كتاب : جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة
المؤلف : أحمد زكي صفوت

لهم ردءا حتى يفتح الله عليهم ويقضى ما أحب فإن فتح الله عليهم أن أضريهم عليهم في بلادهم ليتنازعوا ملكهم
فقام عثمان بن عفان ورجال من أهل الرأي من أصحاب رسول الله فتكلموا كلاما فقالوا
لا نرى ذلك ولكن لا يغيبن عنهم رأيك وأثرك وقالوا بإزائهم وجوه العرب وفرسانهم وإعلامهم ومن قد فض جموعهم وقتل ملوكهم وباشر من حروبهم ما هو أعظم من هذه وإنما استأذنوك ولم يستصرخوك فأذن لهم واندب إليهم وادع لهم
106 -

خطبة لعلي
وقام على بن أبي طالب فقال
أصاب القوم يا أمير المؤمنين الرأي وفهموا ما كتب به إليك وإن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه لكثرة ولا قلة هو دينه الذي أظهره وجنده الذي أعزه وأيده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ فنحن على موعود من الله والله منجز وعده وناصر جنده ومكانك منهم مكان النظام من الخرز يجمعه ويمسكه فإن انحل تفرق ما فيه وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهي كثير عزيز بالإسلام فأقم واكتب إلى أهل الكوفة فهم أعلام العرب ورؤساؤهم ومن لم يحفل بمن هو أجمع وأحد وأجد من هؤلاء فليأتهم الثلثان وليقم الثلث واكتب إلى أهل البصرة أن يمدوهم ببعض من عندهم
فسر عمر بحسن رأيهم وأعجبه ذلك منهم

107 -

خطبة طلحة بن عبيد الله
وقام طلحة بن عبيد الله وكان من خطباء رسول الله فتشهد ثم قال
أما بعد يا أمير المؤمنين فقد أحكمتك الأمور وعجمتك البلايا واحتنكتك التجارب وأنت وشأنك وأنت ورأيك لا ننبو في يديك ولا نكل عليك إليك هذا الأمر فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب ووفدنا نفد وقدنا ننقد فإنك ولي هذا الأمر وقد بلوت وجربت واختبرت فلم ينكشف شئ من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيار ثم جلس
108 -
خطبة عثمان بن عفان
فعاد عمر فقال إن هذا يوم له ما بعده من الأيام فتكلموا فقام عثمان بن عفان فتشهد وقال
أرى يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شأمهم وتكتب إلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم ثم تسير أنت بأهل هذين الحرمين إلى المصرين البصرة والكوفة فتلقى جميع المشركين بجمع المسلمين فإنك إذا سرت بمن معك وعندك قل في نفسك ما قد تكاثر من عدد القوم وكنت أعز عزا وأكثر يا أمير المؤمنين إنك لا تستبقي من نفسك بعد العرب باقية ولا تمتنع من الدنيا بعزيز ولا تلوذ منها بحريز إن هذا اليوم له ما بعده من الأيام فاشهده برأيك وأعوانك ولا تغب عنه ثم جلس

109 -

خطبة علي بن أبي طالب
فعاد عمر فقال إن هذا يوم له ما بعده من الأيام فتكلموا فقام علي بن أبي طالب فقال أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك إن أسخصت أهل الشام من شأمهم سارت الروم إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم وإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك الأرض من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات أقرر هؤلاء في أمصارهم واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث فرق فلتقم فرقة لهم في حرمهم وذراريهم ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينتقضوا عليهم ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا قالوا هذا أميرالعرب وأصل العرب فكان ذلك أشد لكلبهم وألبتهم على نفسك وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير ما يكره وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكنا كنا نقاتل بالنصر
فقال عمر أجل والله لئن شخصت من هذه البلدة لتنتقضن على الأرض من أطرافها وأكنافها ولئن نظرت إلى الأعاجم لا يفارقن العرصة وليمدتهم من لم يمدهم وليقولن هذا أصل العرب فإذا اقتطعتموه اقتطعتم أصل العرب
فأشيروا على برجل أوله ذلك الثغر غدا قالوا انت أفضل رأيا وأحسن مقدرة قال أشيروا علي به واجعلوه عراقيا قالوا يا أميرالمؤمنين أنت أعلم بأهل العراق

وجندك قد وفدوا عليك ورأيتهم وكلمتهم فقال أما والله لأولين أمرهم رجلا ليكونن لأول الأسنة إذا لقيها غدا فقيل من يا أمير المؤمنين فقال النعمان بن مقرن المزني فقالوا هو لها والنعمان يومئذ بالبصرة فولاه
110 -

خطبة النعمان بن مقرن
ونشب القتال بين المسلمين والفرس وكان النعمان يسير في الناس علىبرذون أحوى قريب من الأرض فيقف على كل راية ويحمد الله ويثني عليه ويقول
قد علمتم ما أعزكم الله به من هذا الدين وما وعدكم من الظهور وقد أنجز لكم هوادى ما وعدكم وصدوره وإنما بقيت أعجازه وأكارعه والله منجز وعده ومتبع آخر ذلك أوله واذكروا ما مضى إذكنتم أذلة وما استقبلتم من هذا الأمر وأنتم أعزة فأنتم اليوم عباد الله حقا وأولياؤه وقد علمتم انقطاعكم من إخوانكم من أهل الكوفة والذي لهم في ظفركم وعزكم والذي عليهم في هزيمتكم وذلكم وقد ترون من أنتم بإزائه من عدوكم وما أخطرتم وما أخطروا لكم فأما ما أخطروا لكم فهذه الرثة وما ترون من هذا السواد وأما ما أخطرتم له فدينكم وبيضتكم ولا سواء ما أخطرتم وما أخطروا فلا يكونن على دنياهم أحمىمنكم على دينكم واتقى الله عبد صدق الله وأبلى نفسه فأحسن البلاء فإنكم بين خيرين منتظرين إحدى الحسنيين من بين شهيد حي مرزوق أوفتح قريب وظفر يسير فكفى كل رجل ما يليه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن نفسه وذلك من الملأمة وقد يقاتل الكلب عن صاحبه فكل رجل منكم مسلط على ما يليه فإذا قضيت أمرى فاستعدوا فإني مكبر ثلاثا فإذا كبرت التكبيرة

الأولى فليتهيأ من لم يكن تهيأ فإذا كبرت الثانية فليشد عليه سلاحه وليتهيأ للنهوض فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله فاحملوا معا اللهم أعز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك
وزلق فرسه في دماء القوم فصرع فاستشهد

خطب رجال من الفاتحين بين يدي يزدجرد ملك الفرس وقواده
وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على فتح العراق يأمره أن يبعث إلى يزدجرد ملك الفرس رجالا من أهل المنظرة والرأي والجلد يدعونه فاختارهم وأنفذهم إليه بالمدائن فلما دخلوا عليه أمر الترجمان بينه وبينهم فقال سلهم ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلادنا أمن أجل أنا أجممناكم وتشاغلنا عنكم اجترأتم علينا فقال لهم النعمان بن مقرن إن شئتم أجبت عنكم ومن شاء آثرته فقالوا بل تكلم فتكلم النعمان فقال
111 -
خطبة النعمان بن مقرن
إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير ويأمرنا به ويعرفنا الشر وينهانا عنه ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة فلم يدع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ولا يدخل معه في دينه الا الخواص فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب وبدأ بهم وفعل فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه فاغتبط وطائع أتاه فازداد فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ثم امرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسن

الحسن وقبح القبيح كله فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء فإن أبيتم فالمناجزة فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على ان تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن اتقيتمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم
فقال يزدجرد إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا أسوأ ذات بين منكم قد نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم فإن كان غرور لحقكم فلا يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم فقام المغيرة بن زرارة فقال
112 -

خطبة المغيرة بن زرارة
أيها الملك إن هؤلاء رءوس العرب ووجوههم وهم أشراف يستحيون من الأشراف وإنما يكرم الأشراف الأشراف ويعظم حقوق الأشراف الأشراف ويفخم الأشراف الأشراف وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم الا ذلك فجاوبني لأكون الذي أبلغك ويشهدون على ذلك إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالا منا وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا واما المنازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ديننا أن يقتل بعضنا

بعضا ويغير بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبيلتنا وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا فدعانا إلى أمر فلم يجب أحد أول من ترب كان له وكان الخليفة من بعده فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا فلم يقل شيئا الا كان فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه فصار فيما بيننا وبين رب العالمين فما قال لنا فهو قول الله وما أمرنا فهو أمر الله فقال لنا إن ربكم يقول إني أنا الله وحدي لا شريك لي كنت إذ لم يكن شئ وكل شئ هالك الا وجهي وأنا خلقت كل شئ وإلي يصير كل شئ وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي ولأحلكم داري دار السلام فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق وقال من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم ومن أبي فقاتلوه فأنا الحكم بينكم فمن قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك فقال يزدجرد أتستقبلني بمثل هذا لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم لا شئ لكم عندي ثم قال ائتوني بوقر من تراب فقال احملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن

113 -

مقال ربعي بن عامر عند رستم قائد جيش الفرس
وأرسل رستم قائد جيش الفرس إلى سعد بن أبي وقاص أن ابعث إلينا رجلا نكلمه ويكلمنا فبعث إليه ربعي بن عامر فلما انتهى إليه قال له الترجمان واسمه عبود من أهل الحيرة ما جاء بكم قال الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عباد الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضى إلى موعود الله قال وما موعود الله قال الجنة لمن مات على قتال من أبل والظفر لمن بقي
114 -
خطبة المغيرة بن شعبة في حضرة رستم
وبعث إليه أيضا المغيرة بن شعبة فتكلم بحضرته فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله خالق كل شىء ورازقه فمن صنع شيئا فإنما هو يصنعه والذى له وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد وعظم السلطان في الدنيا فنحن نعرفه ولسنا ننكره فالله صنعة بكم ووضعه فيكم وهوله دونكم وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال وضيق المعيشة واختلاف القلوب فنحن نعرفه ولسنا ننكره والله ابتلانا بذلك وصيرنا إليه والدنيا دول ولم يزل أهل شدائدها يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه ولم يزل أهل رخائها يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ويصيروا إليها ولو كنتم فيما آتاكم الله ذوي شكر كان

شكركم يقصر عما أوتيتم وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر كان عظيم ما تتابع علينا مستجلبا من الله رحمة يرفه بها عنا ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه أو كنتم تعرفوننا به إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولا ثم ذكر مثل الكلام الأول
115 -

خطبة المغيرة بن شعبة
لما اجتمعت جيوش المسلمين بنهاوند سنة21 ه وأميرهم النعمان بن مقرن المزني أرسل بندار العلج إليهم أن أرسلوا إلينا رجلا نكلمه فأرسلوا إليه المغيرة بن شعبة فأدخل إليه وترجم له قوله
إنكم معشر العرب أبعد الناس من كل خير وأطول الناس جوعا وأشقى الناس شقاء وأقذر الناس قذرا وأبعده دارا وما منعني أن آمر هؤلاء الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا تنجسا لجيفكم فإنكم أرجاس فإن تذهبوا نخل عنكم وإن تأبوا نركم مصارعكم قال فحمدت الله وأثنيت عليه فقلت والله ما أخطأت من صفتنا شيئا ولا من نعتنا إن كنا لأبعد الناس دارا وأشد الناس جوعا وأشقى الناس شقاء وأبعد الناس من كل خير حتى بعث الله عز و جل إلينا رسوله فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة فوالله ما زلنا نتعرف من ربنا منذ جاءنا رسوله بالفتح والنصر حتى أتيناكم وإنا والله لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نقتل بأرضكم

116 -

خطبة عمر
وغزا الأحنف بن قيس خراسان وحارب يزدجرد سنة 22 ه ثم أقبل أهل فارس على الأحنف فصالحوه وعاقدوه ودفعوا إليه خزائن يزدجرد وتراجعوا إلى بلدانهم وبعث الأحنف بالخبر والغنائم إلى عمر بن الخطاب فجمع الناس وخطبهم فقال في خطبته
إن الله تبارك وتعالى ذكر رسوله وما بعثه به من الهدى ووعد على اتباعه من عاجل الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة فقال ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) فالحمد لله الذي أنجز وعده ونصر جنده ألا إن الله قد أهلك ملك المجوسية وفرق شملهم فليسوا يملكون من بلادهم شبرا يضر بمسلم ألا وإن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون ألا وإن المصرين من مسالحها اليوم كأنتم والمصرين فيما مضى من البعد وقد وغلوا في البلاد والله بالغ أمره ومنجز وعده ومتبع آخر ذلك أوله فقوموا في أمره على رجل يوف لكم بعهده ويؤتكم وعده ولا تبدلوا ولا تغيروا فيستبدل الله بكم غيركم فإني لا أخاف على هذه الأمة أن تؤتى الا من قبلكم
117 -
خطبة عثمان بن أبي العاص
ولما فتح عثمان بن أبي العاص إصطخر سنة 23 ه وجمع إليه ما أفاء الله على المسلمين خمسه وبعث بالخمس إلى عمر وقسم أربعة أخماس المغنم في الناس

وعفت الجند عن النهاب وأدوا الأمانة واستدقوا الدنيا فجمعهم عثمان ثم قام فيهم وقال
إن هذا الأمر لا يزال مقبلا ولا يزال أهله معافين مما يكرهون ما لم يغلوا فإذا غلوا رأوا ما ينكرون ولم يسد الكثير مسد القليل اليوم

في فتح الشام
118 -
بين الروم ومعاذ بن جبل
وبعث الروم إلى أبي عبيدة أن أرسل الينا رجلا من صلحائكم نسأله عما تريدون وما تسألون وما تدعون إليه ونخبره بذات أنفسنا وندعوكم إلى حظكم إن قبلتم فأرسل إليهم أبو عبيدة معاذ بن جبل فأتاهم فقالوا للترجمان قل له
أخبرونا ما تطلبون وإلام تدعون اليه وما أدخلكم بلادنا وتركتم أرض الحبشة وليسوا منكم ببعيد وتركتم أرض فارس وقد هلك ملك فارس وهلك ابنه وإنما تملكهم اليوم النساء ونحن ملكنا حي وجنودنا عظيمة كثيرة وإن اقتحمتم من مدائننا مدينة أو من قرانا قرية أو من حصوننا حصنا أو هزمتم لنا عسكرا أظننتم أنكم قد ظفرتم بجماعتنا وأنكم قد قطعتم حربنا عنكم أو فرغتم ممن وراءنا منا ونحن عدد نجوم السماء وحصى الأرض وأخبرونا لم تستحلون قتالنا وأنتم تؤمنون بنبينا وكتابنا
فلما قالوا هذا القول وفسره الترجمان لمعاذ سكتوا فقال معاذ للترجمان قد فرغوا قال له نعم قال فأفهمهم عنى أن أول ما أنا ذاكر حمد الله الذي لا إله إلا هو والصلاة على محمد نبيه وأن أول ما أدعوكم إلى الله أن تؤمنوا بالله وحده وبمحمد وأن تصلوا صلاتنا وتستقبلوا قبلتنا وأن تستنوا بسنة نبينا وتكسروا الصليب وتجتنبوا شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ثم أنتم منا ونحن منكم وأنتم أخواننا في ديننا لكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن

أبيتم فأدوا الجزية إلينا في كل عام وأنتم صاغرون ونكف عنكم وإن أنتم أبيتم هاتين الخصلتين فليس شئ مما خلق الله عز و جل نحن قابلوه منكم فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين فهذا ما نأمركم به وما ندعوكم إليه وأما قولكم ما أدخلكم بلادنا وتركتم أرض الحبشة وليسوا منكم ببعيد وتركتم أهل فارس وقد هلك ملكهم فإني أخبركم عن ذلك ما بدأنا قتالكم لأنكم أقرب إلينا منهم وإنكم عندنا جميعا بالسواء وما جاءنا كتابنا بالكف عنهم ولكن الله عز و جل أنزل في كتابه على نبينا فقال ( يا أيها الذين أمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليحدوا فيكم غلظة ) وكنتم أقرب إلينا منهم فبدأنا بكم لذلك وقد أتاهم طائفة منا وهم يقاتلونهم وأرجو أن يظفرهم الله ويفتح عليهم فينصر
وأما قولكم إن ملكنا حي وإن جنودنا عظيمة وإنا عدد نجوم السماء وحصى الأرض وتوئسونا من الظهور عليكم فإن الأمر في ذلك ليس إليكم وإنما الأمور كلها إلى الله وكل شئ في قبضته وقدرته وإذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وإن يكن ملككم هرقل فإن ملكنا الله عز و جل الذي خلقنا وأميرنا رجل منا إن عمل فينا بكتاب ديننا وسنة نبينا أقررناه علينا وإن عمل بغير ذلك عزلناه عنا وإن هو سرق قطعنا يده وإن زنى جلدناه وإن شتم رجلا منا شتمه كما شتمه وإن جرحه أقاده من نفسه ولا يحتجب منا ولا يتكبر علينا ولا يستأثر علينا في فيئنا الذي أفاءه الله علينا وهو كرجل منا
وأما قولكم جنودنا كثيرة فإنها وإن عظمت وكثرت حتى تكون اكثر من نجوم السماء وحصى الأرض فإنا لا نثق بها ولا نتكل عليها ولا نرجو النصر على

عدونا بها ولكنا نتبرأ من الحول والقوة ونتوكل على الله عز و جل ونثق بربنا فكم من فئة قليلة قد أعزها الله ونصرها وأغناها وغلبت فئة كثيرة بإذن الله وكم من فئة كثيرة قد أذلها الله وأهانها قال تبارك وتعالى ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )
وأما قولكم كيف تستحلون قتالنا وأنتم تؤمنون بنبينا وكتابنا فأنا أخبركم عن ذلك نحن نؤمن بنبيكم ونشهد أنه عبد من عبيد الله وأنه رسول من رسل الله وأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ولا نقول إنه الله ولا نقول إنه ثاني إثنين ولا ثالث ثلاثة ولا إن لله والدا ولا إن له صاحبة ولا ولدا ولا إن معه آلهة أخرى لا إله إلا هو تعالى عما يقولون علوا كبيرا وأنتم تقولون في عيسى قولا عظيما فلو أنكم قلتم في عيسى كما نقول وآمنتم بنبوة نبينا كما تجدونه في كتابكم وكما نؤمن نحن بنبيكم وأقررتم بما جاء به من عند الله ووحدتم الله ما قاتلناكم بل كنا نسالمكم ونواليكم ونقاتل معكم عدوكم
فلما فرغ معاذ من خطابه قالوا له ما نرى بيننا وبينك الا متباعدا وقد بقيت خصلة نحن نعرضها عليكم فإن قبلتموها منا فهو خير لكم وإن أبيتم فهو شر لكم نعطيكم البلقاء وما والى أرضكم من سواد الاردن وتنحوا عن بقية أرضنا وعن مدائننا ونكتب عليكم كتابا نسمى فيه خياركم وصلحاءكم ونأخذ عهودكم ومواثيقكم على ألاا تطلبوا من أرضنا غير ما صالحناكم عليه وعليكم بأهل فارس فقاتلوهم ونحن معكم نعينكم عليهم حتى تقتلوهم وتظهروا عليهم
فقال معاذ هذا الذى عرضتم علينا وتعطوناه كله في أيدينا ولو أعطيتمونا جميع ما في أيديكم مما لم نظهر عليه ومنعتمونا خصلة من الخصال الثلاثة التي وصفت لكم ما فعلنا

فغضبوا عند ذلك وقالوا نتقرب إليك وتتباعد عنا اذهب إلى أصحابك فو الله إنا لنرجو أن نفرقكم في الجبال غدا فقال معاذ أما الجبال فلا ولكن والله لتقتلنا عن آخرنا أو لنخرجنكم من أرضكم أذلة وأنتم صاغرون وانصرف معاذ
119 -

بين أبي عبيدة ورسول الروم
وانصرف معاذ إلى أبي عبيدة فأخبره بما قالوا ثم أرسل الروم رسولا من قبلهم إلى أبي عبيدة فقال له أنا أعرض عليكم أمرا لكم فيه حظ إن قبلتموه نحن نعطيكم دينارين دينارين وثوبا ثوبا ونعطيك انت ألف دينار ونعطي الامير الذي فوقك يعنون عمر ألفي دينار وتنصرفون عنا وإن شئتم أعطيناكم أرض البلقاء وما والى أرضكم من سواد الأردن وخرجتم من مدائننا وأرضنا وبلادنا وكتبنا فيما بيننا وبينكم كتابا يستوثق فيه بعضنا من بعض بالأيمان المغلظة ليقومن به وليفين بما عاهد الله عليه
فحمد الله أبو عبيدة وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي ثم قال
إن الله بعث فينا رسولا نبيا وأنزل عليه كتابا حكيما وأمره أن يدعو الناس إلى عبادة ربهم رحمة منه للعالمين وقال لهم إن الله إله واحد عزيز حكيم على مجيد وهو خالق كل شئ وليس كمثله شئ وأمرهم أن يوحدوا الله الذى لا إله إلا هو ولا يتخذوا له صاحبة ولا ولدا ولا يتخذوا معه آلهة أخرى وأن كل شئ يعبده الناس دونه فهو خلقه وأمرنا صلى الله عليه و سلم فقال إذا أتيتم المشركين فادعوهم إلى الإيمان بالله وبرسوله وبالإقرار بما جاء من عند الله عز و جل فمن آمن وصدق فهو أخوكم فى دينكم له ما لكم وعليه ما عليكم ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية حتى يؤدوها عن يد وهم صاغرون فإن أبوا أن يؤمنوا أو يؤدوا الجزية

فاقتلوهم وقاتلوهم فإن قتيلكم المحتسب بنفسه شهيد عند الله وهو فى جنات النعيم وقتيل عدوكم فى النار
فإن قبلتم ما سمعتم منى فهو خير لكم وإن أبيتم ذلك فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين
فقال الرومي قد أبيتم إلا هذا فقال له أبو عبيدة نعم فقال لع الرومي أما والله على ذلك إنى لا نراكم تتمنون أنكم قبلتم منا دون ما عرضنا عليكم 120

بين باهان وخالد بن الوليد
وبعث باهان أمير الروم إلى خالد بن الوليد أن القنى فأقبل إليه خالد فقال باهان إن شئت فتكلم وإن شئت بدأتك فتكلمت فقال له خالد فتكلم فقال باهان
الحمد لله الذى جعل نبينا أفضل الأنبياء وملكنا أفضل الملوك وأمتنا خير الأمم فلما بلغ هذا المكان قال خالد للترجمان وقطع على صاحب الروم منطقه ثم قال الحمد لله الذى جعلنا نؤمن بنبينا ونبيكم وبجميع الأنبياء وجعل الأمير الذى وليناه أمورنا رجلا كبعضنا فلو زعم أنه ملك علينا لعزلناه عنا ولسنا نرى أن له على رجل من المسلمين فضلا إلا أن يكون أتقى منه عند الله وأبر والحمد لله الذى جعل أمتنا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقر بالذنب وتستغفر الله منه وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئا قل الآن ما بدا لك
فاصفر وجه باهان ومكث قليلا ثم قال الحمد لله الذى أبلانا فأحسن البلاء عندنا وأغنانا من الفقر ونصرنا على الأمم وأعزنا فلا نذل ومنعنا من الضيم فلا يباح حريمنا ولسنا فيما أعزنا الله به وأعطانا من ديننا ببطرين ولا مرحين ولا

باغين على الناس وقد كانت لنا منكم يا معشر العرب جيران كنا نحسن جوارهم ونعظم قدرهم ونفضل عليهم ونفى لهم بالعهد وخيرناهم بلادنا ينزلون منها حيث شاءوا فينزلون آمنين ويرحلون آمنين وكنا نرى أن جميع العرب ممن لا يجاورنا سيشكر لنا ذلك الذى أتينا إلى إخوانهم وما اصطنعنا عندهم فلم يرعنا منكم إلا وقد فاجأتمونا بالخيل والرجال تقاتلوننا على حصوننا وتريدون أن تغلبونا على بلادنا وقد طلب هذا منا قبلكم من كان أكثر منكم عددا وأعظم مكيدة وأوفى جندا ثم رددناهم عنها فلم يرجعوا عنا إلا وهم بين قتيل وأسير وأراد ذلك منا فارس فقد بلغكم كيف صنع الله عز و جل بهم وأراد ذلك منا الترك فلقيناهم بأشد مما لقينا به فارس وأرادنا غيركم من أهل المشرق والمغرب من ذوى المنعة والعز والجنود العظيمة فكلهم أظفرنا الله بهم وصنع لنا عليهم ولم تكن أمة من الأمم بأرق عندنا منكم شأنا ولا أصغر أخطارا إنما جلكم رعاء الشاء والإبل وأهل الصخر والحجر والبؤس والشقاء فأنتم تطمعون أن نجلى لكم عن بلادنا بئس ما طمعتم فيه منا وقد ظننا أنه لم يأت بكم إلى بلادنا ونحن يتقى كل من حولنا من الأمم العظيمة الشأن الكثيرة العدد مع كثرتنا وشدة شوكتنا إلا جهد نزل بكم من جدوبة الأرض وقحط المطر وعثتم فى بلادنا وأفسدتم كل الفساد وقد ركبتم مراكبنا وليست كمراكبكم ولبسم ثيابنا وليست كثيابكم وثياب الروم البيض كأنها صفائح الفضة وطعمتم من طعامنا وليس كطعامكم وأصبتم منا وملأتم أيديكم من الذهب الأحمر والفضة البيضاء والمتاع الفاخر وقد لقيناكم الآن وذلك كله لنا فهو فى أيديكم فنحن نسلمه لكم فاخرجوا به وانصرفوا عن بلادنا فإن أبت أنفسكم إلا أن تحرصوا وتشرهوا وأردتم أن نزيدكم من بيوت أموالنا ما يقوى به الضعيف منكم ويرى الغائب أن قد

رجع إلى أهله بخير فعلنا ونأمر للأمير منكم بعشرة آلاف دينار ونأمر لك بمثلها ونأمر لرؤسائكم بألف دينار ألف دينار ونأمر لجميع أصحابك بمائة دينار مائة دينار على أن توثقوا لنا بالأيمان المغلظة ألا تعودوا إلى بلادنا ثم سكت 121

جواب خالد
فقال خالد رحمه الله الحمد لله الذى لا إله إلا هو فلما فسر له الترجمان قوله الحمد لله الذى لا إله إلا هو رفع يده إلى السماء ثم قال لخالد نعم ما قلت ثم قال خالد وأشهد أن محمدا رسول الله فلما فسر له الترجمان قال باهان الله أعلم ما أدرى لعله كما تقول فأخبر خالد الترجمان ثم قال خالد رحمه الله
أما بعد فإن كل ما ذكرت به قومك من الغنى والعز ومنع الحريم والظهور على الأعداء والتمكن فى البلاد فنحن به عارفون وكل ما ذكرت من إنعامكم على جيرانكم منا فقد عرفناه وذلك لأمر كنتم تصلحون به دنياكم وإصلاحكم كان إليهم وإحسانكم إليهم كان ذلك زيادة فى ملككم وعزا لكم ألا ترون أن ثلثيهم أو شطرهم دخلوا معكم فى دينكم فهم يقاتلوننا معكم
وأما ما ذكرتنا به من رعى الإبل والغنم فما أقل من رأيت واحدا منا يكرهه ومالم يكن يكرهه منا فضل على من يفعله وأما قولكم إنا أهل الصخر والحجر والبؤس والشقاء فحالنا والله كما وصفته ما ننتفى من ذلك ولا نتبرأ منه وكنا على أسوأ وأشد مما ذكرت وسأقص عليك قصتنا وأعرض عليك أمرنا وأدعوك إلى حظك إن قبلت ألا إنا كنا معشر العرب أمة من هذه الأمم أنزلنا الله وله الحمد منزلا من الأرض ليست به أنهار جارية ولا يكون به من الزرع إلا القليل وكل أرضنا المهامة والقفار فكنا أهل حجر ومدر وشاء وبعير وعيش شديد وبلاء

دائم لازم نقطع أرحامنا ونقتل خشية الإملاق أولادنا ويأكل قوينا ضعيفنا وكثيرنا قليلنا ولا تأمن قبيلة منا قبيلة إلا أربعة أشهر من السنة نعبد من دون الله أربابا وأصناما ننحتها بأيدينا من الحجارة التى نختارها على أعيننا وهى لا تضر ولا تنفع ونحن عليها مكبون فبينما نحن كذلك على شفا حفرة من النار من مات منا مات مشركا وصار إلى النار ومن بقى منا بقى كافرا مشركا بربه قاطعا لرحمه إذ بعث الله فينا رسولا من صميمنا وشرفائنا وخيارنا وكرمائنا وأفضلنا دعانا إلى الله وحده أن نعبده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع الأنداد التى يعبدها المشركون دونه وقال لنا لا تتخذوا من دون الله ربكم إلها ولا وليا ولا نصيرا ولا تجعلوا معه صاحبة ولا ولدا ولا تعبدوا من دونه نارا ولا حجرا ولا شمسا ولا قمرا واكتفوا به ربا وإلها من كل شئ دونه وكونوا أولياءه وإليه فادعوا وإليه فارغبوا وقال لنا قاتلوا من اتخذ مع الله آلهة أخرى وكل من زعم أن لله ولدا وأنه ثانى اثنين أو ثالث ثلاثة حتى يقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ويدخلوا فى الإسلام فإن فعلوا حرمت عليكم دماؤهم وأموالهم وأعراضهم إلا بحقها وهم إخوانكم فى الدين لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فإن هم أبوا أن يدخلوا فى دينكم وأقاموا على دينهم فأعرضوا عليهم الجزية أن يؤدوها عن يد وهم صاغرون فإن هم فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم وإن أبوا فقاتلوهم فإنه من قتل منكم كان شهيدا حيا عند الله مرزوقا وأدخله الله الجنة ومن قتل من عدوكم قتل كافرا وصار إلى النار مخلدا فيها أبدا ثم قال خالد
وهذا والله الذى لا إله إلا هو أمر الله به نبيه فعلمنا وأمرنا به أن ندعو الناس إليه ونحن ندعوكم إلى ما دعانا إليه نبينا وإلى ما أمرنا به أن ندعو إليه الناس فندعوكم إلى الإسلام وإلى أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإلى أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتقروا بما جاء من عند الله

عز و جل فإن فعلتم فأنتم إخواننا فى الإسلام لكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن أبيتم فإنا نفرض عليكم أن تعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فإن فعلتم قبلنا منكم وكففنا عنكم وإن أبيتم أن تفعلوا فقد والله جاءكم قوم هم أحرص على الموت منكم على الحياة فاخرجوا بنا على اسم الله حتى نحاكمكم إلى الله فإنما الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ثم سكت خالد
فقال باهان أما أن ندخل فى دينكم فما أبعد من ترى من الناس من أن يترك دينه ويدخل فى دينكم وأما أن نؤدى الجزية فتنفس الصعداء وثقلت عليه وعظمت عنده فقال سيموت من ترى جميعا قبل أن يؤدوا الجزية إلى أحد من الناس وهم يأخذون الجزية ولا يعطونها وأما قولك فاخرجوا حتى يحكم الله بيننا فلعمرى ما جاءك هؤلاء القوم وهذه الجموع إلا ليحاكموك إلى الله وأما قولك إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده فصدقت والله ما كانت هذه الأرض التى نقاتلكم عليها وتقاتلوننا فيها إلا لأمة من الأمم كانوا قبلنا فيها فقاتلناهم عليها فأخرجناهم منها وقد كانت قبل ذلك لقوم آخرين فأخرجهم منها هؤلاء الذين كنا قاتلناهم عنها فابرزوا على اسم الله فإنا خارجون إليكم 122

خطبة عمرو بن العاص
ولما نقض أهل الأردن العهد الذى كان بينهم وبين المسلمين قام عمرو بن العاص وجمع إليه من كان قبله من المسلمين
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبيى ثم قال
أما بعد فقد برئت ذمة الله من رجل من أهل عهدنا من أهل الأردن قدم

على رجل من أهل إيليا أو كان عنده لم يأتنا به ولم يرفعه إلينا ألا ولا يبقين رجل من أهل عهدنا إلا تهيأواستعد حتى يسير معى إلى أهل إيليا فإنى أريد المسير إليهم والنزول بساحتهم ثم لا أزايلهم حتى أقتل مقاتلهم وأسبى ذراريهم أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون 123

خطبة عمر
ولما حصر أبو عبيدة أهل أيليا ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحربة سألوه الصلح على أن يكون عمر هو الذى يعطيهم العهد ويكتب لهم الأمان فأقبل عمر إلى الشام حتى انتهى إلى الجابية فقام فى الناس فقال
الحمد لله الحميد المستحمد المجيد الدفاع الغفور الودود الذى من أراد أن يهديه من عباده اهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا
أما بعد فإنى سمعت رسول الله يقول إن خيار أمتى الذين يلونكم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل على الشهادة ولم يستشهد عليها وحتى يحلف على اليمين ولم يسألها فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ولا يبالى الله شذوذ من شذ ألا لا يخلون رجل منكم بإمرأة إلا أن يكون لها محرما فإن ثالثهما الشيطان 124
خطبة عمر
ولما كان عمر رضى الله عنه بالشام قام فى الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبى ثم قال

يا أهل الإسلام إن الله قد صدقكم الوعد ونصركم على الأعداء وورثكم البلاد ومكن لكم فى الأرض فلا يكن جزاء ربكم إلا الشكر وإياكم والعمل بالمعاصى فإن العمل بالمعاصى كفر للنعم وقلما كفر قوم بما أنعم الله عليهم ثم لم يفزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزهم وسلط عليهم عدوهم ثم نزل 125

خطبة لعمر
وقفل عمر من الشام إلى المدينة فى ذى الحجة سنة 17ه وخطب حين أراد القفول فحمد الله وأثنى عليه وقال
ألا إنى قد وليت عليكم وقضيت الذى على فى الذى ولانى الله من أمركم إن شاء الله قسطنا بينكم فيئكم ومنازلكم ومغازيكم وأبلغنا ما لديكم فجندنا لكم الجنود وهيأنا لكم الفروج وبوأناكم ووسعنا عليكم ما بلغ فيئكم وما قاتلتم عليه من شأمكم وسمينا لكم أطماعكم وأمرنا لكم بإعطائكم أرزاقكم ومعاونكم فمن علم علم شئ ينبغى العمل به فبلغنا نعمل به إن شاء الله ولا قوة إلا بالله 126
خطبة عمر
ولما رجع عمر رضى الله عنه إلى المدينة استقبله الناس يهنئون بالنصر والفتح فجاء حتى دخل مسجد رسول الله فصلى ركعتين عند المنبر ثم صعد المنبر فاجتمع الناس إليه فقام

فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى وقال أيها الناس إن الله قد اصطنع عند هذه الأمة أن يحمدوه ويشكروه وقد أعز دعوتها وجمع كلمتها وأظهر فلجها ونصرها على الأعداء وشرفها ومكن لها فى الأرض وأورثها بلاد المشركين وديارهم وأموالهم فأحدثوا لله شكرا يزدكم واحمدوه على نعمه عليكم يدمها لكم جعلنا الله وإياكم من الشاكرين ثم نزل 127

وصية أبى عبيدة للمسلمين وقد أصابه طاعون عمواس
وكان طاعون عمواس قد عم أهل الشام سنة 18ه ومات فيه بشر كثير ومات فيه أبو عبيدة رحمه الله
ولما طعن أبو عبيدة وهو بالأردن دعا المسلمين فلما دخلوا عليه قال
إنى أوصيكم بوصية إن قبلتموها لم تزالوا بخير ما بقيتم وبعد ما تهلكون أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا وتصدقوا وحجوا واعتمروا وتواصلوا وتحابوا واصدقوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تلهكم الدنيا فإن امرأ لو عمر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعى هذا الذى ترون وإن الله قد كتب الموت على بنى آدم فهم ميتون وأكرمهم منهم أطوعهم لربه وأعلمهم ليوم معاده ثم قال يا معاذ صل بالناس فصلى معاذ بالناس ومات أبو عبيدة رحمه الله

خطبة معاذ بن جبل عند موت أبى عبيدة
فقام معاذ بن جبل فى الناس فقال
يا أيها الناس توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة فإن عبدا أن يلقى الله عز و جل تائبا من ذنبه كان حقا على الله أن يغفر له ذنوبه ومن كان عليه دين فليقضه فإن العبد مرتهن بدينه ومن أصبح منكم مصارما مسلما فليلقه وليصالحه إذا لقيه وليصافحه فإنه لا ينبغى لمسلم أن يهجر أخاه المسلم أكثر من ثلاثة أيام والذنب فى ذلك عند الله وأنكم أيها المسلمون قد فجعتم برجل والله ما أزعم أنى رأيت منكم عبدا من عباد الله قط أقل غمرا ولا أبر صدرا ولا أبعد من الغائلة ولا أنصح للعامة ولا أشد عليهم تحننا وشفقة منه فترحموا عليه ثم احضروا الصلاة عليه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر والله لا يلى عليكم بعده مثله أبدا
فاجتمع الناس وأخرج أبو عبيدة وتقدم معاذ فصلى عليه حتى إذا أتى به قبره دخل قبره معاذ وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس فلما وضعوه فى قبره وخرجوا منه فسفوا عليه التراب قال معاذ 129
رثاء معاذ بن جبل لأبى عبيدة
رحمك الله يا أبا عبيدة فوالله لاثنين عليك بما علمت والله لا أقول باطلا أخاف أن يلحقنى من الله مقت كنت والله ما علمت من الذاكرين الله كثيرا ومن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ومن

الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ومن الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وكنت والله ما علمت من المخبتين المتواضعين ومن الذين يرحمون اليتيم والمسكين ويبغضون الجفاة والمتكبرين
ولم يكن أحد من الناس كان أشد جزعا على فقد أبى عبيدة وعلى موته ولا أطول حزنا عليه من معاذ بن جبل 130

ابن العاص ومعاذ والطاعون
وصلى معاذ بالناس أياما واشتد الطاعون وكثر الموت فى الناس فلما رأى ذلك عمرو بن العاص قال أيها الناس إن هذا الطاعون هو الرجز الذى عذب الله به بنى اسرائيل مع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وأمر الناس بالفرار منه فأخبر معاذ بقول عمرو فقال ما أراد إلى ما يقول مالا علم له به ثم جاء معاذ حتى صعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبى ثم ذكر الوباء فقال ليس كما قال عمرو ولكنه رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم اللهم أعط معاذا وآل معاذ منه النصيب الأوفر 131
وصية لمعاذ بن جبل
ثم صلى ورجع إلى منزله فإذا هو بابنه عبد الرحمن قد طعن فلم يلبث إلا قليلا حتى مات يC وصلى عليه معاذ ثم دفنه فلما رجع معاذ إلى منزله طعن فاشتد به وجعه وجعل أصحابه يختلفون إليه فإذا أتاه أصحابه أقبل عليهم فقال لهم

اعملوا وأنتم فى مهلة وحياة وفى بقية من آجالكم من قبل أن تمنوا العمل فلا تجدوا إليه سبيلا وأنفقوا مما عندكم لما بعدكم قبل أن تهلكوا وتدعوا ذلك كله ميراثا لمن بعدكم واعلموا أنه ليس لكم من أموالكم إلا ما أكلتم وشربتم ولبستم وأنفقتم وأعطيتم فأمضيتم وما سوى ذلك فللوارثين 132

وصية لمعاذ بن جبل أيضا
وأتاه رجل فى مرضه فقال يا معاذ علمنى شيئا ينفعنى الله به قبل أن تفارقنى فلا أراك ولا ترانى ولا أجد منك خلفا ثم لعلى أن أحتاج إلى سؤال الناس عما ينفعنى بعدك فلا أجد فيهم مثلك فقال معاذ كلا إن صلحاء المسلمين والحمد لله كثير ولن يضيع الله أهل هذا الدين ثم قال له
خذ عنى ما آمرك كن من الصائمين بالنهار ومن المصلين فى جوف الليل ومن المستغفرين بالأسحار ومن الذاكرين الله على كل حال كثيرا ولا تشرب الخمر ولا تزنين ولا تعق والديك ولا تأكل مال اليتيم ولا تفر من الزحف ولا تأكل الربا ولا تدع الصلاة المكتوبة ولا تضيع الزكاة المفروضة وصل رحمك وكن بالمؤمنين رحيما ولا تظلم مسلما وحج واعتمر وجاهد ثم أنا لك زعيم بالجنة
ومات رحمه الله وقد استخلف عمرو بن العاص فصلى عليه عمرو
فلما دفنه قال
رحمك الله يا معاذ فقد كنت ما علمناك من نصحاء المسلمين ومن خيارهم وأعلامهم ثم كنت مؤدبا للجاهل شديدا على الفاجر رحيما بالمؤمنين وايم الله لا يستخلف من بعدك مثلك

ولما انتهى إلى عمر رضى الله عنه هلاك أبى عبيدة وهلاك معاذ فرق عماله على كور الشأم فبعث عبد الله ابن قرط على حمص ثم عزله وولى عبادة بن الصامت الأنصارى واستعمل على دمشق أبا الدرداء الأنصارى وكتب إلى يزيد بن أبى سفيان أن يسير إلى قيسارية 133

خطبة عبادة بن الصامت
فلما قدم عبادة على أهل حمص قام فى الناس خطيبا
فحمد الله وصلى على النبى ثم قال
أما بعد ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ألا وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك قادر ألا وإنكم معروضون على أعمالكم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ألا وإن للدنيا بنين وللآخرة بنين فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كل أم يتبعها بنوها يوم القيامة 134
خطبة شداد بن أوس
ثم قال لشداد بن أوس قم يا شداد فعظ الناس وكان شداد مفوها قد أعطى لسانا وحكمة وفضلا وبيانا فقام شداد فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى ثم قال
أما بعد أيها الناس راجعوا كتاب الله وإن تركه كثير من الناس فإنكم لم تروا من الخير إلا أسبابه ولا من الشر إلا أسبابه وإن الله جمع الخير كله بحذافيره فجعله فى الجنة وجمع الشر بحذافيره فجعله فى النار وإن الجنة وعرة حزنة ألا وإن النار سهلة لينة ألا وإن الجنة حفت بالكره والصبر ألا وإن النار حفت

بالهوى والشهوة ألا فمن كشف حجاب الكره والصبر أشفى على الجنة ومن أشفى على الجنة كان من أهلها ألا ومن كشف حجاب الهوى والشهوة أشفى على النار وكان من أهلها فاعملوا بالحق تنزلوا منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق 135

خطبة أبى الدرداء
وقام أبو الدرداء فى أهل دمشق خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبى ثم قال
أما بعد يأهل دمشق اسمعوا مقالة أخ لكم ناصح فما بالكم تجمعون مالا تأكلون وتبنون مالا تسكنون وتأملون مالا تدركون وقد كان من كان قبلكم جمعوا كثيرا وبنوا شديدا وأملوا بعيدا وماتوا قريبا فأصبحت أعمالهم بورا ومساكنهم قبورا وأملهم غرورا ألا وإن عادا وثمودا كانوا قد ملئوا ما بين بصرى وعدن أموالا وأولادا ونعما فمن يشترى منى ما تركوا بدرهمين 136
خطبة يزيد بن أبى سفيان
وسار يزيد بن أبى سفيان إلى قيسارية فقام فى جنده فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبى ثم قال
أما بعد فإن كتاب أمير المؤمنين عمر المبارك الفاروق أتانى يحثنى على المسير إلى قيسارية وأن أدعوهم إلى الإسلام وأن يدخلوا فيما دخل فيه أهل الكور من

أهل الشام فيؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإن أبوا نزلت عليهم فلم أزايلهم حتى أقتل مقاتلتهم وأسبى ذراريهم فسيروا رحمكم الله إليهم فإنى أرجو أن يجمع الله لكم الغنيمة فى الدنيا والآخرة 137
وصية العباس بن عبد المطلب المتوفى سنة 32ه لابنه عبد الله
قال عبد الله بن عباس قال لى أبى
يا بنى إنى أرى أمير المؤمنين يعنى عمر بن الخطاب قد اختصك من دون من ترى من المهاجرين والأنصار وإنى موصيك بخلال أربع لا يجربن عليك كذبا ولا تغتابن عنده مسلما ولا تفشين له سرا ولا تطو عنه نصيحة قال فقلت يا أبه كل واحدة منها خير من ألف فقال كل واحدة منها خير من عشرة آلاف 138

وصية عمر للخليفة من بعده
وأوصى عمر الخليفة من بعده فقال
أوصيك بتقوى الله لا شريك له وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا أن تعرف لهم سابقتهم وأوصيك بالأنصارخيرا فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم وأوصيك بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء العدو وجباة الفئ لا تحمل فيئهم إلا عن فضل منهم وأوصيك بأهل البادية خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام أن تأخذ من حواشى أموال أغنيائهم فترد على فقرائهم وأوصيك بأهل الذمة خيرا أن

تقاتل من ورائهم ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا أو عن يد وهم صاغرون وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة وأوصيك أن تخشى الله في الناس وتخشى الناس في الله وأوصيك بالعدل في الرعية والتفرغ لحوائجهم وثغورهم ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم فإن ذلك بإذن الله سلامة لقلبك وحط لوزرك وخير في عاقبة أمرك حتى تفضى من ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك وآمرك ان تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم ثم لا تأخذك في أحد رأفة حتى تنتهك منة مثل ما انتهك من حرمة الله واجعل الناس عندك سواء لا تبالي على من وجب الحق ثم لا تأخذك في الله لومة لائم وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء الله على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة وأنت إلى الآخرة جد قريب فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط الله لك اقترفت به إيمانا ورضوانا وإن غلبك الهوى اقترفت به سخط الله وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة وقد أوصيتك وخضضتك ونصحتك فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي فإن عملت بالذي وعظتك وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت به نصيبا وافرا وحظا وافيا وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك ولم تنزل معاظم الأمور عند الذي يرضى الله به عنك يكن ذلك بك انتقاصا ورأيك فيه مدخولا لأن الأهواء مشتركة ورأس كل خطيئة إبليس وهو داع إلى كل هلكة وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار ولبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة عدو الله الداعي إلى معاصيه ثم اركب الحق وخض إليه الغمرات وكن واعظا لنفسك أنشدك الله لما ترحمت على جماعة المسلمين فأجللت كبيرهم ورحمت صغيرهم ووقرت عالمهم ولا تضربهم فيذلوا ولا تستأثر

عليهم بالفئ فتبغضهم ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم ولا تجمرهم في البعوث فتقطع نسلهم ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم هذه وصيتي إياك وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام . وفي رواية الطبري
قال وأوصى الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان أن يحسن إلى محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم وأوصى الخليفة من بعدي بالعرب فإنها مادة الإسلام أن يؤخذ من صدقاتهم حقها فتوضع في فقرائهم وأوصى الخليفة من بعدي بذمة رسول الله أن يوفى لهم بعهدهم اللهم هل بلغت
تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة

خطب يوم الشورى
بعد دفن عمر اجتمع أهل الشورى وهم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وكان طلحة غائبا فبدأ عبد الرحمن بن عوف بالكلام فقال
139 -
خطبة عبد الرحمن بن عوف
يا هؤلاء إن عندي رأيا وإن لكم نظرا فاسمعوا تعلموا وأجيبوا تفقهوا فإن حابيا خيرمن زاهق وإن جرعة من شروب بارد أنفع من عذب موب أنتم أئمة يهتدى بكم وعلماء يصدر إليكم فلا تفلوا المدى بالاختلاف بينكم ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم فتوتروا ثأركم وتؤلتوا أعمالكم لكل أجل كتاب ولكل بيت إمام بأمره يقومون وبنهيه يرعون قلدوا أمركم واحدا منكم تمشوا الهوينى وتلحقوا الطلب لولا فتنة عمياء وضلالة حيراء يقول أهلها ما يرون وتحلهم الحبو كرى ما عدت نياتكم معرفتكم ولا أعمالكم

نياتكم احذروا نصيحة الهوى ولسان الفرقة فإن الحيلة في المنطق أبلغ من السيوف في الكلم علقوا أمركم رحب الذراع فيما حل مأمون الغيب فيما نزل رضا منكم وكلكم رضا ومقترعا منكم وكلكم منتهى لا تطيعوا مفسدا يتنصح ولا تخالفوا مرشدا ينتصر أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
ثم تكلم عثمان بن عفان فقال
140 -

خطبة عثمان بن عفان
الحمد لله الذي اتخذ محمدا نبيا وبعثه رسولا صدقه وعده ووهب له نصره على كل من بعد نسبا أو قرب رحما جعلنا الله له تابعين وبأمره مهتدين فهو لنا نور ونحن بأمره نقوم عند تفرق الأهواء ومجادلة الأعداء جعلنا الله بفضله أئمة وبطاعته أمراء لا يخرج أمرنا منا ولا يدخل علينا غيرنا إلا من سفه الحق ونكل عن القصد وأحر بها يا بن عوف أن تترك وأجدر بها أن تكون إن خولف أمرك وترك دعاؤك فأنا أول مجيب لك وداع إليك وكفيل بما أقول زعيم واستغفر الله لي ولكم
ثم تكلم الزبير بن العوام بعده فقال
141 -
خطبة الزبير بن العوام
أما بعد فإن داعي الله لا يجهل ومجيبه لا يخذل عند تفرق الأهواء ولي الأعناق ولن يقصر عما قلت إلا غوى ولن يترك ما دعوت إليه الا شقى لولا حدود الله فرضت وفرائض الله حدت تراح على أهلها وتحيا لا تموت لكان

الموت من الإمارة نجاة والفرار من الولاية عصمة ولكن لله علينا إجابة الدعوة وإظهار السنة لئلا نموت ميتة عمية ولا نعمى عمى الجاهلية فأنا مجيبك إلى ما دعوت ومعينك على ما أمرت ولا حول ولا قوة الا بالله وأستغفر الله لي ولكم
142 -

خطبة سعد بن أبي وقاص
ثم تكلم سعد بن ابي وقاص فقال
الحمد لله بديئا كان وآخرا يعود أحمده لما نجاني من الضلالة وبصرني من الغواية فبهدى الله فاز من نجا وبرحمته أفلح من زكا وبمحمد بن عبد الله أنارت الطرق واستقامت السبل وظهر كل حق ومات كل باطل إياكم ايها النفر وقول الزور وأمنية أهل الغرور فقد سلبت الأماني قوما قبلكم ورثوا ما ورثتم ونالوا ما نلتم فاتخذهم الله عدوا ولعنهم لعنا كبيرا قال الله عز و جل ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) إني نكبت قرني فأخذت سهمي الفالج وأخذت لطلحة ابن عبيد الله ما ارتضيت لنفسي فأنا به كفيل وبما أعطيت عنه زعيم والأمر إليك يا بن عوف بجهد النفس وقصد النصح وعلى الله قصد السبيل وإليه الرجوع واستغفر الله لي ولكم وأعوذ بالله من مخالفتكم

- خطبة علي بن أبي طالب
ثم تكلم علي بن أبي طالب فقال
الحمد لله الذي بعث محمدا منا نبيا وبعثه إلينا رسولا فنحن بيت النبوة ومعدن الحكمة وأمان أهل الأرض ونجاة لمن طلب لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السرى لو عهد إلينا رسول الله عهدا لأنفذنا عهده ولو قال لنا قولا لجادلنا عليه حتى نموت لن يسرع أحد قبلي إلى الدعوة حق وصلة رحم ولا حول ولا قوة إلا بالله اسمعوا كلامي وعوا منطقي عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا المجمع تنتضى فيه السيوف وتخان فيه العهود حتى تكونوا جماعة ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة ثم أنشأ يقول
( فإن تك جاسم هلكت فإني ... بما فعلت بنو عبد بن ضخم ) (
مطيع في الهواجر كل عي ... بصير بالنوى من كل نجم )

خطب عثمان بن عفان رضي الله عنه
144 -
خطبته حين بايعه أهل الشورى
روى الطبري قال لما بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة فأتى منبر رسول الله فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وقال
إنكم في دار قلعة وفي بقية اعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فلقد أتيتم صبحتم أو مسيتم الا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور اعتبروا بمن مضى ثم جدوا ولا تغفلوا فإنه لا يغفل عنكم أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين آثروها وعمروها ومتعوا بها طويلا ألم تلفظهم ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب لها مثلا والذي هو خير فقال عز و جل ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) وأقبل الناس يبايعونه

145 -

خطبته بعد البيعة
وقال أيضا خطب عثمان الناس بعد ما بويع فقال
أما بعد فإني قد حملت وقد قبلت ألا وإني متبع ولست بمبتدع ألا وإن لكم علي بعد كتاب الله عز و جل وسنة نبيه ثلاثا اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملأ والكف عنكم إلا فيما استوجبتم ألا وإن الدنيا خضرة قد شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها
146 -
خطبة أخرى
وقال ابن قتيبة لما ولى عثمان صعد المنبر فجلس على ذروته فرماه الناس بأبصارهم فقال
إن أول مركب صعب وإن مع اليوم أياما وما كنا خطباء وإن نعش لكم تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله تعالى 147
خطبة لعثمان
وبعث عثمان بدء الفتنة إلى عمال الأمصار فقدموا عليه فقال ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الإذاعة إنى والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب هذا إلا بى ثم قال أشيروا على فأشار عليه كل بما يراه

وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال
كل ما أشرتم به على قد سمعت ولكل أمر باب يوتى منه إن هذا الأمر الذى يخاف على هذه الأمة كائن وإن بابه الذى يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إلا فى حدود الله تعالى ذكره التى لا يستطيع أحد أن يبادى بعيب أحدها فإن سده شئ فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لأحد على حجة حق وقد علم الله أنى لم آل الناس خيرا ولا نفسى ووالله إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها 148

خطبة عثمان
ولما حدثت الأحداث بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار ثم رجعوا جميعا إلى المدينة إلا من كان بالشأم فأخبروا عثمان بخبرهم فقام عثمان فى الناس خطيبا فقال
يأهل المدينة أنتم أصل الإسلام وإنما يفسد الناس بفسادكم ويصلحون بصلاحكم والله والله والله لا يبلغنى عن أحد منكم حدث أحدثه إلا سيرته ألا فلا أعرفن أحدا عرض دون أولئك بكلام ولا طلب فإن من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم دون أن يتكلم أحد منهم بما عليه ولا له
وايم الله لآخذن العفو من أخلاقكم ولأبذلنه لكم من خلقي وقد دنت أمور ولا أحب أن تحل بنا وبكم وأنا على وجل وحذر فاحذروا واعتبروا

خطبته حين نقم عليه الناس
وخطب عثمان حين نقم عليه الناس ما نقموا فقال
أما بعد فإن لكل شئ آفة وإن لكل نعمة عاهة وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيابون ظنانون يظهرون لكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون يقولون لكم وتقولون طغام مثل النعام يتبعون أول ناعق أحب مواردهم إليهم النازح لا يشربون إلا نغصا ولا يردون إلا عسكرا لا يقوم لهم رائد وقد أعيتهم الأمور وتعذرت عليهم المكاسب
لقد أقررتم لابن الخطاب بأكثر مما نقمتم علي ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده ووقمكم وقمعكم وزجركم زجر النعام المخزمة فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم ولنت لكم وأوطأت لكم كنفى وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم علي
أما والله إني لأقرب ناصرا وأعز نفرا وأكثر عددا وأقمن إن قلت هلم أن تجاب دعوتى من عمر
ولقد أعددت لكم أقرانكم وأفضلت عليكم فضولا وكشرت لكم عن نابي وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ومنطقا لم أنطق به

فكفوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم فإني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا
ألا فما تفقدون من حقكم فوالله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي ومن لم تكونوا تختلفون عليه فضل فضل من مالي فمالي لا أصنع في الفضل ما أريد إذن فلم كنت إماما 150

خطبته التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة
حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال
أما بعد أيها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله وما جئت شيئا إلا وانا أعرفه ولكني منتني نفسي وكذبتني وضل عني رشدي ولقد سمعت رسول الله يقول من زل فليتب ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق فأنا أول من اتعظ استغفر الله مما فعلت وأتوب إليه فمثلى نزع وتاب فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم فوالله لئن ردني الحق عبدا لأستنن بسنة العبد ولأذلن ذل العبد ولأكونن كالمرقوق إن ملك صبر وإن عتق شكر وما عن الله مذهب إلا إليه فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنوا إلى لئن أبت يميني لتتابعني شمالي

151 -

خطبته في الرد على الثوار
وقال يرد على الثوار
الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فإنكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء أما قولكم تخلع نفسك فلا أنزع قميصا قمصنيه الله عز و جل وأكرمني به وخصني به على غيري ولكني أتوب وأنزع ولا أعوذ لشئ عابه المسلمون فإني والله الفقير إلى الله الخائف منه
قالوا إن هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه ولم تقم عليه لكان علينا أن نقبل منك وأن ننصرف عنك إلى آخر ما قالوا فقال عثمان أما أن أتبرأ من الإمارة فأن تصلبوني أحب الي من أن أتبرأ من أمر الله عز و جل وخلافته وأما قولكم تقاتلون من دوني فإني لا آمر أحدا بقتالكم فمن قاتل دوني فإنما قاتل بغير أمري ولعمري لو كنت أريد قتالكم لقد كنت كتبت إلى الأجناد فقادوا الجنود وبعثوا الرجال أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو عراق فالله الله في أنفسكم فأبقوا عليها إن لم تبقوا علي فإنكم مجتلبون بهذا الأمر إن قتلتموني دما فانصرفوا عنه وآذنوه بالحرب

152 -

خطبته وقد اشتد عليه الحصار
ولما اشتد الحصار عليه أرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا فأشرف عليهم فقال
يأيها الناس اجلسوا فجلسوا المحارب والمسالم فقال لهم يأهل المدينة أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي ثم قال أنشدكم بالله هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم ويجمعكم على خيركم أتقولون إن الله لم يستجب لكم وهنتم عليه وأنتم أهل حقه أم تقولون هان على الله دينه فلم يبال من ولى والدين لم يتفرق أهله يومئذ أم تقولون لم يكن أخذ عن مشورة إنما كان مكابرة فوكل الله الأمة إذ عصته ولم يشاوروا في الإمامة أم تقولون إن الله لم يعلم عاقبة أمري أنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي يحق على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها فمهلا لا تقتلوني فإنه لا يحل الا قتل ثلاثة رجل زنا بعد إحصانه أو كفر بعد إيمانه أو قتل نفسا بغير حق فإنكم اذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف ابدا
153 -
آخر خطبة خطبها عثمان
إن الله عز و جل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا اليها إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله اتقوا الله جل وعز

فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير والزموا جماعتكم ولا تصيروا أحزابا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا
154 -

خطبة الوليد بن عقبة
قال الطبري
لما أصاب الوليد بن عقبة حاجته من أرمينية سنة24 ه وكان أهلها قد منعوا ما صالحوا عليه أهل الاسلام أيام عمر ودخل الموصل فنزل الحديثة أتاه كتاب من عثمان رضي الله عنه
أما بعد فإن معاوية بن أبي سفيان كتب الي يخبرني أن الروم قد اجلبت على المسلمين بجموع عظيمة وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف من المكان الذي يأتيك فيه رسولي والسلام
فقام الوليد في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد أيها الناس فإن الله قد أبلى المسلمين في هذا الوجه بلاء حسنا فرد عليهم بلادهم التي كفرت وفتح بلادا لم تكن فتحت وردهم سالمين غانمين مأجورين فالحمد لله رب العالمين
وقد كتب الي أمير المؤمنين يأمرني أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى الثمانية الآلاف تمدون إخوانكم من أهل الشام فإنهم قد جاشت عليهم الروم وفي ذلك الأجر العظيم والفضل المبين فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة الباهلي فانتدب الناس

155 -

خطبة سعيد بن العاص حين قدم الكوفة واليا عليها
عزل عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة بن أبي معيط من إمارة الكوفة وكان قد اتهم بشرب الخمر وولى مكانه سعيد بن العاص سنة 30 ه فلما قدم الكوفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
والله لقد بعثت اليكم وإني لكاره ولكني لم أجد بدا إذ أمرت أن أئتمر ألا إن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها ؤولله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تعييني وإني لرائد نفسي اليوم ثم نزل
156 -
خطبة عبد الله بن الزبيرحين قدم بفتح افريقية
قدم عبد الله بن الزبير على عثمان بن عفان بفتح افريقية فأخبره مشافهة وقص عليه كيف كانت الوقعة فأعجب عثمان ما سمع منه فقال له أتقوم بمثل هذا الكلام على الناس فقال يا أمير المؤمنين إني أهيب لك مني لهم فقام عثمان في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ايها الناس إن الله قد فتح عليكم إفريقية وهذا عبد الله بن الزبير يخبركم خبرها إن شاء الله وكان عبد الله بن الزبير إلى جانب المنبر فقام خطيبا وكان أول من خطب إلى جانب المنبر فقال
الحمد لله الذي ألف بين قلوبنا وجعلنا متحابين بعد البغضة الذي لا تجحد نعماؤه ولا يزول ملكه له الحمد كما حمد نفسه وكما هو أهله انتخب محمدا

فاختاره بعلمه وأتمنه على وحيه واختار له من الناس أعوانا قذف في قلوبهم تصديقه ومحبته فآمنوا به وعزروه ووقروه وجاهدوا في الله حق جهاده فاستشهد الله منهم من استشهد على المنهاج الواضح والبيع الرابح وبقي منهم من بقي لا تأخذهم في الله لومة لائم
أيها الناس رحمكم الله إنا خرجنا للوجه الذي علمتم فكنا مع وال حافظ حفظ وصية أمير المؤمنين كان يسير بنا الأبردين ويخفض بنا في الظهائر ويتخذ الليل جملا يعجل الرحلة من المنزل الجدب ويطيل اللبث في المنزل الخصب فلم نزل على أحسن حالة نعرفها من ربنا حتى انتهينا إلى إفريقية فنزلنا منها حيث يسمعون صهيل الخيل ورغاء الإبل وقعقعة السلاح فأقمنا أياما نجم كراعنا ونصلح سلاحنا ثم دعوناهم إلى الإسلام والدخول فيه فأبعدوا منه فسألناهم الجزية عن صغار أو الصلح فكانت هذه أبعد فأقمنا عليهم ثلاث عشرة ليلة نتأناهم وتختلف رسلنا إليهم فلما يئس منهم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضل الجهاد وما لصاحبه إذا صبر واحتسب ثم نهضنا إلى عدونا وقاتلناهم أشد القتال يومنا ذلك وصبر فيه الفريقان فكانت بيننا وبينهم قتلى كثيرة واستشهد الله فيهم رجالا من المسلمين فبتنا وباتوا وللمسلمين دوى بالقرآن كدوي النحل وبات المشركون في خمورهم وملاعبهم فلما أصبحنا أخذنا مصافنا التي كنا عليها بالأمس فزحف بعضنا على بعض فأفرغ الله علينا صبره وأنزل علينا نصره ففتحناها من آخر النهار فأصبنا غنائم كثيرة وفيئا واسعا بلغ فيه الخمس خمسمائة ألف فصفق عليها مروان بن الحكم فتركت المسلمين قد

قرت أعينهم وأغناهم النفل وأنا رسولهم إلى أمير المؤمنين أبشره وإياكم بما فتح الله من البلاد وأذل من الشرك فاحمدوا الله عباد الله على آلائه وما أحل بأعدائه من بأسه الذي لايرد عن القوم المجرمين
ثم سكت فنهض إليه أبوه الزبير فقبل بين عينيه وقال ( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) يا بني ما زلت تنطق بلسان أبي بكر حتى صمت
157 - خطبة عبد الله بن مسعود المتوفي سنة 32ه
أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرا كلمة التقوى أكرم الملل ملة إبراهيم وخير السنن سنة محمد خير الأمور أوساطها وشر الأمور محدثاتها ما قل وكفى خير مما كثر وألهى خيرالغنى غنى النفس وخير ما ألقى في القلب اليقين الخمر جماع الآثام النساء حبالة الشيطان الشباب شعبة من الجنون حب الكفاية مفتاح المعجزة شر الناس من لا يأتي الجماعة إلا دبرا ولا يذكر الله إلا هجرا أعظم الخطايا اللسان الكذوب سباب المؤمن فسق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية من يتأل على الله يكذبه ومن يغفر يغفر له مكتوب في ديوان المحسنين من عفا عفا الله عنه الشقي من شقى في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره الأمور بعواقبها ملاك العمل خواتيمه أشرف الموت الشهادة من يعرف البلاء يصبر عليه ومن لا يعرف البلاء ينكره

158 -

أبو زبيد الطائي يصف الأسد
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه يوما لأبي زبيد حرملة بن المنذر الطائي وكان نصرانيا يا أخا تبع المسيح أسمعنا بعض قولك فقد أنبئت أنك تجيد فأنشده قصيدة له في وصف الأسد فقال عثمان تاالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت والله إني لأحسبك جبانا هرابا قال كلا يا أمير المؤمنين ولكني رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا يبرح ذكره يتجدد ويتردد في قلبي ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غيرملوم فقال له عثمان وأنى كان ذلك قال
خرجت في صيابة أشراف من أبناء قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة ترمى بنا المهارى بأكسائها ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشأم فاخروط بنا السير في حمارة القيظ حتى إذا عصبت الأفواه وذبلت الشفاه وشالت المياه وأذكت الجوزاء المعزاء وذاب الصيهب وصر الجندب وأضاف العصفور الضب في وكره وجاوره في جحره قال قائل أيها الركب غوروا بنا في دوح هذا الوادي وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل دائم الغلل

أشجاره مغنة وأطياره مرنة فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات فأصبنا من فضلات المزاود وأتبعناها الماء البارد فإنا لنصف حر يومنا ومماطلته إذ صر أقصى الخيل أذنية وفحص الأرض بيديه فوالله ما لبث أن جال ثم حمحم فبال ثم فعل فعله الفرس الذي يليه واحدا فواحدا فتضعضعت الخيل وتكعكعت الإبل وتقهقرت البغال فمن نافر بشكاله وناهض بعقاله فعلمنا أنا قد أتينا وأن السبع لا شك فيه ففزع كل واحد منا إلى سيفة فاستله من جربانه ثم وقفنا رزدقا أرسالا وأقبل ابو الحارث من أجمته يتظالع في مشيته كأنه مجنوب أو في هجار لصدره نحيط ولبلاعمه غطيط ولطرفه وميض ولأرساغه نقيض كأنما يخبط هشيما أو يطأ صريما وإذا هامة كالمجن وخد كالمسن وعينان شجراوان كأنهما سراجان يتقدان

وقصرة ربلة ولهزمة رهلة وكتد مغبط وزور مفرط وساعد مجدول وعضد مفتول وكف شننة البراثن إلى مخالب كالمحاجن فضرب بيديه فأرهج وكثر فأفرج عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة وفم أشدق كالغار الأخوق ثم تمطى فأسرع بيديه وحفز وركيه برجليه حتى طار ظله مثليه ثم أقعى فاقشعر ثم مثل فاكفهر ثم تجهم فاز بأر فلاوذو بيته في السماء ما اتقيناه الا بأخ لنا من فزارة كان ضخم الجزارة فوقصه ثم نقضه نقضة فقضقض متنيه فجعل يلغ في دمه فذمرت أصحابي فبعد لأي ما استقدموا فهجهجنا به فكر مقشعر الزبرة

كأن به شيهما حوليا فاختلج رجلا أعجر ذا حوايا فنقضه نقضة تزايلت منها مفاصله ثم همهم فقرقر ثم زفر فبربر ثم زأر فجرجر ثم لحظ فوالله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه عن شماله ويمينه فأرعشت الأيدى واصطكت الأرجل وأطت الأضلاع وارتجت الأسماع وشخصت العيون وتحققت الظنون وانخزلت المتون ولحقت الظهور بالبطون ثم ساءت الظنون فقال له عثمان اسكت قطع الله لسانك فقد أرعبت قلوب المسلمين

خلافة الإمام علي كرم الله وجهه
159 -
وصية علي لقيس بن سعد
ولما قتل عثمان رضي الله عنه وولى علي بن أبي طالب الأمر دعا قيس بن سعد ابن عبادة الأنصاري وولاه مصر سنة 36ه
وقال له
سر إلى مصر فقد وليتكها واخرج إلى رحلك واجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتيها ومعك جند فإن ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن واشتد على المريب وارفق بالعامة والخاصة فإن الرفق يمن
160 -
خطبة لقيس بن سعد
ولما دخل قيس مصر قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وقال
الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبت الظالمين
أيها الناس إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينا فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله عز و جل وسنة رسوله فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم
فقام الناس فبايعوا

فتنة أصحاب الجمل
ولما قدمت السيدة عائشة رضي الله عنها البصرة للطلب بدم عثمان خرج إليها من أهلها من أراد أن يكون معها واجتمع القوم في بالمربد وجعلوا يثوبون حتى غص بالناس فتكلم طلحة فأنصتوا له
161 -
خطبة طلحة
حمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان رضي الله عنه وفضله والبلد وما استحل منه وعظم ما أتى إليه ودعا إلى الطلب بدمه وقال
إن في إعزاز دين الله عز و جل وسلطانه وأما الطلب بدم الخليفة المظلوم فإنه حد من حدود الله وإنكم إن فعلتم أصبتم وعاد أمركم إليكم وإن تركتم لم يقم لكم سلطان ولم يكن لكم نظام
وتكلم الزبير بمثل ذلك ثم تكلمت السيدة عائشة وكانت جهورية الصوت
162 -
خطبة السيدة عائشة بالمربد
حمدت الله عز و جل وأثنت عليه وقالت
كان الناس يتجنون على عثمان رضي الله عنه ويزرون على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم فننظر في ذلك فنجده بريا تقيا وفيا

ونجدهم فجرة غدرة كذبة يحاولون غير ما يظهرون فلما قووا على المكاثرة كاثروه واقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والمال الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا عذر ألا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان رضي الله عنه وإقامة كتاب الله عز و جل ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ) الآية
163 -

خطبة لعلي
وخطب علي لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عائشة يريدون البصرة فقال
أيها الناس إن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة و الزبير وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبة اما طلحة فابن عمها وأما الزبير فختنها والله لو ظفروا بما ارادوا ولن ينالوا ذلك أبدا ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد والله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا فى معصية الله وسخطه حتى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة إي والله ليقتلن ثلثهم وليهربن ثلثهم وليتوبن ثلثهم وإنها التي تنبحها كلاب الحوأب وإنهما ليعلمان أنهما مخطئان ورب عالم قتله جهله ومعه علمه لا ينفعه وحسبنا الله ونعم الوكيل فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية أين المحتسبون أين المؤمنون مالي ولقريش أما والله لقد قتلتهم كافرين ولأقتلنهم مفتونين وما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أننا أدخلناها في حيزنا والله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته فقل لقريش فلتضج ضجيجها ثم نزل

خطبة لعلي
ولما رجعت رسل علي من عند طلحة والزبير وعائشة يؤذنونه بالحرب قام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال
أيها الناس إني قد راقبت هؤلاء القوم كي يرعووا أو يرجعوا ووبختهم بنكثهم وعرفتهم بغيهم فلم يستحيوا وقد بعثوا إلى أن ابرز للطعان واصبرللجلاد وإنما تمنيك نفسك أماني الباطل وتعدك الغرور ألا هبلتهم الهبول لقد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب ولقد أنصف القارة من راماها فليرعدوا وليبرقوا فقد رأونى قديما وعرفوا نكايتي فكيف رأوني أنا أبو الحسن الذي فللت حد المشركين وفرقت جماعتهم وبذلك القلب ألقى عدوي اليوم وإنى لعلى ما وعدني ربي من النصر والتأييد وعلى يقين من أمري وفي غير شبهة من ديني
أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب ليس عن الموت محيد ولا محيص من لم يقتل مات إن أفضل الموت القتل والذى نفس على بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موته واحدة على الفراش
اللهم إن طلحة نكث بيعتي وألب على عثمان حتى قتله ثم عضهنى به ورمانى اللهم فلا تمهله
اللهم إن الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر علي عدوي فاكفنيه اليوم بما شئت ثم نزل

خطبة لعلي
حمد الله وصلى على رسوله ثم قال
أما بعد فإنه لما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قلنا نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد ولا يطمع في حقنا طامع إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الإمرة لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتعزز علينا الذليل فبكت الأعين منا لذلك وخشنت الصدور وجزعت النفوس
وايم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم عليه فولى الأمر ولاة لم يألوا الناس خيرا ثم استخرجثموني أيها الناس من بيتي فبايعتموني على شين مني لأمركم وفراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايع تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم ويلقيا بأسكم بينكم اللهم فخذهما بما عملا أخذة واحدة رابية ولا تنعش لهما صرعة ولا تقل لهما عثرة ولا تمهلهما فواقا فإنهما يطلبان حقا تركاه ودما سفكاه اللهم إني أقتضيك وعدك فإنك قلت وقولك الحق ( ثم بغى عليه لينصرنه الله ) اللهم فانجز لي موعودك ولا تكلني إلى نفسي إنك على كل شئ قدير 166
خطبة عدي بن حاتم يستنفر قومه لنصرة الإمام علي
ولما شخص الإمام علي كرم الله وجهه من المدينة إلى البصرة وقد علم بمسير طلحة والزبير وعائشة إليها قام عدي بن حاتم إليه فقال يا أمير المؤمنين لو تقدمت إلى قومي

أخبرهم بمسيرك وأستنفرهم فإن لك من طيئ مثل الذي معك فقال علي نعم فافعل فتقدم عدي إلى قومه فاجتمعت إليه رؤساء طيئ فقال لهم
يا معشر طيئ إنكم أمسكتم عن حرب رسول الله في الشرك ونصرتم الله ورسوله في الإسلام على الردة وعلي قادم عليكم وقد ضمنت له مثل عدة من معه منكم فخفوا معه وقد كنتم تقاتلون في الجاهلية على الدنيا فقاتلوا في الإسلام على الآخرة فإن أردتم الدنيا فعند الله مغانم كثيرة وأنا أدعوكم إلى الدنيا والآخرة وقد ضمنت عنكم الوفاء وباهيت بكم الناس فأجيبوا قولي فإنكم أعز العرب دارا لكم فضل معاشكم وخيلكم فاجعلوا فضل المعاش للعيال وفضول الخيل للجهاد وقد أظلكم علي والناس معه من المهاجرين والبدريين والأنصار فكونوا أكثرهم عددا فإن هذا سبيل للحي فيه الغنى والسرور وللقتيل فيه الحياة والرزق فصاحت طيئ نعم نعم حتى كاد أن يصم من صياحهم

خطبة زفر بن زيد يستنفر قومه لنصرة علي أيضا
وقام إلى علي زفر بن زيد الأسدي وكان من سادة بني أسد فقال يا أمير المؤمنين إن طيئا إخواننا وجيراننا قد أجابوا عديا ولي في قومي طاعة فأذن لي فآتيهم قال نعم فأتاهم فجمعهم وقال

يا بني أسد إن عدي بن حاتم ضمن لعلي قومه فأجابوه وقضوا عنه ذمامة فلم يعتل الغني بالغني ولا الفقير بالفقر وواسى بعضهم بعضا حتى كأنهم المهاجرون في الهجرة والأنصار في الأثرة وهم جيرانكم في الديار وخلطاؤكم في الأموال فأنشدكم الله لا يقول الناس غدا نصرت طيئ وخذلت بنو أسد وإن الجار يقاس بالجار كالنعل بالنعل فإن خفتم فتوسعوا في بلادهم وانضموا إلى جبلهم وهذه دعوة لها ثواب من الله في الدنيا والآخرة 168

خطبة علي بالربذة
روى الطبري قال
لما أتى عليا الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزبير أنهم قد توجهوا نحو العراق خرج يبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردهم فلما انتهى إلى الربذة أتاه عنهم أنهم قد أمعنوا فأقام بالربذة أياما وبقي بها يتهيأ وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة وسلاح وقام في الناس فخطبهم وقال
إن الله عز و جل أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد فجرى الناس على ذلك ما شاء الله الإسلام دينهم والحق فيهم والكتاب إمامهم حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة ألا إن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فنعوذ بالله من شر ما هو كائن

ثم عاد ثانية فقال إنه لا بد مما هو كائن أن يكون ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدي نبيكم واتبعوا سنته واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه وارضوا بالله عز و جل ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن حكما وإماما 169

خطبة سعيد بن عبيد الطائي
ولما كان الإمام علي كرم الله وجهه بالربذة أتته جماعة من طيئ فقيل لعلي هذه جماعة من طيئ قد أتتك منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك قال جزى الله كلا خيرا وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ثم دخلوا عليه فقال علي ما شهدتمونا به قالوا شهدناك بكل ما تحب قال جزاكم الله خيرا فقد أسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووافيتم بصدقاتكم المسلمين فنهض سعيد بن عبيد الطائي فقال
يا أمير المؤمنين إن من الناس من يعبر لسانه عما في قلبه وإني والله ما كل ما أجد في قلبي يعبر عنه لساني وسأجهد وبالله التوفيق أما أنا فسأنصح لك في السر والعلانية وأقاتل عدوك في كل موطن وأرى لك من الحق ما لا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك
قال رحمك الله قد أدى لسانك عما يجن ضميرك فقتل معه بصفين رحمه الله

خطبة الحسن بن علي
ولما دخل الحسن وعمار الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس
فحمد الله وصلى على رسوله ثم قال
أيها الناس إنا جئنا ندعوكم إلى الله وإلى كتابه وسنة رسوله وإلى أفقه من تفقه من المسلمين وأعدل من تعدلون وأفضل من تفضلون وأوفى من تبايعون من لم يعبه القرآن ولم تجهله السنة ولم تقعد به السابقة إلى من قربه الله تعالى ورسوله قرابتين قرابة الدين وقرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة إلى من كفى الله ورسوله والناس متخاذلون فقرب منه وهم متباعدون وصلى معه وهم مشركون وقاتل معه وهم منهزمون وبارز معه وهم محجمون وصدقه وهم يكذبون إلى من لم ترد له ولا تكافأ له سابقة وهو يسألكم النصر ويدعوكم إلى الحق ويأمركم بالمسير إليه لتوازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ومثلوا بعماله وانتهبوا بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واحضروا بما يحضر به الصالحون
خطبة أخرى للحسن
الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله امتن علينا بنبوته واختصه برسالته وأنزل عليه وحيه واصطفاه على جميع خلقه وأرسله إلى الإنس والجن حين عبدت الأوثان وأطيع الشيطان وجحد الرحمن وصلى الله عليه وعلى آله وجزاه أفضل ما جزى المسلمين

أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون إن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب أرشده الله أمره وأعزه نصره بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب وإلى العمل بالكتاب والجهاد في سبيل الله وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون فإن فى آجله ما تحبون إن شاء الله
ولقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وحده وأنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه ثم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله جميع مشاهده وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله راضيا عنه حتى غمضه بيده وغسله وحده والملائكة أعوانه والفضل ابن عمه ينقل إليه الماء ثم أدخله حفرته وأوصاه بقضاء دينه وعداته وغير ذلك من أموره كل ذلك من من الله عليه
ثم والله ما دعا إلى نفسه ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها فبايعوه طائعين ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ولا خلاف أتاه حسدا له وبغيا عليه
فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته والجد والصبر والإستعانة بالله والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته وألهمنا وإياكم تقواه وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه وأستغفر الله العظيم لي ولكم 172

خطبة عمار بن ياسر
وقام بعده عمار فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال
أيها الناس أخو نبيكم وابن عمه يستنفركم لنصر دين الله وقد بلاكم الله بحق دينكم وحرمة أمكم فحق دينكم أوجب وحرمته أعظم

أيها الناس عليكم بإمام لا يؤدب وفقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكل وذي سابقة في الإسلام ليست لأحد وإنكم لو قد حضرتموه بين لكم أمركم إن شاء الله
173 -

خطبة أبي موسى الأشعري
فلما سمع أبو موسى الأشعري خطبة الحسن وعمار قام فصعد المنبر وقال
الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد فجمعنا بعد الفرقة وجعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة وحرم علينا دماءنا وأموالنا قال الله سبحانه ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) وقال تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) فاتقوا الله عباد الله وضعوا أسلحتكم وكفوا عن قتال إخوانكم
أما بعد يأهل الكوفة إن تطيعوا الله باديا وتطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المضطر ويأمن فيكم الخائف إن عليا إنما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة وطلحة والزبير حوارى رسول الله ومن معهم من المسلمين وأنا أعلم بهذه الفتن إنها إذا إقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت إني خائف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا ثم يتركا كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض لا يدرى من أين تؤتى تترك الحليم حيران كأني أسمع رسول الله صلى الله عليه وآله بالأمس يذكر الفتن فيقول أنت فيها نائما خير منك قاعدا وأنت فيها جالسا خير منك قائما وأنت فيها قائما خير منك ساعيا فثلموا سيوفكم وقصفوا رماحكم وأنصلوا سهامكم وقطعوا أوتاركم وخلوا قريشا ترتق فتقها وترأب صدعها فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت وإن أبت فعلى أنفسها ما جنت سمنها في أديمها استنصحوني ولا تستغشوني وأطيعوني ولا تعصوني يتبين لكم رشدكم وتصلى هذه الفتنة من جناها

صورة أخرى
174 -
خطبة أبي موسى الأشعري
وكاتب الإمام علي من الربذة أبا موسى الأشعري وكان عامله على الكوفة ليستنفر الناس لقتال عائشة ومن معها فثبطهم وخطبهم فقال
أيها الناس إن أصحاب النبي الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله جل وعز وبرسوله ممن لم يصحبه وإن لكم علينا حقا فأنا مؤديه إليكم كان الرأي ألا تستخفوا بسلطان الله عز و جل ولا تجترئوا على الله عز و جل وكان الرأي الثاني أن تأخذوا من قدم عليكم من المدينة فتردوهم إليها حتى يجتمعوا وهم أعلم بمن تصلح له الإمامة منكم ولا تكلفوا الدخول في هذا فأما إذ كان ما كان فأنها فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الراكب فكونوا جرثومة من جراثيم العرب فأغمدوا السيوف وأنصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار وآووا المظلوم والمضطهد حتى يلتئم هذا الأمر وتنجلي هذه الفتنة

175 -

صورة أخرى
وخطب أيضا في هذا الصدد فقال
أيها الناس أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المظلوم ويأمن فيكم الخائف إنا أصحاب محمد أعلم بما سمعنا إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت بينت وإن هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجرى بها الشمال والجنوب والصبا والدبور فتسكن أحيانا فلا يدرى من أين تؤتى تذر الحليم كابن أمس شيموا سيوفكم وقصدوا رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم خلوا قريشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة ترتق فتقها وتشعب صدعها فإن فعلت فلأنفسها سعت وإن أبت فعلى أنفسها جنت سمنها تهريق في أديمها استنصحوني ولا تستغشوني وأطيعوني يسلم لكم دينكم ودنياكم ويشقى بحرهذه الفتنة من جناها
176 -
خطبة زيد بن صوحان
فقام زيد بن صوحان فشال يده المقطوعة فقال
يا عبد الله بن قيس رد الفرات عن أدراجه أردده من حيث يجئ

حذف 298

حتى يعود كما بدأ فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ ( آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق
177 -

خطبة القعقاع بن عمرو
فقام القعقاع بن عمروفقال إني لكم ناصح وعليكم شفيق أحب أن ترشدوا ولأقولن لكم قولا هو الحق أما ما قال الأمير فهو الأمر لو أن إليه سبيلا وأما ما قال زيد فزيد عدو هذا الأمر لا تستنصحوه فإنه لا ينتزع أحد من الفتنة طعن فيها وجرى إليها والقول الذي هو الحق أنه لا بد من إمارة تنظم الناس وتزع الظالم وتعز المظلوم وهذا على يلي بما ولى وقد أنصف في الدعاء وإنما يدعوا إلى الإصلاح فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأى ومسمع
178 -
خطبة سيحان بن صوحان
وقال سيحان
أيها الناس إنه لا بد لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعز المظلوم ويجمع الناس وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة الفقيه في الدين فمن نهض إليه فإنا سائرون معه

179 -

خطبة الحسن بن على
وقام الحسن بن علي رضي الله عنه فقال
أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى أخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه والله لأن يليه أولو النهى أمثل في العاجلة وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم وإن أمير المؤمنين يقول قد خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما وإني أذكر الله رجلا رعى حق الله إلا نفر فإن كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما أخذ مني والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني وأول من غدر فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما فانفروا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر
180 -
وفادة القعقاع بن عمرو إلى أصحاب الجمل
ولما نزل الإمام علي كرم الله وجهه بذي قار دعا القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال له الق هذين الرجلين طلحة والزبير يا بن الحنظلية وكان القعقاع من أصحاب النبي فادعهما إلى الألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة وقال له كيف أنت صانع فيما جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة مني فقال نلقاهم بالذي أمرت به فإذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا الرأي وكلمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي قال أنت لها

فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة رضي الله عنها فسلم عليها وقال أي أمة ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة قالت أي بني إصلاح بين الناس قال فابعثى إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت إليهما فجاءا فقال إنى سألت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد فقالت إصلاح بين الناس فما تقولان أنتما أمتابعان أم مخالفان قالا متابعان قال فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح فوالله لئن عرفناه لنصلحن ولئن أنكرناه لا نصلح قالا قتلة عثمان رضي الله عنه فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن وإن عمل به كان إحياء للقرآن فقال قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الإستقامة منكم اليوم قتلتم ستمائة إلا رجلا فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم وطلبتم ذلك الذي أفلت يعني حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف وهم على رجل فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولون فإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكم فالذي خذرتم وقربتم به هذا الأمر أعظم مما أراكم تكرهون وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير
فقالت أم المؤمنين فتقول أنت ماذا قال أقول هذا الأمر دواؤه التسكين وإذا سكن اختلجوا فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة لهذه الأمة وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر وبعثه الله في هذه الأمة هزاهزها فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا

له فيصرعنا وإياكم وايم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله عز و جل حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل فإن هذا الأمر الذي حدث ليس يقدر وليس كالأمور ولا كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة الرجل فقالوا نعم إذن قد أحسنت وأصبت المقالة فارجع فإن قدم على وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر فرجع إلى على فأخبره فأعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح
181 -

خطبة على بن أبي طالب
فلما رجع القعقاع من عند أم المؤمنين وطلحة والزبير جمع الإمام على الناس ثم قام على الغرائر فحمد الله عز و جل وأثنى عليه وصلى على النبي وذكر الجاهلية وشقاها والإسلام والسعادة وإنعام الله على الأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم حدث هذا الحدث الذي جره على هذه الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا حسدوا من أفاءها الله عليه على الفضيلة وأرادوا رد الأشياء على أدبارها والله بالغ أمره ومصيب ما أراد ألا إني راحل غدا فارتحلوا ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان رضي الله عنه بشئ في شئ من أمور الناس وليغن السفهاء عني أنفسهم

- خطبة لعلي
ولما أراد علي المسير إلى البصرة قام فخطب الناس فقال بعد أن حمد الله وصلى على رسوله
إن الله لما قبض نبيه وآله . استأثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم والناس حديثو عهد بالإسلام والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن وينكسه أقل خلق فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا ثم انتقلوا إلى دار الجزاء والله ولي تمحيص سيئاتهم والعفو عن هفواتهم فما بال طلحة والزبير وليسا من هذا الأمر بسبيل لم يصبرا على حولا ولا أشهرا حتى وثبا ومرقا ونازعاني أمرا لم يجعل الله لهما إليه سبيلا بعد أن بايعاني طائعين غير مكرهين يرتضعان أما قد فطمت ويحييان بدعة قد أميتت أدم عثمان زعما والله ما التبعة إلا عندهم وفيهم وإن أعظم حجتهم لعلي أنفسهم وأنا راض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم فإن فاءا وأنابا فحظهما أحرزا وأنفسهما غنما وأعظم بهما غنيمة وإن أبيا أعطيتهما حد السيف وكفي به ناصرا لحق وشافيا لباطل ثم نزل

183 -

خطبة لعلي
وخطب فقال
الحمد لله على كل أمر وحال في الغدو والآصال وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ابتعثه رحمة للعباد وحياة للبلاد حين امتلأت الأرض فتنة واضطرب حيلها وعبد الشيطان في أكنافها واشتمل عدو الله إبليس على عقائد أهلها فكان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أطفأ الله به نيرانها وأخمد به شرارها ونزع به أوتادها وأقام به ميلها إمام الهدى والنبي المصطفي وآله وسلم فلقد صدع بما أمر به وبلغ رسالات ربه فأصلح الله به ذات البين وآمن به السبل وحقن به الدماء وألف به بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور وحتى أتاه اليقين ثم قبضه الله إليه حميدا
ثم استخلف الناس أبا بكر فم يأل جهده ثم استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده ثم استخلف الناس عثمان فنال منكم ونلتم منه حتى إذا كان من أمره ما كان اتيتموني لتبايعوني فقلت لا حاجة لي في ذلك ودخلت منزلي فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها وتداككتم علي حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل وقد علم الله سبحانه أني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد وآلة ولقد سمعته وآله يقول ( ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أني به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رءوس الخلائق ثم ينشر كتابه فإن كان عادلا نجا وإن كان جائرا هوى ) حتى اجتمع على ملؤكم وبايعني طلحة والزبير وأنا أعر ف الغدر في أوجههما والنكث في أعينهما ثم استأذناني في العمرة فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان فسارا إلى مكة واستخفا عائشة وخدعاها وشخص معهما أبناء الطلقاء فقدموا البصرة فقتلوا بها المسلمين وفعلوا المنكر ويا عجبا

لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما علي وهما يعلمان أني لست دون أحدهما ولو شئت ان أقول لقلت ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه فكتماه عني وخرجا يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان والله ما أنكرا على منكرا ولا جعلا بيني وبينهم نصفا وإن دم عثمان لمعصوب بهما ومطلوب منهما يا خيبة الداعي إلام دعا وبماذا أجيب والله إنهما لعلي ضلالة صماء وجهالة عمياء وإن الشيطان قد ذمر لها حزبه واستجلب منهما خيله ورجله ليعيد الجور إلى أوطانه ويرد الباطل إلى نصابه
ثم رفع يديه فقال اللهم إن طلحة والزبير قطعاني وظلماني وألبا علي فاخلل ما عقدا وانكث ما أبرما ولا تغفر لهما أبدا وأرهما المساءة فيما عملا وأملا
184 -

خطبة الأشتر
فقام إليه الأشتر فقال
الحمد لله الذي من علينا فأفضل وأحسن إلينا فأجمل قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين ولقد أصبت ووفقت وأنت ابن عم نبينا وصهره ووصيه وأول مصدق به ومصل معه شهدت مشاهدة كلها فكان لك الفضل فيها على جميع الأمة فمن اتبعك أصاب حظه واستبشر بفلجه ومن عصاك ورغب عنك فإلى أمه الهاوية لعمري يا أمير المؤمنين ما أمر طلحة والزبير وعائشة علينا بمخيل ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه وفارقا على غير حدث أحدثت ولا جور صنعت فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما فإنهما أول من ألب عليه وأغرى الناس بدمه وأشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنهما بعثمان فإن سيوفنا في عواتقنا وقلوبنا في صدورنا ونحن اليوم كما كنا أمس ثم قعد

185 - خطبة السيدة عائشة توفيت سنة 57ه
وخطبت السيدة عائشة وقد أخذت الناس مصافهم للحرب فقالت
أما بعد فإنا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط وإمرة الفتيان وموقع السحابة المحمية ألا وإنكم استعتبتموه فأعتبكم فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما وايم الله إن كان لأحصنكم فرجا وأتقاكم لله
186 -

خطبة لعلي
وخطب علي لما تواقف الجمعات فقال لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجة وكفكم عنهم حتى يبدءوكم حجة أخرى وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل وإذا وصلتم إلى حال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا من أموالهم شيئا ولا تهيجوا امرأة بأذى وان شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف القول والأنفس والعقول لقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة فيعير بها وعقبة من بعده

187 -

خطبة السيدة عائشة يوم الجمل
وخطبت السيدة عائشة رضي الله عنهما أهل البصرة يوم الجمل فقالت
أيها الناس صه صه إن لى عليكم حق الأمومة وحرمة الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه مات رسول الله بين سحرى ونحرى فأنا إحدى نسائه في الجنة له ادخرني ربي وخلصنى من كل بضاعة وبى ميز منافقكم من مؤمنكم وبي أرخص الله لكم في صعيد الأبواء ثم أبى ثاني اثنين الله ثالثهما وأول من سمى صديقا مضى رسول الله راضيا عنه وطوقه أعباء الإمامة ثم اضطرب حبل الدين بعده فمسك ابي بطرفيه ورتق لكم فتق النفاق وأغاض نبع الردة وأطفأ ما حش يهود وأنتم يومئذ جحظ العيون تنظرون الغدرة وتسمعون الصيحة فرأب الثأي وأود من الغلظة وانتاش من الهوة

واجتحى دفين الداء حتىأعطن الوارد وأورد الصادر وعل الناهل فقبضه الله إليه واطئا على هامات النفاق مذكيا نار الحرب للمشركين فانتظمت طاعتكم بحبله فولى أمركم رجلا مرعيا إذا ركن إليه بعيد ما بين اللابتين عركة للأذاة بجنبه صفوحا عن أذاة الجاهلين يقظان الليل في نصرة الإسلام فسلك مسلك السابقة ففرق شمل الفتنة وجمع أعضاد ما جمع القرآن وأنا نصب المسألة عن مسيري هذا لم ألتمس إثما ولم أونس فتنة أوطئكموها أقول قولي هذا صدقا وعدلا وإعذارا وإنذارا وأسأل الله أن يصلي على محمد وأن يخلفه فيكم بأفضل خلافة المرسلين
188 -

خطبة زفر بن قيس
وكتب الإمام علي كرم الله وجهه مع زفر بن قيس إلى جرير بن عبد الله البجلي وكان على ثغر همذان استعمله عليه عثمان كتابا يخبره فيه بما كان بينه وبين أصحاب الجمل وما أوتى من الأنتصار عليهم واستعمال ابن عباس على البصرة فلما قدم زفر على جرير بكتاب علي وقرأه جرير قام زفر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس إن عليا كتب إليكم بكتاب لا نقول بعده إلا رجيعا من القول إن الناس بايعوا عليا بالمدينة غير محاباة ببيعتهم لعلمه بكتاب الله وبرى الحق

فيه وإن طلحة والزبير نقضا بيعة علي على غير حدث ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب وألبا عليه الناس وأخرجا أم المؤمنين عائشة من حجاب ضربه الله ورسوله عليها فلقيهما فأعذر في الدعاء وخشي البغي وحمل الناس على ما يعرفون فهذا عيان ما غاب عنكم وإن سألتم الزيادة زدناكم
189 -

خطبة جرير بن عبد الله البجلي
وقام جرير بن عبد الله البجلي خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو المأمون على الدين والدنيا وكان من أمره وأمر عدوه ما قد سمعتم والحمد لله على أقضيته وقد بايعه السابقون والأولون من المهاجرين والأنصار والتابعون بإحسان ولو جعل الله هذا الأمر شورى بين المسلمين لكان علي أحق بها ألا وإن البقاء في الجماعة والفناء في الفرقة وعلي حاملكم ما استقمتم له فإن ملتم أقام ميلكم
قال الناس سمعا وطاعة ورضانا رضا من بعدنا
190 -
خطبة زياد بن كعب
وكتب الإمام علي كرم الله وجهه إلى الأشعث بن قيس وكان عاملا بأذربيجان استعمله عليها عثمان بمثل ما كتب به إليه جرير بن عبد الله ووجه بالكتاب مع زياد بن كعب فلما قرأ الأشعث كتاب علي قام زياد بن كعب خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال

أيها الناس إنه من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير وإن أمر عثمان لم ينفع فيه العيان ولم يشف منه الخبر غير أن من سمعه ليس كمن عاينه وإن المهاجرين والأنصار بايعوا عليا راضين به وإن طلحة والزبير نقضا بيعة علي على غير حدث وأخرجا أم المؤمنين على غير رضا فسار إليهم ولم ينلهم فتركهم وما في نفسه منهم حاجة فأورثه الله الأرض وجعل له عاقبة المتقين
191 -

خطبة الأشعث بن قيس
فقام الأشعث بن قيس فقال
أيها الناس إن عثمان رحمه الله ولاني أذربيجان وهلك وهي في يدي وقد بايع الناس عليا وطاعتنا له لازمة وقد كان من أمره وأمر عدوه ما قد بلغكم وهو المأمون على ما غاب عنا وعنكم من ذلك
192 -
خطبة جرير بن عبد الله البجلي
وبعث علي إلى معاوية مع جرير بن عبد الله البجلي بكتاب يدعوه به إلى بيعته فلما قرأ الكتاب قام جرير فخطب فقال
الحمد لله المحمود بالعوائد المأمول فيه الزوائد المرتجى منه الثواب المستعان على النوائب أحمده وأستعينه في الأمور التي تحير دونها الألباب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بعد فترة من الرسل الماضية والقرون الخالية فبلغ الرسالة ونصح للامة وأدى الحق الذي استودعه الله وأمره بأدائه إلى أمته صلى الله عليه وآله من رسول ومبتعث ومنتخب وعلى آله

أيها الناس إن أمر عثمان قد أعيا من شهده فكيف بمن غاب عنه وإن الناس بايعوا عليا غير واتر ولا موتور وكان طلحة والزبير ممن بايعاه ثم نكثا بيعته على غير حدث ألا وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن وقد كانت بالبصرة أمس روعة ملمة إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس وقد بايعت الأمة عليا ولو ملكنا والله الأمور لم نختر لها غيره فادخل معاوية فيما دخل فيه الناس فإن قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني فإن هذا قول لو جاز لم يقم لله دين وكان لكل امرئ ما في يديه ولكن الله جعل للآخر من الولاة حق الأول وجعل الأمور موطأة ينسخ بعضها بعضا ثم قعد
193 -

خطبة معاوية
فقال معاوية أنظر وتنظر وأستطلع رأي أهل الشام فمضت أيام وأمر معاوية مناديا ينادي الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر ثم قال
الحمد لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركانا والشرائع للإيمان برهانا يتوقد قبسه في الأرض المقدسة جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده فأحلهم أرض الشام ورضيهم لها لما سبق في مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم خلفاءه والقوام بأمره والذابين عن دينه وحرماته ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما وفي سبيل الخيرات أعلاما يردع الله بهم الناكثين ويجمع بهم ألفة المؤمنين والله نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام وتباعد بعد القرب
اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا ويخيفون آمننا ويريدون إراقة دمائنا وإخافة سبلنا وقد علم الله أنا لا نريد لهم عقابا ولا نهتك لهم حجابا ولا نوطئهم زلقا غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوابا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى وسقط الندى وعرف الهدى حملهم على ذلك البغي والحسد فنستعين بالله عليهم

أيها الناس قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين عثمان ابن عفان عليكم وأني لم أقم رجلا منكم على خزاية قط وإني ولي عثمان وقد قتل مظلوما والله تعالى يقول ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان
فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك وأوثقوا له على أن يبذلوا بين يديه أموالهم وأنفسهم حتى يدركوا بثأره أو تلحق أرواحهم بالله

فتنة معاوية استطلاع الأمام علي كرم الله وجهه آراء أصحابه وقد أراد
المسير إلى الشأم
لما أراد علي كرم الله وجهه المسير إلى الشأم دعا من كان معه من المهاجرين والأنصار فجمعهم
194 -
خطبة الإمام علي
ثم حمد الله وأثنى عليه وقال
أما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم مباركوا الأمر مقاويل بالحق وقد عزمنا على المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم
195 -
خطبة هاشم بن عتبة
فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فحمد الله وأثنى عليه وقال
أما بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير هم لك ولأشياعك أعداء وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء وهم مقاتلوك ومجادلوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا وضنا بما في أيديهم منها ليس لهم إربة غيرها

إلا ما يخدعون به الجهال من طلب دم ابن عفان كذبوا ليسوا لدمه ينفرون ولكن الدنيا يطلبون انهض بنا إليهم فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال وإن أبوا إلا الشقاق فذاك ظني بهم والله ما أراهم يبايعون وقد بقي فيهم أحد ممن يطاع إذا نهى ولا يسمع إذا أمر
196 -

خطبة عمار بن ياسر
وقام عمار بن ياسر فحمد الله وأثنى عليه وقال
يا أمير المؤمنين إن استطعت أن لا تقيم يوما واحدا فافعل اشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى حظهم ورشدهم فإن قبلوا سعدوا وإن أبوا إلا حربنا فوالله إن سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وكرامة منه
197 -
خطبة قيس بن سعد بن عبادة
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا أمير المؤمنين انكمش بنا عدونا إلى ولا تعرج فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك والروم لإدهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ومن المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه وضربوه وحرموه وسيروه وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ونحن لهم فيما يزعمون قطين

فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب وغيرهما لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم بالكلام يا قيس فقال أما إني عارف بفضلكم معظم لشأنكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي في صدوركم جاش حين ذكرت الأحزاب فقال بعضهم لبعض ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عليه السلام عن جماعتكم
198 -

خطبة سهل بن حنيف
فقام سهل بن حنيف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت ورأينا رأيك ونحن يمينك وقد رأينا أن تقوم في أهل الكوفة فتأمرهم بالشخوص وتخبرهم بما صنع لهم في ذلك من الفضل فإنهم أهل البلد وهم الناس فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب فأما نحن فليس عليك خلاف منا متى دعوتنا أجبناك ومتى أمرتنا أطعناك
199 -
خطبة الامام علي
وقام الإمام علي خطيبا على منبره يحرض الناس ويأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشأم فقال
سيروا إلى أعداء الله سيروا إلى أعداء القرآن والسنن سيروا إلى بقية الأحزاب وقتلة المهاجرين والأنصار

فقام رجل من بني فزارة فقال له أتريد أن تسير بنا إلى إخواننا من أهل الشأم نقتلهم كلا كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلتهم كلاها الله إذن لا نفعل ذلك فقام الأشتر فقال من هذا المارق فهرب الفزاري واشتد الناس على أثره فلحق في مكان من السوق تباع في البراذين فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونصال سيوفهم حتى قتل فأتي علي عليه السلام فقيل له يا أمير المؤمنين قتل الرجل قال ومن قتله قالوا قتلته همدان ومعهم شوب من الناس فقال قتيل عمية لا يدري من قتله ديته من بيت مال المسلمين فقام الأشتر فقال
200 -

خطبة الأشتر النخعي
يا أمير المؤمنين لا يهدنك ما رأيت ولا يولينك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن إن جميع من ترى من الناس شيعتك لا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ولا يحبون البقاء بعدك فإن شئت فسر بنا إلى عدوك فوالله ما ينجو من الموت من خافه ولا يعطى البقاء من أحبه وإنا لعلى بينة من ربنا وإن أنفسنا لن تموت حتى يأتي أجلها وكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين بالأمس وباعوا خلاقهم بعرض من الدنيا يسير
فقال علي الطريق مشترك والناس في الحق سواء ومن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى ما عليه ثم نزل فدخل منزله

201 -

مقال من ثبطوه عن المسير
ولما أمر الإمام بالمسير إلى الشأم دخل عليه عبد الله بن المعتم العبسي وحنظلة ابن الربيع التميمي في رجال كثير من غطفان وبني تميم فقال له حنظلة
يا أمير المؤمنين إنا قد مشينا إليك في نصيحة فاقبلها ورأينا لك رأيا فلا تردنه علينا فإنا نظرنا لك ولمن معك أقم وكاتب هذا الرجل ولا تعجل إلى قتال أهل الشأم فإنا والله ما ندري ولا تدري لمن تكون الغلبة إذا التقيتم ولا على من تكون الدبرة
وقال ابن المعتم مثل قوله وتكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل كلامهما
202 -
رد الإمام عليهم
فحمد علي عليه السلام الله وأثنى ثم قال
أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد ورب السموات السبع والأرضين السبع وإليه ترجعون يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء أما الدبرة فإنها على الضالين العاصين ظفروا أو ظفر بهم وايم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا
فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال
يا أمير المؤمنين إن هؤلاء والله ما آثروك بنصح ولا دخلوا عليك إلا بغش فاحذرهم فإنهم أدنى العدو

وقال له مالك بن حبيب إنه بلغني ياأمير المؤمنين أن حنظلة هذا يكاتب معاوية فادفعه إلينا نحسبه حتى تنقضي غزاتك وتتصرف
وقام من بني عبس قائد بن بكير وعياش بن ربيعة فقالا
يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية فاحبسه أو مكنا من حبسه حتى تنقضي غزاتك ثم تتصرف
فقالا هذا جزاء لمن نظر لكم وأشار عليكم بالرأي فيما بينكم وبين عدوكم فقال لهما علي عليه السلام الله بيني وبينكم وإليه أكلكم وبه استظهر عليكم اذهبوا حيث شئتم
203 -

خطبة عدي بن حاتم الطائي
وقام عدي بن حاتم الطائي بين يدي علي عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وقال
يا أمير المؤمنين ما قلت إلا بعلم ولا دعوت إلا إلى حق ولا أمرت إلا برشد ولكن إذا رأيت أن تستأني هؤلاء القوم وتستديمهم حتى تأتيهم كتبك وتقدم عليهم رسلك فعلت فإن يقبلوا يصيبوا رشدهم والعافية أوسع لنا ولهم وإن يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا عن الغي نسر إليهم وقد قدمنا إليهم العذر ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق فوالله لهم من الحق أبعد وعلى الله أهون

من قوم قاتلناهم أمس بناحية البصرة لما دعوناهم إلى الحق فتركوه ناوخناهم براكاء القتال حتى بلغنا منهم ما نحب وبلغ الله منهم رضاه
204 -

خطبة زيد بن حصين الطائي
فقام زيد بن حصين الطائي وكان من أصحاب البرانس المجتهدين فقال
الحمد لله حتى يرضى ولا إله إلا الله ربنا أما بعد فوالله إن كنا في شك في قتال من خالفنا ولا تصلح لنا النية في قتالهم حتى نستديمهم ونستأنيهم فما الأعمال إلا تباب ولا السعي إلا في ضلال والله تعالى يقول ( وأما بنعمة ربك فحدث ) إننا والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يتبعونه فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم القليل من الإسلام حظهم أعوان الظلمة وأصحاب الجور والعدوان ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان
فقام رجل من طيئ فقال يا زيد بن حصين أكلام سيدنا عدي بن حاتم يهجن فقال زيد ما أنتم بأعرف بحق عدي مني ولكني لا أدع القول بالحق وإن سخط الناس
205 -
خطبة أبي زينب بن عوف
ودخل أبو زينب بن عوف على الإمام علي فقال
يا أمير المؤمنين لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا وأعظمنا في الخير نصيبا ولئن كنا على ضلال إنك لأثقلنا ظهرا وأعظمنا وزرا قد أمرتنا بالمسير

إلى هذا العدو وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية وأظهرنا لهم العداوة نريد بذلك ما يعلم الله تعالى من طاعتك أليس الذي نحن عليه هو الحق المبين والذي عليه عدونا هو الحوب الكبير
فقال عليه السلام بلى شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا صحيح النية في نصرنا قد قطعت منهم الولاية وأظهرت لهم العدواة كما زعمت فإنك ولي الله تسبح في رضوانه وتركض في طاعته فأبشر أبا زينب وقال له عمار بن ياسر اثبت أبا زينب ولا تشك في الأحزاب أعداء الله ورسوله فقال أبو زينب ما أحب أن لي شاهدين من هذه الأمة شهدا لى عما سألت من هذا الأمر الذي أهمني مكانكما
206 -

خطبة يزيد بن قيس الأرحبي
ودخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي عليه السلام فقال
يا أمير المؤمنين نحن أولو جهاز وعدة وأكثر الناس أهل قوة ومن ليس به ضعف ولا علة فمر مناديك فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة فإن أخا الحرب ليس بالسئوم ولا النئوم ولا من إذا أمكنته الفرص أجلها واستشار فيها ولا من يؤخر عمل الحرب اليوم لغد وبعد غد
207 -
خطبة زياد بن النضر
فقال زياد بن النضر
لقد نصح لك يزيد بن قيس يا أمير المؤمنين وقال ما يعرف فتوكل

على الله وثق به واشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معانا فإن يرد الله بهم خيرا لا يتركوك رغبة عنك إلى من ليس له مثل سابقتك وقدمك وإلا ينيبوا ويقبلوا وأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا ونرجو أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم ثم بالأمس
208 -

خطبة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي
ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال
يا أمير المؤمنين إن القوم لو كانوا الله يريدون ولله يعملون ما خالفونا ولكن القوم إنما يقاتلوننا فرارا من الأسوة وحبا للأثرة وضنا بسلطانهم وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم وعلى إحن في نفوسهم وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم وأعوانهم ثم التفت إلى الناس فقال كيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة في موقف واحد والله ما أظنهم يفعلون ولن يستقيموا لكم دون أن تقصف فيهم قنا المران وتقطع على هامهم السيوف وتنثر حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمة بين الفريقين

209 -

أدب الامام علي وكرم خلقه
وخرج جحر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشأم فأرسل علي عليه السلام إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا يا أمير المؤمنين ألسنا محقين قال بلى قالا أوليسوا مبطلين قال بلى قالا فلم منعتنا من شتمهم قال
كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتبرءون ولكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا ومن أعمالهم كذا وكذا كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم اللهم احقن دماءهم ودماءنا وأصلح ذات بينهم وبيننا واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من جهله ويرعوى عن الغي والعدوان منهم من لهج به لكان أحب إلي وخيرا لكم
فقالا يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك
210 -
مقال عمرو بن الحمق
وقال له عمرو بن الحمق يومئذ والله يا أمير المؤمنين إني ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ولا إرادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان ترفع ذكري به ولكنني أحببتك بخصال خمس إنك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلى الله عليه وآله وأسبق الناس إلى الإسلام وأعظم المهاجرين سهما

في الجهاد ولو أني كلفت نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي حتى يأتي علي يومي في أمر أقوى به وليك وأهين عدوك ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك
فقال علي عليه السلام اللهم نور قلبه بالتقى واهده إلى صراطك المستقيم ليت أن في جندي مائة مثلك فقال حجر إذن والله يا أمير المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغشك
211 -

مقال حجر بن عدي
وقام حجر بن عدي فقال يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها قد ضارستنا وضارسناها ولنا أعوان وعشيرة ذات عدد ورأي مجرب وبأس محمود وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة فإن شرقت شرقنا وإن غربت غربنا وما أمرتنا به من أمرنا فعلنا
فقال علي عليه السلام أكل قومك يرى مثل رأيك قال ما رأيت منهم إلا حسنا وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة وحسن الإجابة فقال له علي عليه السلام خيرا
212 -
مقال هاشم بن عتبة
وقال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل الخزاعي
إن يومنا ليوم عصبصب ما يصبر عليه إلا كل مشبع القلب صادق النية

رابط الجأش وايم الله ما أظن ذلك اليوم يبقى منهم ولا منا إلا الرذال فقال عبد الله بن بديل أنا والله أظن ذلك فبلغ كلامهما عليا عليه السلام فقال لهما ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تظهراه ولا يسمعه منكما سامع إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين وكل آتيه منيته كما كتب الله له فطوبى للمجاهدين في سبيله والمقتولين في طاعته فلما سمع هاشم بن عتبة ما قالاه أتى عليا عليه السلام فقال
سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا في عباد الله بغير رضا الله فأحلوا حرامه وحرموا حلاله واستهوى بهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى وحبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة وانتجاز موعد ربنا وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله رحما وأفضل الناس سابقة وقدما م يا أمير المؤمنين يعلمون منك مثل الذي نعلم ولكن كتب عليهم الشقاء ومالت بهم الأهواء وكانوا ظالمين فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة وأنفسنا تنصرك على من خالفك وتولى الأمر دونك جذلة والله ما أحب أن لي ما على الأرض فما أقلت ولا ما تحت السماء فما أظلت وأني واليت عدوا لك وعاديت وليا لك
فقال علي عليه السلام اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والموافقة لنبيك

213 -

خطبة الإمام علي
ثم إن عليا عليه السلام صعد المنبر فخطب الناس ودعاهم إلى الجهاد فبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم قال
إن الله قد أكرمكم بدينه وخلقكم لعبادته فانصبوا أنفسكم في أداء حقه وتنجزوا موعوده واعلموا أن الله جعل أمراس الاسلام متينة وعراه وثيقة ثم جعل الطاعة حظ الأنفس ورضا الرب وغنيمة الأكياس عند تفريط العجزة وقد حملت أمر أسودها وأحمرها ولا قوة إلا بالله ونحن سائرون إن شاء الله إلى من سفه نفسه وتناول ما ليس له وما لا يدركه معاوية وجنده الفئة الطاغية الباغية يقودهم إبليس ويبرق لهم ببارق تسويفه ويدليهم بغروره وأنتم أعلم الناس بالحلال والحرام فاستغنوا بما علمتم واحذروا ما حذركم الله من الشيطان وارغبوا فيما عنده من الأجر والكرامة واعلموا أن المسلوب من سلب دينه وأمانته والمغرور من آثر الضلالة على الهدى فلا أعرفن أحدا منكم تقاعس عني وقال في غيري كفاية فإن الذود إلى الذود إبل ومن لا يذد عن حوضه يتهدم
ثم أني آمركم بالشدة في الأمر والجهاد في سبيل الله وان لا تغتابوا مسلما وانتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله

214 -

خطبة الحسن بن علي
ثم قام بعده ابنه الحسن رضي الله عنه فقال
الحمد لله لا إله غيره ولا شريك له ثم قال إن مما عظم الله عليكم من حقه وأسبغ عليكم من نعمه مالا يحصى ذكره ولا يؤدى شكره ولا يبلغه قول ولا صفة ونحن إنما غضبنا لله ولكم إنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم واستحكمت عقدتهم فاحتشدوا في قتل عدوكم معاوية وجنوده ولا تخاذلوا فإن الخذلان يقطع نياط القلوب وإن الأقدام على الأسنة نخوة وعصمة لم يتمنع قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة وكفاهم جوائح الذلة وهداهم إلى معالم الملة ثم أنشد
( والصلح تأخذ منه مارضيت به ... والحرب يكفيك من أنفاسها جرع )
215 -
خطبة الحسين بن علي
ثم قام الحسين رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يأهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء والشعار دون الدثار جدوا في إطفاء ما وتر بينكم وتسهيل ما توعر عليكم إلا إن الحرب شرها وريع وطعمها

فظيع فمن أخذ لها أهبتها واستعد لها عدتها ولم يألم كلومها قبل حلولها فذاك صاحبها ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن أن لا ينفع قومه وأن يهلك نفسه نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفيئة ثم نزل
216 -

خطبة عبد الله بن عباس
وكتب علي إلى ابن عباس بالبصرة
أما بعد فاشخص إلي بمن قبلك من المسلمين والمؤمنين وذكرهم بلائي عندهم وعفوي عنهم في الحرب وأعلمهم الذي لهم في ذلك من الفضل والسلام
فلما وصل كتابه إلى ابن عباس قام في الناس فقرأ عليهم الكتاب وحمد الله وأثنى عليه وقال
أيها الناس استعدوا للشخوص إلى إمامكم وانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب ولا يدينون دين الحق مع أمير المؤمنين وابن عم رسول الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والصادع بالحق والقيم بالهدى والحاكم بحكم الكتاب الذي لا يرتشي في الحكم ولا يداهن الفجار ولا تأخذه في الله لومة لائم

217 -

خطبة لمعاوية
ولما نزل على النخيلة متوجها إلى الشأم وبلغ معاوية خبره وهو يومئذ بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان مخضبا بالدم وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله لا تجف دموعهم على عثمان خطبهم وقال
يأهل الشأم قد كنتم تكذبونني في علي وقد استبان لكم أمره والله ما قتل خليفتكم غيره وهو أمر بقتله وألب الناس عليه وآوى قتلته وهم جنده وأنصاره وأعوانه وقد خرج بهم قاصدا بلادكم ودياركم لإبادتكم
يأهل الشأم الله الله في دم عثمان فأنا وليه وأحق من طلب بدمه وقد جعل الله لولي المقتول ظلما سلطانا فانصروا خليفتكم المظلوم فقد صنع القوم ما تعلمون قتلوه ظلما وبغيا وقد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله ثم نزل
فأعطوه الطاعة وانقادوا له وجمع إليه أطرافه واستعد للقاء علي

وفد علي على معاوية
بعد أن نزل علي كرم الله وجهه بصفين دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة فقال له شبث بن ربعي يا أمير المؤمنين ألا تطمعه في سلطان توليه إياه ومنزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك فقال علي ائتوه فالقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه وهذا في أول ذي الحجة سنة 36 ه فأتوه ودخلوا عليه
218 -
خطبة بشير بن عمرو
فحمد الله أبو عمرة بشير بن عمرو وأثنى عليه وقال
يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة وإن الله عز و جل محاسبك بعملك وجازيك بما قدمت يداك وإني أنشدك الله عز و جل أن تفرق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءها بينها
فقطع عليه الكلام وقال هلا أوصيت بذلك صاحبك فقال أبو عمرة
إن صاحبي ليس مثلك إن صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول قال فيقول ماذا قال يأمرك بتقوى الله عز و جل وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك اليه من الحق فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك

قال معاوية ونطل دم عثمان رضي الله عنه لا والله لا أفعل ذلك أبدا فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعي فتكلم
219 -

خطبة شبث بن ربعي
فحمد الله وأثنى عليه وقال
يا معاوية إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن إنه والله لا يخفي علينا ما تغزو وما تطلب إنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب ورب متمنى أمر وطالبه الله عز و جل يحول دونه بقدرته وربما أوتى المتمنى أمنيته وفوق أمنيته ووالله ما لك في واحدة منها خير لئن أخطأت ما ترجو إنك لشر العرب حالا في ذلك ولئن أصبت ما تمنى لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلى النار فاتق الله يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الأمر أهله
220 -
خطبة معاوية
فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فإن أول ما عرفت فيه سفهك وخفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عنيت بعد فيما لا علم لك به فقد كذبت ولومت

أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما ذكرت ووصفت انصرفوا من عندي فإنه ليس بيني وبينكم الا السيف
وغضب وخرج القوم وشبث يقول أفعلينا تهول بالسيف أقسم بالله ليعجلن بها إليك فأتوا عليا وأخبروه بالذي كان من قوله فأخذ علي يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج معه جماعة ويخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة فيقتتلان في خيلهما ورجالهما ثم ينصرفان وكانوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشأم لما يتخوفون أن يكون في ذلك الاستئصال والهلاك

وفد علي إلى معاوية أيضا
ولما دخلت سنة 37ه توادعا على ترك الحرب في المحرم إلى انقضائه طمعا في الصلح واختلفت فيما بينهما الرسل في ذلك دون جدوى فبعث علي عدي بن حاتم ويزيد بن قيس وشبث بن ربعي وزياد بن خصفة إلى معاوية
221 -
خطبة عدي بن حاتم
فلما دخلوا حمد الله عدي بن حاتم ثم قال
أما بعد فإنا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع الله عز و جل به كلمتنا وأمتنا ويحقن به الدماء ويؤمن به السبل ويصلح به ذات البين إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام أثرا وقد استجمع له الناس وقد أرشدهم الله عز و جل بالذي رأوا فلم يبق أحد غيرك وغير من معك فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل
222 -
جواب معاوية
فقال معاوية كأنك إنما جئت متهددا لم تأت مصلحا هيهات يا عدي كلا والله إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان أما والله إنك لمن المجلبين علي

ابن عفان رضي الله عنه وإنك لمن قتلته وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عز و جل به هيهات يا عدي بن حاتم قد حلبت بالساعد الأشد
فقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة وتنازعا جوابا واحدا
أتيناك فيما يصلحنا وإياك فأقبلت تضرب لنا الأمثال دع مالا ينتفع به من القول والفعل وأجبنا فيما يعمنا وإياك نفعه
223 -

خطبة يزيد بن قيس
وتكلم يزيد بن قيس فقال
إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك ولنؤدى عنك ما سمعنا منك ونحن على ذلك لن ندع أن ننصح لك وأن نذكر ما ظننا أن لنا عليك به حجة وأنك راجع به إلى الألفة والجماعة إن صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله ولا أظنه يخفى عليك إن أهل الدين والفضل لن يعدلوا بعلي ولن يميلوا بينك وبينه فاتق الله يا معاوية ولا تخالف عليا فإنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلها منه
224 -
خطبة معاوية
فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة فأما الجماعة التي دعوتم اليها فمعنا هي

وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وآوى ثأرنا وقتلتنا وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد على ذلك عليه أرأيتم قتلة صاحبنا ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة
فقال له شبث أيسرك يا معاوية أنك أمكنت من عمار تقتله فقال معاوية

ومايمنعني من ذلك والله لو أمكنت من ابن سميه ما قتلته بعثمان رضي الله عنه ولكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان فقال شبث
وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلا لا والذي لا إله إلا هو لا تصل إلى عمار حتى تندر الهام عن كواهل الأقوام وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها فقال له معاوية إنه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق وتفرق القوم عن معاوية فلما انصرفوا بعث معاوية إلى زياد بن خصفة التميمي فخلا به
فحمد الله وأثنى عليه وقال
أما بعد يا أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا وآوى قتلة صاحبنا وإني أسألك النصر بأسرتك وعشيرتك ثم لك عهد الله جل وعز وميثاقه أن أوليك إذا ظهرت أي المصرين أحببت قال زياد فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله عز و جل وأثنيت عليه ثم قلت أما بعد فإني على بينة من ربي وبما أنعم علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم قمت

وفد معاوية إلى علي
وبعث معاوية إلى علي حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن ابن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه
225 -
خطبة حبيب بن مسلمة
فحمد الله حبيب وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فإن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله عز و جل وينيب إلى أمر الله تعالى فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه رضي الله عنه فادفع إلينا قتلة عثمان إن زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم
فقال له علي بن أبي طالب وما أنت لا أم لك والعزل وهذا الأمر اسكت فإنك لست هناك ولا بأهل له فقام وقال له والله لتريني بحيث تكره فقال علي وما أنت لو أجلبت بخيلك ورجلك لا أبقى الله عليك إن أبقيت علي أحقرة وسوءا اذهب فصوب وصعد ما بدا لك وقال شرحبيل بن السمط

اني إن كلمتك فلعمري ما كلامي إلا مثل كلام صاحبي قبل فهل عندك جواب غير الذي أجبته به فقال علي نعم لك ولصاحبك جواب غير الذي أجبته به
226 -

خطبة علي بن أبي طالب
فحمد لله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فإن الله جل ثناؤه بعث محمدا بالحق فأنقذ به من الضلالة وانتاش به من الهلكة وجمع به من الفرقة ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه ثم استخلف الناس أبا بكر رضي الله عنه واستخلف أبو بكر عمر رضي الله عنه فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة وقد وجدنا عليهما أن توليا علينا ونحن آل رسول الله فغفرنا ذلك لهما وولى عثمان رضي الله عنه فعمل بأشياء عابها الناس عليه فساروا إليه فقتلوه ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمورهم فقالوا لي بايع فأبيت عليهم فقالوا لي بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عز و جل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام طليق بن طليق حزب من هذه الأحزاب لم يزل لله عز و جل ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين

فلا غرو إلا خلافكم معه وانقيادكم له وتدعون آل نبيكم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحدا ألا إني أدعوكم إلى كتاب الله عز و جل وسنة نبيه وأماتة الباطل وإحياء معالم الدين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة
فقالا اشهد أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما فقال لهما لا أقول إنه قتل مظلوما ولا إنه قتل ظالما قالا فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء ثم قاما فانصرفا فقال علي ( إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون )

التحريض على القتال من قبل معاوية
227 - خطبة عمرو بن العاص المتوفي سنة 43ه
ولما بلغ معاوية أن الإمام عليا كرم الله وجهه يجهز الجيوش لقتاله دعا عمرو ابن العاص فاستشاره فقال أما إذ بلغك أنه يسير فسر بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك
قال أما إذا يا أبا عبد الله فجهز الناس فجاء عمرو فحضض الناس وضعف عليا وأصحابه وقال
إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم وفلوا حدهم ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي قد وترهم وقتلهم وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل وإنما سار في شرذمة قليلة منهم من قد قتل خليفتكم فالله الله في حقكم أن تضيعوه وفي دمكم أن تطلوه
228 -
خطبة أخرى لعمرو بن العاص
وخطب عمرو بن العاص قبل الوقعة العظمى بصفين يحرض أهل الشأم وقد كان منحنيا على قوس فقال
الحمد لله العظيم في شأنه القوي في سلطانه العلي في مكانه الواضح في برهانه أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء في كل رزية من بلاء أو شدة أو رخاء

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ثم إنا نحتسب عند الله رب العالمين ما أصبح في أمة محمد من اشتعال نيرانها واضطراب حبلها ووقوع بأسها بينها فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين
أولا تعلمون أن صلاتنا وصلاتهم وصيامنا وصيامهم وحجنا وحجهم وقبلتنا وقبلتهم وديننا ودينهم واحد ولكن الأهواء مختلفة اللهم أصلح هذه الأمة بما أصلحت به أولها واحفظ فيما بيننا مع أن القوم قد وطئوا بلادكم وبغوا عليكم فجدوا في قتال عدوكم واستعينوا بالله ربكم وحافظوا على حرماتكم ثم جلس
229 -

خطبة معاوية بن أبي سفيان يحرض أهل الشأم
وقام معاوية في أهل الشأم خطيبا فقال
أيها الناس أعيرونا جماجمكم وأنفسكم لا تقتلوا ولا تتخاذلوا فإن اليوم يوم أخطار ويوم حقيقة وحفاظ إنكم لعلى حق وبأيديكم حجة إنما تقاتلون من نكث البيعة وسفك الدم الحرام فليس له من السماء عاذر قدموا أصحاب السلاح المستلئمة وأخروا الحاسر واحملوا بأجمعكم فقد بلغ الحق مقطعة وإنما هو ظالم ومظلوم

230 -

خطبة ذي الكلاع الحميري
وطلب معاوية إلى ذي الكلاع الحميري أن يخطب في الناس ويحرضهم على قتال علي رضي الله عنه ومن معه من أهل العراق فعقد فرسه وكان من أعظم أصحاب معاوية خطرا وخطب في الناس فقال
الحمد لله حمدا كثيرا ناميا واضحا منيرا بكرة وأصيلا أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه وكفى بالله وكيلا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالعرفان إماما وبالهدى ودين الحق حين ظهرت المعاصي ودرست الطاعة وامتلأت الأرض جورا وضلالة واضطرمت الدنيا نيرانا وفتنة وورك عدو الله إبليس على أن يكون قد عبد في أكنافها واستولى على جميع أهلها فكان محمد صلى الله عليه وآله هو الذي أطفأ الله به نيرانها ونزع به أوتادها وأوهن به قوى إبليس وآيسه مما كان قد طمع فيه من ظفره بهم وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون
ثم كان من قضاء الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين وإنا لنعلم أن فيهم قوما قد كانت لهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله سابقة ذات شأن وخطر عظيم ولكني ضربت الأمر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني أن يهدر دم عثمان صهر نبينا صلى الله عليه وآله الذي جهز جيش العسرة وألحق في مصلى رسول الله عليه وآله بيتا

وبنى سقاية وبايع له نبي الله بيده اليمنى على اليسرى واختصه بكريمتيه أم كلثوم ورقية فإن كان قد أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خير منه قد قال الله سبحانه لنبيه ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) وقتل موسى نفسا ثم استغفر الله

فغفر له وقد أذنب نوح ثم استغفر الله فغفر له وقد أذنب أبوكم آدم ثم استغفر الله فغفر الله له ولم يعر أحدكم من الذنوب وإنا لنعلم قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله صلى الله عليه وآله فإن لم يكن مالا على قتل عثمان فقد

خذله وإنه لأخوه في دينه وابن عمه وسلفه وابن عمته ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا شامكم وبلادكم وبيضتكم وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل فاستعينوا بالله واصبروا فلقد ابتليتم أيتها الأمة ولقد رأيت في منامي في ليلتي هذه لكأنا وأهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا ونحن في ذلك جميعا ننادي ويحكم الله ومع أنا والله لا نفارق العرصة حتى نموت فعليكم بتقوى الله وليكن الثبات لله فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إنما يبعث المقتتلون على الثبات أفرغ الله علينا وعليكم الصبر وأعز لنا ولكم النصر وكان لنا ولكم في كل أمر وأستغفر الله لي ولكم
231 -

خطبة يزيد بن أسد البجلي
وقام يزيد بن أسد البجلي في أهل الشأم يخطب الناس بصفين وعليه قباء من خز وعمامة سوداء آخذا بقائم سيفه واضعا نصل السيف في الأرض متوكئا عليه فقال
الحمد لله الواحد الفرد ذي الطول والجلال العزيز الجبار الحكيم الغفار الكبير المتعال ذي العطاء والفعال والسخاء والنوال والبهاء والجمال والمن

والإفضال مالك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلال أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء وفي كل حال من شدة أو رخاء أحمده على نعمه التوام وآلائه العظام حمدا يستنير بالليل والنهار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة النجاة فى الحياة الدنيا وعند الوفاة وفيها الخلاص يوم القصاص وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى وإمام الرحمة والهدى صلى الله عليه وآله
ثم كان من قضاء الله أن جمعنا وأهل ديننا في هذه الرقعة من الأرض والله يعلم أني كنت كارها لذلك ولكنهم لم يبلعونا ريقنا ولم يتركونا نرتاد لأنفسنا وننظر لمعادنا حتى نزلوا بين أظهرنا وفي حريمنا وبيضتنا وقد علمنا أن في القوم أحلاما وطغاما ولسنا نأمن طغامهم على ذرارينا ونسائنا ولقد كنا نحب أن لا نقاتل أهل ديننا فأخرجونا حتى صارت الأمور إلى أن قاتلناهم عدا حمية فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين
أما والذي بعث محمدا بالرسالة لوددت أني مت منذ سنة ولكن الله إذا أراد أمرا لم يستطع العباد رده فنستعين بالله العظيم وأستغفر الله لي ولكم

التحريض على القتال من قبل الإمام علي أيضا
232
-
خطبة الإمام علي
وخطب الإمام علي كرم الله وجهه أصحابه متوكئا على قوسه وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله عنده فهم يلونه كأنه أحب أن يعلم الناس أن الصحابة متوافرون معه فحمد الله وأثنى عليه وقال
أما بعد فإن الخيلاء من التجبر وإن النخوة من التكبر وإن الشيطان عدو حاضر يعد كم الباطل ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابذوا ولا تخاذلوا ألا إن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة من أخذ بها لحق ومن فارقها محق ومن تركها مرق ليس المسلم بالخائن إذا أؤتمن ولا بالمخلف إذا وعد ولا بالكذاب إذا نطق نحن أهل بيت الرحمة وقولنا الصدق وفعلنا الفضل ومنا خاتم النبيين وفينا قادة الإسلام وفينا حملة الكتاب ألا إنا ندعوكم إلى الله وإلى رسوله وإلى جهاد عدوه والشدة في أمره وابتغاء مرضاته وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان وتوفير الفئ على أهله ألا وإن من أعجب

العجائب أن معاوية بن ابي سفيان الأموي وعمرو بن العاص السهمي أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما ولقد علمتم أني لم أخالف رسول الله وآله قط ولم أعصه في أمر أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال وترعد فيها الفرائض بنجدة أكرمني الله سبحانه بها وله الحمد ولقد قبض رسول الله وآله وإن رأسه لفي حجري ولقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة المقربون معي وايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا ما شاء الله
233 -

خطبة أخرى له
وروى أن الإمام عليا قال في هذه الليلة حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا فقام في الناس فقال
الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض ولا ينقض ما أبرم لو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة ولا من خلقه ولا تنازع البشر في شيء من أمره ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لفت بيننا في هذا الموضع ونحن من ربنا بمرأى ومسمع ولو شاء لعجل النقمة ولكان منه النصر حتى يكذب الله الظالم ويعلم المحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال والآخرة دار الجزاء والقرار ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) ألا إنكم لاقو العدو غدا إن شاء الله فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن واسألوا الله الصبر والنصر والقوهم بالحد والحزم وكونوا صادقين

234 -

ومن كلام له كرم الله وجهه كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين
معاشر المسلمين استشعروا الخشية وتجلببوا السكينة وعضوا على النواجذ فإنه أنبى للسيوف عن الهام وأكملوا اللأمة وقلقلوا السيوف فى أغمادها قبل سلها والحظوا الخزر واطعنوا الشزر ونافحوا بالظبا وصلوا السيوف بالخطا واعلموا أنكم بعين الله ومع ابن عم رسول الله وآله وسلم فعاودوا الكر واستحيوا من الفر فإنه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب وطيبوا عن أنفسكم نفسا وامشوا إلى الموت مشيا سجحا وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان كامن في كسره قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم

235 -

خطبة أخرى للإمام
وخطب الإمام علي ذلك اليوم أيضا فقال
أيها الناس إن الله تعالى ذكره قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب وتشفي بكم على الخير إيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيله وجعل ثوابه مغفرة الذنوب ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر وأخبركم بالذي يحب فقال ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص وقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام وأربط للجأش وأسكن للقلوب وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة ورايتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم المانعي الذمار والصبر عند نزول الحقائق أهل الحفاط الذين يخفرون برايتكم ويكنفونها يضربون خلفها وأمامها ولا يضيعونها أجزأ كل امرئ مسلم قرنه وواسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكسب بذلك اللائمة ويأتي به دناءة أنى هذا وكيف يكون هذا هذا يقاتل أثنين وهذا ممسك يده قد خلى قرنه إلى أخيه هاربا منه أو قائما ينظر إليه من يفعل هذا مقته الله فلا تعرضوا لمقت الله فإنما مردكم إلى الله قال الله تعالى لقوم عابهم ( لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذن لا تمتعون إلا

قليلا ) وايم الله إن فررتم من سيف الله العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة استعينوا بالصدق والصبر فإنه بعد الصبر ينزل النصر
236 -

خطبة للإمام علي
ومر الإمام علي كرم الله وجهه على جماعة من أهل الشأم فيها الوليد بن عقبة وهم يشتمونه فخبر بذلك فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال
انهدوا إليهم عليكم السكينة والوقار وقار الإسلام وسيمى الصالحين فوالله لأقرب قوم من الجهل فائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلمى وابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حدا في الإسلام وهم أولى من يقومون فينقصونني ويجدبونني وقبل اليوم ما قاتلوني وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام الحمد لله قديما عاداني الفاسقون فعبدهم الله ألم يفنخوا إن هذا لهو الخطب الجليل إن فساقا كانوا غير مرضيين وعلى الإسلام وأهله متخوفين خدعوا شطر هذه الأمة وأشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهواءهم بالإفك والبهتان قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عز و جل اللهم فافضض خدمتهم

وشتت كلمتهم وأبسلهم بخطاياهم فإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت
237 -

خطبة أخرى له
ومر بأهل راية فرآهم لا يزولون عن موقفهم فحرض عليهم الناس وذكر أنهم غسان فقال
إن هؤلاء لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منهم النسم وضرب يفلق منه الهام ويطيخ العظام وتسقط منه المعاصم والأكف وحتى يصدع جباههم بعمد الحديد وتنتشر حواجبهم على الصدور والأذقان أين أهل الصبر وطلاب الأجر
238 -
خطبة عبد الله بن عباس
وخطب عبد الله بن عباس أهل العراق بصفين فقال
الحمد لله رب العالمين الذي دحا تحتنا سبعا وسمك فوقنا سبعا وخلق فيما بينهن خلقا وأنزل لنا منهن رزقا ثم جعل لكل شئ قدرا يبلى ويفنى غير وجهه الحي القيوم الذي يحيا ويبقى

إن الله تعالى بعث أنبياء ورسلا فجعلهم حججا على عباده عذرا ونذرا لا يطاع الا بعلمه وإذنه يمن بالطاعة على من يشاء من عباده ثم يثيب عليها ويعصى بعلم منه فيعفو ويغفر بحلمه لا يقدر قدره ولا يبلغ شئ مكانه أحصى كل شئ عددا وأحاط بكل شئ علما وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الهدى والنبي المصطفى
وقد ساقنا قدر الله إلى ما ترون حتى كان مما اضطرب من حبل هذه الأمة وانتشر من أمرها أن معاوية بن أبي سفيان وجد من طغام الناس أعوانا على ابن عم رسول الله وصهره وأول ذكر صلى معه بدرى قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله كل مشاهده التي فيها الفضل ومعاوية مشرك كان يعبد الأصنام والذي ملك الملك وحده وبان به وكان أهله لقد قاتل علي بن أبي طالب عليه السلام مع رسول الله وهو يقول صدق الله ورسوله ومعاوية يقول كذب الله ورسوله فعليكم بتقوى الله والجد والحزم والصبر والله إنا لنعلم إنكم لعلى حق وإن القوم لعلى باطل فلا يكونن أولى بالجد على باطلهم منكم في حقكم وإنا لنعلم أن الله سيعذبهم بأيديكم أو بأيدي غيركم اللهم أعنا ولا تخذلنا وانصرنا على عدونا ولا تحل عنا وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين

239 -

خطبة عبد الله بن بديل الخزاعي
وقام عبد الله بن بديل الخزاعي في أصحابه فخطبهم فقال
إن معاوية ادعى ماليس له ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله وجادل بالباطل ليدحض به الحق وصال عليكم بالأعراب والأحزاب وزين لهم الضلالة وزرع في قلوبهم حب الفتنة ولبس عليهم الأمور وزادهم رجسا إلى رجسهم وأنتم والله على نور وبرهان قاتلوا الطغام الجفاة قاتلوهم ولا تخشوهم وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتاب من ربكم ظاهر مبين قوله سبحانه ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) لقد قاتلتهم مع النبي وآله والله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبرأ انهضوا إلى عدو الله وعدوكم بارك الله عليكم
240 -
خطبة أبي الهيثم بن التيهان
وكان أبو الهيثم بن التيهان يسوي صفوف أهل العراق ويقول
يا معشر أهل العراق إنه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل والجنة في الاجل إلا ساعة من النهار فأرسوا أقدامكم وسووا صفوفكم أعيروا ربكم جماجمكم واستعينوا بالله إلهكم وجاهدوا عدو الله وعدوكم واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم واصبروا فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين

241 -

خطبة للإمام علي
وخطب علي عليه السلام بصفين أيضا فقال
الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر والفاجر وعلى حججه البالغة على خلقه من أطاعه منهم ومن عصاه إن يرحم فبفضله ومنه وإن عذب فبما كسبت أيديهم وإن الله ليس بظلام للعبيد أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء وأستعينه على ما نابنا من أمر الدنيا والآخرة وأتوكل عليه وكفى بالله وكيلا ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ارتضاه لذلك وكان أهله واصطفاه لتبليغ رسالته وجعله رحمة منه على خلقه فكان علمه فيه رءوفا رحيما أكرم خلق الله حسبا وأجملهم منظرا وأسخاهم نفسا وأبرهم لوالد وأوصلهم لرحم وأفضلهم علما وأثقلهم حلما وأوفاهم لعهد وآمنهم على عقد لم يتعلق عليه مسلم ولا كافر بمظلمة قط بل كان يظلم فيغفر ويقدر فيصفح حتى مضى وآله مطيعا لله صابرا على ما اصابه مجاهدا في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين وآله فكان ذهابه أعظم المصيبة على أهل الأرض البر والفاجر ثم ترك فيكم كتاب الله يأمركم بطاعة الله وينهاكم عن معصيته
وقد عهد إلى رسول الله عهدا فلست أحيد عنه وقد حضرتم عدوكم وعلمتم أن رئيسهم منافق يدعوهم إلى النار وابن عم نبيكم معكم وبين أظهركم يدعوكم إلى الجنة والى طاعة ربكم والعمل بسنة نبيكم ولا سواء من صلى قبل كل ذكر لا يسبقني بصلاة مع رسول الله أحد وأنا من أهل بدر ومعاوية طليق

والله إنا على الحق وإنهم على الباطل فلا يجتمعن على باطلهم وتتفرقوا عن حقكم حتى يغلب باطلهم حقكم قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم
242 -

خطبة سعيد بن قيس
وقام سعيد بن قيس يخطب أصحابه بقناصرين فقال
الحمد لله الذى هدانا لدينه وأورثنا كتابه وامتن علينا بنبيه فجعله رحمة للعالمين وسيد المرسلين وقائد المؤمنين وختاما للنبيين وحجة الله العظيم على الماضين والغابرين ثم كان مما قضى الله وقدره وله الحمد على ما أحببنا وكرهنا أن ضمنا وعدونا بقناصرين فلا يجمل بنا اليوم الحياص وليس هذا بأوان انصراف ولات حين مناص وقد خصنا الله بمنه برحمة لا نستطيع أداء شكرها ولا نقدر قدرها إن أصحاب محمد وآله المصطفين الأخيار معنا وفي حيزنا فوالله

الذي هو بالعباد بصير أن لو كان قائدنا رجلا مخدوعا إلا أن معنا من البدريين سبعين رجلا لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا وتطيب أنفسنا فكيف وإنما رئيسنا ابن عم نبينا بدري صدق صلى صغيرا وجاهد مع نبيكم كثيرا ومعاوية طليق من وثاق الأسارى إلا أنه أخو جفاة فأوردهم النار وأورثهم العار والله محل بهم الذل والصغار ألا إنكم ستلقون عدوكم غدا فعليكم بتقوى الله من الجد والحزم والصدق والصبر فإن الله مع الصابرين ألا إنكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم والله لا يقتل رجل منكم رجلا منهم إلا أدخل الله القاتل جنات عدن وأدخل المقتول نارا تلظى لا تفتر عنهم وهم فيها مبلسون عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه وجعلنا وإياكم ممن أطاعه واتقاه واستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين
243 -

خطبة يزيد بن قيس الأرحبي
وحرض يزيد بن قيس الأرحبي أهل العراق بصفين فقال
إن المسلم من سلم دينه ورأية وإن هؤلاء القوم والله ما إن يقاتلوننا على إقامة دين رأونا ضيعناه ولا على إحياء حق رأونا أمتناه ولا يقاتلوننا إلا على هذه الدنيا ليكونوا فيها جبابرة وملوكا ولو ظهروا عليكم لا أراهم الله ظهورا ولا سرورا إذن

لوليكم مثل سعيد والوليد عبد الله بن عامر السفيه يحدث أحدهم في مجلسه بذيت وذيت ويأخذ مال الله ويقول لا إثم علي فيه كأنما أعطي تراثه من أبيه كيف إنما هو مال الله أفاءه علينا بأسيافنا ورماحنا قاتلوا عباد الله القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله ولا تأخذكم فيهم لومة لائم إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم وهم من قد عرفتم وجربتم والله ما أرادوا باجتماعهم عليكم إلا شرا واستغفر الله العظيم لي ولكم
244 -

خطبة هاشم بن عتبة المرقال
وشد هاشم بن عتبة المرقال في عصابة من أصحابه على أهل الشأم مرار

فليس من وجه يحمل عليه إلا صبر له وقاتل فيه قتالا شديدا فقال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فوالله ما ترون فيهم إلا حمية العرب وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها وإنهم لعلى الضلال وإنكم لعلى الحق يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا ثم اثبتوا وتناصروا واذكروا الله ولا يسأل رجل أخاه ولا تكثروا الإلتفات واصمدوا صمدهم وجاهدوا محتسبين حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين
254 -

خطبة عمار بن ياسر
وقام عمار بن ياسر يوم صفين فقال
انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالإحسان فقال هؤلاء الذين لا يبالون اذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين لم قتلتموه فقلنا لأحداثه فقالوا إنه لم يحدث شيئا وذلك لأنه مكهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدمت الجبال والله ما أظنهم يطلبون بدم ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها واستمرءوها واعلموا أن صاحب الحق لو وليهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها إن القوم لم يكن لهم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية فخدعوا أتباعهم بأن قالوا قتل إمامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا تلك

مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولاها ما تابعهم من الناس رجل اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت وأن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم
246 -

خطبة الأشعث بن قيس
وخطب الأشعث بن قيس أصحابه من كندة ليلة الهرير بصفين فقال
الحمد لله أحمده و أستعينه وأومن به وأتوكل عليه واستنصره وأستغفره وأستجيره وأستهديه وأستشيره وأستشهد به فإنه من هداه الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وآله ثم قال
قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي وما قد فنى فيه من العرب فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط ألا فليبلغ الشاهد الغائب أنا نحن إن تواقفنا غدا إنه لفنيت العرب وضيعت الحرمات أما والله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحرب ولكني رجل مسن أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا
اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آل وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب والرأي يخطئ ويصيب وإذا قضى الله أمرا أمضاه على ما أحب العباد أو كرهوا
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث فاغتنمها وبنى عليها تدبيره

247 -

خطبة الأشتر النخعي
فقام الأشتر يخطب الناس بقناصرين وهو يومئذ على فرس أدهم مثل حلك الغراب فقال
الحمد لله الذي خلق السموات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء حمدا كثيرا بكرة وأصيلا من هداه الله فقد اهتدى ومن يضلل فقد غوى أرسل محمدا بالصواب والهدى فأظهره على الدين كله ولو كره المشركون وآله
ثم قد كان مما قضى الله سبحانه وقدر أن ساقتنا المقادير إلى أهل هذه البلدة من الأرض فلفت بيننا وبين عدو الله وعدونا فنحن بحمد الله ونعمه ومنه وفضله قريرة أعيننا طيبة أنفسنا نرجو بقتالهم حسن الثواب والأمن من العقاب معنا ابن عم نبينا وسيف من سيوف الله علي بن أبي طالب صلى مع رسول الله لم يسبقه إلى الصلاة ذكر حتى كان شيخا لم يكن له صبوة ولا نبوة ولا هفوة ولاسقطة فقيه في دين الله تعالى عالم بحدود الله ذو راي أصيل وصبر جميل وعفاف قديم فاتقوا الله وعليكم بالحزم والجد وأعلموا أنكم على الحق وأن القوم على الباطل إنما تقاتلون معاوية وانتم مع البدريين قريب من مائة بدري سوى من حولكم من أصحاب محمد أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله ومعاوية مع رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله

فمن يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب أنتم على إحدى الحسنيين إما الفتح وإما الشهادة عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعه واتقاه وألهمنا وإياكم طاعته وتقواه واستغفر الله لي ولكم
248 -

خطبة الأشتر في المنهزمين من الميمنة
ولما انهزمت ميمنة العراق قال له علي يا مالك قال لبيك قال إئت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لن تبقى لكم فمضى فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم هذه الكلمات وقال إلي أيها الناس أنا مالك بن الحارث أنا مالك بن الحارث ثم ظن أنه بالأشتر أعرف في الناس فقال أنا الأشتر إلي أيها الناس فأقبلت إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فنادى أيها الناس عضضتم بهن آباءكم ما أقبح ما قاتلتم منذ اليوم أيها الناس اخلصوا إلي مذحجا فأقبلت إليه مذحج فقال
عضضتم بصتم الجندل ما أرضيتم ربكم ولا نصحتم له في عدوكم وكيف بذلك وأنتم أبناء الحروب وأصحاب الغارات وفتيان الصباح وفرسان الطراد وحتوف الأقران ومذحج الطعان والذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ولا تطل دماؤهم ولا يعرفون في موطن بخسف وأنتم حد أهل مصركم وأعز حي في قومكم وما تفعلوا في هذا اليوم فإنه مأثور بعد اليوم فاتقوا مأثور الحديث في غد واصدقوا عدوكم اللقاء إن الله مع الصادقين والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء وأشار بيده

إلى أهل الشأم رجل على مثال جناح بعوضة من محمد أنتم ما أحسنتم القراع اجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي عليكم بهذا السواد الأعظم فإن الله عز و جل لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السبيل مقدمه
قالوا خذ بنا حيث أحببت
249 -

خطبة أخرى له فيهم
وروى أنه لما اجتمع إليه عظم من كان انهزم عن الميمنة حرضهم ثم قال
عضوا على النواجذ من الأضراس واستقبلوا القوم بهامكم وشدوا عليهم شدة قوم موتورين ثأرا بآبائهم وإخوانهم خناقا على عدوهم قد وطنوا على الموت أنفسهم كيلا يسبقوا بوتر ولا يلحقوا في الدنيا عارا وايم الله ما وتر قوم قط بشيء أشد عليهم من أن يوتروا دينهم وإن هؤلاء القوم لا يقاتلونكم إلا عن دينكم ليميتوا السنة ويحيوا البدعة ويعييدوكم في ضلالة قد أخرجكم الله عز و جل منها بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله أنفسا بدمائكم دون دينكم فإن ثوابكم على الله والله عنده جنات النعيم وإن الفرار من الزحف فيه السلب للعز والغلبة على الفئ وذل المحيا والممات وعار الدنيا والآخرة وسخط الله وأليم عقابه

250 -

خطبة علي فيهم وقد عادوا إلى مواقفهم
ولما رأى الإمام كرم الله وجهه ميمنته قد عادت إلى مواقفها و مصافها وكشفت من بإزائها من عدوها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم أقبل حتى انتهى إليهم فقال
إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الطغاة الجفاة وأعراب أهل الشأم وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم وعمار الليل بتلاوة القرآن وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره وكنتم من الهالكين ولكن هون وجدي وشفى بعض أحاح نفسي أني رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم وأزلتموهم عن مصافكم كما أزالوكم تحسونهم بالسيوف تركب أولاهم أخراهم كالإبل المطرودة الهيم فالآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة وثبتكم الله عز و جل عليه باليقين وليعلم المنهزم أنه مسخط ربه وموبق نفسه إن في الفرار موجدة الله عز و جل والذل اللازم له والعار الباقي واعتصار الفئ من يده وفساد العيش عليه وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره ولا يرضي ربه فموت المرء محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها والإصرار عليه

251 -

خطبة خالد بن معمر
ولما ولى الإمام خالد بن معمر راية ربيعة وحمل عليها أهل الشأم حملة شديدة وانهزم ناس من قومه صاح بمن انهزم وقال يومئذ
يا معشر ربيعة إن الله عز و جل قد أتى بكل رجل منكم من منبته ومسقط رأسه فجمعكم في هذا المكان جمعا لم يجمعكم مثله منذ نشركم في الأرض فإن تمسكوا أيديكم وتنكلوا عن عدوكم وتزولوا عن مصافكم لا يرض الله فعلكم ولا تعدموا من الناس معيرا يقول فضحت ربيعة الذمار وحاصت عن القتال وأتيت من قبلها العرب فإياكم أن تتشاءم بكم العرب والمسلمون اليوم وإنكم إن تمضوا مقبلين مقدمين وتصبروا محتسبين فإن الإقدام لكم عادة والصبر منكم سجية واصبروا ونيتكم أن تؤجروا فإن ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة الآخرة ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا
252 -
خطبة عقبة بن حديد النمري
وقال عقبة بن حديد النمري يوم صفين لأهله وأصحابه
ألا إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما وأصبح شجرها خضيدا وجديدها سملا وحلوها مر المذاق ألا وإني أنبئكم نبأ امرئ صادق إني قد سئمت الدنيا

وعزفت نفسي عنها وقد كنت أتمنى الشهادة وأتعرض لها في كل جيش وغارة فأبى الله عز و جل إلا أن يبلغني هذا اليوم ألا وإني متعرض لها من ساعتي هذه قد طمعت ألا أحرمها فما تنتظرون عباد الله بجهاد من عادى الله أخوفا من الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف بالسيف أتستبدلون الدنيا بالنظر في وجه الله عز و جل ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القرار ما هذا بالرأي السديد
ثم مضى فقال يا إخوتي إني قد بعت هذه الدار بالتي أمامها وهذا وجهي إليها لا تبرح وجوهكم ولا يقطع الله عز و جل رجاءكم فتبعه إخوته فقالوا لا نطلب رزق الدنيا بعدك فقبح الله العيش بعدك اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا
253 -

خطبة خنثر بن عبيدة بن خالد
وكان من محارب رجل يقال له خنثر بن عبيدة بن خالد وكان من أشجع الناس فلما اقتتل الناس يوم صفين جعل يرى أصحابه منهزمين فأخذ ينادي
يا معشر قيس أطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الرحمن ألا إن الفرار فيه معصية الله سبحانه وسخطه وإن الصبر فيه طاعة الله عز و جل ورضوانه أفتختارون سخط الله تعالى على رضوانه ومعصيته على طاعته ألا إنما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبا نفسه ثم قال

( لا وألت نفس امرئ ولى الدبر ... أنا الذي لا ينثني ولا يفر )
( ولا يرى مع المعازيل الغدر )
254 -

تحريض معاوية أيضا
وخطب معاوية الناس بصفين فقال
الحمد لله الذي دنا في علوه وعلا في دنوه وظهر وبطن وارتفع فوق كل ذي منظر هو الأول والآخر والظاهر والباطن يقضي فيفصل ويقدر فيغفر ويفعل ما يشاء إذا أراد أمرا أمضاه وإذا عزم على شئ قضاه لا يؤامر أحدا فيما يملك ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون والحمد لله رب العالمين على ما أحببنا وكرهنا
وقد كان فيما قضاه الله أن ساقتنا المقادير إلى هذه البقعة من الأرض ولفت بيننا وبين أهل العراق فنحن من الله بمنظر وقد قال الله سبحانه وتعالى ( ولو شاء الله مااقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) انظروا يأهل الشأم إنكم غدا تلقون أهل العراق فكونوا على إحدى ثلاث خصال إما أن تكونوا طلبتم ما عند الله في قتال قوم بغوا عليكم فأقبلوا من بلادهم حتى نزلوا في بيضتكم وإما أن تكونوا قوما تطلبون بدم خليفتكم وصهر نبيكم وإما أن تكونوا قوما تذبون عن نسائكم وأبنائكم فعليكم بتقوى الله والصبر الجميل واسألوا الله لنا ولكم النصر وأن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين

255 -

ما خاطب به النعمان بن بشير قيس بن سعد في وقعة صفين
وقف النعمان بن بشير الأنصاري بين الصفين بصفين فقال
يا قيس بن سعد أما أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه إنكم يا معشر الأنصار أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار وقتلكم أنصاره يوم الجمل وإقحامكم على أهل الشأم بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا كان هذا بهذا ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس شعلتم الحرب ودعوتم إلى البراز فقد والله وجدتم رجال الحرب من أهل الشأم سراعا إلى برازكم غير أنكاس عن حربكم ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة ووعدتموه الظفر وقد والله أخلفتموه وهان علينا بأسكم وما كنتم لتخلوا به أنفسكم من شدتكم في الحرب وقدرتكم على عدوكم وقد أصبحتم أذلاء على أهل الشأم لا يرون حربكم شيئا وأنتم أكثر منهم عددا ومددا وقد والله كاثروكم بالقلة فكيف لو كانوا مثلكم في الكثرة والله لا تزالون أذلاء في الحرب بعدها أبدا إلا أن يكون معكم أهل الشأم وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم ونحن أحسن بقية وأقرب إلى الظفر فاتقوا الله في البقية فضحك قيس وقال

256 -

جواب قيس بن سعد
والله ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذا المقام أما المنصف المحق فلا ينصح أخاه من غش نفسه وأنت والله الغاش لنفسه المبطل فيما نصح غيره أما ذكر عثمان فإن كان الإيجاز يكفيك فخذه قتل عثمان من لست خيرا منه وخذله من هو خير منك وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث وأما معاوية فلو اجتمعت العرب على بيعته لقاتلتهم الأنصار وأما قولك إنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله نلقى السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا أعرابيا أو يمانيا مستدرجا وانظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك ولستما والله بدريين ولا عقبيين ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القران

خطب الشيعيات في وقعة صفين
257 -
خطبة عكرشة بنت الأطرش
دخلت عكرشة بنت الأطرش على معاوية متوكئة على عكاز فسلمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها معاوية الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين قالت نعم إذ لا علي حي قال ألست المتقلدة حمائل السيوف بصفين وأنت واقفة بين الصفين تقولين
أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إن الجنة لا يرحل من أوطنها ولا يهرم من سكنها ولا يموت من دخلها فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ولا تنصرم همومها وكونوا قوما مستبصرين في دينهم مستظهرين بالصبر على طلب حقهم إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب غلف القلوب لا يفقهون الإيمان ولا يدرون الحكمة دعاهم بالدنيا فأجابوه واستدعاهم إلى الباطل فلبوه فالله الله عباد الله في دين الله إياكم والتواكل فإن ذلك ينقض عرا الإسلام ويطفئ نور الحق هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى يا معشر المهاجرين والأنصار

امضوا على بصيرتكم واصبروا على عزيمتكم فكأني بكم غدا وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تصقع صقع البعير
فكأني أراك على عصاك هذه وقد انكفأ عليك العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة فإن كدت لتفلين أهل الشام لولا قدر الله وكان أمر الله قدرا مقدورا فما حملك على ذلك قالت يا أمير المؤمنين يقول الله جل ذكره ( يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) الآية وإن اللبيب إذا كره أمرا لا يحب إعادته قال صدقت فاذكري حاجتك قالت إنه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا وإنا قد فقدنا ذلك فما يجبر لنا كسير ولا ينعش لنا فقير فإن كان ذلك عن رأيك فمثلك تنبه من الغفلة وراجع للتوبة وإن كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة قال معاوية يا هذه إنه ينوبنا من أمور رعيتنا أمور تنبثق وبحور تنفهق قالت يا سبحان الله والله ما فرض الله لنا حقا فجعل فيه ضررا على غيرنا وهو علام الغيوب قال معاوية يأهل العراق نبهكم علي بن أبي طالب فلم تطاقوا ثم أمر برد صدقاتهم فيهم وإنصافهم
258 -

خطبة أم الخير بنت الحريش
كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن يحمل إليه أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي برحلها وأعلمه أنه مجازيه بالخير خيرا وبالشر شرا بقولها فيه فلما ورد عليه

كتابه ركب إليها فأقرأها كتابه فقالت أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري فلما شيعها وأراد مفارقتها قال لها يا أم الخير إن أمير المؤمنين كتب إلي أنه مجازيني بقولك في بالخير خيرا وبالشر شرا فمالي عندك قالت يا هذا لا يطمعك برك بي أن أسرك بباطل ولا يؤيسك معرفتي بك أن أقول فيك غير الحق فسارت خير مسير حتى قدمت على معاوية فأنزلها مع الحرم ثم أدخلها في اليوم الرابع وعنده جلساؤه فقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال لها وعليك السلام يا أم الخير بحق ما دعوتني بهذا الإسم قالت مه يا أمير المؤمنين فإن بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه ولكل أجل كتاب قال صدقت فكيف حالك يا خالة وكيف كنت في مسيرك قالت لم أزل يا أمير المؤمنين في خير وعافية حتى صرت إليك فأنا في مجلس أنيق عند ملك رفيق قال معاوية بحسن نيتي ظفرت بكم قالت يا أمير المؤمنين يعيذك الله من دحض المقال وما تردى عاقبته قال ليس هذا أردنا أخبرينا كيف كان كلامك إذ قتل عمار بن ياسر قالت لم أكن والله زورته قبل ولا رويته بعد وإنما كانت كلمات نفثها لساني عند الصدمة فإن أحببت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت فالتفت معاوية إلى جلسائه فقال أيكم يحفظ كلامها فقال رجل منهم أنا أحفظ بعض كلامها يا أمير المؤمنين قال هات قال كأني بها بين بردين زئبريين كثيفي النسيج وهي على جمل أرمك وبيدها سوط منتشر الضفيرة وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول

يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم إن الله قد أوضح لكم الحق وأبان الدليل وبين السبيل ورفع العلم ولم يدعكم في عمياء مدلهمة فأين تريدون رحمكم الله أفرارا عن أمير المؤمنين أم فرارا من الزحف أم رغبة عن الإسلام أم ارتدادا عن الحق أما سمعتم الله جل ثناؤه يقول ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشرت الرغبة وبيدك يا رب أزمة القلوب فاجمع الكلمة على التقوى وألف القلوب على الهدى واردد الحق إلى أهله هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والرضي التقي والصديق الأكبر إنها إحن بدرية وأحقاد جاهلية وضغائن أحدية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبد شمس ثم قالت ( قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) صبرا يا معشر المهاجرين والأنصار قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم فكأني بكم غدا وقد لقيتم أهل الشأم كحمر مستنفرة فرت من قسورة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وعما قليل ليصبحن نادمين حين تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة ولات حين مناص إنه من ضل والله عن الحق وقع في الباطل ألا إن أولياء الله استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستطابوا الآخرة فسعوا لها فالله الله أيها الناس قبل أن تبطل الحقوق وتعطل الحدود وتقوى كلمة الشيطان فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله وصهره وأبي سبطيه خلق من طينته وتفرع من نبعته

وجعله باب دينة وأبان ببغضه المنافقين وها هو ذا مفلق الهام ومكسر الأصنام صلى والناس مشركون وأطاع والناس كارهون فلم يزل في ذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وهزم الأحزاب وقتل الله به أهل خيبر وفرق به جمع هوازن فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا وردة وشقاقا وزادت المؤمنين إيمانا قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله
فقال معاوية يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي ولو قتلتك ما حرجت في ذلك قالت والله ما يسؤني يا بن هند أن يجري قتلي على يدي من يسعدني الله بشقائه قال هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان رحمه الله قالت وما عسيت أن أقول في عثمان استخلفه الناس وهم به راضون وقتلوه وهم له كارهون قال معاوية يا أم الخير هذا ثناؤك الذي تثنين قالت لكن الله يشهد وكفى بالله شهيدا ما أردت بعثمان نقصا ولقد كان سباقا إلى الخيرات وإنه لرفيع الدرجة غدا قال فما تقولين في طلحة بن عبيد الله قالت وما عسى أن أقول في طلحة اغتيل من مأمنه وأتي من حيث لم يحذر وقد وعده رسول الله الجنة قال فما تقولين في الزبير قالت وما أقول في ابن عمة رسول الله وحواريه وقد شهذ له رسول الله بالجنة وأنا أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشا تحدثت أنك أحلمها أن تعفيني من هذه المسائل وتسألني عما شئت من غيرها قال نعم ونعمة عين قد أعفيتك منها ثم أمر لها بجائزة رفيعة وردها مكرمة

259 -

خطبة الزرقاء بنت عدي الهمدانية
وذكرت الزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية عند معاوية يوما فقال لجلسائه أيكم يحفظ كلامها قال بعضهم نحن نحفظه يا أمير المؤمنين قال فأشيروا علي في أمرها فأشار بعضهم في قتلها فقال بئس الرأي أيحسن بمثلي أن يقتل امرأة ثم كتب إلى عامله بالكوفة أن يوفدها إليه مع ثقة من ذوي محارمها وعدة من فرسان قومها وأن يمهد لها وطء لينا ويسترها بستر خصيف ويوسع لها في النفقة فأرسل إليها فأقرأها الكتاب فقالت إن كان أمير المؤمنين جعل الخيار إلي فإني لا آتيه وإن كان حتم فالطاعة أولى فحملها وأحسن جهازها على ما أمر به فلما دخلت على معاوية قال مرحبا بك وأهلا قدمت خير مقدم قدمه وافد كيف حالك قالت بخير يا أميرالمؤمنين أدام الله لك النعمة قال كيف كنت في مسيرك قالت ربيبة بيت أو طفلا ممهدا قال بذلك أمرناهم أتدرين فيما بعثت إليك قالت وأنى لي بعلم ما لم أعلم قال ألست الراكب الجمل الأحمر والواقعة بين الصفين بصفين تحضين على القتال وتوقدين الحرب فما حملك على ذلك قالت يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب ولن يعود ما ذهب والدهر ذو غير ومن تفكر أبصر والأمر يحدث بعده الأمر قال لها معاوية أتحفظين كلامك يومئذ قالت لا والله لا أحفظه ولقد أنسيته قال لكني أحفظه لله أبوك حين تقولين
أيها الناس ارعووا وارجعوا إنكم قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم وجارت بكم عن قصد المحجة فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء لا تسمع لناعقها ولا تنساق

لقائدها إن المصباح لا يضئ في الشمس ولا تنير الكواكب مع القمر ولا يقطع الحديد إلا الحديد ألا من ارشدناه استرشدناه ومن سألنا أخبرناه أيها الناس إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار على العصص فكأن قد أندمل شعب الشتات والتأمت كلمة الحق ودمغ الحق الظلمة فلا يجهلن أحد فيقول كيف وأنى ليقضي الله أمرا كان مفعولا ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء ولهذا اليوم ما بعده والصبر خير في الأمور عواقبا
إيها في الحرب قدما غير ناكصين ولا متشاكسين
ثم قال لها والله يا زرقاء لقد شركت عليا في كل دم سفكه قالت احسن الله بشارتك وأدام سلامتك فمثلك بشر بخير وسر جليسه قال أو يسرك ذلك قالت نعم والله لقد سررت بالخبر فأنى لي بتصديق الفعل فضحك معاوية وقال والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته اذكري حاجتك قالت يا أمير المؤمنين آليت على نفسي ألا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا ومثلك أعطى عن غير مسأله وجاد عن غير طلبة قال صدقت وأمر لها وللذين جاءوا معها بجوائز وكسا

اختلاف أهل العراق في الموادعة
وذكروا أنه لما اشتد الأمر واستعر القتال قال رأس من أهل العراق لعلي إن هذه الحرب قد أكلتنا وأذهبت الرجال والرأي الموادعة وقال بعضهم لا بل نقاتلهم اليوم على ما قاتلناهم عليه أمس وكانت الجماعة قد رضيت الموادعة وجنحت إلى الصلح والمسالمة فقام علي خطيبا فقال
260 -
خطبة الإمام علي كرم الله وجهه
أيها الناس إنه لم أزل من أمري على ما أحب حتى فدحتكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت وهي لعدوكم أنهك وقد كنت بالأمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا وكنت ناهيا فأصبحت اليوم منهيا فليس لي أن أحملكم على ما تكرهون
261 -
خطبة كردوس بن هانئ
وقام كردوس بن هانئ فقال
إنه والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه ولا تبرأنا من علي منذ توليناه وإن قتيلنا لشهيد وإن حينا لفائز وإن عليا على بينة من ربه وما أجاب القوم إلا إنصافا وكل محق منصف فمن سلم له نجا ومن خالفه هوى

262 -

خطبة سفيان بن ثور
وقام سفيان بن ثور فقال
أيها الناس إنا دعونا أهل الشأم إلى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم وإنهم دعونا إلى كتاب الله فإن رددناه عليهم حل لهم منا ما حل لنا منهم ولسنا نخاف أن يحيف الله علينا ورسوله وإن عليا ليس بالراجع الناكص وهو اليوم على ما كان عليه أمس وقد أكلتنا هذه الحرب ولا نرى البقاء إلا في الموادعة
263 -
خطبة حريث بن جابر
ثم قام حريث بن جابر فقال
إن عليا لو كان خلوا من هذا الأمر لكان المرجع إليه فكيف وهو قائده وسائقه وإنه والله ما قبل من القوم اليوم إلا الأمر الذي دعاهم إليه أمس ولو رده عليهم كنتم له أعيب ولا يلحد في هذا الأمر إلا راجع على عقبيه أو مستدرج مغرور وما بيننا وبين من طعن علينا إلا السيف
264 -
خطبة خالد بن معمر
ثم قام خالد بن معمر فقال
يا أمير المؤمنين إنا والله ما أخرجنا هذا المقام أن يكون أحد أولى به منا ولكن قلنا أحب الأمور إلينا ما كفينا مئونته فأما إذ استغنينا فإنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك القوم إليه اليوم إن رأيت ذلك وإن لم تره فرأيك أفضل

265 -

خطبة الحصين بن المنذر
ثم قام الحصين بن المنذر وكان أحدث القوم سنا فقال
إنما بني هذا الدين على التسليم فلا تدفعوه بالقياس ولا تهدموه بالشبهة وإنا والله لو أنا لا نقبل من الأمور إلا ما نعرف لأصبح الحق في الدنيا قليلا ولو تركنا وما نهوى لأصبح الباطل في أيدينا كثيرا وإن لنا راعيا قد حمدنا ورده وصدره وهو المأمون على ما قال وفعل فإن قال لا قلنا لا وإن قال نعم قلنا نعم
266 -
خطبة غثمان بن حنيف
ثم قام عثمان بن حنيف وكان من صحابة رسول الله وكان عاملا لعلي على البصرة وله فضل فقال
أيها الناس اتهموا رأيكم فقد والله كنا مع رسول الله بالحديبية يوم أبي جندل وإنا لنريد القتال إنكارا للصلح حنى ردنا عنه رسول الله

وإن أهل الشأم دعونا إلى كتاب الله اضطرارا فأجبناهم إليه إعذارا فلسنا والقوم سواء إنا والله ما عدلنا الحي بالحي ولا القتيل بالقتيل ولا الشامي بالعراقي ولا معاوية بعلي وإنه لأمر منعه غير نافع وإعطاؤه غير ضائر وقد كلت البصائر التي كنا نقاتل بها وقد حمل الشك اليقين الذي كنا نئول إليه وذهب الحياء الذي كنا نمارى به فاستظلوا في هذا الفئ واسكنوا فى هذه العافية فإن قلتم نقاتل على ما كنا نقاتل عليه أمس فهيهات هيهات ذهب والله قياس أمس وجاء غد

267 -

خطبة عدي بن حاتم
ثم قام عدي بن حاتم فقال
أيها الناس إنه والله لو غير علي دعانا الى قتال أهل الصلاة ما أجبناه ولا وقع بأمر قط إلا ومعه من الله برهان وفي يديه من الله سبب وإنه وقف عن عثمان بشبهة وقاتل أهل الجمل على النكث وأهل الشأم على البغي فانظروا في أموركم وأمره فإن كان له عليكم فضل فليس لكم مثله فسلموا له وإلا فنازعوا عليه والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة إنه لأعلم الناس بهما ولئن كان إلى الإسلام إنه لأخو نبي الله والرأس في الإسلام ولئن كان إلى الزهد والعبادة إنه لأظهر الناس زهدا وأنهكهم عبادة ولئن كان إلى العقول والنحائز إنه لأشد الناس عقلا وأكرمهم نحيزة ولئن كان إلى الشرف والنجدة إنه لأعظم الناس شرفا ونجدة ولئن كان إلى الرضا لقد رضي عنه المهاجرون والأنصار في شورى عمر رضي الله عنهم وبايعوه بعد عثمان ونصروه على اصحاب الجمل وأهل الشأم فما الفضل الذي قركم إلى الهدى وما النقص الذي قربه إلى الضلال والله لو اجتمعتم جميعا على أمر واحد لأتاح الله له من يقاتل لأمر ماض كتاب سابق فاعترف أهل صفين لعدي بن حاتم بعد هذا المقام ورجع كل من تشعب على علي رضي الله عنه

268 -

خطبة عبد الله بن حجل
ثم قام عبد الله بن حجل فقال
يا أمير المؤمنين إنك أمرتنا يوم الجمل بأمور مختلفة كانت عندنا أمرا واحدا فقبلناها بالتسليم وهذه مثل تلك الأمور ونحن أولئك أصحابك وقد أكثر الناس في هذه القضية وايم الله ما المكثر المنكر بأعلم بها من المقل المعترف وقد أخذت الحرب بأنفاسنا فلم يبق إلا رجاء ضعيف فإن تجب القوم إلى ما دعوك إليه فأنت أولنا إيمانا وآخرنا بنبي الله عهدا وهذه سيوفنا على أعناقنا وقلوبنا بين جوانحنا وقد أعطيناك بقيننا وشرحت بالطاعة صدورنا ونفذت في جهاد عدوك بصيرتنا فأنت الوالي المطاع ونحن الرعية الأتباع أنت أعلمنا بربنا وأقربنا بنبينا وخيرنا في ديننا وأعظمنا حقا فينا فسدد رأيك نتبعك واستخرالله تعالى في أمرك واعزم عليه برأيك فأنت الوالي المطاع فسر علي كرم الله وجهه بقوله وأثنى خيرا
269 -
خطبة صعصعة بن صوحان
ثم قام صعصعة بن صوحان فقال
يا أمير المؤمنين إنا سبقنا الناس إليك يوم قدوم طلحة والزبير عليك فدعانا حكيم إلى نصرة عاملك عثمان بن حنيف فأجبناه فقاتل عدوك حتى أصيب في قوم من بني عبد قيس عبدوا الله حتى كانت اكفهم مثل أكف الإبل وجباههم مثل

ركب المعز فأسر الحي وسلب القتيل فكنا أول قتيل وأسير ثم رأيت بلاءنا بصفين وقد كلت البصائر وذهب الصبر وبقي الحق موفورا وأنت بالغ بهذا حاجتك والأمر إليك ما أراك الله فمرنا به
270 -

خطبة المنذر بن الجارود
ثم قام المنذر بن الجارود فقال
يا أمير المؤمنين إني أرى أمرا لا يدين له الشأم إلا بهلاك العراق ولا يدين له العراق إلا بهلاك الشأم ولقد كنا نرى أن ما زادنا نقصهم وما نقصنا أضرهم فإذا في ذلك أمران فإن رأيت غيره ففينا والله ما يفل به الحد ويرد به الكلب وليس لنا معك إيراد ولا صدر
271 -
خطبة الأحنف بن قيس
ثم قام الأحنف بن قيس فقال
يا أمير المؤمنين إن الناس بين ماض وواقف وقائل وساكت وكل في موضعه حسن وإنه لو نكل الآخر عن الأول لم يقل شيئا إلا أن يقول اليوم ما قد قيل أمس ولكنه حق يقضى ولم نقاتل القوم لنا ولا لك إنما قاتلناهم لله فإن حال أمر الله دوننا ودونك فاقبله فإنك أولى بالحق وأحقنا بالتوفيق ولا أرى إلا القتال

272 -

خطبة عمير بن عطارد
ثم قام عمير بن عطارد فقال
يا أمير المؤمنين إن طلحة والزبير وعائشة كانوا أحب الناس إلى معاوية وكانت البصرة أقرب إلينا من الشأم وكان القوم الذين وثبوا عليك من أصحاب رسول خيرا من الذين وثبوا عليك من أصحاب معاوية اليوم فوالله ما منعنا ذلك من قتل المحارب وعيب الواقف فقاتل القوم إنا معك
273 -
خطبة علي بن أبي طالب
ثم قام علي خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس إنه قد بلغ بكم وبعدوكم ما قد رأيتم ولم يبق منهم إلا آخر نفس وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغوا منكم ما بلغوا وأنا غاد عليهم بنفسي بالغداة فأحاكمهم بسيفي هذا إلى الله
وأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يدعو عليا إلى تحكيم كتاب الله فأصبح أصحاب معاوية وقد رفعوا المصاحف على الرماح وقلدوها أعناق الخيل يقولون هذا كتاب الله عز و جل بيننا وبينكم
274 -
مقال عدي بن حاتم
فقام عدي بن حاتم فقال
يا أمير المؤمنين إن أهل الباطل لا تعوق أهل الحق وقد جزع القوم حين تأهبت للقتال بنفسك وليس بعد الجزع إلا ما تحب ناجز القوم

275 -

مقال الأشترالنخعي
ثم قام الأشتر فقال
يا أمير المؤمنين ما أجبناك لدنيا إن معاوية لا خلف له من رجاله ولكن بحمد الله الخلف لك ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا نصرتك فافرج الحديد بالحديد واستعن بالله
276 -
مقال عمرو بن الحمق
ثم قام عمرو بن الحمق فقال
يا أمير المؤمنين ما أجبناك لدنيا ولا نصرناك على باطل ما أجبناك إلا لله تعالى وما نصرناك إلا للحق ولو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لكثر فيه اللجاج وطالت له النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي
277 -
مقال الأشعث بن قيس
ثم قام الأشعث بن قيس فقال
يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس ولست أدري كيف يكون غدا وما القوم الذين كلموك بأحمد لأهل العراق متى ولا بأوتر لأهل الشأم مني فأجب القوم إلى كتاب الله فإنك أحق به منهم وقد أحب الله البقيا

278 -

مقال عبد الرحمن بن الحارث
ثم قام عبد الرحمن بن حارث فقال
يا أمير المؤمنين امض لأمر الله ولا يستخفنك الذين لا يوقنون أحكم بعد حكم وأمر بعد أمر مضت دماؤنا ودماؤهم ومضى حكم الله علينا وعليهم
279 -
مقال عمار بن ياسر
4
فلما أظهر علي أنه قد قبل التحكيم قام عمار بن ياسر فقال
يا أمير المؤمنين أما والله لقد أخرجها إليك معاوية بيضاء من أقر بها هلك ومن أنكرها ملك ما لك يا أبا الحسن شككتنا في ديننا ورددتنا على أعقابنا بعد مائة ألف قتلوا منا ومنهم أفلا كان هذا قبل السيف وقبل طلحة والزبير وعائشة قد دعوك إلى ذلك فأبيت فزعمت أنك أولى بالحق وأن ما خالفنا منهم ضال حلال الدم وقد حكم الله تعالى في هذا الحال ما قد سمعت فإن كان القوم كفارا مشركين فليس لنا أن نرفع السيف عنهم حتى يفيئوا إلى أمر الله وإن كانوا أهل فتنه فليس لنا أن نرفع السيف عنهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله والله ما أسلموا ولا أدوا الجزية ولا فاءوا إلى أمر الله ولا طفئت الفتنة فقال علي والله إنى لهذا الأمر كاره
ثم كثر اللجاج والجدال في الأمر وجعل علي يبين لهم أنها خدعة ومكيدة يرام بها

توهين قوتهم وتشتيت جمعهم وهم لا يستمعون لقوله ولا يذعنون لنصحه وأقبل الأشعث بن قيس فى ناس كثير من أهل اليمن فقالوا لعلي لا ترد ما دعاك القوم إليه قد أنصفك القوم والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء معك ولا نرمي معك بسهم ولا حجر ولا نقف معك موقفا
وغلا أنصار التحكيم في تطرفهم فقالوا يا علي أجب إلى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا ندفعك برمتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان فلم ير بدا من الإذعان وقبول التحكيم

التحكيم بين علي ومعاوية
280 -
كلام عبد الله بن عباس لأبي موسى الأشعري
ولما أجمع أهل العراق على طلب أبي موسى الأشعري وأحضروه للتحكيم على كره من علي عليه السلام أتاه عبد الله بن العباس وعنده وجوه الناس وأشرافهم فقال له
أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك ولم يجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه وما أكثر أشباهك من المهاجرين والأنصار المتقدمين قبلك ولكن أهل العراق أبوا إلا أن يكون الحكم يمانيا ورأوا أن معظم أهل الشام يمان وايم الله إني لأظن ذلك شر لك ولنا فإنه قد ضم إليك داهية العرب وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه وإن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام وأن أباه رأس الأحزاب وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة فإن زعم لك أن عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي ويوجره ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر وما أكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة واعلم أن لعمر ومع كل شئ يسرك خبأ يسوءك ومهما نسيت فلا تنس أن عليا

بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وأنها بيعة هدى وأنه لم يقاتل إلا العاصين والناكثين
فقال أبو موسى رحمك الله والله مالي إمام غير علي وإني لواقف عند ما رأى وإن حق الله أحب إلى من رضا معاوية وأهل الشأم وما أنت وأنا إلا بالله
281 -

وصية شريح بن هانئ لأبي موسى الأشعري
ولما أراد أبو موسى المسير قام إليه شريح بن هانئ الحارثي فأخذ بيده وقال
يا أبا موسى إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه ولا تستفال فلتته ومهما تقل من شئ لك أو عليك يثبت حقه ويرى صحته وإن كان باطلا وإنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية ولا بأس على أهل الشأم إن ملكهم علي وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا والرجاء منك يأسا ثم قال
( ابا موسى رميت بشر خصم ... فلا تضع العراق فدتك نفسي )
( وأعط الحق شامهم وخذه ... فإن اليوم في مهل كأمس )
( وإن غدا يجئ بما عليه ... كذاك الدهر من سعد ونحس )
( ولا يخدعك عمرو إن عمرا ... عدو الله مطلع كل شمس )
( له خدع يحار العقل منها ... مموهة مزخرفة بلبس )

( فلا تجعل معاوية بن حرب ... كشيخ في الحوادث غير نكس )
( هداه الله للإسلام فردا ... سوى عرس النبي وأي عرس )
فقال أبو موسى ما ينبغي لقوم اتهموني ان يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا
282 -

وصية الأحنف بن قيس لأبي موسى الأشعري
وما حكم أبو موسى الأشعري أتاه الأحنف بن قيس فقال له
يا أبا موسى إن هذا مسير له ما بعده من عز الدنيا أو ذلها آخر الدهر ادع القوم إلى طاعة علي فإن أبوا فادعهم أن يختار أهل الشأم من قريش العراق من أحبوا ويختار أهل العراق من قريش الشأم من أحبوا وإياك إذا لقيت ابن العاص أن تصافحه بنية وأن يقعدك على صدر المجلس فإنها خديعة وأن يضمك وإياه بيت فيكمن لك فيه الرجال ودعه فليتكلم لتكون عليه بالخيار فالبادئ مستغلق والمجيب ناطق
فما عمل أبو موسى إلا بخلاف ما قال الأخنف وأشار به فكان من الأمر ما كان فلقيه الأحنف بعد ذلك فقال له أدخل والله قدميك في خف واحدة

283 -

وصية معاوية لعمرو بن العاص
وقال معاوية لعمرو
إن أهل العراق أكرهوا عليا على أبي موسى وأنا وأهل الشأم راضون عنك وأرجو في دفع هذه الحرب قوة لأهل الشأم وفرقة لأهل العراق وإمدادا لأهل اليمن وقد ضم إليك رجل طويل اللسان قصير الرأي وله على ذلك دين وفضل فدعه يقول فإذا هو قال فاصمت واعلم أن حسن الرأي زيادة في العقل إن خوفك العراق فخوفه بالشام وإن خوفك مصر فخوفه باليمن وإن خوفك عليا فخوفه بمعاوية وإن أتاك بالجميل فأته بالجميل
284 -
رد عمرو بن العاص عليه
فقال عمرو
يا أمير المؤمنين أقلل الاهتمام بما قبلي وارج الله تعالى فيما وجهتني له إنك من أمرك على مثل حد السيف لم تنل في حربك ما رجوت ولم تأمن ما خفت ونحن نرجو أن يصنع الله تعالى لك خيرا وقد ذكرت لأبي موسى دينا وإن الدين منصور أرأيت إن ذكر عليا وجاءنا بالإسلام والهجرة واجتماع الناس عليه ما أقول
فقال معاوية قل ماتريد وترى

285 -

مقال شرحبيل بن السمط لعمرو
ولما ودعه شرحبيل بن السمط قال له
يا عمرو إنك رجل قريش وإن معاوية لم يبعثك إلا لعلمه أنك لا تؤتى من عجز ولا مكيدة وقد علمت أن وطأة هذا الأمر لك ولصاحبك فكن عند ظننا بك
286 -
خطبة أبي موسى الأشعري
ولما التقى الحكمان أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص بدومة الجندل ودار بينهما من الحوار ما دار أقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتقدم أبو موسى فحمد الله عز و جل وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه وهو أن نخلع عليا ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيولوا منهم من أحبوا عليهم وإني قد خلعت علينا ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلا ثم تنحى

287 -

خطبة عمرو بن العاص
وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال
إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان بن عفان رضي الله عنه والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه
فقال أبو موسى مالك لا وفقك الله غدرت وفجرت إنما مثلك ( كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث ) أو تتركه يلهث قال عمرو ( إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا )
288 -
خطبة الامام علي بعد التحكيم
وخطب الإمام علي كرم الله وجهه بعد فشل التحكيم فقال
الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس معه إله غيره وأن محمدا عبد ه ورسوله وآله أما بعد فإن مصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ونخلت لكم مخزون رأيي لو كان

يطاع لقصير أمر فأبيتم على إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وضن الزند بقدحه فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن
( أمرتكم أمري بمنعرج اللوى ... فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد )
ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما وأحييا ما أمات القرآن واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله فحكما بغير حجة بينة ولا سنة ماضية واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين استعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشأم
289 -

خطبة الحسن بن علي
وقال الإمام علي قم يا حسن فتكلم في أمر هذين الرجلين أبي موسى وعمرو فقام الحسن فتكلم فقال
أيها الناس قد أكثرتم في أمر أبي موسى وعمرو وإنما بعثا ليحكما بالقرآن دون الهوى فحكما بالهوى دون القرآن فمن كان هكذا لم يكن حكما ولكنه محكموم عليه وقد كان من خطأ أبي موسى أن جعلها لعبد الله بن عمر فأخطأ في ثلاث خصال خالف يعني أبي موسى أباه عمر إذ لم يرضه لها ولم يره أهلا لها وكان أبوه أعلم به من غيره ولا أدخله في الشورى إلا على أنه لا شئ له فيها شرطا مشروعا من

عمر على أهل الشورى فهذه واحدة وثانية لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الإمامة ويحكمون على الناس وثالثة لم يستأمر الرجل في نفسه ولا علم ما عنده من رد أو قبول ثم جلس
290 - خطبة عبد الله بن عباس توفي سنة 68ه
ثم قال على لعبد الله بن عباس قم فتكلم فقام عبد الله بن عباس وقال
أيها الناس إن للحق أناسا أصابوه بالتوفيق والرضا والناس بين راض به وراغب عنه وإنما سار أبو موسى بهدى إلى ضلال وسار عمرو بضلال إلى هدى فلما التقيا رجع أبو موسى عن هداه ومضى عمرو على ضلاله فوالله لو كان حكما عليه بالقرآن لقد حكما عليه ولئن كانا حكما بهواهما على القرآن ولئن مسكا بما سارا به لقد سار أبو موسى وعلى إمامه وسار عمرو ومعاوية إمامه ثم جلس
291 -

خطبة عبد الله بن جعفر
فقال علي لعبد الله بن جعفر قم فتكلم فقام وقال
أيها الناس هذا أمر كان النظر فيه لعلي والرضا فيه إلى غيره جئتم بأبي موسى فقلتم قد رضينا هذا فارض به وايم الله ما أصلحا بما فعلا الشأم ولا أفسدا العراق ولا أماتا حق علي ولا أحييا باطل معاوية ولا يذهب الحق قلة رأي ولا نفخة شيطان وإنا لعلي اليوم كما كنا أمس عليه ثم جلس

292 -

خطبة علي
ولما نزل على النخيلة وأيس من الخوارج قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فإنه من ترك الجهاد في الله وادهن في أمره كان على شفا هلكة إلا إن يتداركه الله بنعمة فاتقوا الله وقاتلوا من حاد الله وحاول أن يطفئ نور الله قاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين المجرمين الذين ليسوا بقرآء للقرآن ولا فقهاء في الدين ولا علماء في التأويل ولا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإسلام والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل تيسروا وتهيئوا للمسير إلى عدوكم من أهل المغرب وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم فإذا قدموا فاجتمعتم شخصنا إن شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله
293 - خطبة عبد الله بن عباس
وكتب علي إلى عبد الله بن عباس أما بعد فإنا قد خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة وقد أجمعنا على المسير إلى عدونا من أهل المغرب فأشخص بالناس حين يأتيك رسولي وأقم حتى يأتيك أمري والسلام
فلما قدم عليه الكتاب قرأه على الناس وأمرهم بالشخوص مع الأحنف بن قيس فشخص معه منهم ألف وخمسمائة رجل فاستقلهم عبد الله بن عباس فقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد يأهل البصرة فإنه جاءني أمر أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم فأمرتكم بالنفير إليه مع الأحنف بن قيس ولم يشخص معه منكم إلا ألف وخمسمائة وأنتم ستون ألفا سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ألا انفروا مع جارية بن قدامة السعدي

ولا يجعلن رجل على نفسه سبيلا فإني موقع بكل من وجدته متخلفا عن مكتبه عاصيا لإمامه وقد أمرت أبا الأسود الدؤلي بحشركم فلا يلم رجل جعل السبيل على نفسه إلا نفسه
294 - خطبة علي
فخرج جارية فعسكر وخرج أبو الأسود فحشر الناس فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمائة ثم أقبل حتى وافاه علي بالنخيلة فلم يزل بالنخيلة حتى وافاه هذان الجيشان من البصرة ثلاثة آلاف ومائتا رجل فجمع إليه رءوس أهل الكوفة ورءوس الأسباع ورءوس القبائل ووجوه الناس
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل الكوفة أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على الحق وصحابتي على جهاد عدوي المحلين بكم أضرب المدبر وأرجو تمام طاعة المقبل وقد بعثت إلى أهل البصرة فاستنفرتهم إليكم فلم يأتني منهم إلا ثلاثة آلاف ومائتا رجل فأعينوني بمناصحة جلية خلية من الغش إنكم مخرجنا إلى صفين بل استجمعوا بأجمعكم وإني أسألكم أن يكتب لي رئيس كل قوم ما في عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال وعبدان عشيرته ومواليهم ثم يرفع ذلك إلينا
فقام سعد بن قيس الهمداني فقال يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة وودا ونصيحة أنا أول الناس جاء بما سألت وبما طلبت وقام معقل بن قيس الرياحي فقال له نحوا من ذلك وقام عدي بن حاتم وزياد بن خصفة وحجر بن عدي وأشراف الناس والقبائل فقالوا مثل ذلك ثم إن الرءوس كتبوا من فيهم ثم رفعوهم إليه

295 -

خطبة لعلي
وكتب علي إلى سعد بن مسعود الثقفي وهو عامله على المدائن أما بعد فإني قد بعثت إليك زياد بن خصفة فأشخص معه من قبلك من مقاتلة أهل الكوفة وعجل ذلك إن شاء الله ولا قوة إلا بالله
وبلغ عليا أن الناس يقولون لو سار بنا إلى هذه الحرورية فبدأنا بهم فإذا فرغنا منهم وجهنا من وجهنا ذلك إلى المحلين فقام فى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فإنه قد بلغني قولكم لو أن أمير المؤمنين سار بنا إلى هذه الخارجة التي خرجت عليه فبدأنا بهم فإذا فرغنا منهم وجهنا إلى المحلين
وأن غير هذه الخارجة أهم إلينا منهم فدعوا ذكرهم وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكا ويتخذوا عباد الله خولا
فتنادى الناس من كل جانب سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت وقام إليه صيفي ابن فسيل الشيباني فقال يا أمير المؤمنين نحن حزبك وأنصارك نعادي من عاديت ونشايع من أناب إلى طاعتك فسر بنا إلى عدوك من كانوا وأينما كانوا فإنك إن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد ولا ضعف نية أتباع وقام إليه محرز بن شهاب التميمي من بني سعد فقال يا أمير المؤمنين شيعتك كقلب رجل واحد في الإجماع على بصرك والجد في جهاد عدوك فأبشر بالنصر وسر بنا إلى أي الفريقين أحببت فإنا شيعتك الذين نرجو في طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب ونخاف في خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال

296 -

خطبة لمعاوية
ولما فشل التحكيم بايع أهل الشأم معاوية بالخلافة واختلف الناس بالعراق على علي فما كان لمعاوية هم الا مصر فدعا أصحابه ليستشيرهم في أمرها وكان فيهم عمرو بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فقد رأيتم كيف صنع الله بكم في حربكم عدوكم جاءوكم وهم لا ترون إلا أنهم سيقبضون بيضتكم ويخربون بلادكم ما كانوا يرون إلا أنكم في أيديهم فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا مما أحبوا وحاكمناهم إلى الله فحكم لنا عليهم ثم جمع لنا كلمتنا وأصلح ذات بيننا وجعلهم أعداء متفرقين يشهد بعضهم على بعض بالكفر ويسفك بعضهم دم بعض والله إني لأرجوا أن يتم لنا هذا الأمر وقد رأيت أن نحاول أهل مصر فكيف ترون أرتئاءنا لها
وكان عمرو بن العاص قد صالح معاوية حين بايعه على قتال علي بن أبي طالب على أن له مصر طعمة ما بقي فقال لمعاوية فإني أشير عليك كيف تصنع أرى أن تبعث جيشا كثيفا عليهم رجل حازم صارم تأمنه وتثق به فيأتي مصر حتى يدخلها فسيره إليها
297 -
وصية معاوية لعمرو بن العاص
وجهز معاوية عمرو بن العاص وبعثه فى ستة آلاف رجل وخرج وودعه وقال له عند وداعه إياه

أوصيك يا عمرو بتقوى الله والرفق فإنه يمن وبالمهل والتؤدة فإن العجلة من الشيطان وبأن تقبل ممن أقبل وأن تعفو عمن أدبر فإن قبل فبها ونعمت وإن أبى فإن السطوة بعد المعذرة أبلغ في الحجة وأحسن في العاقبة وادع الناس إلى الصلح والجماعة فإذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر الناس عندك وكل الناس فأول حسنا
298 -

خطبة محمد بن أبي بكر
وقدم محمد بن أبي بكر مصر واليا عليها من قبل علي بن أبي طالب سنة 36ه فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
الحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختلف فيه من الحق وبصرنا وإياكم كثيرا بما عمي عنه الجاهلون ألا إن أمير المؤمنين ولاني أموركم وعهد إلى ما قد سمعتم وأوصاني بكثير منه مشافهة ولن آلوكم خيرا ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لله وتقوى فاحمدوا الله عز و جل على ما كان من ذلك فإنه هو الهادي وإن رأيتم عاملا لي عمل غير الحق زائفا فارفعوه إلي وعاتبوني فيه فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته
299 -
خطبة لمحمد بن أبي بكر
وأقبل عمرو بن العاص حتى قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال
أما بعد معاشر المسلمين والمؤمنين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة

وينعشون الضلالة ويشبون نار الفتنة ويتسلطون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود
عباد الله فمن أراد الجنة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله
انتدبوا إلى هؤلاء رحمكم الله مع كنانة بن بشر ثم انتهى الأمر بقتل محمد بن أبي بكر
300 -

خطبة لعلي وقد استصرخه محمد بن أبي بكر
ولما سير معاوية عمرو بن العاص إلى مصر سنة 38 ه وكان عليها محمد بن أبي بكر من قبل علي بعث ابن أبي بكر إلى علي يستصرخه فقام علي في الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد ثم قال
أما بعد فإن هذا صريخ محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله وولى من عادى الله فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا منكم على حقكم هذا فإنهم قد بدءوكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمؤاساة والنصر
عباد الله إن مصر أعظم من الشأم أكثر خيرا وخير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم وكبت لعدوكم أخرجوا إلى الجرعة بين الحيرة والكوفة فوافوني بها هناك غدا إن شاء الله

301 -

خطبة علي حين بلغه مقتل محمد بن أبي بكر
ولما بلغ عليا مقتل محمد بن أبي بكر حزن عليه حتى رئى ذلك في وجهه وتبين فيه وقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال
ألا إن مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجا ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه أما والله إن كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب هدى المؤمن
إني والله ما ألوم نفسي على التقصير وإني لمقاساة الحرب نجد خبير وإني لأقدم على الأمر وأعرف وجه الحزم وأقوم فيكم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا وأناديكم نداء المستغيث معربا فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا حتى تصير بي الأمور إلى عواقب المساءة فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر ولا ينقض بكم الأوتار دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلا فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نية في جهاد العدو ولا اكتساب الأجر ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون فأف لكم ثم نزل

فتنة الخوارج
302 -
مناظرة عبد الله بن عباس لهم
لما رجع الإمام علي كرم الله وجهه من صفين إلى الكوفة بعد كتابه صحيفة التحكيم بينه وبين معاوية اعتزله جماعة من أصحابه ممن رأوا التحكيم ضلالا ونزلوا حروراء في اثني عشر ألفا وأمروا على القتال شبث بن ربعي وعلى الصلاة عبد الله بن الكواء فبعث اليهم علي عبد الله بن عباس فقال لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك فخرج إليهم حتى أتاهم فأقبلوا يكلمونه فلم يصبر حتى راجعهم فقال
ما نقمتم من الحكمين وقد قال الله عز و جل ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) فكيف بأمة محمد فقالت الخوارج قلنا أما ما جعل حكمه إلى الناس وأمربالنظر فيه والإصلاح له فهو إليهم كما أمر به وماحكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه حكم في الزاني مائة جلدة وفي السارق بقطع يده فليس للقباد أن ينظروا في هذا قال ابن عباس فإن الله عز و جل يقول ( يحكم به

ذوا عدل منكم ) فقالوا له أو تجعل الحكم في الصيد والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين وقالت الخوارج قلنا له فهذه الآية بيننا وبينك أعدل عندك ابن العاص وهو بالأمس يقاتلنا ويسفك دماءنا فإن كان عدلا فلسنا بعدول ونحن أهل حريه وقد حكمتم في أمر الله الرجال وقد أمضىالله عز و جل حكمه في معاوية وجزبه أن يقتلوا أو يرجعوا وقبل ذلك ما دعوناهم إلى كتاب الله عز و جل فأبوه ثم كتبتم بينكم وبينه كتابا وجعلتم بينكم وبينه الموادعة والاستفاضة وقد قطع الله عز و جل الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة إلا من أقر بالجزية
303 -

مناظرة الامام علي لهم
ثم خرج إليهم علي حتى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس فقال انته عن كلامهم ألم أنهك رحمك الله

ثم تكلم فحمد الله عز و جل وأثنى عليه ثم قال
اللهم إن هذا مقام من أفلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة ومن نطق فيه وأوعث فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ثم قال لهم من زعيمكم قالوا ابن الكواء قال علي فما أخرجكم علينا قالوا حكومتكم يوم صفين قال أنشدكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله قلت لكم إني أعلم بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال امضوا على حقكم وصدقكم فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة وإدهانا ومكيدة فرددتم على رأيي وقلتم لا بل نقبل منهم فقلت لكم اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكما يحكم بما في القرآن وإن أبيا فنحن من حكمهما برآء قالوا له فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء فقال إنا لسنا حكمنا الرجال إنما حكمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال قالوا فخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بيننا وبينهم قال ليعلم الجاهل ويتثبت العالم ولعل الله عز و جل يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة ادخلوا مصركم رحمكم الله فدخلوا من عند آخرهم

304 -

صورة أخرى
وروى صاحب العقد المناظرة بين علي وبين الخوارج بصورة أخرى وهاكها
قالوا إن عليا لما اختلف عليه أهل النهروان والقرى وأصحاب البرانس ونزلوا قرية يقال لها حروراء وذلك بعد وقعة الجمل رجع إليهم علي بن أبي طالب فقال لهم يا هؤلاءء من زعيمكم قالوا ابن الكواء قال فليبرز إلى فخرج إليه ابن الكواء فقال له علي يابن الكواء ما أخرجكم علينا بعد رضاكم بالحكمين ومقامكم بالكوفة قال قاتلت بنا عدوا لا نشك في جهاده فزعمت أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النارفبينما نحن كذلك إذ أرسلت منافقا وحكمت كافرا وكان من شكك في أمر الله أن قلت للقوم حين دعوتهم كتاب الله بيني وبينكم فإن قضى علي بايعتكم وإن قضى عليكم بايعتموني فلولا شكك لم تفعل هذا والحق في يدك قال علي يا بن الكواء إنما الجواب بعد الفراغ أفرغت فأجيبك قال نعم قال علي أما قتالك معي عدوا لا نشك في جهاده فصدقت ولو شككت فيهم لم أقاتلهم وأما قتلانا وقتلاهم فقد قال الله في ذلك ما يستغنى به عن قولي وأما إرسالي المنافق وتحكيمي الكافر فأنت أرسلت أبا موسى مبرنسا ومعاوية حكم عمرا أتيت بأبي موسى مبرنسا فقلت لا نرضى إلا أبا موسى فهلا قام إلي رجل منكم فقال يا علي لاتعط هذه الدنية فإنها ضلالة وأما قولي لمعاوية إن جرني إليك كتاب الله تبعتك وإن جرك إلى تبعتني زعمت أني لم أعط ذلك إلا من شك فقد علمت أن أوثق ما في يديك هذا الأمر فحدثني ويحك عن اليهودي والنصراني ومشركي العرب أهم أقرب إلى كتاب الله أم معاوية وأهل الشأم قال بل معاوية وأهل الشأم أقرب قال علي أفرسول الله كان أوثق بما في يديه من كتاب الله أو أنا قال بل رسول الله قال أفرأيت الله تبارك وتعالى حين يقول ( قل فأتوا

بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ) أما كان رسول الله يعلم أنه لا يؤتى بكتاب هو أهدى مما في يديه قال بلى قال فلم أعطى رسول الله القوم ما أعطاهم قال إنصافا وحجة قال فإني أعطيت القوم ما أعطاهم رسول الله قال ابن الكواء فإني أخطأت هذه واحدة زدني قال علي فما أعظم ما نقمتم علي قال تحكيم الحكمين نظرنا في أمرنا فوجدنا تحكيمهما شكا وتبذيرا قال علي فمتى سمي أبو موسى حكما حين أرسل أو حين حكم قال حين أرسل قال أليس قد سار وهو مسلم وأنت ترجو أن يحكم بما أنزل الله قال نعم قال علي فلا أرى الضلال في إرساله فقال ابن الكواء سمي حكما حين حكم قال نعم إذن فإرساله كان عدلا أرأيت يابن الكواء لو أن رسول الله بعث مؤمنا إلى قوم مشركين يدعوهم إلى كتاب الله فارتد على عقبه كافرا كان يضر نبي الله شيئا قال لا قال علي فما كان ذنبي إن كان أبو موسى قد ضل هل رضيت حكومته حين حكم أو قوله إذ قال قال ابن الكواء لا ولكنك جعلت مسلما وكافرا يحكمان في كتاب الله قال علي ويلك يا بن الكواء هل بعث عمرا غير معاوية وكيف أحكمه وحكمه على ضرب عنقي إنما رضي به صاحبه كما رضيت أنت بصاحبك وقد يجتمع المؤمن والكافر يحكمان في أمر الله أرأيت لو أن رجلا مؤمنا تزوج يهودية أو نصرانية فخافا شقاق بينهما ففزع الناس إلى كتاب الله وفي كتابه ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) فجاء رجل من اليهود أو رجل من النصارى ورجل من المسلمين اللذين يجوز لهما أن يحكما في كتاب الله فحكما قال ابن الكواء وهذه أيضا أمهلنا حتى ننظر فانصرف عنهم علي
فقال له صعصعة بن صوحان يا أمير المؤمنين ائذن لي في كلام القوم قال نعم ما لم تبسط يدا فنادى صعصعة ابن الكواء فخرج إليه فقال أنشدكم الله يا معشر

الخارجين أن لا تكونوا عارا على من يغزو لغيره وأن لا تخرجوا بأرض تسمون بها بعد اليوم ولا تستعجلوا ضلال العام خشية ضلال عام قابل فقال له ابن الكواء إن صاحبك لقينا بأمر قولك فيه صغير فأمسك
قالوا إن عليا خرج بعد ذلك إليهم فخرج إليه ابن الكواء فقال له علي يابن الكواء إنه من أذنب في هذا الدين ذنبا يكون في الإسلام حدثا استتبناه من ذلك الذنب بعينه وإن توبتك أن تعرف هدى ما خرجت منه وضلال ما دخلت فيه قال ابن الكواء إننا لا ننكر أنا قد فتنا فقال له عبد الله بن عمرو بن جرموز أدركنا والله هذه الآية ( آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) وكان عبد الله من قراء أهل حروراء فرجعوا فصلوا خلف علي الظهر وانصرفوا معه إلى الكوفة ثم اختلفوا بعد ذلك في رجعتهم ولام بعضهم بعضا ثم خرجوا على علي فقتلهم بالنهروان
305 -

مناظرة ابن عباس لهم
فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا رجع عن التحكيم وتاب منه ورآه ضلالا فأتى الأشعث بن قيس عليا فقال يا أمير المؤمنين إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا وتبت فخطب علي الناس فقال
من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب ومن رآها ضلالا فهو أضل منها فخرجت الخوارج من المسجد فحكمت فقيل لعلي إنهم خارجون فقال لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون فوجه إليهم عبد الله بن العباس
فلما سار إليهم رحبوا به وأكرموه فرأى منهم جباها قرحت لطول السجود

وأيديا كثفنات الإبل وعليهم قمص مرحضة وهم مشمرون قالوا ما جاء بك يا بن عباس قال جئتكم من عند صهر رسول الله وابن عمه وأعلمنا بربه وسنة نبيه ومن عند المهاجرين والأنصار فقالوا إنا أتينا عظيما حين حكمنا الرجال في دين الله فإن تاب كما تبنا ونهض لمجاهدة عدونا رجعنا فقال ابن عباس نشدتكم الله إلا ما صدقتم أنفسكم أما علمتم أن الله أمركم بتحكيم الرجال في أرنب تساوي ربع درهم تصاد في الحرم وفي شقاق امرأة ورجلها فقالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل علمتم أن رسول الله أمسك عن القتال للهدنة بينه وبين الحديبية قالوا نعم ولكن عليا محا نفسه من خلافة المسلمين قال ابن عباس أذلك يزيلها عنه وقد محا رسول الله اسمه من النبوة قال سهيل بن عمرو لو علمت أنك رسول الله ما حاربتك فقال للكاتب اكتب محمد بن عبد الله وقد أخذ على الحكمين أن لا يجورا فعلي أولى من معاوية وغيره قالوا إن معاوية يدعي مثل دعوى علي قال فأيهما رأيتموه أولى فولوه قالوا صدقت قال ابن عباس ومتى جار الحكمان فلا طاعة لهما ولا قبول لقولهما
فأتبعه منهم ألفان وبقي أربعة آلاف فلم يزالوا على ذلك حتى اجتمعوا على البيعة لعبد الله بن وهب الراسبي

306 -

خطبة يزيد بن عاصم المحاربي
وخرج الإمام علي كرم الله وجهه ذات يوم يخطب فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد فقال علي الله أكبر كلمة حق يراج بها باطل إن سكتوا عممناهم وإن تكلموا حججناهم وإن خرجوا علينا قاتلناهم فوثب يزيد ابن عاصم المحاربي فقال
الحمد لله غير مودع ربنا ولا مستغنى عنه اللهم إنا نعوذ بك من إعطاء الدنية في ديننا فإن إعطاء الدنية في الدين إدهان في أمر الله عز و جل وذل راجع بأهله إلى سخط الله يا علي أبا لقتل تخوفنا أما والله إني لأرجو أن نضربكم بها عما قليل غير مصفحات ثم لتعلمن أينا أولى بها صليا
ثم خرج بهم هو وإخوة له ثلاثة هو رابعهم فأصيبوا مع الخوارج بالنهر وأصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة
307 -
خطبة عبد الله بن وهب الراسي
ولما بعث الإمام علي أبا موسى الأشعري لإنفاذ الحكومة لقيت الخوارج بعضها بعضا فاجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال

أما بعد فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا التي الرضا بها والركون إليها والإيثار إياها عناء وتبار آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق وإن من وضر فإنه من يمن ويضر في هذه الدنيا فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله عز و جل والخلود في جناته فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة
308 -

خطبة حرقوص بن زهير السعدي
فقام حرقوص بن زهير السعدي فقال
إن المتاع بهذه الدنيا قليل وإن الفراق لها وشيك فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها ولا تلفتنكم عن طلب الحق وإنكار الظلم فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
309 -
خطبة حمزة بن سنان الأسدي
فقام حمزة بن سنان الأسدي فقال
يا قوم إن الرأي ما قد رأيتم والحق ما قد ذكرتم فولوا أمركم رجلا منكم فإنه لا بد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها وترجعون إليها
فعرضوها على زيد بن خصين الطائي فأبى وعلى حرقوص بن زهير فأبى وعلى

حمزة بن سنان وشريح بن أوفي العبسي فأبيا وعلى عبد الله بن وهب فقال هاتوها أما والله لاآخذها رغبة في الدنيا ولا أدعها فرقا من الموت فبايعوه لعشر خلون من شوال سنة 37ه
310 -

خطبة شريح بن أوفي العبسي
ثم اجتمعوا في منزل شريح بن أوفي العبسي فقام شريح فقال
إن الله أخذ عهودنا ومواثيقنا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق والجهاد في تقويم السبيل وقد قال عز و جل لنبيه عليه الصلاة و السلام ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد ) وقال ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فاشهدوا على أهل دعوتنا أن قد اتبعوا الهوى ونبذوا حكم القرآن وجاروا في الحكم والعمل وأن جهادهم على المؤمنين فرض وأقسم بالذي تعنو له الوجوه وتخشع دونه الأبصار لو لم يكن أحد على تغيير المنكر وقتال القاسطين مساعدا لقاتلهم وحدي فردا حتى ألقى الله ربي فيرى أني قد غيرت إرادة رضوانه بلساني يا إخواننا اضربوا جباههم ووجوههم بالسيف حتى يطاع الرحمن عز و جل فإن

يطع الله كما أردتم أثابكم ثواب المطيعين له الآمرين بأمره وإن قتلتم فأي شئ أعظم من المسير إلى رضوان الله وجنته واعلموا ان هؤلاء القوم خرجوا لإقصاء حكم الضلالة فاخرجوا بنا إلى بلد نتعد فيه الاجتماع من مكاننا هذا فإنكم قد أصبحتم بنعمة ربكم وأنتم أهل الحق بين الخلق إذ قلتم بالحق وصمدتم لقول الصدق فاخرجوا بنا إلى المدائن نسكنها فنأخذ بأبوابها ونخرج منها سكانها ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا
311 -

مقال زيد بن حصين الطائي
فقال زيد بن حصين الطائي
إنكم إن خرجتم مجتمعين أتبعتم ولكن اخرجوا وحدانا مستخفين فأما المدائن فإن بها قوما يمنعونكم منها ويمنعونها منكم ولكن اكتبوا إلى إخوانكم من أهل البصرة فأعلموهم بخروجكم وسيروا حتى تنزلوا جسر النهروان
قالوا هذا هو الرأي فاجتمعوا على ذلك وكتبوا به إليهم

312 -

خطبة علي في تخويف أهل النهروان
فلما نزلوا بالنهروان وأتوا بها ما أتوا من الأحداث أتاهم الإمام علي كرم الله وجهه فوقف عليهم فقال
أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة وصدها عن الحق الهوى وطمح بها النزق وأصبحت في اللبس والخطب العظيم إني نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الأمة غدا صرعى بأثناء هذا النهر وبأهضام هذا الغائط على غير بينة من ربكم ولا سلطان مبين معكم وقد طوحت بكم الدار واحتبلكم المقدار
ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم دهن ومكيدة لكم ونبأتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وأني أعرف بهم منكم

عرفتهم أطفالا ورجالا فهم أهل المكر والغدر وأنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم فعصيتموني وأكرهتموني حتى حكمت فلما أن فعلت شرطت واستوثقت فأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنة وعملا بالهوى فنبذنا أمرهما ونحن على أمرنا الأول فما الذي بكم ومن أين أتيتم
قالوا إنا حكمنا فلما حكمنا أثمنا وكنا بذلك كافرين وقد تبنا فإن تبت كما تبنا فنحن منك ومعك وإن أبيت فاعتزلنا فإنا منابذوك على سواء إن الله لا يحب الخائنين
فقال علي أصابكم حاصب ولا بقي منكم وابر أبعد إيماني برسول الله وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد علي نفسي بالكفر لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين فأوبوا شر مآب وارجعوا على أثر الأعقاب أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا وسيفا قاطعا وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة

313 -

صورة أخرى
وفي رواية أخرى أن عليا قال لأهل النهر
يا هؤلاء إن أنفسكم قد سولت لكم فراق هذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره وأنبأتكم أن القوم سألوكموها مكيدة ودهنا فأبيتم علي إباء المخالفين المنابذين وعدلتم عني عدول النكداء العاصين حتى صرفت رأيي إلى رأيكم وأنتم والله معاشر أخفاء الهام سفهاء الأحلام فلم آت لا أبالكم بجرا ولا أردت بكم ضرا والله ما خبلتكم عن أموركم ولا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم ولا أوطأتكم عشوة ولا دنيت لكم الضراء وإن كان أمرنا لأمرالمسمين ظاهرا فأجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن ولا يعدواه فتاها وتركا الحق وهما يبصرانه وكان الجور هواهما وقد سبق استيثاقنا عليهما في الحكم بالعدل والصد للحق بسوء رأيهما وجور حكمهما والثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالقا سبيل الحق وأتيا بما لا يعرف فبينوا لنا لماذا تستحلون قتالنا والخروج من جماعتنا أن اختارالناس رجلين أحل لكم أن تضعوا أسيافكم على عواتقكم ثم تستعرضوا الناس تضربون رقابهم وتسفكون

دماءهم إن هذا لهو الخسران المبين والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام
فتنادوا لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيئوا للقاء الرب الرواح الرواح إلى الجنة فزحف عليهم على فأفناهم وقتل ابن وهب في المعركة ولم يفلت منهم إلا عشرة وكان ذلك سنة 37وقيل 38ه
314 -

خطبة المستورد بن علفة
واجتمع بعد وقعة النهروان بالنخيلة جماعة من الخوارج ممن فارق عبد الله ابن وهب وممن لجأ إلى راية أبي أيوب وممن كان أقام بالكوفة فقال لا أقاتل عليا ولا أقاتل معه فتواصوا فيما بينهم وتعاضدوا وتأسفوا على خذلانهم أصحابهم فقام منهم قائم يقال له المستورد بن علفة من بني سعد بن زيد مناة فحمد الله وأثنىعليه وصلى على نبيه ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتانا بالعدل تخفق راياته معلنا مقالته مبلغا عن ربه ناصحا لأمته حتى قبضه الله مخيرا مختارا ثم قام الصديق فصدق عن نبيه وقاتل من ارتد عن دين ربه وذكر أن الله عز و جل قرن الصلاة بالزكاة فرأى أن تعطيل إحداهما طعن على الأخرى لا بل على جميع منازل الدين ثم

قبضة الله إليه موفورا ثم قام الفاروق ففرق بين الحق والباطل مسويا بين الناس في إعطائه لا مؤثرا لأقاربه ولا محكما في دين ربه وهأنتم تعلمون ما حدث والله يقول ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) فكل أجاب وبايع

خور أصحاب الإمام وتقاعسهم عن نصرته
315 -
خطبة عبد الله بن عباس في أهل البصرة
ورأى الإمام علي كرم الله وجهه بعد فشل التحكيم أن يمضى لمناجزة معاوية وأهل الشأم فكتب الىعبد الله بن عباس وكان على البصرة أن يشخص إليه من قبله من الناس فأمرهم ابن عباس بالشخوص مع الأحنف بن قيس فشخص معه منهم ألف وخمسمائة رجل فاستقلهم ابن عباس فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا أهل البصرة قد جاءني كتاب أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم فأمرتكم بالمسير إليه مع الأحنف بن قيس فلم يشخص إليه منكم إلا ألف وخمسمائة وأنتم في الديوان

ستون ألفا سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم الا فانفروا ولا يجعل امرؤ على نفسه سبيلا فإني موقع بكل من وجدته تخلف عن دعوته عاصيا لإمامه حزنا يعقب ندما وقد أمرت أبا الأسود بحشدكم فلا يلم امرؤ جعل السبيل على نفسه الا نفسه
316 -

خطبة الإمام وقد أراد الإنصراف من النهروان
ولما أراد الإمام الانصراف من النهروان قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فإن الله قد أحسن بلاءكم وأعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى معاوية وأشياعه القاسطين الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ( واشتروا به ثمنا قليلا ) ف ( بئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون )
317 -
مقال الأشعث بن قيس
فقام الأشعث بن قيس فقال
يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا وكلت سيوفنا ونصلت أسنة رماحنا وعاد

أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا فلنستعد بأحسن عدتنا ولعل أمير المؤمنين يزيد في عددنا مثل من هلك منا فإنه أقوى لنا على عدونا
فأقبل علي بالناس حتى نزل بالنخيلة ثم دخل الكوفة
318 -

خطبة الإمام بالكوفة بعد قدومه من حرب الخوارج يستنفر الناس لقتال معاوية
وخطب الناس بالكوفة بعد قدومه من حرب الخوارج فقال
أيها الناس استعدوا لقتال عدو في جهادهم القربة إلى الله عز و جل ودرك الوسيلة عنده قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه موزعين بالجور والظلم لا يعدلون به جفاة عن الكتاب نكب عن الدين يعمهون في الطغيان ويتسكعون في غمرة الضلال ف ( أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) ( وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا )

فما نفروا ولا تيسروا فتركهم أياما حتى إذا أيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم فسألهم عن رأيهم وما الذي ينظرهم فمنهم المعتل ومنهم المتكره وأقلهم من نشط فقام فيهم خطيبا فقال
319 -

خطبة له أيضا في استنفارهم لقتال معاوية
عباد الله ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ارضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة بدلا وبالذل والهوان من العز خلفا أو كلما ندبتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون لله أنتم ما أنتم إلا أسود الشرى في الدعة وثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي ما أنتم بركب يصال بكم ولا ذي عز يعتصم إليه لعمر الله لبئس حشاش الحرب أنتم إنكم تكادون ولا تكيدون وتنتقص أطرافكم ولا تتحاشون ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون إن أخا الحرب اليقظان ذو العقل وبات لذل من وادع وغلب المتخاذلون والمغلوب مقهور ومسلوب ثم قال

أما بعد فإن لي عليكم حقا وإن لكم علي حقا فأما حقكم علي فالنصيحة لكم ما صحبتكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصح لي في الغيب والمشهد والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم فإن يرد الله بكم خيرا تنزعوا عما أكره وترجعوا إلى ما أحب تنالوا ما تطلبون وتدركوا ما تأملون
وروى الشريف الرضى هذه الخطبة في نهج البلاغة بصورة أخرى وهي
320 -

صورة أخرى
أف لكم لقد سئمت عتابكم أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا وبالذل من العز خلفا إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة ومن الذهول في سكرة يرتج عليكم حوارى فتعمهون فكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي وما أنتم بركن يمال بكم ولا زوافر عز يفتقر إليكم ما أنتم الا كإبل ضل رعاتها فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر لبئس لعمر الله سعر نار الحرب أنتم تكادون ولا تكيدون وتنتقص أطرافكم فلا تمتعضون لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون غلب والله المتخاذلون وايم الله إني لأظن بكم أن لو حمس الوغى

واستحر الموت قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس والله إن امرأ يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه ويهشم عظمه ويفري جلده لعظيم عجزه ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره أنت فكن ذاك إن شئت فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام وتطيح السواعد والأقدام ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء
أيها الناس إن لي عليكم حقا ولكم على حق فأما حقكم علي فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين أمركم

وزاد ابن قتيبة في الامامة والسياسة
والله يأهل العراق ما أظن هؤلاء القوم من أهل الشأم إلا ظاهرين عليكم فقالوا أبعلم تقول ذلك يا أمير المؤمنين فقال
نعم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أرى أمورهم قد علت وأرى أموركم قد خبت وأراهم جادين في باطلهم وأراكم وانين في حقكم وأراهم مجتمعين وأراكم متفرقين وأراهم لصاحبهم معاوية مطيعين وأراكم لي عاصين أما والله لئن ظهروا عليكم بعدي لتجدنهم أرباب سوء كأنهم والله عن قريب قد شاركوكم

في بلادكم وحملوا إلى بلادهم منكم وكأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب لا تأخذون لله حقا ولا تمنعون له حرمة وكأني أنظر إليهم يقتلون صلحاءكم ويخيفون علماءكم وكأني أنظر إليكم يحرمونكم ويحجبونكم ويدنون الناس دونكم فلو قد رأيتم الحرمان ولقيتم الذل والهوان ووقع السيف ونزل الخوف لندمتم وتحسرتم على تفريطكم في جهاد عدوكم وتذكرتم ما أنتم فيه من الخفض والعافية حين لا ينفعكم التذكار
321 -

خطبة أبي أيوب الأنصاري
ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال
إن أمير المؤمنين أكرمه الله قد أسمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ إن الله قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حق قبولها حيث نزل بين أظهركم ابن عم رسول الله وخيرالمسلمين وأفضلهم وسيدهم بعده يفقهكم في الدين ويدعوكم إلى جهاد المحلين فوالله لكأنكم صم لا تسمعون وقلوبكم غلف مطبوع عليها فلا تستجيبون عباد الله أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس وقد شمل العباد وشاع في الإسلام فذو حق محروم مشتوم عرضه ومضروب ظهره وملطوم وجهه وموطوء بطنه وملقى بالعراء فلما جاءكم أميرالمؤمنين صدع بالحق ونشر العدل وعمل بالكتاب فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تتولوا مجرمين ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون اشحذوا السيوف وجددوا آلة الحرب واستعدوا للجهاد فإذا دعيتم فأجيبوا وإذا أمرتم فأطيعوا تكونوا بذلك من الصادقين

322 -

خطبة الإمام وقد أغار النعمان بن بشير على عين التمر
وفي سنة 39ه فرق معاوية جيوشه في أطراف علي فبعث النعمان بن بشير الأنصاري في ألفين فأتوا عين التمر فأغاروا عليها وبها عامل لعلي في ثلثمائة فكتب إلى علي يستمده فأمرالناس أن ينهضوا اليه فتثاقلوا فصعد المنبر فتشهد ثم قال
يأهل الكوفة كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشأم أظلكم أنجحر كل امرئ منكم في بيته وأغلق بابه انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها المغرور من غررتموه ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب لا أحرار عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاء إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا منيت به منكم عمى لا تبصرون وبكم لا تنطقون وصم لا تستمعون إنا لله وإنا إليه راجعون
وروى الشريف الرضى في نهج البلاغة هذه الخطبة بصورة أخرى وهي
323 -
صورة أخرى
منيت بمن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب إذا دعوت لا أبالكم ما تنتظرون بنصركم ربكم أما دين يجمعكم ولا حمية تحمشكم أقوم فيكم مستصرخا وأناديكم متغوثا فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا حتى تكشف الأمور

عن عواقب المساءة فما يدرك بكم ثأر ولا يبلغ بكم مرام دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الاسر وتثاقلتم تثاقل النضو الأدبر ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون
324 -

خطبة الإمام وقد أغار الضحاك بن قيس على الحيرة
ووجه معاوية الضحاك بن قيس فأغار على الحيرة وغنم أموال أهلها وبلغ ذلك عليا فاستصرخ الناس فتقاعدواعنه فقام فيهم خطيبا فقال
أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم كلامكم يوهى الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم الأعداء تقولون في المجالس كيت وكيت فإذا جاء القتال قلتم حيدى حياد ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم أعاليل بأضاليل دفاع ذي الدين المطول هيهات لا يمنع الضيم الذليل ولايدرك

الحق إلا بالجد أي دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون المغرور والله من غررتموه ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل أصبحت والله لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم ولا أوعد العدو بكم ما بالكم ما دراؤكم ما طبكم القوم رجال أمثالكم أقولا بغير علم وغفلة من غير ورع وطمعا في غير حق
وزاد ابن قتيبة في الإمامة والسياسة
فرق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من خير لي منكم وأعقبكم بعدي من شر لكم مني أما إنكم ستلقون بعدى ذلا شاملا وسيفا قاتلا وأثرة يتخذها الظالمون بعدي فيكم سنة تفرق جماعتكم وتبكى عيونكم وتدخل الفقر بيوتكم تمنون والله عندها أن لو رأيتموني ونصرتموني وستعرفون ما أقول لكم عما قليل
استنفرتكم فلم تنفروا ونصحت لكم فلم تقبلوا وأسمعتكم فلم تعوا فأنتم شهود كأغياب وصم ذوو أسماع أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة النافعة وأحثكم على جهاد المحليين الظلمة الباغين فما آتى على آخر قولي حتى أراكم متفرقين وإذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين تضربون الأمثال وتناشدون الأشعار تربت أيديكم وقد نسيتم الحرب واستعدادها وأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها وشغلتموها بالأباطيل والأضاليل

325 -

خطبة الأمام وقد أغار سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار
ووجه معاوية سفيان بن عوف الغامدي في جيش فأغاروا على الأنبار وقتلوا عامل علي عليها وهو حسان بن حسان البكري واحتملوا ما كان في الأنبار من الأموال وأموال أهلها وانتهى الخبر إلى علي فخرج مغضبا حتى أتى النخيلة واتبعه الناس فرقي رباوة من الأرض فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال
أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء وديث بالصغار والقماءة وضرب على قلبه بالإسهاب وأديل الحق منه بتضييع الجهاد وسيم الخسف ومنع النصف ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا وقلت لكم اغزوهم من قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا فتخاذلتم

وتواكلتم وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات وملكت عليكم الأوطان هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقتل حسان ابن حسان البكري ورجالا منهم كثيرا ونساء وأزال خيلكم عن مسالحها
والذي نفسي بيده لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعثها ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ولا أريق لهم دم فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان عندي فيه ملوما بل كان به عندي جديرا
يا عجبا كل العجب عجب يميت القلب ويشغل الفهم ويكثر الأحزان من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم حتى أصبحتم غرضا ترمون ولا ترمون ويغار عليكم ولا تغيرون ويعصى الله عز و جل فيكم وترضون إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء قلتم هذا أوان قر وصر وإن قلت لكم اغزوهم

في الصيف قلتم هذه حمارة القيظ أنظرنا ينصرم الحر عنا فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أفر يا أشباه الرجال ولا رجال ويا طغام الأحلام ويا عقول ربات الحجال لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا رأي له في الحرب لله درهم ومن ذا يكون أعلم بها مني أو أشد لها مراسا فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولقد نيفت اليوم على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع يقولها ثلاثا
فقام إليه رجل ومعه أخوه فقال يا أمير المؤمنين أنا وأخي هذا كما قال الله تعالى ( رب إني لا أملك إلا نفسي

وأخي ) فمرنا بأمرك فوالله لننتهين إليه ولو حال بيننا وبينه جمر الغضا وشوك القتاد فدعا لهما بخير ثم قال لهما وأين تقعان مما أريد ثم نزل
326 -

خطبة للحسن بن علي في يوم جمعة
اعتل الإمام علي كرم الله وجهه يوما فأمر ابنه الحسن رضي الله عنه أن يصلي بالناس يوم الجمعة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
إن الله لم يبعث نبيا إلا اختار له نفسا ورهطا وبيتا فوالذي بعث محمدا بالحق لا ينتقض من حقنا أهل البيت أحد إلا نقصه الله من عمله مثله ولا يكون علينا دولة إلا وتكون لنا العاقبة ولتعلمن نبأه بعد حين
327 -
خطبة لمعاوية وقد بلغه هلاك الأشتر
ولما نمى إلى معاوية هلاك الأشتر النخعي قام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال

أما بعد فإنه كانت لعلي بن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين يعني عمار بن ياسر وقطعت الأخرى اليوم يعني الأشتر

فتنة البصرة تسيير معاوية عبد الله بن عامر الحضرمي إليها ومقتله
لما قتل محمد بن أبي بكر بمصر وظهر معاوية عليها سنة 38ه دعا عبد الله ابن عامر الحضرمي فقال له سر إلى البصرة فان جل أهلها يرون رأينا في عثمان ويعظمون قتله وقد قتلوا في الطلب بدمه فهم موتورون حنقون لما أصابهم ودوا لو يجدون من يدعوهم ويجمعهم وينهض بهم في الطلب بدم عثمان ودفع إليه كتابا وأمره إذا قدم أن يقرأه على الناس فمضى حتى نزل البصرة في بنى تميم فسمع بقدومه أهل البصرة فجاءه كل من يرى رأي عثمان فاجتمع إليه رءوس أهلها

328 -

خطبة عبد الله بن عامر الحضرمي
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد أيها الناس فإن أمامكم إمام الهدى عثمان بن عفان قتله علي بن أبي طالب ظلما فطلبتم بدمه وقاتلتم من قتله فجزاكم الله من أهل مصر خيرا وقد أصيب منكم الملأ الأخيار وقد جاءكم الله بإخوان لكم لهم بأس يتقى وعدد لا يحصى فلقوا عدوكم الذين قتلوكم فبلغوا الغاية التي أرادوا صابرين ورجعوا وقد نالوا ما طلبوا فمالئوهم وساعدوهم وتذكروا ثأركم لتشفوا صدوركم من عدوكم
329 -
خطبة الضحاك بن عبد الله الهلالي
فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي فقال
قبح الله ما جئتنا به وما دعوتنا إليه جئتنا والله بمثل ما جاء به صاحباك طلحة والزبير أتيانا وقد بايعنا عليا واجتمعنا له فكلمتنا واحدة ونحن على سبيل مستقيم فدعوانا إلى الغرقة وقاما فينا بزخرف القول حتى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا وظلما فاقتتلنا على ذلك وايم الله ما سلمنا من عظيم وبال ذلك ونحن الآن مجمعون على بيعة هذا العبد الصالح الذي قال العثرة وعفا عن المسئ وأخذ بيعة غائبنا وشاهدنا أفتأمرنا الآن أن نختلع أسيافنا من أغمادها ثم يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا وتكون له وزيرا ونعدل بهذا الأمر عن علي والله ليوم من

أيام علي مع رسول الله وآله خير من بلاء معاوية وآل معاوية ولو بقوا في الدنيا ما الدنيا باقية
فقام عبد الله بن حازم السلمى فقال للضحاك اسكت فلست بأهل أن تتكلم في أمر العامة ثم أقبل علي ابن الحضرمي فقال نحن يدك وأنصارك والقول ما قلت وقد فهمنا عنك فادعنا أنى شئت فقال الضحاك لابن حازم يابن السوداء والله لا يعز من نصرت ولا يذل بخذلانك من خذلت فتشاتما
330 -

خطبة عبد الرحمن بن عمير القرشي
فقام عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي التميمي فقال
عباد الله إنا لم ندعكم إلى الاختلاف والفرقة ولا نريد أن تقتتلوا وتتنابزوا ولكنا إنما ندعوكم إلى أن تجمعوا كلمتكم وتوازروا إخوانكم الذين هم على رأيكم وأن تلموا شعثكم وتصلحوا ذات بينكم فمهلا مهلا رحمكم الله استمعوا لهذا الكتاب وأطيعوا الذي يقرأ عليكم
فلما قرئ عليهم الكتاب قال معظمهم سمعنا وأطعنا وقال الأحنف بن قيس أما أنا فلا ناقة لي في هذا ولا جمل واعتزل أمرهم ذلك وقال عمرو بن مرحوم من عبد القيس أيها الناس الزموا طاعتكم ولا تنكثوا بيعتكم فتقع

بكم واقعة وتصيبكم قارعة ولا يكن بعدها لكم بقية ألا إني قد نصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين
ثم إن الناس أقبلوا إلى ابن الحضرمي وكثر تبعه وكان الأمير بالبصرة يومئذ زياد ابن أبيه استخلفه عبد الله بن عباس وقدم الكوفة على علي عليه السلام يعزيه عن محمد ابن ابي بكر فأفزع ذلك زيادا وهاله وخلى قصر الإمارة واستجار بالأزد فأجاروه وكتب إلى ابن عباس بالأمر وطلب إليه أن يرفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه وغلب ابن الحضرمي على ما يليه من البصرة وجباها وأجمعت الأزد على زياد وأعدوا له منبرا وسريرا وشرطا
331 -

خطبة زياد ابن أبيه
فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا معشر الأزد إنكم كنتم أعدائي فأصبحتم أوليائي وأولى الناس بي وإني لو كنت في بني تميم وابن الحضرمي فيكم لم أطمع فيه أبدا وأنتم دونه فلا يطمع ابن الحضرمي في وأنتم دوني وليس ابن آكلة الأكباد في بقية الأحزاب وأولياء الشيطان بأدنى إلى الغلبة من أمير المؤمنين في المهاجرين والأنصار وقد أصبحت فيكم مضمونا وأمانة مؤادة وقد رأينا وقعتكم يوم الجمل فاصبروا مع الحق صبركم مع الباطل فإنكم لا تحمدون إلا على النجدة ولا تعذرون على الجبن

332 -

خطبة شيمان الأزدي
فقام شيمان الأزدي ولم يكن شهد يوم الجمل وكان غائبا فقال
يا معشر الأزد ما أبقت عواقب الجمل عليكم إلا سوء الذكر وقد كنتم أمس على علي عليه السلام فكونوا اليوم له واعلموا أن إسلامكم له ذل وخذلانكم إياه عار وأنتم حي مضماركم الصبر وعاقبتكم الوفاء فإن سار القوم بصاحبهم فسيروا بصاحبكم وإن استمدوا معاوية فاستمدوا عليا عليه السلام وإن وادعوكم فوادعوهم
333 -
خطبة صبرة بن شيمان
ثم قام صبرة ابنه فقال
يا معشر الأزد إنا قلنا يوم الجمل نمنع مصرنا ونطيع أمنا ونطلب دم خليفتنا المظلوم فجددنا في القتال وأقمنا بعد انهزام الناس حتى قتل منا من لا خير فينا بعده وهذا زياد جاركم اليوم والجار مضمون ولسنا نخاف من علي ما نخاف من معاوية فهبوا لنا أنفسكم وامنعوا جاركم أو فأبلغوه مأمنه فقالت الأزد إنما نحن لكم تبع فأجيروه
334 -
خطبة الإمام علي
واستنفر علي بني تميم أياما لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر ابن الحضرمي ويرد عادية بني تميم الذين أجاروه بها فلم يجبه أحد فخطبهم وقال

أليس من العجب أن ينصرني الأزد وتخذلني مضر وأعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي وخلاف تميم البصرة على وأن استنجد بطائفة منها تشخص إلى إخوانها فتدعوهم إلى الرشاد فإن أجابت وإلا فالمنابذة والحرب فكأنى أخاطب صما بكما لا يفقهون حوارا ولا يجيبون نداء كل هذا جبنا عن البأس وحبا للحياة لقد كنا مع رسول الله وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا على اللقم وصبرا على مضض الألم وجدا في جهاد العدو ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه ومتبوئا أوطانه ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود وايم الله لتحتلبنها دما ولتتبعنها ندما
فقام إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي فقال
أنا إن شاء الله أكفيك يا أمير المؤمنين هذا الخطب وأتكفل لك بقتل ابن الحضرمي أو إخراجه عن البصرة فأمره بالتهيؤ للشخوص فشخص إلى البصرة

335 -

خطبة أعين بن ضبيعة
فلما قدمها دخل على زياد وهو بالأزد مقيم فأخبره بأمره ثم خرج فأتى رحله فجمع إليه رجالا من قومه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا قوم على ماذا تقتلون أنفسكم وتهريقون دماءكم على الباطل مع السفهاء الأشرار وإني والله ما جئتكم حتى عبيت إليكم الجنود فإن تنيبوا إلى الحق يقبل منكم ويكف عنكم وإن أبيتم فهو والله استئصالكم وبواركم
فقالوا بل نسمع ونطيع فنهض بهم إلى جماعة ابن الحضرمي فخرجوا اليه مع ابن الحضرمي وواقفهم عامة يومه يناشدهم الله ويقول يا قوم لا تنكثوا بيعتكم ولا تخالفوا إمامكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فقد رأيتم وجربتم كيف صنع الله بكم عند نكثكم بيعتكم وخلافكم
فكفوا عنه وهم في ذلك يشتمونه وينالون منه فانصرف عنهم فلما أوى إلى رحله تبعه عشرة نفر يظن الناس أنهم خوارج فقتلوه وكتب زياد إلى الإمام بذلك فأشخص إليهم جارية بن قدامة
336 -
خطبة جارية بن قدامة
فلما دخل البصرة بدأ بزياد فناجاه ساعة وساءله ثم خرج من عنده فقام في الأزد فقال
جزاكم الله من حي خيرا ما أعظم غناءكم وأحسن بلاءكم وأطوعكم

لأميركم لقد عرفتم الحق إذ ضيعه من أنكره ودعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه ثم قرأ عليهم كتاب علي عليه السلام فقام صبرة بن شيمان فقال سمعنا وأطعنا ونحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب ولمن سالم سلم إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك وإن أحببت أن ننصرك نصرناك وقام وجوه الناس فتكلموا بمثل ذلك فلم يأذن لأحد منهم أن يسير معه ومضى نحو بني تميم
337 -

خطبة زياد
فقام زياد في الأزد فقال
يا معشر الأزد إن هؤلاء كانو أمس سلما فأصبحوا اليوم حربا وإنكم كنتم حربا فأصبحتم سلما وإني والله ما اخترتكم إلا على التجربة ولا أقمت فيكم إلا على الأمل فما رضيتم أن أجرتموني حتى نصبتم لى منبرا وسريرا وجعلتم لي شرطا وأعوانا ومناديا وجمعة فما فقدت بحضرتكم شيئا إلا هذا الدرهم لا أجبيه اليوم فإن لم أجبه اليوم أجبه غدا إن شاء الله واعلموا أن حربكم اليوم معاوية أيسر عليكم في الدنيا والدين من حربكم أمس عليا وقد قدم عليكم جارية بن قدامة وإنما أرسله علي ليصدع أمر قومه والله ما هو بالأمير المطاع ولو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين ولكان لي تبعا وأنتم الهامة العظمى والجمرة الحامية فقدموه إلى قومه فإن اضطر إلى نصركم فسيروا إليه إن رأيتم ذلك

338 -

خطبة أبي صبرة شيمان
فقام أبو صبرة شيمان فقال
يا زياد إني والله لو شهدت قومي يوم الجمل رجوت ألا يقاتلوا عليا وقد مضى الأمر بما فيه وهو يوم بيوم وأمر بأمر والله إلى الجزاء بالإحسان أسرع منه إلى الجزاء بالسئ والتوبة مع الحق والعفو مع الندم ولو كانت هذه فتنه لدعونا القوم إلى إبطال الدماء واستئناف الأمور ولكنها جماعة دماؤها حرام وجروحها قصاص ونحن معك نحب ما أحببت
فعجب زياد من كلامه وقال ما أظن في الناس مثل هذا
339 -
خطبة صبرة بن شيمان
ثم قام صبرة ابنه فقال
إنا والله ما أصبنا بمصيبة في دين ولا دنيا كما أصبنا أمس يوم الجمل وإنا لنرجو اليوم أن يمحص ذلك بطاعة الله وطاعة أمير المؤمنين وأما أنت يا زياد فوالله ما أدركت أملك فينا ولا أدركنا أملنا فيك دون ردك إلى دارك ونحن رادوك إليها غدا إن شاء الله تعالى فإذا فعلنا فلا يكن أحد أولى بك منا فإنك إلا تفعل لم تأت ما يشبهك وإنا والله نخاف من حرب علي في الآخرة ما لا نخاف من حرب معاوية في الدنيا فقدم هواك وأخر هوانا فنحن معك وطوعك

340 -

خطبة خنفر الحماني
ثم قام خنفر الحماني فقال
أيها الأمير إنك لو رضيت منا بما ترضىبه من غيرنا لم نرض ذلك لأنفسنا سر بنا إلى القوم إن شئت وايم الله ما لقينا يوما قط إلا اكتفينا بعفونا دون جهدنا ما كان أمس
أما جارية فإنه كلم قومه فلم يجيبوه وخرج إليه منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه فأرسل إلى زياد والأزد يستصرخهم فسارت الأزد بزياد وخرج إليهم ابن الحضرمي وعلى خيله عبد الله بن حازم السلمي فاقتتلوا ساعة فما لبثوا بني تميم أن هزموهم وحصروا ابن الحضرمي في إحدى دور البصرة فى عدة من أصحابه وحرق جارية الدار عليهم فهلك ابن الحضرمى فى سبعين رجلا وسارت الأزد بزياد حتى أوطنوه قصر الإمارة ومعه بيت المال وقالوا له هل بقي علينا من جوارك شئ قال لا فانصرفوا عنه وكتب زياد بذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام
341 -
صعصعة بن صوحان ومعاوية
أرسل علي كرم الله وجهه إلى معاوية بالشام كتابا صحبة صعصعة بن صوحان فسار به حتى أتى دمشق فأتى باب معاوية فقال لآذنه استأذن لرسول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبالباب جماعة من بني أمية فأخذته النعال والأيدي لقوله أمير المؤمنين وكثرت عليه الجلبة فاتصل ذلك بمعاوية فأذن له فدخل عليه

فقال السلام عليك بابن أبي سفيان هذا كتاب أمير المؤمنين فقال معاوية أما إنه لو كانت الرسل تقتل في جاهلية أو إسلام لقتلتك ثم اعترضه معاوية في الكلام وأراد أن يستخبره ليعرف طبعا أو تكلفا فقال له ممن الرجل فقال من نزار قال وما كان نزار قال كان إذا غزا انكمش وإذا لقي افترش وإذا انصرف احترش قال فمن أي أولاده أنت قال من ربيعة قال وما كان ربيعة قال كان يطيل النجاد ويعول العباد ويضرب ببقاع الأرض العماد قال فمن أي أولاده أنت قال من جديلة قال وما كان جديلة قال كان في الحرب سيفا قاطعا وفي المكرمات غيثا نافعا وفي اللقاء لهبا ساطعا قال فمن أي أولاده أنت قال من عبد القيس قال وما كان عبد القيس قال كان حسنا أبيض وهابا يقدم لضيفه ما وجد ولا يسأل عما فقد كثير المرق طيب العرق يقوم للناس مقام الغيث من السماء قال ويحك يابن صوحان فما تركت لهذا الحي من قريش مجدا ولا فخرا قال بلى والله يابن أبي سفيان تركت لهم مالا يصلح إلا لهم تركت لهم الأحمر والأبيض والأصفر والسرير والمنبر والملك إلى المحشر ففرح معاوية وظن أن كلامه يشتمل على قريش كلها قال صدقت بابن صوحان إن ذلك لكذلك فعرف صعصعة ما أراد فقال ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد بعدتم عن أنف المرعى وعلوتم عن عذب الماء قال ولم ذلك ويلك يا بن صوحان فقال الويل لأهل النار

ذلك لبني هاشم قال قم فأخرجوه فقال صعصعة الوعد بيني وبينك لا الوعيد من أراد المحاجزة يقبل المناجزة فقال معاوية لشئ ما سوده قومه وددت أني من صلبه ثم التفت إلى بني أمية فقال هكذا فلتكن الرجال
342 -

صورة أخرى
وروى أبو علي القالي هذا الخبر في الأمالي بصورة أخرى قال
دخل صعصعة بن صوحان على معاوية أول ما دخل عليه وقد كان يبلغ معاوية عنه فقال معاوية ممن الرجل فقال رجل من نزار قال وما نزار قال كان إذا غزا انحوش وإذا انصرف انكمش وإذا لقي افترش قال فمن أي ولده أنت قال من ربيعة قال وما ربيعة قال كان يغزو بالخيل ويغير بالليل ويجود بالنيل قال فمن أي ولده أنت قال من أمهر قال وما أمهر قال كان إذا طلب أفضى وإذا أدرك أرضى وإذا آب أنضى قال فمن أي ولده انت قال من جديلة قال وما جديلة قال كان يطيل النجاد ويعد الجياد ويجيد الجلاد قال فمن أي ولده أنت قال من دعمى قال وما دعمى قال كان نارا ساطعا وشرا قاطعا وخيرا نافعا قال فمن أي ولده أنت قال من أفصى

قال وما أفصى قال كان ينزل القارات ويكثر الغارات ويحمى الجارات قال فمن أي ولده أنت قال من عبد القيس قال وما عبد القيس قال أبطال ذادة جحاجحة سادة صناديد قادة قال فمن أي ولده أنت قال من أفصى قال وما أفصى قال كانت رماحهم مشرعة وقدورهم مترعة وجفانهم مفرغة قال فمن أي ولده أنت قال من لكيز قال وما لكيز قال كان يباشر القتال ويعانق الأبطال ويبدد الأموال قال فمن أي ولده أنت قال من عجل قال وما عجل قال الليوث الضراغمة الملوك القماقمة القروم القشاعمة قال فمن أي ولده أنت قال من كعب قال وما كعب قال كان يسعر الحرب ويجيد الضرب ويكشف الكرب قال فمن أي ولده أنت قال من مالك قال وما مالك قال هو الهمام للهمام والقمقام للقمقام فقال معاوية ما تركت لهذا الحي من قريش شيئا قال بل تركت أكثره وأحبه قال وما هو قال تركت لهم الوبر والمدر والأبيض والأصفر والصفا والمشعر والقبة والمفخر والسرير والمنبر والملك إلى المحشر قال أما والله لقد كان يسوءني أن أراك أسيرا قال وأنا والله لقد كان يسوءني أن أراك أميرا ثم خرج فبعث إليه فرد ووصله وأكرمه

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6