كتاب : كتاب جمهرة الأمثال
المؤلف : أبي هلال العسكري

كتاب جمهرة الأمثال
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله حمد الشاكرين وأشهد بوحدانيته شهادة العارفين وأقر بإحسانه في إيضاح السبيل وإقامة الدليل وتوكيد الحجة وتبيين المحجة إقرار الخاضعين
وأثني عليه بسالف نعمته وفارط منته في مثل ضربه ومثال نصبه لينتهى إليه العارف فيرشد ويهتدى بهديه فيتسدد ثناء المخلصين
ودل على فضيلة ذلك في محكم بيانه ومنزل فرقانه فقال جل ثناؤه ( يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ) وقال ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة ) وقال ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) وقال ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ) وقال ( إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) وقال ( وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم ) الى غير ذلك مما أشار به الى منافع الأمثال في متصرفاتها وحسن مواقعها في جهاتها
ونحن نسأل الله ان ينفعنا بها كما وقفنا عليها ويقيض لنا عائدتها كما رزقنا معرفتها وأن يصلى على رسوله الذي جعله واسطة بينه وبيننا فيها وفيما يهدينا ويأخذ بأيدينا منها ثم من سائر آياته المحكمات وحججه

البالغات وعلى آله الطاهرين وعترته المنتجبين وأصحابه المختارين ويسلم تسليما
ثم إنى ما رأيت حاجة الشريف الى شيء من أدب اللسان بعد سلامته من اللحن كحاجته إلى الشاهد والمثل والشذرة والكلمة السائرة فإن ذلك يزيد المنطق تفخيما ويكسبه قبولا ويجعل له قدرا في النفوس وحلاوة في الصدور ويدعو القلوب الى وعيه ويبعثها على حفظه ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة والاستظهار به أوان المجاولة في ميادين المجادلة والمصاولة في حلبات المقاولة وإنما هو في الكلام كالتفصيل في العقد والتنوير في الروض والتسهيم في البرد فينبغى ان يستكثر من انواعه لأن الإقلال منها كاسمه إقلال والتقصير في التماسه قصور وما كان منه مثلا سائرا فمعرفته ألزم لأن منفعته أعم والجهل به أقبح
ولما عرفت العرب أن الأمثال تتصرف في أكثر وجوه الكلام وتدخل في جل أساليب القول أخرجوها في أقواها من الألفاظ ليخف استعمالها ويسهل تداولها فهى من أجل الكلام وأنبله وأشرفه وأفضله لقلة

ألفاظها وكثرة معانيها ويسير مئونتها على المتكلم مع كبير عنايتها وجسيم عائدتها
ومن عجائبها أنها مع إيجازها تعمل عمل الإطناب ولها روعة اذا برزت في أثناء الخطاب والحفظ موكل بما راع من اللفظ وندر من المعنى
والأمثال أيضا نوع من العلم منفدر بنفسه لا يقدر على التصرف فيه الا من اجتهد في طلبه حتى أحكمه وبالغ في التماسه حتى أتقنه
وليس من حفظ صدرا من الغريب فقام بتفسير قصيدة وكشف أغراض رسالة او خطبة قادرا على ان يقوم بشرح الأمثال والإبانة عن معانيها والإخبار عن المقاصد فيها وإنما يحتاج الرجل في معرفتها مع العلم بالغريب إلى الوقوف على أصولها والإحاطة بأحاديثها ويكمل لذلك من اجتهد في الرواية وتقدم في الدراية فأما من قصر وعذر فقد قصر وتأخر وأنى يسوغ الأديب لنفسه وقد علم ان كل من لم يعن بها من الأدباء عناية تبلغه أقصى غاياتها وأبعد نهاياتها كان منقوص الأدب غير تام الآلة فيه ولا موفور الحظ منه

ولما رأيت الحاجة اليها هذه الحاجة عزمت على تقريب سبلها وتلخيص مشكلها وذكر أصولها وأخبارها ليفهمها الغبي فضلا عن اللقين الذكى فعملت كتابى هذا مشتملا منها على ما لم يشتمل عليه كتاب اعرفه وضمنته إياها ملخصة لا يشينها الإهذار ولا يزرى بها الإكثار ولا يعيبها التقصير والإفلال منظومة على نسق حروف المعجم ليدنو مجتناها ويسهل مبتغاها
وميزت ما أورد حمزة الأصبهانى من الأمثال المضروبة في التناهى والمبالغة وهي الأمثال على أفعل من كذا فأوردت منها ما كان عربيا صحيحا ونفيت المولد السقيم ليتبرأ كتابى من العيب الذي لزم كتاب حمزة في اشتماله على كل غث من أمثال المولدين وحشوة الحضريين فصارت العلماء تلغيه وتسقطه وتنفيه
ويجرى في خلال ما فسرت منها ومن غيرها حكايات وأشعار تصلح أن تكون امثالا وكتبت بإزائها من الحاشية ميما لتتميز مما يجاورها فتؤخذ وتستعمل في المواضع التى تصلح لها
وما توفيقنا الا بالله عليه نتوكل وبه نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل

نبدأ بذكر اشتقاق المثل فنقول أصل المثل التماثل بين الشيئين في الكلام كقولهم ( كما تدين تدان ) وهو من قولك هذا مثل الشيء ومثله كما تقول شبهه وشبهه ثم جعل كل حكمة سائرة مثل
وقد يأتى القائل بما يحسن ان يتمثل به الا أنه لا يتفق أن يسير فلا يكون مثلا
وضرب المثل جعله يسير في البلاد من قولك ضرب في الارض اذا سار فيها ومنه سمى المضارب مضاربا
ويقولون الأمثال تحكى يعنون بذلك انها تضرب على ما جاءت عن العرب ولا تغير صيغتها فتقول للرجل ( الصيف ضيعت اللبن ) فتكسر التاء لأنها حكاية

الباب الأول فيما جاء من الأمثال في أوله ألف أصلية أو مجتلبة
فهرسته
إن من البيان لسحرا
إن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا او يلم
إياكم وخضراء الدمن
أول العى الاحتلاط
أفرط فأسقط أسوأ القول الإفراط
أحق شيء بسجن لسان
إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح
أساء سمعا فأساء جابة
أشبه امرا بعض بزه
إليك يساق الحديث
أبدى الصريح عن الرغوة
أفرخ القوم بيضتهم
أبى الحقين العذرة
أعن صبوح ترقق
إياك أعنى فاسمعى يا جارة
أنجز حر ما وعد
أزمت شجعات بما فيها
إن كنت ريحا فقد لا قيت إعصارا
ألوى بعيد المستمر
إن يبغ عليك قومك لا يبغ القمر
أمكرا وأنت في الحديد
إبن الأيام
الغزو أخرق
إنما يضن بالضنين
أطرى فإنك ناعلة
اكذب نفسك إذا حدثتها
أودى العير الا ضرطا
أعييتنى بأشر فكيف بدردر
أرنيها نمرة اركها مطرة
استنوق الجمل أنصف القارة من راماها أضئ لى أقدح لك اسق رقاش إنها سقاية
إنما يجزى الفتى ليس الجمل
انصر أخاك ظالما او مظلوما
إن بنى صبية صيفيون
أينما أوجه ألق سعدا
أشبه شرج شرجا لو ان أسيمرا
اذا نزا بك الشر فاقعد
اذا ارجحن شاصيا فارفع يدا
اذا عز أخوك فهن
اذا لم تغلب فاخلب
الا حظية فلا أليه
إن في الشر خيارا
إلى أمه يلهف

اللهفان
إنما يعاتب الأديم ذو البشرة
أكلت يوم أكل الثور الأسود
أبصر وسم قدحك
إن الشفيق بسوء الظن مولع
أتاك ريان بلبنه
استكرمت فاربط
اطلب تظفر
الق دلوك في الدلاء
احلب حلبا لك شطره
أنا غريرك
أتعلمنى بضب أنا حرشته
اعط القوس باريها
أفواهها مجاسها
أراك بشر ما أحار مشفر
أنجد من رأى حضنا
أن ترد الماء بماء اكيس
اشتر لنفسك وللسوق
أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك
إذا أردت المحاجزة فقبل المناجزة
إن الموصين بنو سهوان
أعندى أنت أم في العكم
أعندى أنت أم في الربق
أفرخ روعك
أخذنا في الدوس
احذر الصبيان لا تصبك بأعقائها
أعور عينك والحجر
اتخذ الليل جملا
أجر الأمور على أذلالها
ارض من المركوب بالتعلق
اصنعه صنعة من طب لمن حب
أتبع الفرس لجامها
أو ردها سعد وسعد مشتمل
أهون السقى التشريع
الا ده فلا دة
اسق أخاك النمرى
أخلف رويعيا مظنه
أسائر اليوم وقد زال الظهر
آخر الداء الكى
اذا نام ظالع الكلاب
أرسل حكيما ولا توصة
أرغوا لها حوارها تقر
أحشفا وسوء كيلة
أغدة كغدة البعير
أغيرة وجبنا
إذا ادعيت الباطل أنجح بك
إنك لا تجنى من الشوك العنب
اخبر تقله
أنا تئق وأنت مئق فكيف نتفق
إنك لا تشكو الى مصمت
استنت الفصال حتى القرعى
إن هلك عير فعير في الرباط
اختلط المرعى بالهمل
اختلط الخاثر بالزباد
أحشك وتروثنى
أجع كلبك يتبعك
أساء رعيا فسقى
أجناؤها أبناؤها
إن ضج فزده وقرا
إن الجبان حتفه من فوقه
أفلت وانحص الذنب
أفلت بجريعة الذقن
أوسعتهم سبا

وأودوا بالإبل
ارق على ظلعك واقدر بذرعك
إذا جاء الحين حار العين
أتتك بحائن رجلاه
إن الشقى وافد البراجم
اذا ما القارظ العنرى آبا
احس وذق
أشئت عقيل إلى عقلك
اتى أبد على لبد
إحدى لياليك فهيسى هيسى
إن الحماة أولعت بالكنة
اسع بجد أو دع
أضرطا وأنت الأعلى
آكل لحمى ولا أدعه لآكل
استه أضيق
آخر البز على القلوص
إيت فقد أنى لك
إن الشقى ترى له أعلاما
إن الشقاء على الأشقين مصبوب
استى أخبثى
است البائن أعلم
أصم عما ساءه سميع
است المرأة أحق بالمجمر
أريها السهى وترينى القمر
أرتعن أجلى أنى شئت
أرها أجلى أنى شاءت
أبى أبى اللبأ
اذا حككت قرحة أدميتها
است لم تعود المجمر
أنضج أخوك ثم رمد
استراح من لا عقل له
احفظى بيتك ممن لا تنشدين
الصق الحس بالإس
إن أضاخا منهل مورود
أطرقى ام عامر
إحدى حظيات لقمان
أضرطا آخر اليوم
اقلب قلاب
أم فرشت فأنامت
إنك من طير الله فطيرى
إن وجدت لشفرة محزا
أسمع جعجعة ولا أرى طحنا
إذا قطعن علما بدا علم
أسعد ام سعيد
أسمحت قرونته
أصيد القنفذ ام لقطة
انقطع قوي من قاوية
أبعد الوهى ترقعين وانت مبصرة
أومرنا ما اخرى
إن تنفرى فقد رأيت نفرا
انقطع السلا في البطن
أعرض ثوب الملبس
أعرضت القرفة
أوهيت وهيا فارقعه
اتسع الخرق على الراقع
أعذر من أنذر
آثرا ما
أول صوك وبوك
أعلم بها من غص بها
إن البها لها
أسرى عليه بليل
أمر دون عبيدة الو ذم
أنكحنا الفرا فسنرى
أنف في السماء واست في الماء
أودى درم
أحمق بلغ
أخوك أم الذئب

أنكحينى وأنظرى
إذا رأيت الريح عاصفا فتطامن
الأخذ سريط والقضاء ضريط
أخذه أخذ سبعة
أجن الله جباله
الله أعلم ما حطها من رأس يسوم
اطلع عليهم ذو عينين
اضطره السيل الى العطش
أرخ يديك واسترخ إن الزناد من مرخ
أترك الشر كما يتركك
ألقى عليه بعاعه
أخذت الأرض زخاريها
أراه عبر عينيه
أباد غضراءهم
أعلاها ذا فوق
أرطى إن خيرك في الرطيط
أرنى غيا أزد فيه
أوجر ما أنا من سملقة
أرضى من العشب بالخوصة
البكرى أخوك ولا تأمنه
الأمور وصلات
إحدى بنات طبق
إنني لن أضيره إنما أطوىمصيره إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر أخوك من آساك أحبب حبيبك هونا ما
أساف حتى ما يشتكى السواف
استقدمت رحالته
أدرك أرباب النعم
إنباض بغير توتير
أقصر لما أبصر
أول الحزم المشورة
التقى حلقتا البطان
أي الرجال المهذب
اطرقى وميشى
استغنت التفة عن الرفة
إن كنت بى تشد أزرك فأرخه
اسر وقمر لك
ابدأهم بالصراخ يفروا
احلب واشرب إمعة وإمرة
أصبح ليل
ألقى على يديه الأزلم الجذع
أعطاه إياه بقوف رقبته
أطرق كرى إن النعام في القرى
أبى العبد أن ينام حتى يحلم بربته
أنا من غزية
أهلك والليل
الإيناس قبل الإبساس
إن البغاث بأرضنا يستنسر
البس لكل حالة لبوسها
أخطأت استه الحفرة
أساء كارة ما عمل
إحدى نواده البكر
أصوص عليها صوص
إن سوادها قوم لي عنادها
أدنى حماريك ازجرى
اختلفت رءوسها فرتعت
ان الغنى لطويل الذيل مياس

فهرست الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة الواقع في أوائل أوصولها
الألف
آمن من الأرض
آمن من حمام مكة وآلف أيضا
آلف من غراب عقدة
آبل من مالك بن زيد مناة
آبل من حنيف الحناتم
آكل من حوت
أروى من حوت
آكل من سوس
آكل من الفيل ومن النار
آكل من ضرس
آلف من كلب
آلف من الحمى

التفسير
1 - قولهم إن من البيان لسحرا
أول من لفظ به النبي
أخبرنا أبو القاسم عبد الوهاب ابن أحمد الكاغدى عن أبى بكر عبد الله بن حماد العقدى عن أبى جعفر أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائنى عن مسلمة بن محارب عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أن رسول الله لعمرو بن الأهتم أخبرنا عن الزبرقان فقال إنه مطاع فى أدنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره
فقال الزبرقان يا رسول الله إنه ليعلم منى أكثر من ذلك ولكن حسدنى فقال عمرو والله يا رسول الله إنه لزمر المروءة ضيق العطن حديث الغنى أحمق الوالد لئيم الخال وما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى رضيت فقلت بأحسن ما علمت وسخطت فقلت بأسوإ ما علمت
فقال النبي ( إن من البيان لسحرا ) وذلك أول ما سمع
وأخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عسل

ابن ذكوان قال قال أبو عبد الرحمن أذم البيان ام مدحه فما أبان أحد بشيء
فقال ذمه لأن السحر تمويه فقال إن من البيان ما يموه الباطل حتى يشبهه بالحق
وقال غيره بل مدحه لأن البيان من الفهم والذكاء
قال الشيخ أبو هلال رحمه الله الصحيح أنه مدحه وتسميته إياه سحرا إنما هو على جهة التعجب منه لأنه لما ذم عمرو الزبرقان ومدحه في حال واحدة وصدق في مدحه وذمه فيما ذكر عجب النبي من ذلك كما يعجب من السحر فسماه سحرا من هذا الوجه
وقد أجمع أهل البلاغة على ان تصوير الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق من أرفع درجات البلاغة وقد أحكمنا ذلك في كتاب صنعة الكلام
وقد روى هذا اللفظ عن النبي من جهة أخرى ومعه زيادات توخيت من أجلها تكريره
حدثنا أبو أحمد قال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا معمر بن يحيى النيسابوري قال حدثنا سعد الجرمي قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا أبو جعفر النحوي عن عبد الله بن ثابت عن صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله يقول ( إن من البيان لسحرا وان من الشعر لحكما وإن من العلم جهلا وإن من القول عيالا )
قوله

( إن من االعلم جهلا ) يعني تكلف العالم القول فيما يجهله
وقوله ( إن من القول عيالا ) يعني عرضك الكلام على من ليس من شأنه
والحكم الحكمة كقولك العذر والعذرة
وقيل يعني بقوله ( إن من البيان لسحرا ) أن البليغ يبلغ ببيانه ما يبلغ الساحر بلطافة حيلته في سحره
وتكلم بعضهم عن عمر بن عبد العزيز بكلام حسن فقال عمر هذا السحر الحلال فتصرف الشعراء في هذه اللفظة فقال بعضهم
( وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز )
( إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز )
( شرك القلوب وفتنة ما مثلها ... للمستهام وعقله المستوفز )
ولا نعرف في الحديث كلاما أحسن من هذا
وقال بعض المهالبة في المعتمد
( سيبقى فيك ما يهدى لساني ... إذا فنيت هدايا المهرجان )
( قصائد تملأ الآفاق مما ... أحل الله من سحر البيان )
( بها ينفى الكرى السارون عنهم ... وتلهى الشرب أوتار القيان )
( بمعتمد على الله استجرنا ... فصرنا آمنين من الزمان )

2 - قولهم إن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا او يلم
أول من تكلم به النبي
حدثنا أبو أحمد قال حدثنا إسماعيل بن يعقوب الصفارقال حدثنا زياد بن يحيى الحساني قال حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن يحيى أبي كثير عن هلال بن أبى ميمونة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ان النبي قال ( إن مما اخاف عليكم ما يفتح لكم من زهرة الدنيا وزينتها ) فقال رجل يا نبي الله او يأتى الخير بالشر فأرينا أنه ينزل عليه فقال ( أين السائل ) فكأنه حمده فقال ( إنه لايأتى الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا او يلم ) وهذا من أحسن الكلام وأوجزه وأفصحه لفظا وألطفه معنى
وهو مثل ضربه لمن أعطى من الدنيا حظا فألهاه الإشتغال به والاستكثار منه والحرص عليه ومجانبة القصد فيه عن إصلاح دينه فيكون فيه هلاكه كما أن الماشية اذا لم تقتصد في مراعيها حبطت بطونها فماتت أو كادت والحبط انتفاخ البطن ورواه بعضهم خبطا بالخاء وهو تصحيف
ونحو المثل قول النابغة
( اليأس عما فات يعقب راحة ... ولرب مطعمة تعود ذباحا )

3 - قولهم إياكم وخضراء الدمن
هو من كلام النبي حدثنا أبو أحمد قال حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد بواسط قال حدثنا أحمد بن الخليل البرجلانى قال حدثنا الواقدى قال حدثنا يحيى بن سعيد بن حيان عن أبى وجزة يزيد بن عبيد عن عطاء بن يزيد الليثى عن أبي سعيد ان النبي قال ( إياكم وخضراء الدمن ) وهو النبت ينبت على البعر فيروق ظاهره وليس فى باطنه خير
وضربه مثلا للمرأة الحسناء فى منبت السوء وكره ذلك لأن عرق السوء ينزع
ومثله قول العرب إياكم وعقيلة الملح يعنون الدرة وهي تكون في الماء الملح
ومعناه النهى عن نكاح الحسناء في منصب السوء
وأنشد بعضهم قول زفر بن الحارث بعقب هذا الخبر وذكر أنه مثله
( وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتقى خزازات النفوس كما هيا )
وقال غيره ليس هو منه في شىء قال ومعناه ان الدمنة هى الموضع الذى تبرك فيه الإبل فتبول وتبعر فيه فلا ينبت شيئا فإذا أصابته السماء وسفته الرياح أنبت فيقول إن ذلك الموضع قد ينبت بعد ان لم يكن ينبت فيتغير بالنبات وتبقى حزازات النفوس لا تتغير

قال الشيخ أبو هلال رحمه الله وهذا مثل قول صاحب كليلة لكل حريق مطفىء للنار الماء وللسم الدواء وللعشق البين ونار العداوة لا تخمد أبدا بشيء من الأشياء
وفى نحو ما تقدم قول الشاعر
( فلا يغرنك أضغان مرملة ... قد يضرب الدبر الدامى بأحلاس )
وتقول العرب عرق السوء ينجث ولو بعد حين أي يستخرج منه ما هو كامن فيه
قال أكثم بن صيفى لا يغلبنكم الجمال على صراحة النسب فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف
وقال الشاعر
( فأدركه خالاته فاختزلنه ... ألا إن عرق السوء لا بد مدرك )
4 - قولهم أول العى الاحتلاط
الاحتلاط الغضب ومعناه ان الرجل اذا عجز عن دفع خصمه بحجة قاطعة أظهر الغضب ليجعله سببا الى التخلص منه
ولو وجه آخر وهو أنه إذا غضب عى عن الجواب وامتنع عليه الخطاب

وأحضر الناس جوابا من لم يغضب
قالوا وأحزم الفريقين الركين والعاجز عن الجواب أيضا ربما تعلل بالضحك
وفي بعض الأمثال من عجز عن الجواب ضحك من غير عجاب
وقال عبد الجبار بن عدى قلت لعجوز من نصارى لخم لو تحنفت فقالت لو تنصرت قلت الحنيفية أقرب الى الله قالت أقربها إليه أقدمها الذي أرسل به رسولا و أعطاه الحكم صبيا وأنطقه في المهد وليدا أثبت به الحجة ووكد به الهدية ولم يحوجه الى نصر العشيرة
قال فضحكت تعجبا من قولها فقالت من عجز عن الجواب ضحك من غير عجاب
5 - قولهم أفرط فأسقط
هو مثل قوله النبي ( من كثر كلامه كثر سقطه )
أخبرنا أبو أحمد قال حدثنا على بن الحسين قال حدثنا الفضل بن عبد العزيز قال حدثنا محمد بن خليد قال حدثنا عبدة بن شبل الحنفى عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال ( من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثر كذبه ومن كثر كذبه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به )
وقال بعضهم الصحيح

أن عمر رضى الله عنه قال ذلك وروايته عن النبى وهم
أخبرنا أبو أحمد قال أخبرناابوبكر بن دريد قال حدثنا الحسن بن خضر قال حدثنا الحجاج بن نصير قال حدثنا صالح المزى عن مالك بن دينار عن الأحنف قال لى عمر يا أحنف من كثر ضحكه قلت هيبته ومن مزح استخف به ومن أكثر من شىء عرف به ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه
ومن أمثالهم في النهى عن مفارقة التوسط في القول قولهم أسوأ القول الإفراط قال الله تعالى ( وإذا قلتم فاعدلوا )
وقالت الحكماء لكل شىء طرفان ووسط ففى طرفه الأول شعبة من التقصير ومع الأخير بعض الإفراط وخيره وسطه
وأخبرنا أبو أحمد قال سمعت أبا الحسن الأخفش يقول سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبا يقول لا أعلم فيما روى في التوسط أحسن من قول أمير المؤمنين على رضى الله عنه عليكم بالنمرقة الوسطى فإليها يرجع الغالى وبها يلحق التالى
وقال حكيم الشعراء
( عليك بالقصد فيما أنت فاعله ... إن التخلق يأتى دونه الخلق )

وقال آخر
( إن بين التفريط والإفراط ... مسلكا منجيا من الإيراط )
قال الشيخ رحمه الله أي من الهلكة
والإفراط مذموم في كل شىء فمن أفرط في المدح نسب الى الملق أو فى النصيحة لحقته التهمة
وقيل كثير النصح يهجم بك على كثير الظنة وإذا أفرط في سرعة السير قطع به
وقال النبى ( ألا إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى )
والعرب تقول شر السير الحقحقة وهى شدة السير
وقال المرار
( نقطع بالنزول الأرض عنا ... وطول الأرض يقطعه النزول )
وإذا أفرط في الأكل والشرب سقم وإذا أفرط في الزهد منع نفسه ما أحل له فعذ بها من حيث لو نعمها لم يضره وإذا أفرط في البذل كان مبذرا وأرجع الأمر إلى الفقر وإذا أفرط في المنع كان بخيلا يذم بكل لسان ويحتقره كل إنسان ويشبه بالكلب فى دناءة نفسه وقصور همته
ولا يدخل الإفراط شيئا الا أفسده
اخبرنا أبو أحمد قال أخبرنا أحمد بن أبى بكر قال سمعت أبا العباس المبرد يقول خلال الخير لها مقادير فإذا خرجت عنها استحالت فالحياء

حسن فإذا جاوز المقداركان عجزا والشجاعة حسنة فإذا جاوزت المقدار كان تهورا والبذل حسن فإذا جاوز المقدار كان تضييعا والقصد حسن فإذ جاوز المقدار كان بخلا والكلام حسن فإذا جاوز المقدار كان إهذارا والصمت حسن فإذا جاوز المقدار كان عيا
وقال بعض الأعراب إنما جعلت لك أذنان ولسان واحد ليكون استماعك ضعفي كلامك
ومن أمثالهم في حفظ اللسان قولهم ( أحق شىء بسجن لسان ) ومعناه أحق ما ينبغى ان يمنع من الانبعاث في الباطل للسان لأن زلته مهلكة ومن حق ما يهلك إرساله ان يزم
والسجن بالفتح مصدر سجنت سجنا
والمحبس السجن
وقرىء السجن أحب إلي بالفتح والكسر
ومن أول ما روى فى حفظ اللسان قول امرىء القيس
( إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس على شىء سواه بخزان )
وقال المحدث إنما السالم من ألجم فاه بلجام
وأخذ أبو الأسود لفظ المثل فقال
( لعمرك ما شىء عرفت مكانه ... أحق بسجن من لسان مذلل )
وقالوا من علامات العاقل ان يكون عالما بأهل زمانه حافظا للسانه مقبلا على شانه

حدثنا أبو احمد قال حدثنا أبو روق عن الرياشي عن عبد العزيزبن عمر الحمصي عن الفيض بن عبد الحميد قال كتب رجل إلى أخيه
( وما شيء أردت به بيانا ... بأبلغ لا أبالك من لسان )
فأجابه
( وما شيء إذا روأت فيه ... أحق بطول سجن من لسان )
6 - قولهم إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح
يضرب مثلا للرجل يعرف بالكذب حتى يرد صدقه
وأصله ان القين وهو الحداد إذا كسد عمله أشاع بارتحاله وهو يريد الإقامة وإنما يذكر الرحيل ليستعمله أهل الماء ثم إذا صدق لم يصدق لأن من عرف بالصدق جاز كذبه ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه
وقال نهشل بن حرى
( وعهد الغانيات كعهد قين ... ونت عنه الجعائل مستذاق )
( كبرق لاح يعجب من رآه ... ولا يغني الحوائم من لماق )
ونت عنه الجعائل أي قصرت فلم تبلغه والجعائل هاهنا أجور عمله
والمستذاق قيل المجرب وقيل المنظور منه إلى ما يفعل والصحيح أنه إذا أتى قوما يحسن لهم العمل في أول أمره معهم حتى يذوقوا ذلك منه فيأتوه

ثم يفسد بعد ذلك فيقول إنهن اول ما يوصلن يتحببن ثم يفسدن بعد ذلك ويغدرن
وذقت الشيء جربته قال الشاعر
( وإن الله ذاق حلوم قيس ... فلما راء خفتها قلاها )
راء بمعنى رأى
ويقولون ذاق السيف اذا جربه أصارم او كهام والسرى سير الليل مؤنثة فأما قول لبيد
( قال هجدنا فقد طال السرى ... )
فإنما قال ذلك لأنه فعل قد تقدم وليس بتأنيث حقيقي
ويقال ما كان قينا ولقد قان يقين قيانة وقان الحديدة يقينها أصلحها
وقن إناءك وكل أمة قينة مغنية كانت او غير مغنية ولا يقال لعبد قين
وأنشد ثعلب
( ولي كبد مجروحة قد بدا بها ... صدوع الهوى لو كان قين يقينها )
وتقينت تقينا أي تزينت وأنشد
( وهن مناخات تجللن زينة ... كما اقتان بالبنت العهاد المجود )

7 - قولهم أساء سمعا فأساء جابة
8 - وقولهم أشبه أمرأ بعض بزه
يضرب الأول مثلا للرجل يخطىء السمع فيسىء الإجابة
والجابة اسم مثل الطاعة والطاقة والإجابة المصدر مثل الإطاعة والإطاقة
قالوا والمثل لسهيل بن عمرو وكان له ابن مضعوف فرآه إنسان فقال له أين أمك أي قصدك
فظن انه يسأله عن أمه فقال ذهبت تطحن فقال سهيل ( أساء سمعا فأساء جابة ) فذهبت مثلا
فلما صار إلى زوجته أخبرها بما قال إبنها فقالت إنك تبغضه فقال ( أشبه امرأ بعض بزه ) فأرسلها مثلا
والصحيح ان هذا المثل لذي الإصبع العدواني وسيجيء خبره في الباب الحادي عشر إن شاء الله
وأنشدنا ابو علي الحسن بن علي بن أبي حفص في الجابة
( وما من تهتفين به لنصر ... بأسرع جابة لك من هديل )
وقصة الهديل أكذوبة من اكاذيب العرب زعموا ان الهديل فرخ

كان على عهد نوح فصاده جارح فما من حمامة الا وهي تبكيه وتدعوه فلا يجيبها فيقول إن دعاءك من تدعوه لنصرك لا يجاب كدعاء الحمام الهديل
ونحوه قول الآخر
( فإن تك قيس قدمتك لنصرها ... فقد هلكت قيس وذل نصيرها )
9 - قولهم إليك يساق الحديث
يضرب مثلا للرجل يصلح له الأمر وهو مستعجل يلتمس الوصول إليه قبل أوانه
وأصله ان رجلا خطب امرأة فجعل يصف لها نفسه وجعل ذكره يتحرك حتى يصفه ثوبه فضربه بيده وقال إليك يساق الحديث
ومن امثالهم في نحو هذا قول أوس بن حجر
( ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم )
ولا أعرف أحدا مدح العجلة الا أبا العيناء فإن رجلا رآه يستعجل في أمر فقال له أرفق فإن العجلة من عمل الشيطان فقال لو كان كذلك

ما قال موسى عليه السلام ( وعجلت إليك رب لترضى ) وهو اللسان يضعه البليغ حيث يريد
10 - قولهم أبدى الصريح عن الرغوة
يضرب مثلا للأمر ينكشف بعد استتاره
والمثل لعبيد الله بن زياد قاله في هانىء بن عروة وكان مسلم بن عقيل حين بعثه الحسين بن علي رضي الله عنهما قد استخفى عنده فبلغ عبيد الله مكانه فأحضر هائنا وسأله عنه فكتمه فلما تهدده أقر فقال عبيد الله ( أبدى الصريح عن الرغوة )
فذهبت مثلا أي قد انكشف المستور
والرغوة ما يعلو اللبن من الزبد يقال أرغى اللبن ورغي
ومثله قولهم ( صرح الحق عن محضه ) وقولهم ( برح الخفاء ) أي زال الاستتار وقالوا ( أوضح الصبح لذي عينين )
11 - قولهم أفرخ القوم بيضتهم
يضرب مثلا للأمر ينكشف بعد خفائه أيضا
وأصله خروج الفرخ من البيضة وظهوره منها بعد كمونه فيها
ومثله قولهم ( بدا نجيث القوم ) أي ظهر ما أسروه وقد نجث الأمر إذا أسر
وسميت البيضة بيضة لأنها

تجمع ما فيها
وبيضة القوم مجتمعهم
وبيضة الحديد مشبهة ببيضة الحيوان
12 - قولهم أبي الحقين العذرة
يضرب مثلا للرجل يعتذر وليس له عذر
وأصله ان قوما استسقوا رجلا لبنا فمنعهم إياه واعتذر اليهم من تعذره عليه فالتفتوا فإذا هم بلبن قد حقنه في وطب فقالوا ( أبى الحقين العذرة ) والعذر والعذرة سواء مثل القل والقلة والنخل والنخلة وهي العطية والقر والقرة أي ليس لك عذر في منع القرى وعندك لبن
أخبرنا أبو احمد قال أخبرنا أبي عن عسل عن أبي الأسود عن حبيش بن إبراهيم عن عمر بن عبد الوهاب الرياحي عن عامر بن صالح عن أبي بكر الهذلي قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لسعيد بن يحيى المرادي كيف أنت يا أبا يحيى قال أخبرك عني في الجاهلية إني لم أخم عن تهمة ولم أنادم زميلة وكنت لا أرى الا في نادي عشيرة أو خيل مغيرة او حمل جريرة وأما الإسلام فقد أبى الحقين العذرة معناه أن الذي عنده لبن لا يعتذر إلى الأضياف أنه لا قرى عنده
قال فذنوبي تأبى أن أخبرك عن حالي في الإسلام

ومن أمثالهم في العذر ( المعاذر مكاذب )
وقال بعضهم لا يعتذر أحد الا كذب
13 - قولهم أعن صبوح ترقق
يضرب مثلا للرجل يريد الشيء فيعرض به ولا يصرح بذكره
وأصله ان رجلا نزل بقوم ليلا فأضافوه فلما فرغ قال أين أغدو إذا صبحتموني أي سقيتموني الصبوح
فقيل له ( أعن صبوح ترقق ) يعني عن الغذاء
وترقق معناه ترقق كلامك وتحسنه ومن ثم قيل للشعر في الغزل الرقيق
14 - قولهم - إياك أعني واسمعي يا جارة
المثل لسيار بن مالك الفزاري قاله لأخت حارثة بن لأم الطائي وذلك انه نزل بها فنظر الى بعض محاسنها فهويها واستحيا ان يخبرها بذلك فجعل يشبب بامرأة غيرها فلما طال ذلك وضاق ذرعا بما يجد وقف لها فقال
( كانت لنا من غطفان جاره ... حلالة ظعانة سياره )
( كأنها من هيئة وشاره ... والحلى حلى التبر والحجارة )
( مدفع ميثاء الى قراره ... إياك أعني فاسمعي يا جاره )

والحازم العاقل قادر ان يكتم كل شيء يريد كتمانه الا الهوى فإن كتمانه ممتنع
وقال العباس بن الأحنف
( من ذلك كان يزعم ان يوارى في الهوى ... حتى يشكك فيه فهو كذوب )
( الحب أغلب للفؤاد بقهره ... من ان يرى للسر فيه نصيب )
( فإذا بدا سر اللبيب فإنه ... لم يبد الا انه مغلوب )
( إني لأبغض عاشقا متسترا ... لم تتهمه أعين وقلوب )
15 - قولهم أنجز حر ما وعد
16 - قولهم أزمت شجعات بما فيها
يقال أنجز حر الوعد فنجز
وأصله من السرعة يقال تناجز القوم في الحرب إذا تسافكوا دماءهم كأنهم أسرعوا فيها
وأول من قاله الحارث بن عمرو آكل المرار الكندي وكان من حديثه انه قال لصخر بن نهشل بن دارم هل أدلك على غنيمة على ان لي خمسها قال نعم
فدله على ناس من اهل اليمن فأغار عليهم بقومه فغنموا وملئوا أيديهم فلما انصرفوا قال له الحارث ( أنجز حر ما وعد ) فأراد صخر أن يفي له بوعده فأبى قومه وفي طريقه ثنية يقال لها شجعات فوقف صخر عليها

وقال ( أزمت شجعات بما فيها ) فذهبت مثلا
فقال عمرو بن ثعلبة بن يربوع والله لا نعطيه من غنيمتنا شيئا ومضى في الثنية فحمل عليه صخر فقتله فأجاب الجيش بإعطائه الخمس فقال نهشل بن حرى
( ونحن منعنا الجيش ان يتأوبوا ... على شجعات والجياد بنا تجري )
( حنسناهم حتى أقروا بحكمنا ... وأدى أنفال الخميس إلى صخر )
أزمت أي ضاقت
وأصل الأزم العض ومنه سنة أزوم أي عضوض
ومما يجري مع ذلك قولهم ( الخلف ثلث النفاق ) وذلك ان النبي قال ( من علامات المنافق أن يكذب إذا حدث ويخلف إذا وعد ويخون إذا اؤتمن )
ولفظ قولهم ( أنجز حر ما وعد ) لفظ الخبر ومعناه الأمر أي لينجز حر ما وعد
17 - قولهم إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
يضرب مثلا للقوي يلقى أقوى منه
والإعصار الريح الشديدة تثير الغبار حتى يتصعد في السماء والجمع الأعاصير وفي القرآن ( فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت )
ونحو المثل أن أرطأة بن سهية قال لزمل بن أبير

( إني امرؤ تجد الرجال عداوتي ... وجد الركاب من الذباب الأزرق )
فقال له زمل
( مثلى من الأقوام ليث خادر ... ورد وما أنا بالذباب الأزرق )
فغلبه
ونحوه
( إن كنت جلمود صخر لا أؤبسه ... أوقد عليه أحميه فينصدع )
18 - قولهم ألوى بعيد المستمر
يضرب مثلا للرجل الذي لا يطاق نكارة
وأول من تكلم به النعمان بن المنذر وأخذه طفيل الغنوي فقال أخبرنا أبو القاسم عن العقدي عن رجاله قال لما التقى الجمعان بصفين حتى كثرت القتلى فجالت الخيل عليها فتحولوا إلى موضع آخر فاقتتلوا حتى جالت الخيل على القتلى وحانت الصلاة وهم يقتتلون فنادى رجل يأيها الناس أكفرتم بعد

إيمانكم الصلاة فجمعوا بين الظهر والعصر ثم عادوا للقتال وعمر بن العاص يتمثل قول طفيل
( إذا تخازرت ومابي من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور )
( ألفيتني ألوى بعيد المستمر ... أحمل ما حملت من خير وشر )
( كالحية الصماء في أصل الحجر ... ذا صولة في المصمئلات الكبر )
( أبذي إذا بوذيت من كلب ذكر ... أكدر شغار يغذي في السحر )
ثم تقدم وقال
( شدوا على سرتى لا تنقلف ... يوما لهمدان ويوما للصدف )
( والربعيون لهم يوم عصف ... وفي سدوس نخوة لا تنحرف )
( نضربهم بالسيف حتى تنصرف ... ولتميم مثلها او تعترف )
والألوى المعوج وهو مثل للرجل المحجاج الصليب الرأي الشديد الخصومة الذي لا تدفعه عن حجة الا تعلق بأخرى
ويقولون هو بعيد الغور إذا كان دقيق الاستنباط
وبعيد النظر وبعيد مطرح الفكر

19 - قولهم إن يبغ عليك قومك لا يبغ القمر
يضرب مثلا للرجل يدعي تلبيسا في الأمر المشهور
وأصله ان رجلين تخاطرا على غروب القمر وطلوع الشمس صبيحة ثلاث عشرة أيهما يسبق صاحبه وكان بحضرتهما قوم مالوا إلى احدهما فقال الآخر تبغون علي فقيل له ( إن يبغ عليك قومك لا يبغ القمر ) فصار مثلا أي هو يغيب لوقته لا يحابي أحدا فليس لشكواك معنى
20 - قولهم أمكرا وأنت في الحديد
يضرب للرجل يحتال وهو أسير ممنوع
والمثل لعبد الملك بن مروان قاله لعمرو بن سعيد الأشدق وكان عمر خلعه وأراد الأمر لنفسه فكتب إليه عبد الملك رحمتي إياك تصرفني عن الغضب عليك وذلك لتمكن الخدع منك وخذلان التوفيق لك
نهضت بأسباب ووهمتك نفسك ان تستفيد بها عزا وأنت جدير ألا تدفع بها ذلا ومن رحل عنه سوء الظن واستعبدته الأماني ملك الحين تصريفه واستترت عنه عواقب أموره وعن قليل يتبين من سلك سبيلك بمثل أسبابك أنه صريع طمع وأسير خدع والرحم تعطف على الصفح عنك ما لم تحل بك عواقب جهلك فانزجر قبل الإيقاع بك وإن فعلت فإنك في كنف وستر
والسلام
فكتب إليه عمرو استدراج النعم إياك أفادك البغى وراحة القدرة

أورثتك الغفلة ولو كان ضعف الأسباب يوئس من شريف الطلاب ما انتقل سلطان ولا ذل عز إنسان وعن قليل تتبين من صريع بغى وأسير عدوان والسلام
ثم حمل عمرو إلى عبد الملك أسيرا فقال له طالما رحلت ثفال الغي وهجهجت بقعود الباطل أفظننت ان الحق لا يلحق باطلك والسيف لا يقطع كاهلك وأمر بقتله وكان مكبلا فقال يا أمير المؤمنين إن رأيت ألا تفضحني بأن تخرجني إلى الناس فتقتلني بحضرتهم وأراد عمرو ان يخالفه فيخرجه فيمنعه أصحابه ففطن عبد الملك لذلك وقال ( يا أبا امية أمكرا وانت في الحديد )
ثم امر فقطعوه فكان ذلك اول غدر في الإسلام
21 - قولهم ابن الأيام وما يجري في بابه
يقال للرجل الجلد المجرب ابن الأيام وابن الملمة وهو الذي يقوم بهاوهو وابن جلا وابن أجلى وابن بيض المنجلي الأمر المنكشفة
وقال بعضهم ابن جلا وابن أجلى رجل بعينه قال الشاعر
( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... )
يعني ثنايا الجبال ومعناه انا المشهور

وابن بيض رجل بعينه أيضا وهو الذي يقال فيه سدا ابن بيض الطريق
وابن أحذار الحذر وهو رجل بعينه أيضا
وابن أقوال المقتدر على الكلام
وابن خلاوة البرىء من الشيء
وابن حبة الخبز ويقال له جابر ابن حبة
وابن يم الخليج من خلجان البحر
وابن النعامة الطريق وقيل هو صدر القدم
وقيل هو الخط في وسط القدم من باطن وقيل هي القدم نفسها وأنشد
( وابن النعامة يوم ذلك مركبي ... )

وابن المخدش الكاهل
وابن آوى سبع معروف وكذلك ابن عرس
وابن أنقد القنفذ
وابن مخاض وابن اللبون من اولاد الإبل معروفان
وابن ماء ما يسكن الماء من الطير وكني به عن الشيب في قول الشاعر
( وكم فر الغراب من ابن ماء ... )
يعني الشباب والشيب
وابن دأية الغراب وذلك انه يقع على دأية البعير والجمع دأيات وهي عظام الصلب
وابن تمرة طائر
وابن بريح العذاب والمشقة وهو الغراب أيضا لأنه يبرح بالبعير إذا وقع على ظهره
وابن قترة ضرب من الأفاعي
وابن وردان معروف
وابن ثأداء وابن ثأداء والصحيح ابن ثأداء قال بعض الشعراء
( وما كنا بني ثأداء حتى ... شفينا بالأسنة كل وتر )

وابن ثأطاء وابن ثأطان ابن الأمة وابن فرتني مثله وقيل هو ابن الفاجرة
وابن الطريق ولد الزنا
وابن السبيل الغريب
وابن درزة السفلة الساقط قال الشاعر
( أولاد درزة أسلموك وطاروا ... )
وابن غبراء الفقير قال طرفة
( رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... )
وابن إحداها الكريم الآباء والأمهات
وابن مدينتها وابن بلدتها وابن بجدتها وابن بعثطها وابن سرسورها وابن سوبانها العالم بالشيء وبعثط الوادي سرته
وابن عذرها المبدع للشيء
وابن الأنس الصفي
وابن البوح قالوا ولد الصلب
وابنا ملاط العضدان والكتفان
وابنا دخان غني وباهلة

وابنا عيان ان يخط الناظر في أمر بإصبعه في الأرض ثم يعليه بإصبع أخرى ويقول ابنى عيان أسرعا البيان كأنه يقول أرياني ما أريد عيانا وهو معنى قول ذي الرمة
( عشية ما لي حيلة غير أنني ... بلقط الحصى والخط في الدار مولع )
وقيل البوح الذكر من قولك ابنك ابن بوحك
وفي معناه قولهم ( ابنك من دمي عقبيك ) قالته امرأة الطفيل بن جعفر ابن كلاب وهي من بلقين وكانت ولدت له عقيل بن الطفيل فتبنته كبشة بنت عروة بن جعفر فعرم على امه يوما فضربته فجاءت كبشة تمنعها وتقول ابني ابني فقالت ( ابنك من دمى عقبيك ) أي من نفست به
وقيل البوح النفس وروى ( ولدك من دمى عقبيك )
والولد والولد سواء مثل العجم والعجم والعرب والعرب وفي القرآن ( ماله وولده الا خسارا ) والولد أيضا جمع الولد كذا قال ابن دريد
وابنا شمام هضبتان في أصل جبل
وابنا سمير وابنا جمير الليل والنهار سميا ابني سمير لأنه يسمر فيهما وابني جمير للإجتماع فيهما يقال شعر مجمور اذا ضفر وجمع
وابن جمير الليلة التي لا يرى فيها القمر
وقيل السمير الدهر وقال بعضهم ابنا سمير الغداة والعشى
وقيل ابن جمير الليل المظلم وأنشد

( نهارهم ظمآن ضاح وليلهم ... وإن كان بدرا ظلمة ابن جمير )
يقول إذا طلبوا حقا عموا عنه ليلا ونهارا
وقال ابن دريد ابن جمير وابن سمير الليل المظلم وابن ثمير الليل المقمر ويقولون حلف بالسمر والقمر السمر الظلمة لأنهم كانوا يسمرون فيها وقوله تعالى ( سامرا تهجرون ) أي تهجرون النبي في سمركم
وابن مزنة الهلال قال الشاعر
( كأن ابن مزنته جانحا ... فسيط لدى الأفق من خنصر )
والفسيط قلامة الظفر وهو اول من شبه الهلال بها الا أنه جاء به في غاية التكلف وأخذه ابن المعتز فحسنه فقال
( ولاح ضوء هلال كاد يفضحه ... مثل القلامة قد قصت من الظفر )
وابن ذكاء الصبح
وابن أوبر ضرب من الكمأة
وابن طاب جنس من الرطب
وابن الأرض نبت يخرج في رءوس الآكام له أصل يطول يؤكل وهو سريع الخروج

وبنت الأرض بقلة من الرمث واحدتها مثل جمعها
وبنت الجبل الصدى وهو الصوت الذي يرجع إليك من الجبل وأنث على معنى الصيحة
وبنت الجبل أيضا الحية التي لا تجيب الراقي
وبنت الشفة الكلمة يقال ما كلمني ببنت شفة
وبنت الفكر الرأي
وبنت المطر دويبة حمراء ترى غب المطر يقال أشد حمرة من بنت المطر
وبنت دم نبت يضرب إلى الحمرة وتجمع بنات دم
وبنت المنية الحمى
وبنت الحية الأفعى
ويقال ( العصا من العصية والأفعى بنت حية )
وبنت أدحية النعامة
وبنت قضاعة لعبة من جلود بيض
وبنات بحنة السياط وبالمدينة نخلة طويلة السعف يقال لها بجنه
وبنات بخر السحاب
وبنات مخر سحائب تنشأ قبل الصيف
وبنات السحاب البرد
وبنات الشمس لعابها
وبنات رباط الخيل
وبنات صعدة الحمر الأهلية
وبنات الطريق المساكين

وبنات قين موضع ينسب إليه يوم من أيامهم
وبنات نعش كواكب معروفة
وبنات مسند ما يأتي به الدهر من حوادثه والمسند الدهر
وبنات غير الكذب والباطل وصحفة ابن الأعرابي فقال بنات عين
وبنات برح وبنات طمار وبنات طبق الدواهي
وبنات الليل الأحلام وهي أيضا أهواله
وبنو الهم الصابرون عليه
وبنو الفلاة المداومون لسلوكها
وبنوا الحرب الصابرون فيها أيضا المطيلون مراسها
وابن فهلل وابن ثهلل الضلال
وابن قل القليل
وابن بي الذليل المجهول وكذلك ابن بيان وكذلك ابن هي وابن هيان
وطامر ابن طامر البرغوث والطمر الوثب
وابن الحارض الساقط يقال أحرض الرجل اذا جاء بولد لا خير فيه
وابن واحد المعروف الأب يقال هو واحد ابن واحد وهو ضد ضل ابن ضل وأكثر هذا الباب أمثال

ومما يجري مع ذلك المكنى
أبو الحارث الأسد
أبو جعدة الذئب
أبو الحصين الثعلب
وأبو زنة القرد وأبو ضوطري وأبو جخادب سب يسب به الإنسان
وقال أبو عمر الجرمي أبو جخادب كنية الحرباء او دابة تشبهه والأول قول جماعة أهل اللغة
وأبو حباحب كنية النار التي لا ينتفع بها مثل النار التي تخرج من حوافر الخيل ويقال لها نار حباحب أيضا
وقال خالد بن كلثوم ابو حباحب كان كنية رجل من بخلاء العرب وكان يوقد نارا ضعيفة ويخفيها مخافة الأضياف فجعلته العرب كنية لكل نار ضعيفة لا تثبت ولا تحرق
وأبو قلمون ثياب معروفة وأظنها مولدة ويستعار للرجل الكثير التلون
وأبو براقش طائر يتلون في اليوم ألوانا مأخوذ من البرقشة وهي النقش والفيروزج أيضا يتلون في اليوم لونين ولم يتمثل به العرب ولكن جاء في أمثال الفرس
وأبو قبيس جبل مكة
وأبو أدراس الفرج مأخوذ من الدرس وهو الحيض
وأبو أدراص وأبو ليلى الرجل المحمق
والدرص ولد الفأر فكأنهم قالوا هو أبو فأرة وإذا قالوا أبو ليلى فكأنهم قالوا هو أبو امرأة

وأبو زيد الكبرقال الشاعر
( إما ترىشكتى شكتي رميح أبي ... زيد فقد أحمل السلاح معا )
وأبو مالك وأبو عمرة الجوع ويقال في المثل ( أبى أبو عمرة الا ما اتاه ) يقوله الرجل قد سلم للدهر وقال الشاعر
( إن أبا عمرة حل حجرتي ... وصار بيت العنكبوت برمتي )
وأم حلس كنية الأتان وهي أم الهنبر أيضا والهنبر الجحش ويقولون ( أحمق من أم الهنبر ) وعند فزارة أن أم الهنبر الضبع
وأم الندامة العجلة
وأم رمال وأم خنور وأم رغم وأم عمرو وأم عامر كل ذلك الضبع ومن العرب من يجعل أم خنور الداهية ومنهم من يجعلها النعيم ومنهم من يجعلها الدنيا
وأم فروة النعجة
وأم الهيثم وأم الحوار العقاب قال الشاعر
( وكأنها لما عدت سروية ... مسعورة باللحم أم حوار )
سروية أي عقاب من عقبان السراة

وأم رياح طائر
وأم عجلان طائر
وأم حبين دويبة معروفة
وام عوف الجرادة
وام حمارس دابة لها قوائم كثيرة
وام الهدير الشقشقة
وأم القردان وام القراد من الخيل والإبل الوطأة التي من وراء الخف والحافر دون الثنة
وأم الرمح ما يلف عليه اذا جعل لواء قال الشاعر
( فسلبنا الرمح فيه أمه ... من يد العاصي اذا طال الطول )
وأم سويد وأم سكين وأم عزمل وأم عرم وام تسعين كل ذلك الاست
وأم الرأس وأم الدماغ الهامة
وأم الكبد بقلة من دق البقل لها زهرة غبراء في برعم مدور وهي شفاء من وجع الكبد ومن الصفر اذا عض الشر سوف بزعمهم
وأم كلب شجيرة جبلية لها نور أصفر في خلقه ورق الخلاف
وأم غيلان شجرة من العضاه وهي أكثرها شوكا
وأم حنين الخمر فيما ذكر المنتجع بن نبهان
وأم ليلى الخمر إذا كان لونها أسود ذكر ذلك أبو حنيفة الدينوري

وأم جابر إياد وقيل أبو أسد وجابر اسم الخبز
وأم أوعال هضبة معروفة
وأم المثوى وأم المنزل التي تضيف يقال كانت فلانة البارحة أم مثواى وأم منزلى وفلان أبو مثواى وأبو منزلي أي بنت ضيفه
وأم العيال وأم القوم من يقلدونه أمورهم
وأم الطفل المرأة المرضع
وام القرى مكة ثم أم كل أرض أعظم بلدانها وأكثرها أهلا كمرو فإنها تسمى أم خراسان
وأم كفات الأرض
وأم غياث السماء
وأم السماء المجرة ويقال لها ام النجوم
وأم الظباء الفلاة
وأم راشد المفازة
وأم معمر الليل حكى ذلك ثعلب وأم معمر الدين
وأم شملة وأم دفر وأم العجب
وأم درزة الدنيا
وقيل ابو العجب الدهر
وذكر المبرد يقال للأنذال أولاد درزة
وقال الرياشي أولاد درزة خياطون خرجوا مع زيد ابن علي بالكوفة
وأم الهبرزي وام ملدم وام ملذم بالدال والذال الحمى قال الشاعر

( فمنهن ام الهبرزي تتبعت ... عظامي فمنها ناحل وكسير )
وأم ملدم بالدال هو الأكثر مأخوذ من اللدم وهو ضرب الوجه حتى يحمر وأما اللذم فمن قولهم لذم به إذا لزمه
وأم جندب الغشم والظلم يقال وقعوا في أم جندب وركبوا ام جندب وام جندب أيضا اسم من أسماء الداهية
وأم الحرب الحرب وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله
( والحرب مشتقة المعنى من الحرب ... )
وأم الدهيم وأم اللهيم المنية وأم الربيق الداهية يقال ( جاء الربيق على أريق ) وزعم الأصمعي أنه من قول رجل زعم أنه رأى الغول على جمل اورق فقال ( جاء أم ربيق على أريق )
وأم قشعم وأم خشاف وأم كلواذ وأم خشور وأم نآد وأم خنشفير وأم الرقوب وأم قوب وأم الرقم وأم أريق وأم البليل وام الربيس وأم حبو كرى وأم أدراص كل ذلك الداهية
ويقال داهية ربس وربيس ويقال رمل حبو كرى إذا كان طويلا ويقال وقع في أم أدراص مضللة في موضع استحكام الهلكة لأن أم أدراص جحرة الفأرة وجحرتها تتنافذ فيقول وقع في أمر مختلط لا يعرف اوله من آخره
وقيل أم قشعم العنكبوت

وقالوا أم المؤمنين وأم الكتاب
فهذه الكنى عربية
والكنى المولدة كثيرة منها أبو المضاء الفرس وأبو اليقظان الديك وأبو خداش السنور
22 - قولهم أول الغزو أخرق
يضرب مثلا لقلة التجارب يراد إنما الأحكام بعد المعاودة والتجربة ردء العقل
ورأى أعرابي رجلا ينال من سلطان فقال إنك غفل لم تسمك التجارب وكأني بالضاحك إليك باك عليك والعقل عقلان مخلوق ومكتسب فالمخلوق ما يجعله الله لعبده ويكلفه من أجله والمكتسب ما يناله العبد بالتجربة وليس يفضل رأي الشيخ على رأى الغلام الا لتجربة الشيخ وغرارة الغلام
ويقال لمن لا تجربة له غر بين الغرارة قال الشاعر
( ابحث لتعلم ما قد كنت تجهله ... فالعقل فنان مطبوع ومسموع )
وقيل لابن هبيرة أي شيء أول العقل بعد الغريزي المولود والتالد الموجود قال تجربة الأمور والتثبت فيها والتقلب في البلاد والنظر في عجائبها
قال الشيخ رحمه الله على ان التجربة لا تنفع الا العقلاء وأما الجهال فليس لهم فيها منفعة
وقد قيل إنما تنفع التجارب من كان عاقلا وقيل
( وقد ينفع المرء اللبيب تجاربه ... )

23 - قولهم إنما يضن بالضنين
قاله الأغلب بن جعشم ومعناه تمسك بإخاء من يتمسك بإخائك وشر الناس صحبة وألأمهم إخاء من يرى لنفسه من الحق ما لا يرى عليها
وقيل ( خل سبيل من وهى سقاؤه )
وقال لبيد
( فاقطع لبانة من تعرض وصله ... ولخير واصل خلة صرامها )
ولا اعرف في هذا المعنى أحسن من قول المثقب
( فإني لا تخالفني شمالي ... خلافك ما وصلت بها يميني )
( إذا لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني )
وقلت
( قد آذن الخليط بانطلاق ... فخل عنك شدة الإشفاق )
( لا تعترضك حمقة العشاق ... وداو من ملك بالفراق )
( فليس للفارك كالطلاق ... )
ومثله قول أبي النضير عمر بن عبد الملك
( رحلت أنيسة بالطلاق ... ففككت من ضيق الخناق )
( لو لم أرح بطلاقها ... لأرحت نفسي بالإباق )
( ودواء ما لا تشتهيه ... النفس تعجيل الفراق )

24 - قولهم أطرى فإنك ناعلة
يضرب مثلا للقوى على الأمر
وأصله أن رجلا كانت له أمتان راعيتان إحداهما ناعلة والأخرى حافية فقال للناعلة أطرى أي خذي طرر الوادي فإنك ذات نعلين ودعي سرارته لصاحبتك فإنها حافية
وطرر الشيء نواحيه ويروى أظرى بالظاء أي خذي في ظرر وهو الغليظ من الأرض والجمع ظران
قال أبو عبيدة لم يكن هناك نعل وإنما أراد بالنعلين غلظ جلد قدميها ومن هذا الكلام أخذ المتبنى قوله في كافور
( ويعجبني رجلاك في النعل إنني ... رأيتك ذا نعل اذا كنت حافيا )
وفسر على وجه آخر أخبرنا أبو احمد عن أبي بكر بن دريد عن العكلي عن أبيه قال سألت أبا عبيدة عن قول مسكين
( أتطلبني بأطير الرجال ... وكلفتني ما يقول البشر )
فقال الأطير الكلام والشر يأتيك من بعيد قال فسألته عن قوله ( أطري فإنك ناعلة ) فقال يضرب مثلا للرجل يكون له فضل قوة في نفسه وسلاحه فيتكلف ما لو تركه لم يضره وأصله أن أمتين كانتا ترعيان إبلا فقالت إحداهما للأخرى اجمعي الإبل من أطرارها وليس بها إلى ذلك حاجة فقالت الأخرى ( أطرى فإنك ناعلة ) أي افعلي ذلك فأنت أقدر عليه
وقيل ( أصري فإنك ناعلة ) أي أدلي فإن عليك نعلين والإطرار الإدلال

25 - اكذب نفسك إذا حدثتها
يقال ذلك للرجل يهتم للأمر الجسيم فتخوفه نفسه الخيبة فيه والسقوط دون غايته فيقال اكذبها عند ذلك وحدثها بالظفر لتعينك على ما تبغيه منه فإن الهائب لا يلقى جسيما وأكثر الخوف باطله
وقال بعض المتأخرين
( وكل هول على مقدار هيبته ... وكل صعب إذا هونته هانا )
وقد قال الشاعر
( تخوفني صروف الدهر سلمى ... وكم من خائف ما لا يكون )
وقال غيره
( ولا أهات عظيما حين يدهمني ... ولست تغلب شيئا أنت هائبه )
هذا إذا كنت بالخيار في ركوب الأمر فإذا لم تجد بدا من ركوبه فلا وجه لتخوفه وقد احسن ابو النشناش في قوله
( على أي شيء يصعب الأمر قد ترى ... بعينيك ان لا بد انك راكبه )
وليس في وصف هذا البيت خير ولكن معناه جيد
وقلت
( علام تستصعب الأمر ... ما ترى منه بدا )
( بارز وخل الهوينى ... وجد حتى تجدا )
( فلن تلاقي جدا ... حتى تلاقي كدا )

والعرب تقول لكل امرىء نفسان تنهاه إحداهما وتأمره الأخرى وإنما هما فكران يحدثان له من الخوف والرجاء فيتأخر عند احدهما ويتقدم عند الآخر
وقال الشاعر
( يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة ... أيسترتع الذؤبان ام لا يطورها )
( فلما رأى ان السماء سماؤهم ... رأى خطة كان الخضوع نكيرها )
أي لما رأى ان أرضهم معشبة والعرب تسمى العشب سماء لم يجد بدا من الخضوع لهم
والمثل للبيد وهو قوله
( وأكذب النفس إذا حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل )
( غير ألا تكذبنها في التقى ... واخزها بالبر لله الأجل )
اخزها أي سسها خزوت الرجل إذا سسته قال الشاعر
( ولا أنت دياني فتخزوني ... )
ويقال كذبت الرجل بالتخفيف إذا اخبرت بالكذب وكذبته إذا أخبرته أنه كاذب

26 - قولهم أودى العير الا ضرطا
يضرب مثلا للشيء يذهب الا أخسه وشبيه بهذا قول بعضهم في البق
( صغيرة أعظمها أذاها ... )
ومن هذا المثل أخذ الشاعر قوله
( لا تنكحن عجوز إذا أتيت بها ... واخلع ثيابك منها ممعنا هربا )
( فإن اتوك فقالوا إنها نصف ... فإن أمثل نصفيها الذي ذهبا )
27 - قولهم أعييتني بأشر فكيف بدردر
يقول لم تقبلي الأدب وأنت شابة ذات أشر
والأشر التحزيز الذي في أسنان الأحداث وثغر مؤشر يقول فكيف تكونين الآن وقد أسننت حتى بدت درادرك وهي مغارز الأسنان
ومثله قولهم ( أعييتنى من شب الى دب ) أي من لدن شببت الى ان دببت هرما

وأصله أن دغة ولدت غلاما فكان أبوه يقبله ويقول وا بأبي دردرك وكانت حسنة الثغر مؤشرته فطنت ان الدردر أعجب اليه فحطمت أسنانها فلما قال وا بأبي دردرك قالت يا شيخ كلنا ذو دردر فقال ( أعييتني بأشر فكيف بدردر ) وذهب لمثل بحمق دغة فقيل ( أحمق من دغة )
28 - قولهم أرنيها نمرة أركها مطرة
أيا أرني السحابة نمرة أركها ماطرة وهي ان يكون فيها سواد وبياض
كذا قال ابن دريد وسمى النمر نمرا لما في جلده من نقط سواد وسميت الشملة التي فيها سواد وبياض نمرة
يضرب مثلا في صحة مخيلة الشيء وصحة الدلالة عليه
29 - قولهم استنوق الجمل
يضرب مثلا للرجل الواهن الرأي المخلط في كلامه
والمثل لطرفة بن العبد وكان بحضرة بعض الملوك والملتمس ينشد شعرا فقال فيه

( وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم )
فقال بناج يعني جملا والصيعرية سمة من سمات النوق
فقال طرفة ( استنوق الجمل ) أي صار الجمل ناقة فقال المتلمس ويل لهذا من لسانه فكان هلاكه بلسانه هجا عمرو بن هند فقتله
وخرج بعض الفرس في غلس ومعه آلة الصيد فنطق طائر فرماه وقال خفة اللسان تهلك حتى الطير
قال ابو بكر رضي الله عنه اللسان سبع اذا أطلقته أكلك
30 - قولهم أنصف القارة من راماها
يضرب مثلا لمساواة الرجل صاحبه فيما يدعوه إليه
والقارة قبيلة من الهون بن خريمة وسموا قارة لاجتماعهم والتفافهم
والقارة الأكمة والجمع قور وكانوا رماة الحدق
وأصل المثل كان في حرب وقعت بين قريش وبكر بن عبد مناة بن كنانة وكانت القارة مع قريش فلما التقى الفريقان رماهم الاخرون فقيل قد أنصفوكم إذ قاتلوكم بما تقاتلون به وجعل المثل شعرا فقيل

( قد انصف القارة من راماها ... إنا إذا ما فئة نلقاها )
( نرد أولاها على اخراها ... )
والقارة قوارة الأديم أيضا
31 - قولهم أضىء لي أقدح لك
يضرب مثلا للتكافؤ في الأفعال ومعناه كن لي مضيئا أبصر بك فأتمكن من القدح لك
32 - قولهم اسق رقاش إنها سقاية
أي أحسن إليها كإحسانها إليك قالوا وسقاية اسم موضوع وليست الهاء فيها هاء التأنيث فأما تأنيث سقاء فسقاءة والوجه ان تكون الهاء فيها هاء التأنيث لأن رقاش اسم من أسماء النساء مثل قطام وحذام وقال سقاية لأن أصل الهمز فيها ياء ألا ترى أنك تقول سقيت فجعل سقاءة سقاية ردا له على الأصل
وقريب من هذا المعنى قول الشاعر
( يكن لك في قومي يد يشكرونها ... وأيدى الندى في الصالحين قروض )

33 - قولهم إنما يجزى الفتى ليس الجمل
المثل للبيد قاله في قصيدته التي اولها
( إن تقوى ربنا خير نفل ... وبإذن الله ريثى وعجل )
إلى ان قال
( أعمل العيس على علاتها ... إنما ينجح أصحاب العمل )
( فاعقلي إن كنت لما تعقلي ... ولقد أفلح من كان عقل )
( وإذا جوزيت قرضا فاجزه ... إنما يجزى الفتى ليس الجمل )
ومعناه إنما يجزى على الإحسان بالإحسان من هو حر وكريم فأما من هو بمنزلة الجمل في لؤمه وموقه فإنه لا يوصل الى النفع من جهته الا إذا اقتسر وقهر
وأخذ ابن الرومي هذا المثل فقال يهجو بعض الرؤساء
( يا أبا أيوب هذي كنية ... من كنى الإنعام قدما لم تزل )
( ولقد وفق من كنا كها ... وأصاب الحق فيها وعدل )
( أنت شبه للذي تكنى به ... ولبعض الخلق من بعض مثل )
( لست ألحاك على ما سمتني ... من قبيح الرد او منع النفل )
( قد قضى قول لبيد بيننا ... إنما يجزى الفتى ليس الجمل )
( كم وجدناك لترقى في العلا ... وأبى الله فلا تعل هبل )

34 - قولهم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما
كان مذهب أهل الجاهلية أن ينصروا قرناءهم وجيرانهم وأصدقاءهم محقين كانوا او مبطلين وعلى هذا المذهب يقول الراجز
( إن أخا الصدق الذي يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك )
( ومن إذا صرف زمان صدعك ... شتت شمل نفسه ليجمعك )
( وإن غدوت ظالما غدا معك ... )
وقد روي هذا الكلام عن النبي فإن كان صحيحا فمعناه انصر اخاك مظلوما وكفه عن ظلمه ان كان ظالما فتكون قد نصرته إذا منعته من الاثم لأن النبي لا يأمر بنصرة الظالم
ونحو هذا المعنى قول الشاعر
( وإن ابن عم المرء من شد أزره ... ومن كان يحمي عنه من حيث لا يدري )
وقال الآخر
( لعمرك ما أدى امرؤ حق صاحب ... إذا كان لا يرعاه في الحدثان )
وقال آخر
( يغشى مضرته لنفع صديقه ... لاخير في ود إذا لم ينفع )
وقال آخر
( لا أخا للمرء الا من نفع ... )

وقلت
( أخوك الذي ترضيه لا من توده ... ألا رب ود لا يفيد فتيلا )
35 - قولهم إن بني صبية صيفيون
يقوله الرجل إذا كبر وولده صغار
والمثل لسليمان بن عبد الملك تمثل به عند موته وكان اراد ان يجعل الخلافة لبعض ولده فلم يكن فيهم من بلغ الا من كانت امه أمة وكانت بنو امية لا يستخلفون أولاد الإماء وهو الذي قصر بمسلمة بن عبد الملك عن ولاية العهد مع رجاحته وكمال آلته واتبعوا في ذلك سنة الأكاسرة ثم أثر الجاهلية وكان اهلها لا يسودون اولاد الإماء ويسمونهم الهجناء الواحد هجين ويسمون أولاد المهيرات الصرحاء واحدهم صريح ولذلك قال هشام بن عبد الملك لزيد بن علي عليه السلام بلغني أنك تسمو بنفسك الى الإمامة وهي لا تصلح لأولاد الإماء
قال زيد إن الأمهات لا يضعن من الأبناء هذه هاجر قد ولدت إسماعيل فما وضعه ذلك وصلح للنبوة وكان عند ربه مرضيا والنبوة أكبر من الإمامة وامتد باعه في الشرف حتى كان محمد من نسله
فلما خرج قال هشام لأصحابه كنتم تخبرونني ان اهل هذا البيت قد درجوا وانقرضوا وما درج قوم هذا غابرهم

ومما رغب العرب في التسري أن أولاد القرائب عندهم ضاويون أي نحاف مهزولون ولذلك قالوا ( اغتربوا لا تضووا ) أي تزوجوا الغرائب لئلا تضوي اولادكم
وأضوى الرجل إذا كان له ولد ضاوي كما يقال أهزل الرجل إذا كانت له إبل هزلى قال الشاعر
( فتى لم تلده بنت عم قريبة ... فيضوى وقد يضوى وليد القرائب )
( هو ابن غريبات النساء وإنما ... ذوو الشأن أبناء النساء الغرائب )
وضوي الولد يضوي وهو ضاوي على غير الأصل
وكان سليمان بن عبد الملك يقول وهو في الموت
( إن بني صبية صيفيون ... أفلح من كان له ربعيون )
فيقول عمر بن عبد العزيز ( قد أفلح المؤمنون ) يا امير المؤمنين
وأصل ذلك في الإبل وهو ان ولد الناقة اذا نتج في الربيع كان أقوى منه إذا نتج في الصيف وإذا نتج في الصيف ضعف عما نتج في الربيع لعلتين إحداهما ما يلحقه من شدة الحر فيضعفه والأخرى أن ما نتج في الربيع قد سبقه بشهرين فهو أقوى
ويقال للرجل إذا ولد له في شبابه قد أربع تشبيها بربعية النتاج وولده ربعي
وإذا ولد له في كبره قيل قد أصاف وولده صيفي تشبيها بصيفي النتاج

36 - قولهم أينما أوجه ألق سعدا
يضرب مثلا لاستواء القوم في الشر والمكروه
والمثل للأضبط بن قريع السعدي وكان سيد قومه فرأى منهم تنقصا له وتهاونا به فرحل عنهم ونزل بآخرين فرآهم يفعلون بأشرافهم فعل قومه به فقصد آخرين فرآهم على مثل حالهم فقال ( أينما أوجه ألق سعدا ) ورحل الى قومه
وروى أنه قال ( في كل واد بنو سعد ) ومثل هذا المثل قول طرفة
( كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه )
( كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة )
وقال بعضهم
( سواسية كأسنان الحمار ... )
وقلت
( كم حاجة أنزلتها ... بكريم قوم أو لئيم )
( فإذا الكريم من اللئيم ... أو اللئيم من الكريم )
( سبحان رب قادر ... قد البرية من أديم )
( فشريفهم ووضيعهم ... سيان في سفه ولوم )
( قد قل خير غنيهم ... فغنيهم مثل العديم )

( وإذا اختبرت حميدهم ... ألفيته دون الذميم )
( لا تند بنهم للصغير ... من الأمور ولا العظيم )
( انظر إلى كبر الجسوم ... ولاتسل دفع الجسيم )
ومثل المثل سواء قول أبي تمام
( فلا تحسبن هندا لها الغدر وحدها ... سجية نفس كل غانية هند )
37 - قولهم أشبه شرج شرجا لو أن أسيمرا
يضرب مثلا للتشابه من غير ذوي الرحم
وشرج موضع والأسيمر تصغير أسمر وهو جمع سمر مخفف عن سمر وهي شجرة من العضاة كما قيل عضد وعضد
والمثل للقيم بن لقمان وكان قد علا أباه في خصاله فحسده أبوه فنزلا شرجا فذهب لقيم ليعشي إبله فحفر له لقمان حفيرة وغطاها بسمر ليقع فيها إذا رجع من الليل فلما عاد لقيم انكر المكان وارتاب بإزالة السمر عن موضعه فقال ( أشبه شرج شرجا لو ان أسيمرا ) أي لو ان أسيمرا كنت أعهدها كانت على ماعهدتها وتنحى عن الموضع فنجا وذهبت الكلمة مثلا في التشابه من غير القرابات فأما ما تشابه من القرابات فمن امثالهم فيه قول زهير
( وهل ينبت الخطي الا وشيجه ... وتغرس الا في منابتها النخل )

وقال أبو نخيلة
( لعمرك ما عين بأشبه مقلة ... بأخرى من ابني بي ولا النعل بالنعل )
( أقول لنفسي ثم نفسي تلومني ... ألا هل ترى ما أشبه الشكل بالشكل )
ويقولون ( هو أشبه به من الماء بالماء والليلة بالليلة والتمرة بالتمرة والقذة بالقذة والحرة بالحرة والغراب بالغراب )
38 - قولهم إذا نزا بك الشر فاقعد
أي لا تسارع الى الشر وإن أحوجت إلى المسارعة إليه يحثه على مجانبة الغضب
ولا أعرف في الحث على مجانبة الشر أجود من قول معاوية ( إني لأكرم نفسي أن يكون ذنب أعظم من حلمي وما غضبي على من املك وما غضبي على من لا املك ) معناه إذا كنت مالكا له فإني قادر على الانتقام منه فلم ألزم نفسي الغضب وإن كنت لا املكه فلا يضره غضبي فلم أدخل الضرر على نفسي بغضب لا يضر عدوي
وقلت في هذا المعنى
( وما غضب الإنسان من غير قدرة ... سوى نهكة في جسمه وشحوب )
وقلت
( خل يد الشر وفر منه ... وإن دعاك فتصامم عنه )
( خاب اخو الشر فلا تكنه ... )
وقيل إياك والشر فإن الشر للشر خلق

39 - قولهم إذا ارجحن شاصيا فارفع يدا
أي إذا رأيته قد خضع واستكان فاكفف عنه
والشاصي الرافع رجله
وأرجحن مال وكل ثقيل مائل مرجحن يقول إذا استسلم فاعف عنه
وروى ثعلب ( إذا ارجعن شاصيا )
وارجعن صرع يقول إذا صرعته فرفع رجليه فاكفف عنه
وأنشد
( ولما ارجعنوا واسترينا خيارهم ... وصاروا أسارى في الحديد المكلد )
وهذا أصح عندي من الأول
ومن احسن ما قيل في العفو قول مجاشع بن ربعي لقوم رآهم يتآمرون في الانتقام من رجل هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق قالوا قد عرفنا الحق فما الذي هو خير منه قال العفو فإن الحق مر
وقال صالح المري اتركوا العقاب لخالق العقاب واستصلحوا الناس بالرغبة والرهبة
وقيل النعمة لا تستدام بمثل الإنعام والقدرة لا تستبقي بمثل العفو
40 - قولهم اتخذت عنده يدا بيضاء ويدا غراء
أي نعمة مشهورة ويعني بالبياض والغرة الشهرة
وحكى ثعلب اتخذت عنده يدا خضراء فما نلت منه عرقا ) قال يريد ثوابا والعرق

الثواب وفرس عتيق عريق وهو المحض الذي لم يشبه شيء وأنشد
( إنما العيش شربها معرقات ... ومناغاة صاحبات الخدور )
وقال غيره المعرق الذي مزج مزاجا يسيرا
41 - قولهم إذا عز أخوك فهن
المثل لهذيل بن هبيرة التغلبي وكان اغار على بني ضبة فأقبل بما غنم فقال أصحابه اقسم بينا غنيمتنا فقال أخاف الطلب فأبوا الا القسم فقال ( إذا عز أخوك فهن ) وقسم بينهم ومعناه إذا صعب أخوك فلن فإنك إن صعبت أيضا كانت الفرقة يقال عز يعز عزة إذا اشتد وعز على كذا أي اشتد واستعز الوجع بالمريض أي اشتد وعز والأرض العزاز الصلبة الشديدة وعزنى في الخطاب اشتد فيه حتى غلبني
وهن من قولهم فلان هين لين إذا كان سهلا منقادا وليس من الهوان ورجل هين لين وهين لين لغتان قال الشاعر
( هينون لينون أيسار ذوو يسر ... أرباب مكرمة أبناء أيسار )
وتقول الفرس في معنى هذا المثل
( إذا ما حمار السوء لم يأت حمله ... نفارا فأدن الحمل منه وحمل )
وأخذ معاوية معنى هذا المثل فقال لو أن بيني وبين الناس شعرة ممدودة ما انقطعت لأني إذا مدوا أرسلت وإذا أرسلوا مددت
وقال زياد إياكم ومعاوية فإنه إذا طار الناس وقع وإذا وقعوا طار

قال الزجاج قوله فهن بضم الهاء خطأ إنما هو فهن بكسر الهاء قال وهن بالضم من الهوان وليس له ها هنا موضع وليس كما قال إنما هو من الهون وهو الرفق واللين وفي القرآن ( على الأرض هونا )
42 - قولهم إذا لم تغلب فاخلب
معناه إذا لم تدرك الحاجة بالغلبة والاستعلاء فاطلبها بالرفق والمداراة وأصل الخلابة الخداع ومنه قيل برق خلب إذا ومض من غير مطر كأنه يخدع الشائم وبه سميت المرأة خلوبا
وله وجه آخر وهو أنه يريد إذا لم تغلب عدوك بجلدك وقوتك فاخدعه وامكر به فإن المماكرة في الحرب أبلغ من المكاثرة والجلد وهو على حسب قول النبي ( الحرب خدعة ) أخبرنا أبو أحمد قال أخبرنا ابن أخي أبي زرعة قال حدثنا عمر قال حدثنا الحوضى قال حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال حدثنا معمر عن الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك بن كعب قال كان النبي قلما أراد سفرا او غزوا إلا ورى بغيره وكان يقول ( الحرب خدعة ) أو ( خدعة ) والوجه ( الخدعة ) بالفتح
وقال بعض الحكماء نفاذ الرأي في الحرب أنفع من الطعن والضرب

43 - قولهم إلا حظية فلا ألية
وهو في المعنى الأول أي إن أخطأتك الحظوة فيما تلتمس فلا تأل ان تتودد
وأصله في المرأة تصلف عند زوجها فتتحبب اليه ما أمكنها لتنال الحظوة عنده بالتحبب إليه إذا أخطأته الحظوة في المحبة منه فالألية ها هنا من قولك ألا الرجل يألو كما يقال علا يعلو إذا قصر
والألية أيضا اليمين آلى يولي إيلاء إذا حلف ومنه قوله عز و جل ( يولون من نسائهم )
44 - قولهم إن في الشر خيارا
معناه ان بعض الشر أهون أهون من بعض
وهو في مذهب قول طرفة
( أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر اهون من بعض )
وجاء رجل الى المبرد فقال له ما القبعض فقال القطن
قال وما الحجة قال قول الشاعر
( كأن على مشافرها قبعضا ... )
وسكت هنيهة ثم قال أين السائل عن قبعض فقام الرجل فقال له هذه

كلمة أخذت من طرفي كلمتين من بيت طرفة ( فاستبق بعضنا ) فتعجب الناس من سرعة جوابه وافتعاله المصراع حتى رد الخصم وأسكته ثم من فطنته للموضع الذي أخذت منه الكلمة
ومثل ذلك ما اخبرني به ابو القاسم الحاسب قال قلت لبعض المتعاصين للعربية ما العمال وأخذته من طرفي كلمتين ( ولم أعطكم في الطوع مالي ) فقال لي العمال حبل يشد به الحمار وأخرج مخرج نظائره فقالوا شكال للفرس وعقال للبعير
وعمال للحمار قال فتعجبت من حذقه بافتعال الخطأ وإخراجه إياه مخرج الصواب
ومن امثالهم في الشر والخير قول بعضهم ( ليس العاقل من يعرف الخير من الشر وإنما العاقل من يعرف خير الشرين )
45 - قولهم إلى أمه يلهف اللهفان
اللهفان المضطر المتحسر على الفائت
لهف يلهف لهفا وهو لهفان كما يقال عطش وهو عطشان
ويضرب مثلا للرجل يستغيث بأهل ثقته وهو على مذهب قول القطامي
( وإذا أصابك والحوادث جمة ... حدث حداك الى أخيك الأوثق )

46 - قولهم إنما يعاتب الأديم ذو البشرة
معناه إنما يراجع من تصلح مراجعته ويعاتب من الإخوان من لا يحمله العتاب على اللجاج فيما كره منه وعوتب من اجله
وأصله ان الجلد اذا لم تصلحه الدبغة الأولى أعيد في الدباغ إن كان ذا قوة ومسكة وترك إن كان ضعيفا لئلا يزيد ضعفا
وأصل البشرة ظاهر الجلد والأدمة باطنة
وعلى حسب ذلك يقول الشاعر
( وليس عتاب الناس للمرء نافعا ... إذا لم يكن للمرء لب يعاتبه )
وقد مدح العتاب وذم فالمدح قولهم
( ويبقى الود ما بقي العتاب ... )
والذم قولهم العتاب يبعث على التجني والتجني أخو المحاجة والمحاجة اخت العداوة والعداوة ام القطيعة
وقال آخر العتاب رسول الفرقة وداعي القلى وسبب السلوان وباعث الهجران
وقال بعض الأوائل سبيل من يأخذ على أيدي الأحداث الا يكدهم بالتوبيخ لئلا يضطروا الى القحة
وقال آخر العتاب داعية الاجتناب فإذا انبسطت المعاتبة انقبضت المصاحبة

وقال غيره حرك إخوانك ببعض العتاب لئلا يستعذبوا أخلاقك واغض عن بعض ما تنكر لئلا يوحشهم إلحاحك وهذا أقصد ما قيل في هذا المعنى
وكتبت الى بعض الإخوان العتاب مقدمة القطيعة وطليعة الفرقة فتجنبه قبل ان يجنبك حظك من السرور برؤية أحبائك وانتقل عنه قبل ان ينتقل بك عن مقر غبطتك بمشاهدة أودائك وإن لم تجد منه بدا فاقتصد فيه ولا تكثر منه فإن الكثير من المحبوب مملول فكيف من المكروه والاقتصاد في المحمود ممدوح فكيف المذموم
47 - قولهم أكلت يوم أكل الثور الأسود
يضرب مثلا للرجل فقد ناصره فلحقه الضيم من عدوه
وهو من أمثال كليلة وتمثل به علي عليه السلام حين اختلف عليه وعني قتل عثمان رضي الله عنه
وأصله فيما ذكر صاحب كليلة ان ثورين أسود وأبيض كانا في بعض المروج فكان الأسد إذا قصدهما تعاونا عليه فرداه فخلا يوما بالأبيض وقال له إن خليتني فأكلت الأسود خلا لك مرعاك وأعطيك عهدا ألا أطور بك فخلاه والأسود فأكله ثم عطف عليه فافترسه فقال ( إنما أكلت يوم أكل الثور الأسود ) وتخاذل القوم فيما بينهم من امارات شؤمهم ودلائل شقائهم

ولما حضرت قيس بن عاصم الوفاة أحضر بنيه فقال لهم ليأتني كل واحد منكم بعود فاجتمع عنده عيدان فجمعها وشدها وقال اكسروها فلم يطيقوا ذلك ثم فرقها فكسروها فقال هذا مثلكم في اجتماعكم وتفرقكم ثم أنشدهم لنفسه
( بصلاح ذات البين طول بقائكم ... إن مد في عمري وإن لم يمدد )
( حتى تلين جلودكم وقلوبكم ... لمسود منكم وغير مسود )
( إن القداح إذا جمعن فأمها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيد )
( عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالوهن والتكسير للمتبدد )
48 - قولهم أبصر وسم قدحك
أي تأمل أمرك
والقدح ما يستقسم به وهو الزلم
ووسمه العلامة التي فيه
يقول تأمل ذلك لتعرف ما لك وعليك
49 - قولهم إن الشفيق بسوء ظن مولع
وذلك ان المعني بالشيء لا يكاد يظن به الا المكروه ومن امثالهم في الشفيق قول القطامي

( ومعصية الشفيق عليك مما ... يزيدك مرة منه استماعا )
وقول وضاح اليمن
( قد كنت أشفق مما قد فجعت به ... إن كان يدفع عن ذي اللوعة الشفق )
50 - قولهم أخوك من صدقك
يعني به صدق المودة والنصيحة
وله معنى آخر وهو ان يصدقك عن عيوبك لأن عيوب كل نفس تستتر عنها وتظهر لغيرها
وقلت
( عز الكمال فما يحظى به أحد ... فكل خلق وإن لم يدر ذو عاب )
وعلى حسب هذا قالوا المرء مرآة أخيه وأخذ بعضهم هذا الكلام فقال أنا كالمرآة ألقى كل وجه بمثاله
وقال بعضهم ليس صديق المرء من لا يصدقه ويجوز أيضا ان يكون معناه إنه يصدقك عما تستخبره إياه ولا يكذبك فيما تسأله عنه
51 - قولهم أتاك ريان بلبنه
يضرب مثلا للرجل يعطيك لا من جود وكرم ولكن لكثرة ما عنده
وقال الشاعر
( ما كل جود الفتى يدني من الكرم ... )

ونحوه وإن لم يكن منه قول إبراهيم بن العباس
( لا تحمدن ابن سهل إن وجدت له ... فعلا جميلا ولا تعذل إذا زرما )
( فليس يمنع إبقاء على نشب ... وليس يعطى الذي يعطيه معتزما )
( لكنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما )
52 - قولهم استكرمت فاربط
53 - أقولهم اشدد يديك بغرزه
يقال ذلك لمن أفاد شيئا يغبط به وأصله في الفرس الكريم يصيبه الانسان فيحتفظ به
والغرز ركاب الرحل واغترز الرجل إذا وضع رجله في الغرز
وفي كلام لمعاوية اغترز في ركاب الفتنة حتى استوت على رجلها
54 - قولهم اطلب تظفر
55 - وقولهم ألق دلوك في الدلاء
يضرب مثلا في الحث على الاكتساب وترك التواني في طلب الرزق وهو من قول أبي الأسود الدؤلي

( وما طلب المعيشة بالتمني ... ولكن ألق دلوك في الدلاء )
( تجئك بملئها يوما ويوما ... تجيء بحمأة وقليل ماء )
وقال بعضهم ما أحب أني مكفى وان لي ما بين شرق إلى غرب قيل ولم قال كراهة عادة العجز
وقلت
( ألا لا يذم الدهر من كان عاجزا ... ولا يعذل الأقدار من كان وانيا )
( فمن لم تبلغه المعالى نفسه ... فغير جدير أن ينال المعاليا )
56 - قولهم احلب حلبا لك شطره
يضرب مثلا للرجل يعين صاحبه على أمر له فيه نصيب
والشطر وكذلك الشطير
وقال فضالة بن شريك
( أنصف امرىء من نصف حي يسبني ... لعمري لقد لا قيت خطبا من الخطب )
نصف أمري يعني أنه أعور وكان من بني الشطير وهم من كلب ومثل هذا بديع من معاني القدماء
وأخذ ذو الريا ستين هذا فكتب الى ذي اليمينين أخبرنا أبو أحمد عن الصولي عن أبي العيناء قال سمعت الحسن بن سهل يقول كتب إلى المأمون أن طاهر بن الحسين قال

( غضبت على الدنيا فجفت ضروعها ... فما الناس الا بين راج وخائف )
( قتلت أمير المؤمنين وإنما ... بقيت عناء بعده للخلائف )
( وقد بقيت في أم رأسي بقية ... فإما لحزم او لرأي مخالف )
فاغتم المأمون فرآه الفضل بن سهل كاسفا فقال ما بال أمير المؤمنين إن زأرك أسد فاقذف بي في لهواته فعرفه الخبر وأقرأه الشعر
فكتب الفضل الى طاهر قرأت كتابك يذكر عنك وساوس تكون عليك لا لك واما والله يا نصف إنسان لئن أفكرت لأهمن ولئن هممت لأفعلن ولئن فعلت لأبرمن ولئن أبرمت لأحكمن
وبعث اليه بالكتاب فكتب طاهر ما كل قول حق وما كل إبلاغ صدق وإنما أنا عبد استنصح فنصح إن أمسك عني استزدت وإن اعتمدت بإحسان شكرت فمنزلتي كمنزلة الأمة السوداء إن حمل عليها دندنت وإن رفهت أشرت وإن عوقبت فباستحقاق وان عوفيت فبإحسان
57 - قولهم - أنا غريرك من الأمر
يضرب مثلا للمعرفة بالشيء
ومعناه انا عالم بالأمر فسلني عنه على غرة مني لمعرفته وعلى غير استعداد مني له ولا روية فيه وأخرج الغرير مخرج خليط وعشير

58 - قولهم أتعلمني بضب أنا حرشته
يضرب مثلا لمعرفة الشيء من وجوهه
وأصل الحرش الأثر بالشيء وهو هاهنا بمعنى الإثارة وهو ان تثير الضب من جحره فتستخرجه والمثل المعروف ( هو أجل من الحرش )
وأصله في رموزهم ان الضب كان ينعت الحرش لحسوله وهي اولاده الواحد حسل ويقول لهن إذا أحسستن بالحرش فاصبرن ولا تخرجن من جحرتكن فصيد الضب ذات يوم فوضع رأسه على حجر وشدخ بحجر آخر فقلن له أهذا الحرش فقال هذا أجل من الحرش هذا الموت
59 - قولهم أعط القوس باريها
أي استعن على عملك بمن يحسنه وهو من قول القائل
( يا باري القوس بريا لست تحكمه ... لا نظلم القوس أعط القوس باريها )
وظلمه لها إفساده إياها
وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه
ونحو المثل قول الشاعر
( فخل مكانا لم تكن لتسده ... عزيزا على عبس وذبيان ذائدة )

وقال غيره
( الآن حين تعاطى القوس باريها ... )
وقال رسول الله ( استعينوا على كل صناعة بأهلها ) وقال بعض الخلفاء لرجل ما اطيب النقل فقال قال رسول الله ( استعينوا على كل صناعة بأهلها ) ولا يؤخذ علم هذا الا عن أبي نواس فإنه أعرف أهله به وأنشده قوله
( مالي في الناس كلهم مثل ... مائي خمر ونقلي القبل )
( يومي حتى إذا العيون هدت ... وحان نومي فمرقدي كفل )
وقريب من ذلك ما اخبرنا به أبو أحمد عن ابن دريد عن الرياشي عن ابن سلام قال قال بعض جلساء حماد الرواية بلغني ان للحلقيين أرحاما منكوسة فقال حماد لفتى الى جنبه اكتب هذا فإن أصح الحديث ما اخذ عن اهله
60 - قولهم أفواهها مجاسها
61 - وقولهم أراك بشر ما احار مشفر
يضرب مثلا للأمر يدل ظاهره على باطنه
وذلك ان الإبل إذا أحسنت الأكل اكتفى بذلك في معرفة صحتها وصلاحها عن جسها
ومثله ما أنشدناه أبو أحمد عن ابي بكر بن دريد عن الرياشي عن الأصمعي

( أطلس يخفي شخصه غباره ... في فمه شفرته وناره )
( هو الخبيث عينه فراره ... ممشاه ممشى الكلب وإزدجاره )
( بهم بني محارب مزداره ... )
وفي المثل ( إن الجواد عينه فراره ) معناه إن معاينتك الجواد تغنيك عن فراره
والفرار بالضم والكسر
وقولهم ( أراك بشر ما احار مشفر ) أي ما اعتلفته الدواب يتبين في أجسامها
ومثل المثل سواء ما روى ان بعضهم قال لأعرابي رآه جيد الكدنة أرى عليك قميصا صفيقا من نسج ضرسك فقال ذاك عنوان نعمة الله عندي
62 - قولهم أنجد من رأى حضنا
وهو في معنى الدلالة على الشيء
ومعناه ان من رأى حضنا وهو جبل بنجد فقد أتى نجدا وليس به حاجة الى السؤال عنه
ويقال أنجد الرجل إذا اتى نجدا واتهم إذا أتى تهامة وأعرق إذا اتى العراق وأشأم إذا اتى الشام وأعمن إذا اتى عمان وأيمن إذا أتى اليمن وأمنى إذا اتى منى وبصر وكوف من البصرة والكوفة
وأصل نجد الارتفاع وقيل للنجاد نجاد لأنه يحشو الثياب حتى ترتفع

63 - قولهم أن ترد الماء بماء أكيس
64 - وقولهم اشتر لنفسك وللسوق
يضرب مثلا للآخذ بالثقة والاحتياط
يقول الكيس ان ترد المنهل ومعك فضل ماء تزودته من منهل قبله
والكيس خلاف الحمق
وقال علي رضي الله عنه
( إما تراني كيسا مكيسا ... بنيت بعد نافع مخيسا )
( سوطا شديدا وأميرا كيسا ... )
وقال ابراهيم النخعي لمنصور بن المعتمر سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الأكياس وقال زيد الخيل
( أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا لم ينج الا المكيس )
وكانت تميم يدعون الغدر كيسان قال النمر بن تولب
( إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم ... الى الغدر أدنى من شبابهم المرد )

وقال بعضهم أصل الياء في الكيس واو وهو مثل الطيب يقال كوسى وطولى وليس كذلك وقال بعضهم
( قد ورد الماء بماء قيس ... وفي بني أم البنين كيس )
( على المتاع ما غبا غبيس ... )
يقال ( لا أفعل ذلك ما غبا غبيس ) أي لا أفعله أبدا يقال غبا يغبو وغبى يغبا إذا غاب عنه الذهن
وقال غيره
( رزقت بالحمق فالزم ما رزقت به ... ما يفعل الأحمق المرزوق بالكيس )
وقال جران العود وبهذا البيت سمى جران العود
( عمدت لعود فانتحيت جرانه ... وللكيس أدنى في الأمور وأنجح )
وقولهم ( اشتر لنفسك وللسوق ) أي اشتر ما إن أمسكته انتفعت به وإن لم ترده نفق عنك في البيع وروى عن عمر انه قال إذا اشتريت جملا فاشتره عظيما فإن أخطأك نفعه لم يخطئك سوق

65 - قولهم آخرها أقلها شربا
يحث به على التقدم في الأمر وأصله في سقي الإبل وذلك ان المتأخر عن الورد ربما جاء وقد مضى الناس بعفو الماء وصادف منه نفادا ولا يكون تأخير الورد عندهم الا من ذل أو عجز
ومن ذلك قول النجاشي
( إذا الله عادى أهل لؤم ودقة ... فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل )
( قبيلة لا يغدرون بذمة ... ولايظلمون الناس حبة خردل )
( ولايردون الماء الا عشية ... إذا صدر الوراد عن كل منهل )
وقال آخر يصف إبلا رأى أهل الماء سماتها فعرفوا شرف أربابها فخلى الورد لها
( قد سقيت آبالهم بالنار ... والنار قد تشفى من الأوار )
والنار السمة سميت بذلك لأنها بالنار تكون سماتها
وقال بعض اللصوص وقد ساق ابلا الى سوق ليبيعها
( تسألني الباعة أين نارها ... اذا زعزعوها فسمت أبصارها )
( كل نجار إبل نجارها ... وكل دار لأناس دارها )
( وكل نار العالمين نارها ... )

وقال الشاعر في الحث على التقدم في الأمور
( إذا ضيعت أول كل أمر ... أبت أعجازه الا التواء )
( وإن سومت أمرك كل وغد ... ضعيف كان امركما سواء )
( وإن داويت دينا بالتناسي ... وبالليان أخطأت الدواء )
وقلت
( ركوب لأعناق الأمور ولم يكن ... يدب على أعجازها متقفرا )
( إذا أدبر المطلوب عنك فخله ... فإن عناء أن تحاول مدبرا )
ومما يجري مع ذلك قول برج بن مسهر
( ( متى كان أمر الحي يوسى بحندج ... وقيس بن جزء شر دهرك آخره )
وجاء في تفسير هذا المثل قول آخر قال الأصمعي يراد به أن أقل الحاجة ما بقي
وأصله ان رجلا سقى لرجل إبلا فبقيت منها بقية فخشي ان يتركها ولا يسقيها فقال ( آخرها أقلها شربا ) أي بقية العمل أقل
والشرب النصيب من الماء
والشرب اسم يقال مقام المصدر
66 - قولهم أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك
يقول اتبع أمر من يخوفك عواقب إساءتك لتحذرها فتنجو ولا تتبع امر من يؤمنك المخوف فيورطك
ومثل ذلك قول الحسن إن من يخوفك حتى تلقى الأمن أشفق عليك ممن يؤمنك حتى تلقى الخوف
وفي خلافه قول الأول

( تخوفني صروف الدهر سلمى ... وكم من خائف ما لا يكون )
وقال غيره أكثر الخوف باطله وفيما اوحى الله تعالى الى بعض الأنبياء إني أخوفك لأقومك
وقلت في نحوه
( تؤدبه الأيام فيما يضره ... وكم ضرر للمرء فيه منافع )
وقلت
( يا نفس صبرا على ما كان من ضرر ... فرب منفعة تجنى من الضرر )
67 - قولهم إذا أردت المحاجزة فقبل المناجزة
68 - وقولهم إن الموصين بنو سهوان
يضرب الأول مثلا في تعجيل الفرار ممن لا طاقة لك به
والمحاجزة من قولهم حجزت بين الشيئين
والمناجزة سرعة القتال
والمثلان لدويد بن زيد بن نهد في وصيته لبنيه عند موته قال لهم يا بني أوصيكم بالناس شرا لا ترحموا لهم عبرة ولا تقيلوا لهم عثرة قصروا الأعنة وطولوا الأسنة واطعنوا شزرا واضربوا هبرا وإذا أردتم المحاجزة فقبل المناجزة والمرء يعجز لا المحالة بالجد لا بالكد التجلد ولا التبلد المنية ولا الدنية لا تأسوا على فائت وإن عز فقده ولا تحنوا الى ظاعن وإن ألف

قربه ولا تطمعوا فتطبعوا ولا تهنوا فتخرعوا ولا يكن لكم مثل السوء ( إن الموصين بنو سهوان )
ثم قال
( اليوم يبنى لدويد بيته ... يارب نهب صالح حويته )
( ورب قرن بطل أرديته ... ورب غيل حسن لويته )
( ومعصم مخضب ثنيته ... لو كان للدهر بلى أبليته )
( او كان قرني واحدا كفيته ... )
وقال
( ألقى علي الدهر رجلا ويدا ... والدهر ما أصلح يوما أفسدا )
( يفسد ما أصلحه اليوم غدا ... )
الطعن الشزر على أحد الجانبين
والنظر الشزر بمؤخر العين
والهبر من قولهم هبرت اللحم اذا قطعته قطعا كبارا وسيف هبار
والمحالة الحيلة والجد الحظ والطبع الدنس وأصله الصدأ الذي يركب الحديد
والوهن الضعف والخرع اللين
وقولهم ( إن الموصين بنهو سهوان ) الموصون جمع موصي وهو الذي توصيه بالشيء مرة بعد أخرى ومعناه توصيهم بالشيء وتؤكد عليهم ثم يسهون عما اوصوا ويتركونه ويحتجون بالسهو
وقيل يضرب مثلا للرجل الموثوق به ومعناه ان الذين يحتاجون إلى

الوصاة لحوائج إخوانهم إنما هم الذين يسهون عنها لقلة عنايتهم بها وأنت بحاجة أخيك معنى لا تحتاج الى وصاتك بها قال الشاعر
( وأكثر نسياني لما لا يهمني ... وإني لما أعني به لذكور )
69 - قولهم أعندي أنت ام في العكم وأعندي أنت أم في الربق
يضرب مثلا للرجل القليل الفهم
والعكم الحمل والعكم شده
والربق جمع ربقة وهي حبل تشد به البهيمة
وأما قولهم ( أمعنا أنت ام في الجيش ) فمعناه أعلينا انت ام لنا
70 - قولهم أفرخ روعك
أي زال ما كنت تخاف منه وقال ابن الأنباري أول ما قاله معاوية وذلك خطأ
وأول من قاله النبي أخبرنا أبو أحمد عن ابن الأنباري عن أبي العباس قال ولى معاوية زيادا البصرة واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة فلم يلبث ان مات المغيرة فتخوف زياد ان يستعمل مكانه عبد الله بن عامر فكتب اليه يشير عليه باستعمال الضحاك بن قيس وكتب اليه معاوية أفرخ روعك قد ضممناها إليك فقال زياد ( النبع يقرع بعضه بعضا ) فذهبت كلمتاهما مثلين
والروع الفزع وهذا وهم على ما ذكرناه والصحيح ما اخبرنا به أبو أحمد قال حدثنا عبد الوهاب بن عيسى قال حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي قال

حدثنا خلف بن خليفة عن أبي يزيد عن الشعبي عن عروة بن مضرس قال انتهيت الى النبي يجمع قبل ان يصلي الغداة فقلت يا نبي الله قد طويت الجبلين ولقيت شدة
فقال ( أفرخ روعك من أدرك إفاضتنا هذه فقد أدرك ) يعني الحج
أفرخ روعك أي زال ما كنت ترتاع له وتخاف وأصله خروج الفرخ من البيضة وانكشاف الغم عنه
قال ذو الرمة
( جذلان قد أفرخت عن روعة الكرب ... )
والروع في بيت ذي الرمة مضموم الراء وهو الخلد
71 - قولهم أخذنا في الدوس
قال الأصمعي يريد تسوية الخديعة وتزيينها من قولك داس السيف يدوسه إذا صقله والحجر الذي به يصقل به مدوس
وأخذنا في التزكين أي التشبيه وزكن عليه وزكم اذا شبه وكذلك الظن وما يضمر الإنسان يجري هذا المجرى وقد زكن الرجل وزكن بالتشديد
وأنشد
( يا أيهذا الكامش المزكن ... أعلن بما تخفي فإني معلن )
وقال آخر
( زكنت من أمرهم مثل الذي زكنوا ... )

72 - قولهم أحذر الصبيان لا تصبك بأعقائها
يقال ذلك في التخدير من صحبة من يعيبك من الوضعاء والأدنياء
وصحبة الدنىء تضع الشرف وتقصر الهمة وتخمد الذكر وتفسد الجاه ومثل الشريف يخالط الدنيء مثل المسك تخلطه بالرماد فيأتي على جميع محاسنه ويهلك سائر مفاخره وقلت في شريف خالط قوما أدنياء
( أراك تلفقت في جيفة ... فلم يجد انك من عنبر )
والأعقاء جمع عقى وهو الذي يخرج من الصبي ساعة يولد
والعقى بالفتح المصدر
وفي هذا المعنى قولهم صديق السوء كالقين ان لم يحرقك بناره يؤذك بدخانه
وقريب من هذا المعنى قول بعضهم لرجل لا تشرب النبيذ مع من تفتضح به واشربه مع من يفتضح بك
73 - قولهم أعور عينك والحجر
يضرب مثلا للتمادى في المكروه والمشفى منه على الهلكة فيقال له أبق على نفسك من أن يصيبك بتماديك ما يصيب الأعور اذا فقئت عينه الصحيحة فيبقى بلا بصر وكما ان الأعور أحق بالحذر على عينه فإنك أحق بمراجعة الحسنى لمقاربتك العطب

وروى ان أبا سفيان بن حرب ذهبت احدى عينيه ثم أصاب الأخرى حجر فقال أمسينا وأمسى الملك لله
وقال الأصمعي أصل هذا المثل ان غرابا وقع على دبرة ناقة فكره صاحبها أن يرميه فتثور الناقة وكره ان يتركه فيدمي الدبرة فجعل يشير إليه بالحجر ويقول ( أعور عينك والحجر )
ويقال للغراب الأعور لحدة بصره كما قيل للحبشي أبو البيضاء وللأبيض أبو الجون وللملدوغ السليم ثم استعمل المثل في المعنى الذي تقدم والحجر والعين منصوبان على الإغراء
74 - قولهم اتخذ الليل جملا
يضرب مثلا للرجل يجد في طلب الحاجة يقال شمر ذيلا وادرع ليلا
هكذا قال بعضهم وقال آخرون معناه ركب الليل في حاجته ولم ينم حتى نالها
وهو من امثال أكثم بن صيفي وأخذه أبو تمام فقال
( جعل الدجى جملا وودع راضيا ... بالهون يتخذ القعود قعودا )
وقال أكثر أيضا ( ادرعوا الليل فإن الليل أخفى للويل ) فأخذه الشاعر فقال
( لا تلق الا بليل من تواصله ... فالشمس نمامة والليل قواد )

وقلت
( وإنما النجح في ليل ترادفه ... إذا تأوب أو صبح تواكبه )
( وساهر الليل في الحاجات نائمة ... وواهب المال عند المجد كاسبة )
وقيل من كثر نومه اشتد فقره والصبحة مبخرة معجزة مجفرة والصبحة نوم الغداة وقال النابغة الجعدي
( وما طالب الحاجات في كل وجهة ... من الناس الا من أجد وشمرا )
( فلا ترض من عيش بدون ولا تنم ... وكيف ينام الليل من بات معسرا )
وقال رجل لبقراط كيف جمعت هذا العلم الكثير قال إني أنفدت من الزيت مثلما شربت من الماء
المجفرة المصدة عن النكاح يقال جفر الفحل اذا انصرف عن الإبل ولم يضربها
75 - قولهم أجر الأمور على أذلالها
يضرب مثلا للرفق بالأمر وحسن التدبير له ومعناه اجرها على وجوهها ومجاريها
وواحد الأذلال ذل وهو ضد الصعوبة
والمعنى أنك إذا أجريت الأمر على وجهه لم يصعب عليك أطراده
ونحوه قول الله تعالى ( وأتوا البيوت من أبوابها ) ونحوه قول قيس بن الخطيم
( إذا ما أتيت العز من غير بابه ... ضللت وإن تقصد من الباب تهتد )

76 - قولهم ارض من المركوب بالتعلق
يضرب مثلا للرضا بدون الحاجة أي ارض من الأمر بدون تمامه ومن العيش بدون الكفاف يحثه على القناعة
وأصله في الركوب يقال للرجل تعلق بعقبة تركبها والعقبة ان يركب قليلا ثم ينزل فيركب صاحبه وقد اعتقب القوم رواحلهم
ومن اجود ما جاء في القناعة والرضا بدون الحاجة قول أبي العتاهية
( أنت محتاج فقير أبدا ... دون ان ترضى بأدنى ما لديك )
وذم بعضهم القناعة فقال هي خلق البهائم إنها اذا وجدت أكلت وإن لم تجد باتت على خسف وأنشد
( ولا يقيم على ضيم يسام به ... الا الأذلان عير الحي والوتد )
( هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد )
وقلت في هذا النحو
( سأستعطف الأيام حتى تردني ... إلى جانب منها يلين ويسهل )
( وأقنع لا أن القناعة لى هوى ... ولكن صون العرض بالحر أجمل )

77 - قولهم اصنعه صنعة من طب لمن حب
يقال ذلك لمن يلتمس منه النيقة في الشيء أي اصنعه صنعة حاذق لمن يحبه
وطببت يارجل وطببت أي حذقت
وحب مثل أحب وجعلوا الفاعل من أحب فقالوا هو محب والمفعول به من حب فقالوا هو محبوب
هذا هو الأكثر وربما قالوا محب كما قال عنترة
( ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم )
وقال الفرزدق
( وقد علموا أني أطب وأعرف ... )
وفحل طب إذا كان بصيرا بالضراب لا يدع حائلا ولا يقرب لاقحا
والطب السحر والمطبوب المسحور والطب أيضا الداء
قال الشاعر
( وما إن صبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا )
وأنشد أبو تمام
( وما إن طبها الا اللغوب ... )
أي ما بها داء الا الإعياء

78 - قولهم أتبع الفرس لجامها
يضرب مثلا للرجل قضى الحاجة ولم يتمها
يقول جدت بالفرس واللجام أيسر خطبا ولا غناء بالفرس دونه فإذا منعته فكأنك لم تجد بالفرس
والمثل لعمر بن ثعلبة من كلب وكان ضرار بن عمرو الضبي أغار على كلب فساق في الغنيمة سلمى بنت وائل وكانت امه لعمرو بن ثعلبة وهي ام النعمان بن المنذر ومعها أمها وأختاها فسأله عمرو ردهن فردهن غير سلمى وكانت أعجبته فقال عمرو ( أتبع الفرس لجامها ) فردها فسارت الكلمة مثلا
وأخذه البحتري فقال يصف فرسا
( ترى أحجالة يصعدن فيه ... صعود البرق في الغيم الجهام )
( وما حسن بأن تهديه فذا ... سليب السرج منزوع اللجام )
( فأتمم ما مننت به وأنعم ... فما المعروف الا بالتمام )
وقال في موضع آخر
( والطرف أجلب زائر لمؤونة ... مالم تزره بسرجه ولجامه )
وأخذ هذا المعنى من أبي العيناء

79 - قولهم أوردها سعد وسعد مشتمل
يضرب مثلا لإدراك الحاجة بلا تعب ولا مشقة يعني انه أورد إبله شريعة الماء فشربت واشتمل هو بكسائه ونام ولم يوردها بئرا فيحتاج إلى الاستقاء لها
وهو مثل قولهم ( أهون السقي التشريع ) أي إ يراد الإبل الشريعة هكذا فسره بعضهم والصحيح أنه يضرب مثلا للرجل يقصر في الأمر ايثارا للراحة على المشقة والدليل على ذلك قوله
( ما هكذا تورد يا سعد الإبل ... )
أي ما هكذا يكون القيام في الأمور
والمثل لمالك بن زيد مناة بن تميم ورأى اخاه سعدا أورد إبله ولم يحسن القيام عليها فقال ذلك وكان مالك آبل أهل زمانه على حمقه وسنذكر قصته على التمام بعد إن شاء الله
وخرج قوم في خلافة علي عليه السلام سفرا فقتلوا بعضهم فلما رجعوا طالبهم علي رضي الله عنه وأمر شريحا بالنظر في أمرهم فحكم بإقامة البينة فقال علي عليه السلام
( أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا تورد يا سعد الإبل )
أراد أنه قصر ولم يستقص كتقصير صاحب الإبل في تركها واشتماله ولومه
ثم فرق بينهم وسألهم واحدا واحدا فاختلفوا عليه فلم يزل يبحث حتى أقروا فقتلهم وذلك أول ما فرق بين الخصوم

80 - قولهم إلادة فلادة
فسر على وجوه فقال بعضهم يضرب مثلا للرجل يطلب شيئا فإذا منعه طلب غيره
وقال الأصمعي لا أدري ما أصله وقال غيره أصله ان بعض الكهان تنافر اليه رجلان فامتحناه فقالا له في أي شيء جئناك قال في كذا قالا لا فأعاد النظر وقال إلادة فلادة أي إن لم يكن هذا فليس غيره ثم أخبرهما وقال آخرون معناه إن لم يكن ذلك الان لم يكن أبدا يغريه به وأنشد قول رؤبة
( وقول إلادة فلادة ... )
أي إن لم يكن هذا الآن لم يكن بعد
وقال الخليل يقال إن قول رؤبة ( إلادة فلادة ) فارسي حكى صوت ظئره وكانت العرب تقول إذا رأى الرجل ثأره إلا ده فلا ده أي إن لم تثأر فلا تثأر أبدا
81 - قولهم اسق أخاك النمري
يضرب مثلا لكل من طلب الشيء مرارا
وأصله ان كعب بن مامة الإيادي خرج في ركب في حمارة القيظ فلما كانوا بالدهناء عطشوا فجعلوا يقسمون الماء على الحصاة فشرب القوم حصصهم فلما بلغ الشرب كعبا

نظر اليه شمر بن مالك النمري فقال كعب للساقي ( اسق أخاك النمري ) فساروا ثم نزلوا فاقتسموا الماء فلما بلغ الشرب كعبا نظر إليه النمري فأمر له بنصيبه فأدركه الموت فاستكن تحت شجرة وقد قربوا من الماء فقيل له ( رد كعب إنك وارد ) فذهبت مثلا ومات فقال مامة أبوه يرثيه
( أوفى على الماء كعب ثم قيل له ... رد كعب إنك وارد فما وردا )
( ما كان من سوقة أسقى على ظمأ ... خمرا بماء إذا ناجودها بردا )
( من ابن مامة كعب ثم عي به ... زو المنية الا حرة وقدى )
وهذا أسخى الناس لأنه جاد بما فيه حياته على حسب قول مسلم بن الوليد
( يجود بالنفس أذ ضن الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود )
وزو المنية قدرها
وكان كعب اذا جاوره رجل فمات وداه وإذا مات له بعير أو شاة أخلف عليه
وقدى فعلى من الوقود والحرة حرارة الجوف من العطش
82 - قولهم أخلف رويعيا مظنة
يضرب مثلا في الحاجة تلتمس فيحول دونها حائل

وأصله ان راعيا قد عرف مكانا معشبا فقصده فصادف عارضا يمنعه من رعيه
والرويعي تصغير الراعي ومثله قولهم ( قد علقت دلوك دلو أخرى ) أي عرض في أمرك عارض ونحوه قول يزيد بن معاوية
( باعت على بيعك ام مسكين )
وله حديث نذكره
ومثله قولهم
( والأمر يحدث بعده الأمر )
قال الشاعر في إخلاف الظن
( ظننت به ظنا فقصر دونه ... فيا رب مظنون به الخير يخلف )
( وما الناس بالناس الذين عرفتهم ... وما الدار بالدار التي كنت تعرف )
( وما كل من تهواه يهواك قلبه ... وما كل من انصفته لك ينصف )
83 - قولهم أسائر اليوم وقد زال الظهر
يضرب مثلا للحاجة يوءس منها ويرجع بالخيبة عنها أي تطمع فيها وقد تبين لك اليأس من نيلها
ومعناه أسائر اليوم يقال هذا ضارب زيد غدا بمعنى ضارب زيد غدا
وفي القرآن ( كل نفس ذائقة الموت ) بمعنى ( دائقة الموت ) وفي خلاف هذا المعنى قول الشاعر

( أجارتنا إن القداح كواذب ... وأكثر أسباب النجاح مع اليأس )
ومن امثالهم في اليأس قول الشاعر
( وأجمعت يأسا لا لبانة بعده ... ولليأس أدنى للعفاف من الطمع )
وقول الحطيئة
( ولا ترى طاردا للحر كالياس ... )
84 - قولهم آخر الداء الكي
قال ابو بكر المثل السائر ( آخر الداء الكي ) ورد بعض أهل اللغة هذا وقال إنما هو ( آخر الدواء الكي )
يضرب مثلا لما يصلح بالشدة ولا ينجع فيه اللين
وفي مثل ( من أبعد أدوائها تكوى الإبل )
85 - قولهم إذا نام ظالع الكلاب
يضرب مثلا لتأخير الحاجة ثم قضائها في غير وقتها وذلك ان الظالع من الكلاب لا يقدر ان يعاظل مع صحاحها لضعفه فهو يؤخر ذلك وينتظر فراغ آخرها فلا ينام حتى إذا سفد كلها سفد هو

والظالع الغامز من شيء يصيب رجله
وأصله في المائل لأن الغامز إذا غمز مال إلى جانب وقال النابغة
( وتترك خصما ظالما وهو ظالع ... )
أي مائلا عن الحق
86 - قولهم أرسل حكيما ولا توصه
المثل للزبير بن عبد المطلب في أبيات له معروفة أولها
( إذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما ولا توصه )
( وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيبا ولا تعصه )
( ولا تنطق الدهر في مجلس ... حديثا إذا انت لم تحصه )
( ونص الحديث الى اهله ... فإن الوثيقة في نصه )
( وذو الحق لا تنتقص حقه ... فإن القطيعة في نقصه )
فهذا هو قول الزبير
وقال غيره إذا أرسلته ولم توصه ولم تعرفه ما في نفسك وما تحتاج إليه من حوائجك وكلفته ان يبلغ مرادك فيها فقد سمته علم الغيب
والصحيح أن يقال أرسل حكيما واوصه كما قال الشاعر

( إذا أرسلت في أمر رسولا ... فأفهمه وأرسله حكيما )
وقالت الحكماء الرسول دليل على عقل مرسله
ومن اجود ما قيل في صفة الرسول قول عمرو بن أبي ربيعة
( فأتتها طبة عالمة ... تخلط الجد مرارا باللعب )
( ترفع الصوت إذا لا نت لها ... وتراخى عند سورات الغضب )
وسمع ابن أبي عتيق هذا الشعر فقال نحن منذ قتل عثمان رضي الله عنه في طلب من هذا صفته لنوليه الخلافة ولسنا نجده
وقال غيره
( ترفق في رسولك يا أميري ... فإني من رسولك في غرور )
( أحمله رسالاتي فينسى ... ويبلغك القليل من الكثير )
( إذا كان الرسول كذا بليدا ... تكسرت الحوائج في الصدور )
( فأرسل من إ ذا لحظته عيني ... حكى لك طرفه ما في ضميرى )
87 - قولهم أرغوا لها حوارها تقر
يضرب مثلا لإغاثة الملهوف بقضاء حاجته ليسكن والناقة إذا سمعت

رغاء حوارها سكنت
ويروى هذا المثل على وجه آخر وهو ( حرك لها حوارها تحن ) ومعناه ان تذكر الرجل بعض أشجانه فيهتاج
والمثل لمعاوية رضي الله عنه أخبرنا أبو القاسم عن القعدي عن أبي جعفر عن المدائني قال كتب معاوية إلى علي رضي الله عنه كتابا في تسليمه قتلة عثمان رضي الله عنه إليه ليبايعه على الخلافة وأنفذه مع أبي مسلم الخولاني فلما قرأ علي الكتاب قال من حوله كلنا قتلنا عثمان فقال أبو مسلم أرى قوما ليس لك معهم امر ولو أردت دفعهم الينا لمنعوك فورد على معاوية وقال إن القوم قد أقروا بقتل ابن عمك فاطلب بثأرك فصعد المنبر ودعا بقميص عثمان فنشره فبكى الناس فقال معاوية ( حرك لها حوارها تحن ) وبايعه القوم على الطلب بدم عثمان
فكتب الى علي رضي الله عنه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ثم أدرج الكتاب وبعث به إليه مع رجل من بني عبس وعنوانه ( من معاوية الى علي ) ففك علي عليه السلام الكتاب فلم ير فيه شيئا فقال للرجل هل أمرك بتبليغ رسالة قال لا ولكن أخبرك أني خلفت بالشام خمسين ألفا قد أخضلت لحاهم تحت قميص عثمان قد رفعوه على الرماح وعاهدوا الله الا يكفوا حتى يموتوا او يقتلوا قتلته يتواصون بذلك ليلهم ونهارهم وتركوا ( تعس الشيطان ) ويقولون ( تعس قاتل عثمان )
قال يريدون ماذا قال خيط رقبتك قال تربت يداك فقال صلة بن

زفر العبسي او قبيصة بن ضبيعة بئس والله الوافد تخوفنا ببكاء اهل الشام على قميص عثمان فوالله ما هو بقميص يوسف ولا حزن يعقوب ولئن بكوا عليه بالشام لقد خذلوه بالحجاز
ثم رحل علي رضي الله عنه إلى الشام فكانت وقعة صفين
88 - قولهم أحشفا وسوء كيلة
89 - وقولهم أكسفا وإمساكا
يضرب مثلا لجمعك على الرجل ضربين من الخسران ونوعين من النقصان
والكيلة ضرب من الكيل مثل القعدة والجلسة والحشف ردئ التمر
يقول تعطي الحشف وتسيء الكيل وقال بعض الشعراء
( إن كنت لا تلطفيني فاقبلي لطفي ... لا تجمعي لي سوء الكيل والحشفا )
والعامة تقول حشفا وسوء كيل
والصواب كيلة بالكسر لأنهم انكروا نوعا من الكيل سيئا
والكيلة النوع من الكيل ونصبوا حشفا بفعل مضمر يريدون أتجمع حشفا وعطفوا الكيلة عليه
وقولهم ( أكسفا وإمساكا ) أصله ان يلقاك بعبوس مع بخل والبشر الحسن إحدى العطيتين
وقيل البشر علم من أعلام النجح واول من مدح بالبشر عند السؤال زهير في قوله

( تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي انت سائله )
وقال غيره من المحدثين
( إذا ما اتاه السائلون توقدت ... عليهم مصابيه الطلاوة والبشر )
( له في بني الحاجات أيد كأنها ... مواقع ماء المزن في البلد القفر )
وقلت
( وقد يونس الزوار منك إذا التقوا ... سخاء عليه للطلاقة شاهد )
( بدائع أفعال تناهى جمالها ... فهن لأعناق الليالي قلائد )
( مشهرة في العالمين كأنما ... على صفحات الليل منها فراقد )
ولبعضهم على خلاف شعر زهير قال
( تراه إذا ما جئته متعبسا ... كأنه بالمنقاش تنتف شاربه )
وقال محمد بن حازم الباهلي في خلاف ذلك
( ولا يقنع الراجين أهل ومرحب ... )
ونحوه قول جحظة
( قائل إن شدوت أحسنت زدني ... وبأحسنت لا يباع الدقيق )
90 - قولهم أغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية
يضرب مثلا لإجتماع نوعين من الشر وهو نحو الأول
والمثل لعامر بن الطفيل وقد وفد على النبي ومعه

أربد أخو لبيد فقال أسلم على ان يكون لك المدر ولي الوبر وأن تجعل لي الأمر بعدك
فقال النبي ( لا ولا وبرة ) فخرج وقال لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا فدعا النبي عليهما فأخذت أربد صاعقة فمات وضربت عامرا الغدة وهي طاعون الإبل فمال إلى بيت سلولية وجعل يقول ( أغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ) وسلول من أذل العرب والمعنى انه جمع له ضربان من الذلة
وقال الشاعر يذكر ذلة سلول
( الى الله أشكو أنني بت طاهرا ... فجاء سلولي فبال على رجلي )
( فقلت اقطعوها بارك الله فيكم ... فأني كريم غير مدخلها رحلي )
91 - قولهم أغيرة وجبنا
يضرب مثلا للرجل يجتمع فيه عيبان وأصله ان رجلا تخلف على قتال عدوه وترك الحي يقاتلون ثم رأى امرأته تنظر الى القتال فضربها فقالت ( أغيرة وجبنا ) فذمت هذه المرأة الغيرة وهي من احمد أخلاق الرجال
وقال جرير يمدح الحجاج
( أم من يغار على النساء حفيظة ... إذ لا يثقن بغيرة الأزواج )

وقال ابو نواس
( ومن دون عورات النساء غيور ... )
قال إبراهيم بن المهدي في المعتصم وقد نالت الروم طرفا من أطراف المسلمين
( يا غيرة الله قد عاينت فانتقمى ... تلك النساء وما منهن يرتكب )
( فهب الرجال على اجرامها قتلت ... ما بال اطفالها بالذبح تنتحب )
وهو اول من قال ( يا غيرة الله ) فخرج المعتصم من وقته الى الروم فكان فتح عمورية
ورأى رجل مع امرأته رجلا فقتله فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقتلته قال نعم قال أحسنت ومن يعد فعد
وقريب من معنى المثل قول الشاعر
( جهلا علينا وجبنا عن عدوكم ... لبئست الخلتان الجهل والجبن )
92 - قولهم إذا ادعيت الباطل أنجح بك
يضرب مثلا للرجل يدعي الباطل فيدال منه
وأصله ان امرأة من العرب كانت تحت شيخ فرأت شبابا ينتعلون من قيام فتمنت ان تكون تحت احدهم فقالت ( حبذا المنتعلون من قيام ) فقال زوجها أنا أنتعل قائما فلما رام ذلك ضرط فقالت المرأة ( إذا ادعيت الباطل أنجح بك ) أي أنجح بك الباطل خصمك

93 - قولهم إنك لا تجني من الشوك العنب
المثل لأكثم بن صيفى ومعناه إذا ظلمت فاحذر الانتصار وإذا أسأت فثق بسوء الجزاء
وأخذه الشاعر فقال
( إذا وترت امرأ فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا )
94 - قولهم أخبر تقله
أخبر لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر يقول إذا خبرتهم قليتهم والمثل لأبى الدرداء فيما زعم بعضهم وروى عن النبي أيضا
وشرحه ابن الرومي فقال
( دعتني الى فضل معروفكم ... وجوه مناظرها معجبة )
( فأخلفتم ما توسمته ... وقل حميد على التجربة )
( وكنت حسبت فلما حسبت ... عفى الحساب على المحسبة )
( ظلمتكم لا تطيب العروق ... إلا وأعراقها طيبة )
( فهل تعذروني كعذريكم ... بأن أصولكم المذنبة )
والهاء في تقله مثلها في قولهم يا زيد امشه ويا امرؤ استوه
وتدخل لبيان الحركة
والقلى البغض قليته أبغضته
وفي القرآن ( إني لعملكم من القالين )

وقال زهير
( لعمرك والأمور مغيرات ... وفي طول المعاشرة التقالي )
( لقد باليت مظعن ام اوفى ... ولكن أم أوفى ما تبالي )
95 - قولهم أنا تئق وصاحبي مئق فكيف نتفق
التئق السريع الى الشر والمئق السريع البكاء
يضرب مثلا لسوء الموافقة في الأخلاق
وقالوا التئق الممتلىء غضبا يقال أتأقت الإناء إذا ملأته
والمئق القليل الاحتمال الجزوع من أدنى مكروه
وأصله ان رجلين كانا في سفر فساءت أخلاقهما فقال احدهما ذلك والسفر يورث ضيق الأخلاق
وقالوا لا تعرف أخاك حتى تغضبه أو تسافر معه
وسمي السفر سفرا لأنه يسفر عن الأخلاق أي يكشف عنها وسميت المكنسة مسفرة لأنها تسفر التراب عن وجه الأرض فتنكشف كما تسفر المرأة نقابها عن وجهها
وقالوا الحريص والمسافر مريضان لا يعادان
وقال بعضهم يمدح رجلا
( أبلج بسام وإن طال السفر )
وقال علي رضي الله عنه السفر ميزان القوم

96 - قولهم أعطى العبد كراعا فطلب ذراعا
يضرب مثلا للرجل الشره يعطي الشيء فيأخذه ويطلب اكثر منه
والمثل لأم عمرو بن عدي جارية مالك وعقيل ندماني جذيمة وذلك ان عمرو بن عدى ابن اخت جذيمة فقد زمانا ثم ظفر به مالك وعقيل فقدما له طعاما فأكله واستزاد فقالت ام عمرو ( أعطي العبد كراعا فطلب ذراعا ) ثم جلس معهما على شراب فجعلت تسقيهما وتدعه فقال عمرو
( تصد الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا )
( وما شر الثلاثة ام عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا )
ثم عرفاه فقد ما به على جذيمة فاستجلسهما فنادماه ولم ينادمه احد قبلهما وكان يزعم انه ليس في الأرض من يصلح لمنادمته ذهابا بنفسه فكان ينادم الفرقدين يشرب قدحا ويصب لكل كوكب منهما قدحا حتى نادمه مالك وعقيل فقال متمم بن نويرة
( وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهرحتى قيل لن يتصدعا )
( فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا )
يعني كنا كالفرقدين لا نفترق
وقال غيره

( تقول أراه بعد عروة لاهيا ... وذلك رزء لو علمت جليل )
( فلا تحسبى أني تناسيت عهده ... ولكن صبرى يا اميم جميل )
( ألم تعلمي ان قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل )
97 - قولهم إنك لا تشكو الى مصمت
يضرب مثلا لقلة اهتمام الرجل بشأن صاحبه وأصله قول الشاعر يخاطب جمله
( إنك لا تشكو الى مصمت ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت )
ونحوه قول الراجز
( يشكو الى جملى طول السرى ... يا جملى ليس الى المشتكى )
( الدرهمان كلفاني ما ترى ... شد الجواليق وجذبا بالبرى )
( صبرا قليلا فكلانا مبتلى ... )
والمصمت المشكى المعتب وأصله من الصمت وهو انك إذا شكوته أعتبك فتصمت عن الشكاية
98 - قولهم استنت الفصال حتى القرعى
يضرب مثلا للرجل يفعل ما ليس له بأهل وأصله أن الفصال اذا استنت

صحاحها نظرت إليها القرعى فاستنت معها فسقطت من ضعفها والاستنان هاهنا العدو والقرع بثر يخرج بالفصال فتجر على السباخ فتبرأ
يقال قرعت الفصيل إذا فعلت به ذلك كما يقال قردته إذا نزعت عنه القردان
والفرس تقول في معنى هذا المثل رأت فأرة خيلا تنعل فرفعت رجلها
ومما هو في معنى هذا المثل من الشعر قول بشار
( فيأيها الطالب المبتغي ... نجوم السماء بسعي امم )
( سمعت بمكرمة ابن العلاء ... فأنشأت تطلبها لست ثم )
وقول أبي تمام
( هيهات منك غبار ذاك الموكب ... )
99 - قولهم إن هلك عير فعير في الرباط
يضرب مثلا للشيء يقدر على العوض منه فيستخف بفقده
والرباط الحبل الذي تربط به الدابة وسميت الخيل رباطا لأنها تربط بإزاء العدو في الثغر ويربط العدو بإزائها خيله يعد كل لصاحبه وفي القرآن ( ومن رباط الخيل )
وقلت في هذا المعنى
( ومن يك ممدوحا بنظم يصوغه ... فإنك ممدوح بك النظم والنثر )
( فإن يك بعض الأكرمين يعقنى ... فإنك مد البحر إن أخلف القطر )

ونحو المثل قول كثير
( هل وصل عزة إلا وصل غانية ... في وصل غانية من وصلها بدل )
100 - قولهم اختلط المرعى بالهمل
101 - واختلط الخائر بالزباد
102 - واختلط الحابل بالنابل
كل ذلك يضرب مثلا في اختلاط الأمر على القوم حتى لا يعرفوا وجهه
والهمل المهملة التي لا راعى معها
و ( اختلط الخاثر بالزباد ) شبيه بقولهم ( لا يدري أيخثر ام يذيب ) وأصله الزبد يذاب فيفسد ولا يدري ايجعل سمنا ويترك زبدا ومنه قول بشر
( فكنتم كذات القدر لم تدر إذ غلت ... أتنزلها مذمومة ام تذيبها )
والحابل صاحب الحبالة وهي شبكة الصائد
والنابل صاحب النبل وذلك ان يجتمع القناص فيختلط أصحاب النبال بأصحاب الحبائل فلا يصاد شيء وإنما يصاد في الانفراد
103 - قولهم أحشك وتروثنى
يضرب مثلا لسوء الجزاء
وهو لرجل يخاطب فرسه يقول أجز له

الحشيش وأعلفه إياه وهو يروث عليه
يقال حش الفرس إذا علفه الحشيش وحش النار إذا طرح عليها الحشيش لتشتعل وحش الولد في البطن إذا يبس
والحش البستان لغة مدنية ثم سمى الكنيف حشا لأن أهل المدينة كانوا يقضون حوائجهم في البساتين والحشيش اليابس من النبات ولا يقال للرطب حشيش إنما يقال له الرطب والكلأ والخلى مقصور
ومن امثالهم في سوء الجزاء قول عبد الرحمن بن الحكم
( عدوك يخشى صولتى إن لقيته ... وانت عدوى ليس ذاك بمستوى )
وقال معبد بن مسلم
( لددتهم النصيحة كل لد ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاءوا )
( فكيف بهم وإن أحسنت قالوا ... أسأت وإن غفرت لهم أساءوا )
104 - قولهم أجع كلبك يتبعك
يضرب مثلا للئيم تذله فيطيعك
ومثله قول الآخر
( إكرامك الأحمق مما يفسده ... إدناؤك الأحمق مما يبعده )
( وقربه اهون شيء تفقده ... )
وقلت
( داريتكم حينا فأبطرتكم ... وليس للعير سوى الضرب )
وقال البحتري
( ولو أخفت لئيم القوم جنبنى ... أذاته وصديق الكلب ضاربه )

وحبس المنصور أرزاق الجند وقال ( أجع كلبك يتبعك ) فقيل له ربما اجعته فتبع غيرك فوقر في نفسه وأخرج المال وأعطاهم
105 - قولهم أساء رعيا فسقى
يضرب مثلا للرجل يفسد الأمر ثم يريد إصلاحه فيزيده فسادا
وأصله أن يسىء الراعى رعى الإبل نهاره حتى إذا أراد إراحتها إلى اهلها كره أن يظهر لهم سوء أثره عليها فيسقيها الماء حتى تمتلىء أجوافها فيزيدها ذلك ضررا
ويقولون ( رعى فأقصب ) وذاك أنه إذا أساء رعيها ولم يشبعها من الكلأ لم تشرب وإنما الشرب على العلف
يقال بعير قاصب إذا امتنع من الشرب وصاحبه مقصب وقال الأصمعى ( أساء رعيا فسقى مقصبا ) يضرب مثلا للرجل لا يحكم العمل لصعوبته عليه فيميل الى ما هو اهون
106 - قولهم أجناؤها أبناؤها
يضرب مثلا للرجل يعمل الشيء بغير رؤية ولا نظر فيتعنى فيه ثم يحتاج الى نقضه
والأجناء جمع جان والأبناء جمع بان وهذا جمع قليل ومثله شاهد وأشهاد وصاحب وأصحاب ويجوز ان يكون الأصحاب جمع صحب يجمع الصاحب صحبا ثم يجمع الصحب أصحابا

وأصله ان بنتا لبعض ملوك اليمن أرادت إنشاء بناء كرهه ابوها فنهاها عنه ثم خرج في وجه فأشار عليها قوم بإنشائه فأنشأته فلما رآه الملك الزمهم هدمه وقال ( أجناؤها أبناؤها ) وجعلهم البناة لإشارتهم بالبناء
ونحو المثل وليس منه بعينه
( ومن لا يمكن رجله مطمئنة ... ليثبتها في مستوى الأرض يزلق )
وقال بعضهم دع الرأي يغب فإن غبوبه يكشف لكم عن فصه
107 - قولهم إن ضج فزده وقرا
يضرب مثلا للشدة على البخيل ولإذلال الرجل والحمل عليه إذا دخله الإباء والعزة ومثله ( إن أعيا فزده نوطا وإن جرجر فزده ثقلا ) يقول إذا بخل فألحح عليه حتى تستخرج منه
ومثله ( اعصبه عصب السلمة ) والسلمة شجرة مفترشة الأغصان فإذا ارادوا قطعها عصبوا أغصانها أى شدوها حتى يصلوا إلى أصلها فيقطعوه وقال الحجاج لأعصبنكم عصب السلمة
والعصب الشد عصب رأسه إذا شده والعصابة للرأس خاصة والعصاب لسائر الجسد
والجرجرة صوت البعير إذا ضجر
والنوط كل ما علق على البعير وغيره والجمع الأنواط ونطته نوطا إذا علقته وهو منوط ونوط إذا سمي بالمصدر
ويقال هو مناط الثريا أي بحيث لا يدرك
والنوطة أيضا بوتقة الصائغ

ونحو المثل قول طهمان
( خليلي إني اليوم شاك اليكما ... وهل ينفع الشكوى الى من يزيدها )
( وكائن ترى من ذي هوى حيل دونه ... ومتبع إلف نظرة لا يعيدها )
108 - قولهم إن الجبان حتفه من فوقه
المثل لعمرو بن مامة حين اراد جعيد قتله فقال
( لقد عرفت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه )
( كل امرىء مقاتل عن طوقه ... والثور يحمي جلده بروقه )
يقول ليس ينجى الجبان حذره من المنية ونحوه قول عنترة
( بكرت تخوفني الحتوف كأنني ... أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل )
( فأجبتها إن المنية منهل ... لابد ان أسقي بذاك المنهل )
وقال المتنبي
( وإذا لم يكن من الموت بد ... فمن العجز ان تكون جبانا )
وقلت
( لا تجبنن فكم جبان محجم ... قد مات موت الباسل المتوثب )
( وليمنح الأعداء صلبا صلبا ... وليس للجلى بقلب قلب )
( وليغد في تعب يرح في راحة ... إن الأمور مريحها في المتعب )

وقال اكثم بن صيفي لا ينفع مما هو واقع التوقي
ونحو هذا قول المتنبي
( يموت راعي الضأن في جهله ... موتة جالينوس في طبه )
وسيجيء خبر عمرو بن مامة على التمام في الباب الثالث والعشرين إن شاء الله تعالى وحده
109 - قولهم أفلت وانحص الذنب
110 - وأفلت بجريعة الذقن
يضرب مثلا للرجل ينجو من الهلكة بعد الإشفاء عليها
والمثل لمعاوية ابن أبي سفيان وذلك انه أرسل رجلا من غسان الى الروم وجعل له ثلاث ديات على ان ينادي بالأذان عند باب ملكهم ففعل فوثب عليه البطارقة ليقتلوه فمنعهم الملك وقال إنما اراد مرسله ان نقتله فيقتل كل مستأمن منا عنده ويهدم كل بيعة لنا قبله ثم أكرمه وجهزه فلما رآه معاوية قال ( أفلت وانحص الذنب ) فقال كلا إنه لبهلبه ثم حدثه الحديث فقال لقد أصاب ما أردت
وغير بعضهم لفظ هذا المثل فقال
( حتى نجوت وما عليك قميص ... )
وفي مثل آخر ( أفلت وله حصاص ) والحصاص العدو الشديد

وقيل هو الضراط
والهلب شعر الذنب وغيره والانحصاص سقوط الشعر حتى ينجرد موضعه
وقولهم ( أفلت بجريعة الذقن ) أي أفلت من الهلكة بعد أن قرب منها كقرب الجرعة من الذقن
وقيل معناه أفلت ونفسه في شدقة ولا يقال انفلت عند البصريين والصواب عندهم أفلت كما يقال أقلع السحاب وأقشع قال امرؤ القيس
( وأفلتهن علباء جريضا ... ولو أدركنه صفر الوطاب )
أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل
يضرب مثلا للرجل يتهدد عدوه وليس على عدوه منه ضرر
والمثل لكعب بن زهير قاله لأبيه زهير وكان الحارث بن ورقاء الصيداوي من بني أسيد اغار على إبل زهير فذهب بها وبراعيها يسار فجعل زهير يهجوه ويتهدده في مثل قوله
( يا حار لا ارمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك )
( اردد يسارا ولا تعنف علي ولا ... تمعك بعرضك إن الغادر المعك )
( تعلمنها لعمر الله ذا قسما ... واقدر بذرعك وانظر أين تنسلك )
( لئن حللت بجو من بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك )

( ليأتنك مني منطق قذع ... باق كما دنس القبطية الودك )
فلما اكثر من هجائهم وهم لا يكترثون قال له ابنه كعب ( أوسعهتم سبا وأودوا بالإبل ) أي ليس عليهم من هجائك إياهم كبير ضرر عند انفسهم وقد أودوا بإبلك فأضروا بك
112 - قولهم ارق على ظلعك واقدر بذرعك
يقال للرجل يجاوز طوره في الأمر ومعناه ارفق بنفسك فإنك ظالع لا تحملها على ما لا تطيق وذلك ان الظالع لا يكلف ما يكلفه الصحيح
وا ( ارق ) من قولهم رقيت في السلم والدرجة والجبل والظالع إذا رقى تمهل ولم يستعجل
وقولهم ( اقدر بذرعك ) أي تكلف ما تطيق
والذرع من قولهم ضاق به ذرعى وأصله من قولك ذرعت الشيء إذا قدرته بذراعك ذرعا وهو في مذهب قول الفرس مد رجلك حيث تنال ثوبك
ونحوه قول الشاعر
( فاعمد لما تعلو فما في الذي ... لا تستطيع من الأمور يدان )
وقال عمرو بن معدي كرب
( إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه الى ما تستطيع )

113 - قولهم إذا جاء الحين حار العين
الحين الأجل ويقال له بالفارسية هوش
وحار تحير
وقال ناظم كتاب كليلة
( ما لقي الناس من الآجال ... كأنها مصيدة الآمال )
ولم يقولوا هاهنا حارت العين لتقدم الفعل الفاعل ولأن الإسم المؤنث الذي لا علم فيه للتأنيث وليس تأنيثه حقيقيا ربما ذكر مثل العين والأذن والسماء والأرض وقد قال الشاعر
( والعين بالإثمد الحارى مكحول ... )
ولم يقل مكحولة
ويقال في هذا المعنى ( إذا جاء القدر عشي البصر ) وقال نافع بن الأزرق لابن عباس تقول إن الهدهد إذا نقر الأرض عرف مسافة ما بينه وبين الماء فكيف لا يبصر شعيرة الفخ حتى يصاد فقال ابن عباس إذا جاء القدر عشي البصر
ومثله قول أكثم بن صيفي ( من مأمنه يؤتى الحذر )
وقال الآخر
( وكيف توقى ظهر ما انت راكبه ... )
أي كيف تنجو مما انت حاصل فيه

وقال أوس بن حارثة لابنه إنما تعز من ترى ويعزك من لا ترى
وقلت
( وقد يعرض المحذور من حيث يرتجى ... ويمكنك المرجو من حيث يتقى )
وقيل لا ينفع سهولة المطلب مع وعورة القدر ولا يغنى الحذر إذا حم القدر وإذا حم القدر دم البصر وإذا أبرم القدر حسن الظفر وإذا حان القضاء ضاق القضاء
وقال الشاعر
( ذهب الفضاء بحيلة المحتال ... )
ومعنى قوله ( دم البصر ) أي سد كأنه طلي بشيء من قولك دممت القدر إذا طليتها بالطحال
114 - قولهم أتتك بحائن رجلاه
يضرب مثلا للرجل يسعى الى المكروه حتى يقع فيه
والمثل للحارث بن جبلة الغساني وكان المنذربن المنذر قال لحرملة بن عسلة اهج الحارث ابن جبلة فقال إن غسان أخوالي ولا يحسن بى هجاؤهم
فتهدده فقال
( ألم تر أني بلغت المشيبا ... لدى دار قومي عفا كسوبا )
( وأن الإله تنصفته ... بألا أعق وألا أحوبا )

( وألا اكاثر ذا نعمة ... وألا ارد أمرأ مستثيبا )
( وغسان قومي هم ما هم ... فهل ينسينهم ان اعيبا )
( فوزع بها بعض من يعتريك ... فإن لها من معد كليبا )
فانتدب ابن العيف فقال
( لاهم إن الحارث بن جبلة ... زنى على ابيه ثم قتله )
( وركب الشادخة المحجلة ... فأي شيء سىء لا فعله )
قوله زنى على أبيه أي ضيق عليه وأصله زنأ بالهمز فترك همزه وهي لغة
ثم خرج ابن العيف في جيش المنذر لقتال الحارث فالتقوا بعين أباغ فقتل المنذر وأسر ابن العيف فجيء به الحارث فقال ( أتتك بحائن رجلاه ) فأرسلها مثلا ثم قال له اختر إحدى ثلاث إما أن اطرحك من طمار وهو حصن دمشق وإما أن يضربك الدلامص سيافي ضربة بالسيف فإن نجوت نجوت وإن هلكت هلكت وإما ان أطرحك بين يدي الأسد
فاختار ضربة الدلامص فضربه فدق منكبه فعولج فبرىء وصار به خبل والخبل الاسترخاء
والحائن الذي حان اجله أي دنا وأتى الحارث بحرملة فحكمه فاختار قينتين كانتا له فأعطاه اياهما فانطلق بهما ونزل منزلا يشرب هو ورجل من النمر يقال له كعب فلما سكر النمري قال له قل لهذه الحمراء تقبلني فضربه بالسيف وقال
( يا كعب إنك لو قصرت على ... حسن الندام وقلة الجرم )

( وسماع مدجنة تعللنا ... حتى نؤوب تناوم العجم )
( لوجدت فينا ما تحاول من ... طيب الشراب ولذة الطعم )
( وغدوت والنمري يحسبه ... عم السماك وصاحب النجم )
( جسد به نضح الدماء كما ... قنأت أنامل قاطف الكرم )
( والخمر ليست من أخيك إذا ... جعلت تخون بآمن الحلم )
ونحو المثل قول الشاعر
( الحين مجلوب إليه الحائن ... )
وقول الآخر
( أتيح له القلوب من بطن قرقري ... وقد يجلب الشر البعيد الجوالب )
115 - قولهم إن الشقي وافد البراجم
المثل لعمرو بن هند وكان سويد بن ربيعة التميمي قتل اخا له وهرب فقتل عمرو تسعة من ولده وحلف ليقتلن مائة من قومه فقتل ثمانية وتسعين رجلا منهم إحراقا بالنار فرأى رجل من البراجم وهم من تميم الدخان يرتفع فقال إن الملك يطعم الناس فقصده فلما دنا قال له عمرو ممن انت قال من البراجم قال ( إن الشقي وافد البراجم ) وأمر به فألقي في النار ثم

أتى بالحمراء بنت ضمرة فأحرقها وتحلل من يمينه فلهذا ولقصة المشقر عيرت بنو تميم بحب الطعام فقال بعض الشعراء
( إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك ان يعيش فجيء بزاد )
وقال آخر
( ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبون الطعاما )
والعرب تذم الشهوان الرغيب ولهذا قال أعشى باهلة يمدح المنتشر بقلة الأكل
( تكفيه حزة فلذ إن ألم بها ... من الشواء ويروى شربه الغمر )
وقال النبي ( الرغب شؤم ) يعني كثرة الأكل وشدة النهم وقال الشاعر
( لاتحسبن كل موقد يقرى ... )

116 - قولهم إذا ما القارظ العنزي آبا
يضرب مثلا للغائب لا يرجى إيابه
والقارظ الذي يجتني القرظ
وهما قارظان الأول منهما يذكر بن عنزة وكان من حديثه ان خزيمة بن نهد عشق ابنته فاطمة بنت يذكر فقال
( إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا )
( ظننت بها وظن المرء حوب ... وإن اوفى وإن سكن الحجونا )
( وحالت دون ذلك من هموم ... هموم تخرج الداء الدفينا )
ولم يعلم انه قتله حتى قال يشبب بفاطمة
( فتاة كأن رضاب العصير ... بفيها يعل به الزنجيل )
( قتلت أباها على حبها ... فتبخل إن بخلت او تنيل )
وقوله أردفت أي ردفت يقول إذا رأيت الجوزاء والثريا استبهم على موضع نزولهم فظننت بهم الظنون لأنهم يرتحلون من موضع إلى موضع لقلة مياههم في الصيف فمرة أقول إنهم بمكان كذا وأخرى اقول بل هم بغيره
وشبيه بهذا قول الآخر يذكر امرأة فارقته
( وزالت زوال الشمس عن مستقرها ... فمن مخبري في أي أرض غروبها )

فذهب يذكر وخزيمة يجتنيان القرظ فمرا ببئر فيها نحل فدلى خزيمة يذكر فيها بحبل ليشتار العسل ثم رفع الحبل وقال لا اخرجك حتى تزوجني ابنتك فاطمة فقال أعلى هذه الحال وأبى ان يفعل فتركه وانصرف فمات ووقع الشر بين قضاعة وربيعة
والآخر رهم بن عامر العنزي ذهب يطلب القرظ فلم يرجع ولم يعرف له خبر وذكرهما ابو ذؤيب فقال
( وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في القتلى كليب لوائل )
وقال بشر
( فرجى الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزي آبا )
117 - قولهم أحس وذق
يضرب مثلا للشماتة بالجاني ومعناه انك قد جنيت الشر على نفسك فالق ما فيه من البلية وهو من قول الراجز
( أيا يزيد يا بن عمرو بن الصعق ... قد كنت حذرتك آل المصطلق )
( وقلت يا هذا أطعني وانطلق ... إنك ان كلفتني ما لم أطق )
( ساءك ما سرك مني من خلق ... دونك ما استحسنته فاحس وذق )
ومر ابو سفيان على حمزة صريعا يوم احد فقال ذق عقق
معناه يا عقق وعقق يتكلم به في النداء ولا يقال رجل عقق وهو فعل من

العقوق
ونحوه قال الله تعالى ( ليذوق وبال امره )
وقال ابن المفرغ
( فذق كالذي قد ذاق منك معاشر ... لعبت بهم إذا انت بالناس تلعب )
وقال غيره
( فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوب )
ونحوه قول ابن الرومي
( أحوجه الله إلى مثله ... يوما لكي يجزى بأفعاله )
118 - قولهم أشئت عقيل الى عقلك
يضرب مثلا للرجل ينفرد برأيه فيقع في مكروه
وعقيل تصغير عاقل مرخما وأشئت وأجئت وألجئت سواء أشاءه يشيئه إذا ألجأه واما شاءه يشاءه فإذا طر به قال الشاعر
( مر الحمول فما شأونك نقرة ... ولقد أراك تشاء بالأظعان )
وشآه يشآه إذا سبقه والشأو السبق يقال لا يدرك شأوه أي غايته في السبق
وقال الشاعر في المعنى الأول
( وإني قد يشاء إلى يوما ... فلا أنسى البلاء ولا أضيع )

ويراد بالمثل الحث على المشاورة ومجانبة الاستبداد
ولكل شيء مادة ومادة العقل التجربة والمشورة
وقد احسن الشاعر في قوله
( خليلي ليس الرأي في صدر واحد ... أشيرا علي اليوم ما تريان )
وقالت الروم نحن لا نملك من يستشير وقالت الفرس نحن لا نملك من لا يستشير
119 - قولهم أتى أبد على لبد
والأبد الدهر ويقال لا أفعل ذاك أبد الأبيد والأبيد تبع للأبد يضرب مثلا للشىء القديم ولبد النسر السابع من نسور لقمان بن عاد وكان يأخذ النسر صغيرا فيما زعموا فيربيه حتى يكبر فإذا مات اخذ نسرا آخر حتى استكمل عمر سبعة أنسر وكان لبد سابعا
ويقال إن النسر يعيش أربعمائة سنة
قالوا وكان لما ضعف بصره يميز بين الذكر والأ نثى من ولد الذر ويبصر أثر الذرة السوداء في الليلة المظلمة على الصفا وهذا من اكاذيبهم قال النابغة
( أخنى عليها الذي أخنى على لبد ... )
وجمع الأبد آباد وشيء مؤبد دائم

وقال صاحب المقصورة
( اودى بلقمان وقد نال المنى ... في العمر حتى ذاق منه ما اشتهى )
( أعطى أعمار نسور سبعة ... يفضي إلى نسر إذا نسر خلا )
أي مضى
والخالي الماضي
وكان معاذ بن مسلم طعن في خمسين ومائة سنة فصحب بني امية في بعض دولتهم ثم صحب بني العباس فقال الشاعر
( إن معاذ بن سالم رجل ... ليس لميقات عمره أمد )
( قد شاب رأس الزمان واكتهل الدهر ... وأثواب عمره جدد )
( قل لمعاذ إذا مررت به ... قد ضج من طول عمرك الأبد )
( يا بكر حواء كم تعيش وكم ... تسحب ذيل الحياة يالبد )
( قد أصبحت دار آدم خربت ... وانت فيها كأنك الوتد )
( تسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد )
( مصححا كالظليم ترفل في ... برديك مثل السعير تتقد )
( صاحبت نوحا وردت بغلة ذي القرنين ... شيخا لولدك الولد )
( فارحل ودعنا فإن غايتك الموت ... وإن شد ركنك الجلد )

120 - قولهم إحدى لياليك فهيسي هيسي
وبعده
( لا تطمعي عندي في التعريس )
يضرب مثلا للرجل ينزل به الأمر الصعب فيحتاج فيه الى التعب
والهيس هاهنا الجد في السير هاس يهيس هيسا
والتعريس النزول في وجه السحر يقول هذا وقت جدك وانكماشك فجد وانكمش ومثله قول الآخر
( هذا اوان الشد فاشتدي زيم )
وقول الآخر
( هذا أواني وأوان المعلوب ... )
يعني سيفه
121 - قولهم
( إن الحماة اولعت بالكنة ... واولعت كنتها بالظنه )
يضرب مثلا للقوم بينهم معاملة وخلطة لا غنى بهم عنها ولا تزال المشارة تقع فيما بينهم
والكنة امرأة الأخ يقال لها بالفارسية هم يبور وهي الحماة أيضا
والظنة التهمة ورجل ظنين متهم
وقال عبد الحميد الكاتب الناس اخياف مختلفون وأطوار متباينون فمنهم علق مضنة لا يباع وغل مظنة لا يبتاع وظننت بالرجل اتهمته

122 - قولهم اسع بجد او دع
يقول إن طلبت فاطلب بجد والا فدع فإنه لا يغني عنك الكد مع عدم الجد
والجد الحظ من الخير يجعله الله للعبد ومنه قول الشاعر
( تقلبت إن كل التقلب نافعي ... وبالجد يسعى المرء لا بالتقلب )
ونحوه قول الحارث بن حلزة
( فعش بجد لا يضرك ... النوك ما اعطيت جدا )
( فضعي قناعك إن رأيت ... الدهر قد أفنى معدا )
أي ضعي قناعك فقد ذهب من يستحي منه
وروى بعضهم انه رأى العتابي على حمار خير من مائة دينار وبيده جزرة يأكلها فقال له ما هذا فقال إذا ذهب من ترجوه فالناس أقل من النقد وقلت في نحو ذلك
( غضبوا عليك فخلهم ... من لا يعلك فلا يهلكا )
وقال الاخر
( عش بجد ولا يضرنك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود )
وقلت
( إذا قمت في أمر وجدك قاعد ... فلست لعمر الله فيه بقائم )

123 - قولهم أضرطا وانت الأعلى
يضرب مثلا للرجل يجتمع له أسباب الغلبة والقهر وهو مغلوب مقهور
والمثل لسليك بن سلكة التميمي وذلك انه افتقر مرة فخرج على رجليه رجاء ان يصيب غرة إنسان فيذهب بماله فبينا هو نائم في ليلة مقمرة جثم عليه رجل وقال له استأسر فقال له سليك ( الليل طويل وانت مقمر ) فذهبت مثلا ثم ضمه سليك ضمة ضرط منها وهو فوقه فقال ( أضرطا وانت الأعلى ) فذهبت مثلا وإذا الرجل في مثل حاله فاصطحبا وانضاف اليهما آخر حاله كحالهما فمروا بالجوف وهو واد فرأوه ملآن من النعم فأنى سليك الرعاء فسألهم عن الحي فإذا هم خلوف بعيد مكانهم فقال ألا أغنيكم قالوا بلى فرفع عقيرته وقال
( يا صاحبي الا لاحى في الوادي ... الا عبيد وآم بين أذواد )
( أتنظران قليلا ريث غفلتهم ... ام تعدوان فإن الريح للعادي )
وطردوا الإبل فذهبوا بها
والريح القوة والغلبة وفي القرآن ( وتذهب ريحكم ) أي قوتكم

124 - قولهم آكل لحمي ولا أدعه لآكل
يضرب مثلا للرجل يصيب نفسه وعشيرته بالمكروه ويأبى ان يصيبهم به غيره
والمثل للعيار بن عبد الله الضبي وكان وفد إلى النعمان بن المنذر فأنشده
( لاأذبح النازي الشبوب ولا ... أسلخ يوم المقامة العنقا )
( لا آكل القت في الشتاء ولا ... أخيط ثوبي إذا هو انخرقا )
القت حب أسود من ثمر العشب تطبخه العرب وتأكله في الجدب فقال له ضرار بن عمرو بعد ذلك لو ذبحت لنا هذا التيس لتيس عندهم وسلخته لشكرناك ففعل فأخبر ضرار النعمان بذلك فأحضرره وأنشدوا البيت فضحك منه
وكان ضرار بن عمرو أعرج فعمد العيار الى خلته فلبسها وخرج يتعارج حتى إذا صار إزاء النعمان قعد يتغوط فغضب النعمان على ضرار ومنعه حضور طعامه حتى حلف انه ما فعل ولكن العيار كاده فارتفع بينهما الكلام حتى تشاتما ثم وقع بين ضرار وبين أبي مرحب اليربوعي

كلام فنال ابو مرحب من ضرار فرد عليه العيار فقال له النعمان أتذب عن ضرار وقد فعل ما فعل وقلت فيه ما قلت فقال ( آكل لحمي ولا ادعه لآكل ) فأرسلها مثلا فقال له النعمان ( لا تعدم من ابن عم نصرا ) وقيل لرجل ما تقول في ابن العم فقال عدوك وعدو عدوك
ونحو المثل قول الممزق
( فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق )
125 - قولهم استه أضيق
يقال ذلك للرجل يخبر عنه بالأمر الجليل لا يبلغه قدره ولا يكون له عليه قدرة
والمثل لمهلهل قاله حين اخبر ان جاساسا قتل كليبا وكان كليب سيد ربيعة واعز اهل زمانه فكان الناس لا يسقون ولا يرعون الا ما فضل عن كليب وكان يقول أجرت وحش أرض كذا فلا يصاد فقيل ( أعز من كليب ) فوردت ناقة لخاله جساس بن مرة مع ابل كليب وكانت عطشى فأسرعت الى الماء فرماها كليب في ضرعها فركب جساس حتى أتى كليبا وقتله ثم رجع فمر على مهلهل وهمام بن مرة أخي جساس وهما يضربان بالقداح وقيل يشربان فقال همام لقد جاء جساس بسوءة والله ما رأيت فخذه خارجة قبل اليوم قط فلما دنا من همام أخبره الخبر فتغير وجهه فقال مهلهل

ماشأنك وكان كل واحد منهما لا يكاتم صاحبه فقال إنه ذكر انه قتل أخاك كليبا فقال ( استه أضيق ) ثم عرف صحة الخبر فدعا قومه الى الطلب بدمه فنشبت الحرب بين بكر وتغلب واعتزلها الحارث بن عباد حتى قتل مهلهل ابنه بجيرا وقال هذا بشسع كليب فقال الحارث
( قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال )
( قربا مربط النعامة مني ... إن قتل الكريم بالشسع غالي )
( قرباها فإن كفى رهن ... أن تزول الجبال قبل الرجال )
( لم اكن من جناتها علم الله ... وإني بحرها اليوم صالي )
فقاتلهم وأسر مهلهلا والحارث بن عباد ما يعرفه فقال والله لتدلني على مهلهل او لأضربن عنقك فقال له فإذا دللتك عليه فأنا آمن قال نعم فتوثق منه ثم قال أنا مهلهل فقال أولى لك وخلاه وقال
( لهف نفسي على عدي وقد أشعر ... للحرب واحتوته اليدان )
( فارس يضرب الكتيبة بالسيف ... وتسمو امامه العينان )
( ليت شعري هل أظفرن بأخرى ... مثلها مرة بغير أمان )
وكانت الحرب بينهم أربعين سنة حتى قتل جساس وأخوه همام بن مرة قتله ناشرة وكان غلاما منبوذا يذكر انه من بني تغلب فالتقطه همام فلما التقوا يوم القصيبات جعل همام يقاتل فإذا عطش جاء الى قربة يشرب منها ويضع عنزته فوجد ناشرة منه غفلة فشد عليه بالعنزة فقتله فقال شاعرهم

( لقد عيل الأيتام طعنة ناشره ... أناشر لازالت يمينك آشرة )
أي مأشورة مقطوعة بالمنشار ثم لحق مهلهل باليمن فهلك بها وقبل بل رجع إلى الجزيرة ثم هلك
126 - قولهم آخر البز على القلوص
يقال ذلك عند آخر العهد بالشيء وعند انقطاع أثره وذهاب امره
وأصله ان كثيف بن زهير التغلبي أغار على بكر بن وائل فأسره منهم مالك ابن كومة وعمرو بن زبان فتنازعا فيه كل يدعي أسره ثم حكموه فقال لولا مالك ألفيت في أهلي ولولا عمرو لم أوسر أي كلاهما أسرني
فغضب عمرو فلطمه وتركه مالك في يده فانصرف عمرو به وأخذ منه الفدية وخلاه فقال كثيف اللهم إن لم تصب بني زبان بقارعة قبل الحول لم أصل لك أبدا فخرج بنو زبان وهم سبعة في طلب إبل لهم ومعهم رجل من غفيلة يقال لو خوتعة فلما وقعوا قريبا من ارض بني تغلب انطلق خوتعة إلى كثيف فعرفه خبرهم فخرج حتى لحقهم فقال له عمرو إن في وجهي وفاء من وجهك فخذ لطمتك مني ولا تشب الحرب بين بني أبيك وقد اطفأها الله فأبى وضرب اعناقهم وجعل رءوسهم في جوالق وعلقه في عنق ناقة لهم يقال لها الدهيم فلما رآها أبوهم قال اظن بني أصابوا ببعض نعام ثم اهوى بيده في الجوالق فإذا رءوس بنيه فقال ( آخر البز على القلوص ) أي هم آخر

المتاع وهذا آخر عهدهم فذهبت مثلا
وقال الناس ( أثقل من حمل الدهيم ) و ( أشأم من خوتعة )
والبز متاع البيت من الثياب خاصة وقال الراجز
( أحسن بيت اهرا وبزا ... )
يقال بيت حسن الظهرة والأهرة إذا كان حسن الهيئة والمتاع
127 - قولهم إيت فقد أنى لك
أي قرب هلاكك أنى يأنى إذا قرب
وأصله ان زبان جعل لله على نفسه ألا يحرم دم غفيلي أبدا حتى يدلوه كما دلوا عليه فمكث سنين فبينما هو جالس بفناء بيته عشاء إذا هو براكب فقال من انت فقال رجل من غفيلة فقال له ( إبت فقد انى لك ) فقال له الغفيلي هل لك في أربعين أهل بيت من بني زهير منتدين في موضع كذا فنادى في اولاد ثعلبه فاجتمعوا ثم سار حتى إذا كان قريبا منهم بعث مالك بن كومة طليعة فقال مالك فنمت على فرسي فما شعرت حتى عبت فرسى في مقراة بين البيوت فكبحتها فتأخرت على عقبيها فسمعت جارية تقول لآبيها يا أبه أتمشي الخيل على اعقابها قال وماذاك يا بنية قالت لقد رأيت فرسا تمشي على أعقابها قال نامي يا بنية فإني أبغض الفتاة ان تكون كلوء العين

بالليل ورجع مالك الى الزبان فأغار عليهم فقتل منهم نيفا وأربعين رجلا وأصاب فيهم جيرانا لهم من بني يشكر فقال مرقش أخو بني قيس بن ثعلبة
( أتاني لسان بني عامر ... فجلت احاديثهم عن بصر )
( فلم يشعر القوم حتى رأوا ... بريق القوانس فوق الغرر )
( ففرقنهم ثم جمعنهم ... وأصدرنهم قبل حين الصدر )
( فيارب شلو تخطرفنه ... كريم لدى مزحف او مكر )
( وآخر شاص ترى جلده ... كقشر القتادة غب المطر )
( وكائن بجمران من مزعف ... ومن خاضع خده منعفر )
وقال الزبان يعتذر الى بني يشكر من أبيات
( ولم نقتلكم بدم ولكن ... رماح القوم تخطىء او تصيب )
128 - قولهم إن الشقي ترى له أعلاما
جاء به الأصمعي في الأمثال ومعناه ان علامات شقاء الشقي بادية عليه والفرس تقول الديوث يعرف من بعيد ومما بسبيل ذلك قولهم
( وعلى المريب شواهد لا تدفع ... )
وقول الآخر
( إن الأمور إذا دنت لزوالها ... فعلامة الإدبار فيها تظهر )

ومن امثالهم في الشقاء قولهم
( إن الشقي بكل حبل يخنق ... )
وقولهم
( إن الشقاء على الأشقين مصبوب ... )
وقولهم
( وبالأشقين ما حل العقاب ... )
129 - قولهم استى أخبثى
يضرب مثلا لوضع الأحمق الشيء في غير موضعه
وأصله ان سعد بن زيد مناة زوج اخاه مالكا وكان يحمق النوار بنت جل بن عدي بن زيد مناة فلما كان ليلة هدائها وقف به سعد على باب خبائها فقال له ( لج مال ولجت الرجم ) فذهبت مثلا والرجم القبر فدخل وقعد حجرة وقال لامرأته لمن هذا البرد لبرد كان عليها فقالت هو لك بما فيه فقال اما ما فيه فلا اريده واما البرد فهاتيه ثم قالت له ضع شملتك قال ظهري احفظ لها فقالت فضع العصا قال يدي أحرز لها قالت فاخلع نعليك

قال رجلاي احق بهما فقامت إليه فشم رائحة الطيب فوثب عليها فنال منها فجاءته بطيب ليعاودها فجعله في استه فقالت له طيب مفرقك فقال ( استى أخبثى ) فبات عندها ليلته فلما أصبح حركه بطنه فأحدث عندها وقال لها ( بقطيه بطبك ) فذهبت مثلا وسنفسره وانصرف الى إبله ولم يعد إليها
130 - قولهم است البائن أعلم
يضرب مثلا للرجل يفعل الفعل على علم ويأتى الأمر على بصيرة
وأصله ان إبلا لأبي طماح عمرو بن قعين شردت فوقعت في بلاد بني عوف بن سعد فركب منقذ بن الطماح فأناخ الى كسر بيت عظيم وفيه شاب جميل مضاجع لربة البيت قد غلبته عينه قال فلم ألبث ان راح الشاء ثم الإبل ومعها رجل على فرس فصهل الفرس فارتاحت الخيل وقامت العبيد فعرفت أنه رب البيت وان الفتى المضاجع للمرأة ليس منها في شيء فدخلت البيت فاحتملت الفتى وأخرجته من وراء البيت فاستيقظ وقال قد أنعمت علي فمن انت قلت منقذ بن الطماح قال في الإبل جئت قلت نعم قال ادركت فامكث ليلتك هذه عند صاحب رحلك فإذا أصبحت فائت ذلك العلم الذي ترى فقف عليه وناد يا صباحاه فإذا اجتمع الناس فإني سآتيك على فرس ذنوب بين بردين مترجلا فأعرض لك الفرس فثب

خلفي وناد ياحار ياحار المخاض فإذا هو الحارث بن ظالم ففعلت ما قال وحولت رحلي إليه فمكثت أياما لا يصنع شيئا ثم قال لي سبني تغضب عشيرتي قلت لا أفعل قال فقل قولا لا يعذرني به قومي فمكثت حتى وردت النعم وجعلت أسقي وأرتجز وكان في إبلي ناقة يقال لها اللفاع فقلت
( إني سمعت رنة اللفاع ... في النعم المقسم الأوزاع )
( لا تؤكلى العام ولا تضاعي ... ذلك راعيك ونعم الراعي )
( منتطقا بصارم قطاع ... يشقى به مجامع الصداع )
فاخترط الحارث سيفه قال
( هل يخرجن ذودك ضرب تشذيب ... ونسب في الحي غير مأشوب )
( هذا اواني واوان المعلوب ... )
يعني سيفه
ثم نادى في الحي من كان عنده من هذه الإبل شيء فلا يصدره فردت كلها الا اللفاع فانطلق وانطلقت معه نطوف عليها فوجدناها مع رجلين يحتلبانها فقال الحارث خليا عنها فليست لكما فقال المستعلي بل هي لنا فضرط البائن والبائن الذي يحلب من الشق الأيمن والمستعلي الذي يحلب من الشق الأيسر فقال الحارث ( است البائن اعلم ) فأرسلت مثلا وردت إلى منقذ فانصرف بها

131 - قولهم أصم عما ساءه سميع
يضرب مثلا للرجل يتغافل عما يكره ومن اجود ما قيل في هذا المعنى قول بشار
( قل ما بدا لك من زور ومن كذب ... حلمي أصم وأذني غير صماء )
وقيل العاقل الفطن المتغافل
وقلت
( تغافل فليس السرو الا التغافل ... وليس سقوط القدر الا التعاقل )
( ولا تتجاهل إن منيت بجاهل ... فليس فساد الجاه الا التجاهل )
( ولا تتطاول إن تطاول أحمق ... فرأس حماقات الرجال التطاول )
وقال الأحنف وجدت الحلم أنصر لي من الرجال
وقال الحجاج لابن القرية ما الأدب قال تجرع الغصة حتى تنال الفرصة
وقال خالد بن صفوان شهدت عمرو بن عبيد ورجل يشتمه فقال آجرك الله على ما ذكرت من صواب وغفر لك ما ذكرت من خطأ فما حسدت أحدا حسدي عمرا على هاتين الكلمتين
وقال غيره أغض على القذى والا فإنك لا ترضى أبدا
وقلت في معناه
( وإنك إن أذيت بكل سوء ... فليس بمنقض أبدا أذاكا )

132 - قولهم است المرأة أحق بالمحمر
المثل للأحنف بن قيس أخبرنا ابو القاسم عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثنا العقدي قال حدثنا ابو جعفر احمد بن الحارث عن المدائني عن مشيخة بني محارب عن عبد الرحمن بن سكن عن ابيه ان الأحنف لم تتعلق عليه الا ست خصال قوله في أمر الزبير لما اتاه الحماني فقال هذا الزبير قد مر آنفا فقال ما أصنع به قد جمع بين غارين فقتل بعضهم بعضا ثم يريد ان ينجو الى أهله فتبعه ابن جرموز فقتله فقال الناس قتله الأحنف
وقال حين أتاه كتاب الحسن بن علي رضي الله عنهما يستنصره قد بلونا حسنا وآل أبي حسن فلم نجد لهم إيالة في الملك ولا صيانة للمال ولا مكيدة في الحرب ولم يجبه
وقوله أيام ابي مسعود للمرأة التى اتته بمجمرة فقالت تجمر فقال ( است المرأة أحق بالمجمر ) وقوله للمتات بن يزيد اسكت يا اويدر وكان آدر
وقوله للقطري بن الفجاءة إن ابا نعامة إن أشار على القوم فركبوا البغال وحثوا الخيل وأصبحوا ببلد وامسوا بغيره فأقمن ان يطول امرهم فأخذ قطري بن الفجاءة بقوله
واتاه رجل فلطمه فقال ولم لطمتني قال جعل لي جعل على ان الطم سيد بني تميم قال فإنك أخطأت سيد بني تميم سيد بني تميم جارية بن قدامة فلطم الرجل جارية فقطع يده فقال الناس إنما قطع يده الأحنف

أخبرنا أبو احمد قال أخبرنا المبرمان قال حدثنا جعفر بن القتبى عن القتبى قال أول خليفة أخذ الجار بالجار والولي بالولي سليمان بن عبد الملك قال فدخل عليه فتى ظريف وعلى رأس سليمان جارية حسناء قائمة فجعل الفتى يديم النظر إليها فقال سليمان هات سبعة أمثال قيلت في الاست وهي لك فقال الفتى ( است لم تعود المجمر ) قال واحد قال ( استى اخبثى ) قال اثنان قال ( است المسئول أضيق ) قال ثلاثة قال ( است البائن أعلم ) قال أربعة قال ( من الله عليك واستك ) قال خمسة قال ( الحر يعطي والعبد تيجع استه ) قال ستة قال ( لا ماءك ابقيت ولا حرك أنقيت ) قال ليس هذا من ذاك قال الفتى أخذت الجار بالجار كما يفعل أمير المؤمنين قال خذها لابارك الله لك فيها
133 - قولهم أريها السها وتريني القمر
يضرب مثلا لمن تخاطبه فيبعد في الجواب
المثل لابن ألغز وكان عظيم الذكر فإذا واقع امرأة ذهب عقلها فأنكرت امرأة ذلك وقالت سأجرب فلما واقعها قال لها أين السها وهو كوكب صغير في بنات نعش قالت ها هو ذا وأشارت الى القمر فضحك وقال ( أريها السها

وتريني القمر ) فلما كان أيام الحجاج شكى إليه خراب السواد فحرم لحوم البقر ليكثر الحرث فقال بعض الشعراء
( شكونا اليه خراب السواد ... فحرم فلينا لحوم البقر )
( فكان كما قيل من قبلنا ... أريها السها وتريني القمر )
ويتمثل به في الخطأ
143 - قولهم أرتعن أجلى أنى شئت
يضرب مثلا للرجل يحمد في احواله كلها وللرجل أنى جئته وجدت عندم ما تريده
والمثل لحنيف الحناتم وكان بصيرا بالإبل ومراعيها فسئل أي بلاد افضل مرعى قال خياشيم الخزن والصمان قيل ثم ماذا قال ( أرتعن اجلى أنى شئت ) أي أرع بأجلى كيف شئت
وأجلى موضع معروف
ويقال رتعت الابل أي رعت وأرتعتها أنا
ويروى ( أرها أجلى انى شاءت )
وفي معنى المثل قول زهير في هرم
( إلى هرم صارت ثلاثا من اللوى ... فنعم مسير الواثق المتعمد )
( سواء عليه أي حين أتيته ... أساعة نحس ينقى ام بأسعد )

135 - قولهم أبى أبي اللبأ
يضرب مثلا للذي يهار بخير ولم يصل اليه
ويهار يغبط قالته جارية كان لها أب شيخ كبير وأخ وهو قيم الحي وكان اخوها يخلفها على ابيها لتغاره الطعام وتقوم عليه وكان قد فرض له من طعامه اللبأ فكانت الجارية تستأثر به على ابيها فتأكله وتجفوه فنحل جسمه فلما رآه ابنه أنكر سوء حاله فعاتب اخته وقال ما بال اللبأ ينحل عليه الجسم فقالت ( أبى أبي اللبا ) وامخطت في أذن الشيخ فقال بني لا أنطأه أي لا أعطاه
وامخطت وقعت
136 - قولهم إذا حككت قرحة أدميتها
يضرب مثلا للرجل المصيب بالظنون فإذا ظن فكأنه رأى
والمثل لعمرو بن العاص قاله حين قتل عثمان رضي الله عنه وكان ممن اعتزل الفتنة فيه وقال إنه سيقتل وذلك حين أبى أن يخلع نفسه وأبى الناس ان يلي عليهم فلما قتل قال ( إذا حككت قرحة ادميتها ) أي إذا ظننت الظن أصبت كانى بلغت منتهى الرأي وهو على مذهب قول اوس بن حجر
( الألمعي الذي يظن بك الظن ... كأن قد رأى وقد سمعا )

ونحو قول الآخر
( ألمعي الظنون متقد الذهن ... اعانته فطنة وذكاء )
( مخلط مزيل معن مفن ... كل داء له لديه دواء )
وقلت
( بصير له دون العواقب فكرة ... تكشف عن رأي وراء العواقب )
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أنا لم أعلم مالم أر فلا علمت ما رأيت
وقال آخر
( ألوت بإصبعها وقالت إنما ... يكفيك مما لا ترى ما قد ترى )
137 - قولهم است لم تعود المجمر
يضرب مثلا للرجل يأتي ما لا يليق به ولا يبالي
والمثل لحاتم الطائي وحديثه ان ماوية بنت عفزر كانت ملكة لا تتزوج الا من أرادت فبعثت غلمانا لها ليأتوها بأوسم من يجدونه بالحيرة فجاءوها بحاتم فقالت له استقدم الى الفراش فقال لا حتى يحضر صاحبان لي قالت فاستدخل المجمر قال ( است لم تعود المجمر ) فسقته خمرا فجعل يهريقها بالباب وهي لا تراه تحت الليل فلما أعياها أمره أمرته ان ينطلق فيأتيها بصاحبيه فقال لهما أتكونان عبدين لابنة عفزر ترعيان لها أحب إليكما ام تقتلكما

قالا كل هذا نقصه وبعض الشر أهون من بعض أي نتبع أثره إن أقمنا بالحيرة فقال النجاء فمضوا وقال
( أيا اخوينا من جديلة إنما ... تسامان خسفا مستبينا فبكرا )
( وإني لمزجاء المطى على الوجى ... وما انا من خلانك ابنة عفزرا )
( رأتني كأشلاء اللجام ولن ترى ... أخا الحرب الا ساهم الوجه أغبرا )
( أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا )
ثم اشتاقها فجاء يخطبها هو وزيد الخيل واوس بن حارثة بن لأم فقالت لهم ليصف كل إنسان منكم نفسه فقال زيد انا زيد الخيل تفخر بي طىء على العرب ولي مرباع كل غنيمة وغزوت ثلاثا وسبعين غزوة ولم تثكل فيها طائية ولدا ولم تفجع فيها بحليل ولم اخب في شيء منها ثم إني لم أرد سائلا ولم ألاج جاهلا ولم انطق باطلا ولم أبت على وغم
فقال اوس اول ما اخذت من لحيتي قامت سعدى فالتقطت كل شعرة سقطت منها فاعتقت بها نسمة من معد
فقال حاتم أنهبت مالي ثلاث عشرة مرة وأحلت لي طىء أموالها آخذ ما شئت وادع ما شئت
قالت هاتوا بذلك شعرا فقال كل واحد منهم قصيدة يمدح بها نفسه فقالت اما انت يا زيد فرجل قد وترت العرب فمقام الحرة معك قليل واما انت يا اوس فرجل

ذو ضرائر والدخول عليهن شديد وأما انت يا حاتم فرجل قريب المنتسب كريم المنصب وقد تزوجتك ورضيتك
فتزوجها
وقيل إن حاتما جاءها وعندها النابغة الذبياني ورجل من النبيت يخطبانها فأهدت الى كل واحد منهم جزورا فنحروها فلبست ثيابا رثة وجاءت تستطعمهم فأعطاها النابغة ذنب الجزور والنبيتي عظام ظهرها وحاتم سنامها فلما اجتمعوا عندها أمرت بإخراج ما أعطوها ووضعته بين أيديهم فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا وانصرفا فتزوجت حاتما
138 - قولهم أنضج اخوك ثم رمد
يضرب مثلا للرجل يصلح الأمر ثم يفسده
وأصله ان ينضج الرجل اللحم ثم يطرحه في الرماد فيفسده
ونحوه قول دريد
( يفسد ما اصحله اليوم غدا ... )
139 - قولهم استراح من لا عقل له
والمثل لعمرو بن العاص قاله لولده في كلام يقول فيه ( وال عادل خير من مطر وابل وأسد حطوم خير من وال ظلوم ووال ظلوم خير من فتنة تدوم عثرة الرجل عظيم يجبر وعثرة اللسان لا تبقي ولا تذر ) وقال ( استراح من لا عقل له ) معناه ان العاقل كثير الهموم والتفكر في الأمور

ولا يكاد يتهنأ بشيء والأحمق لا يفكر في شيء فيهتم
وإلى هذا المعنى ذهب القائل
( الصعو يصفر آمنا ولأجله ... حبس الهزار لأنه يترنم )
( لو كنت اجهل ما علمت لسرني ... جهلي كما قد ساءني ما أعلم )
وقال المتنبي
( ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم )
وقلت
( أواصل الهم في ضيق وفي سعة ... كأن بيني وبين الهم أرحاما )
( إن الذي عظمت في الناس همته ... رأى السرور جوى والوفر إعداما )
وقيل للحسن ما لنا نراك واجما فقال غمي مكتسب من عقلي ولو كنت جاهلا لكنت في دعة من عيشي
ويقولون هم الدنيا على العاقل
وقيل معنى المثل استراح الصبي الذي لا عقل له فهو لا يفكر في شيء من مستقبل العيش
ورأى الحسن صبيانا يلعبون فقال مذ فارقناكم لم نر يوما طيبا
وقال الشاعر في معنى الأول
( ألف الهموم وسادة وتجنبت ... كسلان يصبح في المنام ثقيلا )
وقال امرؤ القيس
( وهل يعمن الا سعيد مخلد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال )

قيل أراد الصبي
والمخلد المقرط
والخلدة القرط
وفي القرآن ( ولدان مخلدون ) قالوا مقرطون ولو أراد الخلود لم يخص الولدان وقيل أراد الأحمق
والمخلد الذي شاخ وبقي سواد شعره يقال رجل مخلد إذا كبر ولم يشب وجعله أسود الشعر لأنه لا يهتم بالشيء أصلا لأن الشيب مما يهم الأحمق والعاقل جميعا فإذا بقي سواد شعره كأن أقل لهمه
140 - قولهم احفظى بيتك ممن لا تنشدين
أي ممن لا تعرفينه فتنشدينه أي تطلبينه
والنشدان الطلب والناشد الطالب
والمنشد المعرف
وقولهم انشدك الله أي احلفك بالله لتصدقني عما اطلبه منك
141 - قولهم ألصق الحس بالأس
ومعناه ألصق الشر بأوصل الأعادي تذهب فروعهم بذهاب الأصل
والحس القتل المستأصل والأس الأصل وهو مثل الأس وفي القرآن ( إذ تحسونهم بإذنه ) أي تقتلونهم
وأحسست الشيء أحسه إذا وجدته
وفي القرآن ( هل تحس منهم من أحد )

142 - قولهم إن أضاخا منهل مورود
يضرب مثلا للرجل المغشي الكثير الخير
وأضاخ موضع معروف
143 - قولهم أطرقي أم عامر
يضرب مثلا للرجل يتكلم كثيرا ولا يجوز كلامه
وام عامر الضبع
144 - قولهم إحدى حظيات لقمان
145 - وقولهم أضرطا آخر اليوم
يقال الأول للشيء يستهان به وهو مخوف
والحظيات تصغير الحظوات
والحظوة سهم لا نصل له
وأصله ان عمرو بن تقن طلق امرأته فتزوجها لقمان بن عاد فسمعها تقول مرة بعد أخرى لا فتى الا عمرو فقال لقمان والله لأقتلن عمرا فتكمن له في اعلى شجرة على ماء فجاء عمرو ليسقي إبله فرماه لقمان في ظهره فقال حسن إحدى حظيات لقمان فانتزعها ثم انزله من فوق الشجرة واراد ان يعرفه ضعفه وقصوره عنه فقال له استق فلما نزغ دلوا ضرط فقال عمرو ( أضرطا آخر اليوم ) فصار مثلا للرجل يختم

أمره بشر عمله وأراد عمرو قتله فضحك لقمان وقال كانت فلانة تحذرنيك فآبى قال فإنى أهبك لها فلا تعد
فدخل لقمان عليها وهم يقول لا فتى الا عمرو فقالت ألقيته قال نعم ووهبني لك
قالت أحسن إذا أسأت واحذر غب الإساءة بعد الإحسان أي احذر ان تسيء إليه بعدها ونحو المثل قول وعلة
( والشيء تحقره وقد ينمى ... )
146 - قولهم اقلب قلاب
يقال ذلك للشيء يذكر أنك أردته فتقول اقلبه فإنى أردت خلافه وهو نحو قول العامة اقلبه حتى يستوي
وأصله ان زهير بن جناب وفد على بعض الملوك ومعه أخوه عدي بن جناب وكان عدي يحمق فلما دخلا على الملك شكا الملك إلى زهير علة نالت أمه فقال عدي اطلب لها كمرة حارة فغضب الملك وأمر بقتله فقال له زهير إنما أراد الكمأة فقال ( اقلب قلاب ) أي إنما أردت كمرة الرجال
فعرف حمقه وأظنه خلى سبيله
وقلاب فعال من القلب مثل نزال

147 - قولهم أم فرشت فأنامت
يضرب مثلا للرجل يبالغ في البر بالقوم والعطف عليهم حتى كأنه أم فرشت لإبنها فنام وسكن ومنه قول الشاعر
( وكنت له عما لطيفا ووالدا ... رءوفا واما مهدت فانأمت )
أخبرنا ابو احمد عن الجوهري عن أبي زيد عن ابن عائشة قال سمعت بعض أصحابنا يذكر أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما تشاغل بأهل الردة واستبطأته الأنصار فقال كلفتموني أخلاق رسول الله فوالله ما ذلك عندي ولا عند احد ولكني والله ما اوتي من مودة لكم ولا حسن رأي فيكم وكيف لا نحبكم فوالله ما وجدت لنا ولكم مثلا الا ما قال الطفيل الغنوي لبني جعفر
( جزى الله عنا جعفر حين أشرفت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت )
( همو خلطونا بالنفوس وألجئوا ... إلى حجرات أدفأت وأكنت )
( أبوا ان يملونا ولو أن امنا ... تلاقي الذي يلقون منا لملت )
( فذو المال موفور وكل معصب ... إلى حجرات أدفأت وأظلت )
148 - قولهم - إنك من طير الله فانطقي
يضرب مثلا للرجل يدخل في الأمر لا يدخل فيه مثله
وأصله فيما زعم ان الطير صاحت فصاحت الرخم فقيل لها ذلك يهزأ بها

149 - قولهم إن وجدت لشفرة محزا
150 - وقولهم إن وجدت إليه فاكرش
أي إن وجدت اليه سبيلا وأصله ان قوما طبخوا شاة في كرشها فضاق فم الكرش عن بعض عظامها فقيل للطباخ اخرجها فقال إن وجدت الى ذلك فاكرش
أخبرنا أبو أحمد قال أخبرنا المبرمان عن أبي جعفر عن القتبي قال دخل النعمان بن زرعة على الحجاج حن اراد الناس على الكفر فقال أمن اهل الرس والرهمسة أم من اهل النجوى والشكوى ام من اهل المحاشد والمخاطب والمراتب قال أصلح الله الأمير بل من شر من كله فقال والله لو وجدت الى دمك فاكرش لشربت البطحاء منك
والرس هاهنا التعريض بالشتم رس بالشتم إذا اتى منه بالبعض من غير إفصاح يقال بلغني رس من خبر وذرء من خبر إذا بلغك منه طرف
والرهمسة نحو ذلك أراد أنك ممن يشتمني ورائي أم من أهل النجوي أي السرار بالتدبير علي والشكوى أي ممن يشكو أمرا ويقدح فينا
ونحوه قول حذيفة إن الفتنة تنتج بالنجوى وتلقح بالشكوى
ومن اهل المحاشد أي ممن يحشد علي أي يجمع
والمخاطب والمراتب أي يخطب في ذلك عند من يطلب عنده المرتبة والقدر
وقال الأموى يقال لقيت من فلان فاكرش اذا لقيت منه

المكروه كله لأن الكرش اذا فتحت خرج من فمها ما فيها وانشد ثعلب
( لو رأى فاكرش لبلهصا ... )
أي لو وجد سبيلا الى الهرب لهرب
151 - قولهم أسمع جعجعة ولا ارى طحنا
معناه أسمع جلبة ولا ارى عملا
والجعجعة هاهنا الصوت
وفي موضع آخر الإلجاء الى المضيق
يقال جعجع به إذا الجأه الى المضيق قال او قبيس بن الأسلت
( من يذق الحرب يجد طعمها ... مرا وتتركه بجعجاع )
والطحن بالكسر الدقيق وبالفتح المصدر من طحن طحنا
152 - قولهم إذا قطعن علما بدا علم
معناه إذا فرغنا من أمر متعب جاء امرآخر مثله
والعلم هاهنا الطربال المنصوب في الطريق يهتدى به ومن هذا سمي آيات الأنبياء عليهم السلام اعلاما للاستدلال بها والعلم الجبل أيضا وفي القرآن ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) يعني الجبال قالت الخنساء

( كأنه علم في رأسه نار )
ومن الأول قولهم هذه أعلام الشيء أي دلائله ومنه قوله تعالى ( وإنه لعلم للساعة )
153 - قولهم أسعد ام سعيد
أي هو مما يكره او مما يحب وهو مثل قول العامة آس ام حلفاء
وأصله ان سعدا وسعيدا بني ضبة خرجا في وجه فرجع سعد وفقد سعيد فكان ضبة إذا رأى شخصين من بعيد قال ( أسعد ام سعيد ) وسنذكر حديثه في الباب السادس
154 - قولهم أبدح ودبيح
يقولون جاء بأبدح ودبيح إذا جاء بالباطل ولم يعرف أصله
155 - قولهم أسمحت قرونته وقرينته
أي نفسه وأسمحت اي اطاعت وانقادت يقول تابعته نفسه على الأمر وقد يقال أصحبت قرونته بمعنى أسمحت والإسماح الانقياد والسماح

والسماحة الجود وقد سمح وهو سمح ولا يقال سامح وهو الأصل وأصحبت الرجل إذا تبعته منقادا له وأصحبته إذا حفظته وفي القرآن ( ولا هم منا يصحبون ) وقال الشاعر
( وصاحبي من دواعي الشر مصطحب ... )
أي محفوظ
156 - قولهم أصيد القنفذ ام لقطة
يقال ذلك للأمر لا يدري من اي الصنفين هو واللقطة ما التقطته فاحتجت الى تعريفه ومن امثالهم في القنفذ قولهم ( بآت بليلة أنقد ) إذا لم ينم ليلته وبات يسرى
والأنقد القنفذ لأن القنفذ لا ينام الليل
قال الشاعر
( كقنفذ الرمل لا تخفى مدارجه ... خب إذا نام ليل الناس لم ينم )
ويشبه به النمام لخبثه واضطرابه في ليله قال عبدة بن الطبيب
( قوم إذا دمس الظلام عليهم ... حدجوا قنافذ بالنميمة تمزع )

157 - قولهم أبعد الوهى ترقعين وأنت مبصرة
يضرب مثلا للرجل يأتي الخطأ على بصيرة وتمثل به علي رضي الله عنه
أخبرنا أبو القاسم عن العقدي عن ابن جعفر عن المدائني عن جماعة ذكرهم قالوا قال عمرو بن العاص لمعاوية في بعض أيام صفين الا أدعو عليا إلى المبارزة قال لا تفعل فإنه ما بارزه أحد الا قتله فبرز له رجل يقال له عروة من أهل دمشق فقال يا أبا حسن قد كره معاوية وعمرو مبارزتك فهلم فقال لقنبر دونكه فبرز له قنبر فقتله فقال علي أما إنه لقد أصبح من النادمين
وبارز عبد الرحمن بن محرز الكندي رجلا من اهل الشام فقتله عبد الرحمن ونزل فسلبه وإذا المقتول حبشي فقال إنا لله لمن عرضت نفسي وحلف لا يبارز أحدا حتى يعرفه
وقتل قيس بن جلان الكندي رجلا من عك فقال
( لقد علمت عك بصفين أننا ... إذا التقت الخيلان قطعتها شزرا )
( ونحمل رايات الحقوق بحقها ... فنوردها بيضا ونصدرها حمرا )
فقال عنمة بن زهير الأنصاري لعلي رضي الله عنه يا امير المؤمنين سمعت عمرو بن العاص يقول
( أضربكم ولا أرى أبا حسن ... كفى بهذا حزنا من الحزن )

فقال علي لقد ترك مكاني وهو يعرفه ولكنه كما قال الأول ( أبعد الوهي ترقعين وانت مبصرة )
158 - قولهم أو مرنا ما اخرى
يراد به أو يكون الأمر على خلاف ذلك
وهو مثل ان يقول لك الرجل لأغيظنك أنا وقد يقال او مرسا ما أخرى
ولعله من قولهم مرن على الشيء إذا استمر عليه فيكون معناه أو تستمر على امر آخر ومرن الثوب إذا لان والمرن الأديم المدلوك الملين
والمرس أيضا الرجل الشديد المراس
والمرس الحبل
159 - قولهم إن تنفري فقد رأيت نفرا
معناه إن تفزعي فقد رأيت ما يفزعك
والنفر هاهنا النفور يقال نفر عن الشيء نفارا ونفورا فاما النفر فأكثر ما يستعمل في قولهم نفر الجرح نفرا إذا ترامى إلى فساد
ونفر الرجل نفرا إذا خرج في وجه وفي القرآن ( ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) ونافرة الرجل بنو عمه
والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة

160 - قولهم انقطع السلى في البطن وانقطع قوى من قلوية
يضرب مثلا للأمر يتفاوت والسلى للحوار بمنزلة المشيمة للصبي وإذا انقطع في البطن هلكت الناقة فأما الحولاء فجلدة فيها ماء أصفر يبرق كأنها مرآة تسقط مع الولد فإذا وصف الأرض بالخصب قيل كأنها حولاء وتركتهم في مثل حولاء أي في خصب وسعة قال الشاعر
( على حولاء يطفو السخد فيها ... فراها الشيذمان عن الجنين ) والسخد بول الحوار فى بطن أمه والشيذمان القيم على الشئ
161 - قولهم اسمح يسمح لك
أي سهل يسهل عليك
162 - قولهم أعرض ثوب الملبس
هكذا قرأناه عن الأصمعي وقرأناه عن ابي عبيدة عرض ثوب الملبس يضرب مثلا للرجل يقال له ممن انت فيقول من مضر او ربيعة وما أشبه ذلك أي عممت ولم تخص وذكرت مطلبا عريضا لا يخاط به ومثله قولهم ( أعرضت القرفة ) وهو ان يقال لك من سرقك فتقول رجل من

أهل خراسان او من اهل العراق والقرفة من قولهم قرفته بكذا إذا رميته به وقذفته وأكثر ما يكون القذف في الزنا والقرف في السرقة
ويقال فلان قرفتي أي الذي أتهمه انه سرقني وقرفت الشيء واقترفته أيضا إذا كسبته
وفي القرآن ( بما كانوا يقترفون ) أي يكتسبون وقرفت القرحة إذا قشرت جلدها من وجهها وقرف كل شيء قشره
163 - قولهم اوهيت وهيا فارقعه
164 - وقولهم اتسع الخرق على الراقع
يقال ذلك للرجل أفسد الشيء فيؤمر بإصلاحه
والوهى هاهنا الخرق في الشيء وهي يهى إذا انخرق وأصله الضعف يقال وهي الشيء وهوواه إذا ضعف ورقعت الخرق رقعا وانا راقع ومن امثالهم ( اتسع الخرق على الراقع ) معناه قد زاد الفساد حتى فات التلافى وهو من قول ابن حمام الزدى
( كالثوب إن أنهج فيه البلى ... أعيا على ذي الحيلة الصانع )
( كنا نداريها وقد مزقت ... واتسع الخرق على الراقع )

165 - قولهم أهون هالك عجوز في عام سنة
166 - وقولهم اهون مظلوم سقاء مروب
يضرب الأول مثلا للشيء يستخف بفقده والأخير للشيء لا يحفل بضياعه
وقيل يضرب للرجل الذليل المستضعف والترويب أن تجعل الروبة في اللبن والروبة الخميرة ثم يمخض وقيل هو ان يلف السقاء حتى يبلغ
وظلمه إذا شربه قبل إدراكه قال الشاعر
( وقائلة ظلمت لكم سقائي ... وهل يخفى على العكد الظليم )
والعكدة أصل اللسان
وقال ابو زيد المروب قبل استخراج الزبد والرائب بعد استخراجه وربما قالوا ( أهون مظلوم عجوز معقومة ) والمعقومة التي لا تلد وهي معقومة وعقيم وقد عقمت
وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه ومنه قوله ( ظلامون للجزر ) أي ينحرونها من غير علة وقيل يعقرونها وإنما حقها أن تنحر ويقال فلان شاعر فيقال وما ظلمه أي ما منعه عن ذلك

167 - قولهم أعذر من انذر
أي أقام العذر من خوف قبل الفعل
ويقال أعذر الرجل إذا بلغ أقصى العذر وعذر إذا قصر وإذا اعتذر ولم يأت بعذر
وفي القرآن ( وجاء المعذورون من الأعراب )
وقولهم من عذيري من فلان أي من يعذرني منه والعذير مصدر بمنزلة النكير فأما قول النبي ( لن يهلك الناس حتى يعذروا ) فإنه من قولهم أعذر الرجل إذا كثرت ذنوبه وعيوبه
وقيل حتى يعذروا من يعذبهم أي يقيموا له عذرا واما قولهم تعذر على الأمر فمعناه ضاق علي وسميت العذراء عذراء لضيقها ويقال اعتذر الرجل إذا اتى بعذر واعتذر إذا لم يأت بعذر ومنه قوله تعالى ( قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم ) واما قول لبيد
( ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر ... )
فمعناه فقد اتى بعذر

168 - قولهم آثرا ما
169 - وقولهم اول صوك وبوك
يقال افعل ذاك أول صوك وبوك أي أول كل شيء
وافعله آثراما وأثرا ما وآثر ذي أثير كل ذلك إذا أمر بتقديم العمل على غيره وأنشدوا
( وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير )
قال المفضل افعله آثرا ما أي افعله مؤثرا له على غيره
وقال الأصمعي اي افعله عازما عليه وقيل افعله إيثارا له على غيره وينصب على المصدر
قال أبو بكر يقال ما به صوك ولا بوك أي ما به حركة فكأن معنى قولهم ( افعله اول صوك وبوك ) أي قبل ان يتحرك غيرك له ويسبقك إليه
170 - قولهم أعلم بها من غص بها
أي من ولى الأمر ومارسه كان أعلم به ممن بعد عنه وفارقه
والفرس تقول المائح اعلم بمقدار الماء في البئر من الماتح والمائح الذي ينزل البئر إذا قل الماء فيملأ الدلو وهو أصل قولهم ماحه إذا أعطاه واستماحه إذا طلب منه
والماتح المستقى من رأس البئر على بكرة متح متحا والنازع الذي يستقي من غير بكرة وقد نزع نزعا

171 - قولهم إن ألبها لها
معناه ان جد القوم وجماعتهم لهم لا لك وهو من قولهم تألبوا عليه إذا اجتمعوا ونذكر أصله في الباب الثامن والعشرين إن شاء الله تعالى
172 - قولهم أسرى عليه بليل
يضرب مثلا للأمر قد تقدم فيه وسبق الى إبرامه والعامة تقول أمر عمل بليل ومثله قول عنترة
( إن كنت أزمعت الفراق فإنما ... زمت ركابكم بليل مظلم )
وقال آخر
( زحرت بها ليلة كلها ... فجئت بها مؤيدا خنفقيقا )
والمؤيد والخنفقيق اسمان من أسماء الداهية ومنه قوله تعالى ( بيت طائفة منهم غير الذي تقول ) وكل امر تفكر فيه ليلا حتى أبرم فقد بيت وإنما خص الليل لأن البال بالليل أخلى والفكر اجمع
ونحوه قوله تعالى ( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا ) أي هي أبلغ في القيام للصلاة وأبين في القراءة
وناشئة الليل ساعاته وكل ما حدث فقد نشأ

173 - قولهم أمر دون عبيدة الوذم
وأوله
( وقد هممت بذاك إذ حبست ... وأمر دون عبيدة الوذم )
يضرب مثلا للرجل يقطع الأمر دونه وهو مما يهجى به قال جرير
( ويقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود )
والوذم سيور تشد بها أطراف العراقي والجمع الأوذام وذم دلوك توذيما فكل سير قددته مستطيلا فهو وذم وكذلك اللحم
وقال علي رضي الله عنه لأنفضنكم نفض الجزار الوذام التربة فقلبه أصحاب الحديث فقالوا التراب الوذمة
174 - قولهم أنكحنا الفرا فسنرى
يراد فعلنا الفعل وننظر عاقبته
ونحوه قول الله تعالى ( عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) أي فينظر أولياءه كما قال ( إن الذين يؤذون الله ورسوله ) معناه يؤذون اولياءه فإن الله تعالى لا يلحقه الأذى
والفرأ الحمار الوحشي والجمع فراء
ومنه قولهم ( كل الصيد في جوف الفرا ) وسنفسره

وتلخيص معنى المثل أنا جمعنا بين الحمار والأتان ننظر ما ينتج هذا الجمع ويضرب مثلا للأمر يجتمعون على المشورة فيه ثم ينظر عما ذا يصدرون منه
175 - قولهم انف في السماء واست في الماء
يضرب مثلا للمتكبر الصغير الشأن ومنه قول الزاجر وهو الأعشى
( أنوفهم ملفخر في أسلوب ... وشعر الأستاه بالجبوب )
الأسلوب الطريقة يقال أخذ في أساليب من القول أي في طرق منه والجبوب يعني الارض
وخرجت خارجة بخراسان فقيل لقتيبة بن مسلم لو وجهت اليهم وكيع بن ابي سود قال وكيع رجل عظيم في أنفه خنزوانة وفي رأسه نعرة وإنما أنفه في أسلوب ومن عظم كبره اشتد عجبه ومن أعجب برأيه لم يشاور كفيئا ولم يؤامر نصيحا ومن تفرد بالنظر لم يكمل له الصواب ومن تبجح بالانفراد وفخر بالاستبداد كان من الصواب بعيدا ومن الخذلان قريبا والخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع الفرقة وإن كانت الجماعة تخطىء والفرقة تصيب ومن تكبر على عدوه حقره وإذا حقره تهاون بأمره ومن تهاون بخصمه ووثق بفضل قوته قل احتراسه ومن قل احتراسه كثر عثاره وما رأيت عظيم الكبر صاحب حرب الا كان منكوبا ولا والله حتى يكون عدوه عنده وخصمه فيما يغلب عليه أسمع من

فرس وأبصر من عقاب وأهدى من قطاة وأخذر من عقعق وأشد إقداما من الأسد وأوثب من الفهد وأحقد من جمل واروغ من ثعلب وأعذر من ذئب وأسخى من لافظة وأشح من ظبي وأجمع من ذرة وأحرس من كلب وأصبر من ضب فإن النفس تسمح من العناية على قدر الحاجة وتتحفظ على قدر الخوف وتطلب على قدر الطمع وتطمع على قدر السبب
176 - قولهم اودى درم
قال أبو بكر يضرب مثلا للرجل يقتل ولا يطلب بثأره ودرم رجل من بني شيبان قتل ولم يثأر به
وقال غيره يراد به هلك الأمر وتفاوت
ودرم رجل بعث رائدا ففقد
وقال آخرون هو درم بن دب ابن مرة بن ذهل بن شيبان وكان النعمان يطلبه فظفر به أصحابه فأرادوا حمله إليه فمات في أيديهم فلما رآهم سألهم عنه فقالوا ( اودى درم ) أي هلك فذهبت مثلا في كل شيء يهلك ويذهب قال الأعشى
( ولم يود من أنت تسعى له ... كما قيل في الحرب أودى درم )
وأصله من قولهم رجل أدرم وامرأة درماء إذا لم يكن لعظامه حجم والدرمان تقارب الخطو درم فهو دارم

177 - قولهم احمق بلغ
يقال ذلك للرجل يدرك حاجته على حمقه ونحوه قول الشاعر
( قد يرزق الأحمق المأفون في دعة ... ويحرم الأحوذي الأرحب الباع )
( كذا السوأم تصيب الأرض ممرعة ... والأسد منزلها في غير إمراع )
وقالوا قد يكل الحسام ويقطع الكهام وقد تنبوا الرقاق وتكبو العتاق ولا تجرى الأقسام على قدر الإفهام ولا الأرزاق على مبلغ الأخلاق
وقيل في قريب من هذا المعنى رب حظ ادركه غير طالبه ودر احرزه غير حالبه
وقيل في المعنى الأول العجب لما يجري به القدر من التوسيع على العجزة والتضييق على الحزمة والسبب الذي يدرك به العاجز طلبته هو الذي يحاول بين الحازم وحاجته
178 - قولهم اخوك ام الذئب
يقال ذلك للشيء ترتاب به في ظلمة ولا تستبينه تقول أتاني فلان حين تقول اخوك ام الذئب
وفي مثل آخر هو في معنى هذا المثل ( أبك أم بالذئب )
والمثل لتأبط شرا وذلك انه خرج والشنفري في ثلاثين رجلا من فهم غازين حتى وردوا بلاد بني أسد فسمعوا صوت يعر وهو ان تأخذ التيس فتربطه على شجرة وتحفر دونه زبية فتغطيها فيصيح فيسمع الذئب صياحه فإذا جاء اليه وقع في الزيبة فصبروا حتى وقع الذئب

في الزبية وجاء غلام يرميه فخرجوا عليه فاقتحم الزبية مع الذئب فجعلوا يرمونه بالحجارة والنبل وجعل تأبط شرا يقول أبك ام بالذئب حتى قتلوه وإذا هو ابن الأفطس فهربوا وطلبهم الأفطس حتى واقعهم فلم يقدر منهم على شيء فقال الشنفري
( خرجنا من الوادي الذي عند مشعل ... وبين الجبا هيهات أنشأت سربتي )
( أمشى على الأرض التي لم تضرني ... لأنكى قوما او أصادف حمتي )
( أمشى على أين الغزاة وبعدها ... يقربني منها رواحي وغدوتي )
179 - قولهم انكحيني وانظري
يضرب مثلا للرجل يكون له منظر ولا مخبر له وهو كقولهم ( ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل )
وفي هذا المذهب قول حسان
( لابأس بالقوم من طول ومن عرض ... جسم البغال واحلام العصافير )
فأخذه ابن الرومي فقال
( طول وعرض بلا عقل ولا أدب ... فليس يحسنإالا وهو مصلوب )

وقال
( جمال اخي النهى كرم وخير ... وليس جماله عرض وطول )
180 - قولهم إذا رأيت الريح عاصفا فتطامن
أي إذا رأيت الأمر غالبا لك فاخضع له
وقال أبو الطمحان
( بني إذا ما سامك الضيم قاهر ... مقيت فبعض الذل أوقى وأحرز )
( ولا تحم من بعض الأمور تعززا ... فقد يورث الذل الطويل التعزز )
ومثله قول صاحب كليلة لا يرد العدو القوى بمثل الخضوع له ومثله مثل الريح العاصف يسلم منها العشب للينه لها وانثنائه معها وتتقصف فيها الشجر العظام لانتصابه لها
وقلت في هذا المعنى
( إن كنت تسلم من شغب الزمان ولا ... أعطى السلامة منها كلما شغبا )
( فالعاصفات إذا مرت على شجر ... حطمنه وتركن الليف والعشبا )
181 - قولهم الأخذ سريط والقضاء ضريط
يقول إن الذي يأخذ بالدين يأخذ بسرعة وسهولة وإذا جاء صاحب الدين يقتضيه ضرط به وسخر منه والسريط من السرط وهو سرعة

البلع
سرطت الشيء إذا بلعته ومنه سمي الفالوذ صرطراطا لسرعة مروره في الحلق
ومثله قولهم ( الأخذ سلجان والقضاء ليان ) الليان المطل لواه يلويه ليا وليانا إذا مطله وفي الحديث ( لي الواجد ظلم ) والواجد الغنى والوجد الغنى وفي القرآن ( من وجدكم ) وقال ذو الرمة
( تطيلين لياني وأنت مليئة ... وأحسن ياذات الوشاح التقاضيا )
والسلجان سرعة الابتلاع أيضا سلج اللقمة سلجا وسلجانا إذا بلعها بسرعة ويروي ( الأخذ سريطي والقضاء ضريطي )
182 - قولهم أخذه أخذ سبعة
قال الأصمعي يعني اللبؤة يخفف ويثقل يقال سبع وسبع
وقال ابن الأعرابي أراد سبعة من العدد وانما قيل سبعة لأنه أكثر ما يستعملونه وفي كلامهم سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام
183 - قولهم أجن الله جباله
قال الأصمعي اجن الله جبلته أي خلقته أي سترها في القبر
وقيل يعني الجبال التي يسكنها أي اكثر فيها الجن

184 - قولهم الله أعلم ما حطها من رأس يسوم
يراد أن الله أعلم بالنيات
وأصله ان رجلا نذر شاة يذبحها ويتصدق بلحمها فمر بيسوم وهو جبل فرأى راعيا فقال له اتبيع شاة من غنمك قال نعم فاشتراها منه وأمره بذبحها عنه وولى فذبحها الراعي عن نفسه فذكر ذلك للرجل فقال ( الله أعلم ما حطها من رأس يسوم )
وذكر بعضهم ان الألف في قولنا ( الله ) زيادة ومجراه مجرى الألف في قولنا الرجل والدار وقال غيره هي بدل من الهمزة في ( الإله ) واستدل على ذلك بقول الناس يا الله ولا يقولون يا الرجل ويا الدار وقال أصحاب القول الأول أصله ( لاه ) وأنشدوا
( كحلفة من أبي رباح ... يسمعها لاهه الكبار )
وقالوا الألف واللام فيه للتعريف على معنى الاستحقاق والتسليم كما يقال فلان الخطيب وفلان الشاعر أي هو مستحق لهذا الاسم وقال سيبويه الألف واللام فيه للتعريف بمنزلة الألف واللام في ( الناس ) وأصل الناس ( اناس ) لأن ( الناس ) قد يكون نكرة فيفارقه الألف واللا و ( الله ) لا يجوز فيه ذلك
185 - قولهم اطلع عليهم ذو عينين
هكذا جاء المثل ومعناه أنه أطلع عليهم مطلع ورآهم راء

186 - قولهم اضطره السيل الى العطش
يضرب مثلا للرجل يضطره السعة إلى الضيق ويقولون في الدعاء ( رماه الله بالحرة تحت القرة ) والحرة العطش ورجل حران أي عطشان والقرة البرد
187 - قولهم أرخ يديك واسترخ إن الزناد من مرخ
أي خفض عليك في الطلب فإن صاحبك كريم وإذا كانت الزناد من مرخ اكتفى بالقليل من القدح والمرخ شجر يقال له بالفارسية سمن يكثر ناره ومثله العفار وفي مثل ( في كل شجرة نار واستمجد المرخ والعفار ) أي عظم نارهما وأصل المجد الكبر والعظم
188 - قولهم اترك الشر كما يتركك
يراد إنما يصيب الشر من يتعرض له
والمثل للقمان بن عاد قال لابنه اترك الشر كما يتركك أي كيما يتركك وكما لغة في كيما قال الشاعر
( أنخ فاصطبغ قرصا إذا اعتادك الهوى ... بزيت كما يكفيك فقد الحبائب )
أي كيما يكفيك

قال الشيخ أبو هلال رحمه الله وقد يصيب الشر من يعتزله ولا يتعرض له قال الشاعر
( فإن الحرب يجنبها أناس ... ويصلى حرها قوم براء )
ونحوه قول الحارث بن عباد
( لم اكن من جناتها علم الله ... وإني محرها اليوم صالي )
وقد مر من قبل
189 - قولهم ألقى عليه بعاعه
وله موضعان يقال ألقى عليه بعاعه أي ألقى عليه نفسه من حبه وألقى عليه بعاعه أي ثقله
والبعاع المتاع والثقل وبعاع السحاب ثقله بالمطر
قال امرؤ القيس
( وألقى بصحراء الغبيط بعاعه ... نزول اليماني ذي العياب المخول )
والمخول الذي له خول ومثله ( ألقى عليه شراشره ) إذا أحبه وله موضعان أيضا
يقال ألقى عليه شراشره إذا احبه والشراشر البدن وما تذبذب من الثياب يقول ألقى عليه بدنه من حبه له
والشراشر أيضا النفس
وألقى عليه شراشره أي ثقله
وقال بلعاء بن قيس

( وقد يكره الانسان مافيه رشده ... وتلقى على غير الصواب شراشره )
والشرشرة أيضا ان تحك سكينا على حجر حتى يخشن حده
190 - قولهم أخذت الأرض زخاريها
يضرب مثلا لكل شيء تم وكمل وزخارى الأرض نبتها حين يزخر أي يرتفع والزخور ارتفاع النبت وغيره ومنه قيل زخر البحر إذا ارتفع موجه وبحر زاخر
191 - قولهم أراه عبر عينه
العبر والعبر سواء أي أراه ما أسخن به عينه
ويقولون في الدعاء على الرجل لأمه العبر واستعبر الرجل إذا بكى وهي العبرة أي البكاء والعابر الثاكل قال
( يقول لي النهدي إنك مردفي ... وكيف رداف الفل أمك عابر )
ويقولون للباكي دما لا دمعا ولا رقأت دمعته ويقال أرقأ الله به الدم أي ساق الى قومه جيشا يطلبون بقتيل فيقتل فيرقأ به دم غيره ويقولون في الدعاء على الرجل أرانيه الله أغر محجلا أي محلوق الرأس مقيدا
والحجل القيد وأطفأ الله ناره أي أعمى عينيه كذا قال ثعلب
ورأيته حاملا جنبه أي مجروحا ولا ترك الله له شامتة والشوامت القوائم وخلع الله نعليه جعله مقعدا

192 - قولهم أباد غضراءهم
أي خيرهم وغضارتهم وأصل الغضراء طين علك يقال أنبط بئره في عضراء طيبة ويمكن ان يقال إن اشتقاق الغضارة من ذلك ويجوز ان يكون من غضارة العيش
وقيل أباد الله خضراءهم أي سوادهم ومعظمهم والعرب تسمى السواد خضرة ولهذا قيل سواد العراق للماء والشجر فيها وذلك انه يرى من البعد أسود ومن ثم قيل كتيبة خضراء لما يعلوها من صدأ الحديد
وقيل لجماعة الناس السواد والدهماء لأنها ترى من البعد سوداء
193 - قولهم أعلاها ذافوق
194 - وقولهم إن شئت فارجع في فوق
أي هو اعلى القوم سهما وأرفعهم امرا وذو الفوق هو السهم وفوقه الموضع الذي يوضع في الوتر أي أعلاها سهما
أخبرنا ابو القاسم عن العقدي عن ابي جعفر المدائني عن ابي جزء عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال قيل لعبد الله بن مسعود وهو ينال من عثمان بايعتم رجلا ثم انشأتم تشتمونه قال والله ما ألونا ان بايعنا أعلانا ذا فوق غير انه اهلكه شح النفس وبطانة السوء قال أفلا تغيرون

قال ما أبالي أجبلا راسيا زاولت ام ملكا مؤجلا حاولت ولوددت أني وعثمان برمل عالج يحثى كل واحد منا على صاحبه حتى يموت الأعجل
ما الونا أي ما قصرنا
ونحثى أي نسفى ونثير ويقولون ( إن شئت فارجع في فوق ) أي ارجع الى الأمر الأول من المصالحة والمؤاخاة وأنشد ثعلب
( هل انت قائلة خيرا وتاركة ... شرا وراجعة إن شئت في فوق )
195 - قولهم أرطى ان خيرك في الرطيط
أي تذمري وطولي وصيحي إن خيرك لا يأتي الا بذلك
والرطيط التذمر
196 - قولهم أرني غيا أزد فيه
مثل للرجل يشتهي الشر
ومن امثالهم في الغي قول القطامي
( يطيعون الغواة وكان شرا ... لمؤتمر الغواية ان يطاعا )
وقول المرقش
( فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما )
وقول المحدث
( ما الماء منحدر من رأس رابية ... يوما بأسرع من غاو إلى غاو )

197 - قولهم اوجر ما انا من سملقة
اوجر أي خائف و ( ما ) صلة يقال إني منه لأوجل ولأوجر أي وجل وسملقة لقب رجل كان يغضب اذا دعى به فدعى به عند بعض الملوك فغضب وقال ( اوجر ما انا من سملقة ) أي كنت اخاف ان ادعى بذلك عنده فأهون عليه وقد وقعت فيما خفت
ويضرب مثلا للشيء يخاف ناحيته والسملق الفلاة الواسعة كذا وجدته عن بعض العلماء
وقال مؤرج السدوسي سملقة هو قتادة بن التوءم وكان عند النعمان بن المنذر فقال نعمان بن سيحان أبيت اللعن إنه يدعى سملقة فيغضب فأمر النعمان فنودي يا سملقة فقال لابن سيحان انت اخبرته فحلف إنه لم يفعل فأنشأ قتادة يقول
( جزى الله نعمان بن سيحان سعيه ... جزاء مغل باللسان وباليد )
( فقصرك منه أن ينوء بحلفة ... كما قيل للمخنوق هل انت مفتد )
198 - قولهم ارض من العشب بالخوصة
أي أرض من الأمر بالقليل وهو مثل في القناعة ومن امثالهم في ذلك ( بؤسى لمن لم يرض بالكفاف )

199 - قولهم إن القنوع الغنى لا كثرة المال
والقنوع يستعمل في موضع القناعة وليس بالجيد فإنما القنوع السؤال
وقال آخر
( والعيش لا عيش الا ما قنعت به ... قد يكثر المال والانسان مفتقر )
200 - قولهم البكرى أخوك فلا تأمنه
يراد به التحذير من الرجل القريب
201 - قولهم الأمور وصلات
أي يستعان ببعضها على بعض وليس هذا من قولهم ( الأمر قد يغزى به الأمر ) وجعله بعضهم مثله
وإنما معنى هذا ان الأمر ربما بعثك على الأمر فتفعله ولم تكن تريده والمثل الاخر ( والأمر قد يغزى به الأمر ) أي قد يفعل ويراد غيره ومن أمثالهم في الأمر قولهم ( الأمر يبدو لك في التدبر ) و ( الأمر يحدث بعده الأمر ) و ( الأمر تحقده وقد ينمى ) و ( أمر الله يطرق كل ليلة ) و ( الأمر يأتيك لم يخطر على بال )

202 - قولهم إحدى بنات طبق
يعني به الداهية وأصله الحية
والمثل للقمان بن عاد أخبرنا أبو أحمد قال اخبرنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن عوانة قال كان لقمان بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح لما أعطي ما اعطي من العمر وهلكت العماليق فخرج معهم وهم ظاعنون حتى أشرفوا على ثنية فقالت امرأة لزوجها يافلان احمل لي هذا الكرز فإن فيه متاعا لي ففعل فلما توسط الثنية وجد بللا على عنقه فقذف بالكرز وقال يا هنتاه عليك كرزك فخرج رجل يسعى في عرض الجبل فقال له لقمان ( احدى بنات طبق شرك على رأسك ) قال ابو بكر سألت أبا حاتم عن بنت طبق فقال هي السلحفاة بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء وتقول العرب إنها تبيض بيضة تنقف عن اسود فقال يالقمان ما جزاؤها قال تدفن حية في كرزها فدفنت
قال أبو حاتم واظن أصل رجم المحصنة من هذا والله أعلم ومعناه ان هذه المرأة بمنزلة الحية
203 - قولهم إنني لن أضيره إنما أطوى مصيره
يضرب مثلا للرجل يعمل عملا عظيما وهو يراه يسيرا
وأصله ان غلاما من

العرب أخذ نغرا فشق بطنه ثم أخرج مصيره فجعل يطويه فقيل له ما تصنع فقال ( إني لن أضيره إنما أطوى مصيره ) والمصير المعى
204 - قولهم إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر
المثل لابن شهاب جاءه شاعر فمدحه فأمر بإعطائه وقال ( إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر ) ومعناه ان لسان الشاعر مما ينقى
فينبغي ان يفتدى شره بما يعطى وقال حكيم إعطاء الشاعر من بر الوالدين وقال الفرزدق
( وما حملت ام امرىء في ضلوعها ... أعق من الجاني عليها هجائيا )
وقال حاتم لابنه إذا رأيت الشر يتركك فاتركه
وقال هدبة العذري
( ولا أتمنى الشر والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب )
أخبرنا ابو احمد قال اخبرنا الصولي قال أخبرنا أحمد بن أبي خيثمة عن محمد بن بكار عن محمد بن الحسن بن الهلالي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( ماوقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة وما انفق المؤمن نفقة فعلى الله خلفها الا ما كان من نفقة في بنيان او معصية لله تعالى ) قال محمد بن الحسن الهلالي قلت لابن المنكدر ما معنى ( وقي الرجل به عرضه ) قال ان يعطي الشاعر ذا اللسان

205 - قولهم اخوك من آساك
206 - وقولهم أعط اخاك من عقنقل الضب
اللغة العالية آساك وواساك قليلة
وعقنقل الضب مصراته يقول آسه في القليل فضلا عن الكثير وقال الأول
( وليس يتم الحلم للمرء راضيا ... إذا كان عند السخط لا يتحلم )
( كما لا يتم الجود للمرء موسرا ... إذا كان عند العسر لا يتكرم )
وقال غيره
( ليس جود الجواد من فضل مال ... إنما الجود للمقل المواسى )
وقلت
( من لم يواسك في قليل ... لم يواسك في الكثير )
( والحق يلزم في الكثير ... وليس يسقط في اليسير )
207 - قولهم التقى الثريان
يضرب مثلا لاتفاق الأخوين في التحاب
والثرى الندى وذلك أن المطر إذا كثر رسخ في الأرض حتى يلتقي نداه وندى بطن الأرض

فشبه سرعة اتفاق المتفقين على المودة بعد تباينهما بالماء ينزل من السماء فيلتقي مع ما تحت الأرض
وقريب من هذا قول النبي ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )
وأخذ ذلك أبو نواس فقال
( إن القلوب لأجناد مجندة ... لله في الأرض بالأهواء تأتلف )
( فما تعارف منها فهو معترف ... وما تناكر منها فهو مختلف )
وخالف ذلك ابن الرومي فقال
( قالوا القلوب تجازى قلت ويحكم ... هذا المحال فكفوا لا تغروني )
( على الخبير سقطتم ها انا رجل ... أحببت في الناس قوما لم يحبوني )
208 - قولهم احبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوما ما
المثل لأمير المؤمنين علي عليه السلام
هونا أي قصدا غير إفراط
اخبرنا ابو احمد عن الجوهري عن عمرو بن فلان وعن عبد الله بن عمرو عن زيد بن انيسة عن محمد بن عبيد الله الأنصاري عن أبيه قال

سمعت عليا عليه السلام يقول مرارا اللهم إني أبرأ إليك من قتلة عثمان وإني أرجو ان يصيبني وعثمان قول الله ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ) قال ورأيت عليا في داره يوم أصيب عثمان فقال ما وراءك قلت شر قتل عثمان
فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ثم قال ( أحبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى ان يكون حبيبك يوما ما )
وقال النمر بن تولب
( وأحبب حبيبك حبا رويدا ... لئلا يعولك ان تصرما )
( وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا انت حاولت ان تحكما )
ومن جيد ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم لا تكن مكثرا ثم تكون مقلا فيعرف سرفك في الإكثار وجفاؤك في الاقلال
ومنه قول عمر رضي الله عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا
209 - قولهم أساف حتى ما يشتكي السواف
السواف ذهاب المال وهلاكه
يقال ساف المال إذا هلك وأساف صاحبه كما يقال أجرب الرجل إذا صارت إبله جربى وبه سمي السيف سيفا لأنه يهلك الناس

وقال حمزة الأصفهاني السيف فارسي معرب قال وهو سيف وكيف يقال ذلك وله اصل في العربية صحيح وأصله سيف فخفف كما قيل في ميت ميت ومعنى المثل انه اعتاد الفقر والشدة حتى لا يبالي به كبير مبالاة وهانت عليه وطأة النوائب لكثرة ما تعاورته ومثله قول الشاعر
( وفارقت حتى لا ابالي من انتوى ... ولو بان جيران على كرام )
وقول الآخر
( روعت بالبين حتى ما أراع به ... )
وقال أبو العتاهية ويروى لغيره
( تعودت مس الصر حتى ألفته ... وأسلمني طول العزاء الى الصبر )
( ووسع قلبي للأذى كثرة الأذى ... وإن كان احيانا يضيق به صدري )
( وصيرني يأسي من الله واثقا ... بحسن صنيع الله من حيث لا ادري )
210 - قولهم استقدمت رحالته
يقال ذلك للرجل يعجل الى صاحبه بالشتم وسوء القول
والرحالة شيء من الأدم مدور مبطن يجعله الفارس تحته وكانت للعرب بمنزلة السرج وكانوا لا يعرفون السروج والسرج للفرس وإنما هو سرك
قال عنترة
( إذ لا ازال على رحالة سابح ... نهد تعاوره الكماة مكلم )

وإذا استقدمت رحالة الفارس فسد ركوبه فجعل ذلك مثلا لمن فسد قوله ويروى ( استقدمت راحلته )
211 - قولهم ادرك أرباب النعم
وأصل المثل ان نعما طردت لبعض العرب فاعترضها قوم يريدون ردها فقاتلوا عليها قتالا ضعيفا ثم جاء أربابها فصدقوا القتال حتى ردوها
معناه جاء من له بالأمر عناية ولا يلي الأمر حق ولايته الا المعني به ومثله قولهم ( أهل القتيل يلونه )
212 - قولهم إنباض بغير توتير
يضرب مثلا للرجل ينتحل الشيء ولا يحسنه او يدعيه وليس له يقول ينبض القوس من غير أن يوترها والإنباض جذب القوس بالوتر لترن قال الشماخ
( إذا انبض الرامون عنها ترنمت ... ترنم ثكلى اوجعتها الجنائز )
وهو مثل قولهم ( كالحادى وليس له بعير ) وقريب منه قول الشاعر
( وهل ينهض البازي بغير جناح ... )
ومثله قولهم ( تجشأ لقمان من غير شبع )

213 - قولهم أقصر لما ابصر
يضرب مثلا للراجع عن الذنب
والإقصار الكف عن الشيء مع القدرة عليه والقصور العجز عنه قصرت عنه وانا قاصر وإذا لم تقدر عليه وأقصرت عنه إذا تركته وانت قادر عليه
والمثل لأكثم بن صيفي في كلام طويل له نودره فيما بعد
214 - قولهم اول الحزم المشورة
وهو من جيد ما قيل في المشورة وقال بعضهم المستشير بين خيرين صواب يصيبه او خطأ يشارك فيه وهذا من اجود ما قيل فيها ايضا
والمشورة على وزن مثوبة ومشورة جائزة وليس كل ما جاز جاد وأصلها من قولهم شرت العسل أشورة إذا جنيته فكأن المستشير يجني الرأي من غيره وأصل الكلمة الإظهار وسميت العورة شوارا وذلك ان العورة تستر كما قيل للزنجي ابو البيضاء وهذا ونظائره جاء على القلب ونحوه المفازة والسليم
ويجوز ان يكون المشورة مأخوذة من شرت الدابة إذا أجريتها لتعرف أمرها والمشوار الموضع الذي تركبها فيه لذلك
وفي المثل ( الخطبة مشوار كثير العثار )

215 - قولهم التقى حلقتا البطان والتقى البطان والحقب
يضرب مثلا للأمر يبلغ الغاية في الشدة والصعوبة وأصله ان يحوج الفارس الى النجاء مخافة العدو فينجو فيضطرب حزام دابته حتى يمس الحقب ولا يمكنه أن ينزل فيصلحه
والبطان حزام الرحل وأكثر ما يستعمل للقتب
والحقب النسعة التى تشد في حقو البعير ويشد على حقيبته والحقيبة الرفادة تشد في مؤخر القتب وكل شيء شددته في مؤخر قتبك او رحلك فقد احتقبنه ثم كثر ذلك حتى قيل لمن اكتسب خيرا او شرا قد احتقبه
216 - قولهم اعلل تحظب
معناه كل مرة بعد مرة حتى تسمن
يضرب مثلا للحريص يجمع ولا يشبع
يقال حظب الرجل حظوبا إذا امتلأ
ويروى ( أعلل ) وهو من العلل والعلل الشربة الثانية
217 - قولهم أي الرجال المهذب
يضرب مثلا للرجل يعرف بالإصابة في الأمور وتكون منه السقطة وأصله من قول النابغة

( ولست بمستبق أخا لا تلمه ... على شعث أي الرجال المهذب )
وقريب منه قول معقل بن خويلد جاهلي
( يرى الشاهد الوادع المطمئن من ... الأمر مالا يرى الغائب )
ثم قال
( وقول عدو وأي امرىء ... من الناس ليس له عائب )
وقلت
( وأي حسام ليس ينبو وينثني ... وأي جواد ليس يكبو ويظلع )
218 - قولهم اطرقي وميشي
يضرب مثلا للرجل يخلط الإصابة بالخطأ
وأصله خلط الشعر بالصوف قال رؤبة
( عاذل قد اولعت بالترقيش ... إلى سرا فاطرقي وميشي )
يقال مشت الوبر بالصوف إذا خلطتهما ثم ضربتهما بالمطرقة وهو العود الذي يطرق به والمصدر الطرق

219 - قولهم استغنت التفة عن الرفة
التفة السبع الذي يقال له عناق الأرض بالتثقيل والتخفيف والرفة التبن وقيل دقاق التبن بالتثقيل والتخفيف أيضا فمن خفف قال أصله رفهة والمعنى ان التفة سبع يقتات اللحم فهي مستغنية عن التبن
يضرب مثلا للرجل يستغني عن الشيء فلا يحتاج إليه اصلا
220 - قولهم إن كنت بي تشد ازرك فأرخه
معناه إن كنت تعتمد علي في حاجتك حرمتها ومثله قول الراجز
( مثل حماس وأبي كوألل ... ومن يكونا حامليه يرجل )
وقال غيره
( ومن تكن انت راعيه فقد هلكا ... )
ويقال فلان شد أزر فلان إذا اعانه وقواه وفي القرآن ( اشدد به ازري ) وفيه ( فآزره ) وأصله من الإزار
221 - قولهم اسر وقمر لك
يضرب مثلا في اغتنام الفرصة يقول اغتننم ضوء القمر فسر فيه قبل ان يغيب فتخبط الظلمة

222 - قولهم ابدأهم بالصراخ يفروا
يضرب مثلا للرجل يسيء الى صاحبه فيتخوف اللائمة من الناس فيبدؤهم بالشكاية والتجني ليكفوا عن لومه
والصراخ رفع الصوت من الجزع والصارخ المغيث والمستغيث وذلك ان كل واحد منهما يصرخ بصاحبه هذا بالدعاء وذاك بالإجابة
قال سلامة بن جندل
( إنا إذا ما اتانا صارخ فزع ... كانت إجابته قرع الظنابيب )
يعني المستغيث ويدل على ذلك قوله فزع وقال غيره
( وكانوا مهلكي الأبناء لولا ... تداركهم بصارخة شفيق )
فهذا هو المغيث ويقال استصرخت فلانا فأصرخني أي استغثته فأغاثني ويقال سمعت الصرخة الأولى يعني الأذان
223 - قولهم احلب واشرب
هكذا رواه بعضهم قال ويضرب مثلا للشيء يمنع وروى ( ليس كل اوان أحلب وأشرب ) وهو الصحيح ويضرب مثلا للمنع يقول لست أجد كل اوان حلوبة احلبها وأشرب لبنها فليس ينبغي ان أضيعها وهو مثل قول المحدث

( فليس في كل يوم ينجح الطلب ... )
وقال الشاعر
( يقولون إن العام أخلف نوءه ... وما كل عام روضة وغدير )
224 - قولهم إمعة وإمرة
يقال رجل إمعة وإمرة إذا لم يكن له رأي يعتمد فهو يتبع كلا على رأيه
وأصل الإمرة من ولد الضأن يقال إذا قل مال الرجل ( ماله إمر ولا إمرة ) وإنما شبه بها الرجل الذي لا رأي له المتبع لغيره في الرأي لأنها تتبع مقدماتها في السعي فلو سقطت احداهن في جرف سقطت معها وهذا معنى قول الأعرابي ( وأمر مغويتهن يتبعن ) وسنذكره بعد إن شاء الله تعالى
والإمر الرجل الضعيف ايضا
قال امرؤ القيس بن مالك الحميري
( ولست بذي رثية إمر ... إذا قيد مستكرها أصحبا )
أصحب إذا أطاع ولم يمتنع هذا قول بعضهم وقال غيره رجل إمع وامرأة إمعة إذا لم يكن له رأي فهو يتبع الناس على رأيهم ورجل إمر ضعيف
وقال ابن مسعود لا يكونن احدكم إمعة وهذا هو الصحيح عندي
225 - قولهم أصبح ليل
يقال ذلك لليلة الشديدة ومنه قول الشاعر

( فبات يقول أصبح ليل حتى ... تجلى عن صريمته الظلام )
وأصله ان امرأ القيس بن حجر تزوج امرأة ففركته وكان مفركا تبغضه النساء وكانت امه ماتت في صغره فأرضعه أهله بلبن كلبه فكانت ريحه إذا عرق ريح الكلب هكذا زعموا فكرهت امرأته مكانه من ليلته فجعلت تقول يا خير الفتيان أصبحت فيرفع رأسه فيرى الليل على حاله فينام فتقول المرأة ( أصبح ليل ) فلما أكثرت قال ما تكرهين مني قالت أكره منك انك خفيف العجز ثقيل الصدر سريع الهراقة بطيء الإفاقة وأن ريحك إذا عرقت ريح كلب فطلقها
226 - قولهم ألقى عليه يديه الأزلم الجذع
أي هلك وذهب امره وأنشد
( إني أرى لك أكلا لا يقوم به ... من الأكولة إلا الأزلم الجذع )
والأزلم الجذع الدهر وقال ابن الزبير
( وإلا فأسلمهم إلى أدعهم ... على جذع من حادث الدهر ازلما )
وقال آخر
( إني أخاف عليه الأزلم الجذعا ... )

227 - قولهم أعطاه إياه بقوف رقبته
قالوا أي أعطاه إياه ولم يطلب عوضا منه
واما قولهم ( أخذ بقوف رقبته ) فمعناه أخذ بقفاه وقال بعضهم بطوف رقبته وقال بعضهم القوف شعر القفا
228 - قولهم أطرق كرا إن النعام في القرى
قال الرستمي يضرب مثلا للرجل يتكلم عنده فيظن انه المراد بالكلام فيقول المتكلم ذلك أي اسكت فإني اريد من هو انبل منك
وقال غيره يضرب مثلا للرجل الحقير إذا تكلم في الموضع الجليل لا يتكلم فيه امثاله
والمعنى اسكت ياحقير حتى يتكلم الأجلاء
والكرى الكروان وهو طائر صغير فشبه به الذليل وشبه الأجلاء بالنعام
واطرق أي أغض من إطراق العين وهو خفض النظر
وقيل كرى وكروان كما تقول فتى وفتيان
وقيل الكروان جمع الكروان كما تقول ورشان في جمع ورشان
229 - قولهم أبى العبد ان ينام حتى يحلم بربته
يضرب مثلا لمن يطلب مالا يستحق ولا ينبغي له
وربته مالكته

230 - قولهم انا من غزية
يقوله الرجل ينصح لمن لا يقبل نصيحته
وأصله قول دريد بن الصمة أخبرنا به ابو احمد عن الصولي عن محمد بن الحسن الغياني عن ابي حاتم عن ابي عبيدة قال أشار خالد بن صفوان التميمي على سفيان بن معاوية المهلبي الا يحارب سلم بن قتيبة الباهلي وكان أمير البصرة من قبل مروان ابن محمد وكان ابو سلمة الخلال قد كاتب سفيان بإمارة البصرة فقال خالد لسفيان انتظر فإن كان الأمر لمروان فما الرأي لك محاربة عامله وإن كان لأصحابك لجأ سلم إليك فلم يقبل منه وحاربه فهزم وقتل ابنه معاوية بن سفيان فقال له خالد ( انا من غزية ) قال وما معنى هذا قال أردت قول دريد بن الصمة
( أمرتهم امري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد )
( فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم وأنني غير مهتد )
( وما أنا الا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد )
وغزية قبيلة وكان دريد أشار على أخيه عبد الله بالنجاء وترك التلبث وهو منصرف عن غارة أغارها فأبي فأدركه الطلب فقتل
وشرحنا حديثه في كتاب ( ديوان المعاني )

231 - قولهم أهلك والليل
أي أدرك أهلك مع الليل وهو على مذهب قولهم ( استوى الماء والخشبة )
وقال الجرمي بادر أهلك قبل الليل وقال ابن درستويه يريد الحق أهلك لأنه لا يجوز ان يعني ( بادر أهلك ) إنما يبادر الليل ويسابقه
و ( الليل ) منصوب بفعل آخر كأنه قال وسابق الليل او احذر الليل فأما قوله قبل الليل فهو معنى الكلام وليس تقدير الإعراب عليه ولو كان التقدير عليه لكان ( الليل ) مجرورا ولكن اذا سابقت الليل ولحقت أهلك فمعناه انك لحقتهم قبل الليل فإن أظهرت هذا الفعل المضمر جاز وكذلك ( رأسك والجدار ) أي احفظ رأسك واحذر الجدار إذا كنت تحذره فإن كنت تأمره فمعناه انطح رأسك بالجدار
232 - قولهم الإيناس قبل الإبساس
معناه ينبغي ان يؤنس الرجل ويبسط ثم يكلف ويسأل
وأصله في الناقة تداريها وتمسحها وتبس بها لتفاج للحلب
والإبساس ان تقول لها ( بس بس ) لتسكن وقد بس بها الرجل وأبس قال الشاعر
( فلحى الله طالب الصلح منا ... ما اهاب المبس بالدهماء )
وناقة بسوس إذا كانت تدر على الإبساس

233 - قولهم إن البغاث بأرضنا يستنسر
نفسره في الباب الثاني إن شاء الله
234 - قولهم البس لكل حالة لبوسها
المثل لبيهس وسنذكر خبره
235 - قولهم اخطأت استه الحفرة
يضرب مثلا للرجل يتوخى الصواب فيجيء بالخطأ
وقريب منه قولهم ( أصاب الصواب فأخطأ الجواب ) وأصاب هاهنا بمعنى أراد وفي القرآن ( رخاء حيث أصاب )
236 - قولهم أساء كاره ما عمل
يضرب مثلا للرجل يكره على الأمر فلا يبالغ فيه
والفرس تقول إذا أكره الكلب على الصيد لم يسر الصاحب ولا الصاحبة
237 - قولهم إحدى نواده البكر
أي إحدى النساء اللواتي يندهن البكر يضرب مثلا للداهية النكر

238 - قولهم أصوص عليها صوص
هو كقولهم المركوب خير من الراكب والأصوص الحائل السمينة والصوص اللئيم الذي لا خير فيه
239 - قولهم إن سوادها قوم لي عنادها
سواد الشيء لزومه أي لزمته ورضته حتى تقوم
240 - قولهم أدني حماريك أزجري
أي عليك بأدني أمرك ثم تناولي الأبعد
241 - قولهم اختلفت رءوسها فرتعت
قال ثعلب يضرب مثلا للقوم يختلفون في الأمر ولا تجتمع آؤارهم فيه على شيء
242 - قولهم إن الغني لطويل الذيل مياس
أي لا يستطيع صاحب المال ان يكتمه

تفسير الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة الواقع في اوائل أصولها
الألف
243 - آمن من الأرض
من الأمانة لأنها تؤدي ما تودع ويقولون ( أكتم من الأرض ) و ( أحفظ من الأرض ) و ( أحمل من الأرض ) وأخذ مسلم بن الوليد معنى هذا المثل فقال ما في الأرض نديم خير من حائط استودعه ما شئت يؤده إليك وحدثه بما شئت يكتمه عليك وابصق في وجهه من غير جرم لا يشمئز منك يرغب في الوحدة والانفراد من الناس
244 - آمن من حمام مكة وآلف أيضا
من الأمن والإلف وذلك انها لا تثار ولا تصاد فهي تأمن ويطول عهدها هناك فهي تألف
245 - آلف من غراب عقدة
وعقدة أرض كثيرة الشجر فلا يكاد الغراب يفارقها لخصبها
وقيل كل أرض مخصبة عقدة والعقدة من الكلأ مايكفي الإبل سنة وعقدة الدور من ذلك لأنها كفاية أصحابها

246 - قولهم آبل من حنيف الحناتم
وهو رجل من تيم اللات حاذق يرعى الإبل يقال رجل آبل بين الإبالة إذا كان بصيرا بالإبل ومعالجتها
وكان يقول من قاظ الشرف وتربع الحزن وتشتى الصمان فقد اصاب المرعى
قال ابن حبيب وكان ظم إبله غبا بعد عشر واظماء الناس غب وظاهره والظاهره أقصر الأظماء وهو ان ترد الإبل في كل يوم مرة والغب ان ترد يوما وتغب يوما والثلث ان تغب يومين وترد في اليوم الثالث وكذلك إلى العشر تنقص يومين يومين والعريجاء ان ترد كل يوم ثلاث مرات والرغرغة والرفه أن ترد متى شاءت ومنه قيل رفاهية العيش لسعته
247 - آبل من مالك بن زيد مناة
وكان آبل أهل زمانه على حمقه
وقد ذكرنا قصته فيما تقدم
248 - آكل من حوت
لبلعه الأشياء من غير مضغ وإنما يسرع الشبع مع المضغ ويبطىء مع البلع من غير مضغ فالماضغ يشبعه القليل والبالع لا يشبعه الكثير هكذا سبيل الماء في الرشف والعب قال صاحب كتاب الحيوان القديم الحوت

وجميع السمك يأكل ولا يشرب وإذا حصل الماء في جوف شيء منها قتله وأظن رؤبة سمع ذلك فقال
( والحوت لا يرويه شيء يلهمه ... يصبح ظمآن وفي البحر فمه )
وقد يقال ( أروى من حوت ) وإن كان لا يشرب لأنه لا يحتاج الى الشرب كما يقال ( أروى من ضب ) وهو لا يشرب أبدا
249 - آكل من سوس
وقيل لخالد بن صفوان كم ترزق ابنك قال ثلاثين في الشهر وإنها لأسرع في مالي من السوس في الصوف في الصيف
250 - آكل من الفيل ومن النار ومن الفأر
معروف ما يعنى به
251 - آكل من لقمان
وكانوا يقولون إنه كان يتغدى جزورا ويتعشى جزورا وهذا من أكاذيبهم على انهم رووا ان هلال بن الأسمر قتل رجلا من قومه ففر على رجليه حتى لقي صديقا له من بني يربوع فزوده وحمله على بكره

فلما أقفر جاع فنحرها وأكلها الا بقية حملها على ظهره قال فرحت وناقتي في بطني وعلى ظهري وذكروا أنه او غيره نحر جزورا فقعد على جانب منها وامرأته على جانب فأكلاها ثم اراد غشيانها فلم يقدر عليه فقالت امرأته كيف تدنو مني وادنو منك وفيما بيننا جزور
252 - آكل من ضرس
معروف
253 - آلف من كلب
وذلك ان صاحب المنزل إذا رحل عنه لم يتبعه فرس ولا بغل ولا ديك ولا دجاجة ولا حمامة ولا هرة ولا شاة ولا عصفور ولا شيء مما يعايش الناس الا الكلب فإنه يتبعه حيث يمضي ويحميه ويؤثره على وطنه ومسقط رأسه
254 - آلف من الحمى
وذلك انها إذا تمادت احتمى صاحبها وتداوى فإذا ظن انها فارقته عادت إليه

الباب الثاني فيما جاء من الأمثال المضروبة في أوله باء
فهرسته
بدا بجيث القوم
برح الخفاء
بالرفاء والبنين
البلاء موكيل بالمنطق
به لا بظبي بالصرائم أعفرا
برق الخلب
بين حاذف وقاذف
باليدين ما اوردها زائدة
به داء الظبي
بنت الجبل
بيتي يبخل لا انا
بالساعد تبطش الكف
بأذن السماع سميت
بين العصا ولحائها
بق نعليك وابذل قدميك
بلغ من العلم أطوريه
برد غداة غر عبدا من ظمأ
بعت جاري ولم ابع داري
برقى لمن لا يعرفك
بلغ السيل الزبى
بلغ منه المخنق
بالت بينهم الثعالب
بينهم داء الضرائر
بين الحذيا والخلسة
بين المطيع وبين المدبر العاصي
به تقرن الصعبة
بئس مقام الشيخ امرس أمرس
بعد اللتيا والتي
بعد الهياط والمياط
بيضة العقر
بين سمع الأرض وبصرها
بقطية بطبك
بصبصن بالأذناب إذ حدينا
بيدي لا بيدي عمرو
بسالم كانت الوقعة
باءت عرار بكحل
بطني فعطري
بعد خيرتها تحتفظ
بلغ الله بك اكلأ العمر
بجنبه فلتكن الوجبة
بدل أعور
البادي أظلم
ببطنه يعدو الذكر
البغاث بأرضنا يستنسر
بيضة البلد
ببقة صرم الأمر
البضاعة تيسر الحاجة

فهرست الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة الواقع في اوائل أصولها
الباء
أبعد من النجم
أبصر من فرس
أبصر من عقاب
أبصر من نسر
أبصر من غراب
أبصر من الكلب
أبصر من الزرقاء
أبأي من حنيف الحناتم
أبأي ممن جاء برأس خاقان
أبر من فلحس
أبر من الذئبة
أبر من الهرة
أبكر من الغراب
أبغض من الطلياء
أبرد من عضرس
أبرد من عبقر وحبقر
أبرد من جربياء
أبخل من مادر
أبخل من حباحب
أبخل من صبي
أبخل من ذي معذرة
أبلغ من سحبان
أبين من قس
أبلد من سلحفاة
أبلد من ثور
أبذى من مطلقة
أبكى من يتيم
أبيض من دجاجة
أبخر من صقر
أبخر من فهد
أبول من كلب
أبين من وضح الصبح
أبقى من وحي في حجر
البئر أبقى من الرشاء
أبقى من تفاريق العصا
أبطش من دوسر

تفسير الباب الثاني
255 - قولهم بدا نجيث القوم
أي ظهر ما كانوا يخفون والنجيث الأمر يستخرج فيظهر وهو نجيث ومنجوث وقد نجث
وأصله من قولهم نجثت التراب أنجثه نجثا إذا استخرجته من بئر أو حفرة
ورجل نجاث بحاث عن الأمور والتراب نجيث ومنجوث والجنثي بالضم القين والجنثي بالكسر اسم من اسماء السيف قال الشاعر
( بجنثية قد احكمتها الصياقل ... )
256 - قولهم برح الخفاء
معناه زال الستر وانكشف السر وهو من قولهم برح الرجل من مكانه إذا زال عنه
وقال ثعلب معناه صار في براح من الأرض وهو ما ظهر منها فأما قولهم ما برح فلان يفعل كذا فمعناه ما زال يفعله
وفي القرآن ( لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ) أي لا ازال أسير حتى أبلغه وأبرح الرجل إذا جاء بالبرحاء وهو الأمر الجسيم قال الشاعر
( أبرحت ربا وأبرحت جارا ... )

وبرح به الأمر إذا صعب عليه واشتد
وتباريح الشوق شدته
257 - قولهم بالرفاء والبنين
يقال ذلك للمتزوج
والرفاء الموافقة والملاءمة من قولك رفأت الثوب إذا لأمت خرقه وقد ذكرنا أصل المثل
وقال شقيق بن سليك لامرأة فارقها
( وطوفي لتلتقطي مثلنا ... وأقسم بالله لا تفعلينا )
( ولكن لعلك ان تنكحي ... لئيم المركب خبا بطينا )
( فإما نكحت فلا بالرفاء ... إذا ما نكحت ولا بالبنينا )
( إذا ما حملت الى داره ... أعد لظهرك سوطا متينا )
( كأن المساويك في شدقه ... إذا هن اكرهن يقلعن طينا )
يعني انه أقلح
فأما قولهم رفوت بغير همز فمعناه التسكين يقال رفوت الرجل إذا سكنت فزعه قال الهذلي
( رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وانكرت الوجوه هم هم )

258 - قولهم البلاء موكل بالمنطق
قاله رسول الله
أخبرنا ابو احمد قال حدثنا احمد ابن زهير قال حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا العلاء بن عبد الملك ابن هارون بن عنتر عن ابيه عن جده علي عليه السلام ان رسول الله قال ( البلاء موكل بالمنطق )
واخبرنا أبو أحمد قال حدثنا احمد بن جعفر الجمال إجازة قال حدثنا محمد ابن مقاتل قال حدثنا نصر بن باب عن أبي اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( البلاء موكل بالقول فلو ان رجلا عير رجلا برضاع كلبة لرضعها )
وأنشدنا قال
أنشدنا القاضي بن بهلول
( لا تمزحن بما كرهت فربما ... ضرب المزاح عليك بالتحقيق )
وقال غيره
( لا تنطقن بما كرهت فربما ... نطق اللسان بحادث فيكون )
وقال آخر
( احفظ لسانك ان تقول فتبتلى ... إن البلاء موكل بالمنطق )
259 - به لا بظبي بالصرائم أعفرا
المثل للفرزدق ويضرب للشماتة بالرجل يقول نزل به المكروه

ولا نزل بظبي ان عنايتي بالظبي أشد من عنايتي به ومن حديثه أن الفرزدق هجا بني نهشل فقال
( إذا تم أير النهشلي لأمه ... ثلاثة أشبار فقد طاح دينها )
وقال
( لعمري لئن قل الحصى في عديدكم ... بني نهشل مالؤمكم بقليل )
وقال
( بحق امرىء كانت رميلة امه ... يميل عليه اللؤم حيث يميل )
( تقصر باع النهشلي عن العلا ... ولكن أير النهشلي طويل )
ثم خرج الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة والختات بن يزيد بن صعصعة والمجاشعي عم الفرزدق إلى معاوية فوصلهم ونقص حتاتا فعاتبه الحتات فقال معاوية اشتريت منهما دينهما ووفرت عليك دينك قال فاشتر مني ديني ايضا فألحقه بهما في الصلة فأقام يتنجزها فطعن فمات فرجع معاوية فيما اعطاه فقال الفرزدق وهو بالبصرة
أبوك وعمي يامعاوى أورثا ... تراثا فأولى بالتراث أقاربه )
( فما بال ميراث الحتات اكلته ... وميراث حرب جامد لك ذائبه )
( فلو كان هذا الأمر في جاهلية ... علمت من المولى القليل حلائبه )
( ولو كان ذا في غير دين محمد ... لأديته او غص بالماء شاربه )

( ولو كان إذ كنا وللكف بسطة ... لصمم عضب فيك ماض مضاربه )
( فكم من أب لي يا معاوى لم يزل ... أغر يباري الريح ازور جانبه )
( وكم من أب لي يا معاوى لم يكن ... أبوك الذي من عبد شمس يقاربه )
( نمته فروع المالكين ودارم ... وساد جميع الناس مذ طر شاربه )
فوجد النهشليون عليه سبيلا فسعوا به الى زياد وقالوا قد هجا امير المؤمنين فقال زياد لعريف بني مجاشع أحضرني قومك والفرزدق فيهم ليأخذوا عطاءهم فأحس الفرزدق بالشر فهرب وقال
( دعاني زياد للعطاء ولم اكن ... لآتيه مانال ذو حسب وفرا )
( وعند زياد لو يريد عطاءهم ... رجال كثير قد اماتهم فقرا )
في أبيات قالها فما زال يطوف في احياء العرب حتى اتى المدينة عائذا بسعيد ابن العاص وقال
( إليك فررت منك ومن زياد ... ولم أحسب دمي لكما حلالا )
( ترى العر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان غالا )
( قياما ينظرون الى سعيد ... كانهم يرون به هلالا )
( فإن يكن الهجاء أحل قتلي ... فقد قلنا لشاعركم وقالا )
وأخذ هذا المعنى نصيب فقال
( أغر إذا الرواق أنجاب عنه ... بدا مثل الهلال على مثال )

( تراءته العيون كما تراءت ... عشية فطرها وضح الهلال )
وأخذه المحدث وقال
( كأنه والعيون ترمقه ... من كل وجه هلال وشوال )
فآمنه سعيد فقال
( ألا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة يخب بها البريد )
( بأن قد فررت إلى سعيد ... ومن يسطيع ما يحمي سعيد )
فبلغ زيادا ذلك فقال والله لا أرضى عنه حتى ينتسب في بني فقيم فقال
( ألا من مبلغ عني زيادا ... بأني قد فررت الى سعيد )
( فإن شئت انتسبت الى النصارى ... وإن شئت انتسبت إلى اليهود )
( وإن شئت ادعيت الى فقيم ... وإن شئت ادعيت الى القرود )
( وأبغضهم إلى بنو فقيم ... لئام الناس في الزمن الحرود )
فذكر النصارى واليهود والقرود ثم قال ( وأبغضهم الى بنو فقيم ) فبالغ مبالغة شديدة فقال له مروان لم ترض ان نكون قعودا ننظر اليه حتى جعلتنا قياما فقال له إنك منهم يا ابا عبد الله لصافن فحقدها عليه مروان فلما عزل سعيد احضره مروان فقال انت القائل
( هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم الريش كاسره )
( فقلت ارفعا الأستار لا يشعروا بنا ... وادبرت في أعجاز ليل أبادره )

قال نعم قال أفتقول مثل هذا بين ازواج رسول الله اخرج عن المدينة
فاستجار عبد الله بن جعفر فلما مات زياد بلغه ان مسكينا الدارمي رثاه فقال
( رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهارا حين ودعنا زياد )
فقال الفرزدق ولم يكن هجا زيادا حتى مات
( أمسكين أبكى الله عينك إنما ... جرى في ضلال دمعها فتحدرا )
( بكيت امرأ من اهل ميسان كافرا ... ككسرى على عدانه او كقيصرا )
( أقول له لما اتاني نعيه ... به لا بظبي بالصرائم أعفرا )
وقال
( كيف تراني قالبا مجنى ... أقلب امري ظهره لبطن )
( قد قاتل الله زيادا عني ... )
والصرائم جمع صريمة وهي قطعة من الرمل
والأعفر الذي لونه لون العفر وهو التراب
260 - قولهم برق الخلب
يجعلونه مثلا لكل شيء لا حقيقة له وهو البرق الذي لا مطر معه
وأصله من الخلابة وهي الخداع
يقال برق خلب وبرق خلب وقيل الخلب ما كان يخلف برقه قال ابو الأسود الدؤلي

( لا تهني بعد إذ أعززتني ... وشديد عادة منتزعة )
( لا يكن برقك برقا خلبا ... إن خير البرق ما العيث معه )
وقال غيره في هذا المعنى
( قبح الإله عداتكم ... كالبرق ليس له بليل )
( أنت الفتى كل الفتى ... لو كنت تفعل ما تقول )
وقال آخر
( ما كل بارقة تجود بمائها ... )
وقلت في غير هذا المعنى
( وقد حسنت عندي كواذب وعده ... وياربما استحسنت بارق خلب )
261 - قولهم بين حاذف وقاذف
يضرب مثلا للرجل لا ينصرف من مكروه الا الى مثله
وأصله في الأرنب وذلك ان كل شيء يطمع فيها حتى الغراب وقال بعضهم اول من تمثل به عمرو بن العاص ومن حديثه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استقدمه من مصر وهو واليه عليها فسار سبعا إلى المدينة فقال له عمر لقد سرت سير الصرورة المشتاق قال إني لم تأبطني الإماء ولم ينفض على سوادهن فقال عمر إن الدجاجة ربما فحصت في التراب

فباضت عليه من غير طروقة فانصرف عمرو واجما فلقي رجلا من الأنصار فشكا عمر إليه فقال إنك قد صقعت الحاجب واوضعت بالراكب فقال لا أقع الا على حاذف او قاذف
القاذف بالحجر والحاذف بالعصا والطروقة الفحل
والصرورة الذي لم يحج والذي لم يتزوج أيضا
262 - قولهم باليدين ما اوردها زائدة
و ( ما ) زائدة
يضرب مثلا للرجل يزاول الأمر العظيم فيأخذه بقوة وأصله في الإبل الجلاء يحتاج موردها الى فضل قوة واليد القوة والقدرة وربما قيل اليدان في معنى القوة كما قال الشاعر
( فاعمد لما نعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان )
واما قوله تعالى ( بل يداه مبسوطتان ) فمعناه نعمتاه الظاهرة والباطنة في الدنيا والدين
وقولهم الضيعة في يد فلان أي هي في ملكه وتحت قدرته وهذا معنى القبضة ايضا قال عروة بن حزام
( تكلفت من عفراء ما ليس لي به ... ولا بالجبال الراسيات يدان )
وزائدة اسم رجل
263 - قولهم به داء الظبي
ومعناه انه صحيح لاداء به ولا تخلو الظباء من الأدواء كسائر الحيوان

ولكن لما رأتها العرب تفوت الطالب ولا يقدر على لحقاها المجتهد نسبوا ذلك الى صحة أجسامها فقالوا لاداء بها ويقولون ( مابه قلبه ) أي ما به داء وأصله في الدابة يكون في باطن حافرها داء فيقلبه البيطار وينظر اليه ويداويه
قال الراجز
( ولم يقلب أرضها البيطار ... ولا لحبليه بها حبار )
والحبار الأثر ومنه سمي الحبر حبرا لتأثيره في الكتب
وأرض الدابة قوائمها وهي هاهنا حافرها قال الشاعر
( وأحمر كالديباج اما سماؤه ... فريا واما أرضه فمحول ) سماؤه أعلاه وأرضه أسفله
264 - قولهم بنت الجبل
يضرب مثلا للرجل يتكلم مع كل متكلم ويجيب كل قائل
وأصله الصدى الذي يجيب المتكلم في الجبال وما يجري مجراها واما من يتبع كلا على رأيه فهو إمعة وقد تقدم ذكره
وقلت في رجل تمتام كثير الكلام
( اسكت لحاك الله من اخرس ... لا يفهم الناس ولا يسكت )
( يجري مع النطاق مثل الصدى ... لا يحسن القول ولا يصمت )

265 - قولهم بيتي يبخل لا أنا
يقول ليس البخل من اخلاقي ولكن ليس في بيتي شيء اجود به
ووقفت امراة على بعض الأجواد فقالت أشكو إليك قلة الجرذان فقال ما الطف ما سألت وأعطاها حتى أغناها
وقريب من هذا المعنى قول الشاعر
( يرى المرء أحيانا إذا قل ماله ... من الخير أبوابا فلا يستطيعها )
( وما إن به بخل ولكن ماله ... يقصر عنها والبخيل يضيعها )
وقال أبو نواس
( كفى حزنا ان الجواد مقتر ... عليه ولا معروف عند بخيل )
وقال بعضهم من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد
266 - قولهم بالساعد تبطش الكف
أي إنما أقوى على ما اريده بالسعة والمقدرة وليس ذلك عندي
ويضرب مثلا أيضا لقلة الأعوان ونحوه قول الشاعر
( أولئك إخواني الذين رزئتهم ... وما الكف الا إصبع ثم إصبع )
ونحوه قول بشار
( ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم )
( وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم )

267 - قولهم بأذن السماع سميت
أي فعلك يصدق ما تسمعه الآذان من قولك يحثه ان يكون فعله تابعا لقوله وأحسن الأشياء ان يقدم فعلك قولك ودون ذلك في الحسن ان تفعل إذا قلت فأما ان تقول ولا تفعل فهو النكال
وقلت
( يقولون مالا يفعلون وإنما ... يطيب نثا من لا يقول ويفعل )
268 - قولهم بين العصا ولحائها
يقال دخل بين العصا ولحائها إذا دخل مدخلا خص فيه بما لم يخص به غيره
هذا قول بعضهم ونحن إذا نقول إذا دخل بين القرينين والصديقين بالشر
ونظمه شاعر فقال
( لا تدخلن تكلفا ... بين العصا ولحائها )
واللحاء قشر العود لحوت العود إذا قشرته ولحيت لرجل إذا لمته وجعل تأبط شرا اللوم خرقا للجلد فقال
( يامن لعذالة خذالة أشب ... يخرق باللوم جلدي أي تخراق )

269 - قولهم بق نعليك وابذل قدميك
أي ابذل نفسك واستبق مالك لئلا يختل امرك وقريب منه قول الشاعر
( واقذف بنفسك حيث يرجى الدرهم ... )
وقال أحيحة بن الجلاح
( استغن اومت ولا يغررك ذو نشب ... من ابن عم ولا عم ولا خال )
( إني أقم على الزوراء أعمرها ... إن الكريم على الإخوان ذو المال )
ومن أمثال كليلة التي نظمت
( المال فيه العز والجمال ... والذل حيث لا يكون مال )
وقال وكيع مات سفيان الثوري وله مائة وخمسون دينارا وكان الفاريابي يعاتبه في تقليب لدنانير فيقول له دعنا منك لولا هذه لتمندل القوم بنا تمندلا
وقال سعيد بن المسيب لا خير فيمن لا يجمع المال فيقضي به دينه ويصل به رحمه ويكف به وجهه
ومات وخلف دنانير
وقال اللهم إنك تعلم أني لم اجمعها الا لأصون بها وجهي وديني
وروى عن علي رضي الله عنه انه قال ربما تبلغ نفقتي في اليوم أربعين دينارا
وقال ابن عباس عندي نفقة ثمانين سنة لكل يوم ألف درهم
وفي الحديث أن ابن الصعبة يعني طلحة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير والقنطار مائة

رطل
قالوا ومات عبد الله بن مسعود وترك تسعين ألفا واوصى عبد الرحمن بن عوف لمن بقي ممن شهد بدرا بأربعمائة دينار لكل واحد فأخذوها واخذ عثمان معهم وهو خليفة واوصى بألف فرس في سبيل الله
وقال الشاعر
( يحيى الناس كل غني قوم ... ويبخل بالسلام على الفقير )
( ويوسع للغني إذا رأوه ... ويحبى بالتحية كالأمير )
270 - قولهم بلغ من العلم اطوريه
أي بلغ أقصاه
قال ابو زيد بلغ اطوريه بكسر الراء
وقال غيره اطوريه بفتحها والوجه الفتح معناه عرف منه الأصول والفروع وهو من قولك طرت الدار إذا طفت بها كلها
والأطوار الأصناف في قول الله تعالى ( وقد خلقكم أطوارا ) أي أصنافا في الوانكم واخلاقكم وقيل احوالا نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم لحما وعظاما
والطور المرة أيضا يقال طورا تزورني وطورا تجنبني اي مرة ومرة وقيل حالا وحالا
271 - قولهم برد غداة غر عبدا من ظمإ
يضرب مثلا لترك الاحتياط في الأمور ومفارقة الأخذ بالثقة وأصله ان رجلا خرج في برد غداة ولم يتزود الماء فلما حميت الشمس عليه هلك عطشا

272 - قولهم بعت جاري ولم ابع داري
يضرب مثلا للرجل يترك داره لسوء معاملة جاره
وفي الأثر ( الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق )
وقال العطوي
( يقولون قبل الدار جار مجاور ... وقبل الطريق النهج انس رفيق )
( فقلت وندمان الفتى قبل كأسه ... وما حث كأس المرء مثل صديق )
وساوم جار لفيروز بن حصين في دار له فلما قاموا على الثمن قال هذا ثمن الدار فأين ثمن جوار فيروز والله لا أبيعه الا بضعفي ثمن الدار فبلغ فيروز فبعث اليه بضعفي ثمنها وتركها له
واخبرنا ابو احمد عن ابي بكر بن دريد عن الرياشي عن ابن سلام قال مر طلحة بن عوف اخو عبد الرحمن بن عوف بدار ابن أذينة الشاعر وهو ينادي عليها فقال إن دارا قعدنا فيها وتحدثنا في ظلها لمحقوقة ان تمنع من البيع وبعث الى ابن أذينة بثمنها وأغناه عن بيعها
وهذا خلاف ما روى عن ابن الزيات انه كان يقول الجوار قرابة بين الحيطان والرحمة خور في الطبيعة وضعف في القلب وخبره في ذلك معروف
273 - قولهم برقي لمن لا يعرفك
يضرب مثلا للذي يتهدد ويوعد وليس عنده نكير
وقد يقال ( برق ) بالتكير ونحوه قول الشاعر

( إن الوعيد سلاح العاجز الورع ... )
وقال غيره
( وكثرة الصوت والإيعاد من فشل ... )
وقلت
( وتخافني الأيام فهي تخيفني ... وللنكس تهديد إذا ريع رائع )
274 - قولهم بلغ السيل الزبى
275 - وقولهم بلغ الحزام الطبيين
276 - وقولهم بلغ منه المخنق
يضرب مثلا للأمر يبلغ غايته في الشدة والصعوبة
والزبية حفيرة تحفر في نشز من الأرض وتغطى ويجعل عليها طعم فيراه السبع من بعيد فيأتيه فإذا استوى عليها انقض غطاؤها فيهوى فيها فإذا بلغها السيل فقد بالغ
ومثله ( بلغ الحزام الطبيين ) وقد فسرناه قبل وكتب عثمان إلى علي رضي الله عنهما اما بعد فقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين وطمع في من لا يدفع عن نفسه
( فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق )

ومثله قولهم ( بلغ منه المخنق ) أي بلغ منه غاية الجهد والمخنق الحلق وأصله في الماء يبلغ حلق الغريق فيكون في مجاورته موته
277 - قولهم بالت بينهم الثعالب
يضرب مثلا للقوم يقع بينهم الفساد وفي معناه ( خرئت بينهم الضبع ) و ( فسا بينهم الظربان )
وقال الشاعر في نحوه
( ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الود قد بالت عليه الثعالب )
ونذكر هذا المعنى بأتم من هذا الشرح بعد إن شاء الله تعالى جده
278 - قولهم بينهم داء الضرائر
يضرب مثلا للقوم بينهم عداوة وشر لا ينقطع
وحسد الضرائر وعداوة بعضهن لبعض دائمة قال الشاعر
( حسدوا الفتى إذ لم ينالوا شأوه ... فالقوم أعداء له وخصوم )
( كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا إنه لذميم )
وجمعت الضرة على الضرائر والحرة على الحرائر وهو جمع قليل
ويقال تزوج الرجل على ضر إذا تزوج امرأة على إمرأته الأولى وهو مضر
279 - قولهم بين الحذيا والخلسة
يضرب مثلا للرجل يسألك الشيء فإن أعطيته إياه والا اختلسه
والحذيا

العطية حذوت الرجل أحذوه وأحذيته أحذية إذا اعطيته والاسم الحذيا
واما الحذوة فالقطعة من اللحم
حذوت له حذوة وحذوة وحذوت النعل بالنعل حذوا وحذاء والحذاء النعل بعينها وحذوت الرجل وحاذيته سواء وحذى النبيذ اللسان يحذيه إذا قرصه
280 - قولهم بين المطيع وبين المدبر العاضي
يضرب مثلا للرجل يكون بين الطاعة والخلاف فلا يوثق منه بأحدهما
وليس في الإخوان شر ممن هذه الحال حاله لأنك لا تعرف على أي امريه تعتمد وإذا بنيت امرك على حالة منه نقضه بغيرها وقال المثقب
( فإما ان تكون أخي بحق ... فأعرف منك غثي من سميني )
( وإلا فاطرحني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني )
وقال رجل من عبد القيس لابنه يا بني لا تؤاخ احدا حتى تعرف موارد اموره ومصادرها فإذا استنبطت منه الخبرة ورضيت منه العشرة فاصحبه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة
281 - قولهم به تقرن الصعبة
يراد انه قوي على المستصعب من الأمور إذا قرن به ذلله

ونحوه قول بشار
( فقل للخليفة إن جئته ... نصيحا ولا خير في المتهم )
( إذا أيقظتك جسام الأمور ... فنبه لها عمرا ثم نم )
282 - قولهم بئس مقام الشيخ أمرس أمرس
يضرب مثلا للرجل يكون في امر يكره لمثله ان يكون فيه
ومعناه بئس مقام الشيخ على رأس بئر يستقي فيزول رشاؤة عن البكرة فيقال له أمرس أمرس أي رده إليها
والمرس الحبل وقد مرس عن البكرة إذا زال عنها وامرسه المستقي إذا رده إلى مكانه
وبعد هذا البيت قوله
( إما على القعو وإما اقعنسس ... )
والقعوان الحديدتان تجري بينهما البكرة
وقيل القعو البكرة بعينها
283 - قولهم بعد اللتيا والتي
284 - وقولهم بعد الهياط والمياط
قالوا يقال ذلك في الأمر يكون بعد ما يكاد صاحبه يهلك
وقيل اللتيا والتي من أسماء الداهية واللتيا تصغير ( التي ) والصحيح في قولهم ( بعد

اللتيا والتي ) أي وصلت اليه بعد ان لقيت صغير المكاره وكبيرها قال الشاعر
( وكفيت جانيها اللتيا والتي ... )
أي كفيتها الصغير والكبير من الأمور فلم يحتاجوا الى غيري
وقولهم ( بعد الهياط والمياط ) قال الأصمعي معناه بعد الإقبال والإدبار
وقال أبو بكر ابن دريد القوم في هيط وميط وهياط ومياط إذا كانوا في تجاذب وقتال
والميط الجور أيضا ماط يميط إذا جار وماط يميط إذا تباعد
وقال القتيبي الهياط الصياح
والمياط الدفع
285 - قولهم بيضة العقر
يضرب مثلا للفعلة تكون ثم لا يتبعها مثلها أبدا والعقر مصدر العاقر
وقيل يراد ببيضة العقر بيضة الديك والديك يبيض بيضة واحدة لا ثانية لها
وروى عن الخليل انه قال العقر استبراء المرأة لينظر أبكر هي ام ثيب ولم يذكر هذا عن غيره
والعقر الذي يؤخذ على نكاح الشبهة أصله في البكر وذاك البكر تعقر عند الافتضاض فسمي بالعقر عقرا
286 - قولهم بين سمع الأرض وبصرها
يقولون كان فعل ذلك بين سمع الأرض وبصرها أي في موضع خال لا احد فيه
وقال بعضهم معناه بين طول الأرض وعرضها وليس الطول

والعرض من السمع والبصر في شيء
وقال القتيبي في حديث قبله لا تخبرها فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها معناه فتتبعه بين أسماع الناس وابصارهم كأنها لا تباليهم إذا سمعوا باتباعها إياه وأبصروا ذلك
وجعل السمع والبصر للأرض يريد ساكنيها كما قال تعالى ( واسأل القرية ) أي اهلها وكما قال النبي لأحد ( هذا جبل يحبنا ونحبه ) أي يحبنا اهله ونحبهم وهم الأنصار
287 - قولهم بقطيه بطبك
يقال ذلك للرجل يؤمر أن يحكم العمل بعلمه وفضل معرفته
وقد ذكرنا أصله في الباب الأول
وبقطيه فرقيه
والبقط المتفرق قال الشاعر
( رأيت تميما قد أضاعت امورها ... فهم بقظ في الأرض فرث طوائف )
أي منتشرون متفرقون
288 - قولهم بصبصن بالأذناب إذ حدينا
يضرب مثلا للرجل إذا غمز أذعن
والبصبصة تحريك الأذناب في الظباء وفي الإبل السير الشديد
ويقال سرنا سيرا بصباصا وقال ابو دواد
( ولقد ذعرت بنات عم ... المرشقات لها بصابص )

يعني حمر الوحش فجعلها بنات عم الظباء
والمرشقات الناظرات كذا قال ابو عبيد وقال المفضل المرشق الذي مد عنقه وقد أرشق يرشق إرشاقا
والبصابص جمع بصبصة وهي تحريك الذنب
289 - قولهم بيدي لا بيد عمرو
يقول الرجل ينزل بنفسه المكروه مخافة أن ينزله به العدو
والمثل للزباء قالته لعمرو بن عدي ونذكر خبره إن شاء الله وحده
290 - قولهم بسالم كانت الوقعة
يقول بفلان كان معظم الأمر ولا نعرف سالما هذا
291 - قولهم باءت عرار بكحل
يقال ذلك لشيئين كل واحد منهما يكون بواء بصاحبه
وعرار وكحل بقرتان باءت احدهما بالأخرى
والبواء السواء يقال فلان بواء لفلان معناه انه إذا قتل به رضي قومه ومنه قوله ( بؤ بشسع كليب )
قال الشاعر
( فيقتل جبرا بامرىء لم يكن له ... بواء ولكن لا نكايل بالدم )

292 - قولهم بطني فعطري
أصله في امرأة كانت تعطر رجلا ولا تطعم
يقول أشبعي بطني ولا تحتاجين الى تطييبى
وهو مثل للرجل يضيع ما يلزمه وينظر فيما لا يعنيه
ونحوه قول جحظة
( قلت اطبخوا لي جبة وقميصا ... )
وفي بعض ما عبثنا به ونستغفر الله منه
( ما إن وطئنا فناء زيد ... الا اتتنا الكئوس عجلى )
( وقال تختار صوت ناي ... فقلت أختار صوت مقلى )
293 - قولهم بعد خيرتها يحتفظ
يضرب مثلا لخطأ التدبير في المعيشة وحفظ المال
وأصله أن يضيع الراعي خيار الإبل وكرائمها حتى إذا ذهبت احتفظ بحواشيها وخساسها

294 - قولهم بلغ الله بك أكلأ العمر
معناه أشده تأخرا ومنه الكالي بالكالي وقد جاء النهي عنه وهو ان تقول بعتك هذا الشيء بألف درهم إلى شهر وبألف ومائة إلى شهرين والكلاءة الحفظ كلأه إذا حفظه
ويقال للنبات أول ما ينبت الرطب ثم الكلأ مهموز مقصور ثم الحشيش إذا جف ولا يقال للرطب الحشيش
295 - بجنبه فلتكن الوجبة
يضرب مثلا في الشماتة بالرجل ومعناه ليحل به المكروه دون غيره
والوجبة الصرعة من قولهم وجب الحائط إذا سقط وجبة وسمعت وجبة الشئ أي هدته لوقعة وقعها ووجبت الشمس إذا سقطت للمغيب
وفي القرآن ( فإذا وجبت جنوبها ) ووجب الحق وجوبا في كل ذلك
وفي القلب وجيب ووجب القلب وجيبا إذا خفق
وذكر جنبه وأراد جملته وقريب من ذلك قول الله تبارك وتعالى
( يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) قالوا معناه في ذات الله وأنشدوا
( ألا تتقين الله في جنب عاشق ... له كبد حرى عليك تقطع )

وقيل أراد ما فرطت في امر الله وفي سلوك الطريق الذي هو طريق الله أي الطريق الى مرضاته وهو الإيمان والتفريط التقصير
296 - قولهم بدل أعور
يضرب للرجل المذموم يخلف الرجل المحمود وهو من قول نهار بن توسعة يهجو قتيبة بن مسلم حين ولي خراسان بعد يزيد بن المهلب فأخبرنا أبو القاسم بن شيران رحمه الله قال حدثنا المبرمان عن أبي جعفر بن القتبي عن القتبي قال كان نهار بن توسعة هجا قتيبة بن مسلم فقال
( أقتيب قد قلنا غداة لقيتنا ... بدل لعمرك من يزيد أعور )
وقال
( كانت خراسان روضا إذ يزيد بها ... وكل باب من الخيرات مفتوح )
( فبدلت بعده قردا نطيف به ... كأنما وجهه بالخل منضوح )
فبلغ ذلك قتيبة فطلبه فهرب حتى أتى أم قتيبة فأخذ منها كتابا بالرضا عنه وترك مؤاخذته بما كان منه فقال نهار نفسي لا تسكن حتى تصلني فإني أعلم انك إذا اتخذت عندي معروفا لم تكدره وقال

( وما كان فيمن كان في الناس قبلنا ... ولا هو فيمن بعدنا كابن مسلم )
( أشد على الكفار قتلا بسيفه ... وأكثر فينا مقسما بعد مقسم )
فقال له قتيبة ألست القائل
( ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ... ومات الندى والجود بعد المهلب )
فقال إن الذي أنت فيه ليس بالغزو ولكنه الحشر وأمر له بصلة فأبطأت عنه فلقيه فقال
( ولقد علمت وأنت تعلمه ... أن العطاء يشينه الحبس )
فقال عجلوا له الجائزة فعجلت له
والمثل قديم وإنما تمثل به نهار
297 - قولهم البادىء أظلم
يقوله الرجل يجازي على الإساءة بمثلها اي الذي ابتدأ الإساءة أظلم
وله حديث نذكره في الباب السادس إن شاء الله وحده

298 - قولهم ببطنه يعدو الذكر
يضرب مثلا فيما به يحصل نظام الشيء لأن الذكر من الخيل يجيد العدو إذا شبع
299 - قولهم البغاث بأرضنا يستنسر
يضرب مثلا للعزيز يعز به الذليل
والبغاث صغار الطير الواحدة بغاثة
يستنسر أي يصير نسرا فلا يقدر على صيده قال الشاعر
( بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلاة نزور )
يراد به ان النتاج الكريم قليل
وقال أيمن بن خريم في خلاف ذلك وقد غلط
وإنا قد رأينا ام بشر ... كأم الأسد مكثارا ولودا )
فمدحها بكثرة الأولاد وذلك خلاف المحكى عنهم
وكلهم حكى أن نتاج الحيوانات الكريمة قليل
300 - قولهم بيضة البلد
يضرب مثلا للرجل الفريد الوحيد الذي لا ناصر له
يقال هو بيضة

البلد أي هو في وحدته وانفراده كبيضة في ارض خالية من وجدها اخذها ولم يمنعه مانع قال الشاعر
( لو كان حوض حمار ما شربت به ... الا بإذن حمار آخر الأبد )
( لكنه حوض من اودي بإخوته ... ريب الزمان فأضحى بيضة البلد )
اي لو كان حوضى حوض حمار من الحمير لما شربت به الا بإذن الحمار الآخر لقلتك وذلتك ولكن وجدت حوضى حوض رجل منفرد أودى بإخوته الدهر فاجترأت عليه هذا قول الديمرتي وهو غلط
والصحيح ان حمارا هذا رجل بعينه
ويستعمل أيضا ( بيضة البلد ) في المدح فيقال فلان بيضة البلد أي فرد في شرفه ولا نظير له في سؤدده
301 - قولهم ببقة صرم الأمر
يضرب مثلا للمكروه سبق به القضاء وليس لدفعه حيلة
وصرم أي قطع وفرغ منه والصريمة العزيمة على الفعل
والمثل لقصير مولى جذيمة بن مالك الأبرش وكان أبرص فكني عنه فقيل الأبرش والوضاح على ان بعض العرب يتبرك بالبرص ويمدحه قال ابن حبناء

( لا تحسبن بياضا في منقصة ... إن اللهاميم في أقرابها بلق )
وذكر أن جذيمة كان يفتخر بالبرص ولو كان كذلك ما كنى عنه بالبرش والوضح
وقال بعضهم
( يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحا أوفى على خصيلي )
( فإن نعت الفرس الرحيل ... يكمل بالغرة والتحجيل )
وقال آخر
( أبرص فياض اليدين أكلف ... والبرص أندى باللهى وأعرف )
وقال غيره
( نفرت سودة عني أن رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح )
( قلت يا سودة هذا والذي ... يكشف الكربة عنا والترح )
( هو زين لي في الوجه كما ... زين الطرف تحاسين القرح )
وزعموا ان بلعاء بن قيس لما شاع في جلده البرص قيل له ما هذا قال سيف الله جلاه
وقال آخر
( ليس يضر الطرف توليع البلق ... إذا جرى في حلبة الخيل سبق )
وكان جذيمة على ثغر العرب من قبل أردشير بن بابك فخطب الزباء

بنت عمرو بن طريف وكانت على الشام والجزيرة من قبل الروم وكانت بنت على شاطىء الفرات قصورا ومدائن لا يسلكها سالك ولا يدركها طالب وشققت في الفرات انفاقا تفزع إليها إذا خافت فأجابت جذيمة فهم بالرحيل إليها واستخلف على ملكه ابن اخته عمرو بن عدي فنهاه قصير عن ذلك فعصاه وسار حتى كان بمكان يدعى ( بقة ) بين هيت والأنبار فقال له قصير ارجع ودمك في وجهك فأبى وقال ( لا يطاع لقصير أمر ) فسار مثلا
وظعن جذيمة فلما عاين الكتائب دونها هالته فقال لقصير ما الرأي فقال ( تركت الرأي بثني بقة ) فسار مثلا قال علي ذاك قال إن كان الذي تحب والا فأنا معرض لك العصا وهي فرس كانت لجذيمة لا تجارى فاركبها وأنج فلما احاطوا به عرضها له فلم ينتبه فقال قصير ( ببقة صرم الأمر ) فسار مثلا وركبها قصير فنجا فالتفت جذيمة فرآه عليها يشتد فقال ( يا ضل ما تجري به العصا ) فسار مثلا وأدخل جذيمة على الزباء فكشفت له عن عورتها فقالت ( أشوار عروس ترى ) فأرسلتها مثلا وإذا هي قد عقدت شعر عانتها من وراء وركيها وإذا هي لم تعذر فقال جذيمة بل شوار بظراء تفلة فقالت والله ماذاك من عدم مواس ولا من قلة اواس ولكن شيمة ما اناس ثم امرت برواهشه وهي عروق اليد فقطعت واستنزفته حتى إذا ضعف ضرب بيده فقطرت قطرة من دمه على دعامة رخام فقالت لا تضيعن من دمك شيئا فإنه شفاء من الخبل فقال ( ما يحزنك من دم

ضيعه أهله ) فسار مثلا
وورد قصير على عمرو بن عدي فلما رآه من بعيد قال ( خير ما جاءت به العصا ) فسار مثلا وأخبره الخبر وقال اطلب بثأرك
قال ( كيف وهي امنع من عقاب الجو ) فأرسلها مثلا
فقال قصير اما إذا أبيت فإني سأحتال ( فدعني وخلاك ذم ) فأرسلها مثلا
فعمد إلى أنفه فجدعه ثم أتى الزباء وقال أتهمني عمرو في مشورتي على خاله بإتيانك فجدعني فلم تقر نفسي عنده ولي بالعراق مال كثير فأرسليني بعلة التجارة حتى آتيك بطرائف العراق ففعلت فأطرفها فسرت وفعل ذلك مرارا وتلطف حتى عرف موضع الأنفاق ثم اتى عمرا وقال احمل الرجال في الصناديق على الإبل فلما داناها نظرت إلى العير تقبل فقالت إنها لتحمل صخرا وتطأ في وحل وأنشدت
( أرى الجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن ام حديدا )
( أم صرفانا تارزا شديدا ... أم الرجال جثما قعودا )
فلما توسطوا المدينة خرجوا مستلئمين فشدوا عليها فهربت تريد النفق فاستقبلها قصير وعمرو فقتلاها وقيل بل كان لها خاتم فيه سم فمصته وقالت ( بيدي لا بيد عمرو ) فذهبت مثلا فقال المتلمس
( ومن حذر الأوتار ما حز انفه ... قصير ورام الموت بالسيف بيهس )
وقال نهشل بن حري
( ومولى عصاني واستبد برأيه ... كما لم يطع بالبقتين قصير )

( فلما رأى ماغب أمرى وأمره ... وولت بأعجاز الأمور صدور )
( تمنى نئيشا أن يكون أطاعني ... وقد حدثت بعد الأمور امور )
302 - قولهم البضاعة تيسر الحاجة
يضرب مثلا للمال يصانع به صاحبه فينجح في طلبه
ومثله قولهم ( من صانع بالمال لم يستحي من طلب الحاجة ) واول من حث على ذلك زهير في قوله
( ومن لا يصانع في امور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم )
303 - قولهم بعين ما أرينك
معناه اعجل وهو من الكلام الذي قد عرف معناه سماعا من غير أن يدل عليه لفظه وهذا يدل على ان لغة العرب لم ترد علينا بكمالها وأن فيها أشياء لم تعرفها العلماء

304 - قولهم بما كنت لا أخشى الذئب
وأصله أنه قيل لشيخ من العرب انطلق من هذا الموضع فإنا نخشى عليك الذئب فقال ( بما كنت لا أخشى الذئب ) أي أداني حال الشباب الى هذه الحالة قال الأعشى
( على أنها إذا رأتنى أقاد ... قالت بما قد أراه بصيرا )
وكانت العرب تستحي أن تفر من الذئب ونحوه من السباع وقال الربيع بن ضبع الفزاري حين كبر وعجز
( أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا )
( والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا )

تفسير الأمثال المضروبة في المبالغة والتناهي الواقع في أصولها الباء
305 - أبعد من النجم
والنجم اسم للثريا
306 - أبعد من العيوق
وهو كوكب يطلع معها فيقال له عيوق الثريا وتعرف به القبلة وذلك أنك إذا جعلته خلف ظهرك في وقت طلوعه فقد استقبلت قبلة العراق ومعنى المثل مأخوذ من قول جرير او قول جرير مأخوذ منه
( فإنك يا بن القين لن تدرك العلى ... ولا المجد حتى يدرك النجم طالبه )
307 - أبعد من بيض الأنوق
الأنوق ذكر الرخمة والعرب تؤنثه وإن كان اسما للذكر وهو من أبعد الطير وكرا في الهواء قال الشاعر

( كبيض الأنوق لا تنال لها وكرا )
وقال غيره
( ( طلب الأبلق العقوق فلما ... لم يجده أراد بيض الأنوق )
يقال أعقت الفرس إذا حملت وهي عقوق فهو صفة للأنثى
الأبلق صفة للذكر يقول إنه يطلب الذكر الحامل وهذا لا يكون
308 - أبصر من فرس
والعرب تدعى له حدة البصر وليس لشيء ما للفرس
يقال فرس كريم وعتيق وجواد وأسمع من فرس وأبصر من فرس
309 - أبصر من عقاب
وربما قيل من عقاب ملاع وهي هضبة
وقيل هي الصحراء
وعقبان الصحارى أبصر من عقبان الجبال ويقال للأرض الواسعة ميلع
وقيل الملاع من الملع وهو السرعة يقال ناقة ملوع سريعة
310 - أبصر من نسر
قالوا ليس في الدواب أبصر من فرس ولا في الطير أبصر من نسر

فلو أجرى الفرس في الضباب الكثيف ثم مد في طريقه شعرة لوقف عندها
قالوا والنسر يبصر الجيفة من أربعمائة فرسخ قالوا وهو أقوى الحيوان فربما جر جيفة البعير إلى نفسه
311 - أبصر من غراب
وهو من حدة بصره يغمض احدى عينيه فيسمى الأعور وقيل يسمى الأعور على طريق التفاؤل
312 - أبصر بالليل من الوطواط
وهو الخفاش وقيل هو من البصيرة أي هو اعرف بالليل
313 - أبصر من الكلب
وجميع السباع تبصر بالليل كما تبصر بالنهار ولا أعرف لم خص الكلب وقال بعضهم إنما خص به لقول الشاعر
( في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا )
فلو لم يكن عنده أبصرها لم يخصه

314 - أبصر من الزرقاء
واسمها اليمامة وبها سمي بلدها وهي من بنات لقمان بن عاد وقيل هي من جديس
وقصدهم طسم في جيش حسان بن تبع فلما صاروا بالجو على مسيرة ثلاثة ايام أبصرتهم وقد حمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها فقالت
( أقسم بالله لقد دب الشجر ... أو حمير قد أخذت شيئا تجر )
فلم يصدقها قومها فقالت أقسم بالله لقد أرى رجلا ينهش كتفا او يخصف نعلا فكذبوها ولم يستعدوا فصبحهم حسان فاجتاحهم واخذها فشق عينيها وإذا فيها عروق من الإثمد ووصفها الأعشى فقال
( قالت أرى رجلا في كفه كتف ... او يخصف النعل لهفي أية صنعا )
( فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجى الموت والشرعا )
والله أعلم بهذه الأخبار كيف هي
315 - أبأي من حنيف الحناتم
أي أشد كبرا
والبأو الكبر
وإنما قيل له ذلك لأنه كان لا يبدأ أحدا بالسلام حتى يبدأه
( أتراك تسمح بالنوال ... وأنت تبخل بالسلام )

( قد ضل من لا يبتغي ... ود الأكارم بالكلام )
316 - أبأي ممن جاء برأس خاقان
وخاقان ملك الترك قتله سعيد بن عمرو الحرشي في أيام هشام بن عبد الملك فعظم أمره وكثر فخره وكبره حتى ضرب به المثل في الكبر
317 - أبر من فلحس
وهو رجل من بني شيبان كبر أبوه وخرف فكان يحمله على عاتقه
ومثل ذلك سواء قصة العملس
وقيل العملس الذئب مأخوذ من العملسة وهي السرعة
وأعجب من هذا عندي ما كان يفعله الفضل بن يحيى من البر بأبيه وكان لما حبسا منعا الحطب والزمان شتاء وكان الفضل يقوم حين يأخذ يحيى مضجعه من الليل فيأخذ قمقما مملوءا ماء ويرفعه الى القنديل ويبيت ساهرا حتى يصبح وقد سخن الماء فيتوضأ به يحيى هذا مع ضعفه وقلة صبره على الشقاء
وما سمعنا بمثل هذا البر ألبتة

318 - أبر من الذئبة
وذلك أنها إذا ولدت لزمت أولادها ولم تبعد عنها مقدارا تغيب فيه عن عينها حتى تكمل تربيتها
319 - أبر من الهرة
قالوا لأنها تأكل أولادها من المحبة ويقولون ( أعق من الضب ) لأنه يأكل أولاده من الشهوة وهذه دعوى لا يعرف حقيقتها الا الله تعالى ويقولون أيضا ( أعق من الهرة ) لأنها تاكل أولادها
وعلى هذا المذهب قال ابن المعتز
( أما ترى الدنيا فدتك الورى ... كهرة تأكل أولادها )
320 - أبكر من الغراب
من البكور
وقيل ( أبكر من الخنزير ) وقيل لبزر جمهر بم بلغت ما بلغت قال ببكور كبكور الغراب وحرص كحرص الخنزير وصبر كصبر الحمار
قال الجاحظ الخنازير تطلب العذرة وليست كالجلالة لأنها تطلب أرطبها وأحرها وانتنها وأقربها عهدا بالخروج فهي في القرى تتعرف اوقات الصبح والفجر وقبيل ذلك وبعيده لبروز الناس للغائط ويعرف

من كان في بيته في الأسحار ومع الصبح أنه قد أسحر وأصبح بأصواتها ومرورها ووقع أرجلها الى تلك الغيطان وتلك المتبرزات ولذلك ضرب المثل ببكور الخنزير
321 - أبغض من الطلياء
قيل هي الناقة الجرباء
والجرب أبغض شيء عندهم لإعدائه وقيل الطلياء خرقة العارك وقيل الطلياء الحبل الذي يشد به الجدي والعامة تسميه الطلوة
322 - أبغض من قدح اللبلاب
مثل محدث واللبلاب نبت كريه الطعم معروف وهو من قول الشاعر
( يا بغيضا زاد في البغض ... على كل بغيض )
( أنت عندي قدح اللبلاب ... في كف المريض )
323 - أبغض من القدح الأول
مولد أيضا وهو من قول الشاعر

( وأثقل من حضن باديا ... وأبغض من قدح الأول )
وقال بعضهم
( ولم أر صبرا على حادث ... كصبر على القدح الأول )
324 - أبرد من الثلج
معروف
325 - أبرد من عضرس
يعني الماء البارد
326 - أبرد من عبقر وحبقر
قيل هما البرد وقيل إنما هو عب قر والعب البرد والقر البرد
كما قيل عب شمس وعب هاهنا ضوء الصبح
وقال خلف الأحمر كانت العرب تستبرد لغة الفرس وتستثقل اولادهم يقال لولد الدهقان عبقر سمي بذلك للينه شبه بالعبقر وهو اصول القصب أول ما ينبت
والعبقرة المرأة الجميلة
والعبقرة تلألؤ السحاب وهذا تصحيف وذلك ان اصل القصب يقال له ( عنقر ) بعد العين نون والقاف قبل الراء مفتوحة

327 - أبرد من غب المطر
328 - وأبرد من جربياء
وهي الشمال
وقيل لأعرابي ما أشد البرد قال ريح جربياء في ظل عماء في غب سماء
وغب كل شيء عاقبته
والسماء المطر وقيل ما اطيب المياه قال نطفة زرقاء من سحابة غراء في صفاة زلقاء يعني الملساء
قيل فما احسن المناظر قال ما يجرى الى عمارة
قيل فما أطيب الروائح قال بدن تحبه وولد تربه
329 - أبخل من مادر
سيجيء حديثه في الباب السادس عشر
330 - أبخل من أبي حباحب ومن حباحب
قالوا هو رجل من العرب كان لبخله يوقد نارا ضعيفة فإذا أبصرها مستضيء أطفأها
وقيل يعني بها النار التي تنقدح من سنابك الخيل وهي نار اليراعة وهي طائر مثل الذباب إذا طار بالليل حسبته شرارة

331 - أبخل من صبي
معروف
332 - أبخل من كلب
لأنه إذا نال شيئا لم يطمع فيه
قال الشاعر
( أمن بيت الكلاب طلبت عظما ... لقد حدثت نفسك بالمحال )
وقال غيره
( ومن طلب الحوائج من لئيم ... كمن طلب العظام من الكلاب )
ونحوه قول الآخر
( فإن الذي يرجو نوالا لمالك ... كمن ظن ان الفقع في الأرض كوكب )
والفقع ضرب من الكمأة
وقال غيره
( وإن الذي يرجو نوالا لديكم ... كملتمس من فقحة الكلب درهما )
ويقولون فلان يستثير الكلاب من مرابضها أي يقيمها عن امكنتها يطلب تحتها شيئا يأكله وهذا أبلغ ما قيل في اللؤم والشره
333 - أبخل من ذي معذرة
من قولهم المعذرة طرف من البخل

334 - أبخل من الضنين بمال غيره
من قول مسلم بن الوليد
( يغار على المال فعل الجواد ... وتأبى خلائقه أن يسودا )
وقال ابو تمام
( وإن امرأ ضنت يداه على امرىء ... بنيل يد من غيره فهو باخل )
335 - أبلغ من سحبان
وهو رجل من باهلة وهو سحبان بن زفر بن إياس بن عبد شمس بن الأجب دخل على معاوية وعنده خطباء القبائل فلما رأوه خرجوا لعلمهم بقصورهم عنه فقال
( لقد علم الحي اليمانون أنني ... إذا قلت اما بعد أنى خطيبها )
فقال له معاوية اخطب فقال انظروا الى عصا تقيم من اودى فقالوا وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين فقال وما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه فأخذها فتكلم من الظهر إلى أن فاتت صلاة العصر ما تنحنح ولا سعل ولا توقف ولا ابتدأ في معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية فيه ولا مال عن الجنس الذي يخطب فيه فقال معاوية الصلاة فقال الصلاة

أمامك ألسنا في تحميد وتمجيد وعظة وتنبيه وتذكير ووعد ووعيد فقال معاوية انت أخطب العرب قال أو العرب وحدها بل أخطب الجن والإنس قال انت كذلك
336 - أبين من قس
وهو قس بن ساعدة الإيادي أول من خطب على عصا وأول من كتب من فلان إلى فلان ومن كلامه إن المعى تكفيه البقلة وترويه المذقة ومن عيرك شيئا ففيه مثله ومن ظلمك وجد من يظلمه وإن عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك ولا تجمع مالا تأكل ولا تأكل ما لا تحتاج اليه فيؤنبك وإذا ادخرت فلا يكونن كنزك الا فعلك وكن عف العيلة مشترك الغنى تسد قومك ولا تشاور مشغولا وإن كان حازما ولا جائعا وإن كان فهما ولا مذعورا وإن كان ناصحا ولا تضع في عنقك طوقا لا يمكنك نزعه وإذا خاصمت فاعدل وإذا قلت فاقصد ولا تستودعن سرك احدا فإنك إن فعلت لم تزل وجلا وكان بالخيار إن جنى عليك كنت أهلا لذلك وإن وفى لك كان الممدوح دونك وأخذ جرير قوله ( وكن عف الفقر مشترك الغنى ) فقال
( وإني لعف الفقر مشترك الغنى ... سريع إذا لم أرض داري انتقاليا )

337 - أبلد من السلحفاة
338 - وأبلد من الثور
من التبلد وذلك ان السلحفاة إذا خرجت من مكانها لم تهتد إليه
339 - قولهم أبطأ من فند
وهو مخنث من اهل المدينة مولى لعائشة بنت سعد بن ابي وقاص بعثته ليقتبس نارا فأتى مصر وأقام بها سنة ثم جاءها بنار يعدو فتبدد الجمر فقال تعست العجلة فقالت عائشة
( بعثتك قابسا فلبثت حولا ... متى يأتي غياثك من تغيث )
ثم قال فيه الشاعر
( ما رأينا لغراب مثلا ... إن بعثناه لحمل المشملة )
( غير فند أرسلوه قابسا ... فثوى حولا وسب العجلة )
340 - أبذى من مطلقة
من البذاء وهو الكلام القبيح

341 - أبكى من يتيم
معروف
342 - أبيض من دجاجة
معروف
343 - أبخر من صقر
344 - أبخر من فهد
وهما موصوفان بالبخر قال الشاعر
( وله لحية تيس ... وله منقار نسر )
( وله نكهة ليث ... خالطت نكهة صقر )
وليس في السباع أطيب أفواها من الكلاب وذلك لكثرة ريقها
وكثرة الريق سبب لطيب النكهة وتتغير النكهة في آخر الليل لقلة الريق ولذلك تتغير نكهة الصائم والجائع
وليس في الناس أطيب أفواها ولا انقى بياض أسنان من الزنج

345 - أبول من كلب
معروف
346 - أبين من وضح الصبح ومن فلق الصبح
347 - أبقى من حجر وأبقى من وحى في حجر
وكان عرب اليمن تكتب الحكمة في الحجارة طلبا لبقائها
والناس يقولون التأديب في الصغر كالنقش على الحجر
348 - أبقى من الدهر
معروف وقلت
( مناقب ما يكاد الدهر يهدمها ... كأنها أصل للدهر او بكر )
ويقولون ( البئر أبقى من الرشاء )
349 - أبقى من تفاريق العصا
والمشهور ( خير من تفاريق العصا ) وذلك ان العصا تكون ساجورا

للكلب فينكسر فيجعل أوتادا وتفرق فتجعل أشظة فإن جعلوا رأس الشظاظ كالفلكة صار خشاشا للجمل
والشظاظ العود الذي يدخل في عروة الجوالق فإذا فرق الخشاش جعلت منه توادى والتودية العود الذي يجعل في فم الجدي لئلا يرضع أمه فإن كانت العصا قناة كان كل شق منها قوسا فإن فرقت الشقة صارت سهاما فإن فرقت السهام صارت حظاء والحظوة السهم الصغير يلعب به الصبيان فإن فرقت صارت مغازل فإن فرقت شعب بها الأقداح والقصاع
وقالت امرأة في ابنها وقد أصابه قوم بخبول فأخذت ديات كثيرة
( اقسم بالمروة حقا والصفا ... إنك خير من تفاريق العصا )
يقال بنو فلان يطالبون بني فلان بخبول أي بقطع أيد وأرجل
350 - أبطش من دوسر
وهي إحدى كتائب النعمان بن المنذر وكانت له خمس كتائب الرهائن وكانت خمسمائة رجل رهائن لقبائل العرب يقيمون على بابه سنة ثم يذهبون وتجيء خمسمائة اخرى وكان يغزو بهم ويوجههم في اموره
والصنائع وهو خواص الملك لا يبرحون بابه وهم بنو تيم اللات وبنو قيس
والوضائع وكانوا ألف رجل من الفرس يضعهم ملك الملوك بالحيرة قوة لملك العرب
والأشاهب وهم إخوة الملك وقراباته سموا الأشاهب لأنهم بيض الوجوه

والشهبة أصلها بياض يعلوه أدنى سمرة
ومن ثم قيل عنبر أشهب ودوسر أربعة آلاف رجل لهم أيد وقوة وبطش يعدهم الملك لأعدائه مأخوذ من اسر يقال جمل دوسر إذا كان صلبا شديدا
وقيل الدسر الدفع وبه سمي الجماع دسرا
والدسار مسمار السفينة وقال الشاعر
( ضربت دوسر فيهم ضربة ... أثبتت اوتاد ملك فاستقر )
وهاهنا امثال مولدة لم تثبت في الترجمة لقبح ألفاظها وهي أبغى من إبرة وأبغى من فأس وأبغى من غلق وأبغى من شدق والمعنى معروف

الباب الثالث فيما جاء من الأمثال المضروبة في اوله التاء
فهرسته
تمرد مارد وعز الأبلق
تحسبها حمقاء وهي باخس
تحقره وينتأ
تحت طريقته عنداوة
تبلدي تصيدي
تجنب روصة وأحال يعدو
تمشى رويدا وتكون الأولا
ترك ظى ظله
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
تسألني برامتين سلجما
تمام الربيع الصيف
التمر في البئر
تركه على مثل مقلع الصمغة
تركه انقى من الراحة
تركه على مثل ليلة الصدر
تركته على مثل مشفر الأسد
تركته على مثل حد السيف
وحرف السيف
تركته على مثل حد الفرس
تسمع بالمعيدي لا ان تراه
تطعم تطعم
ترك الخداع من أجرى من مائة
تقيس الملائكة إلى الحدادين
تجشأ لقمان من غير شبع
تحفظ أخالا إلا من نفسه
تحت الرغوة الصريح
ترى الفتيان كالنخل
ومايدريك ماالدخل
تنهانا امنا عن البغي وتغدو فيه
التجلد ولا التبلد
ترهات البساس
تكذيب المنى أحاديث الضبع استها
تلك بتلك عمرو
تقلدها طوق الحمامة
تحلل غيل
ترك الخداع من كشف القناع
تقطع أعناق الرجال المطامع
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
التجارب ليست لها نهاية
تنزو وتلين ... تجاوزت شبيثا والأحص وماءهما
تالله لولا عتقه لقد بلى
التغرير مفتاح البؤس
التواني ينتج الهلكة
تخلصت قابية من قوب

أقسام الكتاب
1 2 3 4