَ النَّارُ, وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ فِيهِمَا أَبَدًا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا, عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ وَمَنْ فِيهِمَا: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} . وَ {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ نَامِي, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ, حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ, وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ, فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ, وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ" . ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلاَّ الْمَوْتَةَ الآُولَى} وَقَالَ فِي أَهْلِ النَّارِ: {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا, وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وأن أهل الجنة يأكلوه ويشربون
18- مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ
وَيَطَئُونَ وَيَلْبَسُونَ وَيَتَلَذَّذُونَ, وَلاَ يَرَوْنَ بُؤْسًا أَبَدًا ; وَكُلُّ ذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا فِي الدُّنْيَا ; لَكِنْ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ, وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ; وَحُورُ الْعِينِ حَقٌّ نِسَاءٌ مُطَهَّرَاتٌ خَلَقَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا, وَلاَ يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا سُفْيَانُ, عَنْ أَبِي الزِّنَادِ, عَنِ الأَعْرَجِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ, وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ, حدثنا أَبُو عَاصِمٍ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ; قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ, وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ, وَلاَ يَتَمَخَّطُونَ, وَلاَ يَبُولُونَ, وَلَكِنَّ طَعَامَهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ, يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ" وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ خِلاَفُ مَا فِي الدُّنْيَا.

وأن أهل النار يعذبون بالسلاسل والأغلال
19 - مَسْأَلَةٌ: وَأَهْلُ النَّارِ يُعَذَّبُونَ بِالسَّلاَسِلِ وَالأَغْلاَلِ
وَالْقَطِرَانِ وَأَطْبَاقِ النِّيرَانِ ; أَكْلُهُمْ الزَّقُّومُ وَشُرْبُهُمْ مَاءٌ كَالْمُهْلِ وَالْحَمِيمِ ; نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ تَعَالَى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} . وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيرًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} . وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} .

وكل من كفر بما بلغه وصح عنده عن النبير صلى الله عليه وسلم
20 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمَا بَلَغَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَوْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام فَهُوَ كَافِرٌ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} .

وأن القرآن الذي في المصاحف بأيدي المسلمين
21 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي فِي الْمَصَاحِفِ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ أُمِّ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَلاَمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَحْيُهُ أَنْزَلَهُ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ. قَالَ تَعَالَى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} . وَكُلُّ مَا رُوِيَ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لاَ يَصِحُّ ; وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ, عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ

وكل مافيه من خبر عن نبي من الأنبياء
22 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ خَبَرٍ, عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ
أَوْ مَسْخٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ نَعِيمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ لاَ رَمْزَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ, قَالَ تَعَالَى: قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَقَالَ تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وَأَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى قَوْمٍ خَالَفُوا هَذَا فَقَالَ تَعَالَى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} .

ولا سر في الدين عند أحد
23 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ سِرَّ فِي الدِّينِ عِنْدَ أَحَدٍ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} .
وَقَالَ تَعَالَى: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} .

وأن الملائكة حق وهم خلق من خلق الله عز وجل
24 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ حَقٌّ ; وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
مُكْرَمُونَ كُلُّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ}

خلقوا كهلم من نور وخلق آدم من من ماء وتراب وخلق الجن من نار
25 - مَسْأَلَةٌ: خُلِقُوا كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ آدَم مِنْ مَاءٍ وَتُرَابٍ وَخُلِقَ الْجِنُّ مِنْ نَارٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ, حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, حدثنا مَعْمَرٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خُلِقَتْ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَم مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ" وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ}.

والملائكة أفضل خلق الله تعالى
26 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَلاَئِكَةُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى
لاَ يَعْصِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي صَغِيرَةٍ َولاَ كَبِيرَةٍ وَهُمْ سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ, وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} فَهَذَا تَفْضِيلٌ لَهُمْ عَلَى الْمَسِيحِ عليه السلام. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مَنْ خَلَقْنَا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ خَلْقٍ سِوَى الْمَلاَئِكَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْمَلاَئِكَةُ, وَإِسْجَادُهُ تَعَالَى الْمَلاَئِكَةَ لاِدَمَ عَلَى جَمِيعِهِمْ السَّلاَمُ سُجُودُ تَحِيَّةٍ ; فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضِيلَةٌ فِي أَنْ يُكَرَّمَ بِأَنْ يُحَيُّوهُ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الْفِصَلِ غَايَةَ التَّقَصِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} .

وأن الجن حق وهم خلق من خلق الله عز وجل
27 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْجِنَّ حَقٌّ وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
فِيهِمْ الْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ ; يَرَوْنَنَا, وَلاَ نَرَاهُمْ ; يَأْكُلُونَ وَيَنْسِلُونَ وَيَمُوتُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} . وَقَالَ تَعَالَى: حَاكِيًا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍْ} وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ; قَالَ أَحْمَدُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ; وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ, حدثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ; ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ قَالاَ: حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ, عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ, عَنِ الشَّعْبِيِّ, عَنْ عَلْقَمَةَ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَسْتَنْجُوا بِالْعِظَامِ, وَلاَ بِالرَّوْثِ فَإِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ" .

وأن البعث حق
28 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ.
وَهُوَ وَقْتٌ يَنْقَضِي فِيهِ بَقَاءُ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا فَيَمُوتُ كُلُّ مَنْ فِيهَا ; ثُمَّ يُحْيِي الْمَوْتَى ; يُحْيِي عِظَامَهُمْ الَّتِي فِي الْقُبُورِ وَهِيَ رَمِيمٌ وَيُعِيدُ الأَجْسَامَ كَمَا كَانَتْ وَيَرُدُّ إلَيْهَا الأَرْوَاحَ كَمَا كَانَتْ ; وَيَجْمَعُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يُحَاسَبُ فِيهِ الْجِنُّ وَالإِنْسُ فَيُوَفَّى كُلُّ أَحَدٍ قَدْرَ عَمَلِهِ. قَالَ للَّهُ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ, وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا, وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .

وإن الوحوش تحشر
29 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ الْوُحُوشَ تُحْشَرُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ, وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ"

وأن الصراط حق
30 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ
وَهُوَ طَرِيقٌ يُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَيَنْجُو مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَهْلِكُ مَنْ شَاءَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ, حدثنا أَبِي, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثٍ: "وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ". وَقَالَ عليه السلام فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا: "وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ, هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلاَّ اللَّهُ, عَزَّ وَجَلَّ, تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ, يَعْنِي الْمُوبَقَ ِبعَمَلِهِ, وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ حَتَّى يُنَجَّى وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ".

وأن الموازين حق توزن فيها أعمال العباد
31 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْمَوَازِينَ حَقٌّ تُوزَنُ فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ
نُؤْمِنُ بِهَا, وَلاَ نَدْرِي كَيْفَ هِيَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} . وَقَالَ تَعَالَى: {فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} .

وأن الحوض حق من شرب منه لم يظمأ أبدا
32 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْحَوْضَ حَقٌّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا.
حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ, عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ, عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ ; آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ, عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إلَى أَيْلَةَ ; مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ" .

وأن شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته
33 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ حَقٌّ
فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ} . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ, حدثنا مُعَاذٌ يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيَّ, حدثنا أَبِي, عَنْ قَتَادَةَ, حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لاُِمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لاُِمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . وبه إلى مُسْلِمٍ: حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ, عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ, عَنْ أَبِي نَضْرَةَ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لاَ يَمُوتُونَ فِيهَا, وَلاَ يَحْيَوْنَ, وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ, أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ, فَأَمَاتَهُمْ اللَّهُ إمَاتَةً حَتَّى إذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ, ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ".

وأن الصحف التي تكتب فيها أعمال العباد الملائكة حق
34 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الصُّحُفَ تَكْتُبُ فِيهَا أَعْمَالَ الْعِبَادِ الْمَلاَئِكَةُ حَقٌّ
نُؤْمِنُ بِهَا, وَلاَ نَدْرِي كَيْفَ هِيَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} , عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ} .

وأن الناس يعطون كتبهم يوم القيامة
35 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّاسَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَالْمُؤْمِنُونَ الْفَائِزُونَ الَّذِينَ لاَ يُعَذَّبُونَ يُعْطَوْنَهَا بِأَيْمَانِهِمْ ; وَالْكُفَّارُ بِأَشْمَلِهِمْ وَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْكَبَائِرِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فأما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ, وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} .

وأن على كل إنسان حافظين من الملائكة
36 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ حَافِظَيْنِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ
يُحْصِيَانِ أَقْوَالَهُ وَأَعْمَالَهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ, عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} .

ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة
37 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً
فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ; فَإِنْ تَرَكَهَا بِغَلَبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ, فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ, حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ, عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ, فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا, فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا" وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ: رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ اُرْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ" وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلاَمَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ, وَكُلُّ سَيِّئَةٍ تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ, عَزَّ وَجَلَّ" .

ومن عمل في كفره عملا سيئا ثم أسلم
8 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ عَمَلاً سَيِّئًا ثُمَّ أَسْلَمَ
فَإِنْ تَمَادَى عَلَى تِلْكَ الإِسَاءَةِ حُوسِبَ وَجُوزِيَ فِي الآخِرَةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلاَمِهِ ; وَإِنْ تَابَ, عَنْ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَمِلَ فِي شِرْكِهِ. وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ أَعْمَالاً صَالِحَةً ثُمَّ أَسْلَمَ جُوزِيَ فِي الْجَنَّةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلاَمِهِ ; فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ جُوزِيَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ فِي الآخِرَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ, وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ, وَاللَّفْظُ لَهُ قَالاَ, حدثنا حَجَّاجٌ, وَ, هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا, ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ, وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ: {وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ, وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ, وَلاَ يَزْنُونَ وَمِنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا} فَلَمْ يُسْقِطْ اللَّهُ, عَزَّ وَجَلَّ, تِلْكَ الأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ إلاَّ بِالإِيمَانِ مَعَ التَّوْبَةِ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا جَرِيرٌ, عَنْ مَنْصُورٍ, عَنْ أَبِي وَائِلٍ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَلاَ يُؤَاخَذُ بِهَا وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلاَمِ" .
وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا وَكِيعٌ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ أَبِي وَائِلٍ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "قلنا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ

َفقَالَ: "مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِر" ِ. وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ, حدثنا يَعْقُوبُ, هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ, حدثنا عَنْ صَالِحٍ, هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ, أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ" . فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} . وَقَوْلَهُ عليه السلام لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ "إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ, وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" قلنا: إنَّ كَلاَمَهُ عليه السلام لاَ يُعَارِضُ كَلاَمَهُ, وَلاَ كَلاَمَ رَبِّهِ, وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ مِنْ هَذَا لَمَا كَانَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلَبَطَلَتْ حُجَّةُ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لاَ يُعَارِضُ الْقُرْآنَ, وَلاَ السُّنَّةَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} فأما قوله تعالى: {إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} فَنَعَمْ هَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا: إنَّ مَنْ انْتَهَى غُفِرَ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ فَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَغْفِرُهُ لَهُ, فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالآيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام: "إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" فَحَقٌّ وَهُوَ قَوْلُنَا ; لأنَّ الإِسْلاَمَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ, وَالتَّوْبَةُ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ مِنْ الطَّاعَاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْهِجْرَةِ إنَّمَا هِيَ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ, كَمَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام "الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ" . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَر وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ, عَنِ الشَّعْبِيِّ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, عَنِ النَّبِيِّ

صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ" . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ, عَنْ دَاوُد, عَنِ الشَّعْبِيِّ, عَنْ مَسْرُوقٍ, عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ, فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ قَالَ: "لاَ يَنْفَعُهُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمٌ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ, حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ, وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى بِحِسَابِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا" .

وأن عذاب القبر حق ومساءلة الأرواح بعد الموت حق
39 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَمُسَاءَلَةَ الأَرْوَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ
وَلاَ يَحْيَا أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ غُنْدَرٌ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ, عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ, عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} قَالَ: "نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ, يُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ" . وبه إلى مُسْلِمٍ, حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ, حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ, حدثنا بُدَيْلٌ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "إذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِن

والحسنات تذهب السيئات بالموازنة، والتوبة تسقط السيئات والقصاص من الحسنات
40 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحَسَنَاتُ تُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ بِالْمُوَازَنَةِ, وَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ السَّيِّئَاتِ وَالْقِصَاصُ مِنْ الْحَسَنَاتِ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ

حدثنا إسْمَاعِيلُ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ, وَلاَ مَتَاعَ, فَقَالَ: إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا, فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} .

وأن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب
41 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ
وَلَكِنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَيْهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ} وَقَالَ تَعَالَى: عَنْهُ, أَنَّهُ قَالَ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} فَالْوَفَاةُ قِسْمَانِ: نَوْمٌ وَمَوْتٌ فَقَطْ وَلَمْ يُرِدْ عِيسَى عليه السلام بِقَوْلِهِ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي وَفَاةَ النَّوْمِ. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى وَفَاةَ الْمَوْتِ, وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ عليه السلام قُتِلَ أَوْ صُلِبَ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ حَلاَلٌ دَمُهُ وَمَالُهُ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ وَخِلاَفِهِ الإِجْمَاعَ.

وأنه لايرجع محمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم إلا يو م القيامة
42 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ, رضي الله عنهم, إلاَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا رَجَّعَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ. هَذَا إجْمَاعُ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُتَّقِينَ قَبْلَ حُدُوثِ الرَّوَافِضِ الْمُخَالِفِينَ لاِِجْمَاعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُبَدِّلِينَ لِلْقُرْآنِ الْمُكَذِّبِينَ بِصَحِيحِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُجَاهِرِينَ بِتَوْلِيدِ الْكَذِبِ الْمُتَنَاقِضِينَ فِي كَذِبِهِمْ أَيْضًا, وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فَادَّعَوْا مِنْ رُجُوعِ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَا لاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ, عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهُ لِعُمَرَ أَوْ لِعُثْمَانَ أَوْ لِمُعَاوِيَةَ, رضي الله عنهم, أَوْ لِغَيْرِ هَؤُلاَءِ: إذَا لَمْ يُبَالِ بِالْكَذِبِ وَالدَّعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ, وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وأن الأنفس حيث رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به
43 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الأَنْفُسَ حَيْثُ رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ أَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ, عَنْ يَمِينِ آدَمَ عليه السلام, وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاءِ, عَنْ شِمَالِهِ عِنْدَ سَمَاءِ الدُّنْيَا, لاَ تَفْنَى, وَلاَ تَنْتَقِلُ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ, لَكِنَّهَا بَاقِيَةٌ حَيَّةٌ حَسَّاسَةٌ عَاقِلَةٌ فِي نَعِيمٍ أَوْ نَكَدٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَتُرَدُّ إلَى أَجْسَادِهَا لِلْحِسَابِ وَلِلْجَزَاءِ بِالْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ, حَاشَا أَرْوَاحِ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام وَأَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ فَإِنَّهَا الآنَ تُرْزَقُ وَتُنَعَّمُ. وَمَنْ قَالَ: "بِانْتِقَالِ الأَنْفُسِ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا هَذِهِ الأَجْسَادَ فَقَدْ كَفَرَ. بُرْهَانُ هَذَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى, حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ, هُوَ ابْنُ يَزِيدَ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا, فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ". قَالَ: "جِبْرِيلُ عليه السلام لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ, قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ, قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ: نَعَمْ مَعِي" مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَأُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ, عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ

وأن الوحي قد انقطع منذ مات النبي صلى الله عليه وسلم
44 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مُذْ مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَحْيَ لاَ يَكُونُ إلاَّ إلَى نَبِيٍّ. وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .

والدين قد تم فلا يزاد فيه
45 - مَسْأَلَةٌ: وَالدِّينُ قَدْ تَمَّ فَلاَ يُزَادُ فِيهِ,
وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُ, وَلاَ يُبَدَّلُ, قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} وَالنَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ تَبْدِيلٌ.

قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين كله
46 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدِّينَ كُلَّهُ
وَبَيَّنَ جَمِيعَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} .

وحجة الله قد قامت واستبانت لكل من بلغته النذارة
47 - مَسْأَلَةٌ: وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ قَامَتْ وَاسْتَبَانَتْ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَتْهُ النِّذَارَةُ
مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَبَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ} . وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ, عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مِنْ حَيَّ, عَنْ بَيِّنَةٍ} .

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان على كل أحد
48 - مَسْأَلَةٌ: وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ, عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضَانِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ
عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ بِالْيَدِ, فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ, فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ, وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ شَيْءٌ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

فمن عجز لجهله أو عتمته عن معرفة كل هذا فلا بد له أن يعتقد بلقبه إلخ
49 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ عَجَزَ لِجَهْلِهِ أَوْ عَتَمَتِهِ, عَنْ مَعْرِفَةِ كُلِّ هَذَا فَلاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَعْتَقِدَ بِقَلْبِهِ
وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ حَسَبَ طَاقَتِهِ بَعْدَ أَنْ يُفَسَّرَ لَهُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ وَكُلُّ دِينٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ, حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ, حدثنا رَوْحٌ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَعْقُوبَ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ, فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} .

وبعد هذا فإن أفضل الإنس والجن الرسل ثم الأنبياء
50 - مَسْأَلَةٌ: وَبَعْدَ هَذَا فَإِنَّ أَفْضَلَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ الرُّسُلُ ثُمَّ الأَنْبِيَاءُ
عَلَى جَمِيعِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مِنَّا أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ثُمَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ الصَّالِحُونَ. قَالَ تَعَالَى: { جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً}
وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ} , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ, حدثنا مُسَدَّدٌ, حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ, حدثنا الأَعْمَشُ, عَنْ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ, وَلاَ نَصِيفَهُ" . حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ, حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ, حدثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ: "حدثنا أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى, عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ, ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ, وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ, وَيَنْذِرُونَ, وَلاَ يُوفُونَ, وَيَحْرُبُونَ, وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ وَيَفْشُو فِيهِمْ السِّمَنُ" . هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ " يَحْرُبُونَ " بِحَاءٍ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ وَرَاءٍ مَرْفُوعَةٍ وَبَاءٍ مَنْقُوطَةٍ وَاحِدَةٌ مِنْ أَسْفَلُ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ " يَخُونُونَ " بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ فَوْقُ وَوَاوٍ بَعْدَهَا نُونٌ, "وَمَنْ خَانَ فَقَدْ حَرَبَ" .

وأن الله خالق كل شيء سواه
51 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ
لاَ خَالِقَ سِوَاهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَالَ تَعَالَى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} .

ولا يشبهه عز وجل شيء من خلقه
52 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُشْبِهُهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ
فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} .

وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان إلخ
53 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ تَعَالَى لاَ فِي مَكَان, وَلاَ فِي زَمَانٍ,
بَلْ هُوَ تَعَالَى خَالِقُ الأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ. قَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فَهُمَا مَخْلُوقَانِ, قَدْ كَانَ تَعَالَى دُونَهُمَا, وَالْمَكَانُ إنَّمَا هُوَ لِلأَجْسَامِ, وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ مُدَّةُ كُلِّ سَاكِنٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ أَوْ مَحْمُولٍ فِي سَاكِنٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ, وَكُلُّ هَذَا مُبْعَدٌ, عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

ولا يحل لأحد أن يسمي الله عز وجل بغير ماسمى به نفسه
54 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ مَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ
وَلاَ أَنْ يَصِفَهُ بِغَيْرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ تَعَالَى, عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} فَمَنَعَ تَعَالَى أَنْ يُسَمَّى إلاَّ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِهَا فَقَدْ أَلْحَدَ. وَالأَسْمَاءُ الْحُسْنَى بِالأَلِفِ وَاللاَّمِ لاَ تَكُونُ إلاَّ مَعْهُودَةً, وَلاَ مَعْرُوفٌ فِي ذَلِكَ إلاَّ مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ, وَمَنْ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّفَ الْبُرْهَانَ عَلَى مَا ادَّعَى, وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ, وَمَنْ لاَ بُرْهَانَ لَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي قَوْلِهِ وَدَعْوَاهُ.قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

وأن له عز وجل تسعة وتسعين اسما
55 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا
مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ, وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى, مَنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ, وَهِيَ الأَسْمَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ, حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ, عَنْ أَيُّوبَ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ, قَالَ أَيُّوبُ, عَنِ ابْنِ سِيرِينَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَقَالَ هَمَّامٌ:, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ اتَّفَقَا, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا, مِائَةً إلاَّ وَاحِدًا, مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" زَادَ هَمَّامٌ فِي حَدِيثِهِ "إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ" . وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا فَقَطْ, وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمٌ زَائِدٌ لاَِنَّهُ عليه السلام قَالَ: "مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ" فَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَعَالَى اسْمٌ زَائِدٌ لَكَانَتْ مِائَةَ اسْمٍ, وَلَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ قَوْلُهُ عليه السلام مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ كَذِبًا وَمَنْ أَجَازَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ" وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَقَدْ تَقَصَّيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا بِالأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ فِي كِتَابِ " الإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ولا يحل لأحد أن يشتق لله تعالى اسما لم يسم به نفسه
56 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وَقَالَ: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} وَقَالَ تَعَالَى: {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} , {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} . وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْبَنَّاءَ, وَلاَ الْكَيَّادَ, وَلاَ الْمَاكِرَ, وَلاَ الْمُتَجَبِّرَ, وَلاَ الْمُسْتَكْبِرَ, لاَ عَلَى أَنَّهُ الْمُجَازِي بِذَلِكَ, وَلاَ عَلَى وَجْهٍ أَصْلاً, وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَتَنَاقَضَ وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْكَذِبَ وَمَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وأن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا
57 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَنَزَّلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا
وَهُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ حَرَكَةً, وَلاَ نَقْلَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَرَأْت عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَتَنَزَّلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" . قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, حدثنا يَعْقُوبُ, هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْقَارِيّ, عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ: فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ, مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ, مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ, فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْر" ُ قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ, حدثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ, حدثنا الأَوْزَاعِيُّ, حدثنا يَحْيَى, هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ, حدثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ", حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى, هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ, هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ, حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ" .
قَالَ عَلِيٌّ: "فَالرِّوَايَةُ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ " إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ " وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ " إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ " وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ إلَى أَنْ يُضِيءَ الْفَجْرُ " وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ, وَابْنُ رَاهْوَيْهِ, عَنْ جَرِيرٍ, عَنْ مَنْصُورٍ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ, عَنِ الأَغَرِّ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, وَأَوْقَاتُ اللَّيْلِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلاَفِ تَقَدُّمِ غُرُوبِ الشَّمْسِ, عَنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ. فَصَحَّ أَنَّهُ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَبُولِ الدُّعَاءِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ, لاَ حَرَكَةَ, وَالْحَرَكَةُ وَالنَّقْلَةُ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ, حَاشَا اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا.

والقرآن كلام الله وعلمه غير مخلوق
58 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقُرْآنُ كَلاَمُ اللَّهِ وَعِلْمُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كَلاَمَهُ هُوَ عِلْمُهُ, وَعِلْمُهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ غَيْرَ مَخْلُوقٍ.

وهو المكتوب في المصاحف والمسموع من القارئ
59 - مَسْأَلَةٌ: وَهُوَ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْمَسْمُوعُ مِنْ الْقَارِئِ
وَالْمَحْفُوظُ فِي الصُّدُورِ, وَاَلَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ ذَلِكَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمُهُ الْقُرْآنُ حَقِيقَةً لاَ مَجَازًا, مَنْ قَالَ: فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْقُرْآنَ, وَلاَ هُوَ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ, لِخِلاَفِهِ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَإِجْمَاعَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ". قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} .وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ وَقَالَ تَعَالَى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وَقَالَ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ} حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد, حدثنا الْقَعْنَبِيُّ, عَنْ مَالِكٍ, عَنْ نَافِعٍ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَصْرِفَ كَلاَمَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَجَازِ, عَنِ الْحَقِيقَةِ بِدَعْوَاهُ الْكَاذِبَةِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وعلم الله تعالى حق لم يزل الله عز وجل عليما
60 - مَسْأَلَةٌ: وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ لَمْ يَزَلْ عَزَّ وَجَلَّ عَلِيمًا
بِكُلِّ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ مِمَّا دَقَّ أَوْ جَلَّ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ,وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} وَالأَخْفَى مِنْ السِّرِّ هُوَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ.

وقدرته عز وجل وقوته حق لا يعجز عن شيء
61 - مَسْأَلَةٌ: وَقُدْرَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقُوَّتُهُ حَقٌّ لاَ يَعْجِزُ, عَنْ شَيْءٍ
وَلاَ عَنْ كُلِّ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ السَّائِلُ مِنْ مُحَالٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لاَ يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ, حدثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى, حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاِسْتِخَارَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ, وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إنْ كُنَّا فَاعِلِينَ". وَقَالَ تَعَالَى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاَصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} وَقَدْ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا لاَ يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَعَالَى كَذَلِكَ لَكَانَ مُتَنَاهِيَ الْقُدْرَةِ, وَلَوْ كَانَ مُتَنَاهِيَ الْقُدْرَةِ لَكَانَ مُحْدَثًا, تَعَالَى اللَّهُ, عَنْ ذَلِكَ, وَهُوَ تَعَالَى مُرَتِّبُ كُلَّ مَا خَلَقَ, وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْوَاجِبَ وَأَمْكَنَ الْمُمْكِنَ وَأَحَالَ الْمُحَالَ, وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى خِلاَفِ مَا فَعَلَهُ, لَمَا أَعْجَزَهُ ذَلِكَ, وَلَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مُضْطَرًّا لاَ مُخْتَارًا. وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} .

وأن لله عز وجل عزا وعزة وجلالا وإكراما
62 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِزًّا وَعِزَّةً, وَجَلاَلاً وَإِكْرَامًا
وَيَدًا وَيَدَيْنِ وَأَيْدٍ, وَوَجْهًا وَعَيْنًا وَأَعْيُنًا وَكِبْرِيَاءَ, وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لاَ يُرْجَعُ مِنْهُ, وَلاَ مِنْ عِلْمِهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ وَقُوَّتِهِ إلاَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى, لاَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلاً, مُقِرٌّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِي الْقُرْآنِ, وَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}

وَ {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وَ {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} {إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} .
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ "عَيْنَيْنِ" لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ, وَلاَ أَنْ يُقَالَ " سَمْعٌ وَبَصَرٌ, وَلاَ حَيَاةٌ " لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ, لَكِنَّهُ تَعَالَى سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَيٌّ قَيُّومٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ, حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثَ, حدثنا أَبِي, حدثنا الأَعْمَشُ, حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ, عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الأَغَرِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعِزُّ إزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ" يَعْنِي اللَّهَ تَعَالَى. حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ, أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم, أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو, حدثنا أَبُو سَلَمَةَ, هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ "أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ" وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ إمَّا لَمْ يَزَلْ وَأَمَّا مُحْدَثًا, فَلَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ لَكَانَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَشْيَاءُ غَيْرُهُ لَمْ تَزَلْ, وَهَذَا شِرْكٌ مُجَرَّدٌ, وَلَوْ كَانَ مُحْدَثًا لَكَانَ تَعَالَى بِلاَ عِلْمٍ, وَلاَ قُوَّةٍ, وَلاَ قُدْرَةٍ, وَلاَ عِزٍّ, وَلاَ كِبْرِيَاءَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ كُلَّ ذَلِكَ وَهَذَا كُفْرٌ, وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا}
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ, وَلاَ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ بِشَيْءٍ, وَلاَ أَنْ يُسَمَّى بِشَيْءٍ إلاَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ. وَنَقُولُ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَكْرًا وَكَيْدًا. وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} وَكُلُّ ذَلِكَ خَلْقٌ لَهُ تَعَالَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وأن الله تعالى يراه المسلمون يوم القيامة
63 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِقُوَّةٍ غَيْرِ هَذِهِ الْقُوَّةِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمُئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} . حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد, حدثنا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ, حدثنا جَرِيرٌ, وَوَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ كُلُّهُمْ, عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ, عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ, عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَنَظَرَ إلَى الْقَمَرِ "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ" وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْقُوَّةُ لَكَانَتْ لاَ تَقَعُ إلاَّ عَلَى الأَلْوَانِ, تَعَالَى اللَّهُ, عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} .

وأن الله تعالى كلم موسى عليه السلام ومن شاء من رسله
64 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى عليه السلام وَمَنْ شَاءَ مِنْ رُسُلِهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} {إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} {ِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} .

وأن الله تعالى اتخذ إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم خليلين
65 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم خَلِيلَيْنِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارَ الْعَبْدِيُّ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ يُحَدِّثُ, عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَِتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً, وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي, وَقَدْ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلاً" .

وأن محمد صلى الله عليه وسلم أسرى به ربه بجسده وروحه
66 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَسْرَى بِهِ رَبُّهُ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ , وَطَافَ فِي السَّمَاوَاتِ سَمَاءٍ سَمَاءٍ, وَرَأَى أَرْوَاحَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام هُنَالِكَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ رُؤْيَا مَنَامٍ مَا كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ, كَمَا لاَ نُكَذِّبُ نَحْنُ كَافِرًا فِي رُؤْيَا يَذْكُرُهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا رُؤْيَتَهُ عليه السلام لِلأَنْبِيَاءِ عليهم السلام قَبْلُ فَأَغْنَى, عَنْ إعَادَتِهِ.

وأن المعجزات لا يأتي بها أحد إلا الأنبياء عليهم السلام
67 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْمُعْجِزَاتِ لاَ يَأْتِي بِهَا أَحَدٌ إلاَّ الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} وَقَالَ تَعَالَى: حَاكِيًا, عَنْ مُوسَى عليه السلام, أَنَّهُ قَالَ: أَوَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ
وَقَالَ تَعَالَى: {فذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} . فَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ سَاحِرٌ أَوْ غَيْرُهُ بِمَا يُحِيلُ طَبِيعَةً أَوْ يَقْلِبُ نَوْعًا, لَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا يَأْتِي بِهِ الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام بُرْهَانًا لَهُمْ, وَلاَ آيَةً لَهُمْ, وَلاَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَمَّى ذَلِكَ سِحْرًا, وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ آيَةً لَهُمْ عليهم السلام. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ إحَالَةَ الطَّبِيعَةِ لاَ تَكُونُ آيَةً إلاَّ حَتَّى يَتَحَدَّى فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ فَقَدْ كَذَبَ وَادَّعَى مَا لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلاً, لاَ مِنْ عَقْلٍ, وَلاَ مِنْ نَصِّ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ, وَيَجِبُ مِنْ هَذَا أَنَّ حُنَيْنَ الْجِذْعِ وَإِطْعَامَ النَّفَرِ الْكَثِيرِ مِنْ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ حَتَّى شَبِعُوا وَهُمْ مِئُونَ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ. وَنَبَعَانَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِرْوَاءَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ قَدَحٍ صَغِيرٍ تَضِيقُ سِعَتُهُ, عَنْ شِبْرٍ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ آيَةً لَهُ عليه السلام لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَتَّحِدَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا.

والسحر حيل وتخييل لا يحيل طبيعة أصلا
68 - مَسْأَلَةٌ: وَالسِّحْرُ حِيَلٌ وَتَخْيِيلٌ لاَ يُحِيلُ طَبِيعَةً أَصْلاً.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} فَصَحَّ أَنَّهَا تَخْيِيلاَتٌ لاَ حَقِيقَةَ لَهَا, وَلَوْ أَحَالَ السَّاحِرُ طَبِيعَةً لَكَانَ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ.

وأن القدر حق
69 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْقَدَرَ حَقٌّ,
مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنَا, وَمَا أَخْطَأَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ, وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}.

ولا يموت أحد قبل أجله مقتولا أو غير مقتول
70 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَمُوتُ أَحَدٌ قَبْلَ أَجَلِهِ, مَقْتُولاً أَوْ غَيْرَ مَقْتُولٍ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً} . وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً, وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ} .

وحتى يستوفي رزفه ويعمل مايسر له
71 - مَسْأَلَةٌ: وَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ وَيَعْمَلَ بِمَا يُسِّرَ لَهُ,
السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى, وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ, حدثنا أَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ, وَوَكِيعٌ قَالُوا: حدثنا الأَعْمَشُ, عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا, ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ, ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ, ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ, وَأَجَلِهِ, وَعَمَلِهِ, وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ, فَوَاَلَّذِي لاَ إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا, وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا" .

وجميع أعمال العباد خير ها وشرها كل ذلك مخلوق
72 - مَسْأَلَةٌ: وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَهُوَ تَعَالَى خَالِقُ الاِخْتِيَارِ وَالإِرَادَةِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي نُفُوسِ عِبَادِهِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وَقَالَ تَعَالَى: { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} .

لاحجة على الله تعالى ولله الحجة القائمة على كل أحد
73 - مَسْأَلَةٌ: لاَ حُجَّةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى, وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْقَائِمَةُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.
قَالَ تَعَالَى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} .

ولا عذر لأحد بما قدره الله عز وجل من ذلك
74 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ عُذْرَ لاَِحَدٍ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ
لاَ فِي الدُّنْيَا, وَلاَ فِي الآخِرَةِ, وَكُلُّ أَفْعَالِهِ تَعَالَى عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ. لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاضِعُ كُلِّ مَوْجُودٍ فِي مَوْضِعِهِ, وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي لاَ حَاكِمَ عَلَيْهِ, وَلاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} .

الإيمان والإسلام شيء واحد
75 - مَسْأَلَةٌ: الإِيمَانُ وَالإِسْلاَمُ شَيْءٌ وَاحِدٌ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلاَمَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هُدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

كل ذلك عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح
76 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ ذَلِكَ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ, يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فأما الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا} .حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ, حدثنا أَبِي, حدثنا كَهْمَسٌ التَّمِيمِيُّ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ, عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ, وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي, عَنِ الإِسْلاَمِ

من اعتقد الإيمان بقلبه ولم ينطق به بلسانه دون تقية فهو كافر
77 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ اعْتَقَدَ الإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ بِلِسَانِهِ دُونَ تَقِيَّةٍ فَهُوَ كَافِرٌ
عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ, وَمَنْ نَطَقَ بِهِ دُونَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:, عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: إنَّهُمْ يَعْلَمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَعْلَمُونَ أَبْنَاءَهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} وَقَالَ تَعَالَى: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} .

ومن اعتقد الإيمان بقلبه ونطق به بلسانه فقد وفق
78 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اعْتَقَدَ الإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِهِ بِلِسَانِهِ فَقَدْ وُفِّقَ
سَوَاءٌ اسْتَدَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَدِلَّ, فَهُوَ مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ, فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ اسْتِدْلاَلاً وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُذْ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى أَنْ قَبَضَهُ يُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يُقِرُّوا بِالإِسْلاَمِ وَيَلْتَزِمُوهُ, وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ قَطُّ اسْتِدْلاَلاً, وَلاَ سَأَلَهُمْ هَلْ اسْتَدَلُّوا أَمْ لاَ, وَعَلَى هَذَا جَرَى جَمِيعُ الإِسْلاَمِ إلَى الْيَوْمِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لايكفر
79 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ضَيَّعَ الأَعْمَالَ كُلَّهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ عَاصٍ نَاقِصُ الإِيمَانِ لاَ يَكْفُرُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ, حدثنا أَبِي, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ "حَتَّى إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَضَائِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا, مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ, عَزَّ وَجَلَّ, أَنْ يَرْحَمَهُ, مِمَّنْ يَقُولُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" .

واليقين لا يتفاضل
80 - مَسْأَلَةٌ: وَالْيَقِينُ لاَ يَتَفَاضَلُ
لَكِنْ إنْ دَخَلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَكٍّ أَوْ جَحْدٍ بَطَلَ كُلُّهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ إثْبَاتُ الشَّيْءِ, وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتٌ أَكْثَرَ مِنْ إثْبَاتٍ, فَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْ الإِثْبَاتَ صَارَ شَكًّا.

والمعاصي كبائر فواحش وسيئات صغائر ولمم
81 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَعَاصِي كَبَائِرُ فَوَاحِشُ, وَسَيِّئَاتٌ صَغَائِرُ وَلَمَمٌ
وَاللَّمَمُ مَغْفُورٌ جُمْلَةً, فَالْكَبَائِرُ الْفَوَاحِشُ هِيَ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالنَّارِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ اجْتَنَبَهَا غُفِرَتْ لَهُ جَمِيعُ سَيِّئَاتِهِ الصَّغَائِرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة} ِ وَاللَّمَمُ هُوَ الْهَمُّ بِالشَّيْءِ, وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا الأَثَرَ فِي أَنَّ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ, حدثنا أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لاُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ" وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} . وَبِالضَّرُورَةِ نَعْرِفُ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ كَبِيرًا إلاَّ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ, لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً, فَإِذَا كَانَ الْعِقَابُ بَالِغًا أَشَدَّ مَا يُتَخَوَّفُ فَالْمُوجِبُ لَهُ هُوَ كَبِيرٌ بِلاَ شَكٍّ, وَمَا لاَ تَوَعُّدَ فِيهِ بِالنَّارِ فَلاَ يَلْحَقُ فِي الْعِظَمِ مَا تُوُعِّدَ فِيهِ بِالنَّارِ, فَهُوَ الصَّغِيرُ بِلاَ شَكٍّ, إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ.

ومن لم يجتنب الكبائر حوسب على كل ماعمل
82 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْكَبَائِرَ حُوسِبَ عَلَى كُلِّ مَا عَمِلَ
وَوَازَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَعْمَالِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَبَيْنَ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ الَّتِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا, وَلاَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهَا, فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ, وَكَذَلِكَ مَنْ سَاوَتْ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} وَمَنْ تَسَاوَتْ فَهُمْ أَهْلُ الأَعْرَافِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الذُّنُوبَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ, أَخْبَرَنِي هُشَيْمٌ, حدثنا خَالِدٌ, عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ, عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ, عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: "أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ: أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا, وَلاَ نَسْرِقَ, وَلاَ نَزْنِيَ, وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا, وَلاَ يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضًا, فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ, وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ" .

ومن رجحت سيئاته بحسناته فهم الخارجون من النار بالشفاعة
83 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ بِحَسَنَاتِهِ فَهُمْ الْخَارِجُونَ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَة} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ, حدثنا أَبِي, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي

حَدِيثٍ طَوِيلٍ: "وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ, فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ, وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إلاَّ الرُّسُلُ, وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ, غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إلاَّ اللَّهُ, عَزَّ وَجَلَّ, تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ يَعْنِي الْمُوبَقَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ حَتَّى يُنَجَّى" . وبه إلى مُسْلِمٍ, حدثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ, وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ, حدثنا مُعَاذٌ, وَ, هُوَ ابْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ أَخْبَرَنَا أَبِي, عَنْ قَتَادَةَ, حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً, ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً, ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً" . قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { إنَّ اللَّه لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا " إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ" بِمُعَارِضٍ لِمَا ذَكَرْنَا ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ إلاَّ أَنَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ.
وَهَذَا صَحِيحٌ لاَ شَكَّ فِيهِ, كَمَا أَنَّ قوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} . وقوله تعالى فِي النَّصَارَى حَاكِيًا, عَنْ عِيسَى عليه السلام, أَنَّهُ قَالَ: { إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } لَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ, وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَغْفِرُ, وَلاَ يُعَذِّبُ مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ, وَالْمُبَيِّنُ لاَِحْكَامِ هَؤُلاَءِ مِمَّا ذَكَرْنَا هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى سَائِرِ النُّصُوصِ الْمُجْمَلَةِ. وَكَذَلِكَ تَقْضِي هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى كُلِّ نَصٍّ فِيهِ: مَنْ فَعَلَ كَذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ, وَمَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُخْلِصًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ, وَعَلَى قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} وَمَعْنَى كُلِّ هَذَا أَنَّ اللَّهَ يُحَرِّمُ الْجَنَّةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْتَصَّ مِنْهُ, وَيُحَرِّمُ النَّارَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُدَ فِيهَا أَبَدًا, وَخَالِدًا فِيهَا مُدَّةً حَتَّى تُخْرِجَهُ الشَّفَاعَةُ, إذْ لاَ بُدَّ مِنْ جَمْعِ النُّصُوصِ كُلِّهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والناس في الجنة على قدر فضلهم عند الله تعالى
84 - مَسْأَلَةٌ: وَالنَّاسُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
فَأَفْضَلُ النَّاسِ أَعْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً,
بُرْهَانُ ذَلِكَ قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الأَفْضَلُ أَنْقَصَ دَرَجَةً لَبَطَلَ الْفَضْلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى, وَلاَ رَغِبَ فِيهِ رَاغِبٌ, وَلَيْسَ لِلْفَضْلِ مَعْنًى إلاَّ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَعْظِيمِ الأَرْفَعِ فِي الدُّنْيَا وَتَرْفِيعِ مَنْزِلَتِهِ فِي الْجَنَّةِ.

وهم الأنبياء ثم أزواجهم ثم سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
85 - مَسْأَلَةٌ: وَهُمْ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ أَزْوَاجُهُمْ ثُمَّ سَائِرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَجَمِيعُهُمْ فِي الْجَنَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَوْ كَانَ لاَِحَدِنَا مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ, وَلاَ نَصِيفَهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ أَعْلاَهُمْ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ, وَلاَ مَنْزِلَةَ أَعْلَى مِنْ دَرَجَةِ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام, فَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ دُونَهُمْ, وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ لِنِسَائِهِمْ فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِيمَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ لاَ يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} فَجَاءَ النَّصُّ أَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحُسْنَى. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} . وَصَحَّ بِالنَّصِّ كُلُّ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى, فَإِنَّهُ مُبْعَدٌ, عَنِ النَّارِ لاَ يَسْمَعُ حَسِيسَهَا, وَهُوَ فِيمَا اشْتَهَى خَالِدٌ لاَ يَحْزُنُهُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ. وَهَذَا نَصُّ مَا قلنا, وَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ, وَلاَ سَائِرُ الْكُفَّارِ, مِنْ أَصْحَابِهِ عليه السلام, وَلاَ مِنْ الْمُضَافِينَ إلَيْهِ عليه السلام .

ولا تجوز الخلافة إلا في قريش
86 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْخِلاَفَةُ إلاَّ فِي قُرَيْشٍ
وَهُمْ وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ, الَّذِينَ يَرْجِعُونَ بِأَنْسَابِ آبَائِهِمْ إلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ, حدثنا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّد بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ" . قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَفْظَةُ الْخَبَرِ, فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الأَمْرَ فَحَرَامٌ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ فِي غَيْرِهِمْ أَبَدًا, وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْخَبَرِ كَلَفْظِهِ, فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ فَلاَ أَمْرَ لَهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ, فَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا خَبَرٌ يُوجِبُ مَنْعَ الأَمْرِ عَمَّنْ سِوَاهُمْ.

ولا يجوز الأمر لغير بالغ ولا مجنون ولا امرأة
87 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ الأَمْرُ لِغَيْرِ بَالِغٍ, وَلاَ لِمَجْنُونٍ, وَلاَ امْرَأَةٍ
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا إلاَّ إمَامٌ وَاحِدٌ فَقَطْ, وَمَنْ بَاتَ لَيْلَةً وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً, وَلاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ, وَلاَ يَجُوزُ التَّرَدُّدُ بَعْدَ مَوْتِ الإِمَامِ فِي اخْتِيَارِ الإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع, حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد, حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا جَرِيرٌ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ, عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ, عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ, عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ, وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ" . قَالَ عَلِيٌّ: الإِمَامُ إنَّمَا جُعِلَ لِيُقِيمَ النَّاسُ الصَّلاَةَ وَيَأْخُذَ صَدَقَاتِهِمْ وَيُقِيمَ حُدُودَهُمْ

والتوبة من الكفر والزنا وفعل قوم لوط والخمر إلخ
88 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالزِّنَى وَفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ وَالْخَمْرِ
وَأَكْلِ الأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْخِنْزِيرِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: تَكُونُ بِالنَّدَمِ وَالإِقْلاَعِ وَالْعَزِيمَةِ, عَلَى أَنْ لاَ عَوْدَةَ أَبَدًا, وَاسْتِغْفَارِ اللَّهِ تَعَالَى. هَذَا إجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ فِي أَعْرَاضِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لاَ تَكُونُ إلاَّ بِرَدِّ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ, وَرَدِّ كُلِّ مَا تَوَلَّدَ مِنْهَا مَعَهَا أَوْ مِثْلِ ذَلِكَ إنْ فَاتَ, فَإِنْ جَهِلُوا فَفِي الْمَسَاكِينِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ مَعَ النَّدَمِ وَالإِقْلاَعِ وَالاِسْتِغْفَارِ, وَتَحَلُّلِهِمْ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَالأَمْرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى, وَلاَ بُدَّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الاِنْتِصَافِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, يَوْمَ يُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْقَتْلِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ, وَلاَ تَكُونُ إلاَّ بِالْقِصَاصِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لِيُرَجِّحَ مِيزَانَ الْحَسَنَاتِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِيِّ, حدثنا مَرْوَانُ يَعْنِي بْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ, حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ, عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ, عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ, عَنْ أَبِي ذَرٍّ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى, عَنِ اللَّهِ تَعَالَى, أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ, وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَه"ُ، وبه إلى مُسْلِمٍ, حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ, وَلاَ مَتَاعَ, فَقَالَ عليه السلام: إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ, وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا, فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ" . قال علي: هذا كُلُّهُ خَبَرٌ مُفَسَّرٌ مُخَصَّصٌ لاَ يَجُوزُ نَسْخُهُ, وَلاَ تَخْصِيصُهُ بِعُمُومِ خَبَرٍ آخَرَ.

وأن الدجال سيأتي وهو كافر أعور ممخرق ذو حيل
89 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الدَّجَّالَ سَيَأْتِي وَهُوَ كَافِرٌ أَعْوَرُ مُمَخْرَقٌ ذُو حِيَلٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ إلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ, أَلاَ إنَّهُ أَعْوَرُ. وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ, مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كُفْر" . وبه إلى مُسْلِمٍ, حدثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ, حدثنا هُشَيْمٌ, عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ, عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ, عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم, عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْته عَنْهُ, قَالَ وَمَا سُؤَالُكَ عَنْهُ قَالَ: قُلْت: إنَّهُمْ يَقُولُونَ مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ قَالَ: هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِك"َ . حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ, حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ, حدثنا جَرِيرٌ, حدثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ, عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ قَالَ: سَمِعْت عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ, فَوَاَللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ, قَالَ هَكَذَا, قَالَ نَعَمْ" .

والنبوة هي الوحي من الله تعالى
90 - مَسْأَلَةٌ: وَالنُّبُوَّةُ هِيَ الْوَحْيُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى
بِأَنْ يَعْلَمَ الْمُوحَى إلَيْهِ بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمُهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ قَبْلُ. وَالرِّسَالَةُ هِيَ النُّبُوَّةُ وَزِيَادَةٌ, وَهِيَ بَعْثَتُهُ إلَى خَلْقٍ مَا بِأَمْرٍ مَا هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ وَالْخَضِرُ عليه السلام نَبِيٌّ قَدْ مَاتَ, وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَاكِيًا, عَنِ الْخَضِرِ {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} فَصَحَّتْ نُبُوَّتُهُ, وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .

وأن إبليس باق حي قد خاطب الله عز وجل معترفا بذنبه مصرا عليه
91 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ إبْلِيسَ بَاقٍ حَيٌّ قَدْ خَاطَبَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ مُصِرًّا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ, وَأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ, وَأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لاِدَمَ فَامْتَنَعَ وَاسْتَخَفَّ بِآدَمَ فَكَفَرَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَاكِيًا عَنْهُ, أَنَّهُ قَالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} وَ, أَنَّهُ قَالَ: {أَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وَ, أَنَّهُ قَالَ: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لاََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} .

مسائل من الأصول
دين الإسلام اللازم لكل أحد لا يؤخذ إلا من القرآن أو مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مسائل من الاصول
92 - مَسْأَلَةٌ: دِينُ الإِسْلاَمِ اللاَّزِمُ لِكُلِّ أَحَدٍ لاَ يُؤْخَذُ إلاَّ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إمَّا بِرِوَايَةِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الآُمَّةِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ الإِجْمَاعُ, وَأَمَّا بِنَقْلِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ نَقْلُ الْكَافَّةِ. وَأَمَّا بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَاحِدًا, عَنْ وَاحِدٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام, وَلاَ مَزِيدَ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ, عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ, وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فَإِنْ تَعَارَضَ فِيمَا يَرَى الْمَرْءُ آيَتَانِ أَوْ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ, أَوْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَآيَةٌ, فَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُهُمَا جَمِيعًا, لإِنَّ طَاعَتَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْوُجُوبِ, فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ مَا دُمْنَا نَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ, وَلَيْسَ هَذَا إلاَّ بِأَنْ يَسْتَثْنِيَ الأَقَلُّ مَعَانِيَ مِنْ الأَكْثَرِ, فَإِنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الأَخْذُ بِالزَّائِدِ حُكْمًا لاَِنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وُجُوبُهُ, وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالظُّنُونِ, وَلاَ إشْكَالَ فِي الدِّينِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى دِينَهُ. قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}.

الموقوف والمرسل لاتقوم بهما حجة
93 - مَسْأَلَةٌ: الْمَوْقُوفُ وَالْمُرْسَلُ لاَ تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ
وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَرْوِهِ إلاَّ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَبِحِفْظِهِ, وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ غَيْرِهِ, سَوَاءٌ كَانَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَوْ لَمْ يَكُنْ, وَالْمُرْسَلُ هُوَ مَا كَانَ بَيْنَ أَحَدِ رُوَاتِهِ أَوْ بَيْنَ الرَّاوِي وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لاَ يُعْرَفُ, وَالْمَوْقُوفُ هُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
بُرْهَانُ بُطْلاَنِ الْمَوْقُوفِ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَِنَّهُ ظَنٌّ, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ} .
وَأَمَّا الْمُرْسَلُ وَمَنْ فِي رُوَاتِهِ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَحِفْظِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ} فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ قَبُولَ نِذَارَةِ النَّافِرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ, وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وَلَيْسَ فِي الْعَالِمِ إلاَّ عَدْلٌ أَوْ فَاسِقٌ, فَحَرَّمَ تَعَالَى عَلَيْنَا قَبُولَ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْعَدْلُ, وَصَحَّ أَنَّهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقَبُولِ نِذَارَتِهِ.
وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَلَسْنَا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهَا بِقَبُولِ نِذَارَتِهِ, وَهِيَ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ, فَلاَ يَحِلُّ لَنَا قَبُولُ نِذَارَتِهِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَنَا فِقْهُهُ فِي الدِّينِ وَحِفْظُهُ لِمَا ضَبَطَ, عَنْ ذَلِكَ وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْفِسْقِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والقرآن ينسخ القرآن والسنة تنسخ السنة والقرآن
94 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقُرْآنُ يَنْسَخُ الْقُرْآنَ, وَالسُّنَّةُ تَنْسَخُ السُّنَّةَ وَالْقُرْآنَ
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ, عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وَأَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ: {إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَنِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ, وَالنَّسْخُ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِ الْبَيَانِ, وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

ولا يحل لأحد أن يقول في آية أ, في خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت هذا منسوخ
95 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي آيَةٍ أَوْ فِي خَبَرٍ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَابِتٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ
وَهَذَا مَخْصُوصٌ فِي بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ, وَلاَ أَنَّ لِهَذَا النَّصِّ تَأْوِيلاً غَيْرَ مُقْتَضٍ ظَاهِرَ لَفْظِهِ, وَلاَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْنَا مِنْ حِينِ وُرُودِهِ إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ وَارِدٍ بِأَنَّ هَذَا النَّصَّ كَمَا ذُكِرَ, أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقِّنٍ بِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ, أَوْ بِضَرُورَةِ حِسٍّ مُوجِبَةٍ أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ وَإِلاَّ فَهُوَ كَاذِبٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} . وَقَالَ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} . وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ, عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ} . مُوجِبٌ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ, وقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ} مُوجِبٌ طَاعَةَ الْقُرْآنِ, وَمَنْ ادَّعَى فِي آيَةٍ أَوْ خَبَرٍ نَسْخًا فَقَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَ طَاعَتِهِمَا, فَهُوَ مُخَالِفٌ لاَِمْرِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} مُوجِبٌ أَخْذَ كُلِّ نَصٍّ فِي الْقُرْآنِ وَالأَخْبَارِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمُقْتَضَاهُ. وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى غَيْرِ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمَهُ, وَقَالَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ الْبَاطِلَ وَخِلاَفَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لاَ كُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ فَقَدْ أَسْقَطَ بَيَانَ النَّصِّ وَأَسْقَطَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ لَهُ بِدَعْوَاهُ الْكَاذِبَةِ. وَهَذَا قَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ, وَلَيْسَ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ بِأَوْلَى بِالاِقْتِصَارِ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ مَا يَقْتَضِيهِ. قوله تعالى: فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ, عَنْ أَمْرِهِ مُوجِبٌ لِلْوَعِيدِ عَلَى مَنْ قَالَ: لاَ تَجِبُ عَلَيَّ مُوَافَقَةُ أَمْرِهِ, وَمُوجِبٌ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ عَلَى الْوُجُوبِ, وَمَنْ ادَّعَى تَأْخِيرَ الْوُجُوبِ مُدَّةً مَا فَقَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَ طَاعَةِ اللَّهِ وَوُجُوبَ مَا أَوْجَبَ

عَزَّ وَجَلَّ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. وَهَذَا خِلاَفٌ لاَِمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِذَا شَهِدَ لِدَعْوَى مَنْ ادَّعَى بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ, إمَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ نَقْلٍ صَحِيحٍ, فَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ وَوَجَبَ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ ضَرُورَةُ الْحِسِّ ; لاَِنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي النُّفُوسِ, وَإِلاَّ فَهِيَ أَقْوَالٌ مُؤَدِّيَةٌ إلَى إبْطَالِ الإِسْلاَمِ وَإِبْطَالِ جَمِيعِ الْعُلُومِ وَإِبْطَالِ جَمِيعِ اللُّغَاتِ كُلِّهَا, وَكَفَى بِهَذَا فَسَادًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والإجماع هو ماتيقن أن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرفوه إلخ
96 - مَسْأَلَةٌ: وَالإِجْمَاعُ هُوَ مَا تُيُقِّنَ أَنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفُوهُ
وَقَالُوا بِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ, كَتَيَقُّنِنَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ, رضي الله عنهم, صَلَّوْا مَعَهُ عليه السلام الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كَمَا هِيَ فِي عَدَدِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا, أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلاَّهَا مَعَ النَّاسِ كَذَلِكَ, وَأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ صَامُوا مَعَهُ, أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَامَ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشَّرَائِعِ الَّتِي تَيَقَّنَتْ مِثْلَ هَذَا الْيَقِينِ. وَاَلَّتِي مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا مَا لاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إجْمَاعٌ. وَهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ مُؤْمِنَ فِي الأَرْضِ غَيْرُهُمْ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَ هَذَا هُوَ إجْمَاعٌ كُلِّفَ الْبُرْهَانَ عَلَى مَا يَدَّعِي, وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ.

وماصح فيه خلاف من واحد منهم أو لم يتيقن أن كل واحد منهم إلخ
97 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا صَحَّ فِيهِ خِلاَفٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُتَيَقَّنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ, رضي الله عنهم, عَرَفَهُ وَدَانَ بِهِ فَلَيْسَ إجْمَاعًا, لإِنَّ مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ هَهُنَا فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ} .

ولو جاز أن يتيقن إجماع أهل عصر بعدهم
98 - مَسْأَلَةٌ ولو جاز أن يتيقن إجْمَاعُ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَهُمْ أَوَّلِهِمْ, عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى حُكْمِ نَصٍّ لاَ يُقْطَعُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُتَيَقَّنَ إجْمَاعُ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَهُمْ أَوَّلِهِمْ, عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى حُكْمِ نَصٍّ لاَ يُقْطَعُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم, لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَحُجَّةٌ وَلَيْسَ كَانَ يَكُونُ إجْمَاعًا.
أَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَحُجَّةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ". فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ عَصْرٍ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ عَلَى خَطَإٍ, وَلاَ بُدَّ مِنْ قَائِلٍ بِالْحَقِّ فِيهِمْ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا, فَلاَِنَّ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم, لَيْسَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا هُمْ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ وَالإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لاَ إجْمَاعُ بَعْضِهِمْ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسَمَّى إجْمَاعًا مَا خَرَجَ, عَنِ

والواجب إذا اختلف الناس أو نازع واحد في مسألة
99 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوَاجِبُ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ أَوْ نَازَعَ وَاحِدٌ فِي مَسْأَلَةٍ
مَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِهِمَا. وَلاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ, وَلاَ غَيْرِهِمْ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِْ} فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الرَّدُّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي هَذَا تَحْرِيمُ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, لإِنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى قَوْلِ إنْسَانٍ دُونَهُ عليه السلام فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ, لاَ سِيَّمَا مَعَ تَعْلِيقِهِ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ. وَقَدْ كَانَ الْخُلَفَاءُ, رضي الله عنهم, كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَعُمَّالُهُمْ بِالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَسَائِرِ الْبِلاَدِ وَعُمَّالُ عُمَرَ بِالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا, رضي الله عنهم, طَوَوْا عِلْمَ الْوَاجِبِ وَالْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ, عَنْ سَائِرِ الأَمْصَارِ وَاخْتَصُّوا بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ, فَهَذِهِ صِفَةُ سُوءٍ قَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا, وَقَدْ عَمِلَ مُلُوكُ بَنِي أُمَيَّةَ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ التَّكْبِيرِ مِنْ الصَّلاَةِ وَبِتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلاَةِ فِي الْعِيدَيْنِ, حَتَّى فَشَا ذَلِكَ فِي الأَرْضِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي عَمَلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ولا يحل القول بالقياس في الدين ولا برأي
100 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ فِي الدِّينِ, وَلاَ بِالرَّأْيِ لإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ بِالرَّدِّ إلَى كِتَابِهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَحَّ, فَمَنْ رَدَّ إلَى قِيَاسٍ وَإِلَى تَعْلِيلٍ يَدَّعِيه أَوْ إلَى رَأْيٍ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَلَّقَ بِالإِيمَانِ وَرَدَّ إلَى غَيْرِ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ, وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} . وقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} . وقوله تعالى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} إبْطَالٌ لِلْقِيَاسِ وَلِلرَّأْيِ ; لاَِنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا مَا دَامَ يُوجَدُ نَصٌّ, وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ شَيْئًا, وَأَنَّ رَسُولَهُ عليه الصلاة والسلام قَدْ بَيَّنَ لِلنَّاسِ كُلَّ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ, وَأَنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ فَصَحَّ أَنَّ النَّصَّ قَدْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ الدِّينِ, فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ حَاجَةَ بِأَحَدٍ إلَى قِيَاسٍ, وَلاَ إلَى رَأْيِهِ, وَلاَ إلَى رَأْيِ غَيْرِهِ.
وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ: هَلْ كُلُّ قِيَاسٍ قَاسَهُ قَائِسٌ حَقٌّ, أَمْ مِنْهُ حَقٌّ وَمِنْهُ بَاطِلٌ فَإِنْ قَالَ كُلُّ قِيَاسٍ حَقٌّ أَحَالَ, لإِنَّ الْمَقَايِيسَ تَتَعَارَضُ وَيُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا, وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَضِدُّهُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ حَقًّا مَعًا, وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ, وَلاَ تَخْصِيصٍ, كَالأَخْبَارِ الْمُتَعَارِضَةِ الَّتِي يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا, وَيُخَصِّصُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَإِنْ قَالَ مِنْهَا حَقٌّ وَمِنْهَا بَاطِلٌ, قِيلَ لَهُ فَعَرِّفْنَا بِمَاذَا تَعْرِفُ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ, وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ أَبَدًا, وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ عَلَى تَصْحِيحِ الصَّحِيحِ مِنْ الْقِيَاسِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْهُ, فَقَدْ بَطَلَ كُلُّهُ وَصَارَ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ سَأَلُوا أَيْنَ وَجَدُوا ذَلِكَ, فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} قِيلَ لَهُمْ: إنَّ الاِعْتِبَارَ لَيْسَ هُوَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ إلاَّ التَّعَجُّبَ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} أيْ لَعَجَبًا
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ

فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} أَيْ عَجَبٌ, وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الاِعْتِبَارِ الْقِيَاسَ, وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا قِيسُوا, ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ لَنَا مَاذَا نَقِيسُ, وَلاَ كَيْفَ نَقِيسُ, وَلاَ عَلَى مَاذَا نَقِيسُ. هَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَيْهِ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ إلاَّ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} . فَإِنْ ذَكَرُوا أَحَادِيثَ وَآيَاتٍ فِيهَا تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ, وَأَنَّ اللَّهَ قَضَى وَحَكَمَ بِأَمْرِ كَذَا مِنْ أَجْلِ أَمْرِ كَذَا, قلنا لَهُمْ: كُلُّ مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ خِلاَفُهُ, وَهُوَ نَصٌّ بِهِ نَقُولُ: وَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ تُشَبِّهُوهُ فِي الدِّينِ وَأَنْ تُعَلِّلُوهُ مِمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى, وَلاَ رَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام فَهُوَ بَاطِلٌ, وَلاَ بُدَّ وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ, وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَهْوِيلَهُمْ بِذِكْرِ آيَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَ "أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ" {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} . وَكُلُّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ مَوَّهُوا بِإِيرَادِهِ هُوَ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَاهُ فِي كِتَابِ الإِحْكَامِ لاُِصُولِ الأَحْكَامِ وَفِي كِتَابِ النُّكَتِ وَفِي كِتَابِ الدُّرَّةِ وَفِي كِتَابِ النُّبْذَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ عَارَضْنَاهُمْ فِي كُلِّ قِيَاسٍ قَاسُوهُ بِقِيَاسٍ مِثْلِهِ وَأَوْضَحَ مِنْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ لِنُرِيَهُمْ فَسَادَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً, فَمَوَّهَ مِنْهُمْ مُمَوِّهُونَ بِأَنْ قَالُوا: أَنْتُمْ دَأَبًا تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ, وَهَذَا مِنْكُمْ رُجُوعٌ إلَى الْقِيَاسِ وَاحْتِجَاجٌ بِهِ, وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَجِّ عَلَى غَيْرِهِ بِحُجَّةِ الْعَقْلِ لِيُبْطِلَ حُجَّةَ الْعَقْلِ وَبِدَلِيلٍ مِنْ النَّظَرِ لِيُبْطِلَ بِهِ النَّظَرَ قَالَ عَلِيٌّ: َقُلْنَا هَذَا شَغَبٌ سَهْلٌ إفْسَادُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ, وَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ, وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا, لَكِنْ أَرَيْنَاكُمْ أَنَّ أَصْلَكُمْ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْقِيَاسِ يَشْهَدُ بِفَسَادِ جَمِيعِ قِيَاسَاتِكُمْ. وَلاَ قَوْلَ أَظْهَرُ بَاطِلاً مِنْ قَوْلٍ أَكْذَبَ نَفْسَهُ. وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى هَذَا. فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} فَلَيْسَ هَذَا تَصْحِيحًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. وَلَكِنْ إلْزَامٌ لَهُمْ مَا يَفْسُدُ بِهِ قَوْلُهُمْ وَلَسْنَا فِي ذَلِكَ كَمَنْ ذَكَرْتُمْ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي إبْطَالِ حُجَّةِ الْعَقْلِ

بِحُجَّةِ الْعَقْلِ. لَكِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مُصَحِّحٌ لِقَضِيَّتِهِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُ مِنْ قَرِيبٍ. وَلاَ حُجَّةَ لَهُ غَيْرُهَا فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلاَنُ قَوْلِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَحْتَجَّ قَطُّ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ نُصَحِّحُهُ. لَكِنْ نُبْطِلُ الْقِيَاسَ بِالنُّصُوصِ وَبِبَرَاهِينِ الْعَقْلِ. ثُمَّ نَزِيدُ بَيَانًا فِي فَسَادِهِ مِنْهُ نَفْسِهِ بِأَنْ نُرِيَ تَنَاقُضَهُ جُمْلَةً فَقَطْ وَالْقِيَاسَ الَّذِي نُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَكُمْ. نَحْنُ نُقِرُّ بِفَسَادِهِ وَفَسَادِ قِيَاسِكُمْ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَضْعَفُ مِنْهُ. كَمَا نَحْتَجُّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَقَالَةٍ مِنْ مُعْتَزِلَةٍ وَرَافِضَةٍ وَمُرْجِئَةٍ وَخَوَارِج وَيَهُودٍ وَنَصَارَى وَدَهْرِيَّةٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي يَشْهَدُونَ بِصِحَّتِهَا. فَنُرِيهِمْ تَفَاسُدَهَا وَتَنَاقُضَهَا. وَأَنْتُمْ تَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ مَعَنَا بِذَلِكَ. وَلَسْنَا نَحْنُ, وَلاَ أَنْتُمْ مِمَّنْ يُقِرُّ بِتِلْكَ الأَقْوَالِ الَّتِي نَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهَا, بَلْ هِيَ عِنْدَنَا فِي غَايَةِ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَاد. وَكَاحْتِجَاجِنَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ كُتُبِهِمْ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. وَنَحْنُ لاَ نُصَحِّحُهَا. بَلْ نَقُولُ إنَّهَا لَمُحَرَّفَةٌ مُبَدَّلَةٌ. لَكِنْ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَ أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ. لاَ سِيَّمَا وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ مُخْتَلِفُونَ فِي قِيَاسَاتِهِمْ. لاَ تَكَادُ تُوجَدُ - مَسْأَلَةٌ إلاَّ وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَأْتِي بِقِيَاسٍ تَدَّعِي صِحَّتَهُ تُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَ الآُخْرَى. وَهُمْ كُلُّهُمْ مُقِرُّونَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قِيَاسٍ صَحِيحًا, وَلاَ كُلُّ رَأْيٍ حَقًّا. فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَاتُوا حَدَّ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ وَالرَّأْيَ الصَّحِيحَ الَّذِي يَتَمَيَّزَانِ بِهِ مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ وَالرَّأْيِ الْفَاسِدِ. وَهَاتُوا حَدَّ الْعِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لاَ تَقِيسُونَ إلاَّ عَلَيْهَا مِنْ الْعِلَّةِ الْفَاسِدَةِ فَلَجْلَجُوا.
قال علي: وهذا مَكَانٌ إنْ زُمَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَى جَوَابٍ يُفْهَمُ سَبِيلٌ أَبَدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ أَتَوْا فِي ذَلِكَ بِنَصٍّ قلنا النَّصُّ حَقٌّ وَاَلَّذِي تُرِيدُونَ أَنْتُمْ إضَافَتَهُ إلَى النَّصِّ بِآرَائِكُمْ بَاطِلٌ وَفِي هَذَا خُولِفْتُمْ. وَهَكَذَا أَبَدًا. فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الصَّحَابَةَ, رضي الله عنهم, أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ قِيلَ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ

أَجْمَعُوا عَلَى إبْطَالِهِ. بُرْهَانُ كَذِبِهِمْ أَنَّهُ لاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ حَدِيثٍ, عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم, أَنَّهُ أَطْلَقَ الأَمْرَ بِالْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ أَبَدًا إلاَّ فِي الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَإِنَّ فِيهَا: وَاعْرِفْ الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ وَقِسْ الآُمُورَ وَهَذِهِ رِسَالَةٌ لَمْ يَرْوِهَا إلاَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ, عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ سَاقِطٌ بِلاَ خِلاَفٍ وَأَبُوهُ أَسَقْطُ مِنْهُ أَوْ هُوَ مِثْلُهُ فِي السُّقُوطِ, فَكَيْفَ وَفِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ

نَفْسِهَا أَشْيَاءُ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ رضي الله عنه وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِيهَا: وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلاَّ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ أَوْ نَسَبٍ. وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا يَعْنِي جَمِيعَ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ حَنَفِيَّهُمْ وَشَافِعِيَّهُمْ وَمَالِكِيَّهُمْ, وَإِنْ كَانَ قَوْلُ عُمَرَ لَوْ صَحَّ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ فِي الْقِيَاسِ حُجَّةً, فَقَوْلُهُ فِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ كُلُّهُمْ إلاَّ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ حُجَّةٌ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حُجَّةً, فَلَيْسَ قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ حُجَّةً, لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَلَمْ يَصِحَّ.
وَأَمَّا بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم, عَلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ مُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ وَفِيهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} وَفِيهِ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ, رضي الله

عنهم, يَعْلَمُونَ هَذَا وَيُؤْمِنُونَ بِهِ, ثُمَّ يَرُدُّونَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى قِيَاسٍ أَوْ رَأْيٍ. هَذَا مَا لاَ يَظُنُّهُ بِهِمْ ذُو عَقْلٍ, فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ, عَنِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه, أَنَّهُ قَالَ: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي أَوْ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إنْ قُلْتَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي أَوْ بِمَا لاَ أَعْلَمُ, وَصَحَّ, عَنِ الْفَارُوقِ رضي الله عنه, أَنَّهُ قَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ وَإِنَّ الرَّأْيَ مِنَّا هُوَ الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ, وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه فِي فُتْيَا أَفْتَى بِهَا إنَّمَا كَانَ رَأْيًا رَأَيْته فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ.
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: سَأَقُولُ فِيهَا بِجَهْدِ رَأْيِي, فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ, وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي حَدِيثِ: يُبْتَدَعُ كَلاَمًا لَيْسَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ

عَزَّ وَجَلَّ, وَلاَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ وَضَلاَلَةٌ. وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ كُلُّ رَأْيٍ رُوِيَ, عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم, لاَ عَلَى أَنَّهُ إلْزَامٌ, وَلاَ أَنَّهُ حَقٌّ, لَكِنَّهُ إشَارَةٌ بِعَفْوٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ تَوَرُّعٍ فَقَطْ لاَ عَلَى سَبِيلِ الإِيجَابِ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الَّذِي فِيهِ أَجْتَهِدُ رَأْيِي, وَلاَ آلُو, لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلاَّ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ نَدْرِي مَنْ هُوَ, عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ لَمْ يُسَمِّهِمْ, عَنْ مُعَاذٍ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ كُلَّهَا فِي كِتَابِنَا الْمَذْكُورِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
حدثنا أحمد بن قاسم حَدَّثَنَا أَبُو قَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ, عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الآُمُورَ بِآرَائِهِمْ فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُونَ الْحَلاَلَ" . قَالَ عَلِيٌّ: وَالشَّرِيعَةُ كُلُّهَا إمَّا

فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ. وَأَمَّا حَرَامٌ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ وَأَمَّا مُبَاحٌ لاَ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ, وَلاَ مَنْ تَرَكَهُ. وَهَذَا الْمُبَاحُ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ إمَّا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهُ, وَلاَ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ. وَأَمَّا مَكْرُوهٌ يُؤْجَرُ مَنْ تَرَكَهُ, وَلاَ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ. وَأَمَّا مُطْلَقٌ لاَ يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهُ, وَلاَ مَنْ تَرَكَهُ, وَلاَ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ, وَلاَ مَنْ تَرَكَهُ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَلاَلٌ إلاَّ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ.
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا, فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى أَعَادَهَا ثَلاَثًا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ, ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ, فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ, وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ, عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ" .
قَالَ عَلِيٌّ: فَجَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الدِّينِ, أَوَّلِهَا, عَنْ آخِرِهَا, فَفِيهِ أَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ, وَلاَ نَهَى عَنْهُ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ حَرَامًا, وَلاَ فَرْضًا, وَأَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ, وَمَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ, وَأَنَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا مِنْهُ مَا نَسْتَطِيعُ فَقَطْ, وَأَنْ نَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً تُؤَدِّي مَا أَلْزَمَنَا, وَلاَ يَلْزَمُنَا تَكْرَارُهُ, فَأَيُّ حَاجَةٍ بِأَحَدٍ إلَى قِيَاسٍ أَوْ رَأْيٍ مَعَ هَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ, وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ.
فإن قال قائل: لاَ يَجُوزُ إبْطَالُ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ إلاَّ حَتَّى تُوجِدُونَا تَحْرِيمَ الْقَوْلِ بِهِ

نَصًّا فِي الْقُرْآنِ. قلنا لَهُمْ: قَدْ أَوْجَدْنَا لَكُمْ الْبُرْهَانَ نَصًّا بِذَلِكَ وَبِأَنْ لاَ يَرِدَ التَّنَازُعُ إلاَّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ, وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ, وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وَالْقِيَاسُ ضَرْبُ أَمْثَالٍ فِي الدِّينِ لِلَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: إنْ عَارَضَكُمْ الرَّوَافِضُ بِمِثْلِ هَذَا فَقَالُوا لَكُمْ: لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِإِبْطَالِ الإِلْهَامِ, وَلاَ بِإِبْطَالِ اتِّبَاعِ الإِمَامِ إلاَّ حَتَّى تُوجِدُوا لَنَا تَحْرِيمَ ذَلِكَ نَصًّا, أَوْ قَالَ لَكُمْ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ مَقَالَةٍ فِي تَقْلِيدِ كُلِّ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ. بِمَاذَا تَنْفَصِلُونَ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَ أَوْ حَلَّلَ أَوْ أَوْجَبَ إلاَّ بِنَصٍّ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وأفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست فرضا
101 - مَسْأَلَةٌ: وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَتْ فَرْضًا
إلاَّ مَا كَانَ مِنْهَا بَيَانًا لاَِمْرٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ أَمْرٌ, لَكِنَّ الاِئْتِسَاءَ بِهِ عليه السلام فِيهَا حَسَنٌ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُنَا شَيْءٌ إلاَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ أَوْ نَهَانَا عَنْهُ, وَأَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ فَعَفْوٌ سَاقِطٌ عَنَّا,وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

ولا يحل لنا اتباع شريعة نبي قبل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم
102 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لَنَا اتِّبَاعُ شَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ, عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ, وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا, فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ, وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لاَِحَدٍ قَبْلِي, وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ, وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً" فَإِذَا صَحَّ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ عليهم السلام لَمْ يُبْعَثْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاَّ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً, فَقَدْ صَحَّ أَنَّ شَرَائِعَهُمْ لَمْ تَلْزَمْ إلاَّ مَنْ بُعِثُوا إلَيْهِ فَقَطْ, وَإِذَا لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا فَلَمْ يُخَاطِبُونَا قَطُّ بِشَيْءٍ, وَلاَ أَمَرُونَا, وَلاَ نَهَوْنَا وَلَوْ أَمَرُونَا وَنَهَوْنَا وَخَاطَبُونَا لَمَا كَانَ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَضِيلَةٌ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ. وَمَنْ قَالَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَبْطَلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا, فَإِذَا قَدْ صَحَّ أَنَّهُمْ عليهم السلام لَمْ يُخَاطِبُونَا بِشَيْءٍ, فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ شَرَائِعَهُمْ لاَ تَلْزَمُنَا أَصْلاً, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل لأحد أن يقلد أحدا لا حيا ولا ميتا
103 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا, لاَ حَيًّا, وَلاَ مَيِّتًا
وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الاِجْتِهَادِ حَسَبَ طَاقَتِهِ, فَمَنْ سَأَلَ, عَنْ دِينِهِ فَإِنَّمَا يُرِيدُ مَعْرِفَةَ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الدِّينِ, فَفُرِضَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَجْهَلَ الْبَرِيَّةِ أَنْ يَسْأَلَ, عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ مَوْضِعِهِ بِالدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فَإِذَا دُلَّ عَلَيْهِ سَأَلَهُ, فَإِذَا أَفْتَاهُ قَالَ لَهُ هَكَذَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ فَإِنْ قَالَ لَهُ نَعَمْ أَخَذَ بِذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ أَبَدًا, وَإِنْ قَالَ لَهُ هَذَا رَأْيِي, أَوْ هَذَا قِيَاسٌ, أَوْ هَذَا قَوْلُ فُلاَنٍ, وَذَكَرَ لَهُ صَاحِبًا أَوْ تَابِعًا أَوْ فَقِيهًا قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا, أَوْ سَكَتَ أَوْ انْتَهَرَهُ أَوْ قَالَ لَهُ لاَ أَدْرِي, فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ, وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} فَلَمْ يَأْمُرْنَا عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ بِطَاعَةِ بَعْضِ أُولِي الأَمْرِ, فَمَنْ قَلَّدَ عَالِمًا أَوْ جَمَاعَةَ عُلَمَاءَ فَلَمْ يُطِعْ اللَّهَ تَعَالَى, وَلاَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم, وَلاَ أُولِي الأَمْرِ, وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ إلَى مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ بِطَاعَةِ بَعْضِ أُولِي الأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ.

وإذا قيل له إذا سأل عن أعلم أهل بلده بالدين
No pages

ولا حكم للخطأ ولا النسيان
105 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ حُكْمَ لِلْخَطَإِ, وَلاَ النِّسْيَانِ إلاَّ حَيْثُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ لَهُمَا حُكْمٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} .

وكل فرض كلفه الله تعالى الإنسان فإن قدر لزمه
106 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ فَرْضٍ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى الإِنْسَانَ, فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ,
وَإِنْ عَجَزَ, عَنْ جَمِيعِهِ سَقَطَ عَنْهُ, وَإِنْ قَوِيَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ, عَنْ بَعْضِهِ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَلَزِمَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ, سَوَاءٌ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز أن يعمل أحد شيئا من الدين مؤقتا بوقت قبل وقته
107 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ قَبْلَ وَقْتِهِ فَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ مِنْ وَقْتِهِ وَالآخَرُ مِنْ وَقْتِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ قَبْلَ وَقْتِهِ, وَلاَ بَعْدَ وَقْتِهِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه} وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} وَالأَوْقَاتُ حُدُودٌ, فَمَنْ تَعَدَّى بِالْعَمَلِ وَقْتَهُ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ, فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ.
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ, هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ, عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ, عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" .
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلَ عَمَلاً فِي وَقْتٍ سَمَّاهُ لَهُ فَعَمِلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ إمَّا قَبْلَ الْوَقْتِ وَأَمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى, وَلاَ أَمْرُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ, وَهُوَ غَيْرُ الْعَمَلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ, فَإِنْ جَاءَ نَصٌّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَهُوَ وَقْتُهُ أَيْضًا حِينَئِذٍ, وَإِنَّمَا الَّذِي لاَ يَكُونُ وَقْتًا لِلْعَمَلِ فَهُوَ مَا لاَ نَصَّ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والمجتهمد المخطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب
108 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُقَلِّدِ الْمُصِيبِ . هَذَا فِي أَهْلِ الإِسْلاَمِ خَاصَّةً, وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَلاَ عُذْرَ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَدِلِّ, وَلاَ لِلْمُقَلِّدِ, وَكِلاَهُمَا هَالِكٌ.
بُرْهَانُ هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَذَمَّ اللَّهُ التَّقْلِيدَ جُمْلَةً, فَالْمُقَلِّدُ عَاصٍ وَالْمُجْتَهِدُ مَأْجُورٌ وَلَيْسَ مَنْ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقَلِّدًا لاَِنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَإِنَّمَا الْمُقَلِّدُ مَنْ اتَّبَعَ مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَِنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} .

والحق من الأقوال في واحد منها وسائرها خطأ وبالله تعالى التوفيق
109 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحَقُّ مِنْ الأَقْوَالِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَسَائِرُهَا خَطَأٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاَّ الضَّلاَلُ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} وَذَمَّ اللَّهُ الاِخْتِلاَفَ فَقَالَ:, {وَلاَ تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} وَقَالَ: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} وَقَالَ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } . فَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ فِي الأَقْوَالِ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ, وَهُوَ وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ, وَأَنَّ الْخَطَأَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الأَقْوَالَ كُلَّهَا حَقٌّ, وَأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ, فَقَدْ قَالَ قَوْلاً لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ مَعْقُولٌ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ, وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" فَنَصَّ عليه الصلاة والسلام أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ النَّاسَ لَمْ يُكَلَّفُوا إلاَّ اجْتِهَادَهُمْ فَقَدْ أَخْطَأَ, بَلْ مَا كُلِّفُوا إلاَّ إصَابَةَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} فَافْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ اتِّبَاعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَأَنْ لاَ نَتَّبِعَ غَيْرَهُ وَأَنْ لاَ نَتَعَدَّى حُدُودَهُ, وَإِنَّمَا أُجِرَ الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَجْرًا وَاحِدًا عَلَى نِيَّتِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فَقَطْ, وَلَمْ يَأْثَمْ إذَا حُرِمَ الإِصَابَةَ, فَلَوْ أَصَابَ الْحَقَّ أُجِرَ أَجْرًا آخَرَ كَمَا قَالَ عليه السلام: "أَنَّهُ إذَا أَصَابَ أُجِرَ أَجْرًا ثَانِيًا".
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ, عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ, عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ, وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" .وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالظَّنِّ أَصْلاً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا} وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ" وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الطهارة
مسائل في الوضوء
الوضوء للصلاة فرض لا تجزئ الصلاة إلا به لمن وجد الماء
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
110 - مَسْأَلَةٌ: الْوُضُوءُ لِلصَّلاَةِ فَرْضٌ لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ. هَذَا إجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ, وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَاقُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ}.

ولا يجزئ الوضوء إلا بنية الطهارة للصلاة
111 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلاَّ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا لاَ يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا دُونَ الآخَرِ, وَلاَ صَلاَةٌ دُونَ صَلاَةٍ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ الآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِالْوُضُوءِ إلاَّ لِلصَّلاَةِ عَلَى عُمُومِهَا, لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى صَلاَةً مِنْ صَلاَةٍ فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا, وَلاَ يُجْزِئُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
وقال أبو حنيفة: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِلاَ نِيَّةٍ وَبِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ. كَانَ حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الأَعْضَاءِ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ, وَقَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ بِلاَ نِيَّةٍ, وَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِنِيَّةٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ يُجْزِئُ كُلُّ ذَلِكَ بِلاَ نِيَّةٍ, وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي بِئْرٍ لِيُخْرِجَ دَلْوًا مِنْهَا لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ, وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَجْزِيهِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الأَعْضَاءِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ, فَكَذَّبَ بَلْ مَا أُمِرَ إلاَّ بِغَسْلِهَا بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فَنَفَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ أَمَرَنَا بِشَيْءٍ إلاَّ بِعِبَادَتِهِ مُفْرَدِينَ لَهُ نِيَّاتِنَا بِدِينِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ فَعَمَّ بِهَذَا جَمِيعَ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا.
حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ, حدثنا أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوِيُّ, حدثنا الْفَرَبْرِيٌّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا الْحُمَيْدِيُّ, حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ, حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ, سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" فَهَذَا أَيْضًا عُمُومٌ لِكُلِّ عَمَلٍ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ بَعْضُ الأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ بِالدَّعْوَى.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَبَاطِلٌ لاَِنَّهُ قِيَاسٌ, وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ, لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ قِيَاسُكُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِكُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ وُضُوءٌ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ أَيْضًا, وَكَمَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ وَهُوَ بُلُوغُ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ, فَهَلاَّ قِسْتُمْ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلاَّ بِنِيَّةٍ, لإِنَّ كِلَيْهِمَا طُهْرٌ لِلصَّلاَةِ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ قلنا نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا} فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ ذَلِكَ الْغُسْلُ إلاَّ لِلصَّلاَةِ بِنَصِّ الآيَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ يُجْزِئُ بِلاَ نِيَّةٍ بَاطِلٌ لَيْسَ كَمَا قَالُوا, بَلْ كُلُّ تَطْهِيرٍ لِنَجَاسَةٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى صِفَةٍ مَا فَإِنَّهُ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِنِيَّةٍ وَعَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ, وَكُلُّ نَجَاسَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِصِفَةٍ مَا فَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ فِي أَجْسَامِهِمْ, وَلاَ فِي ثِيَابِهِمْ, وَلاَ فِي مَوْضِعِ صَلاَتِهِمْ, فَإِذَا صَلَّوْا كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ, فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ وَعِظَمُ تَنَاقُضِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَعْمَالِ بِلاَ بُرْهَانٍ, وَاخْتِلاَفُهُمْ فِي الْجُنُبِ يَنْغَمِسُ فِي الْبِئْرِ كَمَا ذَكَرْنَا بِلاَ دَلِيلٍ.
وقال بعضهم: لَوْ احْتَاجَ الْوُضُوءُ إلَى نِيَّةٍ لاَحْتَاجَتْ النِّيَّةُ إلَى نِيَّةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا, قلنا لَهُمْ: هَذَا لاَزِمٌ لَكُمْ فِيمَا أَوْجَبْتُمْ مِنْ النِّيَّةِ لِلتَّيَمُّمِ وَلِلصَّلاَةِ وَهَذَا مُحَالٌ, لإِنَّ النِّيَّةَ الْمَأْمُورَ بِهَا هِيَ مَأْمُورٌ بِهَا لِنَفْسِهَا, لاَِنَّهَا الْقَصْدُ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ فَقَطْ, وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ قَوْلُهُ بِالآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَالْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ.
وقولنا في هذا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ويجزئ الوضوء قبل الوقت وبعده
112 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ, وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ, لاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ, وَلاَ التَّيَمُّمُ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ, وَقَالَ آخَرُونَ: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ, وَلاَ يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ إلاَّ بَعْدَ الْوَقْتِ, وَقَالَ آخَرُونَ: الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ يَجْزِيَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} .
قال علي: وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ, بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَافِيَةٌ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إذَا قُمْتُمْ إلَى صَلاَةِ فَرْضٍ, وَلاَ إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلاَةِ فَرْضٍ فَقُمْتُمْ إلَيْهَا, بَلْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ} فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ, وَالصَّلاَةُ تَكُونُ فَرْضًا وَتَكُونُ تَطَوُّعًا بِلاَ خِلاَفٍ, وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الأَرْضِ قَاطِبَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ التَّطَوُّعِ لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِطَهَارَةٍ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ أَوْ غُسْلٍ, وَلاَ بُدَّ, فَوَجَبَ بِنَصِّ الآيَةِ ضَرُورَةُ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا أَرَادَ صَلاَةَ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَقَامَ إلَيْهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ إنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ يَتَيَمَّمَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ لِيُصَلِّ, فَإِنَّ ذَلِكَ نَصُّ الآيَةِ بِيَقِينٍ فَإِذَا أَتَمَّ الْمَرْءُ غُسْلَهُ أَوْ وُضُوءَهُ أَوْ تَيَمُّمَهُ فَقَدْ طَهُرَ بِلاَ شَكٍّ. وَإِذْ قَدْ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا مُهْلَةً مِنْ مَشْيٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ. لإِنَّ الآيَةَ لَمْ تُوجِبْ اتِّصَالَ الصَّلاَةِ بِالطَّهَارَةِ لاَ بِنَصِّهَا, وَلاَ بِدَلِيلٍ فِيهَا. وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ صَلاَتِهِ مُهْلَةٌ فَجَائِزٌ أَنْ تَمْتَدَّ الْمُهْلَةُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَمَادِيهَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ. وَذَلِكَ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَوْقَاتِ الْفَرْضِ. وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَمَا شَاءَ.
فَصَحَّ بِنَصِّ الآيَةِ جَوَازُ التَّطَهُّرِ بِالْغُسْلِ وَبِالْوُضُوءِ وَبِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ وَقْتِ صَلاَةِ الْفَرْضِ, وَإِنَّمَا وَجَبَ بِنَصِّ الآيَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ بِنِيَّةِ التَّطَهُّرِ لِلصَّلاَةِ فَقَطْ, وَلاَ مَزِيدَ.
وَدَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الصَّلاَةَ جَائِزَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا, فَإِذَا ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلاَّ وَقَدْ صَحَّتْ الطَّهَارَةُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ, وَهَذَا يُنْتِجُ, وَلاَ بُدَّ جَوَازَ التَّطَهُّرِ بِكُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ.

بُرْهَانٌ آخَرُ, وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ, حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, عَنْ مَالِكٍ, عَنْ سُمَيٍّ, عَنْ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَرَاحَ فَكَأَنَّمَا قَدَّمَ بَدَنَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً, وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا, وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً, فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْر"َ. فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا, لإِنَّ الإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لاَ بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ, وَأَيُّ الأَمْرَيْنِ كَانَ فَتَطَهُّرُ هَذَا الرَّائِحِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ بِلاَ شَكٍّ, وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فِي الرَّائِحِينَ إلَى الْجُمُعَةِ الْمُتَيَمِّمَ فِي السَّفَرِ وَالْمُتَوَضِّئَ.
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَنَعَ مِنْهُ, فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّ حُكْمَ الآيَةِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوَقْتِ, وَادَّعَوْا أَنَّ الْوُضُوءَ خَرَجَ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ, وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ, وَلَعَلَّهُ تَوَضَّأَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَقِيَ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ تُنْتَقَضْ, فَإِذَا هَذَا مُمْكِنٌ فَلاَ دَلِيلَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فإن خلط بنية الطهارة للصلاة نية لتبرد أو لغير ذلك لم تجز ئه الصلاة بذلك الوضوء
113 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ خَلَطَ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ نِيَّةً لِتَبَرُّدٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} فَمَنْ مَزَجَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا نِيَّةً لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا, فَلَمْ يُخْلِصْ لِلَّهِ تَعَالَى الْعِبَادَةَ بِدِينِهِ ذَلِكَ, وَإِذَا لَمْ يُخْلِصْ فَلَمْ يَأْتِ بِالْوُضُوءِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ, فَلَوْ نَوَى مَعَ وُضُوئِهِ لِلصَّلاَةِ أَنْ يُعَلِّمَ الْوُضُوءَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ بِهِ, لإِنَّ تَعْلِيمَ النَّاسِ الدِّينَ مَأْمُورٌ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا تجزء النية في ذلك ولا في غيره من الأ‘عمال
114 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ, وَلاَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الأَعْمَالِ إلاَّ قَبْلَ الاِبْتِدَاءِ بِالْوُضُوءِ أَوْ بِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ مُتَّصِلَةً بِالاِبْتِدَاءِ بِهِ لاَ يَحُولُ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ قَلَّ أَمْ كَثُرَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا صَحَّ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْعَمَلِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لاَ يَخْلُو مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَمَلِ, وَإِذَا لَمْ تَكُنْ كَمَا ذَكَرْنَا فَهِيَ إمَّا أَنْ يَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمَلِ زَمَانٌ فَيَصِيرُ الْعَمَلُ بِلاَ نِيَّةٍ, وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ الْعَمَلِ دَقِيقَةٌ لَجَازَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا دَقِيقَتَانِ وَثَلاَثٌ وَأَرْبَعٌ, وَمَا زَادَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الأَمْرُ إلَى عَشَرَاتِ أَعْوَامٍ, وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلنِّيَّةِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْعَمَلِ خَالِيًا مِنْ نِيَّةٍ دَخَلَ فِيهِ بِهَا, لإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِالْعَمَلِ وَالإِرَادَةُ بِهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ, وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلاَّ مُعْتَقَدًا قَبْلَ الْعَمَلِ وَمَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن غمس أعضاء الوضوء في الماء ونوى به الضوء للصلاة
115 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ غَمَسَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فِي الْمَاءِ وَنَوَى بِهِ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ أَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ حَتَّى عَمَّهَا الْمَاءُ وَنَوَى بِذَلِكَ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ, أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ, أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَيْرُهُ وَنَوَى هُوَ بِذَلِكَ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ أَجْزَأَهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ " غُسْلٌ " يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ, وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى التَّدَلُّكِ بِالْيَدِ فَقَدْ ادَّعَى مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ وَقَوْلُنَا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى
116 - مَسْأَلَةٌ: وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزٌ, كُلُّ ذَلِكَ بِوُضُوءٍ وَبِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودَ فِيهِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا, فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ. فأما قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي هَذَا لِمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ, وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ تَقْرَأُ الْحَائِضُ, وَلاَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ, وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ, عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما وَعَنْ غَيْرِهِمَا رُوِيَ أَيْضًا كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا الْحَائِضُ فَتَقْرَأُ مَا شَاءَتْ مِنْ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيَقْرَأُ الآيَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا, وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وقال بعضهم: لاَ يُتِمُّ الآيَةَ, وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
فأما مَنْ مَنَعَ الْجُنُبَ مِنْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ, فَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ, عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَحْجِزُهُ, عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةُ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ, عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ, وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ عليه السلام لاَ يُلْزِمُ, وَلاَ بَيَّنَ عليه السلام أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ. وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ عليه السلام تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ, وَهُوَ عليه السلام لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَانَ, وَلَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي قِيَامِهِ عَلَى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً, وَلاَ أَكَلَ قَطُّ عَلَى خِوَانٍ, وَلاَ أَكَلَ مُتَّكِئًا. أَفَيَحْرُمُ أَنْ يُصَامَ شَهْرٌ كَامِلٌ غَيْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ يَتَهَجَّدَ الْمَرْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً, أَوْ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى خِوَانٍ, أَوْ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا هَذَا لاَ يَقُولُونَهُ, وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِي نَهْيِ الْجُنُبِ وَمَنْ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ, عَنْ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ, وَلاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ, وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَ أَسَانِيدِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ, وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى مَنْ يُبِيحُ لَهُ قِرَاءَةَ الآيَةِ التَّامَّةِ أَوْ بَعْضَ الآيَةِ ; لاَِنَّهَا كُلَّهَا نَهْيٌ, عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الآيَةَ أَوْ نَحْوَهَا, أَوْ قَالَ لاَ يُتِمُّ الآيَةَ, أَوْ أَبَاحَ لِلْحَائِضِ وَمَنَعَ الْجُنُبَ فَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ ; لاَِنَّهَا دَعَاوَى لاَ يُعَضِّدُهَا دَلِيلٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ سَقِيمَةٍ. وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ, لإِنَّ بَعْضَ الآيَةِ وَالآيَةَ قُرْآنٌ بِلاَ شَكٍّ, وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاحَ لَهُ آيَةٌ أَوْ أَنْ يُبَاحَ لَهُ أُخْرَى, أَوْ بَيْنَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ آيَةٍ أَوْ يُمْنَعَ مِنْ أُخْرَى, وَأَهْلُ هَذِهِ الأَقْوَالِ

يُشَنِّعُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ, وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ, وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. رضي الله عنهم .
وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ الآيَاتِ مَا هُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ {وَالضُّحَى} وَ {مُدْهَامَّتَانِ} وَ {وَالْعَصْرِ} وَ {وَالْفَجْرِ} وَمِنْهَا كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ كَآيَةِ الدَّيْنِ, فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا. فَإِنَّ فِي إبَاحَتِهِمْ لَهُ قِرَاءَةَ آيَةِ الدَّيْنِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا أَوْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَوْ بَعْضَهَا, وَلاَ يُتِمُّهَا, وَمَنْعِهِمْ إيَّاهُ مِنْ قِرَاءَةِ {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} أَوْ مَنْعِهِمْ لَهُ مِنْ إتْمَامِ {مُدْهَامَّتَانِ} لَعَجَبًا.
وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِأَنَّ أَمَدَ الْحَائِضِ يَطُولُ, فَهُوَ مُحَالٌ, لاَِنَّهُ إنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهَا لِلْقُرْآنِ حَرَامًا فَلاَ يُبِيحُهُ لَهَا طُولُ أَمَدِهَا, وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا حَلاَلاً فَلاَ مَعْنَى لِلاِحْتِجَاجِ بِطُولِ أَمَدِهَا.
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ, عَنْ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ, عَنْ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ, حدثنا ابْنُ وَهْبٍ, عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ, عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ وبه إلى مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ, حدثنا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ, حدثنا إدْرِيسُ, عَنْ حَمَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ, عَنِ الْجُنُبِ هَلْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ: وَكَيْفَ لاَ يَقْرَؤُهُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ وبه إلى يُوسُفَ السَّمْتِيِّ, عَنْ نَصْرٍ الْبَاهِلِيِّ. قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ وَهُوَ جُنُبٌ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ, حدثنا

قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, حدثنا غُنْدَرٌ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ, عَنِ الْجُنُبِ يَقْرَأُ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَالَ: أَلَيْسَ فِي جَوْفِهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.
وَأَمَّا سُجُودُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ صَلاَةً أَصْلاً, لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ, وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالاَ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا الأَزْدِيَّ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ ثِقَةٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, أَنَّهُ قَالَ: "صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام, أَنَّهُ قَالَ: الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ" فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ رَكْعَةً تَامَّةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ صَلاَةً. وَالسُّجُودُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَيْسَ رَكْعَةً, وَلاَ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ صَلاَةً, وَإِذْ لَيْسَ هُوَ صَلاَةً فَهُوَ جَائِزٌ بِلاَ وُضُوءٍ, وَلِلْجُنُبِ وَلِلْحَائِضِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَسَائِرِ الذِّكْرِ, وَلاَ فَرْقَ, إذْ لاَ يَلْزَمُ الْوُضُوءُ إلاَّ لِلصَّلاَةِ فَقَطْ, إذْ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ لِغَيْرِ الصَّلاَةِ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قِيَاسٌ.
فإن قيل: إنَّ السُّجُودَ مِنْ الصَّلاَةِ, وَبَعْضَ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ. قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذَا بَاطِلٌ ; لاَِنَّهُ لاَ يَكُونُ بَعْضُ الصَّلاَةِ صَلاَةً إلاَّ إذَا تَمَّتْ كَمَا أُمِرَ بِهَا الْمُصَلِّي, وَلَوْ أَنَّ امْرَأً كَبَّرَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَطَعَ عَمْدًا لَمَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ إنَّهُ صَلَّى شَيْئًا, بَلْ يَقُولُونَ كُلُّهُمْ إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ, فَلَوْ أَتَمَّهَا رَكْعَةً فِي الْوِتْرِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَالسَّفَرِ وَالتَّطَوُّعِ لَكَانَ قَدْ صَلَّى بِلاَ خِلاَفٍ.
ثم نقول لَهُمْ: إنَّ الْقِيَامَ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَالتَّكْبِيرَ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَقِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَالْجُلُوسَ بَعْضُ الصَّلاَةِ, وَالسَّلاَمَ بَعْضُ الصَّلاَةِ, فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنْ لاَ تُجِيزُوا لاَِحَدٍ أَنْ يَقُولَ, وَلاَ أَنْ يُكَبِّرَ, وَلاَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ, وَلاَ يَجْلِسَ, وَلاَ يُسَلِّمَ إلاَّ عَلَى وُضُوءٍ, فَهَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ, فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ قَالُوا هَذَا إجْمَاعٌ, قلنا لَهُمْ: قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلاَنِ حُجَّتِكُمْ وَإِفْسَادِ عِلَّتِكُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الآثَارَ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ لَمْ يُجِزْ لِلْجُنُبِ مَسَّهُ فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ ; لاَِنَّهَا إمَّا مُرْسَلَةٌ وَأَمَّا صَحِيفَةٌ لاَ تُسْنَدُ وَأَمَّا, عَنْ مَجْهُولٍ وَأَمَّا, عَنْ

ضَعِيفٍ, وَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ, حدثنا سَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ, حدثنا شُعَيْبٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ هِرَقْلَ فَدَعَا هِرَقْلُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةَ إلَى عَظِيمِ بُصْرَى, فَدَفَعَهُ إلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ, فَإِذَا

فِيهِ: " بسم الله الرحمن الرحيم, مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ, أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الأَرِيسِيِّينَ" وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ, وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا, وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} . فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَ كِتَابًا وَفِيهِ هَذِهِ الآيَةُ إلَى النَّصَارَى وَقَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُمْ يَمَسُّونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ.
فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ, حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, حدثنا اللَّيْثُ, عَنْ نَافِعٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ يَنْهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ يَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ" فَهَذَا حَقٌّ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لاَ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ جُنُبٌ, وَلاَ كَافِرٌ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ لاَ يَنَالَ أَهْلُ أَرْضِ الْحَرْبِ الْقُرْآنَ فَقَطْ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى هِرَقْلَ آيَةً وَاحِدَةً. قِيلَ لَهُمْ: وَلَمْ يَمْنَعْ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْتُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ فَإِنْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الآيَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَلاَ تَقِيسُوا عَلَى هَذِهِ الآيَةِ غَيْرَهَا.
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} فَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لاَِنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يَقُولُ إلاَّ حَقًّا. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ لَفْظُ الْخَبَرِ إلَى مَعْنَى الأَمْرِ إلاَّ بِنَصٍّ جَلِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ. فَلَمَّا رَأَيْنَا الْمُصْحَفَ يَمَسُّهُ الطَّاهِرُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَعْنِ الْمُصْحَفَ وَإِنَّمَا عَنَى كِتَابًا آخَرَ. كَمَا أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ, حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ, حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ, عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} قَالَ: الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا

ابْنُ مُفَرِّجٍ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا الدَّبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, حدثنا يَحْيَى بْنُ الْعَلاَءِ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: أَتَيْنَا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ كَنِيفٍ لَهُ. فَقُلْنَا لَهُ: لَوْ تَوَضَّأْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأْتَ عَلَيْنَا سُورَةَ كَذَا فَقَالَ سَلْمَانُ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمَلاَئِكَةُ.
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ, حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, حدثنا شُعْبَةُ, حدثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ, عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ: إنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مُصْحَفًا أَمَرَ نَصْرَانِيًّا فَنَسَخَهُ لَهُ.
وقال أبو حنيفة: لاَ بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الْجُنُبُ الْمُصْحَفَ بِعِلاَقَتِهِ, وَلاَ يَحْمِلُهُ بِغَيْرِ عِلاَقَةٍ. وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ. وقال مالك: لاَ يَحْمِلُ الْجُنُبُ, وَلاَ غَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ الْمُصْحَفَ لاَ بِعِلاَقَةٍ, وَلاَ عَلَى وِسَادَةٍ. فَإِنْ كَانَ فِي خُرْجٍ أَوْ تَابُوتٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْجُنُبُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ تَفَارِيقُ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ لاَ صَحِيحَةٍ, وَلاَ سَقِيمَةٍ, وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. وَلَئِنْ كَانَ الْخُرْجُ حَاجِزًا بَيْنَ الْحَامِلِ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّوْحَ وَظَهْرَ الْوَرَقَةِ حَاجِزٌ أَيْضًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ, وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وكذلك الأذان والإقامة يجزئان أيضا بلا طهارة وفي حال الجنابة
117 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الآذَانُ وَالإِقَامَةُ يُجْزِئَانِ أَيْضًا بِلاَ طَهَارَةٍ وَفِي حَالِ الْجَنَابَةِ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وقال الشافعي: يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيُجْزِئُ إنْ وَقَعَ. وَقَالَ عَطَاءُ: لاَ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ إلاَّ مُتَوَضِّئًا. وقال مالك: يُؤَذِّنُ مَنْ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ, وَلاَ يُقِيمُ إلاَّ مُتَوَضِّئٌ.
قال علي: هذا فَرْقٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ إجْمَاعٍ, وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٍ, فَإِنْ قَالُوا إنَّ الإِقَامَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالصَّلاَةِ, قِيلَ لَهُمْ: وَقَدْ لاَ تَتَّصِلُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ مِنْ حَدِيثٍ بَدَأَ فِيهِ الإِمَامُ مَعَ إنْسَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ, وَقَدْ يَكُونُ الآذَانُ مُتَّصِلاً بِالإِقَامَةِ وَالصَّلاَةِ, كَصَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا, وَلاَ فَرْقَ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابٍ أَنْ لاَ يَكُونَ الآذَانُ وَالإِقَامَةُ إلاَّ بِطَهَارَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا, فَقَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ خَطَأٌ, لاَِنَّهُ إحْدَاثُ شَرْعٍ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ, وَلاَ إجْمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ. فإن قيل: قَدْ صَحَّ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, أَنَّهُ قَالَ: "كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلاَّ عَلَى طُهْرٍ" قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ كَرَاهَةٌ لاَ مَنْعٌ, وَهُوَ عَلَيْكُمْ لاَ لَكُمْ لاَِنَّكُمْ تُجِيزُونَ الآذَانَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ فِي الْخَبَرِ وَأَنْتُمْ لاَ تَكْرَهُونَهُ أَصْلاً, فَهَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ, وَأَمَّا نَحْنُ فَهُوَ قَوْلُنَا, وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى طَهَارَةٍ أَفْضَلُ, وَلاَ نَكْرَهُهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ, لإِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَنْسُوخَةٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم
118 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ الأَكْلَ أَوْ النَّوْمَ
وَلِرَدِّ السَّلاَمِ وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى, وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ.
فإن قيل: فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلاَّ عَلَى طُهْر" ٍ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إذْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ" وَلِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ" .
قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَمَّا الْحَدِيثُ فِي كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلاَّ عَلَى طُهْرٍ فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا صَدَقَةٌ, حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ, حدثنا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ, حدثنا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ, الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ, وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ, وَلاَ حَوْلَ, وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي, أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ, فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُه".ُ
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الاِنْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُضُوءِ نَصًّا, وَهِيَ فَضِيلَةٌ, وَالْفَضَائِلُ لاَ تُنْسَخُ لاَِنَّهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فَهَذَا عُمُومُ ضَمَانٍ لاَ يَخِيسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} وَقَدْ أَيْقَنَّا بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ إخْبَارِهِ عليه السلام, أَنَّهُ قَالَ: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ" أَنَّ جَمِيعَ

الآُمَّةِ لاَ تُغَيِّرُ أَصْلاً. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الآُمَّةَ كُلَّهَا لاَ تُغَيِّرُ أَبَدًا, فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُغَيِّرُ نِعَمَهُ عِنْدَ الآُمَّةِ أَبَدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا أَمْرُهُ عليه السلام بِالْوُضُوءِ فَهُوَ نَدْبٌ, لِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ قَالَ: حدثنا عُمَرُ بْنُ مُفَرِّجٍ قَالَ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ قَالَ, حدثنا الدَّبَرِيُّ, حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ, عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ جُنُبًا, وَلاَ يَمَسُّ مَاءً" وَهَذَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ وَهِيَ, رضي الله عنها, أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِمَبِيتِهِ وَنَوْمِهِ جُنُبًا وَطَاهِرًا.
فإن قيل: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخْطَأَ فِيهِ سُفْيَانُ ; لإِنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ خَالَفَهُ فِيهِ قلنا: بَلْ أَخْطَأَ بِلاَ شَكٍّ مِنْ خَطَأِ سُفْيَانَ بِالدَّعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ, وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ زُهَيْرٍ بِلاَ شَكٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ اللاَّزِمُ لِلْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا: لَمَّا كَانَتْ الصَّلاَةُ وَهِيَ ذِكْرٌ لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِوُضُوءٍ, أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الذِّكْرِ كَذَلِكَ, وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ, وَلاَ يُمْكِنُهُمْ هَهُنَا دَعْوَى الإِجْمَاعِ, لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ

عُثْمَانَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ, حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ, حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ, حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ, عَنْ أَيُّوبَ, عَنْ نَافِعٍ, عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ, وَلاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ, وَلاَ يَذْكُرُ اللَّهَ إلاَّ وَهُوَ طَاهِرٌ.
إلاَّ مُعَاوَدَةَ الْجُنُبِ لِلْجِمَاعِ فَالْوُضُوءُ عَلَيْهِ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا. لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ كِلاَهُمَا, عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ, عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا" هَذَا لَفْظُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلَفْظُ ابْنِ عُيَيْنَةَ "إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلاَ يَعُودَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْخَبَرِ مَا يُخَصِّصُهُ, وَلاَ مَا يُخْرِجُهُ إلَى النَّدْبِ إلاَّ خَبَرًا ضَعِيفًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ, وَبِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ, وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ, وَابْنُ سِيرِينَ.

والشرائع لا تلزم إلا بالإحتلام أو بالإنبات للرجل والمرأة
119 - مَسْأَلَةٌ: وَالشَّرَائِعُ لاَ تَلْزَمُ إلاَّ بِالاِحْتِلاَمِ أَوْ بِالإِنْبَاتِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ احْتِلاَمٌ, أَوْ بِتَمَامِ تِسْعَةَ عَشَرَ عَامًا, كُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِالْحَيْضِ لِلْمَرْأَةِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ, عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ, عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الأَعْمَشُ, عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَوَمَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ, عَنْ ثَلاَثٍ ;, عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ, وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ"
وَالصَّبِيُّ لَفْظٌ يَعُمُّ الصِّنْفَ كُلَّهُ الذَّكَرَ وَالآُنْثَى فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا. حدثنا حمام

بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ, حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ, حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ, عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ, عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ قُرَيْظَةَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَنْبَتَ ضُرِبَ عُنُقُهُ, فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَعُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَلَّى عَنِّي.
قَالَ عَلِيٌّ: لاَ مَعْنَى لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِ الإِنْبَاتِ, فَأَبَاحَ سَفْكَ الدَّمِ بِهِ فِي الآُسَارَى خَاصَّةً, جَعَلَهُ هُنَالِكَ بُلُوغًا, وَلَمْ يَجْعَلْهُ بُلُوغًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ ; لإِنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِلُّ دَمَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ, وَيَخْرُجُ, عَنِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, عَنْ قَتْلِهِمْ. وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ رَجُلاً بَالِغًا غَيْرَ رَجُلٍ, وَلاَ بَالِغٍ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا ظُهُورُ الْمَاءِ فِي الْيَقَظَةِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْحَمْلُ فَيَصِيرُ بِهِ الذَّكَرُ أَبًا وَالآُنْثَى أُمًّا فَبُلُوغٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ.
وَأَمَّا اسْتِكْمَالُ التِّسْعَةَ عَشَرَ عَامًا فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ, وَأَصْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَدَ الْمَدِينَةَ وَفِيهَا صِبْيَانٌ وَشُبَّانٌ وَكُهُولٌ, فَأَلْزَمَ الأَحْكَامَ مَنْ خَرَجَ, عَنِ الصِّبَا إلَى الرُّجُولَةِ, وَلَمْ يُلْزِمْهَا الصِّبْيَانَ, وَلَمْ يَكْشِفْ أَحَدًا مِنْ كُلِّ مَنْ حَوَالَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ: هَلْ احْتَلَمْتَ يَا فُلاَنُ وَهَلْ أَشْعَرْت وَهَلْ أَنْزَلْت وَهَلْ حِضْتِ يَا فُلاَنَةُ هَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ لاَ شَكَّ فِيهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ هَهُنَا سِنًّا إذَا بَلَغَهَا الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَهُمَا مِمَّنْ يُنْزِلُ أَوْ يُنْبِتُ أَوْ يَحِيضُ, إلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا آفَةٌ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ

كَمَا بِالأَطْلَسِ آفَةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ اللِّحْيَةِ, لَوْلاَهَا لَكَانَ مِنْ أَهْلِ اللِّحَى بِلاَ شَكٍّ, هَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّوَقُّفِ وَبِضَرُورَةِ الطَّبِيعَةِ الْجَارِيَةِ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ, وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ أَكْمَلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ فَارَقَ الصِّبَا وَلَحِقَ بِالرِّجَالِ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ وَبَلْدَةٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ بِهِ آفَةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ, وَمِنْ إنْبَاتِ الشَّعْرِ وَمِنْ الْحَيْضِ.
وَأَمَّا الْحَيْضُ فَحدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ, حدثنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَارُودِ الْقَطَّانُ, حدثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ, حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ, حدثنا قَتَادَةُ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ, عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ, عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إلاَّ بِخِمَارٍ" فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الْحَائِضَ تَلْزَمُهَا الأَحْكَامُ, وَأَنَّ صَلاَتَهَا تُقْبَلُ عَلَى صِفَةٍ مَا, وَلاَ تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهَا.
وقال الشافعي: مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ بَالِغٌ, وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم عُرِضَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ, وَ, هُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ هُوَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُمَا
قال علي: وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ إنِّي أَجَزْتهمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً, فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ عليه السلام مَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ, عَنْ نَفْسِهِ, وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُجِيزَهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ, لاَِنَّهُ كَانَ يَوْمَ حِصَارٍ فِي الْمَدِينَةِ نَفْسِهَا, يَنْتَفِعُ فِيهِ بِالصِّبْيَانِ فِي رَمْيِ الْحِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَلَمْ يُجِزْهُ يَوْمَ أُحُدٍ لاَِنَّهُ كَانَ يَوْمَ قِتَالٍ بَعُدُوا فِيهِ, عَنِ الْمَدِينَةِ فَلاَ يَحْضُرُهُ إلاَّ أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَكْمَلاَ مَعًا خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا لاَ بِنَصٍّ, وَلاَ بِدَلِيلٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ, وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ عَامًا الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ: هَذَا ابْنُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا, فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسائل في إزالة النجاسة
وإزالة النجاسة وكل ما أمر الله تعالى بإزالته فهو فرض
120 - مَسْأَلَةٌ: وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِزَالَتِهِ فَهُوَ فَرْضٌ .هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا كَثِيرَةً, يَجْمَعُهَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِاجْتِنَابِهِ أَوْ جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ, أَوْ أَمَرَ كَذَلِكَ بِغَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ, فَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ خَالَفَهُ, لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ طَاعَتَهُ تَعَالَى وَطَاعَةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فما كان في الخف أو النعل من دم إلخ
121 - مَسْأَلَةٌ: فَمَا كَانَ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ مِنْ دَمٍ
أَوْ خَمْرٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ, فَتَطْهِيرُهُمَا بِأَنْ يُمْسَحَا بِالتُّرَابِ حَتَّى يَزُولَ الأَثَرُ ثُمَّ يُصَلَّى فِيهِمَا, فَإِنْ غَسَلَهُمَا أَجْزَأَهُ إذَا مَسَّهُمَا بِالتُّرَابِ قَبْلَ ذَلِكَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ حَرَامٌ, وَالْحَرَامُ فَرْضٌ اجْتِنَابُهُ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ. حدثنا حمام, حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ, حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ, حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ, عَنْ أَبِي نَعَامَةَ, عَنْ أَبِي نَضْرَةَ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا, عَنْ يَسَارِهِ, فَخَلَعَ الْقَوْمُ نِعَالَهُمْ, فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: "لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا, فَقَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي

فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا" قَالَ عليه السلام: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى نَعْلَيْهِ, فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قَذَرٌ أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا" أَبُو نَعَامَةَ هُوَ عَبْدُ رَبِّهِ السَّعْدِيُّ, وَأَبُو نَضْرَةَ هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكٍ الْعَبْدِيُّ, كِلاَهُمَا ثِقَةٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ, عَنِ الأَوْزَاعِيِّ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَمَنْ وَطِئَ الأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ" .

قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا, عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِيمَنْ أَصَابَ نَعْلَيْهِ الرَّوْثُ, قَالَ يَمْسَحُهُمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ نَعْلَيْهِ مَسْحًا شَدِيدًا وَيُصَلِّي فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا.
قَالَ عَلِيٌّ: الْغَسْلُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ, تَقُولُ: مَسَحْتُ الشَّيْءَ بِالْمَاءِ وَبِالدُّهْنِ, فَكُلُّ غُسْلٍ مَسْحٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَسْحٍ غُسْلاً, وَلَكِنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ, عَنِ الأَوْزَاعِيِّ, عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الأَذَى بِخُفِّهِ أَوْ نَعْلِهِ فَلْيُمِسَّهُمَا التُّرَابَ" وَهَذَا زَائِدٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الْمَسْحِ بَيَانًا وَحُكْمًا, فَوَاجِبٌ أَنْ يُضَافَ الزَّائِدُ إلَى الأَنْقَصِ حُكْمًا, فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِعْمَالاً لِجَمِيعِ الآثَارِ ; لإِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يُخَالِفْ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ, وَمَنْ اسْتَعْمَلَ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ خَالَفَ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ: لاَ تُجْزِئُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ حَيْثُ كَانَتْ إلاَّ بِالْمَاءِ حَاشَا الْعَذِرَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ خَاصَّةً, وَالْبَوْلِ فِي الإِحْلِيلِ خَاصَّةً فَيُزَالاَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. وَهَذَا مَكَانٌ تَرَكُوا فِي أَكْثَرِهِ النُّصُوصَ, كَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ, وَلَمْ يَقِيسُوا سَائِرَ النَّجَاسَاتِ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ وَالإِحْلِيلِ وَهُمَا أَصْلُ النَّجَاسَاتِ.
قال علي: وهذا خِلاَفٌ لِهَذِهِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ وَلِلْقِيَاسِ.
وقال أبو حنيفة: إذَا أَصَابَ الْخُفَّ أَوْ النَّعْلَ رَوْثُ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ أَيُّ رَوْثٍ كَانَ, فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلَّى بِهِ, وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُمَا عَذِرَةُ إنْسَانٍ أَوْ دَمٌ أَوْ مَنِيٌّ, فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ أَجْزَأَتْ الصَّلاَةُ بِهِ, فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا يَابِسًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُكَّهُ فَقَطْ ثُمَّ يُصَلِّيَ بِهِ, وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَطْبًا لَمْ تُجْزِهِ

لصَّلاَةُ بِهِ إلاَّ أَنْ يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ, فَإِنْ أَصَابَ الْخُفَّ بَوْلُ إنْسَانٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ, فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ فِيهِ مَسْحٌ أَصْلاً, وَلاَ بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ كَانَ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا, فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ, وَلاَ مَسَحَهُ. قَالَ: وَأَمَّا بَوْلُ الْفَرَسِ فَالصَّلاَةُ بِهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا. وَكَذَلِكَ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ, وَلَمْ يَحُدَّ فِي الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ مِنْ ذَلِكَ حَدًّا, فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا خُرْءُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ, أَوْ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْهَا وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ, فَالصَّلاَةُ بِهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا, فَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْجَسَدِ لَمْ تَجُزْ إزَالَتُهُ إلاَّ بِالْمَاءِ, وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ فَتُجْزِئُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْبَغِي حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلاَمَةِ عِنْدَ سَمَاعِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وأعجب مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ, وَلاَ قَاسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ, وَلاَ قَاسُوا النَّجَاسَةَ فِي الْجَسَدِ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْجَسَدِ وَهِيَ الْعَذِرَةُ فِي الْمَخْرَجِ وَالْبَوْلُ فِي الإِحْلِيلِ, وَلاَ قَاسُوا النَّجَاسَةَ فِي الثِّيَابِ عَلَى الْجَسَدِ, وَلاَ تَعَلَّقُوا فِي أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ قَبْلَهُمْ وَيُسْأَلُونَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْنَ وَجَدُوا تَغْلِيظَ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ وَتَخْفِيفَ بَعْضِهَا أَفِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ اللَّهُمَّ إلاَّ إنَّ الَّذِي قَدْ جَاءَ فِي إزَالَتِهِ التَّغْلِيظُ قَدْ خَالَفُوهُ, كَالإِنَاءِ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ, وَكَالْعَذِرَةِ فِيمَا يُسْتَنْجَى فِيهِ فَقَطْ.

وتطهير القبل والدبر من البول والغائط والدم من الرجل والمرأة
122 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَزُولَ الأَثَرُ أَوْ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ مُتَغَايِرَةٍ فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ فَعَلَى الْوِتْرِ أَبَدًا يَزِيدُ كَذَلِكَ حَتَّى يُنَقَّى, لاَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ, وَلاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا غَائِطٌ أَوْ بِالتُّرَابِ أَوْ الرَّمْلِ بِلاَ عَدَدٍ, وَلَكِنْ مَا أَزَالَ الأَثَرَ فَقَطْ عَلَى الْوِتْرِ, وَلاَ بُدَّ, وَلاَ يُجْزِئُ أَحَدًا أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ, وَلاَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ, فَإِنْ بَدَأَ بِمَخْرَجِ الْبَوْلِ أَجْزَأَتْ تِلْكَ الأَحْجَارُ بِأَعْيَانِهَا لِمَخْرَجِ الْغَائِطِ, وَإِنْ بَدَأَ بِمَخْرَجِ الْغَائِطِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ تِلْكَ الأَحْجَارِ لِمَخْرَجِ الْبَوْلِ إلاَّ مَا كَانَ لاَ رَجِيعَ عَلَيْهِ فَقَطْ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ

بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ, حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ, عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ, كِلاَهُمَا, عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ, عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: "قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ: إنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى يُعَلِّمَكُمْ الْخِرَاءَةَ, فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَلْ, إنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ, وَنَهَانَا, عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ, وَقَالَ: "لاَ يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ" .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ, حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ, حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ, عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ "أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُ: إنِّي لاََرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: أَجَلْ, "أُمِرْنَا أَنْ لاَ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ, وَلاَ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا, وَلاَ نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهِنَّ رَجِيعٌ, وَلاَ عَظْمٌ" .
حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ, حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ, هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ, حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ, حدثنا الأَعْمَشُ, عَنْ إبْرَاهِيمَ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ, عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا أَوْ نَكْتَفِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ" .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ, حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى, حدثنا أَبِي, حدثنا مَالِكٌ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ" .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ

سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْخَلاَءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وعَنَزَةٍ يَسْتَنْجِي بالماء".
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, حدثنا إسْمَاعِيلُ, هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا" وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ مُسْنَدًا.
وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ: بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَنْجَى دُونَ عَدَدٍ فَأَنْقَى أَجْزَأَهُ, وَهَذَا خِلاَفُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَِنَّهُ نَهَى أَنْ يَكْتَفِيَ أَحَدٌ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ وَأَمَرَ بِالْوِتْرِ فِي الاِسْتِجْمَارِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إلاَّ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَثَرًا فِيهِ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ لَهُ عَظْمٌ أَوْ حَجَرٌ يَسْتَنْجِي بِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي, وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لاَِنَّهُ شَكٌّ. إمَّا حَجَرٌ وَأَمَّا عَظْمٌ, وَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ سِيَّمَا وَقَدْ خَالَفَهُ سَلْمَانُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم,, فَأَخْبَرُوا أَنَّ حُكْمَ الاِسْتِنْجَاءِ هُوَ مَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَلاَّ يُكْتَفَى بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فإن قيل: أَمْرُهُ عليه السلام بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ هُوَ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ مَعًا, فَوَقَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ. قلنا: هَذَا بَاطِلٌ لإِنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ بِأَنْ لاَ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ, وَمَسْحُ الْبَوْلِ لاَ يُسَمَّى اسْتِنْجَاءً, فَحَصَلَ النَّصُّ فِي الاِسْتِنْجَاءِ وَالْخِرَاءَةِ أَنْ لاَ يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ, وَحَصَلَ النَّصُّ مُجْمَلاً فِي أَنْ لاَ يُجْزِئَ

أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ عَلَى الْبَوْلِ نَفْسِهِ وَعَلَى النَّجْوِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ.
وَمَسْحُ الْبَوْلِ بِالْيَمِينِ جَائِزٌ, وَكَذَلِكَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ, عَنْ ذَلِكَ فِي الْبَوْلِ وَإِنَّمَا نَهَى فِي الاِسْتِنْجَاءِ فَقَطْ.
وقال الشافعي: ثَلاَثُ مَسَحَاتٍ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ, وَأَجَازَ الاِسْتِنْجَاءَ بِكُلِّ شَيْءٍ حَاشَا الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ وَالْحُمَمَةِ وَالْقَصَبِ وَالْجُلُودِ الَّتِي لَمْ تُدْبَغْ, وَهَذَا أَيْضًا خِلاَفٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَلاَّ يُكْتَفَى بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ.
فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى الأَحْجَارِ, قلنا لَهُمْ: فَقِيسُوا عَلَى التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ, وَلاَ فَرْقَ.
فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثًا رَوَاهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُسْنَدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَسَّحْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ" قِيلَ: ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ ضَعِيفٌ, وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ, وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ تِلْكَ الْمَسَحَاتِ تَكُونُ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ, فَزِيَادَةُ هَذَا لاَ تَحِلُّ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ حَدِيثَ " مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِر"ْ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ الثَّلاَثَةِ الأَحْجَارِقلنا هَذَا خَطَأٌ, بَلْ كُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ, فَلاَ يُجْزِئُ مِنْ الأَحْجَارِ

إلاَّ ثَلاَثَةٌ لاَ رَجِيعَ فِيهَا, وَيُجْزِئُ مِنْ التُّرَابِ الْوِتْرُ, وَلاَ يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا لاَ يُسَمَّى أَرْضًا إلاَّ الْمَاءُ.
فَإِنْ كَانَ عَلَى حَجَرٍ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الرَّجِيعِ أَجْزَأَ مَا لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ. وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَلاَّ يُجْزِئَ إلاَّ ثَلاَثَةُ أَحْجَارٍ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا.
فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْحُصَيْنِ الْحُبْرَانِيِّ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي سَعْدٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا " مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ" فَإِنَّ ابْنَ الْحُصَيْنِ مَجْهُولٌ وَأَبُو سَعِيدٍ أَوْ أَبُو سَعْدٍ الْخَيْرُ كَذَلِكَ.

فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "ابْغِنِي أَحْجَارًا, فَأَتَيْته بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ, فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: "إنَّهَا رِكْسٌ" فَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ, لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام اكْتَفَى بِالْحَجَرَيْنِ, وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ عليه السلام لَهُ بِأَنْ يَأْتِيَهُ بِأَحْجَارٍ, فَالأَمْرُ بَاقٍ لاَزِمٌ لاَ بُدَّ مِنْ إبْقَائِهِ, وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ قِيلَ فِيهِ: إنَّ أَبَا إِسْحَاقَ دَلَّسَهُ, وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنْ عَلْقَمَةَ وَفِيهِ " أَبْغِنِي ثَالِثًا "
فإن قيل: إنَّمَا نَهَى, عَنِ الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ لاَِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِنَا مِنْ الْجِنِّ. قلنا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا بَلْ هَذَا مُوجِبٌ أَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ بِأَحَدِهِمَا عَاصٍ مَرَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا خِلاَفُهُ نَصَّ الْخَبَرِ, وَالثَّانِي تَقْذِيرُهُ زَادَ مَنْ نُهِيَ, عَنْ تَقْذِيرِ زَادِهِ, وَالْمَعْصِيَةُ لاَ تُجْزِئُ بَدَلَ الطَّاعَةِ, وَمِمَّنْ قَالَ لاَ يُجْزِئُ بِالْعَظْمِ, وَلاَ بِالْيَمِينِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمَا.

وتطهير بول الذكر
123 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ بَوْلِ الذَّكَرِ
أَيِّ ذَكَرٍ كَانَ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَبِأَنْ يَرُشَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ رَشًّا يُزِيلُ أَثَرَهُ, وَبَوْلُ الآُنْثَى يُغْسَلُ, فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ فِي الأَرْضِ أَيُّ بَوْلٍ كَانَ فَبِأَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ صَبًّا يُزِيلُ أَثَرَهُ فَقَطْ.
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ, حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ, حدثنا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ, عَنْ مُحِلِّ

بْنِ خَلِيفَةَ الطَّائِيِّ, حدثنا أَبُو السَّمْحِ قَالَ: "كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام: هَكَذَا يُصْنَعُ, يُرَشُّ مِنْ الذَّكَرِ وَيُغْسَلُ مِنْ الآُنْثَى" .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا مَالِكٌ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ, عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ: "أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِجْرِهِ, فَبَالَ عَلَى ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا عليه السلام بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ" .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ, حدثنا هَمَّامٌ, هُوَ ابْنُ يَحْيَى, حدثنا إِسْحَاقُ, هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ, فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ" .
قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِأَكْلِ الصَّبِيِّ الطَّعَامَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَمِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلاَمِ وَبَوْلِ الْجَارِيَةِ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيُّ بْنُ

أَبِي طَالِبٍ, وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ, وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ, وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ, وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُمْ, إلاَّ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ, عَنِ الْحَسَنِ وَسُفْيَانَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ فِي الرَّشِّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُغْسَلُ بَوْلُ الصَّبِيِّ كَبَوْلِ الصَّبِيَّةِ, وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. نَعَمْ, وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ, إلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ, عَنِ النَّخَعِيِّ, وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الرَّشُّ مِنْ الرَّشِّ وَالصَّبُّ مِنْ الصَّبِّ مِنْ الأَبْوَالِ كُلِّهَا, وَهَذَا نَصٌّ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وتطهير دم الحيض أو أي دم كان
124 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ أَيِّ دَمٍ كَانَ
سَوَاءٌ دَمَ سَمَكٍ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ أَوْ الْجَسَدِ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ, حَاشَا دَمَ الْبَرَاغِيثِ وَدَمَ الْجَسَدِ فَلاَ يَلْزَمُ تَطْهِيرُهُمَا إلاَّ مَا لاَ حَرَجَ فِي غُسْلِهِ عَلَى الإِنْسَانِ, فَيُطَهِّرُ الْمَرْءُ ذَلِكَ حَسَبَ مَا لاَ مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ جَمِيعًا: حدثنا وَكِيعٌ, عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "جاءتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ قَالَ لاَ, إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ, فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ, فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي" وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ صلى الله عليه

وسلم لِنَوْعِ الدَّمِ, وَلاَ نُبَالِي بِالسُّؤَالِ إذَا كَانَ جَوَابُهُ عليه السلام قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِضَمِيرٍ إلَى السُّؤَالِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, حدثنا يَحْيَى, هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ, عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ, عَنْ أَسْمَاءَ هِيَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ: "أتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: أَرَأَيْت إحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ" .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَسْتَعْمِلَ فِي غُسْلِ الْمَحِيضِ شَيْئًا مِنْ مِسْكٍ, حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا يَحْيَى, حدثنا بْنُ عُيَيْنَةَ, عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ, عَنْ أُمِّهِ, عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم, عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ. قَالَ: خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي

بِهَا, قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا قَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ, تَطَهَّرِي" فَاجْتَبَذْتُهَا إلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَّبِعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ الدَّارِمِيُّ, حدثنا حِبَّانُ, هُوَ ابْنُ هِلاَلٍ, حدثنا وُهَيْبٍ, حدثنا مَنْصُورٌ, هُوَ ابْنُ صَفِيَّةَ, عَنْ أُمِّهِ, عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهْرِ فَقَالَ: "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي بِهَا" ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ تَتَطَهَّرَ بِالْفِرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ وَأَنْ تَتَوَضَّأَ بِهَا, وَإِنَّمَا بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا وَمُعَلِّمًا, فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَعَلَّمَهَا عليه السلام كَيْفَ تَتَوَضَّأُ بِهَا أَوْ كَيْفَ تَتَطَهَّرُ, فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ وَاجِبٍ مَعَ صِحَّةِ الإِجْمَاعِ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ, عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا, فَلَمْ تَزَلْ النِّسَاءُ فِي كُلِّ بَيْتٍ وَدَارٍ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا يَتَطَهَّرْنَ مِنْ الْحَيْضِ, فَمَا قَالَ أَحَدٌ إنَّ هَذَا فَرْضٌ, وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَمْ تُسْنَدْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إلاَّ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ, وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ وَقَدْ ضُعِّفَ, وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ, فَسَقَطَ هَذَا الْحُكْمُ جُمْلَةً, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَكُلُّ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بِالتَّطْهِيرِ أَوْ الْغُسْلِ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ, أَوْ بِالتُّرَابِ إنْ عُدِمَ الْمَاءُ, إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَنَقِفُ عِنْدَهُ, لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ

اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ, عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ, وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ, حدثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا, عَنْ أَبِي مَالِكٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ, عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ, عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ" فَذَكَرَ فِيهَا "وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا, وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ" , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الدِّينِ فَهُوَ تَطَهُّرٌ وَلَيْسَ كُلُّ تَطَهُّرٍ غُسْلاً. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ طُهْرَ إلاَّ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ.
وقال أبو حنيفة: دَمُ السَّمَكِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ, وَلاَ الْجَسَدَ, وَلاَ الْمَاءَ وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ كَذَلِكَ, وَأَمَّا سَائِرُ الدِّمَاءِ كُلِّهَا فَإِنَّ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا يُفْسِدُ الْمَاءَ, وَأَمَّا فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ: فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مِنْهُ مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلُّ فَلاَ يُنَجِّسُ وَيُصَلَّى بِهِ, وَمَا كَانَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ, فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ فَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ, وَإِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُزَالُ بِالْمَاءِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ, فَإِنْ كَانَ فِي خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ, فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَجْزَأَ فِيهِ الْحَكُّ فَقَطْ, وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يُجْزِئْ إلاَّ الْغَسْلُ بِأَيِّ شَيْءٍ غُسِلَ.
وقال مالك: إزَالَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْسَ فَرْضًا, وَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ. وقال الشافعي إزَالَتُهُ فَرْضٌ, وَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} . وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ, وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الاِنْفِكَاكُ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ, وَلاَ مِنْ دَمِ الْجَسَدِ, فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَلْزَمُ مِنْ غُسْلِهِ إلاَّ مَا لاَ حَرَجَ فِيهِ, وَلاَ عُسْرَ مِمَّا هُوَ فِي الْوُسْعِ.
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ دَمِ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَدَمِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ, وَهَذَا خَطَأٌ لاَِنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٌ.
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَغَيْرِ الْمَسْفُوحِ, وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ دَمٍ وَكُلَّ مَيْتَةٍ, فَكَانَ هَذَا شَرْعًا زَائِدًا عَلَى الآيَةِ الآُخْرَى, وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ مَا لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا لاَ نَفْسَ لَهَا.
وَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ فِي الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ بِحَدِيثٍ سَاقِطٍ, ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْهِمْ ; لإِنَّ فِيهِ الإِعَادَةَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ, بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ, وقال بعضهم: قِيسَ عَلَى الدُّبُرِ, فَقِيلَ لَهُمْ فَهَلاَّ قِسْتُمُوهُ عَلَى حَرْفِ الإِحْلِيلِ وَمَخْرَجِ الْبَوْلِ, وَحُكْمُهُمَا فِي الاِسْتِنْجَاءِ سَوَاءٌ, وَقَدْ تَرَكُوا قِيَاسَهُمْ هَذَا إذْ لَمْ يَرَوْا إزَالَةَ ذَلِكَ مِنْ الْجَسَدِ بِمَا يُزَالُ بِهِ مِنْ الدُّبُرِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ غُسْلَ ذَلِكَ فَرْضًا, فَالسُّنَنُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والمذي تطهيره بالماء يغسل مخرجه من الذكر
125 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَذْيُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ, يُغْسَلُ مَخْرَجُهُ مِنْ الذَّكَرِ وَيُنْضَحُ بِالْمَاءِ مَا مَسَّ مِنْهُ الثَّوْبَ. قَالَ مَالِكٌ يُغْسَلُ الذَّكَرُ كُلُّهُ.
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ, حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ, حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى, حدثنا مَالِكٌ, عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ, عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ, عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, عَنِ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ, قَالَ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ" حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ, حدثنا ابْنُ السَّكَنِ, حدثنا الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ, حدثنا زَائِدَةُ, عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ, عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ, عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ ابْنَتِهِ, فَسَأَلَ فَقَالَ: تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ" .
حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا

بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ, وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ بَكْرٌ, حدثنا مُسَدَّدٌ, حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ, وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ, حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ, ثُمَّ اتَّفَقَ حَمَّادٌ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَزِيدُ كُلُّهُمْ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ, حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ حَمَّادٌ فِي حَدِيثِهِ كُنْتُ أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً فَكُنْتُ أُكْثِرُ الْغُسْلَ مِنْهُ ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, عَنِ الْمَذْيِ فَقَالَ: يَكْفِيكَ مِنْهُ الْوُضُوءُ, قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ قَالَ: تَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحُ ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ" .
قَالَ عَلِيٌّ: غَسْلُ مَخْرَجِ الْمَذْيِ مِنْ الذَّكَرِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ غُسْلِ الذَّكَرِ, كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ إذَا غَسَلَهُ: غَسَلْتُ ذَكَرِي مِنْ الْبَوْلِ, فَزِيَادَةُ إيجَابِ غُسْلٍ كُلُّهُ شَرْعٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ, وقال بعضهم فِي ذَلِكَ تَقْلِيصٌ فَيُقَالُ لَهُ: فَعَانُوا ذَلِكَ بِالْقَوَابِضِ مِنْ الْعَقَاقِيرِ إذَنْ فَهُوَ أَبْلَغُ.
وهذا الخبر يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُ: إنَّ النَّجَاسَاتِ لاَ تُزَالُ مِنْ الْجَسَدِ إلاَّ بِالْمَاءِ وَتُزَالُ مِنْ الثِّيَابِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِأَنَّ عَائِشَةَ, رضي الله عنها, كَانَتْ تُجِيزُ إزَالَةَ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ بِالرِّيقِ, قِيلَ لَهُمْ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُجِيزُ مَسْحَ الدَّمِ مِنْ الْمَحَاجِمِ بِالْحَصَاةِ دُونَ غُسْلٍ, وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم .

وتطهير الإناء إذا كان لكتابي
126 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ الإِنَاءِ إذَا كَانَ لِكِتَابِيٍّ
مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ بِالْمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا سَوَاءٌ عَلِمْنَا فِيهِ نَجَاسَةً أَوْ لَمْ نَعْلَمْ بِالْمَاءِ, فَإِنْ كَانَ إنَاءَ مُسْلِمٍ فَهُوَ طَاهِرٌ, فَإِنْ تَيَقَّنَ فِيهِ مَا يَلْزَمُ اجْتِنَابُهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الطَّاهِرَاتِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَحْمَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ وَدَكَهُ أَوْ شَحْمَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطَهَّرَ إلاَّ بِالْمَاءِ, وَلاَ بُدَّ.
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ, حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ, حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ, حدثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ, حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ, عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ, عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ, عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ, أَنَّهُ قَالَ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ أَهْلُهَا أَهْلُ كِتَابٍ نَحْتَاجُ فِيهَا إلَى قُدُورِهِمْ وَآنِيَتِهِمْ, فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: لاَ تَقْرَبُوهَا مَا وَجَدْتُمْ بُدًّا, فَإِذَا لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ وَاطْبُخُوا وَاشْرَبُوا" .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَقُتَيْبَةُ قَالاَ, حدثنا حَاتِمٌ, هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ, عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ, عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى خَيْبَرَ, ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ, فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا هَذِهِ النِّيرَانُ, عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ قَالُوا عَلَى لَحْمٍ, قَالَ عَلَى أَيِّ لَحْمٍ قَالُوا عَلَى لَحْمِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا, فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ: أَوْ ذَاكَ" .

قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ أُمِرَ بِهِ فِي الدِّينِ فَهُوَ تَطْهِيرٌ, وَكُلُّ تَطْهِيرٍ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ تَطْهِيرُ الإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ عَلَى تَطْهِيرِهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ ; لإِنَّ النُّصُوصَ اخْتَلَفَتْ فِي تَطْهِيرِ الآنِيَةِ مِنْ الْكَلْبِ وَمِنْ لَحْمِ الْحِمَارِ فَلَيْسَ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِهَا أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى بَعْضٍ, لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى مَا حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَحْكُمْ ; لاَِنَّهُ يَكُونُ قَوْلاً عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ, أَوْ شَرْعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْوُقُوفُ عِنْدَ أَوَامِرِهِ عليه السلام أَوْلَى مِنْ الْوُقُوفِ عِنْدَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ, وَتِلْكَ الْفُرُوقِ الْفَاسِدَةِ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فإن ولغ في الإناء كلب
127 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَلَغَ فِي الإِنَاءِ كَلْبٌ
أَيَّ إنَاءٍ كَانَ وَأَيَّ كَلْبٍ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُ, صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَالْفَرْضُ إهْرَاقُ مَا فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ ثُمَّ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ, وَلاَ بُدَّ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ, وَلاَ بُدَّ, وَذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي يُطَهَّرُ بِهِ الإِنَاءُ طَاهِرٌ حَلاَلٌ, فَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ أَوْ وَقَعَ بِكُلِّهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ غَسْلُ الإِنَاءِ, وَلاَ هَرْقُ مَا فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ حَلاَلٌ طَاهِرٌ كُلُّهُ كَمَا كَانَ, وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي بُقْعَةٍ فِي الأَرْضِ أَوْ فِي يَدِ إنْسَانٍ أَوْ فِي مَا لاَ يُسَمَّى إنَاءً فَلاَ يَلْزَمُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, وَلاَ هَرْقُ مَا فِيهِ. وَالْوُلُوغُ هُوَ الشُّرْبُ فَقَطْ, فَلَوْ مَسَّ

لُعَابُ الْكَلْبِ أَوْ عَرَقُهُ الْجَسَدَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ الإِنَاءَ أَوْ مَتَاعًا مَا أَوْ الصَّيْدَ, فَفُرِضَ إزَالَةُ ذَلِكَ بِمَا أَزَالَهُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ, وَلاَ بُدَّ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إلاَّ مِنْ الثَّوْبِ فَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ السَّعْدِيُّ, حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَنَا الأَعْمَشُ, عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ" .
وبه إلى مُسْلِمٍ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ, عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ" .
حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ, حدثنا شُعْبَةُ, حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ, عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ, عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلاَبِ ثُمَّ قَالَ: مَا لَهُمْ وَلَهَا فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَفِي كَلْبِ الْغَنَمِ. وَقَالَ عليه السلام: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالثَّامِنَةُ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ" .
قَالَ عَلِيٌّ: فَأَمَرَ عليه السلام بِهَرْقِ مَا فِي الإِنَاءِ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ, وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ, وَلَمْ يَأْمُرْ عليه السلام بِاجْتِنَابِ مَا وَلَغَ فِيهِ فِي غَيْرِ الإِنَاءِ, بَلْ نَهَى, عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِرِوَايَاتٍ شَتَّى, فِي بَعْضِهَا "وَالسَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ" وَفِي بَعْضِهَا "إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ" وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ, لإِنَّ الآُولَى هِيَ بِلاَ

شَكٍّ إحْدَى الْغَسَلاَتِ. وَفِي لَفْظَةِ " الآُولَى " بَيَانُ أَيَّتِهِنَّ هِيَ, فَمَنْ جَعَلَ التُّرَابَ فِي أُولاَهُنَّ فَقَدْ جَعَلَهُ فِي إحْدَاهُنَّ بِلاَ شَكٍّ وَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَتَيْنِ مَعًا, وَمَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ أُولاَهُنَّ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُولاَهُنَّ, وَهَذَا لاَ يَحِلُّ, وَلاَ شَكَّ نَدْرِي أَنَّ تَعْفِيرَهُ بِالتُّرَابِ فِي أُولاَهُنَّ تَطْهِيرٌ ثَامِنٌ إلَى السَّبْعِ غَسَلاَتٍ, وَأَنَّ تِلْكَ الْغَسْلَةَ سَابِقَةٌ لِسَائِرِهِنَّ إذَا جُمِعْنَ, وَبِهَذَا تَصِحُّ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِهِ عليه السلام الْمَأْثُورَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ, وَلاَ يُجْزِئُ بَدَلَ التُّرَابِ غَيْرُهُ, لاَِنَّهُ تَعَدٍّ لَحَدِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الإِنَاءُ طَاهِرٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِاجْتِنَابِهِ, وَلاَ شَرِيعَةَ إلاَّ مَا أَخْبَرَنَا بِهَا عليه السلام, وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ, وَالْمَاءُ حَلاَلٌ شُرْبُهُ طَاهِرٌ, فَلاَ يَحْرُمُ إلاَّ بِأَمْرٍ مِنْهُ عليه السلام.
وَأَمَّا مَا أَكَلَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ فِيهِ بَعْضُ أَعْضَائِهِ فَلاَ غَسْلَ فِي ذَلِكَ, وَلاَ هَرْقَ ; لاَِنَّهُ حَلاَلٌ طَاهِرٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ إنْ كَانَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ فَلاَ يَنْتَقِلُ إلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّنْجِيسِ إلاَّ بِنَصٍّ لاَ بِدَعْوَى.
وَأَمَّا وُجُوبُ إزَالَةِ لُعَابِ الْكَلْبِ وَعَرَقِهِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ, وَالْكَلْبُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ, فَهُوَ حَرَامٌ, وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ بِلاَ شَكٍّ, وَلُعَابُهُ وَعَرَقُهُ بَعْضُهُ فَهُمَا حَرَامٌ, وَالْحَرَامُ فُرِضَ إزَالَتُهُ وَاجْتِنَابُهُ

وَلَمْ يُجْزِ أَنْ يُزَالَ مِنْ الثَّوْبِ إلاَّ بِالْمَاءِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وَقَدْ قلنا إنَّ التَّطْهِيرَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ, وَبِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي غَسْلِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعًا أَبُو هُرَيْرَةَ, كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا أَبِي, حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ, حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ, حدثنا إسْمَاعِيلُ, هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ, عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ, أُولاَهُنَّ أَوْ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ", وَالْهِرُّ مَرَّةً. وَرُوِّينَا, عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ أَهْرِقْهُ وَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ" ,.وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وطَاوُوس وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ " إنْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ عَشَرَةُ أَقْسَاطِ لَبَنٍ يُهْرَقُ كُلُّهُ وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ, فَإِنْ وَلَغَ فِي مَاءٍ فِي بُقْعَةٍ صَغِيرَةٍ مِقْدَارِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْسَانٌ فَهُوَ طَاهِرٌ, وَيُتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيُغْسَلُ لُعَابُ الْكَلْبِ مِنْ الثَّوْبِ وَمِنْ الصَّيْدِ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا, وَبِهَذَا يَقُولُ يَعْنِي غَسْلَ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجُمْلَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وقال الشافعي كَذَلِكَ إلاَّ, أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْمَاءُ فِي الإِنَاءِ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُهْرَقْ لِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ, وَرَأَى هَرْقَ مَا عَدَا الْمَاءَ وَإِنْ كَثُرَ, وَرَأَى أَنْ يُغْسَلَ مِنْ وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ فِي الإِنَاءِ سَبْعًا كَمَا يُغْسَلُ مِنْ الْكَلْبِ, وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي وُلُوغِ شَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ, وَلاَ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ أَصْلاً.
قال علي: وهذا خَطَأٌ ; لإِنَّ عُمُومَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَمْرِ بِهَرْقِهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ وَأَمَّا قِيَاسُ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لإِنَّ الْكَلْبَ بَعْضَ السِّبَاعِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29