كتاب : ربيع الأبرار
المؤلف : الزمخشري

بسم الله الرحمن الرحيم هو حسبي ونعم الوكيل الحمد لله الذي استحمد الى عباده بموجبات المحامد، مما اسبغ عليهم من نعمه البوادي العوائد، حمدا ملء ذات الرجع، وطلاع ذات الصدع، إلى أن يبلغ رضاه، ويقضي موجب حقه ومقتضاه.
والصلاة على النبي المرسل رحمة للعالمين المبتعث قدوة للعالمين ادحض بآياته حجج المبطلين، ومحق بمعجزاته شبه المعطلين، والرضوان على من طاب وطهر من عشيرته وأهل قرابته، وهاجر ونصر من أحبته وصحابته، ومن كاشف دونه العجم والعرب، حتى كشف عن وجهه الكرب، والرحمة على من اتبعهم بإحسان، وعلى علماء الملة الحنيفية في كل زمان.
وهذا كتاب قصدت به اجمام خواطر الناظرين في الكشاف عن حقائق التنزيل، وترويح قلوبهم المتعبة باجالة الفكر في استخراج ودائع علمه وخباياه، والتنفيس عن أذهانهم المكدودة باستيضاح غوامضه وخفاياه، وأن تكون مطالعته ترفيها لمن مل، والنظر فيه أحماضا لمن اختل، فأخرجته لهم روضة مزهرة وحديقة مثمرة، متبرجة بزخارفها، مياسة برفارفها، وتمتع برايع زهرها، وتلهي بيانع ثمرها، وتقر العيون بآنق مرآها، وتفعم الأنوف بعبق رياها، وتلذ الأفواه بطيب جناها، وتستنصت الآذان إلى خرير مائها الفياض، وتطبي النفوس إلى برد ظلها الفضفاض، وتميل الأعطاف بغصونها ألاماليد، وطيورها المستملحة الأغاريد، نزهة المستأنس، ونهزة المقتبس، من خلا به استغنى عن كل جليس، ومن أنس به سلا عن كل أنيس. أين من طيب ندامه نديما مالك وعقيل، وأين من ذل غزله كثير عزة وجميل. أن أردت السمر فياله من سمير، وان طلبت الخبر فقد سقطت على خبير، وان بغيت العظات المبكية ففيه ما يشرق بالدمع أجفانك أو الملح المضحكة ففيه ما يفر بضاحكه أسنانك.
مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن اربع ساعات، فساعة فيها يناجي ربه، وساعة فيها يحاسب نفسه، وساعة فيها يفضي إلى أخوانه الذين يصدقونه عن عيوب نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا لتلك الساعات وأجماما للقلوب.
وعن علي رضي الله عنه: أجموا هذه القلوب وأبتغوا لها طرائف الحكمة فأنها تمل كما تمل الأبدان، وفي رواية: أن هذه النفوس تمل، وهذه القلوب تدثر، فابتغوا لها طرائف الحكم وملاهيها.
وعن ابن عباس أنه كان يقول عند ملله: أحمضوا فيخوضون عند ذلك في الأخبار والأشعار.
وعن قسامة بن زهير: روحوا القلوب تع الذكر.
وعن سلمان الفارسي: أنا احتسب نومتي كما أحتسب قومتي وعن أردشير بن بابك: أن للآذان مجة، وللقلوب ملة، ففرقوا بين الحكمتين بلهو يكن ذلك استجماما.
وعن بعض العرب: روحوا الأذهان كما تروحون الأبدان.
وعن آخر: نفسك راحلتك، أن رفهتها اضطلعت وأن نفهتها انقطعت.
أسأل الله أن يجعل جميع ما تصوره أفكارنا في النفوس، وتسطره أيدينا في الطروس، مبتغي به وجهه، متوخي فيه رضوانه، مأمونا معه سخطه، مرجوا عنده غفرانه، أنه المولى المولي كل حظ جسيم، الموري زناد كل خير عميم.

باب
الأوقات وذكر الدنيا والآخرة
الحسن: يا ابن آدم إلى متى هذا التسويف، فإنك ليومك ولست لغدك، فإن يكن غد لك فكس، كما كست في يومك، وأن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطته في يومك. لقد أدركت أقواما ما كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه ولا ديناره.
ولا تزج فعل الصالحات إلى غد ... لعل غداً يأتي وأنت فقيد
فرعون التميمي: قل من احتلب خلف الزمان ألا رمح بقدم الحدثان.
نزل النعمان بن المنذر تحت شجرة ليلهو، فقال له عدي: أيها الملك أتدري ما تقول هذه الشجرة، ثم أنشأ يقول:
رب ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر حالا بعد حال
فتنغص على النعمان يومه.
قيل لبعضهم أيما أطيب الخريف أم الربيع؟ قال: الربيع للعين والخريف للفم.
أنشد ابن الأعرابي:
يا سبعة كلهم أخوان ... ليسوا يموتون وهم شبان
لم يرهم في موضع أنسان هي أيام الجمعة.
الخليل: الأيام ثلاثة، معهود، ومشهود، وموعود، أراد الامس واليوم والغد.
أعرابي: من أفاده الدهر أفاد منه.
ابن السماك: الدنيا من نالها مات منها، ومن لم ينلها مات عليها.

موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي:
إذا أنا لم أقبل من الدهر كلما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر
قيل لابن جريج كم صيفكم بمكة، قال ثلاثة عشر شهراً.
وأني رأيت الدهر منذ صحبته ... محاسنه مقرونة بمعايبه
إذا سرني في أول الأمر لم أزل ... على حذر من غمه في عواقبه
عن علي رضي الله عنه: من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع.
حكيم: الدنيا تطلب لثلاثة أشياء: للغنى، والعز، والراحة، فمن زهد فيها عز، ومن قنع استغنى، ومن قل سعيه استراح.
قال الحسن لعلي: أما ترى حب الناس للدنيا، قال: هم أولادها، أفيلام المرء على حب والدته؟ علي رضي الله عنه: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، إذا قربت من أحدهما بعدت من الآخر.
وعن علي رضي الله: من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع في عقله.
بكر بن عبد الله المزنى: المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفي النار بالتبن.
ابراهيم بن اسماعيل: العجب لمن يغتر بالدنيا وإنما هي عقوبة ذنب.
الاصمعي: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: كنت أدور في ضيعة لي سمعت من يقول:
وأن امرءاً دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور
فجعلته نقش خاتمي.
ناسك: صاح الدنيا مسكين يأكلها لماً، ويوسعها ذماً.
الحسن: قال: لرجل كيف طلبك للدنيا؟ قال: شديد. قال: فهل أدركت منها ما تريد؟ قال: لا. قال: فهذه التي تطلبها لم تدرك منها ما تريد فكيف التي لم تطلبها؟ أعرابي: أطيب الزمان ما قرت به العينان.
وهب: بينما ركب يسيرون هتف بهم هاتف:
ألا إنما الدنيا مقيل لرائح ... قضى وطراً من حاجة ثم هجرا
قييل لحكيم: ما مثل الدنيا؟ قال: هي أقل من أن يكون لها مثل.
أعرابي: خرجت في ليلة حندس قد ألقت على الأرض أكارعها، فمحت صور الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالأذان، فسرنا حتى أخذ الليل ينفض ضبعيه، قال رجل:
تطاول الليل لا تسري كواكبه ... أم حار حتى رأيت النجم حيرانا
فأجابه آخر:
ما طال ليل ولا حارت كواكبه ... ليل المحب طويل كيف ما كانا
قال شاعر
كأنما الليل الطويل بها ... قصراً وطيبا قبلة الخلس
علي بن عبيدة: عين الدهر تطرف بالمكاره والخلائق بين أجفانه.
قيل لراهب: متى عيدكم؟ قال: كل يوم لا أعصي الله فيه فهو يوم عيد.
قيل لزاهد: أي خلق الله أصغر؟ قال: الدنيا إذ كانت لا تعدل عنده جناح بعوضة. فقال السائل: ومن عظم هذا الجناح كان أصغر منه.
أراد بعض الاعراب السفر في أول السنة فقال: أن سافرت في المحرم كنت جديراً أن أحرم، وأن رحلت في صفر خشيت على يدي أن تصفر، فأخر السفر إلى شهر ربيع. فلما سافر مرض ولم يحظ بطائل، فقال: ظننته من ربيع الرياض فإذا هو من ربع الامراض.
وأن امرء قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير لبيب
الآن أدبني الزمان ومن يكن ... مستمليا أخباره يتأدب
الدهر لم تركد رحاه ساعة ... متلون ذو ألسن ووجوه
يقولون أن العام خلف نوؤه ... وما كل عام روضة وغدير
عن أبي زيد الانصاري: دخلت على أبي الدقيش وهو مريض، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا أجد، وأنا في زمان سوء من وجد لم يجد، ومن جاد لم يجد.
قيل للحسن: يا أبا سعيد أما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزداد الزمان إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار خلقه؟ قال: بلى قيل فما بال زمن عمر بن عبد العزيز؟ قال: لا بد للناس من تنفيس.
قد اغتدي والليل في حريمه ... معسكراً في الغر من نجومه
والصبح قد نشم في أديمه ... يدعه بضفتي حيزومه
دع الوصي في قفا يتيمه الجاحظ: يوم النيروز أسن من يوم المهرجان بعمر طويل، لأن النيروز قبل الطوفان في ملك جم، وهو اليوم الذي ابتدأ فيه في كيس موضع باصبهان كان عميقا جداً، كل من وقع فيه لم يقدر على الخروج منه، والمهرجان في زمان أفريدون، وهو اليوم الذي قيد فيه الضحاك في جبل دنيا ند فاتخذه عيداً.
أبو السمط في المتوكل:

بدولة جعفر حسن الزمان ... لنا في كل يوم مهرجان
جعلت هويتى لك فيه وشياً ... وخير الوشي ما نسج اللسان
جحظة البرمكي:
وليل في كواكبه حران ... فليس لطول مدته انتهاء
عدمت تبلج الاصباح فيه ... كأن الصبح جود أو وفاء
النبي صلى الله عليه وسلم: من أصبحت الدنيا همه وسدمه نزع الله الغنى من قلبه، وصير الفقر بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له. ومن أصبحت الآخرة همه وسدمه نزع الله الفقر من قلبه، وصير الغنى نصب عينيه، وأتته الدنيا وهي راغمة.
مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له ضرتان، أن أرضى أحداهما أسخط الآخرى.
المسيح عليه السلام: أنا الذي كفأت الدنيا على وجهها، فليس لي زوج تموت، ولا بيت يخرب.
وهب بن منبه: الدنيا غنيمة الاكياس، وحسرة الحمقى.
يحيى بن معاذ: الدنيا حانوت الشيطان، فلا تسرق من حانوته شيئاً فيجىء في طلبك فيأخذك. وعنه: الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها.
النبي عليه السلام: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه.
علي بن الحسين السجاد: الدنيا سبات، والآخرة يقظة، ونحن بينهما أضغاث.
كان الحسن يتمثل كثيرا بقول نهشل بن حري:
وما الدنيا بباقية لحي ... ولا حي على الحدثان باقي
قيل لمحمد بن واسع أنك لترضى بالدون. قال إنما رضي بالدون من رضي بالدنيا.
فرقد: اتخذوا الدنيا ظئرا، واتخذوا الآخرة أماً، ألم تروا إلى الصبي إذا ترعرع وعقل رمى بنفسه على أمه، وترك ظئره.
هرم بن حبان: ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم، ولا عصى الله كريم.
شاعر:
ولم أر مثل الليل جنة فاتك ... إذا هم أمضى أو غنيمة ناسك
آخر:
ماذا يريني الليل من أهواله ... أنا ابن عم الليل وابن خاله
إذا دجا دخلت في سرباله ... لست كمن يغرق من خياله
يزيد الرقاشي: أيامك ثلاثة، يومك الذي ولدت فيه، ويوم نزولك قبرك، ووم خروجك إلى ربك، فياله من يوم قصير خبىء له يومان طويلان.
اجتمعت عند رابعة عدة من الفقهاء والزهاد، فذموا الدنيا، وهي ساكتة، فلما فرغوا قالت لهم: من أحب شيئا أكثر من ذكره، أما بحمد وأما بذم، فإن كانت الدنيا في قلوبكم لا شيء فلم تذكرون لا شيء؟ شاعر:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
كان زبيد اليامي وعلقمة وجماعة من الزهاد إذا كان يوم النيروز أو المهرجان اعتكفوا في مساجدهم، وقالوا: اللهم أن هؤلاء اعتكفوا على كفرهم وجورهم، اللهم وأنا اعتكفنا على إيماننا فاغفر لنا.
أهدى النعمان بن المرزبان جد أبي حنيفة الفالوذج إلى علي رضي الله عنه يوم النيروز، فقال: نورزونا كل يوم. وقيل يوم المهرجان، فقال: مهرجونا كل يوم.
داود الطائي: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة بعد مرحلة، حتى تنتهي بهم إلى آخر سفرهم، فان استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب، والأمر أعجل من ذاك، وكأنك قد بغتك. وعنه: لا تمهر الدنيا دينك، فإن من أمهر الدنيا دينه زفت إليه الندم. وسأله رجل أراد أن يتعلم الرمي، فقال: أن الرمي حسن، ولكنها أيامك فانظر بم تقطعها.
الثوري: إذا أردت أن تعرف الدنيا، فانظر في يد من هي.
عمر بن ذر الهمداني: أمس واليوم أخوان نزل بك أحدهما، فاسأت نزله وقراه فرحل عنك وهو ذام، ثم نزل بك أخوه، فقال: امح إساءتك إلى أخي باحسان إلي، فما أخلقك أن ألحقتني في الاساءة بأخي أن تعطب بشهادتنا عليك.
محمد بن سوقة: مثل الدنيا والآخرة ككفتي الميزان بقدر ما ترجح احداهما تخف الاخرى.
شاعر:
صبحتهم والفجر ينفض رأسه ... قد هم بالاسفار أو لم يسفر
والليل منهزم الظلام يشله ... ضوء كناصية الحصان الاشقر
البعيث:
تطاول هذا الليل حتى كأنه ... إذا ما مضى تثنى عليه أوائله
ابن الدمنية:
نهاري نهار الناس حتى إذا دنا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالأحاديث والمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع

ابن دريد:
يا ليل لا تبح الاصباح حوزتنا ... ولتحم جانبه أعناقك السود
بنى ملك من بني اسرائيل مدينة فتنوق في بنائها، ثم صنع للناس طعاما، ونصب على باب المدينة من يسأل عنها، فلم يعبها أحد، إلا ثلاثة عليهم الأكسية، فانهم قالوا: رأيا عيبين، فسألهم، فقالوا: تخرب ويموت صاحبها. فقال: هل تعلمون داراً تسلم من هذين العيبين؟ قالوا: نعم، الآخرة، فخلى ملكه وتعبد معهم زمانا، ثم ودعهم، فقالوا: هل رأيت منا ما تكرهه؟ قال: لا، ولكن عرفتموني فأنتم تكرمونني،، فأصحب من لا يعرفني.
ابن السماك: من جرعته الدنيا حلاوتها بميله إليها، جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها.
مجاهد: ما من يوم من أيام الدنيا يمضي إلا قال: الحمد لله أراحني من الدنيا وأهلها، ثم يطوى ويختم حتى يكون الله هو الذي يفض خاتمه.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عظمت أمتي الدنيا نزع منها هيبة الاسلام الفضيل: لو أن الدنيا بخحذافيرها عرضت علي حلالاً لا أحاسب عليها في الآخرة، لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها، يخاف أن تعيب ثوبه.
وعنه: تجيء الدنيا يوم القيامة تتبختر في زينتها وبهجتها، فتقول: يا رب أجعلني لاخس عبادك. فيقول: لا أرضاك له داراً، لست بشيء، فكوني هباء منثوراً.
وعنه: لو كانت الدنيا لك، فقيل: دعها ويوسع لك في قبرك أما كنت فاعلا؟ أو قيل لك: دعها وتسقى شربة في عطش يوم القيامة، أما كنت فاعلا؟ وعنه: جمع الخير كله في بيت، جعل مفتاحه الزهد في الدنيا. وجمع الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا.
وعنه: لأن أطلب الدنيا بالطبل والمزمار أحب إلي من أن أطلبها بديني.
وعنه: لأن يطلب الرجل الدنيا بأقبح ما تطلب به أحسن من أن يطلبها بأحسن ما تطلب به الآخرة.
في الحديث: قال الله تعالى يا دنيا مري لعبدي المؤمن، ولا تحلولي له.
كان ابن عيينة يتمثل بهذين البيتين:
دنيا تناولها العباد ذميمة ... شيبت باكره من نقيع الحنظل
وبنات دهر لا تزال صروفها ... فيها وقائع مثل وقع الجندل
احتضر عابد فقال: ما تأسفي على دار الاحزان والهموم والخطايا والذنوب، وإنما تأسفي على ليلة نمتها، ويوم أفطرته، وساعة غفلت فيها عن ذكر الله.
ابراهيم بن أدهم: فرغ قلبك من ذكر الدنيا، يفرغ عليك الرضا افراغا.
هذه الدنيا وان سر ... ت قليل من قليل
إنما العيش جوار الل ... ه في ظل ظليل
حيث لا تسمع ما يؤ ... ذيك من قال وقيل
كفاك منغصا للدنيا أن الله يعصي فيها.
وقفت أعرابية على قوم فقالت: تيسروا للقاء الله فان هذه الأيام تدرجنا ادراجاً.
اسماعيل بن عبد الله القسري: اعتذر الي رجل في آخر يوم من شعبان فقال: والله فاني في غبرة يوم عظيم، وتلقاء ليلة تغبر على أيام عظام، ما كان ما بلغك.
الموصلي: قال لي جعفر بن يحيى البرمكي: بكر علي فقلت: أنا والصبح فرسا رهان.
المستورد: عن النبي صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الآخرة الا كما يغمس أحدكم اصبعه في اليم فلينظر بم ترجع.
خطب الحجاج فقال: ان الله أمرنا بطلب الآخرة، وكفانا مؤونة الدنيا، فليته كفانا مؤونة الآخرة، وأمرنا بطلب الدنيا، فقال الحسن: ضالة المؤمن عند فاسق فليأخذها.
أبو العتاهية:
اصبحت والله في مضيق ... هل من دليل على الطريق
أف لدنيا تلعبت بي ... تلعب الموج بالغريق
كان علي رضي الله عنه يتمثل:
ومن يصحب الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء خانته فروج الأصابع
أنس رضي الله عنه: أن الله جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبي فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
الحسن: أهينوا الدنيا فانها أهنأ ما تكون لكم أهون ما تكون عليكم.
ابن عيينة: أوحى الله إلى الدنيا: من خدمك فأتعبيه، ومن خدمني فاخدميه.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إذا جعت ضعفت، وإذا شبعت وقع على البهر فقال: يا ابن أخي، هذه دار ليست توافقك، فاطلب داراً غيرها.
علي رضي الله عنه: الدنيا دار ممر إلى دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاعها فأعتقها.

وعنه: أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا، مع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، لا تنالون منها نعمة إلا بفراق أخرى.
أنس، رفعه: أن الله يعطي الدنيا على نية الآخرة ولا يعطي الآخرة على نية الدنيا..
علي بن الحسين: من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن زكريا أهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني اسرائيل في طست من ذهب. فيه تسلية لحر فاضل يرى الناقص الدنىء يظفر من الدنيا بالحظ السني، كما أصابت تلك الفاجرة تلك الهدية العظيمة.
سئل زاهد عن الدنيا فقال: جمة المصائب، رنقة المشارب، لا تمتع صاحبا بصاحب.
علي رضي الله عنه: وأن جانب منها اعذوذب وحلا، أمر منها جانب فأوبأ.
ثابت بن معبد: الدنيا كذنب العقرب في آخرها سمها وحمتها.
المأمون: لو سئلت الدنيا عن نفسها، لما وصفتها إلا بما قال ابو نواس:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
عيسى عليه السلام: من ذا الذي يبني على موج البحر دارا؟ تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا.
محمد بن يحيى الواسطي: ما عرف الله حق معرفته من آثر طاعة الشيطان على طاعته، وما عرف الآخرة حق معرفتها من آثر الدنيا عليها.
بشر بن الحارث: اجعل الآخرة رأس مالك، فما أتاك من الدنيا فهو ربح.
ابن مسعود: عنه عليه السلام: لا تسبوا الدنيا، فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر.
وعنه عليه السلام: إذا قال الرجل لعن الله الدنيا، قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه.
ومنه قول الشاعر
يقولون الزمان زمان سوء ... وهم فسدوا وما فسد الزمان
ابن الرومي:
انظر إلى الدهر هل فاتته بغيته ... في مطمح النسر أو في مسبح النون
محمد بن بشير:
أرى كل مغرور تمنيه نفسه ... إذا ما مضى عام سلامة قابل
الحسن: لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج، قيل: وأن كلام الحجاج ليقذك؟ قال: نعم، سمعته يقول على هذه الاعواد: ان امرءاً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن يطول عليها حزنه.
أنس: عنه عليه السلام: عرضت علي الايام، فإذا يوم الجمعة كهيئة المرآة، وإذا فيها نكتة سوداء، فقلت لجبريل: ما هذه؟ قال: هي الساعة تقوم يوم الجمعة.
في حديث عبد الرحمن الانصاري: ان من اقتراب الساعة كثرة المطر وقلة النبات، وكثرة القراء وقلة الفقهاء، وكثرة الأمراء وقلة الأمناء. وفي حديث أنس: وأن تتخذ المساجد طرقاً.
وفي حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي الذي أنجو.
الحسن: ما ظنك بأقوام قاموا لله على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشا، واحترقت أجوافهم جوعا، صرف بهم إلى النار، فسقوا من عين آنية، قد أنى مرها، واشتد نضجها.
وعن الخدري: أنه قال: ما أطوله؟ فقال عليه السلام: والذي نفسي بيده أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاته المكتوبة.
وعن أبي هريرة، رفعه: يهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى أن تغرب.
داود بن أبي هند: للعبد من الله يوم القيامة خمسون موقفاً، كل موقف ألف سنة.
ان الليل والنهار خزانتان ما اودعتهما ادتاه، وانهما يعملان فيك، فاعمل فيهما.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ساهل الدهر ما ذل قعوده.
وعنه رضي الله عنه: الدنيا قد نعت إليك نفسها، وتكشفت لك عن مساؤئها، فاياك ان تغتر بما ترى من أخلاد أهلها إليها، وتكالبهم عليها، فأنهم كلاب عاوية، وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها، نعم معقلة، وأخرى مهملة، قد أضلت عقولها، وركبت مجهولها.
كتب عبد الملك إلى الحجاج أن صف لي الدهر، فكتب إليه: أمس كأن لم يكن، وغد كأن قد، ويوم يستطيله البطالون فيقصرونه بالملاهي وفيه يتزود العاقل لمعاده.
عيسى عليه السلام: أني أرى الدنيا في صورة عجوز هتماء، عليها من كل زينة، قيل لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم كثرة، قيل: أماتوا عنك أم طلقوك؟ قالت: بل قتلتهم كلهم، قيل: فتعسا لازواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف لا يكونون منك على حذر!! ابن أبي عيينة:

ما راح يوم على حي ولا ابتكرا ... إلا رأى عبرة فيه أن اعتبرا
كان الحسن بن علي عليه السلام كثيرا ما ينشد:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها ... أن اغتراراً بظل زائل حمق
النبي صلى الله عليه وسلم: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له، ويطلب شهواتها من لا فهم له، وعليها يعادي من لا علم له، وعليها يحسد من لا فقه له، ولها يسعى من لا يقين له.
مالك بن دينار: اتقوا السحارة، فأنها تسحر قلوب العلماء.
من كان في قلبه شعبة من الايمان فلا يركن إلى التسويف،.
شاعر:
المرء مرتهن بسوف وليتنى ... وهلاكه في السوف والليت
آخر:
أتت دون ذاك الدهر أيام جرهم ... وطارت بذاك العيش عنقاء مغرب
غنوا زمناً مثل الثريا اجتماعهم ... فقد بددوا في كل شرق ومغرب
من كان دنياه همه، كثر في الدنيا والآخرة غمه.
أن يوما أسكر الكبار، وشيب الصغار لشديد.
الدهر تنهس أراقمه، وتفرس ضراغمه، وتوثق حبائله، وتوبق مخاتله.
ديك الجن:
وأني رأيت الدهر يلعب بالفتى ... يقلبه حالان مختلفان
فأما الذي يمضي فأحلام نائم ... وأما الذي يبقى له فأماني
علي رضي الله عنه: ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الأيام في الشهر، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين في العمر!! أنس: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأيام فقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، لأن قريشاً مكرت فيه في دار الندوة. ويوم الاحد يوم غرس وعمارة، لأن الله ابتدأ فيه خلق الدنيا. ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة لأن شعيبا عليه السلام سافر فيه واتجر فربح. ويوم الثلاثاء يوم دم، لأن حواء حاضت فيه، وأراق ابن آدم دم أخيه، ويوم الاربعاء يوم نحس مستمر، لأن الله غرق فيه فرعون، وأهلك عاداً وثمود. ويوم الخميس يوم قضاء الحوائج، والدخول على السلاطين، لأن ابراهيم عليه السلام دخل فيه على الملك فأكرمه وقضى حوائجه وأهدى إليه هاجر، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح لأن الأنكحة كانت تعقد فيه.
النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على ساعة من ساعات الجنة، الظل فيها ممدود، والرزق فيها مقسوم، والرحمة فيها مبسوطة، والدعاء فيها مستجاب؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
علي رضي الله عنه: مر النبي عليه السلام بعائشة قبل طلوع الشمس وهي نائمة، فحركها برجله وقال: قومي لتشاهدي رزق ربك، ولا تكوني من الغافلين. أن الله يقسم أرزاق العباد بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
أنس: عنه عليه السلام: لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق نسمة من ولد اسماعيل.
ابن مسعود: عنه عليه السلام: مالي وللدنيا، أنما مثلها ومثلي كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف، ثم راح وتركها.
النبي صلى الله عليه وسلم: واحذروا الدنيا فانها أسحر من هاروت وماروت.
الحسن: والذي نفسي بيده لقد أدركت اقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه، لا يبالون أشرقت الدنيا أم غربت، أذهبت إلى ذا أم ذهبت إلى ذا.
ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
والا فيما يبكيه منها وأنها ... لأوسع مما كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه ... بما سوف يلقى من أذاها يهدد
أعرابي: يا بني أن الدنيا تسعى على من يسعى لها، فالهرب منها قبل العطب فيها، فقد والله آذنت ببين، وانطوت على حين.
سئل ابن عباس كيف كان يعرف نوح أوقات الصلاة في السفينة؟ فقال: أعطاه الله خرزتين: بيضاء كبياض النهار، وسوداء كسواد الليل، فإذا أمسوا غلب سواد هذه بياض هذه، وإذا اصبحوا غلب بياض هذه سواد تلك، على قدر الساعات الاثنتي عشرة.
قبيصة بن جابر رضي الله عنه: ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب.
يحيى بن معاذ الرازي: الدنيا خمر الشيطان، فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا في عسكر الموتى نادماً خاسراً.
لقمان: بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا.

ليلة المتوكل مثل في ليلة سرور يصاب منها صاحبها، وكانت ليلة الاربعاء لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. قتله باغر التركي بمواطأة ابنه المنتصر في مجلس الشرب.
قال أبو القاسم الزعفراني:
كم آمن متحصن في جوسق ... قد يات منه بليلة المتوكل
زمن البرامكة مثل في الحسن وكثرة الخير والخصب، قال الجماز: أتونا بمائدة كأنها زمن البرامكة. وقال صالح بن طريف:
يا بني برمك واها لكم ... ولأيامكم المقتبلة
كانت الدنيا عروساً بكم ... فهي اليوم ثكول ارملة
وقال آخر:
ولى عن الدنيا بنو برمك ... فلو تولى الخلق ما زادا
كأنما أيامكم كلها ... كانت لأهل الأرض أعيادا
وقال أبو منصور الثعالبي في أبي العباس خوارزم شاه:
رعى الله مأمون بن مأمون الذي ... رعاياه منه في زمان البرامك
ولا برحت أيامه بفعاله ... وانعامه المنشور غر المضاحك
لما قال عبد الملك بن مروان: تمكنا من أم خنورن لم يعش بعدها إلا أسبوعاً، وهي كنية الدنيا، وأصلها في الضبع فشبهت بها لأكلها الناس، كما قيل للسنة الضبع، وخنور عند الكوفيين كسفود، وعند البصرين خنور كعجول.
لابن الرومي:
لابني سمير صروف غير غافلة ... يحسن نقصاً كما أحسن امرارا
هما الملوان.
توفيت خديجة رضي الله عنها وأبو طالب في عام واحد لسنة ست من الوحي، فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العام عام الحزن.
في عام ثمانين من الهجرة وقع بمكة سيل عظيم، ذهب بالابل عليها الحمولة فقيل له عام الجحاف.
ركوب الكوسج عبارة عن دخول آذرماه. وأصله أن أنسانا كوسجاً كان يتناول في أول يوم من هذا الشهر بعض الأدوية المسخنة، ويطلى ببعض الأطلية الحارة، ويخرج في ثوب واحد، وهي عادة في بغداد وفارس، قال المرادي:
قد ركب الكوسج يا صاح ... فانزل على المزمر والراح
وانعم بآذرماه عينا وخذ ... من لذة العيش بمفتاح
وقال غيره:
قد ركب الكوسج فانزل على ... غمس لحى الفتيان بالراح
يا صاح آذار يقول انتظر ... أن أذر الدنيا بلا صاحى
أردشير بن بابك: لا تتركنن إلى الدنيا فانها لا تبقى على أحد، ولا تتركها فان الآخرة لا تنال إلا بها.
علي رضي الله عنه: أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام.
شاعر:
ما الدهر في صرفه وجاري ... طوريه الا أبو براقش
يجني على أهله كما قد ... جنت على أهلها براقش
علي رضي الله عنه: وأحذركم الدنيا فانها منزل قلعة، وليست بدار نجعة، دار هانت على ربها، فخلط خيرها بشرها، وحلوها بمرها، لم يصفها لأوليائه، ولم يضن بها على أعدائه.
ابن الحنفية: من كرهت عليه نفسه هانت عليه دنياه.
ابن يوسف البصري المعروف بالخاطىء:
دنيا دنت من جاهل وتباعدت ... عن كل ذي أدب له حجر
بالت على أربابها حتى إذا ... وصلت إلي أصابها الأسر
ذم الدنيا رجل عند علي رضي الله عنه، فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، دار نجاة لمن فهم عنها، دار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه. رجوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا الذي يذمها، وقد آذنت بينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها، وشبهت بسرورها السرور، وببلائها البلاء، ترغيبا وترهيبا. فيا أيها الذام لها، المعلل نفسه، متى خدعتك الدنيا؟ ومتى استذمت إليك؟ أبمصارع آبائك في البلى، أم بمضاجع أمهاتك في الثرى؟.
شاعر:
إذا نلت يوماً صالحاً فانتفع به ... فأنت ليوم السوء ما عشت واجد
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
كفاك عن الدنيا الدنية مخبراً ... علو مواليها وحط كرامها
وأن رجال العز تحت مداسها ... وأن عبيد الغز فوق سنامها
سمت العرب سنة المائة من التاريخ سنة الحمار من حديث حمار عزير.
وقيل لمروان بن محمد: مروان الحمار لأن بني مروان استكملت مائة عام على رأسه.
واشترى رجل حماراً فوجده مسناً، فقال أرى هذا الحمار ولد قبل سنة الحمار.

طلاق الدنيا مهر الآخرة، وطلاق الآخرة مهر الدنيا.
معاوية: أصبحنا في زمان عنود، ودهر شديد، يعد المحسن فيه مسئا، والمسيء محسنا.
أبو فراس الحمداني:
مددنا علينا الليل والليل راضع ... إلى أن تجلى رأسه بمشيب
ولاح لنا ضوء الصباح كأنه ... مبادي نصول في عذار خضيب
أطيب من ساعة الأوبة على المسافر، وبرد الليل على المساير.
يوم يثقل فيه الخفيف اذا هجم، ويخف الثقيل إذا هجر، أريد يوم الوصل.
أقبل الربيع براحة الجنان ورائحة الجنان.
أبو بكر الخوارزمي: رب فعل يصاب به وقته فيكون سبة.
صبح العذاب ثمود يوم الأحد. وفي الحديث: نعوذ بالله من شر يوم الأحد، واياكم والشخوص يوم الأحد، فان له حداً كحد السيف.
وكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن يوجه عبد الله بن خازم إلى خراسان لمعونة سلم بن زياد، فقال عبيد الله أخرجوه يوم الأحد إذا ضرب الناقوس حتى لا يرجع أبداً، فأحس ابن خازم فتعلل حتى لم يخرج إلا حين زاغت الشمس، وقال: قولوا له: ذهب حد الأحد.
قال لمزبد أخ له: أحب أن تخرج معي وتصل جناحي في حاجة، فقال هذا يوم الأربعاء، قال: فيه ولد يونس بن متى، قال: لا جرم قد بانت له بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته، حتى حصل على ورق القرع. قال: وفيه ولد يوسف، قال: فما احسن ما فعل به اخواته، حتى طال حبسه وغربته. قال: وفيه أوحي إلى ابراهيم، قال: فما كان أبرد الأتون الذي كان فيه حتى خلصه الله منه. قال: ففيه نصر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، قال: أجل بأبي وأمي، ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر. والأربعاء عندهم مشؤوم، والذي لا يدور أشأم.
وعن ابن عباس يرفعه: آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر.
لقاؤك للمبكر فأل سوء ... ووجهك أربعاء لا يدور
إقبال الدنيا كالمامة ضيف، أو سحابة صيف، أو زيارة طيف.
شاعر:
ومن غالب الأيام فاعلم بأنه ... سينكص عنها لاغباً غير غالب
بعض العرب في داود بن يزيد بن حاتم بن المهلب.
فتى ترهب الاموال من ظل كفه ... كما يرهب الشيطان من ليلة القدر
الأصمعي: كنت شاكيا فقال لي الرشيد: كيف بت؟ فقلت: بليل النابغة يا أمير المؤمنين. فقال: أنا لله، هو والله قوله:
كلينى لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
ليلة الميلاد: مثل في الطول، قال أبو نواس:
ليلة كاد يلتقى طرفاها ... قصراً وهي ليلة الميلاد
وذلك لما تلاقى فيها المطلوقة من التعب، وقيل هي الليلة التي ولد فيها عيسى ابن مريم.
ليلة الغدير: معظمة عند الشيعة، محياة فيهم بالتهجد، وهي الليلة التي خطب فيها رسول الله بغدير خم على أقتاب الابل، وقال في خطبته: من كنت مولاه فعلي مولاه.
ليلة الهرير: ليلة من ليالي صفين كثر فيها القتلى، كلما قتل قتيل كبر علي رضي الله عنه، فبلغت تكبيراته سبع مائة، وسادت مثلا في الشدة. سئل ابن عباس عن النيروز لم اتخذوه عيداً؟ فقال: لأنه أول السنة المستأنفة، وآخر السنة المنقطعة، فكانوا يستحبون أن يقدموا فيه على ملوكهم بالطرف والهدايا، فاتخذه الأعاجم سنة، وكان الملك لا يقبل من أهل الخراج ألا السكر، وهو أول يوم من فرودين ماه.
أعرابي: لقد صغر فلان في عيني عظم الدنيا في عينه.
ذكر أعرابي الدنيا فقال: حسبك من فسادها أن أسنمة توضع، وأخفافا ترفع، والخير يطلب عند غير أهله، والفقر يدخل في غير محله، الحسن: المؤمن في الدنيا غريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها.
وعنه: يا ابن آدم إنما أنت عدد، إذا مضى يوم مضى بعضك.
سلام بن مسكين: قال لنا الحسن: يا معشر الشباب عليكم بطلب الآخرة، فقد والله رأينا أقواما طلبوا الآخرة فأصابوا الدنيا وأصابوا الآخرة، ووالله ما رأينا من طلب الدنيا فأصاب الآخرة.
وعنه: ليس يوم يأتي من أيام الدنيا ألا يتكلم، يقول: يا أيها الناس أنى يوم جديد، وعلى ما يعمل في شهيد، وأنى لو قد آبت شمسي لم أرجع اليكم إلى يوم القيامة.
الاستاذ أبو بكر:
لبسوا الدجى لبس الغراب سواده ... وغدوا لطيتهم بكور غراب

ليلة الفرزدق مثل في ليالي الخلعاء. بات الفرزدق عند ديرانية، فأكل طفيشلها بلحم خنزير، وشرب خمرها، وفجر بها، وسرق كساءها، ثم قال لله در ابن المراغة، يعني جريراً، حيث يقول:
وكنت إذا نزلت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا
أبو الفرج الببغا:
زمن الورد أطيب الأزمان ... وأوان الربيع خير أوان
يوم عبيد مثل في اليوم المنحوس، وكان قد تصدى عبيد بن الأبرص للنعمان في يوم بؤسه الذي لا يفلح من لقيه، كما لا يخيب من لقيه في يوم نعيمه. قال أبو تمام:
من بعد ما ظن الأعادي أنه ... سيكون لي يوم كيوم عبيد
أيام العجوز: زعموا أن عجوزا دهرية كاهنة من العرب كانت تخبر قومها ببرد يقع في آخر الشتاء يسوء أثره على المواشي، فلم بكترثوا لقولها، وجزوا أغنامهم واثقين باقبال الربيع، فاذا هم ببرد شديد أهلك الزرع والضرع، فقالوا أيام العجوز وبرد العجوز. وقيل: هي عجوز كان لها سبعة بنين، فسألتهم ان يزوجوها وألحت، فقالوا لها: ابرزى للهواء سبع ليال حتى نزوجك، ففعلت والزمان شتاء كلب، فماتت في السابعة فنسبت اليها الايام. وقيل: هي الايام السبعة التي أهلك فيها عاد. وقيل: الصواب أيام العجز وهي آخر الشتاء.
يقال: بقل وجه النهار وطر شاربه.
أبو العتاهية:
يا عاشق الدنيا يغرك وجهها ... ولتندمن اذا رأيت قفاها
آخر:
أتى دون حلو العيش حتى أمره ... نكوب على آثارهن نكوب
إذا ذر قرن الشمس عللت بالأسى ... ويأوى إلي الحزن حين تغيب
لعمركما أن البعيد لما مضى ... وأن الذي يأتي غداً لقريب
عام أبن عمار عند أهل مكة في كثرة الخير. وهو أحمد بن عمار بن شادى البصرى، وزير المعتصم، كان من علية الناس، استعفى عن الوزارة، وقال نويت المجاورة بمكة، فوصله المعتصم بعشرة آلاف دينار، ودفع إليه عشرين ألف دينار ليفرقها ثم، وأن لا يعطي الا هاشميا أو قرشيا أو انصاريا، فقال: فمن منعته من غيرهم استذممت إليه. فقال: فهذه خمسة آلاف دينار ففرقها في هؤلاء. فكان أهل مكة يقولون: ما رأينا مثل عام ابن عمار.
ابراهيم بن العباس:
وليلة احدى الليالي الزهر ... لم تك غير شفق وفجر
حتى تجلت وهي بكر الدهر أبو حية النميري:
ألا حي من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى مما لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا
الخليل في ليلة:
وما هي إلا ليلة بعد يومها ... وحول إلى حول وشهر إلى شهر
مطايا يقربن البعيد من الردى ... ويدنين أشلاء الأنام إلى القبر
ويتركن أزواج الغيور لغيره ... ويقسمن ما يحوى الشحيح من الوتر
حكيم: أعلم الناس بالدهر أقلهم تعجبا من أحداثه.
شاعر:
من كان خلواً من التأديب سربله ... كر الليالي على الأيام تأديبا
علي رضي الله عنه: والله لدنياكم أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم.
أبو حفص الشطرنجي:
وما مر يوم أرتجى فيه راحة ... فأخبره الا بكيت على أمس
معاوية: أبو بكر سلم من الدنيا وسلمت منه، وعمر عالجها وعالجته، وعثمان نال منها ونالت منه، وأما أنا فقد تضجعت فيها ظهراً لبطن.
في النصائح: يا دنيا، كم لك من أكباد جرحى، ومن أجفان قرحى، تفجعا للمصيوب من فراقك، على رؤوس عشاقك، على أن نكاياتك لا تحصى، وشكاياتهم عدد الحصى.
أنس: ما من يوم ولا ليلة، ولا شهر ولا سنة، الا والذي قبله خير منه، سمعت ذلك من نبيكم.
يونس بن ميسرة: ما لنا لا يأتي علينا زمان الابكينا منه، ولا ولى عنا زمان الا بكينا عليه.
ما يومي من فلان بواحد، يراد: ما الشر علي منه من جهة واحدة.
علي رضي الله عنه: ما أصف من دنيا أولها عناء، وآخرها فناء. في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها آتته، ومن أبصر بها بصرته، من أبصر اليها أعمته.

تولى خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم المعروف بابن مطيرة المدينة لهشام بن عبد الملك سبع سنين، فقحط الناس حتى جلا أهل البوادي إلى الشام، فقيل: سنيات خالد، لا أعاد الله أمثالها، وضرب بها المثل كما ضرب بسني يوسف.
أبو هريرة، يرفعه: أن الله يغفر ليلة النصف من شعبان لجميع حلقه الا لمشرك أو مشاحن لاخيه.
ابن عباس، يرفعه: أن أفضل الايام عند الله يوم النحر ثم يوم القر، هو يوم الرؤوس عند أهل الحجاز.
رأى الحسن ناسا يوم عيد الفطر يضحكون ويلعبون، فقال: انما جعل الصوم مضماراً لعباده ليستبقوا إلى طاعته، ولعمرى لو كشف الغطاء لشغل محسن باحسانه، ومسيء باساءته عن تجديد ثوب، وترطيل شعر.
سعيد بن جبير عن ابن عباس: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، سبعة آلاف سنة، فقد مضى ستة آلاف سنة ومائة سنة، وليأتين عليها منون من السنين ليس عليها موحد. وعن كعب: الدنيا ستة آلاف سنة.
استغنم تنفس الأجل، وامكان العمل، واقطع ذكر المعاذير والعلل، فأنك في أجل محدود، وعمر غير ممدود.
في ديوان المنظوم:
سرتك دنياك وألهاك ددك ... يوشك أن تنغص عن ذاك يدك
في قبضة القضاء ملقى مقودك ... لا تغترر أن يتراخى موعدك
أن لم يصب يومك لم يخطىء غدك عيسى عليه السلام: يا طالب الدنيا لتبر، تركك لها أبر، وعنه: من بنى على موج البحر داراً، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا. وعنه: من خبث الدنيا ان الله عصي فيها، وأن الآخرة لا تنال الا بتركها.
قيل لراهب: كيف سخت نفسك عن الدنيا؟ فقال: علمت أني أخرج منها كارها، فأحببت أن أخرج منها طائعا.
دخل عمر على رسول الله وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا اوثر منه. فقال: مالي وللدنيا، ما مثلى ومثل الدنيا الا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها.
علي، رفعه، من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطي عشرة أيام غرر زهر لا تشاكلهن أيام الدنيا.
اسحق الخاركي:
ولا تبق في وقت السلامة ساعة ... تفوتك لن تسعد بها وتمتع
فانك لاق كلما شئت ليلة ... ويوما يغصان العيون بأدمع
خالد بن الطيفان الدارمى:
فما الدنيا بباقية لحي ... ولا حي على الدنيا بباقي
ابن ميادة:
وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل
تمتع بذا اليوم القصير فانه ... رهين بأيام الشهور الأطاول
أبو مسهر الدمشقي المحدث:
أف لدنيا ليست توانيني ... الا بنقضي لها عرى ديني
عيني لحيني تدير مقلتها ... تريد ما سرها لترديني
مسلم بن الوليد الانصاري:
حسبي بما أدت الأيام تجربة ... يسعى على بكاسيها الجديدان
دلت على عيبها الدنيا وصدقها ... ما استرجع الدهر فيما كان أعطاني
مزاحم بن الحارث العقيلي:
وددت على ما كان من سرف الهوى ... وغي الأماني أن ما شئت يفعل
فترجع أيام مضين وعيشة ... علينا وهل يثنى من الدهر أول
علي رضي الله عنه: واعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل. أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الادهان. فتاهم عارم، وشايبهم آثم، عالمهم منافق، وقارئهم مماذق. لا يعظم صغيرهم كبيرهم، ولا يعول غنيهم فقيرهم.
من سالت من عينه قطرة يوم الجمعة قبل الرواح، أوحى الله إلى الملك صاحب الشمال: اطو صحيفة عبدي، فلا تكتب عليه خطيئة إلى مثلها من الجمعة الاخرى.
أياك وهم الغد، وارض للغد برب الغد.
أبو ذر رضى الله عنه: يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه. يعني: إذا كنت في أول النهار بخير لم تزل فيه إلى آخره.
قال لقمان لابنه لا تدخل في الدنيا دخولا يضر بآخرتك، ولا تتركها تكون كلاً على الناس.
فضيل: لأن أعاني هول المطلع ولا أشهد القيامة أحب إلي من ألقى الله بمثل عمل عمر بن الخطاب.

علي رضي الله عنه قلما اعتدل به المنبر الا قال أمام خطبته: أيها الناس اتقوا الله، فما خلق أمرؤ عبثاً فيلهو، ولا ترك سدى فيلغو، وما دنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده، وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همته، كالآخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته.
حذيفة رضي الله عنه: ليس خياركم من ترك الآخرة للدنيا، ولا من ترك للآخرة، ولكن من أخذ من هذه وهذه.
سأل معاوية ضرار بن ضمرة الشيباني عن علي رضي الله عنه فقال: أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء العجول، ويقول: يا دنيا يا دنيا، اليك عني ألي تعرضت، أم الي تشوقت، لا حان حينك، هيهات هيهات، غرى غيرى، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد وطول الطريق، وبعد السفر وعظيم المورد.
مر محمد بن واسع بقوم فقيل: هؤلاء الزهاد، فقال ما خطر الدنيا حتى يحمد من زهد فيها.
لقمان: يا بني كما تنام كذلك تموت وكما تستيقظ كذلك تبعث.
وعن علي رضي الله عنه: ألا وآن الدنيا قد ولت حذاء فلم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء، ألا وأن الآخرة قد أقبلت، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فان كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة، وان اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
قيل لعابد: لم تركت الدنيا؟ قال: لأني أمنع من صافيها، وامتنع من كدرها.
وقيل لآخر: خذ حظك من الدنيا فانك عنها راحل، قال: الآن وجب ان لا آخذ حظى منها.
قال عبد الملك بن مروان: ولدت في شهر رمضان، وفطمت في شهر رمضان، وختمت القرآن في شهر رمضان، وأتتنى الخلافة في شهر رمضان، وأخاف أن أموت في شهر رمضان، فلما دخل شوال وأمن مات.
ما عهدت ليلة مات فيها خليفة، وقام خليفة، وولد خليفة، الا الليلة التي مات فيها الهادى، وقام الرشيد، وولد المأمون.

باب
السماء والكواكب وذكر العرش والكرسي
عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع طرفه إلى السماء، فقال: تبارك خالقها، ورافعها، وممهدها، وطاويها طي السجل. ثم رمى ببصره الى الارض فقال: تبارك خالقها، وواضعها وممهدها وطاحيها.
ابن مسعود: بين السماء والأرض مسيرة خمس مائة عام، وبين كل سماء الى السماء الاخرى مسيرة خمس مائة عام، وبين الكرسي والسماء السابعة مسيرة خمس مائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمس مائة عام، والعرش فوق الماء. وكذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: ان العرش غير الكرسي. وعن الحسن: العرش والكرسي واحد. قالوا: الغرض في خلق العرش والكرسي ان يرى بهما اقتداره وعظمته، وان يتعبد ملائكته بحملهما، والطواف بهما، وجعلهما قبلة، كما وضع في الارض البيت ليقصد ويطاف به، ويتوجه اليه في الصلاة. وهو متعال عن المكان، وهو خالق الامكنة، وكان ولا مكان. ومن فضل حملة العرش ان الملائكة مأمورون بالغدو والرواح اليهم للتسليم عليهم، تفضيلا لهم على سائر ملائكته. وأمر حملة العرش بالاستغفار لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
أبو حازم: لا يكون ابن آدم في الدنيا على حال الا ومثاله في العرش على تلك الحال، فقال بعض من سمعه: فنظر الله اليك وأنت مطيع أو عاص أعظم من مثالك على العرش، ولو نظر اليك وجوه أهل الأرض لأحببت ان يروك على ما تحب، وان لا يروك على ما تكره، فكيف برب العزة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
في ديوان المنظوم:
باتت تقلبني الهموم مقلباً ... في الفطرة العلوية الأفكارا
فلك يدور على الأنام وأنه ... سيدور أحقابا وكم قد دارا
شهب سوار وهي في تسيارها ... تقص القوي وتقصب الأعمارا
نظر أعرابي في سبعة وعشرين من رمضان إلى الهلال فقال: الحمد لله الذي أنحل جسمك كما أخمصت بطني.
بعض المنجمين: مواليد الانبياء بالسنبلة والميزان، وكان طالع النبي صلى الله عليه وسلم الميزان. وقال ولدت بالسماك، وفي حساب المنجمين أنه السماك الرامح.
امرؤ القيس:
اذا ما الثريا في السماء تعرضت ... نعرض أثناء الوشاح المفصل
ذو الرمة:

وردت اعتسافا والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماء محلق
آخر:
كأن الثريا فيه در تقاربت ... مساقطه من سلكه فتجمعا
قيل لابن دكين: ما الدليل على أن المشتري سعد؟ قال: حسنه.
أوحى الله إلى عيسى عليه السلام ان كن للناس في الحلم كالارض تحتهم، وفي السخاء كالماء الجاري، وفي الرحمة كالشمس والقمر، فانهما يطلعان على البر والفاجر.
الشمس تسميها صعاليك العرب قطيفة المساكين، ولذلك تكنى أم شملة قال قائلهم:
يا شمس يا قطيفة المساكين ... قربك الله متى تعودين
مناط العيوق ومناط الثريا مثل في الاستبعاد، قال:
وأقرب من هذا الذي قد أردته ... مناط الثريا من يد المتناول
نظر أعرابي إلى القمر حين طلع فابصر به الطريق، وقد خاف ان يضل، فقال: ما عسيت أن أقول، أن قلت حسنك الله فقد فعل، وأن قلت رفعك الله فقد فعل.
يقال عند طلوع الشمس: سبحان من صورك ودورك ونورك، واذا شاء كورك.
نظر أبو قصيصة ما جن من أهل الحجاز الى هلال رمضان فقال: قد جئتني بقرنيك قطع الله أجلي أن لم أقطعك بالاسفار.
شاعر:
بدأن بنا وابن الليالي كأنه ... حسام جلت عنه القيون صقيل
فما زلت أفنى كل يوم شبابه ... الى أن أتتك العيس وهو ضئيل
أدخل رجل اصبعيه في حلقي مقراض، وقال لمنجم: أيش ترى في يدي؟ فقال: خاتمي حديد.
فقدت في دار بعض الرؤستء مشربة فضة، فوجه الى ابن ماهان، فقال: المشربة سرقت نفسها، فضحك منه، فاغتاظ وقال: هل في الدار جارية تسمى فضة؟ قالوا: نعم، فقال: فضة أخذت الفضة، فكان كما قال.
صلب منجم، فقيل: هل رأيت هذا في نجمك؟ فقال: رأيت رفعة ولكن لم أعلم أنها فوق خشبة.
قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الانواء: المنكر هو نسبة الأمر الى الكواكب وأنها هي المؤثرة، فأما من نسب الأثر الى خالق الكواكب، وزعم أنه ضربها أمارة، ونصبها أعلاما على ما يحدثه ويجدده في كل أوان بمشيئته الربانية فلا جناح عليه.
المأمون: علمان نظرت فيهما وأنعمت فلم أرهما يصحان، النجوم والسحر.
وللمأمون:
والله ما تختلف النجوم ... وتضرب الشمس فلا تقوم
وقمر في فلك يعوم ... الا لأمر شأنه عظيم
تقصر دون علمه العلوم في ديوان المنظوم:
واطلب من الله السعادة في الذي ... ترجو وخل الكواكب المسعودا
أن الكواكب فوق عجزك عجزها ... من أين تمنح غيرهن جدودا
قيل لاعرابي: ما أعلمك بالنجوم! قال: ومن الذي لا يعلم أجذاع بيته.
وقيل لاعرابية: أتعرفين النجوم؟ فقالت: سبحان الله، أما نعرف أشياخنا وقوفا علينا كل ليلة.
أبو هريرة: عنه عليه الصلاة والسلام: بينا رجل مستلق ينظر الى النجوم والسماء، فقال: والله أني لا علم أن لك خالقا وربا، اللهم اغفر لي، فنظر الله اليه فغفر له.
زيد بن يحيى: كنا عند مالك بن دينار فمر بنا خليفة البهراني فسلم على حالك، فقال: عظنا يا أبا عبد الله، فقال: يا ابا يحيى، أنك والله ان عرفت الله حق معرفته أغناك ذلك عن كل كلام وموعظة، أبا يحيى، ان المؤمنين لم يعبدوا الههم عن رؤية: انما عبدوه عن دلالة، انهم والله لما نظروا الى اختلاف الليل والنهار، ودوران هذا الفلك، وارتفاع هذا السقف المرفوع بغير عمد، ومجاري هذه البحار والانهار، علموا ان لذلك صانعا ومدبرا لا يغرب عنه مثقال ذرة من أعمال خلقه في السماوات والارض، فعبدوا الله بدلائله على نفسه، عبادة أنضت الابدان، وآحالت الألوان، حتى كأنما عبدوه عن رؤية. فهم في الدنيا حية قلوبهم، ميتة جوارحهم، الا عند الذكر والمناجاة والنهوض الى طاعته، فبكى مالك بكاء شديدان ثم قام عشيته لم يتكلم بشىء.
ابن المعتز:
في ليلة أكل المحاق هلالها ... حتى تبدى مثل وقف العاج
والصبح يتلو المشترى فكأنه ... عريان يمشى في الدجى بسراج
ابن الطثرية:
اذا ما الثريا في السماء كأنها ... جمان وهى من سلكه فتبددا

عن أبي برزة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون في الخالق، فقال: تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الخالق، فانه لا يحيط به الفكر، تفكروا ان الله خلق السماوات سبعا، والأرضين سبعا، وثخانة كل أرض خمس مائة عام، وثخانة كل سماء خمس مائة عام، وما بين كل سمائين خمس مائة عام، وفي السماء السابعة بحر عمقه مثل ذلك كله، فيه ملك لم يجاوز الماء كعبه.
ذو النون المصري سمع شخصا قائما على جبل وسط البحر يقول: سيدى سيدى،، أنا خلف البحور والجزائر، وأنت الملك الفرد بلا حاجب ولا زائر، من الذي أنس به فاستوحش، ومن الذي نظر الى آيات قدرتك فلم يدهش. أما في نصبك السماء ذات الطرائقن ونظمك الفلك فوق رؤوس الخلائق، ورفعك العرش المحيط بلا عاتق، واجرائك الماء بلا سائق، وارسالك الريح بلا عائق، ما يدل على فردانيتك. أما السماوات فتدل على منعتك، وأما الفلك فيدل على حسن صنعتك، وأما الرياح فتنشر من نسيم بركاتك، وأما الرعود فتصوت بعظيم آياتك، وأما الارض فتدل على تمام حكمتك، وأما الانهار فتفجر بعذوبة كلماتك، وأما الاشجار فتخبر بجميل صنائعك، وأما الشمس فتدل على تمام بدائعك.
كان الرجل في بني اسرائيل اذا عبد الله ثلاثين سنة ظللته عمامة، ففعل ذلك رجل فلم تظلله. فشكا الى أمه، فقالت: لعلك اذنبت في هذه السنين ذنبا، قال: لا، قالت: فهل رفعت طرفك الى السماء وأنت غير مفكر فيها؟ قال: نعم، قالت: من ها هنا أتيت.
كأن الثريا والصباح يكدها ... مصابيح رهبان دنت لخمود
قال الأصمعي لأعرابي: أين منزك؟ قال: من وراء اليمن بطالعين، يريد بشهرين.
افتقدت امرأة أحد الكبار خاتما، فوجهت الى أبي معشر، فقال: خاتم الله اخذه. فتعجبت من قوله، ثم طلبته فوجدته في أثناء ورق المصحف.
أبو بكر الخالدي:
وتنقبت بخفيف غيم أبيض ... هي فيه بين تخفر وتبرج
كتنفس الحسناء في المرآة قد ... كملت محاسنها ولم تتزوج
آخر:
ولاحت الشعرى وجوزاؤها ... كمثل زج جره رامح
في نوابغ الكلم: شيع الحسنة بحسن الجزاء، فما أحسن الشعرى خلف الجوزاء.
لا خير في بنى الزمان ما طلع المرزمان. لابد مع ذا من ذيان والدبران تلو الثريا.
ابن المعتز:
وأرى الثريا في السماء كأنها ... قدم تبدت من ثياب حداد
تقول الروم: لولا ضجة أهل الروم وأصواتهم لسمع الناس صوت وجوب الشمس في المغرب.
في النصائح الصغار: املأ عينيك من زينة هذه الكواكب، وأجلهما في جملة هذه العجائب، متفكرا في قدرة مقدرها، متدبرا في حكمة مدبرها، قبل ان يسافر بك القدر، ويحال بينك وبين النظر.
وفيها: الشهم الحذر، بعيد مطارح الفكر، غريب مسارح النظر، لا يرقد ولا يكرى، الا وهو يقظان الذكرى، يستنبط العظة من الملمح الخفي، ويستخلص العبرة من الطرف القصي، فاذا نظرت الى بنات نعش فاستجلب عبرتك، واذا رأيت بنى نعش فاستحلب عبرتك، وأعلم ان من الجوائز ان تروح غداً مع الجنائز.
النعش أربعة كواكب مربعة، اثنان منها الفرقدان، والبنات هي الثلاثة، فالذي في الطرف القائد، والأوسط العناق، والذي يلي النعش الحوت، والأوسط يليه كويكب صغير جداً يكاد يلصق به، يقال له: السهى، والصيدق، ونعيش، والناس يمتحنون به أبصارهم، فمن ضعف بصره لم يره. وروي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك، ويقال: بنات نعش، وبنو نعش، وآل نعش.
وهل حدثت عن أخوين داما ... على الأيام الا ابنى شمام
والا الفرقدين وآل نعش ... خوالد ما تحدث بانصرام
عن شيخ من العرب أنه سرى برفيق له فتعب، فقال لرفيقه: هذا الجدي فاضبط الأمر به، وأراه السمت حتى أغفى على راحلته، ثم انتبه وقد جار به عن القصد، فقال: ما صنعت ويلك؟ فقال: انه والله اختلط بالجدى جداء كثيرة، فلم أدر أيها هو.
جعلت سهيلا مجعل السيف بعدما ... تنكر بالدهنا علي المعارف
يعنيى طعنت في الجنوب، جاعلاً سهيلاً عن يساري، فان شق السيف اليسار.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما يخرج من الليل، فينظر في آفاق السماء، فيقول: سبحانك هجعت العيون، وغارت النجوم، وأنت الحي القيوم. لا يواري عنك ليل ساج، ولا سماء ذات أبراج، ولا أرض ذات مهاد، ولا بحر لجي، ولا ظلمات بعضها فوق بعض، تولج الليل في النهار، وتولج النهار في الليل. اللهم فكما أولجت الليل في النهار والنهار في الليل فأولج علي وعلى أهل بيتى الرحمة، لا تقطعها عني ولا عنهم أبداً.
كان المأمور بن مكربة الحارثى يقول، وكان نصرانيا: نهار يجول، وليل يزول، وشمس تجري، وقمر يسري، وسحاب مكفهر، وبحر مسبطر، وجبال غبر، وسحاب خضر، وخلق يمور، بعض في بعض، بين سماء وأرض، ووالد يتلف، وولد يخلف، ما خلق الله هذا باطلا.
وان بعد ما ترون لثوابا عقابا، وحشرا ونشرا، ووقوفا بين يدي الجبار. فقالوا له: وما الجبار؟ فقال: الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
محمد بن عبد الله الكاتب:
كأن الثريا صدر باز محلق ... سما حيث لا يبدو له غير جؤجؤ
حكمت طبقا فيروزجيا أديمه ... نثرت عليه سبع حبات لؤلؤ
هردان العليمي دليل يزيد بن المهلب حين هرب من سجن عمر بن عبد العزيز:
وقوم هم كانوا الملوك هديتهم ... بظلماء لم يبصر بها ضوء كوكب
ولا قمر الا ضئيل كأنه ... سوار حناه صائغ سور مذهب
التهامي:
وللثريا ركود فوق أرحلنا ... كأنها قطعة من فروة النمر
يقول العرب: كان سهيل والشعريان مجتمعة، فانحدر سهيل فصار يمانيا، وتبعته العبور فعبرت اليه المجرة، وأقامت الغميصاء فبكت حتى غمصت.
الحسن بن وهب: سمرت البارحة على وجه السماء وعقد الثريا ونطاق الجوزاء فلما انتبه الصبح نمت، فلم استيقظ الا بعد ان لبست قميص الشمس. لعله غلس بصلاته ثم نام، وأن لم فقد فصح كلامه، وأفحم اسلامه.
قالوا: ان العرش يهتز لثلاثة أشياء: لارتكاب الكبيرة، ولفتح اللسان بكلمة الاخلاص، ولموت المؤمن التقى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ اختلفوا في البيت المعمور وفي مكانه، فقال قوم: هو البيت الذي بناه ادم أول ما نزل الى الأرض، فرفع الى السماء في أيام الطوفان، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك. والملائكة تسميه الضراح بالضاد المعجمة لانه ضرح عن الأرض الى السماء، ومنه نية ضرح وطرح: بعيدة. قال ابن الطفيل سمعت علياً، وسئل عن البيت المعمور، فقال: ذاك الضراح، بيت بحيال الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون اليه حتى تقوم القيامة. ويقال له: الضريح أيضا، ومن قال الصراح فهو اللحن الصراح.
وعن الحسن وابن عباس: أنه البيت الذي بمكة، معمور بمن يطوف به.
وعن محمد بن عباد بن جعفر أنه كان يستقبل القبلة ويقول: واحبذا بيت ربى، ما أحسنه وأجمله، هذا والله البيت المعمور. وقيل: هو في السماء الدنيا، وقيل: في الرابعة، وقيل: في السادسة، وقيل: في السابعة.
وعن جعفر بن محمد عن آبائه هو تحت العرش.
في نوابغ الكلم: ان الذي سخر الفلك في الماء، هو الذي سير الفلك في السماء.
شاعر:
ولاح سهيل من بعيد كأنه ... شهاب ينجيه من الريح قابس
أعرابي:
لقد سرني أن الهلال غدية ... غدا وهو محقور الخيال دقيق
أضرت به الأيام حتى كأنه ... سوار لواه باليدين رقيق
فقمت أعزيه وقد رق عظمه ... وقد حان من شمس النهار شروق
ألا في سبيل الله انك هالك ... وأنى بأن أبكي عليك حقيق
وأنك قد عطشتني وتركتني ... وفي الصدور من طول الغليل حريق
وأنى لشهر الصوم اذ مر شاكر ... وأنك يا شوال لي لصديق
قال ابن عباس لرجل طلق امرأته عدد نجوم السماء: يكفيك منها هقعة الجوزاء. وهي رأس الجوزاء. ثلاثة كواكب صغار مثفاة، وتسمى الأثافي.
علي رضي الله عنه: أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء وسكاك الأهواء، فأجاز فيها ماء متلاطما تياره، متراكما زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلها على شده، وقربها الى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم نشأ سبحانه ريحاً أعقم مهبها، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، واثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله على آخره، وساجيه على مائره، حتى عب عبابه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوى منه سبع سماوات، جعل سفلاهن موجا مكفوفا، وسقفا محفوظا، وسمكا مرفوعا، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينتظمها، ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجا مستطيرا، وقمرا منيرا، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر.
وعنه رضي الله عنه: وكان من اقتدار جبروته، وبدائع لطيف صنعته ان جعل من ماء اليم الزاخر المتراكم المتقاصف يبساً جامداً، ثم فطر منه أطيافا ففتقها سبع سموات بعد ارتتاقها، فاستمسكت بأمره، وقامت على حده، يملها الاخضر المثعنجر، والقمقام المسخر، قد ذل لأمره، وأذعن لهيبته، ووقف الجاري منه لخشيته.
في ديوان المنثور: الله الذي رفع السماء بغير عمد وسمكها، وسوى في أديمها الأخضر حبكها، فطرها ملساء سالمة من الفطور، خالية من وقوع الخلل فيها على مر العصور، ثم زينها بنيرات لا تزال سيارة، في أفلاك لا تنفك دوارة، من شمس وقمر يدأبان الليل والنهار، يطردان الظلمات ويجلبان الانوار، ومن نجوم يرجم بها ضلال الجن من العفاريت، ويرجم بها ضلال الانس في السباريت، لكل كوكب تسخير في تسييره، ولكل فلك تدبير في تدويره، لو اطلع النظار على ما دبر من عجيب تدبيرها، واستوضحوا ما قدر من بديع تقديرها، لأطفأت الحيرة عقولهم الثواقب، وردت الروعة أذهانهم ذواهب. آيات بما خمنها نطق، بألسنة كلها طلق ذلق. تدعو الى فاطرها بحيهل، وتقول أهلاً بمن أدرك المهل.
أبو حفص الضرير من بني كليب بن يربوع:
وكنا اذا شيطان تغلب رامنا ... قصفنا عليه من كواكبنا نجما
فنهلكه انا كذلك لم تزل ... كواكبنا تفنى شياطينكم رجما
قالوا: الحكمة في الكسوف ان الله تعالى ما خلق خلقا الا قيض له تغييرا وتبديلا، ليستدل بذلك على ان له مغيرا ومبدلا، ولأن النيرين يعبدان من دون الله، فقضى الله عليهما الكسوف وسلب النور، ليعلم أنهما لو كانا معبودين لدفعا عن أنفسهما ما يغيرهما، ويدخل النقص عليهما.
ويروى أن الشمس انكشفت يوم مات ابراهيم بن مارية، فقالوا انكسفت الشمس لموته، فقال عليه الصلاة والسلام: ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته، فاذا رأيتم هذا فافزعوا الى الصلاة والدعاء حتى تنجلى.
الوليد بن جميع: رأيت عكرمة يسأل رجلاً عن حساب النجوم، والرجل يتحرج أن يخبره، فقال عكرمة: سمعت ابن عباس يقول: هو علم عجز الناس عنه، ولوددت أني علمته، وعن ابن عباس علم من علوم النبوة، وليتني كنت احسنه.
وعن علي رضي الله عنه: من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به ايمانا ويقينا، ثم تلا: " ان في اختلاف الليل والنهار " الآية - .
وعن ميمون بن مهران: اياكم والتكذيب بالنجوم، فانه علم من علم النبوة.
علي رضي الله عنه: يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج في محاق الشهر، وإذا كان القمر في العقرب. ويروى أن رجلاً قال له: أنى أريد الخروج في تجارة، وذلك في محاق الشهر، فقال: أتريد أن يمحق الله تجارتك؟ استقبل هلال الشهر بالخروج.
قال ابن عباس لعكرمة مولاه: أخرج فانظر كم بقي من الليل. فقال: انى لا أبصر النجوم. فقال ابن عباس: نحن نتحدى بك فتيان العرب، وأنت لا تبصر النجوم. وقال: وددت أنى أعرف الهفت دوازده يريد النجوم السبعة السيارة والبروج الاثنى عشر.
قال معاوية لدغفل بن حنظلة العلامة، حين ضمه الى يزيد: علمه العربية، والأنساب والنجوم.
قال عمر للعباس وهو يستسقى: يا عم رسول الله كم بقي من نوء الثريا؟ فأن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا.
كانت الاكاسرة إذا أراد أحدهم طلب ولد أمر باحضار المنجم، ويخلو مع المطلوب منها الولد، فساعة يقع الماء في الرحم أمر خادما على باب البيت بضرب طست بيده، فإذا سمعها المنجم أخذ الطالع بالأسطرلاب.
كان علماء بني اسرائيل يسترون من العلوم علمين: علم النجوم وعلم الطب، فلا يعلمونهما أولادهم، لحاجة الملوك إليهما، لئلا يكونا سببا في صحبة الملوك والدنو منهم فيضمحل دينهم.

الحارث بن كلدة: اياكم والقعود في الشمس، فإن كنتم لابد فاعلين فتنكبوها بعد طلوع النجم أربعين يوما، ثم انتم وهي سائر السنة.
أبو محمد أبو حنيفة الدينوري: قد سجعت العرب في النجوم أسجاعا، بما ادركه طول تجريبهم، وأحكم علمها الماضي، وورثها الباقي، فسارت متواترة محفوظة، وهي أشد الامم تفقدا لذلك، وعناية به، لأن جلهم قطان بواد، وسكان عذوات قفار، أهل عمد سيارة، تباع غيث، قليل على غيره تعويلهم، فأبصارهم الى السماء طامحة، وبنواحيها موكلة، يطبيهم البرق اذا لمع، والغيث اذا وقع، والماء إذا نقع، ويظعنهم الحر إذا وهج، ويجهدهم البرد إذا ركد، فهم بين نجعة وحضور. لهم في كل ريح تهب، وكوكب يطلع، ونجم ينوء، أمر مسهر أو منيم، يحميهم الغفلة، ويمنعهم التضييع، وما يبلغنا عن أمة في ذلك ما بلغنا عنهم. ففي الناس أمم غيرهم أهل عمد وبواد، وما في أحد منهم علم الحساب الذي أوغلوا الى لطائف دقائقه، وأدركوه على حقائقه، فلم يسبقوا به، ولم يدركوا فيه.
قال فقيههم: اذا طلع النجم عشاء، ابتغى الراعي كساء.
اذا طلع الدبران توقدت الحزان واستغرت الذبان، ويبست الغدران.
اذا طلعت الجوزاء، توقدت المعزاء، وأوفى على عوده الحرباء، وكنست الظباء، وعرقت العلباء، وطاب الخباء.
اذا طلع الذراع، حسرت الشمس القناع، وأشعلت الافق الشعاع، وترقرق السراب بكل قاع.
اذا طلعت الشعرى، نشف الثرى، وأجن الصرى، وجعل صاحب النخل يرى.
اذا طلعت الجبهة، تحانت الولهة، وتنازت السفهة.
اذا طلع سهيل، طاب الليل، وحذي النيل، وامتنع القيل، وللفصيل الويل، ورفع كيل، ووضع كيل.
إذا طلعت الصرفة، احتال كل ذي حرفة، وجفر كل ذي نطفة، وامتير على الماء زلفة.
اذا طلعت العواء، ضرب الخباء، وطاب الهواء، وكره العراء، وشنن السقاء.
اذا طلع السماك، ذهبت العكاك، وقل على الماء اللكاك.
اذا طلعت الزبانى، أحدثت لكل ذي عيال شانا، ولكل ذي ماشية هوانا، وقالوا كان وكانا، فاجمع لأهلك ولا تواني.
اذا طلع الاكليل، هبت الفحول، وشمرت الذيول، وخيفت السيول.
اذا طلع القلب، جاء الشتاء كالكلب، وصار أهل البوادي في كرب، ولم تكن البخل الا ذات ثوب.
اذا طلع الهراران، هزلت السمان، واشتد الزمان، ووحوح الولدان.
والهراران قلب العقرب والنسر يطلعان معا.
اذا طلعت الشولة، أخذت الشيخ البولة، وقيل شتوة زولة، أي عجيبة.
اذا طلع سعد السعود، ذاب كل جمود، واخضر كل عود، وانتشر كل مصرود.
اذا طلع الحوت، خرج الناس من البيوت.
ابن المعتز:
كأن الثريا في أواخر ليلها ... تفتح نور أو لجام مفضض
دكين:
وقد تعاللت ذميل العنس ... بالسوط في ديمومة كالترس
اذ عرج الليل بروج الشمس قتادة: بلغني ان رسول الله كان إذا رأى الهلال قال: هلال خير ورشد، ثلاث مرات، آمنت بالذي خلقك، ثلاث مرات، الحمد لله الذى ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا.
أبو هريرة، يرفع: إذا كان أحدكم في الفيء، فقلص عنه الظل، فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم.
أمية بن ابي الصلت:
تأمل صنع ربك غير شك ... بعينك كيف تختلف النجوم
دوائب في النهار فما تراها ... وتمسي مسي ليلتها تعوم
فما تجرى سوابق ملجمات ... كما تجرى ولا طير تسوم
هو المجرى سوابقها سراعا ... كما حبس الجبال فما تريم
يا نعم عينى بربى أنه صنع ... وعالم بالذي نعيا به حكم
الى السماء تأمل كيف بنيتها ... وكل شيء بناه الله ملتئم
صاغ السماء فلم يخفض مواضعها ... لم ينتقص علمه جهل ولا سأم
زينت بحليتها في الدهر اذ رفعت ... كزاهر الروض لا يخفى به سحم
كأن صفحتها ماوية جليت ... تنجاب عن ليطها الأرواح والرهم

طال بكاء طاووس بالليل، فرأى القمر طالعا من أبي قبيس، فقال: ورب هذه البنية، ان هذا القمر يبكي من خشية الله ولا ذنب له، وتلا قوله تعالى: " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الارض " الآية فلم يستثن من هؤلاء أحداً، وقد استثنى ابن آدم فقال: " وكثير حق عليه العذاب " - ، والذي كان أحقهم بالشكر هو أكثرهم.
تبع بن الأقرن من ملوك اليمن.
منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسى
وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس
تجرى على كبد السماء كما ... يجرى حمام الموت بالنس
ابن الرومي:
أعلم الناس بالنجوم بنو نو ... بخت علماً لم يأتهم بالحساب
بل بان شاهدوا السماء سمواً ... بترق في المكرمات الصعاب
ساوروها بكل علياء حتى ... بلغوها مفتوحة الأبواب
لما قدم المأمون بغداد وصل الناس على قدر مراتبهم، وأغفل عبد الله بن أبي سهل بن نوبخت المنجم. فقال:
أصبت وأخطا فيك كل منجم ... فقرب من أخطا وكنت المبعدا
فلو أنهم كانوا أصابوا بما قضوا ... وكنت الذي أخطا القضاء لما عدا
أراد علي رضي الله عنه الخروج إلى الخوارج، فأراد تثبيطه ناظر في النجوم، فقال: أيها الناس، اياكم وتعلم النجوم، الا ما يهتدى به في برأو بحر، فإنها تدعو الى الكهانة، المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله، ورجع مظفراً.
قرب الى علي بن الحسين رضي الله عنه طهوره في يوم ورده، فوضع يده في الاناء ليتوضا، ثم رفع رأسه فنظر الى السماء والقمر والكواكب، ثم جعل يفكر في خلقها، حتى أصبح وأذن المؤذن، ويده في الأناء.

باب
السحاب والمطر والثلج والرعد
والبرق وما يتصل بذلك من ذكر الاستمطار وغيره
عن رقيقة بنت أبي صيفى، وكانت لدة عبد المطلب بن هاشم: تتابعت على قريش سنو جدب أقحلت الضرع، وأرقت العظم، فبينا أنا راقدة، اللهم أو مهومة، ومعى صنوي، اذا أنا بهاتف صيت، يصرخ بصوت صحل، يقول: يا معشر قريش: ان هذا النبي المبعوث منكم، قد أظلتكم أيامه، وهذا ابان نجومه، فحيهلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا منكم رجلاً وسيطاً عظاما جساما، أبيض، بضاً أوطف الأهداب، سهل الخدين، أشم العرنين، له فخر يكظم عليه، وسنة تهدى اليه، ألا فليخلص هو وولده، وليدلف اليه من كل بطن رجل، ألا فليشنوا عليهم من الماء، وليمسوا من الطيب، وليطوفوا بالبيت سبعا، ألا وفيهم الطيب الطاهر لداته، ألا فليستسق الرجل، وليؤمن القوم، ألا فغثتم اذن ما شئتم وعشتم. قالت: فأصبحت علم الله مذعورة، قد قف جلدي، ودله عقلي. فقصصت رؤياي فذهبت في شعاب مكة. فو الحرمة والحرم، ان بقي أبطحي الاقال: هذا شيبة الحمد، فتنامت اليه رجالات قريش، وانقض اليه الناس من كل بطن رجل، فشنوا ومسوا واستلموا وطوفوا، ثم رتقوا أبا قبيس، وطفق القوم يدفون حوله ما ان يدرك سعيهم مهلة، حتى قروا بذروة الجبل، واستكفوا جنابيه، فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمداً فرفعه على عاتقه، وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب، ثم قال: لاهم: ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت عالم غير معلم، مسؤول غير مبخل، وهذه عبداؤك واماؤك، بعذرات حرمك، يشكون اليك سنتهم التي اذهبت الخف والظلف، فاسمعن اللهم، وأمطرن علينا غيثا مغدقا مريعا، فو الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها، واكتظ الوادي بثجيجة. فسمعت شيخان قريش وجلتها عبد الله بن جدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء.
وفي ذلك أقول:
بشيبة الحمد اسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر
فجاء بالماء وسمي له سبل ... ثجأ فعاشت به الأنعام والشجر

أنس: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله، فبينما هو يخطبنا يوم الجمعة، اذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع. وهلك الشاء، فادع الله ان يسقينا. فمد يده ودعا، وان السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح وأنشأت سحابا ثم اجتمع، ثم ارسلت السماء عزاليها. فخرجنا تخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم تزل تمطر الى الجمعة الاخرى. فقام إليه ذلك الرجل فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه، فتبسم رسول الله ثم قال: حوالينا ولا علينا. فرأيت السحاب تصدع حول المدينة كأنه اكليل.
وعن عائشة: أنه خرج حين بدا حاجب الشمس، فصعد على المنبر، وكبر وحمد الله، ثم قال: انكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن ابان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم ان يستجيب لكم. ثم قال: اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا الى حين. فأنشأ الله سحابا، فرعدت وبرقت ثم امطرت باذن الله. فلم يأت مسجده حتى سالت السيول. فلما رأى سرعتهم الى الكن ضحك حتى بدت نواجذه، وقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله.
وروي أنه قال في استسقاء: اللهم: اسقنا واغثنا، اسقنا غيثاً مغيثاً وحيا ربيعا، وجدا طبقا غدقا مغدقا، مونقا عاما، هنيئاً مريئاً. مريا مريعا، مربعا مرتعا، وابلا سابلا، مسبلا مجللا، ديما دراراً نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث غيثا، اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد. اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وانزل علينا في ارضنا سكنها.
اللهم: انزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحي به بلدة ميتا، واسقه مما خلقت لنا انعاما واناسي كثيراً.
خرج عمر يستسقي بالعباس: فقال: اللهم أنا نتقرب إليك بعم نبيك، وبقية آبائه، وكبر رجاله، فانك تقول، وقولك الحق: " وأما الجدار فكان لغلامين " الآية، فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه، فقد دلونا به إليك مستشفعين ومستغفرين. ثم أقبل على الناس فقال: استغفروا ربكم أنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا.
قال الراوي: ورأيت العباس، وقد طال عمره، وعيناه تتضحان، وسبائبه تجول على صدره، وهو يقول: اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى. اللهم فاغثهم بغثيانك من قبل ان يقنطوا فيهلكوا فانه لا ييأس الا القوم الكافرون. فنشأت طريدة من سحاب، وقال الناس: ترون ترون، ثم تلامت واستتمت، ومشت فيها ريح، ثم هوت ودرت، فو الله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء، وقلصوا المئزر، وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه، ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين.
عبد الواحد بن عوف بن الريان الطهوي:
بخبت كأن المسك يعرو عراره ... اذا هبصت فيه الرياح العواصف
وكل سماكي أهابت به الصبا ... فجن له عود من الرعد شارف
اذا شم أنف الليل أرمض وسطه ... سنا كابتسام العامرية شاغف
قال ذو الرمة: قاتل الله أمة بني فلان ما كان أفصحها، سألتها: كيف كان المطر عندكم؟ فقالت: غثنا ما شئنا.
كف بصر معقر بن حمار البارقي، فسمع يوما صوت راعد، ومعه بنت تقوده، فقال لها: ما ترين؟ فقالت: أرى سحماء عقاقة كأنها حولاء ناقة. فقال لها وائلي بي الى جانب قفلة فأنها لا تنبت الا بمنجاة من السيل.
عروة الصعاليك:
ألم تأرق لبرق بات يسرى ... بأكناف الأراكة مستطير
يكشف عائذاً بلقاء ينفى ... ذكور الخيل عن ولد صغير
قيل لجمعة: أي السحاب أحسن؟ قالت: سحاب ملتف اسحم رجاف مسف يكاد يمسه من قام بالكف.
أعرابي:
سحابة صادقة الانواء ... تجر حضنيها على البطحاء
بدت بنار وثنت بماء ... تثنى بها الأرض على السماء
تجمع بين الضحك والبكاء

وقف أعرابي على قوم فقال: بدء شأني، والذي الجأني إلى مسألتكم، أن الغيث كان قد ثوى عنا، ثم تكرفأ السحاب، وشصا الرباب، فادلهم سيقه، وارتجس ريقه، وقلنا هذا عام باكر الوسمي، محمود السمي ثم هبت له الصبا فاحزالت طخاريره، وتقزع كرفئه متناسرا، ثم تتابع لمعان البرق، حيث تشيمه الابصار، وتحده الانظار، ومرت الجنوب ماءه، وفوض الحي لئمين نحوه فسرحنا فيه المال، وكان وخما وخيما، أشف المال، وأضف الحال، فبقينا لا تستر لنا حلوبة، ولا تنسل لنا قتوبة.
وفي ذلك يقول شاعرنا:
ومن يرع بقلا من سويقة يغتبق ... قراحاً ويسمع قول كل صديق
أي العذل، يقولون قد نهيناك.
التنوخي:
ورعدة كقارىء متمعتع ... أو خاطب لجلج لما أن خطب
كأسد يزأر أو جنادل ... تصطك أو أمواج بحر يصطخب
اعرابي: أتتنا داحية في ليل ساقط الرواق، منقطع النطاق، تنظف منه آذان المعزى إلى الصباح.
كتب جحظة إلى ابن المعتز: كنت على المصير إلى الأمير، فانقطع شريان الغمام، فقطعني عن الالمام. فكتب إليه: لئن قطعني السرور بك، لم يفتني بكلام والسلام.
يقول الدهاقين: مطر الربيع ماء كله. يريدون نفع كله، وذلك أن الماء حياة كل شيء، فمطر الربيع تحيا به الأرض، ولا يضيع منه شيء كما تضيع أمطار سائر الفصول.
أنشد الجاحظ:
خليلي لا تستسلما العام وادعوا ... به كل يوم أن يصوب ربيع
حيا لبلاد افحل المحل عودها ... وجبراً لعظم في شظاه صدوع
بمستنضد غر النشاص كأنها ... جبال عليهن النسور وقوع
عسى أن يحل الحي جرعاء وابل ... وعل النوى بالظاعنين تريع
أفى كل عام زفرة مستجدة ... تضمنها مني حشا وضلوع
قال بعض الحكماء الذين وقفوا على تابوت اسكندر: انظر إلى حلم النائم كيف انقضى، وإلى سحاب الصيف كيف انجلى؟ وللصاحب: سحابة الصيف أثبت من قولك، والخط في الماء أبقى من عهدك.
مطر مصر مثل في نافع يستضر به، لأن مصر لا تمطر، فان مطرت ضرها المطر، ولذلك يكرهه أهلها أشد الكراهية، فرحمة الله المجللة للخلق كلهم عذاب لهم. وفيهم:
وما خير قوم تجدب الارض عندهم ... بما فيه خصب العالمين من القطر
إذا بشروا بالغيث ريعت قلوبهم ... كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر
في وصف غيث: غثنا ما شئنا، فشبعنا وروينا، قد أرخت السماء عزاليها، واثعنجرت بصوب مآقيها، فغمر الماء الزبى، ونقع من الصدى، ولبست الارض قناعها الاخضر، ونضت شعارها الاغبر، وعاضنا الغض العميم، من المصوح الهشيم، وجزأنا بالرطب المخضوم، من اليابس المقصوم. فعاشت العاملة والماشية، وهاجت الآبية والعاشية، وارتجعت رذايا المطايا، ما اخذت منها المخارم والثنايا، وأنشأت تسترد بمشافرها، ما سلبها جذاب البرى بمناخرها. سائمة في العميم الكث، من الطباق والثث، وسارحة في المراح الفسيح، من القيصوم والشيح، فنحن في سوابغ من النعم، نرتع فيها رتعة النعم. قد عز عندنا أن يستضيف ضيفا كريم، واستغنى أن يسترضع لئيم. وأترعت الجفان رذما، واستحال القرم بشما، وحالت البطنة دون الفطنة. ومنع الطعام عن تراجع الكلام. فلو أن قساً بيننا لخرس، أو دغفلا لأبلس. وكأن الشاعر أرادنا بقوله:
أتانا وما داناه سحبان وائل ... بياناً وعلما بالذي هو قائل
فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل
ابن المعتز:
ما زال يضرب وجه الأرض وابلها ... حتى وقت خدها الغدران والخضر
كأن ابن غاب غاب في حجراتها ... فغمغم من بعد الزئير وهمهما
أعرابي: إذا عددت من ناحية مائة برقة، احتملت على الثقة.
البستى:
لا ترج شيئاً خالصاً نفعه ... فالغيث لا يخلو من العيث
كشاجم:
يا رحمة الله التي قد أصبحت ... دون الأنام علي سوط عذاب
السري:
وعارض أكلأ منه بارقاً ... كالنار شبت في ذرى طود أشم
كأنه نشوان جر ذيله ... فكلما ريع انتضى عضبا خدم
إذا عم المطر الأرض حتى لا يكون فيها فتق، قالوا: أرض منضوحة.

الأصمعي: إذا وقع الغيث فنجع ورؤي تباشير خيره قيل: رأينا أرض بني فلان غب المطر واعدة حسنة.
وقالوا: البلاد تختلف، فمنها الأنيث الممراح فلا يلتاث نباته، ومنها المصلاد الجحد فلا ينبت الا بعد لأي.
ابن الرقاع:
سما في الصبا حتى إذا ما تنضبت ... شماريخه وأجتاب من ليله درعا
تبعج ثجاجا من المزن لم يدع ... أباطح الا يطردن ولا تلعا
ابن الأعرابي: قال ابو المجيب، وكان أعرابياً من بني ربيعة بن مالك: لقد رأيتنا في أرض عجفاء، وشجر أعشم، في قف غليظ، وجادة غبراء. فبينا نحن كذلك إذ أنشأ الله غيثا من السماء، مستكفا نشوءه، مسيلة عزاليه، عظاما قطره، جوادا صوبه، زاكيا هطله، أنزله الله رزقا لنا، فنعش به أموالنا ووصل طرقنا، وأنا لبنوطة بعيدة ما بين الأرجاء، فاهر مع مطره، حتى رأيتنا وما نرى غير السماء والماء وصهوات الطلح، فضرب السيل النعاف، وملأ الأودية وزعبها، فما لبثا إلا عشرا حتى رأيتها روضة تندى.
رابعة القيسية: ما سمعت الاذان إلا ذكرت منادى يوم القيامة، وما رأيت الثلج إلا ذكرت تطاير الصحف، وما رأيت الجراد إلا ذكرت الحشر.
كشاحم في وصف الثلج:
راحت به الأرض الفضاء كأنها ... من كل ناحية بثغرك تضحك
الصاحب:
فكأن السماء صاهرت الأر ... ض فكان النثار من كافور
آخر:
وأصح مبيض الثلوج كأنه ... على سروات الأكم فن مندف
كتب ابن بسام إلى أخيه، وكان يلقب بالثلج.
أهداك قوم لي قلآليت لا ... أذوق شيئاً منك أو تحضر
فأنت ملفوف إلى أن تجي ... يذيبك الحر وما تشعر
سيف الدولة:
وقد نسجت أيدي الجنوب مطارفاً ... على الأرض دكتا والحواشي على الأرض
وطرزها قوس لسحاب بأصفر ... إلى أحمر في أخضر أثر مبيض
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض
في ديوان المنظوم:
تسببت الثلوج بحر صدرى ... فلا ثلجت صدور للثلوج
أقول أنا ابن قيس لا براح ... إذا قالوا ألست على الخروج
آخر:
أبرد من برد الكوانين ... زيادة الراجل في الطين
لا يصلح التسليم يوم الندى ... إلا لأصحاب البراذين
الخدري: عنه عليه السلام: يوشك أن تظهر الصواعق، حتى أن الرجل ليأتي القوم فيقول: من صعق منكم؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان.
زعموا أن الصاعقة تقع في حانوت الصيقل فتذيب السيوف وتدع الاغماد على شبيه بحالها. وتقع على الرجل ومعه دراهم فتسيل الدراهم.
كانوا في الجاهلية الجهلاء، وهي الاولى، إذا تتابعت عليهم الازمات، وركد عليهم البلاء، واشتد الجدب، واحتاجوا إلى الاستمطار، جمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها، وثنن عراقيبها السلع والعشر، ثم صعدوا بها في جبل وعر، واشعلوا فيها النار، وضجوا بالدعاء والتضرع. وكانوا يرون أنه من أسباب السقيا. وقال الودك الطائي:
لا در در رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقوراً مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر
لو أن المسلمين اقتبسوا منه أن يخرجوا يوم الاستسقاء مع الصدقات، يتقربون بها الله أيام دعائهم، لكان حسنا جميلا، وما أظنهم يفعلون، وليتهم يخرجون تائبين، غير مصرين. ولكنهم كالبقر مع اسلامهم، وأولئك كانوا يتقربون بالبقر أمام تضرعهم مع جاهليتهم.
أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فخرج فحسر ثوبه عنه حتى أصابه. فقلنا يا رسول الله: لم صنعت هذا؟ فقال: لأنه حديث عهد بربه.
بعض الأعراب:
مطرنا فلما أن روينا تهادرت ... شقاشق فيها رائب وحليب
ورامت رجال من رجال ظلامة ... وعدت ذحول بيننا وذنوب
ونصت ركاب للصبا فتروحت ... ألا ربما هاج الحبيب حبيب
وطئن فناء الحي حتى كأنه ... رجا منهل من كرهن لحيب
بني عمنا لا تعجلوا ينضب الثرى ... قليلاً ويشفى المشرفين طبيب

فلوقد تولى النبت وامتيرت القرى ... وحنت ركاب الحي حين تؤوب
وصار غبوق الخود وهي كريمة ... على أهلها ذو جدتين مشوب
وصار الذي في أنفه خنزوانة ... ينادى إلى هاد الرحا فيجيب
أولئك أيام تبين للفتى ... أكاب سكيت أم أشم نجيب
ابن عباس يرفعه: المطر مزاجه من الجنة، فإذا كثر المزاج كثرت البركات وان قل المطر، وإذا قل المزاج قلت البركات وأن كثر المطر.
عمار، يرفعه: مثل أمتى كالمطر، يجعل الله في أوله خيراً، وفي آخره خيراً.
أبو هريرة، يرفعه: أمطر على أيوب عليه السلام جراد من ذهب، فجعل يلتقط، فأوحى الله إليه: يا أيوب ألم أغنك؟ قال: بلى يا رب، ولا غنى بي عن فضلك.
نظر مدني إلى قوم يستسقون ومعهم الصبيان، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: نرجو بهم الاجابة. فقال: لو كان دعاؤهم مجاباً ما بقي على الأرض معلم.
خرجوا ليستسقوا وقد نشأت ... بحرية قمن بها السفح
فانجابت السحب التي نشأت ... فكأنما خرجوا ليستصحوا
قيل لمالك بن دينار: يا أبا يحيى أدع الله أن يسقينا. فقال: أتستبطئون المطر؟ قالوا: نعم. قال: لكني والله استبطىء الحجارة.
الحزبنل الزهيري من كلب:
وبات يمج الماء من متخيل ... تمخض قصراً والرياح قوابله
حياً لبلاد الله فالماء مرسل ... على الضلع فالمستاف حلت محامله
فلما أماتت برقه الشمس ثوبت ... برعد الضحى أعجازه وكواهله
السكب المازني:
أذا الله لم يسق الا الكرام ... فأسقى بيوت بنى حنبل
ملثاً أحم مسف الرباب ... هزيم الصلاصل والأزمل
كأن الرباب دوين السحاب ... نعام يعلق بالأرجل
علي رضي الله عنه: اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدائر السنين، وأخلفتنا مخايل الجود. فكنت الرجاء للمستيئس، والبلاغ للملتمس. ندعوك حين قنط الانام، ومنع الغمام، وهلك السوام، فانشر علينا رحمتك بالسحاب المنبعق، والربيع المغدق، والنبات المونق. اللهم سقيا منك تعشب بها نجادنا، وتجرى بها وهادنا، وأنزل علينا سماء مخضلة مدارا، يدافع الودق منها الودق، ويحفز القطر منها القطر.
أم الغطريف العنبرية:
فليت سماكيا يحار ربابه ... يقاد إلى أهل الغضا بزمام
فتشرب منه جحوش وتشيمه ... بعينى قطامي أغر سمام
أعرابي:
وحديثها كالغيث يسمعه ... راعى سنين تتابعت جدبا
فأصاخ يرجو أن يكون حياً ... ويقول من فرح هيا ربا
الوليد بن سريع مولى عمرو بن حريث: وجهني الجراح بن عبد الله من العراق إلى سليمان بن عبد الملك، فخفت أن يسألني عن المطر. فأني لأسير بالسماوة إذا أنا بأعرابي من كلب في شملة، فقلت: يا أعرابي هل لك في درهمين؟ قال: أني والله حريص عليها، فما سببهما؟ قلت: تصف لي المطر. قال: أتعجز أن تقول: أصابتنا سماء تعقد منه الثرى، واستأصل منه العرق، وامتلأت منه الحفر، وقاءت منه الغدران، وكنت في مثل وجار الضبع حتى وصلت إليك. فلما قدمت على سليمان قال: هل كان وراءك من غيث؟ فقلت ذلك، فضحك وقال: هذا كلام ما أنت بأبي عذره، فقلت صدق فوك يا أمير المؤمنين، اشتريته والله بدرهمين، فضحك وقال: أصبت وأحسنت. فأمر بجائزتي، ثم زادني ألفي درهم مكان الدرهمين.

باب
الهواء والريح والنسيم والحر والبرد والظل
محمد بن علي رضي الله عنهما: ما هبت الريح ليلا ولا نهارا إلا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعد، وقال: اللهم أن كان بك اليوم سخط على أحد من خلقك بعثتها تعذيبا له، فلا تهلكنا في الهالكين. وأن كنت بعثتها رحمة فبارك لنا فيها.
فإذا قطرت قطرة قال: رب لك الحمد، ذهب السخط، ونزلت الرحمة.

هبت ببغداد ريح عاصف، جاءت بما لم تأت به ريح قط فألفي المهدي ساجدا يقول: اللهم احفظ فينا نبيك، ولا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، وأن كنت يا رب أخذت العامة بذنبي، فهذه ناصيتي بيدك، يا أرحم الراحمين. فلما أصبح تصدق بألف ألف درهم، وأعتق مائة رقبة، وأحج مائة رجل. وفعلت الخيزران وجلة خاصته وفواده مثل ما فعل. فكان الناس بعد ذلك إذا ذكروا الخصب قالوا: أخصب من صبيحة ليلة الظلمة.
مطرف رحمه الله: لو حبست الريح عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض.
الصبا موصوفة بالطيب والروح، لانخفاضها عن برد الشمال، وارتفاعها عن حر الجنوب.
السري الموصلي:
معان كأنفاس الرياح بسحرة ... تمر بنوار الرياض فتعبق
آخر:
أما ترى الجو يجلى في ممسكة ... والأرض تختال في أبرادها القشب
إذا ألح حسام البرق مؤتلقاً ... في الومض جد خطيب الرعد في الخطب
والريح وسنى خلال الروض دانية ... فما يراع لها مستيقظ الترب
نسيم الريح نيب الروح.
مرض غسان بن عباد حين ولي الرقة فما كان ينجح فيه دواء، فقال طبيبه: أبو عباد مرضه سببه الهوء، فبعث إلى بغداد فحمل الهواء فكان يفتح كل يوم في وجهه جرابا حتى برىء.
أبو حنيفة الدينوري: بعض الرياح أقل هبوبا من بعض، فالدبور قليلة الهبوب، وكذلك الشمال الليل هي أقل هبوبا من الجنوب. وقلما تهب الشمال وهي إذا ضرب الليل ضعفت أو سقطت، ولذلك تقول العرب في أحاديثها: ان الجنوب قالت للشمال أن لي عليك فضلا، أنا أسرى وأنت لا تسرين. فقالت الشمال أن الحرة لا تسرى.
تمنين الطلاق وأنت عندي ... بعيش مثل مشرقة الشمال
يعنى بعيش طيب، فإن المشرقة الشمالية يعد لها التقاء الحر والروح عليهما.
حر تصلى فيه الحزباء ولا تصلى فيه الحرباء.
عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ويوم كتنور الطواهي سجرته ... وألقين فيه الجزل حتى تضرما
قذفت بنفسي في أجيج سمومه ... وبالعنس حتى ابتل مشفرها دما
سمعها أخوه الحارث قال: الله أكبر قد أخذت في فن آخر، فلما سمع:
أؤمل أن ألقى من الناس عالما ... بأخباركم أو أن ألم مسلما
قال: أنك لفى ضلالك القديم.
حر يشبه قلب الصب، ويذيب دماغ الضب.
علي رضي الله عنه: توقوا البرد في أوله، وتلقوه في آخره، فأنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار، أوله يحرق، وآخره يورق.
رأى لأصمعي رجلا يختال في أزير في يوم قر، فقال له: من أنت يا مقرور؟ قال: أنا ابن الوحيد أمشى الخيزلى ويدفئني حسبي.
سئل رجل عريان عما يجد في يوم قر، فقال: ما علي منه كبير مؤونة، قيل: كيف؟ قال: دام بي العري فاعتاد بدنى ما تعتاده وجوهكم.
قيل لأعرابي: ما أشد البرد، فقال: إذا صفت الخضراء، ونديت الغبراء، وهبت الجربياء.
دخل أبو العيناء على بن عبد الرحمن بن خاقان في يوم شات، فقال: كيف تجد هذا اليوم؟ فقال: تأبى نعماؤك أن أجده.
أعرابي: أصبحت الشمال تتنفس الصعداء.
هبت ريح شديدة فقيل: قامت القيامة. فقال زبدة المخنث: هذه قيامة على الريق بلا خروج الدجال ولا دابة الأرض ولا طلوع المهدي نسأل الله بركة قدومه.
أبو الحسن الطوسي صاحب الأصمعي:
هجم الشتاء ولا أم ... لك ألا رواية العربية
وقميصاً لو هبت الريح لم تب ... ق على عاتقي منه بقية
كان للمتوكل بيت مال يسميه بين مال الشمال كلما هبت الريح شمالا تصدق بألف درهم.
القاضي التنوخي:
وليلة ترك البرد البلاد بها ... كالقلب أشعر يأساً فهو مثلوج
فإن بسطت يداً لم تنبسط خصراً ... وأن تقل فيقول فيه تثبيج
فنحن فيها ولم نخرس ذوو خرس ... ونحن فيها ولم تفلج مفاليج
قيل لأعرابي: ما أعددت للبرد؟ قال: طول الرعدة. فنظمه ابن سكرة الهاشمي:
قيل ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشدة
قلت دراعة عري ... تحتها جبة رعدة
آخر:
أنى لأرجو أن تموت الريح ... فاقعد اليوم واستريح
هو قول ذراء ود أن تهدأ الريح فيهدأ من الذراية.

تقول العرب: أبرد الأيام الأحص الورد، والأزب الهلوف. فالاحص الورد: المصحى الذي تصفر شماله وتحمر آفاقه. والأزب الهلوف: الذي تهب نكباؤه، ويكثر جهامه وقتلمه من قولهم لحية هلوفة كثيرة كبيرة.
وكل البرد الأيدى بالنحور، وأحمد الريق على الثغور.
قد أخصر الوجه لو جعلت ضحى ... ناراً تأجج فوق الوجه ما احترقا
الجاحظ: الماء ليس يجمد للبرد فقط، فقد تكون الليلة باردة جداً ولا تجمد الماء، وتجمد التي هي أقل برداً منها، وقد يختلف جمود الماء في الليلة الساكنة وذات الريح.
قال: وقد أخبرني من لا ارتاب بخبره أنهم كانوا في جبل يستغنون فيه عن لبس المبطنات، ومتى صبوا الماء في أناء من زجاج جمد من ساعته، فليس جمود الماء بالبرد فقط، ولابد من شركة ومقادير، واختلاف جواهر ومقابلات، كسرعة البرد في بعض الأدهان وابطائه عن بعض، وكأختلاف عمل البرد في الماء المغلي والمتروك على حاله. وقد رأيت أنا بالبادية الماء قد بلغ به البرد إلى حد ما كدت أطيق أن أباشره بثغرى خصراً، وهو مع ذلك على حالة لم يعمل فيه الجمود. وربما جمد ماء جيحون حتى بلغ غلظ الجمد فيه قيد ذراع فصاعداً، وشربه سهل لذيذ، لا يتكره الشارب أن يعبه عباً.
تقول العرب: الشتاء ذكر، والصيف أنثى، وذلك لقسوة الشتاء وشدته، ولين الصيف وهونه. ومن عادتهم أن يذكروا كل صعب قاس، قالوا: داهية مذكار، إذا كانت ذات مخاوف وافزاع، ويوم باسل ذكر. قال:
فإنك قد بعثت عليك نحسا ... شقيت به كواكبه ذكور
جعلها ذكورا لكون نحسها أفظع وأشد. والصيف وأن تلظى قيظه، وحمي صلاؤه، فهو بالقياس إلى الشتاء وهوله هين عندهم، لما يلقونه من البرح والبؤس الشديد، ولذلك قالت أم الحسن حين سئلت أيما أشد الشتاء أم الصيف؟ ومن يجعل الاذى كالزمانة؟ وروي: وما جعل البئيس إلى الأذية! ولذلك تجدهم لا يعدون أن يصفوا أوار الصيف، فإذا صاروا إلى الشتاء وعجوا من وطئه عجيجا، ونوهوا باسم من آسى فيه وواسى، وأوقد نويرة، وبذل طعيما.
ابن المعتز:
والريح تجذب أهداب الازار كما ... أفضى الشفيق إلى تنبيه وسنان
وله: ونسيم يبشر الأرض بالقط - ر كذيل الغلالة المبلول
ووجوه البلاد تنتظر الغي ... ث انتظار المحب رجع الرسول
أبو الفتح البستي:
سبحان من خص الفلز بعزة ... والناس مستغنون عن أجناسه
وأذل أنفاس الرياح وكل ذي ... نفس فمفتقر إلى أنفاسه
يقال للبرد المستطاب: برد الورد، وهو برد الربيع. كما يقال للبرد الكريه: برد العجوز. ويقال: أن برد الربيع مونق، وبرد الخريف موبق ابن خالويه:
إذا همذان اعتادها البرد وانقضى ... برغمك ايلول وأنت مقيم
فعينك عمشاء وأنفك سابل ... ووجهك مسود البياض بهيم
وأنت أسير لبرد تمشى تعلة ... على السيف تحبو مرة وتقوم
بلاد إذا ما الصيف أقبل جنة ... ولكنها عند الشتاء جحيم
هاج برد يحول بين الكلب وهريره، والأسد وزئيره، والطير وصفيره، والماء وخريره.
لما خلع المستعين قيل له: اختر بلداً تحله، فاختار البصرة، فقيلك هي حارة، فقال: أترونها أحر من فقد الخلافة! المأمون: من مروءة الرجل أن يوجد منه رائحة الطرفاء أيام الشتاء.
رائحة الطرفاء رائحة الظرفاء.
أبو حنيفة الدينوري: قيل للعواء عواء البرد، لأن البرد مسترعف بها، فإذا هي طلعت لم يأت إلا وهي منه في شباب، إلى أن يتناهى في بركي الشتاء.
وقال: لا يزال البرد راكداً يفري الفري، والثريا ترتقي، حتى إذا رئيت عشاء قد قممت، والشعريان قد استقلتا، وطلعت نثرة الأسد، فذلك حين وقعت عقارب البرد وتناهى قرصه وشدته.
تقول العرب: إذا رأيت الشعريين، يحوزهما الليل، فهناك لا يجد القر مزيداً.
وحوز الليل إياهما أن يكونا في حيزه فتطلعا بعد غروب الشمس، وتغيبا قبل طلوعها، فلا يكون للنهار فيهما نصيب، وذلك من لدن طلوع الهرارين إلى أن ينوء الذراع. وهو أخلص صميم الشتاء وأصرحه.
ويقولون: إذا أمسى النجم قم راس، فليله فتى وفاس. يعنون أن الفتى يحتطب فيها بالفأس، لأنه لابد له من الصلاء.

الأصمي: رأيت أعرابيا قد حفر قرموصا وقعد فيه في أول الشتاء، فقلت: ما صيرك إلى هذا؟ قال: شدة البرد، وأنشأ يقول:
أيا رب هذا البرد أصبح كالحاً ... وأنت بصير عالم لا تعلم
لئن كنت يوماً ما جهنم مدخلى ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
قيل لأعرابي في الشتاء: أما تصلى: قال: البرد شديد، وما علي كسوة أصلى فيها، وقال:
أن يكسني ربي قميصت وريطة ... أصل وأعبده إلى آخر الدهر
وأن لا يكن إلا بقايا عباءة ... مخرقة مالي على البرد من صبر
كلما كان الساتر أشد اكتنازاً، كان الظل أشد سواداً. وليس يكون ظل أبرد ولا أشد سواداً من ظل جبل.
في ديوان المنظوم:
شتاء تقلص الاشداق منه ... وبرد يجعل الولدان شيبا
وأرض تزلق الأقدام فيها ... فما تمشى بها إلا دبيبا
وفيه:
أقبلت يا برد بوجه أجرد ... يفعل بالأوجه فعل المبرد
أظل في البيت كمثل المقعد ... منقبضاً تحت الكساء الأسود
لو قيل لي أنت أمير البلد ... فهات للبيعة كفأ تعقد
لكنت كالأقطع لم أخرج يدي عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته، انما كان يبتسم. وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه.
فقلت: يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية. فقال: يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا.
أبو هريرة: سمعت رسول الله يقول: الريح من روح الله.
ابن عاس: ان الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء، رحمة بالمساكين.
أنس: يرفعه: استعينوا على قيام الليل بقائلة النهار، واستعينوا على صيام النهار بسحور الليل، واستعينوا على حر الصيف بالحجامة، واستعينوا على برد الشتاء بأكل التمر والزبيب.
الخدري، يرفعه: إذا كان يوم حار. فإذا قال الرجل: لا إله إلا الله، ما أشد حر هذا اليوم! اللهم أجرني من حر جهنم، قال الله لجهنم: أن عبداً من عبيدي قد استجارني من حرك، وأنا أشهدك أني قد أجرته. وإذا كان اليوم شديد لبرد، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد برد هذا اليوم! اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله لجهنم: أن عبداً من عبيدي استجارني من زمهريرك، وأني أشهدك أني قد أجرته. قالوا: وما زمهرير جهنم؟ قال: بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة برده.
بابي بن دكين:
إذا الريح من قصد العقيق تنسمت ... ونحن بمجراها شفى النفس طيبها
فيا جبلى غوري تهامة خليا ... نسيم الصبا يخلص إلي هبوبها
فإن الصبا ريح إذا ما تنفست ... على كبد حرى تجلت كروبها
يحيى بن ذي الشامة المعيطي:
جاء الشتاء وليس عندي درهم ... وبمثل ذلك قد يصاب المسلم
لبس العلوج خزوزها وفراءها ... وكأنني بفناء مكة محرم
أبو صفوان ابن عوانة: وضوء المؤمن في الشتاء يعدل عبادة الرهبان كلها.
محمد بن عبد العزيز: البرد عدو للدين.
جلس عيسى عليه السلام في ظل خباء عجوز فقالت: من الذي جلس في ظل خبائنا؟ قم يا عبد الله. فقام فقعد في الشمس فقال: لست أنت أقمتني، إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئاً.
وقع أعرابي إلى أرض أصبهان في أيام الربيع، فاستطاب الهواء، وأنس بالاشجار، فلما جاء الشتاء قحلت الأشجار، وثلجت الأقطار، فجعل يرتعد من البرد وتخفق أحشاؤه، فقال:
بأصبهان شعثت أموري ... لما تقضى الصيف ذو الحرور
ورمت الآفاق بالهرير ... وللثلج مقرونا بزمهرير
جاءت بشر مجنب عافور ... لو لا شعار البرة البرور
أم الكبير وأبى الصغير ... لم يدف مقرور من لتخصير
والشمس فيها فرح المقرور البرة: الشمس، والمجنب: الكثير، والعافور: المهلك، من قولهم: وقع في عاثور شر، وعافور شر.

كان علي عليه السلام يخرج في الشتاء، والبرد شديد في أزار ورداء خفيفين. وفي الصيف في القباء المحشو والثوب الثقيل لا يبالي، فقيل له، فقال: قال رسول الله يوم خبير حين أعطاني الراية، وكنت أرمد، فتفل في عيني، اللهم أكفه الحر والبرد فما آذانى بعد حر ولا برد.

باب
النار وأنواعها وأحوالها
وذكر نار جهنم وأهوالها والسراج والشمعة ونحو ذلك
أبو هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم، لو كان في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وفيهم رجل من أهل النار، فتنفس فأصابهم نفسه، لأحرق المسجد ومن فيه.
قال نبي الله عليه الصلاة والسلام لجبريل: مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟ قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار.
أنس، يرفعه: أن أدنى أهل النار عذاباً الذي تجعل له نعلان، يغلى منهما دماغه في رأسه.
وعنه عليه الصلاة والسلام: ليلة أسري بي سمعت هدة، فقلت: يا جبريل ما هذه الهدة؟ قال: حجر ارسله الله من شفير جهنم، فهو يهوى منذ سبعين خريفاً، بلغ قعرها الآن.
الخدرى: عنه عليه السلام في قوله تعالى: " وهم فيها كالحون " تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخى شفته السفلى حتى تبلغ سرته.
عبيد بن عمير الليثي: أن جهنم تزفر زفرة لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائضه، حتى أن ابرهيم ليجثو على ركبتيه، فيقول: رب لا أسألك إلا نفسي.
الخدري: عنه عليه الصلاة والسلام: لو ضرب بمقمع من مقامع الحديد الجبل لفتت فعاد غباراً.
ابن عباس: لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرت على أهل الأرض معيشتهم، فكيف بمن هو طعامه وشرابه، ليس له طعام غيره.
الحسن: أن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار أنهم أعجزوا الرب، ولكن إذا طفا بهم اللهب أرسبتهم في النار. ثم خر الحسن مغشيا عليه، ثم قال ودموعه تحادر: يا ابن آدم نفسك، نفسك، فإنما هي نفس واحدة، أن نجت نجوت، وأن هلكت لم ينفعك من نجا.
كل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار يسير.
طاووس: لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة، فلما خلقتم سكنت.
مطرف: أنكم تذكرون الجنة وقد حال ذكر النار بيني وبين أن أسأل الله الجنة.
منصور بن عمار. مروي سكن البصرة: يا من الكلمة تقلقه، والبعوضة تسهره، أمثلك يقوى على وهج السعير، أو يطبق صفحة خده على لفح سمومها، ورقة أمعائه على خشونة ضريعها، ورطوبة كبده على تجرع غساقها؟ قيل لعطاء السلمي: أيسرك أن يقال لك: قع في النار فتحرق فتذهب فلا تبعث؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو، لو طمعت أن يقال لي ذلك، لظننت أن أموت فرحاً قبل أن يقال لي قع فيها.
رابعة القيسية: قال مالك بن دينار: أتيتها وإذا هي تقول: كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، يا رب أما كان لك عقوبة ولا أدب غير النار؟ كانت حمدة بنت الخراساني وكانت بلهاء تبكي وتتضرع في ليلة كسوف وتقول: يا رب عذبني بكل شيء، ولا تعذبني بالنار، اضربني بالفالج، أرمني بقاصمة الظهر، كل شيء ولا النار.
سمعت بعض البحارة بمكة يصف القرش وتعرضه للجلبة، وأن الركاب فيها يتمحلون بكل محال في دفعه وطرده، من الطعن بالنيازك، والضرب بالمعاول، فما تعمل فيه حيلة قط، فإذا أخرجوا النار في الشعلة، فقبل أن يدنوها منه، ذهب في الدنيا حذرا من النار.
الحسن: والله ما يقدر العباد حرها. ذكر لنا لو أن رجلاً كان بالمشرق وجهنم بالمغرب، ثم كشف عن غطاء منها، لغلت جمجمته، ولو أن دلواً من صديدها صبت في الأرض ما بقي على وجه الأرض شيء فيه روح إلا مات.
عن غلام الأحنف بن قيس: أن عامة صلاة الأحنف بالليل كان الدعاء، وكان يضع المصباح قريبا منه، فيضع اصبعه عليه فيقول: أحس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ هشام بن الحسن الدستوئي، من أصحاب الحسن، كان لا يطفىء سراجه بالليل، فقال له أهله: أنا لا نعرف الليل من النهار. فقال: أنى إذا أطفأت السراج ذكرت ظلمة القر فلم يأخذني النوم.
قال الفضيل لابنه علي بعد صلاة الفجر: أتدري ما قرأ الامام من قوله تعالى: " فيهن قاصرات الطرف " ؟ فقال: شغلني عنه قوله: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون " .
قرىء عند عمر رضي الله عنه: " سرابيلهم من قطران " ، وثم أعرابي فانتحب، وقال: والله يا أمير المؤمنين لقد رأيتني أهنأ البعير بالقطران فيهرج البعير، فكيف بابن آدم؟

يعلى بن منية: عنه عليه السلام: تقول جهنم للمؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبى.
أنس: عنه عليه السلام: من أسرج في مسجد سراجا لا تزال الملائكة تستغفر له، ما دام في المسجد ضوء ذلك السراج.
وهب بن منبه: كان يسرج في كل ليلة في البيت المقدس ألف قنديل، وكان يخرج من طور سيناء زيت مثل عنق البعير، صاف يجري، حتى ينضب في القناديل من غير أن تمسه الأيدي. وكانت تنحدر من السماء نار بيضاء تسرج بها القناديل. وكان القربان والسرج بين ابني هارون شبر وشبير، فأمرا أن لا يسرجا بنار الدنيا، فاستعجلا يوما فأسرجا بنار الدنيا، فوقعت النار، فأكلت ابني هارون، فصرخ الصارخ إلى موسى عليه السلام، فجاء يدعو، يقول: يا رب ان ابني هارون أخي قد عرفت مكانهما مني. فأوحي إليه: يا ابن عمران هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني، فكيف بأعدائي؟ والظباء، والرتلان، والاسود، والوحوش، كلها تعشى إذا رأت النار بالليل، وتحدث لها فكرة فيها، ونظر إليها، والصبي الصغير كذلك، والضفادع تنق فاذا رأت النار سكتت.
قال أحمد بن يوسف الكاتب: أمرني المأمون أن أكتب إلى أهل الامصار في الازدياد من المصابيح، فلم ينفتح لي ما أكتب، فرأيت في النوم قائلا يقول لي: فإن فيها اضاءة للمجتهدين، وأنسا للسابلة، ودفعاً لمكامن الريب عن بيوت الله.
الصنوبري في الشمعة:
مجدولة في قدها ... حاكية قد الأمل
كأنها عمر الفتى ... والنار فيها كالأجل
شرب نقيل عند رجل، فلما أمسى لم يأته بالسراج، فقال: أين السراج، قال: الله تعالى يقول: " وإذا أظلم عليهم قاموا " ، فقام فخرج.
وفحم كأيام الوصال فعاله ... ومنظره في العين يوم صدود
كأن لهيب النار بين خلاله ... بوارق لاحت في عمائم سود
أبو ثروان الأعرابي: ضفنا فلانا، فلما طعمنا، أتونا بالمقاطر فيها الجحيم يهص زخيمها فألقى عليها المندلي. أي بالمجامر فيها الجمر.
وشقراء غبراء الفروع منيفة ... إذا شبهوا الحسناء قالوا كأنها
شجر يحمل ناراً: هو الشمع. كأنها نخلة بلا سعف تحمل جمارة من النار.
وحية في رأسها درة ... تسبح في بحر قصير المدى
إذا تناءت فالعمى حاضر ... وأن دنت بان طريق الهدى
يعني فتيلة المصباح.
يقال: ما من شجر إلا تقدح منها النار إلا العناب، ولذلك اختاره القصارون لكذ ينقاتهم.
لما قتل المأمون ابن عائشة قال:
أنا النار في أحجارها مستكنة ... متى ما يهجها قادح تتضرم
وعن ابن الأعرابي: أن الوحي: الملك. فقيل له: لم سمي بذلك؟ فقال: لأنه يفعل فعل الوحي، وهو من أسماء النار.
لما زوج آدم عليه السلام بناته من بنيه، وتناسلوا، وتمت عدتهم مائة نفس، وقيل: بلغت مساكنهم مائة، اجتمعوا وأوقدوا نارا، واتخذوا ذلك اليوم عيدا، فسماه أهل فارس السذق.
زعموا أن ببلاد سقلية ولوقانية جبالاً فيها عيون تنبع منها النار، تضيء للسيارت البعيدة، لا يطفئها شيء، وأن حمل منها انسان شعلة قبس إلى موضع آخر لم تقد.
مروا بالغاضري وهو قاعد عند قبر رجل من بني أبي معيط، فقيل له: ما تصنع هاهنا؟ قال: اصطلى بناره. وذلك لما روى أبو العيزار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما انصرف من بدر، وبلغ الصفراء، أمر بضرب عنق عقبة بن أبي معيط.، فقال: يا محمد أقتل من بين قريش؟ فقال عمر: حن قدح ليس منها، لأن أبا معيط كان علجاً من أهل صفورية من الأردن، قدم به أبو عمرو بن أمية بن عبد شمس مكة فادعاه. فقال: يا محمد من للصبية فقال: النار.
ذكر أعرابي نار قرى فقال: تلك والله نار قديمة الولاء، يطير لها مع كل ريح رماد، تضيء لها البلاد، ويحيا بها العباد.
أعرابي:
أوقد فإن الليل ليل قر ... والريح يا ياسر رح صر
عسى يرى نارك من يمر ... أن جلبت ضيفاً فأنت حر
كان السلطان يأمر بإيقاد النيران على أم خرمان، وهي رابية بين ملتقى البصرة وحاج الكوفة، ليستأنسوا إلى ضوئها. قال:
يا أم خرمان أرفعي الوقودا ... تري رجالاً وجمالاً قودا
فقد أطالت نارك الخمودا ... أمت أم لا تجدين عودا
وقال:

يا أم خرمان أرفعي ضوء اللهب ... أن الدقيق والسويق قد ذهب
فكم بين من بلغت به الشفقة على الاسلام إلى طلب إيناس الحاج، يإيقاد النار في مخترقهم، بين من أدته القسوة إلى أن أجج نيران الفتن حتى سد مسالك طرقهم. اللهم أنا نعوذ بك من الجور بعد الكور، ونسألك الخلاص من أمراء الجور.
حبس أبو دلامة على الشراب، فكتب إلى المنصور:
أمن صهباء صافية المزاج ... كأن شعاعها ضوء السراج
وقد طبخت بنار الله حتى ... لقد صارت من النطف النضاج
أقاد إلى السجون بغير جرم ... كأنى بعض عمال الخراج
فاستدعاه واستنشده، وأمر له بألف درهم. فلما خرج قال له الربيع: فهمت يا أمير المؤمنه قوله بنار الله؟ قال: فهمت قال: ما عنى بها إلا الشمس. فرد، فقال: يا عدو الله ما عنيت بنار الله قال: نار الله الموقدة التي تطلع على فؤاد من أخبرك. فضحك منه، وأمر له بألف اخرى.
الجاحظ: لما هدم خالد بن الوليد العزى رمته بالشرر، حتى أحرقت عامة فخذه. وما أشك أنه كان للسدنة حيلة وكمين. ولو رأيت ما للهند في بيوت عباداتهم من هذه المخاريق لعلمت أن الله قد من على المسلمين بالمتكلمين الذين نشأوا فيهم. وذكر احتيال رهبان كنيسة الرها بمصابيحها، حتى أن زيت قناديلهم يتوقد من غير نار في بعض ليالي أعيادهم.
طائر يقال له السمندل يقع في النار فلا يحترق ريشه.
وعن المأمون: لو أخذ الطحلب فجفف في الظل ثم سقط في النار لم يحترق.
أبو اسحق النظام: الجمر في الشمس ألهب، وفي الفيء أشكل، وبالليل أحمر.
كانوا يوقدون ناراً عند التحالف، فيدعون الله بحرمان منافعها، وأصابة مضارها على من ينقض العهد، ويخيس بالعقد، ويقولون في الحلف: الدم الدم، والهدم الهدم، لا يزيده طلوع الشمس إلا شداً، وطول الليالي إلا مداً، ما بل بحر صوفة، وما أقام رضوى بمكانه. وكذلك إذا استحلفوا على شيء أوقدوها، وطرحوا فيها الملح والكبريت، فإذا تغيضت واستشاطت، قالوا، هذه النار قد تهددتك، فإن كان مبطلا نكل، وأن كان بريئا حلف. وتسمى الهولة، وموقدها المهول. قال أوس:
إذا أستقبلته الشمس صد بوجهه ... كما صد عن نار المهول حالف
وكانوا يوقدون ناراً خلف مسافر لا يحبون رجوعه. وكانوا يقولون: أبعده الله وأسحقه، وأوقد ناراً آثره، ومنه قول بشار:
صحوت وأوقدت للجهل نارا ... ورد عليك الصبا ما استعارا
أي طردت الجهل ورفضته، وعبر عن ذلك بإيقاد النار خلفه.
وكانوا إذا توقعوا جيشا أوقدوا ناراً ليلاً على جبلهم، ليبلغ الخبر أصحابهم وربما أوقدوا نارين. قال الفرزدق:
ضربوا المصانع والملوك وأوقدوا ... نارين أشرفتا على النيران
نار الحرتين ببلاد عبس، تسطع من الحرة بالليل، وربما بدرت منها العنق فتأتى على كل شيء. وهي بالنهار دخان ينور، فبعث الله ابن سنان العبسي وهو أول نبي بعث من ولد اسماعيل، قد قدمت ابنته على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، وقال: بنت نبي ضيعه قومه، وسمعت قل هو الله أحد، فقالت: كان أبى يتلوها فحفر لتلك النار بئراً فادخلها فيها والناس ينظرون، ثم اقتحم فيها حتى غيبها. قال:
كنار الحرتين لها زفير ... يصم مسامع الرجل السميع
قال الجاحظ: أحسن ما قالوا في نار القرى قول الأعشى:
لعمرى لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في يفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
رضيعى لبان ثدي أم تقاسما ... يأسحم داج عوض لا نتفرق
قالوا: أحسن منه قول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
ثم قال: ما كان ينبغي أن يمدح بهذا البيت إلا خير أهل الأرض، وعلى أني أعجب بمعناه أكثر من عجبي بلفظه وطبعه ونحته وسبكه. يعنى أنه مطبوع غير مصنوع متعمل، منحوت من الأبن والزوائد الفاضلة، مسبوك كما تسبك الفضة في جودة بيانه ونظمه، حيث جود في تعشو وإيقاعه حالاً، وقوله خير نار وما فيه من التجريد، ولم يقل تجدها خير نار، وجمع بين الخيرين.

وكانوا يوقدون النار يهولون بها على الأسد، فإذا عاينها حدق إليها واستهالها فتشغله عن السابلة. ومر ناس بوادي السباع فعرض لهم سبع، فأوقدوا ناراً، وضربوا على الطاس الذي معهم فأحجم عنهم.
يقال لنار العرفج نار الزحفتين، لآن صاحبها لا يزال يزحف إليها وعنها لسرعة اتقادها وأنطفائها.
وقيل لأعرابي: ما بال نسائكم رسحاً؟ فقال أرسحهن عرفج النار.
جمرات العرب عبس وضبة ونمير، سميت بجمرات النار.
قال أبو حية النميري:
وهم جمرة ما يصطلى الناس نارهم ... توقد لا تطفى لريب الدوائر
وقال أيضا:
لنا جمرات ما على الأرض مثلها ... ثلاث فقد جربن كل التجارب
نمير وعبس تتقى نقماتها ... وضبة قوم بأسهم غير كاذب
إلى كل قوم قد دلفنا بجمرة ... لها عارض جون قوي المناكب
في ديوان المنظوم:
ما جمرة إلا تنافس جمرة ... يستوقد الضبي نار فخارها
يسمو إليها نسبة فيزيدها ... خطرا ينيف على مدى أخطارها
فمتى تصدع جمرة أو تنطفى ... فلما ترى من فخر تلك وعارها
ومنى الجميع منال وطأة أخمص ... منه ليرفع ذاك من مقدارها
وبأن أصابت جمرة النار المنى ... زهيت على جمراتها وجمارها
وأذاتها كانت لتجميش هوى ... ومحبة ليست لأجل ضوارها
قالوا: ألقي رجل في ماء راكد في شتاء بارد، في ليلة من الحنادس، لا قمر ولا ساهور، فما زال حياً وهو في ذلك بارز جامد ما دام ينظر إلى نار تجاه وجهه. فلما طفئت طفىء. وإنما قيل لا قمر ولا ساهور، لأن القمر والطوق الذي يستدير حوله، يزعمون أنه كاسر من برد الليل.
قالوا: النيران ثلاث: نار تأكل وتشرب، وهي نار الحمى، تأكل اللحم وتشرب الدم. ونار تأكل ولا تشرب، وهي نار الدنيا. ونار لا تأكل ولا تشرب، وهي نار جهنم.
أنس: من أسرج في مسجد سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوء.
أبو طالب المأموني:
وقائمة بين الجلوس على شوى ... ثلاث فما تخطو بهن مكانا
على رأسها نجل لها لم تجنه ... حشاها ولا علته قط لبانا
تسدد في أعلاه كل عشية ... لشق جلابيب الظلام سنانا
هي المنارة، وله في الشمعة:
وطاعنة جلباب كل دجنة ... بماضي سنان في ذؤابة ذابل
تجود على أهل الندي بنفسها ... وما فوق بذل النفس جود لباذل
وله فيها:
ومجدولة مثل رأس القنا ... ة تعرت وباطنها مكتسي
فنحن من النور في أسعد ... وتلك من النار في أنحس
مر علي على المساجد في شهر رمضان فيها القناديل فقال: نور الله على عمر بن الخطاب في قبره كما نور علينا مساجدنا.
أمية بن أبي الصلت في صفة جهنم:
تحش بجندل صم صلاب ... كأن الضاحيات لها قضيم
غداة يقول بعضهم لبعض ... ألا يا ليت أمكم عقيم
فلا تدنو جهنم من بري ... ولا عدن يطالعها الأثيم
وهم يطفون كالأقذاء فيها ... لئن لم يرحم البر الرحيم
أبو محمد المكي في الرشيد لما فتح هرقلة:
هوت هرقلة لما أن رأت عجبا ... جواثماً ترتمي بالنفط والقار
كأن نيراننا في جنب قلعتهم ... مصقلات على أرسان قصار
عبيد بن أيوب العنبري، أبو المطراب، من لصوص الحجاز:
يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم ... ما علمهم بعظيم العفو غفار
عباءة بن يزيد بن جعشم:
كأن لم يقل يوماً يزيد بن جعشم ... لنار الندى ارفع سناها وأوقد
واذك سنا نار الندى عل ضوءها ... يجيء بمقو أو طريد مشرد
فباتت على علياء نار ابن جعشم ... تشب لغوري وآخر منجد
وبات الندى والجود يصطليانها ... حليفي كريم واجد غير مجحد

ما هبط جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو محزون مغموم، فقال له في ذلك، فقال: يا محمد لما وضعت المنافيخ على جهنم، أورثت قلبي الحزن والغم.
علي رضي الله عنه: لقد رأيت عقيلا وقد أملق، حتى استماحني من بركم صاعا، وما رأيت صبيانه شعث الألوان من فقرهم، كأنما سودت وجوهم بالعظلم، وعاودني مؤكدا، وكرر على القول مردداً، فأصغيت إليه سمعى، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقاً طريقتي. فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحرق من مسها، فقلت له: ثكلتك الثوكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه. أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟ وعنه: واعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار، فارحموا نفوسكم فأنكم جربتموها في مصائب الدنيا، فرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تدميه، والرمضاء تحرقه، فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيج حجر، وقرين شيطان. أعلمتم أن مالكا إذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبته، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعا من زجرته. أيها اليفن الكبير، الذي قد لهزه القتير، كيف أنت إذا أقتحمت أطواق النار بعظام الاعناق، وتشبثت الجوامع حتى أكلت لحوم السواعد.
خرج عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق إلى معاوية فكلمه في أمر أخيه محمد فأنبه، وكتب إلى معاوية بن خديج باطلاقه، ودس كتابا بإحراقه، فأحرق بالنار. فكانت عائشة رضي الله عنها لا تأكل الشواء، ولا تراه إلا بكت.
سأل معاوية من يطعم بمكة؟ فقيل عبد الله بن صفوان، فقال: تلك نار قديمة.
أوحى الله إلى موسى لا تستوقد بالبيت المقدس بنار، حتى أنزل عليك بنار من السماء، فسأله هارون أن يجعلها له ففعل، فجعلها هارون لابنيه، فعجلا فاستوقدا بنار، فنزلت من السماء نار فأخذتهما، وذهب هارون لتخليصهما. فقال موسى: دع ربي يبلغ فيهما نقمته، فأوحى الله إليه هكذا أفعل بمن عصاني من أوليائى فكيف باعدائى.
عن محمد ين زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: لما نصب الحجاج المنجنيق على البيت، وفيه ابن الزبير جعلت الصواعق تقع من كل جانب. فقال الحجاج لا تهولنكم إنما هي صواعق تهامة. قال محمد فأنا نظرت إليهم وهم فوق أبي قيس إذ أقبلت صاعقة من السماء كأنها محراق فطحنتهم.
عون بن عبد الله: مثل الناس مثل الخشب، ما صلح منه لشيء انتفع به، وإلا أوقد به، ومن كان فيه خير لقي خيراً، وإلا ألقي في النار.

باب
الأرض والجبال والحجارة
والحصى وجواهر الأرض والمفاوز وذكر الرجفة والخسف
النبي صلى الله عليه وسلم: تمسحوا بالأرض فأنها بكم برة.
الأرض مضجعنا وكانت أمنا ... فيها معايشنا وفيها نقبر
ابن عباس: أن في الأرض الثانية خلقا وجوههم وأبدانهم كوجوه بني آدم وابدانهم، وأفواههم كأفواه الكلاب، وأرجلهم وآذانهم كأرجل البقر وآذانها، وشعرهم كصوف الضأن، ولا يعصون الله طرفه عين، ليلنا نهارهم ونهارنا ليلهم.
ابن مسعود: عنه عليه السلام في قوله تعالى: " يوم تبدل الارض غير الأرض " أرض بيضاء نقية كأنها الفضة، لم يسفك عليها دم حرام، ولم تعمل عليها خطيئة.
خطب الحجاج فقال: أن الله خلق آدم وذريته من الأرض، وأمشاهم على ظهرها، فأكلوا من ثمارها، وشربوا من أنهارها، وهتكوا أطباقها بالمساحى والمرود، فإذا ردهم الله إلى الأرض أكلت لحومهم كما أكلوا ثمارها، وشربت دماءهم كما شربوا ماءها، ومزقت أوصالهم كما هتكوا أطباقها.
كان بعض العلماء إذا تلا قوله تعالى: " وفي الأرض آيات للموقنين " قال: أشهد أن السموات والأرض وما فيها آيات تدل عليك وتشهد لك بما وصفت من نفسك، كل يؤدي عنك الحجة، ويقر لك بالربوبية، موسوم بآثار قدرتك، ومعالم تدبيرك الذي تجليت به لخلقك، فوسمت من معرفتك القلوب بما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجم الاحتجاب، فهي على اعترافها بك شاهدة أنك لا تحيط بك الصفات، ولا تدركك الاوهام فإن حظ الفكر منك الاعتراف بك والتوحيد.
الجاحظ: كان فضل الرقاشي سجاعا في قصصه، وكان عمرو ابن عبيد وهشام بن حسان يحضرانه، ومن كلامه: سل الارض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً.

يعلى بن منية: عنه عليه السلام، من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل نرابها في المحشر.
يقال: أرض حصان من ملامسة الحيا، أي جدبة.
ماله في الأرض مربض عنز، إذا نفوا عنه ملك شيء من العقار.
النبي صلى الله عليه وسلم: التمسوا الرزق في خبايا الأرض.
وعن مصعب: كان عروة بن الزبير يقول لي: أزرع مالك من أرض، أما تسمع قول الشاعر:
أقول لعبد الله لما لقيته ... يسير بأعلى الرقمتين مشرقا
تبغ خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوماً أن تجاب فترزقا
سيعطيك ماء واسعاً ذا مثابة ... إذا ما مياه الناس غارت تدققا
وكان ابن شهاب الزهري يتمثل بها، ويدعى أنها له، والصحيح أنها لعمر بن أبي الحدير البلوي.
لما بلغ عمر رضي الله عنه أن نازلة البصرة اتخذوا الضياع، وعمروا الارضين، كتب إليهم لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها. قالوا: شحمة الأرض موضع الريع منها.
الزرع لا يبلغ النهاية إلا ببركتين: بركة السماء بأن تسقيه من مائها، وبركة الأرض بأن تربيه من ترابها.
زياد بن أبيه: أحسنوا إلى المزارعين فأنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا.
لا ضيعة على من له ضيعة.
إبراهيم بن اسحق المصعبي: كيمياء الملوك العمارة، ولا تحسن بهم التجارة.
الضيعة أن تعدتها ضعت، وأن لم تتعهدها ضاعت.
قال مدني لمزبد: أريد أن أشترى عنان جارية أبي العراقيب، قال: ويلك ومن أين لك ثمنها؟ قال: أبيع قطيعة جدى، قال: وأي قطيعة كانت لجدك؟ والله أن كان ملك جدك الاقطيعة الرحم.
في الحديث: أن الجفاء والقسوة في الفدادين، هم الأكرة، من الفديد الجلبة، لأنهم يفدون في سوق البهائم.
الضياع مدارج الهموم، وكتب الوكلاء سفاتج الغموم.
في ديوان المنظوم:
قد
أصبحت جارتى تجهلني ... غداة أصبحت بايعاً أرضي
فقلت ما صفقتي بخاسرة ... أبيع أرضي واشتري عرضي
قيل لجعفر بن محمد: لم يكلب الناس على الطعام في الغلاء؟ قال: لأنهم بنو الأرض، فإذا أقحطت أقحطوا، وإذا أخصبت أخصبوا.
ابن الرقاع العاملي يصف حماراً وأتانا:
يتعاوران من الغبار ملاءة ... بيضاء مخنلة هما نسجاها
تطوى إذا علوا مكانا جاسيا ... وإذا السنابك أسهلت نشراها
قصد مخنث جبل لكام ليتعبد، فلما صعد فيه أعيا، فقال: واشماتتي يوم أراك كالعهن المنفوش. واللكام جبل يمتد من حمص ودمشق ويسمى ثم لبنان، إلى أن يتصل بجبال أنطاكية والمصيصة ويسمى ثم اللكام.
وبه يسكن الإبدال يقال: هم تسعون كلما توفي واحد قام بدل مكانه. وإنما يرحم الله عباده وينظر لهم بدعائهم. قال:
وجاور بلاد الشام لبنان أنها ... معادن إبدال إلى منتهى العرج
وقال أبو دلف الخزرجي:
وجاورت الملوك ومن يليهم ... كما جاورت أبدال اللكام
حرة بني سليم إحدى الأعاجيب، فهي سوداء، وأهلها بنو سليم سود مثلها، ومن نزل بها من غير بنى سليم اسود، ويتخذون المماليك من الصقالبة الروام فتقلبهم الحرة والذين يلدون فيها من أولادهم إلى السواد. وكل ما فيها من الأنعام والخيل والوحوش إلى السواد. قال الجاحظ: وذلك مثل بلاد الترك ترى كل شيء فيها تركي المنظر، يدبرون الرماد والقلى فيستحيل حجارة سوداً تعمل منها الأرحاء.
يقول أهل طوس: قد ألان الله لنا الحجارة، كما ألان لداود الحديد، يعنون الحجارة التي تتخذ منها البرام.
ثالثة الأثافى قطعة من الجبل يضم إليها حجران فتكون أثافي القدر. وهي مثل في الشدة، يقال: رماه بثالثة الأثافي. قال علقمة بن عبدة:
وكل قوم وأن عزوا وأن كرموا ... عريفهم بأفي الشر مرجوم
وكان يقال لجرير والفرزدق والأخطل لتهاجيهم أربعين سنة أثافي الشر وللبديع:
ولي جسد كواحدة المثاني ... له كبد كثالثة الأثافي
عن الأخفش: ذكر رؤبة رجلاً فقال: هو من بنات المسجد يعني الحصى أراد أنه كالشيء الجماد.
ابن طباطبا:
بأبي الذي فلبي عليه حبيس ... مالي سواه من الأنام أنيس
لا تنكروا أبداً مقارنتي له ... قلبي حديد وهو مغناطيس

كان أبو حامد المروروذي إذا سمع تراجع المتكلمين في مسائلهم، ورأى ثباتهم على مذاهبهم، بعد طول جدالهم يتمثل بهذه الأبيات:
ومهمه فيه السراب يلمح ... دليله بحره مطوح
يدأب فيه القوم حتى يطلحوا ... ثم يظلون كأن لم يبرحوا
كأنما أمسوا يحبث أصبحوا أنشدني بعض الحجازيين:
وبتنا بقرواحية لا ذرا لها ... من الريح إلا أن ألود بكور
فلا الصبح يأتينا ولا الليل ينقضى ... ولا الريح مأذون لها بسكور
أرض يحار فيها الدليل الفهري، ويضل فيها القطا الكدري:
ورب خرق كأن الله قال له ... إذا طوتك ركاب القوم فانتشر
أنشد أبو عبيدة:
بئسا قرينا يفن هالك ... أم عبيد وأبو مالك
كنية المفازة والجوع.
قيل لأعرابي: كيف تصنعون بالبادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وهل العيش إلا ذاك، يمشي أحدنا ميلا ليرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقى عليها كساه، ويجلس في قبة يكتال الريح، فكأنه في أيوان كسرى.
قيل لأعرابي: ما أصبركم على البدو! قال: كيف لا يصبر من طعامه الشمس، وشرابه الريح؛ لقد خرجنا في أثر قوم قد تقدمونا بمراحل، ونحن حفاة، والشمس في قلة السماء، حيث انتعل كل شيء ظله، وما زادنا إلا التوكل، وما مطايانا إلا الأرجل حتى لحقنا بهم.
عبيد:
لعمرك أني والظليم بقفرة ... لمشتبها الأهواء مختلفا النجر
خليلا صفاء بعد طول عداوة ... إلا يا لتقليب القلوب وللدهر
اجتمع السرو، والنوك، الخصب، والوباء، والمال، والسلطان، والصحة والفاقة بالبادية؛ فقالوا: أن البادية لا تسعنا، فقالوا نتفرق في الآفاق؛ فقال السرو: أنا منطلق إلى اليمن، فقال النوك: وأنا معك؛ وقال الخصب: أنا إلى الشام، فقال الوباء: أنا معك؛ وقال المال: أنا إلى العراق، فقال السلطان: أنا معك؛ وقالت الفاقة: مالي حراك، فقالت الصحة: أنا معك. فبقيت الفاقة والصحة بالبادية.
أعرابي:
لضآن ترتعى الدكداك حولى ... أحب إلي من بقر عكوف
وكلب ينبح الأضياف ليلاً ... أحب إلي من ديك هتوف
وبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف
وشرب لبينة وتطيب نفسي ... أحب إلي من أكل الرغيف
ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف
للنوشادر أصل موجود، وقد يصعدون الشعر ويدبرونه حتى يستحكم استحكام النوشادر ولا يغادر شيئا من عمله، وهو من خصائص سمرقند.
وللمرداسنج أصل، ويدبرون الرصاص فيستحيل مرداسنجا.
وللتوتيا أصل. ويدبرون النحاس فيستحيل توتيا.
الملح الكشي من خصائص سعد سمرقند، يكون أحمر، فإذا دق كان أشد بياضا من غيره.
افتتح هشام بن عمرو القندرهار فوجد سارية من حديد طولها مائة ذراع، ثلاثون منها في الأرض: فسأل عنها، فقيل: قدم تبع بلادنا ومعه أبناء فارس فافتتحوها، وقالوا لا نجاوز هذه البلاد أبدا، وعمدوا إلى سيوفهم فضربوها حديدة واحدة فهي هذه.
قيل لأعرابي: صف الزلزلة، فقال: كأنها فرس انتفض ثم راجع.
عمر: عنه عليه الصلاة والسلام: إذا جار الحاكم قل المطر، وإذا غدر بالذمة ظفر العدو، وإذا ظهرت الفاحشة كانت الرجفة.
أبو هريرة: عنه عليه الصلاة والسلام: لتقمص بكم قماص البكر، يعني الأرض ورجفتها.
كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد. فإنه بلغني أن هذا الرجف شيء يعاقب الله به خلقه، وقد كتبت إلى الاجناد أن يخرجوا فيتوبوا إلى الله من ذنوبهم وخطاياهم، ومن استطاع أن يقدم بين يدي مخرجه صدقة فليفعل.
عن علي رضي الله عنه أنه قال لما زلزلت الأرض: ما اسرع ما أخزيتم! وعن كعب: لعله عمل عليها من الخطايا فتزلزلت غضباً للرب.
وعن ابن مسعود أن الأرض زلزلت على عهده فقال: كنا نرى الآيات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بركات. وأنتم ترونها تخويفا.
جرير بن عبد الله: نزل قطربل فقال أي نهر هذا؟ فقيل: دجلة، قال: وهذا؟ قالوا: دجيل، قال: يجتمع فيها جبابرة أهل الأرض فيخسف بها، فلهي أشد رسوخا في الأرض من سكة الحديد في الأرض الخوارة.
في الحديث: تنكبوا الغبار فمنه تكون النسمة أي الربو.

وعن الحجاج: اتقوا الغبار فإنه سريع الدخول، بطيء الخروج.
حكيم: أرفق بالعدو كما ترفق بزجاج الشام إلى أن تجد الفرصة، فأما أن تضرب به الحجر فتفضه، وأما أن تضربه بالحجر فترضه.
قال أبو عبيدة: ما ينبغي أن يكون مثل النظام، سألته وهو صبي عن عيب الزجاج فقال: سريع الكسر، بطيء الجبر.
جرير:
صدع الظعائن يوم بن فؤاده ... صدع الزجاجة ما لذاك تدانى
كان للواثق غلام بدوي فصيح، فازدحم الناس عليه يوما يكتبون فقلب طرفه فقال: أن تراب قعرها لمنتهب وذلك أن البئر العذبة الماء يخرج ترابها طيباً، فيتناهبه الصبيان سروراً به، ومضوا إلى الحي يبشرونهم.
كتب كشاجم: كنت أعزك الله، من المحل الجريب، والبلد الفقر الذي أنا به غريب عن سلامة الجوارح والحواس، إلا حاسة التمييز، فإنها لو صحت لما اخترت المقام بهذه المفازة.
بلاد كأن الجوع يطلب أهله ... بذحل إذا ما الصيف صرت جنادبه
الفرزدق:
لكسرى كان أعقل من تميم ... عشية فر من أرض الضباب
فأسكن نسله ببلاد ريف ... وأشجار وأنهار عذاب
فصار بها الملوك بنو أبيه ... وصرنا نحن أمثال الكلاب
فلا رحم إلا له صدى تميم ... فقد أزرى بنا في كل باب
في دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي؛ وأعوذ بك أن أغتال من تحتى.
قال وكيع: يعني الخسف.
أبو العطاف الغنوي:
أقول لميمون وقد حن حنة ... إلى الريف واغمرت عليه الموارد
سيكفيك ذكر الريف ضب ومذقة ... وبيت بو عساء الجنينة فارد
وريح بنجد طيب نسماتها ... وأسود من ماء العذبة بارد
أنف الكلب الأسدي:
أنى نزلت إليك من جبل ... دون السماء صمحمح صلد
أعلاه ذو شوك وأسفله ... ميثاء ملعبه من الأسد
علي رضي عنه حين جاء نعي الأشتر: مالك وما مالك! لو كان جبلا لكان فنداً لا يرتقيه الحافر ولا يوفى عليه الطائر.
عبد الصمد بن المعذل في نخل باعه:
فارقتني ذخيرة من عقار ... ذكرتني تفرق الأحباب
وسواء بيع الرقاب من الما ... ل إذا بعتها وضرب الرقاب
عبد الله الفقير إليه:
قد أصبحت جارتي تجهلني ... غداة أصبحت بائعا أرضي
فقلت ما صفقتي بخاسرة ... أبيع أرضي وأشتري عرضي
وهب هشام للأبرش ضيعة، فسأله عنها، فقال: لا عهد لي بها، فقال: لولا أن الراجع في هبته كالراجع في قيئه، لأخذتها منك، أما سمعت أنه إنما سميت الضيعة لأنها تضيع إذا تركت، وأن ثلاثاً تحسن بالشريف: خدمة الوالد، وخدمة الضيعة، وخدمة الضيف.
كان عروة بن الزبير يقول: أشتهى أن اتخذ مالاً قريبا، أدخل المغتسل فأفيض الماء، ثم آمر الغلام فيجنى لي من رطبه، فلا يجف رأسي حتى أوتى به، فلما اشترى المقتربة ظفر بذلك.
عن بعض أهل الكتب: من باع أرضاً أو داراً ورثها عن أبيه دعت عليه طرفى النهار.

باب
الماء والبحار والأودية والأنهار والعيون
والآبار وما اتصل بذلك وناسبه من ذكر السفن والسباحة وغيرها
علي رضي الله عنه: سئل كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا، وآبائنا، وأمهاتنا، وأبنائنا، ومن برد الشراب على الظمأ.
ولبعض الأعراب:
حديثك أشهى فاعلمي لو أناله ... إلى النفس من برد الشراب على الظما
استسقى الشعبي على مائدة قتيبة بن مسلم، فقال: يا أبا عمرو أي الشراب أحب إليك؟ فقال: أعزه مفقوداً، وأهونه موجوداً. فقال قتيبة: اسقوه الماء.
علي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد طعام الدنيا والآخرة اللحم، وسيد شراب الدنيا والآخرة الماء، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر.
كان أبو العتاهية عند بعض الملوك في جماعة من الشعراء، فشرب رجل ماء وقال: برد الماء وطابا. فقال أبو العتاهية: أجيزوا؛ فأطرقوا متفكرين، فقال: سبحان الله ما هذا الاطراق:
برد الماء وطابا ... حبذا الماء شرابا

مر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بعبد الحميد بن علي القرشي، فاستبقاه، فسقاه سويق لوز بطبرزذ فقال:
شربت طبرزذا بغريض مزن ... كذوب الثلج خالطه الرضاب
فقال عبد الحميد:
وما أن ماؤنا بغريض مزن ... ولكن الملاح بكم عذاب
وما أن بالطبرزذ طاب ولكن ... بمسك هكذا طاب الشراب
وأنت إذا وطئت تراب أرض ... يطيب إذا مشيت بها التراب
لئن نداك يطفى المحل عنها ... وتحييها أياديك الرطاب
رأى بدوي بهمذان شرب الماء بالجمد، فسئل بالدو عن أعجب ما رأى: فقال رأيت قوما يشربون الحديد، فعرق بعضهم الأمر فقال: شرب الجليد في الخزف الجديد ألذ من بلاد الصعيد.
سقي حجازي ببغداد ماء مزملا، فقال: هذا ماء مخدوم.
جامع بن عمرو بن مرخية:
ووجدي بها أزمان ذي البان إذ لها ... أمير له صدر علي سليم
كما وجدت بالماء حرى يلفها ... إلى الورد حر وادق وسموم
ابن السماك: كم من داع إلى الله فار من الله، وكم من قارىء لكتاب الله ينسلخ من آيات الله، وكم من مبرد له الماء والحميم يغلى له.
أم فروة:
وما ماء مزن أي ماء تقوله ... تحدر من غر طوال الذوائب
بمنعرج أو بطن واد تحدرت ... عليه رياح الحزن من كل جانب
نفى نسم الريح القذى عن متونه ... فما أن به عيب يكون لشارب
باطيب ممن يقصر الطرف دونه ... تقى الله واستحياء ما في العواقب
مخنث: لعن الله بغداد، لا يشرب ماؤها حتى يصلب، ونبيذها حتى يضرب.
إذا اجتهدوا في تشبيه امرأة، وصفتها بالجمال والصفاء والبياض والبركة، قالوا: كأنها ماء السماء، ومنه قالوا: المنذر ابن ماء السماء.
الجاحظ: من الماء يكون النشج والبرد والثلج، فيجمع الحسن في العين، والكرم في البياض والصفاء وحسن الموقع في النفس.
المأمون: في الماء البارد ثلاث: يلذ، ويهضم، ويخلص الحمد. وكان يقول: شرب الماء بالثلج أدعى إلى أخلاص الحمد.
كان الصاحب يقول عند شرب الماء الجمد:
قعقعة الثلج بماء عذب ... تستخرج الحمد من أقصى القلب
ثم يقول: اللهم جدد اللعن على يزيد.
أبو هفان:
لو كنت نوءاً كنت نوء المرزم ... أو كنت ماء كنت ماء زمزم
الاعشى:
فما أنت من أرض الحجون ولا الصفا ... ولا لك حظ الشرب من ماء زمزم
قيل أن بابك بن ساسان بلغه مكان البيت وإلى من تفضى النبوة، فصار إلى البيت وشرب من ماء زمزم، وزمزم حولها فسميت لزمزمته، وهي كلام متتابع مع حركة، من قولهم: سمعت زمزمة الرعد، وهو تتابع صوته، قال:
زمزمت الفرس على زمزم ... وذاك في سالفها الأقدم
أعرابي:
وما وجد ملواح من الهيم حلئت ... عن الماء حتى جوفها يتصلصل
تحوم وتغشاها العصي وحولها ... أقاطيع أنعام تعل وتنهل
بأكثر منى غلة وتعطفا ... إلى الورد إلا أنني أتجمل
في بلاد مهرة ركية خسيف لا يبلغ قعرها، يسقط فيها الجمل فيرسب ثم لا يطفو، يقال لها أم عرام؛ وتقول مهرة لكل ميئوس منه: غالته أم عرام.
وهب بن منبه: البحار المعروفة سبعة: بحر الهند، والسند، والشام، وأفريقية، وأندلس، والروم، والصين.
الحمد لله الذي جعل بين البحرين حاجزاً، وصير الخلق عن أدراكه عاجزاً.
قال أعرابي لأخيه: هل لك أن منتجع أحساء رملات نجد علنا نجد بها ريا، قال: ذاك ماء مطلب لا ينال إلا بشق ولعل المحلىء يذود الحوم عنه.
أعرابي: من طال رشاؤه كثر متحه.
جاء مزبد إلى بئر ليستقى، فإذا الحبل معقد، فقال: ليس هذا حبلا، هذا سبحة عجوز.
أعرابي:
يزعزع الدلو وما تزعزعه ... تكفيه من جمع البنان أصبعه
يكاد آذان الدلاء تتبعه الأصمعي: الفرات ودجلة رائدا أهل العراق لا يكذبان، قال الأصمعي فهما الرائدان والرافدان.
قيل لرجل: أبلغني ريقي، فقال: بلغتك الرافدين.
حفر زياد نهراً بالبصرة فأشهد فتح الماء إليه معقل بن يسار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تبركاً به، فنسب النهر إلى معقل، وترك نهر زياد.

وقيل: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
كان طاووس رحمه الله لا يسقى فرسه من نهر حفرته المرونية. بينا غيلان بن خرشة يسير مع ابن عامر إذ ورد على نهر أم عبد الله فقال ابن عامر: ما انفع هذا النهر لأهل هذا المصر! فقال غيلان: أجل والله أيها الأمير، أنهم ليستعذبون منه، وتفيض مياههم إليه، ويتعلم صبيانهم فيه العوم، وتأتيهم ميرتهم فيه، ثم ساير بعد ذلك زياداً، فقال زياد: ما أضر هذا النهر بأهل هذا المصر! فقال: أجل والله أيها الأمير: تنز منه دورهم، ويغرق فيه صبيانهم، ويبعضون به ويبرغثون.
جابر بن رالان:
أيا لهف نفسي كلما التحت لوحة ... إلى شربة من ماء أحوض مأرب
بقايا وطاف أودع الغيم صفوها ... مصقلة الأرجاء زرق الجوانب
ترترق دمع المزن فيهن والتقت ... عليهن أنفاس الرياح الجنائب
حكى الجاحظ عن جعفر بن سعيد الخلاف موكل بكل شيء حتى قذاة الكوز، أن أردت أن تشرب الماء جاءت إلى فيك، وأن صوبت رأس الكوز لتخرج رجعت؛ وهي مثل في كل محقر مؤذ. وساب بعضهم فقال: يا قذاة الكوز، ويا أضر من تموز، وأبرد من العجوز، ويا درهماً لا يجوز.
أبو نواس يصف سفينة:
فكأنها والماء ينطح صدرها ... والخيزرانة في يد الملاح
جون من العقبان تبتدر الدجى ... يهوى بصوت واصطفاق جناح
الأخطل:
ولو أبصرتني دعد في وسط زورق ... وقد هاجت الأرواح من كل جانب
ونفسي على مثل السنان مقيمه ... لما أحدثت في الماء أيدي الجنائب
أذن لرأت مني كئيباً متيماً ... يحن إليها عند تلك النوائب
ويذكر منها وصلها وحديثها ... على حالة تنسى لقاء الحبائب
قيل لأبي هاشم الصوفي: فيم كنت! قال: في تعليم ما لا ينسى، وليس لشيء من الحيوان عنه غنى: قيل وما هو؟ قال: السباحة.
قال عبد الملك للشعبي: علم ولدي العوم، وخذهم بقلة النوم، فأنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم. ولقد غرقت سفينة فيها جماعة من قريش، فلم يعطب ممن كان يسبح إلا واحد، ولم ينج ممن كان لا يحسن السباحة إلا واحد.
أبو سعيد الرستمي وقد ذكر الجداول:
كأن بها من شدة الجري جنة ... فقد ألبستهن الرياح سلاسلا
قيل لرسطاليس: ما الاشياء التي ينبغي للأنسان أن يقتنيها؟ قال: ابتي أن غرقت به سفينة سبحت معه.
كان لاسحق الموصلي غلام يستقى له، فقال له يوما: يا فتح ما خبرك؟ قال: خبري أني لا أرى في الدار أحداً أشقى مني ومنك: قال: كيف؟ قال: لأنك تطعمهم الخبز، وأنا أسقيهم الماء؛ فضحك وأعتقه ووهب له البغلين.
كان شريح لا يقبل قول من يركب البحر، ويقول هذا لم يحفظ نفسه على نفسه، كيف يحفظ أمور المسلمين عليهم.
ابن أبي عيينة:
ولابد للماء في مرجل ... على النار موقدة أن يفورا
المعري:
يمسي ويصبح كوزنا من فضة ... ملأت فم الصادى كسور دراهم
أنس، عنه عليه الصلاة والسلام: من حفر بئر ماء شربت منها كبد حرى من الانس أو السباع أو الجن أو الطيور فله أجر ذلك إلى يوم القيامة؛ ومن بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة.
أنس، عنه عليه الصلاة والسلام: سبعة للعبد تجرى بعد موته: من علم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو بنى مسجداً، أو أورث مصحفاً، أو ترك ولداً صالحاً يدعو له أو صدقة تجرى له بعد موته.
بين حصن منصور وكيسوم من بلاد مضر نهر عظيم لا يتهيأ خوضه، لئن قراره رمل سيال، يقال له سنجة وعليه فنظرة هي طاق واحد من الشط إلى الشط، وبينهما مائتا خطوة، من حجر مهندم، طول الحجر عشرة أذرع في أرتفاع خمسة.
ابن أبي عيينة:
أنظر وفكر فيما تطيف به ... أن الأريب المفكر الفطن
من سفن كالنعام مقبلة ... ومن نعام كأنها السفن
أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري، حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا أنا بمسك أذفر، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله.

بكر بن عبد الله المزني: مثلنا ومثل الحسن كمثل سفينة بحرية عظيمة وقراقير تلوذ بها، فمتى تغرق السفينة تهلك القراقير، ومتى يذهب الحسن من بين أظهرنا يذهب العلم.
علي عليه السلام في قوله تعالى: " ثم لتسألن يؤمئذ عن النعيم " قال: الرطب والماء البارد.
تنازع أبو نبقة بن الوراس مولى حزاعة وأبو هاشم الباهلي على جسر بغداد فدفعه في الماء فأخرج بعد جهد، وقال:
فمن مبلغ عليا خزاعة أنني ... قذفت بعبد الباهليين في الجسر
قذفت به كي يغرق العبد عنوة ... فجاش به من لؤمه زبد البحر
عارض منذر بن مصعب بن الزبير بمال له، فقال أخوه خالد بن مصعب:
خليلي أبا عثمان ما كنت تاجراً ... أتأخذ أنضاحاً بنهر مفجر
أتأخذ أنضاحاً قليلا فضولها ... إلى المهذ يوماً أو إلى عين عسكر
عبد الله بن عامر بن كريز:
بكى صاحبي لما رأى الفلك قربت ... ليركب فيها فوق ذي لجج غمر
وحن إلى أهل المدينة حية ... بمصر وهيهات المدينة من مصر
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نفر فراراً من جهنم والبحر
ابن المعتز:
وأني على اشفاق عيني من العدى ... لتجمع مني نظرة ثم أطرق
كما حلئت عن برد ماء طريدة ... تمد إليها جيدها وهي تفرق
وله:
ما وجد صاد في الحبال موثق ... بماء مزن بارد مصفق
بالريح لم يطرق ولم يرنق ... جادت به أخلاف دجن مطبق
في صخرة أن تر شمساً تبرق ... فهو عليها كالزجاج الازرق
صريح غيث خالص لم يمذق ... إلا كوجدي بك لكن أتقي
صولة من أن هم بي لم يفرق عبدة بن جناح العكلي:
صبحن ورداً والحصي لم يرمض ... عذب الجمام طاميا بالعرمض
كان ثقيف يحفر عين وج بيده بالصخرة ويقول:
فأرميها بجلمود ... وترميني بجلمود
فأحييها وتحييني ... وكل هالك مودي
أم حرام: عن النبي صلى الله عليه وسلم: المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين.
عبد الله بن عمرو، يرفعه: لا تركب البحر إلا حاجا، أو معتمراً، أو غازيا في سبيل الله، فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم، فاستيقظ وهو يضحك، فقالت له أختها أم حرام: يا رسول الله ما أضحكك؟ قال: رأيت قوما ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة. وروي: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثج هذا البحر ملوكا على الاسرة، فقالت: أدع الله أن يجعلني منهم، فقال أنت منهم. فتزوجها عبادة بن الصلت، فغزا في البحر، فحملها معه، فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها، فصرعتها، فاندقت عنقها. وذلك بقبرص زمن معاوية.
أعرابية: ما ماء غمامة بكر تدلت عليه الرياح في قفر بأنقع للضمآن من ريق صخر.
أثخنت الحارث بن هشام المخزومي الجراح في وقعة اليرموك، فاستسقى ماء، تناوله نظر إلى عكرمة بن أبي جهل صريعا، فقال للساقي أمض به إلى عكرمة ليشرب أولاً فإنه أشرف مني، فمضى به إليه فأبى أن يشرب قبله، فرجع إلى الحارث فوجده ميتاً، فرجع إلى عكرمة فوجده ميتاً.
المأمونى في كوز أخضر:
وبديعة للريم منها جيدها ... تتحير الأبصار في أبداعها
كخريدة في مرط خز أخضر ... رفعت يداً لترد فضل قناعها
كان حكيم بن حزام يشرب كل يوم شربة ماء لا يزيد عليها، وقد عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الاسلام، فلما بلغ مائة سنة أخذ يشرب شربتين حتى مات. قال مصعب بن عثمان: دعا حكيم غلامه بالماء، وقد كان شرب، فقال: يا مولاي قد شربت شربتك، فقال: وأن، فأقام على شربتين كل يوم.
حملت إلى عثمان رضي الله عنه، يوم الدار، أداوة من ماء، فشقها رجل من الخارجين عليه وقال: لا يذوق البارد أبداً؛ فقال عثمان: اللهم أقتله عطشا، فخرج مع الغزاة فأصابه عطش، وبينهم وبين الماء عقبة، فذهبوا إليه، وما كان به مشي، فاستقوا وأتاه رجل يركض بالاداوة فصادفه ميتا.

أتى عامر بن كريز يوم الفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه عبد الله بن عامر، وهو غلام قد تحرك ابن خمس أو ست، فقال يا رسول الله حنكه، فقال: أن مثله لا يحنك، وأخذه فتفل في فيه، فجعل يتسوغ بريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلمظه، فقال عليه الصلاة والسلام: أنه لمسقي. فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء؛ وله السقايات بعرفة، وله النباح، والجحفة، وبستان ابن عامر.
عن كعب الأحبار: أن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الهوكند وهو بحر الصين، فقال لهم: دلوني، فدلوه أياما وليالي، ثم صعد، فقالوا: ما رأيت؟ فقال: استقبلني ملك فقال: أيها الآدمي الخطاء إلى أين؟ فقلت: أردت أن انظر عمق هذا البحر، قال: وكيف وقد هوى فيه رجل من زمن داود فلم يبلغ ثلث قعره إلى الساعة، وذلك منذ ثلثمائة سنة.
زمزم هزمة جبريل أنبطها مرتين مرة لآدم فلم تزل كذلك حتى أنقطعت عند طوفان نوح، ومرة لاسماعيل.
وعن بتيع: سيقال لهذا النيل أذهب راشدا حتى يحفر فيه الآبار.
وعن عبد الله بن عمر: أني لأعلم السنة التي يخرجون فيها من مصر، قيل له: أيخرجنا عدو؟ قال: لا، ولكن نيلكم هذا يغور، فلا تبقى فيه قطرة، حتى يكون فيه الكثبان من الرمل، وتأكل سباع الأرض حيتانه.
قال عمر بن عبد العزيز لزهرة بن معبد: أين تسكن؟ قال: اسكن فسطاط مصر، فقال: وأين أنت من طيبة؟ ولا أريد المدينة، وإنما أريد الاسكندرية، ولولا ما أنا فيه لاحببت أن يكون بها منزلي.
سقي أبو الجهم بن عطية سويق اللوز عند المنصور فمات، وكان يتهم بممالئة أبي مسلم، فقال المنصور:
تجنب سويق اللوز لا تقربنه ... فشرب سويق اللوزي أودي أباجهم

باب
الشجر والنبات والفواكه والرياحين
والبساتين والرياض وذكر الجنة
أسامة بن زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ذكر الجنة: ألا مشترى لها! هي ورب الكعبة ريحانة تهتز، ونور يتلألأ، ونهر يطرد، وزوجة لا تموت، مع حبور ونعيم، ومقام الأبد.
الخدري، يرفعه: أن الله جل ذكره لما حوط حائط الجنة، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وغرس غرسها، قال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال تعالى: طوبى لك منزل الملوك.
جابر، عنه عليه الصلاة والسلام: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله تعالى: " أتشتهون شيئاً فأزيدكم " ؟ قالوا: يا ربنا، وما خير مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر.
زيد بن أرقم: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا القاسم، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده أن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب؛ قال: فإن الذي يأكل تكون له الحاجة، والجنة طيب لا خبث فيها؛ قال: عرق يفيض من أحدهم كرشح المسك فيضمر بطنه.
عتبة بن غزوان رضي الله عنه: لقد بلغني أن المصراعين من مصاريع الجنة بعد ما بينهما مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ بالزحام.
دخل داود عليه السلام غارا من غيران بيت المقدس فوجد حزقيل يعبد ربه، وقد يبس جلده على عظمه، فسلم عليه، فقال: أسمع صوت شبعان ناعم، فمن أنت؟ قال: داود! قال: الذي له كذا وكذا امرأة، وكذا وكذا أمة؟ قال: نعم، وأنت في هذه الشدة؛ قال: ما أنا في شدة، ولا أنت في نعمة، حتى ندخل الجنة.
الاصمعي: احتضر أعرابي، فقيل له: أبشر بالجنة وروحها؛ فقال:
قد بشروني بالجنان وروحها ... ولكسر بيتي عند نفسي أطيب
يا ليت حظي بالجنان وروحها ... بيت بصحراء الغبيط مطنب
جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق، ونهر الأبلة، وشعب بوان، وسعد سمرقند.
قال أبو بكر الخوارزمي: قد رأيتها كلها، فكان فضل الغوطة على الثلاث كفضل الأربع على غيرهن، كأنها الجنة صورت على وجه الأرض.
البحتري:
يمسي السحاب على أجبالها فرقاً ... ويصبح الغيث في صحرائها بددا
فلست تبصر إلا واكفا خضلاً ... أو يانعاً خضراً أو طائراً غردا
بستان خضر وماء خصر.
الحسن: ثلاث تجلو البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن.
وصف أعرابي أجمة فقال: مناقع نز، ومراعي أوز، قصبها يهتز، ونبتها لا يجز.
في وصف النخلة:

أمتا تراها وإلى استوائها ... وحسنها في العين وامتلائها
لا ترهب الذئب على أطلائها ... وأن أحاط الليل من ورائها
نخلتا حلوان كانتا بعقبة حلوان من غرس الأكاسرة، ضرب بها المثل في طول الصحبة، قال مطيع بن إياس فيهما:
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من ريب هذا الزمان
وأعلما أن علمتما أن نحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان
وقال حماد عجرد:
جعل الله نخلتي قصر شيرين فداء ايخلتي حلوان
جئت مستسعداً فلم تسعداني ... ومطع بكت له النخلتان
قال حماد بن اسحق بن ابراهيم:
أيها العاذلان لا تعذلاني ... ودعاني مع البكاء دعاني
وابكيا لي فأنني مستحق ... منكما بالبكاء أن تسعداني
أنني منكما بذلك أولى ... من مطيع بنخلتي حلوان
فهما تجهلان ما كان يشكو ... من جواه وأنتما تعلمان
ولما وصل المهدي، في شخوصه إلى الري، إلى عقبة حلوان استطاب الموضع فنزل، فأنشد بيتي مطيع، فتطير منهما، فحلف ليفرقن بينهما؛ فكتب إليه المنصور: يا بني، أقسمت عليك أن لا تكون النحس الذي يلقاهما. ويقال أن حسنة، جارية له، قالت له ذلك فأمسك. ثم أن الرشيد في مسيره احتاج إلى الجمار، لحرارة ثارت به، فأخذت جمارة احداهما فجفت، فلم تلبث صاحبتها أن تبعتها.
قال عمر رحمه الله لرجل من أهل الطائف: الحبلة أفضل أم النخلة؟ فقال عبد الرحمن بن محصن الانصاري: الزبيب أن آكله أضرس، وأن أتركه أغرث، ليس كالصقر في رؤوس الرقل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، خرفة الصائم، وتحفة الكبير، وصمتة الصغير، وخرسة مريم، وتحترش به الضباب من الصلعاء.
النبي صلى الله عليه وسلم: أكرموا عمتكم النخلة.
وعن علي رضي الله عنه: أن أول شجرة استقرت على الأرض النخلة، فهي عمتكم أخت أبيكم.
وعنه عليه الصلاة والسلام: العجوة من الجنة، وهي شفاء من السم.
من الواردات القاع بالماء تستقى ... بأذنابها قبل استقاء الحناجر
أنشد الأصمعي:
وبات يروي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
وقال عمارة بن عقيل:
عجبت لتغريسى نوى النخل بعدما ... طلعت من السبعين أو كدت أفعل
وأدركت ملء الأرض ناساً فأصبحوا ... كأهل ديار قوضوا فتحملوا
وما نحن إلا رفقة قد ترحلت ... وأخرى تقضى حاجها ثم ترحل
قال أبو هريرة: مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعي أغراس، فقال: ألا أدلك على أغراس أفضل منها، قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فليس منها كلمة تقولها إلا غرس الله لك بها شجرة.
أبو أيوب الانصاري، عنه عليه الصلاة والسلام: ليلة أسري بي مر بي إبراهيم عليه السلام فقال: مر أمتك أن يكثروا من غرس الجنة فإن أرضها واسعة، وتربتها طيبة؛ قلت: ما غرس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
غرس معاوية نخلاً بمكة في آخر خلافته فقال: ما غرستها طعما في أدراكها، ولكن ذكرت قول الأسدي:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ... ولا تكون له في الأرض آثار
أعرابي: أتانا فلان بتمر كأعناق الورلان، توحل فيه الاسنان.
آخر:
ويل لبرني الجرين منى ... إذا التقت تمرته وسني
تقول سني للنواة طني يقول أهل المدينة: التمر البردي أحسن من العقيان في صدور القيان.
يقول أهل البدو: إذا ظهر البياض قل السواد، وإذا ظهر السواد قل البياض.
السواد: التمر، والبياض اللبن؛ يعنون إذا كثر الحيا والخصب، وفشا اللبن والأقط، قل التمر في تلك السنة، وبالعكس، أي لا يجتمعان.
وتقول الفرس: إذا زخرت الاودية كثر التمر، وإذا اشتدت الرياح كثر الحب.
أبو هريرة، يرفعه: نعم سحور المؤمنين التمر.
مرض حسان عند جبلة بن الأيهم الغساني، فقال له: ما تشتهي؟ قال: ما لا تقدر عليه؛ قال: ما هو؟ قال: رطيبات محلقنات من بنات ابن طاب.
كانت ملوك الفرس تأمر برفع الحلواء أيام الرطب، والاشتان أيام البطيخ، والرياحين أيام الورد.
النظام: مدحوا عنده النخلة فقال: صعبة المرتقى، بعيدة المهوى، خشنة المس، قليلة الظل.

ترك أهل المدينة غراس العجوة، لما كانت لا تطعم إلا بعد أربعين سنة.
سئل أعرابي عن أرض له فقال: أن تقبل عليها فهي أوفر من الرمانة، وأن تدعها فهي أمنع من أست النمر.
ابن المعتز:
ما يحسن الرمان يجمع حبه ... في قشرة إلا كما نحن
الأعيرج الخثعمي:
طاب له مأكله ومشربه ... حديقة فيها ثمار تعجبه
يكثر فيها موزه ورطبه ... يلقاه منه حين يجنى أطيبه
بعيد ما يجتنيه منه أقربه تمثل بها هشام بن عبد الملك للنضر بن شميل عند عرضه إليه كتاب الواحدة.
الخليل:
ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت ... عن المعاطش واستغنت بسقياها
فاعتم بالطلح والزيتون أسفلها ... ومال بالنخل والرمان أعلاها
قال عيسى عليه السلام حين نزل دمشق الغوطة: أن تعدم الغني أن يجمع فيها كنزا، فلن تعدم المسكين أن يشبع منها خبزا.
اجتمع في التفاحة الصفرية الدرية، والحمرة الذهبية، والبياض الفضي، تلذها من الحواس ثلاث: العين لحسنها، والأنف لعرفها، والفم لطعمها.
جالينوس: أجود الأشياء لتركيب رداءة المزاج الحار، الكائن في الرأس مع غثيان النفس، وقلة الاستمرار بعد الطعام، التفاح.
وصفت شيرين لأبريويز، لطيب النكهة، التفاح على الريق. التفاح جمع ألوان قوس قزح، فلو انحل التفاح واسترق لكان قوسا، ولو استكثف القوس وانعقد لكان تفاحا.
بعث أحدهم إلى جاريته تفاحة، وكتب إليها: قد بعثت إليك بتفاحة تحكى بحمرتها وجنتك، وبعذوبتها ريقك، وبرائحتها نكهتك، وبملاحتها صورتك.
تفاحة جاءت إلى وامق ... تحكى لنا وصف مجليها
ما مسها طيب ولكنها ... طيبة من كف مهديها
علي بن الجهم: دخلت على المتوكل وبين يديه تفاحة معضوضة، أهدتها له بعض جواريه، فقال: قل فيها قبل جلوسك، ولك بكل بيت ألف دينار؛ فقلت:
تفاحة جرحت بالثغر من فمها ... أشهى إلي من الدنيا وما فيها
جاءت بها ظبية من عند غانية ... نفسي من السوء والآفات تفديها
لو كنت ميتا ونادتني بنغمتها ... اذن لاسرعت من لحدي ألبيها
بيضاء في حمرة علت بغالية ... كأنها قطعة من خد مهديها
فأمر لي بأربعة آلاف دينار، وبأربع خلع.
أبو موسى الاشعري: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب ولا ريح لها؛ ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، وريحها طيب وطعمها مر؛ ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها.
ابن الرومي:
كأنكم شجر الأترج طاب معا ... حملاً ونوراً وطاب العود والورق
محمد بن عبد الله بن طاهر في الأترج:
جسم لجين قميصه ذهب ... ركب فيه بديع تركيب
فيه لمن شمه وأبصره ... لون محب وريح محبوب
طلحة بن عبيد الله: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده سفرجلة، فقال: دونكها يا طلحة، فانها تجم الفؤاد.
شاعر:
سفرجلة تحكى ثدي النواهد ... لها عرف ذي فسق وصفرة زاهد
كسر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرجلة، وناول منها جعفر بن أبي طالب وقال: كل، فإنه يصفى اللون ويحسن الولد.
جعفر بن محمد: ريح الملائكة ريح الورد، وريح الانبياء ريح السفرجل، وريح الحور ريح الآس.
اجتازحجا بقوم وفي كمه خوخ فقال: من أخبرني ما في كمي فله أكبر خوخة فيه، فقالوا: خوخ. فقال: والله ما قال لكم إلا من أمه ساقطة.
أنشد الأصمعي:
أكمثرى يزيد الحلق ضيقاً ... أحب إليك أم تين نضيج
وقال: قيل لابن ميادة أتعرف الكمثرى؟ فلم يعرفه لأنه أعرابي؛ ثم فكر فقال: ما لهم قاتلهم الله يقولون الأكم أثرى، ليست والله بأثرى ولا كرامة.
مر بشر بن الحارث بالفواكه فقال: مقطوعة ممنوعة.
الجاحظ: كانوا لا يتخذون بين يدي قصورهم إلا السدر للغلة والظل والحسن، فجعلوا شجر التوت بدله فهو أسرع وأنضر ورقا، وظله أشد سواداً، وأحسن حسنا مع غلة كريمة.
استعمل الصبر أن الناس في مهل ... قد صيروا ورق الفرصاد ديباجا

الجاحظ الطير تأكل التوت فتذرقه فينبت من ذرقه الشجر.
الناجم:
أنظر إلى الروض النضير ... فإنه للعين قسره
فكأن خضرته السماء ... ونهره فيه المجبره
النامي:
وكأنما الروض السماء ونهره ... فيه المجرة والكؤوس الأنجم
آخر:
فلم أر شيئا كان أحسن منظراً ... من النور يجرى دمعه وهو يضحك
آخر:
نشاوى تثنيها الرياح فتنثنى ... فيلثم بعض بعضها ثم ترجع
يريد تثنى الأغصان بالريح.
سلاسل من زبرجد حملت ... من ذهب أحمر قناديلا
يريد النارنج في شجره.
الموصلي:
لقد نطق الدراج بعد سكوته ... ووافى كتاب الورد أني مقبل
مر كسرى بوردة ساقطة فقال: أضاع الله من أضاعك، ونزل فأخذها وقبلها، وشرب في مكانها سبعة أيام.
ابراهيم الخواص: إذا جاءت أيام الورد أمرضنى علمي بكثرة من يعصي الله.
مسلمة بن سلم الكاتب في الورد:
زائر يهدي إلينا ... نفسه في كل عام
حسن الوجه ذكي الري ... ح لفق للمدام
آخر:
أما ترى الورد قد باح الربيع به ... من بعد ما مر حول وهو إضمار
وكان في خلع خضر فقد خلعت ... إلا عرى أغفلت منها وأرزار
أبو عامر الجرجاني:
يقولون تب والورد وافى رسوله ... فقلت اسكتوا لا يسمعن رسوله
المصنف:
وردت مقدمة الربيع بشيرة ... بالورد لولا الورد ضاع ورودها
وكأن أيام الربيع خرائد ... وكأنما الورد الجنى خدودها
المتوكل: أنا ملك الناس، والورد ملك الرياحين، فكل واحد منا أولى بصاحبه.
كان أبو شروان يعجبه الورد، ويفضله على سائر الرياحين، فابتنى قبة سماها الكلشان، زخرفها بالذهب، ورصعها بالجواهر، وزينها بالتصاوير، وحفها بالتماثيل، وجعل في أعاليها فتوحاً ينثر عليه منها الورد.
ابن سكرة الهاشمي:
للورد عندي محل ... لم يدن منه محل
كل الرياحين جند ... وهو الأمير الأجل
أن غاب عزوا وتاهوا ... حتى إذا آب ذلوا
البحتري:
وقد نبه النيروز في غلس الدجى ... أوائل ورد كن بالأمس نوما
يفتقها برد الندى فكأنه ... يبث حديثاً كان قبل مكتما
كان ظهر الكوفة ينبت الشيح، والقيصوم، والخزامى، والأقحوان، والشقر، وهو الشقائق وكانت العرب تسميه خد العذراء، فمر النعمان فقال: من نزع منه شيئاً فأنزعوا كتفه؛ فحميت ونسبت إلى النعمان، وفي ديوان المنظوم:
بوجهك أظهر البشر اللواتي ... دعين شقائقاً لابن الشقيقة
والشقيقة أم النعمان.
قال عبد قيس بن خفاف البرجمى وقيل النابغة:
حدثوني بني الشفيقة ما يم ... نع فقعاً بقرقر أن يزولا
آخر:
كأن شقائق النعمان فيها ... ثياب قد روين من الدماء
الأخيطل:
هذي الشقائق قد أبصرت حمرتها ... مع السواد على قضبانها الذلل
كأنها دمعة قد غسلت كحلا ... جاءت به وقفة في وجنتي خجل
مهرم بن خالد العبدي:
سقياً لأرض إذا ما بت نبهني ... بعد الهدو بها قرع النواقيس
كأن سوسنها في كل شارقة ... على الميادين أذناب الطواويس
قد حلت يد المطر أزارا الأنوار، وأذاع لسان الغيم أسرار الأزهار المطوعي:
أو ما ترى نور الخلاف كأنه ... لما بدا للعين نور وفاق
أيدي سنانير ولكن نشرها ... يسعى بفأر المسك في الآفاق
كأن نور شجر الخلاف أكف سنانير بلا خلاف.
وعدك في الخلاف كأنه شجر الخلاف، يريك نضارة المنظر، ثم لا يجنيك شيئاً من الثمر.
ابن الرومي:
فغدا كالخلاف يورق للع ... ين ويأبى الاثمار كل إباء
آخر:
وأحسن ما في الوجوه العيون ... وأشبه شيء بها النرجس

كانت بقرية كشمر من رستاق بست سروة من سرو الأزاد من غرس يستاسف لم ير مثلها في حسنها، وطولها، وعظمها، وأظلالها فرسخا؛ وكانت من مفاخر خراسان فجرى ذكرها عند المتوكل، فأحب أن يراها، فلما لم يتقدر له المسير إليها كتب إلى طاهر بن عبد الله وأمره بقطعها، وحمل جذعها وأغصانها في اللبود، على الجمال، لتنصب بين يديه حتى يبصرها: فأنكر عليه ذلك، وخوف الطيرة، فلم تنفع السروة شفاعة الشافعين. وحكي أن أهل الناحية ضمنوا مالاً جليلاً على اعفائها فلم ينفع؛ فقطعت، وعظمت المصيبة، وأرتفع الصياح والبكاء عليها؛ ورثاها الشعراء، وقال علي بن الجهم:
قالوا سرى لسبيله المتوكل ... فالسرو يسرى والمنية تنزل
ما سربلت إلا لئن أمامنا ... بالسيف من أولاده متسربل
فجرى الأمر على ذلك، وقتل المتوكل قبل وصول السروة إليه.
يحيى بن ماسويه: إذا باشرت الورد والخضر فأطل تأملها، فإن فيه جلاء ظلمة البصر، ورفع غشاوة السدر.
قيل لبزر جمهر: كيف صار العشب أشد خضرة من الزرع؟ قال: لئن الأرض أم لما أنبتت، وظئر لما استودعت.
علي بن محمد الثعلبي في الياسمين:
خيري ورد أتى على طبق ... يا حسن أشراقه على طبقه
قد نفض العاشقون ما صنع ال ... شوق بألوانهم على ورقه
فصفرة اللون ما تفارقه ... وريح عرف الحبيب من عرفه
بزرجمهر: في البطيخ عشر خصال: هو ريحان، وتحية، وفاكهة، وأدام مقنع، وخبيص مهيأ، ودواء للمثانة، وحرض للغمر والزهومة، ومذهب لرائحة النورة عند الاستحمام، وكوز لمن عسر عليه ما يشرب فيه، وهاضوم الثقيل من الطعام.
اجتمع ببغداد عشرة فتية على لهو، فبعثوا أحدهم في حاجة، فرجع وفي يده بطيخة يشمها ويقبلها، فقال: جئتكم بفائدة، وضع بشر الحافي يده على هذه البطيخة فاشتريتها بعشرين درهما تبركا بموضع يده؛ فأخذها كل واحد منهم يقبلها ويضعها على عينه؛ فقال بعضهم: ما الذي بلغ بشراً قالوا: تقوى الله والعمل الصالح، قال: فإني أشهدكم أني تائب إلى الله، وأني داخل في طريقة بشر؛ فوافقوه على ذلك، وخرجوا إلى طرسوس واستشهدوا.
بطيخة خشنة المس، ثقيلة الرس، عريضة الفلس.
في وصف البطيخ: أسر شهداً وأذاع عنبراً.
أنشد الجاحظ لرجل من بني نمير في أمرأته وكانت حضرية:
لعمري لأعرابية بدوية ... تظل بروقى بيتها الريح تخفق
أحب إلينا من ضناك ضفنة ... إذا وضعت عنها المراويح تعرق
كيطيحة البستان ظاهر جلدها ... صحيح ويبدو داؤها حين تفلق
كشاجم:
وطيب أهدى لنا طيباً ... فدلنا المهدي على المهدي
لم يأتنا حتى أتتنا له ... روائح أغنت عن الند
بظاهر أخشن من قنفذ ... وباطن ألين من زبد
كأنما تكشف منه المدى ... عن زعفران شيب بالشهد
دار البطيخ تباع فيها أنواع الفواكه والرياحين، ونسبت إلى البطيخ لفضله على سائر الفواكه، وتلاشيها عنده. قال ابن لنكك:
كدار بطيخ تحوى كل فاكهة ... وما اسمها الدهر إلا دار بطيخ
منعها الصرف للعلمية والتأنيث كقولهم ابن دأية.
وقال الجاحظ: أكبر الدور غلة ثلاث: دار البطيخ بسر من رأى، ودار الزبير بالبصرة، ودار القطن ببغداد.
ذكرت نونية ابن الرومي في الوزير أبي الصقر عند عبد الله بن طاهر فقال: في دار البطيخ. وهي التي أولها:
أجنت لك الوجد أغصان وكثبان ... فيهن نوعان تفاح ورمان
وفوق ذينك أعناب مهدلة ... سود لهن من الظلماء ألوان
وتحت هاتيك عناب تروع به ... أطرافهن قلوب القوم قنوان
غصون بان عليها الدهر فاكهة ... وما الفواكه مما يحمل البان
محمد بن مقاتل، وكان متخذلقاً، مر في طريق فأصاب رجله قشر البطيخ، فقال: من قذر مسعاتنا بقشور البطاطيخ أطال الله تعبه.
أعرابي: البطيخ لي مخنة، أي آكله الساعة بعد الساعة لا أصبر عنه، يقال: خن الشيء يخنه إذا أكله بسرف.
في ديوان المنظوم:
وفعيل الفواكه من يجده ... فلا يعوزه فعيل الحديد
والا كان كالرامى تصدى ... له صيد بلا قوس عتيد

قال كردوس بن مزينة:
سكين كردوس جاء اليوم خاطبكم ... فانكحوه من البطيخ أملحها
فأجابه مصنف الكتاب:
جاءوا بأحسنها مساً وأثقلها ... رساً وأعرضها فلسا فانكحها
حمل البازنج من خوارزم إلى مرو للمأمون على البريد، فأستطابه جداً، واشتهى أن يجتنيه غضاً من منابته، فتقدم بحمل برزه إلى مرو ليزرع بها، فأمر بنقل التراب على الجمال من خوارزم، ثم يحمل الماء من جيحون، فلم يأت كما ظن، فعلم أن الطيب من قبل الهواء.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الدباء، وعن أنس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ.
الجاحظ: أن الحيات تكره السذاب، ولا تقيم بمكان يكون فيه. وقيل في مسلم بن الوليد صريع الغواني:
فما ريح الذاب أشد بغضاً ... من الحيات منك إلى الغواني
استوصف رجل طبيا، فأشار عليه بالكرفس، فسأله عن فعله، فقال: يفتح السدد، فقال: لا كان الله لك، أنا إلى سد الفتح أحوج.
معمر: قطعت في ثلاث مجالس، لم أجد لذلك علة إلا الأكثار من الباذنجان.
قيل في الأترجة: سبيكة ذهب متضوعة.
لما خرج نوح من السفينة زرع الحبلة. وكانت لأنس حبلة تحمل كراً، وكان يسميها: أم العيال.
عنه عليه الصلاة والسلام: لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم ولكن قولوا: حدائق الأعناب.
الأسدي:
وكأن أرحلنا بجو محصب ... بلوى عنيزة من مقيل الترمس
في حيث خالطت الخزامى عرفجاً ... يأتيك قابس أهلها لم يقبس
يعنى بلغ من رطوبة أغصانها أنه إذا حك بعضها ببعض لم تقدح.
برمة النحوي:
أما ترى الروض قد لاحت زخارفه ... ونشرت في رباه الريط والحلل
واعتم بالأرجوان النبت منه فما ... يبدو لنا منه إلا مونق خضل
والنرجس الغض ترنو من محاجره ... إلى الورى مقل تحيا بها مقل
بعض الأعراب:
وفي البقل أن لم يدفع الله شره ... شياطين ينزو بعضهن على بعض
أبو حنيفة الدينوري: النبات كله يجمعه الشجر، والعشب، فالشجر: ما ارتفع على ساق، وقاوم الشتاء، وكان له خشب، وأورقت أفنانه كل عام؛ والعشب: ما خالف ذلك؛ ثم ينقسم العشب قسمين: بقلاً وجنبة، فالبقل أضعفه، وهو ما يبيد فرعه وأصله، فيكون نباته من بزره؛ والجنبة أقوى من البقل، وهو ما باد فرعه وبقي أصله، فكان نباته في أرومته ولذلك سمي جنبة لأنه في جنبة عن البقل والشجر. البقل أحرار وذكور، فأحراره ما رق وعتق، وذكوره ما غلظ منه. وينقسم المرعى إلى خلة وحمض، فالحمض ما فيه ملوحة، والخلة بخلافه؛ والحمض يرخى بطون الابل، ويفتق لحومها ويطيل أوبارها، وينفشها، ويغلظها، ويكثر عليه شربها؛ والخلة للأبل كالخبز، والحمض كالأدم، فإذا عاقبت بينهما كان أفضل ما يكون.
يقال: هم في مثل حدقة البعير، وفي مثل حولاء الناقة إذا كانت أرضهم معشبة. وعام أوطف وأعزل وأقلف، إذا كان مخصبا. والأرض وراءنا سنة، إذا كانت مجدبة؛ وأرضون سنوات.
النبي صلى الله عليه وسلم: الحناء سيد رياحين الجنة. وعنه عليه الصلاة والسلام: سيد ادام الدنيا والآخرة اللحم، وسيد رياحين أهل الجنة الفاغية، وهي نور الحناء.
وعن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الفاغية. وأحب الطعام إليه الدباء.
قال مدني لامرأته: أيما أحب إليك التمر أم ذلك الامر؟ قالت: يا حبيبي، التمر ما أحببته قط.
بعثوا رائداً، فجاء وقال: عشب ثعد معد، كأنه أسوق نساء بني سعد.
يقولون في البر: كأنه قطع الاوتار، وبراية الذهب، وفلق الزجاج، وأفواه النغران، وأنت مثل الجوز يمنع خيره صحاحاً، ويعطى خيره حين يكسر.
سقولون إذا سقطت النثرة نظرت الأرض بإحدى عينيها، وإذا سقطت الجبهة نظرت بكلتي عينيها. ومعنى نظرت بإحدى عينيها: اجترأت الأرض على النبات فأطلعت؛ ونظرت بكلتي عينيها: سخنت ولانت، فأزدادت جرأة على النبات، وظهر في حد الشتاء انكسار.
الحمى في أصول النخل.
من الصنوبر يستخرج القطران، ومن الأرزن الزفت، بأن توقد النار بقربه، فإذا أصابه الحر عرق وسال في ضروب من العلاج.

الأنعام تدخل الرياض فتجتنب مواضع السموم بطباعها، وتخطاها ولا تلتفت لفتها، فلا تغلط الابل إلا في البيش وحده، ولا الخيل إلا في الدفلى.
يقال للتمر: أبو عون، وللرطب: أبو السمح، وللتين: أبو لقمان، وللريحان: أبو النضر، وللنرجس: أبو العيناء، وللجوز: أبو القعقاع.
يقال: أعظم بركة من نخلة مريم، وكانت العجوة. قال صاحب المسالك: هي ببيت المقدس، غرست منذ أكثر من ألفي سنة، وهي منحنية.
تفاحة شامية ... من كف ظبي غزل
ما خلقت إذ خلقت ... إلا لأجل القبل
كأنما حمرتها ... حمرة خد خجل
قيل لأعرابي ألف الحضر وخصبه: أما تخرج إلى البادية؟ فقال: أما ما استلقى السعدان فلا. يريد أبداً، لأن السعدان لا ينبت إلا مستلقياً.
محمد بن عبد الله بن طاهر في الورد:
كأنهن يواقيت يطيف بها ... زبرجد وسطه شذر من الذهب
أبو هريرة يرفعه: في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها، اقرأوا ان شئتم: وظل ممدود.
في ديوان المنثور: لسيدي، أدام الله عزه، سروان: سرو ثابت، وسرو نابت؛ زين بالأول سببه الموروث، وبالثاني سببه المحروث، دامت رفعة ذاك على بقاء الدهور والأزمنة، كما دامت خضرة هذا في جميع فصول السنة؛ والمقترح عليه أن يهدي لي من أدناهما، فإن همتي تنخفض عن استهداء أسناهما.
وفيه: يروى عن ابن أخت خالتي، رضي الله عنه: من تناول من نمار حديقتي ثمرة، كساه الله من رحمته نمرة، ومن أكل من أعنابها حبة، ألبسه الله من مغفرته جبة، وقد عرفت رغبة سيدي في أكتساب هذه الاثواب، فاتحفته من ذلك بما هو خفيف قليل، إلا أنه في ميزان البركة ثقيل.
عن هند بنت الجون نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة خالتي أم معبد، فقام من رقدته، ودعا بماء فغسل يديه، ثم تمضمض ومج في عوسجة إلى جانب الخيمة، فأصبحنا وهي كأعظم دوحة، وجاءت بثمر كأعظم ما يكون، في لون الورس، ورائحة العنبر، وطعم الشهد، ما أكل منها جائع الا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا بري، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا در لبنها، فكنا نسميها المباركة؛ وينتابنا من البوادي من يستسقى بها، ويزود منها؛ حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، وصغر ورقها، ففرعنا، فما راعنا إلا نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم أنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها، وتساقط ثمرها، وذهبت نضرتها، فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فما أثمرت بعد ذلك، فكنا ننتفع بورقها؛ ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط، وقد ذبل ورقها، فبينا نحن فزعين إذ أتانا خبر مقتل الحسين رضي الله عنه، ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت. والعجب كيف لم يشهر أمر هذه الشجرة كما شهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص.
علي عليه السلام، رفعه: لما أسرى بي إلى السماء، أخذ جبريل بيدي، فاقعدني على درنوك من درانيك الجنة، ثم ناولني سفرجلة، فأنا أقلبها إذا انفلقت، فخرجت منها جارية جوراء، لم أر أحسن منها، فقالت: السلام عليك يا محمد فلت: من أنت؟ قالت: الراضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أصناف: أسفلي من مسك، ووسطي من كافور، وأعلاي من عنبر؛ عجنني بماء الحيوان، قال الجبار: كوني، فكنت، خلقني لأخيك وابن عمك علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
علي، رفعه: كلوا التمر على الريق، فإنه يقتل الديدان في البطن، وروي عنه: كلوا الرمان فليس منه حبة تقع في المعدة إلا أنارت القلب وأخرست الشيطان أربعين يوما.
وروي عنه: كلوا العنب حبة حبة، فإنه أهنأ وأمرأ.
وروي عنه: إذا طبختم فأكثروا القرع فإنه يسكن قلب الحزين.
كعب بن الأشرف:
رب خال لي لو أبصرته ... سبط المشية أباء أنف
لين الجانب في أقربه ... وعلى الأعداء سم كالذعف
ولنا بئر رواء عذبة ... من يردها باناء يغترف
ونخيل في تلاع جمة ... تخرج الطلع كأمثال الأكف
أحمد بن سليمان بن وهب:
حفت بسرو كالقيان تلفحت ... خضر الحرير على دوام معتدل
فكأنها والريح حين تميلها ... تبغى التعانق ثم يدركها الخجل
حازم بن عروة اليربوعي: هجا العلاء بن صباغ نخلاً له فقال:

يا أيها القائل قولاً تكثره ... والكذب شر القول حين تأثره
قد عبت جباراً بهيجاً منظره ... دهما كجنح الليل حين تبصره
وقال:
الله أعطاني ليبلو شكرى ... حدائقاً من أمهات التمر
من كل قواء دلوح الوقر ... فهي تسامى ببنات نضر
كأن أثناء البرود الحمر ... بين خوافيها الرواء الخضر
مروان بن سعيد المهلبي:
مرت بنا إبل تهوى إلى هجر ... بالتمر خسران ما تهوى به الأبل
خالد بن المهاجر الزهري:
ولما نزلنا منزلاً طله الندى ... أنيقاً وبستاناً من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنينا فكنت الأمانيا
فضل خليد عينين الهجرى الفرزدق على جرير، فقال:
فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... متى كان حكم الله في كرب النخل
فأجابه خليد بقوله:
أعيرتنا نخلاً كثيراً وقرية ... وود أبوك الكلب لو كان ذا نخل
وأي نبي كان من غير قرية ... وهل تعرف الأحكام إلا مع الرسل
كان عمر بن كيسية النهدي، وهو الذي يقول:
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما مسها من نقب ولا دبر
أغفر له اللهم أن كان فجر مع أبي موسى الأشعري في قتال أهل تستر، فمر بقراح بطيخ، فمد يده ليأخذ منه، فمنع وحبس، فقال:
أفي بطيخة ركبوا إلينا ... فظل لنا بهم يوم عصيب
وظل بنات أعوج ملجمات ... لها في كل قنطرة نحيب
وظلوا حابسي إلى جدار ... يقول أميرهم هلا تتوب
علي رضي الله عنه في وصيته: وأن لا تبيع من نخل هذه القرى ودية حتى تشكل أرضها غراسا. قال الرضي: المراد أن الأرض يكثر فيها غراس النخل، حتى يراها الناظر على غير الصفة التي عرفها بها، فيشكل عليه أمرها، ويحسبها غيرها.
كرب بن أخشن العميري:
القارح النهد الطويل الشوى ... والنثرة الحصداء والمنصل
والضرب في أقيال ملمومة ... كأنما لامتها الأعبل
خير لمن يطلب كسب الغنى ... من جنة يشتقها جدول
حين زها سامق جبارها ... واعتم فيها القضب والسنبل
دخل عمرو بن معاذ التميمي الملقب بمسكة على المهدي، فأنشده:
أنتم جمارة من هاشم ... والكرانيف سواكم والخشب
فأعطاه ألف دينار.
النبي صلى الله عليه وسلم: في كل ورقة من الهندباء وزن حبة من ماء الجنة. ومن أكل جرجيراً، ثم بات، بات الجذام يتردد في جوفه.
بكى شيخ حجازي ليلته يردد قوله تعالى: " وجنة عرضها السماوات والأرض " ويبكي؛ فقيل له: لقد أبكتك آية ما يبكي عند مثلها، فقال: وما ينفعني عرضها إذا لم يكن لي فيها موضع قدم؟ أتي يوسف بن أسباط بباكورة مرة، فقلبها ثم وضعها بين يديه ثم قال: أن الدنيا لم تخلق لينظر إليها، إنما خلقت لننظر بها إلى الآخرة.
علي رضي الله عنه: ألا حر يدع هذه اللماظة لأهلها؟ أنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها. وعنه فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الناس من شهواتها ولذاتها وزخارف مناظرها، ولذهلت بالفكر في أصطفاق أشجار غيبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها، وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرطب في عسالييجها وأفنانها، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غلف أكمامها؛ تجنى من غير تكلف فتأتى على منية مجتنيها، ويطاف على نزالها في أفنية قصورها بالاعسال المصفقة، والخمور المروقة؛ قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلوا دار القرار، وأمنوا نقلة الأسفار.
يزيد بن الخضراء الأشهلي:
تبدلت لما أخرجنني عشيرتي ... بخيبر فتيان الوطيح الأكارما
ونخلاً تدب العين تحت أصوله ... كحرة ليلى في عراض سلالما
قال الرشيد لابن السماك عظني، قال: أحذر يا أمير المؤمنين أن تصير إلى جنة عرضها السموات والارض فلا يكون لك فيها موضع قدم.
مالك بن دينار: جنات النعيم من جنات الفردوس، وفيها جوار خلقن من ورد الجنة؛ قيل: ومن يسكنها؟ قال: الذين هموا بالمعاصي، فلما ذكروا عظمة الله راقبوه.

فضيل: لو بزقت الحوراء في سبعة أبحر لأعذبتهن.
ابراهيم بن أدهم: سبانا إبليس من الجنة بخطيئة، فهل للسبي من راحة حتى يرجع إلى المكان الذي سبي منه؟ حكى الضبي معلم المعتز: كان ببغداد مؤذن إذا لاحت له وردة أنغمس في لجة قصفه إلى أن يمضي زمن الورد، وكان يقول:
يا صاحبي اسقياني ... من قهوة خندريس
على جنيات ورد ... يذهبن هم النفوس
ما تنظران فهذا ... وقت لحث الكؤوس
فبادروا قبل فوت ... لا عطر بعد عروس
فإذا لم يبق وردة أقبل إلى مسجده وهو يقول:
تبدلت من ورد جنتي ومسمع ... شهي ومن لهو وشرب مدام
أذاناً واخباتاً ولوماً لمعشر ... أرى منهم المامة بحرام
وذلك دأبى أو أرى الورد طالعاً ... فأترك أصحابي بغير أمام
وأرجع في لهوي وأترك مسجدي ... يؤذن فيه من يشا بسلام
عبد الله بن جعفر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب.
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين.
جابر بن عبد الله: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ونحن نجني الكباث، فقال: عليكم بالأسود منه، فقلنا: يا رسول اله كأنك رعيت الغنم، فقال نعم، وهل نبي إلا وقد رعاها؟ لعبد لله الفقير إليه:
أن كان عقلك موصوفاً برجحان ... فاعمل بما خطفي مضراب رجحان
أراد خفاء العمل. قرىء على مضراب مغنية اسمها رجحان:
غضي جفونك يا عيون النرجس ... حتى أفوز بنظرة من مؤنسى
في ديوان المنظوم:
أبطا علينا الربيع الناعم الخضل ... ونحن نشتاقه شوقاً له غلل
فجاء مستحييا من طول غيبته ... وإنما ورده في خده خجل
سمع هشام نفض الزيتون في بستانه فقال: القطوه لقطاً ولا نفضوه فتفقأ عيونه، وتكسرؤ غصونه.
كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه، وأذن للناس في أكله وحمله، وردد: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
ابراهيم بن حمزة الزبيري: كنا متنزهين بالعقيق، فمر بنا غلام يحمل حملين من عنب وتين، فقلنا له أنخ يا غلام، فأخذنا حاجتنا، فقلنا له: أتعرفنا؟ قال لا، قلنا: فلم تركتنا نأخذ؟ قال: أمرني مولاي إذا مررت بأحد له هيأة أن لا أمنعه.
بريدة، رفعه: سيد إلا دام في الدنيا والآخرة للحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية.
الحسن بن علي: حباني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلتا يديه ورداً وقال: أما أنه سيد رياحين الجنة سوى الآس.
عبد الله بن عمران مصر أطيب الأرض تراباً، وأبعدها خراباً.
حدث أبو العميس عن القاسم قال: مد الفرات فقذفت برمانة مثل البعير، قال: فتحدث أهل الكتاب أنها من الجنة.

باب
البلاد والديار والأبنية
وما يتصل بها من ذكر العمارة والخراب وحب الوطن
ابن عباس رضي الله عنه: ما أعلم على وجه الأرض بلدة تدفع فيها بالحسنة مائة إلا مكة، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن صلى فيها ركعة مائة ركعة غير مكة؛ ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يتصدق فيها بدرهم فيكتب له ألف درهم إلا مكة؛ ولا أعلم على وجه الأرض بلدة هي مأوى الأبرار ومصلى الأخيار غير مكة؛ ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ما مس منها شيء إلا وفيه تكفير للخطايا إلا مكة؛ ولا أعلم بلدة يحشر منها الأنبياء غير مكة؛ ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كل يوم من روح الجنة ما ينزل بمكة.
والمراد بفضل البقاع والأوقات أن ثواب عمل الطاعة فيها أكثر من ثواب من عمل في غيرها، لما علم الله من صلاح المكلفين في ذلك.
وعن عبد الله بن عمرو: أن الحرم محرم في السماوات السبع، مقداره من الأرض والهواء إلى العرش.
وهيب بن الورد: كنت ذات ليلة في الحجر أصلي، فسمعت كلاما بين الكعبة والأستار، إلى الله أشكو ثم إليك يا جبريل من الطائفين حولى، من تفكههم بالحديث، ولغوهم، ولهوهم؛ لئن لم ينتهوا لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه.

ابن مسعود: ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة قبل العمل إلا مكة؛ وتلا قوله تعالى: " ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " .
ابن عباس: لئن أذنب سبعين ذنبا بركبة أحب إلي من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة. وركبة منزل بين مكة والطائف.
قال سفيان: والله ما أدري أي البلاد أسكن؟ فقيل: خراسان، فقال: مذاهب مختلفة، وآراء فاسدة؛ قيل: فالشام، قال: يشار إليك بالاصابع، أراد الشهرة؛ قيل: فالعراق، قال: بلد الجبابرة، قيل: فمكة، قال: تذيب الكيس والبدن.
في الحديث: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع، فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة.
وعن علي، رفعه: قال الله إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته، ثم أخرب الدنيا على أثره.
من خصائص الحرم أن الذئب يريع الظبي، فإذا دخله كف عنه، وأنه لا يسقط على الكعبة حمام إلا وهو عليل، وأنه إذا حاذى الكعبة عرقة من طير انفرقت فرقتين ولم يعلها طائر منهما، وأنه إذا أصاب المطر الباب الذي من شق العراق كان الخصب بالعراق تلك السنة، وكذلك كل شق، وإذا عم جوانب البيت عم الخصب كل البلاد، وأن حصى الجمار يرمى به منذ حج الناس على طوال الدهر وهو على مقدار واحد، ولولا موضع الآية لكان كالجبال. ومن سنة أهل الحرم أن كل من علا الكعبة من عبيدهم فهو حر، لا يجمعون بين عز علوها وبين ذلة الرق. وبمكة صلحاء لم يدخلوا الكعبة قط تعظيماً لها.
النميري الثقفي:
تشتو بمكة زينب ... ومصيفها بالطائف
أكرم بتلك مواقفاً ... وبزينب من واقف
جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها من معاوية بمائة ألف درهم، فقال له عبد الله بن الزبير: بعث مكرمة قريش؟ قال: ذهبت المكارم إلا من التقوى، يا ابن أخي إني أشتريت بها داراً بالجنة، أشهدك أني جعلت ثمنها في سبيل الله.
البقاع تشرف وتفضل بمقام الصالحين الأخيار، ولقد شرف الله بيت المقدس بمقام الأنبياء، والمدينة بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم.
وبلغنا أن عيسى بن مريم عليه السلام تكون هجرته إذا نزل من السماء إلى المدينة، فيستوطنها حتى يأتيه الأمر من الله. روى أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: إذا أهبط الله عيسى من السماء فإنه يعيش في هذه الأمة ما شاء الله، ثم يموت بمدينتي هذه، ويدفن إلى جانب قبر عمر، فطوبى لأبي بكر وعمر فإنهما يحشران بين نبيين.
عائشة عنه عليه الصلاة والسلام: فتحت البلاد كلها بالسيف، إلا المدينة فأنها فتحت بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الأيمان الأرز إلى المدينة كما أرز الحية إلى جحرها.
محمد بن قيس بن مخرمة يرفعه: من مات في أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة آمنا.
شعيا عليه السلام قال: أصبري أورى شلم فإنه سيأتيك راكب يعنى عيسى بن مريم، ثم يأتيك راكب البعير، يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم، وهي أرض بيت المقدس. قال الأعشى:
وطوفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأورى شلم
ويقال لها فلسطين وأرض المحشر، والقرية المحفوظة، ومدينة الجنة.
سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير وأي البقاع شر؟ فقال: لا أدري، فسأل جبريل عن ذلك فقال: لا أدري، فقال: سل ربك، فسأله فقال: خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق.
كان أبو مسلم الخولاني يكره الجلوس في المسجد، ويقول: المساجد مجالس الكرام.
أبو هريرة: من بنى مسجدا من مال حلال بنى الله له بيتاً في الجنة.
أنشدت بمكة حرسها الله:
بنى مسجداً لله من غير حله ... فكان بحمد الله غير موفق
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا فتية من الأنصار يذرعون المسجد بقصبة، قالوا: نريد أن نعمر مسجدك، فأخذ القصبة فرمى بها، وقال: خشيبات وثمامات وعريش كعريش موسى والشأن أقرب من ذلك.
عائشة: عنه عليه الصلاة والسلام: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغضها إليه أسواقها.
من كان في المسجد فلم ير أنه في صلاة لم يفقه.
أبو هريرة، عنه عليه الصلاة والسلام: لكل شيء قمامة، وقمامة المسجد لا والله، ويلي والله.

معاذ يرفعه: من علق قنديلا في المسجد صلى عليه سبعون ألف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل، ومن بسط فيه حصيرا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يتقطع ذلك الحصير.
مالك بن دينار: أن المنافقين في المساجد كالعصافير في القفص.
عنه عليه السلام: من ألف المسجد ألفه الله، وعنه: يأتى في آخر الزمان ناس من أمتى يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، فلا تجالسوهم، فليس لله بهم حاجة.
وعنه: قال الله تعالى: أن بيوتى في أرض المساجد، وأن زوارى فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره.
وعنه عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان.
سعيد بن المسيب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، فما حقه أن يقول إلا خيرا.
في الحديث: الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش.
النخعي: كانوا يرون أن المشي في الليلة المظلمة إلى المسجد موجبة.
سأل رجل من سمرقند فضيلاً: أيما أحب إليك أن أجار بمكة أو آتي الشام؟ فقال: ما تبالي أن تكون بالشاش بعد أن تكون تقيا.
عن علي الأزدي: سألت من ابن عباس عن الجهاد فقال: ألا أدلك على ما هو خير؟ تبنى مسجدا يعلم الناس فيه القرآن، وسنن الرسول، والفقه في الدين.
لبنى عدي بن عبد مناة: مسجد بالبصرة ينتاب وينزل به، يقال أن جمل عائشة عقر في موضعه فابتنى على ذلك، فقال رجل منهم يهجوهم:
قوم كرام غير ما أنهم ... سطوتهم تعدو على جارهم
ليس لهم فخر سوى مسجد ... به تعدوا فوق أطوارهم
لو هدم المسجد لم يعرفوا ... يوما ولم يسمع بأخبارهم
علي رضي الله عنه: كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي، تعركين بالنوازل، وتركبين بالزلازل، وأني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل.
جهم بن خلف المازني في المفضل الضبي:
أنت كوفي ولا يحفظ كوفي صديقا
لم يكن وجهك يا كو ... في للخير خليقا
كان عمر رضي الله عنه إذا ذكر الكوفة قال: كنز الايمان، وجمجمة العرب، ورمح الله الأطول.
قيل لأبي عبيدة: البصرة أحب إليك أم الكوفة؟ قال: لو دلني أحد على البصرة لدفعت إليه الكوفة مجازاة له.
علي رضي الله عنه لأهل البصرة: أرضكم قريبة من الماء، بعيدة من السماء، خفت عقولكم، وسفهت حلومكم، وأنتم غرض لنابل، وأكلة لآكل، وفريسة لصائل.
وعنه: كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، أحلامكم دقاق، وعهدكم شقاق ودينكم نفاق وماؤكم زعاق، المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة ربه؛ وأيم الله لتغرقن بلدتكم كأنى انظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة، أو نعامة جاثمة، قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها.
وصف رجل صنعاء فقال: بلغ من طيب ترابها أن الرجل يسجد فلا يشتهى أن يرفع رأسه.
قدم رجل من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها؟ قال: خروجي منها.
قال أبو العتاهية لبدوي: هل لك في أرض الريف والخصب أرض العراق؟ فقال: لولا أن الله أرضى بعض العباد بشر البلاد لما وسع خير البلاد جميع العباد.
كريب بن سلمة الجعفى:
إذا نحن جاوزنا دمشق ووجهت ... صدور المطايا للعراق المشرق
فأحبب به داراً إلينا ومنزلاً ... إذا نحن جاورنا بلاد الخورنق
الجاحظ في ذكر العراق: موضع التميمة، وواسطة القلادة، به تلاحقت الطبائع، وصرحت عن اللب الأصيل، والخلق الجميل.
ابن زريق الكاتب:
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلاً وذلك شيء دونه الياس
هيهات بغداد الدنيا بأجمعها ... عندي وسكان بغداد هم الناس
يقال لأهل العراق ملائكة الأرض، للطافة أخلاقهم، وخفة أرواحهم. قال ملائكة الأرض أهل العراق وأهل الجبال شياطينها.
وكان أبو أسحق الزجاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية. وقال أبو الفرج الببغاء: هواؤها أغذى من كل هواء، وماؤها أعذب من كل ماء، ونسيمها أرق من كل نسيم، ونعيمها أكثر من كل نعيم، وهي من الإقليم الاعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل موطن ألا كاسرة في سالف الأيام، ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام.

وكان أبو الفضل ابن العميد إذا امتحن رجلاً من أهل العلم سأله عن بغداد، فإن وجده متنبها على خصائصها، وعن الجاحظ فإن رآه متسبا إلى مطالعة كتبه، رجح في عينه، وإلا لم يعبأ به. ولما رجع الصاحب من بغداد سأله، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد.
وفي ديوان المنظوم:
أفاضل الدنيا وأن برزوا ... لم يبلغوا غاية أستاذها
أما ترى أمصارها جمة ... ولا ترى مصراً كبغداذها
قالوا: ومن عجيب شأنها وهي موطن الخلفاء أنه لا يموت بها خليفة.
قال عمارة بن عقيل:
أعانيت في طول من الأرض أو عرض ... كبغداد داراً أنها جنة الأرض
قضى ربها أن لا يموت خليفة ... بها أنه ما شاء في خلقه يقضى
ولما فرغ المنصور من بنائها في سنة ست وأربعين ومائة أمر فوبخت المنجم أن يأخذ طالعا، فوجد المشتري في القوس، فحكم بظهور فضلها على سائر البلاد فسر المنصور بذلك، وقرأ: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " ثم قال: وخصلة أخرى أنه لا يموت بها خليفة أبداً.
الخورنق بناه النعمان بن امرىء القيس الاكبر، بناه بأمر كسرى لبهرام جور، وكان كسرى قد جعل بهرام في حجره، فأمر ببنائه له، لئن الأطباء اجتمعوا على أنه أطيب مكان هواء بالعراق.
النبي صلى الله عليه وسلم: دخل إبليس العراق فقضى حاجته، ثم دخل الشام فطردوه، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ.
بلغ خراج مصر في بعض الأزمنة أربعة آلاف ألف دينار.
قال هشام بن عبد الملك لأخيه محمد:
أبعد قرى مصر تبوأت ظلة ... ستعلم غدواً أي بيعك أربح
فرحت بأن فارقت مصر وأهلها ... ومصر بأن فارقتها منك أفرح
من أقام بالموصل حولاً وجد في قوته فضلاً، ومن أقام بالأهواز حولاً، وهو ذو فراسة، وجد فيها نقصاناً.
الأهواز ينسب إليها السكر والديباج والخز، يقال: ديباج تستر، وخز السوس وهما من الأهواز. قال كشاجم في وصف روض:
كأن الذي دبجت تستر ... وطرزت السوس فيه نشر
وأنشدت:
تمشي كما رنحت ريح يمانية ... غصناً من البان غضاً طله الديم
في حلة من طراز السوس معلمة ... تمحو بأذيالها ما أثر القدم
وقال أبو نصر العتبي: للهم في وخز النفوس أثر السوس في خز السوس.
دخل الرشيد منبج فقال لعبد الملك بن صالح الهاشمي، وكان لسان بني العباس، هذا البلد مقر لك، قال: يا أمير المؤمنين هو لك، ولي بك؛ قال: كيف منازلك به؟ قال: دون منازل أهلي، وفوق منازل غيرهم؛ قال: كيف صفة مدينتك هذه؟ قال: عذبة الماء، طيبة الهواء، قليلة الأدواء؛ قال: كيف ليلها؟ قال: سحر كله، وأين بها عن الطيب، وهي تربة حمراء، وسنبلة صفراء، وشجرة خضراء، وفياف فيح، بين قيصوم وشيح؛ قال الرشيد: هذا الكلام، والله أحسن منها.
كسكر أحدى كور السواد من طساسيج دجلة والفرات ينسب إليها الدجاج المسمن، ربما بلغت الواحدة وزن الجدى والحمل.
قال:
لنا سمك نكببه مشهر ... وعند غلامنا جنب مبزر
وفروجان قد رعيا زماناً ... لباب البر في أبيات كسكر
وينسب إليها الجداء والسمك الصحناة.
كان الرشيد يقول لموسى الكاظم بن جعفر: يا أبا الحسن خذ فدك حتى أردها عليك، فيأبى، حتى ألح عليه فقال: لا آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: يا أمير المؤمنين أن حددتها لم تردها، قال: بحق جدك إلا فعلت، قال: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: هيه، قال: والحد الثاني سمرقند، فاربد وجهه، قال: والحد الثالث أفريقية، فاسود وجهه وقال: هيه، قال: والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية، قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسى؛ قال موسى: قد أعلمتك أني أن حددتها لم تردها. فعند ذلك عزم على قتله، واستكفى أمره يحيى بن خالد. فأراه بثرة خرجت في كفه وقال: هذه علامة أهل بيتنا قد ظهرت بي، وأنا أقضى عن قرب، فقد كفيت أمري. فتركه يحيى ومات بعد أيام.
وأنى وأرضاً أنت فيها ابن معمر ... كمكة لم يطرب لأرض حمامها
إذا اخترت أرضاً للمقام رضيتها ... لنفسي ولم يغلظ علي مقامها

كان يقال للبصرة خزانة العرب، وقبة الإسلام، لأنتقال قبائل العرب إليها، وأتخاذ المسلمين لها وطناً ومركزاً. قال:
بنت قبة الإسلام قيس لأهلها ... ولو لم يقيموها لطال التواؤها
ثم لما بنى المنصور بغداد، وصارت دار الخلافة، ومصت أموال الدنيا مصاً، سميت مدينة السلام، وقبة الإسلام. وعن الكسائي أن عمر قال كنز الإسلام، والكنز القبة على السرير، فغيره الناس إلى قبة الإسلام.
للخليل بن أحمد في ظهرة البصرة مما يلي قصر أنس:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... من منزل حاضر أن شئت أو بادى
ترفأ به السفن والظلمان حاضرة ... والضب والنون والملاح والحادي
بنى علي بن عيسى بن جعفر الهاشمي قصره على نهر ابن عمر بالبصرة، فقال له ابن المعذل: بنيت أحسن بناء، بأوسع فضاء، على أصفى ماء، وأرق هواء، بين صواري ورعاء، وحيتان وظباء. فقال: والله لبناء كلامك أحسن من بنائي، ووصله.
لا تبنى المدن إلا على الماء والكلأ والمحتطب.
يقال: أن اصبهان من بناء ذي القرنين؛ قال ابن طباطبا لأبي علي ابن رستم، وقد هدم شيئاً من سور اصبهان ليزيده في داره:
وقد كان ذو القرنين يبنى مدينة ... فأصبح ذا القرنان يهدم سورها
على أنه لوحك في صحن داره ... بقرن له سيناء زعزع طورها
لو قال: فأصبح ذو القرنين فكان أوقع وأمتن، ولعل الرواة حرفوه فإن قوله ذو قرون يومئ إليه، قال:
أيها الهادم سوراً ... هدمه عين الجنون
ليس يوهى سور ذي القر ... نين إلا ذو قرون
وسائل عن بلاد الري قلت له ... أنا ابن بلدتها لا بل أنا البلد
وفي ديوان المنظوم:
تفاءلت غذ ألقيت رحلي بالري ... وبشرت أحشاء صوادي بالري
فلما رأيت الري لا ينقع الصدى ... علمت بان الفأل كان من الغي
وصف بعضهم بلاد الهند فقال: بحرها در، وجبالها ياقوت، وشجرها عود، ورقها عطر.
جور من كور فارس مخصوصة بالورد الذي هو مثل، يقال: ورد جور، والورد الجوري، كما قيل بنفسج الكوفة، ومنثور بغداد، وزعفران قم، ونيلوفر السيروان ونارنج الصيمرة، واترج طبرستان، ونرجس جرجان.
قال عبد بن سليمان في نهاوند: أرضها الزعفران، وسماؤها الفاكهة، وحيطانها الشهد.
وقال عمرو بن الليث في نيسابور: حجرها الفيروزج، وترابها النفال، وحشيشها الريباس.
وقال الحجاج لعامله على اصبهان: قد وليتك بلدة حجرها الكحل، ودبانها النحل، وحشيشها الزعفران.
استطاب إسماعيل بن احمد نيسابور فقال: نعم البلد لولا، قيل: كيف؟ قال: كان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطنها على ظاهرها، ومشايخها الذين على ظاهرها في باطنها.
يزعم أهل فارس أن إبراهيم عليه السلام كان من أهل اصطخر، من قرية تسمى أندران، سميت لأنه رمي به في النار ثمة، وقالوا: له فيها مسجد أرضه صخرة واحدة صماء، وفي الصخرة أثر ركبتيه وكفيه وأصابعه، وأن الناس يعظمونه، ويقصدومه من البلاد البعيدة، وتصلى فيه صلاة العيد؛ وعلى رأس فرسخ منه تل عظيم، طوله فرسخ، قد لبد أعلاه وصلب، فإذا كشط عنه فهو رماد أبيض لين كأنه منخول، يستشفى به؛ ويكذبون من زعم أنه من أهل كوثى، وإنما خرج من فارس ونزل كوني. وباصطخر مسجد سليمان وكذلك بشيراز.
مما يحكى من بلاهة أهل طوس انهم رفعوا إلى الرشيد قصة، يسألونه فيها أن يحول لهم مكة إلى بلدهم.
قال الحجاج للغضبان بن القبعثري كيف تركت أرض كرمان؟ قال: ماؤها وشل، وسهلها جبل، ولصها بطل، وثمرها دقل، أن كثر الجيش بها جاعوا، وأن قلوا ضاعوا.
الصين موصوفة بالصناعات الدقيقة، والتصاوير العجيبة، يفصل مصورهم بين ضحك الشامت والخجل والهازئ والمسرور.
يقولون: أهل الدنيا كلهم عمي إلا أهل بابل فإنهم عور.
تبت بناها تبع وسماها باسمه فلكنته الترك، ويقال: من أقام بقصبتها اعتراه سرور ما يدري سببه، ولا يزال متبسماً ضاحكاً حتى يخرج.
في نهاوند واعتدال هوائها:
نزلت عن برد أرض ... زادها البرد عذابا
وعلت عن حر أرى ... تلهب النار التهابا
مزجت حراً ببرد ... نصفا العيش وطابا

لم تزل مكة حرسها الله أمناً ولقاحاً، قال حرب بن أمية:
أبا مطر هلم إلى صلاح ... أبا مطر هديت بحير عيش
فتأمن وسطهم وتعيش فيهم ... وتأمن أنيزورك رب جيش
وتنزل بلدة عمرت لقاحاً ... فتكنفك الندامى من قريش
صلاح: علم لمكة. وكتب بعض الجبابرة إلى أهل مكة يطلب منهم الأتاوة، فكتب إيه عبد المطلب:
إنا أناس لا ندين بأرضنا ... عض الرسول ببظر أم المرسل
الأيوان من بغداد على مرحلة، بناه كسرى أبرويز في نيف وعشرين سنة، طوله مائة ذراع، في عرض خمسين، في سمك مائة من الآجر الكبار والجص، وثخن الأزج خمس آجرات، وطول الشرف خمس عشرة ذراعاً. ولما بنى المنصور بغداد أحب أن ينقضه، ويبني ينقضه؛ فاستشار خالد بن برمك فنهاه، وقال: هو آية الإسلام، من رآه علم أن من هذا بناؤه لا يزيل أمره إلا نبي، وهو مصلى علي بن أبي طالب، والمؤونة في نقصه أكثر م الاتفاق به. فقال: أبيت إلا ميلاً إلى العجم؛ فهدمت ثلمة فبلغت النفقة عليها مالاً كبيراً، فأمسك؛ فقال له خالد: أنا الأن أشير بهدمه لئلا يتحدث بعجزك عنه، فلم يفعل.
وتذاكر حذيفة وسلمان رضي الله عنهما أمر الدنيا، فكان من أعجب ما ذكرا أن أعرابيا من غامد كان يرعى حوله شويهات له، فإذا كان الليل آواها إلى سرير رخام في الإيوان كان يجلس عليه أبرويز.
قال البحتري:
حضرت رحلي الهموم فوجه ... ت إلى أبيض المدائن عسى
وكان الإيوان من عجب الص ... عة جون في جنب أرعن مرسى
لم يعبه إن بز من بسط الدي ... باج واستل من ستور الدمقس
مشمخرا تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وفدس
ليس يدري أصنع إنس لجن ... سكتوه أم صنع جن لأنس
غير أنى أراه يشهد أن لم ... يك بانيه في الملوك بنكس
الأوائل من الأمم لما علموا من جهة النجوم أن آفة سماوية تصيبهم وهو الطوفان بنوا في صعيد مصر أهراما بالحجارة، على رؤوس الجبال والمواضع المرتفعة، ليحترزوا بها، وجعلوا الهرمين أرفع منها كلها؛ وهما على فرسخين من الفسطاط، كل واحد أربعمائة ذراع طولاً، في أربعمائة ذراع عرضاً، والأساس زائد على جريب، مبني بحجارة المرمر والرخام، غلظ كل حجر عشرة أذرع إلى ثمان، مهندم لا يستبين هندامه إلا لحاد البصر، وحجارتها منقولة من مسافة أربعين فرسخاً، من موضع يعرف بذات الحمام فوق الاسكندرية، ولا يزالان ينخرطان في الهواء صنوبرياً حتى ترجع ذروتهما إلى مقدار خمسة أشبار في خمسة، وشكلهما التربيع، وليس على وجه الأرض بناء أرفع منهما، منقور فيهما بالمسند كل سحر وطب وطلسم، وفيه إني بنيتهما، فمن ادعى قوة في ملكه فليهدهما، فإذا خراج الدنيا لا يفي بهدمهما، وكان يجمع يوسف عليه السلام فيهما الطعام. وقالوا: لا يعرف من بناهما. قال المتنبي:
تتخلف الآثار عن أصحابها ... حيناً ويدركها الفناء فتتبع
أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع
وسمى البحتري بانيهما فقال:
ولا كسنان بن المشلل عندما ... بنى خرميها من حجارة لابها
منارة الاسكندرية مبنية على قناطر من زجاج، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس في بطن أرض البحر، وطولها أربعمائة وخمسون ذراعاً، وهي غاية ما يمكن رفعه في الهواء، وفيها ثلثمائة وخمسون بيتاً، وكانت في أعلاها مرآة كبيرة يرى فيها الناظر قسطنطينية، وبينهما عرض البحر. وكلما جهز ملك أروم جيشاً أبصر فيها، فوجه ملك الروم إلى بعض الخلفاء أن في الثلث الأعلى منها كنوزاً لذي القرنين فهدموه، فلم يجدوا شيئاً، وعلم أنها حيلة في أبطال الطلسم في المرآة.
الرها: بلد من عمل حران، مسبت إليه كنيسة الرها، وهي متخذة على رؤوس أربعة أعمدة من رخام، بطيقات معقودة بينها، وفيها العجائب من التزاويق، والتصاوير، والطلسمات، والقناديل التي تشتعل من غير اشتعال.

مسجد دمشق بناء المروانية، كان كل خليفة يزيد فيه زيادة، حتى تناهى حسنه، وعدم نظيره، وهو منقش الحيطان والسقوف، والأعمدة مرضعة كلها بالجواهر مذهبة، قال بعض شيوخنا: لم يفتنى منذ عقلت فيه صلاة، ولم أدخله إلا وقعت عيني من محاسنه على شيء لم تقع عليه قبل.
سمع خالد بن عبد الله القسري قول رجل من موالس الأنصار:
لتني في المؤذنين نهاري ... أنهم يبصرون من في السطوح
فيشيرون أو تشير إليهم ... بالهوى كل ذات دل مليح
فأمر بحط المنار. ففيه يقول الفرزدق:
بنى بيعة فيها الصليب لأمه ... ويهدم من كفر منار المساجد
جرير بن حازم الجهضمي:
عمرت فأحسنت العمارة فاعتنم ... عمارة دار الحق في غابر العمر
في الحديث: أن جبريل صلوات الله عليه ذكر مدينة يقال لها فاخرة، وهي بالفارسية بخاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم سميت فاخرة؟ قال: لأنها تفخر على المدائن يوم القيامة بكثرة الشهداء، ثم قال: اللهم بارك في فاخرة، وطهر قلوبهم بالتقوى، واجعلهم رحماء على أمتي. فيقال: ليس أحد أرحم على الغرباء منهم.
الحسن قال: ما فعل الجناحان؟ قيل: وما هما؟ قال: سمرقند وخوارزم، هما جناحا الإسلام، وما داما حصن الإسلام.
كتب الحجاج إلى قتيبة بالعود إلى خوارزم، فقال: إنها شديدة الكلب، قليلة السلب.
يقولون إن الشام يقتل أهله ... فمن لي وأن لم آته بخلود
تغرب آبائي فهلا صراهم ... من الموت أن لم يشتموا وجدوى
النابغة:
وقد أعددت للحدثان عقلاً ... لو أن المرء تنفعه العقول
يريد الحصون.
رأى حكيم مدينة حصينة بسور محكم فقال: هذا موضع النساء، لا موضع الرجال.
سأل عثمان رضي الله عنه بعض من وفد عليه عن حصن بناحية هراة فقال:
محلقة دون السماء كأنها ... عمامة صيف زل عنها سحابها
فما تبلغ الأورى شماريخها العلى ... ولا الطير إلا نسرها وعقابها
وما خوفت بالذئب ولدان أهلها ... ولا نبحت إلا النجوم كلابها
أرى الناس يبنون الحصون وإنما ... بقية آجال حصونها
أبو عبيد: أحبت العرب أن تشارك العجم في البنيان، وتنفرد بالشعر، فبنوا غمدان، وكعبة نجران، وحصن مارد، والأبلق الفرد.
عن عمر رضي الله عنه: لا تستقيم إمارة للعرب ما دام فيها غمدانها.
المنذر بن ماء السماء: حصون العرب الخيل والسلاح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا أبا الحسن لا تسكن الرستاق فإنها حظيرة من حظائر جهنم، صبيها عارم، وشابها شاطر، وشيخها جاهل، والمؤمن عندهم كجيفة الحمار.
النبي صلى الله عليه وسلم: سكان الكفور كسكان القبور.
علي رضي الله عنه: واسكن الأمصا العظام، فإنها جماع المسلمين، واحذر منازل الغفلة والجفاء، وقلة الأعوان على طاعة الله، وإياكم ومقاعد الأسواق، فإنها محاضر الشيطان، ومعاريض الفتن.
فرقد السبخي: لم يبعث نبي قط من مصر من الأمصار، وإنما بعثوا من القرى، لأن أهل الأمصار أهل السواد والريف، وأهل القرى أرق.
أبو تمام:
لم آتها من أي وجه جئتها ... إلا حسبت بيوتها أجدانا
بلد الفلاحة لو أتاها جرول ... أعني الحطيئة لاغتدى حرانا
تصدى بها الأذهان بعد صقالها ... وترد ذكران العقول أنانا
مكتوب في الإنجيل: الحجر الواحد في الحائط من الحرام عربون الخراب.
أبو عمرو بن العلاء: بنيت سيلحون مدينة باليمن في ثمانين سنة علي أيدي الملوك، وبراقش ومعين بناهما العامة بغسلات أيديهم، فلا يرى لسيلحون أثر ولا عيثر، وهما قائمتان سلمتان، قال عمرو بن معدي كرب:
دعانا من براقش أو معين ... فأسمع واتلأب بنا مليع
وهب: وجدت في كتب الأنبياء من استغنى بأموال الفقراء جعلت عاقبته، وأي دار بنتي بالضعفاء جعلت عاقبتها الخراب.
جحظة:
لقد أصبحت في بلد خسيس ... امص به ثماد الرزق مصا
رأيت المجد إحسانا وجوداً ... فصار المجد أجراً وجصا

رأى الحسن قصر الحجاج بواسط فقال: يعمد أحدهم إلى قصر يشيده، وقد حف به ذبان طمع، وفراش نار، فيقول انظروا! قد نظرنا يا أفسق الفاسقين، أما أهل الدنيا فروك، وأما أهل الآخرة فمقتوك. ازدحم الناس على درجة الحسن فتحركت، وكانت رثة، فصاح بهم ابنه، فقال الحسن: مه! ثم قال: لولا أن حان من الدنيا ارتحال، وإلى الآخرة انتقال، لجددنا لكم البناء، شوقاً إلى لقائكم، وحباً لحديثكم، وما عل الدرجة نشفق لكم عليكم، فأربعوا على أنفسكم.
عن مالك بن دينار أنه حضر رجلاً يبني داراً، وهو يعطي الأجراء الدراهم، فمد يده فأعطاه درهما، فطرحه في الطين، فتعجب الرجل وقال: كيف طرحت الدرهم في الطين؟ فقال مالك: أعجب منه أنك طرحت كل دراهمك في الطين، يعني ضيعتها في النباء.
قتادة: من منع زكاة ماله سلط الله عليه الطين.
علي رضي الله عنه: عاد العلاء بن زياد الحارثي فرأى سعة داره فقال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنت أخوج، وبلى أن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرحمن وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة.
سئل النخعي عن البناء فقال: وزر ولا أجر، فقيل: بناء لا بد منه، فقال: لا أجر ولاوزر.
سلمة الأحمر؛ دخلت قصر الرشيد فقلت:
أما بيوتك في الدنيا فواسعة ... فليت قبرك بعد الموت يتسع
فجعل هارون يبكي.
مر الحسن بقصر فقال: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لأوس، فقال: على ود أوس أن له في الآخرة بدله غيفا.
كان نوح عليه السلام في بيت من شعر ألفاً وأربعمائة سنة، فكلما قيل له: يا رسول الله لو اتخذت بيتاً من طين تأوي إليه، قال: أنا ميت غداً فتاركه، فلم يزل فيه حتى فارق الدنيا.
عمر رضي الله عنه: لي على كل خائن أمينان: الماء والطين. أي إذا شرع العامل في أنباط العيون وبناء الدور علمت أنه جمع المال واحتجه.
قال رجل للحسن: بنيت داراً أحب أن تدخلها وتدعو الله، فدخلها فنظر إليها ثم قال: أخربت دارك، وعمرت دار عيرك، غرك من في الأرض، ومقتك من في السماء.
مر الحسن بدار بعض المهالبة فقال: رفع الطين، ووضع الدين.
كان لشقيق خص يكون هو ودابته فيه، فإذا غزا نقضه، وإذا رجع بناه.
حدث الأصمعي الرشيد انه كان بالبصرة فتى له كوخ من قصب، كان يغشاه الفتيان، فإذا أطربهم سمره، قال بعضهم: غداً علي ألف آجرة، والآخر: علي الجص، والثالث: علي أجرة البناء، فيصير كوخه قصراً من ساعته؛ ثم يصبح فلا يرى شيئاً؛ فقال:
إذا ما طابت الأسمار قالوا ... غدا نبنى بآجر وجص
وكيف يشيد البيان قوم ... يزجون الشتاء بغير قمص
فاستضحك الرشيد وقال: يا أبا سعيد لكنا نبني لك قصراً لا تخاف فيه ما خاف الفتى، ثم أمر له بألفي دينار.
قال الحجاج لإسماعيل بن الأشعث، وكان محمقاً، كيف ترى قصري؟ قال: أرى قصراً استعظم المؤونة على من أراد هدمه.
أنشد الجاحظ:
كأن قصور القوم ينظرن حلون ... إلى ملك موف على منبر الملك
يدل عليها مستطيراً بحسنه ... ويضحك منها وهي مطرقة تبكي
أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: بئس بيت الرجل المسلم بيت العروس، يذكر الدنيا وينسى الآخرة.
دار أصلها في التخوم، وفرعها في النجوم.
قيل لأعرابية: أين منزلك؟ قالت: أغيب في الليل إذا عسعس، وأنقلب في النهار إذا تنفس، ثم اتخذت منزلاً فسئلت عنه، فقالت:
فأما على كسلان وإن فساعة ... وأما على ذي حاجة فقريب
محمد بن واسع: قدمت مكة فسمعت سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل السوق فقال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة. فقدمت خراسان فقلت لقتيبة بن مسلم: جئتك بهدية، فحدثته بالحديث، فكان يركب في موكبه حتى يأتي السوق، فيقولها ثم ينصرف.
النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والأسواق، فإن الشيطان قد باض بها وفرخ.

وقيل للشعبي: أين فرخ إبليس؟ قال: في الأسواق، قيل: وكيف؟ قال: لأن الأسواق ما يسره من البخس، والتطفيف، والغش، والخيانة، والمدح، والذم بغيري حق، وخلف الوعد، ومطل الحقوق، والتعاون على الأباطيل.
سوق العروس ببغداد مجمع الطرائف، ولذلك نسبت إلى العروس، لاحتفال الناس في تجهيزها. وكان أبو بكر الخوارزمي إذا وصف جارية قال: كأنها سوق العروس. وكأنها العافية في البدن، وكأنها مائة ألف دينار.
النبي صلى الله عليه وسلم: سأله رجل عن الأشراط، فقال: تقارب الأسواق، قال: ما معنى تقارب الأسواق؟ قال: أن يشكو الناس بعضهم إلى بعض قلة أصابتهم.
قالوا: لذة الدنيا في الغناء، والزناء، والبناء.
أبو هريرة يرفعه: نعم البيت الحمام يدخله الرجل المسلم، لأنه إذا دخله سأل لله الجنة، واستعاذ من النار.
الحسن بن علي كانوا يستحبون إذا خرجوا من الحمام أن تتبين آثاره عليهم.
أبو موسى الشعري، رفعه: أول من دخل الحمام ووضعت له النورة سليمان عليه السلام، ولما وجد حرها قال: أوه أوه من عذاب الله، أوه أوه قبل أن لا تنفع أوه أوه.
عمر رضي الله عنه: نعم البيت الحمام، يذهب الدرن، ويذكر بالنار.
علي رضي الله عنه: بئس البيت الحمام، يبدي العورة، ويذهب بالحياء.
حمام منجاب بالبصرة، كانت إليه وجوه الناس لطيبه، وكان فيها حمام آخر يعرف بحمام طيبة، فقال لها شاعر: ما الذي تجعلين لي أن حولت وجوه الناس إلى حمامك؟ قالت: ألف درهم. فقال:
حمام طيبة لا حمام منجاب ... حمام طيبة سخن واسع الباب
فأقبل الناس إليه.
وصف لرجل حمام بالطيبي، فقال: ما قامت النساء عن حمام أطيب من حمام أصحاب الحناء.
بدوي دخل حماماً فاستاطابه، فقال لصاحبه:
أن حمامك هذا ... غير مذموم الجوار
ما رأينا قبل هذا ... جنة في وسط نار
كان ابن قريعة القاضي في مجلس الوزير المهلبي، فنوول رقعة فيها: ما يقول القاضي في رجل دخل الحمام، وجلس في الأبزن، فخرجت منه ريح، فتحول الماء زيتاً. فتخاصم هو والحمامي، وادعى كل واحد أنه يستحق الزيت كله. فكتب: قرأت هذه الفتيا الطريفة، في هذه القصة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عبثاً باطلاً، وكذباً ماحلاً، وإن كان كذلك فهو من أعاجيب الزمان، وبدايع الحدثان، فالجواب وبالله التوفيق: أن للضارط نصف الزيت بحق وجعائه، وللحمامي نصف الزيت بقسط مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما من خبث أصله، وقبح فصله، حتى يستعمله في مسرجته، ولا يدخله في أغذيته؛ والله أعلم بالصواب.
الحسن: الأسواق موائد الله في الأرض، من أتاها أصاب منها.
بنى الحجاج قصره، فقال له رستم الدهقان: أيها الأمير أكسه وحله، أراد التحصيص والنقش.
أعرابي: ارتحلت عنه ربات الخدور، وأقامت به رواحل القدور.
كان يزيد بن عبد الملك يطوف في المواضع التي كانت فيها حبابة فتمثلت له وصيفة:
كفى حزناً بالهائم الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا
آخر:
وكل سلامة تعد المنايا ... وكل عمارة تعد الخرابا
آخر:
منازل ألاف أتى الدهر دونها ... وما الدهر والألاف إلا كذلك
ابن الرفاع:
فأبكى إذا بكت المنازل أهلها ... معذرة وظلمت أن لم تفعلى
أهلاً كراما لن يحلك مثلهم ... في ذا الزمان ولا الزمان المقبل
محمد بن عبد الله النميري:
غشي المنازل بالسليل فهاجه ... ربع تبدل غيره أحبابه
ولقد تراه للقتول وأهلها ... جاراً تمس بيوتهم أطنابه
قال غلام رفيع الأسدي:
ليت الديار التي تبقى فتحزننا ... كانت تبين إذا ما أهلها بانوا
ينأون عنا ولا تنأى مودتهم ... فالقلب فيهم رهين حيث ما كانوا
فقال مولاه: والله أنى لأستحي أن أقول شعراً بعد هذا.
دخل رجل على الحجاج فقال له ما عندك؟ قال: علم ألسنة الطير، فإذا خامتان تجاوبتا؛ فقال: ما تقولان؟ قال: تخطب أحداهما بنت الأخرى، فتقول لها لا أزوجك إلا بأربع مئة قصر منيف؛ قال: أين تجد ذلك؟ قال: ما دام مثلك حيا لا تعدمه؛ قال: كيف؟ قال: إنك تقتل الخيار وتعطل الديار.
أعرابي:

ألم تعلما أن المصلى مكانه ... وبطن العقيق ذا الظلال وذا البرد
وأن به لو تعلمان أصائلا ... وليلاً رقيقاً مثل حاشية البرد
لكثير:
لعمرك أن الجزع أمسى ترابه ... من الطيب كافوراً وعيدانه رندا
وأصبح ماء الشعب خمراً وأصبحت ... جلاميده مسكاً وأوراقه وردا
وما ذاك إلا أن مشت في عراصه عزيزة في سرب وجرت به بردا
محمق إلى أبيه: كتابي هذا ولم يحدث علينا بعدك إلا خير والحمد لله، إلا أن حائطنا وقع فقتل أمي وأختي وجاريتنا، ونجوت أنا والحمار والسنور، فعلت أن شاء.
أعرابي: لا تجف أرضا فيها قوابلك، ولا تنأ بلداً فيه قبائلك. بلد فيه قوابلي وقبائلي.
ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى عبد الرزق.
عمر: عمر الله البلدان بحب الأوطان.
كما أن لحاضنتك حق لبنها، فلأرضك حرمة وطنها.
العرب: حماك أحمى لك، وأهلك أحفى بك.
وكنا ألفناها ولم تك مألفاً ... ولد يؤلف الشئ الذي بالحسن
كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها ... هواء ولا ماء ولكنها وطن
أعرابي: رملة حضنتي أحشاؤها، وأرضعتني أحساؤها.
كانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه، ونستسفه، وتطرحه في الماء إذا شربته.
وأنشد لرجل من بني ضبة:
نسير على علم بكنه مسيرنا ... وغفة زاد في بطون المزاود
ولا بد في أسفارنا من قبيضة ... من الترب ننشاها لحب الموالد
الهند: حرمة بلدك عليك كرحمة أبويك، إذ كان غذاؤك منها وغذاؤهما منه.
الفرس: تربة الصبا تغرس في القلب حرمة، كما تغرس الولادة في القلب رقة.
ميلك إلى مولدك من كرم محتدك.
أيمن بن خريم لما أجلى بان الزبير بني أمية عن المدينة.
كأن بني أمية حين راحوا ... وعري من منازلهم صرار
شماريخ الجبال إذا تردت ... بزيتها وجادتها القطار
لولا حب الوطن لخرب بلد السوء.
قيلي في بني عمير الليثي من كنانة، ودارهم بالبصرة بالقرب من الجامع، وهي مذكورة:
بنو عمير مجدهم دارهم ... وكل قوم لهم مجد
كأنهم فقع بدوية ... ليس لهم قبل ولا بعد
ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الخطوات في السوق، وكان يقول إذا خطا فيها: اللهم أن يأعوذ بك من شر السوق، وأعوذ بك من الفسوق، وأعوذ بك من كل صفقة خاسرة، ومن كل يمين كاذبة.
قال رجل: لا يكون البنيان قرية حتى ينبح فيها كلب ويصقع ديك: فقال آخر: بل لا تكون قرية حتى يكون فيها حائك ومعلم، فقال له: ويحك إذا صارت هذا فهي مدينة.
ابن الزبير: ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم.
كان الحسن يقعد عند المنارة العتيقة في آخر المسجد.
ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسرى بي إلى السماء رأيت في السماء الرابعة قصراً مزخرفاً، حواليه قناديل من نور، فقلت: يا جبريل ما هذا القصر المزخرف؟ قال: يا محمد هذا رباط تستفتحه أمتك بأرض خراسان، من مات حول ذلك النهر على فراشه قام يوم القيامة شهيداً من قبره، قلت: يا جبريل ولم ذاك؟ قثال: يكون لهم عدو يقال لهم الترك، شديد كلبهم، قليل سلبهم، من وقع في قلبه فزعه منهم قام يوم القيامة شهيداً من قبره مع الشهداء.
أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن بات ليلة في خوارزم. وطبى لمن وقع عليه غبار خوارزم، وطوبى بمن صلى ركعتين في خوارزم.
عن الحسن: مدينة بالمشرق يقال لها خوارزم، على شاطئ نهر يقال له جيحون، ملعون الجانبين، ألا وأن تلك المدينة محفوفة مكفوفة بالملائكة، تهدي إلى الجنة كما تهدي العروس إلى بيت زوجها، يبعث الله من مقبرتها مائة ألف شهيد، كل شهيد منهم يعدل شهيد بدر.
وعن مكحول: مدينة بخراسان يقال لها خوارزم، ما داموا كفاراً فالمسلمون منهم في شدة وتعب، فإذا أسلموا كانوا جناحاً من أجمحة المسلمين، وترسا من ترستهم.
وقيل لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد ما تقول ي الرباط وراء جيحون؟ فقال: لأن أنام على الفراش وراء جيحون، يعني أنوي به الرباط، أحب إلي من الطواف بهذا البيت من السنة إلى السنة صائماً قائماً، يومن ألف حجة متتابعة.

وعن ابن عمر: أنه سأل رجلاً من أهل خوارزم عن بلاده، فوصف له أن الرجل منا يغسل وجهه، فيصير الماء على وجهه ثلحاً، فقال: بشر تلك الوجوه بالجنة.
وقد عدد ابن سمقة الكاتب فضائلها فقال: ولخوارزم فضائل لا يوجد مثلها في سائر الأقطار وخصال محمودة لا تتفق في غيرها من الأمصار؛ هي ثغر من ثغور الإسلام، قد اكتنفها أهل الشرك، وأطافت بها قبائل الترك، فغزو أهلها معهم دائم، والقتال فيما بينهم قائم، قد أخلصوا في ذلك بياتهم، وأمضوا فيه طوياتهم، وقد تكفل الله بنصرهم في عامة الأوقات، زمنحهم الغلبة في كافة الوقعات، ثم حصنها الله بجيحون، بواد عسير المعبر يعيد المسالك، غزير الماء كثير المهالك، فلا يتوغلها متوغل إلا خاطر بمهجته، ولا يسلك منافذها سالك إلا كان على يأس من سلامته؛ وأهلها أهل بسالة، وقلوب جرية، ونفوس أبية؛ قد فشا عنهم ذلك فجبن العدو عن مكحافحتهم، وفشل عن مناوشتهم، وفيهم الرمي بالنشاب لا تخطئهم إصابة، ولا تكاد تسقط لأحد منهم نشابة، مع استقلالهم بأنواع السلاح، من السيوف والرماح؛ ولهم السداد والديانة، وعندهم الوفاء والأمانة، وضمائرهم نقية طاهرة، ورغباتهم في أصناف الخير ظاهر، ودينهم محبة الأخيار، ومقت الأشرار، والأحسان إلى الغرباء، والتعطف على الضعفاء؛ وخصائص آخر لا تسقصى، ولا تعد ولا تحصى؛ ومما اختصت به أنواع الرقيق الروقة والخيل الهميج الفرهة، وضروب الضواري من البزارة والصقور، وأجناس الوبر وألوان الثياب؛ وثمارها أطيب الثمار وأشهاها، وألذها وأحلاها، وأمرأها وأنماها في الأبدان؛ وهواؤها أصح هواء، وماؤها أعذب ماء، لأنه يجري من عيون عذبة، على ترب طيبه؛ وناهيك ببطيخها الذي لا يوجد مثله إلا في الجنة.
ولقد أحسن ابن سمقة، في جميع ما نمقه، ولكنه أخل برأس فضائلها، وهو ما رزقته من المذهب السديد، مذهب أهل العدل والتوحيد، مع الباطشين فيه بقوة السواعد، الرامين عنه بالنبل الصوارد، والشاقين في دقايقه الشعر، المطيرين عن نخر أعدائه النعر، وذلك في كل زمان، وخاصة في زماننا هذا، فقد أزهر فيها ما شاء من السرج، وأطال فيها ألسنة الحجج.
عبد الله بن عمر، يرفعه: ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات، فلا يدخلها الرجال إلا بالأزر، وامنعوها النساء، إلا مريضة أو نفساء.
دخل نسوة من الشام على عائشة فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله.
من كلام خنيف الخناتم المضروب به المثل في الأبالة: من قاظ الشرف، وتربع الحزن، وتشتى الصمان، فقد أصاب المرعى.
ورد بن ورد:
وإن القلب الفرد من أيمن الغضا ... ليحلو لناء ذكره ويطيب
تفوقت درات الصبا في ظلاله ... إلى أن أتاني بالفطام مشيب
وله:
ألا أيها الصمد الذي كنت مرة ... نحلك سقيت الأهاضيب من صمد
ومن وطن لم تسكن النفس بعده ... إلى وطن في قرب عهد وفي بعد
ومنزلتي بلحاء من بطن واسط ... ومن ذي السليل كيف حالكما بعدي
تتابعت الأنواء سحاً عليكما ... أما لكما بالمالكية من عهد
قبيصة بن عمرو المهلبي في البصرة:
لأحسن من بطن الرصافة منزلا ... وميدانها فالكرخ فالدور فالجسر
ربائع لا يلبسن والريح ريدة ... قياماً ولا يطبعن للوابل الهمر
إذا ما كساهن الربيع رياطه ... تأرجن مسكاً أو تضاحكن عن در
أخو يزيد بن خذاق:
أبى القلب أن يأتي السدير وأهله ... وإن قل عش بالسدير غرير
به البق والحمى وأسد خفية ... وعمرو بن هند يعتدي ويحور
أنوشروان: لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهر جار.
مرو: أسسها أفراسياب، وبنى بعضها كيخسرو وأتمها الاسكندر، وسمرقند أسسها كيكاوس بن قباذ وفرغ منها ابنه سياوخش.
نسا: بناها فيروز بن يزدجر وكان يقال لها: شهران فيروز.

جابر، يرفعه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة تشرب عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام.
الحزم ترك الحمام إذ لا تخلو من عورة مكشوفة ولا سيما من تحت السرة إلى العانة.
وعن بشر بن الحارث: ما أعنف رجلاً لا يملك إلا درهما دفعه ليخلى له الحمام.
ورؤي ابن عمر وجهه إلى الحائط، وقد عصب عينيه بعصابة.
وعن بعضهم: لا بأس بدخول الحمام، ولكن بازارين أزار للعورة، وازار للرأس يتقنع به؛ والسنة أ، يرفع رجله اليسرى عند الدخول وأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الرجس النجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم.
وقالوا: يكره دخول الحمام بين العشائين، وقريبا من المغرب، ويكره للرجل أن يعطي أمر أته أجرة الحمام فيكون معيناً لها على المكروه.
أول قرية بنيت على وجه الأرض بعد الطوفان قرية بناها نوح عليه السلام ومعه ثمانون نفساً حين خرج من السفينة فسميت ثمانين.
هفت هزار بيت بالبصرة مبني بأساطين الساج، بناه سياه رئيس أساورة يزدجرد وكان ختنه على ابنته، أسلم في أيام عمر رضي الله عنه، بالبصرة مع خاصته، وهم سبعة آلاف، فبناه وكان يطعمهم فيه بكرة وعشياً.
عمل الشياطين لسليمان مدينة من قوارير، كانت الريح تحملها إذا خرج إلى الغزو وفيها حشمة وأهل بيته، وكانت ألف ذراع في عشرة آلاف ذراع.
من أبنية الفرس الشيربهار، كانت سدنته يغلقون ألفا وأربع مائة باب كل عشية.
ونوبهار بلخ بناه أجداد خالد بن برمك، عارضوا به الكعبة، وكانوا بطوفون به، ويحجه أهل مملكتهم، ويلبس الحرير، وكان بيتا عظيماً، حوله أروقة، وثلثمائة وستون مقصورة يسكنها خدامه وقوامه، وكان من يليه يسمى برمكا يعني والي مكة، وانتهت البرمكة إلى أبي خالد بن برمك، فأسلم على يد عثمان رضي الله عنه، وسماه عبد الله.
عبد الله بن عمرو: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وأمي نطين حائطاً لنا، وزوي: نعالج خصاً لنا قد وهي، فقال: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذاك.
أنس: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة مشرفة، فسأل عنها، فقيل: لفلان الأنصاري، فجاء فسلم عليه، فأعرض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه فقالوا خرج فرأى قبتك، فهدمها حتى سواها بالأرض، فأخبر بذلك فقال: أنا أن كل بناء وبال على صاحبه إلا مالا إلا مالا.
خالد بن عبد الله المهاجر الزهري:
أضحت منازلكم بمكة منكم ... قفراً وأصبحت المعالم خاليه
لو كنت أملك رجعكم لرجعتكم ... قد كنتم زينى بها وجماليه
داود بن علي الكاتب:
ألم تقو منكم متى فالجمار ... فزمزم فالحجر الأسود
ولو فاز بالخلد حي إذا ... لفاز به المصطفى أحمد
خالد الزبيدي:
أيا جبلي سنجار ما كنتما لنا ... مقيطاً ولا مشتى ولا متربعا
فأجابه دثار النمري:
أيا جبلي سنجار هلا دققتما ... بركتيكما أنف الزبيدي أجمعا
عبد الله بن المقفع:
إن كنت لا تدعى مجداً ومكرمة ... إلا بقصرك لم تنهض بأركان
سام الرجال بما تسموا الرجال به ... تلك المكارم لا تشييد بنيان
عبد الله بن السمط:
حي نجداً ومن باكناف نجد ... والخيام التي بها طال عهدي
ليت شعري هل الخيام كما ك ... ن على العهد أم تغيرن بعدي
عبيد بن قرط الأسدي:
لعمري لقد حذرت قرطاً وجاره ... ولاينفع التحذير من ليس يحذر
نهيتهما عن نورة أحرقتهما ... وحمام سوء ماؤها يتسعر
ابن الرومي وقد أريد على بيع منزله:
ولي وطن آليت أن لا أبيعه ... وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه ... لها جسد أن غاب غوردت هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وله:

بلد صبحت به الشبيبه والصبا ... ولبست ثوب العيش وهو جديد
علي بن محمد الورزنيني صاحب الزنج، لما هرب من داره في اليوم الذي قتل فيه:
عليك سلام الله يا خير منزل ... خرجنا وخلفناه غير ذميم
فغن تكن الأيام أحدثن فرقة ... فما أحد من ريبها بسليم
طلب المهدي من بكار بن رباح المدني منزله إلى جانب دار العجلة بأربعة آلاف دينأن فقال: ما كنت لأبيع جوار أمير المؤمنين بشيء؛ فأعطاه أربعة آلاف دينار، وترك له منزله.
إذا زاد البناء على ستة أذرع نادى مناذ من السماء: يا أفسق الفاسقين أين تريد؟ علي رضي الله عنه: ليس بلد بأحق بك من بلدك. خير البلاد ما حملك.
بنى رجل من عمال علي بناء فخماً، فقال: أطلعت الورق رؤوسها، أن البني لتصف لك الغنى.
بعضهم: ذهبت بأم الحسام وابنتها، وهي امرأتي، إلى بستان لي، فنظرت إلى صهريج فقعدت عليه، وأرسلت فه رجليها، وهو يطفح بالماء، والنخل يطله، فقلت: ألا تطوفين معنا على النخل نجني ما طاب؟ قالت: هذا أعجب إلي؛ فدرنا ساعة، ثم انصرفنا، وهي تخضخض رجليها في الماء، وتحرك شفتيها، ودمعها يجري، وتقول:
أقول لأدنى صاحبي أسره ... وللعين دمع يحدر الكحل ساكبه
لعمري لنهي باللوى نازح العدى ... نقي النواحي غير طرق مشاربه
أحب إلي من صهاريج ملئت ... للعب فلم تملح الي ملاعبه
فيا حبذا نجد وطيب ترابه ... إذا هضبته بالعشي هواضبه
وريح صبا نجد إذا ما تنسمت ... ضحى أو سرت جنح الظلام جوانبه
بأجرع ممراح كأن رياحه ... سحاب من الكافور والمسك شائبه
لما غزا اسفنديار بلاد الخزر اعتل بها، فقيل له: ما تشتهي؟ قال: شمة من تربة بلخ، وشربة من ماء واديها.
واعتل سابور ذو الأكتاف بالروم، وكان اسيراً، فقالت له بنت الملك، وقد عشقته، ما تشتهي؟ قال: شربة من ماء دجلة، وشمسما من تراب اصطخر، فأتته بعد أيام بماء وقبضه من تراب، وقالت: هذا من ماء دجلة، ومن تربة أرضك، فشرب واشتم بالوهم، فنقه من علته.
لما أشرف الاسكندر أوصى أن تحمل رومته في تابوت ذهب إلى بلد الزوم، حبا لوطنه الجاحظ: رأين المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة موده في جراب يتداوى به.
لما أدركت يوسف الوفاة أوصى بحمل رمته إلى مقابر آبائه؛ فمنع أهل مصر أولياءه، فلما بعث موسى وأهلك فرعون حملها إلى مقابرهم؛ قبر يوسف علم بأرض بقرية تسمى حسامى.
في الحديث المرفوع: من سعادة العبد أن يقدر رزقه في بلده وحال سكونه، ومن شقاوته أن يجعل رزقه في غير بلده، أو حال سياحة.
لما بنى السفاح مدينة الأنبار قال لعبد الله بن الحسن: يا أبا محمد كيف ت؟ فتمثل:
ألم تر حوشباً أمسى يبني ... قصوراً نفعها لبني بقيلة
يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يطرق كل ليلة
ثم انتبه فقال: أقلني فما اعتمدت سوءاً ولكن خطر ببالي؛ فقال: لا أقالني الله أن بت في عسكري. وأخرجه إلى المدينة وتمثل بقوله: أريد حياته ويريد قتلي، وبقوله:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وينوي من سفاهته كسرى
وكلمه فيه المنصور فقال: والله لا يخنقه أحد سواه وهو يكلمني فيه.
شكا خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيق منزله فقال: ارفع البناء في المساء وسل الله السعة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أهل مكة: أتبيعني دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة؟ فأبى، فأعاد عليه، فأبى، فبلغ عثمان رضي الله عنه فلم يزل بالرجل حتى اشترى داره بعشرة آلاف دينار، وضمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتاً في الجنة.
أصابت الربيع بن زياد الحارثي نشابة في جبهته يوم فتحت مناذر، فكانت تنتقض عليه في كل سنة فعاده علي رضي الله عنه في داره، وهي أول دار خط بالبصرة، فجال ببصره فقال: ما كنت ترجو بهذا كله؟ وما هذا البناء يا ربيع؟ أما لو وسعت بها على نفسك في آخرتك، ثم قال: بلى أراها تزيدك من الله قربة، تصل فيها القريب وتقري فيها الضعيف، ويأتي إليك فها الضنيك؛ قال: وما الضنيك يا أمير المؤمنين؟ قال: الفقير.

كان يقول جعفر بن أبي طالب لأبيه: يا أبت أني لأستحي أن أطعم طعاماً وجيراني لا يقدرون على مثله؛ فكان يقول له أبوه: أنس لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: أتى الشيطان العراق فقضى حاجته فيهم، ثم انصرف إلى الشام فطردوه، ثم أتى مصر فباض يه وفرخ ونشر عفريته.
عبد الله بن عمر: وادخلوا مصر فاصيبوا من خيرها، واخرجوا منها إلى غيرها، ولا تغتسلوا بطينها، فإنه يميت القلب، ويذهب بالغيرة.
دخل عبد الله الرومي على أم طلق في بيتها، فإذا سمكة قصير كاد يصيب رأسه، فقال: ما أقصر سمك بيتك! قالت: أما علمت ما كتب عمر بن الخطاب؟ كتب: لا تطليلوا بنيانكم فإنه من شرار آثامكم.
عن بكر بن عبد الله المزني: أن يهودياً أسلم، وكان يقال له يوسف، وقد قرأ الكتب، فمر بدار ومروان بن الحكم فقال: ويل لأمة محمد من هذه الدار، ثلاثاً.
تشاجر رجلان في قصر، فأنطق الله بنو من الزاوية فقالت: اعلما أني كنت أنساناً مثلكما ألف سنة، ثم مت فكنت رميما ألف سنة، ثم كنت حبا ثلثمائة سنة، ثم كسرت فصرت ترابا، فضربت لبنة فوضعت في بناء هذا القصر منذ ثلثمائة سنة، فحياء لكما بعدما سمعتما أن تشاجرا وتأخذا بتلابيبكما.
تزوج فقير غنية، فضاق صدرها لضيق بيته، فقال لها: قومي، فقامت فلم يمس رأسها السقف، فقال لها: هبي أن سطحه يقرب السماء فما ينفعك إذا لم يمس رأسك؟ ثم قال لها: نامي، فنامت فلم تمس قدماها الجدار، فقال: هبي الجدار عند جبل قاف فما ينفعك بعد أن لم تمسه قدماك؟ فقالت حسبي حسبي، رضيت.
قال المأمون لأبي عباد: يا ثابت بم تستدل على حمق الرجل؟ قال: إذا رأيته يبغض البطيخ الرمسي ويؤثر الشاهلوج عليه علمت أنه أحمق، والرستمي كذلك. فدخل الرستمي فقال له: ما تقول في البطيخ؟ قال: يفسد المعدة، ويلطخها ويرقها، ويرخى العصب، ويرفع البخار إلى الرأس، وتغثى منه النفس؛ قال: لم أسألك عن فعله، إنما سألتك أشهي هو مستلذ؟ قال: لا، قال: فما تقول المأمون إلى أبي عباد وقال: الرجل الذي كنا في حديثه من تلامذة كسرى في الرقاعة.

باب
الملائكة والأنس والجن والشيطان وقبيله
وما ناسب ذلك من ذكر الأنبياء والأمم من العرب والعجم
كانت الملائكة تصافح عمران بن الحصين وتعوده، ثم افتقدها، فقال: يا رسول الله إن رجالاً كانوا يأتونني، لم أر أحسن وجوهاً ولا أطيب أرواحاً منهم، ثم انقطعوا عنين فقال رسول الله صلى الله: أصابك جرح فكنت تكتمه؟ فقال: أجل؛ ثم أظهرته؛ قال: كان ذاك، قال: أما لو أقمت على كتمانه لزارتك الملائكة إلى أن تموت. وكان ذلك جرحاً أصابه في سبيل الله.
الحسن ووهب: الملائكة في زمن إدريس كانت تصافح الناس وتكلمهم، لصلاح أهل الزمان حتى كان زمن نوح فانقطع ذلك.
عرج بعمل إدريس عليه السلام إلى السماء فغلب عمل جميع أهل الأرض، فاستأذن ملك من الملائكة ربه في مؤاخاته فأذن له، فقال له إدريس: هل بينك وبين ملك الموت إخاء؟ فقال: نعم، ذاك أخي من بيت الملائكة. والملائكة يتآخون كما تتآخى بنو آدم.
سعيد بن المسيب: الملائكة عليهم السلام ليسوا بذكور ولا إناث، ولا يتوالدون، ولا يأكلون ولا يشربون؛ والجن يتوالدون، وفيهم ذكور وإناث ويموتون. والشياطين ذكور وإناث، ويتوالدون، ولا يموتون بل يخلدون ي الدنيا كما خلد إبليس. وإبليس هو أبو الجن.
وقيل: الملائكة خلقوا من الهواء، والشياطين من النار.
أبو ذر، رفعه: إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أظت السماء وحق لها أن تثط، فما فيها موضع شبر إلا فيه ملك قائم أو راكع أو ساجد.
وروي: ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك، واضع جبهته ساجد لله؛ والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله؛ والله لوددت أني كنت شجرة تعضد.
يزعم أهل الكتاب ان الله خلق حملة العرش، فجعل قرار أقدامهم على الأرض السابعة، ثم خرجوا في هواء ما بين ذلك، حتى خرجوا في هواء ما بين السماء والأرض، ثم في هواء ما بين السماوات السبع، ثم أصعدوا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله.

وزعموا أنهم أربعة: ملك في صورة رجل، وملك في صورة ثور، وملك في صورة أسد، وملك في صورة نسر. وزعموا أن كل منهم في جبهته أربعة أوجه: وجه رجل، ووجه ثور، ووجه أسد ووجه نسر.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية. وقيل الذي في صورة رجل هو الذي يشفع لبني آدم في أرزاقهم والذي في صورة ثور هو الذي يشفع للبهائم في أرزاقها، والذي في صورة أسد هو الذي يشفع للسباع في أرزاقها، والذي في صورة نسر هو الذي يشفع للطير في أرزاقها.
عبد الرحمن بن سابط: يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل، وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل؛ فأما جبريل فعلى الرياح والجنود، وأما ميكائيل فعلى النبات والقطر، وأما ملك الموت فعلى قبض الأنفس، وأما إسرافيل فينزل إليهم بما يأمرون.
أنس بن مالك: قيل لرسول الله عليه وسلم: يا نبي الله من هؤلاء الذين استثنى الله؛ فقال: جبريل وميكائيل وملك الموت؛ فيقول الله لملك الموت: يا ملك الموت من بقي؟ وهو أعلم، فيقول: سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام بقي جبريل وميكائيل وملك الموت، فيقولك يا ملك الموت خذ نفس ميكائيل، فيأخذها، فيقع في صورته التي خلقه الله فيها مثل الطود العظيم؛ ثم يقول، وهو أعلم، يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: سبحانك ربي ذا الجلال والاكرام بقي جبريل وملك الموت فيقول: يا ملك الموت مت، فيموت؛ فيبقى جبريل، وهو من الله بالمكان الذي ذكر لكم، فيقول الله: يا جبريل إنه لا بد أن يموت أحدنا، فيقع ساجداً يخفق بجناحيه يقول: سبحانك ربي وبحمدك، أنت القائم الدائم الذي لا يموت، وجبريل الفاني الهالك الميت، فيأخذ الله روحه فيقع على ميكائيل. إن فضل خلقه على ميكائيل كفضل الطود العظيم على الظرب من الظراب.
في بعض الكتب: أن صنفاً من الملائكة لهم ستة أجنحة: فجناحان يلفون بها أجسادهم، وجناحان يطيرون بها في الأمر من أمور الله، وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله.

علي رضي الله عنه: خلق سبحانه الإسكان سماواته، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته، خلقاً بديعاً، ملأ بهم فروج فجاجها، وحشا بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الروح زجل المسبحين منهم في حضائر القدس وسترات الحجب، وسرادقات المجد، ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الأسماع، سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة على حدودها؛ أنشأهم على صور مختلفات، وأقدار متفلوتات، أولي أجمحة تسبح جلال عزته، لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه، ولا يدعون أنهم يخلقون شيئاً معه مما انفرد به، بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، جعلهم فيما هناك أهل الأمانة على وحيه، وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته، وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة، وفتح لهم أبواباَ ذللاً إلى تماجيده، ونصب لهم مناراً واضحة على أعلام توحيده، لم تثقلهم موصرات الآثام، ولم ترتحلهم عقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم، ولا قدحت قادحة الأحن فيما بينهم، ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم، وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على قلوبهم. منهم من هم في خلق الغمام الدلج، وفي عظم الجبال الشمخ، وفي قترة الظلام الأيهم؛ ومنهم من قد خرقت أقدامهم تحوم الأرض السفلي، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء، وتحتها ريح هفافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية، قد استفرغتهم أشغال عبادته، ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته، وقطعهم الإيقان به إلى الوله إليه، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره؛ قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالكأس الروية من محبته، وتمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهوهم، ولم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم، ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم، ولم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم، ولا تركت لهم استكانة الإجلال نصباً في تعظيم حسناتهم، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم، ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم، ولم تجف لطول المناجاة اسلات ألسنتهم، ولا ملكتهم الاشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم، ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم، لا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات، قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم، ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته، ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته، إلا غلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في جدهم، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم، ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم، ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غل التحاسد، ولا تشعبتهم مصارف الريب، ولا اقتسمتهم أخياف الهمم، فهم أسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا وني ولا فتور، وليس في أطباق السماوات موضع أهاب إلا عليه ملك ساجد، أو ساع حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما.
وعنه كرم الله وجهه: فتق ما بين السماوات العلا، فملأهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الإبدان، ولا غفلة النسيان، ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لأبواب جنانه، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناسكة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، ولا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، لا يحدونه بأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

وعنه كرم الله وجهه: أسكنتهم سماواتك، ورفعتهم عن أرضك، هم أعلم خلقك بك، وأخوفهم لك، وأقربهم منك، لم يسكنوا الأصلاب، ولم يضمنوا الأرحام ولم يخلقوا من ماء مهين، ولم يشتعبهم ريب المنون، وأنهم على مكانهم منك، ومنزلتهم عندك، وإستجماع أهوائهم فيك، وكثرة طاعتهم لك، وقلة غفلتهم عن أمرك، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك، لحقروا أعمالهم، ولأزروا على أنفسهم، ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك، ولم يطيعوك حق طاعتك.
عابد: طرحنا الحشمة فيما بيننا وبين حفظتنا طرح من لا يؤمن أنهم معه يعملون ما يقول وما يفعل.
ويروى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل لعمر بن عبد العزيز:
ومن الناس من يعيش شقياً ... جيفة الليل غافل اليقظة
أن من كان ذاء حياء ودين ... راقب الله واتقى الحفظة
إنما الناس سائر ومقيم ... فالذي سار للمقيم عظة
أبو العالية: الكردبيون سادة الملائكة، منهم جبريل وميكائيل واسرافيل.
في الكروبي ثلاث مبالغات: الكروب أبلغ من القرب وأقصر مسافة، يقال كربت الشمس أن تغرب، بمعنى كادت، وفعول بناء مبالغة، وياء النسب التي في نحو الأحمري.
يقال لجبريل طاووس الملائكة.
شبث بن ربعي: قال لي المختار بن أبي عبيد: هل لك أن أريك جبريل؟ فادخلني بيتاً في جوف بيت، فإذا أنا بشيخ على سرير قد سقط حاجباه على عينيه، فوثبت عليه، فجعلت أنتف لحيته، فصاح دقني دقني. والدقن بالنبطية اللحية.
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل يتحدثان، تغير وجه جبريل حتى عاد كأنه كركمة، وذلك من حشية الله.
عنه عليه الصلاة والسلام: يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن عليه مسحة ملك يعني جرير بن عبد الله البجلي.
عن عبد الله بن مسعود أنه رأى رجالاً من الزط فقال: هؤلاء أشبه من رأيت بالجن في ليلة الجن.
تقول الأعراب: ربما نزلنا بجمع كثير، ورأينا خياما وقبابا وناسا، ثم فقدناهم من ساعتنا، يعتقدون أنهم الجن، وأن تلك خيامهم وقبابهم.
ورأيت للأعاريب من الأعاجيب في باب الجن ما لا يوصف؛ ويقولون من الجن جنس صورته عل نصف صورة الإنسان، واسمه شق، يعرض للمسافر إذا كان وحده فربما أهلكه. ويزعمون أن علقمة بن صفوان لقيه، فتضاربا فخرا ميتين، وأن علقمة وحرب بن أمية من قتلى الجن. قالوا وقالت الجن:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
قالوا: والدليل على أنه من شعر الجن أن أحداً لا يقدر أن ينشده ثلاث مرات متصلة من غير أني يتمتع، ويقدر على تكرار أشق بيت من أبيات الإنس عشر مرات من غير تتمتع.
وقالوا: قتلت الجن سعد بن عبادة بن دليم وسمعموا الهاتف يقول:
قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عبادة
رميناه بسهمي ... ن فلم نخطئ فؤاده
واستهووا عمرو بن عدي اللخمي الملك الذي يقال فيه: شب عمرو عن الطوق، ثم ردوه على جذيمة الأبرش بعد سنين.
واستهووا عمارة بن الوليد بن المغيرة ونفخوا في احليله فصار مع الوحش.
وروا عن عبد الله بن فائد، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خرافة رجل من عذرة استهوته الشياطين، وسمع من يقول: هذا حديث خرافة، فقال: لا وخرافة حق.
ويزعمون أن الطاعة طعن من الشياطين، ويسمون الطاعون رماح الجن؛ قال الأسدي للحارث الغساني.
لعمرك ما خشيت على أبي ... رماح بني مقيدة الحمار
ولكني خشيت على أبي ... رماح الجن أو إياك حار
إذا قالوا: جنة عبقر قصدوا بهذه النسبة زيادة الخبث والعرام. قال حاتم الطائي:
عليهن فتيان كجنة عبقر ... يهزون بالأيدي الوشيج المقوما
ومن ثم قال بعض العرب: ظلمني فلان ظلماً عبقرياً. وقال: ظلم لعمر الله عبقري.
وقال عليه السلام: فلم أر عبقرياً يفري فريه.
يقال للشعراء كلاب الجن، قال عمرو بن كلثوم:
وقد هرت كلاب الجن منا ... وشذبنا قتادة من يلينا
وذلك لزعمهم أن الشياطين تلقي الشعر على أفواههم؛ وسموا الملقي نابغة ورثيا.
قال جرير:
إني ليلقى على الشعر مكتهل ... من الشياطين إبليس الإباليس
سمعوا توابعهم بأعلام قالوا كان للأعشى مسحل، ولعمرو بن قطن جهنم وللفرزدق عمرو، ولبشار شنقناق.

يقال للخلعاء والمجان جند إبليس، قال:
وكنت فتى من جند إبليس فارتقت ... بي الحال حتى صار إبليس من جندي
كان في زمن الحجاج رجل يعرف بعبد الله بن خلال مشعبذ، وكان يدعي أن إبليس يتراءى له ويطلعه على أسراره، فسمي بصديق إبليس، فقال الحجاج ليحيى بن سعيد بن العاص: أخبرني عبد الله بن خلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس، فقال: وما ينكر الأمير ان يكون سيد الأنس يشبه سيد الجن!! فعجب من قوة جوابه.
يقال للشعر رقى الشيطان قال جرير في عمر بن عبد العزيز:
رأيت رقي الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وكذلك كل ما يتكلم به من كلمات الخلابة والتجميش، قال:
ماذا تظن بسلمى إذ يلم بها ... مرجل الرأي ذو بردين وضاح
خز عمامته حلو فكاهته ... في كفه من رقى إبليس مفتاح
لما بلغ عبد الله بن الزبير خبر فتك عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد الأشدق قال في خطبته: بلغنا أن أبا الذبان قتل لطيم الشيطان، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون يقال لمن به لقوة لطيم الشيطان وكان عمرو ملقوا.
عن أبي عبيدة: قدمت على الفضل ابن الربيع حين استوزر، فضحك إلي واستدناني، ثم ساءلني وألطف بي، واستنشدني، فأنشدته عيون أشعار جاهلية، فقال: قد عرفت أكثرها، وأريد من ملح الشعر؛ فأنشدته، فطرب لها، ثم دخل رجل في زي الكتاب فأقعده إلى جانبي، وقال له: أتعرفه؟ اقل: لا، قال: هذا علامة أهل البصرة أبو عبيدة، وأقدمناه لنستفيد من علمه، فشكر له الرجل، ودعا له، وقال: إني كنت مشتاقا إليك، وقد سئلت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرفكها؟ قلت: هات، قال: قال الله تعالى طلعها كأنه رؤوس الشياطين وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف. فقلت هو على كلام العرب، أما سمعت قول امرئ القيس:
أتقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وهم لم يروا الغول، ولكن لما كان أمر الغول يهولهم أو عدوا به، فاستحسنه الفضل والرجل، واعتقدت منه أن أضع كتاباً في نحو ذلك، فعملت فيه كتابي الذي سميته كتاب المجاز.
يقال: أدركته أصابع الشيطان إذا تكبر بعد العمل، وقالوا: من ولاه السلطان صبعه الشيطان، قال:
قد كنت أكرم صاحب وأبره ... حتى دهتك أصابع الشيطان
جذ الآله بنانها وأبانها ... كم غيرت خلقاً من الإنسان
أبو مرة، وأبو قترة وأبو الجن كنى إبليس، قال ابن الحجاج:
فم أتلاقينا سوى مرة ... حتى أتى الشيخ أبو مرة
قالوا: الشيخ النجدي الذي ظهر إبليس على صورته، فأشار على قريش بان يكونوا سيفاً واحداً على النبي صلى الله عليه وسلم كانت كنيته أبا مرة فكني به إبليس.
وقال الفرزدق:
ألا ربما أن تبت أوضع ناقتي ... أبو الجن إبليس بغير خطام
علي رضي الله عنه: اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكاً فباض وفرخ في صدورهم، ودرج في جحورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزين لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه.
عمر بن عبد العزيز قال: أن رجلاً سأل ربه أن يريه موقع الشيطان من قلب ابن آدم، رأى فيما يرى النائم جسد رجل منهي يرى داخله من خارجه، وأرى الشيطان في صورة ضفدع، له خرطوم كخرطوم البعوضة، قد أدخله من منكبه الإيسر إلى قلبه يوسوس إليه، فإذا ذكر الله خنس.
ممهى قلب مموه، مجعول ماء ي رقته وشفيفه، وقيل مصفى أشبه المها وهو البلور.
علي بن الحسين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتته صفية فحدثته فلما انصرفت قام عليه الصلاة والسلام يمشي معها، فمر به رجلان من الأنصار فسلما ثم مضيا، فدعاهما فقال: أن هذه صفية بنت حيي؛ قالا: يا رسول الله وهل نظن بك إلا خيرا؟ قال: فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد خشيت عليكما.
أبو هريرة يرفعه: ما من رجل يخرج من بيتهن إلا وعلى بابه رايتان: راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج في طاعة الله تبعه الملك برايته حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج فيما يكره الله تبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع.

بريدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يخرج رجل شيئاً من الصدقة حتى يفك عنه لحيى سبعين شيطاناً.
شرب أبو جندل الخمر بالشام فحبس عنه أبو عبيدة بن الجراح عطاءه؛ فكتب إليه عمر: أما بعد فإني لا أخالك إلا وقد كنت عونا للشيطان على أخيك، فإذا أتاك كتابي هذا فرد عليه عطاءه. وكتب إلى أبي جندل: حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب الشديد العقاب.
ابن عباس: أتاه رجل فقال: نذرت أن أبيت على قعيقعان عرياناً حتى أصبح، فقال ابن عباس: انظروا إلى هذا، أراد الشيطان أن يكشف عورته ثم يضحك منه هو وأصحابه، انطلق فالبس ثيابك ثم صل عليه حتى تصبح.
قال رجل للفضل بن مروان: أن فلاناً يقع فيك؛ قال: لأغيظن من أمره، يغفر الله لي وله؛ قيل من أمره؟ قال: الشيطان.
مكحول: أن الرجل يعمل في السر، فيطلبه الشيطان حتى يتحدث به، فيمحى من السر ويكتب في العلانية، ثم يطلبه الشيطان حتى يرائي به، فيمحى ويكتب عليه.
قوط الملائكة: صدع في صخرة عظيمة قرب آمد، تخرج منه عين حوارة.
القوط بلسانهم الفرج.
أبو يحيى كنيه ملك الموت، ويقال: أصابت فلاناً حراب أبي يحيى إذا احتضر؛ والحراب: مثل في مقدمات الموت.
ليس شيء مما له رجلان يلد حيوانا إلا الإنسان وحده.
علي رضي الله عنه في وصف اختلاف الناس: إنما فرق بينهم مبادي صينهم، وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها، وحزونة تربة وسهلها، فهم حسب قرب أرضهم يتقاربون، وعلى قدر اختلافها يتفاوتون، فتام الرواء ناقص العقل ماد القامة قصير الهمة، وظاكي العمل قبيح المنظر، وقريب القعر بعيد السبر، ومعروف الضريبة منكر الجليبة، وتائه القلب متفرق اللب، وطليق اللسان حديد الجنان.
وعنه كرم الله وجهه: جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجعل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وأجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه مثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدرات يقبلها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، وبين الأذواق والمشام، والألوان والأجناس، معجوناً بطينته الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والإخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، والمساءة والسرور.
وعنه: تموز في بطن أمك جنينا، لا تحير دعاء، ولا تسمع نداء، ثم أخرجت من عقرك إلى دار لم تشهدها، ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك، وحرك عند الحاجة مواضع طلبك.
ابن اسحق: يقال خلق الله آدم، ثم وضعه ينظر إليه أربعين عاماً قبل أن ينفخ فيه الروح، حتى عاد صلصالاً كالفخار ولم تسمه نار. وعن ابن عباس وغيره: ثم أخذ ضلعاً من أضلاعه، من شقه الأيسر، وآدم نائم لم يهب من نومته حتى خلق منه حواء، فلما هب رآها إلى جانبه فقال: لحمي ودمي وزوجي فسكن إليها.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خلقت المرأة من ضلع، فإذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن رفقت بها استمتعت بها وفيها عوج.
وعن مجاهد: خلقت من قصيراه.
كان على عهد كسرى رجل يقول: من يشتري مني ثلاث كلمات بألف دينار؟ فيطنز به؛ حتى اتصل خبره بكسرى فطلبه وأحضر المال، فقال الرجل: ليس في الناس كلهم خير، فقال كسرى: زه، قال: ولا بد منهم، قال: زه، قال فالبسهم على قدر ذلك، قال زه؛ قال: قد استوجبت المال فخذه، فأبى، فقال فلم طلبته؟ قال: كنت أحب أن أرى من يشتري الحكمة بالمال.
قال عدي بن زيد العبادي وكان نصرانياً من أهل الحيرة:
ضى لستة أيام خلائقه ... وكان آخر شيء صور الرجلا
فأخذ الله من طين فصوره ... لما رأى أنه قد تم واعتدلا
دعاه آدم صوتاً فاستجاب له ... فنفخ الروح في الجسم الذي جبلا
ثمت أورثه الفردوس يعمرها ... وروجه ضلعه من جنبه جعلا
ثمت لم ينهه عن غير واحدة ... من شجر طيب أن شم أو أكلا
فعمدا للتي عن أكلها زجرا ... بأمر حواء إذا لم تحذر الدغلا
كلاهما خاط إذا بزا لباسهما ... من أورق التين ثوباً لم يكن غزلا

ابن اسحق: كان مهبطهما على جبل يقال له داسم، من أرض الهند بين الدهنج والمندل، وهما قريبان، ومن تربة هذا الجبل خلق آدم فيما يقال. وكان آدم يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت يقابيل بن آدم وتوأمته. فلم تجد عليهما وحماً ولا وصبا ولا طلقاً حين ولدتهما ولادماً لطهرة الجنة، فلما أصابا المعصية وأهبطهما إلى الأرض حملت بهابيل وتوأمته فوجدت الوحم والوصب والطلق والدم.
عبد الحميد الكاتب: الناس أخياف مختلفون، وآطوار متباينون، فمنهم علق مضنة لا يباع، وغل مظنة لا يبتاع.
النبي صلى الله عليه وسلم: خزائن الخير والشر مفاتيحها الرجال.
الناس كلاب، فإذا وجدت سلوقياًفاحتفظ به.
مقاتل: من الأنبياء أربعة أحياء: اثنان في السماء عيسى وإدريس، واثنان في الأرض الياس والخضر؛ فالياس في البر، والخضر في البحر، وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه، ويحجان كل عام، ولا يراهما إلا من شاء الله، وأكلهما الكرفس والكماة.
كان يقال: اختص الله العرب بأربع: العمائم تيجانها، والحبى حيطانها، والسيوف سيجانها، والشعر ديوانها.
علي رضي الله عنه في وصف الترك: كأني أراهم قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة ويلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل، حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور.
النبي صلى الله عليه وسلم: دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم.
أبو هريرة، يرفعه: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً صغار الأعين، ذلف الأنف، كأن وجوههم المجان المطرقة.
الكلاب تقول: في الناس من هو أكلب منا، ولكن سبق الأسم لنا.
أبو الدرداء يقول: اتقوا واحذروا الناس، فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا أدبروه، ولا ظهر جواد إلا عقروه، ولا قلب مؤمن إلا خربوه.
علي، رفعه: يقول الله: يا ابن آدم ما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إلي بالمعاصي، خيري إليك منزل، وشرك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح؛ يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم الموصوف لأسرعت إلى مقته.
كان أبو مسلم الخولاني يقول: كان الناس ورقا لا شوك فيه، وأنتم اليوم شوك لا ورق فيه.
الأوزاعي: لو لم تكن جنة ولا نار إلا أنهما داران، دار فيها الملائكة، والمرسلون، والصديقون، والشهداء، والصالحون، ودار فيها إبليس، والشياطين، وفرعون، وهامان، وقارون، فمع من تريد أن تكون؟ أبو سليمان: شيطان الجن أهون علي من شيطان الإنس، شيطان الإنس يتعلق بي فيدخلني في المعصية، وشيطان الجن إذا تعوذت منه حنس عني.
قيل لراهب: ما الذي علا بك في هذه الصومعة؟ قال: وثبت وثبة الأكياس من فخ إبليس.
شكى رجل إلى أبي سليمان الوسواس، قال: إذا أحسست به فافرح، فإنك أن فرحت انقطع عنك، إنه لا شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، فإن اغتممت زادك منه.
علي رضي الله عنه: الناس منقوصون مدخولون إلا من عصم الله، سائلهم متعنت، ومجبيبهم متكلف، يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا والسخط، ويكاد أصلبهم عودا تنكأ اللحظة، وتحيله الكلمة.

وعنه في ذكر إبليس: اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، ونعصب عليه لأصله، فعدو الله أمام المتعصبين، وسلف المتكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادرع لباس التعزز، وخلع رداء التذلل، ألا ترون كيف صغره الله بتكبره، ووضعه بترفعه، فجعله في الدنيا مدحوراً، وأعد له في الآخرة سعيراً، ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رداؤه، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه، لفعل، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة، ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزاً بالاختبار لهم، ونفيا للأستكبار عنهم، وأبعاداً للخيلاء منهم؛ فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس، إذ احبط علمه الطويل، وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، ولا ندري أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة، عن كبر ساعة واحدة؛ فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟ كلا ما كان الله ليدخل إلى الجنة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً، أن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين.
في متعصب للعجم:
يصيخ لكسرى حين يسمع ذكره ... بصماء عن ذكر النبي صدوف
ويعجبه أخبار كسرى ورهطه ... وما هو في أعلاجهم بشريف
قال معاوية للأحنف: صف لي الناس وأوجز، قال: رؤوس رفعهم الخط، وأكاف عظمهم التدبير، وأعجاز شهرهم المال، وأذناب ألحقهم بهم الأدب؛ ثم الناس بعدهم أشباه البهائم، أن شبعوا ناموا، وإن جاعوا استاموا.
في تكاذبهم: الضب قاضي الطير والبهائم، ويقولون: إنها اجتمعت إليه أول ما خلق الإنسان، فوصفوه له، فقال: تصفون خلقا ينزل الطير من السماء، ويخرج الحوت من الماء، فمن كان ذا جناح فليطر، ومن كن ذا مخلب فليحفر.
النبي صلى الله عليه وسلم: من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس.
وكان يقال لعلي بن الحسين ابن الخيرتين لأن أمه سلافة كانت من ولد يزدجرد.
الحسن: عربي مقتصد أحب إلي من مولى مجتهد.
ابن عباس: يأجوج ومأجوج شبر وشبران وثلاثة أشبار، وهم ولد آدم.
كانت الصحابة يقولون: أن الشياطين ليجتمعون على القلب كما يجتمع الذبان على القرحة، فإن لم تذب وقع الفساد.
عبد الله بن عمر: ربع من لا يلبس الثياب من السودان أكثر من جميع الناس.
لما خلق آدم جاء النسر إلى الحوت فقال: رأيت اليوم خلقاً لينزلني من وكري، وليخرجنك من البحر.
أبو هريرة، رفعه: أن الله خلق الخلق أربعة أصناف: الملائكة والشياطين، والأنس، والجن، ثم جعل هؤلاء عشرة أجزاء: فتسعة منهم الملائكة، وجزء واحد الشياطين والجن والأنس، ثم جعل الجن والأنس عشرة أجزاء فتسعة منهم الجن وجزء واحد الإنس.

باب
الأنفة والأباء والحمية والأجارة والأغاثة والنصرة والذب عن الحريم والغيرة وغير ذلك لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، أراد أن يتألف أبا سفان ويريه كرم القدرة فقال: من دهل الكعبة فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن؛ فقال أداري يا رسول الله أداري؟ قال: نعم دارك.
وعن أبي المظفر ناصر بن ناصر الدين أنه لما فتح سرخس قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، يعني أبا سفيان القاضي السرخسي، فاستحسنها الناس منه.
علي رضي عنه: من أحد سنان الغضب لله قوي على قتل اشداء الباطل.
وعنه: من كفارات الذنوب العظام أغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
أخرج كنانة بن الربيع العبشمي زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فعرض لها هبار بن الأسود فرماه كنانة بسهم وأفلت وقال:
عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون اخفاري ببنت محمد
ولست أبالي ما بقيت ضجيجهم ... إذا اجتمعت يوما يدي بالمهند
نزل الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بقوم فقروه، فأغير على بعضهم، فركب في نفر معه فاستقذهم وقال:
نادتهم حين صموا عن مناشدتي ... صم القنا زعزعت أطرافه الخرق
وكم ترى يوم ذاكم من مولولة ... إنسان مقلتها في دمعها غرق

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9