كتاب : الفروق
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي

403 - 403 - رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ فَدَعَوْهُ إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ فَقَالَ وَاحِدٌ ثِقَةٌ : هَذَا حَرَامٌ أَوْ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ ، وَقَالُوا : هُوَ حَلَالٌ ، وَفِيهِمْ أَيْضًا وَاحِدٌ ثِقَةٌ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ ، وَلَا يَغْلِبُ خَبَرُ الْحَاضِرِ .
وَلَوْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَبَرَانِ : أَحَدُهُمَا حَاظِرٌ وَالْآخَرُ مُبِيحٌ ، وَالرَّاوِيَانِ ثِقَتَانِ فَالْحَاظِرُ أَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا ، لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَاءٌ وَاحِدٌ طَاهِرًا وَنَجِسًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ إذَا تَنَجَّسَ لَا يَطْهُرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَعُلِمَ كَذِبُ أَحَدِهِمَا - لَا مَحَالَةً - وَكُلُّ وَاحِدٍ فِي جَوَازِ كَوْنِهِ كَذِبًا كَصَاحِبِهِ ، فَاسْتَوَيَا وَسَقَطَا ، كَمَا قُلْنَا فِي الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِذَا سَقَطَا رَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَصْلِ ، فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ .
وَأَمَّا الْخَبَرَانِ فَإِنَّهُمَا نَقَلَا لَفْظَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ ، وَلَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُمَا ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا فَاسْتُبِيحَ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا فَقَبِلْنَاهُمَا ، إلَّا أَنَّ الْحَاظِرَ كَالْمُتَأَخِّرِ ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ مُتَحَقِّقٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ فَكَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى .

404 - 404 - إذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ فَشَهِدَ وَاحِدٌ ثِقَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مِنْ رَمَضَانَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ .
وَلَا تُقْبَلُ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ لَا تَتَضَمَّنُ إيجَابَ مَالٍ ، فَجَازَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ إيجَابُ عِبَادَةٍ كَمَا لَوْ رَوَى خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَأَمَّا هِلَالُ شَوَّالٍ فَيَتَضَمَّنُ إيجَابُ مَالٍ وَهُوَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ، وَفِي الْأَضْحَى إيجَابُ الْأُضْحِيَّةِ ، وَإِيجَابُ الْأَمْوَالِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ الْفِطْرِ إيجَابُ حَقٍّ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا فَيَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ هِلَالُ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ الْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ الصَّوْمُ فَصَارَ مُخْبِرًا بِإِيجَابِ الْحَقِّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ ، فَلَمْ تَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ فِيهِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ .
وَلِأَنَّ فِي الْفِطْرِ إسْقَاطَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ إسْقَاطُ سَائِرِ الْحُقُوقِ بِهِ .
وَأَمَّا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَهُوَ إيجَابُ عِبَادَةٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ وَلَا تَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ فِيهِ ، فَجَازَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ .

405 - 405 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : أَنَا أَرْضَعْتُهَا ، أَوْ هَذِهِ أُخْتُكَ وَسِعَهُ أَنْ يُكَذِّبَهَا وَيَطَأَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَقَالَ : هَذِهِ حُرَّةُ الْأَصْلِ أَوْ أُخْتُكَ ، وَسِعَهُ أَنْ يُكَذِّبَهُ وَيَطَأَهَا وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَقَالَ : هَذِهِ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ ، أَوْ هَذَا الْمَاءُ نَجِسٌ لَمْ يَسَعْهُ تَنَاوُلُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إبَاحَةَ أَكْلِ الطَّعَامِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَبَحْتُ لَكَ ، هَذَا الطَّعَامَ وَسِعَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ ، فَزَوَالُ الْإِبَاحَةِ بِمَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ ، فَجَازَ زَوَالُ الْإِبَاحَةِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ كَمَا جَازَ إثْبَاتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبُضْعُ ؛ لِأَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْبُضْعِ تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ بِمِلْكِ نِكَاحٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ زَوَالُ الْإِبَاحَةِ بِمَا يُزَالُ بِهِ الْمِلْكُ ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ زَوَالُ الْإِبَاحَةِ لَوْ صَحَّ هَذَا أَنَّ إبَاحَةَ الْبُضْعِ لِمَا اُخْتُصَّ بِالْمِلْكِ ، وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ ، فَبَقِيَ الْمِلْكُ الْمُوجِبُ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ ، فَبَقِيَ الْمُوجِبُ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ .
وَفِي الطَّعَامِ الْمِلْكُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ ، وَالْإِبَاحَةُ تَزُولُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ، فَلَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ مُوجِبًا لِلْإِبَاحَةِ ، فَلَمْ يَبْقَ الْمُوجِبُ فَجَازَ أَلَّا يَبْقَى الْمُوجِبُ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ وُجِدَ لِأَخْبَارِهَا مُنَازِعٌ ؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَرْأَةِ يَقُولُونَ لَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى عَقَدُوا ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ حِينَ اشْتَرَاهَا ، وَالْآنَ تُقِرُّ بِالرِّقِّ أَيْضًا ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا تَدَّعِي الْحُرْمَةَ فَتُعَارِضُ مُولَاهَا ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْعَقْدِ بِلَا حُرْمَةٍ .
وَأَمَّا فِي اللَّحْمِ فَلَا مُنَازِعٌ يُخْبِرُهُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَخَذَ الْبَدَلَ عَلَيْهِ ، فَصَارَ

الْمُشْتَرِي خَصْمًا ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَقَدْ أُخْبِرَ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ رَوَى خَبَرًا وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ أَخَفُّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُبَاحُ بِحَالٍ ، وَهُوَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَتَحْرِيمُ الْبُضْعِ لَا يَرْتَفِعُ بِالضَّرُورَةِ ، وَإِذَا كَانَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ أَخَفَّ جَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّخْفِيفُ فِي سَبَبِهِ فَيَكُونُ سَبَبُ ثُبُوتِهِ أَخَفَّ ، فَيَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ .
وَالْبُضْعُ لَمَّا كَانَ آكَدَ كَانَ سَبَبُ ثُبُوتِهِ آكَدَ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِبَاحَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَيُزِيلُهَا ، وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَبَحْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ ، حَلَّ لَهُ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْرِيمُ فِيهِ أَيْضًا بِقَوْلِ الْوَاحِدِ .
وَإِبَاحَةُ الْبُضْعِ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَوَّجَ أَوْ وَهَبَ أَوْ بَاعَ جَارِيَةً فَمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ قَبُولٌ وَقَبْضٌ لَا يُبَاحُ لَهُ ، فَتَحْرِيمُهُ أَيْضًا جَازَ أَلَّا يَثْبُتَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ .

406 - 406 - وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ طَعَامًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ مَلَكَهَا بِوَجْهِ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَجَاءَ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ فَشَهِدَ أَنَّ هَذَا لِفُلَانٍ الْفُلَانِ غَصَبَهُ مِنْهُ الْبَائِعُ أَوْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَيِّتُ ، فَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ أَكْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَزَّهْ كَانَ فِي وُسْعِهِ ، وَكَذَلِكَ شَرَابٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَذِنَ لَآخَرَ فِي شُرْبِهِ وَالْوُضُوءِ بِهِ ، فَقَالَ ثِقَةٌ : هَذَا لِفُلَانٍ غَصَبَهُ مِنْهُ وَسِعَهُ اسْتِعْمَالُهُ .
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَحْمٌ أَوْ مَاءٌ فَقَالَ : هَذَا الْمَاءُ نَجِسٌ ، أَوْ هَذَا اللَّحْمُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ لَمْ يَسَعْهُ أَكْلُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي اسْتِعْمَالِهِ جَازَ فَلَمْ يُخْبَرْ بِتَحْرِيمٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا أُخْبِرَ بِتَحْرِيمٍ لِحَقِّ مِلْكِ الْغَيْرِ ، وَالْمِلْكُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ، وَنَقْلُ الْمِلْكِ وَإِثْبَاتُهُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ فَلَمْ يَصِرْ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ فَبَقِيَ الْمِلْكُ فِيهِ لَهُ .
وَأَمَّا فِي ذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ فَقَدْ أُخْبِرَ بِمَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ وَبِكَوْنِهِ حَرَامًا وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بِإِذْنٍ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ أَخْبَارَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَالَ : هُوَ لِفُلَانٍ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِمَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ لِفُلَانٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِهِ عَلَيْهِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِهِبَةٍ لَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ فِي يَدِهِ وَلَهُ إبَاحَتُهُ ، فَتَعَلَّقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ سَائِرُ

الْحُقُوقِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أُخْبِرَ أَنَّهُ نَجِسٌ ؛ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِمَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ نَجِسًا ، وَإِخْبَارُ الْوَاحِدِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَقْبُولٌ .

407 - 407 - رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْبَرَهَا مُخْبِرٌ أَنَّ زَوْجَكِ قَدْ طَلَّقَكِ أَوْ مَاتَ ، وَسِعَهَا أَنْ تُصَدِّقَهُ وَتَتَزَوَّجَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِرَجُلٍ : قَدْ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي ، وَسِعَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ أُخْبِرَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ فَاسِدًا ، وَكَانَ الزَّوْجُ مُرْتَدًّا يَوْمَ الْعَقْدِ لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ هَكَذَا لَمْ يَسَعْ الْأَجْنَبِيُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أُخْبِرَتْ بِمَا يَنْبَنِي عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ ، فَكَانَ إخْبَارًا بِتَحْلِيلِ نَفْسِهَا بِسَبَبٍ مُمْكِنٍ فَصَدَّقَتْ ، كَمَا لَوْ قَالَتْ : حِضْتُ أَوْ طَهُرْتُ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ فَتَزَوَّجْنِي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يُضَادُّ الْمَعْلُومَ الْأَوَّلَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، كَمَا لَوْ عَايَنَ شَيْئًا فَأَخْبَرَهُ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَدَعُ مَعْلُومَهُ بِإِخْبَارِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : لِإِخْبَارِهِ مُنَازِعٌ وَهُوَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : عَقْدُهُ كَانَ صَحِيحًا ، فَتَعَارَضَ الْقَوْلَانِ فَرُجِعَ إلَى الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ لِإِخْبَارِهَا مُنَازِعٌ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ فَقُبِلَ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارُ ثِقَةٍ فِي الدِّيَانَاتِ .

408 - 408 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ : أَنِّي قَتَلْتُ أَبَاكَ عَمْدًا ، وَسِعَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِإِقْرَارِهِ .
وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ يُوجِبُ الْحَقَّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا : لَوْ أَنَّ إنْسَانًا يُقِرُّ لِأَحَدٍ بِدَيْنٍ وَسِعَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ ، فَقَدْ عَلِمَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ لَهُ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَمَا لَوْ شَاهَدَ الْقَتْلَ .
وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الشَّهَادَةِ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْقَاضِي اجْتِهَادًا فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا ، وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا .
وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلًا يَشْهَدُ آخَرُ عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ لِهَذَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْهُ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الشَّهَادَةِ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا اتَّصَلَتْ بِالْقَضَاءِ صَارَتْ مُوجِبَةً لِحَقٍّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي إبْطَالِهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَضَاءَهُ ، فَقَدْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ .

409 - 409 - إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ امْرَأَةٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَجَحَدَ الزَّوْجُ لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تُمَكِّنَ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَزِمَهُ الْحُكْمُ بِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ .
وَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ قَالَا لِرَجُلٍ : إنَّ فُلَانًا قَتَلَ أَبَاكَ عَمْدًا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِمَا وَيَقْتُلَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ تَقْتَضِي ثُبُوتَهُ ، وَثُبُوتُ الْقَتْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْقِصَاصِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَرِدَ مَعْنًى يُبْطِلُهُ وَيُسْقِطُ الْقِصَاصَ بَعْدَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى ثُبُوتِ الْقِصَاصِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْتُلَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْبُضْعِ - لَا مَحَالَةَ - وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ تُوجِبُ ثُبُوتَهُ ، ثُمَّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ وَفَسْخُهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَايَنَتْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ ، وَلَوْ عَايَنَتْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا امْتِنَاعُ النَّفْسِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

410 - 410 - إذَا اشْتَبَهَتْ الْقِبْلَةُ عَلَى الرَّجُلِ فَلَمْ يَتَحَرَّ ، وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ إلَى جِهَةٍ ، ثُمَّ عَلِمَ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ رَأْيِهِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَهَا بِتَكْبِيرٍ مُسْتَأْنَفٍ .
وَلَوْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى أَصْلِ فَرْضِهِ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ فَرْضِهِ الْقِبْلَةُ لَا مَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ ، فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ ، كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى أَصْلِ فَرْضِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ، كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ .

411 - 411 - إذَا اخْتَلَطَ جَارِيَتُهُ بِجَوَارِي غَيْرِهِ ، أَوْ امْرَأَتُهُ بِنِسَاءِ غَيْرِهِ ، أَوْ قَاتِلُ أَبِيهِ بِرِجَالٍ أُخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى .
وَإِذَا اخْتَلَطَ مَسْلُوخَةٌ مَيْتَةٌ بِمَسَالِيخَ مُذَكَّاةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى ، وَيَأْكُلَ مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّهَا مُذَكَّاةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاشْتِبَاهَ عُذْرٌ ، فَقَدْ أَكَلَ مِمَّا يُسْتَبَاحُ لِلْعُذْرِ بِحَالٍ وَهُوَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، فَلِذَلِكَ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَوَارِي ؛ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ نَوْعُ عُذْرٍ وَالْإِبْضَاعُ لَا يُسْتَبَاحُ لِلْعُذْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ النَّفْسِ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي فِيهِمَا .

412 - 412 - وَدَكُ الْمَيْتَةِ إذَا اخْتَلَطَ بِالسَّمْنِ ، وَالسَّمْنُ هُوَ الْغَالِبُ جَازَ بَيْعُهُ ، فَإِنْ كَانَ الْوَدَكُ هُوَ الْغَالِبُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ .
وَالزَّيْتُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ جَازَ بَيْعُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَالِبَ إذَا كَانَ هُوَ الْوَدَكَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي السَّمْنِ ، فَثَبَتَ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ ، فَهَذِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَيْنِ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ يَقَعُ عَلَى الْعَيْنِ ، وَالْعَيْنُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ هُوَ السَّمْنَ صَارَ الْوَدَكُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ ؛ إذْ الْأَقَلُّ يُجْعَلُ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ فَكَانَ الْجَمِيعُ سَمْنًا فَجَازَ بَيْعُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفَأْرَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي الزَّيْتِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ ، وَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى الْعَيْنِ ، وَالْعَيْنُ طَاهِرَةٌ فَمُجَاوَرَةُ النَّجَاسَةِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ ، كَالثَّوْبِ النَّجِسِ إذَا بِيعَ .

413 - 413 - إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا ثَوْبَانِ : أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ ، فَتَحَرَّى وَغَلَبَ فِي ظَنِّهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا طَاهِرٌ ، وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَأَدَّى غَالِبُ ظَنِّهِ إلَى أَنَّ الْآخَرَ طَاهِرٌ ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الظُّهْرَ .
وَلَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةِ صَلَاةِ الظُّهْرِ ، ثُمَّ أَدَّى غَالِبُ ظَنِّهِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّ الْقِبْلَةَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ إلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فَرْضَهُ فِي بَابِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَتَرَكَهَا وَتَوَجَّهَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ، فَإِذَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ مَرَّةً إلَى جِهَةٍ أَنَّهَا الْقِبْلَةُ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ قِبْلَةً لَهُ أَبَدًا ، فَبَقِيَ عَلَى اجْتِهَادِهِ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى وَقْتَ الْعَصْرِ ثَانِيًا وَيَجْتَهِدُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّوْبُ ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ فِي بَابِ الثَّوْبِ أَدَاءُ الْعَصْرِ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ ، لَا مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ طَاهِرٌ ثُمَّ تَرَكَهُ ، وَصَلَّى فِي الثَّوْبِ الْأُخْرَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ جَازَتْ صَلَاتُهُ ، فَإِذَا تَحَرَّى وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي ثَوْبٍ حَكَمْنَا بِجَوَازِ صَلَاتِهِ فِيهِ ، فَقَدْ حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ ، وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ حُكْمٌ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ الْآخَرِ ، فَإِذَا صَلَّى الْعَصْرَ فِيهِ ، فَقَدْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ ، فَلَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ .

414 - 414 - إذَا أَجَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَنَةً لِلْخِدْمَةِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي خِلَالِ السَّنَةِ ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَوْلَى الْأَجْرَ ، فَاخْتَارَ الْعَبْدُ الْمُضِيَّ عَلَى ( الْإِجَارَةِ ) ؛ ( كَانَ أَجْرُ ) مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَمَا بَقِيَ لِلْعَبْدِ .
وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى قَبَضَ الْأُجْرَةَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَجَمِيعُ الْأُجْرَةِ لِلْمَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ النَّفْسِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، فَصَارَ كَالْمُبْتَدِئِ لِلْعَقْدِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، وَلَوْ عَقَدَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَإِذَا أَجَازَ فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ بِإِجَازَتِهِ ، فَصَارَ كَتَوْلِيَتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ عَقَدَ بِنَفْسِهِ سُلِّمَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَمَا مَضَى فِي حَالِ الرِّقِّ إنَّمَا تَمَّ الْعَقْدُ بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى ، وَالْأُجْرَةُ وَجَبَتْ فِي الْحَالِ ، وَهُوَ رَقِيقٌ ، فَسُلِّمَتْ لَهُ .
وَأَمَّا إذَا قَبَضَ الْأُجْرَةَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ ، فَقَدْ مَلَكَ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي حَالِ الرِّقِّ ، وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ سَوَاءٌ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَوُجِدَ الْعَقْدُ فِي حَالِ الرِّقِّ ، فَسُلِّمَ لَهُ الْمَهْرُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

415 - 415 - وَلَوْ أَجَّرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى عَتَقَ فَأُجْرَةُ مَا مَضَى فِي حَالِ الرِّقِّ لِلْمَوْلَى ، وَمَا بَقِيَ فِي حَالِ الْعِتْقِ لِلْعَبْدِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، أَوْ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ فَالْأُجْرَةُ الْمَقْبُوضَةُ لِلْمَوْلَى خَاصَّةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ، فَلَا تُمْلَكُ الْأُجْرَةُ فِيهِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ ، وَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ الْقَبْضِ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ لَكَانَ أَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَبْدِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى أَوْ أَجَّرَهُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ صَحِيحٌ ، فَإِذَا عُجِّلَتْ الْأُجْرَةُ مَلَكَهَا الْمَوْلَى بِالتَّعْجِيلِ فِي حَالِ رِقِّهِ فَكَانَ لَهُ كَمَا قُلْنَا فِي مَهْرِ الْجَارِيَةِ .

إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ فَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ جَازَ .
وَإِنْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ آخَرَ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إبَاقَهُ لَمْ يُزِلْ يَدَ الْمَوْلَى عَنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ يَدٌ عَلَيْهِ ، فَبَقِيَ حُكْمُ يَدِ الْمَوْلَى ، وَهِبَتُهُ مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِيَدٍ لَهُ جَائِزَةٌ ، كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَوَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى أَحَدٍ جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، وَالتَّسْلِيمُ فِي الْآبِقِ لَمْ يُوجَدْ فَلَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ .

417 - 417 - إذَا أَجَّرَ الْأَبُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ ، أَوْ أَجَّرَ الْوَصِيُّ الْيَتِيمَ مُدَّةً ، فَبَلَغَ الْيَتِيمُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ، فَلَهُ الْخِيَارُ .
وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدًا لَهُ أَوْ دَارًا لَهُ ، فَبَلَغَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَا خِيَارَ لَهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْغَضَاضَةَ تَلْحَقُهُ فِي أَنْ يَكُونَ أَجِيرَ الْقَوْمِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تَلْحَقُهُ الْغَضَاضَةُ فِي حَالِ الصِّغَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الصِّبْيَانَ يُؤَجَّرُونَ لِيَتَعَلَّمُوا الْحِرَفَ ، فَإِذَا لَحِقَتْهُ الْغَضَاضَةُ صَارَ عُذْرًا ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ عَبْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ الْغَضَاضَةُ ، بِأَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ فِي حُكْمِ إجَارَةِ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَصِرْ عُذْرًا ، وَالْإِجَارَةُ لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِعُذْرٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَتْ الْإِجَارَةُ .

418 - 418 - إذَا جَاءَ رَجُلٌ بِالْآبِقِ إلَى صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الْجُعْلَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَنْقُلَ حُمُولَةً إلَى مَنْزِلِهِ ، فَنَقَلَ الْحُمُولَةَ إلَى مَنْزِلِهِ - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إبَاقَ الْعَبْدِ جِنَايَةٌ مِنْهُ ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ جِنَايَةً لَكَانَ خُرُوجًا بِرِضَا الْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ إبَاقًا وَرَدُّهُ إبْرَاءٌ لَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ ، بِإِذْنِ مَالِكِهِ حُكْمًا وَاجِبًا لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَرْهُونًا فَقَضَى الدَّيْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ ، لِيَرُدَّ عَلَيْهِ دَيْنَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَمَّالُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَحْمُولَ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ وَالْإِتْلَافِ ، فَلَمْ يَكُنْ نَقْلُهُ إحْيَاءً لِمِلْكِهِ ، وَإِنَّمَا عَمِلَ لَهُ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي عَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ بِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْغَصْبِ 419 - إذَا اسْتَوْلَى عَلَى دَارِ إنْسَانٍ فَانْهَدَمَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ : إذَا شَهِدُوا لِرَجُلٍ بِدَارٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمْ ، ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَمَا انْهَدَمَ الدَّارُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشُّهُودَ بِشَهَادَتِهِمْ أَتْلَفُوا الْمِلْكَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ ، فَقَدْ نَقَلُوا الْمِلْكَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَضَمِنُوا .
وَفِي الْغَصْبِ بِالِاسْتِيلَاءِ لَمْ يُنْقَلْ الْمِلْكُ وَلَا الْعَيْنُ وَلَمْ يُتْلِفْهُ ، فَاسْتَحَالَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ حَبَسَ رَجُلًا حَتَّى ضَاعَ مَالُهُ .

420 - 420 - رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً وَبَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ ، فَاسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا صَاحِبُهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْعُقْرِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَلَدَ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَلَّمَهُ مَعَ الْأُمِّ كَانَ لَهُ حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ ، حَتَّى يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ ، فَقَدْ يَضْمَنُ بِالْعَقْدِ سَلَامَةَ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ ، دَلِيلُهُ الْأُمُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ، فَلَمْ يَضْمَنْ بِالْعَقْدِ سَلَامَةَ الْوَطْءِ لَهُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ .

421 - 421 - إذَا غَصَبَ دَابَّةً فَقَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا غَرَّمَهُ كَمَالَ الْقِيمَةِ .
وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا غَرَّمَهُ النُّقْصَانَ إنْ شَاءَ وَأَمْسَكَ الْعَيْنَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ كَمَالَ الْقِيمَةِ وَالدَّابَّةُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فَوَّتَ مُعْظَمَ مَنَافِعِهَا حَيَّةً ، وَلَمْ يُفَوِّتْ مَنَافِعَهَا مَذْبُوحَةً ، فَقَدْ فَوَّتَ بَعْضَ مَنَافِعِهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ - فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ دَابَّةً لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمِيعَ مَنَافِعِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَلَا لِلْأَكْلِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا وَلَوْ قَتَلَهَا غُرِّمَ كَمَالَ قِيمَتِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .

422 - 422 - لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ مِنْ إنْسَانٍ فَدَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ مِثْلَ الْعَفْصِ وَغَيْرِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُعْطِيَهُ مَا زَادَ الدَّبَّاغُ فِيهِ .
وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ وَأَلْقَى فِيهِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ فَاِتَّخَذَهَا خَلًّا فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِهَا عَلَيْهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ صَارَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا أَوْ جَعَلَهَا خَلًّا بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٌ مِنْ مِلْكِهِ فَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْجِلْدِ مَا أَزَالَ الِاسْمَ الْأَوَّلَ ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ مِنْ جِنْسِهِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ ، وَالصَّبْغُ عَيْنُ مِلْكٍ قَائِمٍ لَهُ فِيهِ ، فَلَمْ يَجُزْ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ فَإِذَا أَخَذَهُ ضَمِنَهُ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَمْرُ ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ مِلْكَهُ مَا زَالَ الِاسْمُ الْأَوَّلُ ، وَنَقَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ عَيْنَ مِلْكِهِ بِهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِيهِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ فَانْقَطَعَ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا ، وَلَيْسَ لَهُ عَيْنُ مِلْكٍ قَائِمٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ مَالًا فَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا فَيَرُدَّهَا ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُلْقِ فِيهَا شَيْئًا فَهُوَ عَيْنُ مِلْكِهِ انْتَقَلَ مِنْ جِنْسِ الْخَمْرِيَّةِ إلَى جِنْسِ الْخَلِّ ، فَكَانَ لَهُ كَمَا لَوْ صَارَ خَلًّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ .

423 - 423 - إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ فِي يَدِ الْمَوْلَى ضَمِنَ كَمَالَ قِيمَتِهَا ، وَجُعِلَ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) .
وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً حُبْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ ضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا نَاقِصَةً بِالْحَبَلِ ، وَلَمْ تُجْعَلْ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْمَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَبَلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَضْمُونِ يَكُونُ مَضْمُونًا فَتَلِفَتْ فِي ضَمَانِهِ .
وَالْحَبَلُ فِي يَدِ الْمَوْلَى غَيْرُ مَضْمُونٍ ، فَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ ، وَجُعِلَ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فِي غَيْرِ الْحَبَلِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ نَاقِصَةً ، كَذَلِكَ هَذَا .

424 - 424 - إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ وَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ وَمَاتَتْ الْأُمُّ وَبَقِيَ الْوَلَدُ ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ الْغَصْبِ ، وَيَرُدُّ الْوَلَدَ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِجَارِيَتَيْنِ إلَى أَجَلٍ ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، فَإِنْ وَلَدَتْ فِي يَدِهِ وَمَاتَتْ الْأُمُّ وَقَدْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ غَرِمَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَلَا يُجْبَرُ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ بِالْوَلَدِ .
وَقَدْ قَالُوا فِي الْغَاصِبِ إذَا قَتَلَ الْجَارِيَةَ الْمَغْصُوبَةَ بَعْدَمَا وَلَدَتْ فِي يَدِهِ وَقَتَلَ الْوَلَدَ أَيْضًا وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَلْفٌ وَقَدْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ مِائَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ مِائَتَانِ ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ أَلْفًا وَيَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ مِائَةً ، وَيُجْبَرُ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ بِبَقِيَّةِ قِيمَةِ الْوَلَدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَمَّا مَاتَتْ وَجَبَ إسْنَادُ الضَّمَانِ إلَى حَالَةِ الْغَصْبِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ حَالَةً أُخْرَى يُمْكِنُ إسْنَادُ الضَّمَانِ إلَيْهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يُرَاعِي قِيمَتَهَا وَقْتَ الْغَصْبِ وَحَالَةَ الْغَصْبِ هِيَ كَامِلَةٌ ، فَإِذَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا بِكَمَالِهَا اسْتَغْنَى عَنْ الْجَبْرِ بِالْوَلَدِ ، فَكَذَلِكَ لَا يُجْبَرُ نُقْصَانُهَا بِالْوَلَدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَتَلَهَا ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ هُنَاكَ حَالَةٌ أُخْرَى يَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ غَيْرَ حَالَةِ الْغَصْبِ وَهِيَ الْقَتْلُ ، فَيُمْكِنُنَا تَضْمِينَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ نَاقِصَةً ، وَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ .

425 - 425 - إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ وَمَاتَتْ الْأُمُّ - ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَلَا يُجْبِرُ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِالْوَلَدِ .
وَلَوْ لَمْ تَمُتْ الْأُمُّ رَدَّهَا ، وَجَبَرَ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِالْوَلَدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُبْرَانَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ بَقَاءِ الْأَصْلِ ، فَإِذَا بَقِيَ الْأَصْلُ جَازَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ النُّقْصَانَ ، وَإِذَا فَاتَ الْأَصْلُ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْجُبْرَانُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَمَّا كَانَ جَبْرًا لِلصَّلَاةِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الصَّلَاةِ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ سُجُودِ السَّهْوِ ، وَلَوْ لَمْ يُفْسِدْهَا لَزِمَهُ قَضَاءُ سُجُودِ السَّهْوِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ فَلَوْ فَسَدَ الْحَجُّ أَصْلًا بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَ الدَّمُ عَنْهُ ، وَوَجَبَ الْقَضَاءُ ، فَسَقَطَ الْجُبْرَانُ عِنْدَ فَوْتِ الْأَصْلِ ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ بَقَائِهِ هَاهُنَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْأَصْلَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عِنْدَ التَّلَفِ ، فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ ضَمَانُ الْأَجْزَاءِ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ ثُمَّ قَتَلَهُ ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْيَدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ ، كَذَلِكَ هَذَا صَارَ كَأَنَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ يَنْقُصْهَا الْوِلَادَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَمُتْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يَصِرْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ ضَمَانُ الْأَجْزَاءِ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْوَلَدَ بَعْضٌ مِنْ الْأُمِّ ، فَلَوْ جَبَرْنَاهَا بِهِ لَأَقَمْنَا بَعْضَ الشَّيْءِ قَائِمًا مَقَامَ كُلِّهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قَوِيٌّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَمُتْ الْأُمُّ ؛ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ لَأَقَمْنَا بَعْضَ الشَّيْءِ مَقَامَ بَعْضِهِ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، إذْ الْبَعْضُ نَظِيرُ الْبَعْضِ ، وَمِثْلُهُ فِي الضِّعْفِ ، فَجَازَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ

الْكُلِّ .

426 - 426 - إذَا غَصَبَ مَمْلُوكًا أَمْرَدَ فَجَرَحَ وَجْهَهُ ، وَرَدَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا آخَرَ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا .
وَلَوْ غَصَبَ غُلَامًا شَابًّا ، فَصَارَ شَيْخًا فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ - فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ شَابًّا وَيُقَوَّمُ شَيْخًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللِّحْيَةَ لَيْسَتْ بِنُقْصَانٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ حَلَقَهَا فَلَمْ تَنْبُتْ ضَمِنَ أَرْشَهَا ، فَصَارَ هُوَ زِيَادَةً ، وَالزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ عَيْبًا وَنُقْصَانًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّيْخُوخَةُ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَتَغَيَّرُ وَالْقِيمَةُ تَذْهَبُ وَالْقِيمَةُ تَنْقُصُ ، فَصَارَ كَقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ .

427 - 427 - إذَا غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ خَلًّا ، وَلَبَنًا فَصَارَ مَاخِضًا وَاخْتَارَ صَاحِبُهُ أَخْذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ النُّقْصَانَ .
وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَصِيرَ وَاللَّبَنَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِمَا الرِّبَا فَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَأْخُذَ النُّقْصَانَ لَصَارَ مُعْتَاضًا عَنْ الْجَوْدَةِ بَدَلًا ، فَيَحْصُلُ لَهُ مِثْلُ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَزِيَادَةٌ ، فَكَانَ رِبًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَأَصَابَهَا مَاءٌ فَعَقَّتْ فَاخْتَارَ صَاحِبُهَا أَخْذَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّوْبُ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَإِذَا أَخَذَ عَنْ النُّقْصَانِ بَدَلًا صَارَ مُعْتَاضًا عَنْ الْجَوْدَةِ وَالْقِيمَةِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَجَازَ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَقَطَعَ أُصْبُعًا مِنْهُ ضَمِنَ النُّقْصَانَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

428 - 428 - رَجُلٌ غَصَبَ ثَوْبًا وَعُصْفُرًا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَصَبَغَهُ بِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا وَيُبَرِّئَهُ مِنْ الضَّمَانِ .
وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ وَالصِّبْغُ لِآخَرَ وَقَدْ صَبَغَهُ الْغَاصِبُ بِهِ فَرَضِيَا بِأَخْذِهِ وَأَبْرَآهُ مِنْ النُّقْصَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ وَيَرُدَّ عَلَى الْغَاصِبِ مَا زَادَ قِيمَةَ الصِّبْغِ ، وَيَتْبَعُ صَاحِبُ الْعُصْفُرِ الْغَاصِبَ بِعُصْفُرٍ مِثْلَ عُصْفُرِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصِّبْغَ إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ وَالثَّوْبَ لِآخَرَ فَإِذَا صَبَغَهُ بِهِ صَارَ الصِّبْغُ مُسْتَهْلَكًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَزَالَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ ، فَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْإِنْسَانِ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِخَلْطِهِ بِمَالِهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ نَاقِصًا ، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْ الصِّبْغِ فَلَا يَضْمَنُهُ ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَخْذُهُمَا .

429 - 429 - إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ ثَوْبًا وَسِعَهُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّوْبِ وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَسَعْهُ التَّصَرُّفُ فِي الدَّنَانِيرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِالْمَقْبُوضِ فَإِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مَغْصُوبًا فَلَمْ يَصِرْ مَالِكَهُ وَبِالْأَخْذِ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الثَّوْبِ ، فَجَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْمَقْبُوضُ لِكَوْنِهِ مَغْصُوبًا وَجَبَ رَدُّ الدَّنَانِيرِ ، وَيَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى عَقْدٍ فَاسِدٍ ، فَلَمْ يَسَعْهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَصْحَابُنَا : أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ اُسْتُحِقَّ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ ، فَهِيَ مَقْبُوضَةٌ عَلَى عَقْدٍ فَاسِدٍ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ عَلَى ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ حَلَّ لَهُ وَطْءُ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَفْسَخْ النِّكَاحَ ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَةَ الثَّوْبِ .

430 - 430 - إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَ الْعَبْدَ الْخَبْزَ وَالْكِتَابَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عَلَى ضَمَانِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ ثَوْبًا فَاسْتَأْجَرَ صَاحِبُ الثَّوْبِ الْغَاصِبَ أَنْ يَفْتِلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ الضَّمَانِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ عَبْدًا فَأَجَرَهُ مِنْ الْغَاصِبِ لِلْخِدْمَةِ ، أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَلْبَسَهُ ، أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَاسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا ، فَقَبِلَ الْغَاصِبُ الْإِجَارَةَ بَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْغَاصِبِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعَبْدِ الْخَبْزَ وَفَتْلَ الثَّوْبِ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ يَدِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمَوْلَى ، فَلَمْ يُوجِبْ لَهُ يَدًا فِيهِ ، فَلَمْ يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلُّبْسِ أَوْ الرُّكُوبِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الرُّكُوبِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ إلَيْهِ ، لِيَجِبَ الْأَجْرُ بِالتَّسْلِيمِ ، وَكَذَلِكَ اللُّبْسُ وَالْخِدْمَةُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ وَلَمْ يَرْكَبْ وَاسْتَصْحَبَهُ مَاشِيًا فِي الطَّرِيقِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ ، فَقَدْ أَوْجَبَ لَهُ يَدًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ ، فَكَأَنَّهُ ارْتَجَعَهُ مِنْهُ ثُمَّ أَجَرَهُ إيَّاهُ .

431 - 431 - إذَا غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ دِيَتَهُ .
وَلَوْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى جَاءَ آخَرُ وَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُمْسِكُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَاصِبَ قَرَّبَ الصَّبِيَّ مِنْ الْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِ وَالِدَيْهِ دَفَعُوا الْقَاتِلَ عَنْهُ ، فَصَارَ بِتَقْرِيبِهِ مُنْشِئًا التَّلَفَ فَصَارَ جَانِيًا ، فَضَمِنَ ، كَمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْفَ وَضَرَبَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا وَدَفَعَ إنْسَانًا فِيهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُمْسِكُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَرِّبْهُ إلَى الْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَكَانِهِ فَهُوَ مُسَبِّبٌ فَقَطْ غَيْرُ نَاقِلٍ وَلَا جَانٍ وَبِمُجَرَّدِ التَّسَبُّبِ لَا يَضْمَنُ ، كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ .

432 - 432 - إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَقَتَلَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ قَتِيلًا فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَفَدَاهُ أَوْ دَفَعَهُ فِي الدِّيَةِ رَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ .
وَلَوْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ شَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُسْتَحَقُّ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانِهِ ، فَكَأَنَّ الْغَاصِبَ أَخَذَ ذَلِكَ الْعَبْدَ مِنْ مَالِهِ فَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ - يَضْمَنُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّبِيُّ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَا يَضْمَنُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى فِي ضَمَانِهِ ، فَلَا يَضْمَنُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ كَالْمُقَرِّبِ إيَّاهُ مِنْ الْجِنَايَةِ .

كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ 433 - إذَا رَمَى صَيْدًا فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ ، فَوَقَعَ فِي مَاءٍ ، فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ .
وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ ، ثُمَّ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ فَمَاتَتْ حَلَّ أَكْلُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ مُسْتَقِرٌّ حُكْمُهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهُ حَيًّا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ ، فَوُقُوعُ التَّلَفِ بِمَعْنًى لَيْسَ بِذَكَاةٍ بَعْدَهُ تُوجِبُ التَّحْرِيمَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْمِهِ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ ، لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، فَوُجُودِ مَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ بَعْدَهُ لَا يَمْنَعُ إبَاحَتَهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ جَاءَ مَجُوسِيٌّ وَأَبَانَ رَأْسَهُ .

434 - 434 - إذَا طَارَ فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ ، أَوْ وَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ حِجَارَةٍ مُحَدَّدَةٍ أَوْ فِي مَاءٍ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ .
وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ يَحِلُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ وُقُوعَهُ فِي الْمَاءِ وَتَرَدِّيهُ مِنْ الْجَبَلِ لَيْسَ مِنْ مُوجِبِ الرَّمْيَةِ ، لِجَوَازِ أَنْ يُصِيبَهُ السَّهْمُ فَلَا يَسْقُطَ فِي الْمَاءِ ، فَإِذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ يَجُوزُ وُقُوعُ التَّلَفِ مِنْهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ مَا يَقَعُ بِهِ الذَّكَاةُ وَمَا لَا يَقَعُ ، فَحَرُمَ أَكْلُهُ ، دَلِيلُهُ لَوْ شَارَكَهُ مَجُوسِيٌّ فِي ذَبْحِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ ، لِأَنَّ سُقُوطَهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مُوجِبِ الرَّمْيِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَبْقَى فِي الْهَوَاءِ مَيِّتًا ، فَقَدْ تَلِفَ بِمَعْنًى هُوَ مِنْ مُوجَبِ الرَّمْيِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ ، فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ كَذَلِكَ هَذَا .

435 - 435 - إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَهُ وَتَجَاوَزَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ حَلَّ أَيْضًا .
وَلَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ أَخَذَهُ لَمْ يَحِلَّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تِلْكَ الْجِهَةَ جِهَةُ ذَكَاةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا وَاحِدًا لَوَقَعَ فِعْلُهُ ذَكَاةً ، وَحَلَّ أَكْلُهُ فَمَا أَخَذَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ يَكُونُ مُذَكَّاةً وَقَدْ أَصَابَ الثَّانِي فِي تِلْكَ الْجِهَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا نَقْلٌ لَا يَقْطَعُ تِلْكَ الْجِهَةَ إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِعَمَلٍ آخَرَ ، وَلَمْ يَمْكُثْ طَوِيلًا وَقَلِيلُ الْفَصْلِ لَا يَقْطَعُ الْجِهَةَ فَحُمِلَ الْجَمِيعُ ، كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَنَفَذَ وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ الْجَمِيعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا جَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَثَمَ طَوِيلًا فَقَدْ انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْجِهَةُ ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا يَكْثُرُ فَصَارَ الثَّانِي ابْتِدَاءَ ذَهَابٍ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ فَلَمْ يَحِلَّ ، كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ ذَهَبَ بِنَفْسِهِ وَاصْطَادَ .

436 - 436 - وَإِذَا رَدَّ سَبُعٌ أَوْ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ صَيْدًا عَلَى كَلْبٍ مُعَلَّمٍ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحْلُلْ أَكْلُهُ .
وَلَوْ رَدَّ مَجُوسِيٌّ عَلَيْهِ صَيْدًا حَتَّى قَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ إعَانَةٌ لَهُ ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : إعَانَةٌ بِالسَّبَبِ وَإِعَانَةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَالْكَلْبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعَانَةِ بِالسَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْإِعَانَةَ بِالسَّبَبِ أَنْ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ ، أَوْ يَنْصِبَ الشَّبَكَةَ ، أَوْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً ، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلْبِ ، فَجُعِلَ إعَانَتُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ ، وَالْإِعَانَةُ مِمَّنْ لَا يَقَعُ بِفِعْلِهِ الذَّكَاةُ ، فَهُوَ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ ذَلِكَ الْكَلْبُ الْآخَرُ مَعَهُ ، أَوْ شَارَكَ الْمَجُوسِيُّ الْمُسْلِمَ فِي ذَبْحِ شَاةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مَجُوسِيٌّ ، ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ إعَانَةٌ لَهُ ، وَالْإِعَانَةُ بِالسَّبَبِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ تَصِحُّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحِدَّ السِّكِّينَ ، وَيَشُدَّ قَوَائِمَ الصَّيْدِ ، فَجُعِلَ رَدُّهُ سَبَبًا ، وَالسَّبَبُ إذَا وُجِدَ مِمَّنْ لَا تَقَعُ بِهِ الذَّكَاةُ لَا يَحْرُمُ ، كَمَا لَوْ شَدَّ الْمَجُوسِيُّ قَوَائِمَ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا الْمُسْلِمُ يَحِلُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .

437 - 437 - الْجَرَادُ إذَا مَاتَتْ بِغَيْرِ سَبَبٍ حَلَّتْ .
وَالسَّمَكُ إذَا مَاتَتْ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ وَطَفَا كُرِهَ .
فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّمَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَفَا نَتِنَ وَتَغَيَّرَ فَكُرِهَ أَكْلُهُ ، كَمَا يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْمُنْتِنِ ، وَأَمَّا الْجَرَادُ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَنْتُنُ فَحَلَّ .
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّ السَّمَكَ إذَا مَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ وَلَمْ يَنْتُنْ يُكْرَهُ أَيْضًا ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَرَادِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَرَادَ لَا يَتَغَيَّرُ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ عَلَيْهِ ، وَلَا يُحِلُّهُ نَجَاسَةُ الْمَوْتِ إذَا صَارَ بِحَالَةٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ طَهُرَ وَهُوَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِذَا قَارَبَ الْمَوْتَ مَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْلَى أَلَّا يُنَجِّسَهُ .
وَأَمَّا السَّمَكَةُ فَإِنَّهَا تَنْتُنُ بِمُرُورِ الْأَيَّامِ عَلَيْهَا فَمَوْتُهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُنَجِّسُهُ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ .

438 - 438 - إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ فَانْتَهَشَ مِنْهُ قِطْعَةً فِي حَالَ اتِّبَاعِهِ فَأَكَلَهُ ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ .
وَإِنْ أَلْقَى تِلْكَ الْقِطْعَةَ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ وَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ تِلْكَ الْقِطْعَةَ حَلَّ أَكْلُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسَلِّمْهُ ، إلَى صَاحِبِهِ حَتَّى أَكَلَ مِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ ، فَخَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّعْلِيمِ ، فَصَارَ صَيْدُ كَلْبٍ غَيْرَ مُعَلَّمٍ ، فَلَا يَحِلُّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهُ ثُمَّ أَكَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ إمْسَاكُهُ فِي جِهَةِ الْإِرْسَالِ ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا الْجُزْءُ مِنْهُ مَيْتَةٌ ، فَقَدْ أَكَلَ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إمْسَاكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا ، كَمَا لَوْ سَلَخَهُ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ جَاءَ وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

439 - 439 - إذَا رَمَى بِالْمِعْرَاضِ إلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَجَرَحَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ .
وَإِنْ أَمَاتَهُ بِحَدِّهِ وَقَطَعَهُ وَبَعَّضَهُ حَلَّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْجُرْحِ بِعَرْضِ الْمِعْرَاضِ أَوْ السَّهْمِ فَهُوَ شَقٌّ ، وَلَيْسَ بِخَرْقٍ وَلَا قَطْعٍ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " { وَإِنْ لَمْ يَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ ، } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمَوْقُوذَةُ } .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَصَابَ حَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِحَدِّهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ بِالسَّهْمِ وَالْمِزْرَاقِ وَالسَّيْفِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ " { إذَا خَرَقَ الْمِعْرَاضُ فَكُلْ } .

440 - 440 - بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا وَسَمَّى ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَرْسَلَهَا وَأَضْجَعَ أُخْرَى فَذَبَحَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ .
وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَخْطَأَهُ وَأَصَابَ آخَرَ فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُسَمِّيَ عَلَى كُلِّ ذَبِيحَةٍ ، فَإِذَا سَمَّى وَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ يَذْبَحْهَا وَذَبَحَ الثَّانِيَ لَمْ تَقَعْ التَّسْمِيَةُ لِلثَّانِي فَقَدْ ذَبَحَ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّمْيُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْيِينِ التَّسْمِيَةِ مِنْ الصَّيْدِ ؛ لِأَنَّ الرَّامِيَ قَدْ يَقْصِدُ الرَّمْيَ إلَى الصَّيْدِ فَيُصِيبُ غَيْرَهُ ، كَمَا أَنَّ الْكَلْبَ قَدْ يُرْسَلُ عَلَى صَيْدٍ فَيَأْخُذُ غَيْرَهُ ، فَصَارَ عُذْرًا وَسَقَطَ تَعَيُّنُ التَّسْمِيَةِ لِلْعُذْرِ ، فَاسْتَوَى إصَابَةُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَلَوْ أَصَابَ الْأَوَّلَ حَلَّ كَذَلِكَ الثَّانِي .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى : قُلْنَا لَوْ نَظَرَ إلَى صُيُودٍ فَأَرْسَلَ كَلْبًا وَسَمَّى فَأَيُّ صَيْدٍ أَخَذَهُ وَقَتَلَهُ حَلَّ ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى أَغْنَامٍ وَسَمَّى ثُمَّ أَخَذَ وَاحِدَةً وَذَبَحَهَا ظَنَّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى تُجْزِيهِ لَمْ يَجُزْ .
وَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الرَّمْيِ تُعَيَّنُ وَقْتَ الرَّمْيِ لَا وَقْتَ الْإِصَابَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّسْمِيَةِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ فِيهِ تَكْلِيفٌ ، وَقَدْ وُجِدَتْ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الرَّمْيِ فَحَلَّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذَّبْحُ ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّبْحِ وَقْتَ الْقَطْعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يُشْتَرَطَ التَّقْدِيمُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَوَقْتَ ذَبْحِ الثَّانِي لَمْ تُوجَدْ تَسْمِيَتُهُ فَلَا يَحِلُّ .

441 - 441 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ شَاةً وَسَمَّى ، ثُمَّ ذَبَحَ أُخْرَى وَظَنَّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى جَازِيَةٌ عَنْهُمَا لَمْ تُؤْكَلْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُحْدِثَ لِكُلِّ ذَبِيحَةٍ تَسْمِيَةً .
وَلَوْ رَمَى بِسَهْمٍ فَقَتَلَ بِهِ مِنْ الصَّيْدِ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَمَّى فَقَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِرْسَالَ وَالرَّمْيَ جُعِلَ ذَكَاةً وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَفْوِيتِ رُوحَيْنِ كَمَا لَوْ وَضَعَ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِ شَاتَيْنِ وَجَرَّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَفَاهُ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذَّبْحُ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَجَدَّدَ مِنْهُ عِنْدَ كُلِّ ذَبِيحَةٍ ، فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ أَيْضًا تَجْدِيدُ التَّسْمِيَةِ ، كَمَا لَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِمُدَّةٍ .
فَإِنْ قِيلَ ظَنُّهُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الشَّاةِ الْأُولَى تُجْزِئُ عَنْ الثَّانِيَةِ عُذْرٌ فَهُوَ كَنِسْيَانِهِ التَّسْمِيَةَ .
قُلْنَا : إنَّ الْجَهْلَ يُفَارِقُ النِّسْيَانَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ أَنَّ الْأَكْلَ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ فَأَكَلَ بَطَلَ صَوْمُهُ ، وَلَوْ نَسِيَ الصَّوْمَ فَأَكَلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ فَافْتَرَقَا .

442 - 442 - إذَا أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَأَخَذَ السِّكِّينَ وَسَمَّى ثُمَّ أَلْقَى ذَلِكَ السِّكِّينَ وَأَخَذَ آخَرُ فَذَبَحَهَا بِهِ أَجْزَأَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى .
وَلَوْ أَخَذَ سَهْمًا وَسَمَّى وَوَضَعَهُ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا آخَرَ وَرَمَى بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ لَمْ يُؤْكَلْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الرَّمْيِ تَقَعُ عَلَى السَّهْمِ دُونَ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى وَاحِدٍ وَسَمَّى فَأَصَابَ آخَرَ حَلَّ فَوَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ لِلسَّهْمِ الْأَوَّلِ ، فَلَا يَحِلُّ الثَّانِي بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السِّكِّينُ ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَقَعُ عَلَى الْمَذْبُوحِ دُونَ الْآلَةِ ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ نَفْسَ التَّسْمِيَةِ شَرْطٌ ، فَوَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ لِتِلْكَ الشَّاةِ فَلَا يَعْتَبِرُ آلَةً دُونَ آلَةٍ ، فَبِأَيِّ سِكِّينٍ ذَبَحَ حَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ 443 - إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَلَا مَكَانًا وَلَا وَقْتًا فَأَعَارَهَا مِنْهُ ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ أَعَارَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ .
وَلَوْ أَجَّرَهَا ضَمِنَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَلَمْ يَخُصَّ لَهُ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ ، وَإِعَارَتُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ يُكَافِئُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَشْكُرُهُ ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ بِهِ الرَّدَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، كَمَا لَوْ انْتَفَعَ بِنَفْسِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَجَّرَ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فَقَدْ عَقَدَ عَلَى الْمُسْتَعَارِ عَقْدًا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ ، وَيَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ صَاحِبِهِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ عَقْدَ الْمَنْعِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ .

444 - 444 - وَإِذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمِ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا ضَمِنَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَتِهَا .
وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ فَرَكِبَهَا وَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا أَثْقَلَ مِنْهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ الثِّقَلُ هَاهُنَا .
وَلَوْ أَذِنَ لِرَجُلٍ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَضَرَبَهُ أَحَدَ عَشَرَ سَوْطًا فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْحِنْطَةِ التَّلَفُ وَقَعَ بِالثِّقَلِ ، وَالْجُزْءُ الْوَاحِدُ لَا يُعَادِلُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ فِي وُقُوعِ التَّلَفِ بِهِ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتْلَفَ بِجُزْءٍ ، وَيَسْلَمَ مِنْ عَشَرَةٍ ، فَصَارَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا جِنَايَتَهُ عَلَى حِدَةٍ ، فَقَدْ تَلِفَ النَّفْسُ بِإِحْدَى عَشْرَةَ جِنَايَةً ، عَشَرَةٌ مَأْذُونٌ فِيهَا وَوَاحِدٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فَضَمِنَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الضَّرْبُ ؛ لِأَنَّ السَّوْطَ الْوَاحِدَ يُعَادِلُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ ، وَوُقُوعُ التَّلَفِ بِهِ مُمْكِنٌ ، لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ مِنْ وَاحِدٍ ، وَيَسْلَمَ مِنْ عَشَرَةٍ فَصَارَتْ الْعَشَرَةُ كَالْوَاحِدِ ، فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَأْذُونٍ فَيَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهِ .
وَأَمَّا الرُّكُوبُ فَنَفْسُ الرُّكُوبِ جِنَايَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَرْكَبَ وَاحِدٌ فَيُفْسِدَ الدَّابَّةَ وَيَقْتُلَهَا بِحَيْثُ لَا يَهْتَدِي إلَى الْفُرُوسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا ، وَآخَرُ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ فَيُصْلِحُهَا وَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَسْلَمَ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْكَبِيرَةِ وَتَتْلَفَ بِالصَّغِيرَةِ ، فَقَدْ تَلِفَتْ النَّفْسُ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ سَوْطًا فَضَرَبَهُ سَوْطَيْنِ ، فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

445 - 445 - إذَا أَعَارَهُ دَابَّةً فَجَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهَا وَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعِيرِ بِشَيْءٍ .
وَلَوْ أَجَّرَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْجَبَ سَلَامَةَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ يَلْحَقُهُ ، وَالْإِجَارَةُ عَقْدُ ضَمَانٍ ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَالْمُعِيرُ لَمْ يَضْمَنْ سَلَامَةَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا فَاسْتُحِقَّ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
أَوْ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ يَدٌ لِمَنْ أَجَّرَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْأُجْرَةَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَصَارَ يَدًا لَهُ فَقَدْ ضَمِنَ بِيَدٍ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ بِعَقْدٍ ، وَلَوْ ضَمِنَ بِعَقْدٍ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ إذَا ضَمِنَ بِيَدٍ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدٌ لِنَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَيْهِ ، وَسَلِمَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ ، فَقَدْ ضَمِنَ بِيَدِ نَفْسِهِ ، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ فَجَاءَهُ إنْسَانٌ وَاسْتَحَقَّهُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِشَيْءٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .

446 - 446 - وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ : اسْتَوْدَعْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ ، وَقَالَ الطَّالِبُ : بَلْ غَصَبْتَهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ .
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : أَخَذْتُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَضَاعَتْ ، وَقَالَ الطَّالِبُ : لَا بَلْ غَصَبْتَهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ اسْتَوْدَعْتَنِي فَلَمْ يَحْكِ عَنْ نَفْسِهِ فِعْلًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ ، فَأَفْرَدَهُ بِالْفِعْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : وَضَعْتهَا بِالْقُرْبِ مِنِّي فَضَاعَتْ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : " أَخَذْتهَا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ فِعْلَ الْأَخْذِ إلَى نَفْسِهِ ، وَالْأَخْذُ فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ } ، فَقَدْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ ، وَادَّعَى الْبَرَاءَةَ فَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى دَعْوَى الْبَرَاءَةِ وَغَرِمَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : " هَدَمْت جِدَارَك بِإِذْنِك ، وَمَزَّقْت ثَوْبَك بِإِذْنِك .

447 - 447 - إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ مِثْلُ الرَّحَى وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَمَئُونَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ، وَكَذَلِكَ مَئُونَةُ الرَّدِّ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ فَمَئُونَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُكْرِي دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدٌ لِنَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا ، وَكَذَلِكَ الْغَاصِبُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَئُونَةَ الرَّدِّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعِيرِ ، فَجَازَ أَنْ تَلْزَمَهُ ، الْمَئُونَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدٌ لِلْمُكْرِي ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ فِيمَا يَرُدُّ لَجَعَلْنَا لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ ، فَمِنْ حَيْثُ يَرُدُّ يَرْجِعْ عَلَيْهِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوُجُوبِ .

448 - 448 - قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ : بَعَثْتُ الْوَدِيعَةِ إلَيْك مَعَ رَسُولِي وَسَمَّى أَجْنَبِيًّا فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يُقِرَّ الْمُعِيرُ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ .
وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ ، وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْإِمْسَاكَ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ ، وَالْإِعَارَةُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ ، وَانْتِفَاعُهُ وَانْتِفَاعُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ وَصَارَ مَأْذُونًا فَلَا يَغْرَمُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَوْدَعَهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِي أُذِنَ لَهُ فِيهَا ، وَهُوَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ بِالْإِيدَاعِ فَإِذَا لَمْ يُمْسِكْهُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ ، لَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يُودِعَ لَجَعَلْنَاهُ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ ، فَيُؤَدِّي إلَى إلْزَامِ رَبِّ الْمَالِ مَئُونَةَ الرَّدِّ ، وَسَقَطَ مَئُونَةُ الْمُودِعِ عَنْ الْمُسْتَعِيرِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَعَارَ ؛ لِأَنَّ مَئُونَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي ، وَتَسْقُطُ مَئُونَةُ الْمُودِعِ إذَا جَعَلْنَا إعَارَتَهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى الْمَالِيِّ ، فَكَأَنَّهُ أَعَارَهُ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى إغْرَامِ رَبِّ الْمَالِ مَئُونَةَ الرَّدِّ ، فَجَازَ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الشَّرِكَةِ 449 - إذَا اشْتَرَكَا بِعَيْنِ مَالٍ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَا الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ كَانَتْ الشَّرِكَةُ جَائِزَةً وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .
وَلَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ أَنْ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَلَّطَ صَاحِبَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَلِنَفْسِهِ فَصَارَ وَكِيلًا لَهُ ، وَالْوَكَالَةُ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ ، فَوَقَعَ الشِّرَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَإِذَا شُرِطَ ثُلُثَا الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بَعْضَ بَدَلِ مِلْكِهِ ، وَهُوَ عِوَضٌ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : " بِعْ هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ ثَمَنِهِ لَك " فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ الدَّرَاهِمَ ، فَإِذَا شُرِطَ لِلْمُضَارَبَةِ ثُلُثَا الرِّبْحِ فَقَدْ شَرَطَ بَعْضَ بَدَلِ دَرَاهِمَ لَهُ ، وَلَوْ شَرَطَ جَمِيعَ بَدَلِ دَرَاهِمِهِ لَهُ بِأَنْ يُقْرِضَهُ إيَّاهُ جَازَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ لَهُ عَمَلٌ فِي مَالِ صَاحِبِهِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ زِيَادَةَ رِبْحٍ كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ إذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ زِيَادَةَ رِبْحٍ .
قُلْنَا : " إنْ شَرَطَ الْعَمَلَ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ رِبْحًا كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ رِبْحًا كَمَا لَوْ قَالَ : أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَنَا وَلَمْ يَدْفَعْ الْمَالَ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ تَجُزْ الْمُضَارَبَةُ .

450 - 450 - إذَا أَبْضَعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِضَاعَةً عِنْدَ رَجُلٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا شَيْئًا ، ثُمَّ تَفَرَّقَ الْمُتَفَاوِضَانِ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْبِضَاعَةِ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِفُرْقَتِهِمَا فَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ وَعَلَى شَرِيكِهِ .
وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالًا وَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى اشْتَرَى كَانَ مَا اشْتَرَى لِلْآمِرِ خَاصَّةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شِرَاءَهُ وَقَعَ لَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ الْمَالَ فِي عَقْدٍ عَقَدَهُ لَا يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ الْآمِرِ شَيْئًا ، وَتَسْلِيمُ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْعَقْدِ إذَا لَمْ يُوجِبْ ضَمَانًا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْعَقْدِ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ بِالْعَقْدِ ، ثُمَّ افْتَرَقَا فَاشْتَرَى ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُمَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ الْمَالَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِعَقْدِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شِرَاءَهُ وَقَعَ لَهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ امْتِنَاعُ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِتَسْلِيمِ مَالِ الْغَيْرِ فَلَمْ يَقَعْ لَهُمَا بِالْأَمْرِ ، فَصَارَ وُقُوعُهُ لَهُمَا بِالْمُفَاوَضَةِ ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ ، فَوَقَعَ لِلْآمِرِ خَاصَّةً ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ الْآنَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ .

451 - 451 - وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْبَاقِي فَادَّعَى وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الْمُفَاوَضَةَ وَجَحَدَ ذَلِكَ الْحَيُّ ، فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا ، أَوْ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ كَانَ فِي يَدِهِ يَوْمَ مَاتَ ، فَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّيْءُ مُشْتَرَكًا .
وَلَوْ كَانَا حَيَّيْنِ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تَثْبُتْ الْمُفَاوَضَةُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُفَاوَضَةِ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْمُفَاوَضَةُ حَالَ الْحَيَاةِ ، وَثُبُوتُ الْمُفَاوَضَةِ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ كَانَ فِي يَدِهِ وَقْتَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ مِنْ بَعْدُ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَا حَيَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ تَثْبُتُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ ، وَالْمُفَاوَضَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُسَاوَاةِ ، وَلَا يَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدَيْهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا .

452 - 452 - وَإِذَا اسْتَعَارَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ اسْتَعَارَهَا الْأَوَّلُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا لِشَرِيكِهِ خَاصَّةً كَانَ ضَامِنًا .
وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ أَوْ مِنْ الشَّرِكَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ مِنْ الشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً لَمْ يَضْمَنْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِي أَحْكَامِ عُقُودِ التِّجَارَاتِ ، وَالِاسْتِعَارَةُ مِنْ عَمَلِ التِّجَارَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُعِيرَ اسْتِحْسَانًا ، وَيَجُوزُ عَلَيْهِمَا ، فَكَذَلِكَ تَقَعُ اسْتِعَارَتُهُ لَهُ ، فَكَأَنَّهُمَا جَمِيعًا اسْتَعَارَا ، ثُمَّ وَضَعَ أَحَدُهُمَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ أَوْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَجَازَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَرِكَةُ الْعَنَانِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي أَحْكَامِ عُقُودِ التِّجَارَات فَلَمْ تَجُزْ اسْتِعَارَتُهُ عَلَيْهِمَا ، فَجَازَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ خَاصَّةً ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَالْمَأْذُونِ وَالْمُسَلَّطِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فِيمَا عَمِلَ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ ، فَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ صَرِيحًا فَجَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ .
وَإِنْ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ وَبِأَجِيرِهِ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَعَارِ ، فَلَا يَضْمَنُ ، وَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ وَمُسَلَّطٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فِيمَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ ، وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مِنْ إنْسَانٍ فَجَاءَ أَجْنَبِيٌّ وَحَمَلَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .

453 - 453 - وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ ثَبَتَ لَهُ وِلَايَةٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فَصَارَ كَالْأَبِ ، وَلِلْأَبِ أَنْ يُكَاتِبَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ ، كَذَا هَذَا ، وَلِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ تَنْمِيَةَ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ أَمْنِ الضَّرَرِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ بِدَلِهِ فِي مِلْكِهِ ، فَصَارَ كَالْبَيْعِ ، وَلَوْ بَاعَ جَازَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ خُرُوجَ الرَّقَبَةِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْبَدَلُ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِأَنْ يَمُوتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، أَوْ يَعِيشَ فَلَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَنْ الضَّرَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ رَقَبَتَهُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ ، وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَمِنَ الضَّرَرَ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَإِمْسَاكَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَفِيدُ الْمَهْرَ فَجَازَ عَلَيْهِ .

454 - 454 - وَإِذَا أَجَّرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ نَفْسَهُ فِي خِيَاطَةٍ وَنَقْلِ شَيْءٍ فَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَى أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِيَخْدُمَ إنْسَانًا شَهْرًا لَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ مِمَّا يَصِحُّ الضَّمَانُ فِيهِ ، وَضَمَانُ الْخِيَاطَةِ عَنْ شَرِيكِهِ ، وَضَمَانُ النَّقْلِ جَائِزٌ ، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى شَرِيكِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَدَلَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخِدْمَةُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُدَّةِ ، وَالْخِدْمَةُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى شَرِيكِهِ ، فَجَازَ أَلَّا يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ مَعَ عَدَمِ الضَّمَانِ .
فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ شَيْءٍ أَوْ نَقْلِهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا بِأَجْرٍ أَوْ كَسَبَ كَسْبًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا ، وَحِفْظُ شَيْءٍ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَجِبُ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُمَا [ كَمَا ] قُلْنَا .

455 - 455 - إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِدَيْنٍ لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ .
وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَاشِ بَاقٍ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا ، وَيَبْقَى لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ وَالتَّسْلِيطِ فِي مَالِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، فَصَارَ بِإِقْرَارِهِ مُوجِبًا لِنَفْسِهِ حَقَّ التَّسْلِيطِ وَالتَّصَرُّفِ ، فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْفِرَاشِ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِغَيْرِ الْفِرَاشِ ، وَهُوَ الْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَ مَوْلَاهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا حُكْمُ فِرَاشٍ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ فَجَازَ إقْرَارُهُ لَهَا .

456 - 456 - إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا ثُمَّ تَفَرَّقَا ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بَعْد الْفُرْقَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ إلَّا الْبَائِعُ .
وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَقَدْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ قَبْلَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا يَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ بِالرَّدِّ وَالرَّدُّ وَقَعَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ، فَصَارَ هَذَا دَيْنًا لَزِمَهُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَى شَرِيكِهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بَعْدَ الْفُرْقَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ نَقَضَ قَبْضَهُ فِيهِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ ، فَصَارَ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ كَانَ قَبْلَ الْفُرْقَةِ ، فَصَارَ هَذَا دَيْنًا لَزِمَهُ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ بِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَبْلَ التَّفْرِقَةِ .

457 - 457 - إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَتَيْنِ فَقَتَلَ قَتِيلَيْنِ وَقَدْ أَخَذَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ نِصْفَ الْقِيمَةِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ .
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلَيْنِ فَسَوَاءٌ قَضَى بِالْقِيمَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ فِي رَقَبَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الدَّفْعُ فِيهِ ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يُرَاعِ الْمَنْقُولَ ، وَهُوَ حَقُّ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ ، إذْ لَوْ رَاعَيْنَا الْمَنْقُولَ لَرَاعَيْنَاهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّقْلِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَبَقِيَ الْوُجُوبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ حَقُّ الْوَلِيِّ فِي ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ أَصْلٍ مُشْتَرَكٍ ، فَكَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا ، وَلَهُ وَلِيَّانِ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ فَجِنَايَتُهُ تُوجِبُ الْحَقَّ فِي رَقَبَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ، وَبِالْقَضَاءِ يُنْقَلُ الْحَقُّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ ، وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى النَّقْلِ رُوعِيَ الْمَنْقُولُ ، وَالْمَنْقُولُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِهَذَا فِي دَمِ ذَاكَ ، وَلَا لِذَاكَ فِي دَمِ هَذَا ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَنْقُولُ لَمْ يُشَارِكْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، كَمَا نَقُولُ فِي عَبْدَيْنِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى أَوْ فِي صَفْقَةٍ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يُشَارِكْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي ثَمَنِ عَبْدِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

458 - 458 - رَجُلٌ أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَقْضِيَا عَنْهُ غَرَامَةَ كَذَا دِرْهَمًا فَأَدَّيَاهُ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَلَوْ أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَا لَهُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ فَاشْتَرَيَاهَا ، وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالٍ فِيهِ شَرِيكَانِ أَوْ غَيْرُ شَرِيكَيْنِ ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا قَبَضَ مِنْ الْآخَرِ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا وَهِيَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي شَيْءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُجُوبُ الرُّجُوعِ بِالْأَدَاءِ لَا بِالْمِلْكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ أَرَادَا أَنْ يَرْجِعَا قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ مَلَكَا ذَلِكَ الْمَالَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْآمِرِ وَإِذَا كَانَ الْمُؤَدَّى مُشْتَرَكًا كَانَ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا ، كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْغَاصِبِ شَيْئًا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْآمِرُ بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرُّجُوعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا بِالْأَدَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، وَمَا وَقَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ غَيْرُ مَا وَقَعَ لِلْآخَرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حُقُوقَ عَقْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ ، وَلَا يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ ، وَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْمَبِيعِ ، فَلَمْ يَشْتَرِكَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلرُّجُوعِ ، فَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَالِ الَّذِي رَجَعَا ، كَمَا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنًا مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ لَا يَشْرَكُهُ صَاحِبُهُ فِيهِ كَذَا هَذَا .

459 - 459 - رَجُلَانِ غَصَبَا عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ وَبَاعَاهُ ، فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمَّنَ أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ نِصْفَ الْقِيمَةِ ، فَأَخَذَ هُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الثَّانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ الْبَاقِيَةِ ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ الثَّانِي لَا يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِيمَا قَبَضَ .
وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْغَاصِبُ الَّذِي ضُمِّنَ أَوَّلًا نِصْفَ الثَّمَنِ حَتَّى ضَمَّنَ الْمَوْلَى الْغَاصِبَ الثَّانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ أَيْضًا ثُمَّ قَبَضَ الْأَوَّلُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ يُشَارِكُهُ صَاحِبُهُ فِيمَا قَبَضَ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَهُ ، وَأَجَازَ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ فَأَجَازَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَلِلَّذِي أَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ ، وَقَبْضُهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ أَوْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَاهُنَا الْإِجَازَةُ تَسْتَنِدُ إلَى ذِي الْعَقْدِ ، وَذُو الْعَقْدِ أَوْجَبَ قَبْضَ جَمِيعِ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِرِضَا الشَّرِيكِ لَكَانَ حَقُّ قَبْضِ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَهُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ أَوْجَبَ قَبْضَ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَهُ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ قَبْضَ جَمِيعِ الثَّمَنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ اثْنَانِ ، فَلَمْ يَكُنْ قَبْضُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْعَقْدِ ، فَصَارَ فِيهِ مُسْتَنِدًا إلَى وُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ ، فَإِذَا قَبَضَ أَوَّلًا نِصْفَهُ قَبْلَ أَنْ يُضَمِّنَ الْمَوْلَى الْغَاصِبَ الثَّانِي ، فَلَمْ يَجْتَمِعْ حَقُّهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَقَّ الثَّانِي لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ فَرَاغِ ذِمَّتِهِ عَنْ حَقِّ

الْأَوَّلِ ، وَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ حَتَّى ضَمَّنَ الْمَوْلَى الْغَاصِبَ الثَّانِي فَقَدْ اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّضْمِينِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِمَا بِمَعْنًى مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَا مِلْكَ أَنْفُسِهِمَا ، وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ وَقَعَ مُجْتَمِعًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَتَأَخَّرَتْ الْإِجَازَةُ فِي الْغَصْبِ ، فَلَا تُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ ، كَرَجُلَيْنِ بَاعَا عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَأَسْقَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ الْعَقْدُ بِتَفْرِيقِ الْإِجَازَةِ صَفْقَتَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَقَدْ اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَاشْتَرَكَا فِي الْمَقْبُوضِ ، كَمَا لَوْ بَاعَا مِلْكَ أَنْفُسِهِمَا .

460 - 460 - إذَا قَالَ لِآخَرَ : مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا بِكَذَا دِرْهَمًا أَوْ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ مِنْ الْحِنْطَةِ فَبَيْنِي وَبَيْنَك ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَهَذَا جَائِزٌ .
وَلَوْ قَالَ : مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَلَا ثَمَنًا وَلَا وَقْتًا لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ قَالَ : مَا اشْتَرَيْنَا أَوْ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُنَا مِنْ تِجَارَتِهِ فَبَيْنَنَا فَهَذَا جَائِزٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشِّرَاءَ دُونَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ شَرِكَةَ الْعُقُودِ عُلِمَ أَنَّهَا وَكَالَةٌ ، وَفِي التَّوْكِيلِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدُهُمَا فِي الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا تَصِحُّ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ الْكَثِيرَةِ وَعَدِمَ التَّخْصِيصِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَقَعُ عَامَّةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي مَالِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَخُصَّ لَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَقِلُّ ، وَقَلِيلُ الْجَهَالَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْوَكَالَةِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : مَا اشْتَرَى بَيْنَنَا أَوْ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُنَا فَقَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا عَقْدَ الشَّرِكَةِ ، إذْ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُوَكِّلُ الْمُوَكَّلَ ، فَعُلِمَ أَنَّهَا شَرِكَةٌ وَالشَّرِكَةُ تَقَعُ عَامَّةً فَلَا تَحْتَاجُ إلَى التَّخْصِيصِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ شَارَكْتُك مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا صَحَّ ، فَعَدَمُ ذِكْرِهِ الْجِنْسَ لَا يُبْطِلُهَا .

461 - 461 - وَلَوْ كَانَ كُرُّ حِنْطَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَسَأَلَ رَجُلٌ أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَفَعَلَ ، فَلَمْ يُجِزْهُ شَرِيكُهُ ، فَلِهَذَا الْمُشْتَرَكِ نِصْفُ النِّصْفِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْنِي نِصْفَهُ ، فَبَاعَهُ ، فَلَمْ يُجِزْهُ شَرِيكُهُ ، فَلِلْمُشْتَرِي النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الِاشْتِرَاكَ فَلَوْ قُلْنَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ جَمِيعَ نَصِيبِهِ إلَيْهِ صَارَ مُفْرِدًا لَهُ بِمِلْكِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ أَشْرَكَهُ فَيَجِبُ تَنْقِيصُ شَيْءٍ ، لِيَكُونَ مُشْتَرِكًا إيَّاهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْبَيْعِ لَا يَقْتَضِي بَقَاءَ حَقِّهِ فِيهِ فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى أَنْ يَبْقَى لَهُ حَقٌّ فِيهِ ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْ شَرِيكُهُ فِي حِصَّتِهِ نَفَذَ فِي نَصِيبِ الْبَائِعِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ .

كِتَابُ الْهِبَةِ 462 - إذَا وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا وَأَعْلَمَهُ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ غَيْرُهُ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ .
وَلَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ الْبَالِغِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ مَا لَمْ يُسْلِمْهُ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةً عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ ، فَوَقَعَ قَبْضُهُ لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَجْنَبِيًّا لَوْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ شَيْئًا فَالْأَبُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقَبْضَ ، فَإِذَا جَازَ قَبْضُهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَازَ قَبْضُهَا مِنْ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَالِغُ ، فَإِنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهِ ، فَلَا يَنْفُذُ قَبْضُهُ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَجْنَبِيًّا لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ قَبْضُهُ ، فَصَارَتْ هَذِهِ هِبَةً عَرِيَتْ عَنْ الْقَبْضِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَقُولَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ صَارَ يَجُرُّ نَفْعًا مِنْ غَيْرِ يَدٍ وَلَا وِلَايَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ، كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا قَبَضَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّغِيرُ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ فَصَارَ يَجُرُّ نَفْعًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ وَجَرُّ النَّفْعِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ جَائِزٌ .

463 - 463 - وَلَوْ وَهَبَ لِإِنْسَانٍ هِبَةً فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ صَحَّتْ الْهِبَةُ .
وَلَوْ قَبَضَهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ ، وَالْقَبْضُ شَرْطٌ فِي تَمَامِهِ ، وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى تَتْمِيمِهِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَا يَقْتَضِي تَسَلُّطَهُ عَلَى تَتْمِيمِهِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ لِمَا كَانَ شَرْطًا فِي تَتْمِيمِ الْعَقْدِ ، فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ رِضَاهُ تَمَّ ، وَإِلَّا بَطَلَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا ، إنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ تَمَّ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ ، وَإِلَّا بَطَلَ .

464 - 464 - رَجُلٌ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ ، ثُمَّ بَاعَهَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فِي الْأُمِّ .
وَلَوْ وَهَبَهَا تَصِحُّ الْهِبَةُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنِينِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا مُتَّصِلٌ بِهَا ، فَصَارَ كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ثُمَّ وَهَبَ الْأُمَّ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ الْهِبَةِ ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَوَهَبَهُمَا تَصِحُّ الْهِبَةُ فِي الْعَبْدِ ، وَبَطَلَ فِي الْحُرِّ .
وَفِي الْبَيْعِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ شُرِطَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ صَارَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا أُلْحِقَ بِعَقْدِ الْهِبَةِ ، فَلَا يُبْطِلُهَا وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ كَالْعُمْرَى ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْخَبَرُ " { لَا تُعْمِرُوا أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُتْلِفُوهَا } وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ إذَا أُلْحِقَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَبْطَلَهُ .

465 - 465 - وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ ، ثُمَّ وَهَبَ الْأَمَةَ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَ الْأُمَّ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا ، وَبَقَاءُ مِلْكِهِ فِيهَا يُوجِبُ بَقَاءَ يَدِهِ وَبَقَاءُ يَدِ الْوَاهِبِ فِي الْهِبَةِ تَمْنَعُ جَوَازَ الْهِبَةِ كَمَا لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارِ مُشَاعًا ، ثُمَّ سَلَّمَ جَمِيعَ الدَّارِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجِبُ زَوَالَ يَدِ الْمَوْلَى عَنْهُ ، فَلَمْ يَبْقَ حُكْمُ يَدِ الْوَاهِبِ فِي الْهِبَةِ ، فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْهِبَةِ .

466 - 466 - إذَا عُوِّضَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْهِبَةِ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعَوَّضِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ .
وَلَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنًا بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَبَرَّعَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَبَرُّعٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَقْسُومًا مَقْبُوضًا ، وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ فَبَدَلُهُ أَيْضًا يَكُونُ تَبَرُّعًا ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَبَرَّعَ عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ تَصَدَّقْ عَنِّي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، فَقَدْ قَضَى عَنْهُ مَضْمُونًا بِإِذْنِهِ فَقَامَ فِيهِ مَقَامَهُ ، وَمَنْ لَهُ الضَّمَانُ إذَا أَدَّى يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ ، وَهَاهُنَا قَامَ مَقَامَهُ مَنْ أَخَذَ الْعِوَضَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ، كَذَلِكَ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ .

467 - 467 - وَإِذَا وَهَبَ لِإِنْسَانٍ هِبَةً فَعَوَّضَهُ عَنْهَا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْهِبَةِ .
وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ فَلِلْمُعَوِّضِ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِ الْعِوَضِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَوِّضَ إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعِوَضِ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلَّمَ لَهُ الْهِبَةُ ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عَوَّضَ ، فَإِذَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ فِي الْعِوَضِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَبِيعِ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ رَجَعَ فِيمَا بِإِزَائِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الْعِوَضُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَهَبَ لَمْ يَمْلِكْ الْعِوَضَ ، وَإِنَّمَا مَلَكَ بَعْدَهُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ لِاتِّصَالِهَا بِعِوَضٍ ، وَقَدْ بَقِيَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا إذْ لَوْ لَمْ يُعَوِّضْهُ فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَقِيَ الْجَمِيعُ ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا ، كَذَلِكَ هَذَا ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ رَدَّ النِّصْفَ الْبَاقِي فَحِينَئِذٍ بَقِيَتْ هِبَةً بِلَا عِوَضٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا .

468 - 468 - إذَا وَهَبَ لِإِنْسَانِ جَارِيَةً فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا فَقَالَ : وَهَبْتُهَا لِي وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَكَبِرَتْ وَازْدَادَتْ خَيْرًا ، وَكَذَّبَهُ الْوَاهِبُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ .
وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا فَقَالَ وَهَبْتُهَا لِي وَهِيَ صَحْرَاءُ فَأَنَا غَرَسْتُ فِيهَا وَبَنَيْت وَكَذَّبَهُ الْوَاهِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَيْنَ وَاحِدَةٌ فِي الْجَارِيَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ إفْرَادَ الثَّمَنِ بِالْهِبَةِ لَا يَصِحُّ فَهُوَ لَمْ يَدَّعِ هِبَةَ شَيْئَيْنِ ، وَإِنَّمَا ادَّعَى هِبَةً وَاحِدَةً ، وَادَّعَى حَقَّ الرُّجُوعِ فِيهِ ، وَظَاهِرُ الْعَقْدِ أَوْجَبَ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ ، فَإِذَا أَرَادَ إبْطَالَهُ لَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَرْضُ ؛ لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِالْهِبَةِ فَصَارَ هُوَ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ يُقِرُّ بِأَحَدِهِمَا ، وَلَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ فِي إفْرَادِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إحْدَاثُ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ وَهَبْت مِنِّي هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَهُوَ يَقُولُ لَا بَلْ وَهَبْتُك أَحَدَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

469 - 469 - إذَا وَلَدَتْ الْمَوْهُوبَةُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْوَلَدِ .
وَالْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ مِنْهُمْ فَوَلَدَتْ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ ، وَالْوَلَدُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَفَسْخُ الْعَقْدِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَأْسُورَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ فَسْخِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا فِي السِّيَرِ ، وَحَقُّ صَاحِبِهِ كَانَ ثَابِتًا فِي الْأُمِّ فَسَرَى إلَى الْوَلَدِ ، كَالْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَإِنْ شِئْت قُلْت لَمَّا انْفَصَلَ الْوَلَدُ فَقَدْ اتَّصَلَتْ بِزِيَادَةٍ ، وَاتِّصَالُ الْمَوْهُوبِ بِالزِّيَادَةِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الرُّجُوعِ ، كَمَا لَوْ سَمُنَتْ ، وَاتِّصَالُ الْمَأْسُورَةِ بِزِيَادَةٍ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، كَمَا لَوْ سَمُنَتْ .
أَوْ نَقُولُ : حَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ضَعِيفٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يُبْطِلَهُ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ اتَّصَلَتْ بِزِيَادَةٍ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ ، وَحَقُّ الْمَوْلَى فِي الْمَأْسُورَةِ قَوِيٌّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهَا بِزِيَادَةٍ وَالْحَقُّ الضَّعِيفُ جَازَ أَلَّا يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ وَالْحَقُّ الْقَوِيُّ يَسْرِي .

كِتَابُ الْبُيُوعِ 470 - وَإِذَا شَارَكَ رَبُّ الْمُسْلَمِ وَالْمُسْلَمَ إلَيْهِ السَّلَمَ بَعْدَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ .
وَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَإِذَا ، تَحَالَفَا عَادَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَوْ أَنَّا أَوْجَبْنَا التَّحَالُفَ لَفَسَخْنَا الْإِقَالَةَ وَلَوْ فَسَخْنَا الْإِقَالَةَ لَأَعَدْنَا السَّلَمَ ابْتِدَاءً بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، وَإِعَادَةُ السَّلَمِ بِدَيْنٍ ابْتِدَاءً فِي ذِمَّةِ لَمُسَلَّمَ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك الْعَشَرَةَ الَّتِي لِي عَلَيْك فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ لَوْ أَوْجَبْنَا التَّحَالُفَ لَأَعَدْنَا الْبَيْعَ بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْك بِالْعَشَرَةِ الَّتِي لِي عَلَيْك فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزٌ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِذَا تَتَارَكَا سَقَطَ ذظ ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ ، كَمَا لَوْ قَالَ وَهَبْت مِنْك الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْك ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَبْقَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ ، فَلَا يَتَحَالَفَانِ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ فَإِذَا تَحَالَفَا سَقَطَ حَقُّهُ عَلَى الْعَيْنِ ، وَالْحَقُّ إذَا سَقَطَ عَنْ الْعَيْنِ جَازَ أَنْ يَعُودَ كَمَا لَوْ وَهَبَ لِإِنْسَانٍ عَيْنًا ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَقَدْ بَقِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ التَّحَالُفُ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الْبَيْعِ .

471 - 471 - إذَا قَالَ رَبُّ السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ : كُلُّ مَا لِي عَلَيْك مِنْ الطَّعَامِ فِي غَرَائِرِي هَذِهِ فَفَعَلَ وَلَيْسَ رَبُّ السَّلَمِ بِحَاضِرٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْضًا .
وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ مُكَايَلَةً ، وَدَفَعَ إلَيْهِ غَرَائِرَ وَقَالَ كُلُّهُ فِي غَرَائِرَ فَفَعَلَ وَهُوَ غَائِبٌ صَارَ قَابِضًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ عَيْنًا بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ، وَلِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ مِلْكَهُ فِي أَيِّ حِنْطَةٍ شَاءَ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْحِنْطَةَ بِتَعْيِينِ الْمُسْلِمِ إلَيْهِ ، فَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَ فِي غَرَائِرِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَيَعْزِلَ بَعْضَ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضٍ ، وَيَنْفَرِدَ بِتَمَلُّكِهِ ، وَبِعَزْلِ بَعْضِ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضٍ لَا يَصِيرُ قَابِضًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَرَّدَ بِتَمَلُّكِهِ ، دَلِيلُهُ لَوْ عَزَلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ رَبُّ السَّلَمِ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ عَيْنَ الطَّعَامِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ حِنْطَةً مِنْ مَكَان آخَرَ لَمْ يَجُزْ ، فَلَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَكِيلَهُ فِي غَرَائِرِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُوصِلَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ فَجَازَ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا ، دَلِيلُهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ فَصًّا وَقَالَ رَكِّبْهُ فِي خَاتَمِي فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَطَحَنَهَا الْبَائِعُ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي صَارَ قَابِضًا ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَطَحَنَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّ السَّلَمِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ نَقِرَةً إلَى صَائِغٍ وَقَالَ : زِدْ مِنْ عِنْدِك دِرْهَمًا آخَرَ وَاصْنَعْ لِي خَاتَمًا فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالصَّائِغُ قَدْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَانْفَرَدَ بِتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ .
قُلْنَا : إنَّهُ إذَا قَالَ : " زِدْ مِنْ عِنْدِك دِرْهَمًا فَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَمَلُّكِهِ ،

وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَصِحُّ ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنِّي فَبَاعَهُ مِنْهُ وَجَارِيَةً لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَإِذَا بَطَلَ مَرَّةً صَارَ كَأَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ ، وَاخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَصَارَ الدَّرَاهِمُ مِلْكًا لَهُ كَذَلِكَ هَذَا ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا بَطَلَ أَمْرُهُ بِالْكَيْلِ وَعَزْلِهِ وَكَلَامِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّ غَيْرَهُ كَالَ حِنْطَتَهُ فِي غَرَائِرِهِ فَلَا يَصِيرُ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا .

472 - 472 - إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَأْخُذَ لَهُ دِرْهَمًا فِي كُرِّ طَعَامٍ سَلَمًا لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ أَنَّهُ وَكَّلَهُ لِيَأْخُذَ لَهُ دَرَاهِمَ وَيَبِيعَ كُرَّ طَعَامٍ لِلْمُوَكِّلِ فِي بَيْتِهِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَعَقْدُهُ عَلَى حِنْطَةٍ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ كُرَّ حِنْطَةٍ مِنْ ذِمَّةِ نَفْسِهِ وَيَجْعَلَ بَدَلَهُ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ الْوَكِيلِ ، وَيَجْعَلَ بَدَلَهُ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَبِيعَ كُرًّا مِنْ ذِمَّتِهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ بَدَلُ مِلْكِهِ لَهُ فَجَازَ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ وَلَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ ، صَحَّ كَذَا هَذَا .

473 - 473 - إذَا اشْتَرَى مَسْلُوخَتَيْنِ فَإِذَا إحْدَاهُمَا ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْعَبْدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا تُرِكَ عَلَيْهِ التَّسْمِيَةُ عَامِدًا غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِهِ لَا يَجُوزُ وَلَا يُفِيدُ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ النَّصَّ ، فَقَدْ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ ، وَبَيْنَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنْ حَاكِمًا لَوْ حَكَمَ بِجَوَازِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِفَسَادِهِ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ مُدَبَّرًا مُعَارَضٌ بِنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ فَدَخَلَا جَمِيعًا فِي الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ فَسْخَهُ فِي الْآخَرِ ، فَجَازَ فِي الْعَبْدِ ، وَبَطَلَ فِي الْمُدَبَّرِ .

474 - 474 - إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا دِرْهَمًا ، وَلَمْ يُسَمِّ كَيْلَ الْجَمِيعِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّ شَاةٍ بِكَذَا دِرْهَمًا وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدَ الْجَمِيعِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْجَمِيعِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِقَدْرٍ وَالْوَاحِدُ فِي نَفْسِهِ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ مَعَ الشَّاةِ تَخْتَلِفُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك شَاةً مِنْ هَذِهِ الْأَغْنَامِ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ لِلْجَهَالَةِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحِنْطَةُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ ، وَالْوَاحِدُ مَعْلُومٌ ؛ لِأَنَّ الْقَفِيزَ مَعَ الْقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَخْتَلِفُ ، وَمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ مَجْهُولٌ ، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ وَجَازَ فِي الْوَاحِدِ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْت مِنْك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِكَذَا ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

475 - 475 - ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاع عَبْدَهُ نَسَمَةً فَالْبَيْعُ جَائِزٌ .
قُلْت لِلْقَاضِي الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ : " أَلَيْسَ الْبَيْعُ نَسَمَةً بَيْعٌ بِشَرْطِ الْعِتْقِ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ؟ .
فَقَالَ : إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ نَسَمَةً فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِمَّنْ يُعْتَقُ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يُعْتِقَهُ ، وَلَكِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِثُبُوتِ حَقِّ الْإِعْتَاقِ لِلْعَبْدِ بِالْوَصِيَّةِ .
قَالَ وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْعِتْقَ جَازَ فِي التَّسْمِيَةِ ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِبَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً جَائِزَةٌ ، وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلْعَبْدِ ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَجَوَّزْنَا بَيْعَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ ، فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَلَّا يُعْتِقَهُ فَيُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ ، وَسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ نَسَمَةً وَيُعْتِقَ عَنْهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ مُطْلَقًا ، وَلَا يَشْتَرِطَ الْعِتْقَ فِي الْبَيْعِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَلَّا يُعْتِقَهُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ نَوْعِ وَصِيَّةٍ وَقُرْبَةٍ ، وَلِإِسْقَاطِ حَقِّ الْعَبْدِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْعَبْدِ حَقُّ الْعِتْقِ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ فَلَيْسَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ إبْطَالُ نَوْعِ قُرْبَةٍ وَغَرَضِ أَحَدٍ ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى إبْطَالِ حَقِّ أَحَدٍ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ .

476 - 476 - إذَا بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا .
وَلَوْ وَهَبَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ فَيَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْعَقْدِ ، وَيَكُونُ لِمَنْ لَهُ الْأُمُّ .
وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ ، وَالْوَلَدُ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنِينِ فِيهِ فِي حُكْمِ عَقْدِ الْأُمِّ ، وَإِفْرَادُ الْجَنِينِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ ، فَاسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ لَا يَجُوزُ ، فَصَارَ شَرْطًا فَاسِدًا أُلْحِقَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ فَأَبْطَلَهُمَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنِينِ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا ، فَإِذَا اسْتَثْنَى صَارَ شَرْطًا فَاسِدًا أُلْحِقَ بِعَقْدِ الْهِبَةِ فَلَا يُبْطِلُهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُعْمِرُوا أَمْوَالَكُمْ فَتُتْلِفُوهَا فَمَنْ أُعْمِرَ لَهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ } فَنَهَى عَنْ الْعُمْرَى ثُمَّ حَكَمَ بِوُقُوعِ الْمِلْكِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَصَحَّتْ هَذِهِ الْعُقُودُ ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالْوَصِيَّةُ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ ، فَثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ صِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَفَسَادِهَا ،

وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ فِي الْهِبَةِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَالْوَلَدُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ جَائِزٌ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ جَارِيَةُ إنْسَانٍ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِآخَرَ ، كَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ مَمْلُوكَةً لِوَاحِدٍ وَيَدُهَا وَرِجْلُهَا لِآخَرَ ، إذْ الْجَنِينُ جُزْءٌ مِنْهَا كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ إذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ تَلِدُ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ هَاهُنَا ؟ .
قُلْنَا : التَّرِكَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا وَصِيَّةٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ وَصِيَّةٌ أُخْرَى شَارَكَ الثَّانِي الْأَوَّلَ ، فَصَارَتْ الْجَارِيَةُ بَاقِيَةً عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، تَلِدُ وَلَدًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ وَلَدًا يُولَدُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، فَيَبِيعُ الْأُمَّ كَمَا يُولَدُ عَلَى حَقِيقَةِ مِلْكِهِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَةُ إذَا وَلَدَتْ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى ، كَمَا كَانَتْ الْأُمُّ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَالْأُمُّ لِلْمَرْأَةِ وَتَلِدُ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ فَهَلَّا كَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ .
قُلْنَا لِأَنَّهَا لَا تَلِدُ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا تَلِدُ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِلْمَرْأَةِ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِالِانْفِصَالِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ لِلزَّوْجِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْوَلَدَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ لِمَا

اسْتَحَقَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا وَجَبَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْوَلَدَ حَالَ الِاتِّصَالِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْجَنِينَ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا نَفَذَ قُلْنَا إنَّا لَا نَحْكُمُ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ حَالَةَ الِاتِّصَالِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ يَكُونُ مَوْقُوفًا ، فَإِذَا وَلَدَتْ وَتَحَقَّقَ مِلْكُهُ فِيهِ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ حَاصِلًا مِنْ قَبْلُ ، كَالْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ وَفِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ ثُمَّ أَدَّى الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَ الْمَيِّتَ مِنْهُ نَفَذَ عِتْقُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُ الْوَلَدِ بِالْعِتْقِ فَجَازَ اسْتِبْقَاؤُهُ ، إلَّا أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ الْحُرَّةُ رَقِيقًا فَعِتْقُ الْوَلَدِ بِعِتْقِ الْأُمِّ لَا بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ .

477 - 477 - إذَا اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمْلَ زِيَادَةٌ فِي الشَّاةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُشْتَرَى إذَا كَانَتْ حَامِلًا بِأَكْثَرَ مِمَّا تُشْتَرَى إذَا كَانَتْ حَائِلًا ، وَتُشْتَرَى الشَّاةُ ، لِكَيْ تَحْبَلَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا الْوَلَدُ وَالْغَالِبُ مِنْ الْوِلَادَةِ السَّلَامَةُ ، فَإِذَا اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ صَارَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ فَصَارَ بَائِعًا الْوَلَدَ ، فِي الْبَطْنِ ، وَبَيْعُ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ شَرْطًا فَاسِدًا أُلْحِقَ بِالْعَقْدِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ الْحَمْلَ نُقْصَانٌ فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُشْتَرَى حَامِلًا بِأَقَلَّ مِمَّا تُشْتَرَى حَائِلًا ، وَلِأَنَّ التَّلَفَ مِنْ وِلَادَتِهَا يَكْثُرُ ، وَلَا تُشْتَرَى أَيْضًا الْجَارِيَةُ لِيُمْلَكَ نَسْلُهَا وَوَلَدُهَا غَالِبًا ، فَلَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ لِارْتِبَاطِهِ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْحَمْلُ عَيْبًا بِهَا ، فَإِذَا اشْتَرَطَ الْحَمْلَ صَارَ شَرْطًا لِلتَّبَرِّي مِنْ الْعَيْبِ ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعَيْبِ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا عَمْيَاءُ أَوْ عَرْجَاءُ أَوْ عَوْرَاءُ جَازَ الْعَقْدُ كَذَلِكَ هَذَا .

478 - 478 - إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ ، وَقَالَ أَجَزْت الْبَيْعَ لَمْ تَصِحَّ إجَازَتُهُ ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا رَآهُ .
وَلَوْ أَنَّهُ قَالَ رَدَدْت الْبَيْعَ ، قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ رَدَّهُ ، وَلَوْ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيزَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجَازَةَ تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالرِّضَا بِالْمَعْقُودِ لَا يَمْتَنِعُ بِدُونِ رُؤْيَةٍ فَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ مَعَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْقِدُ لِيَفْسَخَ ، ثُمَّ نَفْسُ الْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، فَكَذَلِكَ الْإِجَازَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفَسْخُ ، لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا ، وَعَدَمُ الرِّضَا عِنْدَ الْعَقْدِ يَمْنَعُ لُزُومَ حُكْمِهِ ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَوَجَدَهُ بَعْدَهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ جَازَ أَنْ يَمْنَعَ لُزُومَهُ ، كَفَوْتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ .

فَصْلٌ 479 - وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ قَمِيصًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَرَكِبَهَا فِي حَاجَتِهِ لِيَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِلَى سَيْرِهَا ، أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ لِيَنْظُرَ إلَى قَدْرِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَاهَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَكِبَهَا أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ كَانَ هَذَا رِضًا بِالْعَيْبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِلِاخْتِبَارِ ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِمَّا يَقَعُ بِهَا الِاخْتِبَارُ فَلَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا ، وَأَمَّا فِي الْعَيْبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَبِرَ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ خُيِّرَ لِيَخْتَبِرَ فَلَمْ يَكُنْ رُكُوبُهُ وَلُبْسُهُ لِلِاخْتِبَارِ اخْتِيَارًا .
وَأَمَّا فِي الْعَيْبِ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ أَنْ يَخْتَبِرَ فَصَارَ بِاخْتِبَارِهِ مُخْتَارًا .

480 - 480 - وَإِذَا وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ عَيْبًا فَاسْتَخْدَمَهَا لَمْ يَكُنْ رِضًا بِالْعَيْبِ وَلَوْ وَجَدَ بِالدَّابَّةِ الْمُشْتَرَاةِ عَيْبًا فَرَكِبَهَا فِي حَاجَتِهِ كَانَ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّكُوبَ جِنَايَةٌ ، فَقَدْ حَلَّهَا فِعْلُهُ وَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَعْنًى هُوَ جِنَايَةٌ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا أَوْ جَنَى عَلَيْهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِخْدَامُ ، لِأَنَّ نَفْسَ الِاسْتِخْدَامِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ، وَهُوَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْعَبْدِ بِمَا هُوَ جِنَايَةٌ ، وَإِنَّمَا فَعَلَ الْعَبْدُ فِعْلًا فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا أَوْ رَاضِيًا بِالْعَيْبِ ، كَمَا لَوْ وُجِدَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْدَامِهِ .

481 - 481 - وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَبَلَغَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَبَقَ عِنْدَهُ ، أَوْ بَالَ فِي فِرَاشٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ آبِقًا فِي حَالَ الصِّغَرِ أَوْ بَالَ فِي الْفِرَاشِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَلَوْ بَالَ أَوْ أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ ، وَلَوْ بَالَ أَوْ أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي حَالَ الصِّغَرِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَبَقَ أَوْ بَالَ فِي الْفِرَاشِ قَبْلَهُ فِي حَالَ الصِّغَرِ أَيْضًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ وَلَوْ جُنَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ قَبْلَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ جُنَّ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْإِبَاقَ وَالْبَوْلَ مِنْ فِعْلِ الصَّبِيِّ وَفِعْلُهُ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، لِأَنَّ فِعْلَ الْكَبِيرِ يَصْدُرُ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ ، وَفِعْلُ الصَّغِيرِ يَصْدُرُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلصَّغِيرِ قَصْدٌ صَحِيحٌ فِي فِعْلِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَمْدًا لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ ، وَلَوْ قَتَلَ الْكَبِيرُ عَمْدًا يَجِبُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ بَعْدَ الْكِبَرِ غَيْرَ الْمَوْجُودِ قَبْلَهُ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لَرَدَّهُ بِعَيْبٍ أَكْبَرَ مِمَّا اسْتَوْجَبَهُ بِالْعَقْدِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا إذَا بَالَ عِنْدَهُ فِي حَالِ الصِّغَرِ فَالْمَوْجُودُ عِنْدَهُ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ صَحِيحٍ ، فَلَا يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ زَائِدٍ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَوْجَبَهُ بِالْعَقْدِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَأَمَّا الْجُنُونُ فَلَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِعْلُهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، فَصَارَ الثَّانِي مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ فَكَانَ هَذَا بِعَيْنِهِ كَمَا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَلَا يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ زَائِدٍ أَكْثَرَ

مِمَّا اسْتَوْجَبَهُ بِالْعَقْدِ ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ مَتَى حَدَثَ عِنْدَهُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ ادَّعَى عَيْبَ الْجُنُونِ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَمَا جُنَّ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلَوْ ادَّعَى عِنْدَهُ الْإِبَاقَ وَالْبَوْلَ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَمَا أَبَقَ وَلَا بَالَ فِي الْفِرَاشِ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَال .

482 - 482 - إذَا اشْتَرَى أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ .
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا وَيُمْسِكَ الْآخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّفْرِيقَ وَقَعَ بِحَقٍّ ، لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُرَدُّ لَفَوَّتْنَا عَلَيْهِ حَقَّهُ وَيَبْقَى الْعَيْبُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ بَدَلُهُ ، وَلَا يَجُوزُ الْإِضْرَارُ بِالْمُشْتَرِي لِنَفْيِ الْإِضْرَارِ عَنْ الْبَيْعِ ، فَصَارَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ كَمَا لَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ بَيْعِهِ وَحْدَهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ ، إذْ يَقْدِرُ عَلَى جَمْعِهِمَا فِي الْبَيْعِ ، فَإِذَا أَمْكَنَ صَوْنُهُمَا عَنْ ضَرَرٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَفْعَلَ .

483 - 483 - إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ زَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حُكْمٌ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ لِأَنَّ كَوْنَ رَحِمِهَا مَشْغُولًا بِمَاءِ الْغَيْرِ مَنَعَ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَإِذَا حُكِمَ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ ، وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِفَرَاغِ رَحِمِهَا ، لِأَنَّ الْحَبَلَ لَا يُنَافِي الشِّرَاءَ ، فَمَا لَمْ يَعْلَمْ فَرَاغَ رَحِمِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا .

484 - 484 - وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَحُمَّ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَرَدَّهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ زَالَتْ الْحُمَّى فِي الثَّلَاثِ وَلَمْ يُحْدِثْ رَدًّا حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَلَوْ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ الْحُمَّى حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ ، ثُمَّ زَالَتْ الْحُمَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ أَبَدًا .
وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الرَّدِّ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ حُمَّ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا رَدَّهُ وَهُوَ مَحْمُومٌ وَقَعَ الرَّدُّ مَوْقُوفًا ، لِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ يَجِبُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ يَجِبُ لِلْآخَرِ مِثْلُهُ عِنْدَ الْفَسْخِ ، وَلَوْ حَدَثَتْ الْحُمَّى عِنْدَ الْبَائِعِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، فَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي الْقَبُولِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ وَقَعَ مَوْقُوفًا ، وَالشَّيْءُ الْمَوْقُوفُ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي حَالَةٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ فَأَجَازَهُ مَالِكُهُ جَازَ ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ جَائِزٌ ، وَلَوْ فَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَجَازَ لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ فَوَاتِهِ لَمْ يَجُزْ فَلَمْ يَنْفُذْ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا ، فَإِذَا زَالَتْ الْحُمَّى فِي الثَّلَاثَةِ فَابْتِدَاءُ الرَّدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَائِزٌ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، وَابْتِدَاءُ الرَّدِّ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ ، فَجَازَ أَنْ لَا يَنْفُذَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ فَبَطَلَ .
وَأَمَّا إذَا شَهِدَ عَلَى الرَّدِّ وَهُوَ صَحِيحٌ ، ثُمَّ حُمَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالرَّدُّ وَقَعَ تَامًّا ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا حُمَّ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ سَقَطَ خِيَارُهُ .

485 - 485 - إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْعَبْدِ سَقَطَ عَنْهُ نِصْفُ الثَّمَنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ .
وَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَسْلِيمَ نِصْفِ الْقِيمَةِ مِنْ الذِّمَّةِ ، لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَى الْبَائِعِ لَأَوْجَبْنَاهُ لِحَقِّ الْعَقْدِ ، إذْ لَوْلَا الْعَقْدُ وَإِلَّا لَمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْقِيمَةِ مِنْ الذِّمَّةِ لِحَقِّ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِقِيمَةِ عَبْدٍ مِنْ الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً لَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيمَةَ مِنْ الذِّمَّةِ لِحَقِّ الْعَقْدِ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ ، إذْ لَوْلَا شِرَاؤُهُ لَكَانَ جَانِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ الضَّمَانُ أَيْضًا ، وَإِيجَابُ الضَّمَانِ فِي الذِّمَّةِ بِالْجِنَايَةِ جَائِزٌ ، وَلَا يَأْمَنُ حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ يُسْقِطُهُ ، لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا قَطَعَ فَوَّتَ التَّسْلِيمَ فِي ذَلِكَ فَانْحَلَّ الْعَقْدُ فَوَجَبَ إعَادَتُهُ إلَى مِلْكِهِ ، وَفِي إعَادَتِهِ إلَى مِلْكِهِ مَعَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَانِيًا عَلَى مِلْكِهِ ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِهِ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَفِي مَنْعِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ إبْطَالُ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَفُوتُ لَا إلَى خَلْفٍ ، فَإِذَنْ مِنْ حَيْثُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ يُسْقِطُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ، وَفِي الْأَجْنَبِيِّ لَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَيْهِ لَا نُسْقِطُهُ ، لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّ جِنَايَتَهُ تُوجِبُ انْحِلَالَ الْعَقْدِ عَنْهُ لَأَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَانِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ تُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَفِي إيجَابِ الضَّمَانِ اسْتِبْقَاءُ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَفُوتُ إلَى خَلْفٍ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ

بِبَقَائِهِ ، فَمِنْ حَيْثُ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ لَا نُسْقِطُهُ ، فَجَازَ أَنْ نُوجِبَهُ .

486 - 486 - إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ، ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ، فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ ، وَلَا يُجْعَلُ الْمُشْتَرِي بِالْجِنَايَةِ قَابِضًا لِبَاقِي الشَّخْصِ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ صَارَ قَابِضًا لِلْعَبْدِ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ بِقَطْعِ الْيَدِ فَوَّتَ نِصْفَهُ ، وَشِرَاؤُهُ جِنَايَتَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ حَقِيقِيٌّ مُضَمَّنٌ بَعْدَ الْقَطْعِ ، حَتَّى يَقْطَعَ حُكْمُ شِرَائِهِ جِنَايَةَ الْبَائِعِ بِوُجُودِ قَبْضِهِ الْحُكْمِيِّ وَإِذَا لَمْ يَقْطَعْ حُكْمُ شِرَائِهِ جِنَايَتَهُ بَقِيَ حُكْمُ يَدِهِ ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ بِجِنَايَتِهِ لِبَقَاءِ شِرَائِهِ جِنَايَة الْبَائِعِ فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا إلَّا أَنَّهُ بِالْقَطْعِ صَارَ قَابِضًا نِصْفَ الثَّمَنِ ، وَهُوَ الرُّبْعُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُ حُكْمَ شِرَائِهِ فَلَمْ يَقْطَعْ أَيْضًا شِرَاؤُهُ جِنَايَتَهُ ، وَبَقِيَ رُبْعُ سِرَايَةِ الْجِنَايَتَيْنِ فَصَارَتْ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَسِرَايَتُهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ ، وَفَاتَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ خَمْسَةُ أَثْمَانٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا بِقَطْعِ الْيَدِ وَلَيْسَ هَاهُنَا مَانِعٌ يَمْنَعُ قَبْضَهُ ، فَصَحَّ الْقَبْضُ ، فَإِذَا مَاتَ لَزِمَهُ تَمَامُ الثَّمَنِ .

487 - 487 - وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ، ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ لَمْ يُجْعَلْ قَابِضًا بِالْجِنَايَةِ لِبَاقِي الشَّخْصِ ، وَلَا يَنْقَطِعُ سِرَايَةُ الْبَائِعِ ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ ، وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ .
وَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي بِالْقَطْعِ حُكْمِيٌّ ، وَلِلْبَائِعِ أَيْضًا يَدٌ حُكْمِيَّةٌ لِأَنَّ قَبْضَهُ أَيْضًا بِالشِّرَاءِ ، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ مُضَمَّنٌ حَقِيقِيٌّ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشِّرَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ قَبْضٌ حُكْمِيٌّ فَاسْتَوَيَا فَلَمْ يَدْفَعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَسَرَتْ الْجِنَايَتَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذَا قَبْضٌ مَضْمُونٌ وُجِدَ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ مِنْ طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ، فَقَطَعَ حُكْمَ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ إنْسَانٍ ، فَجَاءَ غَاصِبٌ وَغَصَبَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ ، وَيَنْقَطِعُ سِرَايَةُ الْجَانِي كَذَلِكَ هَذَا .

488 - 488 - إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَقَبَضَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْبَائِعِ فَقَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، فَمَاتَ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْيَدِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا نِصْفُ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يُجْعَلُ الْبَائِعُ قَابِضًا بِالْجِنَايَةِ .
وَلَوْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِي اسْتَحَقَّ قَبْضَ الْعَيْنِ وَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ فَقَدْ تَنَاوَلَ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِ الْبَاقِي ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ قَبْضِ مَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ يَكُونُ قَبْضًا ، كَالتَّخْلِيَةِ فِي الْمَبِيعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَإِذَا صَارَ قَابِضًا لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَائِعُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ قَبْضَ الْعَيْنِ ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ حَقُّهُ فِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْعُدُولَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ صَارَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَبْضِ عَيْنٍ مُسْتَحَقٍّ ، فَلَا يَكُونُ قَابِضًا كَالتَّخْلِيَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَمْ يُتْلَفْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ .

489 - 489 - وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ ، فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ ابْنَةً ، وَوَلَدَتْ الِابْنَةُ ابْنَةً ، وَأَنْقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُنَّ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُنَّ .
وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ الْوَلَدُ وَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ أَوْ لَحِقَهَا عَيْبٌ آخَرُ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوِلَادَةَ تُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْأُمِّ ، وَهُوَ إنَّمَا رَضِيَ بِأَخْذِ الْأُمِّ نَاقِصَةً بِسَلَامَةِ الْوَلَدِ سَلِيمًا ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ سَلِيمًا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الرِّضَا بِالنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ فِي الْأُمِّ ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى ثَوْبٍ فَاسْتَحَقَّ ، رَجَعَ فِي دَعْوَاهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّاةُ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تُعَدُّ نُقْصَانًا فِي الشَّاةِ فَلَمْ يَنْقُصْ الْمَبِيعُ ، فَلَوْ رَدَّ لِنُقْصَانٍ فِي الْوَالِدَةِ وَفَوَّتَ الْوَلَدَ لَا يُوجِبُ خِيَارًا ، فَالنُّقْصَانُ بِهِ أَوْلَى أَلَّا يُوجِبَ خِيَارًا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِزَاءِ الْوَلَدِ بَدَلٌ فَلَا يُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا .

490 - 490 - إذَا فَقَأَ الْبَائِعُ عَيْنَ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ وَلَدَتْ سَقَطَ نِصْفُ الثَّمَنِ وَأَخَذَ الْوَلَدَ وَالْأُمَّ بِمَا بَقِيَ ، وَلَحِقَ الْوَلَدَ بَاقِي الْعَقْدِ .
وَلَوْ فَقَأَ الْمُرْتَهِنُ عَيْنَ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، وَغَرِمَ نِصْفَ قِيمَةِ الرَّهْنِ ، وَلَحِقَ الْوَلَدَ أَصْلُ الْعَقْدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ تُوجِبُ الْقِيمَةَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ جَمِيعَ الرَّهْنِ غَرِمَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَ بَعْضُهُ ، وَالْقِيمَةُ تَخْلُفُ الْعَيْنَ وَتَقُومُ مَقَامَهُ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْفَائِتِ بِبَقَاءِ خَلَفِهِ ، وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ لَحِقَ الْوَلَدَ جَمِيعُ الْعَقْدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ عَمَّا جَنَى عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا جَنَى انْفَسَخَ الْعَقْدُ عَنْهُ ، وَبَقِيَ الْبَاقِي ، فَإِذَا وَلَدَتْ لَحِقَ الْوَلَدَ بَاقِي الْعَقْدِ .

491 - 491 - وَلَوْ أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ أُعْوِرَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي .
وَلَوْ أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ أُعْوِرَتْ سَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْهُونَةَ مَضْمُونَةٌ بِضَمَانِ قَبْضٍ ، وَالْعَيْنُ صِفَةٌ ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْقَبْضِ ، لِأَنَّهَا تُفْرَدُ بِالْقَبْضِ ، فَتُفْرَدُ بِضَمَانِ الْقَبْضِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ مَضْمُونًا فَفَوْتُهُ يُسْقِطُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعَةُ ، لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْعَقْدِ وَالْأَوْصَافُ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ ، لِأَنَّهَا لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَلَا تُفْرَدُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِزَائِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ .

492 - 492 - الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا أُعْوِرَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ لَحِقَ أَصْلَ الْوَلَدِ الْعَقْدُ .
وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ إذَا فَقَأَ الْبَائِعُ عَيْنَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لَحِقَ الْوَلَدَ بَاقِي الْعَقْدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اعْوِرَارَ الْمَرْهُونَةِ جُزْءٌ مِنْ الرَّهْنِ ، وَفَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الرَّهْنِ يُوجِبُ دُخُولَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ ، وَإِذَا دَخَلَ فِي الِاسْتِيفَاءِ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ ، لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُعْقَدُ لِلِاسْتِيفَاءِ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ ، فَلَحِقَ الْوَلَدَ الْجَمِيعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا فَقَأَ عَيْنَ الْمَبِيعَةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ عَنْهُ كَمَا بَيَّنَّا ، فَلَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ فِيهِ ، فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدَ إلَّا مِقْدَارُ مَا بَقِيَ الْعَقْدُ فِيهِ .

493 - 493 - إذَا أَنْفَذَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ وَجَدَ الثَّمَنَ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَحْبِسَهُ .
وَلَوْ فَكَّ الرَّهْنَ وَأَدَّى الدَّيْنَ وَقَبَضَ الرَّهْنَ ، ثُمَّ وَجَدَ الدَّرَاهِمَ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَجُوزُ بِهِ جَازَ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْجِيَادِ مُتَفَاضِلًا ، فَدَخَلَ فِي الْقَضَاءِ ، فَقَدْ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ فَيُسَلِّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَإِذَا سَلَّمَ لَهُ فِي وَقْتٍ سَلَّمَ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ إذَا أَعَارَ الْمَبِيعَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّ سَلَامَةَ الرَّهْنِ لَهُ سَاعَةً لَا تُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ مِنْ الْحَبْسِ ، وَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهُ كَمَا لَوْ أَعَارَ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ فِيهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَالْمَعْنَى فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ ، فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ أَدَّى مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ كَالْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاهِنِ ، وَإِذَا سَلَّمَ صَارَ بِالتَّسْلِيمِ مُتَبَرِّعًا وَلِلْمُتَبَرِّعِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

494 - 494 - وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا ضَمَانُ الثَّمَنِ .
وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ فَيَحْبِسَهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَالْعَقْدُ بَاقٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ لَأَوْجَبْنَا فِي الْمَضْمُونِ ضَمَانًا آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ بَقَاءِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ الْأَوَّلَ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ، لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ كَوْنَ الشَّيْءِ مَضْمُونًا عَلَى الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ ، إذْ لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ عَقْدٌ ، فَلَمَّا أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ عَلَيْهِ لَمْ يُؤَدِّ إلَى إيجَابِ ضَمَانٍ آخَرَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ بَقَاءِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ الْأَوَّلَ ، فَجَازَ إيجَابُهُ .

495 - 495 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَادَّعَى أَنَّ لَهَا زَوْجًا غَائِبًا وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِي خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ إقْرَارِهِ ، لِأَنَّ ثُبُوتَ إقْرَارِهِ يُوجِبُ لَهُ حَقَّ الرَّدِّ ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ الزَّوْجِيَّةَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثَبَتَ حَقُّ الرَّدِّ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ ، فَإِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ حَقًّا لَهُ وَكَانَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِهِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيِّنَةُ عَلَى نَفْسِ النِّكَاحِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَفْصِلُ عَنْ ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ لِجَوَازِ ثُبُوتِ كُلِّ وَاحِدٍ دُونَ صَاحِبِهِ ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ هَاهُنَا لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ ، فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي الْإِقْرَارِ بِالشَّيْءِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي بَاعَهُ مِنِّي قَدْ كَانَ عَتَقَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

496 - 496 - إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ شَيْئًا ، ثُمَّ بَاعَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُودِعِ ، الْوَدِيعَةُ غَائِبَةٌ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعِيدَةٌ مِنْهُ ، لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لَهَا حَتَّى تَصِلَ يَدَهُ إلَيْهَا ، وَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِيَحْبِسَهَا عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ قَبْلَ وُصُولِ يَدِهِ إلَيْهَا ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ حَاضِرَةً عِنْدَ الْبَيْعِ صَارَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَابِضًا ، وَلَوْ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا مِنْهُ لِيَحْبِسَهَا عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَبْضَ الْمُودِعِ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ تَلِفَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ فَأَرَادَ حَبْسَهَا عَلَى الثَّمَنِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً ، لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ بِالْإِيدَاعِ صَارَ كَالْمُسْتَحْفِظِ لَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، وَلَوْ أَوْدَعَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَسَلَّمَهَا إلَيْهِ صَارَ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ رَضِيَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ، فَإِذَا أَرَادَ ارْتِجَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .

497 - 497 - إذَا رَهَنَ عَبْدًا مِنْ إنْسَانٍ فَبَاعَهُ مِنْهُ وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يَصِرْ قَابِضًا .
وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ وَلَيْسَ الْعَبْدُ بِحَضْرَتِهِمَا صَارَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَابِضًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْهُونَ أَمَانَةٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ إنْسَانٌ لِلرَّاهِنِ الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَضْمُونًا لَمْ يَخْلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ، أَوْ بِمَا يُلَاقِيهِ وَالرَّهْنُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَغْرَمْ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ ، وَلَا هُوَ مَضْمُونٌ بِمَا يُلَاقِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفَيْنِ ، فَإِذَا تَلِفَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ وَلَا بِمَا يُلَاقِيهِ ثَبَتَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ ، إلَّا أَنَّ الدَّيْنَ سَقَطَ بِتَلَفِهِ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْقَبْضِ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَلَمْ يَنُبْ مَنَابَهُ ، كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ ثُمَّ بَاعَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَصْبُ ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ وَالْبَيْعُ يُقْبَضُ قَبْضًا مَضْمُونًا ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَنَابَ مَنَابَهُ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ بَعْدَ الْعَقْدِ .
وَإِنْ شِئْت قُلْت لَمَّا كَانَ الْمَرْهُونُ أَمَانَةً فَإِذَا اشْتَرَاهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الضَّمَانِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ نَقْلُ الْعَيْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَغْصُوبُ ، لِأَنَّهُ نَقْلُ الضَّمَانِ ، لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ، وَقَدْ نَقَلَهُ إلَى ضَمَانِ الثَّمَنِ ، فَقَدْ وُجِدَ نَقْلُ الضَّمَانِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَقَلَ الْعَيْنَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فَيَصِيرُ بِهِ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا .

498 - 498 - إذَا بَاعَ عَبْدًا آبِقًا لَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ ضَمَانَ التَّسْلِيمِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْآبِقِ فَلَمْ يَجُزْ إيجَابُ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ ، فَصَارَ بَيْعًا لَا يُوجِبُ ضَمَانَ التَّسْلِيمِ ، فَكَانَ بَاطِلًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْهِبَةُ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تُوجِبُ ضَمَانَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يُوجِبَ ضَمَانًا ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ نَقْلَ الْيَدِ ، وَقَدْ نَقَلَ حُكْمَ يَدِهِ إلَيْهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا .
وَلِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْأَبِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَالْهِبَةُ تَقْتَضِي قَبْضَ أَمَانَةٍ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ : مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ قَائِمٌ مَقَامَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا ، وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْأَبِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ ، فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا مَا لَمْ تَصِلْ يَدُهُ إلَيْهِ .

499 - 499 - إذَا أَرْسَلَ الْأَبُ غُلَامَهُ فِي حَاجَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ ، فَلَمْ يَرْجِعْ الْعَبْدُ حَتَّى بَلَغَ الِابْنُ ثُمَّ رَجَعَ الْعَبْدُ فَقَبَضَهُ الْأَبُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِلِابْنِ ، وَإِذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الِابْنِ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْأَبِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْأَبُ غُلَامًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يَقْبِضْ فَبَلَغَ الِابْنُ ثُمَّ قَبَضَ الْأَبُ جَازَ قَبْضُهُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَبْضَ الْأَبِ مِنْ نَفْسِهِ إذَا بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إنَّمَا يَكُونُ بِحَقِّ الْوِلَايَةِ لَا بِحَقِّ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالِابْنِ فِيمَا يَبِيعُهُ الْأَبُ مِنْهُ ، لِأَنَّ الْأَبَ مِنْ الْوِلَايَةِ مَا يُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ، وَيَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ بِعَقْدِهِ ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّ حَقَّ الْقَبْضِ يَجِبُ لِلْأَبِ لَصَارَ مُوجِبًا وَمُسْتَوْفِيًا لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ ، فَوَجَبَ أَلَّا يَجُوزَ ، فَلَمَّا جَازَ دَلَّ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ يَجِبُ لِلِابْنِ ، وَإِنَّمَا يَقْبِضُهُ الْأَبُ لَهُ بِحَقِّ الْوِلَايَةِ ، فَإِذَا بَاعَ زَالَتْ وِلَايَتُهُ فَصَارَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَلَمْ يَقَعْ قَبْضُهُ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَهُوَ الْأَبُ ، وَالْقَبْضُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ بِالْعَقْدِ لَا بِالْوِلَايَةِ ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ فَبَقِيَ حُقُوقُهُ ، فَإِذَا قَبَضَهُ جَازَ كَمَا لَوْ كَانَ وَكِيلًا لِبَالِغٍ .

500 - 500 - إذَا أَوْدَعَ رَجُلًا شَيْئًا فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ ، ثُمَّ الْتَقَيَا وَلَيْسَ الشَّيْءُ بِحَضْرَتِهِمَا فَوَهَبَهُ مِنْ الْمُودِعِ جَازَتْ الْهِبَةُ وَصَارَ قَابِضًا .
وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ حَتَّى تَصِلَ يَدُهُ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ كَالْهِبَةِ ، وَالْهِبَةُ تَقْتَضِي قَبْضًا غَيْرَ مَضْمُونٍ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَنَابَ مَنَابَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْقَبْضِ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ فَلَمْ يَقَعْ عَنْهُ .

501 - 501 - وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى وَهَبَهُ لِلْبَائِعِ وَقَبِلَهُ الْبَائِعُ كَانَتْ الْهِبَةُ نَقْضًا لِلْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ لَمْ يَنْتَقِضْ الْبَيْعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدَيْ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عَلَى غَيْرِهِ تَسْلِيمُ مَا هُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، فَصَارَ هَذَا شِرَاءً لَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فَكَانَ بَاطِلًا ، وَإِذَا بَطَلَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ .
وَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَا تَقْتَضِي ضَمَانَ التَّسْلِيمِ ، وَالشَّيْءُ فِي يَدِهِ مَقْبُوضٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ بِالْهِبَةِ فَصَحَّتْ الْهِبَةُ ، وَإِذَا جَازَتْ الْهِبَةُ فَاتَ الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ ، فَبَطَلَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ ، وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْهِبَةِ فَبَطَلَ الْجَمِيعُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ لَفْظٌ عَامٌّ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ ، وَيَصْلُحُ لِدَفْعِ مَا كَانَ ، تَقُولُ : هَبْ لِي ضَرْبَ عَبْدِك يَعْنِي ارْفَعْ عَنْهُ وَاعْفُ عَنْهُ ، وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ ، لِأَنَّ هِبَةَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ ، لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْقَبْضُ فِي الْمَبِيعِ ، وَفَوْتُ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ ، وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْهِبَةِ فَلَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ ، وَإِذَا لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْهِبَةِ حُمِلَ عَلَى رَفْعِ مَا كَانَ ، فَصَارَ كَأَنَّهُمَا تَقَايَلَا وَقَالَا رَفَعْنَا ذَلِكَ ، فَكَانَتْ إقَالَةً .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَفْظُ الْبَيْعِ ، لِأَنَّ الْبَيْعَ عِبَارَةٌ عَنْ ابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي رَفْعِ مَا كَانَ ، وَابْتِدَاءُ تَمْلِيكِهِ لَا يَجُوزُ ، وَاللَّفْظُ لَا يَصْلُحُ لِرَفْعِ مَا كَانَ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعًا وَلَا إقَالَةً ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَبَقِيَ الْبَيْعُ بِحَالِهِ .

502 - 502 - إذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْهُ ثُمَّ وَهَبَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْمُودِعِ جَازَ .
وَلَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ ، ثُمَّ وَهَبَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْمُودِعِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْغَصْبِ زَالَتْ يَدُ الْمُودِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَدَثَتْ يَدٌ أُخْرَى عَلَيْهِ وَصَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ ، وَلَمْ يَصِرْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَابِضًا ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَبَقَ ، لِأَنَّ حُكْمَ يَدِهِ بَاقٍ فِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ تَحْدُثْ يَدٌ أُخْرَى عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَقِيَ حَقِيقَةُ الْيَدِ وَلَوْ بَقِيَ فِي يَدِ الْمُودِعِ وَوَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ ، كَذَلِكَ هَذَا .

503 - 503 - إذَا اشْتَرَى الصَّحِيحُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، ثُمَّ مَرِضَ الْمُشْتَرِي فَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى الْقَبُولِ .
وَلَوْ مَاتَ وَأَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ وَجَبَ لَهُ بِظَاهِرِ الْعَقْدِ ، وَحَقُّ الْغَرِيمِ مَشْكُوكٌ فَجَازَ لَهُ رَدُّهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ، لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالِ الْمَيِّتِ ، وَهَذَا الْعَبْدُ مَالُهُ ، فَتَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ فَهُوَ بِالرَّدِّ يُبْطِلُ حَقَّ الْغَرِيمِ مِنْ غَيْرِ تَرِكَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ آثَرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ .

504 - 504 - فَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي مِنْ مَرَضِهِ خُيِّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ نِصْفَ الثَّمَنِ لِلْغُرَمَاءِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ وَيُبْطِلَ الرَّدَّ وَلَوْ رَدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ مَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ لِلْغُرَمَاءِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَاضِي ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً ثُمَّ جَعَلَهُ قِصَاصًا بِمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، فَيَصِيرُ مُؤْثِرًا بَعْضَ الْغُرَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ ، فَلَمْ يَجُزْ وَرَدَّ النِّصْفَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الرَّدَّ بِقَضَاءٍ يَقَعُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَمَلَكَهُ لَا بِعَقْدِ ضَمَانٍ ، فَوَجَبَ حَقُّ الْغَيْرِ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَيُخَيِّرُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الْعَيْنَ لِيَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْدِيَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ لَهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً .

505 - 505 - الْمَرِيضُ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرَى بِالْعَيْبِ ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي نَقَدَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ .
وَلَوْ رَدَّهُ الْوَصِيُّ وَقِيمَتَهُ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرِيضَ هُوَ الْمُوجِبُ لِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ ، فَإِذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ فَهُوَ يُبْطِلُ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْحَقِّ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الدَّيْنَ فَلَمْ يُبْطِلْ مَا أَوْجَبَهُ ، وَيَجُوزُ أَلَّا يَقْدِرَ وَهُوَ عَلَى أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ ، وَغَيْرُهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَلَوْ أَقَامَ أَجْنَبِيٌّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قُبِلَتْ ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ لَوْ بَاعَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ ، وَرَبُّ الْمَالِ إذَا بَاعَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

506 - 506 - إذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الَّذِي فِي يَدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الَّذِي فِي يَدِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَعَلَيْهِ الثَّمَنَانِ جَمِيعًا ، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمَا وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَمَتَى أَخْذَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ ، وَمَتَى رَدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ عَلَى الْآخَرِ ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّدِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّدِّ شَرْطًا فِي الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ اسْتَوَى رُجُوعُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَدَمُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي ، كَذَلِكَ إذَا رَجَعَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ .

507 - 507 - إذَا اشْتَرَى زِقَّ زَيْتٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، عَلَى أَنَّ الزِّقَّ وَمَا فِيهِ لَهُ ، عَلَى أَنَّ وَزْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ مِائَةُ رَطْلٍ ، فَوَزَنَ فَوَجَدَ ذَلِكَ تِسْعِينَ رَطْلًا فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ ، وَكَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ مَذْكُورَةٌ فِي الْجَامِعِ .
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعِدْلَ عَلَى أَنَّ فِيهِ خَمْسِينَ ثَوْبًا فَوَجَدَهُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الزَّيْتِ فِي الذِّمَّةِ ، وَشَرْطُ إيفَائِهِ مِنْ الْعَيْنِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْت مِنْك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ : بِعْتُك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ، انْعَقَدَ عَلَى قَفِيزٍ مِنْ الذِّمَّةِ لِيُوَفِّيَهُ مِنْ الْعَيْنِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى قَفِيزٍ شَائِعٍ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ قَفِيزٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْجَمِيعُ إلَّا قَفِيزًا فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى قَفِيزٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الزَّيْتِ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِذَا وُجِدَ أَقَلُّ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فِيهِ فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ ، وَانْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضٍ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ وَبَاعَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّوْبُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الثِّيَابِ لَا يَنْعَقِدُ فِي الذِّمَّةِ ، لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا مُؤَجَّلًا ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِثَوْبٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا مُؤَجَّلًا ، وَيَصِيرُ سَلَمًا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ فَقَدْ انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى الْعَيْنِ ، فَقَدْ عُقِدَ عَلَى أَعْيَانٍ مَوْجُودَةٍ وَمَعْدُومَةٍ ، وَالْمَعْدُومُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ فَقَدْ جَمَعَ فِي

الْعَقْدِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ ، وَسَمَّى ثَمَنًا وَاحِدًا فَبَطَل الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ .

508 - 508 - إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَبَاعَهُ ، ثُمَّ تَصَادَقَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ الَّذِي بَيْنَهُمَا كَانَ فَاسِدًا ، أَوْ كَانَ تَلْجِئَةً ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَيْبًا دَلَّسَهُ لَهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ ، وَأَبَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنْ يَقْبَلَهُ لِمَا كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي الْآخَرِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ ، وَلَمْ يُصَدَّقَا عَلَى ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ رَفْعَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَفَسْخَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَائِعِهِ الْأَوَّلِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى فَسَادِ عَقْدٍ الْحَقُّ فِيهِ لَهُمَا ، فَصَدَقَا وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ حَقٌّ فِي عَقْدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى فَسَادِ عَقْدٍ ، وَالْحَقُّ فِيهِ لِغَيْرِهِمَا ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ فَلَمْ يُصَدَّقَا عَلَى إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِمَا وَصَارَ وِزَانُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنْ لَوْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى فَسَادِ الْبَيْعِ صَدَقَا ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .

509 - 509 - إذَا قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : فَهُوَ حُرٌّ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : هُوَ حُرٌّ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الثَّمَنُ وَلَا يُعْتَقُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ حُرٌّ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ ابْتِدَاءَ الْكَلَامِ ، لِأَنَّهُ لَا يُبْتَدَأُ بِالْفَاءِ ، فَصَارَ جَوَابًا لِإِيجَابِ الْمَاضِي ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : قَبِلْت فَهُوَ حُرٌّ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ عَتَقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ هُوَ حُرٌّ ، لِأَنَّ هَذَا يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ إضْمَارٍ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ هُوَ حُرٌّ فَلَا أَشْتَرِيهِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى إضْمَارِ الْقَوْلِ فِيهِ وَأَنَّهُ جَوَابٌ لِلْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لَمْ يُضْمَرْ فِيهِ شَيْءٌ ، فَلَمْ يَكُنْ الْقَبُولُ مُضْمَرًا فِيهِ ، فَبَقِيَ إعْتَاقٌ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ ، فَلَمْ يَجُزْ .

510 - 510 - إذَا قَالَ : " بِعْتُك هَذِهِ النَّعْجَةَ فَإِذَا هُوَ كَبْشٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ " .
وَإِذَا قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَارِيَةِ الِاسْتِخْدَامُ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَالِاسْتِفْرَاشُ ، وَأَمَّا الْمَقْصُودُ مِنْ الْغُلَامِ التَّصَرُّفُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالتِّجَارَةُ ، فَالْأَغْرَاضُ مِنْهُمَا تَتَبَاعَدُ فَصَارَ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ كَاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ ، وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا وَأَشَارَ إلَى جِنْسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّعْجَةُ وَالْكَبْشُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا يَتَقَارَبُ ، وَهُوَ اللَّحْمُ فَلَمْ يَصِرْ كَالْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، فَقَدْ سَمَّى جِنْسًا وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ .
فَإِنْ قِيلَ الْمَقْصُودُ مِنْ النَّعْجَةِ اللَّبَنُ .
قُلْنَا : اللَّبَنُ رُبَّمَا يُوجَدُ وَرُبَّمَا لَا يُوجَدُ ، وَلَا تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِاخْتِلَافِهِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّحْمِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ غَالِبًا لَا اللَّبَنُ .

511 - 511 - إذَا اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ ، فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَشَارَ إلَى عَمْرَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى عَمْرَةَ دُونَ زَيْنَبَ وَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَاقُوتَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الزُّجَاجِ ، فَقَدْ سَمَّى جِنْسًا وَأَشَارَ إلَى جِنْسٍ آخَرَ فَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ الْمُسَمَّى مِنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَإِيفَاءُ الْمُسَمَّى مِنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَا يُمْكِنُ فَبَطَلَ الْعَقْدُ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَمْرَةُ وَزَيْنَبُ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَقَدْ سَمَّى جِنْسًا ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ ، وَالْإِشَارَةُ آكَدُ لِأَنَّهَا فِعْلٌ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، وَفِي التَّسْمِيَةِ شَارَكَهُمَا غَيْرُهُ فَكَانَ أَوْلَى .

512 - 512 - إذَا مَلَكَ جَارِيَةً وَابْنًا لَهَا صَغِيرًا وَزَوْجَهَا وَهُوَ أَبُ الصَّغِيرِ ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ ، لَا يُبَاعُونَ إلَّا مَعًا .
وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ إخْوَةٍ وَأَحَدُهُمْ صَغِيرٌ وَالْبَاقِيَانِ كَبِيرَانِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَاهُنَا الْحُرْمَةَ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ جِهَةُ الْأُخُوَّةِ ، وَكُلُّهُمْ يُدْلُونَ إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْأُمُومَةُ أَوْ الْأُبُوَّةُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ فِيهِمْ لَا يَتَرَتَّبُ دَلَّ أَنَّ الْجِهَةَ وَاحِدَةٌ فَفِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ قَطْعُ جِهَةِ الْأُخُوَّةِ عَنْهُ ، فَجَازَ كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْ وَاحِدًا مِنْهُمْ .
وَفِي الْأَبَوَيْنِ الْجِهَاتُ اخْتَلَفَتْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي الْحَضَانَةِ ، لِأَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى مَا دَامَ صَغِيرًا ، وَإِذَا كَبِرَ فَالْأَبُ أَوْلَى ، لِأَنَّ جِهَةَ الْإِدْلَاءِ مِنْهُمَا مُخْتَلِفَةٌ ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُدْلِي بِالْأُمُومَةِ وَالْآخَرُ بِالْأُبُوَّةِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَوْفِيرُ حَقِّهِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ ، لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ التَّرْبِيَةُ وَالتَّغْذِيَةُ ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ التَّأْدِيبُ ، فَفِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ حَقِّهِ عَنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَحَدُهُمَا مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

513 - 513 - رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَارًا فِي يَدِ ثَالِثٍ بِعَبْدٍ وَدَفْعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ ، فَخَاصَمَ الْمُشْتَرِي صَاحِبَ الْيَدِ ، فَلَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ الدَّارَ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِفَسْخِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا ، وَرَدَّ الْعَبْدِ إلَى الْمُشْتَرِي لِلدَّارِ ، ثُمَّ تَصَدَّقَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ بِالدَّارِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، أَوْ وَهَبَهَا مِنْهُ لَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْبَائِعِ ، وَلَا يُقَالُ أَنْتَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ أَقْرَرْت بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَيَلْزَمُك التَّسْلِيمُ وَلَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِلْبَائِعِ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ، ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ لِتَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ يُكَلَّفُ تَسْلِيمَهَا إلَى بَائِعِ الدَّارِ الْمُقَرِّ لَهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ بِالدُّخُولِ مَعَ الْبَائِعِ فِي الشِّرَاءِ ، مُقِرٌّ بِأَنَّ الدَّارَ لَهُ ، إلَّا أَنَّ إقْرَارَهُ مِنْ ضِمْنِ عَقْدِ الْبَيْعِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْهُ مِنْ الْعَقْدِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي فَسْخِ الْعُقُودِ ، فَإِذَا فَسَخَ الْعَقْدَ فَسَخَ الْإِقْرَارَ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِهِ ، كَمَرِيضٍ بَاعَ عَبْدًا لَهُ يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَارَ مُحَابِيًا لِلْمُشْتَرِي وَمُوصِيًا لَهُ بِهِ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي رُدَّ فِي الثَّمَنِ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ الْمُحَابَاةِ ، وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ ، وَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ فُسِخَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ الْمُحَابَاةُ وَالْوَصِيَّةُ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهَا لِلْبَائِعِ صَرِيحًا ، لِأَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالْإِقْرَارِ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي إبْطَالِ الْأَقَارِيرِ وَهُوَ بِالشُّرُوعِ مَعَهُ فِي الْعَقْدِ مُقِرٌّ بِالْمِلْكِ لَهُ ضِمْنًا لِلْعَقْدِ ، وَقَدْ أَقَرَّ أَيْضًا صَرِيحًا فَإِذَا فَسَخَ الْعَقْدَ بَطَلَ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهِ فِي الْإِقْرَارِ ، وَبَقِيَ إقْرَارُهُ صَرِيحًا بِالْمِلْكِ لَهُ ، فَيُكَلَّفُ تَسْلِيمَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ

أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِثُلُثِ دَارِهِ وَبَاعَ الْبَاقِي مِنْهُ بِالْمُحَابَاةِ ثُمَّ لَمْ يَزِدْ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَفُسِخَ الْعَقْدُ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ فِي ضِمْنِ الشَّيْءِ لِمَ يَبْطُلُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَلَا يَبْطُلُ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهِ ؟ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ ، وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ قُلْنَا لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ بِالْأُخُوَّةِ فِي حَقِّهِ ، وَهَاهُنَا حُكِمَ بِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ .
.

514 - 514 - إذَا أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ، ثُمَّ إنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ ، وَقَالَ لِرَبِّ السَّلَمِ اذْهَبْ وَكَّلَهُ لِنَفْسِك ، فَذَهَبَ وَكَالَهُ كَيْلًا وَاحِدًا ، لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ كَيْلًا لِلْمُشْتَرِي وَكِيلًا لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ فَأَمَرَ رَبُّ السِّلْمِ لِيَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ وَيَقْبِضَهُ فَقَبَضَهُ كَيْلًا وَاحِدًا جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْكَيْلِ ، لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مُكَايَلَةً فَمَا لَمْ يُكَلْ لَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِلْكُهُ ، فَإِذَا كَالَهُ لَهُ صَارَ كَالْوَكَالَةِ بِنَفْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكِلْهُ ثَانِيًا لَمْ يَصِرْ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَرْضُ ، لِأَنَّ الْقَرْضَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ، فَلَا يُحْتَاجُ فِي تَمَامِهِ إلَى الْكَيْلِ ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ حِنْطَةً مُجَازَفَةً جَازَ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ كَيْلُهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ مُسْتَحَقًّا فَصَارَ الْمُسْتَحَقُّ كَيْلُهُ لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَهُ جُزَافًا ثُمَّ إنَّهُ كَالَهُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ تَعَيَّنَ فِيهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْخَبَرُ ، وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِأَجْلِهِ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ الصَّاعَانِ : صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي ، وَلَمْ يَشْرُطْ فِيهِ قَبْضَ يَدٍ لَهُ إذَا كَانَ وَزَنَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَجَازَ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ كَيْلَهُ مَرَّتَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ .

515 - 515 - إذَا اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً ، وَقَبَضَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، مَا لَمْ يَكِلْهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُذَارَعَةً وَقَبَضَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْرَعَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ بِالْكَيْلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَالَهُ فَوَجَدَهُ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ رُدَّ عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكِلْهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِلْكُهُ فِيهِ ، فَقَدْ بَاعَ قَبْلَ تَعْيِينِ مِلْكِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَذْرُوعُ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ قَبْلَ الذَّرْعِ ، لِأَنَّ الذُّرْعَانَ صِفَةٌ لِلثَّوْبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ الثَّوْبِ لَمْ يَجُزْ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ الذِّرَاعِ الزَّائِدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ لِلثَّوْبِ ، وَلَا يَكُونُ مَعْرِفَةُ الصِّفَةِ شَرْطًا فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ ، فَتَعْيِينُ مِلْكِهِ فِيهِ بِالْقَبْضِ ، فَقَدْ بَاعَ بَعْدَ تَعْيِينِ مِلْكِهِ فَجَازَ ، وَفِي الْمَعْدُودِ - رِوَايَتَانِ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ .

516 - 516 - رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ : بِعْ عَبْدَك هَذَا مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ ، فَبَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ ، وَعَلَى هَذَا خَمْسُمِائَةٍ سِوَى الْأَلْفِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْ هَذَا لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ ، فَبَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّامِنِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ ضَمَانَ الثَّمَنِ ، فَإِذَا قَالَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ فَقَدْ أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ ، فَقَدْ ضَمِنَ مَضْمُونًا فَصَحَّ الضَّمَانُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا سِوَى الثَّمَنِ فَإِذَا لَمْ يُضِفْ إلَى الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا ، فَقَدْ ضَمِنَ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ .

517 - 517 - إذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ : " اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك ، فَيَقُولُ نَعَمْ ، فَيَأْتِي مَوْلَاهُ فَيَقُولُ : بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا ، فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُ " .
وَلَوْ قَالَ : بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ فَهُوَ حُرٌّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : بِعْنِي لِفُلَانٍ ، فَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ نَقْلَ الْمِلْكِ مِنْ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ بِبَدَلٍ ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ ، فَإِذَا أَجَابَهُ الْمَوْلَى إلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَجَابَهُ إلَى مَا يُوجِبُ بَقَاءَ الرِّقِّ ، فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَقًا فَلَا يُعْتِقُ ، وَيَكُونُ بَيْعًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْنِي نَفْسِي ، لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ ، فَقَدْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَعْقِدَ لَهُ عَقْدَ بَيْعٍ فَخَالَفَهُ ، وَطَلَبَ عَقْدَ عَتَاقٍ ، فَإِذَا أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ صَارَ مُجِيبًا إلَى مَا سَأَلَهُ الْعَبْدُ فَصَارَ حُرًّا كَمَا لَوْ قَالَ : أَعْتِقْنِي ، فَقَالَ : أَعْتَقَتْك .

518 - 518 - إذَا قَالَ غُلَامٌ لِرَجُلٍ : اشْتَرِنِي مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ ، فَاشْتَرَاهُ ، فَإِذَا هُوَ حُرٌّ ، وَالْبَائِعُ غَائِبٌ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ .
وَلَوْ قَالَ : خُذْنِي رَهْنًا مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ ، فَارْتَهَنَهُ بِمَالٍ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حُرٌّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدُهُ فَقَدْ ضَمِنَ سَلَامَةَ رَقَبَتِهِ لَهُ بِبَدَلٍ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ صَارَ غَارًّا عَلَى عِوَضٍ هُوَ مَالٌ ، فَصَارَ كَالْبَائِعِ ، وَكَمَا لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجْنِي فَإِنِّي أَمَةٌ فَإِذَا هِيَ حُرَّةٌ كَانَتْ غَارَّةً ، كَذَا هَذَا ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا أَدَّى غُرُورُهُ إلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الثَّمَنُ ، فَرَجَعَ عَلَى الْغَارِّ ، وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا لَمْ يُؤَدِّ غُرُورُهُ إلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ سَلَامَةَ رَقَبَتِهِ لَهُ ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الدَّيْنِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ سَلَامَةَ عِوَضٍ هُوَ مَالٌ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا .

519 - 519 - إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ، ثُمَّ إنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ إلَى رَبِّ السَّلَمِ ، فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا بِسَلَمِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَإِنْ غَصَبَهُ كُرًّا بَعْدَ عَقْدِ السَّلَمِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ غَصَبَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ، فَيَجْعَلَهُ قِصَاصًا بِهِ صَارَ قِصَاصًا ، سَوَاءٌ كَانَ الْكُرُّ الْمَغْصُوبُ بِحَضْرَتِهِمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ .
وَلَوْ أَوْدَعَهُ كُرًّا بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِمَا ، أَوْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَصِلَ يَدُهُ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي قَبْضَ مَضْمُونًا بَعْدَ الْوُجُوبِ الْمَقْبُوضِ ، لِأَنَّ مَنْ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةً فَقَضَاهُ عَشَرَةً صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ ، أَوْ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ قَاصَّهُ بِهِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ لَصَارَ قَابِضًا بِالسَّلَمِ دَيْنًا ، لَا مُقْتَصًّا لِلسَّلَمِ ، وَقَضَاؤُهُ الدَّيْنَ بِهِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، تَصَرُّفُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ فَلَمْ يَصِرْ قِصَاصًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا غَصَبَ ، لِأَنَّهُ وُجِدَ قَبْضٌ مَضْمُونٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ ، فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا السَّلَمَ مِنْهُ ، فَجَازَ كَمَا لَوْ قَضَاهُ وَأَمَّا إذَا غَصَبَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ مَضْمُونٌ بَعْدَ وُجُوبِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَهُوَ مَقْبُوضٌ مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ ، فَإِذَا قَاصَّهُ بِهِ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِنَفْسِ الْمُقَاصَّةِ قَبْضًا مَضْمُونًا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ .
وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَمَقْبُوضَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ ، فَلَمْ يُوجَدْ

الْقَبْضُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ ، فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا إلَّا أَنْ تَصِلَ يَدُهُ إلَيْهِ ، فَإِذَا وَصَلَتْ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَقَدْ وُجِدَ الْقَبْضُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ ، فَصَارَ قَابِضًا .

520 - 520 - وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنَى الْبَيْعِ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ مَلَّكْتُك أَوْ أَعْطَيْتُك فَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْبَيْعِ ، فَصَارَ بَيْعًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ وَالْإِبَاحَةِ صَارَ صَدَقَةً وَإِبَاحَةً ، وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْفَقِيرَ قِطْعَةً أَوْ يَنْتُرُ السُّكَّرَ عَلَى صَدَقَةٍ صَارَ مُبِيحًا لِمَنْ الْتَقَطَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى الْبَقَّالِ كِسْرَةً وَأَخَذَ فَاكِهَةً صَارَ بَيْعًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ ، وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الْمُفَاوَضَةِ فَلَمْ يَأْتِ بِمَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ عَامٌّ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ إلَّا فَقِيهٌ ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِمَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ تَصِرْ مُفَاوَضَةً .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ : " فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا يَأْتِي بِجَمِيعِ مَعَانِي الْمُفَاوَضَةِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ صَارَتْ مُفَاوَضَةً أَيْضًا ، وَلَا رِوَايَةَ تَدْفَعُ هَذَا " .

رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اشْتَرَى صَدَفَةً فَوَجَدَ فِيهَا لُؤْلُؤَةً أَوْ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِيهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي .
وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِيهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللُّؤْلُؤَةَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الصَّدَفَةِ فَصَارَ كَبَيْعِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ ، وَأَمَّا السَّمَكُ فَاللُّؤْلُؤَةُ مِنْ عَلَفِهِ ، لِأَنَّهُ يَأْكُلُ حَيَوَانَ الْبَحْرِ ، وَالصَّدَفُ حَيَوَانٌ فَصَارَ كَسَمَكَةِ خَرَجَتْ مِنْ جَوْفِهِ .
وَأَمَّا الدَّجَاجَةُ فَلَا تُخْلَقُ اللُّؤْلُؤَةُ مِنْهَا ، وَلَا هِيَ مِنْ عَلَفِهَا فَلَا تُمَلَّكُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى صُنْدُوقًا فَوَجَدَ فِيهِ مَتَاعًا .

522 - 522 - رَجُلٌ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَاشْتَرَى رَجُلٌ آخَرُ النِّصْفَ الثَّانِي مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بَاعَاهُ مُسَاوَمَةً بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَتَيْنِ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَلَوْ بَاعَاهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ دِرْهَمٍ كَانَ الرِّبْحُ وَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسَاوَمَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى مَضْمُونِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَقْدِ ثَمَنٌ مَضْمُونٌ مِثْلَ أَنْ وُهِبَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُسَاوَمَةً ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَضْمُونُ عَقْدِهِمَا صَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِيَاهُ وَلَكِنَّهُمَا وَرِثَاهُ فَبَاعَاهُ مُسَاوَمَةً ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرَابَحَةُ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ بِمَضْمُونِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ شَيْئًا أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً ، وَمَضْمُونُ عَقْدِهِمَا فِيهِ مُخْتَلِفٌ فَقُسِّمَ أَثْلَاثًا ، فَانْقَسَمَ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا .

كِتَابُ الصَّرْفِ 523 - إذَا اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَلَيْسَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا سَمَّاهُ فِي بَيْعِهِ ، وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ .
وَلَوْ بَاعَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرِّ شَعِيرٍ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَاعَ ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَا وَأَحْضَرَا وَسَلَّمَا فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ ، إذْ لَوْ عُيِّنَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ مَا عَيَّنَ ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّتِهِمَا ، إلَّا أَنَّهُ عَقْدُ صَرْفٍ ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ ، فَإِنْ وُجِدَ تَمَّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ ، لِأَنَّهُمَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيُسَلِّمَ قَفِيزًا مِثْلَهُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِذَا تَغَيَّرَ فِي الثَّانِي تَعَيَّنَ الْعَقْدُ فِيهِ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ ذَلِكَ الْعَيْنَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ ، فَقَدْ بَاعَ مَا لَا يَكُونُ عِنْدَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْخَبَرُ .

إذَا قَالَ : أَسْلَمْت إلَيْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَنَقَدَ الدَّنَانِيرَ ، فَقَالَ لِلْآخَرِ : اجْعَلْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِي عَلَيْك قِصَاصًا وَلَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَفَعَلَ ذَلِكَ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ عَقْدِ الصَّرْفِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَالَ : اشْتَرَيْت مِنْك بِهَا دِينَارًا وَنَقَدَهُ فِي الْمَجْلِسِ ، جَازَ وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ جَازَ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فِي كِيسٍ ، جَازَ لَهُ أَنْ يَنْقُدَهُ مِنْ كِيسٍ آخَرَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ عَقْدِ السَّلَمِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ ، فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ ، دَلِيلُهُ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَنْقُدْهُ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ .

525 - 525 - إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَنَقَدَهُ الدِّينَارَ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَصَارَ لَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، فَقَالَ اجْعَلْهَا قِصَاصًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ .
وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلُهُ : اجْعَلْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِي عَلَيْك قِصَاصًا ، وَلَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَفَعَلَ ذَلِكَ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الدَّرَاهِمُ وَجَبَتْ عَلَى بَائِعِ الدَّنَانِيرِ بِعَقْدِ الصَّرْفِ ، وَابْتِدَاءُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ ، فَجَازَ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك بِعَشَرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِيسِ ، ثُمَّ نَقَدَهُ مِنْ كِيسٍ آخَرَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ وَاجِبَةً بَعْدَ عَقْدِ الصَّرْفِ ابْتِدَاءً ، وَابْتِدَاءُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِدَرَاهِمَ تَجِبُ فِي ثَانِي الْحَالِ لَا يَجُوزُ فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ ، كَالرَّصَاصِ وَالسَّتُّوقِ .

526 - 526 - إذَا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهُ بِالْبَصْرَةِ ، كَانَ جَائِزًا ، فَإِذَا حَلَّ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ إلَّا حَيْثُ شُرِطَ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا .
وَلَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ فَاسِدًا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَجَّلَ فِي الثَّمَنِ أَجَلًا مَعْلُومًا وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً ، وَهُوَ الْإِيفَاءُ بِالْبَصْرَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَجْوَدَ أَوْ أَكْثَرَ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ إلَى شَهْرٍ ، وَقَالَ : عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ بِالْبَصْرَةِ فَقَدْ شَرَطَ أَجَلًا مَجْهُولًا ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَهَا وَرُبَّمَا تَزِيدُ مُدَّةُ الْإِتْيَانِ بِهَا ، وَرُبَّمَا تَنْقُصُ فَصَارَ مُشْتَرِيًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَأَمَّا الْقَرْضُ إذَا شَرَطَ التَّسْلِيمَ ، فَقَدْ شَرَطَ التَّسْلِيمَ بِالْبَصْرَةِ ، فَصَارَ مُشْتَرِطًا فِيهِ أَجَلًا مَجْهُولًا ، كَمَا بَيَّنَّا وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ أَيْضًا مَنْفَعَةً ، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خَوْفَ الطَّرِيقِ وَخَطَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا شَرَطَ مَنْفَعَةً زَائِدَةً لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ .
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بَيْنَ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ وَمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مَئُونَةَ ، أَنَّ التَّسْلِيمَ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْصَافِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ بِبَلَدٍ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِبَلَدٍ آخَرَ ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ ، ثُمَّ لَوْ شَرَطَ الثَّمَنَ بِصِفَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ بِصِفَةٍ أُخْرَى

لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا مَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مَئُونَةَ فَالتَّسْلِيمُ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اغْتَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مَئُونَةَ بِبَلَدٍ فَأَرَادَ رَدَّهُ بِبَلَدٍ آخَرَ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ ، وَإِذَا كَانَ تَسْلِيمُهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَفِي مَكَان آخَرَ لَا يَخْتَلِفُ اسْتَوَتْ الْأَمَاكِنُ كُلُّهَا فِيهِ ، فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ .

527 - 527 - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ ، وَقَالَ اصْرِفْهَا وَخُذْ حَقَّك مِنْهَا فَقَبَضَهَا ، فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَهَا فَإِنَّهَا تَهْلِكُ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ .
وَلَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ شَيْئًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ سَقَطَ دَيْنُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ قَالَ اصْرِفْهَا ثُمَّ خُذْ حَقَّك مِنْهَا فَصَارَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ ، كَمَا لَوْ أَجَرَ مِنْهُ عَبْدًا لَمَّا قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ مَنَافِعِهِ كَانَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ عَيْنِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ عَيْنِهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي .

528 - 528 - إذَا اسْتَهْلَكَ الْإِنْسَانُ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إذَا كَانَ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا ، فَلَوْ أَجَّلَهُ فِيهِ شَهْرًا جَازَ .
وَلَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَجَّلَهُ بِهَا شَهْرًا لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَلَ الْإِنَاءِ دَيْنٌ مَضْمُونٌ يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ أَصْلًا ، وَإِذَا جَازَ الْإِبْرَاءُ جَازَ التَّأْجِيلُ ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ الطَّلَبِ لَا إلَى غَايَةٍ ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَلَأَنْ يَجُوزَ إلَى مُدَّةٍ أَوْلَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَرْضُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِهِ ، فَلَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَالْأَعْيَانِ الْمُودَعَةِ عِنْدِهِ .

529 - 529 - إذَا بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِسَيْفٍ مُحَلَّى وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ ، وَلَا يَجْعَلُ حِلْيَةَ هَذَا تُبْطِلُ ذَاكَ ، حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَوْ بَاعَ دِينَارًا وَدِرْهَمًا ، بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ ، جَعَلَ الدِّرْهَمَ بِالدِّينَارِ ، وَالدِّينَارِ بِالدِّرْهَمَيْنِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالسَّيْفِ الْمُحَلَّى جَائِزٌ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقَبْضِ ، وَنَحْنُ لَا نَحْتَالُ لِانْتِفَاءِ الْعُقُودِ ، وَإِنَّمَا نَحْتَالُ لِتَصْحِيحِهَا ، وَالْعَقْدُ قَدْ صَحَّ فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَوْ لَمْ يَصْرِفْ الْجِنْسَ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ لَأَبْطَلْنَا الْعَقْدَ أَصْلًا ، وَظَاهِرُ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ ، فَمَتَى أَمْكَنَنَا أَنْ نَحْمِلَ الْعَقْدَ عَلَى جِهَةِ صِحَّةٍ حَمَلْنَا عَلَيْهِ لِيَصِحَّ الْعَقْدُ ، وَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَرَضُهُمَا .

530 - 530 - إذَا اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى عَلَى أَنَّ فِيهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَتَفَرَّقَا وَتَقَابَضَا فَإِذَا فِي السَّيْفِ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ السَّيْفَ .
وَلَوْ اشْتَرَى إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ فِيهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا فَإِذَا فِيهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْفِضَّةَ بِمِثْلِ وَزْنِهَا ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ، وَالْفَضْلُ رِبًا } فَصَارَ جَعْلُ الشَّرْعِ إيَّاهَا بِمِثْلِ وَزْنِهَا كَجَعْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَلَوْ تَعَاقَدَا وَبَاعَ مِنْهُ نِصْفَ إبْرِيقٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ صَحَّ ، كَذَا هَذَا .
وَلَوْ بَاعَ مِنْهُ نِصْفَ حِلْيَةِ سَيْفٍ لَمْ يَجُزْ ، كَذَا هَذَا .

531 - 531 - إذَا اشْتَرَى إبْرِيقَ فِضَّةٍ عَلَى أَنَّ فِيهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، فَوَجَدَ فِيهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، كَانَ كُلُّهُ لَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى نُقْرَةَ فِضَّةٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَنَّ فِيهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَوَجَدَ فِيهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي نِصْفُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَزْنَ فِي الْإِبْرِيقِ صِفَةٌ ، وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ إفْرَادَهُ بِالْعَقْدِ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : بِعْتُك وَزْنَ مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ هَذَا الْإِبْرِيقِ لَمْ يَجُزْ ، فَقَدْ زَادَتْ صِفَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ تَمَلُّكُهُ بِهَذَا الْبَدَلِ ، فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْجَمِيعَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ ، فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا سَلَّمَ لَهُ الذِّرَاعَ الزَّائِدَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَزْنُ النُّقْرَةِ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي النُّقْرَةِ تَقْدِيرٌ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك وَزْنَ عَشْرِ دَرَاهِمَ مِنْ هَذِهِ النُّقْرَةِ جَازَ ، فَقَدْ أَرَادَ تَقْدِيرَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِمِقْدَارِهِ ، فَإِذَا وُجِدَ أَكْثَرُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَقْدُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ ، فَوَجَبَ رَدُّهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ ، فَوَجَدَهَا أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَهُ رَدُّ الْقَفِيزِ الزَّائِدِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

532 - 532 - إذَا بَاعَ قَلْبَ فِضَّةٍ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَزَنَ فَوَجَدَ وَزْنَهُ أَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ كُلَّهُ بِمِثْلِ وَزْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ وَزْنِ دَرَاهِمِهِ .
وَلَوْ تَفَرَّقَا فَوَجَدَ وَزَنَهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَيْهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَتِمَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، وَالشَّرْعُ جَعَلَ الدَّرَاهِمَ بِمِثْلِ وَزْنِهِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ فَقَدْ تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَالشَّرِكَةُ فِي الْقَلْبِ عَيْبٌ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا إذَا تَقَابَضَا فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ بِالْقَبْضِ ، وَالْمُشْتَرِي يُفَرِّقُ الصَّفْقَةَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ فِي الصَّرْفِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ هَاهُنَا ثَبَتَ الْفَسْخُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَهُنَاكَ ثَبَتَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي .
.

ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَكَذَلِكَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِينَارًا ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَقَالَ قَدْ بِعْتُك الدَّنَانِيرَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لَك عَلَيَّ ، فَقَالَ قَدْ قَبِلْت لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَكَانَ بَاطِلًا .
وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِأَنِّي بِعْتُك عَبْدِي الَّذِي فِي مَكَانِ كَذَا بِكَذَا دِرْهَمًا فَقَبِلَ كَانَ جَائِزًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّسُولَ سَفِيرٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ ، وَهُمَا مُتَفَرِّقَانِ ، وَالتَّفْرِيقُ عَنْ الْمَجْلِسِ لَوْ طَرَأَ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَبْطَلَهُ ، فَإِذَا قَارَنَ الْعَقْدَ أَوْلَى فَقَدْ قَارَنَهُ مَا يُبْطِلُهُ ، فَمَنَعَ انْعِقَادَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ لِأَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَافْتِرَاقُهُمَا مِنْ الْمَجْلِسِ لَوْ طَرَأَ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُبْطِلُهُ ، فَإِذَا قَارَنَهُ لَا يُبْطِلُهُ أَيْضًا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ هَذَا دَيْنٌ بِدِينٍ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَفِي الْبَيْعِ هُوَ عَيْنٌ بِدَيْنٍ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَقَابُضٌ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا إنَّهُ لَوْ نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ : بِأَنِّي بِعْتُك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَيْك ، بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي لَك عَلَيَّ ، لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ نَادَاهُ : بِأَنِّي بِعْتُكَ عَبْدِي فُلَانًا بِالدَّيْنِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ ، جَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى كَذَلِكَ هَذَا .

534 - 534 - إذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَامَا يَمْشِيَانِ وَلَمْ يَتَقَابَضَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ ، وَلَهُمَا أَنْ يَتَقَابَضَا .
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ لَوْ قَالَ الْأَبُ : اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْتُ هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ فَارَقَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يَزِنَ الْعَشَرَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ ، فَمُفَارَقَتُهُ إبْطَالُ الْعَقْدِ فِي الْأَبِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ .
وَالْفَرْقُ فِي الْعَاقِدَيْنِ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ بِالتَّفَرُّقِ بِالْبَدَنِ وَالتَّقَابُضِ ، لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْمُفَارَقَةُ بَيْنَهُمَا فَعَلَّقْنَاهُ بِهِ فَإِذَا مَشَيَا لَمْ يُوجَدْ التَّفَرُّقُ بِالْبَدَنِ فَلَمْ يَبْطُلْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَبُ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ بِالِافْتِرَاقِ ، لِأَنَّهُ شَخْصٌ وَاحِدٌ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْمُفَارَقَةُ ، فَاعْتُبِرَ الْمُفَارَقَةُ عَنْ الْمَجْلِسِ إذْ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ لَأَدَّى إلَى أَلَّا يَبْطُلَ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْأَبُ لِلِابْنِ قَطُّ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَإِذَا مَشَى الْأَبُ فَقَدْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ فَبَطَلَ .

535 - 535 - إذَا بَاعَ قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَثَوْبًا بِعَشْرَيْنِ دِرْهَمًا ، فَنَقَدَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَقَالَ نِصْفُهَا ثَمَنُ الْقَلْبِ ، وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ ثُمَّ تَفَارَقَا ، وَقَدْ قَبَضَ الثَّوْبَ وَالْقَلْبَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْقَلْبِ .
وَلَوْ قَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِهِمَا جَمِيعًا ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ خَاصَّةً ، وَيَجُوزُ الْعَقْدُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ هُوَ مِنْ ثَمَنِهِمَا فَهُوَ تَفْسِيرُ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَتَفْسِيرُ مُوجَبِ الْعَقْدِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ ، فَصَارَ وُجُودُ هَذَا الْقَوْلِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً .
وَلَوْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ ثَمَنِهِمَا كَانَ مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ ، لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الْقَلْبِ يُسْتَحَقُّ فِي الْمَجْلِسِ ، فَانْصَرَفَ الْمَقْبُوضُ إلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ مُوجِبٍ لِلْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ بِإِزَاءِ نِصْفِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَقْسُومًا عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَفْسِيرًا مُوجِبًا لِلْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلْ تَفْصِيلُهُ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِتَفْسِيرِهِ فَصَارَ نِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ فَإِذَا افْتَرَقَا فَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِ الْقَلْبِ ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ وَجَازَ فِيمَا قُبِضَ .

536 - 536 - وَإِذَا بَاعَ سَيْفًا وَنَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ ، فَقَالَ : نِصْفُ هَذَا الثَّمَنِ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ وَتَفَرَّقَا لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ .
وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا مَضَى مِنْ الْقَلْبِ وَالثَّوْبِ ، إذْ قَالَ نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ فِي نِصْفِ الْقَلْبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَلْبَ وَالثَّوْبَ عَيْنَانِ يَنْفَصِلَانِ ، وَيُمْكِنُ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْفَصِلَا فِي الْعَقْدِ جَازَ أَنْ يَنْفَصِلَا فِي الْقَضَاءِ وَإِذَا انْفَصَلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ فَقَدْ قَضَى نِصْفَ ثَمَنِ الْقَلْبِ وَلَمْ يَقْبِضْ النِّصْفَ ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ فِي النِّصْفِ ، وَجَازَ فِي النِّصْفِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي السَّيْفِ وَالْحِلْيَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَصِلَانِ فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ أَحَدَهُمَا بِالْعَقْدِ لَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ يَنْفَصِلَا فِي الْعَقْدِ لَمْ يَنْفَصِلَا فِي الْقَضَاءِ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَطْلَقَ وَقَالَ هُوَ مِنْ ثَمَنِهِمَا جَمِيعًا ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُ الْمَقْبُوضِ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

537 - 537 - إذَا بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ .
وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ يَثْبُتُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ إنْ عُيِّنَا ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَرَجَعَ بِمِثْلِهِ ، فَلَا يَسْتَدْرِكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ .
وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ إذَا عُيِّنَا ، فَلَوْ قُلْنَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يَسْتَدْرِكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا بِإِزَائِهِ لَا بِمِثْلِهِ ، فَلَهُ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ .
لِهَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْمَهْرِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمَهْرِ ، وَالْعَيْنُ أَعْدَلُ مِنْهَا ، فَلَا يَسْتَدْرِكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا ، كَذَلِكَ هَذَا .

538 - 538 - ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ : إذَا اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةٍ ، وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، وَتَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا ، ثُمَّ زَادَهُ دِينَارًا جَازَ ، وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ بِإِزَاءِ النَّصْلِ وَالْجَفْنِ .
وَلَوْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةٍ ، وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، أَوْ بِدَهٍ يازده فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَلَا يُجْعَلُ الرِّبْحُ بِإِزَاءِ الْجَفْنِ ، لِيَصِحَّ الْعَقْدُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ الْعَقْدَ ، فَيَصِيرُ كَالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ بَاعَهُ السَّيْفَ الْمُحَلَّى ابْتِدَاءً بِالنَّصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَازَ ، كَذَلِكَ إذَا أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الزِّيَادَةَ مُرَابَحَةً عَلَى جَمِيعِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَلَوْ أَلْحَقْنَا الرِّبْحَ بِالسَّيْفِ وَحْدَهُ لَصَارَ بَعْضُ الْعَقْدِ مُرَابَحَةً ، وَبَعْضُهُ تَوْلِيَةً ، فَلَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي التَّوْلِيَةِ ، فَاسْتَحَالَ إلْزَامُهَا .

539 - 539 - إذَا اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ ، وَقَبَضَ الدَّنَانِيرَ فَبَاعَهَا مِنْ آخَرَ ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ ، ثُمَّ إنَّ الْآخَرَ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْأَوْسَطِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَقَبِلَهُ ، فَلِلْأَوْسَطِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْأَوَّلِ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الدَّنَانِيرِ عُرُوضًا فَقَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى مِثْلِهَا فِي الذِّمَّةِ ، ثُمَّ يَصِيرُ الْمَقْبُوضُ قَضَاءً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْفَسِخُ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْعِوَضَ بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا مَلَكَ بِالْقَبْضِ ، فَإِذَا رَدَّ انْفَسَخَ الْقَبْضُ بِالرَّدِّ فَعَادَتْ إلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ ، فَكَانَ لِمَنْ عَادَتْ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُرُوض لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، فَيَمْلِكُ عَيْنَهَا بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَقَعَ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَاضِي ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا إنَّهُ لَا تُرَدُّ الْعُرُوض بِالْعَيْبِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا ، وَتُرَدُّ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الشُّفْعَةِ 540 - إذَا كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا الشُّفْعَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَوْ يَدَعَهَا .
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا وَلِيُّ أَحَدِهِمَا لَمْ يَبْقَ لِلْآخَرِ ( ) إلَّا نِصْفُ الرَّقَبَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ وَجَبَ لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ عَنْ دَمِ الْمَقْتُولَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا وَامْرَأَةً وَعَبْدًا ، ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي رَقَبَتِهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ ، فَصَارَتْ الرَّقَبَةُ مُسْتَحَقَّةً عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ عَنْ حَقِّهِ ، وَمَا يُمْلَكُ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ عَنْ مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ بِكَمَالِهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا لَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ جَمِيعَهُ ، فَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الْجَمِيعِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي نِصْفِهِ ، فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ وَأُسْقِطَ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي نِصْفِهِ .
وَأَمَّا فِي الشُّفْعَةِ فَلَا يَأْخُذُ الدَّارَ بَدَلًا عَنْ حَقٍّ لَهُ ، وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ بِسَبَبٍ يُسْتَحَقُّ بِهَا الْحَقُّ ، فَأَشْبَهَتْ الْبُنُوَّةَ وَالْأُخُوَّةَ ، ثُمَّ كُلُّ ابْنٍ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ ، وَيَرُدُّ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ دَمُ الْعَمْدِ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ قَتْلُ الْعَمْدِ أَخْذَ الرَّقَبَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِوَضِ ، لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الدَّمِ كَانَ لِلْآخَرِ أَلَّا يَقْتُلَهُ بِخِلَافِ الْخَطَأِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُهَا إيَّاهُ بِأَلْفٍ وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَنَقَدْتُهُ الثَّمَنَ ، لَمْ يَأْخُذْهَا الشَّفِيعُ إلَّا بِأَلْفٍ .
وَلَوْ قَالَ بِعْتهَا إيَّاهُ وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا قَالَ بِعْتهَا بِأَلْفٍ وَاسْتَوْفَيْت ، فَقَدْ بَيَّنَ مِقْدَارَ الثَّمَنِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ ، فَقَدْ بَيَّنَ الثَّمَنَ فِي وَقْتٍ يُرْجَعُ فِي بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ صَارَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِهَا .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا قَالَ : بِعْت وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفٌ ، فَقَدْ بَيَّنَ مِقْدَارَ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُرْجَعُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ ، فَقَدْ بَيَّنَ الثَّمَنَ فِي وَقْتٍ لَا يُرْجَعُ فِي بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ فَاسْتَوَى وُجُودُ قَوْلِهِ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هُوَ شَيْئًا ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفَيْنِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

542 - 542 - الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الدَّارَ مِنْ آخَرَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَيَنْقُضَ الْبَيْعَ الثَّانِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ إذَا بَاعَ الْمَوْهُوبَ مِنْ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ نَقْضُ الْبَيْعِ لِلرُّجُوعِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ نَقْضُ بَيْعِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ الْوَاهِبَ سَلَّطَ الْمُشْتَرِيَ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ ، فَتَصَرُّفُهُمَا وَقَعَ بِتَسْلِيطِهِ وَإِذْنِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا نَقْضُهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا .
وَفِي الشُّفْعَةِ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِتَسْلِيطِ الشَّفِيعِ وَأَمْرِهِ ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حَقِّهِ ، فَإِذَا بَاعَهُ فَقَدْ عَقَدَ عَلَى حَقِّهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِهِ ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِهِ كَانَ لَهُ إبْطَالُهُ ، مِثْلَ أَنْ اسْتَحَقَّهُ ، كَذَلِكَ إذَا عَقَدَ عَلَى حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَإِبْطَالُ تَصَرُّفِهِ .

543 - 543 - وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ شِرَاءُ نِصْفِ الدَّارِ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَهَا كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ .
وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ كُلِّ الدَّارِ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ كَانَ تَسْلِيمُهُ جَائِزًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ عَيْبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهَا ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيُقِلُّ رَغَائِبَ النَّاسِ فِيهِ ، فَقَدْ سَلَّمَ مَعَ الْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ تَسْلِيمًا مَعَ عَدَمِ الْعَيْبِ ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ ، لِأَنَّ التَّبْعِيضَ عَيْبٌ كَمَا ذَكَرْنَا ، فَقَدْ سَلَّمَ مَعَ عَدَمِ الْعَيْبِ ، فَكَانَ تَسْلِيمًا مَعَ وُجُودِهِ ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ ، كَذَا هَذَا ، وَلِأَنَّ النِّصْفَ دَاخِلٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَتَسْلِيمُهُ الْجَمِيعَ تَسْلِيمٌ لِهَذَا النِّصْفِ الَّذِي بِيعَ ، وَلَيْسَ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى النِّصْفِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ عَلَى الْجَمِيعِ ، فَلَا يَكُونُ بِتَسْلِيمِ النِّصْفِ تَسْلِيمٌ لِلْجَمِيعِ .

544 - 544 - إذَا اشْتَرَى دَارًا فَغَرِقَ بِنَاؤُهَا وَانْهَدَمَ ، لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَلَوْ غَرِقَ بَعْضُ الْأَرْضِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبِنَاءَ صِفَةٌ لِلدَّارِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِمُطْلَقِ الْعَقْدِ عَلَى الدَّارِ ، وَفَوْتُ الصِّفَةِ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ خِيَارًا ، وَلَا يُوجِبُ غُرْمًا ، كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ .
وَأَمَّا بَعْضُ الْأَرْضِ فَلَيْسَ يَتْبَعُ لِلْبَعْضِ وَلَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ ، وَفَوْتُ نِصْفِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَفَاتِ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَإِذَا فَاتَ بَعْضُ الثَّمَنِ أَخَذَهُ بِالْبَاقِي .

545 - 545 - لَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَاعَهُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِالشُّفْعَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ الْتَزَمَ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ يُنَاقِضُ مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ ، لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ اسْتَوْجَبَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ وَبِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ يَتَمَلَّكُهُ ، وَيَسْتَوْجِبُهُ أَيْضًا ، فَلَمْ يُنَاقِضْ مَا أَوْجَبَهُ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى بِالشُّفْعَةِ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَاعَ بِالشُّفْعَةِ .

546 - 546 - إذَا بَاعَ الْمَوْلَى دَارًا وَعَبْدُهُ الْمَدْيُونُ شَفِيعُهَا ، فَشَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى أَنَّ الْعَبْدَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي ، وَالدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ .
وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَيْنِ لِلدَّارِ شَهِدَا بِأَنَّ الشَّفِيعَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي ، فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ ، وَلَا تُقْبَلُ ، لِأَنَّهُ يُتَمِّمُ مَا أَوْجَبَ لِلْمُشْتَرِي بِعَقْدٍ ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنَيْ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ كَانَ يُتَمِّمُ مَا أَوْجَبَهُ أَبُوهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي فَهُمَا يُصَحِّحَانِ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا نَفْعٌ فِيهِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا ، لِأَنَّهُمَا يَحْكِيَانِ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِابْنَانِ ، لِأَنَّهُمَا لَا يُتَمِّمَانِ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا ، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ جَرِّ النَّفْعِ إلَى أَبِيهِمَا ، وَلَا يَقَعُ لِأَبِيهِمَا نَفْعٌ فِي تَسْلِيمٍ لِلْمُشْتَرِي ، فَخَلَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ جَرِّ نَفْعٍ إلَى أَبِيهِمَا ، وَعَنْ حِكَايَةِ فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا كَالْأَجَانِبِ .
وَلِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ خَصْمًا فِيهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَصَارَ شَاهِدًا عَلَى مَا كَانَ خَصْمًا فِيهِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَكِيلِ إذَا عُزِلَ ثُمَّ شَهِدَ ، وَالِابْنُ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيهِ قَطُّ وَلَا مَنْفَعَةَ لِلْأَبِ فِيهِ ، فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ .

547 - 547 - إذَا قَالَ قَدْ أَوْصَيْت بِدَارِي بَيْعًا لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَاتَ الْمُوصِي ، فَقَالَ فُلَانٌ قَدْ قَبِلْت فَالْبَيْعُ لَازِمٌ ، وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ .
وَلَوْ قَالَ بِعْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ ، فَقَالَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ قَدْ قَبِلْت لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ، وَلَا تَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ .
وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ قَالَ : يَحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ ، فَالْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا .
وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ إنَّهُ جَعَلَ الْبَيْعَ تَبَعًا لِلْوَصِيَّةِ وَجَعَلَهُ فِي ضِمْنِهَا ، وَأَضَافَهُ لِلْوَصِيِّ ، إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَإِضَافَةُ الْوَصِيَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ جَائِزٌ ، وَجُعِلَ كَالْمُوجِبِ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، كَذَلِكَ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخَلَ الشَّيْءُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ تَبَعًا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ قُلْنَا فِي ضَمَانِ الْمَجْهُولِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ تَبَعًا ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَإِذَا قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ مَلَكَ الدَّارَ بِعِوَضٍ ، فَوَجَبَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ الدَّارَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ لَهُ الدَّارَ فَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ ، ثُمَّ قَبِلَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ ، فَبَطَلَ بِالتَّفَرُّقِ ، وَصَارَ يَقْبَلُ بَعْدَ بُطْلَانِهِ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ ، وَلَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ .

548 - 548 - إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ دَارَيْنِ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلْفًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِ أَحَدِهِمَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُضَارِبِ نَفْسِهِ فِيهَا .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا وَاحِدَةً بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بِيعَ بِجَانِبِهَا بِالْعَقْدِ لِنَفْسِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَارَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُسَاوِي أَلْفًا فَلَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا فِي الدَّارَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّارَيْنِ مَشْغُولَةٌ بِجَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْغَلَ الْأَلْفُ الْوَاحِدِ مِنْ الْمَحَلَّيْنِ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِهِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكَفَلَ بِهِ كَفِيلٌ .
فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْكَفِيلِ فِي مِقْدَارِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ، وَالْأَلْفُ أَلْفٌ وَاحِدٌ وَشَغْلُ الْمَحَلَّيْنِ مِنْ وَاحِدٍ إلْغَاءٌ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا صَارَتْ كُلُّ دَارٍ مَشْغُولَةً بِرَأْسِ الْمَالِ ، فَلَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ فِيهِمَا الشُّفْعَةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّارُ الْوَاحِدَةُ ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلٌّ وَاحِدٌ ، فَلَا يَشْتَغِلُ الْمَالُ الْوَاحِدُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِهِ ، فَصَارَ الْأَلْفُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَظَهَرَ أَلْفٌ رِبْحٌ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ نِصْفَهُ ، فَصَارَ جَائِزًا ، فَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ .

549 - 549 - إذَا طَلَبَ وَكِيلُ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : إنَّ الشَّفِيعَ قَدْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، وَأَرَادَ يَمِينَهٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ : سَلِّمْ الدَّارَ إلَى الْوَكِيلِ ، ثُمَّ انْطَلِقْ وَاطْلُبْ يَمِينَ الشَّفِيعِ ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الدَّيْنِ وَقَبْضِهِ إذَا طَلَبَ الْمَالَ مِنْ الْغَرِيمِ ، قَالَ الْغَرِيمُ : إنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأَنِي وَقَبَضَ الدَّيْنَ مِنِّي ، وَأَرَادَ يَمِينَهٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ : سَلِّمْ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ انْطَلِقْ وَاطْلُبْ يَمِينَ الْمُوَكِّلِ .
وَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فَقَالَ الْبَائِعُ : إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ مُوَكِّلُك قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ ، فَلَا أَقْبَلُ حَتَّى يَحْلِفَ ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالرَّدِّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ وَيَحْلِفَ ، ثُمَّ يُرَدَّ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ عَقْدُ الْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ التَّسْلِيمُ ، فَقَدْ وَجَبَ حَقُّ الْقَبْضِ لِلشَّفِيعِ حَالًّا ، وَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْحَلِفِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مُؤَجَّلًا ، وَهُوَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ الْمُعَجَّلُ لِحَقِّهِ الْمُؤَجَّلِ ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُعَجَّلٌ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ الْمُعَجَّلُ بِالْمُؤَجَّلِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ سَبَبُ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الدَّيْنِ قَدْ ظَهَرَ وَهُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِمَعْنًى آخَرَ ، وَلَمْ يُعْلَمْ كَمَا بَيَّنَّا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَوْنُهُ جَاهِلًا بِالْعَيْبِ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يُعْلَمْ ، فَسَبَبُ وُجُوبِ الرَّدِّ لَمْ يَظْهَرْ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالرَّدِّ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ مَا لَمْ يَحِلَّ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ حَقٌّ فِي الْقَبْضِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

550 - 550 - وَإِذَا كَانَ الدَّرْبُ غَيْرَ نَافِذٍ وَفِي أَقْصَاهُ مَسْجِدُ خُطَّةٍ ، بَابُ الْمَسْجِدِ فِي الدَّرْبِ فِي ظَهْرِ الْمَسْجِدِ ، وَجَانِبُهُ الْآخَرُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ ، فَبَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ دَارِهِ ، فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ إلَّا لِمَنْ يُجَاوِرَهَا بِالْجِدَارِ ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ النَّافِذِ .
وَلَوْ كَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ دُورٌ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ ، كَانَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْآنَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ نَافِذٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَطَّ الْإِمَامُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ ، فَجُعِلَ كَأَنَّهُ تَرَكَ الْمَحَلَّ فَضَاءً ، وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ فَضَاءً كَانَ شَارِعًا ، فَلَا يَجِبُ لَهُمْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ حَوْلَهُ دُورٌ ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَوْلَهُ دُورٌ صَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ فَضَاءً وَحَوْلَهُ دُورٌ ، فَلَا يَكُونُ شَارِعًا ، فَوَجَبَتْ لَهُمْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِلْكًا ثُمَّ اخْتَطَّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مِلْكًا وَجَبَتْ لَهُمْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ، فَإِذَا أَعَادَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا لَمْ تَبْطُلْ شَرِكَتُهُمْ ، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا بِالشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ .

551 - 551 - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحَهُ عَلَى دَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الدَّارَ عَلَى الْمُصَالَحِ ، وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ فِيهَا .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا مِنْهُ بِحَقٍّ يَدَّعِيه عَلَيْهِ وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ رَدُّ الدَّارِ عَلَيْهِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ لَيْسَ بِعَقْدِ ضَمَانٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جَازَ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ وَجَبَ رَدُّ الدَّارِ إلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ بِالدَّارِ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ ضَمَانٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ ، فَانْعَقَدَ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ ، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَصِرْ قِصَاصًا فَبَقِيَ عَقْدُ شِرَاءٍ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، فَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ ، إلَّا أَنَّ تَصَادُقَهُمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَجُوزُ فِي حَقِّهِمَا ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ، فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ ، وَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ .

552 - 552 - إذَا صَالَحَ مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ .
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى مَالِ لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ فَقَدْ آثَرَ غَيْرَ الشُّفْعَةِ عَلَى الشُّفْعَةِ ، فَكَانَ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ يَهَبَهُ .
وَأَمَّا فِي بَابِ الْكَفَالَةِ فَقَدْ آثَرَ غَيْرَ الْكَفَالَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ ، وَإِيثَارُ غَيْرِ الْكَفَالَةِ لَا يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ ، كَمَا لَوْ طَلَبَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا آخَرَ ، أَوْ يَبِيعَ بِدَيْنِهِ شَيْئًا .

553 - 553 - إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعَانِ فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا فَصَالَحَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ الدَّارِ وَيُسَلِّمَ لَهُ النِّصْفَ ، ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ الْآخَرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ ، فَيُسَلِّمَ أَوْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ ، وَيَصِيرُ أَخْذُهُ نِصْفَ الدَّارِ شِرَاءً جَدِيدًا ، وَصَارَ مُسَلِّمًا الشُّفْعَةَ فِي الْجَمِيعِ .
وَلَوْ أَخَذَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ جَمِيعَ الدَّارِ ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ الْآخَرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْ يَدِهِ ، وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَبْعِيضَ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ تَبْعِيضُ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يُسَلِّمَ الْجَمِيعَ ، فَلَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ لِلنِّصْفِ أَخْذًا عَلَى الشُّفْعَةِ ، فَصَارَ ابْتِدَاءَ عَقْدٍ جَرَى بَيْنَهُمَا ، فَكَأَنَّ أَحَدَ الشَّفِيعَيْنِ اشْتَرَى نِصْفَ الدَّارِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيهَا ، فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَهُوَ شَفِيعٌ لِمَا اشْتَرَى فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَ نِصْفَهُ ، وَلِلشَّفِيعِ الْغَائِبِ نِصْفُهُ ، وَالنِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي صَارَ الْأَوَّلُ مُسَلَّمًا لِلشُّفْعَةِ فَأَخَذَهُ الثَّانِي .
وَأَمَّا إذَا أَخَذَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الْجَمِيعَ ، ثُمَّ أَخَذَهُ الثَّانِي مِنْهُ فَالتَّبْعِيضُ عَلَى الشَّفِيعِ مِنْ مُوجَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الدَّارِ ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ ، وَإِذَا كَانَ التَّبْعِيضُ مِنْ مُوجَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ كَانَ أَخْذُهُ نِصْفَ الدَّارِ أَخْذًا عَلَى الشُّفْعَةِ ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ ابْتِدَاءَ عَقْدٍ ، فَلَمْ يَصِرْ مُسَلِّمًا الشُّفْعَةَ فَكَانَ لِأَحَدِهِمَا النِّصْفُ ، وَلِلْآخَرِ النِّصْفُ .

554 - 554 - إذَا بَاعَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْ رَجُلٍ فَجَاءَ جَارُ الدَّارِ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ قَاسَمَ شَرِيكَهُ فِي الدَّارِ ثُمَّ حَضَرَ شَفِيعٌ بِطَرِيقٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ قِسْمَتَهُ .
وَلَوْ أَنَّ دَارًا بِيعَتْ وَلَهَا شَفِيعَانِ فَأَخَذَاهَا بِالشُّفْعَةِ وَاقْتَسَمَاهَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ الثَّالِثُ ، كَانَ لِلثَّالِثِ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالْقِسْمَةِ ، وَلِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ ، وَتَعَيُّنُ الْمَبِيعِ حَقُّ الْعَقْدِ ، وَمَا كَانَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَتَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ ، كَمَا قُلْنَا فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قِسْمَةُ الشَّفِيعَيْنِ ، لِأَنَّ تِلْكَ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَاقَدَا عَقْدًا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مُوجَبِ مِلْكِهِمَا ، وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ مُوجَبِ الْبَيْعِ فَإِذَا تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْبَائِعِ نَقْضُهُ كَبَيْعٍ آخَرَ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ نُعِيدُهَا ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ ثَانِيًا فَتَقَعُ تِلْكَ الْقِطْعَةُ فِي حِصَّتِهِ ، وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ مِنْ حَيْثُ يُنْقَضُ يُعَادُ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الشَّفِيعَيْنِ لِأَنَّا مِنْ حَيْثُ تُنْقَضُ تِلْكَ الْقِسْمَةُ لَا نُعِيدُهَا لِأَنَّا نَحْتَاجُ أَنْ نُفَرِّقَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، فَلَا نُعِيدُ تِلْكَ الْقِسْمَةَ فَكَانَ فِي نَقْضِهَا فَائِدَةٌ فَجَازَ أَنْ يُنْقَضَ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّا مِنْ حَيْثُ نَنْقُضُ الْقِسْمَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، لَا نُلْحِقُ ضَرَرًا بِالشَّفِيعِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ حَقِّهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ ، فَجَازَ أَنْ لَا يُنْقَضَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى ، لِأَنَّ تَرْكَ نَقْضِ الْقِسْمَةِ يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ ضَرَرٍ بِالشَّفِيعِ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ فِي

مَحَلٍّ آخَرَ فَتُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِهِ جَازَ أَلَّا يَتْرُكَ الْقِسْمَةَ وَتُنْقَضُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الضَّرَرِ .

555 - 555 - إذَا بَاعَ دَارًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا ، وَوَارِثُ الْبَائِعُ شَفِيعُهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ مَرِضَ الْبَائِعُ فَحَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ مَاتَ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ ، فَالْحَطُّ بَاطِلٌ عَنْ الْمُشْتَرِي .
وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَلَّى الْبَيْعَ وَارِثَ الْبَائِعُ ، أَوْ بَاعَهَا مُرَابَحَةً مِنْهُ ، ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ فِي مَرَضِهِ أَلْفًا عَنْ الْمُشْتَرِي جَازَ حَطُّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَدَلَّ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ فَصَارَ أَخْذُ الشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ ، وَحَطُّهُ يَلْحَقُ عَقْدَهُ فَكَأَنَّ الْبَائِعَ أَوْجَبَهُ لِوَارِثِهِ ، فَكَانَتْ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ ، فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ لِأَنَّ الَّذِي وَلَّاهُ الْمُشْتَرِي لَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً ، وَالْبَالِغُ بِالْحَطِّ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَوْجَبَ الْمُرَابَحَةَ وَالْمَوْلَى ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ مُوجِبًا الْحَقَّ لِوَارِثِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ ، فَجَازَ حَطُّهُ .

556 - 556 - وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ فَتَسْلِيمُهُ جَائِزٌ .
وَلَوْ سَاوَمَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالشِّرَاءِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ صَرِيحًا إسْقَاطُ الْحَقِّ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ ، كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْإِعْرَاضِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دَلِيلَ الْإِعْرَاض فَلَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ .

557 - 557 - إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ ، ثُمَّ إنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ ، فَإِنَّ تِلْكَ الْقِيمَةَ لِلْبَائِعِ ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الدَّارِ .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا بِحِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَقَبَضَ الدَّارَ ثُمَّ وَلَّى الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ رَجُلًا آخَرَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ تَلِفَتْ الْحِنْطَةُ ، قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَإِنَّ الْبَائِعَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الثَّمَنَ ، ذَلِكَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الشَّفِيعِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الدَّارِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ ، وَبِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا ، وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِهِ فَقَدْ وُجِدَ الرِّضَا مِنْ الْبَائِعِ بِتَمْلِيكِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ دَارِهِ فَبَاعَهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ لَا غَيْرُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، لِأَنَّ الْمَوْلَى لَهُ الْبَيْعُ لَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْمُشْتَرِي ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا ، فَلَمْ يُوجِبْ الْبَائِعَ بِتَمْلِيكِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ ذَلِكَ الثَّمَنَ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا رَضِيَ بِهِ ثَمَنًا ، وَهُوَ الْحِنْطَةُ ، لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْحِنْطَةِ ، وَعَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّ مَا بِإِزَائِهِ ، وَهُوَ الدَّارُ الْمَبِيعَةُ ، وَلَا يَقْدِرُ ، لِأَخْذِ الشَّفِيعِ إيَّاهَا ، فَغَرِمَ قِيمَتَهَا كَالْغَاصِبِ .

558 - 558 - إذَا أُخْبِرَ الشَّفِيعُ بِأَنَّ الثَّمَنَ كُرُّ حِنْطَةٍ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ كُرُّ شَعِيرٍ ، قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الْحِنْطَةِ ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ .
وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ مِائَةُ دِينَارٍ وَقِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ .
وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ أَوْ ثِيَابٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، فَإِذَا الثَّمَنُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ الثِّيَابِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحِنْطَةَ لَهُ مِثْلُ جِنْسِهَا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِمِثْلِهَا ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ حِنْطَةٌ فَسَلَّمَ بِهِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ شَعِيرٌ فَلَمْ يُسَلِّمْ الشُّفْعَةَ بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ ، لِأَنَّ الرَّغَائِبَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ مِقْدَارُ الثَّمَنِ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ عِنْدَهُ جِنْسٌ فَرَغِبَ فِي أَخْذِ الدَّارِ ، وَلَا يَرْغَبُ فِي أَخْذِهَا لِعَدَمِ جِنْسِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ خَمْسُمِائَةٍ ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ دَرَاهِمُ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ دَنَانِيرُ فَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، لِأَنَّهُمَا ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ ، وَيَسْهُلُ نَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى صَاحِبِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَدْ سَلَّمَ فِيمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ .
وَأَمَّا إذَا أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا كَانَ مَا أُخْبِرَ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ مِثْلَ قِيمَتِهِ ، فَقَدْ

سَلَّمَ لَهُ الشُّفْعَةَ بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَمْ يُسَلِّمْ الشُّفْعَةَ بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ ، فَبَقِيَتْ شُفْعَتُهُ ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ خَمْسُمِائَةٍ .

559 - 559 - إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فِي الثَّمَنِ يَحْلِفَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَمْ يَمْلِكْهُ بِعَقْدٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي ، وَلَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدُ ، وَالتَّحَالُفُ لِدَفْعِ مِلْكٍ حَاصِلٍ بِالْعَقْدِ اخْتَلَفَا فِي بَدَلِهِ كَالْبَيْعِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَتَحَالَفَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ حَصَلَ لِلْآخَرِ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ ، وَاخْتَلَفَا فِي بَدَلِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَتَحَالَفَا لِرَفْعِ ذَلِكَ الْمِلْكِ ، كَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ .

كِتَابُ الْقِسْمَةِ 560 - إذَا حَضَرَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مِيرَاثٌ لَنَا وَلِفُلَانٍ الْغَائِبِ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا ، وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ ، وَيُوَكِّلُ وَكِيلًا لِحِفْظِهِ .
وَلَوْ ادَّعَيَا شِرَاءً أَوْ مِلْكًا مُطْلَقًا ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ ، وَلَهُمَا شَرِيكٌ ثَالِثٌ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّرِكَةَ مُبَقَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ ، وَتُنَفَّذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ ، فَلَهُ أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ الْخَصْمَ ، وَيَقْضِيَ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
فَإِذَا سَمِعَ الْبَيِّنَةَ مِنْهُمَا فَقَدْ جَعَلَ الْحَاضِرِينَ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ حَاضِرًا فَصَحَّتْ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَى الْغَائِبِ ، وَلَا عَلَى الْحَاضِرِينَ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا ، فَلَوْ قَسَمَ لَكَانَتْ قِسْمَتُهُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ ، فَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .

561 - 561 - فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَلَيْسَ فِي الْوَرَثَةِ إلَّا صَغِيرٌ وَوَارِثٌ كَبِيرٌ غَائِبٌ ، فَأَقَامَ الْوَاحِدُ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُ بِبَيِّنَتِهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ .
وَإِنْ حَضَرَ اثْنَانِ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ ، وَالثَّالِثُ غَائِبٌ قَسَمَهَا بَيْنَهُمَا ، وَيَعُودُ قَسْمُهُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ حَاضِرٌ كَبِيرٌ وَوَارِثٌ صَغِيرٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ لِلصَّغِيرِ قَيِّمًا وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُقْسَمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى مِيرَاثٍ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَالْبَيِّنَةُ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِخَصْمٍ وَإِنْكَارٍ ، فَإِذَا حَضَرَ وَاحِدٌ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ ، فَلَا يُقْسَمُ ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِغَيْرِ الْبَيِّنَةِ ، إلَّا أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْمُنَاقَلَةِ فِيهَا ، فَصَارَ كَالْبَيْعِ ، وَالْبَيْعُ يَتِمُّ بِاثْنَيْنِ ، وَلَا يَتِمُّ بِوَاحِدٍ ( 38 ) كَذَلِكَ الْقِسْمَةُ .
وَأَمَّا إذَا حَضَرَ اثْنَانِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مِنْ حُضُورِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَسُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ وَوُجِدَ مُوجِبٌ وَقَابِلٌ لِلْإِيجَابِ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ بِهِمَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ فَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَهُ أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ فَيُنَصِّبَ خَصْمًا فَيَكُونَ قَضَاءً عَلَى خَصْمٍ ، فَكَأَنَّهُمَا كَبِيرَانِ حَضَرَا وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَقُبِلَتْ .

إذَا كَانَ بَيْتٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا قَلِيلًا يَنْتَفِعُ بِهِ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ قَسَمَهُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى صَاحِبِ الْأَقَلِّ .
وَلَوْ أَنَّ طَرِيقًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَنَصِيبُ أَحَدِهِمَا لَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَهُ وَحْدَهُ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ صَاحِبَ الْأَقَلِّ فِي الْبَيْتِ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ ، لِأَنَّ نَصِيبَهُ وَحْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ ، فَلَوْ بَقِيَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا لَبَقَّيْنَاهُ يَنْفَعُ صَاحِبَ الْأَقَلِّ بِمِلْكِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّرِيقُ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ بِحَقٍّ يَسِيرٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ لَهُ ، وَيَسْتَطْرِقُ مِلْكَ غَيْرِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، فَلَأَنْ يَجُوزَ ثُبُوتُهُ مَعَ مِلْكِ حَقِّ الْأَرْضِ أَوْلَى وَأَحَقُّ ، وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ بِنَصِيبِهِ الْقَلِيلِ فَإِذَا قَسَمَ ( 3 ) لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِطْرَاقُ فَيَصِلُ إلَيْهِ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْضِ وَيُفَوَّتُ عَلَيْهِ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ ، وَتَفْوِيتُ حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ ، فَلَمْ تَجُزْ قِسْمَتُهُ .

563 - 563 - إذَا وَقَعَ حَائِطٌ بَيْنَ قِسْمَيْنِ ، وَذَلِكَ الْحَائِطُ لِأَحَدِهِمَا وَعَلَيْهِ جُذُوعٌ لِآخَرَ ، وَلَمْ يَذْكُرَا فِي الْقِسْمَةِ تَرْكَهَا وَلَا رَفْعَهَا ، فَإِنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْجُذُوعُ عَنْ الْحَائِطِ .
وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ مَسِيلَ مَاءٍ عَلَى سَطْحِ الْآخَرِ وَيُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَلَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ ، أُمِرَ بِتَحْوِيلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْوِيلُهُ ، بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ ، وَاسْتَأْنَفَا قِسْمَةً أُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَضْمَنُ سَلَامَةَ مَا هُوَ سَقْفٌ ، وَجُذُوعٌ لِشَرِيكِهِ وَالْجِذْعُ يُسَمَّى جِذْعًا مَا دَامَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ ، فَإِذَا نُقِضَ سُمِّيَ خَشَبًا ، وَالسَّقْفُ يُسَمَّى سَقْفًا مَا دَامَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّ لَهُ نَقْضَهُ ، لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا تُضْمَنُ سَلَامَتُهُ لَهُ بِالْقِسْمَةِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسِيلُ لِأَنَّهُ بِالْقِسْمَةِ يَضْمَنُ سَلَامَةَ مَا هُوَ سَقْفٌ لَهُ ، وَالْقِسْمَةُ لِتَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْأَنْصِبَاءِ ، وَظَاهِرُ الْقِسْمَةِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّهِ عَمَّا صَارَ فِي يَدِ شَرِيكِهِ ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَصْرِفُ ( 39 ) مَسِيلَهُ عَنْ سَطْحِهِ ، يُسَلَّمُ لَهُ مَا تُضْمَنُ سَلَامَتُهُ لَهُ وَهُوَ السَّطْحُ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ .

564 - 564 - إذَا صَبَّ مَاءً فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَشَبَّ الْمَاءُ فَانْهَدَمَ جِدَارُ جَارِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ صَبَّ مَاءً عَلَى سَطْحِهِ فَسَالَ مِنْ مِيزَابِهِ وَأَصَابَ ثَوْبَ غَيْرِهِ ضَمِنَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّبِّ لَا يُوجِبُ انْهِدَامَ الْجِدَارِ ، لِجَوَازِ أَنْ لَا يُهْدَمَ ، وَسُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا فِعْلَ لَهُ ، فَلَمْ يَهْدِمْ الْحَائِطَ ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا مُوجِبًا لِلْهَدْمِ لَا يَضْمَنُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْمِيزَابِ ، لِأَنَّ مَسِيلَهُ مِنْ الْمِيزَابِ مِنْ مُوجَبِ صَبِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى كَذَلِكَ ، فَصَارَ فَسَادُ ثَوْبِهِ مِنْ مُوجَبِ فِعْلِهِ فَضَمِنَ ، كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِيَدِهِ .

كِتَابُ الْإِجَارَاتِ 565 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِكَذَا دِرْهَمًا وَلَمْ يُسَمِّ الَّذِي يُرِيدُهَا لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلنَّاسِ عُرْفًا وَعَادَةً فِي كَيْفِيَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالدَّارِ ، فَإِذَا كَانَتْ خَرِبَةً يُرْبَطُ فِيهَا الدَّوَابُّ ، وَإِذَا كَانَتْ مُزَخْرَفَةً يُسْكَنُ فِيهَا وَلَا يُرْبَطُ ، فَيَصِيرُ تَعْيِينُهُ بِالْعُرْفِ كَتَعْيِينِهِ بِالشَّرْطِ ، وَلَوْ عَيَّنَ بِالشَّرْطِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْبُطَ فِيهَا الدَّوَابَّ ، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا ، الدَّلِيلُ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ عَقْدُهُ ، وَيَصِيرُ تَعْيِينُهُ بِالْعُرْفِ كَتَعْيِينِهِ بِالشَّرْطِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَرْضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ عُرْفٌ وَعَادَةٌ فِي كَيْفِيَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرَضِينَ وَفِي زِرَاعَتِهَا ، وَقَدْ تُزْرَعُ زَرْعًا يُفْسِدُ الْأَرْضَ ، وَتُزْرَعُ زَرْعًا وَيُصْلِحُهَا ، فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الْمَنْفَعَةُ لَا بِالْعُرْفِ وَلَا بِالشَّرْطِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَوْعٍ إلَّا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقُولَ انْتَفِعْ بِنَوْعٍ آخَرَ ، فَلَا يَصِلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا ، فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ .

566 - 566 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى سَنَةٍ عَقِيبَ الْعَقْدِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً أَوْ سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ الْعَقْدِ ، وَلَا عَقِيبَ الْمَوْتِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي عَقْدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ تَصْحِيحَهُ وَإِبْرَامَهُ ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ الْعَقْدِ لَصَارَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ مَجْهُولَةً ، وَالْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ لَا يَجُوزُ ، فَحُمِلَ عَلَى مَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ وَهُوَ عَقِيبَ الْعَقْدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُعَيِّنْهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ لَبَقِيَتْ مُدَّةُ الْوَصِيَّةِ مَجْهُولَةً وَجَهَالَةُ الْمُدَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا ، فَخِلَافُ الْإِجَارَةِ كَذَلِكَ هَذَا .

567 - 567 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً ، وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ ، ثُمَّ تَحَاكَمَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ فِي بَاقِي السَّنَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْآخَرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ أَوْجَبَ انْعِقَادُ الْعَقْدِ تَسْلِيمَ الْمَنَافِعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، فَصَارَ افْتِرَاقُ التَّسْلِيمِ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، وَمُوجَبُ الْعَقْدِ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَثْبُت لَهُ الْخِيَارُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِذَلِكَ ، وَيَجْبُرَهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ جُمْلَةً فَلَمْ يَبْقَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، فَافْتَرَقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِهِ ، فَخُيِّرَ فِيهِ .

568 - 568 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا وَشَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إخْرَاجَ مَا يُجَدِّدُ الْمُسْتَأْجِرَ فِيهَا مِنْ تُرَابٍ وَرَمَادٍ وَسِرْقِينٍ كَانَ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ جَائِزَيْنِ .
وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ تَفْرِيغَ بِئْرِ الْبَالُوعَةِ وَنَزْحَ مَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الدَّارَ وَيُلْقِي الرَّمَادَ وَيُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِالدَّارِ دُونَ إلْقَاءِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الدَّارِ ، فَلَمْ يَكُنْ إلْقَاؤُهُ فِي الدَّارِ انْتِفَاعًا بِهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ انْتِفَاعًا بِهَا يَكُونُ شَاغِلًا لِمَوْضِعِ السُّكْنَى ، فَكُلِّفَ تَفْرِيغَهُ كَمَا لَوْ شَغَلَهُ بِمَتَاعِهِ فَصَارَ تَفْرِيغُهُ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، وَاشْتِرَاطُ مُوجَبِ الْعَقْدِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّسْلِيمَ وَالْمُسْتَلِمَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَالُوعَةُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِالدَّارِ دُونَ الصَّبِّ فِي الْبَالُوعَةِ فَصَارَ صَبُّهُ انْتِفَاعًا بِالدَّارِ ، وَنَوْعَ سُكْنَى وَلَهُ الِانْتِفَاعُ ، فَلَوْ كَلَّفْنَاهُ تَفْرِيغَهَا لَكَلَّفْنَاهُ نَقْصَ السُّكْنَى ، وَالِانْتِفَاعَ بِالدَّارِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَلَمْ يَكُنْ تَفْرِيغُهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فَقَدْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يُضَادُّهُ ، فَأَبْطَلَهُ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ .

إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى هَذِهِ الْأَغْنَامَ شَهْرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا شَيْئًا اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَغْنَامًا كَثِيرَةً مَعْدُودَةً عَلَى أَنْ يَرْعَاهَا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُدَّةِ ، فَلَا يُحْتَاجُ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ إلَى تَعْيِينِ الْغَنَمِ ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا عَلَى أَنْ تَرْعَى لِي ، وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ جَازَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ إلَى ذِكْرِ الْأَغْنَامِ وَتَعْيِينِهَا ، فَاسْتَوَى وُجُودُ تَعْيِينِ الْأَغْنَامِ وَعَدَمُهَا ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقَالَ اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا لِتَرْعَى لِي فَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ الرَّعْيِ مَا يُطِيقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى رَعْيِ تِلْكَ الْأَغْنَامِ لَا عَلَى الْمُدَّةِ ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ لَأَبْطَلْنَا تَعْيِينَ الْأَغْنَامِ ، وَفِي إبْطَالِهِ إبْطَالُ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ لَا إلَى مُدَّةٍ ، وَلَا إلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ إبْطَالُ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ إبْطَالُ تَعْيِينِهِ ، فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى حِفْظِ تِلْكَ الْأَغْنَامِ بِعَيْنِهَا فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهَا ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا لَمْ يَجُزْ الزِّيَادَةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .

570 - 570 - إذَا اسْتَأْجَرَ قَمِيصًا لِيَلْبَسَهُ أَوْ ثَوْبًا إلَى اللَّيْلِ فَاتَّزَرَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ إنْ تَخَرَّقَ ، وَإِنْ سَلِمَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ .
وَلَوْ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ فَلَبِسَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَهُوَ ضَامِنٌ إنْ تَخَرَّقَ أَوْ يُصِيبُهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ سَلِمَ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاتِّزَارَ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ نَوْعُ لُبْسٍ ، إلَّا أَنَّهُ أَضَرَّ بِالثَّوْبِ ، فَقَدْ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ، وَزَادَ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أُمَنَاءَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَهُ الْأَجْرُ فِي مِقْدَارِ الْعَشَرَةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَبِسَهُ ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَبِسَهُ بِنَفْسِهِ ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ مَأْذُونًا فِيهِ وَلَا مَعْقُودًا عَلَيْهِ ، فَصَارَ اسْتِيفَاءُ غَيْرِهِ الْمَنْفَعَةَ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةً مِنْ حِنْطَةٍ ، فَحَمَلَ غَيْرُهُ عَلَيْهَا مِائَةً مِنْ حَدِيدٍ وَيَصِيرُ غَاصِبًا فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ غَاصِبًا لَهُ وَيَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ .

571 - 571 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا كَذَا كَيْلًا شَعِيرًا ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ كَيْلِهِ حِنْطَةً ، ضَمِنَ إنْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةً ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا وَبَلَغَ الْمَكَانَ ثُمَّ عَطِبَتْ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ ، وَيَضْمَنُ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ وَزْنَ كَيْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَثْقَلُ مِنْ وَزْنِ كَيْلِ شَعِيرٍ مِثْلِهِ ، فَيَكُونُ أَضَرَّ بِالدَّابَّةِ ، فَقَدْ خَالَفَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ بِالدَّابَّةِ فَضَمِنَ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ الْحِنْطَةَ فَحَمَلَ مِثْلَ وَزْنِهَا حَدِيدًا ، فَضَمِنَ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا حَمَلَ مِائَةً وَعَشَرَةً ، لِأَنَّهُ وَافَقَهُ فِي مِقْدَارِ الْمِائَةِ وَخَالَفَهُ فِي مِقْدَارِ الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ ، فَضَمِنَ مِقْدَارَ الْمُخَالَفَةِ وَالْأَجْرَ فِي قَدْرِ الْمُوَافَقَةِ ، فَقَدْ قَالَ فِي الْعَارِيَّةِ : لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا كَيْلًا مِنْ حِنْطَةٍ ، فَحَمَلَ كَيْلًا مِنْ الشَّعِيرِ لَا يَضْمَنُ ، لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ مِنْ الشَّعِيرِ ، فَقَدْ خَالَفَهُ إلَى مَا هُوَ أَخَفُّ وَأَنْفَعُ لِلدَّابَّةِ فَلَا يَضْمَنُ ، لِأَنَّهُ حَمَلَ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .

572 - 572 - لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةَ رَجُلٍ لِحُمُولَةٍ ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا فَسَاقَ رَبُّ الدَّابَّةِ الدَّابَّةَ فَعَثَرَتْ وَسَقَطَتْ الْحُمُولَةُ عَنْهَا فَفَسَدَتْ ، وَصَاحِبُ الدَّابَّةِ مَعَهَا ضَمِنَ الْحُمُولَةَ .
وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا عَبْدًا صَغِيرًا وَسَاقَ رَبُّ الدَّابَّةِ الدَّابَّةَ ، فَعَثَرَتْ فَسَقَطَ عَنْهَا الْغُلَامُ وَمَاتَ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّوْقَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُكَارِي ، وَالْحُمُولَةُ فِي يَدِهِ ، لِأَنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِهِ ، لَا بُدَّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَإِذَا تَلِفَ بِمَعْنًى كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَضْمُونٌ ، كَالْقَصَّارِ إذَا دَقَّ فَتَخَرَّقَ مَا دَقَّهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَصَرَّفَ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ ، فَإِذَا فُقِدَ تَلِفَ بِيَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ عَلَى غَيْرِهِ .

573 - 573 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الرَّيِّ أَوْ إلَى فَارِسَ ، وَلَمْ يُسَمِّ مَدِينَتَهَا وَلَا رَسَاتِيقَهُ الْبَصْرَةِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّيَّ اسْمٌ لِلْقَصَبَةِ وَنَوَاحِيهَا ، فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ صَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَصْرَةَ لِأَنَّهَا اسْمٌ مُطْلَقٌ عَلَى الْمَدِينَةِ ، وَالْقَصَبَةُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَانْصَرَفَ مُطْلَقُ عَقْدِهِ إلَى الْمُعْتَادِ الْمُتَعَارَفِ ، كَمَا لَوْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ انْصَرَفَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ ، كَذَلِكَ هَذَا .

إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الرَّيِّ ثُمَّ سَارَ بِهَا إلَى أَدْنَى الرَّيِّ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهَا ، وَإِنْ نَقَصَ مِنْ الْمُسَمَّى .
وَلَوْ سَارَ بِهَا إلَى أَقْصَى الرَّيِّ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ الْمُسَمَّى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا سَارَ إلَى أَدْنَى الرَّيِّ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ عَلَى عَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا الْتَزَمْت الْمُسَمَّى إذَا سَارَ إلَى أَقْصَى الرَّيِّ ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِ الْمُسَمَّى لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَارَ إلَى أَقْصَى الرَّيِّ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ يَقُولُ رَضِيت بِتَسْلِيمِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ بِإِزَاءِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ ، وَقَدْ أَوْفَيْتُك مَا شَرَطْت فَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى ، فَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ .

575 - 575 - إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا يَزْرَعُهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ شُرْبُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَكُنْ الشُّرْبُ إلَّا بِالشَّرْطِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِالْأَرْضِ دُونَ الشُّرْبِ ، فَصَارَ بِاشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ لَهُ مُشْتَرِطًا الشُّرْبَ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لَزِمَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، كَالصَّبِيِّ الصَّغِيرِ ، فَلَمْ تَكُنْ سَلَامَةُ الشُّرْبِ لَهُ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ .

576 - 576 - إذَا اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِلْيَتِيمِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ لِلْيَتِيمِ جَازَ .
وَلَوْ أَجَّرَ الْأَبُ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِلصَّبِيِّ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ النَّفْعُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهَذَا لَيْسَ بِالنَّفْعِ ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ دَرَاهِمَهُ وَهِيَ مَالٌ فِي نَفْسِهِ وَيُسَلِّمُ الْعَمَلَ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْفَعَ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَأَمَّا إذَا بَاعَ مِنْهُ فَالْبَيْعُ مَالٌ ، وَالثَّمَنُ مَالٌ ، فَهُوَ يُعَاقِدُ نَفْسَهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ النَّفْعُ لِلصَّبِيِّ ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيُعْطِيهِ مَالًا هُوَ اثْنَا عَشَرَ فَجَازَ .
وَأَمَّا الْأَبُ فَتَصَرُّفُهُ يَجُوزُ مَعَ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَعَ لِلصَّبِيِّ ، إذَا كَانَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَاسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ بِالدَّرَاهِمِ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَجَازَ عَلَيْهِ .

577 - 577 - الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا أَجَرَ نَفْسَهُ مِنْ رَجُلٍ ، فَنَقَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَلِفَ مِنْ الْعَمَلِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ ، فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ .
وَالصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ رَجُلٍ فَنَقَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ فَتَلِفَ بِحَرْقٍ أَوْ صَاعِقَةٍ ، فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ وَالْأَجْرُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَ الْعَبْدَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ ، فَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، وَمِنْ شَرْطِ إمْسَاكِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، فَلَمَّا صَارَ مَضْمُونًا ثَبَتَ أَنَّهُ أَمْسَكَ لَا عَلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأَجْرَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّبِيُّ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الضَّمَانَ الَّذِي يَلْزَمُهُ ضَمَانُ اسْتِهْلَاكٍ ، لَا ضَمَانُ غَصْبٍ ، لِأَنَّ الصَّبِيَّ حُرٌّ وَالْحُرُّ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ ، وَضَمَانُ الِاسْتِهْلَاكِ لَا يُسْقِطُ ضَمَانَ الْأَجْرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا ثُمَّ إنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَالْأَجْرَ ، كَذَلِكَ هَذَا .

875 - 875 - إذَا كَانَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهَا مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ .
وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَهَا مِنْ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرِ يَصِلُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا اسْتَأْجَرَ وَإِذَا وَصَلَ إلَى الِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ ، كَالْغَاصِبِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى إمْسَاكِ الْعَيْنِ ، وَلَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الْمُشَاعِ لَوَجَبَتْ ، الْمُهَايَأَةُ فَيَنْتَفِعُ بِالْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُمْسِكُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِالْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، فَيُمْسِكُ يَوْمًا عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ ، وَيَوْمًا لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ عَلَى حُكْمِ عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَالْمُسْتَفَادُ بِالْعَقْدِ إذَا اسْتَحَقَّ بِمَعْنًى قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَحَقًّا .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5