كتاب : المنثور في القواعد
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي

الْوَجْهِ ، وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ فِي مَسْحِ الرَّقَبَةِ ، فَلَا يَفُوتُ شَيْءٌ .
بِخِلَافِهِ ثُمَّ ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نَقُلْ بِاسْتِحْبَابِ غَسْلِ الْعَضُدِ لَفَاتَتْ سُنَّةُ التَّحْجِيلِ بِالْكُلِّيَّةِ ، لَا إلَى بَدَلٍ ، وَمِنْهَا : إذَا بَطَلَ أَمَانُ رِجَالٍ ، لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ فِي الْأَصَحِّ ، وَمِنْهَا : نَصَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) عَلَى أَنَّ الْفَارِسَ ، إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ سَقَطَ سَهْمُهُ .
وَلَوْ مَاتَ الْفَرَسُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَرَسِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَارِسَ مَتْبُوعٌ ، فَإِذَا فَاتَ فَاتَ الْأَصْلُ ، وَالْفَرَسُ تَابِعٌ ، فَإِذَا مَاتَ جَازَ أَنْ يَقَعَ سَهْمُهُ لِلْمَتْبُوعِ ، وَإِذَا مَاتَ الْغَازِي صُرِفَ لِزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْجِهَادِ وَفِي قَوْلٍ لَا ، لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُمْ زَالَتْ بِمَوْتِ الْمَتْبُوعِ .

التَّابِعُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَتْبُوعِ الْمُزَارَعَةُ عَلَى الْبَيَاضِ بَيْنَ النَّخِيلِ وَالْعِنَبِ جَائِزَةٌ تَبَعًا لَهَا بِشُرُوطٍ : مِنْهَا : أَنْ يَتَقَدَّمَ لَفْظُ الْمُسَاقَاةِ ، فَلَوْ قَدَّمَ الْمُزَارَعَةَ ، فَقَالَ : زَارَعْتُكَ عَلَى الْبَيَاضِ وَسَاقَيْتُك عَلَى النَّخِيلِ عَلَى كَذَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَتْبُوعِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الرَّهْنِ ، فَقَدَّمَ لَفْظَ الرَّهْنِ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ .

التَّابِعُ هَلْ يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ ، لَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ وَحْدَهَا ، وَجَبَتْ الدِّيَةُ فَإِنْ قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْكُوعِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ الدِّيَةِ ، وَيُجْعَلُ الْكَفُّ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ ، وَإِنْ قَطَعَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا ، بَلْ يَلْزَمُهُ لِلزِّيَادَةِ حُكُومَةٌ عَلَى قَدْرِهَا ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ ، كَذَا عَلَّلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمَاسَرْجِسِيِّ ، وَمِنْهَا : إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ مَسْحِ الرَّقَبَةِ فِي الْوُضُوءِ ، فَعَنْ الرُّويَانِيِّ يَمْسَحُهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَمَيْلُ الْأَكْثَرِينَ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُهُ بِالْبَلَلِ الْبَاقِي ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَسْعُودِيِّ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ ، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْقَفَا فِي الْمَسْحِ ، وَالْقَفَا تَابِعٌ لِلرَّأْسِ ، لِتَطْوِيلِ الْغُرَّةِ .
وَمِنْهَا : هَلْ يُسَنُّ تَكْبِيرُ الْعِيدِ خَلْفَ النَّوَافِلِ ، فِيهِ خِلَافٌ قَالَ فِي الْبَيَانِ : وَالْأَصَحُّ لَا يُسَنُّ ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ تَابِعٌ لِلْفَرَائِضِ ، وَالتَّابِعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ ، وَمِنْهَا : يُقَالُ أَيْضًا : لَيْسَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ ، وَالنَّافِلَةُ لَا أَتْبَاعَ لَهَا ، وَمِنْهَا : لَوْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ ، فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُمْ ، إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ ، كَمَا فِي أَهْلِ الْكَمَالِ مَعَ الْإِمَامِ ، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِمْ التَّقَدُّمُ فِي الْأَفْعَالِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الِاقْتِدَاءِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، بَلْ الْقَصْدُ الِانْعِقَادُ فِي الِابْتِدَاءِ خَاصَّةً وَلِهَذَا لَوْ خَطَبَ بِأَرْبَعِينَ وَأَحْرَمَ بِهِمْ ، ثُمَّ لَحِقَهُمْ أَرْبَعُونَ ، وَأَحْرَمُوا مَعَ الْإِمَامِ ، ثُمَّ انْفَضَّ السَّابِقُونَ جَمِيعُهُمْ ، وَبَقِيَ الْأَرْبَعُونَ اللَّاحِقُونَ الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ بِهِمْ ،

وَلَوْ لُوحِظَ مَا ذَكَرَهُ لَبَطَلَتْ الْجُمُعَةُ ، وَمِنْهَا : لَوْ تَبَاعَدَ الْمَأْمُومُ عَنْ ( الْإِمَامِ ) أَبْعَدَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَخْصٌ يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّصَالُ صَحَّ بِشَرْطِ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ ، كَمَا أَنَّهُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا .

التَّبَعِيَّةُ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَعَ الِاتِّصَالِ بِالْمَتْبُوعِ فَيَلْتَحِقُ بِهِ لِتَعَذُّرِ انْفِرَادِهِ عَنْهُ كَذَكَاةِ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ بِذَبْحِ الْأُمِّ حِلَّ الْجَنِينِ بِشَرْطِهِ ، وَكَذَلِكَ تَبَعِيَّةُ الْحَمْلِ فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَتَبَعِيَّةُ الْمُغْرِسِ لِلْأَشْجَارِ وَالْأُسِّ لِلدَّارِ قَالَ الْإِمَامُ وَيَدْخُلُ الْحَمْلُ وَالثَّمَرَةُ فِي كُلِّ عَقْدٍ اخْتِيَارِيٍّ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ ، وَأَمَّا الْقَهْرِيَّةُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَفِي الْفَلْسِ إلَى بَيْعِ الرَّهْنِ قَهْرًا فَلَا يَدْخُلَانِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ عُقُودَ الِاخْتِيَارِ مَصُونَةٌ عَنْ الْغَرَرِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الْقَهْرِيِّ ، وَلَمَّا نُقِصَتْ الْهِبَةُ عَنْ تَعَبُّدَاتِ الْبَيْعِ ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَدِيدِ ، فَقَالَ لَا يَدْخُلَانِ فِيهَا وَأَلْحَقَهَا فِي الْقَدِيمِ بِالْبَيْعِ ، وَالثَّانِي : بَعْدَ الِانْفِصَالِ كَالصَّبِيِّ إذَا أُسِرَ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُهُمَا فَوَجْهَانِ ، وَإِنْ كَانَا مَعْدُومَيْنِ تَبِعَ السَّابِيَ قَطْعًا ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُسْلِمِ يَتْبَعُهُ ، إذَا كَانَتْ أُمُّهُ كَافِرَةً ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الذِّمِّيِّ يَتْبَعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَالِغًا ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَلَغَ جُعِلَتْ جِزْيَتُهُ كَجِزْيَةِ أَبِيهِ عَلَى وَجْهٍ تَبَعًا وَمِمَّا يَثْبُتُ تَبَعًا لَا ابْتِدَاءً ، إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ فَفِي الْإِفْطَارِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا لَا يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ ابْتِدَاءً فِي هِلَالِ شَوَّالٍ لَمَا كَفَى ، وَأَصَحُّهُمَا ثُبُوتُهُ ضِمْنًا كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الْوِلَادَةِ ثَبَتَتْ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ تَبَعًا ، وَلَوْ شَهِدَتْ بِهِ ابْتِدَاءً لَمْ يُسْمَعْ .

التَّبْعِيضُ وَالتَّجْزِئَةُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَالثَّلَاثَةِ نُصِّفَتْ عَلَى مَا يُمْكِنُ مَعَ الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ اثْنَانِ ، وَذَلِكَ كَالطَّلَاقِ لِلْعَبْدِ جُعِلَ لَهُ طَلْقَتَانِ مَعَ أَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ ، وَكَذَلِكَ الْأَقْرَاءُ فِي الْأَمَةِ قُرْءَانِ وَكَذَلِكَ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ الْحَلْقُ وَالرَّمْيُ وَالطَّوَافُ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْهَا .

التَّأْقِيتُ كُلُّ عَقْدٍ كَانَتْ الْمُدَّةُ رُكْنًا فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَقَّتًا كَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْهُدْنَةِ ، فَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا الْعَيْنِيَّةُ فَأَمَّا الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا تَارَةً تَقُومُ بِالزَّمَانِ وَتَارَةً بِالْعَمَلِ ، وَقَدْ يَعْرِضُ التَّأْقِيتُ حَيْثُ لَا يُنَافِيهِ كَالْقَارِضِ يَذْكُرُ فِيهِ مُدَّةً يَمْتَنِعُ مِنْ الشِّرَاءِ بَعْدَهَا فَقَطْ ، وَكَالْإِذْنِ الْمُقَيَّدِ بِالزَّمَانِ فِي أَبْوَابِهِ خَاصَّةً كَالْوِصَايَةِ ، وَمِمَّا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ وَنَحْوُهَا ، وَمِمَّا لَا يَقْبَلُهُ الْحُرِّيَّةُ لَا تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً عَلَى الْمَذْهَبِ .

التَّتَابُعُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ فِيهِ التَّتَابُعَ لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ قَطْعًا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَةِ ، وَمَا أَوْجَبَ فِيهِ التَّفْرِيقَ كَصَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ الْعَشَرَةَ أَيَّامٍ هَلْ يَجُوزُ تَتَابُعُهُ ؟ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا ، وَإِنَّمَا جَرَى هُنَا خِلَافٌ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعَبُّدِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِلرُّخْصَةِ وَالتَّيْسِيرِ ، فَإِنَّ التَّوَالِيَ تَغْلِبُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَالصَّحِيحُ تَغْلِيبُ التَّعَبُّدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالتَّفْرِيقِ شَرْطًا كَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالتَّتَابُعِ .

تَحَمُّلُ الْمُؤْنَةِ بِمَالِ الْغَيْرِ ضَرْبَانِ : ( الْأَوَّلُ ) : أَنْ يَكُونَ فِي أَدَاءِ وَاجِبٍ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخِفُّ حَمْلُهُ لَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ وَهَبَ لِلْمُسَافِرِ الْمَاءَ فَيَجِبُ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ، وَإِنْ ثَقُلَتْ لَمْ يَجِبْ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ بَدَلٌ كَهِبَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ فِي الْأَصَحِّ ، أَوْ لَا بَدَلَ لَهُ كَالْعَارِي يُوهِبُ الثَّوْبَ ، فَلَا ( يَلْزَمُهُ ) قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَيُصَلِّي فِيهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ قَهْرًا وَقِيلَ لَا يَرُدُّهُ ، ( وَمِنْهُ ) : لَوْ وَهَبَ لَهُ رَاحِلَةً لِيَحُجَّ عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا لِلْمَانَّةِ وَمِنْهُ ) إذَا بَذَلَ لِلْمَعْضُوبِ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِقَطْعِ الْمَانَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَاذِلُ أَجْنَبِيًّا أَوْ بَعْضَهُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَذَلَا الطَّاعَةَ فَيَلْزَمُ الْقَبُولُ فِي الْوَلَدِ قَطْعًا ، وَكَذَا فِي الْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَصَحِّ ( الثَّانِي ) : أَنْ يَكُونَ فِي عَيْنٍ فَيَسْتَحِقُّهَا ، وَالضَّابِطُ فِيهِ : إنْ كَانَ أَثَرًا مَحْضًا كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ ثُمَّ رَدَّهُ وَوَهَبَ مِنْهُ الْقِصَارَةَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ قَطْعًا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي ( الْمَجْمُوعِ ) وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَقَسَمَهَا الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُمْ فِي بَابِ الْغَصْبِ إلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : ( أَحَدُهَا ) : أَنْ يَهَبَ لَهُ عَيْنًا مُتَمَيِّزَةً مِنْ مَالِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا بِلَا خِلَافٍ قُلْت : إلَّا إذَا وَهَبَ لِفَاقِدِ الْمَاءِ مَاءً أَوْ أَعَارَ دَلْوًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ بَاعَ مُصَرَّاةً فَاطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْحَلْبِ ، وَاللَّبَنُ بَاقٍ لَمْ يُكَلَّفْ رَدُّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ مِلْكٌ لَهُ وَقَدْ اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الْمَبِيعِ حَالَ الْعَقْدِ

وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَكَانَ كَالتَّالِفِ ، فَلَوْ أَرَادَ رَدَّهُ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى أَخْذِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : نَعَمْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ بَدَلِهِ ، وَأَصَحُّهُمَا " : لَا ؛ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ وَحَمُضَ لَمْ يُكَلَّفْ أَخْذُهُ وَلَوْ تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ لَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكًا لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوَّلًا ، ثُمَّ يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْهُ بِمِلْكِهِ ، إلَّا أَنَّ تَمَلُّكَهُ لَمَّا كَانَ فِي ضِمْنِ أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ .
( الثَّانِي ) : أَنْ يَهَبَ لَهُ مَنْفَعَةً مُتَّصِلَةً بِمَالِهِ كَمَا إذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَسَمِنَ أَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ بِزِيَادَتِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ بِلَا خِلَافٍ .
( قُلْت ) : إلَّا إذَا وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ نِصْفَ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ لِلزَّوْجِ فَفِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِلْمِنَّةِ .
( الثَّالِثُ ) : أَنْ يَهَبَهُ عَيْنًا مُتَّصِلَةً بِمَالِهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ رَدَّهُ وَوَهَبَهُ الصَّبْغَ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَجْهَانِ ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا ثُمَّ وَهَبَهُ الْغِرَاسَ فَفِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ وَكَمَا لَوْ غَصَبَ أَلْوَاحًا وَسَمَّرَهَا بِمَسَامِيرَ ثُمَّ رَدَّهَا وَتَرَكَ الْمَسَامِيرَ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ ، وَقِيلَ : لَا يُجْبَرُ ، وَلَوْ غَصَبَ دَابَّةً فَأَنْعَلَهَا وَلَا يُمْكِنُهُ قَلْعُهُ ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الْأَرْضُ ، فَلَوْ تَرَكَ النَّعْلَ لَهُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَجْهَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى دَابَّةً فَأَنْعَلَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِهَا لَوْ قَلَعَ النَّعْلَ لَنَقَصَتْ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ بِهِ ، فَلَوْ تَرَكَ النَّعْلَ لَزِمَهُ الْقَبُولُ قَطْعًا ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي

خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ ، وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةً يَغْلِبُ تَلَاحُقُهَا وَاخْتَلَطَتْ وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ حَقِّهِ وَقُلْنَا : لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِالِاخْتِلَاطِ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ( الْفُرُوقِ ) ، وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَبْذُورَةً إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ ، فَإِنْ تَرَكَهُ الْبَائِعُ لَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ ، وَلَوْ قَالَ خُذْهُ وَأَفْرِغْ الْأَرْضَ سَقَطَ خِيَارُهُ أَيْضًا إنْ أَمْكَنَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ ، وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا أَحْجَارٌ فِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ لَا فِي تَرْكِهَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِهَا سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي إبْقَاءً لِلْعَقْدِ ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ تَرَكْتهَا لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ مُجَرَّدُ إعْرَاضٍ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ ( وَجْهَانِ : ) كَالْوَجْهَيْنِ فِي تَرْكِ النَّعْلِ فِي الدَّابَّةِ الْمَرْدُودَةِ بِالْعَيْبِ أَحَدُهُمَا : تَمْلِيكٌ لِيَكُونَ سُقُوطُ الْخِيَارِ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكٍ حَاصِلٍ ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ قَطْعٌ لِلْخُصُومَةِ لَا غَيْرُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي يَوْمًا فَهِيَ لَهُ ، وَلَوْ بَدَا لِلْبَائِعِ فِي تَرْكِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ ، وَعَلَى الثَّانِي فَهِيَ لِلْبَائِعِ ، وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَعُودُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ .

التَّحَمُّلُ مَرَاتِبُ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ : ( الْأُولَى ) : وَهِيَ الْعُلْيَا تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ صَرْفًا إلَى الْغَارِمِ ، وَهَذَا تَحَمُّلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَارِدٌ عَلَى وُجُوبِ الْمُسْتَقِرِّ .
( الثَّانِيَةُ ) : تَحَمُّلُ ( الْعَاقِلَةِ ) فِي الدِّيَةِ ، وَهَلْ الْوُجُوبُ يُلَاقِي الْقَاتِلَ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ : ( أَصَحُّهُمَا ) نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ ، وَالْمُتَحَمِّلُ مُخَفِّفٌ عَنْهُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَتْ الْعَاقِلَةُ غَرَّمْنَا الْقَاتِلَ الدِّيَةَ .
قَالَ الْإِمَامُ : فَإِذَا قَطَعْتُمْ بِهَذَا فَأَيُّ أَثَرٍ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ : الْوُجُوبُ لَا يُلَاقِيهِ ؟ قِيلَ : أَثَرُهُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَوْ وُجِّهَ عَلَيْهِ مَعَ تَحَمُّلِ الْعَقْلِ لَغَا ، وَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ مِمَّنْ الْقَاتِلُ وَارِثُهُ لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مَعَ الْعَاقِلَةِ كَالْبَعْضِ ، مِنْهُمْ مَعَ الْقُرَبِ مَعَ إمْكَانِ مُطَالَبَةِ الْقُرَبِ .
( الثَّالِثَةُ ) : تَحَمُّلُ الزَّوْجِ عَنْ الزَّوْجَةِ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَالسَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ وَالْقَرِيبِ عَنْ قَرِيبِهِ ، وَهَلْ هِيَ وَجَبَتْ عَلَى الزَّوْجِ ابْتِدَاءِ أَوْ عَلَيْهَا وَتَحَمَّلَهُ الزَّوْجُ ؟ خِلَافٌ ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي وَقِيلَ بِطَرْدِهِ فِي السَّيِّدِ وَالْقَرِيبِ ، وَقِيلَ : بَلْ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا قُدْرَةَ لَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ ، وَالْقَرِيبُ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَا قِيَمًا ، وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ فَهَلْ هُوَ كَالْحَوَالَةِ أَوْ الضَّمَانِ ؟ وَجْهَانِ .
( الرَّابِعَةُ ) : تَحَمُّلُ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ قَالَ الْإِمَامُ ، وَهِيَ أَبْعَدُ الْمَرَاتِبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحَمُّلِ الْقُرَبِ وَإِيجَادِ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، فَإِنَّا نُوجِبُهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فِي زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ وَقَرِيبِهِ .

التَّحِيَّاتُ ثَمَانٍ ( إحْدَاهَا ) : تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِرَكْعَتَيْنِ إلَّا فِي صُوَرٍ : الْخَطِيبُ يَدْخُلُ لِلْخُطْبَةِ وَالدَّاخِلُ وَالنَّاسُ فِي مَكْتُوبَةٍ ، أَوْ وَقَدْ شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ ، أَوْ وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالدَّاخِلُ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، وَالْإِمَامُ يُصَلِّي فِي نَافِلَةٍ جَمَاعَةً كَالْعِيدِ ، فَفِي اسْتِحْبَابِ التَّحِيَّةِ وَجْهَانِ فِي الْفُرُوقِ لِابْنِ جَمَاعَةَ الْمَقْدِسِيِّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَلَاةِ مَنْ دَخَلَ ، وَالْإِمَامُ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ .
( الثَّانِيَةُ ) : تَحِيَّةُ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا الْمَسْجِدِ ؛ وَلِهَذَا يَبْدَأُ إذَا دَخَلَهُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَإِنَّمَا لَمْ نَأْمُرْهُ بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِلطَّوَافِ ، وَذَلِكَ يُجْزِيهِ عَنْ التَّحِيَّةِ قِيلَ : وَلَوْ طَافَ وَصَلَّى ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ ، فَهَلْ يُسْتَحَبُّ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةَ دُخُولِهَا ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ رُؤْيَتِهَا ، فِيهِ نَظَرٌ .
قُلْت : لَا يُسْتَحَبُّ ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ لَهَا حُكْمُ الْوَاحِدِ ، وَقَدْ صَلَّى عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يُصَلِّي لِلثَّانِي ، وَقَوْلُهُ : الطَّوَافُ تَحِيَّةُ الرُّؤْيَةِ عَجِيبٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ .
( الثَّالِثَةُ ) : تَحِيَّةُ الْحَرَمِ بِالْإِحْرَامِ .
الرَّابِعَةُ ) تَحِيَّةُ مِنًى بِالرَّمْيِ .
( الْخَامِسَةُ ) : تَحِيَّةُ عَرَفَةَ بِالْوُقُوفِ .
( السَّادِسَةُ ) : يُنْدَبُ لِلْقَاضِي تَحِيَّةُ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِرَكْعَتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ حَكَاهُ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ .
( السَّابِعَةُ ) : تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِالْخُطْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ ، وَتَكُونُ التَّحِيَّةُ هُنَا بِالْخُطْبَةِ كَمَا كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( بِالطَّوَافِ ) .
( الثَّامِنَةُ ) : تَحِيَّةُ الْمُسْلِمِ أَوَّلَ

اللِّقَاءِ بِالسَّلَامِ عَلَيْكُمْ .

التَّحْرِيمُ الْمُتَوَقَّعُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَالِ عَدَمُ الْحِلِّ كَمَا أَنَّ الْمُتَوَقَّعَ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْحِلِّ فِي الْحَالِ " وَفُرُوعُهُ مُنْتَشِرَةٌ : مِنْهَا ، مَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ أَمَةً ، قَالَ : الْأَكْثَرُونَ ، خِلَافًا ( لِابْنِ الْحَدَّادِ ) يَجُوزُ لِوَلِيِّهَا الْقَرِيبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَعَ احْتِمَالِ الرِّقِّ فِي بَعْضِهَا حَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ كُلِّهَا ، بِأَنْ يَحْدُثَ ، دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ نَظَرًا إلَى أَنَّ الصِّحَّةَ النَّاجِزَةَ لَا تُتْرَكُ فِي الْحَالِ لِمَا يُتَوَهَّمُ ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتِقُ نَفْسُهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا جَازَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَابْنِ الْحَدَّادِ مِمَّنْ وَافَقَ هَا هُنَا ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يُخَالِفُ ذَلِكَ فِي النَّقْلِ عَنْهُ ، وَمِنْهَا : لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ أَمَةً حَلَّ لِلْمُتَّهَبِ وَطْؤُهَا ، وَاحْتَجُّوا بِذَلِكَ عَلَى ابْنِ الْحَدَّادِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي مُوَافَقَتَهُ هُنَا ، لَكِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَنْعُ عَلَى طَرِيقِ ابْنِ الْحَدَّادِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي ( شَرْحِ الْفُرُوعِ ) جَازَ مَا بِالتَّحْرِيمِ ، وَجَعَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الْحَدَّادِ وَجْهَيْنِ ، وَمِنْهَا يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِشَهَادَةِ مَسْتُورَيْنِ وَيَتَسَلَّطُ الزَّوْجُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ : لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَأَبْطَلَ النِّكَاحَ ، وَمِنْهَا : لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ ، وَخَافَتْ حَمْلًا ، وَلَمْ تَتَيَقَّنْهُ ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُوصَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ فِي الْحَالِ ، بَلْ هُوَ كَالَّتِي تَزَوَّجَتْ ، ثُمَّ ارْتَابَتْ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَصَلَتْ الرِّيبَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمِنْهَا : لَوْ أَسْلَمَ وَاحِدَةً مِنْ الْإِمَاءِ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَهَا لِلْبَقَاءِ دُونَ الْفَسْخِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ اخْتِيَارُهَا لِلْبَقَاءِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعْتِقَ

وَاحِدَةً مِنْ الْبَاقِيَاتِ ، ثُمَّ تُسْلِمُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ، فَإِنَّهُ يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، أَوْ يَصِيرُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ وَأَسْلَمَتْ الْأَمَةُ وَتَخَلَّفَتْ الْحُرَّةُ أَيْ ، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ انْتَهَى .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ الْمُسْلِمَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا مَوْجُودَةٌ فِي زَوْجَةٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ بَيْنُونَتُهَا وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَخْتَارَ أَمَةً ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ، وَأَمَّا فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَتْ الْحُرِّيَّةُ مَوْجُودَةً حَتَّى يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ ، وَحَقُّهُ فِي الِاخْتِيَارِ لَازِمٌ ، فَجَازَ أَنْ يَخْتَارَ لِلْبَقَاءِ وَلَا يَخْتَارُ هُنَا لِلْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَاتِ قَدْ لَا يُسْلِمْنَ ، وَمِنْهَا لِلزَّوْجَةِ التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ الصَّدَاقِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ ، إلَّا بِالدُّخُولِ ، وَكَذَلِكَ لِلْمُؤَجِّرِ التَّصَرُّفُ فِي الْأُجْرَةِ الْمَقْبُوضَةِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا فِي الْحَالِ ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ وَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ مِمَّا يَقْتَضِي ، خِلَافَهُ غَيْرُ مُسَاعِدٍ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الشَّوَاهِدِ ، خِلَافًا لِمَنْ اعْتَمَدَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ صُوَرٌ : إحْدَاهَا : لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّةٍ رَجْعِيَّةٍ تَحْتَ عَبْدٍ ، فَإِنْ فَسَخَتْ صَحَّ ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ إلَى بَيْنُونَةٍ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقِّهَا .
الثَّانِيَةُ : الزَّوْجَةُ ، إذَا ارْتَدَّتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ، قَطَعُوا بِهِ ، وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِيهِ ، كَمَا سَبَقَ ، وَحَكَى وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ وَتَخَلَّفَتْ زَوْجَتُهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا ، وَقَدْ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ قَوْلَيْنِ - عِنْدَ الْكَلَامِ

فِي مَسْأَلَةِ الْعَتِيقَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ .
لَكِنَّ التَّخْرِيجَ قَدْ يُمْنَعُ ، وَالْفَرْقُ إنَّمَا جَاءَ الْخِلَافُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ فِي صِحَّتِهَا خِلَافٌ ، وَأَنَّ التَّقْرِيرَ بِمَنْزِلَةِ ( ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ) صَحِيحٌ قَطْعًا ، وَزَوَالُ الرِّدَّةِ لَيْسَ بِابْتِدَاءٍ قَطُّ ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ ( يَجِئْ ) الْخِلَافُ ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ الْمَمْلُوكَةَ ، أَوْ الْمُزَوَّجَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَالضَّابِطُ ( لِهَذِهِ ) الصُّوَرِ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ ، إنْ كَانَ قَدْ بُنِيَ عَلَى أَمْرٍ ظَاهِرٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَا ( تَوَقُّفَ ) فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ ، كَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ ، فَلَهُ وَطْؤُهَا ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ ظُهُورُهَا مُسْتَحَقَّةً ، أَوْ مَرْهُونَةً ، وَمِثْلُهُ مَسْأَلَةُ الشُّهُودِ ، وَمَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ وِلَايَتِهِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَارِضْ الظَّاهِرَ ( سَبَبٌ ) أَقْوَى مِنْهُ ، كَمَسْأَلَةِ الْحُرَّةِ ( الْمُخْتَلِفَةِ ) مَعَ إسْلَامِ ( الْإِمَاءِ ) ، وَإِنْ كَانَ الْمَبْنِيُّ عَلَى الظَّاهِرِ لَمْ يُعَارِضْهُ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْهُ ، وَلَكِنَّهُ يُتَوَقَّعُ بِحَالَةٍ قَائِمَةٍ هِيَ سَبَبٌ لِذَلِكَ ( الْمُتَوَقَّعِ ) جَرَى الْخِلَافُ وَقَوِيَ جَانِبُ مَنْ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمُتَوَقَّعِ الْمَذْكُورِ ، وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْعَتِيقَةِ فِي الْمَرَضِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ ابْنِ الْحَدَّادِ وَالْجُمْهُورِ .

التَّحْرِيمُ يَتَعَدَّدُ وَتَتَعَدَّدُ أَسْبَابُهُ فَإِنَّ الزِّنَى مُحَرَّمٌ ، فَلَوْ زَنَى بِأُمِّهِ كَانَ عِقَابُهُ أَعْظَمَ لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْقَرَابَةِ وَلِلزِّنَى ، فَلَوْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ كَانَ فِيهِ انْتِهَاكُ ثَلَاثِ حُرُمَاتٍ ، فَلَوْ كَانَ فِي زَمَانِ رَمَضَانَ كَانَ أَرْبَعًا ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ الْمُسْتَبْرِئَةُ مُحَرَّمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَضَعْفِ الْمِلْكِ وَمِنْ جِهَةِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ ، فَإِذَا ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَنِدُ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَلِحَقِّ الْبَائِعِ بَقِيَ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَإِذَا ارْتَفَعَ إحْدَى الْحُرْمَتَيْنِ وَجَبَ ثُبُوتُ الْحِلِّ الْآنَ لِلْحُرْمَةِ الْمُرْتَفِعَةِ ، وَإِلَّا ارْتَفَعَ النَّقِيضَانِ ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ مَنْ تَوَهَّمَ التَّنَاقُضَ بَيْنَ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّ وُقُوعَ الْحَيْضِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَا يَكْفِي ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ لَازِمٍ ، وَقَوْلُهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ : إنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ إنْ جَعَلْنَا الْمِلْكَ لَهُ ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْحِلِّ وَيَلْزَمُ مِنْ الْحِلِّ الِاكْتِفَاءُ بِالِاسْتِبْرَاءِ ، وَلَيْسَ كَمَا فَهِمَ الْمُعْتَرِضُ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلِّ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْعِ هُوَ ارْتِفَاعُ التَّحْرِيمِ الْمُسْتَنِدِ إلَى ضَعْفِ الْمِلْكِ ، وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ بَاقِيًا لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ ( ثَلَاثًا ) حَرَامٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ ( ثَلَاثًا ) ، فَإِذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ بِاعْتِبَارِ الطَّلَاقِ ، وَبَقِيَ التَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَقَطْ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ أَيْ تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ الْعَيْنِيَّةُ وَتَبْقَى الْحُكْمِيَّةُ لَا تَطْهُرُ ، إلَّا بِالْغُسْلِ وَمِثْلُهُ وَطْءُ الْحَائِضِ مُحَرَّمٌ فَقَطْ لِغَايَتَيْنِ : الِانْقِطَاعِ وَالْغُسْلِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ ( ثَلَاثًا ) تُحَرَّمُ لِغَايَتَيْنِ :

نِكَاحِهَا آخَرَ ، وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ( مِنْهُ ) .

التَّخْفِيفُ فِي الشَّرْعِ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا : بِإِسْقَاطِ الْمَفْرُوضِ ، كَإِسْقَاطِ الْحَجِّ عَنْ الْفَقِيرِ وَالصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ .
الثَّانِي : ( بِالتَّنْقِيصِ ) : إمَّا بِالْأَصْلِ كَالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ ، أَوْ مِنْ الْأَرْكَانِ كَالْإِيمَاءِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِلْمَرِيضِ وَالرَّشِّ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ .
الثَّالِثُ : بِالْبَدَلِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهَا وَمَسْحِ الْخُفِّ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْمَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ بَدَلًا عَنْ الْمَاءِ وَالْعَاجِزِ عَنْ الصِّيَامِ بِالْفِدْيَةِ .
الرَّابِعُ : ( بِالتَّقْدِيمِ ) كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْحِنْثِ .
الْخَامِسُ : بِالتَّأْخِيرِ كَالْجَمْعِ وَالْإِفْطَارِ لِلْمَعْذُورِ ، وَخَوْفِ الِانْفِجَارِ لِلْمَيِّتِ ، وَالْخَوْفِ مِنْ فَوْتِ الْعِشَاءِ مَعَ فَوْتِ ( عَرَفَةَ ) ، وَقَدْ دَخَلَ التَّخْفِيفُ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ ، وَلَهُ سَبَبَانِ : السَّفَرُ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً .
الثَّانِي : مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ : الْمَرَضُ ، الْخَوْفُ ، وَشِدَّةُ الْخَوْفِ .
الثَّالِثُ : مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ ، وَهُوَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرُهَا لِلْجَمْعِ ، وَلَهُ سَبَبَانِ : السَّفَرُ وَالْمَطَرُ .
وَيَجِيءُ ثَالِثٌ عَلَى رَأْيٍ وَهُوَ الْمَرَضُ .

: الْأَوَّلُ : مَا جَازَ فِيهِ التَّخْيِيرُ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّبْعِيضُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ ، وَرَضِيَ ؛ وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَجُوزُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيُطْعِمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا وَلَا أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدٍ ، وَيَصُومَ شَهْرًا بِلَا خِلَافٍ ، وَلَا يَجُوزُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً ، وَلَا يُجْزِي فِي الْفِطْرَةِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ صَاعٌ مِنْ جِنْسَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ فَضَلَ صَاعٌ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَهُ وَلَدَانِ يُخْرِجُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ، وَلَا يُخْرِجُ نِصْفَ صَاعٍ عَنْ هَذَا وَالنِّصْفَ الْآخَرَ عَنْ الْآخَرِ .
وَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ ، فَلَوْ أَدَّى ثُلُثَ شَاةٍ ، وَأَطْعَمَ بِقَدْرِ ثُلُثِ شَاةٍ وَصَامَ الْبَاقِيَ مِنْهَا فَفِي الْبَحْرِ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، قَالَ الْقَفَّالُ : فِيهِ وَجْهَانِ ( وَوَجْهُ ) الْجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ الثُّلُثُ فِيهِ ابْتِدَاءً دُونَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ قَالَ : وَهَذَا أَقْيَسُ عِنْدِي ( وَأَشْبَهُ ) بِالْمَذْهَبِ ، وَفِي الْفُرُوقِ لِلشَّيْخِ ( أَبِي مُحَمَّدٍ ) ، لَوْ فَضَلَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ قُوتِ الرَّجُلِ بَعْضُ صَاعٍ لَزِمَهُ ؛ لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ تَبْعِيضِ الصَّاعِ ، كَمَا فِي مَالِكِي الْعَبْدِ ، فَإِنْ تَصَوَّرَ مِثْلَهُ فِي الْكَفَّارَةِ أَلْحَقْنَاهَا بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ جَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَيُتَصَوَّرُ وُجُوبُ بَعْضِهِ بِتَلَفِ الصَّيْدِ أَوْ جَرْحِهِ ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءُ صَيْدٍ جَازَ أَنْ يَحْصُلَ بَعْضُهُ مِنْ النَّعَمِ وَبَعْضُهُ مِنْ الطَّعَامِ .
قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ : وَالشَّفِيعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالتَّرْكِ ، فَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ بَعْضِ الشِّقْصِ ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ اشْتَرَى مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً تَخَيَّرَ بَيْنَ رَدِّهِمَا ، أَوْ تَرْكِهِمَا ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا وَتَرْكُ الْآخَرِ .
قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَشْرَةً ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : أُقِرُّ بِخَمْسَةٍ ، وَأَحْلِفُ بِخَمْسَةٍ ، لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ

قَالَ : أَنَا أَحْلِفُ عَلَى خَمْسَةٍ وَأَرُدُّ الْيَمِينَ فِي خَمْسَةٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ ، أَنَّهُ فِي ( الْأُولَى ) حَصَلَ مَقْصُودُ الْمُدَّعِي فِي الْقَبْضِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ خِلَافُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّرْعَ ، خَيَّرَ الْمُتَوَضِّئَ بَيْنَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ ، وَيَمْسَحَ عَلَى الْأُخْرَى لَمْ يُجْزِ ، جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَمِنْهَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ، إذَا خَيَّرْنَاهُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ ، فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ جِنْسَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ ، كَمَا إذَا وَجَبَ الشَّعِيرُ وَأَخْرَجَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْهُ ، وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَرَأَيْت لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَجْوِيزَهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الدَّافِعِ ، فَلَوْ تَعَدَّدَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُمَا عَبْدٌ وَهُمَا مُخْتَلِفَا الْقُوتِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قُوتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَعِّضْ مَا عَلَيْهِ ، وَطَرَدَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْمَنْعَ ، وَقَالَ : الْمُخْرَجُ عَنْهُ وَاحِدٌ ، فَلَا يُبَعَّضُ وَاجِبُهُ ، وَمِثْلُهُ ، لَوْ قَتَلَ ثَلَاثَةٌ مَحْرُومُونَ ظَبْيَةً فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ شَاةٍ ، أَوْ صِيَامٍ ، أَوْ إطْعَامٍ ، فَلَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ شَاةٍ وَأَطْعَمَ الثَّانِي بِقِيمَةِ شَاةٍ ، وَصَامَ الْآخَرُ عَدْلَ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ اتِّفَاقًا ، وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ لَهَا وَاحِدًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَمَا نَقَلَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ مَمْنُوعٌ .
وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَجْهًا فِيمَنْ مَلَكَ عِشْرِينَ مِنْ الضَّأْنِ وَآخَرَ عِشْرِينَ مِنْ الْمَعْزِ وَخَلَطَا ذَلِكَ حَتَّى وَجَبَتْ فِيهِمَا الزَّكَاةُ أَنَّ لِمَالِك الضَّأْنِ أَنْ يُخْرِجَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ مِنْ جِنْسِ مَا يَمْلِكُ ، فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ بَعْضُهُ عَذْبٌ وَبَعْضُهُ مِلْحٌ فَقَدْ جَازَ التَّبْعِيضُ فِي التَّخْيِيرِ ، قِيلَ الْكُلُّ مَاءٌ وَاحِدٌ لِدُخُولِهِ تَحْتَ

الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْإِطْلَاقُ فَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْئَانِ وَيَجُوزُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَنْ يُتِمَّ إحْدَاهُمَا وَيُقْصِرَ الْأُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا وَأَنْ يَجْمَعَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ ، وَلِهَذَا حَصَرَهُ ( الْجِيلِيُّ ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَوْنَ الْحَجَرِ نَجِسًا .

( تَنْبِيهَاتٌ ) .
: ( الْأَوَّلُ ) : احْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا إلَّا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ عَنْ ( الْجُبْرَانِ ) فِي الزَّكَاةِ فَلَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا وَلَا تُجْزِئُ شَاةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَنْ جُبْرَانٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ خَيَّرَ بَيْنَ شَاتَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَامْتَنَعَ التَّبْعِيضُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الْآخِذَ وَرَضِيَ جَازَ ؛ لِأَنَّ لَهُ إسْقَاطَ حَقِّهِ كُلِّهِ وَهُوَ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ السَّاعِي ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْفُقَرَاءِ وَهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفُقَرَاءُ مَحْصُورِينَ وَرَضُوا بِذَلِكَ جَازَ ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ ، وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَهَذَا عَارِضٌ ، وَكَمَا لَوْ وَجَبَ لَهُ قِصَاصٌ عَلَى جَمَاعَةٍ ، فَيَجُوزُ قَتْلُ الْجَمِيعِ أَوْ أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْهُمْ ، فَلَوْ قَتَلَ بَعْضَهُمْ وَأَخَذَ الدِّيَةَ مِنْ الْبَعْضِ جَازَ .
وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ أَخَذَهُ وَقِيمَةَ الْبَاقِي .
نَعَمْ ، الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي الْأَسِيرِ بَيْنَ الْإِرْقَاقِ وَالْمَنِّ ، فَلَوْ أَرَقَّ بَعْضَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ : رَقَّ كُلُّهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يُرَقُّ شَيْءٌ وَهَذَا الْبَحْثُ يَتَأَيَّدُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ .

( الثَّانِي ) : مَا جَازَ عَلَى الْبَدَلِ لَا يَدْخُلُهُ تَبْعِيضٌ فِيهِمَا أَيْضًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعَدَدِ : الْوَاجِبُ الْوَاحِدُ لَا يَتَأَدَّى بِبَعْضِ الْأَصْلِ وَبَعْضِ الْبَدَلِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَكَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ ، أَمَّا فِي أَحَدِهِمَا فَنَعَمْ ، كَمَا لَوْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ وَيَتَيَمَّمُ عَنْ الْبَاقِي .

الثَّالِثُ ) : مَنْ أَمَرَ بِشَيْءٍ وَعَجَزَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ جُمْلَةً وَأَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِنِصْفَيْهِ مَعًا هَلْ يُجْزِيهِ ؟ ، نَنْظُرُ إنْ كَمَّلَ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ فِيمَا الشَّرْعُ مُتَشَوِّفٌ لِتَكْمِيلِهِ أَجْزَأَهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُعْسِرُ نِصْفَيْنِ مِنْ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَكَانَ بَاقِيهمَا حُرًّا أَجْزَأَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ امْتَنَعَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ فِي الزَّكَاةِ نِصْفَيْ شَاتَيْنِ وَقِيلَ : يَجُوزُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا لِلْفُقَرَاءِ حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ ( وَكَالتَّضْحِيَةِ بِنِصْفَيْ شَاتَيْنِ ) وَإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ صَاعًا مِنْ جِنْسَيْنِ .

( الْبَحْثُ الثَّانِي ) : مَا دَخَلَهُ التَّخْيِيرُ مِنْ الْحُقُوقِ إنْ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ كَانَتْ الْخِيَرَةُ لِلدَّافِعِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَمَا فِي الزَّكَاةِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ لِلْمَالِكِ وَكَمَا لَوْ غَصَبَ مِثْلِيًّا وَخَلَطَهُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ ، وَقِيلَ : يَتَعَيَّنُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ كَانَ الْخِيَارُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَمَا لَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ وَوَجَدَ الْفَرْضَيْنِ فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ لِلشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَخْذُ الْأَغْبَطِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ ، وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ تَخْيِيرَهُ كَالصُّعُودِ وَالنُّزُولِ ، وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِكِ فَكَانَ التَّخْيِيرُ لِمُسْتَحِقِّهِ .
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ أَخَذَ مِنْهُ قَدْرَ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي مَوْضِعِهِ إلَى الْجَانِي وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ صُوَرٌ : ( أَحَدُهَا ) : الْعَيْنُ الْمُقْتَرَضَةُ إذَا طَلَبَهَا الْمَالِكُ وَأَرَادَ الْمُقْتَرِضُ دَفْعَ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُجَابُ الْمَالِكُ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَرْضَ بِالْقَبْضِ وَيَثْبُتُ بَدَلُهُ فِي ( ذِمَّتِهِ ) .
( الثَّانِيَةُ ) : لَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ .
( الثَّالِثَةُ ) : لَوْ تَمَلَّكَ اللُّقَطَةَ ثُمَّ ظَهَرَ مَالِكُهَا ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ رُجُوعِهِ فِي عَيْنِهَا مَعَ أَنَّ بَدَلَهَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِمُجَرَّدِ التَّمَلُّكِ وَانْتَقَلَتْ الْعَيْنُ إلَى صَاحِبِهَا بِمُجَرَّدِ ظُهُورِهِ بَلْ حَقُّهُ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَنْ تَظْهَرَ الْعَيْنُ بِخُصُوصِهَا أَوْ بَدَلِهَا حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ الْمُلْتَقِطَ فَتَصِحُّ وَلَوْ تَعَيَّبَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ التَّمَلُّكِ ، ثُمَّ ظَهَرَ مَالِكُهَا وَطَلَبَ بَدَلَهَا سَلِيمًا ، وَأَرَادَ الْمُلْتَقِطُ

دَفْعَهَا مَعَ الْأَرْشِ فَإِنَّهُ يُجَابُ فِي الْأَصَحِّ .

( الْبَحْثُ الثَّالِثُ ) : مَا يُخَيَّرُ فِيهِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ قَدْ يَلْزَمَانِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَاهُمَا ، يُخَيَّرُ ، وَفِي الْأَصَحِّ فَمَا اخْتَارَهُ لَزِمَهُ ، فَلَوْ اخْتَارَ الطَّلَاقَ ثُمَّ الظِّهَارَ نَفَذَا كَمَا لَوْ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : أَرَدْت هَذِهِ بَلْ هَذِهِ طَلُقَتَا وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ اخْتَارَ إحْدَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ رَجَعَ ، وَاخْتَارَ غَيْرَهَا أَوْ اخْتَارَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ فِي الْمِائَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ وَاخْتَارَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ أَخَذَ مُحْتَمَلَ الْحَدَثَيْنِ بِالْوُضُوءِ ، ثُمَّ اخْتَارَ الْغُسْلَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ هُوَ تَعْيِينُ إيقَاعٍ فَلَمْ يَقْبَلْ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ .
وَإِذَا اخْتَارَ الْمُمَيِّزُ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ فَلَوْ اخْتَارَ الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ ، وَلَوْ اخْتَارَ الدِّيَةَ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوُجِّهَتْ الدِّيَةُ وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ : عَفَوْت عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَوْ قَالَ : اخْتَرْت الْقِصَاصَ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الدِّيَةِ لِأَنَّهَا أَخَفُّ أَمْ لَا كَعَكْسِهِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي قَالَ الْبَغَوِيّ .

( الرَّابِعُ ) : مَنْ ثَبَتَ لَهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ حَقَّيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا سَقَطَ الْآخَرُ ، وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدَهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ ، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي امْتِنَاعِهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ تُرِكَ ، وَإِنْ كَانَ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمَ فِي اخْتِيَارِ الْأَحَظِّ إنْ كَانَ مَالِيًّا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ أُلْزِمَ بِالِاخْتِيَارِ وَيَتَّضِحُ بِصُوَرٍ : ( وَمِنْهَا ) لَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَنْهُ ، وَقُلْنَا : الْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ تَعَيَّنَ لَهُ الْمَالُ ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْمَالِ ثَبَتَ لَهُ الْقَوَدُ ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ أَوْ الْعَفْوِ إذْ لَا ضَرَر عَلَى الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ ، وَإِذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ مُطَالَبَةُ وَرَثَتِهِ بِالْعُقُوبَةِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي .
( وَمِنْهَا ) : لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَظَهَرَ مَعِيبًا ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ ، دَلَّ عَلَى الرِّضَا ، وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْشِ ، وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إمَّا الرَّدُّ ، وَإِمَّا الْأَرْشُ ، فَإِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ ، ( وَمِنْهَا ) : إذَا أَتَاهُ الْمَدْيُون بِالدَّيْنِ ، وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ أُمِرَ بِقَبْضِهِ ، فَإِنْ امْتَنَعَ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ وَبَرِئَ .
( وَمِنْهَا ) : لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا وَطَالَتْ مُدَّتُهُ وَلَمْ يُحْيِهِ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ ( عَنْهُ ) قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ : أَحْيِ أَوْ اُتْرُكْ .
( وَمِنْهَا ) : لَوْ أَبَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْمُدَّةِ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ ( وَمِنْهَا ) : لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ فَنَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَجُعِلَ مُقِرًّا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ مِنْ الْإِقْرَارِ ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَدَلِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْأَصْلِ .

( الْخَامِسُ ) : إنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ كَوَاجِبَيْنِ أَوْ مَنْدُوبَيْنِ ، لَا بَيْنَ مُبَاحٍ وَحَرَامٍ ، وَأَوْرَدَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَاللَّبَنِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بَيْنَ مُبَاحَيْنِ ، فَإِنَّ الْخَمْرَ إنَّمَا حُرِّمَتْ بِالْمَدِينَةِ ، وَبِأَنَّ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ وَلَا تَكْلِيفَ فِيهَا وَبِذَلِكَ أُجِيبَ أَيْضًا عَنْ احْتِجَاجِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقَدْرِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَدْ أَوَّلَ اللَّبَنَ بِالْعِلْمِ وَالْحُضُورِ وَالْخَمْرَ بِالْغَيْبَةِ ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ فِي تَحْرِيمِ مَا يَحْرُمُ مِنْهُمَا إلَى اجْتِهَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَهَدَ وَاخْتَارَ الصَّوَابَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ .

السَّادِسُ : مَا لَهُ فِعْلُهُ ، إذَا فَعَلَهُ وَاحْتَمَلَهُ وَاحْتَمَلَ غَيْرَهُ رَجَعَ إلَى بَيَانِهِ وَيُخَيَّرُ فِي الصَّرْفِ إلَى مَا أَرَادَ كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ أَدَاءِ الْأَلْفِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى مَا أَرَادَ ، وَكَذَا فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مُطْلَقًا لَهُ صَرْفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ إلَيْهِمَا ، وَلَوْ قَالَ : عَفَوْت عَنْك وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَاصًا وَلَا دِيَةً ، أَوْ قَالَ : عَفَوْت عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُعَيِّنْ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الْقِصَاصِ وَيُحْكَمُ بِسُقُوطِهِ ، وَالْأَصَحُّ يَرْجِعُ إلَى بَيَانِهِ ، فَإِذَا بَيَّنَ لَزِمَ ، فَلَوْ قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِي نِيَّةٌ فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْقِصَاصِ ، وَأَصَحُّهُمَا يُقَالُ لَهُ : اصْرِفْ الْآنَ إلَى مَا شِئْت مِنْهُمَا .

مِنْهَا ، إذَا أَوْصَى لِدَابَّةٍ ، وَشَرَطَ الصَّرْفَ فِي عَلَفِهَا صُرِفَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْمُوصِي يَتَوَلَّاهُ الْمُوصَى لَهُ ، ثُمَّ الْقَاضِي وَنَائِبُهُ ، قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ : وَالْأَقْوَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ، بَلْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيُنْفِقَ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ .

وَمِنْهَا ، إذَا أَوْصَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ عَيْنٍ بِأَنْ قَالَ : ادْفَعُوا إلَيْهِ هَذَا الْعَبْدَ عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهُ ؛ لِأَنَّ فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ أَغْرَاضًا ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَيْنُ مَالِهِ مِنْ فُلَانٍ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ وَاقْضِ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ إمْسَاكٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَطْيَبَ وَأَبْعَدَ عَنْ الشُّبُهَاتِ ذَكَرَ هَذِهِ الصُّوَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوِصَايَةِ .

وَمِنْهَا ، إذَا دَفَعَ إلَى شَخْصٍ شَيْئًا ، وَقَالَ : اشْتَرِ لَك بِهِ عِمَامَةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ نَعْلًا مَثَلًا فَهَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ ، أَوْ لَهُ صَرْفُهُ فِيمَا شَاءَ ، أَوْ تَفْسُدُ الْهِبَةُ أَوْ إنْ رَآهُ مُحْتَاجًا إلَى مَا سَمَّاهُ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَيْهِ ، وَإِلَّا وُجُوهٌ أَصَحُّهَا آخِرُهَا وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْهِبَةِ عَلَى نَقْلِ الْآخَرِ عَنْ الْقَفَّالِ ، وَقَدْ يُقَالُ : إنْ قَصَدَ تَحْقِيقَ الشِّرَاءِ فَسَدَتْ الْعَطِيَّةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : وَهَبْتُك بِشَرْطِ أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ كَذَا ، وَإِنْ قَصَدَ رَفْعَ الْحِشْمَةِ وَالْإِرْشَادِ إلَى الْأَصْلَحِ وَنَحْوِهَا فَلَا .

وَمِنْهَا ، إذَا دَفَعَ إلَى الشَّاهِدِ أُجْرَةَ مَرْكُوبِهِ وَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ .

وَمِنْهَا سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ عَمَّنْ مَاتَ أَبُوهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ إنْسَانٌ ثَوْبًا لِيُكَفِّنَّهُ فِيهِ ، هَلْ يَمْلِكُهُ حَتَّى يُمْسِكَهُ وَيُكَفِّنَهُ فِي غَيْرِهِ ، فَقَالَ : إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ يَتَبَرَّكُ بِتَكْفِينِهِ لِفِقْهٍ أَوْ وَرَعٍ ، فَلَا وَلَوْ كَفَّنَهُ فِي غَيْرِهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ انْتَهَى وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِصُورَةِ الْمُتَبَرِّكِ بِهِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، وَلَكِنَّ قَصْدَ الدَّافِعِ الْقِيَامُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ لَا التَّبَرُّعُ عَلَى الْوَارِثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَفِي وَصَايَا الْوَسِيطِ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ لِلْوَارِثِ إبْدَالَهُ ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَمُرَادُهُ عَارِيَّةٌ لَازِمَةٌ ، كَالْإِعَارَةِ لِلدَّفْنِ .

وَمِنْهَا ، إذَا ضَمِنَ شَخْصٌ دَيْنَهُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ ، هَلْ يَتَعَيَّنُ الضَّمَانُ ، وَإِنْ كَانَ وَضْعُ الضَّمَانِ الْإِطْلَاقَ .

( إحْدَاهَا ) : لَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْإِقْبَاضِ جُنُونٌ ، هَلْ يَكُونُ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا لَا .

( الثَّانِيَةُ ) : لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ ، فَهَلْ يَجُوزُ قَصْرُهَا إذَا قَضَاهَا فِي سَفَرٍ غَيْرِ ذَلِكَ السَّفَرِ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا نَعَمْ .

الثَّالِثَةُ ) : لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ إلَى فَقِيرٍ فَاسْتَغْنَى ، ثُمَّ افْتَقَرَ آخِرَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَرَضِ فِي الْأَصَحِّ .

( الرَّابِعَةُ ) : لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِالْجِرَاحَةِ وَجَبَ الْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ .

( الْخَامِسَةُ ) : لَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَحِّ ، لِتَخَلُّلِ الْهَدَرِ وَقِيلَ : يَجِبُ كَالْكَفَّارَةِ وَقِيلَ : إنْ قَصُرَ زَمَنُ الرِّدَّةِ وَجَبَ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَسْرِي فِيهِ غَالِبًا فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ ، أَمَّا الدِّيَةُ فَتَجِبُ كُلُّهَا لِوُقُوعِ ، الْجَرْحِ وَالْمَوْتِ فِي حَالَتَيْ الْعِصْمَةِ ، وَالثَّانِي ثُلُثَاهَا ، وَالثَّالِثُ نِصْفُهَا .

وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ النَّجْشُ وَالتَّصْرِيَةُ ، وَأَنْ يَبِيعَ عَيْنًا يَعْرِفُ بِهَا عَيْبًا وَلَا يُبَيِّنُهُ أَوْ تَتَزَوَّجَ وَبِهَا عَيْبٌ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ، وَلَا تُبَيِّنُهُ ، وَحَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْخَلِيَّةِ وَصْلُ شَعْرِهَا بِشَعْرٍ طَاهِرٍ ؛ لِكَثْرَةِ رَغْبَةِ الرِّجَالِ فِي الشَّعْرِ ، وَدَلَالَتِهِ عَلَى الشَّبِيبَةِ ، وَفِي الْحَدِيثِ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } ، بِخِلَافِ الْمُتَزَوِّجَةِ ، إذَا وَصَلَتْ لِلتَّزْيِينِ وَمِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ لَوْ وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِوَبَرٍ أَوْ بِرِيشٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ شَعْرِهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَا خَدِيعَةَ فِيهِ حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا عِنْدِي ، إذَا كَانَ ظَاهِرًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْغُرُورُ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُنْتَقِبَةً يُنْظَرُ إلَى رَأْسِهَا وَيُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ ذَلِكَ بِالْمَوْصُولِ ، فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ خِضَابُ اللِّحْيَةِ بِالسَّوَادِ حَرَامٌ ، وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ ( الْمُجَاهِدَ ) إرْهَابًا لِلْكُفَّارِ ، وَمَنْ نَتَفَ شَعْرَ اللِّحْيَةِ أَيْضًا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ .

أَحَدُهَا الْعِبَادَاتُ وَهِيَ قِسْمَانِ : الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ فِي وَاجِبٍ ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ ، وَمَقْصُودُهُمَا مُخْتَلِفٌ ، فَلَا تَدَاخُلَ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا : طَوَافُ الْوَدَاعِ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ ، وَلِذَلِكَ لَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى ، ثُمَّ أَرَادَ السَّفَرَ عَقِبَهُ لَمْ يَكْفِ ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَطُوفَ لِلْوَدَاعِ أَيْضًا ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ تَدَاخُلٌ كَغُسْلِ الْحَيْضِ مَعَ الْجَنَابَةِ ، فَإِذَا أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ كَفَى لَهُمَا غُسْلٌ وَاحِدٌ .

وَمِثْلُهُ الْمُحْدِثُ بِعُضْوِهِ نَجَاسَةً تَزُولُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ تَكْفِي فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ ، وَقَدْ يَجِبُ الْأَصْغَرُ ثُمَّ الْأَكْبَرُ ، كَمَا لَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ فَيَكْفِي الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَفِيهِ طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِالتَّدَاخُلِ لِشِدَّةِ الْعِلَاقَةِ بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ ، وَلَوْ جَامَعَ بِلَا حَائِلٍ ، فَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ غَيْرَ الْجَنَابَةِ ، وَاللَّمْسُ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ يَصِيرُ مَغْمُورًا بِهِ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ الْإِنْزَالُ ، وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بِالْجِمَاعِ يَحْصُلُ الْحَدَثَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ يَسْبِقُ حَقِيقَةَ الْجِمَاعِ ، بِخِلَافِ الْخُرُوجِ ، فَإِنَّهُ مَعَ الْإِنْزَالِ .

وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ فِي مَسْنُونٍ فَيُنْظَرُ : إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَفْعُولِ دَخَلَ تَحْتَ الْفَرْضِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ ، وَالْإِحْرَامِ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ ؛ لِدُخُولِ مَكَّةَ مَعَ حَجِّ الْفَرْضِ ، وَإِذَا قُلْنَا : إنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ سُنَّةٌ ، فَلَوْ صَلَّى فَرِيضَةً بَعْدَ الطَّوَافِ حُسِبَتْ عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ، اعْتِبَارًا بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْجَدِيدِ مَا يُخَالِفُهُ ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى احْتِمَالٍ فِيهِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّهُ شَاذٌّ وَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ .
وَلَوْ طَافَ الْقَادِمُ مَكَّةَ عَنْ الْفَرْضِ أَوْ النَّذْرِ دَخَلَ طَوَافُ الْقُدُومِ فِيهِ ، وَمِنْهُ جُبْرَانَاتُ الصَّلَاةِ تَتَدَاخَلُ ، فَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ تَعَدَّدَ سَجْدَتَانِ ، بِخِلَافِ جُبْرَانَاتِ الْإِحْرَامِ فَلَا تَتَدَاخَلُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ جَبْرُ النُّسُكِ ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ ، إلَّا بِالتَّعَدُّدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَفْعُولِ لَمْ يَدْخُلْ ، كَمَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، فَوَجَدَهُمْ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً صَلَّاهَا وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ أَعْنِي الطَّوَافَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ ، بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ تَحْصُلُ بِفِعْلِ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَافَ وَصَلَّى بَعْدَهُ فَرِيضَةً كَفَتْ عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ نَصَّ عَلَيْهِ .

الثَّانِي الْعُقُوبَاتُ : فَإِنْ كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، تَدَاخَلَتْ ، كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الزِّنَى وَهُوَ بِكْرٌ يُحَدُّ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ مِرَارًا ، وَهَلْ يُقَالُ : يَجِبُ لَهَا حُدُودٌ ثُمَّ يَعُودُ إلَى حَدٍّ وَاحِدٍ ، أَمْ لَا يَجِبُ إلَّا حَدٌّ وَتُجْعَلُ الزَّنَيَاتُ كَالْحَرَكَاتِ فِي زَنْيَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ ذَكَرُوا فِيهِ احْتِمَالَيْنِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ زَنَى وَهُوَ بِكْرٌ ، ثُمَّ زَنَى وَهُوَ ثَيِّبٌ دَخَلَ حَدُّ الْبِكْرِ فِي حَدِّ الثَّيِّبِ فِي الْأَصَحِّ .

وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَخَلَّلَ عِلْمَ الْمَالِكِ وَإِعَادَةَ الْحِرْزِ ، فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى .

وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ ، كَأَنْ سَرَقَ وَزَنَى وَهُوَ بِكْرٌ وَشَرِبَ ، وَلَزِمَهُ قَتْلٌ بِرِدَّةٍ قُدِّمَ الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ فَيُقَدَّمُ الشُّرْبُ ، ثُمَّ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ ، ثُمَّ يُجْلَدُ الزَّانِي وَيُمْهَلُ ، ثُمَّ يُقْطَعُ ، ثُمَّ يُقْتَلُ ، وَهَكَذَا الْكَفَّارَاتُ وَالْغَرَامَاتُ ، فَإِذَا جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِرَارًا ، لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَعَلَى أَصْلِ الْحَنَابِلَةِ ، تَعَدَّدَ الْمُوجِبُ وَتَدَاخَلَ مُوجَبُهُ ، وَعَلَى رَأْيِ الْأَكْثَرِينَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِغَيْرِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ فَسَدَ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ ، فَجَامَعَ نَاسِيًا قَبْلَ أَنْ يَفْدِيَ عَنْ الْأَوَّلِ ، فَلَا تَدَاخُلَ فِي الْأَظْهَرِ ؛ لِمُصَادَفَتِهِ إحْرَامًا لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ ، فَوَجَبَ بِهِ ، كَالْأَوَّلِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِفْسَادِ خَرَجَ مِنْهُ ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ بِالْأَوَّلِ فِدْيَةٌ وَبِالثَّانِي شَاةٌ .

وَلَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ عَمْدًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ ، فَلَوْ جَامَعَ فَهَلْ تَدْخُلُ الشَّاةُ فِي الْفِدْيَةِ أَمْ تَجِبَانِ مَعًا ؟ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ الْأَوَّلُ ، وَبَنَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْمُحْدِثَ ، إذَا أَجْنَبَ هَلْ يَنْدَرِجُ الْحَدَثُ فِي الْجَنَابَةِ وَيَكْفِيهِ الْغُسْلُ .

وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا ، فَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ لُزُومَ فَدِيَتَيْنِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ وَتَبَعِيَّةِ الطِّيبِ .

وَلَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ ، أَوْ لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ ، فَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى التَّوَالِي لَمْ تَتَعَدَّدْ الْفِدْيَةُ ، وَإِنْ تَخَلَّلَ فَصْلٌ أَوْ فَعَلَهُ فِي مَكَانَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ التَّكْفِيرَ ، وَجَبَ لِلثَّانِي فَدِيَةٌ أُخْرَى عَلَى الْجَدِيدِ ، وَإِنْ تَخَلَّلَ تَعَدَّدَتْ بِلَا خِلَافٍ ، فَإِنْ كَانَ نَوَى بِمَا أَخْرَجَهُ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ مَعًا بَنَى عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ الْمَحْذُورِ إنْ مَنَعْنَا ، فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ النِّيَّةِ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ .

وَلَوْ لَبِسَ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ الْمُطَيَّبَ ، لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ لِلُّبْسِ دُونَ الطِّيبِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ .

الثَّالِثُ : الْإِتْلَافَاتُ .
فَلَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي ( الْحَرَمِ ) لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ، وَتَدَاخَلَتْ الْحُرْمَتَانِ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْقَارِنِ ، إذَا قَتَلَ صَيْدًا لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ هَتَكَ بِهِ حُرْمَةَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ .

، وَلَوْ كَشَطَ الْمُحْرِمُ جِلْدَةَ الرَّأْسِ ، فَلَا فَدِيَةَ وَالشَّعْرُ تَابِعٌ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَشَبَّهُوهُ بِمَا لَوْ أَرْضَعَتْ أُمُّ الزَّوْجَةِ يَجِبُ الْمَهْرُ ، وَلَوْ قَبَّلَهَا لَمْ يَجِبْ .

وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَضُرُوبٌ : الْأَوَّلُ : جِنَايَةُ الْوَطْءِ تَتَكَرَّرُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، يَجِبُ مَهْرٌ فِي أَعْلَى الْأَحْوَالِ ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ وَاحِدَةٌ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ .
وَعَنْ الْمُزَنِيِّ الْقِيَاسُ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلٍّ وَطْءٍ مَهْرًا وَرَدَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا } ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ وَطْءِ الْمَرَّةِ وَمِرَارًا ، وَفِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَهْرَ قَبْلَ الْوَطْءِ الثَّانِي ، فَيَجِبُ مَهْرٌ جَدِيدٌ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَسَبَقَ نَظِيرَهُ فِي تَطَيُّبِ الْمُحْرِمِ ، أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَتْ الشُّبْهَةُ بِأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ، ثُمَّ انْكَشَفَ الْحَالُ ، ثُمَّ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ ، أَوْ أَمَتَهُ ثَانِيًا ، وَوَطِئَهَا تَعَدَّدَ الْمَهْرُ ؛ لِتَعَدُّدِ سَبَبِهِ .

وَلَوْ كَرَّرَ وَطْءَ مَغْصُوبَةٍ ، أَوْ مُكْرَهَةٍ عَلَى الزِّنَى ، وَجَبَ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَا بِالْإِتْلَافِ ، وَقَدْ تَعَدَّدَ ، وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ أَبِيهِ تَرَدُّدًا فِي التَّعَدُّدِ فِيمَا إذَا أَكْرَهَهَا ، أَوْ طَاوَعَتْهُ ، وَقِيلَ بِالْمَهْرِ ، قَالَ : وَلَا مَعْنَى لِلتَّرَدُّدِ ، وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالتَّعَدُّدِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْمَهْرِ إتْلَافُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ .

، وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ اتِّحَادِ الْمَهْرِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ ( إذَا كَانَ الْحَالُ عِنْدَ عَدَمِ الشُّبْهَةِ لَا مَهْرَ مَعَهُ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ عَدَمِهَا يَجِبُ الْمَهْرُ ) مُتَعَدِّدًا ، فَالْحَالُ مُسْتَمِرٌّ ، وَلَا أَثَرَ لِاتِّحَادِ الشُّبْهَةِ ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مِرَارًا عَلَى ظَنِّ الْحِلِّ ، فَإِنَّ الشُّبْهَةَ مُتَّحِدَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْغَصْبِ ، بِأَنَّهُ يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ ، قَالَ : وَإِنَّمَا يَتَّحِدُ عِنْدَ اتِّحَادِ الشُّبْهَةِ ، إذَا كَانَتْ الشُّبْهَةُ هِيَ الْمُوجِبَةَ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَهْرُ يَجِبُ عِنْدَ عَدَمِهَا ، فَلَا أَثَرَ لَهَا فِي الِاتِّحَادِ ، وَقَالَ : إنَّ هَذَا مِمَّا يَقْضِي الْفَقِيهُ فِيهِ بِالْعَجَبِ انْتَهَى .
وَحَيْثُ وَجَبَ الْمَهْرُ ، فَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا ، هَلْ يَدْخُلُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ فِيهِ ، أَمْ يُفْرَدُ ؟ فِيهِ اضْطِرَابٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْغَصْبِ وَالْجِرَاحِ ، فَرَجَّحُوا فِي الْجِرَاحِ مَهْرَ مِثْلٍ ثَيِّبٍ وَأَرْشَ بَكَارَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْأَرْشَ ؛ " لِإِزَالَةِ " الْجَلْدِ ، وَالْجِهَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ ، فَيَنْفَرِدُ مُوجِبُ كُلٍّ ، وَقِيلَ : مَهْرٌ يَثْبُتُ فَقَطْ لِحُصُولِ إزَالَةِ الْجَلْدِ ضِمْنًا ، وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ النَّقْصِ ، وَقِيلَ : مَهْرُ بِكْرٍ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ ، وَبِهِ أَجَابَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَفِي النِّهَايَةِ ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : يَغْرَمُ مَهْرَ مِثْلِ الْبِكْرِ وَأَرْشَ الْبَكَارَةِ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : وَهَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْعِيفًا لِلْغُرْمِ .

الثَّانِي : الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ وَتَتَدَاخَلُ فِي صُوَرٍ : ( إحْدَاهَا ) : دُخُولُ دِيَةِ الْأَطْرَافِ وَاللَّطَائِفِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ ، إذَا سَرَتْ الْجِرَاحَةُ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ .

الثَّانِيَةُ : قَطْعُ أَجْفَانِ شَخْصٍ وَعَلَيْهَا أَهْدَابٌ وَجَبَتْ الدِّيَةُ ، وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَهْدَابِ فِي الدِّيَةِ فِي الْأَصَحِّ .

الثَّالِثَةُ : لَوْ أَوْضَحَهُ فَزَالَ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْمُوضِحَةِ دَخَلَ فِي أَرْشِ الْمُوضِحَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَقِيلَ الْوَجْهَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا .

الرَّابِعَةُ : قَلْعُ السِّنِّ مَعَ السِّنْخِ ، لَا تَجِبُ زِيَادَةٌ عَلَى أَرْشِ السِّنِّ وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ السِّنْخِ فِيهِ ، وَقِيلَ : وَجْهَانِ .

الْخَامِسَةُ : قَطْعُ يَدِهِ ، لَا يُوجِبُ فِي الشَّعْرِ حُكُومَةً .

السَّادِسَةُ : تَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَظْفَارِ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ .

السَّابِعَةُ : تَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفَّيْنِ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ ، وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ لَا تَدَاخُلَ فِيهَا مِنْهَا ، لَوْ اسْتَأْصَلَ أُذُنَهُ ، وَأَوْضَحَ مَعَ ذَلِكَ الْعَظْمَ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ الْأُذُنَيْنِ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْأُذُنِ مُقَدَّرٌ ، فَلَا يَتْبَعُ مُقَدَّرًا .

وَمِنْهَا ، لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ فِي الْأَصَحِّ .

وَمِنْهَا فِي الْعَقْلِ دِيَةٌ ، فَلَوْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا وَفِي قَوْلٍ يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ .

الثَّالِثُ : فِي ( الْجِنَايَةِ عَلَى الْعِرْضِ ) ، كَمَا لَوْ قَذَفَهُ بِزِنًى فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ بِزِنًى آخَرَ فَفِي حَدِّهِ ثَانِيًا وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ الْمَنْعُ ، بَلْ يُعَزَّرُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ كَذِبُهُ فِي حَقِّهِ مَرَّةً بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إظْهَارِهِ ثَانِيًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ، الْحَدَّ فَوَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا يَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ ، كَمَا لَوْ زَنَى مَرَّاتٍ ، فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ حَدٌّ وَاحِدٌ .

الرَّابِعُ : الْعِدَّتَانِ ، وَاخْتُلِفَ فِي التَّدَاخُلِ فِيهِمَا هَلْ هُوَ سُقُوطُ الْأَوَّلِ وَالِاكْتِفَاءُ بِالثَّانِي ، أَوْ انْضِمَامُ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي فَيُؤَدَّيَانِ بِانْقِضَاءِ مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ ، وَجْهَانِ فِي ( الْكَافِي ) وَغَيْرِهِ ، وَالْخِلَافُ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَأَحْبَلَهَا ، فَعِدَّتُهَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَهَلْ تَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ ، فَإِنْ قُلْنَا : تَتَدَاخَلُ فَهَلْ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ ، وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ : إنَّمَا يَجِبُ فِي أَحَدِ مَوْضِعَيْنِ إمَّا بَيْنَ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ كَالْأَعْضَاءِ فِي الطَّهَارَةِ وَكَالْجِمَارِ الثَّلَاثِ .
قُلْت : وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ ، وَأَمَّا فِيمَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِيهِ فَيَصِيرُ كَالْمُخْتَلِفِ بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ فِيهِ ، وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ، إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَقُلْنَا : يَتَدَارَكُ ، لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ رَمْيَ الْيَوْمَيْنِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ وَتَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ غَيْرُ وَاجِبٍ ، لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وُجُوبُهُ ، كَمَا يَجِبُ فِي التَّرْتِيبِ فِي مَكَانِ الرَّمْيِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ : إنَّمَا يَظْهَرُ التَّرْتِيبُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَتَعَدُّدِهِ كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ، فَإِنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّرْتِيبِ مَعَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُضْوَ الْوَاحِدَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ، إذَا غُسِلَ لَا يَظْهَرُ فِي أَبْعَاضِهِ حُكْمُ التَّرْتِيبِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ تَسْتَوِي فِيهِ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّرْتِيبِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ الْوَاحِدُ وَالسُّجُودُ الْوَاحِدُ ، لَا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ التَّرْتِيبِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ظَهَرَ ، فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ الشَّوْطُ الْوَاحِدُ مِنْ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ يَظْهَرُ فِيهِ حُكْمُ التَّرْتِيبِ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ الشَّوْطَ الْوَاحِدَ يَشْتَمِلُ عَلَى خُطُوَاتٍ وَحَرَكَاتٍ وَانْتِقَالَاتٍ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِجَانِبِ الْبَابِ وَيَجْعَلَ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَجَعَلَهَا عَنْ يَمِينِهِ وَابْتَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ صَارَ كَمَا لَوْ بَدَأَ فِي الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ ، وَنَزَّلَ الشَّوْطَ الْوَاحِدَ جَمِيعَهُ مَنْزِلَةَ الْوُضُوءِ بِجَمِيعِ أَفْعَالِهِ .
فَأَمَّا الشَّوْطُ

الثَّانِي فَهُوَ تَكْرِيرُ شَوْطٍ مِثْلَ الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الشَّوْطِ وَالشَّوْطِ ، وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَبْعَاضِ الشَّوْطِ الْوَاحِدِ ، وَمِثْلُهُ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ انْتَهَى ، وَكَذَلِكَ التَّرْتِيبُ ، إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ عُضْوَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فَإِنْ كَانَا فِي حُكْمِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ لَمْ يَجِبْ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَالْوَاحِدِ فِي الْحُكْمِ أَنَّ مَاسِحَ الْخُفِّ ، لَوْ نَزَعَ أَحَدَهُمَا بَطَلَتْ طَهَارَةُ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا وَصَارَ كَأَنَّهُ نَزَعَهُمَا ، وَلَوْ غَسَلَ إحْدَاهُمَا وَمَسَحَ عَلَى خُفِّ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ لَهُ تَبْعِيضُهَا كَمَا لَا تَتَبَعَّضُ الْقَدَمُ الْوَاحِدَةُ .
وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ التَّرْتِيبُ : إنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْعِبَادَةِ فَرُكْنٌ قَطْعًا كَالتَّرْتِيبِ فِي أَرْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْوَقْتِ ، فَكَذَلِكَ إنْ بَقِيَ الْوَقْتُ وَإِنْ خَرَجَ سَقَطَ ، كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ يُسْتَحَبُّ التَّرْتِيبُ فِيهَا ، وَلَا يَجِبُ بِلَا خِلَافٍ .
نَعَمْ ، لَوْ أَخَّرَ الظُّهْرَ بِسَبَبٍ يَجُوزُ الْجَمْعُ ، قُلْنَا : وَجْهٌ إنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ ( وَالصَّحِيحُ ) خِلَافُهُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : التَّرْتِيبُ مِنْ تَوَابِعِ الْوَقْتِ ؛ وَلِهَذَا إذَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي قَضَائِهَا ، وَكَذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ لَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ مُنْفَصِلَةٌ ، وَإِنَّمَا تَرْتِيبٌ فِي الْأَدَاءِ لِتَرْتِيبِ أَوْقَاتِهَا ، فَإِذَا فَاتَتْ الْأَوْقَاتُ جُعِلَتْ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا تَرْتِيبَ فِيمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ .

سُؤَالٌ : لَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي النِّصْفَ الثَّانِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ ، ثُمَّ قَرَأَ الْأَوَّلَ عَلَى قَصْدِ التَّكْمِيلِ لَا يَصِحُّ ، فَلَوْ عَادَ وَقَرَأَ الثَّانِيَ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ قَصْدَ التَّكْمِيلِ يُنَافِي قَصْدَ الِابْتِدَاءِ ، وَقَالُوا فِي بَابِ الطَّوَافِ : ( إنَّ ) الْبُدَاءَةَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ( شَرْطٌ ) ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ لَمْ يُحْسَبْ ، ( فَإِذَا ) عَادَ ثَانِيًا حُسِبَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْفَاتِحَةِ قَصْدَ التَّكْمِيلِ صَارِفٌ ( لِجَعْلِهِ ) مُبْتَدَأً ؛ فَلِهَذَا لَمْ ( نَجْعَلْهُ ) ابْتِدَاءً بَعْدَ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَرَّةٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَكْمِيلَ شَيْءٍ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ ( بِهِ ) الْبُدَاةَ ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ بَدَأَ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الْبُدَاءَةِ فَجَازَ الْإِتْمَامُ لَهُ .

الثَّانِي : أَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ شَرْطٌ فَلَمْ يَكُنْ قَصْدُ الِابْتِدَاءِ بَعْدَ قَصْدِ التَّكْمِيلِ مُوجِبًا ، لِجَعْلِهِ مُبْتَدَأً ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ ، فَإِنَّ ( الْمُوَالَاةَ ) لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ فَكَانَ مَا جَاءَ بِهِ سَابِقًا لَا يُنَافِي الْمَأْتِيَّ بِهِ آخِرًا ، وَمِنْ نَظَائِرِهِ مَا لَوْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ قَبْلَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ فِي الْأَصْلِ وَغَلِطَ ، بَلْ ( يُحْسَبُ ) لَهُ غَسْلُ الْكَفِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي حُسْبَانِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ، وَالْأَصَحُّ لَا يُحْسَبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ ( السُّنَنِ ) شَرْطٌ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ( وَلِكَلَامِ الرَّوْضَةِ ) مَحْمَلٌ صَحِيحٌ بَيَّنْتُهُ فِي الْخَادِمِ .

فِي قَوْلِهِ : اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ دَخَلَ فِي مِلْكِ السَّائِلِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَطَلَّقَهَا ) قَبْلَ الدُّخُولِ طَلْقَةً وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ وَلَمْ تَقَعْ الْمُعَلَّقَةُ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى ، قَالَ الْغَزَالِيُّ : ( وَكَذَلِكَ ) نَصَّ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) عَلَى أَنَّهُ ، لَوْ خَالَعَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْخُلْعِ فَلَا يَلْحَقُ الْمُعَلَّقُ ، وَقَدْ ظَنَّ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ مُرَتَّبٌ عَلَى الشَّرْطِ ( وَيَقَعُ بَعْدَهُ ) ( وَلَا يَقَعُ مَعَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مَعَهُ ( لَوَقَعَ ) قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْجَزَاءَ مَعَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ بِالْوَضْعِ ، ( وَالْعِلَّةُ مَعَ الْمَعْلُولِ ) ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ( تَرْتِيبٌ ) عَقْلِيٌّ .

أَحَدُهَا : مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ قِيَامُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ قَطْعًا لِلْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ ، وَذَلِكَ مَا الْمَقْصُودُ ( مِنْهُ ) الْإِعْجَازُ ، وَهُوَ الْقُرْآنُ فَيَمْتَنِعُ تَرْجَمَتُهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى ، بَلْ يُعَدَّلُ لِلذِّكْرِ وَهُوَ إجْمَاعٌ ، وَمَا يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) مِنْ تَجْوِيزِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ صَحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ ، وَمِثْلُهُ الدُّعَاءُ غَيْرُ الْمَأْثُورِ ، إذَا اخْتَرَعَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْعَجَمِيَّةِ فَيَمْتَنِعُ ( قَطْعًا ) ، كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ .

الثَّانِي : مَا يَجُوزُ قَطْعًا لِلْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهَا ، نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي تَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ ، هَلْ هُوَ صَرِيحٌ ، وَالْأَصَحُّ : نَعَمْ .

الثَّالِثُ : مَا يَمْتَنِعُ ( فِي ) الْأَصَحِّ لِلْقَادِرِ دُونَ الْعَاجِزِ ، كَالْأَذَانِ وَتَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ وَالتَّشَهُّدِ يَصِحُّ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ ، ( وَإِنْ ) أَحْسَنَهَا فَلَا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعَبُّدِ ( وَكَذَلِكَ ) الْأَذْكَارُ الْمَنْدُوبَةُ وَالْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ فِي الصَّلَاةِ ، وَكَذَلِكَ السَّلَامُ وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ ( يُشْتَرَطُ ) عَرَبِيَّتُهَا فِي الْأَصَحِّ ، ( فَإِنْ ) لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُهَا خَطَبَ بِغَيْرِهَا وَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْخُطْبَةَ الْعَرَبِيَّةَ كَالْعَاجِزِ عَنْ التَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ .

الرَّابِعُ : مَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ كَالنِّكَاحِ ( وَالرَّجْعَةِ ) وَاللِّعَانِ وَكَذَا الْإِسْلَامُ وَفِي بَابِ الظِّهَارِ مِنْ زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ ( وَجْهٌ ) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعَرَبِيَّةُ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا وَحَيْثُ صَحَّحْنَا النِّكَاحَ فَمَحَلُّهُ ، إذَا فَهِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَفْظَ الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ ، لَكِنْ أَخْبَرَهُ ( بِهِ ثِقَةٌ ) عَنْ مَعْنَى لَفْظِهِ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ ، فَإِنْ كَانَ لِإِعْجَازِهِ امْتَنَعَ قَطْعًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ امْتَنَعَ لِلْقَادِرِ كَالْأَذْكَارِ ، وَمَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ فَجَائِزٌ .

أَحَدُهَا : مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ قِيَامُ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظِ التَّعَبُّدِيَّةِ وَكَقَوْلِ الْقَاضِي : قُلْ بِاَللَّهِ فَقَالَ بِالرَّحْمَنِ ، لَا يَقَعُ الْمُوقَعُ حَتَّى لَوْ صَمَّمَ عَلَيْهِ كَانَ ، نَاكِلًا ، وَلَوْ أَبْدَلَ الْحَرْفَ فَقَالَ ( قُلْ ) : بِاَللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ ( أَوْ تَاللَّهِ ) فَفِي الْحُكْمِ بِنُكُولِهِ وَجْهَانِ ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِلَفْظِ طَلَّقْت ، فَقَالَ : سَرَّحْت وَقَعَ الطَّلَاقُ .

الثَّانِي : مَا يَمْتَنِعُ فِي الْأَصَحِّ ، كَقَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ : أَعْلَمُ ، مَوْضِعَ أَشْهَدُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهَذَا الْخِلَافُ ( جَارٍ ) فِي الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ شُهُودِ الْفَرْعِ وَشُهُودِ الْأَصْلِ .
قُلْت : ( وَكَذَا ) فِي اللِّعَانِ تَبْدِيلُ أَشْهَدُ بِأَحْلِفُ .

الثَّالِثُ : مَا يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى بِشَرْطِهِ ، وَكَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأُصُولِيَّةُ فِي قِيَامِ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ فِي التَّرَاكِيبِ ، وَمِنْهُ قَالَتْ : طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ : خَالَعْتُكِ أَوْ أَبَنْتُك وَنَحْوَهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَنَوَى الطَّلَاقَ صَحَّ الْخُلْعُ وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهَا ( سَأَلَتْهُ ) بِالصَّرِيحِ وَأَجَابَ بِالْكِنَايَةِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَهَا شَبَهٌ ( بِمَا ) لَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ : اخْتَرْت وَنَوَتْ ، وَلَوْ قَالَتْ : اخْتَلَعَنِي ، فَقَالَ : طَلَّقْتُك ، وَقُلْنَا : الْخُلْعُ فَسْخٌ ، فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَا طَلَبَتْ وَزِيَادَةً ، وَقِيلَ : لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَهَا إلَى غَيْرِ مَا طَلَبَتْ .

وَمِنْ ثَمَّ ، لَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ عَلَفَ دَابَّةِ الصَّبِيِّ حَتَّى تَلِفَتْ ضَمِنَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ تَلْقِيحَ الثِّمَارِ ، وَلَوْ تَرَكَ مَرَمَّةَ الْعَقَارِ حَتَّى خَرِبَ ، أَوْ ( إيجَارُهٌ ) فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَجْهَيْنِ فِيمَا ، إذَا تَرَكَ مَا خَالَعَ السَّفِيهَ عَلَيْهِ بِيَدِهِ حَتَّى تَلِفَ وَالْعَامِلُ فِي ( الْمُزَارَعَةِ ) الصَّحِيحَةِ ، لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ السَّقْيِ فَفَسَدَ الزَّرْعُ ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ عَلَيْهِ حِفْظُهُ ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ .

تَوَارُدُ الْحُقُوقِ ، وَازْدِحَامُهَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ .
أَمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ كُلُّ وَاحِدٍ لَوْ انْفَرَدَ جَمِيعَ الْحَقِّ فَيَتَزَاحَمُونَ بِهِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ، وَأَمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِّ ( بِحِصَّتِهِ ) خَاصَّةً ، وَالْأَوَّلُ تَزَاحَمَ فِي ( الْمَصْرِفِ ) .
وَالثَّانِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَيَنْقَسِمَانِ بِاعْتِبَارِ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : ( الْأَوَّلُ ) : أَنْ يَكُونَ التَّزَاحُمُ فِي ( الْمَصْرِفِ ) لَا فِي الْمُسْتَحَقِّ قَطْعًا كَالدُّيُونِ الَّتِي عَلَى الْمُفْلِسِ الْحَيِّ أَوْ الْمَيِّتِ فَمَنْ لَهُ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ سِتَّةُ آلَافٍ لِوَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ ، وَلِآخَرَ أَلْفَانٍ وَلِآخَرَ أَلْفٌ ( يُوَزَّعُ عَلَيْهِ ) فِي ( الْمَصْرِفِ ) فَلِصَاحِبِ الْأَلْفِ سُدُسُ الْأَلْفِ ( وَلِصَاحِبِ ) الْأَلْفَيْنِ ثُلُثُهَا وَلِصَاحِبِ ( الثَّلَاثَةِ ) نِصْفُهَا فَلَوْ أَبْرَأَ صَاحِبَ الْأَلْفَيْنِ ( وَالثَّلَاثَةِ ) أَخَذَ صَاحِبُ الْأَلْفِ الْكُلَّ قَطْعًا ، ( وَمِنْهُ ) : مَصْرِفُ الزَّكَاةِ الثَّمَانِيَةُ الْأَصْنَافِ حَتَّى لَوْ عَدِمَ بَعْضَهُمْ رُدَّ عَلَى ( الْبَاقِينَ ) قَطْعًا وَ [ مِنْهُ ] مَصْرِفُ الْغَنِيمَةِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعْرَضَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ صَحَّ ( وَالْمُعْرِضُ كَمَنْ ) لَمْ يَحْضُرْ ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ احْتِمَالًا فِي رُجُوعِهِ إلَى أَهْلِ الْخُمْسِ خَاصَّةً وَجَعَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ أَخَوَانِ حَدَّ الْقَذْفِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا اسْتَحَقَّ الْآخَرُ الْجَمِيعَ كَامِلًا .
وَمِنْهُ ) : الشُّفَعَاءُ الْمُجْتَمِعُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ ( يَسْتَحِقُّ ) الشُّفْعَةَ بِكَمَالِهَا فَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَيُخَيَّرُ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ أَوْ تَرْكِهِ ، ( وَمِنْهُ ) : أَوْلِيَاءُ النِّكَاحِ الْمُتَسَاوُونَ فِي الدَّرَجَةِ .

( الثَّانِي ) : ( التَّزَاحُمُ ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ قَطْعًا كَالْحُقُوقِ الْوَاقِعَةِ عَلَى جِهَةِ الشَّرِكَةِ ابْتِدَاءً كَالْمِيرَاثِ وَنَحْوِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ ( عَفَا ) بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ حَقِّهِ مِنْ التَّرِكَةِ لَمْ يُرَدَّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا حَقَّهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَفَا أَحَدُ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ عَنْ حَقِّهِ رُدَّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ وَمِنْ ثَمَّ ( قِيلَ ) : لَيْسَ لِلْحَاكِمِ قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ حَتَّى يُقِيمُوا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ لَا وَارِثَ سِوَاهُمْ بِخِلَافِ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ .

( وَمِنْهُ ) : لَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ : بِعْتُكُمَا دَارِي بِأَلْفٍ فَإِنَّ الْخِطَابَ قَدْ تَوَجَّهَ لِاثْنَيْنِ فَالتَّوْزِيعُ بِالنِّصْفِ ( فَلَا ) خِلَافَ فِي مُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالِكًا لِجَمِيعِ الْعَيْنِ .

( وَمِنْهُ ) : الْقِصَاصُ الْمُسْتَحَقُّ لِجَمَاعَةٍ بِقَتْلِ مُوَرِّثِهِمْ يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ( بِحِصَّةِ ) إرْثِهِ كَالْمَالِ ( فَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ ) سَقَطَ حَقُّهُ وَسَقَطَ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ لَا ( تَبْعِيضَ ) .

الثَّالِثُ ) : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ ( أَنَّهُ ) فِي ( الْمَصْرِفِ ) ، ( فَمِنْهُ ) : ذَوُو ( الْفُرُوضِ ) الْمُجْتَمِعُونَ فِي فَرْضٍ وَاحِدٍ كَالزَّوْجَاتِ وَالْجَدَّاتِ ؛ وَلِهَذَا أَنَّ الْجَدَّتَيْنِ الْمُتَحَاذِيَتَيْنِ يَكُونُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِقَوْلِ عُمَرَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) هُوَ لَكُمَا ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الْجَدَّةِ الَّتِي تُدْلِي بِالْأَبِ الْأَبُ وَحَجَبَهَا فَهَلْ تَسْتَقِلُّ الَّتِي تُدْلِي بِالْأُمِّ بِالسُّدُسِ نَظَرًا إلَى أَنَّ التَّزَاحُمَ فِي ( الْمَصْرِفِ ) لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ نِصْفِ السُّدُسِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ .

( وَمِنْهُ ) : أَوْصَى ( لِحَمْلِ ) فُلَانَةَ بِكَذَا فَأَتَتْ ( بِاثْنَيْنِ ) اسْتَحَقَّاهُ بِشَرْطِهِ ، ( وَفِي اسْتِحْقَاقِهِمَا الْوَجْهَانِ ) ( الْمَذْكُورَانِ وَيَظْهَرُ ) أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَتَتْ بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ انْفَرَدَ الْحَيُّ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى الثَّانِي لَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ .

( وَمِنْهُ ) : لَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ ( فَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ) بِالْبَيْعِ وَنَفَذَ الثَّمَنُ وَفَرَّعْنَا عَلَى النِّصْفِ فَهَلْ التَّنْصِيفُ فِي ( الْمَصْرِفِ ) لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ؟ وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ ، فَإِنْ ( قُلْنَا : الْمَصْرِفُ ) اسْتَرَدَّ الْآخَرُ كُلَّ ( الْمَبِيعِ ) بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا ( بِالِاسْتِحْقَاقِ ) فَلَيْسَ لِلْمُجِيزِ إلَّا النِّصْفُ .

( وَمِنْهُ ) : لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ يُصْرَفُ نَصِيبُهُ لِصَاحِبِهِ ، ( وَالتَّزَاحُمُ فِي الْمَصْرِفِ ) لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ يُجْعَلُ ( الْوَقْفُ ) فِي نَصِيبِهِ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَصْرِفِ الْمَنْقُولِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا ( الْبِنَاءُ ) لِلرَّافِعِيِّ ، فَقَالَ : الْقِيَاسُ جَعْلُهُ فِي نَصِيبِهِ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْخِطَابَ تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا كَتَوَجُّهِهِ إلَيْهِمَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ التَّزَاحُمِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا نَظَرٌ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ خَرَجَ لِلَّهِ تَعَالَى ( وَكَأَنَّهُ ) قَالَ : خَرَجْت عَنْ هَذَا لِلَّهِ تَعَالَى فَصَارَ جِهَةً لِلْمَصْرِفِ فَأَشْبَهَ انْعِدَامَ بَعْضِ الْأَصْنَافِ ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْبَاقِي ( كَذَلِكَ ) فَكَذَلِكَ هَذَا .

( وَمِنْهُ ) : لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِعَمْرٍو وَقُلْنَا : لَيْسَ بِرُجُوعٍ فَيَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا ( مُسْتَحِقًّا ) لِلْعَيْنِ وَيَقَعُ التَّزَاحُمُ فِيهَا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ وَرَدَّ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْآخَرُ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا يَنْبَغِي تَخْرِيجِهَا عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا .

( الرَّابِعُ ) : فِي الِاسْتِحْقَاقِ ( عَلَى ) رَأْي الرَّافِعِيِّ فِي الْوَقْفِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ ، وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ ( صَيْدٍ ) .

( فَرْعٌ ) ، مِنْ فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ : ( رَجُلٌ ) مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِشَخْصَيْنِ وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ دَيْنِهِمَا وَبِدَيْنِ أَحَدِهِمَا ضَامِنٌ قَالَ الَّذِي لَا ضَامِنَ لِدَيْنِهِ : لَا تُزَاحِمْنِي فَإِنَّك وَجَدْت مَحَلًّا آخَرَ يُمْكِنُك اسْتِيفَاءُ حَقِّك مِنْهُ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ ( أَجَابَ ) : لَهُ أَنْ يُزَاحِمَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( يَتَعَلَّقُ ) بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الضَّامِنِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَخَذَ أَحَدُ الْغَرِيمَيْنِ الْحَقَّ مِنْ الضَّامِنِ وَهَلَكَتْ التَّرِكَةُ هَلْ لِلثَّانِي أَنْ يُزَاحِمَهُ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الضَّامِنِ ؟ ( أَجَابَ ) لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بِدَيْنِ أَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ رَهْنٌ ( فَهُوَ ) يَخْتَصُّ ( بِثَمَنِهِ ) دُونَ صَاحِبِهِ .
( قَاعِدَةٌ ) : قَدْ يَقَعُ اللَّفْظُ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ ( مِنْهُمَا ) لِلِانْفِرَادِ ( بِهِ ) فَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْكُلُّ أَوْ الْقِسْطُ فَإِذَا قَالَا : ضَمِنَّا ( الدَّيْنَ ) الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ ) ( وَكُلُّ ) وَاحِدٍ لَوْ ضَمِنَهُ مُنْفَرِدًا لَصَحَّ وَلَوْ ضَمِنَ نِصْفَهُ لَصَحَّ فَإِذَا وُجِدَ اللَّفْظُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ ، فَهَلْ يَقَعُ الضَّمَانُ مُوَزَّعًا أَوْ يَقَعُ مُكَمَّلًا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَصَحَّحَ أَنَّ كُلَّ ( وَاحِدٍ يَكُونُ ) ضَامِنًا لِكُلِّ الْأَلْفِ وَهُوَ غَيْرُ مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْإِفْهَامِ مِنْ ( التَّوْزِيعِ ) وَوَجَّهَ الْمُتَوَلِّي ( تَصْحِيحَهُ ) بِمَسْأَلَةٍ نَفِيسَةٍ ، وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ رَجُلَانِ شَرِيكَانِ فِي عَبْدٍ لِرَجُلٍ : رَهَنَّا عَبْدَنَا عَلَى دَيْنِك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ وَهُوَ أَلْفٌ ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَكُونُ رَاهِنًا نِصْفَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَلْفِ ، وَهَذَا إنْ سَلِمَ مِنْ نِزَاعٍ كَانَ حَسَنًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَمَانٌ لِدَيْنِ الْغَيْرِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ ( عَلَى ) الْأَصَحِّ ، وَقَدْ يَكُونُ الْخِطَابُ مُوَجَّهًا لِاثْنَيْنِ بِمَا

يَصْلُحُ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ : ( أَوْصَيْتُكُمَا ) عَلَى أَوْلَادِي فَإِنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ؛ لِكَوْنِ الْخِطَابِ ( يَثْبُتُ ) مُوَزَّعًا ، ( وَمِثْلُهُ ) : فِي نَظَرِ الْوَقْفِ وَالْوَكَالَةِ ( لَوْ ) صَرَّحَ بِاسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ ثَبَتَ ، وَأَلْحَقَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ مَا إذَا ( ثَنَّى ) الصِّفَةَ فَقَالَ : ( إنَّهُمَا وَصِيَّايَ ) مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ إشْعَارًا بِانْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالصِّفَةِ بِخِلَافِ ، أَوْصَيْتُكُمَا أَوْصَيْت إلَيْكُمَا وَلَا يَخْلُو مِنْ نِزَاعٍ .
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ ( الْمُشْتَرِكَيْنِ ) فِي ذَلِكَ نَصَّبَ الْحَاكِمُ بَدَلَ مَنْ مَاتَ وَلَا يَسْتَقِلُّ الْآخَرُ لِوُجُودِ الْخِطَابِ مُوَزَّعًا .
وَأَمَّا الْحُقُوقُ الثَّابِتَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَالْأُخُوَّةِ وَالْأَعْمَامِ ( وَنَحْوِهِمَا ) ، فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا قَطْعًا ، وَلَا تَزَاحُمَ فِي اسْتِحْقَاقٍ وَلَا مَصْرِفٍ لَكِنْ لَوْ صَدَرَ الْإِذْنُ مَجْمُوعًا كَقَوْلِهَا : أَذِنْت لَكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي ( فَهَلْ ) الْخِطَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى الِاجْتِمَاعِ ؟ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ الِانْفِرَادُ أَوْ ( نَقُولُ ) : كُلُّ وَاحِدٍ ( ثَبَتَ ) لَهُ الْوِلَايَةُ مُسْتَقِلَّةً ، ( وَهَلْ يَجُوزُ ) الْإِقْدَامُ بِشَرْطِ الْإِذْنِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ وَإِنْ ثَبَتَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ ، إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ لَهُ اسْتِقْلَالًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ ( الْإِذْنَ ) شَرْطٌ ، وَقَدْ وُجِدَ يُقَالُ عَلَيْهِ : لَمْ تَأْذَنْ لَهُ مُسْتَقِلًّا ، وَإِنَّمَا أَذِنَتْ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلْيَتَّبِعْ إذْنَهَا ، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ لِغَيْرِهِ دُونَهُ ، وَالْوَلَاءُ يُشْبِهُ الْأَنْسَابَ ( وَفِي ) حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : { الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ } ، فَإِنْ وَقَعَ مُبَعَّضًا ، فَالِاسْتِحْقَاقُ لِلصِّنْفَيْنِ عَلَى طَرِيقِ التَّبْعِيضِ ، فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّزْوِيجِ ، وَإِنْ وَقَعَ مُكَمِّلًا لِوَاحِدٍ ( فَعَصَبَتُهُ ) يَنْزِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَتَهُ ، فَاسْتِحْقَاقُ

الْوَلَاءِ ( فِي صُورَةِ التَّبْعِيضِ ) وَقَعَ مُوَزَّعًا ، وَاسْتِحْقَاقُهُ فِي صُورَةِ الْكَامِلِ وَقَعَ مُكَمِّلًا ، وَكُلٌّ مِنْ عَصَبَتِهِ كُلٌّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ ( يَنْزِلُ ) مَنْزِلَتَهُ .
فَلَوْ أَعْتَقَ ( ثَلَاثَةٌ امْرَأَةً ) وَمَاتُوا وَلِوَاحِدِ عَشَرَةُ أَبْنَاءَ وَآخَرَ ( ثَلَاثَةٌ ) وَآخَرَ اثْنَانِ ( فَكُلُّ ) وَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ كَأَصْلِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ( الثَّلَاثَةِ ) كَأَصْلِهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ كَذَلِكَ ، هَذَا فِي التَّزْوِيجِ وَتَحَمُّلِ الْعَقْلَ ( وَنَحْوِهِمَا ) ، أَمَّا فِي ( الْوِرَاثَةِ ) فَيَنْتَقِلُ الْمَالُ ( لِعَصَبَةِ ) الْجَمِيعِ ( الْمُسْتَوِينَ ) فِي الدَّرَجَةِ عَلَى حَسَبِ عِتْقِ أَصْلِهِ فَلِلْعَشَرَةِ الثُّلُثُ ، وَلِلثَّلَاثَةِ الثُّلُثُ ، وَلِلِاثْنَيْنِ الثُّلُثُ ، إنْ كَانَ عِتْقُ ( أُصُولِهِمْ ) وَقَعَ بِالتَّثْلِيثِ ، وَإِلَّا فَعَلَى حَسَبِ الْحِصَصِ ، وَقَدْ يَقَعُ النَّظَرُ فِي الْوَلَاءِ فِي التَّرْتِيبِ ، ( فَيَخْرُجُ ) مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ : .

( أَحَدُهَا ) : كَانَ الْمُعْتِقُ حَيًّا ، وَلَكِنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ كَقَتْلٍ أَوْ كُفْرٍ ( وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ) فَإِنَّ الْمَالَ يَنْتَقِلُ لِعَصَبَتِهِ فِي ( حَيَاتِهِ ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ اخْتِلَافِ الدِّينِ ( مِنْ ) الْأُمِّ ، وَخَالَفَ الْقَاضِيَ ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ ( وَيَقْتَضِي ) إلْحَاقَ الْوَلَاءِ بِالنَّسَبِ وَكَانَ الْمُعْتِقُ لَمَّا ( أَعْتَقَ ) هَذَا الرَّقِيقَ ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُعْتِقِ وَعَصَبَاتِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَرَتَّبَ الصَّرْفُ ( الْمُتَرَتِّبُ ) عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَصُورَةُ ( كَوْنِ ) الْمُعْتِقِ قَائِلًا ( مَذْكُورَةٌ ) فِي الدَّوْرِيَّاتِ مِنْ شَرْحِ الرَّافِعِيِّ فِي الْوَصَايَا ، وَيَجِيءُ ( فِيهَا ) خِلَافُ ( الْقَاضِي الْحُسَيْنِ ) .

( الثَّانِيَةُ ) : لَوْ مَاتَ ( الْمُعْتِقُ ) وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ وَأَخٌ كَبِيرٌ فَنَقَلَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا الْأَخُ وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدِ ، بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَخَ يُزَوِّجُ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَلَاءَ هَلْ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكُلِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، أَوْ لَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي ، إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي الْوَقْفِ فِي تَلَقِّي الْبُطُونِ ، وَالْأَصَحُّ فِيهَا أَنَّ التَّلَقِّيَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَرَتَّبَ الصَّرْفُ فِي ( الْوَرَثَةِ ) ( وَشُرُوطُ الْوَقْفِ ) .
( الثَّالِثَةُ ) : تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ فِي ازْدِحَامِ حُقُوقِ الْمُعَيَّنِينَ ، وَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فِي بَيْتِ الْمَالِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ ، فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ غَنِيًّا ( كَانَ ) أَوْ فَقِيرًا لِلشُّبْهَةِ ، نَعَمْ يُقْطَعُ الذِّمِّيُّ ، وَلَا نَظَرَ لِنَفَقَةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْفَاقٌ لِلضَّرُورَةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا عَدَمَ الْقَطْعِ فِي الْمُسْلِمِ بِكَوْنِهِ خَاصًّا بِالْمُسْلِمِينَ ، وَانْتِفَاعُ الذِّمِّيِّ بِالْقَنَاطِرِ وَنَحْوِهَا بِطَرِيقِ التَّبَعِ ، وَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فِي الشَّوَارِعِ وَنَحْوِهَا ، فَالْحَقُّ فِيهِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِوَاحِدٍ وَيَخْتَصُّ التَّصَرُّفُ الْكَامِلُ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ ( أَمَّا أَهْلُ ) الذِّمَّةِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ إخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ إلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ جَازَ لَهُمْ اسْتِطْرَاقُهَا ؛ وَ ( لِأَنَّهُ ) كَإِعْلَائِهِمْ الْبِنَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَبْلَغُ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ .

قَاعِدَةٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ : لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، إلَّا بِمُرَجِّحٍ ، وَلَهُ أَسْبَابٌ : الْأَوَّلُ : الْأَوَّلُ : ( بِالسَّبْقِ ) كَازْدِحَامِ الْخُصُومِ فِي الدَّعْوَى وَالِازْدِحَامِ فِي ، الْأَحْيَاءِ وَنَحْوِهِ ، وَمِنْهُ ، إذَا مَاتَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ ( وَهُنَاكَ ) مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمَا ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِهِ ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ وَجَبَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَلَا ( يَتَغَيَّرُ ) حُكْمُهُ بِمَوْتِ الْآخَرِ بَعْدَهُ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ : عَنْ ( وَالِدِهِ ) ، قَالَ : وَلَوْ كَانَ وُجُودُ الْمَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ مِنْهَا ، بَلْ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَعْرِفَةِ أَفْضَلِهِمَا وَأَوْرَعِهِمَا ( فَيُقَدَّمُ ) ، فَإِنْ تَسَاوَيَا ( يُخَيَّرُ ) .

وَمِنْهُ لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ ، ثُمَّ بِدَيْنٍ ( آخَرَ ) ( لِغَيْرِهِ ) وَالتَّرِكَةُ لَا تَفِي بِهِمَا ، فَالدَّيْنُ الْأَوَّلُ أَوْلَى ، قَالَهُ الْهَرَوِيُّ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ النَّظَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي ( مَجَالِسِ ) النَّظَرِ وَقَالَ ( أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ ) فِي كِتَابِهِ : إنَّ الشَّافِعِيَّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) ، قَالَ : التَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ ، وَالْمُوَرِّثُ لَوْ أَقَرَّ عَلَى التَّعَاقُبِ كَانَا ( مِنْ ) مَا لَهُ عَلَى السَّوَاءِ قَالَ : وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ ، وَمِنْهُ : لَوْ قَتَلَ جَمَاعَةً مُرَتَّبًا قُتِلَ بِالْأَوَّلِ ( وَلِلْبَاقِينَ ) الدِّيَاتُ ، وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ الْأَبَ وَالْآخَرُ الْأُمَّ مُرَتَّبًا ، وَلَا زَوْجِيَّةَ ، فَهَلْ يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ ، أَمْ يُقْتَصُّ مِنْ الْمُبْتَدِي بِالْقَتْلِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي .
وَمِنْهُ الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُمَيِّزَةُ ( الَّتِي ) تَرَى الدَّمَ عَلَى نَوْعَيْنِ ، فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ ، فَيُقَدَّمُ الْأَسْوَدُ ، ثُمَّ الْأَحْمَرُ ثُمَّ الْأَشْقَرُ ثُمَّ الْأَصْفَرُ وَيُرَجَّحُ ذُو صِفَتَيْنِ عَلَى ( ذِي ) صِفَةٍ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا رُجِّحَ الْأَسْبَقُ ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ : إنَّهُ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي عِنْدَ انْفِرَادِ كُلِّ صِفَةٍ أَنْ ( يُعَوِّلَ ) عَلَى اللَّوْنِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ .

( الْخَبَرُ الصَّحِيحُ ) : وَمِنْهُ : لَوْ بَاعَ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، فَأَفْلَسَ ) بِالثَّمَنِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ مَالِهِ ، فَأَوْجُهٌ : أَصَحُّهَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ وَحَقُّ الْبَائِعِ ثَبَتَ بِالْإِفْلَاسِ ( فَقُدِّمَ ) الْأَسْبَقُ .

، وَمِنْهُ : لَوْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ وَوَجَدَ الْبَائِعُ عَيْنَ مَالِهِ وَهُوَ مَرْهُونٌ لَمْ يَرْجِعْ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ سَابِقٌ لِحَقِّهِ ، ( فَإِنَّهُ ) تَعَلَّقَ ( بِالْمَالِ ) بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَحَقُّ الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ بِنَفْسِ الْحَجْرِ ، وَالرَّهْنُ سَابِقٌ ( وَالْإِعْسَارُ ) مُتَأَخِّرٌ .

وَمِنْهُ : لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي بَيْعِ عَبْدِهِ وَوَكَّلَ آخَرَ ( بِعِتْقِهِ ) ، قَالَ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ : فَعِنْدَنَا مَنْ سَبَقَ فَلَهُ الْحُكْمُ ، فَإِنْ بَاعَ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ ( عَتَقَ ) قَبْلَ الْبَيْعِ عَتَقَ ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ : تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُنَافِي الْبَيْعَ ، فَإِنْ حَصَلَ ( الْعِتْقُ وَالْبَيْعُ ) فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بَطَلَا جَمِيعًا وَإِنْ أَشْكَلَ أَقُرِعَ ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْعِتْقِ نَفَذَ أَوْ عَلَى الْبَيْعِ فَقَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا ( لَا يَصِحُّ ) .

، وَمِنْهُ : لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً فَقَالَ : يَا زَانِيَةُ يَا بِنْتَ الزَّانِيَةِ وَجَبَ حَدَّانِ وَيُحَدُّ لَهَا أَوَّلًا قَبْلَ أُمِّهَا لِسَبْقِهَا بِهِ ، وَقِيلَ : يُقْرَعُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ .

وَمِنْهُ : لَوْ اُسْتُرِقَّ الْحَرْبِيُّ وَغُنِمَ مَالُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ، وَفَّى الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ الْمَغْنُومِ ( ثُمَّ ) مَا فَضَلَ لِلْغَانِمِينَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا لَهُ بَعْدَ شُغْلِهِ بِحَقِّ الْغَيْرِ .

وَمِنْهُ : لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ الْمُدَبِّرَ عَلَى صِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ ، وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ بِأَنْ عَثَرَ ( بِحَجْرٍ ) .
الثَّانِي : بِالْقُرْعَةِ وَسَيَأْتِي فِي حَرْفِ الْقَافِ .
الثَّالِثُ : بِالْقُوَّةِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً عَلَى دَيْنٍ وَالتَّرِكَةُ لَا تَفِي ( بِهِمَا ) فَالْبَيِّنَةُ أَوْلَى ، قَالَهُ ( صَاحِبُ الْإِشْرَافِ ) .

أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ اسْتِحْبَابَ التَّسْمِيَةِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَفْعَالِ حَتَّى عِنْدَ الْجِمَاعِ وَإِرَادَةِ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ ، وَفِي اسْتِحْبَابِهَا لَغُسْلِ الْجُنُبِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي ، وَقَالَ ( صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ ) : الْأَفْعَالُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ كَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَذَبْحِ الْمَنَاسِكِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ .
الثَّانِي : ( مَا ) تُسَنُّ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ ، وَالثَّالِثُ : مَا ( تُكْرَهُ ) فِيهِ وَهُوَ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ انْتَهَى ، وَمَا ( ذَكَرَهُ ) فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ( يَشْمَلُ ) مَا لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ أَثْنَاءِ ( السُّورَةِ ) وَبِهِ صَرَّحَ فِي التِّبْيَانِ وَحَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ، وَمَا ذَكَرَهُ ( مِنْ الصَّلَاةِ ) وَالْحَجِّ اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَا أَطْلَقَهُ مِنْ الْأَذْكَارِ يَشْمَلُ التَّشَهُّدَ وَفِي اسْتِحْبَابِهَا أَوَّلُهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ لِوُرُودِهِ ( فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ) .

تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ : ( الْأَوَّلُ ) : تَصَرُّفٌ بِالْوِلَايَةِ الْمَحْضَةِ ، وَهُوَ ( الْأَبُ ) وَالْجَدُّ وَالْحَاكِمُ ( ثَانِيهَا ) تَصَرُّفٌ بِالنِّيَابَةِ الْمَحْضَةِ .
إمَّا بِتَسْلِيطِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْوَكِيلُ ، أَوْ الشَّرْعُ كَالْحَاكِمِ فِي مَالِ الْغَائِبِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي فِي بَابِ الْفَرَائِضِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ ( أَنَّ ) وُقُوفَ الْمَسَاجِدِ وَالْقُرَى يَصْرِفُهَا صُلَحَاءُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ إلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَمَصَالِحِهِ ، إذَا فُقِدَ مَنْ إلَيْهِ النَّظَرُ .
( ثَالِثُهَا ) : تُصْرَفُ بِنِيَابَةٍ ( مَشُوبَةٍ ) بِوِلَايَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ ( مَشُوبَةٍ ) بِنِيَابَةٍ وَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ حَيْثُ ( إنَّهُ ) يَتَصَرَّفُ ( بِالتَّفْوِيضِ ) يَكُونُ تَصَرُّفُهُ بِالنِّيَابَةِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَلِي التَّصَرُّفَ مِنْ نَفْسِهِ يَكُونُ بِالْوِلَايَةِ ، ذَكَرَ هَذَا التَّقْسِيمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ تِجَارَةِ الْوَصِيِّ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَى خِلَافٍ فِي أَنَّ تَصَرُّفَ ( الْوَصِيِّ ) هَلْ هُوَ بِالنِّيَابَةِ أَوْ بِالْوِلَايَةِ وَبُنِيَ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا جُنَّ يَنْعَزِلُ فَإِذَا أَفَاقَ هَلْ تَعُودُ وِلَايَتُهُ : عَلَى وَجْهَيْنِ : إنْ غَلَّبْنَا النِّيَابَةَ لَا تَعُودُ ، أَوْ الْوِلَايَةَ عَادَتْ ، ( وَيَخْرُجُ ) مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافٌ فِي أَنَّ تَصَرُّفَ ( الْوَصِيِّ ) أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ ، أَوَّلًا ، فَفِي الْأُمِّ عِنْدَ الْكَلَامِ ( فِي ) الْأَوْصِيَاءِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْوَصِيَّ أَضْعَفُ مِنْ الْوَكِيلِ ، وَالْوَكِيلُ لَا يُوَكَّلُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَالْوَصِيُّ أَوْلَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ : لَا يَبِيعُ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ : ( إنَّ ) نِيَابَةَ الْوَصِيِّ أَقْوَى بِدَلِيلِ جَوَازِ تَوْكِيلِهِ فِيمَا يَقْدِرُ ( عَلَيْهِ ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، هَذَا كَلَامُهُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى ( بِالْأَسْرَارِ ) عَنْ الْقَفَّالِ : إنَّ عَقْدَ الْقَضَاءِ نِيَابَةٌ ؛ وَلِهَذَا لَا

يَسْتَخْلِفُ دُونَ الْإِذْنِ وَيَصِحُّ عَزْلُهُ ، قَالَ الْقَاضِي : فَقُلْت لَهُ : لَوْ كَانَ لَبَطَلَ بِالْمَوْتِ وَلَمَّا نَفَذَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ ، ( قُلْت ) لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلِلضَّرُورَةِ نَفَذَتْ قَضَايَاهُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَهُ حَتَّى لَا تَتَعَطَّلَ حُقُوقُهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ .
وَحَكَى الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ خِلَافًا فِي أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ بِالْوِلَايَةِ أَوْ بِالنِّيَابَةِ .
( رَابِعُهَا ) تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ مَا سَبَقَ وَهُوَ ضَرْبَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنْ تَدْعُوَ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَالتَّصَدُّقِ بِمَالِ الْمَجْهُولِ الَّذِي انْقَطَعَ وَلَا يُعْرَفُ خَبَرُهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ بَعْضِهِمْ ، وَكَاللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَلَوْ وَجَدَ حَيَوَانًا مُعَلَّمًا بِعَلَامَةِ الْهَدْيِ كَالْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فَإِنَّ لَهُ الْتِقَاطَهُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَفَائِدَةُ الْتِقَاطِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالنَّحْرِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا مَثَّلْنَا وَفِي الْأَبْضَاعِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الرُّفْقَةِ امْرَأَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا حَتَّى زَوَّجَهَا جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ ، بَلْ ( تَحْكِيمًا ) وَالْمُحَكَّمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ ؟ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهَذَا يَعْسُرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ فَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ ، وَمِنْهُ : امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عَلَى الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ وَتُنْكَحُ .
( الثَّانِي ) : أَنْ لَا تَدْعُوَ حَاجَةٌ لِلتَّصَرُّفِ ابْتِدَاءً فَيَنْظُرُ إنْ دَعَتْ إلَى صِحَّتِهِ وَتَنْفِيذِهِ بِطُولِ مُدَّةِ التَّصَرُّفِ وَتَكَرُّرِهَا ( وَتَعَذَّرَ ) اسْتِرْدَادُ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَتَصَرَّفَ فِي (

أَثْمَانِهَا ) مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَطَرِيقَانِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ ، وَالثَّانِيَةُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ ؛ ( لِأَنَّ ) ( رَفْعَ ) التَّصَرُّفِ الْكَثِيرِ بِالنَّقْضِ عُسْرٌ ، وَإِنْ لَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَلَا دَوَامًا وَهُوَ تَصَرُّفُ الْفُضُولِيِّ ، فَفِي بُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ وَقْفِهِ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ وَتَنْفِيذِهِ قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ .
وَاعْلَمْ : أَنَّ لِتَصَرُّفِ الشَّخْصِ فِي مَالِ غَيْرِهِ حَالَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِمَالِكِهِ فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ ، ( وَثَانِيهِمَا ) : أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْغَاصِبُ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقِ .
( خَامِسُهَا ) : التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ فِيهِ مُخَالِفَةُ الْإِذْنِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ : ( بِعْهُ ) بِمِائَةٍ ( فَبَاعَهُ ) بِأَقَلَّ لَمْ يَصِحَّ ، ثُمَّ لِلْوَكِيلِ فِي تَصَرُّفِهِ أَحْوَالٌ : ( أَحَدُهَا ) أَنْ يَقْصِدَ إيقَاعَهُ ( عَنْ ) مُوَكِّلِهِ فَوَاضِحٌ .
الثَّانِي : أَنْ يَقْصِدَ نَفْسَهُ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْعَيْنِ فَلَغْوٌ ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ فَتَصَدَّقَ وَنَوَى نَفْسَهُ لَغَتْ نِيَّتُهُ ، وَوَقَعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَفِي ( بَابِ ) الدِّيَاتِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ ، أَنَّ الْوَكِيلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ( إذَا قَالَ قَتَلْته لَا عَنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ ، بَلْ لِغَرَضٍ نَفْسِيٍّ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْمُوَكِّلِ ( لِلتَّرِكَةِ ) .
الثَّالِثُ : أَنْ ( لَا ) يُطْلِقَ وَلَا يَقْصِدَ شَيْئًا ، وَفِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ آخِرَ الطَّلَاقِ مِنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا طَلَّقَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَنْ مُوَكِّلِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي الِاسْتِذْكَارِ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا طَلَّقَ عَلَى الْمَوْلَى ، ( إنْ ) قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ فُلَانٍ ، لَمْ يَقَعْ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ خَلِيَّةٌ ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ

الْكِنَايَاتِ ، وَنَوَى الطَّلَاقَ ، أَوْ قَالَ : عَنْ فُلَانٍ ، قَالَ ( ابْنُ الْقَطَّانِ ) يَصِحُّ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ إلَى مُوَكِّلِهِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً ، سَوَاءٌ طَلَّقَ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ .
( سَادِسُهَا ) : التَّصَرُّفُ ( لِلْغَيْرِ ) بِمَالِ الْمُتَصَرِّفِ كَمَنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ لِزَيْدٍ سِلْعَةً فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ ، وَقَعَ الْعَقْدُ عَنْ الْمُبَاشِرِ ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَغَتْ التَّسْمِيَةُ ، وَهَلْ يَقَعُ عَنْهُ أَمْ يَبْطُلُ ؟ وَجْهَانِ : وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَهَلْ تَلْغُو التَّسْمِيَةُ ؟ وَجْهَانِ ، فَإِنْ قُلْنَا : لَا ، وَقَعَ عَنْ الْإِذْنِ ، وَهَلْ يَكُونُ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ قَرْضًا أَوْ هِبَةً ، وَجْهَانِ .

تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ حَتَّى إذَا عَقَدَ نِكَاحًا أَوْ بَيْعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ هَلْ يَسْتَلْزِمُ صُدُورُهُ مِنْهُ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ كَمَا لَوْ عَقَدَهُ غَيْرُهُ ، ثُمَّ حَكَمَ هُوَ بِهِ أَمْ لَا ؟ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ : إنَّ الْقِسْمَةَ إنْ كَانَتْ بِالْقَاضِي فَقِسْمَتُهُ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالْمَوْتِ ، وَفِي بَابِ الْقِسْمَةِ ، إذَا اعْتَرَفُوا بِالِاشْتِرَاكِ فِي مِلْكٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ ، إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِمِلْكِهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِئَلَّا يَتَمَسَّكُوا بِقِسْمَتِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمْ ، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ مُصَرِّحَةٌ بِهِ ، حَيْثُ قَالَ : وَإِنْ أَرَدْتُمْ ( قَسْمِي ) ، فَأْتُوا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَصْلِ حُقُوقِكُمْ فِيهَا وَذَلِكَ أَنِّي ( إنْ ) قَسَمْت بِلَا بَيِّنَةٍ فَجِئْتُمْ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ ( أَنِّي ) قَسَمْت بَيْنَكُمْ هَذِهِ الدَّارَ إلَى حَاكِمٍ غَيْرِي ، كَانَ ( بِسَبَبِهَا ) أَنْ يَجْعَلَهَا حُكْمًا مِنِّي لَكُمْ انْتَهَى .
وَكَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ ، ( فَإِنَّهُ ) عَلَّلَ مَنْعَ إجَابَةِ الْحَاكِمِ الشُّرَكَاءَ ، إذَا طَلَبُوا مِنْهُ الْقِسْمَةَ ( بِأَنَّ ) مِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى قِسْمَةَ الْحَاكِمِ حُكْمًا مِنْهُ بِالْمِلْكِ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا فَيَرْفَعُ إلَى حَاكِمٍ بَعْدَهُ فَيَحْكُمُ لَهُمَا بِالْمِلْكِ ، فَقَوْلُهُ : مِنْ النَّاسِ صَرِيحٌ فِي أَنَّا لَا نَقُولُ بِهِ ، وَنَبَّهَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى أَنَّ هَذَا حَيْثُ لَا مُنَازِعَ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ بِالْيَدِ ، إلَّا بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُ لَهَا قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحَاكِمِ إثْبَاتٌ لِمِلْكِهَا ، وَالْيَدُ تُوجِبُ إثْبَاتَ التَّصَرُّفِ لَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ .
وَنَبَّهَ الدَّارِمِيُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ لَهَا ، فَإِنْ عَلِمَ قَضَى ( لَهُ ) قَطْعًا .
وَأَمَّا إذَا قُلْنَا : لَا يُقَسَّمُ فَقُسِّمَ وَلَا بَيِّنَةَ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ ، إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ

فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ ، أَنَّهُ لَوْ ( كَانَ عَقَارٌ ) بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ، فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَرَأَيْنَا نَصِيبَهُ فِي يَدِ ثَالِثٍ ، فَادَّعَى الْحَاضِرُ أَنَّك اشْتَرَيْته وَلِي فِيهِ الشُّفْعَةُ وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَائِبِ ، فَهَلْ لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا : نَعَمْ ؛ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْبَيْعِ ، وَيَكْتُبُ الْقَاضِي فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ أَثْبَتَ الشُّفْعَةَ بِإِقْرَارِهِمَا ، فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِيَانِ الْحُسَيْنُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْمُفْلِسَ ( إنْ ) تَوَلَّى بَيْعَ أَمْوَالِهِ فَذَاكَ ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْحَاكِمَ ، فَلَا يَجُوزُ حَتَّى تَشْهَدَ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِهِ لَهَا ، وَلَا ( تَكْفِي ) فِيهَا يَدُهُ وَاعْتِرَافُهُ ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ بِالْمَسْتُورِينَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْعَاقِدُ غَيْرَ حَاكِمٍ ، فَإِنْ بَاشَرَهُ ( الْحَاكِمُ لَمْ ) يَنْعَقِدْ ( بِهِمَا ) قَطْعًا ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ أَيْ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ ( لَا يَجُوزُ بِمَسْتُورِينَ ) ، لَكِنْ هَذِهِ طَرِيقَةٌ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي ، وَقَالَ : الصَّحِيحُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ ، فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُزَوِّجُ الَّتِي تَدَّعِي غَيْبَةَ وَلِيِّهَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ ( خَاصٌّ ) حَاضِرٌ ، وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : ( إنَّهُ وَاجِبٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ) : يُسْتَحَبُّ ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِي الْعُقُودِ إلَى ( قَوْلِ أَرْبَابِهَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ، : وَالْأَصَحُّ الثَّانِي ، وَهَذَا يَقْتَضِي ) أَنَّ تَصَرُّفَهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ وَالْأَمْلَاكِ ( وَنَحْوِهِمَا ) بِمُجَرَّدِ قَوْلِ أَرْبَابِهَا ، بَلْ لَا بُدَّ

مِنْ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْعِلْمِ بِهِ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَفْقُودِ : وَإِذَا ضَرَبَ الْقَاضِي الْمُدَّةَ فَمَضَتْ ، فَهَلْ يَكُونُ حُكْمًا بِوَفَاتِهِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ حُكْمٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي ، وَفِي حَاشِيَةِ الْكِفَايَةِ : الْحَنَفِيُّ يُجَوِّزُ الْعَقْدَ بِحُضُورِ ( فَاسِقَيْنِ ) ، فَإِذَا رَفَعَ عَقَدَهُ لِحَاكِمٍ شَافِعِيٍّ ( وَقَدْ كَانَ ) بَاشَرَ الْعَقْدَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ ، فَهَلْ مُبَاشَرَتُهُ لِلْعَقْدِ حُكْمٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَكُونَ فِي نَقْضِهِ مَا فِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ أَوْ لَا يَكُونُ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَكَذَا فِي كُلِّ ( مَا يُبَاشِرُهُ ) الْحُكْمُ مِنْ الْعُقُودِ ؟ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ إذْ فِي الشَّامِلِ أَيْ وَالْبَحْرِ فِيمَا إذَا قَسَّمَ مَالُ الْمُفْلِسِ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ حِصَّتَهُ ، إنْ قِيلَ : ( فَقَدْ ) نَقَضْتُمْ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِالْقِسْمَةِ ، قُلْنَا : لَيْسَ ذَلِكَ ( بِحُكْمٍ ) مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) ؛ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ ، وَلَوْ حَكَمَ فِيهِ ( حَاكِمٌ آخَرُ بَعْدَ التَّزْوِيجِ ) نَفَذَ ، وَالْمَاوَرْدِيُّ أَجَابَ عَنْ السُّؤَالِ ، بِأَنَّ ذَلِكَ وِزَانُ وِجْدَانِ النَّصِّ بِخِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ وَأَنَّهُ نَصٌّ فِي هَذَا ، وَهَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَلَّمَ أَنَّهُ حُكْمٌ .
وَأَنَا أَقُولُ : إنْ تُخُيِّلَ ذَلِكَ فِي قِسْمَتِهِ جَبْرًا ، ( فَلَا يُتَخَيَّلُ ) فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ، إذَا تَقَدَّمَ مِنْهُ ( شِقُّ ) الْإِيجَابِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْبِقَ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وُجُودُ أَحَدِ شِقَّيْ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ .
نَعَمْ ( إذَا ) تَقَدَّمَ شِقُّ الْقَبُولِ عَلَى شِقِّ الْإِيجَابِ فِيهِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ فِيهِ ( أَنَّهُ حُكْمٌ ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
انْتَهَى .
وَحَصَلَ خِلَافٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ ، لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا :

أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُكْمًا لَاسْتَدْعَى تَقَدُّمَ دَعْوَى فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا .
الثَّانِي : أَنَّ الْحُكْمَ يَسْتَدْعِي مَحْكُومًا لَهُ وَعَلَيْهِ وَبِهِ ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا .
الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ ظَهَرَ مَا بَاعَهُ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ ، وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لَمْ يَبْطُلْ ، ثُمَّ إنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ ، هَلْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ أَمْ لَا .
الرَّابِعُ : أَنَّ ( مُسْتَنَدَ ) الْحُكْمِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا ، وَالْإِلْزَامُ الَّذِي هُوَ إنْفَاذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُسْتَنَدِ السَّابِقِ وَقَوْلُ الْقَاضِي : بِعْت ( أَوْ زَوَّجْت ) ، ( وَنَحْوُهُمَا ) لَيْسَ ( كَذَلِكَ ) ؛ وَلِأَنَّ ( الْإِلْزَامَ ) يَكُونُ عَنْ شَيْءٍ وَقَعَ وَالْعَقْدُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فِي الرِّسَالَةِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْحُجَّةِ فِي ( ثَبْتِ ) خَبَرِ الْوَاحِدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي عَلَى الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ ، إنَّمَا هُوَ خَبَرٌ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ بَيِّنَةٍ ، ثَبَتَتْ عِنْدَهُ أَوْ إقْرَارٌ مِنْ خَصْمٍ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ ، فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ فِيهِ انْتَهَى .
وَالْأَحْسَنُ فِي الضَّبْطِ ، أَنْ يُقَالَ : تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ : مَا هُوَ حُكْمٌ قَطْعًا ، وَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجِبِ .
( الثَّانِي ) : مَا لَيْسَ بِحُكْمٍ قَطْعًا ، كَسَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَالْبَيِّنَةِ ( وَنَحْوِهِ ) .
الثَّالِثُ : مَا فِيهِ تَرَدُّدٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ ، كَمَا إذَا بَاعَ أَوْ زَوَّجَ وَنَحْوُهُ الرَّابِعُ : مَا فِيهِ تَرَدُّدٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ حُكْمٌ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ خَصْمَيْنِ فَسْخُ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٌ .
( فَفَسَخَ ) الْقَاضِي ، كَانَ ذَلِكَ ( حُكْمًا مِنْهُ ) بِالْفَسْخِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ حَتَّى يَحْكُمَ بِصِحَّةِ الْفَسْخِ أَوْ بِمُوجَبِهِ .

تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ نَصَّ عَلَيْهِ : قَالَ ( الْفَارِسِيُّ ) فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : مَنْزِلَةُ الْوَالِي مِنْ الرَّعِيَّةِ : مَنْزِلَةُ الْوَلِيُّ مِنْ الْيَتِيمِ انْتَهَى .
وَهُوَ نَصٌّ فِي كُلِّ وَالٍ ، وَمِنْ ثَمَّ إذَا قَسَّمَ عَلَى الْأَصْنَافِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّعْمِيمَ وَكَذَا التَّسْوِيَةُ ، بِخِلَافِ ( الْمَالِكِ ) فِيهِمَا ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَإِذَا أَرَادَ إسْقَاطَ بَعْضِ الْجَنَدِ بِسَبَبٍ جَازَ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَجُوزُ ، حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ أَنْ يُنَصِّبَ إمَامًا ( لِلصَّلَوَاتِ ) فَاسِقًا وَإِنْ صَحَّحْنَا الصَّلَاةَ خَلْفَ الْفَاسِقِ ، أَيْ ؛ لِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَوَلِيُّ الْأَمْرِ مَأْمُورٌ بِمُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي حَمْلِ النَّاسِ عَلَى فِعْلِ ( الْمَكْرُوهِ ) ، وَحَيْثُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْأَسِيرِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالتَّشَهِّي ، بَلْ يَرْجِعُ ( إلَى الْمَصْلَحَةِ ) حَتَّى إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ حَبَسَهُمْ إلَى أَنْ يَظْهَرَ ، ( وَلَوْ طَلَبَتْ ) مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا خَاصًّا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْكَفَاءَةِ هُنَا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ كَالنَّائِبِ عَنْهُمْ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَفْوِيتِهِ .

التَّصْرِيحُ بِبَعْضِ مَا يَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ هَلْ يَكُونُ مُفْسِدًا فِيهِ خِلَافٌ فِي صُوَرٍ : ( مِنْهَا ) ( إطْلَاقُ ) الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْحُلُولَ فَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ بِعِشْرِينَ بِشَرْطِ حُلُولِ عَشَرَةٍ مِنْهَا صَحَّ وَإِنْ ( كَانَ ) الْكُلُّ حَالًّا وَلَا يُقَالُ : إنَّ النَّصَّ عَلَى حُلُولِ الْعَشَرَةِ يَقْتَضِي تَأْجِيلَ الْبَاقِي فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ( لِجَهَالَةِ ) الْأَجَلِ وَقِيلَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ الْخِيَارَ ( ثَابِتٌ ) لِلْمُكَاتَبِ ابْتِدَاءً فَلَوْ شَرَطَ لِلسَّيِّدِ خِيَارَ ( الثَّلَاثِ ) فِي الْكِتَابَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ : إنْ أَرَادَ نَفْيَ الْخِيَارِ لَهُ بَعْدَ ( الثَّلَاثِ ) بَطَلَ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَرَادَ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُ فِي ( الثَّلَاثِ ) مَعَ ( ثُبُوتِهِ ) بَعْدَ هَذَا ( صَحَّ ) الْعَقْدُ ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الشَّرْطِ وَإِنْ ( أَطْلَقَ ) الْقَوْلَ بِلَا إرَادَةٍ فَوَجْهَانِ ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّ تَقْدِيرَهُ بِثَلَاثٍ يَقْتَضِي نَفْيَ الْخِيَارِ بَعْدَهَا كَمَا لَوْ قَالَ : اقْضِ دَيْنِي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضَاؤُهُ بَعْدَهَا وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ أَجَابَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِإِذْنٍ ، فَإِذَا أَقْدَرَ ( الثَّلَاثَ ) عَادَ الْأَمْرُ بَعْدَ ( الثَّلَاثِ ) ، إلَى مَا قَبْلُ وَهَا هُنَا الْخِيَارُ ثَابِتٌ لِلْمُكَاتَبِ ابْتِدَاءً ، فَشَرْطُهُمَا خِيَارُ ( الثَّلَاثِ ) يَقْتَضِي إثْبَاتَهُ ، فَإِذَا مَضَتْ بَقِيَ ( لَهُ ) الْخِيَارُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ ( مُفِيدًا ) زِيَادَةَ فَائِدَةٍ .

تَعَارُضُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ فِيهِ قَوْلَانِ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ الْقَاعِدَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ أَوْ الِاسْتِصْحَابُ ( اعْلَمْ ) : أَنَّ الْأَصْحَابَ تَارَةً يُعَبِّرُونَ ( عَنْهُمَا ) بِالْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَتَارَةً بِالْأَصْلِ وَالْغَالِبِ ، وَكَأَنَّهُمَا بِمَعْنًى ( وَاحِدٍ ) ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ التَّغَايُرَ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَالِبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةٍ وَهَذَا يُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَيْهِ ، وَالظَّاهِرُ مَا يَحْصُلُ بِمُشَاهَدَةٍ كَبَوْلِ الظَّبْيَةِ وَإِنْزَالِ ( الْمَرْأَةِ ) الْمَاءَ بَعْدَ مَا اغْتَسَلَتْ وَقَضَتْ شَهْوَتَهَا ، وَهَذَا لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَتَرَجَّحُ وُقُوعُهُ فَهُوَ مُسَاوٍ لِلْغَالِبِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ شُرُوطٌ : ( أَحَدُهَا ) : أَنْ لَا ( تَطَّرِدَ ) الْعَادَةُ ( بِمُخَالَفَةِ ) الْأَصْلِ ، فَإِنْ ( اطَّرَدَتْ ) ( عَادَةٌ ) بِذَلِكَ كَاسْتِعْمَالِ ( السِّرْجِينِ ) فِي أَوَانِي الْفَخَّارِ قُدِّمَتْ عَلَى الْأَصْلِ قَطْعًا فَيُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَمِثْلُهُ ( الْمَاءُ ) الْهَارِبُ فِي الْحَمَّامِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْبَوْلِ فِيهِ .
( الثَّانِي ) : أَنْ تَكْثُرَ أَسْبَابُ الظَّاهِرِ ، فَإِنْ نَدَرَتْ لَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ قَطْعًا ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ ( عَلَى ) أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ ( كَانَ ) لَهُ الْأَخْذُ بِالْوُضُوءِ وَلَمْ يُجْرُوا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ ؟ قَالَ الْإِمَامُ : ( وَفَرَّقَ شَيْخِي بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَتَطَرَّقُ إلَى تَمْيِيزِ الطَّاهِرِ ) مِنْ النَّجِسِ ؛ لِأَنَّ لِلنَّجَاسَاتِ أَمَارَاتٍ بِخِلَافِ الْحَدَثِ ، وَرَدَّهُ الْإِمَامُ ( بِأَنَّ أَصْلَ ) الشَّافِعِيِّ فِي تَمْيِيزِ دَمِ الْحَيْضِ عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ بِالصِّفَاتِ مَعْلُومٌ ، وَهَذَا اجْتِهَادٌ وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّرْعُ لِلْمَنِيِّ صِفَاتٍ ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِهَا التَّمَسُّكُ بِهَا ، فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى

الْأَحْدَاثِ غَيْرُ ( سَدِيدٍ ) ثُمَّ حَاوَلَ الْفَرْقَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا النَّجَاسَةُ كَثِيرَةٌ ( جِدًّا ) ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ وَلَا أَثَرَ لِلنَّادِرِ ، وَالتَّمَسُّكُ بِاسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَوْلَى .
( الثَّالِثُ ) : أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ ( أَحَدِهِمَا ) مَا يَعْتَضِدُ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ فَالْعَمَلُ ( بِالتَّرْجِيحِ ) مُتَعَيِّنٌ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : وَقَوْلُ ( الْأَصْحَابِ ) مَنْ قَالَ : إنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ تَعَارَضَ فِيهَا أَصْلَانِ أَوْ أَصْلٌ وَظَاهِرٌ ، فَفِيهَا قَوْلَانِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يُرِيدُوا حَقِيقَةَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِنَّ لَنَا مَسَائِلَ يُعْمَلُ فِيهَا بِالظَّاهِرِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا ( يُنْظَرُ ) فِيهَا إلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ كَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ ، وَمَسَائِلَ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْأَصْلِ ( قَطْعًا ) كَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ ، أَوْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ صَلَّى ( ثَلَاثًا ) أَوْ أَرْبَعًا ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ فِيهَا كُلِّهَا ( بِالْأَصْلِ ) وَهُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ ، وَعَدَمُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقُ وَالرَّكْعَةُ الرَّابِعَةُ ، فَالصَّوَابُ فِي الضَّابِطِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ : ( إنَّهُ ) عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا يَجِبُ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ كَمَا فِي تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ ، فَإِنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّاجِحِ فَهِيَ مَسَائِلُ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ تَرَجَّحَ دَلِيلُ ( الظَّاهِرِ ) عُمِلَ بِهِ أَوْ دَلِيلُ [ الْأَصْلِ ] عُمِلَ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ( تَقَابُلِ ) الْأَصْلَيْنِ أَوْ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا مَا يَعْتَضِدُ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ فَالْعَمَلُ بِالْمُرَجَّحِ مُتَعَيِّنٌ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَمْرَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ مَاتَ فَادَّعَى الْمُعْتِقُ ( نَقْصَ ) الْقِيمَةٍ بِسَبَبِ ( نَقِيصَةٍ ) طَارِئَةٍ ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْصِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ( فَيَخْرُجُ ) عَلَى تَقَابُلِ

الْأَصْلَيْنِ وَلَيْسَ مَعْنَى تَقَابُلِ الْأَصْلَيْنِ اسْتِحَالَةَ التَّرْجِيحِ بَلْ يَطْلُبُ التَّرْجِيحَ مِنْ مُدْرَكٍ آخَرَ سِوَى اسْتِصْحَابِ الْأُصُولِ ، فَإِنْ ( تَعَذَّرَ ) ، فَلَيْسَ إلَّا التَّوَقُّفُ أَمَّا تَخْيِيرُ ( الْمَعْنَى ) بَيْنَ مُتَنَاقِضَيْنِ فَلَا وَجْهَ لَهُ .
قُلْت قَدْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَجْهًا ) .
( الثَّانِي ) : قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ : إذَا أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ ( فَبَاعَ ) الرَّاهِنُ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ فَادَّعَى أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ بَيْعِهِ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ عَدَمِ الرُّجُوعِ يُعَارِضُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ ( فَيَبْقَى ) ، أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الرَّهْنِ ، وَبَسْطُ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ عَارَضَهُ الْأَصْلُ الْآخَرُ ( فَتَعَطَّلَ ) ، وَبَقِيَ أَصْلٌ آخَرُ خَالِيًا ( مِنْ ) الْمُعَارَضَةِ ( فَيُعْمَلُ ) بِهِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إذَا اجْتَمَعَ فِي جَانِبٍ أَصْلَانِ أَوْ أَصْلٌ وَظَاهِرٌ ، وَفِي جَانِبٍ ( آخَرَ أَصْلٌ ) أَوْ ظَاهِرٌ ( فَقَطْ ، لَا ) تَعَارُضَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ التَّسَاوِي ، وَلَا تَسَاوِيَ ( وَلَكِنْ ) يُعْمَلُ بِالرَّاجِحِ إذْ الْعَمَلُ بِهِ مُتَيَقِّنٌ شَرْعًا وَعَقْلًا ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُ ( الشَّافِعِيِّ ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ، ( وَالدَّاخِلِ ) ( تَسَاقَطَتَا ) ( وَبَقِيَتْ ) الْيَدُ خَالِيَةً عَنْ الْمُعَارَضَةِ فَعُمِلَ بِهَا ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ أَصْلًا ، فِيهِ قَوْلَانِ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي احْتِيَاجِ الدَّاخِلِ إلَى الْيَمِينِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْتَاجُ وَعَلَى الثَّانِي يَحْتَاجُ .

( وَاعْلَمْ ) : أَنَّ الضَّابِطَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الظَّاهِرُ حُجَّةً يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا كَالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْإِخْبَارِ ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَصْلِ قَطْعًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ سَنَدُهُ الْعُرْفَ أَوْ الْقَرَائِنَ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ ، فَهَذِهِ يَتَفَاوَتُ ( أَمْرُهَا ) فَتَارَةً يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَتَارَةً يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ وَتَارَةً يَخْرُجُ خِلَافٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : ( الْأَوَّلُ ) : مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالظَّاهِرِ كَالْبَيِّنَةِ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ الْمَشْهُودُ بِهِ قَطْعًا ، ( وَمِنْهُ ) : الْيَدُ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ ( وَمِنْهَا إخْبَارُ الثِّقَةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ ) .
( وَمِنْهَا ) : إخْبَارُ الثِّقَةِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا يُقَدَّمُ عَلَى أَصْلِ طَهَارَةِ الْمَاءِ قَطْعًا ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا مُوَافِقًا وَلَكِنْ عَيَّنَ تِلْكَ النَّجَاسَةَ .
وَمِنْهُ ) : قَبُولُ قَوْلِ الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ وَلَوْ فِي مُدَّةٍ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ ، ( وَمِنْهُ ) : لَوْ أَخَذَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ دَجَاجَةٍ وَأَحْضَنَهَا صَيْدًا فَفَسَدَ بِيضُهُ ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْفَسَادَ نَشَأَ مِنْ ضَمِّ بَيْضِ الدَّجَاجَةِ إلَى بَيْضِهِ ، وَلَمْ يَحْكِ الرَّافِعِيُّ فِيهِ خِلَافًا .

( مِنْهُ ) : لَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْ الْجِمَاعِ بَعْدَ مَا قَضَتْ شَهْوَتَهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيٌّ بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مَنِيُّهَا ، أَوْ مَنِيُّهَا وَمَنِيُّ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اخْتِلَاطُهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ ، فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَسِيطِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلظَّنِّ أَثَرًا يَعْنِي فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَسْأَلَةً نُسِبَ فِيهَا إلَى الْوَهْمِ وَالتَّفَرُّدِ ، فِيمَنْ تَحَقَّقَ الْحَدَثُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَوَضَّأَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْوُضُوءِ ( لَعَلَّهُ ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْوَسِيطِ هَذَا ، فَإِنَّ الظَّنَّ كَمَا أَثَّرَ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ ، وَقَضَاءِ الْوِتْرِ كَذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ .

( وَمِنْهُ ) لَوْ وَضَعَ عَصِيرًا فِي دَنٍّ وَسَدَّ فَمَه ثُمَّ فَتَحَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ ( فَوَجَدَهُ ) خَلًّا فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ كَانَ الَّذِي فِي الدَّنِّ قَدْ انْقَلَبَ خَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ انْقِلَابُهُ خَمْرًا قَبْلَ انْقِلَابِهِ خَلًّا .

( وَمِنْهُ ) : مُدَّةُ الْخُفِّ إذَا شَكَّ فِي انْقِضَائِهَا يَأْخُذُ بِالشَّكِّ وَيَتْرُكُ الْأَصْلَ ، ( وَمِنْهُ ) : قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فِي الْأُمِّ ( فِيمَنْ ) مَرَّ ( فِي الصَّحْرَاءِ ) بِمَيِّتٍ ( وَعَلَيْهِ ) أَثَرُ الْغُسْلِ وَالْكَفَنِ وَالْحَنُوطِ ( فَإِنَّهُمْ ) يَدْفِنُونَهُ ، فَإِنْ اخْتَارُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ صَلُّوا عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ انْتَهَى ، وَفِي هَذَا تَوَقُّفٌ ( بَلْ الْأَظْهَرُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ الِاقْتِصَارِ عَلَى غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَلَا مُرْشِدَ لِلصَّلَاةِ ) ( عَلَيْهِ ) حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ .

( الثَّانِي ) : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الظَّاهِرِ ، ( فَمِنْهُ ) : لَوْ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِنْهَا لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَرَيَانُهَا عَلَى الصِّحَّةِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إتْيَانِهِ ( بِهِ ) ، وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ .

( وَمِنْهُ ) اخْتِلَافُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ( الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي ) الصِّحَّةَ عَلَى الْأَظْهَرِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا .

( وَمِنْهُ ) : لَوْ جَاءَ مِنْ قُدَّامِ الْإِمَامِ وَاقْتَدَى بِهِ ، وَشَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَمْ لَا ، فَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ الْقُدْوَةُ ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : لَا يَصِحُّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَ مِنْ وَرَائِهِ وَقَوَّاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .

( وَمِنْهُ ) : لَوْ امْتَشَطَ ( مُحْرِمٌ ) فَانْتُتِفَ مِنْهُ شَعْرٌ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ حَصَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْمَشْطِ ، أَمْ لَا فَقِيلَ يَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ثَابِتًا إلَى وَقْتِ الِامْتِشَاطِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي حُصُولِ الْإِبَانَةِ فَيُضَافُ إلَيْهِ ، وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْفِدْيَةِ .

وَمِنْهُ : حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ ( ضَرْبَةٍ ) فَضَرَبَهُ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ مَرَّةً وَاحِدَةً ، فَإِنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْجَمِيعِ لَهُ بَرِئَ ، وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا بَرَّ عَلَى النَّصِّ ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ : لَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ، عَدَمُ الْإِصَابَةِ .

وَمِنْهُ : رَأَى حَيَوَانًا يَبُولُ فِي مَاءٍ ، ( ثُمَّ جَاءَ ) ، فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ تَغَيُّرُهُ بِطُولِ ( مُكْثٍ ) ، أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَصَّ عَلَيْهِ .
( فَأَسْنَدَ ) التَّغَيُّرَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ ، لَكِنَّهُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ( بِالْمُكْثِ ) وَأَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ الْبَوْلِ ، وَإِحَالَتُهُ عَلَى الْبَوْلِ الْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى مِنْ إحَالَتِهِ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ ، فَإِنَّهُ مَظْنُونٌ فَقَدَّمَ الظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْلِ ، وَتَابَعَهُ الْجُمْهُورُ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ عَهِدَهُ عَنْ قُرْبٍ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَنَجِسٌ ، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ ، وَلَوْ ذَهَبَ عَقِبَ الْبَوْلِ ، فَلَمْ يَجِدْهُ مُتَغَيِّرًا ، ثُمَّ عَادَ فِي زَمَنٍ آخَرَ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا ، قَالَ الْأَصْحَابُ : لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ ، وَقَالَ الدَّارِمِيُّ يُحْكَمُ .

وَمِنْهُ ، لَوْ قَطَعَ لِسَانَ صَبِيٍّ حِينَ وُلِدَ وَلَمْ ( تَظْهَرْ أَمَارَاتٌ ) لِصِحَّةِ لِسَانِهِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ وَعَكَسَ الْإِمَامُ فَقَالَ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ .

وَمِنْهُ : لَوْ وَكَّلَ بِتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ ، ( ثُمَّ مَاتَ ) ( الْمُوَكِّلُ ) وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ النِّكَاحِ ، ( وَالْأَظْهَرُ ) بَقَاءُ الْحَيَاةِ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ ، وَخَالَفَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ ، فَقَالَ : الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِالشَّكِّ .

وَمِنْهُ : إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ لِوَقْتٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ ، وَقِيلَ : لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، بَلْ تُصَلِّي مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَهَا مَا صَلَّتْ وَإِنْ دَامَ تَرَكَتْ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ ، وَأَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالْمُبْتَدَأَةِ ، وَأَنَّ الْمُعْتَادَةَ تَتْرُكُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَطْعًا وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَجْهٌ مُفَصَّلٌ ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ ( بَعْدُ ) ، وَمِثْلُهُ الْخِلَافُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ هَلْ يَحْصُلُ بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً أَوْ غَيْرَهَا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، هَلْ تَطْلُقُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ أَوْ بِمُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ .

وَمِنْهَا ، لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ( دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ ) صَحَّتْ صَلَاتُهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَيَقُّنُ دُخُولِهِ ، وَلَا الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ دُخُولَهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَلِكَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْأَوَانِي وَالْفِطْرِ وَالصِّيَامِ .

وَمِنْهُ : النَّوْمُ غَيْرَ ( مُمَكِّنٍ ) مَقْعَدَتَهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الْحَدَثِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ خُرُوجِهِ وَبَقَاءَ الطَّهَارَةِ .

وَمِنْهَا : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا بَلْ أَطْلَقَ ، فَالْأَظْهَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْإِيقَاعِ كَاللَّفْظِ ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ : إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ ، فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَيَقَّنَ عَدَمُ ذَلِكَ .

وَمِنْهَا : قَالَ لَهَا فِي رَمَضَانَ ( قَبْلَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ : أَنْتِ طَالِقٌ ) ( لَيْلَةَ الْقَدْرِ ) طَلُقَتْ بِانْقِضَاءِ لَيَالِي الْعَشْرِ ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ : لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ ، وَاعْتَنَى بِهِ ( الْحَمَوِيُّ ) وَخَرَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، فَإِنَّا إنْ رَاعَيْنَا ظَوَاهِرَ الْأَخْبَارِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ ، وَإِنْ رَاعَيْنَا أَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ نُوقِعْ الطَّلَاقَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْوُقُوعُ بِإِمْضَاءِ سَنَةٍ ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْأَخْبَارِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ .

الثَّالِثُ : مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالْأَصْلِ ، وَإِلْغَاءِ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فَمِنْهُ : لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ ظَنَّهُ ، فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، وَكَذَا عَكْسُهُ وَخَالَفَ الرَّافِعِيُّ هُنَا وَأَعْمَلَ ظَنَّ الطَّهَارَةِ وَسَبَقَ مَا فِيهِ .

وَمِنْهُ : لَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ

وَلَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ مَعَ طُولِ بَقَائِهَا مَعَ الزَّوْجِ أَنَّهُ لَمْ يُوصِلْهَا النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ الْوَاجِبَةَ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهَا مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ تُبْعِدُ ذَلِكَ جِدًّا

، وَمِنْهُ : لَوْ اخْتَلَطَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ ، وَكَانَ الْحَرَامُ مَغْمُورًا ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ مُحْرِمٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ ، فَإِنَّ لَهُ نِكَاحَ ، مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ .

وَمِنْهُ : لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةِ بَلَدٍ ، أَوْ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ فَلَهُ أَخْذُ بَعْضِهَا بِلَا اجْتِهَادٍ قَطْعًا ( وَإِلَى أَيِّ حَدٍّ ) يَنْتَهِي ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ .

وَمِنْهُ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ مُعْتَقِدًا بَكَارَتَهَا فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِثُبُوتِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلُ لِجَوَازِ إزَالَتِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ ظُفْرٍ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ .

وَمِنْهُ " الْمُتَبَايِعَانِ تَمْضِي عَلَيْهِمَا مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ تَلَازُمِهِمَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّفَرُّقَ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ ، فَالْمُصَدَّقُ الْمُنْكِرُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي تَلَازُمِهَا وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ بَحْثٌ .

وَمِنْهُ : الْمَدْيُونُ ، إذَا عُرِفَ لَهُ مَالٌ قَطَعُوا بِحَبْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : وَكَانَ يَنْبَغِي ، إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ ، وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ الْكَسْبِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ تَسْتَوْعِبُ نَفَقَتُهَا مَا عِنْدَهُ ، ( أَنَّهُ ) لَا يُحْبَسُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ ( يُنْفِقُ مَا ) عَهِدْنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ، قَالَ : وَهَذَا السُّؤَالُ مُشْكِلٌ جِدًّا ( وَلَعَلَّ ) اللَّهَ يُيَسِّرُ حَلَّهُ .
قُلْت : وَهَذَا نَظِيرُ بَحْثِ الرَّافِعِيِّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا .

( وَمِنْهُ ) : إذَا ادَّعَتْ الرَّجْعِيَّةُ امْتِدَادَ الطُّهْرِ مُدَّةً طَوِيلَةً ، وَعَدَمَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِدَّةِ ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ ( الْقَوِيِّ ) .

وَمِنْهُ : لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَحْدَثَ يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ الْمُسْتَصْحَبِ ( وَيُلْغَى ) ظَنُّهُ ، وَإِنْ أُسْنِدَ ( لِظَاهِرٍ قَطَعُوا بِهِ ) ، إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ اخْتَارَ فِي ظَنِّ الطَّهَارَةِ خِلَافَهُ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ وَمِنْهُ : لَوْ أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ فَأَتَاهُ بِهِ عَلَى صِفَاتٍ السَّلَمِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ : هَذَا ( لَحْمُ ) مَيْتَةٍ لَا يَلْزَمُنِي قَبُولُهُ ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ، بَلْ مُذَكًّى فَعَلَيْك قَبُولُهُ ، فَالْمُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ قَطَعَ بِهِ ( الزُّبَيْرِيُّ ) فِي الْمُسْكِتِ ، وَالْعَبَّادِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَالْهَرَوِيُّ فِي ( الْإِشْرَافِ ) قَالَ الْعَبَّادِيُّ : لِأَنَّ اللَّحْمَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ ( وَالْأَصْلُ ) بَقَاءُ تَحْرِيمِهِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ .
قُلْت : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ ( لَحْمَ ) مَيْتَةٍ ، وَيَدَّعِي طَهَارَتَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ الْمُلْقَى فِي ( الْمِكْتَلِ ) أَوْ خِرْقَةٌ بِبَلَدِ الْمُسْلِمِينَ ، بَلْ أَوْلَى وَقَدْ قَالُوا فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَتَى سَيِّدَهُ بِمَالٍ ، فَقَالَ السَّيِّدُ : ( هَذَا ) حَرَامٌ ، فَالْمُصَدَّقُ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ ، أَنَّهُ حَلَالٌ ، وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ : إمَّا أَنْ تَأْخُذَهُ أَوْ تُبْرِيَهُ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ ، وَلَوْ وَكَّلَ شَخْصًا فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ وَوَصَفَهَا فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَمَاتَ الْوَكِيلُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِلْمُوَكِّلِ ، لَمْ يَحِلَّ لِلْمُوَكِّلِ ( وَطْؤُهَا ) ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ ، وَتَوْجِيهُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ ( شِرَاءَ ) الْوَكِيلِ الْجَارِيَةَ بِالصِّفَاتِ الْمُوَكَّلِ بِهَا ظَاهِرٌ فِي الْحِلِّ ، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ فَغَلَّبْنَاهُ .

وَمِنْهُ : لَوْ أَسْلَمَ ( الْكَافِرُ ) وَصَلَّى خَلْفَهُ رَجُلٌ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْإِمَامُ : كُنْتُ جَحَدْت الْإِسْلَامَ وَارْتَدَدْت قَالَ الطَّبَرِيُّ : فَإِنَّ ( صَلَاةَ ) الْمُؤْتَمِّ بِهِ لَا ( تَبْطُلُ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ مِنْهُ الْإِسْلَامَ لَمْ ( يَنْزِلْ ) عَنْ حُكْمِهِ ، إلَّا ( أَنْ ) يَسْمَعَ مِنْهُ الْجُحُودَ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ( حَالُ رَدَّةٍ وَحَالُ إسْلَامٍ ) ( وَصَلَّى ) خَلْفَهُ وَلَمْ يَعْرِفْ فِي أَيِّ ( حَالَتَيْهِ ) صَلَّى ، قَالَ ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ : أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُعِيدَ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجِبْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْإِسْلَامُ .

وَمِنْهُ : لَوْ ( تُنْجِبُ ) شَاةٌ ( سَخْلَةً ) رَأْسُهَا ( يُشْبِهُ ) رَأْسَ ( شَاةٍ ) ، وَذَنَبُهَا يُشْبِهُ ذَنَبَ الْكَلْبِ ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي ( حُسَيْنٍ ) أَنَّهَا تَحِلُّ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ فَحْلَهَا كَانَ كَلْبًا .

الرَّابِعُ : مَا فِيهِ خِلَافٌ ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْأَصْلِ فَمِنْهَا : لَوْ أَدْخَلَ الْكَلْبُ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ ، وَشَكَّ هَلْ وَلَغَ فِيهِ أَمْ لَا ، وَأَخْرَجَهُ وَفَمُهُ رَطْبٌ ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ الْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُلُوغِ وَهُوَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي عَلَى فَمِهِ يَكَادُ يَقْطَعُ بِأَنَّهَا مِنْ الْمَاءِ ، وَلَعَلَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا شَكَّ فِي أَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي عَلَى فَمِ الْكَلْبِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ حَصَلَتْ ، كَمَا إذَا شَاهَدْنَا رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ ، وَأَخْرَجَهُ وَعَلَى فَمِهِ رُطُوبَةٌ ، وَأَمَّا لَوْ شَاهَدْنَا فَمَهُ يَابِسًا وَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ رَطْبًا ، أَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ ( وَسَمِعْنَاهُ ) يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ ، فَلَا وَجْهَ إلَّا الْقَطْعُ بِالنَّجَاسَةِ .

وَمِنْهَا : لَوْ شَكَّ الْمُصَلِّي فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ الْيَقِينُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ غَيْرِهِ ، وَقِيلَ : إنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ قَوِيٌّ .

( وَمِنْهَا ) : لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّوَافِ : نَعَمْ ، لَوْ طَافَ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ أَتَمَّ الْعَدَدَ فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِبَقَاءِ شَيْءٍ ، فَالْأَقْرَبُ الرُّجُوعُ لِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُبْطِلُهُ ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ .

وَمِنْهَا : لَوْ اخْتَلَطَتْ تَمْرَةٌ حَلَالٌ بِتَمْرٍ ( كَثِيرٍ ) حَرَامٍ ، أَوْ صَيْدٌ مُبَاحٌ بِصَيْدٍ كَثِيرٍ مَمْلُوكٍ ، فَإِنَّهُ يُحَرَّمُ الْأَكْلُ مِنْ التَّمْرِ وَالصَّيْدِ ؛ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ لِغَلَبَةِ الْحَرَامِ ، وَنُدُورِ الْحَلَالِ ، فَإِنْ كَثُرَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ عِنْدَ إنْسَانٍ ، فَالْبَيْعُ مِنْهُ وَأَكْلُ مَالِهِ جَائِزٌ ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُ مَالِهِ ( حَرَامًا ) جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ أَيْضًا مَعَ الْكَرَاهَةِ ، كَذَا قَطَعُوا ( بِهِ ) مَعَ حِكَايَتِهِمْ قَوْلَيْنِ : فِي غَلَبَةِ ظَنِّ النَّجَاسَةِ وَجَزَمُوا عِنْدَ ظَنِّ الْحَرَامِ الْكَثِيرِ بِجَوَازِ الْمُعَامَلَةِ ، وَالْقِيَاسُ : إمَّا التَّسْوِيَةُ وَإِمَّا الْمَنْعُ مِنْهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ ( تَعَالَى ) ( بِهَا ) وَحَقِّ الْآدَمِيِّ ، وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّمَا لَمْ يُجْرُوا هُنَا الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّا صَادَفْنَا أَصْلًا مَرْجُوعًا إلَيْهِ فِي الْأَمْلَاكِ ، وَهُوَ الْيَدُ فَاعْتَمَدْنَاهُ ، بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ ، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ أَصْلًا يُعَارِضُ غَلَبَةَ الظَّنِّ ، إلَّا اسْتِصْحَابَ الطَّهَارَةِ .
قُلْت : وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ فِي الْمُعَامَلَةِ يُعَارِضُهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ ( الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْبَالِسِيُّ ) : يَنْبَغِي تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ حَتَّى ( لَوْ ) بَاعَ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْهُ الثَّمَنَ حَتَّى يَذْكُرَ جِهَتَهُ ، وَكَذَلِكَ فِي طَعَامِهِ ، لَوْ قَدَّمَهُ لَهُ ضِيَافَةً .
قُلْت : قَدْ قَالَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الضِّيَافَةِ ، فَقَالَ فِي الْوَلِيمَةِ : إذَا كَانَ الدَّاعِي إلَيْهَا فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ ، لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ ، وَلَوْلَا اعْتِبَارُ ذَلِكَ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ الْوَاجِبُ .

وَمِنْهَا : لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ فِيهَا دُونَ قُلَّتَيْنِ ، ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً ، فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ ؛ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا ( بَعْدَ الْوُضُوءِ )

وَمِنْهَا : لَوْ صَلَّى ( وَرَأَى ) بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً ، احْتَمَلَ وُقُوعُهَا بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الصَّلَاةِ ، لَمْ يُعِدْ ، وَلَوْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا وَلَمْ يَدْرِ مَتَى حَصَلَ لَهُ ، قَالَ الْأَصْحَابُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ .

وَمِنْهَا : لَوْ شَكَّ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ ، هَلْ صَلَّاهَا أَمْ لَا : قَالَ الرُّويَانِيُّ : إنْ كَانَ مَعَ بُعْدِ الزَّمَانِ ، لَمْ يُعِدْ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِ مَا ( وَقَعَ ) مِنْهُ فِي الْمَاضِي ( وَيَعْسَرُ ) عَلَيْهِ تَذَكُّرُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ كَمَنْ شَكَّ فِي آخِرِ الْأُسْبُوعِ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ عَلَى مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ مُوَاظَبَةَ الصَّلَاةِ ، أَمَّا مَنْ اعْتَادَ تَرْكَهَا أَوْ بَعْضَهَا ، فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا ( مُتَعَيَّنٌ ) ، لَا بُدَّ مِنْهُ .

وَمِنْهَا ثِيَابُ مُدْمِنِي النَّجَاسَاتِ وَطِينِ الشَّارِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَةِ ، وَالْمَقَابِرُ الَّتِي يَغْلِبُ ( نَبْشُهَا ) ، وَالْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ .
وَلِطِينِ الشَّارِعِ أُصُولٌ يُبْنَى عَلَيْهَا : ( أَحَدُهَا ) مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ .
( ثَانِيهَا ) : طَهَارَةُ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ عَلَى الْقَدِيمِ .
ثَالِثُهَا ) : طَهَارَةُ النَّجَاسَةِ بِالِاسْتِحَالَةِ إذَا اُسْتُهْلِكَتْ فِيهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَصَارَتْ طِينًا ، وَأَمَّا الَّذِي يُظَنُّ نَجَاسَتُهُ وَلَا يُتَيَقَّنُ طَهَارَتُهُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ : إنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَخَالَفَهُمَا النَّوَوِيُّ ( فَقَالَ ) الْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ .

( وَمِنْهَا ) : لَوْ جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَغَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ بَرِئَ مِنْ جِرَاحَتِهِ أَوْ مَاتَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا نَقَصَ لِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّوَائِدِ ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ كَامِلًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ .

( وَمِنْهَا ) : لَوْ جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا ( فَغَابَ ) ثُمَّ ( وَجَدَهُ ) مَيِّتًا وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مَاتَ بِجِرَاحَتِهِ أَوْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ ، فَالْوَاجِبُ جَزَاءٌ ( كَامِلٌ ) أَوْ ضَمَانُ الْجُرْحِ فَقَطْ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ( فَفِيهِ ) قَوْلَانِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : قُلْت : أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَهُوَ مُشْكِلٌ ؛ ( لِأَنَّهُ ) وُجِدَ سَبَبٌ يُمْكِنُ إحَالَةُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجُرْحُ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ آخَرَ سِوَاهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ صَيْدًا وَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا يَحِلُّ أَكْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ( وَلْنَنْظُرْ ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ ( الصُّوَرِ ) وَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الظَّبْيِ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَجِدُهُ مُتَغَيِّرًا حَيْثُ أَحَالُوهُ عَلَى الْبَوْلِ ، لَكِنْ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ ( لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ ) وَقَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ إذَا غَابَ عَنْ الصَّيْدِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ ثُمَّ قَالَ : وَنَظِيرُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَاءِ أَنْ يَبُولَ الظَّبْيُ فِيهِ وَلَا يَعْقُبُهُ التَّغَيُّرُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَانٌ ثُمَّ يُوجَدُ مُتَغَيِّرًا ( فَلَا ) يُحْكَمُ بِأَنَّ التَّغَيُّرَ عَنْ الْبَوْلِ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) قَالَ : وَلَا يُحْكَمُ ( بِمَوْتِ ) الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْهَا حَتَّى تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنْهَا إلَى أَنْ مَاتَ فَالْمَسَائِلُ ( الثَّلَاثُ ) كُلُّهَا سَوَاءٌ ( تَجْمَعُهَا نُكْتَةٌ ) وَاحِدَةٌ انْتَهَى .

( وَمِنْهَا ) : قَالَ : بِعْتُك الشَّجَرَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ ، فَالثَّمَرَةُ لِي وَعَاكَسَهُ الْمُشْتَرِي صُدِّقَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّ الدَّارِمِيَّ قَالَ : إنَّهُمَا ( يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ ) .

( وَمِنْهَا ) : لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ ، فَقَالَ الْبَائِعُ : وَضَعَتْهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ بَعْدَهُ قَالَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ النِّهَايَةِ : كَتَبَ ( الْحَلِيمِيُّ ) إلَى الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ ، قُلْت : وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا وَجْهَيْنِ

، ( وَمِنْهَا ) : لَوْ اخْتَلَفَ مَعَ مُكَاتَبَتِهِ فَقَالَتْ : ( وَلَدْتُهُ ) بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَمُكَاتَبٌ ) مِثْلِي فَقَالَ السَّيِّدُ : بَلْ قَبْلَهَا صُدِّقَ السَّيِّدُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَا : وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهَا لَهُ وَوَلَدَتْ وَقَدْ كَاتَبَهُ ، فَقَالَ السَّيِّدُ : وَلَدَتْ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ ( قِنٌّ ) لِي ، وَقَالَ الْمُكَاتَبُ : بَلْ بَعْدَ ( الشِّرَاءِ ) فَمُكَاتَبٌ صُدِّقَ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ ، وَفَرَّقَا بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ هُنَا يَدَّعِي مِلْكَ الْوَلَدِ كَمَا سَبَقَ ؛ ( لِأَنَّ ) وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ وَيَدُهُ مُقِرَّةٌ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ، وَالْمُكَاتَبَةُ لَا تَدَّعِي الْمِلْكَ ، بَلْ ثُبُوتَ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهِ .
تَنْبِيهَانِ : ( الْأَوَّلُ ) : الْقَوْلَانِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ .
الْمُرَادُ بِالْغَالِبِ ( غَلَبَةُ ) الظَّنِّ لَا مِنْ جِهَةِ عَلَامَةٍ تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الشَّيْءِ ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ أَصْلَ الْحِلِّ هَلْ يُزَالُ بِهِ كَالْخِلَافِ فِي ( التَّطْهِيرِ ) مِنْ أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ ، وَالصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ الْمَنْبُوشَةِ وَفِي ( طِينِ ) الشَّوَارِعِ ؟ أَعْنِي الْقَدْرَ الزَّائِدَ ( عَلَى ) مَا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ ، وَأَنَّ الْعَلَامَةَ إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِغَيْرِ التَّنَاوُلِ لَمْ ( يَجِبْ ) دَفْعُ الْأَصْلِ ، فَأَمَّا إذَا اسْتَنَدَ غَلَبَةُ الظَّنِّ إلَى عَلَامَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ ( بِعَيْنِ ) الشَّيْءِ ، وَجَبَ تَرْجِيحُ الْغَالِبِ كَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الظَّبْيَةِ ، فَإِنَّ الْبَوْلَ الْمُشَاهَدَ دَلَالَةٌ ( مُغَلِّبَةٌ ) لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ ، وَقَدْ بَانَ لَنَا أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْأَصْلِ ضَعِيفٌ وَلَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ مَعَ غَالِبِ الظَّنِّ ذَكَرَ هَذَا الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ .
الثَّانِي ) : قَالَ ( الْقَرَافِيُّ ) ( فِي ) تَقْدِيمِ الْأَصْلِ عَلَى الْغَالِبِ رُخْصَةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ نَادِرَةٌ فِيمَا يَغْلِبُ نَجَاسَتُهُ ، ( وَإِذَا ) كَانَ الْغَالِبُ النَّجَاسَةَ ، فَتَرْكُهُ وَرَعٌ ،

وَأَمَّا عِنْدَ اسْتِوَاءِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَتَرْجِيحِ جَانِبِ الطَّهَارَةِ فَتَرْكُهُ وَسْوَاسٌ .

تَعَارُضُ الْأَصْلَيْنِ يَخْرُجُ فِيهِ قَوْلَانِ فِي كُلِّ صُورَةٍ .
قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ : وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ ( فَلَا يُظَنُّ ) أَنَّ تَقَابُلَ الْأَصْلَيْنِ يَمْنَعُ الْمُجْتَهِدَ مِنْ إخْرَاجِ الْحُكْمِ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَخَلَتْ الْوَاقِعَةُ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ ( تَعَالَى ) ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ ، ( وَقَالَ ) الْمَاوَرْدِيُّ : إذَا تَعَارَضَا ( أَخَذْنَا ) بِالْأَحْوَطِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ شَكَّ وَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ هَلْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَمْ لَا أَتَمَّ الْجُمُعَةَ عَلَى الصَّحِيحِ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ ، وَلَوْ شَكَّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فِي بَقَاءِ الْوَقْتِ لَمْ يَجْمَعْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الظُّهْرِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ ، وَلَوْ رَمَى بِحَصَاةٍ وَشَكَّ أَنَّ حُصُولَهَا فِي الْمَرْمَى ( بِالْأَسْبَابِ ) أَوْ بِحَرَكَةِ الْمَحَلِّ ) فَهَلْ ( يُحْسَبُ ) ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى تَقَابُلِ ( الْأَصْلَيْنِ ) قَالَهُ فِي ( الْمُهَذَّبِ ) ، وَلَوْ قُدَّ مَلْفُوفًا وَزُعِمَ مَوْتُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ ، وَإِنَّمَا ( سَقَطَ ) الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ ( الْإِمَامَ ) وَهُوَ رَاكِعٌ وَشَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْإِجْزَاءِ ، فَهَلْ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرُّكُوعِ ، أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .

وَلَوْ اتَّفَقَ الْمُتَرَاهِنَانِ عَلَى الْإِذْنِ وَالرُّجُوعِ ، وَقَالَ الرَّاهِنُ : تَصَرَّفْت قَبْلَ الرُّجُوعِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ تَقَابُلُ الْأَصْلَيْنِ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَرَجَّحَ الْبَغَوِيّ السَّابِقَ لِلدَّعْوَى .

وَلَوْ قَبَضَ ( عِوَضًا ) مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ ، ثُمَّ تَنَازَعَا فِي عَيْبٍ ( يُمْكِنُ ) الْحُدُوثُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَيِّهِمَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِتَقَابُلِ أَصْلَيْنِ السَّلَامَةِ وَاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي بَابِ ( الْخَرَاجِ )

، وَلَوْ رَأَى طَائِرًا فَقَالَ : إنْ لَمْ آخُذْ هَذَا الطَّائِرُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ : ثُمَّ اصْطَادَ طَائِرًا ، وَزَعَمَ أَنَّهُ ذَلِكَ الطَّائِرُ ، وَالنَّاسُ لَا يَعْرِفُونَ الْحَالَ ، يُقْبَلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه مُحْتَمَلٌ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ نِكَاحِهِ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أَعْرِفُ أَنَا ذَلِكَ ( أَيْضًا ) وَاحْتَمَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ قَالَ فِي الْبَحْرِ : قَالَ : وَاَلَّذِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الطَّائِرَ ( وَأَنَّهُ لَمْ تَبَرَّ ) يَمِينُهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ( بَقَاءُ ) النِّكَاحِ ، ( وَهَكَذَا ) لَوْ قَالَ : فَعَبْدِي حُرٌّ هَلْ يُعْتَقُ عَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ ؟

وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ وَشَكَّ فِي بُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ ، فَهَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ ، أَوْ بِطَهَارَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ ؟ وَجْهَانِ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الثَّانِيَ ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَصْلَ الْمَاءِ الْقِلَّةُ كَمَا إذَا كَانَ كَثِيرًا ثُمَّ نَقَصَ ، وَشَكَّ فِي قَدْرِ الْبَاقِي مِنْهُ .

( وَمِنْهَا ) : لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ الْمُبْرِي .

( تَنْبِيهَاتٌ ) : ( الْأَوَّلُ ) : قَدْ يَتَعَارَضُ أَصْلَانِ وَلَا ( يَتَقَدَّمُ ) أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، بَلْ يُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَالْعَبْدِ الْمُنْقَطِعِ الْخَبَرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ ( يُجْزِئُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ الذِّمَّةِ فَلَا ( تَبْرَأُ ) إلَّا بِيَقِينٍ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ ، وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِيمَا إذَا أَرَادَ جَمَاعَةٌ إنْشَاءَ قَرْيَةٍ لَا لِلسَّكَنِ - فَأُقِيمَ فِيهَا الْجُمُعَةُ لَمْ يَجُزْ ، وَنَصٌّ فِيمَا إذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ وَانْهَدَمَتْ وَأَقَامَ أَهْلُهَا لِبِنَائِهَا وَأُقِيمَ فِيهَا الْجُمُعَةُ صَحَّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَنَظِيرُهُ ، إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ الْخُفَّ ، وَأَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِ الْقَدَمِ إلَى مُسْتَقَرِّهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ ، وَنَصٌّ فِيمَا إذَا أَخْرَجَهَا إلَى السَّاقِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا أَنَّهُ لَا ( يَضُرُّ ) ، فَلَهُ الْمَسْحُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .

( وَلَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ ، وَقَالَ : إنْ كُنْت مُحْدِثًا فَهَذَا يَرْفَعُهُ وَإِلَّا فَتَبَرُّدٌ صَحَّ ، وَلَوْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ وَقَالَ : ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ ) ، ( وَإِذَا قُلْنَا : الْحَامِلُ تَحِيضُ فَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَالْمُتَحَيِّرَةُ تُجْعَلُ فِي الصَّلَاةِ طَاهِرًا وَفِي الْوَطْءِ حَائِضًا ) .

وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ عَاشَرَهَا وَمَضَتْ ( ثَلَاثَةُ ) أَقْرَاءٍ انْقَضَتْ ( عِدَّتُهَا ) فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ عَلَى أَشْبَهِ الْأَوْجُهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ : وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْرَاءِ ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمْ تَنْقَضِ بِهَا ( أَخَذْنَا ) بِالِاحْتِيَاطِ ( مِنْ الْجَانِبَيْنِ )

، وَلَوْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ، ثُمَّ ( حَالَ ) سَحَابٌ ( فَلَمْ ) يَدْرِ هَلْ انْجَلَتْ أَمْ لَا ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَعَلَى عَكْسِهِ لَوْ كَانَ تَحْتَ ( الْغَيْمِ ) ( فَظَنَّ ) الْكُسُوفَ لَمْ ( يُصَلِّ ) حَتَّى يَسْتَيْقِنَ .

وَمِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْأَصْلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ : إذَا أَكَلْت الْهِرَّةُ فَأْرَةً ، أَوْ نَجَاسَةً ، ثُمَّ غَابَتْ ، وَاحْتُمِلَ وُلُوغُهَا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ جَارٍ ، ثُمَّ وَلَغَتْ فِي إنَاءٍ ، لَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ فَمِهَا اسْتِصْحَابًا - لِلْأَصْلِ ( فِيهَا ) .

( وَمِنْهَا ) : لَوْ وَجَدَ ( شَعْرًا ) ( مُلْقًى ) فِي خِرْقَةٍ ، وَشَكَّ هَلْ هُوَ ( مِنْ مُذَكَّاةٍ أَوْ مَيْتَةٍ ) ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ ، فَهُوَ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، أَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ ، فَنَجِسٌ ، وَإِنْ شَكَّ فَوَجْهَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ ( الْإِبَاحَةُ أَوْ الْحَظْرُ ) ، ( وَأَبْدَى ) صَاحِبُ الْبَحْرِ احْتِمَالًا فِي نَجَاسَةِ الْمَأْكُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ فَصَلَ فِي حَيَاتِهِ أَمْ لَا ( قَالَ ) ، النَّوَوِيُّ : وَهُوَ خَطَأٌ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا طَهَارَتَهُ فِي الْحَيَاةِ ، وَلَمْ يُعَارِضْهَا أَصْلٌ وَلَا ظَاهِرٌ ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ لَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ مُلْقَاةً ، وَفِي الْبَلَدِ مَجُوسٌ وَمُسْلِمُونَ ، فَنَجِسَةٌ ، أَوْ مُسْلِمُونَ خَاصَّةً ، فَإِنْ وَجَدَهَا فِي خِرْقَةٍ أَوْ مِكْتَلٍ ، فَطَاهِرَةٌ ، أَوْ مُلْقَاةٍ عَلَى الْأَرْضِ ، فَنَجِسَةٌ ( انْتَهَى ) ، وَيَنْبَغِي مَجِيءُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الشَّعْرِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُخِذَ مِنْ مُذَكَّى الْمَجُوسِ كَانَ نَجِسًا ، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ ، لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الثَّالِثِ - فِيمَا قَطَعُوا فِيهِ بِالْأَصْلِ - مَسْأَلَةُ اللَّحْمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ، إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ : هُوَ مَيْتَةٌ ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ : مُذَكًّى يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَاةِ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ ، وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّنْجِيسُ فِي اللَّحْمِ الْمُلْقَى فِي ( مِكْتَلٍ ) ، أَوْ خِرْقَةٍ بِبَلَدِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ ( لَا ) تَتَحَقَّقُ ، وَالْأَصْلُ الْحُرْمَةُ ( وَالِاعْتِمَادُ ) فِي الطَّهَارَةِ عَلَى رَبْطِهِ بِخِرْقَةٍ ، أَوْ وَضْعِهِ فِي مِكْتَلٍ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، وَدَعْوَاهُ الطَّهَارَةَ ، هَذَا الْفَرْعُ لَا يُعَكِّرُ عَلَى مَسْأَلَةِ الشَّعْرِ ، فَإِنَّ الشَّعْرَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ ، طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ ، فَاسْتُصْحِبَ لَهُ هَذَا الْأَصْلُ ، كَمَا اُسْتُصْحِبَ لِلَّحْمِ أَصْلُ التَّحْرِيمِ

وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَنَّا ، لَوْ وَجَدْنَا جِلْدًا مَدْبُوغًا وَلَمْ نَدْرِ هَلْ هُوَ جِلْدُ كَلْبٍ ، أَوْ غَيْرِهِ أَوْ دَرَيْنَاهُ وَشَكَكْنَا فِي أَنَّهُ دُبِغَ أَمْ لَا فَوَجْهَانِ انْتَهَى .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ النَّجَاسَةَ ؛ لِأَنَّا إذَا تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ جِلْدُ مَيْتَةٍ ، وَشَكَكْنَا فِي ( دَبْغِهِ ) كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ النَّجَاسَةِ ، وَلَوْ تَحَقَّقْنَا الدَّبْغَ وَشَكَكْنَا فِي ( آلَتِهِ ) فَالظَّاهِرُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الدَّبْغَ يَقَعُ بِالْأَشْيَاءِ ( الْحِرِّيفَةِ ) الْقَالِعَةِ .

الثَّانِي : لَوْ كَانَ فِي جِهَةِ أَصْلٌ وَفِي جِهَةٍ أَصْلَانِ ( فَمَالَ ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى الْقَطْعِ ( بِتَقْدِيمِ ) ذِي الْأَصْلَيْنِ ، وَأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا لَوْ شَكَّ ، هَلْ رَضَعَ ( فِي حَوْلَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَلَا تَحْرِيمَ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ رَضَعَ ) خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، أَوْ أَقَلَّ ، فَلَا تَحْرِيمَ قَطْعًا ، وَمَا ذَاكَ إلَّا ؛ لِأَنَّ لِلْأُولَى ( أَصْلًا ) ( وَهُوَ الْإِبَاحَةُ ) فَلَا يُزَالُ بِالشَّكِّ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَوْلَيْنِ ، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ ، فَلَهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ ، فَلَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ ( فِيهِ ) ، لَكِنَّ فِي إجْرَاء هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ نَظَرٌ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي تَرْجِيحِ ذِي الْأَصْلَيْنِ ، أَمَّا الْجَزْمُ فَلَا ، أَلَا تَرَى ( إلَى صُوَرٍ ) تَعَارَضَ فِيهَا أَصْلَانِ مَعَ أَصْلٍ وَاحِدٍ ، وَجَرَى فِيهَا الْخِلَافُ مِنْهَا ) أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِ ( الْمَرْهُونِ ) فَبَاعَهُ ( الرَّاهِنُ ) ، وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ بَيْعِهِ ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ الرُّجُوعِ ، وَيُعَارِضُهُ أَصْلَانِ : عَدَمُ الْبَيْعِ وَاسْتِمْرَارُ الرَّهْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ .

وَمِنْهَا : لَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ ، لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَزِدْ بِاضْطِرَابِ الْجَانِي ، فَلَوْ زَادَ بِاضْطِرَابِهِ .
فَلَا غُرْمَ ( وَلَوْ ) قَالَ : تَوَلَّدَتْ الزِّيَادَةُ بِاضْطِرَابِك فَلَا غُرْمَ ، فَأَنْكَرَ ، فَفِي الْمُصَدَّقِ وَجْهَانِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَالْأَصْلَ عَدَمُ الِاضْطِرَابِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَكَانَ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِتَصْدِيقِ الْمَشْجُوجِ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي حَقِّهِ أَصْلَانِ ، أَحَدُهُمَا : مَا تَقَدَّمَ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ارْتِعَاشِهِ أَيْضًا ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الشَّاجِّ ، ( إلَّا أَصْلٌ ) وَاحِدٌ ، وَالْأَصْلَانِ مُقَدَّمَانِ عَلَى أَصْلٍ ( وَاحِدٍ ) ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : كَوْنُ الْأَصْلِ عَدَمَ ارْتِعَاشِ الْمَشْجُوجِ لَا يَسْتَلْزِمُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ ، فَإِنَّهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ( مُتَعَمِّدٌ ) لِلْفِعْلِ ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْأَصْلِ ، فَلَا يُرَجَّحُ بِهَذَا الْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الْأَرْشِ ، وَقَدْ نُوزِعَ فِي قَوْلِهِ : فِي الْمَشْجُوجِ أَصْلَانِ ، بَلْ أَصْلٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ عَدَمُ اضْطِرَابِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ ( مَسَّتْهُ ) آلَةُ الْقِصَاصِ ، ( يَتَحَرَّكُ ) بِالطَّبْعِ ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ : لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْمُدْيَةِ يُحَرِّكُهَا ، وَالْبَهِيمَةُ تُحَرِّكُ حَلْقَهَا ، فَحَصَلَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ بِتَحَامُلِهَا وَتَحْرِيكِ يَدِهِ ، فَالْوَجْهُ التَّحْرِيمُ ؛ لِاشْتِرَاكِ الْبَهِيمَةِ وَالذَّابِحِ .

الثَّالِثُ : إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ وَأَنْ يُقَالَ : إنَّهُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْأَصْلِ ، لِعَارِضٍ ( فَالْأَوَّلُ ) أَوْلَى ؛ لِمَا يَلْزَمُ ( فِي الثَّانِي ) مِنْ ( مُخَالَفَتِهِ ) مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ، قَالَ : وَمِثْلُهُ : إذَا حَكَمَ الشَّارِعُ ، بِأَنَّ أَثَرَ الدَّمِ ( بَعْدَ الْغُسْلِ ) ، لَا يَضُرُّ ، أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَدْ ( طَهُرَ ) ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلْعَفْوِ عَنْهُ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فَيُقَالَ : الْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ مَعَ الْعَفْوِ مُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ ، فَإِنْ لَزِمَ مُخَالَفَةُ ( أَصْلٍ ) آخَرَ مِنْ الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ فَحِينَئِذٍ ، يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ ( وَالتَّرْجِيحِ ) .

تَعَارُضُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ يُقَدَّمُ الْحَظْرُ وَمِنْ ثَمَّ ، لَوْ تَوَلَّدَ ( الْحَيَوَانُ ) مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ حُرِّمَ أَكْلُهُ ، وَإِذَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ وَجَبَ الْجَزَاءُ تَغْلِيبًا ، لِلتَّحْرِيمِ ، وَلَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ ، وَجَبَ التَّعْفِيرُ ، وَهِيَ مِنْ قَاعِدَةِ ( اجْتِمَاعِ ) الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَقَدْ سَبَقَتْ فِي حَرْفِ الْهَمْزَةِ .

تَعَارُضُ الْوَاجِبِ وَالْمَحْظُورِ يُقَدَّمُ الْوَاجِبُ كَمَا ، إذَا اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ وَجَبَ غُسْلُ الْجَمِيعِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ ، ( وَكَذَلِكَ ) اخْتِلَاطُ الشُّهَدَاءِ بِغَيْرِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ غُسْلُ ( الشَّهِيدِ حَرَامًا ) وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ، إنْ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا .
وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْهِجْرَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهَا وَحْدَهَا حَرَامًا ، ( وَيُعْذَرُ ) الْمُصَلِّي فِي التَّنَحْنُحِ ، إذَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ .

وَقَدْ يَتَعَارَضُ حَرَامَانِ يَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَاجِبٍ ، كَإِحْرَامِ الْمَرْأَةِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا كَشْفُ وَجْهِهَا ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِكَشْفِ بَعْضِ الرَّأْسِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ رَأْسِهَا إذَا أَرَادَتْ الصَّلَاةَ ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِسَتْرِ بَعْضِ الْوَجْهِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : فَالْوَاجِبُ عَلَيْهَا مُرَاعَاةُ الرَّأْسِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي السَّتْرِ ، وَكَشْفُ الْوَجْهِ عَارِضٌ ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ : يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا ، إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي لَا يُمْكِنُهَا تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ ، إلَّا بِسَتْرِ بَعْضِهِ مِنْ الْوَجْهِ ، فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا وَجَبَ عَلَيْهَا كَشْفُ جَمِيعِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ ، إلَّا بِكَشْفِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ ، فَيُكْشَفُ ذَلِكَ ( الْقَدْرُ ) أَيْضًا ، فَلِمَ قَدَّمْتُمْ السَّتْرَ ( عَلَى ) الْكَشْفِ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ الرَّأْسَ يَجِبُ سَتْرُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي ( جَمِيعِهِ ) ( وَفِي ) الْوَجْهِ لِلنَّهْيِ عَنْ النِّقَابِ ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ السَّتْرِ ، لَا يَكُونُ نِقَابًا ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ ؛ وَلِأَنَّ السَّتْرَ آكَدُ فَغَلَبَ حُكْمُهُ .

تَعَارُضُ الْوَاجِبَيْنِ يُقَدَّمُ آكَدُهُمَا فَيُقَدَّمُ فَرْضُ الْعَيْنِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّوَافِ : قَطْعُ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ ، لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ ، إذْ لَا يَحْسُنُ تَرْكُ فَرْضِ الْعَيْنِ ( لِفَرْضِ ) الْكِفَايَةِ ، وَقَالَ فِي بَابِ الْكُسُوفِ : لَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ ، قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجِنَازَةَ ؛ لِأَنَّ ( لِلْجُمُعَةِ ) بَدَلًا ، وَقَالَ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ ، إلَّا ( بِإِذْنِ ) الْمُدَايِنِ ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْفَرْضَ الْمُتَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، وَيَشْتَغِلَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ .
قُلْت : وَكُلُّ هَذَا يَرُدُّ إطْلَاقَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ ( إسْقَاطِهِ الْحَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ ) ، وَالْعَمَلُ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ ، وَمِنْ هَذَا لَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْعُ الْوَلَدِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ ، بِخِلَافِ الْجِهَادِ ، ( فَإِنَّهُ ) لَا يَجُوزُ ، إلَّا بِرِضَاهُمَا ؛ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفَرْضُ ( الْعَيْنِ ) مُقَدَّمٌ .
نَعَمْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَقَالُوا : إنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا فَلَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ ، ( وَكَذَا ، إنْ ) كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ ( عَلَى ) الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيَّنِ .
وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّ الْجِهَادَ مَا دَامَ فَرْضَ كِفَايَةٍ ، فَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْهُ ، فَإِنْ صَارَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْعِلْمُ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ .
قُلْت : وَعَلَى الْأَوَّلِ ( يَنْزِلُ ) نَصُّ الشَّافِعِيِّ ، الَّذِي حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ : لَيْسَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ ، قِيلَ ( لَهُ ) : وَلَا الْجِهَادُ فِي

سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .

( وَإِنْ ) اجْتَمَعَ فَرْضَا عَيْنٍ ، فَإِمَّا أَنْ ( يَكُونَا ) لِلَّهِ ، أَوْ لَهُ وَلِآدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَا لِلَّهِ ( تَعَالَى ) ، قُدِّمَ آكَدُهُمَا ؛ وَلِهَذَا لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ ( فَرِيضَةٍ ) ، وَقَضَاءِ ( الْفَائِتَةِ ) كَانَ فَرْضُ الْوَقْتِ أَوْلَى ، كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ ( وَكُسُوفٌ ) وَضَاقَ الْوَقْتُ يُصَلَّى الْعِيدُ ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ ، إلَّا عَلَى أَحَدِهِمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ وَيُقَدَّمُ مَا لَا يُتْرَكُ بِالْعُذْرِ أَلْبَتَّةَ ، كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ بِاللَّيْلِ وَطَرَفُهُ الْآخَرِ خَارِجٌ ، وَأَصْبَحَ كَذَلِكَ ، فَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ نَزَعَهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ فَقِيهٌ إلَى نَزْعِهِ وَهُوَ غَافِلٌ ، ( وَإِنْ ) لَمْ يَتَّفِقْ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ بِنَزْعِهِ أَوْ ابْتِلَاعِهِ أَوْلَى ، وَيَقْضِي الصَّوْمَ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُتْرَكُ بِالْعُذْرِ ، وَقِيلَ : الْأَوْلَى تَرْكُهُ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ مَرَّةٌ فِي السَّنَةِ ، وَيُصَلِّي لِلضَّرُورَةِ وَيَقْضِي الصَّلَاةَ ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ، وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي الْمَرْأَةِ ، فَإِذَا قُلْنَا : يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ فَرْجِهَا ، إذَا انْتَشَرَ بَوْلُهَا إلَيْهِ وَتَجْفِيفُهُ .
هَكَذَا ( رَجَّحُوا ) هُنَا تَقْرِيمَ الصَّلَاةِ وَقَدَّمُوا الصَّوْمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا حَشْوُ الْفَرْجِ بِقُطْنٍ ، إلَّا إذَا كَانَتْ صَائِمَةً .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ الْمُقَدَّمُ مِنْهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، وَالْأَصَحُّ فِيهِ مُرَاعَاةُ الصَّلَاةِ ، يَعْنِي وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ ، ثُمَّ فَرَّقَ بِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ ( دَوَامُهَا ) فَلَوْ رَاعَيْنَا الصَّلَاةَ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي ( الثَّلَاثَ ) صَلَوَاتٍ النَّهَارِيَّةِ وَتَحْشُو لِكُلٍّ دَائِمًا ، فَلَا يُتَصَوَّرُ ( مِنْهَا ) الصَّوْمُ وَالْقَضَاءُ مُتَيَسِّرٌ كُلَّ وَقْتٍ ، وَأَيْضًا

، فَإِنَّ الْمَحْذُورَ هُنَا ( مَعَ الْحَشْوِ ) ( يَخِفُّ ) ، وَلَا يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ ؛ فَإِنَّ الْحَشْوَ ( يَتَنَجَّسُ ) ( وَهِيَ حَامِلَتُهُ ) ، وَهُنَاكَ يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ .
قُلْت : إنَّمَا لَمْ يُخَرِّجُوا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْخِلَافَ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمْ ( يُوجَدْ مِنْهَا ) تَقْصِيرٌ ( فَخُفِّفَ ) عَنْهَا أَمْرُهَا ( فَصَحَّتْ ) الْعِبَادَتَانِ مِنْهَا ) قَطْعًا ، كَمَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَعَ النَّجَاسَةِ ، وَالْحَدَثِ الدَّائِمِ لِلضَّرُورَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ ، ( وَيَشُقُّ ) بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ ، إلَّا نَادِرًا .

وَقَالُوا فِي الْمُحْرِمِ : إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ ، لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ ، امْتَنَعَ ، عَلَيْهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ فَعَلَى ( الْأَصَحِّ ) قِيلَ : يُصَلِّي بِالْأَرْضِ مُطَمْئِنًا ، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَقِيلَ : يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَعَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمَا إذَا عَلِمَ فَوْتَ الْكُلِّ ، فَلَوْ عَلِمَ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ ، فَعَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى الْمَوْقِفِ ، وَيُصَلِّي رَكْعَةً فِي الْمَوْقِفِ ، وَلَوْ كَانَ إذَا صَلَّى قَائِمًا لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهُ ، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا اسْتَمْسَكَ ، فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي التَّحْقِيقِ يُصَلِّي قَاعِدًا ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَاعِدًا مَعَ الطَّهَارَةِ أَوْلَى .

وَلَوْ حُبِسَ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ وَمَعَهُ ثَوْبٌ ، إنْ بَسَطَهُ صَلَّى عُرْيَانًا قَالُوا : يَبْسُطهُ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا فِي الْأَصَحِّ .

وَلَوْ كَانَ الْمُحْدِثُ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَوَجَدَ ( مَاءً يَكْفِي ) أَحَدَهُمَا قَدَّمَ ( النَّجَاسَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ ، وَلَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا فِي ( رَمَضَانَ ) وَأَصْبَحَ صَائِمًا تَعَارَضَ وَاجِبَانِ ، إنْ قُلْنَا : يَجِبُ الِاسْتِقَاءَةُ .

وَلَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ عَلَى بَدَنِهِ طِيبٌ وَمَعَهُ ( مَا يَكْفِيه ) لِوُضُوئِهِ ، وَجَبَ إزَالَةُ الطِّيبِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ كَالنَّجَاسَةِ ، قَالَ ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) ، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً قَلِيلًا إنْ غَسَلَهُ ( بِهِ ) لَمْ يَكْفِهِ لِوُضُوئِهِ غَسَلَهُ بِهِ ( وَيَتَيَمَّمُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِهِ ، وَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي تَرْكِهِ إذَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ ، وَهَذَا مُرَخَّصٌ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ ، إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً انْتَهَى .

( وَإِنْ ) كَانَ الْحَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِآدَمِيٍّ ، قُدِّمَ الْمُضَيَّقُ ؛ وَلِهَذَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ أَدَاءِ صَوْمِ ( رَمَضَانَ ) .
وَكَذَا مِنْ قَضَائِهِ ، إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ ، وَمِنْهُ حَجُّ الْفَرْضِ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ : نَعَمْ إنْ لَمْ يَمْتَدَّ زَمَنُ الْمُوَسَّعِ كَالصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ .

وَحَكَى الْجِيلِيُّ : إنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَهُوَ بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ لَوْ خَرَجَ مِنْهَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ أَنَّهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ .

وَلَوْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ عَلَى مَنْ لَهُ أَبَوَانِ سَقَطَ إذْنُهُمَا .

وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ ، قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اجْتَمَعَ الْحَجُّ وَالدَّيْنُ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اجْتَمَعَ جِزْيَةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ حَيْثُ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الْجِزْيَةِ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهَا أُجْرَةُ الدَّارِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ ، وَجَبَ الْقِسْطُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ ، وَالزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْمَرْهُونِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ .

تَعَارُضُ السُّنَّتَيْنِ ( إنْ ) كَانَا نَفْسَ الْعِبَادَةِ لَمْ يَكُنْ ، ( لِإِحْدَاهُمَا ) مِزْيَةٌ عَلَى الْأُخْرَى ، وَإِنْ كَانَتْ ( إحْدَاهُمَا ) فِي نَفْسِ الْعِبَادَةِ ، وَالْأُخْرَى مَحَلَّهَا قُدِّمَتْ الْمُتَعَلِّقَةُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ جَمَاعَةً فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ ، وَمِنْهُ الْقُرْبُ مِنْ الْبَيْتِ ( لِلطَّائِفِ فَضِيلَةٌ ) فِي مَحَلِّ الْعِبَادَةِ ، وَالرَّمَلُ فِي نَفْسِهَا ، فَإِذَا حَصَلَ زِحَامٌ تَبَاعَدَ مِنْ الْبَيْتِ وَرَمَلَ ، وَلَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي ( الثَّلَاثَةِ ) الْأُوَلِ ، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِيهَا سُنَّةٌ ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِهَا ، وَلَا يُشْرَعُ تَرْكُ سُنَّةٍ فِي عِبَادَةٍ ؛ لِأَجْلِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا ، وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّنَّتَيْنِ هُنَا فِي نَفْسِ الْعِبَادَةِ ، فَلَمْ يَكُنْ ، ( لِإِحْدَاهُمَا ) مَزِيَّةٌ عَلَى الْأُخْرَى ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَصَدَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ ( فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ) : الَّذِي أَرَاهُ تَحْصِيلُ الصَّفِّ ( الْأَوَّلِ ) ، إلَّا فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ .

تَعَارُضُ فَضِيلَتَيْنِ يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا لَوْ تَعَارَضَ الْبُكُورُ إلَى الْجُمُعَةِ ، بِلَا غُسْلٍ ( وَتَأْخِيرُهُ ) مَعَ الْغُسْلِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَحْصِيلَ الْغُسْلِ أَوْلَى لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ .

وَلَوْ تَعَارَضَ فَضِيلَةُ سَمَاعِ ( الْقُرْآنِ مِنْ الْإِمَامِ ) مَعَ قِلَّةِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ سَمَاعِهِ مَعَ كَثْرَتِهَا ، فَالظَّاهِرُ تَفْضِيلُ الْأَوَّلِ

، وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ ، لَوْ أَتَى بِسُنَنِ الْوُضُوءِ ، فَفِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَوْلَى ، قَالَ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا هَذَا فِي الْجَمَاعَةِ ، أَمَّا الْجُمُعَةُ فَيَنْبَغِي إذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ( فَيَجِبُ ) عَلَيْهِ لِيُدْرِكَ الْجُمُعَةَ .

وَلَوْ مَلَكَ عَقَارًا وَأَرَادَ الْخُرُوجَ عَنْهُ ، فَهَلْ الْأَوْلَى الصَّدَقَةُ بِهِ حَالًا أَمْ ( وَقْفُهُ ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ شِدَّةٍ وَحَاجَةٍ فَتَعْجِيلُ ) الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِيهِ وَقْفُهُ ، وَلَعَلَّ الْوَقْفَ أَوْلَى لِكَثْرَةِ ( جَدْوَاهُ ) ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْمَطْلَبِ تَقْدِيمَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ بِهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ حَظِّ النَّفْسِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ .

وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَرَأَى جَمَاعَةً يُصَلُّونَ إتْمَامًا فَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ أَنْ يُصَلِّيَ قَصْرًا مُنْفَرِدًا أَوْ يُصَلِّي جَمَاعَةً إتْمَامًا ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ : الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً إتْمَامًا فَإِنَّ النَّوَوِيَّ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ : إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) إنَّمَا يُوجِبُ الْقَصْرَ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِمُتِمٍّ ( فَإِنْ ) اقْتَدَى بِهِ جَازَ لَهُ الْإِتْمَامُ وَالْقَصْرُ .

وَلَوْ تَيَقَّنَ فَاقِدُ الْمَاءِ وُجُودَهُ آخِرِ الْوَقْتِ ، فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ ، وَالثَّانِي ، لَا ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا قَالُوا : الصَّلَاةُ بِالْوُضُوءِ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنْهَا بِالتَّيَمُّمِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ .
كَانَ إذَا قَدَّمَهَا بِالتَّيَمُّمِ صَلَّاهَا جَمَاعَةً ، وَإِذَا أَخَّرَهَا صَلَّاهَا بِالْوُضُوءِ مُنْفَرِدًا ، فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ .

وَلَوْ تَعَارَضَ الْإِتْيَانُ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا وَالْإِتْيَانُ بِهَا آخِرَهُ جَمَاعَةً ( فَقَالَ ) أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَفْضَلِيَّةِ التَّأْخِيرِ وَأَكْثَرُ الْمَرَاوِزَةِ ( بِأَفْضَلِيَّةِ ) التَّقْدِيمِ ، وَتَوَسَّطَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ : يَنْبَغِي إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ ، وَإِنْ ( خَفَّ ) فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ ، أَمَّا لَوْ تَحَقَّقَهَا آخِرَ الْوَقْتِ ، فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ فَيَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ ، كَذَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ إذَا رَجَا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ آخِرَ الْوَقْتِ وَالْعَارِي إذَا ( رَجَا السُّتْرَةَ ) آخِرَ الْوَقْتِ .

تَعَارُضُ الْوَاجِبِ وَالْمَسْنُونِ ، وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْمَسْنُونِ يُتْرَكُ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ كَمَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ ( عَنْ ) تَكْرَارِ الْأَعْضَاءِ فِي الطَّهَارَةِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِي لِوُضُوئِهِ وَهُوَ عَطْشَانُ وَلَوْ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ لَمْ يَفْضُلْ لِلْعَطَشِ شَيْءٌ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبِ لَفَضَلَ لِلْعَطَشِ قَالَهُ الْجِيلِيُّ .
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ ( ثَلَاثًا ) لَمْ يَكْفِهِ الْمَاءُ قَالَ : يَجِبُ أَنْ يَغْسِلَ مَرَّةً فَلَوْ غَسَلَ ( ثَلَاثًا ) فَلَمْ يَكْفِ يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فِي غَرَضِ التَّثْلِيثِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَمْكَنَ الْمَرِيضُ الصَّلَاةَ قَائِمًا بِالْفَاتِحَةِ ، فَصَلَّى قَاعِدًا بِالسُّورَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ انْتَهَى .
وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه وَقُلْنَا : يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ كَالتَّثْلِيثِ .

وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَتَى بِهَا لَأَدْرَكَ ( الرَّكْعَةَ ) ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ( الْوَاجِبِ ) لَأَوْقَعَ الْجَمِيعَ فِي الْوَقْتِ ( قَالَ ) : فَأَمَّا السُّنَنُ الَّتِي تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ فَلَا شَكَّ ( فِي الْإِتْيَانِ ) بِهَا ، وَأَمَّا غَيْرُهَا ، فَالظَّاهِرُ الْإِتْيَانُ بِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ( الصِّدِّيقَ ) ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) كَانَ يُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِي الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهَا إلَّا إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ ( 259 ) فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُلَبِّيَ يَرُدُّ السَّلَامَ فِي تَلْبِيَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ حَكَاهُ فِي التَّهْذِيبِ .
تَنْبِيهٌ الْخِلَافُ فِي ( التَّفْضِيلِ ) بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالطَّوَافِ لَا يَتَحَقَّقُ ، فَإِنَّ التَّفْضِيلَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ مُتَجَانِسَيْنِ كَمَنْدُوبَيْنِ وَلَا تَفْضِيلَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ لِمَنْ اعْتَمَرُوا ، فَرْضَ عَيْنٍ لِمَنْ لَمْ يَعْتَمِرْ وَالْكَلَامُ فِي الطَّوَافِ الْمَسْنُونِ فَكَيْفَ جَاءَ الْخِلَافُ ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ إحْيَاءَ الْكَعْبَةِ ( بِالْعُمْرَةِ ) لَيْسَ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَاتِ .

كَالْمُحْرِمِ يَتَوَضَّأُ هَلْ يَأْتِي بِسُنَّةِ تَخْلِيلِ الشَّعْرِ ؟ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْحَجِّ : لَا يُخَلِّلُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَسَاقُطِ الشَّعْرِ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ كَمَا تُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِلصَّائِمِ .

تَعَارُضُ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضِي يُقَدَّمُ الْمَانِعُ ؛ ( وَلِهَذَا ) لَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ مَهْرُهَا وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ سَقَطَ الشَّطْرُ وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا يَشْطُرُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْمُتْعَةِ

( وَمِنْهَا ) : لَوْ اسْتَشْهَدَ الْجُنُبُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ .

( وَمِنْهَا ) : لَوْ اسْتَاكَ الصَّائِمُ لِتَغَيُّرِ فَمِهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ الصَّوْمِ ( قَالَ ) الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ : لَا يُكْرَهُ وَالْقِيَاسُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْكَرَاهَةُ .

( قَاعِدَةٌ ) تَعَارُضُ الْمَفْسَدَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : أَجْمَعُوا عَلَى دَفْعِ الْعُظْمَى فِي ارْتِكَابِ الدُّنْيَا وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ أَنْ تُدْرَأَ أَعْظَمُ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا إذَا تَعَيَّنَ وُقُوعُ ( إحْدَاهُمَا ) بِدَلِيلِ ( حَدِيثِ { بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ لَمَّا نَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَجْرِهِ } ) وَأَنْ يَحْصُلَ أَعْظَمُ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَرْكِ أَخَفِّهِمَا إذَا تَعَيَّنَ عَدَمُ ( إحْدَاهُمَا ) قَالَ وَأَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ لَا أَنَّهُ عَامٌّ مُطْلَقًا حَيْثُ كَانَ وَوُجِدَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ ( إذَا ) تَعَارَضَ مَصْلَحَتَانِ حَصَلَتْ الْعُلْيَا مِنْهُمَا بِتَفْوِيتِ الدُّنْيَا قَالَ : وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ لَوْ نَزَلَ عَلَى بَلَدٍ ( وَخَافَ ) أَهْلُهُ مِنْ اسْتِئْصَالِهِمْ وَسَأَلَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ مَالَ فُلَانٍ أَوْ امْرَأَتَهُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ مُفْسِدَةَ الْوَاحِدِ ( أَخَفُّ مِنْ مُفْسِدَةِ الْجَمِيعِ ) .
وَأَجَابَ بِأَنَّ مَصَالِحَ الشَّرْعِ وَمَفَاسِدَهُ مِنْهَا مَا عُلِمَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّلَةِ وَمِنْهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ ، كَالتَّعَبُّدَاتِ فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْلَمْ مَفْسَدَتُهُ وَيَجِبُ أَنْ ( نَعْتَقِدَ ) أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي قُدِّمَتْ عَلَى الِاسْتِئْصَالِ غَيْرُ مَفْسَدَةِ مَالِ فُلَانٍ وَزَوْجَتِهِ عَمَلًا ( بِعَادَةِ ) اللَّهِ ( تَعَالَى ) مَعَ عِبَادِهِ فِي شَرَائِعِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ ثَبَتَ بِالِاجْتِهَادِ كَانَ مُشْكِلًا ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ الْمَعْلُومَةَ دُونَ الْمَجْهُولَةِ ، وَمِنْ فُرُوعِهِ : مَا لَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَائِبٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَيَدَعُ الطَّعَامَ ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ بِالنَّصِّ وَطَعَامِ الْغَيْرِ بِالِاجْتِهَادِ .

وَلَوْ اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا صَيْدًا فَقِيلَ : يَأْكُلُ الصَّيْدَ لِغِلَظِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالْأَصَحُّ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّيْدِ ( يَرْتَكِبُ ) مَحْظُورَيْنِ وَهُمَا الْقَتْلُ وَالْأَكْلُ .

( وَمِنْهَا ) : الْخُلْعُ فِي الْحَيْضِ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ إنْقَاذَهَا مِنْهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَفْسَدَةِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا .

( وَمِنْهَا ) : إذَا أُلْقِيَ فِي السَّفِينَةِ نَارٌ وَاسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِي الْهَلَاكِ أَيْ الْمَقَامُ فِي النَّارِ وَإِلْقَاءُ النَّفْسِ فِي الْمَاءِ فَهَلْ يَجُوزُ إلْقَاءُ النَّفْسِ أَوْ يَلْزَمُهُ الْمَقَامُ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ .

تَعَارُضُ الْمُوجِبِ وَالْمُسْقِطِ يُغَلَّبُ الْمُسْقِطُ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ عَمْدًا وَخَطَأً وَمَاتَ لَا قِصَاصَ .

وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ لَا قِصَاصَ ؛ لِتَخَلُّلِ حَالَةٍ تَمْنَعُ مِنْ الْقِصَاصِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِهِ .

وَلَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ مَا فِيهِ زَكَاةٌ ( كَالْغَنَمِ ) وَمَا لَا ( زَكَاةَ فِيهِ ) ( كَالظِّبَاءِ ) فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَكَذَا الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ وَلَوْ قَذَفَ الْمُبْعِضُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُحَدُّ أَرْبَعِينَ ، وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى يُحَدُّ حَدَّ الرَّقِيقِ ، نَعَمْ الصَّيْدُ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَمَا لَا يَأْكُلُ حَرَامٌ ، ( وَإِذَا ) قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى ( التَّغْلِيظِ وَكَذَا الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ يُوجِبُ التَّعْفِيرَ ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ) الِاحْتِيَاطِ أَمَّا تَوَلُّدُ الْفِعْلِ بَيْنَ مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ كَمَا إذَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ بِالْخِتَانِ فِي الْحَرِّ ( وَالْبَرْدِ ) فَالْوَاجِبُ جَمِيعُ الضَّمَانِ لِلتَّعَدِّي أَمْ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ وَالْهَلَاكُ ( حَصَلَ ) بَيْنَ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .

( وَمِنْهَا ) إذَا ضَرَبَهُ فِي الْحَدِّ ( فَأَنْهَرَ ) دَمَهُ ( فَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ ( مِنْ ) رِقَّةِ جِلْدِهِ فَإِنْ عَادَ ( وَضَرَبَهُ ) فِي مَوْضِعِ إنْهَارِ الدَّمِ فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ : فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا جَمِيعُ الدِّيَةِ وَالثَّانِي نِصْفُهَا قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ .

وَلَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ ( فَمَاتَ ) وَجَبَ قِسْطُهُ بِالْعَدَدِ ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُ دِيَةٍ وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ ( إحْدَى ) وَثَمَانِينَ .

وَلَوْ اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ فِي ( جَرْحِ ) صَيْدٍ ، وَمَاتَ بِهِمَا ( لَزِمَ الْمُحْرِمَ نِصْفُ الْجَزَاءِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَلَالِ ) .

إذَا اجْتَمَعَ فِي الصَّلَاةِ حُرٌّ غَيْرُ فَقِيهٍ وَعَبْدٌ فَقِيهٌ ، فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْحُرِّ وَقِيلَ : الرَّقِيقُ وَمَالَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيُّ إلَى التَّسْوِيَةِ وَقَالُوا فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ : إنَّ النَّقِيصَةَ لَا تَجْبُرُهَا الْفَضِيلَةُ وَلَا يُقَابَلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَلَا تُزَوَّجُ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ دَنِيَّةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ .

وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ حُرًّا ذِمِّيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْأَصَحُّ الْقِصَاصُ .

وَفِيهِ نَظَرَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : إنْ ( تَعَاطَاهَا ) مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّحْرِيمِ كَانَ لَهُ حُرْمَةٌ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ ( بِالتَّحْرِيمِ ) فَلَا أَثَرَ لَهُ ، وَلَوْ رَهَنَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْهُ ، فَالْبَيْعُ وَالرَّهْنُ فَاسِدَانِ ، فَلَوْ كَانَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا الْمُرْتَهِنُ أَوْ بَنَى قَبْلَ ( حُلُولِ ) وَقْتِ الْبَيْعِ قَلَعَ مَجَّانًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَرَسَ بَعْدَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِفَسَادِ الْبَيْعِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ جَاهِلًا ، بِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ النَّصِّ ، وَأَشَارَ إلَى احْتِمَالٍ بِخِلَافِهِ ؛ ( لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا لَوْ بَاعَهُ أَرْضًا بَيْعًا فَاسِدًا ) ، ثُمَّ غَرَسَهَا الْمُشْتَرِي مَعَ عِلْمِهِمَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَهَلْ يَقْلَعُ مَجَّانًا أَوْ لَا لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَى الِانْتِفَاعِ ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : لَا نَقْلَ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
قُلْت : تُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهَا وَفِي الْحِلْيَةِ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ بَيْعًا فَاسِدًا ، أَوْ بَنَى لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَلْعُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ ، إلَّا ( بِشَرْطِ ) ضَمَانِ النَّقْصِ ، وَلَهُ أَنْ يَبْذُلَ الْقِيمَةَ وَيَتَمَلَّكَهَا عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : لَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ الْأَرْضِ وَلَا أَخْذُ قِيمَتِهَا ، ( وَكَانَ ) ( أَبُو يُوسُفَ ) ، ( وَمُحَمَّدٌ ) ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) يَنْقُضُ الْبِنَاءَ وَيَقْلَعَ الْغِرَاسَ وَيَرُدُّ الْأَرْضَ عَلَى الْبَائِعِ ، ( قَالَ ) الشَّاشِيُّ : وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا وَالْأَوَّلُ حَكَاهُ فِي الْحَاوِي .

وَمِثْلُهُ : لَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ ، لَا يَجِبُ الْمَهْرُ ، كَمَا لَوْ بِيعَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَتْلَفَهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَهْرَ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ ، وَقَدْ تَزَوَّجَ وَلَا شُعُورَ لَهَا بِحَالِ الزَّوْجِ فَكَيْفَ يَبْطُلُ حَقُّهَا ؟ وَهَذَا بَنَاهُ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِأَعَمِّ مِنْ عِلْمِهَا بِحَالِهِ ( أَمْ ) لَا ، وَفِيهِ خِلَافٌ تَعَرَّضَ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

النَّظَرُ الثَّانِي : فِي كَوْنِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ ( حَرَامًا ) أَمْ لَا ؟ لَيْسَ مَشْهُورًا فِي النَّقْلِ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَبْحَثُ فِيهِ وَتَلَقَّاهُ أَصْحَابُهُ عَنْهُ ، ( وَذَكَرَ ) ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطْلَبِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ الْفَقِيهِ ( جَمَالِ الدِّينِ الْوَجِيزِيِّ ) حِكَايَةَ وَجْهَيْنِ فِيهِ ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَفِي التَّنْبِيهِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يُزَوِّجَ ( غَيْرَهُ ) ، فَإِنْ فَعَلَ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : مَا كَانَ مِنْ الْعُقُودِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ، وَمَا كَانَ فَسَادُهُ بِالِاجْتِهَادِ فَقَدْ ( يُقَالُ ) : لَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِ يَرَى فَسَادَهُ وَالْأَغْرَبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ : إنَّهُ ( إنْ ) قَصَدَ تَحْقِيقَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَهُوَ حَرَامٌ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَانَ بِالِاجْتِهَادِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ قَصَدَ ( إجْرَاءَ ) اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقِ مَعْنَاهُ فَهَذَا لَغْوٌ ، وَلَيْسَ بِعَقْدٍ وَمَعَ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ( مَحْمَلٌ ) مِنْ ( مُلَاعَنَةِ ) الزَّوْجَةِ وَنَحْوِهِ ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ : بِعْتُك نَفْسَك فَلَا ( يُحَرَّمُ ) ، وَإِلَّا حُرِّمَ إذْ لَا ( مَحْمَلَ ) لَهُ غَيْرُ الْمَعْنَى ( الشَّرْعِيِّ ) أَوْ ( الْمُلَاعَنَةِ ) وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ ، وَقَدْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لِلضَّرُورَةِ كَالْمُضْطَرِّ يَشْتَرِي الطَّعَامَ بِزِيَادَةٍ ( عَلَى ) ثَمَنِ الْمِثْلِ ، فَالْأَقْيَسُ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ لَازِمٍ ، وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : وَيَنْبَغِي لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَحْتَالَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ الْقِيمَةَ قَطْعًا ، وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ الَّذِي يُخْتَبَرُ بِهِ رُشْدُ الصَّبِيِّ فَقَدْ قِيلَ : يَشْتَرِي الْوَلِيُّ شَيْئًا

ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى آخَرَ ثُمَّ يَأْمُرُ الطِّفْلَ بِشِرَائِهِ مِنْهُ .

( مِنْ ) فُرُوعِهِ : لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ الثَّيِّبُ ( وَأَرَادَتْ ) أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا ، وَيَقْضِيَ لِبَقِيَّةِ ضَرَائِرِهَا فَهَلْ يَقْضِي لَهُنَّ السَّبْعَ أَوْ الزَّائِدُ عَلَى ( الثَّلَاثِ ) الَّتِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لَمْ يَقْضِ لَهُنَّ شَيْئًا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ، لِأَنَّهَا لَمَّا تَعَدَّتْ مَحَلَّ حَقِّهَا سَقَطَ أَصْلُ حَقِّهَا .
وَمِنْهَا ، لَوْ كَسَرَ ( عَضُدًا ) قَطَعَهُ مِنْ الْمِرْفَقِ وَأَخَذَ حُكُومَةَ الْعَضُدِ ، لِأَنَّ كَسْرَ الْعِظَامِ لَا قِصَاصَ فِيهِ ، فَلَوْ أَرَادَ الْقَطْعَ مِنْ الْكَفِّ فَهَلْ ( لَهُ ) طَلَبُ أَرْشِ السَّاعِدِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ مُشَبِّهًا لَهُمَا بِالصُّورَةِ السَّابِقَةِ ، قَالَ الْإِمَامُ وَمَسْأَلَةُ الزِّفَافِ شَاذَّةٌ عَنْ الْقِيَاسِ ، وَالْمُعَوَّلُ فِيهَا عَلَى الْخَبَرِ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِهَا ، وَأَمَّا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ حُكُومَةُ السَّاعِدِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ ، ( إذَا ) فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ .

وَمِنْهَا الظَّافِرُ بِمَالِهِ ، إذَا لَمْ ( يُمْكِنْهُ ) أَخْذُ حَقِّهِ ، إلَّا بِزِيَادَةٍ كَسَبِيكَةٍ تَزِيدُ عَلَى حَقِّهِ لَا يَضْمَنُ الزَّائِدَ فِي الْأَصَحِّ ، كَمَا لَا يَضْمَنُ كَسْرَ الْبَابِ ( وَثَقْبَ ) الْجِدَارِ ، إذَا لَمْ يَصِلْ إلَّا بِهِمَا .
وَمِنْهَا ؛ إذَا صَلَّى إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ أَوْ إلَيْهَا وَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ، فَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ ( الْمَارِّ ) فِي الْأَصَحِّ لِتَقْصِيرِهِ ، ( وَلَكِنْ ) لَا يَجُوزُ الْمُرُورُ فِي ( هَذِهِ ) الْحَالَةِ فِي حَرِيمِ الْمُصَلِّي وَهُوَ قَدْرُ مَكَانِ السُّجُودِ ، قَالَهُ ( صَاحِبُ الْكَافِي ) قِيَاسُهُ جَوَازُ الدَّفْعِ .
وَمِنْهَا أَيَّامُ مِنًى ، إذَا قُلْنَا كُلُّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَتَرَكَهَا لَزِمَهُ دَمٌ وَاحِدٌ ، وَمَا تَرَكَهُ فِي يَوْمٍ يُقْضَى مِنْ الْغَدِ ، وَإِنْ قُلْنَا كُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ كَانَ لِي ( أَنْ أَتْرُكَ مِنْ يَوْمِ ) ( النَّفْرِ ) الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُنِي إلَّا دَمَانِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا ( يَكُونُ ) ( لَهُ ) إذَا أَتَى بِهِ فِي يَوْمَيْنِ .
كَمَا لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ ، ثُمَّ قَالَ أَنَا أَقْضِيهَا قَصْرًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .

وَمِنْهَا ، لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِقَدْرٍ لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ وَهَلْ يَضْمَنُ الزَّائِدَ ( عَلَى مَا لَا يُتَغَابَنُ أَوْ الْجَمِيعَ ) وَجْهَانِ : أَيْ هَلْ يَجْعَلُ الْعُدْوَانَ مَقْصُورًا عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ أَوْ عَامًّا فِي كُلِّ جُزْءٍ ( وَالْأَصَحُّ ) الثَّانِي ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ بَعْدَمَا غَرِمَ دَفَعَهُ ( إلَى ) الْمُوَكِّلِ وَاسْتَرَدَّ الْمَغْرُومَ .
وَمِثْلُهُ إذَا أَكَلَ الْمُضَحِّي جَمِيعَ الْأُضْحِيَّةِ الْمُتَطَوِّعِ بِهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَوْ الْجَمِيعُ أَوْ مَا يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ ؟ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْأَوَّلُ .

وَمِنْهَا ، لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ فَطَلَّقَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ( ثَلَاثًا ) وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي ( آخِرِ ) بَابِ التَّفْوِيضِ فِي الطَّلَاقِ ، وَحَكَى فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لِأَنَّهُ ( مُتَصَرِّفٌ ) بِالْإِذْنِ وَلَمْ يُؤْذَنْ فِي هَذَا .
وَمِنْهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا سَبَقَ أَنَّ السَّاعِيَ ، إذَا طَلَبَ فَوْقَ الْوَاجِبِ ، فَقِيلَ : لَا يُعْطَى شَيْئًا ، لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ ، وَالْأَصَحُّ لَا يُعْطَى الزِّيَادَةَ ( خَاصَّةً ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ بِطَلَبِ الزَّائِدِ ، وَالْوَالِي لَا يَنْعَزِلُ بِالْجَوْرِ .

وَمِنْهَا يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ ، فَلَوْ ( كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ ) قَبْلَ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ جَازَ ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ ، فَلَوْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ ، امْتَنَعَ الزَّائِدُ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَمَيَّزُ لَمْ يَجُزْ قَبُولُ الْجَمِيعِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَمَيَّزُ وَجَبَ رَدُّ الزِّيَادَةِ ، لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بِالْوِلَايَةِ ، وَلَا يَجِبُ رَدُّ الْمُعْتَادِ ، قَالَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَهُوَ حَسَنٌ وَكَانَ ) يَنْبَغِي جَرَيَانُ وَجْهٍ بِامْتِنَاعِ الْجَمِيعِ ( تَخْرِيجًا مِنْ ) نَظَائِرِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ .

وَمِنْهَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْخَارِصِ غَلَطًا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ ( الْمَكِيلَيْنِ ) هَلْ يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ الْكَيْلِ الَّذِي يُقْبَلُ عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا : نَعَمْ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ ( وَرَدَدْنَاهَا ) وَأَصَرَّتْ عَلَى الدَّعْوَى حَتَّى جَاءَ زَمَنُ الْإِمْكَانِ ، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِانْقِضَائِهَا ( لِأَوَّلِهِ ) .

وَمِنْهَا ، لَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ( فَلَا إعَادَةَ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يَجِبُ لِعِصْيَانِهِ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَقْضِي صَلَاةً وَاحِدَةً ، لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِيَةِ كَمَنْ صَبَّ الْمَاءَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ ) مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ ( مِمَّا ) يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إمْكَانُ ( أَدَائِهِ ) بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ فِيهِ أَوْجُهٌ .

وَمِنْهَا ، ( لَوْ أَرَادَ ) ( النَّظَرَ ) لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَحْصُلُ بِنَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَظْرَتَيْنِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ فَهَلْ يَفْسُقُ ، لِأَنَّ التَّحَمُّلَ لَا يَقَعُ بِهَا ، فَصَارَتْ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ أَوْ لَا ، لِأَنَّ لِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ تَأْثِيرًا فِي شَهَادَتِهِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلرُّويَانِيِّ ذَكَرَهُمَا فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ .

وَمِنْهَا ، لَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلسَّفِيهِ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَهْرًا جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ ، فَإِنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ ، وَسَقَطَتْ الزِّيَادَةُ ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ الْقِيَاسَ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى وَالرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ .

وَمِنْهَا ، لَوْ احْتَاجَ إلَى الضَّبَّةِ فَضَبَّبَ زَائِدًا عَلَى الْحَاجَةِ ، فَهَلْ يَأْثَمُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى الزَّائِدِ يَتَّجِهُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ .
وَمِنْهَا ، إذَا رَفَعَ الذِّمِّيُّ بِنَاءَهُ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِ ، فَهَلْ يُهْدَمُ مَا حَصَلَتْ بِهِ التَّعْلِيَةٌ أَوْ الْجَمِيعُ .
وَمِنْهَا ، لَوْ تَعَدَّى الْخَارِجُ وَجَاوَزَ الصَّفْحَةَ ( أَوْ الْحَشَفَةَ ) تَعَيَّنَ الْمَاءُ قَطْعًا ، لِنُدُورِهِ سَوَاءٌ الْمُجَاوِزُ وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : هَذَا فِي الْمُجَاوِزِ ، ( وَأَمَّا ) غَيْرُ فَفِيهِ الْخِلَافُ حَتَّى يُجْزِئَ فِيهِ الْحَجَرُ عَلَى وَجْهٍ .

وَعَكْسُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ : قَصْدُ النُّقْصَانِ ( عَمَّا ) يَسْتَحِقُّهُ هَلْ يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ( مِنْ ) فُرُوعِهِ مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ ، لَوْ نَوَى أَيْ غَيْرُ دَائِمٍ الْحَدَثِ بِوُضُوئِهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً بِعَيْنِهَا ، وَلَا يُصَلِّي غَيْرَهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ، وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ ، قَالَ أَمَّا إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فِي حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا أَرْفَعُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا ، لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ قَوْلًا وَاحِدًا ، لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَإِذَا نَفَى بَعْضَهُ نَفِي كُلَّهُ .

التَّعْدِيلُ فِي الْبَيِّنَةِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ ( تَعَالَى ) أَوْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ هَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الْعَمَلُ بِشَهَادَتِهِ وَجْهَانِ مَأْخَذُهُمَا مَا ذَكَرْنَا .
وَلِهَذَا الْفَرْعِ أَصْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْدِيلِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِالْعَدَالَةِ ، فَإِنْ كَانَ تَعْدِيلًا لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ ، وَإِلَّا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يُقْبَلُ قَطْعًا .

" التَّعْرِيضُ قَالَ ( السَّكَّاكِيُّ ) فِي الْمِفْتَاحِ نَوْعٌ مِنْ الْكِنَايَةِ يَكُونُ ( مَسُوقًا لِمَوْصُوفٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ ) ( كَمَا ) ( يُقَالُ ) فِي عَرْضِ مَنْ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ ، الْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي وَيُزَكِّي ، وَلَا يُؤْذِي أَخَاهُ ( الْمُسْلِمَ ) وَيُتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى ( نَفْيِ ) الْإِيمَانِ عَنْ الْمُؤْذِي .
وَقَالَ فِي ( الْكَشَّافِ ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ ، ( أَنَّ ) الْكِنَايَةَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ ، وَالتَّعْرِيضَ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ ، كَمَا يَقُولُ الْمُحْتَاجُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ جِئْتُك لِأُسَلِّمَ عَلَيْك وَلِأَنْظُرَ إلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ فَكَأَنَّهُ إمَالَةُ الْكَلَامِ إلَى غَرَضٍ يَدُلُّ عَلَى الْغَرَضِ وَيُسَمَّى التَّلْوِيحَ ، لِأَنَّهُ يَلُوحُ مِنْهُ مَا يُرِيدُهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ ، إلَّا فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ ( كَقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَلَالِ وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ ، فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَنَا ، وَإِنْ نَفَاهُ ) خِلَافًا لِمَالِكٍ .
قَالَ ( ابْنُ الْعَرَبِيِّ ) خَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَلَا عُذْرَ لَهُ ، لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ ، لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا فِي الْكِنَايَةِ مِنْ الْإِبْهَامِ .
قُلْت إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ لَا يُوجِبُهُ ، وَلَمْ يُخَالَفْ فِيهِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَالَةِ التَّخَاصُمِ مَعَ الْغَيْرِ نِسْبَةُ صَاحِبِهِ إلَى شَيْءٍ وَتَزْكِيَةُ نَفْسِهِ لَا قَذْفُهُ ، وَهُوَ وَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ فَهُوَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ ، وَلِأَنَّهُ لَا إشْعَارَ لِلَّفْظِ بِهِ وَإِنَّمَا يُظَنُّ مِنْ خَارِجٍ وَالْحُدُودُ يُحْتَاطُ فِيهَا ، فَلَا يَثْبُتُ مُوجِبُهَا إلَّا بِاللَّفْظِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ .
وَمِنْ فُرُوعِهِ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْهَجْوِ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ، لَا يَكُونُ هَجْوًا ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَجْوًا ، كَالصَّرِيحِ ، وَقَدْ يَزِيدُ

بَعْضُ التَّعْرِيضِ عَلَى التَّصْرِيحِ .
وَمِنْهَا تَعْرِيضُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِسَبِّ الْإِمَامِ لَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِنْهَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ : كُلُّ مَا حَرُمَ التَّصْرِيحُ بِهِ لِعَيْنِهِ ( فَالتَّعْرِيضُ بِهِ حَرَامٌ أَيْضًا كَالْقَذْفِ وَالْكُفْرِ وَمَا حَلَّ التَّصْرِيحُ بِهِ أَوْ حَرُمَ لَا لِعَيْنِهِ ، بَلْ لِعَارِضٍ ) فَالتَّعْرِيضُ بِهِ جَائِزٌ كَخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ .
وَمِنْهَا التَّعْرِيضُ بِالْقَتْلِ لِمَنْ رَدَدْنَاهُ إلَى الْكُفَّارِ ، إذَا شُرِطَ فِي الْهُدْنَةِ ، كَقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي جَنْدَلٍ حِينَ رُدَّ لِأَبِيهِ : إنَّ دَمَ أَحَدِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ .
وَلَيْسَ لَنَا التَّصْرِيحُ بِهِ بِعَيْنِهِ وَمِنْهَا تَعْرِيضُ الْقَاضِي لِمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِالرُّجُوعِ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَاعِزٍ لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت } وَلَا يَقُولُ لَهُ ارْجِعْ بِالتَّصْرِيحِ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ .

وَلِلتَّعْرِيضِ قُيُودٌ .
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ بِالْحَدِّ مِثْلَ قُرْبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ، فَلَا تَعْرِيضَ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ، وَتَابِعُوهُ وَعَجِبَ مِنْ إسْقَاطِهِ مِنْ الرَّوْضَةِ مَعَ تَعَرُّضِ الرَّافِعِيِّ لَهُ .
الثَّانِي : أَنْ لَا يُقِرَّ صَرِيحًا ، فَإِنْ صَرَّحَ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا لِنَفْسِهِ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَثْبُتَ بِإِقْرَارِهِ ، فَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ ، لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ أَيْضًا .
وَمِنْهَا ، قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ، قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِمَجْهُولٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِمِثْلِهِ ، فَالْقَاضِي لَا يُرْشِدُهُ إلَى الْإِعْلَامِ بِالْمَسْأَلَةِ وَالْبَحْثِ ، فَإِنَّ هَذَا تَلْقِينُ الْحُجَّةِ ، وَلَوْ نَسَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا ، لَمْ يُنَبِّهْهُ الْقَاضِي ، بَلْ يَتْرُكُهُ يَسْتَرْسِلُ ، ثُمَّ يَقْضِي بِمُوجَبِ قَوْلِهِ .
وَالْمُدَّعِي إذَا ذَكَرَ دَعْوَى مَجْهُولَةً لَا تَصِحُّ ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْصِلَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا مَعْلُومَةً وَجْهَانِ : وَظَاهِرُ النَّصِّ : نَعَمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ أَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ ، فَلَا يَضُرُّ الْإِرْشَادُ فِيهَا .

تَعَلُّقُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَهُ مَرَاتِبُ تَعَرَّضَ لَهَا الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأُولَى : وَهِيَ أَعْلَاهَا تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ فَإِنَّ الْوَثَائِقَ تَتَأَكَّدُ فِي الْأَعْيَانِ ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رَهْنُ الدُّيُونِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَصْدُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي تَحْقِيقِ التَّوَثُّقِ مِنْ حَيْثُ إنْشَاءُ الرَّهْنِ فَلَمَّا تَأَكَّدَتْ الْوَثِيقَةُ امْتَنَعَ تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ .
الثَّانِيَةُ : تَلِي مَا قَبْلَهَا تَعَلُّقُ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي قَبْلَ فِدَائِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِ الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ .
وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي حَقُّ الرَّهْنِ وَحَقُّ الْجِنَايَةِ قُدِّمَ حَقُّ الرَّهْنِ .
قُلْت كَذَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا جَنَى يُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ سِوَى الرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ ، وَقَالُوا إذَا أَدَّى بَعْضَ الدَّيْنِ الْمُرْتَهَنِ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ .
وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا أَنَّهُ لَوْ أَدَّى بَعْضَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ انْفَكَّ مِنْ الْعَبْدِ بِقِسْطِهَا فِي الْأَصَحِّ فَلْيُنْظَرْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا .
الثَّالِثَةُ : تَعَلُّقُ مُؤَنِ النِّكَاحِ بِكَسْبِ الْعَبْدِ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ .
وَسَبَبُ تَأْخِيرِهَا عَمَّا قَبْلَهَا أَنَّ الْأَكْسَابَ مُتَوَقَّعَةٌ وَلَيْسَتْ بِنَاجِزَةٍ حَاصِلَةٍ وَالْوَثَائِقُ يَكْتَفِي بِشَيْءٍ كَائِنٍ حَاصِلٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ .
وَيَلْتَحِقُ بِهِ أُخَرُ : ( أَحَدُهَا ) : الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ تَعَلُّقَ الْمَرْهُونِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَمُرَاعَاةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي لِثُبُوتِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ الْمَالِكِ ، وَقَالَ الْفُورَانِيُّ : ( هُوَ كَتَعَلُّقِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمُفْلِسِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُسْتَثْنَى لَوْ

أَدَّى ) لِوَارِثِهِ قِسْطَ مَا وَرِثَ انْفَكَّ نَصِيبُهُ .
الثَّانِيَةُ : تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ ( وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ بِمَعْنَى أَنَّ الْفُقَرَاءَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ مِقْدَارُ الزَّكَاةِ وَيَصِيرُونَ شُرَكَاءَ رَبِّ الْمَالِ ) وَفِي قَوْلٍ كَالرَّهْنِ ، وَفِي قَوْلٍ كَالْجَانِي .

( قَاعِدَةٌ ) : مَنْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنٍ فِيهَا عُلْقَةٌ لِغَيْرِهِ فَلَهُ حَالَانِ : الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ الْعُلْقَةُ نَاجِزَةً مُسْتَقِرَّةً ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنْ ثَبَتَتْ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ قَطْعًا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْعُلْقَةِ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَكَذَا كُلُّ عَيْنٍ اسْتَحَقَّ حَبْسُهَا لِحَقِّ الْحَابِسِ كَالْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ .
وَإِنْ ثَبَتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ أَيْضًا كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي جِنَايَةً مُتَعَلِّقَةً بِرَقَبَتِهِ .
وَمِثْلُهُ بَيْعُ الزَّكَوِيِّ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ فَالْأَظْهَرُ الْبُطْلَانُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَالصِّحَّةُ فِي الْبَاقِي .
وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْعُلْقَةُ مُنْتَظَرَةً فَلَا نَظَرَ إلَيْهَا بَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ نَظَرًا لِلْحَالِ وَمِنْ ذَلِكَ تَصَرُّفُ الزَّوْجَةِ فِي جَمِيعِ الصَّدَاقِ صَحِيحٌ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ تَعَرُّضِ نِصْفِهِ لِلسُّقُوطِ وَتَصَرُّفُ الْوَلَدِ فِيمَا وَهَبَهُ وَالِدُهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ بِالرُّجُوعِ .
وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ صَحِيحٌ مَعَ تَمَكُّنِ الشَّفِيعِ مِنْ نَقْضِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ الشِّقْصِ الَّذِي لَلشَّرِيك فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَذَا قَالَهُ ( الْفَارِقِيُّ ) فِي فَوَائِدِ ( الْمُهَذَّبِ ) ( لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الشَّرِيكِ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ لِيَأْخُذَهُ أَوْ يَذَرَ ) .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لَمْ أَظْفَرَ بِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْخَبَرُ لَا مَحِيصَ عَنْهُ .
قُلْت : وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ مُفَارَقَةُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْآخَرَ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَفْسَخَ الْآخَرُ أَطْلَقَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الْعَقْدَ يَلْزَمُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا إذَا أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الْهَارِبِ دُونَ الْآخَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَعْصِي الْهَارِبُ نَقَلَ ( ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ ) أَنَّ

بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ بِعِصْيَانِهِ لِإِبْطَالِهِ عَلَى صَاحِبِهِ حَقًّا لَازِمًا .
قُلْت : وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ } لَكِنْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِعْلُهُ مَعَ أَنَّهُ رَاوِي أَصْلِ ( حَدِيثِ الْخِيَارِ ) لَكِنْ الْأَخْذُ بِالزَّائِدِ أَوْلَى ، وَإِذَا ثَبَتَ التَّحَرُّمُ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ السَّابِقَةِ مَعَ أَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْأَخْذِ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ فَأَوْلَى أَنْ يَنْهَى عَمَّا يُسْقِطُ حَقَّهُ بِالْكُلِّيَّةِ .

قَاعِدَةٌ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالْعَبْدِ : إمَّا أَنْ يَجِبَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَحِقِّ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَبَدَلِ الْمُتْلَفِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ، وَإِنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِكَسْبِهِ فِي الْأَصَحِّ .
وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ دُونَ السَّيِّدِ كَبَدَلِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ ، إذَا أَتْلَفَهُمَا وَكَالصَّدَاقِ ، فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ ، إلَّا إذَا أُعْتِقَ وَلَوْ كُوتِبَ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ .
وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ بِرِضَا السَّيِّدِ وَالْمُسْتَحِقِّ وَهُوَ قِسْمَانِ : نِكَاحٌ وَمَالٌ : فَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ النِّكَاحِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَبِجَمِيعِ أَكْسَابِهِ .
وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَالِ كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ وَالْقَرْضِ وَالضَّمَانِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَكَسْبِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ وَلَا يَجْتَمِعُ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ مَعَ الذِّمَّةِ .
وَلِهَذَا ، لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ كَغَصْبٍ وَصَدَّقَهُ السَّيِّدُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ .
فَلَوْ تُبِعَ فِيهِ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، لَا يُتْبَعُ بِهِ ، إذَا عَتَقَ عَلَى الْجَدِيدِ .
وَإِنْ شِئْت فَقُلْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : ( أَحَدُهَا ) : مَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ بِتَصْدِيقِ السَّيِّدِ ، أَوْ بِقِيَامِ بَيِّنَةٍ أَوْ يُقِرُّ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ، فَعَفَا الْمُسْتَحِقُّ عَلَى مَالٍ .
ثَانِيهَا : مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِنْهُ الزَّكَاةُ ، إذَا أَتْلَفَهَا الْمُكَاتَبُ فَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَلِكَ دُيُونُ الْمُعَامَلَةِ فِي الْكِتَابَةِ ، إذَا عَجَّزَهُ السَّيِّدُ فَإِنَّ ( صَاحِبَ التَّقْرِيبِ ) حَكَى قَوْلًا أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ، قَالَ الْإِمَامُ هَذَا إنَّ طَرْدَهُ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ ، وَإِنْ لَمْ ( يَطْرُدْهُ ) لَزِمَهُ الْفَرْقُ وَلَمْ نَجِدْهُ قُلْت لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَانَ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ ، فَلَمَّا عَجَزَ انْعَكَسَ عَلَيْهِ

الْمَقْصُودُ ، وَلَا كَذَلِكَ ( فِي الْمَأْذُونِ ، كَذَلِكَ ) الْمَهْرُ ، حَيْثُ ثَبَتَ فِي الْعَيْبِ وَالْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْأَصَحِّ .
الثَّالِثُ : مَا سِوَى ذَلِكَ فَيَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ .

اعْلَمْ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : فَمِنْهَا مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَالتَّعْلِيقَ ، وَمِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُهُمَا ، وَمِنْهَا مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ دُونَ التَّعْلِيقِ ، وَمِنْهَا بِالْعَكْسِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ أَنَّ التَّعْلِيقَ مَا دَخَلَ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِأَدَاتِهِ ، كَإِنْ وَإِذَا ، وَالشَّرْطُ مَا جَزَمَ فِيهِ بِالْأَصْلِ ، وَشُرِطَ فِيهِ أَمْرٌ آخَرُ .
الْأَوَّلُ : مَا يَقْبَلُهُمَا كَالْعِتْقِ ، بِتَعْلِيقِهِ ، إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ، وَالشَّرْطُ : أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا : نَعَمْ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ تَعْلِيقُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِإِعْتَاقِهِ نَظَرًا لِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَالْكِتَابَةُ تَقْبَلُ الشَّرْطَ ، كَإِذَا أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا فِي نَجْمَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ وَالْوِصَايَةُ وَالْوِلَايَةُ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوِصَايَةِ ، لَوْ قَالَ إذَا مِتُّ أَوْصَيْت إلَيْك ، أَوْ إذَا مِتُّ فَفُلَانٌ وَصِيِّي ، أَوْ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَيْهِ جَازَ .
( قَالَ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّأْمِيرِ وَمِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ { إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ ، فَإِنْ أُصِيبَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ } ، هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَتَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةُ التَّعْلِيقَ ، كَمَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ ، وَحَكَى فِيهَا الْحَنَّاطِيُّ خِلَافَ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ وَبِالْمَنْعِ أَجَابَ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ ، لَوْ قَالَ إذَا مِتُّ ، فَقَدْ أَوْصَيْت إلَيْك لَا يَجُوزُ ، بِخِلَافِ أَوْصَيْت إلَيْك إذَا مِتُّ ، وَقَالَ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ ، لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَوْدَعْتُك ، قَالَ الرُّويَانِيُّ يَجُوزُ ، وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ .

وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ ، فَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنْ الْقَفَّالِ ، مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ صِيغَةٍ ، لَكِنْ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ بِالْجَوَازِ ، فَقَالَ لَوْ قَالَ : إنْ رُزِقْت كَذَا أَوْ سَلِمْت مِنْ سَفَرِي أَوْ صَارَ كَذَا ، فَقَدْ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي ، جَازَ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْطِ ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( فِي الْمَطْلَبِ ) وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الصَّوْمَ ، قَالَ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ الشَّرْطَ ، بِأَنْ يَشْرَعَ ، فِيهِ وَيَقُولُ إنْ أَبْطَلْته بَطَلَ ، وَالتَّعْلِيقُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ .
قُلْت : وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ، بِخِلَافِ ( الصَّلَاةِ ) وَقَوْلُهُ ( إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ لَيْسَ تَعْلِيقًا لِلصَّوْمِ ، بَلْ تَعْلِيقًا لِلْإِلْزَامِ ) وَلَيْسَ مِنْ قَضَايَا الصَّوْمِ فِي شَيْءٍ : نَعَمْ يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ إذَا اسْتَنَدَ إلَى أَصْلٍ كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ .

وَالْحَجُّ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَإِنْ أَحْرَمَ فُلَانٌ فَقَدْ أَحْرَمْت ، وَشَرْطُهُ أَحْرَمْت عَلَى أَنِّي إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ .

الثَّانِي : مَا لَا يَقْبَلُهُمَا كَالْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالدُّخُولِ فِي الدِّينِ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ فَإِذَا قَالَ أَسْلَمْت عَلَى أَنَّ لِي أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ أَتْرُكَ الصَّلَاةَ سَقَطَ شَرْطُهُ ، وَلَا يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ ، فَإِذَا قَالَ إنْ كُنْت فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَاذِبًا فَأَنَا مُسْلِمٌ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إسْلَامٌ ، لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الدِّينِ يُفِيدُ الْجَزْمَ بِصِحَّتِهِ وَالْمُعَلِّقُ لَيْسَ بِجَازِمٍ .
وَمِنْهُ النِّكَاحُ ، لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ زَوَّجْتُك أَوْ زَوَّجْتُك عَلَى أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَمْ يَصِحَّ .
وَمِثْلُهُ الرَّجْعَةُ بِالضَّمَانِ وَمِنْهُ الصَّلَاةُ وَالطَّهَارَةُ ، إلَّا فِي الْمُسَافِرِ الْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ لَا يَعْلَمُ نِيَّتَهُ فَقَالَ إنْ قَصَرَ قَصَرْت ، وَإِلَّا أَتْمَمْت لَا يَضُرُّ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِنْهُ الصَّوْمُ ، لَا يَقْبَلُ شَرْطًا وَلَا تَعْلِيقًا ، إلَّا فِيمَا إذَا أَسْنَدَ التَّعْلِيقَ لِأَصْلٍ .
وَمِنْهُ الْفُسُوخُ ، لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا ، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ التَّعْلِيقُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخُلْعِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ فَسْخٌ وَكَذَا الِاخْتِيَارُ فِي نِكَاحِ الزَّائِدَاتِ .

الثَّالِثُ : مَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَيَقْبَلُ الشَّرْطَ وَهُوَ الْبَيْعُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ( أَوْ عَلَى أَنَّهُ ) يَأْتِيهِ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ وَنَحْوِهِ ، وَلَوْ قِيلَ : إنْ جَاءَ فُلَانٌ أَوْ جَاءَ الشَّهْرُ فَقَدْ بِعْتُك لَا يَصِحُّ ، لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ يَسْتَدْعِي الْجَزْمَ وَلَا جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ ، لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ كَتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُقْبَلُ الشَّرْطُ فِي الْجُمْلَةِ ، لَا كُلُّ شَرْطٍ .
وَمِثْلُهُ الْإِجَارَةُ وَالْوَقْفُ وَالْوَكَالَةُ عَلَى الْأَصَحِّ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَبَيْنَ الْعِتْقِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إخْرَاجٌ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ .
قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ شَائِبَةُ الْمُعَاوَضَةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ قَبُولِهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ وَأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ عَلَى قَوْلٍ .
وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ ، لِأَنَّهَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ .
وَمِنْهُ الْإِذْنُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ نَحْوَ بِعْ هَذَا إنْ جَاءَ زَيْدٌ ، وَلَيْسَ تَعْلِيقًا لِلْوَكَالَةِ ، بَلْ لِلتَّصَرُّفِ ، وَلَوْ قَالَ إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ أَذِنْت لَك لَمْ يَصِحَّ ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَفِي الْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي الْأُمِّ : لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ كَانَ إقْرَارًا ، وَلَوْ قَالَ ، إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ، إذَا قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ قَدْ أَقَرَّ بِالْأَلْفِ ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ كَمَحِلِّهَا ، فَلَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ ، وَإِذَا بَدَأَ بِالشَّرْطِ لَمْ يُقِرَّ بِالْحَقِّ ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ ، فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارًا ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرِهِ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا قَدِمَ

الْحَاجُّ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ ، وَإِنْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شِئْت ، لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا ، لِأَنَّ مَا لَا يَلْزَمُ يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِوُجُودِهِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ قَبِلْت إقْرَارِي ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عِنْدِي لَا يَكُونُ إقْرَارًا ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ إنْ شِئْت أَوْ قَبِلْت ، فَقَالَ قَبِلْت أَوْ شِئْت كَانَ بَيْعًا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْبَيْعِ يَقَعُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَبُولِ ، فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ لَمْ يَصِحَّ ، فَجَازَ تَعْلِيقُهُ عَلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَبُولِ ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الشَّرْطِ .

الرَّابِعُ : مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ .
وَكَذَا الْخُلْعُ إنْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا .
فَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمِينِي شَهْرًا ، لَمْ يَلْزَمْ الشَّرْطُ .
وَمَثَّلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْك كَذَا ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ، وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ ، وَهَذَا ( رَأْيُ الْغَزَالِيِّ ، لَكِنْ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ ، أَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ وَوَجَّهَ الْغَزَالِيُّ رَأْيَهُ ) ، بِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ شَرْطٍ وَالطَّلَاقُ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ ، وَقَدْ ( أَشْكَلَ ) هَذَا الْكَلَامُ عَلَى جَمَاعَةٍ ، لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقِ وَبِقَاعِدَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقْبَلُ الْإِيقَاعَ بِالشَّرْطِ ، وَإِنْ قَبِلَ الْوُقُوعِ بِالشَّرْطِ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ فَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَمَعْنَاهُ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ فِي الْإِيقَاعِ ، وَإِنْ قَبِلَهُ فِي الْوُقُوعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَتَّضِحُ بِالْمِثَالِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَدْخُلِي الدَّارَ أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَدْخُلِي وَقَعَ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ ( انْتَهَى ) .
وَحَاصِلُ قَوْلِهِ الشَّرْطُ فِي الطَّلَاقِ يَلْغُو ، لِأَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ ، لَا يَقِفُ عَلَى شَرْطٍ ، لِأَنَّ وُقُوفَهُ عَنْ الْوُقُوعِ مَعَ وُقُوعِهِ مُحَالٌ .
وَقَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ جُمْلَتَا شَرْطٍ فِي حُكْمِ كَلَامٍ وَاحِدٍ لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ إلَّا بِهِمَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَدْخُلِي الدَّارَ فَهَذَا شَرْطٌ ( لُغَوِيٌّ لَا صِنَاعِيٌّ ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْت وَلِي الْخِيَارُ ( ثَلَاثًا ) صَحَّ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ

الشَّرْطِ ( فَإِنَّ ) ( لَفْظَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ) هُنَا كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ وَاقِعٌ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا بَعْدَهُ لَفْظًا ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَا مَعْنًى ، لِأَنَّ شَرْطَ مَنْعِ الْوُقُوعِ ، لَا يَدْخُلُ عَلَى الْوَاقِعِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ قِسْمَانِ الْتِزَامِيٌّ وَتَعْلِيقِيٌّ : فَأَمَّا ( الِالْتِزَامِيُّ ) كَطَلَّقْتُكِ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ أَلْفًا ، فَلَيْسَ الشَّرْطُ بِصَرِيحِ الْتِزَامٍ بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ صَرِيحٌ .
وَأَمَّا ( التَّعْلِيقِيُّ ) ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ ( أَعْطَيْتِنِي ) أَلْفًا ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الِالْتِزَامِ بِلَا خِلَافٍ .
ضَابِطٌ : مَا كَانَ تَمْلِيكًا مَحْضًا ، ( لَا يَدْخُلُ التَّعْلِيقُ ) فِيهِ قَطْعًا كَالْبَيْعِ لِقَوْلِهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } وَلَا يَتَحَقَّقُ طِيبُ النَّفْسِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَمَا كَانَ حِلًّا مَحْضًا يَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ قَطْعًا كَالْعِتْقِ .
وَبَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ مَرَاتِبُ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ ( كَالْفَسْخِ وَالْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُمَا يُشْبِهَانِ التَّمْلِيكَ وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ وَفِيهِ شَبَهٌ يَسِيرٌ بِالْعِتْقِ فَجَرَى فِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ .
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فِي الْجَعَالَةِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا فَلِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُشْبِهُ النَّذْرَ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَفِي الْخُلْعِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَمَعْنَى الطَّلَاقِ ) .
( فَائِدَتَانِ ) : الْأُولَى : لَنَا شَيْءٌ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَا يُقْبَلُ إلَّا التَّعْلِيقُ دُونَ التَّنْجِيزِ وَهُوَ نَذْرُ التَّبَرُّرِ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي عَلَى كَذَا صَحَّ قَطْعًا ، وَلَوْ الْتَزَمَهُ ابْتِدَاءً وَجْهَانِ .
الثَّانِيَةُ : الْأَصْلُ أَنَّ مَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَلَوْ عَلَّقَ بِمُسْتَقْبَلٍ فَقَالَ إذَا أَحْرَمَ أَحْرَمْت فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا إذَا قَالَ إذَا

جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمَجِيئِهِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تَعْلَقُ بِالْأَخْطَارِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ( صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ ) فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ الْمُعَلَّقِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ وَجْهَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ تَجْوِيزِ تَعْلِيقِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامِ الْغَيْرِ تَجْوِيزُ هَذَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمُسْتَقْبَلٍ وَذَلِكَ ( تَعْلِيقٌ ) بِمَاضٍ وَمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ الْعُقُودِ يَقْبَلُهَا جَمِيعًا .
قُلْت .
لَمْ يُجَوِّزُوا تَعْلِيقَ أَصْلِ الْإِحْرَامِ .
وَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَصْلُ الْإِحْرَامِ الْعَقْدُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا عَلَّقَ صِفَتَهُ عَلَى شَرْطٍ يُوجَدُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَلَمْ يَضُرَّهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ ( جَزْمُهُمْ ) فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا ، بِانْعِقَادِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ فَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقُ صِفَةِ إحْرَامِهِ بِصِفَةِ إحْرَامِ زَيْدٍ لَا تَعْلِيقُ أَصْلِ إحْرَامِهِ بِإِحْرَامِهِ .

تَعْلِيقُ النِّيَّةِ وَإِنْ شِئْت فَقُلْ تَرْدِيدُ النِّيَّةِ إنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا شَرَطْنَا مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ أَصْلٍ سَابِقٍ لَمْ يَضُرَّ .
وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ لِذَلِكَ بَطَلَ .
( فَمِنْهُ ) : لَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ شَكَّ أَنَّهُ قَاصِرٌ ( أَمْ ) مُتِمٌّ فَقَالَ إنْ قَصَرَ قَصَرْت وَإِلَّا أَتْمَمْت فَقَصَرَ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ فَاسْتَنَدَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ إلَى هَذَا الظَّاهِرِ فَصَحَّ التَّعْلِيقُ .
( وَمِنْهُ ) : لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ ( مِنْ رَمَضَانَ ) وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ فَكَانَ مِنْ ( رَمَضَانَ ) صَحَّ صَوْمُهُ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ وَبَنَى عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ الِاسْتِصْحَابُ .
فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مِنْ ( رَمَضَانَ ) بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ هَلْ هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ ( رَمَضَانَ ) فَعَلَّقَ نِيَّةَ الصَّوْمِ وَقَالَ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ ( رَمَضَانَ ) صُمْته عَنْ ( رَمَضَانَ ) وَإِنْ كَانَ مِنْ ( شَعْبَانَ ) ( فَهُوَ تَطَوُّعٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ ) ( وَقَالَ ) الرَّافِعِيُّ : إذَا نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ الصَّوْمَ عَنْ ( رَمَضَانَ ) - مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنْهُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَسْتَنِدْ عَقْدُهُ إلَى مَا شَرَطْنَا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا شَرَطْنَا كَمَا إذَا اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَجْزَأَهُ إذَا بَانَ أَنَّهُ مِنْ ( رَمَضَانَ ) وَجُعِلَ مِنْ هَذَا بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْحِسَابِ إذَا جَوَّزْنَا بِنَاءَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَمِنْهُ ) لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَا يَتَحَقَّقُ بَقَاءَهُ فَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَقَالَ : إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ بَاقِيًا فَهَذَا زَكَاتُهُ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَهَذَا صَدَقَةٌ ، فَبَانَ بَقَاؤُهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ وَالظَّاهِرُ سَلَامَتُهُ

فَاسْتَنَدَ لِهَذَا الْأَصْلِ وَمِثْلُهُ ) : لَوْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ إنْ كَانَ قَدْ مَاتَ مُوَرِّثِي وَانْتَقَلَ مَالُهُ إلَيَّ إرْثًا فَهَذَا زَكَاتُهُ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ لَمْ يَجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ بَانَ كَوْنُ الْمُوَرِّثِ مَيِّتًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَعَدَمُ الْإِرْثِ .
( وَمِنْهُ ) لَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ بِنِيَّةِ إنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ وُضُوئِي وَإِلَّا فَهُوَ وُضُوءُ تَجْدِيدٍ ( ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ ) قَدْ تَوَضَّأَ صَحَّ وُضُوءُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَدَثِ وَلَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ بِنِيَّةٍ مُتَرَدِّدًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ لَمْ يَجْزِهِ وُضُوءُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الطَّهَارَةُ .
( وَمِثْلُهُ ) لَوْ رَأَى بَلَلًا فِي ثَوْبِهِ لَمْ يَقْطَعْ بِأَنَّهُ مَنِيٌّ فَاغْتَسَلَ فَنَوَى إنْ كَانَ مَنِيًّا فَعَنْ الْجَنَابَةِ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ لَمْ يَصِحَّ .
( وَمِنْهُ ) ذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الصَّوْمِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَاقِيًا فَجُمُعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَظُهْرٌ ثُمَّ بَانَ بَقَاؤُهُ فَوَجْهَانِ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ الصِّحَّةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ .
( مِنْهُ ) لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فَقَالَ إنْ كَانَ مِنْ ( رَمَضَانَ ) فَعُمْرَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَوَّالٍ فَحَجٌّ فَكَانَ ( شَوَّالًا ) كَانَ حَجُّهُ صَحِيحًا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ أَيْضًا وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ لِقُوَّةِ الْإِحْرَامِ .
( وَمِنْهُ ) : لَوْ شَكَّ فِي صَلَاةٍ هَلْ فَاتَتْهُ فَدَخَلَ فِي صَلَاةٍ وَنَوَى عَنْ ( الْفَائِتَةِ ) إنْ فَاتَتْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَنَافِلَةٌ جَازَ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي بَابِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَقَالَ : وَلَوْ شَكَّ هَلْ دَخَلَ الْوَقْتُ فَصَلَّى وَقَالَ : عَنْ فَرْضٍ إنْ كَانَ دَخَلَ أَوْ نَافِلَةٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَنَافِلَةٌ لَمْ يَجْزِهِ .
وَلَوْ نَوَى ( لَيْلَةَ ) الثَّلَاثِينَ مِنْ الصَّوْمِ إنْ كَانَ غَدًا مِنْهُ فَعَنْ فَرْضٍ أَوْ ( عَنْ ) نَافِلَةٍ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قَالَ

: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَنَافِلَةٌ جَازَ .
( وَاعْلَمْ ) : أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَشَارَ إلَيْهَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ وَنَازَعَهُ فِيهَا ( الشَّاشِيُّ ) فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ ( الْمُعْتَمَدِ )

تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ ثَلَاثَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَفِي الِانْتِهَاءِ وَفِي الْأَحْكَامِ .
وَصُورَةُ الِابْتِدَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ ( فِيمَا ) يَصِحُّ مَعَ مَا يَصِحُّ ، وَفِيهَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ فِيمَا يَصِحُّ وَالْبُطْلَانُ فِيمَا يَبْطُلُ ( وَالثَّانِي الْبُطْلَانُ فِي الْكُلِّ ) وَفِي تَعْلِيلِهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ جَهَالَةُ مَا يَخُصُّ مِلْكَهُ مِنْ الْعِوَضِ .
وَلِلْخِلَافِ فَوَائِدُ وَلِلْقَاعِدَةِ شُرُوطٌ : الْأَوَّلُ : أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْعِبَادَاتِ فَإِنْ كَانَتْ صَحَّ فِيمَا يَصِحُّ ( مِنْهُ ) قَطْعًا .
وَلِهَذَا لَوْ تَيَمَّمَ لِفَرْضَيْنِ صَحَّ لِوَاحِدٍ قَطْعًا وَفِي الْآخَرِ خِلَافٌ ) ثُمَّ الْمَشْهُورُ يُصَلِّي أَيَّهُمَا أَرَادَ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ ( يَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ ) .
وَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ عَامَيْنِ وَمَنَعْنَا تَعْجِيلَ مَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ أَجْزَأَ مَا يَقَعُ لِسَنَةٍ وَلَوْ نَوَى حَجَّتَيْنِ انْعَقَدَ بِحَجَّةٍ وَقِيلَ : يَنْعَقِدُ قَارِنًا .
وَلَوْ نَوَى الْمُتَنَفِّلُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ بِالرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إلَّا بِنِيَّةٍ وَتَكْبِيرَةٍ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ .
وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ زَمَنٍ بِصَوْمٍ وَآخَرَ غَيْرَ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ كَالْعِيدِ اعْتَكَفَهُ وَلَا صَوْمَ عَلَيْهِ .
نَعَمْ لَوْ نَوَى فِي ( رَمَضَانِهِ ) صَوْمَ جَمِيعِ الشَّهْرِ هَلْ يَصِحُّ صَوْمُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ .
وَلَوْ قَالَ : نَوَيْت الصَّلَاةَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَمْوَاتِ وَظَنَّ أَنَّهُمْ عَشَرَةٌ فَبَانُوا أَحَدَ عَشَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَمِيعِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعِيدَهَا عَلَى الْحَادِيَ عَشَرَ لَا بِعَيْنِهِ وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا ، قَالَهُ فِي الْبَحْرِ .
وَلَوْ

مَسَحَ عَلَى خُفَّيْنِ أَعْلَاهُمَا ضَعِيفٌ وَوَصَلَ الْبَلَلُ إلَى الْأَسْفَلِ وَقَصَدَهُمَا أَوْ أَطْلَقَ ، جَازَ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِنْ نَظَائِرهَا أَنْ يَقْصِدَ الْجُنُبُ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا وَالْمُصَلِّي الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ لِمُجَرَّدِ التَّفْهِيمِ وَنَحْوِهَا .
وَالثَّانِي : أَنْ لَا يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ ، فَإِنْ كَانَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَزَوْجَةَ غَيْرِهِ ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِي الَّذِي يَمْلِكُهُ إجْمَاعًا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهَا الْوَصِيَّةَ ، فَإِنَّهَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَا وَارِثَ لَهُ صَحَّ فِي الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ، أَنَّهَا تُبْطِلُ الثُّلُثَ ، لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ وَالْمُتَوَلِّيَ حَكَيَا وَجْهًا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ وَأَبْطَلْنَاهَا لِلْوَارِثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْآخَرِ تَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِمُبَعَّضٍ وَمَالِكُ الْبَعْضِ وَارِثُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ أَوْ كَانَتْ وَقُلْنَا لَا يَدْخُلُ الْكَسْبُ النَّادِرُ الْمُهَايَأَةَ فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِهَا بَطَلَتْ ، وَلَمْ يُخْرِجُوا نَصِيبَ الْمُبَعَّضِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ ، وَفِي التَّتِمَّةِ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ ، لَوْ وَهَبَهُ عَبْدًا فَخَرَجَ نِصْفُهُ مُسْتَحَقًّا فَهَلْ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ فِي الْكُلِّ أَمْ لَا يَبْنِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَبْطُلُ فِيهِ مُعَيَّنًا إمَّا بِالشَّخْصِ أَوْ بِالْجُزْئِيَّةِ ، لِيَخْرُجَ صُورَتَانِ وَهُمْ مَنْ خَرَّجَهُمَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ .
إحْدَاهُمَا ) ، إذَا عَقَدَ عَلَى خَمْسِ نِسْوَةٍ ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ ( وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي أَرْبَعٍ وَيَبْطُلُ فِي وَاحِدَةٍ ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَتْ هَذِهِ بِأَوْلَى مِنْ هَذِهِ وَغَلِطَ

صَاحِبُ الذَّخَائِرِ بِتَخْرِيجِهَا .
( الثَّانِيَةُ ) ، إذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ، ( فَسَدَ الْبَيْعُ ) ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ ( يَبْطُلُ فِي وَاحِدٍ وَيَصِحُّ فِي ثَلَاثَةٍ ) لِمَا ذَكَرْنَا ، وَغَلِطَ الْبَالِسِيُّ فِي ( شَرْحِ التَّنْبِيهِ ) بِتَخْرِيجِهَا .
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَرْضٌ مُنَاصَفَةً ، فَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا فِيهَا قِطْعَةً مُدَوَّرَةً ، وَبَاعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، قَالَ الْبَغَوِيّ ، لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ، وَإِنْ قُلْنَا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي غَيْرِهَا .
وَلَوْ قَالَ ، ضَمِنْت لَك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لَك عَلَى فُلَانٍ ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا فَهَلْ يَصِحُّ فِي ثَلَاثَةٍ : وَجْهَانِ ، كَمَا لَوْ قَالَ أَجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ ، هَلْ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ ؟ وَجْهَانِ ، وَيَجْرِيَانِ فِي الْإِقْرَارِ بِهَا ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ .
نَعَمْ ، يُسْتَثْنَى صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا : لَوْ عَقَدَ الْمُسَابَقَةَ ، ثُمَّ ظَهَرَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ فِيهِ ، وَيَسْقُطُ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ فِي مُقَابَلَتِهِ ، وَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ .
الثَّانِيَةُ : لَوْ تَحَجَّرَ الشَّخْصُ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ ، فَقِيلَ : يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي ، يَصِحُّ فِيمَا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ قَوِيٌّ .
الرَّابِعُ : إمْكَانُ التَّوْزِيعِ ، فَيَخْرُجُ مَا إذَا بَاعَ مَجْهُولًا وَمَعْلُومًا .
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ مَا يَبْطُلُ فِيهِ مَعْلُومًا ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَمْ يَصِحَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُخْبِرُ بِالْقِسْطِ .
وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ ، لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَقِيلَ : فِي الْأَرْضِ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ .
نَعَمْ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ بَاعَ الْمَاءَ فِي قَرَارِهِ ، فَإِنْ كَانَ

جَارِيًا ، ( فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا ) ، وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمْلَكُ ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ .
السَّادِسُ : أَنْ لَا يُخَالِفَ الْإِذْنَ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ عَلَى عَشَرَةٍ فَرَهَنَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ ، بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ ، لِمُخَالَفَةِ الْإِذْنِ ، كَذَا عَلَّلَهُ فِي الرَّافِعِيِّ ، وَقَضِيَّتُهُ جَرَيَانُهُ فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ، إذَا ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَ الْمَأْذُونِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ ، لِيَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا طُولُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضٍ مُعَيَّنٍ ، فَنَسَجَ أَحَدَ عَشَرَ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ ( وَإِنْ جَاءَ بِهِ وَطُولُهُ تِسْعَةٌ ، فَإِنْ كَانَ طُولُ السَّدَى عَشَرَةً اسْتَحَقَّ مِنْ الْأُجْرَةِ ) بِقَدْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْسِجَ عَشَرَةً لَتَمَكَّنَ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ طُولُهُ تِسْعَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْإِجَارَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ .
السَّابِعُ : أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ ، فَلَوْ أَصْدَقَ الْوَلِيُّ عَنْ الطِّفْلِ عَيْنًا مِنْ مَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، صَحَّ فِيهَا فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَبَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
الثَّامِنُ : أَنْ يُورَدَ عَلَى الْجُمْلَةِ ، لِيَخْرُجَ مَا لَوْ قَالَ أَجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ قَطْعًا ، وَهَلْ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا لَا وَهَكَذَا لَوْ قَالَ ضَمِنْت نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ ، فَالضَّمَانُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَاسِدٌ ، وَهَلْ يَصِحُّ فِي نَفَقَةِ يَوْمِهَا أَمْ لَا ، قَالَ الْمُتَوَلِّي : الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ .
فَائِدَةٌ : الصَّفْقَةُ تُفَرَّقُ فِي الثَّمَنِ ، كَمَا تُفَرَّقُ فِي الْمُثَمَّنِ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ، بَلْ

اقْتَضَى كَلَامُهُمْ فِي بَابِ ( التَّحَالُفِ ) أَنَّهَا لَا تُفَرَّقُ فِيهِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ فَقَالَ بَلْ بِأَلْفٍ وَخَمْرٍ ، لَكِنْ قَالُوا فِي بَابِ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْمُسَمَّى مُسْتَحَقًّا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَبِذَلِكَ يَصِحُّ مَا ذَكَرْنَا .

يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا .
فَيُقَدَّمُ لِلْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِوُجُوهِ ( الْحُجَجِ ) وَالْأَحْكَامِ .
وَفِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَكَايِدِهَا وَأَشَدُّ إقْدَامًا عَلَيْهَا وَأَعْرَفُ بِسِيَاسَتِهِ فِيهَا .
وَفِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِتَدْبِيرِ الْأَيْتَامِ ، وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِهِمْ .
وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ نَاقِصًا فِي بَابٍ كَامِلًا فِي غَيْرِهِ ، كَالْمَرْأَةِ نَاقِصَةٌ فِي الْحُرُوبِ كَامِلَةٌ فِي حَضَانَةِ الطِّفْلِ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ عُرَاةٌ وَهُنَاكَ ثَوْبٌ وَأَرَادَ مَالِكُهُ إعَارَتَهُ لَهُمْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ ، ثُمَّ بِالرِّجَالِ ، لِأَنَّ عَوْرَتَهُنَّ أَغْلَظُ وَآكَدُ حُرْمَةً ، فَكَانَ الْبُدَاءَةُ بِسَتْرِهَا أَوْلَى .
وَمِنْ هَذَا تَقْدِيمُ الْفَقِيهِ عَلَى الْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِإِقَامَةِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَدَرْءِ مُفْسِدَاتِهَا .
وَقُدِّمَ الْإِمَامُ عَلَى الْجَمِيعِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ، فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْخَاصَّةِ .
وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ التَّقْدِيمُ بِالْمَكَانِ كَمَالِكِ الدَّارِ ، وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ ، فَإِنَّ الْمَكَانَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ ، فَكَانَ رِعَايَتُهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ الْمَالِكِ وَالْإِمَامِ .
وَلِهَذَا ، إذَا اجْتَمَعَتْ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ ، وَفَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا قُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ ، وَإِنَّمَا خَرَجُوا عَنْ هَذَا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ .
} وَلَوْ أَسَرَ الْكُفَّارُ عَالِمًا وَجَاهِلًا وَلَمْ يُمْكِنْ ، إلَّا فَكُّ أَحَدِهِمَا فَقِيلَ : يُقَدَّمُ الْجَاهِلُ ، لِأَنَّ بَقَاءَهُ عِنْدَهُمْ رُبَّمَا يَجُرُّهُ إلَى دُخُولِهِ مَعَهُمْ وَبَقَاءُ الْعَالِمِ عِنْدَهُمْ ، رُبَّمَا يَجُرُّ إلَى انْقِيَادِهِمْ إلَى الْحَقِّ بِبَيَانِ الْأَدِلَّةِ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ الْعَالِمُ ، لِعُمُومِ نَفْعِنَا بِهِ .
وَمِنْ هَذَا يُبَاحُ ،

لِخَائِفِ الْعَنَتِ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَى غَيْرِهِ ، قَالَ مُجَلِّي ، وَهَذَا فِيهِ تَقْدِيمٌ لِلْفَاجِرِ عَلَى الْمُتَّقِي بِسَبَبِ فُجُورِهِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ .
تَقْدِيمُ الْوَاجِبِ ضَرْبَانِ : الْأَوَّلُ : بَعْدَ دُخُولِهِ وَقْتِهِ فَتَعْجِيلُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهِ .
إلَّا فِي الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٍ ، وَإِلَّا إخْرَاجُ زَكَاةِ الْمَالِ لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ ، وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ بَعْدَ الْفَجْرِ ، وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ ، وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِحْرَامِ وَتَأْخِيرُ ذَبْحِهِ إلَى الْحَرَمِ أَفْضَلُ ، وَكَذَا مَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ تَأْخِيرُهُ إلَى فِعْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ .
الثَّانِي : التَّقْدِيمُ عَلَى الْوَقْتِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي بَعْضِ عِبَادَاتِ الْمَالِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ ، كَمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الدَّيْنِ قَبْلَ مَحِلِّهِ ، بِخِلَافِ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ لَا تُقَدَّمُ قَبْلَ دُخُولِهَا ، كَالصَّلَاةِ .
وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ صَوْمُ الثَّلَاثِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ } خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَقِيلَ : إنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ بِالْحَدَثِ أَوْ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، لَمَا جَازَ فِعْلُهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ، فَإِنَّ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ لَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهَا ، لَكِنَّهَا جَائِزَةٌ ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا بِالْحَدَثِ .
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ : وَمِنْهَا يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْوَقْتِ ، قَالَ الْقَفَّالُ ، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْجِيلِ بِالصُّبْحِ ، وَمَبْنَى التَّعْجِيلِ عَلَى وُجُوبِهَا بِأَوَّلِ الْوَقْتِ .
وَمِنْهَا الْحَجُّ قَبْلَ الِاسْتِطَاعَةِ ، ثُمَّ يَسْتَطِيعُ .
وَمِنْ ذَلِكَ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ

قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ : إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهَا بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالصَّبِيُّ إذَا تَوَضَّأَ ، ثُمَّ بَلَغَ ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّحِيحِ ، خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ .
وَلَوْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ ، ثُمَّ بَلَغَ بِالسِّنِّ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا ، فَلَا إعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْإِحْرَامُ ، وَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْمِيقَاتِ .

التَّقَاصُّ إذَا ثَبَتَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ .
إمَّا مِنْ جِهَةٍ كَسَلَمٍ وَقَرْضٍ .
أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ ، وَكَانَ الدَّيْنَانِ مُتَّفِقَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْحُلُولِ وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِمَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ اخْتَلَفَ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : أَصَحُّهُمَا : عِنْدَ النَّوَوِيِّ ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ التَّقَاصَّ يَحْصُلُ بِنَفْسِ ثُبُوتِ الدَّيْنَيْنِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الرِّضَا ، لِأَنَّ مُطَالَبَةَ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِمِثْلِ مَالِهِ عِنَادٌ ، لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ ، وَلِأَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِوَارِثِهِ ، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِوَارِثِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهَا فِي ( دَيْنِهِ ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ ، لِانْتِقَالِ الْعَيْنِ إلَيْهِ .
وَالثَّانِي : يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إنْ تَرَاضَيَا ، وَإِلَّا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مُطَالَبَةُ الْآخَرِ .
وَالثَّالِثُ : يَسْقُطُ بِرِضَا أَحَدِهِمَا .
وَالرَّابِعُ : لَا يَسْقُطُ وَلَوْ تَرَاضَيَا .
إذَا عَلِمْت هَذَا " فَلِلتَّقَاصِّ شُرُوطٌ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ فِي الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ ، فَأَمَّا الْأَعْيَانُ ، فَلَا يَصِيرُ بَعْضُهَا قِصَاصًا عَنْ بَعْضٍ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ كَالْمُعَاوَضَةِ فَيَفْتَقِرُ إلَى التَّرَاضِي ، وَلِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ فِي الْأَعْيَانِ ، فَأَمَّا فِي الذِّمَّةِ الدُّيُونُ سَوَاءٌ ، فَلَا مَعْنَى لِقَبْضِ أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ ، وَمِنْ أَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ امْتَنَعَ أَخْذٌ مَالِ الْغَرِيمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا كَانَ مُقِرًّا بَاذِلًا لِلْحَقِّ ، لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الدَّفْعِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ ، وَلَوْ أَخَذَهُ ضَمِنَهُ ، وَلَا يُقَالُ يَصِيرُ قِصَاصًا عَنْ حَقِّهِ ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الدُّيُونِ لَا فِي الْأَعْيَانِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ فِي الْأَثْمَانِ ، أَمَّا الْمِثْلِيَّاتُ كَالطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ ، فَلَا تَقَاصَّ

فِيهَا ، صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ، بِأَنَّ مَا عَدَا الْأَثْمَانَ ( يَطْلُبُ ) فِيهِ الْمُعَايَنَةَ ، وَحَكَى الْإِمَامُ فِي جَرَيَانِهِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَجْهَيْنِ : وَصَحَّحَ جَرَيَانُهُ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ كَمَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ ، وَقَالَ إنَّ الْأَصْحَابَ خَالَفُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) لَا عَنْ قَصْدٍ ، لِقِلَّةِ نَظَرِهِمْ فِي كِتَابِهِ ، وَمِنْ ( هَذَا ، قَالُوا مَا لَوْ ) أَكَلَتْ الرَّشِيدَةُ مَعَ زَوْجِهَا ، تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا فِي الْأَصَحِّ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقَرَّيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَا سَلَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا وَإِنْ تَرَاضَيَا ، قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَاوَرْدِيُّ ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْجَوَازَ ، لَكِنْ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأُمِّ مَنْعُ التَّقَاصِّ فِي السَّلَمِ .
الرَّابِعُ : أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْحُلُولِ وَالْأَجَلِ ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ ، لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ .
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ ، فَإِنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ ، وَلَا طَلَبَهُ ، فَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ لَا يُجْزِئُ ، بِلَا خِلَافٍ ، وَقَالَ الْإِمَامُ فِيهِ احْتِمَالٌ .
السَّادِسُ : أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَفِرَ الْمُسْتَحِقُّ بِحَقِّهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ جَائِزٌ ، إلَّا فِي حَقِّ الْمَجَانِينِ وَالْأَيْتَامِ وَالْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ .
السَّابِعُ : أَنْ لَا يَكُونَ فِي قِصَاصٍ ، وَلَا حَدٍّ ، فَلَوْ تَقَاذَفَ شَخْصَانِ لَمْ يَتَقَاصَّا ، وَلَوْ تَجَارَحَ رَجُلَانِ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الدِّيَاتِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِقَتْلِ صَاحِبِهِ ، قَالَ ، فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ جُرْحٌ لِلدَّفْعِ ، لَمْ يَقْبَلْ أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ

وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ مَا يَدَّعِيه صَاحِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّفْعِ الْمُسْقِطِ لِلضَّمَانِ ، فَإِذَا حَلَفَا وَمَاتَا بِالسِّرَايَةِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ ، لِأَنَّ الْجُرْحَ السَّارِيَ مَوْجُودٌ وَمَا يَدَّعِيهِ مِنْ قَصْدِ الدَّفْعِ لَمْ يَثْبُتْ فَوَجَبَ الضَّمَانُ ، قَالَ ( الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ ) فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ ، إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بِالسِّرَايَةِ عَلَى الَّذِي لَمْ يَمُتْ لِمَا تَقَدَّمَ .
قُلْت : فِي فُرُوعِ ( ابْنِ الْقَطَّانِ ) إنَّ ( التَّقَاصَّ ) يَجْرِي فِي الْقِصَاصِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا فَقَتَلَ وَارِثُهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ قَوَدَهُ الْقَاتِلُ سَقَطَ هَذَا بِهَذَا ، وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي ( الْقَذْفِ ) وَهُوَ غَرِيبٌ

لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ فَجَحَدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ ، وَلَكِنْ فِي يَدِهِ وَثِيقَةٌ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ آخَرَ كَانَ قَبَضَهُ وَفِي الصَّكِّ شُهُودٌ ، لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَبَضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ ، فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ ، وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْبِضَ الدَّيْنَ مِنْهُ ، وَيَجْعَلَهُ تَقَاصًّا عَنْ دَيْنِهِ الْمَجْحُودِ ، قَالَهُ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ ، وَهَذَا ، إذَا كَانَ مُسَاوِيًا أَوْ أَنْقَصَ ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَمِنْهَا مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَقَدْ اسْتَعْجَلَ مِنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ ( الْمَوْقِعَ ) ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْتَبِسَهُ ، عَنْ زَكَاتِهِ الْمَفْرُوضَةِ ، وَيَقَعُ تَقَاصًّا وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَبِسَهُ ، بَلْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ يُعْطِيَهُ مِنْ جِهَةِ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَحْتَاجُ إلَى دَفْعٍ وَنِيَّةٍ ، لَكِنْ اكْتَفَوْا بِنِيَّةِ أَصْلِ الزَّكَاةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ .
وَمِنْهَا ، إذَا كَانَ لَهُ عَلَى الْفَقِيرِ دَيْنٌ ، فَقَالَ جَعَلْته عَنْ زَكَاتِي ، لَا يَجْزِيهِ فِي الْأَصَحِّ حَتَّى يَقْبِضَهُ ، ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ ، وَعَلَى الثَّانِي يَجْزِيهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ ( لَهُ ) وَدِيعَةٌ ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ .
وَمِنْهَا ، لَوْ بَاعَ الْمُصَرَّاةَ بِصَاعِ تَمْرٍ يَرُدُّ التَّمْرَ ، وَلَا يَجْرِي التَّقَاصُّ نَظِيرَ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَمِنْهَا ، إذَا هَاجَرَتْ إلَيْنَا مِنْهُمْ مُسْلِمَةٌ وَتَوَجَّهَتْ إلَيْهِمْ مِنَّا مُرْتَدَّةٌ مَهْرُهَا أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ الَّتِي هَاجَرَتْ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقَدْرِ بَرِئَتْ الذِّمَّتَانِ ، وَإِنْ فَضَلَ لَنَا رَجَعْنَا بِالْفَضْلِ ، وَإِنْ فَضَلَ لَهُمْ دَفَعْنَا الْفَضْلَ إلَيْهِمْ ، وَدَفَعَ الْإِمَامُ مَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .

التَّقْلِيدُ مُمْتَنِعٌ لِلْمُجْتَهِدِ الْقَادِرِ عَلَى الدَّلِيلِ كَافٍ لِلْعَاجِزِ عَنْهُ ، فِيمَا لَمْ يُطْلَبْ فِيهِ الْقَطْعُ ، وَالظَّنُّ كَافٍ فِي كُلِّ عِلْمٍ بِكَيْفِيَّةٍ أَوْ فِي عِلْمٍ لَمْ يُطْلَبْ فِيهِ الْقَطْعُ وَالْيَقِينُ ، وَبَيَانُهُ أَنْ يَقُولَ : كُلُّ مَسْأَلَةٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا عَمَلٌ ، فَإِنَّ الظَّنَّ فِيهَا كَافٍ ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَمَلٌ ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ .
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ إنْ كُلِّفَ فِيهَا بِالْعِلْمِ ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْأَخْذُ بِالظَّنِّ ، وَإِلَّا جَازَ ، كَالتَّفَاضُلِ بَيْنَ ( فَاطِمَةَ ) ( وَخَدِيجَةَ ) وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
( وَاعْلَمْ ) أَنَّ اكْتِفَاءَ الشَّرْعِ فِي الْفُرُوعِ بِالظَّنِّ لَيْسَ بِمُتَعَلِّقٍ لِلْعَمَلِ بِالظَّنِّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَمَارَةُ وُجُوبِ الْعَمَلِ ، لَا مُسْتَنَدُ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ الْعَمَلُ إلَى الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ وَالْإِجْمَاعِ ، وَعَنْ هَذَا ، قَالَ ( الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ) لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ تَقْلِيدٌ إذْ حَقِيقَةُ التَّقْلِيدِ قَبُولُ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَدَلِيلٍ ، فَكَمَا أَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ مَقْبُولٌ لِقِيَامِ الْمُعْجِزَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ ، كَذَلِكَ قَبُولُ أَخْبَارِ الْآحَادِ ، وَأَقْوَالِ الْمُفْتِينَ وَالْحُكَّامِ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ الْأُمَّةِ الْمَعْصُومَةِ ، فَنَزَلَتْ أَقْوَالُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَيْهِمْ بِالْإِجْمَاعِ مَنْزِلَةَ أَخْبَارَ الْآحَادِ وَالْأَقْيِسَةِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَصِيرِ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ ، وَفِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ لِمَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا خِلَافٌ ، وَجَزَمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِالْمَنْعِ ، فَفِي فَتَاوِيهِ لَا يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَلْمِسَ امْرَأَةً ثُمَّ يُصَلِّيَ ، وَلَا يَتَوَضَّأَ تَقْلِيدًا لِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّمْسَ لَا يُنْقِضُ لِأَنَّهُ بِالِاجْتِهَادِ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي هَذَا ، فَلَا يَجُوزُ إنْ يُخَالِفَ اجْتِهَادَهُ .
كَمَا لَوْ اجْتَهَدَ فِي

الْقِبْلَةِ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِهَا انْتَهَى .
وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ حَيْثُ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ : إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَعْسُرُ تَفْرِيقُهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا قِسْمَتَهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِي ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ .
فَائِدَةٌ : إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِالْوَقْتِ عَنْ عِلْمٍ ، عَمِلَ بِهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْعِلْمُ أَمْ لَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَجَزَمُوا فِي الْقِبْلَةِ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْخَبَرُ عَنْ عِلْمٍ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ يُمْكِنُ فِيهِ الْعِلْمُ بِأَنْ يَرَى غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ جَبَلٍ مَثَلًا وَأَمَّا الْقِبْلَةُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا الْمُشَاهَدَةُ إلَّا ( بِمَكَّةَ ) وَحِينَئِذٍ فَلَا يَعْتَمِدُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8