كتاب : بلاغات النساء
المؤلف : ابن طيفور

بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر: هذا كتاب بلاغات النساء وجواباتهن وطرائف كلامهن وملح نوادرهن وأخبار ذوات الرأي منهن على حسب ما بلغته الطاقة واقتضته الرواية واقتصرت عليه النهاية مع ما جمعنا من أشعارهن في كل فن مما وجدناه يجاوز كثيراً من بلاغات الرجال المحسنين والشعراء المختارين وبالله ثقتنا وعليه توكلنا.
كلام عائشة أم المؤمنين رحمها الله
حدثني عبد الله بن عمرو قال حدثني محمد بن أبي علي البصري قال حدثنا محمد بن عبيد الله السدوسي قال حدثنا أبو المنهال سويد بن علي بن سويد بن منجوف عن هشام بن عروة عن أبيه قال بلغ عائشة أن ناساً نالوا من أبي بكر فبعثت إلى جماعة منهم فعذلت وقرعت ثم قال أبي ما أبيه لا تعطوه الأيدي ذاك والله حصن منيف وظل مديد انجح إذا كذبتم وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد فتى قريش ناشئاً وكهفها كهلاً يريش مملقها ويفك عانيها ويرأب صدعها ويلم شعثها حتى حلته قلوبها واستشرى في دينه فما برحت شكيمته في ذات الله عز وجل حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيي فيه ما أمات المبطلون وكان غزير الدمعة وقيد الجوانح شجي النشيج فانصفقت عليه نسوان أهل مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزؤن به والله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون وأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت له قسيها وفوقت إليه سهامها فامتثلوه غرضاً فما فلوا له صفاة ولا قصفوا له قناة ومر على سيسائه حتى إذا ضرب الدين بجرانه وأرست أوتاده ودخل الناس فيه أفواجاً من كل فرقة إرسالاً وأشتاتاً اختار الله لنبيه صلى الله عليه وآله ما عنده فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله ضرب الشيطان برواقه وشد طنبه ونصب حبائله وأجلب بخيله ورجله وألقى بركبه واضطرب حبل الدين والإسلام ومرج عهده وماج أهله وعاد مبرمه إنكاساً.

وبغى الغوائل وظن رجال أن قد اكثبت أطماعهم نهزتها ولات حين الذي يرجون وإني والصديق بين أظهرهم فقام حاسراً مشمراً قد رفع حاشيتيه وجمع قطريه فرد نشر الدين على غره ولمّ شعثه بطيه وأقام أوده بثقافه فابذقر النفاق بوطأته وانتاش الدين فنعشه فلما أراح الحق على أهله وأفر الرؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها وحضرته منيته نضر الله وجهه فسد ثلمته بشقيقه في المرحمة ونظيره في السيرة والمعدلة ذاك ابن الخطاب لله در أم حفلت له ودرت عليه لقد أوحدت ففنخ الكفرة وديخها وشرد الشرك شذر مذر وبعج الأرض وبخعها ففاءت أكلها ولفظت خبيئها ترأمه ويصد عنها وتصدي له ويأباها ثم وزع فيئها فيها وتركها كما صحبها فأروني ماذا ترتأون وأيّ يومي أبي تنقمون أيوم أقامته إذ عدل فيكم أو يوم ظعنه إذ نظر لكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم - وحدثني أبو محمد قال حدثنا حيان بن موسى الكشمهاني قال أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك قال أخبرنا معمر عن الزهري عن القاسم قال معاوية ما رأيت أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ من عائشة - قال وحدثني إسماعيل بن إسحاق الأنصاري قال حدثني علي بن أعين عن أبيه قال بلغنا أن عائشة لما قبض أبو بكر ودفن قامت على قبره فقالت: نضر الله يا أبت وجهك وشكر لك صالح سعيك فلقد كنت للدنيا مذلاً بأدبارك عنها وللآخرة معزاً بإقبالك عليها ولئن كان أعظم المصائب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله رزؤك وأكبر الأحداث بعده فقدك فإن كتاب الله عز وجل ليعدنا بالصبر عنك حسن العوض منك وأنا متنجزة من الله موعده فيك بالصبر عليك ومستعينته بكثرة الاستغفار لك فسلام الله عليك توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاة فيك وحدثنا هرون بن مسلم بن سعدان قال حدثنا العتبي عن أبيه قال ذكرت عائشة أباها فاستغفرت ثم قالت أن أبي كان غمراً شاهده غمراً غيبه غمراً صمته إلا عن مفروض ذلله عند الحق إذا نزل به يتمخج الأمر هويناه ويريع إلى قصيراه أن استعزز اسجح وأن تعزز عليه طامن طيار بفناء المعضلة بطيّ عن مماراة الجليس منشئ لمحاسن قومه موقور السمع عن الأذاة يا طول حزني وشجاي لم ألع على مثكول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله لوعي على أبي طامن المصائب رزؤه وكنت بعدالنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله لأرزء أحفله وعاء الوحي وكافل رضاه الرب وأمين رب العالمين وشفيع من قال لا إله إلا الله ثم أنشأت تقول:
إن ماء الجفون ينزحه الهم ... مّ وتبقى الهموم والأحزان
ليس ياسوا جوي المرازي ماء ... سفحته الشؤون والأجفان

قال وحدثني أبو السكين زكريا بن يحيى قال حدثني عم أبي زحر ابن حصن عن جده حميد بن حارثة بن منهب بن خيبري بن جدعا قال حججت في السنة التي قتل فيها عثمان فصادفت طلحة والزبير وعائشة بمكة فلما ساروا إلى البصرة سرت معهم فلما وقفت عائشة بالبصرة قالت: أن لي عليكم حرمة الأمومة وحق الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه " قال أبو السكين أرادت يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً " قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ليه وآله بين سحري ونحري وأنا إحدى نسائه في الجنة له ادخرني ربي وحصنني من كل بضع وبي ميز مؤمنكم من منافقكم وبي أرخص الله لكم في صعيد الأبواء " وفي نسخة " " ثم أبي ثاني اثنين الله ثالثهما " وأبي رابع أربعة من المسلمين وأول من سمي صديقاً قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عنه راض وقد طوقه وهف الإمامة ثم اضطرب حبل الدين فأخذ أبي بطرفيه ورتق لكم أثناءه فوقد النفاق وأغاض نبع الردة وأطفأ ما تحش يهود وأنتم يومئذٍ جحظ العيون تنظرون العدوة وتستمعون الصيحة فرأب الثأي وأوزم العطلة وامتاح من المهواة واجتحى دفين الداء ثم انتظمت طاعتكم بحبله فولى أمركم رجلاً شديداً في ذات الله عز وجل مذعناً إذا ركن إليه بعيد ما بين اللابتين عركة للأذاة بجنبه فقبضه الله وأطأ على هامة النفاق مذكياً نار الحرب للمشركين يقظان الليل في نصرة الإسلام صفوحاً عن الجاهلين خشاش المرأة والمخبرة فسلك مسلك السابقية تبرأت إلى الله من خطب جمع شمل الفتنة ومزق ما جمع القرآن أنا نصب المسألة عن مسيري هذا الأواني لم أجرد إثماً أدرعه ولم أدلس فتنة أوطئكموها أقول قولي هذا صادقاً وعدلاً واعتذاراً وتعذيراً وأسأل الله أن يصلي على محمد وآله عبده ورسوله وأن يخلفه في أمته بأفضل خلافة المرسلين وأني أقبلت لدم الإمام المظلوم المركوبة منه الفقر الأربع حرمة الإسلام وحرمة الخلافة وحرمة الصحبة وحرمة الشهر الحرام فمن ردنا عن ذلك بحق قبلناه ومن خالفنا قتلناه وربما ظهر الظالم على المظلوم والعاقبة للمتقين قال وحدثنا عاصم بن علي بن عاصم عن الماجشون قالت عائشة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ليه وآله فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب فوالله ما اختلف المسلمون في لفظة الاطار أبي بحظها وغناءها في الإسلام ومن رأى ابن الخطاب علم أنه خلق غناء للإسلام كان والله أحوذياً نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها وقال هرون بن مسلم بن سعدان عن القتيبي عن أبيه قال أتت أم سلمة رحمة الله عليها عثمان بن عفان لما طعن الناس عليه فقالت يا بنيّ مالي أرى رعيتك عنك مزورين وعن ناحيتك نافرين لا تعف سبيلاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليه لحبها ولا تقدح زنداً كان أكباها توخ حيث توخى صاحباك فانهما ثكما الأمر ثكماً ولم يظلماه لست بغفل فتعتذر ولا بحلو فتعتزل ولا تقول ولا يقال إلا لمظن ولا يختلف إلا في ظنين فهذه وصيتي إياك وحق بنوتك قضيتها إليك ولله عليك حق الطاعة وللرعية حق الميثاق فقال عثمان رحمه الله يا أمنا قد قلت فوعيت وأوصيت فاستوصيت أن هؤلاء النفر رعاع عثرة تطأطأت لهم تطأطؤ المانح الدلاة وتلددتهم تلدد المضطر فأرانيهم الحق إخواناً وأراهموني الباطل شيطاناً أجررت المرسون منهم رسنه وأبلغت الراتع مسقاته فانفرقوا عليّ فرقاً ثلاثاً فصامت صمته انفذ من صول غيره وساع أطاعني شاهده ومنعني غائبه ومرخص له في مدة رينت له على قلبه فأنا منهم بين السنة حداد وقلوب شداد وسيوف حداد عزيزي الله منهم إلا ينهي منهم حليم سفيهاً ولا عالم جاهلاً والله حسبي وحسبهم يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون وقال هرون عن العتبي عن أبيه قال قالت أم سلمة وفي نسخة كتبت إليها أم سلمة رحمة الله عليها لعائشة لما همت بالخروج إلى الجمل يا عائشة إنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وبين أمته حجابك مضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن الله من عقيراك فلا تصحريها الله من وراء هذه الأمة قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانك لو أراد أن يعهد فيك عهد بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه عارضك بأطراف الفلوات ناصة قعوداً من منهل إلى منهل أن بعين الله مثواك وعلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم لى الله عليه تعرضين ولو أمرت بدخول الفردوس لاستحييت أن ألقى محمداً صلى الله عليه هاتكة حجاباً جعله الله علي فاجعليه سترك وقاعة البيت قبرك حتى تلقيه وهو عنك راض.لى الله عليه وسلم لى الله عليه تعرضين ولو أمرت بدخول الفردوس لاستحييت أن ألقى محمداً صلى الله عليه هاتكة حجاباً جعله الله علي فاجعليه سترك وقاعة البيت قبرك حتى تلقيه وهو عنك راض.
فقالت عائشة يا أم سلمة ما أقبلني لموعظتك واعرفني بنصحك ليس الأمر كما تقولين ما أنا بمعبرة بعد تعود ولنعم المطلع مطلعاً أصلحت فيه بين فئتين متناجزتين وفي نسخة يروي بعد ذلك. فإن أقم ففي غير جرح وإن أخرج ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين متناجزتين والله المستعان، زعم لي ابن أبي سعد أنه صح عنده أن العتابي كلثوم بن عمر صنع هذين الحديثين وقد كتبتهما على ما فيهما.
الزبير بن بكار عن أبيه قال قيل لعائشة أم المؤمنين أن قوماً يشتمون محمد صلى الله عليه فقالت قطع الله عنهم العمل فأحب أن لا يقطع عنهم الأجر.
وذكر الزبير عن مصعب بن عبد الله عن مصعب بن عثمان أن عائشة رأت رجلاً متماوتاً فقالت ما هذا فقالوا زاهد قالت قد كان عمر بن الخطاب زاهداً وكان إذا قال اسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب في ذات الله أوجع وقال الزبير عن أبيه أن عائشة لما احتضرت جزعت فقيل لها أتجزعين يا أم المؤمنين وأنت زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين وابنة ويروى بنت أبي بكر الصديق فقالت أن يوم الجمل معترض في حلقي ليتني مت قبله أو كنت نسياً منسياً.
أخبرنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن مسلمة بن محارب عن داود ابن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال بعثني وعمران بن حصين عثمان بن حنيف إلى عائشة فقلنا يا أم المؤمنين أخبرينا عن مسيرك هذا أعهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه أم رأي رأيته قالت: بلى رأي رأيته حين قتل عثمان أنا نقمنا عليه ضربة السوط وموقع المسحاة المحماة وامرة سعيد والوليد فعدوتم عليه فاستحللتم منه الحرم الثلاث حرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام بعد أن مصناه كما يماص الإناء فاستبقيناه فركبتم منه هذه ظالمين وغضبنا لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيفكم قلت ما أنت وسيفنا وسوط عثمان وأنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه أمرك أن تقري في بيتك فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض قالت وهل أحد يقاتلني أو يقول غير هذا قلت نعم قالت ومن يفعل ذلك أزنيم بن عامر هل أنت مبلغ عني يا عمران قال لا لست مبلغاً عنك خيراً ولا شراً قلت أي أبو الأسود لكني مبلغ عنك هات ما شئت قالت اللهم اقتل مذمماً قصاصاً بعثمان وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوي وادرك عماراً بخفرته في عثمان وروى أن عائشة كانت تقول لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء وكانت تقول لا تطلبوا ما عند الله من غير الله بما يسخط الله.

حدثنا عبد الله بن عمر وقال حدثني أبو الصقر يحيى بن يزداز قال حدثني أحمد بن زيد قال حدثني حماد بن خالد عن أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها دخلت على أبيها في مرضه الذي مات فيه فقالت يا أبت أعهد إلى حامتك وانفذ رأيك في سامتك وانقل من دار جهازك إلى دار مقامك إنك محضور متصل بقلبي لوعتك وأرى تخاذل أطرافك وانتقاع لونك وإلى الله تعزيتي عنك ولديه ثواب حزني عليك أرقاً فلا أرقى وابل فلا أنقى قال فرفع رأسه إليها فقال يا أمة هذا يوم يجلي لي عن غطائي وأعاين جزائي إن فرح فدائم وإن ترح فمقيم إني أطعمت بإمامة هؤلاء القوم حين كان النكوص اضاعة وكان الخطو تفريطاً فشهيدي الله ما كان هبلي إياه تبلغت بصفحتهم وتعللت بدرة لقحتهم وأقمت صلاي معهم في أدامتهم لا مختالاً أشراً ولا مكاثراً بطراً لم أعد سد الجوعة ووري العورة وقوامة القوام حاضري الله من طوى ممعض تهفو منه الأحشاء وتحبب له المعا واضطررت إلى ذاك اضطرار البرض إلى المعتب الآحن فإذا أنا مت فردي إليهم صفحتهم ولقحتهم وعبدهم ورحاهم ووثارة ما فوقي اتقيت به أذى البرد ووثارة ما تحتي أتقيت به نز الأرض كان حشوها قطع السعف المشع قال ودخل عليه عمر بن الخطاب فقال يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفت القوم بعدك تعباً ووليتهم نصباً فهيهات من يشق غبارك فكيف باللحاق بك وقال المدائني عن مسلمة بن محارب عن عبد الملك بن عمير قال قالت عائشة يوم الحكمين رحمك الله يا أبتي فلئن أقاموا الدنيا لقد أقمت الدين حين وهى شعبه وتفاقم صدعه ورجفت جوانبه انقبضت عما إليه أصغوا وشمرت فيما عنه ونوا وأصغرت من دنياك ما أعظموا ورغبت بدينك عما أغفلوا أطالوا عنان الأمل واقتعدت مطيّ الحذر فلم تهتضم دينك ولم تنس غدك ففاز عند المساهمة قدحك وخف مما استوزروا ظهرك " حدثنا " عبد الله بن عمرو قال حدثني أحمد بن عثمان الوركاني قال حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي قال سمعت أبي يقول لما قتل عثمان أقبلت عائشة فقالت أقتل أمير المؤمنين قالوا نعم قالت فرحمه الله وغفر له أما والله لقد كنتم إلى تشييد ويروى إلى تسديد الحق وتأييده وإعزاز الإسلام وتأكيده أحوج منكم إلى ما نهضتم إليه من طاعة من خالف عليه ولكن كلما زادكم الله نعمة في دينكم ازددتم تثاقلاً في نصرته طمعاً في دنياكم اما والله لهدم النعمة أيسر من بنائها وما الزيادة إليكم بالشكر بأسرع من زوال النعمة عنكم بالكفر وأيم الله لئن كان قنى أكله واخترمه أجله لقد كان عند رسول كزارع البكرة الأزهر ولئن كانت الإبل أكلت أوبارها أنه لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله وسلم ولقد عهدت الناس يرهبون في تشديد ثم قدح حب الدنيا في القلوب ونبذ العدل وراء الظهور ولئن كان برك عليه الدهر بزوره وأناخ عليه بكلكله أنها لنوائب تترى تلعب بأهلها وهي جادة وتجد بهم وهي لاعبة ولعمري لو أن أيديكم - ويروي أيديهم - تقرع صفاته لوجدتموه عند تلظي الحرب متجرداً ولسيوف النصر متقلداً ولكنها فتنة قدحت فيها أيدي الظالمين، أما والله لقد حاط الإسلام وأكده وعضد الدين وأيده، ولقد هدم الله به صياصي الكفر وقطع به دابر المشركين ووقم به أركان الضلالة فلله المصيبة به ما أفجعها والفجيعة به ما أوجعها صدع الله بمقتله صفاة الدين وثلمت مصيبته ذروة الإسلام بعده وجعل لخير الأمة عهده قال وعلي عليه السلام جالس في القوم فلما قضت كلامها قام وهو يقول أرسل الله على قتلته شهاباً ثاقباً وعذاباً واصبا وروي أن عائشة كانت تقول مكارم الأخلاق عشر تكون في العبد دون سيده وفي الخامل دون المذكور وفي المسود دون السيد صدق الحديث وأداء الأمانة والصدق والصبر في البأس والتذمم للصاحب والتذمم للجار والإعطاء في النائبة واطعام المسكين والرفق بالمملوك وبر الوالدين.
" ويروي - مكارم الأخلاق عشرة صدق الحديث وصدق البأس وأداء الأمانة وصلة الرحم والمكافأة بالصنيع وبذل المعروف والتذمم للصاحب وقرى الضيف ورأسهن الحياء " .

كلام فاطمة بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم

قال أبو الفضل ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم كلام فاطمة عليها السلام عند منع أبي بكر إياها فدك وقلت له إن هؤلاء يزعمون أنه مصنوع وأنه من كلام أبي العيناء " الخبر منسوق البلاغة على الكلام " فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم وقد حدثنيه أبي عن جدي يبلغ به فاطمة على هذه الحكاية ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جد أبي العيناء وقد حدث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع عبد الله بن الحسن يذكره عن أبيه ثم قال أبو الحسين وكيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكرونه وهم يرون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة يتحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت ثم ذكر الحديث قال لما أجمع أبو بكر رضي الله عنه على منع فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها - فدك وبلغ ذلك فاطمة لاثت خمارها على رأسها وأقبلت في لمة من حفدتها تطأ ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم يئاً حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار فنيطت دونها ملأة ثم أنت أنَّةً أجهش القوم لها بالبكاء وارتج المجلس فأمهلت حتى سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم فافتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تعرفوه تجدوه أبي دون آباءكم وأخا ابن عمي دون رجالكم فبلغ النذارة صادعاً بالرسالة مائلاً على مدرجة المشركين ضارباً لثبجهم آخذاً بكظمهم يهشم الأصنام وينكث الهام حتى هزم الجمع وولوا الدبر وتغرى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين وكنتم على شفا حفرة من النار مذفة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون الورق أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله برسوله ( بعد اللتيا والتي وبعدما مني بهم الرجال وذؤبان العرب " ومردة أهل الكتاب " كلما حشوا ناراً للحرب أطفأها ونجم قرن للضلال وفغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ صمتها باخصة ويخمد لهبها بحده مكدوداً في ذات الله قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم يداً في أولياء الله وأنتم في بلهنية وادعون آمنون حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ظهرت خلة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الآفلين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عوصاتكم وأطلع الشيطان رأسه من مفرزه صارخاً بكم فوجدكم لدعائه مستجيبين وللغرة فيه ملاحظين فاستنهضكم فوجدكم خفافاً واجمشكم فألقاكم غضاباً فوسمتم غير أبلكم وأردتموها غير شربكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل بدار " وفي نسخة إنما " زعمتم خوف الفتنة إلا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين فهيهات منكم وأنى بكم وأنى تؤفكون وهذا كتاب الله بين أظهركم وزواجره بيّنة وشواهده لائحة وأوامره واضحة ارغبة عنه تدبرون أم بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلاً ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ثم لم تريثوا إلا ريث أن تسكن نغرتها تشربون حسوا وتسرون في ارتغاء ونصبر منكم على مثل حز المدى وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون وبها معشر المهاجرين أأبتز إرث أبي أفي الكتاب أن ترث اباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئاً فرياً فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ثم انحرفت إلى قبرالنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وسلم وهي تقول:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
أنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

قال فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم " حدثني " جعفر بن محمد رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة قال حدثني أبي قال أخبرنا موسى بن عيسى قال أخبرنا عبد الله بن يونس قال أخبرنا جعفر الأحمر عن زيد بن علي رحمة الله عليه عن عمته زينب بنت الحسين عليهما السلام قالت لما بلغ فاطمة عليها السلام اجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها وخرجت في حشدة نسائها ولمة من قومها تجر اذراعها ما تخرم من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى وقفت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار فأنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء فلما سكنت فورتهم قالت أبدأ بحمد الله ثم أسبلت بينها وبينهم سجفاً ثم قالت الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها وسبوغ آلاء أسداها وإحسان منن والأهاجم عن الإحصاء عددها وناءى عن المجازاة أمدها وتفاوت عن الإدراك أمالها واستثن الشكر بفضائلها واستحمد إلى الخلائق بأجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها وأشهد أن لا إله إلا الله كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنى في الفكرة معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الأوهام الإحاطة به ابتدع الأشياء لا من شيء قبله واحتذاها بلا مثال لغير فائدة زادته إلا إظهاراً لقدرته وتعبداً لبريته وإعزازاً لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته والعقاب على معصيته زيادة لعباده عن نقمته وجياشاً لهم إلى جنته وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله اختاره قبل أن يجتبله واصطفاه قبل أن أبتعثه وسماه قبل أن أستنجبه إذ الخلائق بالغيوب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة علماً من الله عز وجل بمآيل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواضع المقدور ابتعثه الله تعالى عز وجل إتماماً لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه فرأى الأمم صلى الله عليه فرقاً في أديانها عكفاً على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها فأنار الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه ظلمها وفرج عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار غممها ثم قبض الله نبيه ( قبض رأفة واختيار رغبة بأبي صلى الله عليه عن هذه الدار موضوع عنه العبء والأوزار محتف بالملائكة الأبرار ومجاورة الملك الجبار ورضوان الرب الغفار صلى الله على محمد نبي الرحمة وأمينه على وحيه وصفيه من الخلائق ورضيه ( ورحمة الله وبركاته ثم أنتم عباد الله " تريد أهل المجلس " نصب أمر الله ونهيه وحملة دينه ووحيه وإمناء الله على أنفسكم وبلغاؤه إلى الأمم زعمتم حقاً لكم الله فيكم عهد قدمه إليكم ونحن بقية استخلفنا عليكم ومعنا كتاب الله بينة بصائره وآي فينا منكشفة سرائره وبرهان منجلية ظواهره مديم البرية أسماعه قائد إلى الرضوان أتباعه مؤد إلى النجاة استماعه فيه بيان حجج الله المنورة وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذره وتبيانه الجالية وجمله الكافية وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة ففرض الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك والصلاة تنزيهاً عن الكبر والصيام تثبيتاً للإخلاص والزكاة تزييداً في الرزق والحج تسلية للدين والعدل تنسكاً للقلوب وطاعتنا نظاماً وامامتنا أمنا من الفرقة وحبنا عزاً للإسلام والصبر منجاة والقصاص حقناً للدماء والوفاء بالنذر تعرضاً للمغفرة وتوفية المكاييل والموازين تعبيراً للنحسة والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس وقذف المحصنات اجتناباً للعنة وترك السرق إيجاباً للعفة وحرم الله عز وجل الشرك إخلاصاً له بالربوبية فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء ثم قالت أيها الناس أنا فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه أقولها عوداً على بدء لقد جاءكم رسول من أنفسكم ثم ساق الكلام على ما رواه زيد بن علي عليه السلام في رواية أبيه ثم قالت في متصل كلامها أفعلى محمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول الله تبارك وتعالى وورث سليمان داود وقال الله عز وجل فيما قص من خبر يحيى زكريا ربِ هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب وقال عز ذكره وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وقال يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقال إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على

المتقين وزعمتم أن لا حق ولا وارث لي من أبي ولا رحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج نبيه صلى الله عليه منها أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه منالنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون أأغلب على إرثي جوراً وظلماً وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وذكر أنها لما فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت معشر البقية وأعضاد الملة وحصون الإسلام ما هذه الغميرة في حقي والسنة عن ظلامتي أما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه المرء يحفظ في ولده سرعان ما أجدبتم فأكديتم وعجلان ذا اهانة تقولون مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه فخطب جليل استوسع وهيه واستنهر فتقه وبعد وقته وأظلمت الأرض لغيبته واكتأبت خيرة الله لمصيبته وخشعت الجبال وأكدت الآمال وأضيع الحريم وأذيلت الحرمة عند مماته الله صلى الله عليه وتلك نازل علينا بها كتاب الله في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم يهتف بها في أسماعكم وقبله حلت بأنبياء الله عز وجل ورسله وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين أيها بني قيلة أأهضم تراث أبيه وأنتم بمرأى منه ومسمع تلبسكم الدعوة وتثملكم الحيرة وفيكم العدد والعدة و لكم الدار وعندكم الجنن وأنتم الآلي نخبة الله التي انتخب لدينه وأنصار رسوله وأهل الإسلام والخيرة التي اختار لنا أهل البيت فباديتم العرب وناهضتم الأمم وكافحتم البهم لا نبرح نأمركم وتأمرون حتى دارت لكم بنا رحا الإسلام ودّر حلب الأنام وخضعت نعرة الشرك وباخت نيران الحرب وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين فأنى حرتم بعد البيان ونكصتم بعد الاقدام وأسررتم بعد الإعلان لقوم نكثوا ايمانهم اتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين إلا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض وركنتم إلى الدعة فعجتم عن الدين وبحجتم الذي وعيتم ودسعتم الذي سوغتم فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد إلا وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم واستشعرته قلوبكم ولكن قلته فيضة النفس ونفثة الغيظ وبثة الصدر ومعذرة الحجة فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر ناكبة الحق باقية العار مرسومة بشنار الأبد موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعلموا أنا عاملون وانتظروا أنا منتظرون قال أبو الفضل وقد ذكر قوم أن أبا العيناء ادعى هذا الكلام وقد رواه قوم وصححوه وكتبناه على ما فيه وحدثني عبد الله بن أحمد العبدي عن حسين بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع أبا بكر رحمه الله يومئذٍ يقول لفاطمة عليها السلام يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً وعلى الكافرين عذاباً أليماً وإذا عزوناه كان أباك دون النساء وأخا ابن عمك دون الرجال آثره على كل حميم وساعده على الأمر العظيم لا يحبكم إلا العظيم السعادة ولا يبغضكم إلا الرديء الولادة وأنتم عترة الله الطيبون وخيرة الله المنتخبون على الآخرة أدلتنا وباب الجنة لسالكنا وأما منعك ما سألت فلا ذلك لي وأما فدك وما جعل لك أبوك فان منعتك فأنا ظالم وأما الميراث فقد تعلمين أنه صلى الله عليه قال لا نورث ما أبقيناه صدقة قالت إن الله يقول عن نبي من أنبيائه يرثني ويرث من آل يعقوب وقال وورث سليمان داود فهذان نبيان وقد علمت أن النبوة لا تورث وإنما يورث ما دونها فمالي أمنع إرث أبي أأنزل الله في الكتاب إلا فاطمة بنت محمد فتدلني عليه فاقنع به فقال يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم نت عين الحجة ومنطق الرسالة لا يدلي بجوابك ولا أدفعك عن صوابك ولكن هذا أبو الحسن بيني وبينك هو الذي أخبرني بما تفقدت وأنبأني بما أخذت وتركت قالت فإن يكن ذلك كذلك فصبراً لمر الحق والحمد لله إله الخلق " قال أبو الفضل " وما وجدت هذا الحديث على التمام إلا عند أبي حفان وحدثني هرون بن مسلم بن سعدان عن الحسن بن علوان عن عطية العوفي قال

لما مرضت فاطمة عليها السلام المرضة التي توفيت بها دخل النساء عليها فقلن كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الت أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم لفظتهم بعد أن عجمتهم وشئنهم بعد أن سبرتهم فقبحاً لفلول الحد وخور القنا وخطل الرأي وبئسما قدمت لهم أنفسهم إن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وشنت عليهم عارها فجدعا وعقرا وبعدا للقوم الظالمين ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين الطبن بأمور الدنيا والدين إلا ذلك هو الخسران المبين وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا والله منه نكير سيفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله ويالله لو تكافئوا على زمام نبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه لسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه ولا يتعتع راكبه ولأوردهم منهلاً روياً فضفاضاً تطفح ضفتاه ولأصدرهم بطاناً قد تحرى بهم الري غير متجل منهم بطائل بعمله الباهر وردعه سورة الساغب ولفتحت عليهم بركات من السماء وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون إلا هلمن فأسمعن وما عشتن أراكن الدهر عجباً إلى أي لجأ لجأوا وأسندوا وبأي عروة تمسكوا ولبئس المولى ولبئس العشير استبدلوا والله الذنابي بالقوادم والعجز بالكاهل فرغماً لمعاطس قوم " يحسبون أنهم يحسنون صنعاً إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون " أما لعمر إلهكن لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقراً هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ثم أطيبوا عن أنفسكم نفساً وطامنوا للفتنة جأشاً وأبشروا بسيف صارم وبقرح شامل واستبداد من الظالمين يدع فيكم زهيداً وجمعكم حصيداً فيا حسرة لكم وأني بكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ثم أمسكت عليها السلام. فاطمة عليها السلام المرضة التي توفيت بها دخل النساء عليها فقلن كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الت أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم لفظتهم بعد أن عجمتهم وشئنهم بعد أن سبرتهم فقبحاً لفلول الحد وخور القنا وخطل الرأي وبئسما قدمت لهم أنفسهم إن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وشنت عليهم عارها فجدعا وعقرا وبعدا للقوم الظالمين ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين الطبن بأمور الدنيا والدين إلا ذلك هو الخسران المبين وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا والله منه نكير سيفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله ويالله لو تكافئوا على زمام نبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه لسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه ولا يتعتع راكبه ولأوردهم منهلاً روياً فضفاضاً تطفح ضفتاه ولأصدرهم بطاناً قد تحرى بهم الري غير متجل منهم بطائل بعمله الباهر وردعه سورة الساغب ولفتحت عليهم بركات من السماء وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون إلا هلمن فأسمعن وما عشتن أراكن الدهر عجباً إلى أي لجأ لجأوا وأسندوا وبأي عروة تمسكوا ولبئس المولى ولبئس العشير استبدلوا والله الذنابي بالقوادم والعجز بالكاهل فرغماً لمعاطس قوم " يحسبون أنهم يحسنون صنعاً إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون " أما لعمر إلهكن لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقراً هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ثم أطيبوا عن أنفسكم نفساً وطامنوا للفتنة جأشاً وأبشروا بسيف صارم وبقرح شامل واستبداد من الظالمين يدع فيكم زهيداً وجمعكم حصيداً فيا حسرة لكم وأني بكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ثم أمسكت عليها السلام.

كلام زينب بنت علي
بن أبي طالب عليه وعليها السلام

قال لما كان من أمر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام الذي كان وانصرف عمر بن سعد لعنه الله بالنسوة والبقية من آل محمد صلى الله عليه وسلم وآله ووجههن إلى ابن زياد لعنه الله فوجههن هذا إلى يزيد لعنه الله وغضب عليه فلما مثلوا بين يديه أمر برأس الحسين عليه السلام فأبرز في طست فجعل ينكث ثناياه بقضيب في يده وهو يقول:
يا غراب البين أسمعت فقل ... إنما تذكر شيئاً قد فعل
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباه بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل
لأهلوا واستهلوا فرحاً ... ثم قالوا يا يزيد أن لا تشل
فجزيناهم ببدر مثلها ... وأقمنا ميل بدر فاعتدل
لست للشيخين إن لم أثئر ... من بني أحمد ما كان فعل
فقالت زينب بنت علي عليهما السلام صدق الله ورسوله يا يزيد ثم كان عاقبة الذين أساءوا إن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون أظننت يا يزيد أنه حين أخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نساق كما يساق الأسارى إن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة وإن هذا لعظيم خطرك فشمخت بأنفك ونظرت في عطفيك جذلان فرحاً حين رأيت الدنيا مستوسقة لك والأمور متسقة عليك وقد أمهلت ونفست وهو قول الله تبارك وتعالى لا يحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إئماً ولهم عذاب مهين أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك نساؤك وإماؤك وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه قد هتكت ستورهن وأصحلت صوتهن مكتئبات تخدى بهن الأباعر ويحدو بهن الأعادي من بلد إلى بلد لا يراقبن ولا يؤوين يتشوفهن القريب والبعيد ليس معهن ولي من رجالهن وكيف يستبطأ في بغضتنا من نظر إلينا بالشنق والشنآن والأحن والأضغان أتقول ليت أشياخي ببدر شهدوا غير متأثم ولا مستعظم وأنت تنكث ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك ولم لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشاقة بإهراقك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ولتردن على الله وشيكاً موردهم ولتودن أنك عميت وبكمت وأنك لم تقل فاستهلوا وأهلوا فرحاً اللهم خذ بحقنا وانتقم لنا ممن ظلمنا والله ما فريت إلا في جلدك ولا حززت إلا في لحمك وسترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه برغمك وعترته ولحمته في حظيرة القدس يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث وهو قول الله تبارك وتعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المؤمنين إذا كان الحكم الله والخصم محمد صلى الله عليه وجوارحك شاهدة عليك فبئس للظالمين بدلاً أيكم شر مكاناً وأضعف حنداً مع أني والله يا عدو الله وابن عدوه استصغر قدرك واستعظم تقريعك غير أن العيون عبرى والصدور حرى وما يجزي ذلك أو يغني عنا وقد قتل الحسين عليه السلام وحزب الشيطان يقربنا إلى حزب السفهاء ليعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله فهذه الأيدي تنطف من دمائنا وهذه الأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات فلئن اتخذتنا مغنماً لتتخذن مغرماً حين لا تجد إلا ما قدمت يداك تستصرخ يا ابن مرجانة ويستصرخ بك وتتعاوى وأتباعك عند الميزان وقد وجدت أفضل زاد زودك معاوية قتلك ذرية محمد صلى الله عليه فوالله ما تقيت غير الله ولا شكواي إلا إلى الله فكيد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا يرحض عنك عار ما أتيت إلينا أبداً والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبان الجنان فأوجب لهم الجنة أسأل الله أن يرفع لهم الدرجات وأن يوجب لهم المزيد من فضله فإنه ولي قدير.

كلام أم كلثوم عليها السلام

عن سعيد بن محمد الحميري أبو معاذ عن عبد الله بن عبد الرحمن رجل من أهل الشام عن شعبة عن حذام الأسدي وقال مرة أخرى حذيم قال قدمت الكوفة سنة إحدى وستين وهي السنة التي قتل فيها الحسين عليه السلام فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذٍ يلتدمن مهتكات الجيوب ورأيت علي بن الحسين عليهما السلام وهو يقول بصوت ضئيل وقد نحل من المرض يا أهل الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم ثم ذكر الحديث وهو على لفظ هارون بن مسلم وأخبر هارون بن مسلم بن سعدان قال أخبرنا يحيى بن حماد البصري عن يحيى بن الحجاج عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال لما أدخل بالنسوة من كربلاء إلى الكوفة كان علي بن الحسين عليهما السلام ضئيلاً قد نهكته العلة ورأيت نساء أهل الكوفة مشققات الجيوب على الحسين بن علي عليه السلام فرفع علي بن الحسين بن علي عليهم السلام رأسه فقال إلا أن هؤلاء يبكين فمن قتلنا ورأيت أم كلثوم عليها السلام ولم أر خفرة والله أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ على لسان أمير المؤمنين عليه السلام وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فلما سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس قالت أبدأ بحمد الله والصلاة والسلام على جدي أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختر والخذل إلا فلا رفأت العبرة ولا هدأت الرنة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم إلا وهل فيكم إلا الصلف والشنف وملق الأماء وغمز الأعداء وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة وكفضة على ملحودة إلا ساء ما قدمت أنفسكم إن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون أي والله فابكوا وأنكم والله أحرياء بالبكاء فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد فزتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شبان أهل الجنة ومنار محجتكم ومدره حجتكم ومفرخ نازلتكم فتعساً ونكساً لقد خاب السعي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة لقد جئتم شيئاً إدّاً تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ريتم وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم لقد جئتم بها شوهاء خرقاء شرهاً طلاع الأرض والسماء أفعجبتم إن قطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينظرون فلا يستخفنكم المهل فإنه لا تحفزه المبادرة ولا يخاف عليه فوت الثأر كلا إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد ثم ولت عنهم قال فرأيت الناس حيارى وقد ردوا أيديهم إلى أفواههم ورأيت شيخاً كبيراً من بني جعفى وقد أخضلت لحيته من دموع عينيه وهو يقول:
كهولهم خير الكهول ونسلهم ... إذا عد نسلٌ لا يبور ولا يخزى
وحدثنيه عبد الله بن عمرو قال حدثني إبراهيم بن عبد ربه بن القاسم بن يحيى بن مقدم المقدمي قال أخبرني سعيد بن محمد أبو معاذ الحميري عن عبد الله بن عبد الرحمن رجل من أهل الشام عن حذام الأسدي قال قدمت الكوفة سنة إحدى وستين وهي السنة التي قتل فيها الحسين بن علي عليه السلام فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذٍ يلتدمن مهتكات الجيوب ورأيت علي بن الحسين عليهما السلام وهو يقول بصوت ضئيل وقد نحل من المرض يا أهل الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم وسمعت أم كلثوم بنت علي عليهما السلام وهي تقول فلم أرَ خفرة والله أنطق منها كأنما تنزع عن لسان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وأشارت إلى الناس أن أمسكوا فسكنت الأنفاس وهدأت فقالت الحمد لله رب العالمين والصلاة علي جدي سيد المرسلين أما بعد يا أهل الكوفة والحديث على لفظ ابن سعدان.

كلام حفصة بنت عمر بن الخطاب
وقال العتبي قالت حفصة بنت عمر بن الخطاب في مرض أبيها عمر يا أبتاه ما يحزنك وفادتك على ربٍ رحيم ولا تبعة لأحد عندك ومعي لك بشارة لا أذيع السر مرتين ونعم الشفيع لك العدل لم تخف على الله عز وجل خشنة عيشتك وعفاف نهمتك وأخذك بأكظام المشركين والمفسدين في الأرض ثم أنشأت تقول:
أكظم الغلة المخالطة القلب ... وأعزى وفي القرآن عزائي
لم تكن بغتة وفاتك وحدا ... ان ميعاد من ترى للفناء

ووجدت في بعض الكتب أن حفصة بنت عمر رحمه الله خطبت بعد قتل أبيها: الحمد لله الذي لا نظير له والفرد الذي لا شريك له وأما بعد فكل العجب من قومٍ زين الشيطان أفعالهم وارعوى إلى صنيعهم ورب في الفتنة لهم ونصب حبائله لختلهم حتى همّ عدوا الله بإحياء البدعة ونبش الفتنة وتجديد الجور بعد دروسه وإظهاره بعد دثوره وإراقة الدماء وإباحة الحمى وانتهاك محارم الله عز وجل بعد تحصينها فاضرى وهاج وتوغر وثار غضباً ونصرة لدين الله فأخسأ الشيطان ووقم كيده وكفف إرادته وقدع محنته وأصعر خده لسبقه إلى مشايعة أولى الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه الماضي على سنته المقتدي بدينه المقتص لأثره فلم يزل سراجه زاهراً وضوءه لامعاً ونوره ساطعاً له من الأفعال الغرر ومن الآراء المصاص ومن التقدم في طاعة الله اللباب إلى أن قبضه الله إليه قالياً لما خرج منه شانياً لما ترك من أمره شيقاً لمن كان فيه صبا إلى ما صار إليه وائلاً إلى ما دعى إليه عاشقاً لما هو فيه فلما صار إلى التي وصفت وعاين لما ذكرت أومأ بها إلى أخيه في المعدلة ونظيره في السيرة وشقيقه في الديانة ولو كان غير الله أراد لأمالها إلى ابنه ولصيرها في عقبه ولم يخرجها من ذريته فأخذها بحقها وقام فيها بقسطها لم يؤده ثقلها ولم يبهظه حفظها مشرداً للكفر عن موطنه ونافراً له عن وكره ومثيراً له من مجثمه حتى فتح الله عز وجل على يديه أقطار البلاد ونصر الله بقدمه وملائكته تكنفه وهو بالله معتصم وعليه متوكل حتى تأكدت عرى الحق عليكم عقداً واضمحلت عرى الباطل عنكم حلا نوره في الدجنات ساطع وضوءه في الظلمات لامع قالياً للدنيا إذ عرفها لافظاً لها إذ عجمها وشانياً لها إذ سبرها تخطبه ويقلاها وتريده ويأباها لا تطلب سواه بعلاً ولا تبغي سواه نحلاً أخبرها أن التي يخطب أرغد منها عيشاً وأنضر منها حبوراً وأدرم منها سروراً وأبقى منها خلوداً وأطول منها أياماً وأغدق منها أرضاً وأنعت منها جمالاً وأتم منها بلهنية وأعذب منها رفهنية فبشعت نفسه بذلك لعادتها واقشعرت منها لمخالفتها فعركها بالعزم الشديد حتى أجابت وبالرأي الجليد حتى انقادت فأقام فيها دعائم الإسلام وقواعد السنة الجارية ورواسي الآثار الماضية واعلام أخبار النبوة الطاهرة وظل خميصاً من بهجتها قالياً لأثاثها لا يرغب في زبرجها ولا تطمح نفسه إلى جدتها حتى دعى فأجاب ونودي فأطاع على تلك من الحال فاحتذى في الناس بأخيه فأخرجها من نسله وصيرها شورى بين أخوته فبأي أفعاله تتعلقون وبأي مذاهبه تتمسكون أبطرائقه القويمة في حياته أم بعدله فيكم عند وفاته ألهمنا الله وإياكم طاعته وإذا شئتم ففي جفظ وكلاأته.

كلام أروى بنت الحارث
بن عبد المطلب رحمة الله عليها

روى ابن عائشة عن حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم وهي عجوز كبيرة فلما رآها قال مرحباً بك يا عمة قالت كيف أنت يا ابن أخي لقد كفرت بعدي بالنعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك بغير بلاء كان منك ولا من آباءك في الإسلام ولقد كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فأتعس الله منكم الجدود وأصعر منكم الخدود حتى رد الله الحق إلى أهله وكانت كلمة الله هي العليا ونبينا محمد صلى الله عليه هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم مغفوراً ذنبه مرفوعاً درجته شريفاً عند الله مرضياً فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول يا ابن أم أن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني ولم يجمع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه لنا شمل ولم يسهل لنا وعر وغايتنا الجنة وغايتكم النار قال عمرو بن العاص أيتها العجوز الضالة اقصري من قولك وغضي من طرفك قالت ومن أنت لا أم لك قال: عمرو بن العاص قالت يا بن اللخناء النابغة أتكلمني أربع على ظلعك واعن بشأن نفسك فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ولا كريم منصبها ولقد ادعاك ستة من قريش وكله يزعم أنه أبوك ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبدٍ عاهر " أي فاجر " فأتم بهم فإنك بهم أشبه فقال مروان بن الحكم أيتها العجوز الضالة ساخ بصرك مع ذهاب عقلك فلا يجوز شهادتك قالت يا بني أتتكلم فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم وإنك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته وظاهر دمامته ولقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر الأمة سبط الشعر وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب فاسأل أمك عما ذكرت لك فإنها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت ثم التفتت إلى معاوية فقالت والله ما عرضني لهؤلاء غيرك وإن أمك للقائلة في يوم أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه:
نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب يوم الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ... أبي وعمي وأخي وصهري
شفيت وحشي غليل صدري ... شفيت نفسي وقضيت نذري
فشكر وحشي علي عمري ... حتى تغيب أعظمي في قبري
" فأجبتها "
يا بنت رقاع عظيم الكفر ... خزيت في بدر وغير بدر
صبحك الله قبيل الفجر ... بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفري ... حمزة ليثي وعلي صقري
إذ رام شبيب وأبوك غدري ... أعطيت وحشي ضمير الصدر
هتك وحشي حجاب الستر ... ما للبغايا بعدها من فخر
فقال معاوية لمروان وعمرو ويلكما أنتما عرضتماني لها وأسمعتماني ما أكره ثم قال لها يا عمة أقصدي قصد حاجتك ودعي عنك أساطير النساء قالت تأمر لي بألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار قال ما تصنعين يا عمة بألفي دينار قالت أشتري بها عيناً خرخارة في أرض خوارة تكون لولد الحارث بن المطلب قال نعم الموضع وضعتها فما تصنعين بألفي دينار قالت أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم قال نعم الموضع وضعتها فما تصنعين بألفي دينار قالت أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام قال نعم الموضع وضعتها هي لك نعم وكرامة ثم قال أما والله لو كان علي ما أمر لك بها قالت صدقت، إن علياً أدى الأمانة وعمل بأمر الله وأخذ به وأنت ضيعت أمانتك وخنت الله في ماله فأعطيت مال الله من لا يستحقه وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبيّنها فلم تأخذ بها ودعانا " أي علي " إلى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا فشغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها وما سألتك من مالك شيئاً فتمن به إنما سألتك من حقنا ولا نرى أخذ شيء غير حقنا أتذكر علياً فض الله فاك وأجهد بلاءك ثم علا بكاؤها وقالت:
ألا يا عين ويحك أسعدينا ... ألا وأبكي أمير المؤمنينا
رزينا خير من ركب المطايا ... وفارسها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال أو احتذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين ... رأيت البدر راع الناظرينا
ولا والله لا أنسى علياً ... وحسن صلاته في الراكعينا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا ... بخير الناس طرا أجمعينا
قال فأمر لها بستة آلاف دينار وقال لها يا عمة أنفقي هذه فيما تحبين فإذا احتجت فاكتبي إلى ابن أخيك يحسن صفدك ومعونتك إن شاء الله.

كلام سودة بنت عمارة رحمها الله
قال أبو موسى عيسى بن مهران حدثني محمد بن عبيد الله الخزاعي يذكره عن الشعبي ورواه العباس بن بكار عن محمد بن عبيد الله قال استأذنت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان فأذن لها فلما دخلت عليه قالت هيه يا بنت الأسك ألست القائلة يوم صفين:
شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة ... يوم الطعان وملتقى الأقران
وانصر علياً والحسين ورهطه ... واقصد لهند وابنها بهوان
إن الإمام أخوالنبي صلى الله عليه وسلم حمد ... علم الهدى ومنارة الإيمان
فقه الحتوف وسر أمام لوائه ... قدماً بأبيض صارم وسنان
قالت أي والله ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب قال لها فما حملك على ذلك قالت حب علي عليه السلام وأتباع الحق قال فوالله ما أرى عليك من أثر علي شيئاً قالت أنشدك الله يا أمير المؤمنين وإعادة ما مضى وتذكار ما قد نسى قال هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى وما لقيت من أحد ما لقيت من قومك وأخيك قالت صدق قولك لم يكن أخي ذميم المقام ولا خفي المكان كان والله كقول الخنساء:
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
قال صدقت لقد كان كذلك فقالت مات الرأس وبتر الذنب وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه قال قد فعلت فما حاجتك قالت إنك أصبحت للناس سيداً ولأمرهم متقلداً والله سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقنا ولا يزال يقدم علينا من ينوء بعزك ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس البقر ويوسمنا الخسيسة ويسلبنا الجليلة هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي وأخذ مالي يقول لي فوهى بما استعصم الله منه وألجأ إليه فيه ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة فأما عزلته عنا فشكرناك وأما لا فعرفناك فقال معاوية أتهدديني بقومك لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه فأطرقت تبكي ثم أنشأت تقول:
صلى الإله على جسم تضمنه ... قبر فأصبح فيه العدل مدفوناً
قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً ... فصار بالحق والإيمان مقروناً
قال لها ومن ذلك قالت علي بن أبي طالب عليه السلام قال وما صنع بك حتى صار عندك كذلك قالت قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا قدم علينا من قبله فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين فأتيت علياً عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا فوجدته قائماً يصلي فلما نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة وتعطف ألك حاجة فأخبرته الخبر فبكى ثم قال اللهم إنك أنت الشاهد عليّ وعليهم أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بيّنة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام فأخذته منه والله ما ختمه بطين ولا خزمه بخزام فقرأته فقال لها معاوية لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيأ ما تفطمون ثم قال اكتبوا لها برد مالها والعدل عليها قالت إليّ خاص أم لقومي عام قال ما أنت وقومك قالت هي والله أذن الفحشاء واللوم إن لم يكن عدلاً شاملاً وإلاّ فأنا كسائر قومي قال اكتبوا لها ولقومها.
كلام الزرقاء بنت عدي

وقال عيسى بن مهران حدثني العباس بن بكار قال حدثني محمد بن عبيد الله عن الشعبي قال وحدثني أبو بكر الهذلي عن الزهري قال حدثني جماعة من بني أمية ممن كان يسمر مع معاوية وذكر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد ربه بن القاسم بن يحيى بن مقدم قال أخبرني محمد بن فضل المكي الضبي قال أخبرنا محمد الشافعي صاحب الري عن أبيه محمد بن إبراهيم عن خالد بن الوليد المخزومي عن سعد بن حذافة الجمحي قال سمر معاوية ليلة فذكر الزرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس امرأة كانت من أهل الكوفة وكانت ممن يعين علياً عليه السلام يوم صفين فقال لأصحابه أيكم يحفظ كلام الزرقاء فقال القوم كلنا نحفظه يا أمير المؤمنين قال فما تشيرون عليّ فيها قالوا نشير عليك بقتلها قال بئس ما أشرتم عليّ به أيحسن بمثلي أن يتحدث الناس أني قتلت امرأة بعدما ملكت وصار الأمر لي ثم دعا كاتبه في الليل فكتب إلى عامله في الكوفة أن أوفد إلى الزرقاء ابنة عدي مع ثقة من محرمها وعدة من فرسان قومها ومهدها وطاء ليناً واسترها بسترٍ حصيف فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها فأقرأها الكتاب فقالت أما أنا فغير زائغة عن طاعة وإن كان أمير المؤمنين جعل المشيئة إليّ لم أرم من بلدي هذا وإن كان حكم الأمر فالطاعة له أولى بي فحملها في هودج وجعل غشاءه حبراً مبطناً بعصب اليمن ثم أحسن صحبتها وفي حديث المقدمي فحملها في عمارية جعل غشاءها خزاً أدكن مبطناً بقوهى فلما قدمت على معاوية قال لها مرحباً وأهلاً خير مقدم قدمه وافد كيف حالك يا خالة وكيف رأيت مسيرك قالت خير مسير كأني كنت ربيبة بيت أو طفلاً ممهداً قال بذلك أمرتهم فهل تعلمين لم بعثت إليك قالت سبحان الله أنّى لي بعلم ما لم أعلم وهل يعلم ما في القلوب إلا الله قال بعثت إليك أن أسألك ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين بين الصفين توقدين الحرب وتحضين على القتال فما حملك على ذلك قالت يا أمير المؤمنين أنه قد مات الرأس وبتر الذنب والدهر ذو غير ومن تفكر أبصر والأمر يحدث بعده الأمر قال لها صدقت فهل تحفظين كلامك يوم صفين قالت ما أحفظه قال ولكني والله أحفظه لله أبوك لقد سمعتك تقولين أيها الناس إنكم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم وجارت بكم عن قصد المحجة فيالها من فتنة عمياء صماء يسمع لقائلها ولا ينظار لسائقها أيها الناس إن المصباح لا يضيء في الشمس وإن الكوكب لا يقد في القمر وإن البغل لا يسبق الفرس وإن الزف لا يوازن الحجر ولا يقطع الحديد إلا الحديد إلا من استرشدنا أرشدناه ومن استخبرنا أخبرناه إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار فكان قد اندمل شعب الشتات والتأمت كلمة العدل وغلب الحق باطله فلا يعجلن أحد فيقول كيف وأنّى ليقضي الله أمراً كان مفعولاً إلا إن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء والصبر خيرٌ في الأمور عواقباً أيها إلى الحرب قدماً غير ناكصين فهذا يومٌ له ما بعده ثم قال معاوية والله يا زرقاء لقد شركت علياً عليه السلام في كل دم سفكه فقالت أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين وأدام سلامتك مثلك من بشر بخير وسر جليسه قال لها وقد سرك ذلك قالت نعم والله لقد سرني قولك فإني بتصديق الفعل فقال معاوية والله لوفاءكم له بعد موته أحب إليّ من حبكم له في حياته أذكري حاجتك قالت يا أمير المؤمنين إني قد آليت على نفسي أن لا أسأل أميراً أعنت عليه شيئاً أبداً ومثلك أعطى عن غير مسألة وجاد عن غير طلب قال صدقت فاقطعها ضيعة أغلتها في أول سنة عشرة آلاف درهم وأحسن صفدها وردها والذين معها مكرمين.

كلام بكارة الهلالية
حدثني عبد الله بن عمرو قراءة من كتابه عليّ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن المفضل قال حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي عن محمد بن إبراهيم عن خالد بن الوليد عمن سمعه من حذافة الجمحي قال دخلت بكارة الهلالية على معاوية بن أبي سفيان بعد أن كبرت سنها ودق عظمها ومعها خادمان لها وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز فسلمت على معاوية بالخلافة فأحسن عليها الرد وأذن لها في الجلوس وكان عنده مروان بن الحكم وعمرو بن العاص فابتدأ مروان فقال أما تعرف هذه يا أمير المؤمنين قال ومن هي قال هي التي كانت تعين علينا يوم صفين وهي القائلة:

يا زيد دونك فاستثر من دارنا ... سيفاً حساماً في التراب دفيناً
قد كان مذخوراً لكل عظيمة ... فاليوم أبرزه الزمان مصوناً
فقال عمرو بن العاص وهي القائلة يا أمير المؤمنين:
أترى ابن هند للخلافة مالكاً ... هيهات ذاك وما أراد بعيد
منتك نفسك في الخلاء ضلالة ... أغراك عمرو للشقاء وسعيد
فارجع بأنكد طائر بنحوسها ... لاقت علياً أسعد وسعود
فقال سعيد يا أمير المؤمنين وهي القائلة:
قد كنت آمل أن أموت ولا أرى ... فوق المنابر من أمية خاطباً
فالله أخر مدتي فتطاولت ... حتى رأيت من الزمان عجائبا
في كل يوم لا يزال خطيبهم ... وسط الجموع لآل أحمد عائباً
ثم سكت القوم فقالت بكارة نبحتني كلابك يا أمير المؤمنين واعتورتني فقصر محجني وكثر عجبي وعشى بصري وأنا والله قائلة ما قالوا لا أدفع ذلك بتكذيب فامض لشأنك فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين فقال معاوية أنه لا يضعك شيء فاذكري حاجتك تُقضى فقضى حوائجها وردها إلى بلدها " وحدثني " عيسى بن مروان قال حدثني محمد بن عبد الله الخزاعي عن الشعبي قال استأذنت بكارة الهلالية على معاوية فأذن لها فدخلت وكانت امرأة قد أسنت وعشيَ بصرها وضعفت قوتها فهي ترعش بين خادمين لها فسلمت ثم جلست فقال معاوية كيف أنت يا خالة قال بخير يا أمير المؤمنين قال غيرك الدهر قالت كذلك هو ذو غير من عاش كبر ومن مات قبر ثم ذكر الحديث على ما رواه سعد بن حذافة.
في حديث عبد الله بن عمر ومن قول عمرو وسعيد ومروان ورواية في الحديث قالت ان عشى بصري وقصرت حجتي فأنا قائلة ما قالوا وما خفي عليك أكثر فضحك معاوية وقال ليس بما نعى من برك يا خالة غير عدم مجيئك قالت أمّا الآن فلا.

كلام أم الخير بنت الحريش البارقية

حدثني عبد الله بن سعد قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله المقدمي قال أخبرنا محمد بن الفضل المكي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد الشافعي عن خالد بن الوليد المخزومي عن سعد بن حذافة الجمحي وحدثونيه عن العباس بن بكار عن عبيد الله بن عمر الغساني عن الشعبي قال كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن أوفد علي أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية رحلة محمودة الصحبة غير مذمومة العاقبة واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيراً وبالشر شراً فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها فأقرأها إياه فقالت أم الخير أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري تجري مجرى النفس يغلي بها غلي المرجل بحب البلسن يوقد بجزل السمر فلما حملها وأراد مفارقتها قال يا أم الخير إن معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل بقولك في بالخير خيراً وبالشر شراً فانظري كيف تكونين قالت يا هذا لا يطعمك والله برك بي في تزويقي الباطل ولا يؤسنك معرفتك إياي أن أقول فيك غير الحق فسارت خير مسير فلما قدمت على معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثاً ثم أذن لها في اليوم الرابع وجمع لها الناس فدخلت عليه فقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال وعليك السلام وبالرغم والله منك دعوتني بهذا الاسم فقالت مه يا هذا فإن بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه قال صدقت يا خالة وكيف رأيت مسيرك قالت لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت إلى ملك جزل وعطاء بذل فأنا في عيشٍ أنيق عند ملكٍ رفيق فقال معاوية بحسن نيتي ظفرت بكم وأعنت عليكم قالت مه يا هذا لك والله من دحض المقال ما تردى عاقبته قال ليس لهذا أردناك قالت إنما أجري في ميدانك إذا أجريت شيئاً أجريته فاسأل عما بدا لك قال كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر قالت لم أكن والله رويته قبل ولا زورته بعد وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة فإن شئت أن أحدث لك مقالاً غير ذلك فعلت قال لا أشاء ذلك ثم التفت إلى أصحابه فقال أيكم حفظ كلام أم الخير قال رجل من القوم أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد قال هاته قال نعم كأني بها يا أمير المؤمنين وعليها برد زيبدي كثيف الحاشية وهي على جمل أرمك وقد أحيط حولها حواء وبيدها سوط منتشر الضفر وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم إن الله قد أوضح الحق وأبان الدليل ونوّر السبيل ورفع العلم فلم يدعكم في عمياء مبهمة ولا سوداء مدلهمة فإلى أين تريدون رحمكم الله أفراراً عن أمير المؤمنين أن فراراً من الزحف أم رغبة عن الإسلام أم ارتداداً عن الحق أما سمعتم الله عز وجل يقول ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشر الرعب وبيدك يا رب أزمَّة القلوب فاجمع إليه الكلمة على التقوى وألف القلوب على الهدى واردد الحق إلى أهله هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والوصي الوفي والصديق الأكبر إنها إحن بدرية وأحقاد جاهلية وضغائن أحدية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد شمس ثم قالت قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون صبراً معشر الأنصار والمهاجرين قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم وكأني بكم غداً لقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى عما قليل ليصبحن نادمين حتى تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة إنه والله من ضل عن الحق وقع في الباطل ومن لم يسكن الجنة نزل النار أيها الناس إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستبطأوا مدة الآخرة فسعوا لها والله أيها الناس لولا أن تبطل الحقوق وتعطل الحدود ويظهر الظالمون وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وزوج ابنته وأبي ابنيه خلق من طينته وتفرع من نبعته وخصه بسره وجعله باب مدينته وعلم المسلمين وأبان ببغضه المنافقين فلم يزل كذلك يؤيده الله عز وجل بمعونته ويمضي على سنن استقامته لا يعرج لراحة الدأب ها هو مفلق الهام ومكسر الأصنام إذ صلى والناس مشركون وأطاع والناس

مرتابون فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وفرق جمع هوازن فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقاً وردة وشقاقاً قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فقال معاوية والله يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي والله لو قتلتك ما حرجت في ذلك قالت والله ما يسوءني يا ابن هند أن يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه قال هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان قالت وما عسيت أن أقول فيه استخلفه الناس وهم له كارهون وقتلوه وهم راضون فقال معاوية أيها يا أم الخير هذا والله أصلك الذي تبنين عليه قالت لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً ما أردت لعثمان نقصاً ولكن كان سباقاً إلى الخيرات وإنه لرفيع الدرجة قال فما تقولين في طلحة بن عبيد الله قالت وما عسى أن أقول في طلحة اغتيل من مأمنه وأوتي من حيث لم يحذر وقد وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه الجنة قال فما تقولين في الزبير قالت يا هذا لا تدعني كرجيع الصبيغ يعرك في المركن قال حقاً لتقولن ذلك وقد عزمت عليك قالت وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حواريه وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة ولقد كان سباقاً إلى كل مكرمة في الإسلام وإني أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشاً تحدث أنك أحملها فأنا أسألك بأن تسعني بفضل حلمك وأن تعفيني من هذه المسائل وامض لما شئت من غيرها قال نعم وكرامة قد أعفيتك وردها مكرمة إلى بلدها. فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وفرق جمع هوازن فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقاً وردة وشقاقاً قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فقال معاوية والله يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي والله لو قتلتك ما حرجت في ذلك قالت والله ما يسوءني يا ابن هند أن يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه قال هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان قالت وما عسيت أن أقول فيه استخلفه الناس وهم له كارهون وقتلوه وهم راضون فقال معاوية أيها يا أم الخير هذا والله أصلك الذي تبنين عليه قالت لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً ما أردت لعثمان نقصاً ولكن كان سباقاً إلى الخيرات وإنه لرفيع الدرجة قال فما تقولين في طلحة بن عبيد الله قالت وما عسى أن أقول في طلحة اغتيل من مأمنه وأوتي من حيث لم يحذر وقد وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه الجنة قال فما تقولين في الزبير قالت يا هذا لا تدعني كرجيع الصبيغ يعرك في المركن قال حقاً لتقولن ذلك وقد عزمت عليك قالت وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حواريه وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة ولقد كان سباقاً إلى كل مكرمة في الإسلام وإني أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشاً تحدث أنك أحملها فأنا أسألك بأن تسعني بفضل حلمك وأن تعفيني من هذه المسائل وامض لما شئت من غيرها قال نعم وكرامة قد أعفيتك وردها مكرمة إلى بلدها.

كلام عجوز من ولد الحارث
بن عبد المطلب
وحدثني عبد الله بن عمرو قال حدثني محمد بن أبي علي البصري قال حدثنا أمية بن خالد قال حدثني عبد الرحمن بن مالك الأنصاري عن أبيه أنه سمع شيخاً لهم يقول قدم إبراهيم بن محمد المدينة فأتته عجوز من ولد الحارث بن عبد المطلب فشكت إليه ضنك المعيشة قال ما يحضرني الكثير ولا أرضى لك بالقليل وأنا على ظهر سفر فاقبلي ما حضر وتفضلي بالعذر ثم دعا مولى له فقال ادفع إليها ما بقي من نفقتنا وخذي هذا العبد والبعير فقالت بأبي أنت وأمي أجزل الله في الآخرة أجرك وأعلى في الدنيا كعبك ورفع فيهما ذكرك وغفر لك يوم الحساب ذنبك فأنت والله كما قلت أم جميل بنت حرب بن أمية:
زين العشيرة كلها ... في البدو منها والحضر
ورئيسها في النائبات ... وفي الرحال وفي السفر
ورث المكارم كلها ... وعلا على كل البشر
ضخم الدسيعة ماجد ... يعطي الجزيل بلا كدر
كلام لنساء متفرقات

" كلام الجمانة بنت المهاجر " حدثني عبد الله بن شبيب قال حدثني الزبير بن أبي بكر عن محمد عن عبد الرحمن بن الحسن عن عمه أن الجمانة بنت المهاجر بن خالد بن الوليد نظرت إلى عبد الله بن الزبير وهو يرقأ المنبر يخطب بالناس في يوم جمعة فقالت حين رأته رقى المنبر أيا نقار أنقر يا نقار أما والله لو كان فوقه نجيب من بني أمية أو صقر من بني مخزوم لقال المنبر طيق طيق قال فانمي كلامها إلى عبد الله بن الزبير فبعث إليها فأتى بها فقال لها ما الذي بلغني عنك يا لكاع قالت الحق أبلغت يا أمير المؤمنين قال فما حملك على ذلك قالت لا تعدم الحسناء ذاماً والساخط ليس براض ومع ذلك فما عدوت فيما قلت لك أن نسبتك إلى التواضع والدين وعدوك إلى الخيلاء والطمع ولئن ذاقوا وبال أمرهم لتحمدن عاقبة شأنك وليس من قال فكذب كمن حدث فصدق وأنت بالتجاوز جدير ونحن للعفو منك أهل فاستر على الحرمة تستتم النعمة فوالله ما يرفعك القول ولا يضعك وإن قريشاً لتعلم أنك عابدها وشجاعها ولسانها. حاط الله دنياك وعصم أخراك وألهمك شكر ما أولاك.
حدثني أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي قال كانت زينب بنت علي تقول من أراد أن يكون الخلق شفعاءه إلى الله فليحمده ألم تسمع إلى قولهم سمع الله لمن حمده فخف الله لقدرته عليك واستح منه لقربه منك.
ذكر الرياشي عن الأصمعي عن أبان بن تغلب قال خرجت في طلب الكلاء فانتهيت إلى ماء من مياه كلب وإذا أعرابي على ذلك الماء ومعه كتاب منشور يقرؤه عليهم وجعل يتوعدهم فقالت له أمه وهي في خبائها وكانت مقعدة كبراً ويلك دعني من أساطيرك لا تحمل عقوبك على من لم يحمل عليك ولا تتطاول على من لم يتطاول عليك فإنك لا تدري ما تقربك إليه حوادث الدهور ولعل من صيرك إلى هذا اليوم أن يصير غيرك إلى مثله غداً فينتقم منك أكثر مما انتقمت منه فاكفف عما أسمع منك ألم تسمع إلى قول الأول:
لا تعاد الفقير علك أن ... تركع يوماً والدهر قد رفعه

قال أبان فقضيت العجب من كلامها وبلاغتها " وقال الرياشي " عن الأصمعي عن أبان بن تغلب قال جلست إلى أعرابية كانت تعرف بالبلاغة فمر بها رجل من قومها يسحب حلة عليه فقالت يا صاحب الحلة إن الكرم واللؤم ليسا في بردتك هذه ولكنها تحتها فليحسن فعلك يحسن لباسك ولو لبست طمراً ما شأنك " حدثني " عبد الله بن أحمد بن حرب عن أسعد بن المفضل بن مهزم بن خالد عن مهدي قال قلت لولادة العبدية وكانت من أعقل النساء إني أريد الحج فأوصيني قالت أأوجز فأبلغ أم أطيل فأحكم فقلت بما شئت فقال ابن أخ لها الحلة لباس فاخلعي عليه فقالت جد تسد واصبر تفز قلت أيضاً قالت لا يتعد غضبك حلمك ولا هواك علمك وقِ دينك بدنياك ووفر عرضك بعرضك وتفضل تخدم واحلم تقدم قلت فمن أستعين قالت الله قلت من الناس قالت الجلد النشيط والناصح الأمين قلت فمن أستشير قالت المجرب الكيس أو الأديب ولو الصغير قلت فمن أستصحب قالت الصديق الملم أو المداجي المتكرم ثم قالت يا ابناه أنك تفد إلى ملك الملوك فانظر كيف يكون مقامك بين يديه " عمر بن شبة " قال حدثني أحمد بن معاوية قال حدثني محمد بن داوود بن علي وأبوه جعف اليمامي وأحمد بن الحارث عن محمد بن زياد الأعرابي قالا وقفت امرأة من الأعراب من هوازن على عبد الرحمن ابن أبي بكرة فقالت أصلحك الله أقبلت من أرضٍ شاسعة ترفعني رافعة وتخفضني خافضة بملحات من البلاد وملمات من الدهور برين عظمي وأذهبن لحمي وتركنني والها وأنزلنني إلى الحضيض وقد ضاق بي البلد العريض لا عشيرة تحميني ولا حميم يكفيني فسألت في أحياء العرب من المرجو سيبه المأمون غيبه المكفي سائله الكريمة شمائله المأمول نائله فأرشدت إليك وأنا امرأة من هوازن مات الوافد وغاب الرافد ومثلك من سد الخلة وفك الغلة فاصنع إحدى ثلاث إما أن تقيم من أودي أو تحسن صفدي أو تردني إلى بلدي قال بل أجمعهن لك وحباً وقال العباس بن الفرج الرياشي حدثنا محمد بن عباد المهبلي قال وقفت أعرابية فقالت بعدت شقتي وظهرت محارمي وبلغ نسيسي والله سائلكم عن مقامي " وحدثني " هارون بن مسلم عن العتبي قال سألت أعرابية فقالت سائلتكم تسألكم القليل الذي يوجب لكم الكثير ورحم الله واحداً أعان محقاً " حماد " بن إسحاق عن أبيه قال حدثني النضر بن حديد عن العتبي قال وقفت علينا أعرابية فقالت يا قوم تغير بنا الدهر إذ قلَّ منا الشكر ولزمنا الفقر فرحم الله من فهم بعقل وأعطى من فضل وآثر من كفاف وأعان على عفاف.

قصة أم معبد ووصفها النبي
صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وسلم

وبلاغتها في صفته حدثني عبد الله بن عمرو عن الحسن بن عثمان قال حدثني بشر بن محمد بن أبان بن مسلم قال حدثني عبد الملك بن وهب المذحجي الكوفي عن الحر بن التياح النخعي عن أبيه عن معبد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه خرج ليلة هاجر من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر رحمه الله وعامر بن فهيرة وفي رواية أخرى قال وحدثنا مكرم بن محرز بن المهدي بن عبد الرحمن بن عمرو بن خويلد الخزاعي قال حدثني أبي محرز بن المهدي عن حزام بن هشام وحبيش عن أبيه هشام عن جده حبيش بن خالد صاحبالنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه أنه صلى الله عليه حين أخرج منها مهاجراً إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبي عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط فمروا على خيمة أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الكعبة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحماً وثمراً ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه إلى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه يا أم معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن أحلبها قالت بأبي وأمي أنت نعم إن رأيت بها من حلب فاحلبها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه بالشاة فمسح ضرعها وسمى الله ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء يربص الرهط فحلب فيه ثجا حتى غلبه الثمال ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم وقال ساقي القوم آخرهم فشربوا جميعاً عللاً بعد نهل ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانياً عوداً على بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا عنها فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً حيلاً عجافاً هزالاً مخهن قليل ولا نقي بهن فلما رأى أبو معبد اللبن وقال من أين هذا يا أم معبد والشاة عازبة حيلها ولا حلوبة في البيت فقالت لا والله إلا أنه مر بنا رجلٌ مبارك كان من حديثه كيت وكيت قال صفيه لي يا أم معبد فقالت رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزريه صقلة وسيما قسيماً في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة أحور أكحل أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البها فهو أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كان منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة ولا تشنؤه من طول ولا تقتحمه العين من قصر غصن بين غصنين فهو أنظر الثلاثة منظراً وأحسنهم قداً له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند صلى الله عليه قال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره بمكة ما ذكر ولو كنت وافقته لالتمست صحبته ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً قال وأصبح صوت بمكة عالياً بين السماء والأرض يسمعون الصوت ولا يدرون من يقوله وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمة أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ... ففاز الذي أمسى رفيق محمد
فاليقصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجارى وسؤدده
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له عن صريح ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهناً لديها لحالب ... يرددها في مصدر ثم مورد
قال فأصبح الناس قد فقدوا نبيهم صلى الله عليه وأخذوا على خيمة أم معبد حتى لحقواالنبي صلى الله عليه وسلم فأجابه حسان بن ثابت:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحل على قومٍ بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قومٍ تسفهوا ... بهادٍ يقتدي به كل مهتدي
وقال ابن أبو سعد في روايته بكسا عمى وهداه يقتدي كل مقتدي " كذا ورد " :

وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى مالا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كلِ مشهد
فإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بني سعد مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سمعت محمد بن حبيب مولى بن هشام يذكر عن أبي عبد الله محمد بن زياد الأعرابي قال قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كيف لم يصف أحدالنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه كما وصفته أم معبد فقال لأن النساء يصفن الرجال بأهوائهن فيجدن في صفاتهن.

قصة رؤيا رقيقة بنت نباتة
وبلاغتها في قصصها
حدثونا عن يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن ربيع وعن أبي حويصة قال تحدث مخرمة بن نوفل أن أمه رقيقة بنت نباتة وكانت لدة عبد المطلب قالة تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع وأرقت العظم فبينا أنا راقدة مهمومة إذا بهاتف صيت بصوت صحل يقول معشر قريش أن هذاالنبي صلى الله عليه وسلم لمبعوث منكم وهذا أبان نجومه فحيَّ هل بالحيا والخصب إلا فانظروا منكم رجلاً طوالاً عظاماً أبيض بضاً أوطف الأهداب سهل الخدين له سنة تدعو إليه وفضل يدل عليه إلا فليدلف إليه من كل بطن رجل إلا ثم ليسنوا من الماء وليلتمسوا الركن وليرتقوا أبا قبيس إلا ثم ليدع الرجل وليؤمن القوم إلا فافعلوا إذا ما شئتم قالت فأصبحت على ذلك مفراة مذعورة قد قب جلدي ووله عقلي فقصصت رؤياي فنمت في شعاب مكة فو الحرمة والحرم أن بقي بها أبطحي إلا قال هذا شيبة الحمد فتتامت عنده قريش وانقض إليه من كل بطن رجل فتسنوا والتمسوا الركن وارتقى أبا قبيس فطفق القوم يدفون حوله ما إن يستوسقهم مهلة حتى قر بذروته واستوكفوا جنابيه ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله وهو يومئذٍ غلام حين أيفع أو هم أو كرب فقام عبد المطلب فقال اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلم ومسؤول غير مبخل وهذه عبداؤك وإماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنتهم التي أكلت الظلف والخف اللهم وأمطرنا غيثاً مريعاً مغدقاً قالت فما راموا والبيت حتى انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي فأسمعهم بثجيجه فسمعت شيخان قريش وجلتها وهي تقول هنيئاً لك أبا البطحاء أي عاش بك أهل البطحاء وفي ذلك تقول رقيقة:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر
فجاد بالماء جون له سيل ... فانتعشت به الأنعام والشجر
منّ من الله بالميمون طائره ... وخير من بشرت يوماً به مضر
مبارك الأمر يستسقي الغمام به ... ما في الأنام له شبه ولا خطر
كلام امرأة أبي الأسود الدؤلي

أبو صالح زكريا بن أبي صالح البلدي قال قال أبو محمد القشيري كان أبو الأسود الدؤلي من أكبر الناس عند معاوية بن أبي سفيان وأقربهم مجلساً وكان لا ينطق إلا بعقل ولا يتكلم إلا بعد فهم فبينا هو ذات يوم جالساً وعنده وجوه قريش وأشراف العرب إذ أقبلت امرأة أبي الأسود الدؤلي حتى حاذت معاوية وقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ان الله جعلك خليفة في البلاد ورقيباً على العباد يستسقي بك المطر ويستثبت بك الشجر وتؤلف بك الأهواء ويأمن بك الخائف ويردع بك الجانف فأنت الخليفة المصطفى والإمام المرتضى فاسأل الله لك النعمة في غير تغيير والعافية من غير تعذير لقد ألجأني إليك يا أمير المؤمنين أمرٌ ضاق علي فيه المنهج وتفاقم عليّ فيه المخرج لأمرٍ كرهت عاره لما خشيت إظهاره فلينصفني أمير المؤمنين من الخصم فإني أعوذ بعقوته من العار الوبيل والأمر الجليل الذي يشتد على الحرائر ذوات البعول الأجائر فقال لها معاوية ومن بعلك هذا الذي تصفين من أمره المنكر ومن فعله المشهر قال فقالت هو أبو الأسود الدؤلي قال فالتفت إليه فقال يا أبا الأسود ما تقول هذه المرأة قال فقال أبو الأسود هي تقول من الحق بعضاً ولن يستطيع أحد عليها نقضاً أما ذكرت من طلاقها فهو حق وأنا مخبر أمير المؤمنين عنه بالصدق والله يا أمير المؤمنين ما طلقتها عن ريبة ظهرت ولا لأي هفوة ولكني كرهت شمائلها فقطعت عني حبائلها فقال معاوية وأي شمائلها يا أبا الأسود كرهت قال يا أمير المؤمنين إنك مهيجها عليّ بجواب عتيد ولسان شديد فقال له معاوية لا بد لك من محاورتها فاردد عليها قولها عند مراجعتها فقال أبو الأسود يا أمير المؤمنين إنها كثيرة الصخب دائمة الذرب مهينة للأهل موذية للبعل مسيئة إلى الجار مظهرة للعار إن رأت خيراً كتمته وإن رأت شراً أذاعته قال فقالت والله لولا مكان أمير المؤمنين وحضور من حضره من المسلمين لرددت عليك بوادر كلامك بنوافذ أقرع كل سهامك وإن كان لا يجمل بالمرأة الحرة أن تشتم بعلاً ولا أن تظهر لأحد جهلاً فقال معاوية عزمت عليك لما أجبته قال فقالت يا أمير المؤمنين ما علمته إلا سؤلاً جهولاً ملحاً بخيلاً إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دغائل ليث حين يأمن وثعلب حين يخاف شحيح حين يضاف إن ذكر الجود انقمع لما يعرف من قصر شأنه ولؤم آبائه ضيفه جائع وجاره ضائع لا يحفظ جاراً ولا يحمي ذماراً ولا يدرك ثأراً أكرم الناس عليه من أهانه وأهونهم عليه من أكرمه قال فقال معاوية سبحان الله لما تأتي به هذه المرأة من السجع قال فقال أبو الأسود أصلح الله أمير المؤمنين إنها مطلقة ومن أكثر كلاماً من مطلقة فقال لها معاوية إذا كان رواحاً فتعالي أفصل بينك وبينه بالقضاء قال فلما كان الرواح جاءت ومعها ابنها قد احتضنته فلما رآها أبو الأسود قام إليها لينتزع ابنه منها فقال له معاوية يا أبو الأسود لا تعجل المرأة أن تنطق بحجتها قال يا أمير المؤمنين أنا أحق بحمل ابني منها فقال له معاوية يا أبا الأسود دعها تقل فقال يا أمير المؤمنين حملته قبل أن تحمله ووضعته قبل أن تضعه قال فقالت صدق والله يا أمير المؤمنين حمله خفاً وحملته ثقلاً ووضعه بشهوة ووضعته كرهاً أن بطني لوعاؤه وإن ثديي لسقاؤه وإن حجري لفناؤه قال فقال معاوية سبحان الله لما تأتين به فقال أبو الأسود أنها تقول الأبيات من الشعر فتجيدها قال فقال معاوية أنها قد غلبتك في الكلام فتكلف لها أبياتاً لعلك تغلبها قال فأنشأ أبو الأسود يقول:
مرحباً بالتي تجور علينا ... ثم سهلاً بالحامل المحمول
أغلقت بابها عليّ وقالت ... إن خير النساء ذات البعول
شغلت نفسها عليّ فراغاً ... هل سمعتم بالفارغ المشغول
قال فأجابته وهي تقول:
ليس من قال بالصواب وبالحمق ... كمن جار عن منار السبيل
كان ثديي سقاءه حين يضحي ... ثم حجري فناؤه بالأصيل
لست أبغي بواحدي يا بن حرب ... بدلاً ما علمته والخليل
قال فأجابها معاوية:
ليس من غذاه حيناً صغيراً ... وسقاه من ثديه بخذول
هي أولى به وأقرب رحماً ... من أبيه بالوحي والتنزيل

أم ما حنت عليه وقامت ... هي أولى بحمل هذا الضئيل
قال فقضي لها معاوية عليه واحتملت ابنها وانصرفت.

كلام صفية بنت هشام المنقرية
حدثني أبو الحسن بن الأعرابي الكوفي قال حدثني أبو خالد يزيد بن يحيى الخزاعي عن محمد بن مسلمة عن أبيه قال توفى الأحنف في دار عبد الله بن أبي العصيفير بالكوفة وكان مصعب بن الزبير إذ ذاك أميراً على الكوفة من قبل أخيه عبد الله بن الزبير قال فشيع مصعب بن الزبير جنازة الأحنف فخرج متسلباً في قميص بغير رداء وكانت الأمراء تفعل ذلك بالسيد إذا مات قال فلما دفن الأحنف أقبلت صفية بنت هشام المنقرية على نجيب لها متخصرة وكانت بنت عم الأحنف حتى وقفت على قبره فقالت لله درك من مجن في جنن ومدرج في كفن إنا لله وإنا إليه راجعون جعل الله سبيل الخير سبيلك ودليل الرشد دليلك أما والذي أسأله أن يفسح لك في مدخلك وأن يبارك لك في محشرك والذي كنت من أجله في عدة ومن الكآبة في مدة ومن الأثرة إلى نهاية ومن الضمار إلى غاية لقد كنت صحيح الأديم منيع الحرم عظيم السلم فاضل الحلم واري الزناد رفيع العماد وإن كنت لمسوّدا وإلى الملوك لموفداً وفي المحافل شريفاً وعلى الأرامل عطوفاً وكانت الملوك لقولك مستمعين ولرأيك متبعين ولقد عشت حميداً ودوداً ومت شهيداً فقيداً ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت عباد الله إن أولياء الله في بلاده شهودٌ على عباده وإنّا لقائلون حقاً ومثنون صدقاً وهو أهل لطيب الثناء فعليه رحمة الله وبركاته وما مثله في الناس إلا كما قال الشاعر في قيس بن عاصم:
عليك سلام الله يا قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيانُ قومٍ تهدما
سلامُ امريءٍ أودعته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سالما

قال فتعجب الناس من كلامها وقال فصحاؤهم تالله ما رأينا كاليوم قط ولا سمعنا أفصح ولا أبلغ من هذه قال فبعث إليها مصعب بن الزبير فخطبها إلى نفسه فأبت عليه فما زال يتعاهدها ببرّة حتى قتل " السجستاني " عن الأصمعي عن أبان بن تغلب قال أتيت المقابر فإذا أنا بصبية قد كادت تخفي بين قبرين لطافة وإذا هي تنظر بعين جؤذر فبينا هي كذلك إذ بدت لها كفان كأنهما لسان طائر بأطراف كأنها المداري وخضاب كأنه عنم ثم هبت الريح فرفعت عن برقعها فإذا بيضة نعام تحت أم رئال ثم قالت اللهم إنك لم تزل قبل كل شيء وأنت بعد كل شيء وقد خلقت والديَّ قبلي وخلقتني بعدهما فآنستني بقربهما ما شئت ثم أوحشتني منهما إذ شئت اللهم فكن لي منهما مؤنساً وكن لي بعدهما حافظاً قال فقلت يا صبية أعيدي لفظك فلم تسمع ومرت في كلامها ثم أعدت عليها فنظرت ثم قالت يا شيخ والله ما أنا لك بمحرم فتحادثني محادثة أهلك أهلك أولى بك قال فاستخفيت بين القبور مستحياً مما قالت لي ثم سألت عنها فإذا هي أيم فأتيت صديقاً لي فقلت له هل لك في أن يلم الله شعثك ويقر عينك قال وما ذاك قال فوصفت له الجارية وما رأيت من عقلها وسمعت من كلامها فقلت له أبغض من مالك عشرة آلاف درهم فإني أرجو أن تكون أحمد ما لك عاقبة قال فقال قد فعلت فخرجنا جميعاً أنا وهو حتى أتينا الخباء فإذا نحن بعمها فعرضنا عليه ذلك فقال يا هؤلاء والله ما لنا في أمورنا ولا أنفسنا شيء معها فكيف فيها ولكن اعرضوا عليها ما وصفتم ثم دخل الخباء فقال ها هي ذه قد خرجت تسمع ما تقولون قال فجلست خلف سجف لها ثم قالت اللهم حي العصابة بالسلام واجزل لهم الثواب في دار المقام قل يا عم فأقبل عليها عمها فقال أي مفداة هذا عمك ونظير أبيك وقد خطبك علي ابن عمك نظيرك وقد بذل لك من الصداق عشرة آلاف درهم قال فأقبلت عليه فقالت يا عم أضرت بك الحاجة حتى طمعت طمعاً أخلّ بمرؤتك أتزوجني غلاماً حضرياً يغلبني بفطنته ويصول عليّ بمقدرته ويمنن عليّ بتفضله ويقول ياهنه بنت الهنة كلا إن الله واسعٌ كريم قال فرجعنا والله مدحوضي الحجة مردودين عن الحاجة " وقال الأصمعي " عن أبان بن تغلب قال سمعت امرأة توصي ابناً لها وأراد سفراً فقالت أي بني أوصيك بتقوى الله فإن قليله أجدى عليك من كثير عقلك وإياك والنمائم فإنها تورث الضغائن وتفرق بين المحبين ومثل لنفسك مثال ما تستحسن لغيرك ثم اتخذه إماماً وما تستقبح من غيرك فاجتنبه وإياك التعرض للعيوب فتصير نفسك غرضاً وخليق أن لا يلبت الغرض على كثرة السهام وإياك والبخل بمالك والجود بدينك فقالت أعرابية معها أسألك إلا زدته يا فلانة في وصيتك قالت أي والله والعذر أقبح ما يعامل به الإخوان وكفى بالوفاء جامعاً لما تشتت من الإخاء ومن جمع الحلم والسخاء فقد استجاد الحلة والفجور أقبح حلة وأبقى عاراً " وقال " الأصمعي عن أبان بن تغلب قال أضللت إبلاً لي فخرجت في بغائها فإذا أنا بجارية أعشي أشرق وجهها بصري فقالت مالك يا عبد الله وما بغيتك قالت أضللت إبلاً لي فأنا في طلبها فقالت أدلك على من علمها عنده قلت إذا تستوجبي الأجر وتكتسبي الحمد والشكر فقالت سل الذي أعطاكهن فهو الذي أخذهن منك من طريق اليقين لا من طريق الاختبار فإنه إن شاء فعل قال فاعجبني ما رأيت من عقلها وسمعت من فصاحتها فقلت لها ألك بعل فقالت كان ونعم البعل كان فدعى إلى ماله خلق فأجاب فقلت لها فهل لك في بعل لا تذم خلائقه ولا تخاف بوائقه قال فأطرقت طويلاً ثم قالت:
كنا كغصنين في ساق غذاؤهما ... ماء الجداول في روضات جنات
فاجتث خيرهما من أصل صاحبه ... دهر يكر بفرحات وترحات
وكان عاهدني إن خانني زمن ... أن لا يضاجع أنثى بعد مثواتي
وكنت عاهدته أيضاً فعاجله ... ريب المنون قريباً مذ سنيات
فاصرف عتابك عمن ليس بردعها ... عن الوفاء خلاب بالتحيات

كلام جمعة وهند بنتا الخس

قال محمد بن زياد الأعرابي أبو عبد الله وافت جمعة وهند بنتا الخس عكاظ في الجاهلية فاجتمعتا عند القلمس الكناني فقال لهما أني سائلكما لا علم أيكما أبسط وأظهر بياناً وأحسن للصفة إتقاناً قالتا سلنا عما بدا لك فستجد عندنا عقولاً ذكية وألسنة قوية وصفة جلية قال القلمس أي الإبل أحب إليك يا جمعة قالت أحب كل قراسية دوسر ملاحك الخلق عشنزر ململم مثل ملمومة المرمر ذي شقشقة مفرفر مصعب الون مدلى المشفر قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت نعم الجمل هذا في الشقة البعيدة والمسافة الشديدة وفي السباسب الجديبة وغيره أحب إليّ قال فقولي فقالت أحب كل ذي كاهل رفيع ملزز الخلق جميع محتمل ضليع يقل الرغاء ويعتسف البيداء وينهض بالأعباء قال القلمس كلتاكما محسنة فأي ذكور الإبل أبغض إليك يا جمعة قالت أبغض القصير القامة الصغير الهامة السريع السآمة الأجب الظهر كالنعامة قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت وصفت جملاً غير فحل ولا نجيب ولا شهم ولا صليب ولا رايع ولا عجيب وغيره أبغض إليّ منه قال فقولي قالت أبغض الضعيف المضطرب الذي كل حمل عليه تعب قال القلمس كلتاكما محسنة فأي النوق أحب إليك يا جمعة قالت أحب كل ناقة علكوم علنداة كتوم مثل الجمل الحجوم العظيم العيهوم يخلط بين الشد والرسيم في تيه المهامة والديموم قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذه صفة ناقة صاحبها خليق إن لا يهمه سفر ولا يسبقه خبر ولا يهوله خطر ولا يفوته ظفر وغيرها أحب إليّ منها قال فقولي قالت أحبها ضخمة مثل الجوسق شدقها مثل شدق النقنق مدمج خلقها موثق كثيرة الهباب ناحية الذهاب وشيكة الإياب قال القلمس كلتاكما محسنة فأي ذكور الخيل أحب إليك يا جمعة قالت أحب المنسوب جده الأسيل خده السريع شده الطويل مده الشديد هده الجميل قده قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذا فرس خليق إن طلب لم يلحق وإن جوري لم يسبق وإن يوهي لم يفق وغيره أحب إليّ منه قال فقولي قالت أحب الوثيق الخلق الكريم العرق الكثير السبق الشديد الذلق يمر من البرق قال كلتاكما محسنة فأي إناث الخيل أحب إليك يا جمعة قالت أحب كل حيية الفؤاد سبوح جواد سلسة القياد شديدة الاعتماد في الدفع والاشتداد ذات هباب وثماد قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذه فرس صاحبها خليق أن لا يفوته أمر ولا يهوله ذعر إذا شاء كر وإذا هاب فر وغيرها أحب إليّ منها قال فقولي قالت أحب الشديد أسرها البعيد صبرها القليل فترها الجميل قدرها السريع مرها المخوف كرّها قال القلمس كلتاكما محسنة فأي ذكور الخيل أبغض إليك يا جمعة قالت أبغض كل بليد وارم الوريد ذا وكال شديد لا ينجيك هارباً ولا تظفر به طالباً ولا يسرك شاهداً ولا غائباً قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذا فرس إمساكه بلاء وعلاجه عناء وركوبه شقاء وغيره أبغض إليّ منه قال فقولي قالت أبغض السريع البهر البطيء الحصر السكيت الطفر قال القلمس كلتاكما محسنة فأي المعزى أحب إليك يا جمعة قالت أحب ذات الزنمتين المنفوخة الجنبين المذكرة القرنين الدقيقة الطبيين تروي الولدين وتشبع أهل البيتين قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذه عنز رجل خليق إن تمتلئ أوطابه ويدوم شرابه ويخصب أصحابه وغيرها أحب إليّ منها قال فقولي قالت أحب ذات الضرع العريض ثقيل في الربيض مترع يفيض ليس بمنزوف ولا مغيض قال كلتاكما محسنة فأي السحاب أحسن في عينك يا جمعة قالت أحب كل ركام ملتف أسحم رجاف مسف يكاد يمسه من قام بالكف قال كيف تسمعين يا هند قالت وصفت سحاباً مسترخي العزالي كثير التهاطل غزير السجال وغيره أحب إليّ منه قال فقولي قالت أحب كل صبير دلاح مثعنجر نضاح متجاوب النواحي كأن برقه ضوء مصباح قال القلمس كلتاكما محسنة فأي النساء أحب إليك يا جمعة قالت أحب الغريرة العذراء الرعبوبة العيطاء الممكورة اللفاء ذات الجمال والبهاء والستر والحياء البضة الرخصة كأنها فضة بيضاء قال كيف تسمعين يا هند قالت وصفت جارية هي حاجة الفتى ونهية الرضاء وغيرها أحب إليّ منها قال فقولي قالت أحب كل مشبعة الخلخال ذات شكل ودلال وظرف وبهاء وجمال قال القلمس كلتاكما محسنة فأي النساء أبغض إليك يا جمعة قالت أبغض كل سلفع بذية جاهلة غبية حريصة دنية غير كريمة ولا سرية ولا ستيرة ولا حييه قال كيف تسمعين يا هند قالت وصفت امرأة صاحبها

خليق أن لا تصلح له حال ولا ينعم له بال ولا يثمر له مال وغيرها أبغض إليّ منها قال فقولي قالت أبغض المتجرفة الشوهاء المنفوحة الكبداء العنفص الوقصاء الحمشة الزلاء التي إن ولدت لم تنجب وإن زجرت لم تعتتب وإن تركت طفقت تصخب قال القلمس كلتاكما محسنة فأي الرجال أحب إليك يا جمعة قالت أحب الحر النجيب السهل القريب السمح الحسيب الفطن الأريب المصقع الخطيب الشجاع المهيب قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت وصفت رجلاً سيداً جواداً ينهض إلى الخير صاعداً ويسرك غائباً و شاهداً وغيره أحب إليّ منه قال فقولي قالت أحب الرحب الزراع الطويل الباع السخي النفاع المنيع الدفاع والدهمثي المطاع البطل الشجاع الذي يحل باليفاع ويهين في الحمد المتاع قال كلتاكما محسنة فأي الرجال أبغض إليك يا جمعة قالت أبغض السآلة اللئيم البغيض الزنيم الأشوه الدميم الظاهر العصوم الضعيف الحيزوم قال كيف تسمعين يا هند قالت ذكرت رجلاً خطره صغير وخطبه يسير وعيبه كثير وأنت ببغضه جدير وغيره أبغض إليّ منه قال فقولي قالت أبغض الضعيف النخاع القصير الباع الأحمق المضياع الذي لا يكرم ولا يطاع قال القلمس كلتاكما محسنة فهل تقولان من الشعر شيئاً قالتا نعم قال فقولي يا جمعة فقالت: أن لا تصلح له حال ولا ينعم له بال ولا يثمر له مال وغيرها أبغض إليّ منها قال فقولي قالت أبغض المتجرفة الشوهاء المنفوحة الكبداء العنفص الوقصاء الحمشة الزلاء التي إن ولدت لم تنجب وإن زجرت لم تعتتب وإن تركت طفقت تصخب قال القلمس كلتاكما محسنة فأي الرجال أحب إليك يا جمعة قالت أحب الحر النجيب السهل القريب السمح الحسيب الفطن الأريب المصقع الخطيب الشجاع المهيب قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت وصفت رجلاً سيداً جواداً ينهض إلى الخير صاعداً ويسرك غائباً و شاهداً وغيره أحب إليّ منه قال فقولي قالت أحب الرحب الزراع الطويل الباع السخي النفاع المنيع الدفاع والدهمثي المطاع البطل الشجاع الذي يحل باليفاع ويهين في الحمد المتاع قال كلتاكما محسنة فأي الرجال أبغض إليك يا جمعة قالت أبغض السآلة اللئيم البغيض الزنيم الأشوه الدميم الظاهر العصوم الضعيف الحيزوم قال كيف تسمعين يا هند قالت ذكرت رجلاً خطره صغير وخطبه يسير وعيبه كثير وأنت ببغضه جدير وغيره أبغض إليّ منه قال فقولي قالت أبغض الضعيف النخاع القصير الباع الأحمق المضياع الذي لا يكرم ولا يطاع قال القلمس كلتاكما محسنة فهل تقولان من الشعر شيئاً قالتا نعم قال فقولي يا جمعة فقالت:
أشد وجوه القول عند ذوي الحجى ... مقالة ذي لب يقول فيوجز
وأفضل غنم يستفاد ويبتغي ... ذخيرة عقل يحتويها ويحرز
وخير خلال المرء صدق لسانه ... وللصدق فضلٌ يستبين ويبرز
وإنجازك الموعود من سبب الغنى ... فكن موقياً بالوعد تعطي وتنجز
ولا خير في حريريك بشاشة ... ويطعن من خلف عليك ويلمز
إذا المرء لم يسطع سياسة نفسه ... فإن به عن غيرها هو أعجز
وكم من وقور يقمع الجهل حلمه ... وآخر من طيش إلى جهل يجمز
وكم من أصيلِ الرأي طلق لسانه ... بصير بحسن القول حين يميز
وآخر مأفون يلوك لسانه ... ويعجن بالكوعين نوكاً ويخبز
وكم من أخي شر قد أوثق نفسه ... وآخر ذخر الخير يحوي ويكنز
يفر الفتى والموت يطلب نفسه ... سيدركه لا شك يوماً فيجهز
قال القلمس قد أحسنت يا جمعة فقولي أنت يا هند فقالت:
وجدت وخير القول في الحكم نافع ... ذوي الطول مما قد يعمم ويلبس
وليس الفتى عندي بشيء أعده ... إذا كان ذا مالٍ من العقل مفلس
وذو الجبن مما يسعر الحرب نفخه ... يهيج منها نارها ثم يخنس
وكم من كثير المال يقبض كفه ... وكم من قليل المال يعطي ويسلس
وكم من صغير نزدريه لعله ... يهيج كبيراً شره متبجس
وكم من مراء ذي صلاحٍ وعفة ... يختال بالتقوى هوي الذئب الأملس

وآخر ذي طمرين صاحب نية ... يجود بأعمال التقى ثم ينفس
وكم من سفيه للجماعة مفسد ... يدب الشر بينهم ويوسوس
وذو الظلم مذموم الثنا ظاهر الخنا ... غني عن الحسنى وبالشر يعرس
قال القلمس قد أحسنتما فزيديني يا جمعة فقالت:
رأيت بني الدنيا كأحلام نائم ... وكالفيء يدنو ظله ثم يقلص
وكل مقيم في الحياة وعيشه ... بلا شك يوماً أنه سوف يشخص
يفر الفتى من خشية الموت والردى ... وللموت حتف كل حي سيغفص
أتاه حمام الموت يسعى بحتفه ... وقد كان مغروراً بدنيا تربص
كأنك في دار الحياة مخلد ... وقد بان منها من مضى وتقنصوا
لقد أفسد الدنيا وعيش نعيمها ... فجائع تترى تعتري وتنغص
الإرب مرزوق بغير تكلف ... وآخر محروم يجد ويحرص
فقالت هند:
لقد أيقنت نفس غير باطل ... وإن عاش حيناً أنه سوف يهلك
ويشرب بالكأس الذعاف شرابها ... ويركب حد الموت كرهاً ويسلك
وكم من أخي دنيا يثمر ماله ... سيورث ذاك المال رغماً ويترك
عليك بأفعال الكرام ولينهم ... ولا تك مشكاساً تلج وتمحك
ولا تك مزاحاً لدى القوم لعبة ... تظل أخاً هزء بنفسك يضحك
تخوض بجهل سادراً في فكاهة ... وتدخل في غي الغواة وتشرك
الإرب ذي حظ يبصر فعلة ... وآخر مصروف في الحظ يؤفك
فقال أحسنتما وأجملتما فبارك الله فيكما ووصلهما وحباهما.

كلام آمنة بنت الشريد

قال حدثنا العباس بن بكار قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الزهري وسهل بن أبي سهل التميمي عن أبيه قالا لما قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعث معاوية في طلب شيعته فكان في من طلب عمر بن الحمق الخزاعي فراغ منه فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم أن عبد الرحمن بن الحكم ظفر بعمر بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه إلى معاوية وهو أول رأس حمل في الإسلام فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به إلى آمنة في السجن وقال للحرسي احفظ ما تكلم به حتى توديه إليّ واطرح الرأس في حجرها ففعل هذا فارتاعت له ساعة ثم وضعت يدها على رأسها وقالت واحزنا لصغره في دار هوان وضيق من ضيمه سلطان نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه إليّ قتيلاً فأهلاً وسهلاً بمن كنت له غير قالية وأنا له اليوم غير ناسية ارجع به أيها الرسول إلى معاوية فقل له ولا تطوه دونه أيتم الله ولدك وأوحش منك أهلك ولا غفر لك ذنبك فرجع الرسول إلى معاوية فأخبره بما قالت فأرسل إليها فأتته وعنده نفر فيهم إياس بن حسل أخو مالك بن حسل وكان في شدقيه نتوء عن فيه لعظم كان في لسانه وثقلٍ إذا تكلم فقال لها معاوية أأنت يا عدوة الله صاحبة الكلام الذي بلغني قالت نعم غير نازعة عنه ولا معتذرة منه ولا منكرة له فلعمري لقد اجتهدت في الدعاء إن نفع الاجتهاد وإن الحق لمن وراء العباد وما بلغت شيئاً من جزائك وإن الله بالنقمة من ورائك فأعرض عنها معاوية فقال إياس اقتل هذه يا أمير المؤمنين فوالله ما كان زوجها أحق بالقتل منها فالتفتت إليه فلما رأته ناتئ الشدقين ثقيل اللسان قالت تباً لك ويلك بين لحيتيك كجثمان الضفدع ثم أنت تدعوه إلى قتلي كما قتل زوجي بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين فضحك معاوية ثم قال لله درك أخرجي ثم لا أسمع بك في شيء من الشام قالت وأبي لأخرجن ثم لا تسمع لي في شيءٍ من الشام فما الشام لي بحبيب ولا أعرج فيها على حميم وما هي لي بوطن ولا أحن فيها إلى سكن ولقد عظم فيها ديتي وما قرت فيها عيني وما أنا فيها إليك بعائدة ولا حيث كنت بحامدة فأشار إليها ببنانه أخرجي فخرجت وهي تقول واعجبي لمعاوية يكف عني لسانه ويشير إلى الخروج ببنانه أما والله ليعارضنه عمرو بكلام مؤيد سديد أوجع من نوافذ الحديد أو ما أنا بابنة الشريد فخرجت وتلقاها الأسود الهلالي وكان رجلاً أسود أصلع أسلع أصعل فسمعها وهي تقول ما تقول فقال لمن تعني هذه ألأمير المؤمنين تعني عليها لعنة الله فالتفتت إليه فلما رأته قالت خزياً لك وجدعاً أتلعنني واللعنة بين جنبيك وما بين قرنيك إلى قدميك اخسأ يا هامة الصعل ووجه الجعل فأذلل بك نصيراً وافلل بك ظهيراً فبهت الأسلع ينظر إليها ثم سأل عنها فأخبر فأقبل إليها معتذراً خوفاً من لسانها فقالت قد قبلت عذرك وإن تعد أعد ثم لا أستقيل ولا أراقب فيك فبلغ ذلك معاوية فقال زعمت يا أسلع أنك لا تواقف من يغلبك أما علمت أن حرارة المتبول ليست بمخالسة نوافذ الكلام عند مواقف الخصام أفلا تركت كلامها قبل البصبصة منها والاعتذار إليها قال أي والله يا أمير المؤمنين لم أكن أرَ شيئاً من النساء يبلغ من معاضيل الكلام ما بلغت هذه المرأة جالستها فإذا هي تحمل قلباً شديداً ولساناً حديداً وجواباً عتيداً وهالتني رعباً وأوسعتني سباً ثم التفت معاوية إلى عبيد بن أوس فقال ابعث لها ما تقطع به عنا لسانها وتقضي به ما ذكرت من دينها وتخف به إلى بلادها وقال اللهم اكفني شر لسانها فلما أتاها الرسول بما أمر به معاوية قالت يا عجبي لمعاوية يقتل زوجي ويبعث إليّ بالجوائز فليت أبي كرب سد عني حره صله خذ من الرضعة ما عليها فأخذت ذلك وخرجت تريد الجزيرة فمرت بحمص فقتلها الطاعون فبلغ ذلك الأسلع فأقبل إلى معاوية كالمبشر لهه فقال افرخ روعك يا أمير المؤمنين قد استجيبت دعوتك في ابنة الشريد وقد كفيت شر لسانها قال وكيف ذلك قال مرت بحمص فقتلها الطاعون فقال له معاوية فنفسك فبشر بما أحببت فإن موتها لم يكن على أحد أروح منه عليك ولعمري ما انتصفت منها حين أفرغت عليك شؤبوباً وبيلاً فقال الأسلع ما أصابني من حرارة لسانها شيء إلا وقد أصابك مثله أو أشد منه.

كلام امرأة من بني ذكوان
في مجلس معاوية

قال حدثني عبد الله بن الضحك الهدادي قال حدثنا هشام بن محمد عن عوانه وحدثني محمد بن عبد الرحمن بن القاسم النميمي عن أبيه عن خالد بن سعيد عن رجل من بني أمية قال حضرت معاوية يوماً وقد أذن للناس اذناً عاماً فدخلوا عليه لمظالمهم وحوائجهم فدخلت امرأة كأنها قلعة ومعها جاريتان لها فحدرت اللثام عن لون كأنما أشرب ماء الدر في حمرة التفاح ثم قالت الحمد لله يا معاوية الذي خلق اللسان فجعل فيه البيان ودل به على النعم وأجرى به القلم فيما أبرم وحتم ودرأ و برأ وحكم وقضا صرف الكلام باللغات المختلفة على المعاني المتفرقة الفها بالتقديم والتأخير والأشباه والمناكر والموافقة والتزايد فأدَّتهُ الآذان إلى القلوب وأدته القلوب إلى الألسن بالبيان استدل به على العلم وعبد به الرب وأبرم به الأمر وعرفت به الأقدار وتمت به النعم فكان من قضاء الله وقدره أن قربت زياداً وجعلت له بين آل سفيان نسباً ثم وليته أحكام العباد يسفك الدماء بغير حلها ولا حقها ويهتك الحرم بلا مراقبة الله فيها خؤون غشوم كافر ظلوم يتحير من المعاصي أعظمها لا يرى لله وقاراً ولا يظن أن له معاداً وغداً يعرض عمله في صحيفتك وتوقف على ما أجترم بين يدي ربك ولك برسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه أسوة وبينك وبينه صهر فلا الماضين من أئمة الهدى اتبعت ولا طريقتهم سلكت جعلت عبد ثقيف على رقاب أمة محمد صلى الله عليه يدبر أمورهم ويسفك دماءهم فماذا تقول لربك يا معاوية وقد مضى من أجلك أكثره وذهب خيره وبقي وزره إني امرأة من بني ذكوان وثب زياد المدعي إلى أبي سفيان على ضيعتي ورثتها عن أبي وأمي فغصبنيها وحال بيني وبينها وقتل من نازعه فيها من رجالي فأتيتك مستصرخة فإن أنصفت وعدلت وإلا وكلتك وزياد إلى الله عز وجل فلن تبطل ظلامتي عندك ولا عنده والمنصف لي منكما حكم عدل فبهت معاوية ينظر إليها متعجباً من كلامها ثم قال ما لزياد لعن الله زياداً فإنه لا يزال يبعث على مثالبه من ينشرها وعلى مساويه من يثيرها ثم أمر كاتبه بالكتاب إلى زياد يأمره بالخروج إليها من حقها وإلا صرفه مذموماً مدحوراً ثم أمر لها بعشرين ألف درهم وعجب معاوية وجميع من حضره من مقالتها وبلوغها حاجتها.

كلام أم سنان بنت خيثمة
بن خرشة
قال حدثنا العباس بن بكار قال حدثني عبد الله بن سليمان المديني عن أبيه عن سعيد بن حذافة قال حبس مروان بن الحكم غلاماً من بني ليث في جنايةٍ جناها بالمدينة فأتته جدة الغلام أم أبيه وهي أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية فكلمته في الغلام فأغلظ لها مروان فخرجت إلى معاوية فدخلت عليه فانتسبت له فقال مرحباً بك يا بنت خيثمة ما أقدمك أرضي وقد عهدتك تشنئين قربي وتحضين عليّ عدوي قالت يا أمير المؤمنين إن لبني عبد مناف أخلاقاً طاهرة وأعلاماً ظاهرة لا يجهلون بعد علم ولا يسفهون بعد حلم ولا يتعقبون بعد عفو فأولى الناس بأتباع سنن آبائه لأنت قال صدقت نحن كذلك فكيف قولك:
عزب الوقاد فمقلتي ما ترقد ... والليل يصدر بالهموم ويورد
يا آل مذحج لا مقام فشمروا ... إن العدو لآل أحمد يقصد
هذا علي كالهلال يحفه ... وسط السماء من الكواكب أسعد
خير الخلائق وابن عم محمد ... وكفي بذاك لمن شناه تهدد
ما زال مذ عرف الحروب مظفراً ... والنصر فوق لوائه ما يفقد
قالت كان ذلك يا أمير المؤمنين وانا لنطمع بك خلفاً فقال رجل من جلسائه كيف يا أمير المؤمنين وهي القائلة أيضاً:
أما هلكت أبا الحسين فلم تزل ... بالحق تعرف هادياً مهدياً
فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت ... فوق الغصون حمامة قمرياً
قد كنت بعد محمدٍ خلفاً لنا ... أوصى إليك بنا فكنت وفياً
فاليوم لا خلف نأمل بعده ... هيهات نمدح بعده أنسياً

قالت يا أمير المؤمنين لسان نطق وقول صدق ولئن تحقق فيك ما ظننا فحظك أوفر والله ما أورثك الشناءة في قلوب المسلمين إلا هؤلاء فادحض مقالتهم وأبعد منزلتهم فإنك إن فعلت ازددت بذلك من الله تبارك وتعالى قرباً ومن المؤمنين حباً قال وإنكِ لتقولين ذلك قالت يا سبحان الله والله ما مثلك من مدح بباطل ولا اعتذر إليك بكذب وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا كان والله عليّ عليه السلام أحب إلينا من غيره إذ كنت باقياً قال ممن قالت من مروان بن الحكم وسعيد بن العاص قال وبم استحققت ذلك عليهم قالت بحسن حلمك وكريم عفوك قال وإنهما ليطمعان فيّ قالت هما والله لك من الرأي على مثل ما كنت عليه لعثمان رحمه الله قال والله لقد قاربت فما حاجتك قالت إن مروان بن الحكم تبنك بالمدينة تبنك من لا يريد البراح منها لا يحكم بعدل ولا يقضي بسنة يتتبع عثرات المسلمين ويكشف عورات المؤمنين حبس بن أبنيه فأتيته فقال كيت وكيت فألقمته أخشن من الحجر والعفته أمر من الصبر ثم رجعت إلى نفسي باللائمة فأتيتك يا أمير المؤمنين لتكون من أمري ناظراً وعليه معدياً قال صدقت لا أسألك عن ذنبه ولا عن القيام بحجته اكتبوا لها بإخراجه قالت يا أمير المؤمنين وأنى لي بالرجعة وقد نفذ زادي وكلت راحلتي فأمر لها براحلة موطأة وخمسة آلاف درهم.

كلام لنساء متفرقات
إسحق بن إبراهيم الموصلي قال سمعت أعرابية تقول تيسروا للقاء الله عز وجل فإن هذه الأيام تدرجنا ادراجاً أحمد بن الحارث قال سمعت أبا عبد الله بن الأعرابي يقول عن عثمان بن حفص الثقفي قال مرّ ذو الإصبع العدواني بجوار يختلين في روضة من زهرتها فوقف ينظر إليهن فقالت إحداهن امضِ لشأنك فوالله ما منك السوار قال وما ذاك قالت رأيتك إذا جلست تهدمت وإذا قمت عجنت وإذا مشيت هدجت قال أبو النصر النعامي سألت بنت الخس عن المعزى فقالت طعم شهر وعناء دهر وقيل لها اشترى أبوك ضأناً قالت هنيئاً لأبي العناء وقرية لا حمي لها قيل لها اشترى أبوك إبلاً قالت هنيئاً لأبي الجمال قيل اشترى خيلاً قالت هنيئاً له العز بطونها كنز وظهورها عز قيل اشترى أبوك حمراً قالت عازبة الليل خزيَ النهار.
كلام نائلة بنت الفرافصة

وجدته في بعض الكتب ولم أروه عن أحد قال لما قتل عثمان بن عفان مكث ثلاثاً ثم دفن ليلاً قال فغدت نائلة ابنة الفرافصة الكلبية زوجته متسلبة في اطمار معها نسوة من قومها وغيرهم إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه فاستقبلت القبلة بوجهها ووجهت إحدى نسوتها تستنهض الناس قال فتقوضت الخلق نحوها وقد سدلت ثوبها على وجهها وألقت كمها على رأسها حتى آذنوها باجتماع الناس قال فحمدت الله وأثنت عليه وصلت علىالنبي صلى الله عليه وسلم ( ثم قالت عثمان ذو النورين قتل مظلوماً بينكم بعد الاعتذار وإن أعطاكم العتبي معاشر المؤمنة وأهل الملة لا تستنكروا مقامي ولا تستكثروا كلامي فإني حرى عبرى رزئت جليلاً وتذوقت ثكلاً من عثمان بن عفان ثالث الأركان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه في الفضل عند تراجع الناس في الشورى يوم الإرشاد فكان الطبيب المرتضى المختار حتى لم يتقدمه متقدم ولم يشك في فضله متأثم ألقوا إليه الأزمة وخلوه والأمة حين عرفوا له حقه وحمدوا مذاهبه وصدقه فكان واحدهم غير مدافع وخيرتهم غير منازع لا ينكر له حسن الغناء ولا عنه سماح النعماء إذ وصل أجنحة المسلمين حين نهضوا إلى رؤوس أئمة الكفر حيث ركضوا فقلدوه الأمور إذ لم يكن فيهم له نظير فسلك بهم سبيل الهدى وبالنبي وصاحبيه اقتدى مخسئاً للشيطان إلى مداحره مقصياً للعدوان إلى مزاحره تنقشع منه الطواغيت وتزايل عنه المصاليت امتد له الدين واتصل به السبيل المستقيم ولحق الكفر بالأطراف قليل الألآف والأحلاف فتركه حين لا خير في الإسلام في افتتاح البلاد ولا أرى لأهله في تجهيز البعوث فأقام يمدكم بالرأي ويمنعكم بالأدنى يصفح عن مسيئكم في إساءته ويقبل من محسنكم بإحسانه ويكافيكم بماله ضعيف الانتصار منكم قوي المعونة منكم فاستلنتم عريكته حين منحكم محبته وأجركم أرسانكم آمناً جرأتكم وعدوانكم فأراهكموا الحق إخواناً وأراكموه الباطل شيطاناً في عقب سيرة من رأيتموه فظاً وعددتموه غليظاً قهركم منه بالقمع وطاعتكم إياه على الجدع يعاملكم الحنة وتحونكم بالضرب وكان والله أعلم بآدابكم ومصالحكم فلله هو كأن قد نظر في ضمائركم وعرف إعلانكم وسرائركم فحين فقدتم سطوته وأمنتم بطشه ورأيتم أن الطرق قد انشعبت لكم والسبل قد اتصلت بكم ظننتم أن الله يصلح عمل المفسدين فعدوتم عدوة الأعداء وشددتم شدة السفهاء على النقي التقي الخفيف بكتاب الله عز وجل لسان الثقيل عند الله ميزاناً فسفكتم دمه وأنهكتم حرمه واستحللتم منه الحرم الأربع حرمة الإسلام وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام فليعلمن الذين سعوا في أمره ودبوا في قتله ومنعونا عن دفنه اللهم ان بئس للظالمين بدلاً وانهم شرُ مكاناً وأضعف جنداً لتتعبدنكم الشبهات ولتفرقن بكم الطرقات ولتذكرن بعدها عثمان ولا عثمان وكيف بسخط الله من بعده وأين كنتم كعثمان ذي النورين منفس الكرب زوج ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وصاحب البرمد ورومة هيهات والله ما مثله بموجود ولا مثل فعله بمعدود يا هؤلاء إنكم في فتنةٍ عمياء صماء طباق السماء ممتدة الحيران شوهاء العيان في لبسٍ من الأمر قد توزع كل ذي حقٍ حقه ويئس من كل خبرٍ أهله فلهوات الشر فاغرة وآيات السوء كاشرة وعيون الباطل خزر وأهله شزر ولئن نكرتم أمر عثمان وبشعتم الدعة لتنكرن غير ذلك من غيره حين لا ينفعكم عقاب ولا يسمع منكم استعتاب ثم أقبلت بوجهها على قبرالنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه فقالت اللهم اشهد.
أيا قبرالنبي صلى الله عليه وسلم صاحبيه ... عذيري إن شكوت ضياع ثوبي
فإني لا سبيل فتنفعوني ... ولا أيدكم في منع حوبي
ثم انصرفت باكية مسترجعة وتفرق الناس مع انصرافها.

كلام عائشة بنت عثمان بن عفان

قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام في ماله بينبع فلما قتل عثمان بن عفان خرج عنق من الناس يتساعون إلى علي " ع " تشتد بهم دوابهم واستطاروا فرحاً واستفزهم الجذل حتى قدموا به فبايعوه فلما بلغ ذلك عائشة ابنة عثمان صاحت بأعلى صوتها يا ثارات عثمان إنا لله وإنا إليه راجعون أفيت نفسه وطل دمه في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه ومنع من دفنه اللهم ولو يشاء لامتنع ووجد من الله عز وجل حاكماً ومن المسلمين ناصراً ومن المهاجرين شاهداً حتى يفيء إلى الحق من صد عنه أو تطيح هامات وتفرى غلاصم وتخاض دماء ولكن استوحش مما آنستم به واستوخم ما استمرأتموه يا من استحل حرم الله ورسوله واستباح حماه لقد نقمتم عليه أقل مما أتيتم إليه فراجع فلم تراجعوه واستقال فلم تقيلوه رحمة الله عليك يا أبتاه احتسبت نفسك وصبرت لأمر ربك حتى لحقت به وهؤلاء الآن قد ظهر منهم تراوض الباطل وإذكاء الشنآن وكوامن الأحقاد وإدراك الأحن والأوتار وبذلك وشيكاً كان كيدهم وتبغيهم وسعي بعضهم ببعض فما أقالوا عاثراً ولا استعتبوا مذنباً حتى اتخذوا ذلك سبباً في سفك الدماء وإباحة الحمى وجعلوا سبيلاً إلى البأساء والعنت فهلا علنت كلمتكم وظهرت حسكتكم إذا بن الخطاب قائم على رؤوسكم ماثل في عرصاتكم يرعد ويبرق بإرعابكم يقمعكم غير حذر من تراجعكم الأماني بينكم وهلاّ نقمتم عليه عوداً وبدءً إذ ملك ويملك عليكم من ليس منكم بالخلق اللين والجسم الفصيل يسعى عليكم وينصب لكم لا تنكرون ذلك منه خوفاً من سطوته وحذراً من شدته أن يهتف بكم متقسوراً أو يصرخ بكم متعذوراً إن قال صدقتم قالته وإن سأل بذلتم سألته يحكم في رقابكم وأموالكم كأنكم عجائز صلع واماء قصع فبدأ معلناً لابن أبي قحافة بإرث نبيكم على بعد رحمة وضيق بلده وقلة عدده فوقا الله شرها زعم لله دره ما أعرفه ما صنع أو لم يخصم الأنصار بقيس ثم حكم بالطاعة لمولى أبي حذافة يتمايل بكم يميناً وشمالاً قد خطب عقولكم واستمهر وجلكم ممتحناً لكم ومعترفاً أخطاركم وهل تسموا هممكم إلى منازعته ولولا تيك لكان قسمه خسيساً وسعيه تعيساً لكن بدر الرأي وثنّى بالقضا وثلث بالشورى ثم غدا سامراً مسلطاً درته عل عاتقه فتطأطأتم له تطأطأ الحقة ووليتموه أدباركم حتى علا أكتافكم فلم يزل ينعق بكم في كلِ مرتع ويشد منكم على كل محنق لا ينبعث لكم هتاف ولا يأتلف لكم شهاب يهجم عليكم بالسراء ويتورط بالحوباء عرفتم أو نكرتم لا تألمون ولا تستنطقون حتى إذا عاد الأمر فيكم ولكم وإليكم في مونقة من العيش عرقها وشيج وفرعها عميم وظلها ظليل تتناولون من كثب ثمارها أنى شئتم رغداً وحليت عليكم عشار الأرض درراً واستمرأتم أكلكم من فوقكم ومن تحت أرجلكم في خصب غدق وامق شرق تنامون في الخفض وتستلينون الدعة ومقتم زبرجة الدنيا وحرجتها واستحليتم غضارتها ونضرتها وظننتم أن ذلك سيأتيكم من كثب عفواً ويتحلب عليكم رسلاً فانتضيتم سيوفكم وكسرتم جفونكم وقد أبى الله أن تشام سيوف جردت بغياً وظلماً ونسيتم قول الله عز وجل إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً فلا يهنيكم الظفر ولا يستوطنن بكم الحصر فإن الله بالمرصاد وإليه المعاد والله ما يقوم الظليم إلا على رجلين ولا ترن القوس إلا على سيتين فأثبتوا في الغرز أرجلكم فقد ضللتم هداكم في المتيهة الحرقاء كما ضل أدحية الحسقل وسيعلم كيف تكون إذا كان الناس عباديد وقد نازعتكم الرجال واعترضت عليكم الأمور وساورتكم الحروب بالليوث وقارعتكم الأيام بالجيوش وحمى عليكم الوطيس فيوماً تدعون من لا يجيب ويوماً تجيبون من لا يدعو وقد بسط باسطكم كلتا يديه يرى أنهما في سبيل الله فيد مقبوضة وأخرى مقصورة والرؤوس تنزو عن الطلى والكواهل كما ينقف التنوم فما أبعد نصر الله من الظالمين واستغفر الله مع المستغفرين.

كلام فاطمة بنت عبد الملك

أخبرنا محمد بن سعد قال أخبرنا السجستاني قال أخبرنا العتبي قال حدثني حماد بن النضر عن محمد بن الليث عن عطا قال قلت لفاطمة بنت عبد الملك أخبريني عن عمر بن عبد العزيز قالت أفعل ولو كان حياً ما فعلت إن عمر رحمه الله كان قد فرغ للمسلمين نفسه ولأمورهم ذهنه فكان إذا أمسى مساء لم يفرغ فيه من حوائج يومه دعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله ثم صلى ركعتين ثم أقعى واضعاً رأسه على يديه تسيل دموعه على خديه يشهق الشهقة يكاد ينصدع لها قلبه أو تخرج لها نفسه حتى يرى الصبح وقد أصبح صائماً فدنوت منه فقلت له يا أمير المؤمنين ألشيءٍ كان منك ما كان قال أجل فعليك بشأنك وخلني بشأني فقلت إني أرجو أن أيقظ قال إذن أخبرك أنى نظرت فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها ثم ذكرت الفقير الجائع والغريب الضائع والأسير المقهور وذا المال القليل والعيال الكثير وأشياء من ذلك في أقاصي البلاد وأطراف الأرض فعلمت أن الله عز وجل سائلي عنهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيجي لا يقبل الله مني فيهم معذرة ولا تقوم لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة فرحمت والله يا فاطمة نفسي رحمة دمعت لها عيني ووجع لها قلبي فأنا كلما ازددت ذكراً ازددت خوفاً فأيقظي أودعي.

كلام عكرشة بنت الأطش
العباس بن بكار قال حدثنا أبو بكر الهذلي وعبد الله بن سليمان عن عكرمة وقال حدثنا المقدمي بإسناده عن الشافعي قالوا دخلت عكرشة بنت الأطش على معاوية وبيدها عكاز في أسفله زج مسقى فسلمت عليه بالخلافة وجلست فقال لها معاوية يا عكرشة الآن صرت أمير المؤمنين قالت نعم إذلا علي حي قال ألستِ صاحبة الكور المسدول والوسيط المشدود والمتقلدة بحمائل السيف وأنت واقفة بين الصفين يوم صفين تقولين " يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إن الجنة دارٌ لا يرحل عنها من قطنها ولا يحزن من سكنها فابتاعوها بدارٍ لا يدوم نعيمها ولا تنصرم همومها كونوا قوماً مستبصرين إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب غلف القلوب لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة دعاهم بالدنيا فأجابوه واستدعاهم إلى الباطل فلبوه فالله الله عباد الله في دين الله وإياكم والتواكل فإن في ذلك نقص عروة الإسلام وإطفاء نور الإيمان وذهاب السنة وإظهار الباطل هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين على بصيرة من دينكم واصبروا على عزيمتكم فكأني بكم غداً قد لقيتم أهل الشام كالحمر النهاقة والبغال الشحاجة تضفع ضفع البر وتروث روث العتاق " انتهت حكاية قولها ثم قال معاوية فوالله لولا قدر الله وما أحب أن يجعل لنا هذا الأمر لقد كان انكفأ على العسكران فما حملك على ذلك قالت يا أمير المؤمنين إن اللبيب إذا كره أمراً لم يحب إعادته قال صدقت اذكري حاجتك قالت يا أمير المؤمنين إن الله قد رد صدقاتنا علينا ورد أموالنا فينا إلا بحقها وأنا قد فقدنا ذلك فما ينعش لنا فقير ولا يجبر لنا كسير فإن كان ذلك عن رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظالمين قال معاوية يا هذه إنه تنوبنا أمور هي أولى بنا منكم من بحور تنبثق وثغور تنفتق قالت يا سبحان الله ما فرض الله لنا حقاً جعل فيه ضرراً على غيرنا ما جعله لنا وهو علام الغيوب قال معاوية هيهات يا أهل العراق فقهكم ابن أبي طالب فلن تطاقوا ثم أمر لها برد صدقتها وإنصافها وردها مكرمة.
كلام الدارمية الحجونية

وقال المقدمي أبو إسحاق قال حج معاوية سنة من سنيه فسأل عن امرأة يقال لها الدارمية الحجونية كانت امرأة سوداء كثيرة اللحم فاخبر بسلامتها فبعث إليها فجيء بها فقال لها كيف حالك يا ابنة حام قالت بخير ولست لحام إنما أنا امرأة من قريش من بني كنانة ثمت من بني أبيك قال صدقت هل تعلمين لم بعثت إليك قالت لا يا سبحان الله وأنى لي بعلم ما لم أعلم قال بعثت إليك أن أسألك علام أحببت علياً عليه السلام وأبغضتيني وعلام واليتيه وعاديتيني قالت أو تعفيني من ذلك قال لا أعفيك ولذلك دعوتك قالت فأما إذا أبيت فإني أحببت علياً عليه السلام على عدله في الرعية وقسمه بالسوية وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك وطلبك ما ليس لك وواليت علياً عليه السلام على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه من الولاية وحب المساكين وأعظامه لأهل الدين وعاديتك على سفكك الدماء شقك العصا قال صدقت فلذلك انتفخ بطنك وكبر ثديك وعظمت عجيزتك قالت يا هذا بهند " أم معاوية " والله يضرب المثل لا أنا قال معاوية يا هذه لا تغضبي فإنا لم نقل إلا خيراً انه إن انتفخ بطن المرأة ثم خلق ولدها وإذا كبر ثديها حسن غذاء ولدها وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها فرجعت المرأة فقال لها هل رأيت علياً قالت أي والله لقد رأيته قال كيف رأيته قالت لم ينفخه الملك ولم تصقله النعمة قال فهل سمعت كلامه قالت نعم قال فكيف سمعته قالت كان والله كلامه يجلو القلب من العمى كما يجلو الزيت صداء الطست قال صدقت هل لك من حاجة قالت وتفعل إذا سألت قال نعم قالت تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها قال ماذا تصنعين بها قالت اغذو بألبانها الصغار واستحني بها الكبار واكتسب بها المكارم وأصلح بها بين عشائر العرب قال فان أنا أعطيتك هذا أ حل منك محل علي عليه السلام قالت يا سبحان الله أو دونه أو دونه فقال معاوية:
إذا لم أجد منكم عليكم ... فمن ذا الذي بعدي يؤمل بالحلم
خذيها هنيئاً واذكري فعل ما جد ... حباك على حرب العداوة بالسلم
أما والله لو كان علياً ما أعطاك شيئاً قالت أي والله ولا برة واحدة من مال المسلمين يعطني ثم أمر لها بما سألت.

كلام جروة بنت مرة بن غالب

أبو عبد الله محمد بن زكريا قال حدثنا العباس بن بكار قال حدثني عبد الله بن سليمان المديني عن أبيه وسهيل التميمي عن أبيه عن عمته قالت احتجم معاوية بمكة فلما أمسى أرق أرقاً شديداً فأرسل إلى جروة ابنة غالب التميمية وكانت مجاورة بمكة وهي من بني أسيد بن عمرو بن تميم فلما دخلت قال لها مرحباً يا جروة أرعناك قالت أي والله يا أمير المؤمنين لقد طرقت في ساعةٍ لا يطرق فيها الطير في وكره فأرعت قلبي وريع صبياني وأفزعت عشيرتي وتركت بعضهم يموج في بعض يراجعون القول ويديرون الكلام خشية منك وشفقة فقال لها ليسكن روعك ولتطب نفسك فإن الأمر على خلاف ما ظننت أني احتجمت فأعقبني ذلك أرقاً فأرسلت إليك تخبريني عن قومك قالت عن أي قومي تسألني قال عن بني تميم قالت: يا أمير المؤمنين هم أكثر الناس عدداً وأوسعه بلداً وأبعده أمداً هم الذهب الأحمر والحسب الأفخر قال صدقت فنزليهم لي قال يا أمير المؤمنين أما بنو عمرو بن تميم فأصحاب بأسٍ ونجدة وتحاشد وشدة لا يتخاذلون عند اللقاء ولا يطمع فيهم الأعداء سلمهم فيهم وسيفهم على عدوهم قال صدقت ونعم القول لأنفسهم قالت وأما بنو سعد بن زيد مناه ففي العدد الأكثرون وفي النسب الأطيبون يضرون إن غضبوا ويدركون إن طلبوا أصحاب سيوف وجحف ونزال وزلف على أن بأسهم فيهم وسيفهم عليهم وأما حنظلة فالبيت الرفيع البديع والعز المنيع المكرومون للجار والطالبون بالثأر والناقضون للأوتار قال إن حنظلة شجرة تفرع قالت صدقت يا أمير المؤمنين وأما البراجم فأصابع مجتمعة وكف ممتنعة وأما طهية فقوم هوج وقرن لجوج وأما بنو ربيعة فصخرة صماء وحية وقشاء يغزون غيرهم ويفخرون بقومهم وأما بنو يربوع ففرسان الرماح وأسود الصباح يعتنقون الأقران ويقتلون الفرسان وأما بنو مالك فجمع غير مفلول وعز غير مجهول ليوث هرّارة وخيول كرارة وأما بنو دارم فكرم لا يداني وشرف لا يسامي وعز لا يوازي قال أنت أعلم الناس بتميم فكيف علمك بقيس قالت كعلمي بنفسي قال فخبرني عنهم قالت أما غطفان فأكثر سادة وأمنع قادة وأما فزارة فبيتها المشهور وحسبها المذكور وأما ذبيان فخطباء شعراء أعزة أقوياء وأما عبس فجمرة لا تطفأ وعقبة لا تعلى وحية لا ترقى وأما هوازن فحلم ظاهر وعزٌ قاهر وأما سليم ففرسان الملاحم وأسود ضراغم وأما نمير فشوكة مسمومة وهامة مذمومة وراية ملمومة وأما هلال فاسمٌ فخم وعز قوم وأما بنو كلاب فعدد كثير وفخرٌ أثير قال لله أنت فما قولك في قريش قالت يا أمير المؤمنين هم ذروة السنام وسادة الأنام والحسب القمقام قال فما قولك في عليّ عليه السلام قالت جاز والله في الشرف حداً لا يوصف وغاية لا تعرف وبالله أسأل أمير المؤمنين أعفاني مما أتخوف. قال قد فعلت. وأمر لها بضيعة نفيسة غلتها عشرة آلاف درهم.

كلام أم البراء بنت صفوان
قال وحدثنا العباس قال حدثنا سهيل بن أبي سفيان التميمي عن أبيه عن جعدة بن هبيرة المخزومي قال استأذنت أم البراء بنت صفوان بن هلال على معاوية فأذن لها فدخلت في ثلاثة دروع تسحبها قد كارت على رأسها كوراً كهيئة المنسف فسلمت ثم جلست فقال كيف أنت يا بنت صفوان قالت بخير يا أمير المؤمنين قال فكيف حالك قالت ضعفت بعد جلدٍ وكسلت بعد نشاط قال سيان بينك اليوم وحين تقولين:
يا عمرو دونك صارماً ذا رونق ... عضب المهزة ليس بالخوار
أسرج جوادك مسرعاً ومشمراً ... للحرب غير معرّد لفرار
أجب الإمام ودب تحت لوائه ... وافر العدو بصارم بتار
يا ليتني أصبحت ليس بعورة ... فأذب عنه عساكر الفجار
قالت قد كان ذاك يا أمير المؤمنين ومثلك عفا والله تعالى يقول عفا الله عما سلف قال هيهات أما أنه لو عاد لعدت ولكنه اخترم دونك فكيف قولك حين قتل قالت نسيته يا أمير المؤمنين فقال بعض جلسائه هو والله حين تقول يا أمير المؤمنين:
يا للرجال لعظم هول مصيبته ... فدحت فليس مصابها بالهازل
الشمس كاسفة لفقد إمامنا ... خير الخلائق والإمام العادل
يا خير من ركب المطايا ومن مشى ... فوق التراب لمحتف أو ناعل

حاشاالنبي صلى الله عليه وسلم قد هددت قواءنا ... فالحق أصبح خاضعاً للباطل
فقال معاوية قاتلك الله يا بنت صفوان ما تركت لقائل فقال مقالاً اذكري حاجتك قالت هيهات بعد هذا والله لا سألتك شيئاً ثم قامت فعثرت فقالت تعس شانئ عليّ فقال يا بنت صفوان زعمت إلا قالت هو ما علمت فلما كان من الغد بعث إليها بكسوة فاخرة ودراهم كثيرة وقال إذا أنا ضيعت الحلم فمن يحفظه؟

بلاغات النساء
في منازعات الأزواج في المدح والذم وصفاتهن لهم في منثور الكلام ومنظومه قال أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي حدثنا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ذات يوم أنا لك كأبي زرع قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو زرع فقال كان نسوة في الجاهلية إحدى عشر امرأة قعدن قتذاكرن أزواجهن فذم خمس ومدح ست فأما أولى الذوام " فقالت " زوجي لحم جمل غث بجبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقي " تعني " مهزولاً على رأس جبل تصف قلة خيره كالشيء الصعب لا ينال إلا بالمشقة تقول ليس له نقي أي مخ يقال نقوت العظم ونقيته " يقول الشارح " شبهت قلة خيره بلحم الجمل الهزيل وشبهت سوء خلقه بالجبل الصعب المرتقى ثم قالت فلا الجبل سهل فيرتقى لأخذ اللحم ولو هزيلاً لأن الشيء المزهود فيه قد يؤخذ إذا وجد بغير تعب ولا اللحم سمين فتتحمل المشقة لأجل تحصيله.
وقالت الثانية زوجي عيآياء طباقاء كل داء له داء شحك أو فلك أو جمع كلالك. تقول كل داء من الناس هو فيه ومن أدوائه العياياء، العي الذي لا يحسن شيئاً ولا يحكم عملاً. طبآقاء مثل عيآياء به كل داء من جهل وضعف وخرق والعياياء من الإبل الذي لا يضرب ولا يلقح " يقول الشارح " شحك من الشحاك وهو عود يعرض في فم الجدي يمنعه من الرضاع. فلك المتفكك العظام والمعنى أنها تصفه بالجهل وبأن كل شيء تفرق في الناس من المعاتب موجود فيه وأنه لا خير في معاشرته ولا رجاء في رجوليته.
وقالت الثالثة زوجي إذا أكل لف وإذا شرب اشتف وإذا رقد التف ولا يدخل الكف حتى يعرف البث " يقال " لف في الأكل أكثر مخلطاً من صنوفه واشتف أخذ من الشفافة وهي البقية تبقى في الإناء من الشراب فإذا شربها قيل اشتفها وتشافها تشافاً قال وقولها لا يدخل الكف أنه كان بجسدها عيب أو داء تكتئب له لأن البث الحزن وكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك العيب فيشق عليها تصفه بالكرم " يقول الشارح " في تفسير مؤلف الكتاب للجملة الأخيرة خطأ والصواب أنها تصفه بكثرة الأكل والشرب وقلة الجماع وكل ذلك مذموم عند العرب والعرب تنمدح بقلة الأكل والشرب وكثرة الجماع لدلالتها على صحة الذكورية والرجولية - والمراد باللف الإكثار من الأكل واستقصاؤه حتى لا يترك شيئاً منه والاشتفاف في الشرب استقصاؤه وقولها إذا رقد التف أي رقد إلى ناحية وحده وانقبض عن زوجته أعراضاً فهي حزينة لذلك وكذلك قالت ولا يولج الكف حتى يعرف البث أي لا يمد يده ليعلم ما هي عليه الحزن فيزيله والمراد بالبث الحزن.
وقال الرابعة زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق - العشنق المفرط الطول تقول ليس عنده غناء من طوله بلا نفع يقول الشارح العشنق الطويل المذموم الطول ويروي أنه الطويل النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا تحكم النساء فيه بل يحكم فيهن بما شاء فزوجته تهابه إن تنطق بحضرته فهي تسكت على مضض - والمراد من قولها أنها منه على حذر فإن نطقت بعيوبه يبلغه كلامها فيطلقها وإن سكتت عنها فإنها عنده معلقة لا هي ذات زوج ولا هي أيم فكأنها قالت أنا عنده لا ذات بعل فأنتفع به ولا مطلقة فأتفرغ لغيره فهي كالمعلقة بين العلو والسفل لا تستقر بأحدهما.

وقالت الخامسة زوجي لا أنيء خبره أخاف أن لا أذره فأظهر عجره وبجره " العجر " أن يتعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد والبجر نحوها إلا أن البجر في البطن خاصة وامرأة بجراء لفلان بجره ورجل أبجر إذا كان عظيمها " يقول الشارح " قولها " لا أنيء خبره " أي لا أحكمه وقولها أن لا أذره أي لا أتركه وقولها عجره وبجره أمره كله أو همومه وأحزانه أو عيوبه الظاهرة والكامنة وأصل معنى عجر وبجر ما ذكره المصنف ثم استعملا فيما ذكرناه والمراد أنها أجملت حال زوجها واكتفت بالإشارة إلى معائبه مخافة أن يطول الخطب بذكر جميعها.
وقالت الأولى من اللواتي مدحن أزواجهن زوجي ليل تهامة ولا حر ولا قر " أي لا برد " ولا مخافة ولا سآمة، سآمة تقول لا يسأمني فيمل صحبتي تقول ليس عنده أذى ولا مكروه وهذا مثل لأن الحر والبرد كلاهما فيه مكروه تقول ليس عنده غائلة ولا شراً أخافه " تصفه بجميل العشرة واعتدال الحال " .
وقالت الثانية زوجي المسّ مس أرنب والريح ريح زرنب أغلبه والناس يغلب ريح زرنب وهو ضرب من الطيب تصفه بحسن الخلق ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهره " يقول الشارح " وتصفه أيضاً باستعماله الطيب تظرفاً وبأنه مع شجاعته تغلبه هي لكرمه معها وهذا معنى قولها أغلبه والناس يغلب ولو اقتصرت على قولها أغلبه لظن أنه جبان ضعيف فلما قالت والناس يغلب دل على أن غلبها إياه لكرم سجاياه فتمت بهذه الكلمة المبالغة في حسن أوصافه.
وقالت الثالثة زوجي رفيع العماد عظيم الرماد طويل النجاد قريب البيت من الناد " رفيع العماد أي حسبه فوق أحساب قومه كما أن عماد بيوتهم طوال فشبهته بها والنادي مجلس الحي حيث يجتمعون طويل النجاد تصفه بامتداد القامة والنجاد حمائل السيف قريب البيت من النادي أي ينزل بين ظهراني الناس ليعلموا مكانه " يقول الشارح " قولها " رفيع العماد " وصفته بطول البيت وعلوه وهكذا يفعل أشراف العرب ليقصدهم الأضياف والطارقون والوافدون وقولها " عظيم الرماد " تعني أن نار قراه للأضياف لا تطفىء لتهتدي الضيفان إليها فيصير رماد النار كثيراً لذلك وقولها " طويل النجاد " تعني أنه طويل القامة يحتاج إلى طول حمالة سيفه وفي ضمن كلامها أنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته وقولها " قريب البيت من الناد " الناد " أي النادي " وقفت عليها بالسكون لمواخاة السجع وبقية التفسير ذكره المصنف.
وقالت الرابعة زوجي إن خرج أسد وإن دخل فهد ولا يسأل عما عهد " أسد تصفه بالشجاعة فهد تصفه بكثرة النوم والغفلة في المنزل على وجه المدح " " يقول الشارح " تقول إن خرج على الناس فله شجاعة الأسد جرأة وإقداماً وإن دخل عليها كان كالفهد أما في لينه وغفلته لأنه يوصف بالحياء وقلة الشر وأما في وثوبه فكأن زوجها يثب عليها في جماعة إياها وثوب الفهد " ولا يسأل عما عهد " تعني أنه كريم كثير التغاضي لا يسأل عما ذهب من ماله.
وقالت الخامسة زوجي أبو مالك وما أبو مالك ذوابل كثيرات المبارك قريبات المسارح إذا سمعن صوت مزهر أيقن أنهن هوالك " تقول لا بوجههن ليسرحهن نهار إلا قليلاً لكنهن يتركن بفنائه فإن نزل به ضيف لم تكن الإبل غائبة عنه ولكنها بحضرته فيقريه من ألبانها ولحومها والمزهر العود تقول قد عود إبله إذا نزل به الضيفان أن ينحر لهم ويسقيهم الشراب ويأتيهم بالمعازف " يقول الشارح " المبارك ج مبرك وهو موضع نزول الإبل والمسارح ج مسرح وهو الموضع الذي تطلق لترعى فيه والمزهر آلة من آلات اللهو تصفه بالثروة والاستعداد للكرم ويروي أيضاً " وهو أمام القوم في المهالك " أي في الحروب أي أنه يتقدم لثقته في شجاعته.

وقالت السادسة زوجي أبو زرع وما أبو زرع وجدني في أهل غنيمة بشق فنقلني إلى أهل جامل وصهيل وأطيط ودايس ومنق ملأ من شحم عضدي وأناس من حلى أذني وبجح نفسي فبجحت إليه فأنا أنام فأتصبح وأشرب فأتقمح وأقول فلا أقبح " قولها " وجدني في أهل غنيمة تعني أن أهلها أصحاب غنم ليس بأصحاب خيل قال والتقمح في الشراب مأخوذ من الناقة القامح وهي التي ترد الحوض فلا تشرب قال أبو عبيد فأتقمح أي أروي حتى أدع الشرب من شدة الري وكل رافع رأسه فهو مقامح وجمعه وقامح وقامح فإن فعل ذلك بإنسان فهو مقمح وقد روى قأتقنح والمراد واحد وقولها جعلني في صهيل وأطيط تعني أنه ذهب بها إلى أهله وهم أهل جمال وخيل وابل لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل تقول نقلني إلى قوم ذوي خيل دايس يدسون الطعام ومنق ينق الطعام وأناس من حلى أذني أي حلاني قرطه تتنوس والنوس الحركة " بجحها " سرها وفرحها بإحسانه إليها " أنام فأتصبح أي لها من يكفيها ويخدمها فهي لا تكلف بخدمة " أتقنح تقول الماء لها ممكن فهي متى شاءت شربت وقولها فأقول فلا أقبح تريد أن قولي مقبول وخطئي مستور وقال غير ابن الأعرابي أهل دايس منق أي دايس الغنم والمنق الدجاج قال وأتقنح أشرب شربة بعد شربة " يقول الشارح " أذكر هنا ما يزيل الغموض الذي جاء في بعض شرح المصنف وأزيد أيضاً ما فاته شرحه، قولها " بشق " أنهم كانوا في شق جبل أي ناحيته ولقائهم وسعهم، والأطيط أصله صوت أعواد المحامل والرحال على الجمال فأرادت أنهم أصحاب محامل تشير بذلك إلى رفاهتهم وقولها " ودايس ومنق " إما أن يكون المراد من دايس أن الخيل تدوس الطعام أي الحب فكأنها أرادت أنهم أصحاب زراعة أو أن عندهم طعاماً منتقى وهم في دياس شيءٍ آخر أي في بقيته فخيرهم متصل، وقولها ملأ من شحم عضدي، فالعضد إذا سمنت سمن سائر الجسد وإنما خصت العضد بالذكر لأنه أقرب ما يلي بصر الإنسان من جسده وقولها، وأناس من حلى أذني، أنه ملأ أذنيها بالحلى كما جرت عادة النساء.
والمرادمن قولها كله أنه نقلها من شظف عيش أهلها إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع الخ.
ابن أبي زرع وما ابن أبي زرع تكفيه ذراع الجفرة ومضجعه مثل مسل الشطبة " الجفرة " العناق بنت أربعة أشهر أو خمسة أشهر والذكر جفر والشطبة السعفة وقالوا الحربة تقول هو خفيف العظم وأصل الشطبة ما شطب من جريد النخل وهو بسعفة فأخبرت أنه مهفهف ضرب اللحم " يقول الشارح " الجفرة الأنثى من ولد الماعز إذا كانت بنت أربعة أشهر وفصل عن أمه وأخذ في الرعي والشطبة سيف سل من غمده.
والمراد أنها تصف ابن أبي زرع بقلة الأكل وخفة الجسم وهذان ممدوحان بنت أبي زرع وما بنت أبي زرع ملأ فناءها وصفر رداءها ورضا أمها وعبر جارتها تقول إذا جلست في فنائها ملأته من حسنها وكمالها رضا أمها لا تعتب عليها في شيء عبر جارتها تقول إذا رأتها جارتها استعبرت من جمالها وحسنها " يقول الشارح " صفر ردائها الرداء الثوب يلبس فوق سائر اللباس أي أن رداءها كالخالي الفارغ إذ لا يمس من جسمها شيئاً لأن ردفها وكتفيها يمنعن مسه من خلفها شيئاً من جسمها ونهدها يمنع مسه شيئاً من مقدمها أي أن امتلاء ردفها ومنكبيها وقيام نهديها يرفعان الرداء عن جسمها قال الشاعر:
أبت الروادف والنهود لقمصها ... من أن تمس بطونها وظهورها
خادم أبي زرع وما خادم أبي زرع لا ينث حديثنا تنثيثاً ولا تفرق ميرتنا تنقيثاً ولا تملأ بيتنا " تغشيشاً " لا تنت لا تظهر " تنقيثاً " تعني الطعام لا تأخذه فتذهب به تصفها بالأمانة والتنقث الإسراع في السير قال الفراء خرج فلان ينتقث إذا أسرع في سيره.

أم أبي زرع وما أم أبي زرع عكومها رداح وبيتها فساح " العكوم " الاحمال والاعدال التي فيها الأوعية من صنوف الأطعمة والمتاع واحدها عكم ورداح عظام ومنه قيل للمرأة رداح إذا كانت عظيمة الكفل تعني أن المرأة ذات كفل عظيم فإذا استقلت نتأ الكفل بها من الأرض " حتى يصير تحتها فحرة تحري تحتها الرمان وبعضهم يقول هو الثديان " " يقول الشارح " ان الجملة الموضوعة بين قوسين وردت في الأصل ولا يظهر لها معنى في نفسها ولا وجه اتصالها بما قبلها ولا شك أنه عبثت بها أيدي النسخ ومحصل قول زوجة أبي زرع في أمه أنها وصفتها بأنها كثيرة الإناث والمال واسعة البيت فهي في خير وفير عيش رغد وأشارت بهذا الوصف إلى أن زوجها أبا زرع كثير البر بأمه وأنه ليس كبير السن لأن ذلك هو الغالب في من يكون له والدة توصف بمثل ما وصف به هنا.
خرج أبو زرع والأوطاب تمخض فأبصر امرأة معها ولدان لها يلعبان من تحت خصرها برمانتين فنكحها وطلقني فتزوجت بعده رجلاً سرياً ركب شرياً وأخذ خطياً وأراح علي نعماً ثرياً وجعل لي في كل رائحة زوجاً وقال لي يا أم زرع كلي وميري أهلك قالت فوالله لو جمعت جميع ما أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع قالت عائشة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وسلم يا عائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع قولها خطياً رمح سمى خطياً لأنه من قرية يقال لها الخط فنسبت الرماح إليها وانما أصل الرماح من الهند ولكنها تحمل الى الخط في البحر ثم تفرق في البلاد قولها نعماً ثرياً تعني الابل والثري الكثير من المال " يقول الشارح " الأوطاب ج وطب وهو وعاء البن تمخض من المخض وهو اخراج الزبدة من اللبن بالكيفية المعروفة بالمخض والمراد أنه خرج في زمن الخصب والربيع والخيرات في داره وفيرة رجلاً سرياً أي من سراة الناس أي كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة ركب شريا. تعني فرساً خياراً فائقاً وأراح علي نعماً ثريا أي جاء بها في الرواح وهو آخر النهار أشارت الى أنه ربحها من الغزو وذلك دليل شجاعته والنعم الابل خاصة ويطلق على جميع المواشي إذا كان فيها إبل .وثريا أي كثيرة رائحة الآتية وقت الرواح زوجاً أي اثنين ميري أهلك أي أطعميهم من الميرة وهي الطعام هكذا بالغ في إكرامها ومع ذلك كانت أحواله عندها محتقرة بالنسبة لأبي زرع لأن أبا زرع كان أول أزواجها فسكنت محبته في قلبها وما الحب إلا للحبيب الأول.

قال أبو الفضل وقد حدثناه الزبير بن أبي بكر بن عبد الله بن مصعب قال حدثنا محمد بن الضحاك بن عثمان عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله دخل عليها وعندها بعض نسائه فقال يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأم زرع قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حديث أبي زرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه إن قرية من قرى اليمن كان بطن من بطون أهل اليمن فكان منهم إحدى عشرة امرأة وإنهن خرجن إلى مجلس لهن فقال لهن فقال بعضهن لبعض تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب فتعاهدن على ذلك فقيل للأولى تكلمي بنعت زوجك فقالت الليل ليل تهامة والغيث غيث غمامة ولا حر ولا خامة أي ولا وخمة وقيل للثانية تكلمي وهي عمرة بنت عبد عمرو فقالت المس مس أرنب وذكر الكلام وقيل للثالثة تكلمي وهي حبي بنت كعب قالت مالك وما مالك وذكر الكلام وقيل للرابعة تكلمي وهي مهدر بنت أبي هزومة فقالت زوجي لحم جمل وذكر قولها وقيل للخامسة تكلمي وهي كبشة قالت زوجي رفيع العماد وذكر قولها وقيل للسادسة تكلمي وهي هند فقالت زوجي كل داء له داء إن حدثته سبك وان مازحته فلك " أي جرحك في رأسك وجسدك من توحشه في مزاحه " والأجمع كلالك وقيل للسابعة تكلمي وهي ابنة أوس بن عبد فقالت زوجي إذا أكل لف وذكر كلامها وقيل للثامنة تكلمي وهي حبي بنت علقمة فقالت زوجي إذا دخل وذكر كلامها إلا أنه زاد " ولا يرفع اليوم لغد أي أنه حازم في أموره فلا يؤخر ما يجب عمله إلى غد. أو أنه كريم لا يدخر ما حصل عنده اليوم من أجل الغد " وقيل للتاسعة تكلمي فقالت زوجي من لا أذكره ولا أبث خبره أخاف أن لا أذره أن أذكره أذكر عجره و بجره وقيل للعاشرة تكلمي وهي كبيشة بنت الأرقم قالت نكحت العشنق إن سكت علق وإن تكلمت طلق قيل لأم زرع وهي أم زرع بنت أكميمل بن ساعد تكلمي فقالت أبو زرع وما أبو زرع ثم ذكر الحديث إلا أنه زاد في القول بنت أبي زرع وما بنت أبي زرع ملء ازارها وصفر ردائها وزين أمهاتها ونسائها وقالت خرج من عندي أبو زرع والأوطاب تمخض فإذا هو بأم غلامين كالفهدين " أي نجيبين " يرمي من تحت خصرها بالرمانتين " تريد ثدييها " فتزوجها وطلقني فاستبدلت بعده وكل بدل أعور فتزوجت شاباً سرياً ركب اعوجياً " أي فرساً أعوجياً أي كريم الأصل " وأخذ خطياً وأراح نعماً ثرياً وقال كلي أم زرع وميري أهلك فجمعت أوعيته فما تعدل وعاءاً واحداً من أوعية أبي زرع قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه لعائشة فكنت لك كأبي زرع لأم زرع وحدثناه عبد الله بن عمرو قال حدثنا أبو صالح العبدي المؤدب قال أخبرني عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبعي عن هشام بن عروة عن أخيه عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت اجتمعت إحدى عشرة امرأة فتعاقدن وتواثقن إلا يكتمن شيئاً من أخبار أزواجهن ثم ذكر الحديث فقدم وأخر وكل بمعنى واحد ولفظ يزيد وينقص. أبو محلم قالت مدحت امرأة زوجها بكرم الأخلاق وخصب الغنائم فقالت لأمها يا أمه من نشر ثوب الثناء فقد أدى واجب الجزاء وفي كتمان الشكر جحود لما أوجب منه ودخول في كفر النعم فقالت لها أمها أي بنية طيبت الثناء وقمت بالجزاء ولم تدعي للذم موضعاً ومن لم يذم ولا ثناء إلا بعد اختبار قالت يا أمه ما مدحت حتى اختبرت ولا وصفت حتى شممت قال الزوج ما وفيتك حقك ولا شكرت إلا بفضلك ولا أثنيت إلا بطيب حسبك وكريم نسبك والله أسأل أن يمتعني بما وهب لي منك.
أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي قال حدثني محمد بن داود بن علي بن عبد الله بن العباس ان رجلاً من العرب استبى امرأة فولدت له سبعة بنين ثم قالت له ازرني أهلي ليذهب عني اسم السباء ففعل ووقعت في نفس رجل من أهلها يقال له هلباجة فقال لأصحابه انزعوا هذه المرأة من هذا الرجل فانه سبة عليكم أن تكون سبية وزوجونيها فأراد صاحبها أن يردها فقالت قد أبى القوم إلا أن ينزعوني منك فقال لا أفارقك حتى تثني علي بما تعلمين فقالت العشية إذا اجتمع القوم فاجتمعوا وحضرا فقال:
نشدك هل خبرتني أو علمتني ... كريماً إذا أسود الكراسيع ازهرا
قالت نعم فقال:
نشدتك هل خبرتني أو علمتني ... شجاعاً إذا هاب الجبان وقصرا
قالت نعم فقال:

نشدتك هل خبرتني أو علمتني ... صبوراً إذا ما الشيء ولى فأدبرا
قالت نعم وانصرف وزاد في قول هذه الأبيات:
تبكي علي ليلى بحق بلادها ... وأنت عليها بالملا كنت أقدرا
تبغاني الأعداء أما ذوي دم ... وأما أخا شغب العشيات مسعرا
إذا المرء لم يبغ المعاش لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا
وكان على الادنين كلا وأوشكت ... صلات ذوي القربى أن تنكرا
فتزوجها الهلباجة فولدت له بنين ثم تباغضا فسألته الطلاق فقال لا حتى تثني علي فقالت لا أثني عليك فانه خير لك فأبى فقالت فهو غدك إذا اجتمع القوم فلما اجتمعوا قالت اعلمك إذا أكلت احتففت وإذا شربت اشتففت وإذا اشتملت التففت وأعلمك تشبع ليلة تضاف وتنام ليلة تخاف واعلم عينك نؤمة واستك يقظة وعصاك خشبة ومشيك لبجه قولها احتففت أكلت بيديك جميعاً بشره واشتففت شربت جميع ما في الإناء من الماء " أحمد " بن الحارث عن علي بن محمد السمري عن مسلمة بن محارب قال قال الأحنف بن قيس ذكرت بلاغات النساء عند زياد بن أبيه فأخبرته أن قيس بن عاصم أسلم وعنده امرأة من حنيفة فأبى أهلها وأبوها أن يسلموا وخافوا إسلامها فأقسموا لها إن فعلت لم يكونوا معها في شيء ما بقيت ففارقها قيس فلما احتملت إلى أهلها وحضرها بعضهم قال قيس إن كنت لسلوة ولقد فارقتك غير عارة ولا الصحبة منك مملولة ولا الخلائق منك مذمومة ولولا ما آثرت ما فرق بيننا إلا الموت ولكن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وأمرهما أحق أن يطاع فقالت أثنيت بحسبك وفضلك وأنت والله ان كنت لدائم المحبة كثير القفية قليل الالية معجب الخلوة بعيد النبوة ولأن تكون أيمتي في حياتك أهون منها علي لمماتك ولتعلمن أني لا أريح إلى حضن زوجٍ بعدك قال فقال قيس ما فارقت نفسي شيئاً تتبعه كما تتبعتها.
وقال أحمد بن الحارث حدثني عبد الله بن علي عن أبي عمرو بن العلا قال تزوج رجلٌ في الجاهلية بامرأة من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر وكان الرجل من بني غدانة ففارقها فدخل عليه من فراقها غمٌ شديد فلما فارقته قال استمعي ويستمع من حضر أما لقد اعتمدتك برغبة وعاشرتك بمحبة ولم أجد عليك زلة ولم تدخلني لك ملة وإن كان ظاهرك لسروراً وباطنك للهوى ولكن القدر غالب وليس له صارف فقالت المرأة مجيبة أثنيت وأنا مثنية فجزيت من صاحب ومصحوب خيراً فما استرثت خيرك ولا شكوت خبرك ولا تمنت نفسي غيرك وما ازددت إليك إلا شرها ولا أحسست في الرجال لك شبهاً قال ثم افترقا.
حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن طمهان قال حدثني محمد بن زياد الأعرابي قال قامت امرأة عروة بن الورد العبسي بعد أن طلقها في النادي أما أنك والله الضحوك مقبلاً السكوت مدبراً خفيف على ظهر الفرس ثقيل على متن العدو رفيع العماد كثير الرماد ترضى الأهل والأجانب قال فتزوجها رجل بعده فقال إثني عليّ كما أثنيت عليه قالت لا تحوجني إلى ذلك فإني إن قلت قلت حقاً فأبى فقالت أن شملتك الالتفاف وإن شربك الاشتفاف وإنك لتنام ليلة تخاف وتشبع ليلة تضاف.
قال بندار بن عبد الله حدثني أبو موسى الطائي الأعرابي قال تذاكر نسوة الأزواج فقالت إحداهن الزوج عزٌ في الشدائد وفي الرخاء مساعد إن رضيت عطف وإن سخطت تعطف وقالت الأخرى الزوج لما عناني كاف ولما شفني شاف رشفة كالشهد وعناقه كالخلد لا يمل عن قرب ولا بعد وقالت الأخرى الزوج شعار حين أصرد يسكن حين أرقد ومني لذتي شف مفرد وما عاد إلا كان العود أحمد وقالت الأخرى الزوج نعيم لا يوصف ولذة لا تنقطع ولا تخلف.
وقال إسحاق الموصلي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال حدثني أبو دينار بن الزغبل بن الكلب العنبري قال كنت عند صاحب فيد فجاء طائي وطائية فاختلعت منه فتشاتما فقال لها إن كنت والله لطلعة قنعة لما سُئلَت منعة فقالت وأنت والله قليل الخير كثير الشر خفيف العجز ثقيل الصدر.

ذكر لنا المدائني قال تزوج حصن بن خليد بنت الورد بن الحارث ثم طلقها فجاء أخوتها ليحملوها فقالت مروا بي على المجلس بالحي أسلم عليهم فنعم الإحماء كانوا فأقبل هو وهي في قبتها فقالت جزاكم الله خيراً فما أكرم الجوار وأكف الأذى قالوا ما الذي كان عن ملأمنا ولا هوى قالت إني أريد أن أشهد على شهادة فإني حامل فوثب حصن فقال كل مملوك لي كل إن كنت كشفت لها كتفاً قالت الله أكبر إنما أردت أن أعلمكم أني لم أطلق من بغض ولا قلى فعليكم السلام.
حدثنا هرون بن مسلم قال أخبرني حفص بن عمر قال حدثني مورج عن سعيد بن جرير عن أبيه وقال حدثني أبو عبيدة معمر بن المثنى قال تزوج فضالة بن عبد الله الغنوي امرأة بخراسان فأبغضته فنافرته إلى قتيبة بن مسلم قال له هل بينك وبينها قرابة قال لا قال ففيم تحتمل هذا لها وقد جعل الله لك إلى الراحة منها سبيلاً قال إني أحبها ولقد كنت أهزأ بالرجل تبغضه المرأة وهو يحبها فابتليت فقال قتيبة فلا تحبن من لا يحبك فهي والله تنظر إليك بعين فارك ثم قال لها مالك ويحك ولزوجك قالت أبغضته لخصال أذكرها هو والله قليل الغيرة سريع الطيرة كثير العتاب شديد الحساب قد أقبل بخره وأدبر ذفره واسترخى ذكره وطمحت عيناه واضطربت رجلاه يفيق سريعاً وينطق رجيعاً وهو أيضاً يأكل هرساً ويمشي خلساً ويصبح رجساً لا يغتسل من جنابة ولا يأمن من شره أصحابه إن جاع جزع وإن شبع خشع فقال له قتيبة أفٍ لك أن قلت كما تقول طلقها قبح الله رأيك فطلقها " وقال " الأصمعي حدثني عبد الرحمن المدائني قال قلت لأبي جفنة الهذلي وطالت صحبته لامرأته وكانت تدعى أم عقار ما تقول في أم عقار فقال إن كنت متزوجاً فإياك وكل مجفرة منكرة منتفخة الوريد كلامها وعيد وظهرها حديد سعفاء فوهاء قليلة الارعواء دائمة الدعاء طويلة العرقوب عالية الظنبوب مقم سلفع لا تروى ولا تشبع حديدة الركبة سريعة الوثبة قصيرة النقبة شرها يفيض وخيرها يغيض لا ذات رحم قريبة ولا غريبة نجيبة إمساكها مصيبة وطلاقها حريبة بادية القتير عالية الهرير شثنة الكف غليظة الخف وحش غير ذلك سكن تعين على بعلها الزمن وتدفن الحسن لا تعذر بقلة ولا تجاز عن زلة تأكل لمّا وتوسع ذمّاً إذا ذهب هم أحدثت هماً ذات ألوان وأطوار تؤذي الجار وتفشي الأسرار قال فقلت لأم عقار أما تسمعين ما يقول أبو جفنة قال فلعن الله أبا جفنة فبئس والله ما علمت زوج المرأة المسلمة قضمة حطمة أحمر المأكمة محروم اللهزمة له جلدة هرمة وأذن هدباء ورقبة هلباء وشعرة صهباء لئيم الأخلاق ظاهر النفاق أخو ظنن وصاحب هم وحزن وحقد واحن رهين الكأس دائم الإفلاس من كلا خيرٍ يرتجي عند الناس خيره محبوس وشره ملبوس أشأم من البسوس يسأل إلحافاً وينفق إسرافاً لا ألوف يفيد ولا متلاف قصود " أي لا مقصود " شرٌ أشنع وبطنٌ أجمع ورأسٌ أصلع مجمع مضفدع في صورة كلب ويد إنسان هو الشيطان بل أم الصبيان قال فحكينا قولها لأبي جفنة فقال فما فمها ببارد ولا ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا شعرها بوارد ولا أنا إن ماتت بواجد وذلك إن الشر فيها ليس بواحد فحكينا قوله لها فقالت هو والله ما علمته قصير الشبر ضيق الصدر لئيم النجر عظيم الكبر كثير الفخر.

علي بن الصباح قال أخبرنا هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال بعث النعمان بن امرؤ القيس بن عمرو بن عدي بن نضر إلى نسوة من العرب منهن فاطمة بنت الخرشب وهي من بني أنمار بن بغيض وهي أم الربيع بن زياد وأخوته وإلى قيلة بنت الحسحاس الأسدية وهي أم خالد بن صخر بن الشريد وإلى تماضر بنت الشريد وهي أم قيس بن زهير وأخوته كلهم وإلى الرواع النمرية وهي أم يزيد بن الصعق فلما اجتمعن عنده قال إني قد أخبرت بكن وأردت أن أنكح البكن فأخبرنني عن بناتكن فقالت فاطمة عندي الفتخاء العجزاء أصفى من الماء وأرق من الهواء وأحسن من السماء وقالت تماضر عندي منتهى الوصاف دفية اللحاف قليلة الخلاف وقالت الرواع عندي الحلوة الجهمة لم تلدها أمة وقالت قيلة عندي ما يجمع صفاتهن وفي ابنتي ما ليس في بناتهن فتزوج إليهن جميعاً فلما أهدين إليه دخل على ابنة الأنمارية فقال ما أوصتك به أمك قالت قالت لي عطري جلدك وأطيعي زوجك واجعلي الماء آخر طيبك ثم دخل على ابنة السلمية فقال ما أوصتك به أمك قالت قالت لي لا تجلسي بالفناء ولا تكثري من المراء واعلمي أن أطيب الطيب الماء ثم دخل على ابنة النمرية فقال ما أوصتك به أمك قالت قالت لي لا تطاوعي زوجك فتمليه ولا تعاصيه فتشكيه واصدقيه الصفاء واجعلي آخر طيبك الماء ثم دخل على ابنة الأسدية فقال ما أوصتك به أمك قالت قالت لي أدني سترك وأكرمي زوجك واجتنبي الإباء واستنظفي بالماء.
قال وقال هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال كانت امرأة من العرب عند رجل فولدت له أولاداً أربعة رجالاً ثم هلك عنها زوجها فتزوجت بعده فنأى بها زوجها عن بنيها وتزوجوا بعدها ثم أنها لقيتهم فقالت يا بني إني سائلتكم عن نسائكم فأخبروني عنهن قالوا نفعل فقالت لأحدهم أخبرني عن امرأتك فقال غلٌ في وثاق وخلقٌ لا يطاق حرمت وفاقها ومنعت طلاقها وقالت للثاني كيف وجدت امرأتك فقال حسنٌ رابع وبيتٌ ضايع وضيفٌ جايع قالت للثالث كيف وجدت امرأتك قال ذلٌ لا يقلى ولذةٌ لا تقضى وعجبٌ لا يفنى وفرحٌ مضل أصاب ضالته وريحٌ روضة أصابت ربابها " سقط الولد الرابع " قالت فهل أصف لكم كيف وجدت زوجي قالوا بلى قالت جملٌ ظعينة وليثٌ عرينه وكل صخرٍ وجوار بحرٍ.
قال وقال أبو المنذر هشام عن أبيه قال كانت ملكة سباء لا تريد الأزواج فقلن لها نسوةٌ كن يكن معها إلا تتزوجين أصلحك الله قالت ويحكم وما التزويج قلن إن فيه من اللذة ما ليس في شيءٍ من الأشياء قالت فلتصف لي كل امرأة منكن زوجها فإن كان يدعو إلى اللذة فبالحرى أن أفعل قلن نحن نصف لك أزواجنا قالت فصفن لي فقالت الأولى هو عزٌ في الشدائد وفي الرخاء مساعد وإن رجعت ألطف وإن غضبت تعطف قالت نعم الشيء هذا قالت الثانية هو عندي كافٍ ولما شفني شافٍ رشفه كالشهد وعناقه كالخلد لا يمل لطول العهد قالت هذا والله الذي لا عدل له قالت الثالثة هو شعاري حين أصرد وسكني حين أرقد ومنى نفسي لشبقٍ يتردد قالت سبحان الله هذا والله الذي لا يعدله شيء وكلكن قد أحسن الصفة فإن كان كما زعمتن أكرمتكن وأحسنت إليكن وإلا عذبتكمن وأسأت إليكن فتزوجت بابن عمٍ لها يقال له شداد بن زرعة فاحتجبت عن الناس شهراً ثم خرجت فجلست في مجلسها الذي كانت تجلس فيه فجئن النسوة فسألنها عن خبرها فقالت نعيمٌ لا يوصف ولذةٌ لا تنقطع.
قال وأخبرنا هشام عن أبي مسكين قال جلس دريد بن الصمة بفناء بيته وعنده أناس من أصحابه فأنشدهم:
إرثٌ جديد الحبل من أمِ معبد ... بعاقبةٍ وأخلفت كل موعد
وبانت ولم أحمد إليك جوارها ... ولم ترج فينا درة اليوم أو غد
قالت فأخرجت رأسها من جانب الخباء فقالت بئس لعمر الله ما أثنيت أبا قرة أما والله لقد أطعمتك مأدومي وحدثتك مكتومي وجئتك باهلا غير ذات صرارٍ فقال اللهم غفرا.

حدثني عبد الله بن عمرو قال حدثني عبد الله بن سعيد قال سمعت الأصمعي يقول طلق رجل امرأته فقالت لم طلقتني فقال لخبث خبرك وسوء منظرك وكثرة سحبك ودوام ذربك وإنك مبغضة في الأهل مستأثرة على البعل إن سمعت خيراً دفنته وإن كان شراً أذعته مؤذية لجارك مستأثرة على عيالك إن شبعت بطرت وإن استغنيت فجرت مشرفة الأذنين جاحظة العينين قصيرة الأنامل ذات قصب متضائق جبهتك ناتئة وعورتك بادية تعطين من كذبك وتحرمين من صدقك فقالت امرأته وأنت والله ما علمت تغتنم الأكلة في غير جوع ملح بخيل إذا نطق الأقوام أقصعت وإذا ذكر الجود أفحمت لما تعلم من قصر باعك ولؤم آبائك مستضعف من تأمن ويغلبك من تخاف ضيفك جائع وجارك ضائع أكرم الناس عليك من أهانك وأهونهم عليك من أكرمك القليل عندك كثير والكثير عندك حقير سود الله وجهك وبيضّ جسمك وقصرّ باعك وطوّل ما بين رجليك حتى إن دخل انثنى وإن رجع التوى.
حدثني عمر بن شبيب قال حدثني الوليد بن هشام القحذمي قال حدثني إبراهيم بن حميد قال قال سحبان بن العجلان في بنته وهو يرقصها:
وهبتها من قلق نطاقها ... مشمر عرقوبها عن ساقها
يكثر في جيرانها احتراقها
قال فأخذتها منه وقالت:
وهبتها من شيخٍ سوء أنكد ... لا حسن الوجه ولا مُسودَ
يأتي الأمير بالدواهي الأبد ... ولا يبالي جاره إن يبعد
فأخذها وقال:
وهبتها من ذات خلقٍ سلفع ... تواجه القوم بوجهٍ أجدع
من بعد بيضاء سواي أربع ... يا لهفي من بدل لي موجع
فقالت:
لأنكحن خرقاً من الفتيان ... مثل أبي عزة في الأحيان
وأجتنب مثل أبي العجلان ... كأنه عير وقربتان
فقال يا عدوة الله ذكرت زوجك الأول قالت وأنت ذكرت امرأتك الأولى.
أبو حفص عمر بن بدير عن الهيثم بن عدي قال حدثني رجل من كنده من بني بدا قال رحل الحارث بن السليل الأسدي زائراً لعلقمة بن حفصة الطائي وكان حليفاً له فنظر إلى ابنة له يقال لها الرباب وكانت أجمل أهل زمانها فأعجب بها فقال جئتكِ خاطباً وقد ينكح الخاطب ويدرك الطالب وينجح الراغب فقال علقمة أنت كفؤٌ كريم ثم انكفأ إلى أمها فقال الحارث بن السليل سيد قومه حسباً ومنصباً وبيتاً أتانا خاطباً فلا ينصرفن من عندنا إلا بحاجته فأريدي ابنتك على نفسها في أمره فقالت يا بنية أي الرجال أحب إليك الكهل الحجحاج الفاضل الهياج أم الفتى الوضاح الذمول الطماح قالت الجارية الطماح قالت إن الفتى يغيرك وإن الشيخ يميرك وليس الكهل الفاضل الكثيرالنائل كالحدث السن الكثير المن قالت يا أمه إن الفتاة تحب الفتى كحب الرعاة أنيق الكلا قالت يا بنية إن الفتى شديد الحجاب كثير العتاب وإن الكهل لين الجناح قليل الصياح قالت يا أمة أخشى الشيخ أن يدنس ثيابي ويبلي شبابي ويشمت بي أترابي فلم تزل بها أمها حتى غلبتها على رأيها فتزوجها الحارث بن السليل على خمس ديات من الإبل وخادم وألف درهم فابنتى بها ورحل إلى قومه فبينا هو جالس ذات يوم بفناء مظلته وهي إلى جنبه إذ أقبل فتية من بني أسد نشاط يعتلجون ويصطرعون فتنفست صعداء ثم أرخت عينيها بالدموع فقال لها ثكلتك ما يبكيك قالت مالي والشيوخ الناهضين كالفروخ قال ثكلتك أمك تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فذهبت مثلاً وقال الحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك فقالت أسر من الرفاء والبنين.
قال أبو زيد عمر بن شبة كانت حميدة بنت النعمان بن بشير بن سعد تحت روح بن زنباع فنظر إليها يوماً تنظر إلى قومه جذام وقد اجتمعوا عنده فلامها فقالت وهل أرى إلا جذاماً فوالله ما أحب الحلال منهم فكيف بالحرام وقالت تهجوه:
بكى الخز من روحٍ وأنكر جلده ... وعجت عجيجاً من جذامِ المطارف
وقال العبا قد كنت حيناً لباسهم ... وأكسية كردية وقطائف
فقال روح يجيبها:
فإن تبك منا تبك ممن يهينها ... وإن تهوكم تهوى اللئام المقارف
وقال لها روح:
اثني عليّ بما علمت فإنني ... مثن عليك بئس حشو المنطق
فقالت أثني عليك بأن باعك ضيق ... وبأن أصلك في جذام ملصق

فقال اثني علي بما علمت فإنني ... مثن عليك بنتن ريح الجورب
فقالت فثناؤنا شر الثناء عليكم ... أسوى وأنتن من سلاح الثعلب
وقالت فهل أنا إلا مهرةٌ عربية ... سليلة أفراس تحللها بغل
فإن نتجت مهراً كريماً فبالحرى ... وإن يك أقراف فمن قبل الفحل
فقال روح:
فما بال مهر رايع عرضت له ... أتانِ فبالت عند جحفلة الفحل
إذا هو ولى جانباً ارتجت له ... كما ارتجت قمراء في دمثٍ سهل
وقالت لأخيها أبان بن النعمان:
أطال الله شأنك من غلام ... متى كانت مناكحنا جذام
أترضى بالفراسن والذنابي ... وقد كنا يقر لنا السنام
فقال ابن عمٍ لروح يجيبها ويهجو قومها:
رضى الأشياخ بالقيطور نحلاً ... ونرغب بالحماقة عن جذام
يهودي له بضع العذارى ... فقبحاً للكهول وللغلام
تزف إليه قبل الزوج خود ... كان شمس تدلت عن غمام
فأبقى ذاكم خزياً وعاراً ... بقاء الوحي في الصم السلام
يهود جمعوا من كل أوبٍ ... وليسوا بالغطاريف الكرام
وقالت سميت روحاً وأنت الغم قد ... علموا لا روح الله عن روح بن زنباع
وقال لا روح الله عمن ليس يمنعها ... مال رغيب وزوجٌ غير ممتاع
لسلفع حوقة نحل خواصرها ... رتابة شثة الكفين جياع
وقال له:
تكحل عينيك بود العشى ... كأنك مومسة زانية
وأية ذلك بعد الخفوق ... تغلف رأسك بالغالية
وأن بنيك لريبِ الزمان ... أمست رقابهم حالية
فلو كان أوس لهم شاهداً ... لقال لهم إن ذا مالية
قال وأوس رجل من جذام كان يقال أنه استودع روحاً مالاً فلم يرده عليه فقال روح:
إن يكن الخلع من بالكم ... فليس الخلاعة من بالية
وإن كان من قد مضى مثلكم ... فأفٍ وتفٍ على الماضية
فما أن برأ الله فاستيقنيه ... من ذات بعلٍ ولا جارية
شبيهاً بك اليوم فيمن تقى ... ولا كان في الأعصر الخالية
فبعداً لمحياك ما حييت ... وبعداً لأعظمك البالية
قال وكان روح قال لها في بعض ما يتنازعان فيه اللهم إن بقيت بعدي فابلها ببعل يلطم وجهها ويملأ حجرها قيأ فتزوجها بعده الفيض بن محمد بن الحكم بن عقيل وكان شاباً جميلاً يصيب من الشراب فأحبته وكان ربما أصاب من الشراب فسكر فيلطمها ويقيء في حجرها فتقول رحم الله أبا زرعة لقد أجيب في " أي أجيب دعاؤه " وتقول:
سميت فيضاً ولا شيء تفيض به ... إلاّ بجعرك بين الباب والدار
فتلك دعوة روح الخير أعرفها ... سقى الآله صداه الأوطف الساري
وقالت لفيض:
ألا يا فيض كنت فيضاً ... فلا فيضاً وجدت ولا فراتاً
وقالت أيضاً:
وليس فيضٌ بفياض العطاء لنا ... لكن فيضاً لنا بالسلح فياض
ليث الليوث علينا باسلٌ شرس ... وفي الحروب هيوب الصدر حياض
قال فولدت من الفيض بنتاً فتزوجها الحجاج بن يوسف وكانت عند الحجاج قبلها أم أبان بنت بشير فقالت حميدة للحجاج:
إذا تذكرت نكاح الحجاج ... من النهار أو من الليل الداج
فاضت له العين بدمعٍ ثجاج ... واشتعل القلب بوجد وهاج
لو كان النعمان قتيل الإعلاج ... مستوى الشخص صحيح الأوداج
لكنت منها بمكان النساج ... قد أرجوا بعض ما يرجوا الراج
إن تنكحيه فملكاً ذا تاج

فقدمت حميدة على ابنتها زائرة فقال لها الحجاج يا حميدة إني قد كنت أحتمل مزاحك مرة فأما اليوم فلا وأنا على أهل العراق وهم قوم سوء فإياك فقالت سأكف حتى أرحل ويقال أن الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة ويقال بل خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة كان تزوج حميدة هذه قبل روح بن زنباع فقالت فيه:
نكحت المدني إذ جاءني ... فيا لك من نكحةٍ غاوية
له دفر كصنان التيوس ... أعيا على المسك والغالية
كهول دمشق وشبانها ... أحب إليّ من الجالية
فقال زوجها مجيباً لها
أسنا ضوء نار صخرة بالقفرة ... أبصرت أم تنصب برق
أية ما يكن فقد هاج للقلب ... اشتياقاً وأنه غير مبق
لسنا بين الحجون إلى الحرة ... في مغمرات ليلٍ وشرق
ساكنات العقيق أشهى ... إلى القلب من ساكنات دور دمشق
يتضوعن إذ تمخضن ... بالمسك صناناً كأنه ريح مرق
ثم طلقها فتزوجها روح قال المرق صوف الإهاب إذا انتف والجالية هم الذين أجلاهم عبد الله بن الزبير من الحجاز من بني أمية وغيرهم من أشياعهم إلى الشام.
" وحدثنا أبو زيد " عمر بن شبة قال قال أبو العاج الكلبي لامرأته:
عجوزٌ ترجى أن تكون فتية ... وقد لحب الجنبان واحدودب الظهر
تدس إلى العطار ميرة أهلها ... ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر
أقول وقد شدوا عليّ حجالها ... ألا حبذا الأرواح والبلد القفر
فقالت:
ألم تر أن الناب تحلب علبة ... ويترك ثلب لاضراب ولا ظهر
وقال فيها:
قد زوجوني عجوزاً متبعاً رجلاً ... قد كنت قبلك حذرت المتابعيا
فقالت:
شنئت الشيوخ وأبغضتهم ... وذلك من بعض أفعاليه
ترى زوجة الشيخ مغبرة ... وتمسي لصحبته قاليه
فلا بارك الله في عرده ... ولا في عظام استه البالية
" قال أبو زيد " قالت بنت عبد الله بن عتاب من عنزة لزوجها رجاء بن خيثمة بن عتاب:
الحمد لله الذي أهانك ... وجعل الذريح من أخدانكا
ببلدةٍ تبلي بها أكفانكا
فقال يجيبها:
قد جعلتني وذريحاً ندين ... وهي عجوزٌ لا تساوي فلسين
محترقين من نحاس نحتين ... كسلعة السوء تباع في الدين
فقالت:
تركتني ببلدٍ طموس ... ليس بهاجن ولا أنيس
إلا بقايا الحيض والحليس ... يا ليته في حفرة مرموس
وقال كانت تحت رجل من أزيم بن ثعلبة بن يربوع يقال له أبو مرحب بنت عمٍ له فقالت:
يموت الرجال الصالحون ولا أرى ... أبا مرحب إلا شديد الجوانح
أطعن فلا يعصين أمري فلا يروا ... إذا رجعوا إلا ديار الجوامح
فإني ساهد يكن في كل سبب ... تهادي به أيدي القلاص الطلائح
فقال أبو مرحب مجيباً لها:
لعمري لقد غاليتها فاشتريتها ... وما كل مبتاع من الناس رابح
رأيت لها أنفاً فبيحاً يشينها ... وعلباء سوءٍ لم تزنه المسائح
وقالت هند بنت عصم السدوسية وكانت عند ربيعة بن غزالة الكندي لامرأة أبيها يزيد بن ربيعة بن غزالة:
أيزيد قد لاقيت منكرة ... عجلت بأمك مدخل القبر
هوجاء جاهلة إذا نطقت ... ليست كعاباً بضة الخدر
سوداء ما تنفك متأفة ... ملأى مضببة على غمر
ما كان جدك في النساء بذي ... فرع عشية طيرها يجري
ضنت عليك فنعم ذو ... قدر الرحمن والمحمود للأمر
وقالت أم الأسود الكلابية تهجو زوجها:
سأنذر بعدي كل بيضاء حرة ... منعمة خودٍ كريمٍ نجارها
قصيرة قبال النعل يضحي وهمه ... قريبٍ ويمسي حيث يعشيه نارها
إذا قال قد أشبعتني بات راضياً ... له شملة بيضاء خاف حمارها

يرى الطيب عاراً أن يمس ثيابه ... أو المسك يوماً إن علاه صوارها
ولكنه من رطب اخثاء صنانه ... إذا أمرعت بالكف منه ديارها
وطيرٍ بذيال يرى الليل متنه ... لناقته حتى يحين اذ كرارها
بعيد المدى يقضي الكرى فوق رحله ... إذا القوم بالموماة حار شرارها
لعمر أبي ما خار لي أن يبيعني ... بأبعرة إذ قحمته عشارها
فوالله لولا النار أو أن يرى أبي ... له قوداً أو أن ينالني عارها
لقد نازعت كفي المهند ضربةً ... وكان عليه خبلها وشنارها
قال أبو زيد قالت حميدة لروح بن زنباع إن فيك لأربع خصال ما يسود عليهن أحد قال وما هي لا أبا لك فوالله إن الخصلة الواحدة لتفسد الرجل السيد قالت أما الواحدة فإنك من جذام وأما الثانية فإنك جبان وأما الثالثة فإنك غيور وأما الرابعة فإنك بخيل قال روح أما قولك أني من جذام فحسب المرء أن يكون من صالح من هو منه " أي من صالح قومه " وأما قولك اني جبان فإن مالي نفس واحدة ولو كان لي نفسان جدت باحديهما وأما قولك أني غيور فوالله اني لجدير بالغيرة على الورهاء اللئيمة مثلك وأما قولك أني بخيل فوالله ما في مالي فضل عن قومي ولكن اذهبي فأنت طالق.
" أنشدني " محمد بن سعيد قال أنشد أبو غسان لامرأة تهجو امرأة أبيها:
جاز بها وهي تبكي الأهلا ... تكحلهما إلى التمام كحلا
من سهر مضي يذدن هملاً ... آماق أجفان حذلن حذلاً
يا رب رب الراقصات ذملاً ... يزحلن بالأرجل زحلاً زحلاً
يمطوون سيراً شركياً سهلا ... أبعث عليها تيحاناً صلا
شختاً لطيفاً كالقضيب علا ... يحل منها بالإصبعين حلا
حل الفليجات سملن سملا
قال وقال أبو هلال بن مالك بن حسان بن قتادة بن حليلة بن حسان بن حسان بن النعمان في ابنة عمه:
يا رب شمطاء المفارق حربش ... صماء ليس لقلبها أذنان
تلك التي لو أنني خيرتها ... أو حية همازة الأسنان
لاخترتها بدلاً بها وغزلتها ... وصدرت ذا جدلٍ مع الرعيان
فقالت:
يا رب شيخٍ قد تولى خيره ... ذرب اللسان كأنه ظربان
يرجو الشباب وقد تحنى ظهره ... وعفاه بعد منامه الذبان
ذاك الذي لو أنني خيرته ... لم أرتضيه بكلبنا ذكوان
وقال المدائني طلق رجل امرأته فتزوجت محللاً فلما صارت إليه أبى أن يطلقها فقالت في الأول:
قصارك مني النصح ما دمت حية ... وود كماء المزن غير مشوب
وآخر شيء أنت في كل هجعةٍ ... وأول شيء أنت عند هبوبي
وقالت في الآخر:
لمن بكرة مطروفة العين نازع ... معذبة في حبل راع يهينها
" وأنشد " إسحاق بن إبراهيم الموصلي لأم ظبية في ابنة عمٍ لها يقال لها أم حجدر زوجت ابنة لها برجل قبيح المنظر:
لقد دلس الخطاب يا أم حجدر ... لكم في سواد الليل إحدى العظائم
ألم تنظري حبيت يا أم حجدر ... إلى وجهه أو تحدره في القوائم
" قال " ونظرت إلى الرجل فقالت قبح الله الطلعة ثم قالت:
وإن أناساً زوجوك فتاتهم ... لجد حراص أن يكون لها بعل
" المدائني " قال قال سليمان بن عبد الملك لجارية له ونظر في المرآة فأعجبه حسنه كيف تريني فقالت:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
أنت خلو من العيوب ومما ... يكره الناس غيرك انك فاني
" أبو الحسن " الباهلي عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال دخلت ديباجة المدينية على امرأة تنظر إليها فقيل لها كيف رأيتها فقالت لعنها الله كان بطنها قربة وكان ثديها دبة وكان استها رفعة وكان وجهها وجه ديك قد نفش عفريته يقاتل ديكاً.

" حدثني سعيد بن حميد بن سعيد بن بحر الكاتب قال كنا عند نيران جارية بن الطبطي النحاس ومعنا أبو هفان عبد الله بن أحمد فأخذنا في وصف أخلاقه وجميل مذهبه فقلت لها بالله أيسرك أن أبا هفان مولاك على سنه وسماحته وجميل أخلاقه فقالت عفو الله عز وجل أوسع من ذلك والله ما هو إلا كما قال في نفسه:
فلو بك كان الله عذب خلقه ... لتابوا ولكن رحمة الله أوسع
" المدائني " قال كانت عند سليمان بن هشام بن عبد الملك فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام الكبرى وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر وأمها زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام الكبرى وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سليمان بن هشام لها إنما أنت بعلة لا تلدين فقالت لا والله ولكن يأبى كرمي أن يدنسه لؤمك " المدائني " قال تزوج المغيرة بن شعبة بامرأة ثم رحل عنها فقيل لها كيف رأيته فقالت عسيلة طائفية في ظرفٍ خبيث.
" حدثنا " ابن أحمد الحارث قال سمعت أبا عبد الله بن الأعرابي يقول وصفت امرأة رجلاً فقالت لم يجدوا حجرته جافية ولا ضالته كافئة ولا ثنته وافية وإن طلبتموه وجدتموه سريعاً وإن ضفتموه وجدتموه مريعاً.
قال أبو عبد الله الضالة القوس تعمل من شجر الضال وهو جنس من السدر وقولها كافئة أي مائلة والثنة شعر العانة " حدثنا " أبو محلم قال كان خضم المنقري تزوج امرأة ففركته وعجز عنها فقالت كسر أم ولد برده بن مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم وهي بنت دوشن مولى بني حيان الذي راجز جرير بن الخطفي:
بكفٍ خضمٍ بكرة لو تلبست ... بجبلِ غلامٍ رابضٍ لاستقرت
سقاها بماءٍ آجنٍ خيض قبلها ... فقد نهلت منه قلى ثم علت
إذا قال قومي أغد في السير موهناً ... وقد أيقنت ورد الشريعة حنت
دعوا البكرة الإدماء لا تولعوا بها ... فلم تلق في أوطانكم ما تمنت
كان شآبيب الدموع بخدها ... شآبيب ماء المزن حين استهلت
" قال " أبو محلم وكان دوشن أحد بني منفر أيضاً تزوج امرأة فعجز عنها فقالت كسرة:
ولو بحبالي لبست عرس دوشن ... لما انقلبت مني صحيحاً أديمها
تبيت المطايا وهي حائرة السرى ... إذا لم تجد أعناقها من يقيمها
ولكنما عللتها إذ لقيتها ... بعرف الرخامي ثم أنت تلومها
" الأصمعي " قال طلق أعرابي امرأته وكانت من بني عامر فقالت له أنك ما علمت لضيق الفناء صغير الإناء قبيح الثناء قال وأنت والله ما علمت إن كنت لواهية العقد قليلة الرفد مجانية للرشد قالت وأنت والله إن كنت لصارع السيف في البلاء ضائع الضيف في الكلاء منتهجاً للؤمٍ في الملأ قال وأنتِ والله لطويلة اللسان مؤذية للجيران عارية المكان قالت وأنتَ والله إن كنت للئيم الصحوة فاحش العدوة بين الكبوة فاتر النزوة قال مه لا تفحشي فأفحش ولا تسفلي فأسفل قالت ما أبقينا أكثر من هذا قال إذن اسكتي فلا أنطق.
" حدثنا " أبو زيد قال حدثنا أحمد بن معاوية بن بكر قال قال الأصمعي كتبت امرأة إلى أبيها وكان زوجها بغير أذنها:
أيا ابتا عنيتني وابتليتني ... وصيرت نفسي في يدي من يهينها
أيا أبتا لولا التحرج قد دعا ... عليك مجاباً دعوة يستدينها
" وقال " أبو زيد رأى عبد الملك بن مروان امرأة من قريش تحت رجل لم يرضه لها فسألها عن ذلك فقالت إن القبور تنكح الأيامى النسوة الأرامل اليتامى والمرء لا يبقى له سلامى " قال " أبو زيد تزوج حبيب بن أثيم الرياحي أم غيلان بنت جرير بن الخطفي وكان لها ابن عمٍ يدعى جعداً قد خطبها فأبى جرير أن يزوجه فجعل جعد وابن عمٍ له يكنا أبو الموزون يقعان بزوجها ويزعمان أنه عنين فقالت أم غيلان:
أصبح جعد وأبو الموزون ... يرمون قطاطن بالظنون
ما ساق خمساً قبله عنين ... يسأل في المهر ويستدين
" قال " فسمع جرير الشعر فقال والله هذا شعر أعرفه " قال " أبو زيد عمر بن شبة قالت أم ناشب الحارثية وزوجت شيخاً منهم كبيراً فهربت وقالت:
لحا الله قوماً جشموا أم ناشب ... سرى الليل تغشاه بغير دليل

نظرت وثوبي قالص دون ركبتي ... إلى علم صعب المرام طويل
" قال " كان رجل ممن قعد عن الخوارج يدعا مجاشعاً من بكر بن وائل له زوجة تدعى عميرة ترى رأيه ثم أفسدها رجل حتى رأت رأي الخوارج فدعت زوجها إلى ذلك فأبى وأبت إلا أن تخرج فخرجت فكتب إليها زوجها:
وجداً يصاحبني لعل صبابة ... منها ترد خليلة لخليل
فلئن قتلت ليقتلن قتيلكم ... فتيقني أني قتيلٌ قتيل
فقالت تجيبه:
أبلغ مجاشع إن رجعت فإنني ... بين الأسنة والسيوف مقيلي
أرجو السعادة لا أحدث ساعة ... نفسي إذ أنا جبتها بقفول
ووهبت خدري والفراش لكاعب ... في الحي ذات دمالج وحجول
" المدائني " قال كانت حمزة امرأة عمران بن حطان الحروري جميلة فائقة الجمال وكان دميماً شديد الدمامة فقالت له يوماً إنا لعلى خيرٍ إن شاء الله أعطيت مثلي فشكرت وابتليت بك فصبرت فقال عمران مثلي ومثلك ما قال الأحوص:
إن الحسام وإن ورثت مضاربه ... إذا ضربت به مكروهة فصلا
" أحمد " بن معاوية بن بكر عن الأصمعي قال قال أبو الجنيد الأعرابي رأيت بطريق مكة أعرابية تبيع الحرض لم أرَ قط أجمل منها فوقفت أنظر إليها متعجباً من جمالها إذ أقبل شيخٌ قصير فأخذ بأذنها فسارها فقلت من هذا قالت زوجي قلت كيف رضي مثلكِ مثله قالت إن لي قصة ثم قالت:
أيا عجبي للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخٍ من القوم تنبال
دعاها إليه أنه ذو قرابةٍ ... فويلُ الغواني من بني العم والخال
" وقالت " هند بنت عصم السدوسية وكانت عند ربيعة بن غزالة الكندي وكان عنيناً تشتاق بلادها:
ألا أرى ماء الصبح شافياً ... نفوساً إلى أمواه بقعاء نزعاً
فمن جاء من ماء الشبال بشربةٍ ... فإن له من ماء لينة أربعاً
وقد زادني وجداً ببقعاء أننا ... رأينا مطايانا بلينة ظلعاً
" قال " رجل يرقص ابنه ويعرض بزوجته:
وهبته من ذات ضغنٍ خبة ... قصيرة الأعضاء مثل الضبة
تعيا كلام البعل الاسبة
فقالت:
وهبته من مرعشٍ من الكبر ... شر نفحٍ وريده مثل الوتر
بئس الفتى في أهله وفي الحضر
" وقالت " امرأة رقصت ابنها وعرضت بزوجها:
وهبته من ذي ثفالٍ خب ... يقلب عيناً مثل عين الضب
ليس بمعشوق ولا محب
فقال زوجها:
وهبته من سلفع أفوك ... سرح إلى جارتها ضحوك
ومن هبل قد عسا حنيك ... أشيب ذا رأسٍ كرأسِ الديك
" وقال " قيس بن عاصم ينزي أنباله وأمه منفوسة بنت زيد الخيل جالسة تسمع:
أشبه أبا أمك أو أشبه عمل ... وأرقاً إلى الخير زناء في الحبل
ولا تكونن كهلوفِ وكل
فقالت منفوسة:
أشبه أخي أو أشبهن أباكا ... أما أبي فلن تنال ذاكا
تقصر أن تناله يداك
" أحمد " بن معاوية بن بكر عن الأصمعي قال اتهم أعرابي امرأته وجاءت بولده أبيض وكان بنوه سوداً فقال لتقعدن مقعد القصي من ذوي القاذورة المقلى أو تحلفي بربك العلي أني أبو ذيالك الصبي قد رابني ببصر رخي ومقلة كمقلة الكركي قالت فقامت تمشط رأسه فقال:
لا تمشطي رأسي ولا تفليني ... ما باله أحمر كالهجين
ليس كألوان بني الجون
فردت عليه فقالت:
أن له من قبلي أجداداً ... بيض الوجوه سادة أنجاداً
ما ضرهم يوم لقوا عباداً ... أن لا يكون لونهم سواداً
وقال أعرابي رقص ابنه وعرض بامرأته:
وهبت من أمة سوداء ... ليست بحسناء ولا جملاء
كأنها خلفة خنساء
فقالت امرأته:
وهبته من أشمط المفارق ... ليس بمعشوقٍ ولا بعاشق
وليس إن فارقني بنافق
" قال " قالت امرأة ضربها زوجها فقيل لها لم ضربك فقالت طلب عندي ما لم يحلفه فضربني حتى ألثقني بالدم ولقد هجوته فقلت:
فأنت الداء ليس له دواء ... وأنت الفقر ليس له انجبار
ولو مصت النضار تمج مسكاً ... لخبث المسك بعدك والنضار

أنشدني حماد عن أبيه قال أنشدني إدريس بن أبي حفصة لجارية له بدوية يقال لها جمل تهجوه:
يا جمل لو كنت عند الله مسلمة ... لما ابتليت بشيخٍ مثل إدريس
لما ابتليت بشيخٍ لا حراك به ... أبقى لك الدهر منه شر ملبوس
يلقاك منه الذي تهوين رؤيته ... عند اللقاء بأدبار وتنكيس
أمسى وأصبح مما لا يبوح به ... مما تحبين رأساً في المفاليس
إسحاق قال قال ربيعة بن رميح أخبرني شيخٌ من أهل الحجاز أنه حضر رجلاً من الأعراب وامرأته قد حكما بينهما حكمين بعد تطاول من الشر فحكم بفرقتهما فقالت لزوجها فيما تقول أما والله إن كنت بخيلاً على ما ملكت مقتراً إذا أنفقت مناناً إذا وهبت تفلاً إذا باشرت فقال زوجها وأنت والله إن كنت لظاهرة الكسل ميتاء العمل كريهة المقبل شختة المخلخل " قال " إسحاق الموصلي أنشدني بعض الأعراب لامرأة تذم زوجها:
إني ندمت على ما كان من عجبي ... واقصر الدهر عني أي اقصار
فليتني يوم قالوا أنت زوجته ... أصابني ذو نيوب سمه ضاري
يا رب إن كان في الجنات مدخله ... فاجعل أميمة رب الناس في النار
قال الأصمعي كان شيخ من بني سعد باليمامة ذا مال فجمع بين أربع نسوة وكان تفلاً مفركاً ففركته جمع وأصلح بينهن بغضة فرصدهن ذات ليلة وهن يتحدثن ويذكرنه فقالت إحداهن:
قلن جميعاً في فنون عيبه ... وغيبه لا مأثم في غيبه
قالت الثانية:
اقمر عيني ببياض شيبة ... وشف جسمي طول شم جيبه
قالت الثالثة:
اللؤم والخيبة حشو ثوبه ... فبي فحل الموت صبحاً أو به
فقالت الرابعة:
يا ليت ما ينالني من سيبه ... تطليقه تخرج من قلبيه
فأصبح فطلقهن جميعاً " قال " الجعدي نزل رجل على امرأة من بني ثعلبة بن يربوع فأحسنت قراه فلما غدا عنها هجاها وذكر أنها سامته نفسها:
ووالله ما أرضى الذي قد رضيته ... لنفسي فكفى لأسقيت من القطر
فإني امرؤٌ أعطيت ربي الية ... أرى زانياً ما لاح لي وضح الفجر
فقالت الثعلبية وهي جهيرة وكانت جهيرة شاعرة:
لحا الله قوماً أنت فيهم فأنهم ... لئام مساعيهم سراع إلى الغدر
فلو كنت حراً يا لعين وقلت لي ... جميلاً ضعفت عن الشكر
" المدائني " قال لما زفت ابنة عبد الله بن جعفر " وكانت هاشمية جليلة " إلى الحجاج بن يوسف ونظر إليها في تلك الليلة وعبرتها تجول في خديها فقال لها بأبي أنت وأمي مما تبكين قالت من شرف اتضع ومن ضعة شرفت.
" وقال المدائني " قال الحجاج لابنة عبد الله أن أمير المؤمنين عبد الملك كتب إليّ بطلاقك فقالت هو والله أبر بي ممن زوجنيك " حدثنا " عبد الله بن شبيب قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني أيوب بن سلمة قال تزوجت عصيمة بنت زيد النهدية رجلاً من قومها يكنى أبا السميدع واسمه سعيد بن سالم فأبغضته بغضاً شديداً فتأذته فليمت في ذلك فقالت:
يقولون لم تأخذ عصيمة مهرها ... كان الذي يلحى عصيمة لاعب
ولو مارسوا ما كنت فيه لأحرجوا ... ورائي ولم يطلب إلى المهر طالب
كأن رياحاً من سعيد بن سالم ... رياح طبة بالت عليها الثعالب
فإن انفلت منه فإني حبيسة ... طوال الليالي ما عاد الله راغب
" أنشدنا " أبو محلم الأعرابي لامرأة في زوجها تذمه:
من عذيري من بعل سوء ... يراني وأراه بأعين البغضاء
تتهادى منا الضمائر وحياً ... بقلى يسكن في الأحشاء
غاض مكنون ما عليه احتوينا ... في قلوب إلى الفراق ظماء
نتنائى حديث أثر وعين ... بادداً أنسه عن الأهواء
فكلانا على أسى البغض مبدٍ ... كاذب الود من لسان رياء
رجل لو تخبر اللؤم لؤماً ... كان أو زائداً ولي اللواء
مليء عين من الفواحش كاسي ... الوجه من سوءة سليب حياء
يا لقومي داء عياء فأنى ... لي بحمل داء عياء

ليت لي حية ببعلي صماء ... وأحبب بالحية الصماء
إن بدت كان دونها لي حجاب ... من حفيف الغراق أو من رقاء
أين ابن الحمام أين لقد ... أحرزه منه اليوم واقي القضاء
" إسحاق " إبراهيم الموصلي عن أبي عبيدة قال كانت أم شبيب بنت قيس بن الهيثم السلمي عند جارية بن بدر الغداني ثم حلف عليها بشر بن شفاف فقالت:
بدلت بشراً بلاء أو معاقبة ... من فارس كان قدماً غير غوار
فليتني قبل بشرٍ كان ضاجعني ... داعٍ إلى الله أو داعٍ إلى النار
قال قال أبو الجراح الأعرابي وقع بين امرأة يقال لها ميثاء " قال أبو الجراج وقد رأيتها " وبين زوج لها يقال له خطام من بني مجاشع لحأ فقالت ميثاء تدعو عليه:
يا رب رب البيت والحجاج ... رزقت ميثاء من الأزواج
هجاجة من أحمق الهجاج ... عفنججاً يضل في العجاج
لا يعرف الديك من الدجاج ... أجرأ من ليثٍ بليلٍ داج
عند المناجاة وعند الحاج
" وقال " استعدت امرأة هشام بن طلبة بن قيس بن عاصم واختلعت منه عند إبراهيم بن هشام المخزومي ونسبته إلى العجز عنها فلحقها عنده فقال:
من ذا الذي يمنع مني أقلقي ... وإني لم أعجز ولم أطلق
أحمل أيراً مثل أير الابلق ... ضخم الدينى عظيم المفرق
يصك قرطاس العجان الابرق ... يترك ملساء الأديم الأخلق
واهية الخرق رحيب المفتق
قال فأجابته أمها:
إن هشاماً كاذب لم يصدق ... زل هشاماً عمن مزل مزلق
وضرطته طامح لم تعشق ... ضرح الشموس عن فلو مرهق
يا بن هشام ذي الفروع السمق ... والحسب المحض الذي لم يمذق
إن الخبيث كاذب لم يصدق
قال فسأل عن أمها وعن خبرها فذكر له أنها ظالمة فردها إليه " الأصمعي " قال أخبرني يزيد بن ضبة مولى ثقيف قال مرت أعرابية بنادي قومٍ من بني عامر وفيهم غلام حديث السن ظريف فنكس الكوم رؤوسهم وجعل الغلام يرمقها فدنت منهم فمازحتهم وأقبلت على الغلام فقالت:
شهدت وبيت الله أنك طيب الثنايا ... وأن الخصر منك لطيف
وأنك مشبوح الذراعين خلجم ... وإنك إذا تخلو بهن عنيف
وإنك نعم الكمع في كل حالة ... وانك في رمق النساء عفيف
نمتك إلى العليا عرانين عامر ... وأعمامك الغر الكرام ثقيف
أناسٌ إذا ما الكلب أنكر أهله ... فعندهم حصنٌ أشم منيف
لمن جاءهم يخشى الزمان وريبه ... رحيق وزاد لا يصان وريف
فبيت بني غيلان في رأس يافع ... وبيت ثقيف فوق ذاك منيف
وكان الذي يرمقها من بني معتب بن ثقيف وأمه إحدى بنات عامر بن جعفر بن كلاب. فقال لها زوجها من عنيت، قالت إياك، قال كذبت وبيت الله ما أنا الذي عنيت ولا خصري بلطيف ولا قتلتك أو لتخبريني، قالت الصدق يضرني عندك فأخذت عليه موثقاً أن لا يخبر به الناس فأعطاها ذلك فخبرته فطلقها وأفشى خبرها فقالت:
غدرت بنا بعد التصافي وخنتنا ... وشرمصاً في خلة من يخونها
وبحت بسرٍ كنت أنت أمينه ... ولا يحفظ الأسرار إلا أمينها
قال أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي حدثني داوود بن داوود قال كان لذي الإصبع العدواني أربع بنات وكن يخطبن فلا يزوجهن وكانت أمهن تأمره بتزويجهن وتقول إنهن يردن الأزواج فيسألهن فيستحين فيقلن لا نريد حتى خرج ليلة إلى متحدث لهن فاستمع عليهن وهن لا يعلمن فقلن تعالين فلنتمن ولتصدق كل واحدة منا فقالت الكبرى:
ألا ليت زوجي من أناس ذوي غنى ... حديث الشباب طيب الروح والعطر
طبيب بأدواء النساء كأنه ... خليفة جانٍ لا ينام على هجر
فقلن لها أنت تحبين رجلاً من قومك فقالت الثانية:
الأهل أراها مرة وضجيعها ... أشم كنصل السيف غير مهند
لصوق بأكباد النساء وأصله ... إذا ما انتمى من أهل سرى ومحتدي

فقلن لها أنت تحبين رجلاً من قومك فقالت الثالثة:
ألا ليته يملأ الجفان نديه ... لنا خفنة تشقي بها الناب والحزر
به حكمات الشيب من غير كبرة ... تشين فلا الفاني ولا الضرع الغمر
فقلن لها أنت تحبين رجلاً شريفاً وقيل للرابعة وهي الصغرى تمني قالت ما أريد شيئاً قلن والله لا يبرحن حتى نعرف ما في نفسك قالت زوج من عود خير من القعود فلما سمع أبوهن مقالتهن زوجهن أربعة فمكثن برهة ثم اجتمعن عنده فقال للكبرى يا بنية ما مالكم قالت الإبل قال وكيف تجدونها قالت خير مال نأكل لحومها مزعاً ونشرب ألبانها جرعاً وتحملنا وضعفتنا معاً قال فكيف تجدين زوجك قالت خير زوجٍ يكرم الحليلة ويعطي الوسيلة قال مال عميم وزوجٌ كريم وقال للثانية ما مالكم قالت البقر قال وكيف تجدونها قالت خير مال تألت الفناء وتملأ الإناء وتودك السقاء ونساء مع نساء قال كيف تجدين زوجك قالت يكرم أهله وينسى فضله قال حظيت ورضيت ثم قال للثالثة ما مالكم قالت المعزى قال وكيف تجدونها قالت لا بأس بها نولدها فطماً ونسلخها أدماً قال كيف تجدين زوجك قالت لا بأس ليس بالبخيل الحتر ولا بالسمح البذر قال جدوى مغنية ثم قال للرابعة ما مالكم قالت الضان قال وكيف تجدونها قالت شر مال حوف " أي جلود " لا يشبعن وغنم لا ينفعن وصم لا يسمعن وأمر مغويتهن يتبعن قال فكيف تجدين زوجك قالت زوجٌ يكرم نفسه ويحترم عرسه قال أشبه أمره بعش بزه.
" قال " وأنشدني مروان بن أبي حفصة لامرأة من آل أبي حفصة كانت أمة لهم تهجو زوجها:
وما ظربان لبد الفطر متنه ... متى يشأ يلمم بصب فيصطد
بأنتن من ريح الهجين وازع ... إذا ما غد في مدرع متبدد
له قدمان تحثوان على أسته ... إذا أحسن الفتيان مشى التأدد
قال الأصمعي حدثني عيسى بن عمر قال كنت بالبادية فتضيفت امرأة فدخلت الخباء فجعلت تريغ زوجها عن قراي ويريغها فسمعتها تقول أنا ابنة الأخيل المعم المخول إن كنت تجهلني فعني فاسأل قال فقال الزوج انا ابن بلال صاحب العين والخال قال فاتتني بقرص مثل فرسن الحلة قال فجعلت الملم منها مثل أثباج القطا الكدري قال الكلبي امرأة يقال لها أم الورد تزوجت برجل فعجز عنها فتقدمت إليّ وإلى اليمامة فقالت له والله ما يمسكني بضم ولا بتقبيل ولا بشم ولا بزعزاع ليسلي همي يطيج منه فتحي في كمي قال ففرق بينهما ثم تزوجت رجلاً آخر فرضيت وحظيت وزوجت أخاها أخت زوجها فعجز عنها فقالت تهجو أخاها:
يا عمرو لو كنت فتى كريماً ... أو كنت ممن يمنع الحريما
أو كان رمح استك مستقيماً ... نكت به جارية هضيما
ناك أخوها أختك الغليما ... بذي خطوطٍ يغلق المشيما
إذا أحفت نومها الأريما ... واحتدرت من ظهره العتيما
سمعت من أصواتها نئيماً
" الهيثم " قال مدح قتادة بن مغرب يزيد بن المهلب فأعطاه وملأ يديه وتزوج بنت يزيد الحنفي فلما بنا بها فركها من ليلتها فلما أصبح طلقها وقال:
وتجهزي للطلاقِ وارتحلي ... ذاك دواءٌ للرامح الشمس
لليلةٍ حين بنت طالقة ... ألذ عندي من ليلة العرس
بت لديها بشر منزلةٍ ... لا أنا في نعمةٍ ولا فرسي
هذا على الخسف لا قضيم له ... وبت ما إن يسوغ لي نفسي
قال فالحقها بأهلها وبلغها قوله فشدت عليها ثيابها وأتت باب يزيد بن المهلب فاستأذنت عليه فدخلت وقتادة عنده فقالت:
حلفت فلم أكذب والا فكل ما ... ملكت لبيت الله أهديه حافية
لو أن المنايا أعرضت لاقتحمتها ... مخافة فيه أن فيه لداهية
وكيف اصطباري يا قتادة بعدما ... شممت العدى من فيك أدمى سماخيه
فما جيفة الخنزير عند ابن مغرب ... قتادة إلا ريح مسكٍ وغالية
وقال العتبي حدثني أبو أحمد قال سئل أعرابي عن امرأته وكان حديث عهد بتزويج قال فقال أفنان أثلة وجنى نحلة ومس رملة وكأنني آيب في كل ساعة من غيبة قال وسئلت عنه فقالت أفنان الجنة وحسن الروضة وطيب الحياة في نعمة مقيمة.

العتبي قال حدثنا أبو سليمان قال سُئلت امرأة عن زوجها فقالت كان والله جمل ظعينة وليث عرينة وجار يجر وظل صخرة " وخطب " صالح بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن علي الهاشمي أم جعفر بنت علي الهاشمية من ولد أبيه فرد عنها فقال من شدة الغيظ وكانت قبله عند ابن عمٍ لها:
يا شوصة في فؤادي ... ويا قذي في جفوني
يا قية في سلاح ... يا فضلة المأفون
اتأمروني بتزويجها ... فأين أين يميني
وزوجها كان منها ... في غيضةٍ من قرون
فقالت:
ارجع بغيظك عنا ... لست لي بقرين
ولست صاحب دينا ... ولست صاحب دين
يا صيحة " يا بياض في الأصل " ... يا سلحة المبطون
مطيته العبد بعلاً ... بكل عودٍ متين
تروم ملكي بعقل ... واهٍ وحمقٍ حرون
" الأصمعي " قال قال أعرابي لامرأته إنك لتخمطين العيش خمطاً لأنك إنما تطلين من أير ذي عجزاً وطرموسة حمراء فقالت له قبح الله ما مننت به عليّ أتمن علي بعصبة نصفها في استك أو طرموسة ثلثاها رماد وكأنك اشتريت سطية أو رومية أو ملأت يدي من حلية وأنشد لامرأة تهجو زوجها من نساء الحضر:
يحب النكاح أبو صالح ... وليس يطاوعه أيره
وقد أمسك البخل من كفه ... فأصبح لا يرتجى خيره
فيا ليت ما في حري في أسته ... وملكني رجلٌ غيره
" قال " لقيط بن بكير قالت طارقة وهي مولاة لأهل بيت من امرء القيس بن زيد وكان تزوجها مولى لبني كلب يقال له ثابت وكنيته أبو الفصيل فخطب مولاة أخرى من مواليات بني امرؤ القيس وكانت تتهم بالسحر وكان يقال لها نجود وبلغها ذلك فجعلت تقول:
لا خار ربي لأبي الفصيل ... ولا وقاه عثرة الذلول
بدل مني أخبث البدول ... هوجاء مقاء كبشه الغول
تحمل رفغاً واسع الفضول ... مثل إهاب الميحة المبخول
ببيتٍ فيه الذئب أو يقيل
وقالت:
الما قرورا أهل ذا البقع كله ... ولا تقربا سحارة البردان
تعول عيالاً لست أنت ولدتهم ... وأمهم في البيت غير حصان
" وحدثني " محمد بن سعد عن العتبي قال حدثني محمد بن جعفر رجل من أهل الحديث قال بلغني أن امرؤ القيس بن حجر كان رجلاً مفركاً تزوج من امرأة من طي فلما دخل بها سبق إلى قلبها منه ما كان يسبق إلى قلوب النساء فأيقظته من نومه فقالت يا فتى الفتيان أصبحت فاغدة قال فقام فإذا الليل معتكر فلما وضع جنبه عادت له فقالت يا فتى الفتيان أصبحت فاغدة فقام فإذا الليل على حاله فعلم أن ذلك ضجرٌ منها فجعل يقول أصبح ليلاً برق له الصبح قال لها يا هذه قد رأيت ما صنعت منذ الليلة فأنت الطلاق فأخبريني ما كرهت مني قالت والله منك ثقل صدرك وخفة عجزك وإنك سريع الهراقة بطيء الأفاقة قال أفلا أخبرك عن نفسك قالت بلى ولو استعفيتك ما أعفيتني قالت أنت والله ناتئة الجبهة حديدة الركبة واسعة الثقبة سريعة الوثبة قبيحة النقية قال فجعل يقول لها لعنك الله وتقول له لعنك الله " وقال " أحمد بن الحارث عن أبي الحسن المدايني قال كان يزيد بن هبيرة المحاربي أول أمير ولي اليمامة لعبد الملك بن مروان فتزوج امرأة من ولد طلبة بن قيس بن عاصم المنقري فقالت:
للبس عباءة وتقر عيني ... أحب إليّ من لبس الشفوف
وبكر يتبع الأظعان صب ... أحب إليّ من بغل زفوف
وبيتٍ تخفق الأرواح فيه ... أحب إليّ من قصرٍ منيف
" وقال " أبو الحسن تزوج رجل من بني جسر امرأة من ولد طلبة بن قيس وكان الرجل دعياً فرفع إلى يزيد بن هبيرة ففرق بينهما وقالت وهي عنده:
لقد كنت عن حجر بعيداً فساقني ... صروف النوى والسابقات إلى حجر
يقولون فرش من حرير وإنما ... أرى فرشهم عندي كحامية الجمر
وإني لأستحي تميماً وغيرها ... من إنكاحهم إياي عبد بني جسر

" قال " أبو الحسن تهاجت امرأتان من العرب كانتا عند رجل سمينة ومهزولة فقالت تزحزحي عني يا مرونة إن البراذين إذا جرينه من الجياد ساعة أعيينه قالت السمينة يا بنت مهراس قفي أقول لك ما أقبح الوجه وما أذلك فلو ركبت جندياً أقلك ولو أردت ظله أظلك " قال " أبو الحسن زوجت هند بنت بن عامر الأسلمي ابنتين لها واحدة في بني قشير وأخرى في بني أبي بكر كلاب فقالت:
لقد أرسلت ليلى أثر هند ... فلم أدرك بذلك من نصيب
لعمرك ما ابنة السلمى ليلى ... بفاحشة المحل ولا كذوب
ولا مشأة في يوم ريح ... تحدث عن أحاديث المعيب
" قال " أبو محمد عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي قاضي فارس عن الشرقي بن القطامي قال تزوج رجل من همدان ابنة عمٍ له وكان لها محباً فلم يلبث أن ضرب عليه البعث إلى أذربيجان فأصاب بها خيراً واستفاد جارية وفرساً فسمى الفرس الورد والجارية حبابة ثم قفل البعث ولم يقفل هو فأتاه ابن عمٍ له فقال ما يمنعك من القفول قال أخشى ابنة عمي أن تحول بيني وبين هذه الجارية وقد هويتها فأنشأ يقول وكتب به إليها:
ألا لا أبالي اليوم ما صنعت هند ... إذا بقيت عندي حبابة والورد
شديد نياط المنكبين إذا جرى ... وبيضاء مثل الريم زينها العقد
فهذا لأيام الهياج وهذه ... لموضع حاجاتي إذا انصرف الجند
فكتبت إليه امرأته:
لعمري لئن شطت بعثمان داره ... وأضحى غنياً بالحبابة والورد
ألا فاقرأه مني السلام وقل له ... غنياً بفتيان غطارفة مرد
إذا شاء منهم ناشئ مد كفه ... إلى كفل ريان أو كعثب نهد
بحمد أمير المؤمنين أقرهم ... شباباً وأغزاكم خوالف في الجند
فما كنتم تقضون حاجة أهلكم ... قريباً فيقضوها على النأى واالبعد
فأرسل إلينا بالسراح فإنه ... مناناً ولا ندعو لك الله بالرشد
إذا رجع الجند الذي أنت منهم ... فزادك رب الناس بعداً على بعد
فلما وصلت أبياتها إليه باع الجارية وأقبل مسرعاً فوجدها معتكفة على مسجدها وصلاتها فقال يا هند فعلت ما قلت قالت الله أجل في عيني وأعظم من أن أركب له مأثماً ولكن كيف وجدت طعم الغيرة فإنك غظتني فغظتك " وقال المدائني عن أبان بن تغلب قال قالت أعرابية لابنتها أزوجك فامتنعت عليها حيناً ثم قالت يا أمة إن كنت لا بد فاعلة فجنبيني ذا السن الكبير لا أتعجله فإن فيه قلة النشاط وعجزة الولد واجعلي عمود رغبتك في ذا الخلق الحسن ولابس ثوب الشكر وإن كان لا شيء خير من الكبير ذي الحدة وإذا أرسلت فأرسلي حكيماً " قال " فليتني كنت عزباً ما فاتتني حتى أتزوجها " قال " أبو الحسن نشزت أم الصريح بنت أوس وأختها أم إياس وهم من كندة التي في بني كليب بن يربوع على أبي الصريح الكليبي فقالت:
كان الدار يوم تكون فيها ... علينا حفرة ملئت دخاناً
فليتك في سفين بني عباد ... طريداً لا نراك ولا ترانا
وليتك غائب بالهند عنا ... وليت لنا صديقا فاقتنانا
ولو أن النذور تكف منه ... لقد أهديتها ماية هجاناً
" وقالت " أم الصريح وكانت هي وأم أياس أختها عند أخوين من بني كليب وكانت الحلال الكلبية ضرة لأم اياس فكانت تفاخرها فقالت أم الصريح غيرة لأختها أم إياس إلا أربعي يا بنت أم قيس أتعدين محصناً بأوس والخطفي بالأشعث بن قيس ما ذاك بالعدل ولا بالكيس فردت عليها الحلال إذا كليب زخرت في الظم ركبت في عرنينها الأشم مالك من خال ولا ابن عم غير هذين فاصبري للذم واعترفي بالرفقة الأصم رفقة ذي شقاشق هلقم " وقال " تزوج العجاج دهناً بنت مسحل من بني مالك بن سعد بن زيد مناة فنافرته إلى إبراهيم بن عربي والي اليمامة وزعمت أنها بكر وأنه معها على فراشها امرأة لا تصل إلى النساء فقال إبراهيم لعلك تعازين الشيخ وتمنعينه فقالت والله إني لأقيم له صلبي وأرخي له بادي فقال العجاج والله إني لآخذها العقيلا الشغزبيه فقال إبراهيم الشغزبية التي أهلكتك انطلقا فقد أجلته سنة فقال العجاج:

قد زعمت دهناً وظن مسحل ... أن الأمير بالقضاء يعجل
عن كسلالى لي والحصان يكسل ... عن الضراب وهو طرف هيكل
فقالت الدهنا:
أقسم لا يمسكني بضم ... ولا بتقبيل ولا بشم
ولا بغز يسلي غمي ... يطير منه فتحي في كمي
فندم العجاج فقال:
إن تكن الدهنا غدت في دارها ... عامدة لفلج أستارها
فلم أكن مللت من جوارها ... كان ضوء الشمس في حفارها
وعجز يرتج في اسمرارها
فقالت الدهنا:
والله لولا كرمي وخيري ... وخشيتي عقوبة الأمير
ورهبة الجلواذ والترتور ... لجلت عن شيخ بني البعير
جول قلوص صعبة عسير ... تضرب حنوي قتب مأسور
فمكث سنة ثم جاء بهن ضعيف وقال:
وفالق الحب والنوى ... لقد مددنا يدنا تحت الكرى
تحت رواق الليل والله يرى ... لم أرَ كالله شهيداً يدرى
" وأنشدني " عبد الله بن شبيب قال قال مصعب الزبيري قالت امرأة توصي ابنتها:
لا تنكحي شيخاً إذا بال ضرط ... أملاً اني تحت حصية شمط
رخو الدلاة عاجزاً إذا افترط ... والتمسي أمرد يستاف الغلط
لمثله تتخذ الخود النقط ... إذا تدانى ساعة ثم أمعط
يجبذ جبذ البعير نفسه إذا انحط
قال فرد عليها الزوج:
يا رب شيخٍ بفوديه الشمط ... محتلج المتنين محبوك الوسط
يحمل جرداناً كمحراش الخبط ... إذا استدر عرقه ثم امعط
بفيشلة فيعا كالرأس العطط ... لو زاحمت ركن جدار لسقط
إذا رآها الأمرد البرك ضرط ... أو صادفت جارية ذات نقط
ظلت تفرى جلدها من الفرط ... ولم تسمع حفظ رحلها من الفلط
وقال امرأة تزوجت غلاماً غراً فقالت:
ويلك يا سلمى رأيت بعلي ... شنظيرة انكحنيه أهلي
غشمشماً يحسب رأسي رجلي ... لم يدر نيك النساء قبلي
" قالت جارية " من الأعراب في زوجها وزوج أختها:
أسيود مثل القرد لا خير عنده ... وآخر مثل الهر لا حبذاهما
يشينان وجه الأرض إن يمشيا بها ... وتخرى إذا ما قيل من فاهما
" يقول الشارح " وقد ورد في الأصل بعد الخبر السابق خمسة أبيات لامرأتين يذما زوجيهما وقد سبق ورودها قبل ذلك فأغفلناها الآن تفادياً من التكرار " ولبعض " المحدثات تذم زوجها:
يا من يلذذ نفسه بعذابي ... ويرى مقارنتي أشد عذاب
مهما يلاقي الصابرون فإنهم ... يؤتون أجرهم بغير حساب
لو كنت من أهل الوفاء وفيت لي ... إن الوفا حلى أولي الألباب
ما زلت في استعطاف قلبك بالهوى ... كالمرتجي مطراً بغير سحاب
يا رحمتي لي في يديك ورحمتي ... لي منك يا شيناً من الأصحاب
يا ليتني من قبل ملكك عصمتي ... أمسيت ملكاً في يد الأعراب
هل لي إليك إساءة جازيتها ... إلا لباسي حلة الآداب

بلاغات النساء ومقاماتهن وأشعارهن

ومما تخيرناه في المنثور والمنظوم وبدأنا في هذا الجزء بأخبار ذوات الرأي منهن والجزالة وجواباتهن المسكتة وأحاديثهن الممتعة أي ويبدأ الآن مقاماتهن وأشعارهن قال أبو عبيد الله محمد بن زياد الإعرابي حدثنا خالد بن الحارث ومعاذ بن معاز وعفان بن مسلم ويعقوب الحضرمي عن عبد الله بن حسان عن جدتيه دحية وعلية عن جدتهما قيلة بنت مخرمة وأخبرنا حجاش العنبري عن أبيه عن المنجاب عن قيلة وحدثنا أبو زيد عمر بن شبة والزبير بن بكار بمثل هذا الإسناد عن قيلة وحدثني عبد الله بن شبيب قال حدثني ابراهيم بن محمد الحلبي قال حدثني عبد الله بن سواد العنبري عن حفص بن عمر الحوضي النمري بعضهم خالف بعضاً في اليسير منه والمعنى واحد قالت: كنت ناكحة في بني جناب بن الحارث بن جهبة بن عدي بن جندب بن العنبر رجلاً منهم يقال له الأزهر بن مالك وأنه مات وترك بنات فيهن واحدة فزيراء وهي صغراهن قد أخذتها الغرسة قالت خرجت أبتغي الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه واَله في نأنأة الاسلام فبكت الحديباء علي فرحمتها فحملتها معي على بعيري سراً من عمها أثوب بن مالك فخرجنا نرتك جملنا إذا انتفجت الأرنب فقالت الحديباء الفصية ورب الكعبة لا يزال كعبك عالياً على كعب أثوب فبينا الجمل يرتك إذ خلا وأخذته رعدة فقالت الحديباء أدركتك والأمانة أخذة أثوب فقلت واضطررت إليها فما اصنع قالت تقلبين ثيابك ظهورها لبطونها وتقلبين أحلاس جملك ظهورها لبطونها وتقلبين ظهرك لبطنك ثم قلبت مستحالها من صوف فقلبت ظهرها لبطنها قالت ففعلت ما أمرتني به فقام الجمل ففاج وبال واعدت عليه أدائه ثم خرجنا نرتكه فإذا أثوب يسعى على آثارها بالسيف صلتا فوألنا منه إلى خباء ضخم فألقى الجمل ذلولاً لدي رواق البيت الأوسط فاقتحمت داخله بالجارية وتناولني بسيفه فأصابت ظبته طائفة من قرني وقال الق إلي ابنة أخي يا دفار فألقيتها إليه وكنت أعلم به منهم وقد تحشحش سيأتي تفسيره آخر الحكاية له القوم ثم انطلقت إلى أخت لي ناكح في بني شيبان ابتغي الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه فبينا أنا عندها ذات ليلة تحسب أني نائمة إذ جاء زوجها من السامر فقال: وأبيك لقد أصبت لقيلة صاحب صدق قالت ومن هو قال هو حريث بن حسان غادياً ذا صباح وافد بكر بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه قالت يا ويلها لا تخبر بهذا أختي فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها ليس معها من قومها رجل قال لا تذكريه فإني غير ذاكره لها فلما أصبحت وقد سمعت ما قال شددت على جملي فانطلقت الى حريث بن حسان فسألت عنه فإذا به وركابه مناخة فسألته الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه فقال نعم وكرامة فخرجت معه صاحب صدق حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه واَله فدخلنا المسجد حين شق الفجر وقد أقيمت الصلاة فصلى والنجوم شابكة والرجال لا تكاد تعارف من ظلمة الليل فصففت مع الرجال وكنت امرأة حديثة عهد بجاهلية فقال لي رجل إلى جنبي امرأة أنت أم رجل؟ قلت امرأة قال كدت تقتنيني عليك بالنساء وراءك فإذا صف من النساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيته حين دخلت فصففت معهن فلما صلينا جعلت أرى ببصري الرجل ذا الرو أو القثر لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه حتى دنا رجل فقال السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو جالس القرفصاء ضام ركبتيه إلى صدره عليه اسمال ملسين كانت مصبوغتين بزعفران فنعصا وبيده عسيب مقشور غير خوصتين من أعلاه فقال وعليك السلام ورحمة الله فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه واَله والتخشع في مجلسه أرعدت من الفرق فقال له جليسه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم رعدت المسكينة فقال بيده يا مسكينة عليك السكينة فذهب عني ما كنت أجد من الرعب قالت: فتقدم صاحبي أول من تقدم فبايعه على الإسلام وعلى قومه ثم قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لنا بالدهناء لا يجاوزها من تميم الينا إلا مسافراً أو مجاوراً فقال يا غلام اكتب له بالدهناء قالت فلما رأيت ذلك شخص بي وهي داري ووطني فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لم يسلك السوية من الأمر هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم ونساء تميم وأبناؤها

وراء ذلك قال: صدقت أمسك يا غلام المسلم أخو المسلم يسعهم الماء والشجر يتعاونان على الفتان كذا قالت فلما رأى حريث وقد حيل دون كتابه صفق بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: كنت أنا وأنت كما قال الأول حتفها حملت ضان بأظلافها قالت فقلت أما والله لقد كنت دليلاً في الليلة الظلماء جواداً لدى الرحل عفيفاً عن الرقيقة صاحب صدق حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه على أسأل حظي إذا سألت حظك قال وما حظك من الدهناء لا أبالك قالت قلت مقيد جملي سله لجمل إمرأتك قال أما أني أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه اني لك أخ ما حييت إذا ثنيت هذا علي عنده قالت قلت إذ بدأتها فاني لا أضيعها قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه ما يمنع ابن هذه أن يفصل الخطة وينتصر من وراء الحجرة قالت فبكيت وقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله لقد ولدته حزاماً وقاتل معك يوم الربذة ثم انطلق إلى خيبر يميرني منها فأصابته حماها فمات وترك علي النساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه لولا أنك مسكينة لجررت على وجهك أو لأمرت بك فجررت على وجهك اتغلب إحداكن أن تصاحب صويحبها في الدنيا معروفاً فإذا حال بيني وبينها من هو أولى به منها قالت رب اثبني على ما أمضيت وأعني على ما أبقيت فو الذي نفس محمد بيده اني أحيدكم لسبكي فيستعير اليه صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم قالت ثم أمر فكتب لي في قطعة أديم أحمر لقيلة والنسوة بنات قيلة لا يظلمن حقاً ولا يكرهن على منكح وكل مؤمن مسلم لهن نصير أحسن ولا يسئن قال أبو عبد الله ومما سمعته من غير عفان قال وأظنه من حديث يعقوب قال ولست أحققه قال محاس عن أبيه عن المنجاب أدركت احدى بنات قيلة في زمن الحجاج قد خطبها رجل من أهل الشام فأبت فأرسل إليها الحجاج حتى أكرهها عليه فجعلت تتقى بكتابها وهو في يديها وتقول إن في كتابنا أن لا نكره على منكح فلم يلتفت إلى كتابها ودفعها إلى الشامي قال أبو عبد الله في قولها تحشحش له القوم إن المتحشحش أن يهزل الرجل بعد يبس قال العقيلي قد تحشحشنا في اَخر هذا الشهر يعني شهر رمضان أي يبسنا وهزلنا وقحلنا من الصيام وهي تحسحس بالسين أصوب أي تحرك له القوم وتحسحست اللحمة في النار إذ إنقبضت وسمعت لها صوتاً.اء ذلك قال: صدقت أمسك يا غلام المسلم أخو المسلم يسعهم الماء والشجر يتعاونان على الفتان كذا قالت فلما رأى حريث وقد حيل دون كتابه صفق بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: كنت أنا وأنت كما قال الأول حتفها حملت ضان بأظلافها قالت فقلت أما والله لقد كنت دليلاً في الليلة الظلماء جواداً لدى الرحل عفيفاً عن الرقيقة صاحب صدق حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه على أسأل حظي إذا سألت حظك قال وما حظك من الدهناء لا أبالك قالت قلت مقيد جملي سله لجمل إمرأتك قال أما أني أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه اني لك أخ ما حييت إذا ثنيت هذا علي عنده قالت قلت إذ بدأتها فاني لا أضيعها قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه ما يمنع ابن هذه أن يفصل الخطة وينتصر من وراء الحجرة قالت فبكيت وقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله لقد ولدته حزاماً وقاتل معك يوم الربذة ثم انطلق إلى خيبر يميرني منها فأصابته حماها فمات وترك علي النساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه لولا أنك مسكينة لجررت على وجهك أو لأمرت بك فجررت على وجهك اتغلب إحداكن أن تصاحب صويحبها في الدنيا معروفاً فإذا حال بيني وبينها من هو أولى به منها قالت رب اثبني على ما أمضيت وأعني على ما أبقيت فو الذي نفس محمد بيده اني أحيدكم لسبكي فيستعير اليه صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم قالت ثم أمر فكتب لي في قطعة أديم أحمر لقيلة والنسوة بنات قيلة لا يظلمن حقاً ولا يكرهن على منكح وكل مؤمن مسلم لهن نصير أحسن ولا يسئن قال أبو عبد الله ومما سمعته من غير عفان قال وأظنه من حديث يعقوب قال ولست أحققه قال محاس عن أبيه عن المنجاب أدركت احدى بنات قيلة في زمن الحجاج قد خطبها رجل من أهل الشام فأبت فأرسل إليها الحجاج حتى أكرهها عليه فجعلت تتقى بكتابها وهو في يديها وتقول إن في كتابنا أن لا نكره على منكح فلم يلتفت إلى كتابها ودفعها إلى الشامي قال أبو عبد الله في قولها تحشحش له القوم إن المتحشحش أن يهزل الرجل بعد يبس قال العقيلي قد تحشحشنا في اَخر هذا الشهر يعني شهر رمضان أي يبسنا وهزلنا وقحلنا من الصيام وهي تحسحس بالسين أصوب أي تحرك له القوم وتحسحست اللحمة في النار إذ إنقبضت وسمعت لها صوتاً.

ومن أخبار ذوات الرأي والجزالة من النساء
أخبار ذوات الرأي والجزالة من النساء
حدثنا أحمد بن عبيد البصري قال حدثنا أبو عبد الرحمن العتبي عن أبيه قال قدم الحجاج بن يوسف على الوليد بن عبد الملك فألفاه يدفن بنتاً له فمال إلى قبر عبد الملك فصلى عنده ركعتين ثم انصرف وقد ركب الوليد فمشى بين يديه وعليه درع وقوس فقال اركب يا أبا محمد قال يا أمير المؤمنين دعني استكثر من الجهاد فإن ابن الزبير وعبد الرحمن بن الأشعث شغلاني عن الجهاد زمناً طويلاً فعزم عليه الوليد فركب فلما دخل القصر القى الوليد ثيابه وبقي في غلالة ثم اذن للحجاج فبينا هو يحدثه ويقول له يا أمير المؤمنين اذ أقبلت جارية فسارت الوليد ثم انصرفت ثم عادت فقال الوليد يا أبا محمد أتدري ما قالت هذه الجارية قال لا يا أمير المؤمنين قال أرسلت إليّ ام البنين بنت عبد الملك عبد العزيز بن مروان ما مجالستك هذا الاعرابي وهو في سلاحه وأنت في غلالة لأن يخلو بك ملك الموت أحب إليّ من أن يخلو بك الحجاج وقد قتل الناس قال الحجاج يا أمير المؤمنين امسك عن تنزف النساء فان المرأة ريحانة وليست بقهرمانة لا تطلعهن على أمرك ولا تطمعهن في سرك ولا تدخلهن في مشورتك ولا تستعملهن بأكثر من زينتهن يا أمير المؤمنين ولا تكن للنساء برؤوم ولا لمجالستهن بلزوم فإن مجالستهن صغار ولؤم ثم نهض الحجاج فدخل الوليد على أم البنين فأخبرها بمقالة الحجاج فقالت إني أحب أن تأمره أن يسلم علي غداً فلما أصبح غدا الحجاج على الوليد فقال أعدل إلى أم البنين فقال أعفني يا أمير المؤمنين قال لتفعلن قال ففعل فحجبته طويلاً ثم أذنت له فأقرته قائماً ثم قالت يا حجاج أنت الممتن على أمير المؤمنين بقتل ابن الزبير وابن الأشعث لقد كنت المولى أي العبد غير المستعلي أما والله لولا أنك أهون خلقه عليه الضمير راجع إلى الله ما ابتلاك برمي الكعبة ولا بقتل ابن ذات النطاقين فأما ما ذكرت من قتل ابن الأشعث فلعمري لقد استفحل عليك ووالى الهزائم حتى غوثت فلولا أن أمير المؤمنين نادى في أهل الشام وأنت في أضيق من القرن فأظلنك رماحهم ونجاك كفاحهم لكنت ضيق الخناق ومع هذا إن نساء أمير المؤمنين قد نفضن العطر من غدائرهن والحلي من أيديهن وأرجلهن فبعثنه في أعطية أوليائه وأما ما نهيت عنه أمير المؤمنين من قطع لذاته وبلوغ أوطاره من نسائه فإن كن ينفرجن على مثل أمير المؤمنين فهو غير مجيبك إلى ذلك وان كن ينفرجن على مثل ما انفرجت عنه أمك فما أحقه أن يقتدي بقولك قاتل الله الذي يقول إذ نظر إليك وسنان غزالة الحرورية بين كتفيك:
أسد علي وفي الحروب نعامة ... ربذاء تفزع من صفير الطائر
هلا برزت إلى غزالة في الوغا ... بل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة قلبه بفوارس ... تركت مناظره كأس الدائر
ثم أمرت جارية لها فأخرجته فدخل على الوليد فقال ما كنت فيه يا حجاج قال يا أمير المؤمنين ما سكتت حتى ظننت نفسي قد ذهبت وحتى كان بطن الأرض أحب الي من ظهرها وما ظننت أن امرأة تبلغ بلاغتها وتحسن فصاحتها قال إنها بنت عبد العزيز وقال ابن الإعرابي عن المفضل الضبي قال قالت الجمانة بنت قيس بن زهير العبسي لأبيها لما شرق ما بينه وبين الربيع بن زياد في الدرع دعني أناظر جدي فإن صلح الأمر بينكما وإلا كنت من وراء رأيك فأذن لها فأتت الربيع فقالت إذا كان قيس أبي فانك ياربيع جدي وما يجب له من حق الأبوة عليّ إلا كالذي يجب عليك من حق البنوة لي والرأي الصحيح تبعثه العناية وتجلى عن محضه النصيحة إنك قد ظلمت قيساً بأخذ درعه واجد مكافأته إياك سوء عزمه والمعارض منتصر والبادي أظلم وليس قيس ممن يخوف بالوعيد ولا يردعه التهديد فلا تركنن إلى منابذته فالحزم في متاركته والحرب متلفة للعباد ذهابه بالطارف والتلاد والسلم أرخى للبال وأبقى لأنفس الرجال وبحق أقول لقد صدعت بحكم وما يدفع قولي إلا غير ذي فهم ثم أنشأت تقول:
أبي لا يرى أن يترك الدهر درعه ... وجدي يرى أن يأخذ الدرع من أبي
فرأي أبي رأي البخيل بماله ... وشيمة جدي شيمة الخائف الأبي

أحمد بن الحارث عن المدائني قال أجمع أهل ميسان للمسلمين وعليهم الفليكان فلقيهم المغيرة بن شعبة بالمرغاب فقالت ازده بنت الحارث بن كلدة للنساء إن رجالنا في نحر العدو ونحن خلوف ولا اَمن إن يخالفوا الينا وليس عندنا من يمنعنا وأخرى أخاف أن يكثر العدو على المسلين فيهزمونهم فلو خرجنا لأمنا مما نخاف من مخالفة العدو الينا ويظن المشركون أنا عدد ومدد أتى المسلمين فيكسرهم ذلك وهي مكيدة فأجبنها إلى ما رأت فاعتقدت لواء من خمارها واتخذت النساء رايات من خمرهن وامضين رأيهن ومضين وهي أمامهن وهي تقول يا ناصر الاسلام صفاً بعد صف أن تهزموا وتدبروا عنا نخف أو يغلبوكم يغمزوا فينا القلف قال فلما رأى العدو الرايات قالوا هذا عدد ومدد اتى العرب فانهزموا منهم اسماعيل بن مجمع أبو محمد قال قال المدائني عن مسلمة بن محارب قال حج معاوية بن أبي سفيان فأتى الحجفة أو الابواء هو وأبو سلمة الفهري فأتيا مياه بني كنانة حتى صارا إلى خباء بفنائه امرأة عشمة فقالا من القوم فقالت من الذين يقول لهم الشاعر:
هم منعوا جيش الأحابيش عنوة ... وهم نهنهوا عنها غواة بني بكر
قالا كوني ذهلية قالت ذهيلة كنت قالا هل من قرى قالت أي ها الله خبز خمير وحيس فطير ولبن يمير وماء نمير فنزلا بها فقدمت اليهما ما ذكرت فجعل معاوية يأخذ الفلذة من الخبز بمثلها من الحيس فيغمرها في اللبن فلما فرغ قال لها حاجتك فاني من أمير المؤمنين بمكان قالت كلأك يا أمير المؤمنين قال وما يدريك أني أمير المؤمنين قالت بشمائلك حين لفتك الريح مقبلاً قال أما إذا عرفت فاسألي قالت حلقي دوني نساء الحي أفلا تعمهم قال سلي في نفسك قالت صانك الله يا أمير المؤمنين أن تفحل وادياً يرف أعلاه ويقف أسفله قال نادي فيهم فنادت أمير المؤمنين بفنائكم فأتاه الاعراب بها فقضى حوائجهم وفضلها عليهم وحدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثني عيسى بن عبد الله العلوي قال لما نزل معاوية بن أبي سفيان وادي الكرى قال لغلامه ارحل لي جمل الصحوت وارحل معه من الابل ما يماسطه ففعل فركبه ورحل من أصحابه معه فلما خرج من القرية حاد عن الطريق فإذا بيوت من بيوت البادية فخش بينها فإذا امرأة بين سجفين حسناء جملاء فلما نظرت إليه قالت أمير المؤمنين ورب الكعبة قال لها أتعرفيني قالت نعم قال لها ممن أنت قالت من الذين قال شاعرهم:
هم دفعوا حلف الأحابيش عنوة ... وهم منعوا عنكم غواة بني بكر

قال أنت إذن من بني الحارث بن كنانة فما تقولين في بني بكر قالت أبغض صغيرها وكبيرها ولا اَمن غدرها وفجورها قال فهل عندك من قرى قالت نعم خبز فطير ولبن يمير وحيس خمير وماء هجير قال أخ أخ احضريني ما عندك فجاءت به فجعل يأكل من هذا مرة ومن هذا مرة ويخلط بينهما مرة وقال لها إني أرى لك عقلاً ورأياً وبياناً فهل لك أن تتبعيني فتدخلي بيني وبين امرأة من قريش أحبها قالت كم لك يا أمير المؤمنين أو كم أتى عليك قال ثلاث وستون سنة قالت أصبحت يا أمير المؤمنين تنظر في سنك فتسوءها وتنظر في ذات يدك فيسرها فهل عندك من شيء تريد الجماع قال نعم قالت لا حاجة بك إلى أحد يدخل بينك وبينها فذلك يرضيها عنك فأعطاها فأحسن ورحل وذكر ابن الأعرابي أن عمر بن الخطاب قال أيها الناس ماهذه الصداقات جمع صداق ومهر الزوجة التي قد مددتم إليها أيديكم لا يبلغني أن أحداَ جاوز بصداقه صداقالنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه قال فقامت اليه امرأة برزة فقالت ما جعل الله لك ذلك يابن الخطاب وقد قال الله عز وجل وإن أوتيتم احداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً فقال عمر إلا تعجبون أميراَ خطأ وامرأة أصابت ناضل أميركم فنضل مصعب الزبير قال قدمت زينب بنت الزبير بن العوام مكة فخطبها رجل من بني أمية قد كانت هي وأمه قبل ذلك عند رجل من قريش فأبت فقيل لها في ذلك فقالت أكره ثلاث خلال لم أكن لأرجع في أرض هاجر منها اَبائي ولم أكن جئت على ظهر بعير لأتزوج وما كنت لأكون كنة بعد أن كنت ضرة وقال المدائني لما أهديت بنت عقيل بن غلفة إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان بعث مولاه له لتأتيه بخبرها قبل أن يدخل بها فأتتها فلم تأذن لها أو كلمتها فأحفظتها فهشمت انفها فرجعت اليه فأخبرته فغضب من ذلك فلما دخل عليها قال ما أردت إلى عجوزنا هذه قالت اردت والله ان كان خيراً أن تكون أول من لقى بهجته وان كان شراً أن تكون أول من ستره وذكر هارون بن يزيد العبدي عن أبي زهير الرواسي قال لما قتل حول المختار بن أبي عبيد الثقفي من اهل بيته خمسون رجلاً وانهزم الناس فمر أبو محجن بأم المختار واسمها دومة فقال يا دومة ارتدي خلفي قالت والله لإن يأخذني هؤلاء أحب الي من أن أرتدى خلفك وذكر أبو عبد الله بن الأعرابي عن المفضل الضبي قال كانت رقاش بنت عمرو بن صلب بن وائل عند كعب بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة فقال لها يوماً اخلعي درعك قالت خلع الدرع بيد الزوج قال اخلعيه لأنظر إليك قالت التجرد لغير نكاح مثله المدائني قال كان تميم الداري يبيع العطر في الجاهلية وكان من لخم فخطب أسماء بنت أبي بكر في جاهليته فماكسهم في المهر فلم يزوجوه فلما جاء الإسلام جاء بعطر يبيعه فساومته اسماء فماكسها فقالت طال ما ضرك مكاسك فلما عرفها استحى وسامحها في بيعه المدائني عن محمد بن علي قال كانت بنت سعيد بن العاص عند الوليد بن عبد الملك فلما مات عبد الملك لم تبكه فقال لها الوليد ما يمنعك من البكاء على أمير المؤمنين ولا مصيبة أجل من فقده قالت وما أقول له إلا أن أسأل الله أن يحييه ويزيد في سلطانه حتى يقتل أخاً لي آخر قال إي والله لقد كسرنا ثناياه وقتلناه فقالت قد علمت من شقة استه بالسيف قال الحقي بأهلك قالت الذ من الرفاء والبنين وقال المدائني تزوج مروان بن الحكم أم خالد بن يزيد بن معاوية فقال مروان ذات يوم وأراد أن يقصر به في شيء جرى بينهما يا ابن الرطبة فقال له خالد أمين مختبر وأتى خالد أمه فأخبرها الخبر وقال أنت صنعت بي هذا وأنشدها هجاء هجى بها فيها:
أما رأيت خالداً يهمه ... إن سلب الملك ونيكت أمه

فقالت له دعه فإنه لا يقولها بعد اليوم فدخل عليها مروان فقال أخبرك خالد بشيء قالت يا أمير المؤمنين هو أشد لك تعظيماً من أن يذكر شيئاً جرى بينك وبينه فلما أمسى وضعت على وجهه مرفقة وقعدت عليه هي وجواريها حتى مات فأراد عبد الملك قتلها وبلغه رضخ من فعلها فقالت له أما أنه لشد عليك أن يعلم الناس جميعاً أن أباك قتلته امرأة فكف عنها وكانت ام خالد بنت أبي هاشم من ولد عتبة بن ربيعة وقال المدائني لما كبر يزيد ومروان ابنا عبد الملك من عاتكة بنت يزيد بن معاوية قال لها عبد الملك إن ابنيك قد بلغا فلو أشهدت لهما بميراثك من أبيك كانت لهما فضيلة على سائر أخواتهما فقالت اجمع لي شهوداً من مواليّ ومواليك قال فجمعهم وادخل معهم روح بن زنباع الجذامي وكانت بني أمية تدخله على نسائها مداخل مشائخها وأهلها وقال له رغبها فيما صنعت وحسنه لها وأخبرها برضائي عنها فدخل عليها فتكلم ثم قال ما قاله عبد الملك فقالت يا روح أتراني أخشى على ابني العيلة وهما ابنا أمير المؤمنين أشهدتك اني تصدقت بمالي على فقراء آل بني سفيان قال فخرج القوم وأقبل روح يجر رجليه فلما نظر عبد الملك قال أما أنا فأشهد أنك قد أقبلت بغير الوجه الذي أدبرت فيه قال يا أمير المؤمنين اني تركت معاوية بن أبي سفيان في الديوان جالساً يريد أن عاتكة كجدها معاوية في الدهاء وأخبره الخبر قال فغضب عليها عبد الملك وتوعدها فقال له روح مهلاً يا أمير المؤمنين فوالله لهذا الفعل في ابنيها خير لك من مالها قال فكف عنها وقال المدائني أرسل مسلمة بن عبد الملك إلى هند بنت المهلب يخطبها على نفسه فقالت لرسوله والله لو أحيا من قتل من أهل بيتي وموالي ما طابت نفسي بتزويجه بل كيف يأمنني على نفسه وأنا أذكر ما كان منه وثاري عنده لقد كان صاحبك يوصف بغير هذا في رأيه وقال مصعب الزبيري خطب عبد الملك بن مروان رملة بنت الزبير بن العوام فردته وقالت لرسوله إني لا اَمن نفسي على من قتل أخي وكانت أخت مصعب لأمه كانت امهما الكلبية الأصمعي عن أبان بن تغلب قال مررت بإعرابي له امرأة حسنة الوجه وكان دميم الخلقة وهو يعلوها ضرباً فقلت له أتضرب مثل هذا الوجه الحسن فقالت أصلحك الله ان له عذراً فدعه قلت وما هو قالت قدمت إلى الله سيئتين فعاقبني عليهما به وقدم اليه حسنة فجزاه بي حدثنا عبد الله ابن شبيب قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عمر بن أبي بكر العذري عن عبد الرحمن بن أبي الزناد وعن مخرمة بن سليمان الوالبي قال دخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر في اليوم الذي قتل فيه فقال يا أمه خذلني الناس حتى أهلي وولدي ولم يبق معي إلا اليسير ومن لا دفع عنده أكثر من صبر ساعة من النهار وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا فما رأيك قالت إن كنت على حق تدعو إليه فامض عليه فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية فيتلعبوا بك وإن قلت اني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي ليس هذا فعل الأحرار ولا فعل من فيه خيركم خلودك في الدنيا القتل أحسن ما يقع به يا ابن الزبير والله لضربة بالسيف في عز أحب إلي من ضربة بسوط في ذل قال لها هذا والله رأيي والذي قمت به داعياً إلى الله والله ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله عز وجل أن تهتك محارمه ولكني أحببت أن أطلع على رأيك فيزيدني قوة وبصيرة مع قوتي وبصريتي والله ما تعمدت إتيان منكر ولا عملاً بفاحشة ولم أجر في حكم ولم أغدر في أمان ولم يبلغني عن عمالي حيف فرضيت به بل أنكرت ذلك ولم يكن شيء عندي اَثر من رضاء ربي اللهم اني لا أقول ذلك تزكية لنفسي ولكن اقوله تعزية لأمي لتسلو عني قالت له والله اني لأرجو ان يكون عزاي فيك حسناً بعد ان تقدمتني أو تقدمتك فان في نفسي منك حرجاً حتى أنظر إلى ما يصير أمرك ثم قالت اللهم ارحم طول ذاك النجيب والظماء في هواجر المدينة ومكة وبرهَ بأمه اللهم اني قد سلمت فيه لأمرك ورضيت فيه بقضائك فأثبني في عبد الله ثواب الشاكرين فرد عنها وقال يا أمة لا تدعي الدعاء لي قبل قتلي ولا بعده قالت لن أدعه لك فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق فخرج وهو يقول:
أبي لابن سلمى أن يعير خالداً ... ملاقى المنايا أي صرف تميماً
فلست بمبتاع الحياة بسبة ... ولا مرتق من خشية الموت سلماً

وقال لأصحابه احملوا على بركة الله وليشغل كل رجل منكم رجلاً ولا يلهينكم السؤال عني فإني في الرعيل الأول ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون وهو يقول:
لا عهد لي بغارة مثل السيل ... لا ينقضي غبارها حتى الليل
فرماه رجل من أهل الشام بحجر على وجهه فارتعش منها فدخل شعباً من تلك الشعاب يستدمي رأته مولاة له فقالت ويا أمير المؤمنين قالوا أين هو فأشارت اليه فدخلوا فقتلوه فأما أحمد الحارث فحدثنا عن المدائني بن مسلمة بن محارب أن ابن الزبير دخل على أمه اسماء وهي عليلة فقال يا أمة كيف تجديك قالت ما أجدني إلا شاكية فقال يا أمة أن الموت لراحة فقالت يا بني لعلك تتمنى موتي فوالله ما أحب أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك فأما أن تظمر بعدوك فتقر عيني وأما أن تقتل فأحتسبك قال فالتفت إلى أخيه عروة وضحك فلما كان في الليلة التي قتل في صبيحتها دخل في السحر عليها فشاورها فقالت يابني لا تجبنن عن خطة تخاف على نفسك فيها القتل قال إنما أخاف أن يمثلوا بي قالت يا بني ان الشاة لا تألم السلخ بعد الذبح.
أخبرنا أحمد بن الحارث عن أبي الحسن المدائني قال أوتي هشام بن عبد الملك بجارية تعرض عليه فأعجب بها فسام صاحبها بها فأبعد عليه في السوم فقال له لأعطينك بها أعطية لم أبلغها بجارية قط لك بها عشرة اَلاف درهم فأبى وخرج بها قال وتبعتها نفس هشام وجعل لا يطيب بالزادة نفساً فاتى الابرش الكلبي مولاها فلم يزل حتى أخذها منه بثلاثين ألفاً وأهداها اليه فسر بها ولم يلبث ان جاءه مال من ضياعه فيه فضل فقسمه في أهله وولده وبقيت عشرون ومئة ألف فدعى امرأتيه أم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاص وعبيدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية فبدأ بأم حكيم فقال من أحق الناس بهذا المال قالت إن ذلك لغير بخيل زوجتك وبنت عمك قال قد أخذت حقها قالت فابنك وولي عهد المسلمين وسيد فتيان قومك قال قد أخذ حقه فأقبل على عبدة فقال هاتي ما عندك فانكم يا اَل أبي سفيان تدعون فضيلة في الرأي قالت ما أبين ذاك أحقهم به من جاد لك بما بخلت به على نفسك قال صدقت فبعث بالمال إلى الأبرش فلما استقلت البدور على أعناق الرجال نظر إليها هشام فقال هذه ثم أحسن منها هاهنا.
وقال عبد الله بن شبيب عم الزبير قال حدثنا عثمان بن عبد الرحمن قال كانت الزمعية بنت كثير بن عبد الله بن زمعة عن عبد الله بن مطيع ولم يذكر الخبر وقال المدائني قال عبد الله بن عوف لامرأته أم طلحة بنت مطيع بن الأسود ان نزلت من السرير فأنت طالق فقبضت رجليها وقالت لأردن عليك سفهك ولأقطعن طمعك وقال الزبير فقال سفهه والله لك فلان وفلان.
وحدثني عبد الله بن شبيب قال حدثني ابراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه قال كانت عند رجل من اَل أبي طالب فاما المدائني فذكر انه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام امرأة من قريش فضجرت عليه يوماً فقال لها أمرك في يدك أما والله لقد كان في يدك عشرين سنة فحفظته وأحسنت صحبته فلم أضيعه إذ كان في يدي ساعة من نهار وقد رددت عليك حمقك قال حمقة والله فاعجبه قولها فأحسن صحبتها.
حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني مسعود بن عمر قال حدثنا عمارة بن عقيل قال كانت عندنا امرأة باليمامة يقال لها أم أتال وكانت من أجمل النساء فاَمت من زوجها فخطبها أشراف أهل اليمامة وكنت فيمن خطبها فقالت وكان لها ابناً يقال له أثال فردت كل خاطب من أجله:
لعمري أثال لا أفدي بعينه ... وان كان في بعض المعاش جفاء
إذا استجمعت أم الفتى غض طرفه ... وشاعره دون الدثار بلاء
قال وخطب عمران بن موسى بن طلحة هنداً بنت اسماء بن خارجة الفزاري فردته وارسلت اليه اني والله ما بي عنك رغبة ولكن لا أتزوج إلا من لا يؤدي قتلاه ولا يرد قضاءه وليس ذلك عندك.

حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن أبي علي البصري قال حدثنا نصر بن قديد الليثي قال حدثنا العلاء السعدي عن أبيه قال حجت أم حبيب بنت عبد الله بن الأهتم أو بنت عمرو بن الأهتم الشك من ابن أبي علي قال فبعث إليها الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فخطبها فقالت إني لم اَت هذه البلد للتزويج وإنما جئت لزيارة هذا البيت فإذا قدمت بلدي وكانت لك حاجة فشأنك قال فازداد فيها رغبة فلما صارت إلى البصرة أرسل إليها فخطبها فقال أخوتها أنها امرأة لا يفتات على مثلها برأي وأتوها فأخبروها الخبر فقالت إن تزوجني على حكمي أجبته فأدوا ذلك اليه فقال امرأة من تميم اتزوجها على حكمها ثم قال وما عسى أن يبلغ حكمها لها قال فأعطاها ذلك فقالت قد حكمت صداق ازواج النبي صلى الله عليه وسلم بناته أثنا عشر أوقية فتزوجها على ذلك وأهدى لها مئة ألف درهم فجاءت اليه فبنا بها في ليلة قائظة على سطح لا حظار عليه فلما غلبته عينه أخذت خمارها فشدته في رجله وشدت الطرف الأخرى في رجلها فلما أنتبه من نومه رأى الخمار في رجله فقال ما هذا قالت أنا على سطح ليس عليه حظار ومعي في الدار ضرائر ولم اَمن عليك وسن النوم ففعلت هذا لأنك إذا تحركت تحركت معك قال فازداد فيها رغبة وبها عجباً ثم لم يلبث أن مات عنها فكلموها في الصلح عن ميراثه فقالت ما كنت لاَخذ له ميراثاً أبداً وخرجت إلى البصرة فبعث إليها نفر يخطبونها منهم يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن عامر فأتاها أخوتها فقالوا لها هذا ابن أمير المؤمنين وهذا ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه واَله وهذا بن حواريه وهذا ابن عامر أمير البصرة اختاري من شئت منهم قال فردتهم جميعاً وقالت ما كنت لأتخذ حموا بعد ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وسلم.
وقال المدائني أتى عبيد الله بن زياد بامرأة من الخوارج فقطع رجلها وقال لها كيف ترين فقالت إن في الفكر في هول المطلع لشغلا عن حديدتكم هذه ثم قطع رجلها الأخرى وجذبها فوضعت يدها على فرجها فقال لتسترينه فقالت لكن سمية امك لم تكن تستره.
المدائني قال كانت رملة بنت طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر وأمها فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر وأمها زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام الكبرى قال أبو الفضل هذا غلط وأنا أحسبها زينب حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه عند هشام بن عبد الملك وكانت لا تلد فقال لها هشام يوماً أنت بعلة لا تلدين فقالت بلى يأبى كرمي أن يدنسه لؤمك.
حدثني أبو صفوان البصري محمد بن أبي النعمان قال حدثني أبو محمد العنبري قال خرج خالد بن الوليد حاجاً فمر بأهل بيت من العرب من بني عامر بن صعصعة فنزل بماء لهم فرأى جارية منهم اعجبته فبعث إلى أبيها فخطبها وزوجه على عشرة اَلاف درهم ثم قال أدخلوها علي في اطمارها التي رأيتها فيها فأدخلت عليه فأعجبته وأخذت بقلبه فأكرمها وأخذ أطمارها فصيرها في صندوق وقفل عليها وحملها إلى الشام فدخل على عبد الملك فحدثه حديثها وما رأى من ظرفها فبعث عبد الملك إلى الأطمار لينظر إليها فلما دخل الرسول بطلب الأطمار قالت الجارية أجلس فأن أمير المؤمنين عزمني ثم كتبت اليه:
يا ابن الذوائب من أمية والذي ... صارت اليه خلافة الجبار
فبم استفزك خالد بحديثه ... حتى هممت بأن ترى أطماري
فلئن هزئت بسحق ثوب ناحل ... اني لمن قوم ذو أخطار
لا يبطرون لدى اليسار ولاهم ... دنس الثياب يرون في الأعصار
فارفض بطالة خالد وحديثه ... واحفظ كريمة معشر اخيار
قال فلما قرأ شعرها وصلها بمائة ألف درهم وأوصى خالداً بها.
المدائني قال قيل لابنة النعمان بن المنذر في أي شيء كانت لذة أبيك قالت في الشراب ومحادثة ذوي الألباب قيل فصفي لنا ما كنتم فيه قالت أطيل أم أوجز قيل أوجزي قالت أصبحنا والناس يغبطوننا فلم نمس حتى رحمنا عدونا.

حدثني حماد بن اسحق عن أبيه عن الفضل بن الربيع قال قال المهدي للخيزران أم موسى وهارون ابنيه ان موسى ابنك يتيه أن يسألني حوائجه قالت يا أمير المؤمنين ألم تكن في حياة المنصور لا تبتديه بحوائجك وتحب أن يبتدئك هو فموسى ابنك كذلك يحب منك قال لا ولكن التيه يمنعه قالت يا أمير المؤمنين فمن أي ناحية أتاه التيه أمن قبلي أم من قبلك.
الأصمعي عن أبان بن تغلب عن رجل سماه قال بينا أنا ذات يوم بالبادية فخرجت في بعض ليالي الظلم فاذا أنا بجارية كأنها علم فأردتها على نفسها فقالت وحيك أما لك زاجر من عقل إذا لم يكن لك ناه من دين قلت لها والله لا يرانا شيء إلا الكواكب قالت ويحك فاين مكوكبها.
أحمد ابن الحارث عن المدائني قال دخلت امرأة من بني مروان على عبد الله بن علي بالشام فبكت فقال مم تبكين أجزعا لأهلك على ما أصابهم قالت لا والله ولكنه ما كان يوم سرور إلا وهو رهن بيوم مكروه.
وقال غير المدائني قالت لا ولكني رأيت نعمتكم وتنقلها منا إليكم وما امتلأت دار حيرة إلا امتلأت عبرة.
حدثني أبو العيناء قال كتب إلى قصرية أحبها وأواصلها وبلغني أنها قالت أبو العيناء ظريف ولكنه أعمى قبيح وقد ذكر لي غيره من البصيريين أن هذا الشعر لبعض السدوسيين وان الخبر له والشعر:
وأنثها لما رأتني أقبلت ... تعيب وقالت أعورنا حل الجسم
فإن يك في وجهي عيوب وإن أكن ... قبيحاً فاني غير عي ولا فدم
لساني وأخلاقي تعفى على الذي ... تعيبن مني فاسألي بي ذوي الحلم
قال فأرسلت الي أو للخصوم عند القضاة يراد الأحباب يا عاض ما يكره مصعب بن عبد الله بن الزبيرعن أبيه مصعب بن عثمان قال قالت هند بن عتبة حين أتى نعي يزيد بن أبي سفيان وقال لها بعض المعزين عنه أنا لنرجو أن يكون في معاوية خلف منه قالت أومثل معاوية يكون خلفاً من أحد والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمى به فيها لخرج من أيها شاء.
وقيل لها إن عاش معاوية ساد قومه فقالت ثكلت إن لم يسد إلا قومه.
حدثوني عن العتبي عن أبيه قال حدثني بعض الأعراب قال مررت يوم عرفة ببيت بطنبه كبش مربوط قال فسمعت رجلاً في البيت يقول واستؤتي من ضيفينا هذا أتانا وما عندنا ما نقر به اليه فقالت له امرأته أبا فلان اياك ان تلقى الله كذاباً بخيلاً أوليست هذه شاتك مربوطة بفنائك قال هذه نسيكتي غداً قالت وأي نسيكة أعظم أجراً وأحسن ذخراً من ذبحك إياها لضيفك.
وقال الجاحظ لما مات رقية بن مصقلة أوصى إلى رجل ودفع اليه شيئاً وقال ادفعه إلى أختي فسال الرجل عنها فخرجت اليه فقال لها أحضريني شاهدين انك أخته فارسلت الجارية إلى الامام والمؤذن ليشهدا لها واستندت إلى الحائط فقالت الحمد لله الذي أبرز وجهي وأنطق عيي وشهر بالفاقة اسمي فقال الرجل شهدت إنك اخته حقاً ودفع الدنانير إليها ولم يحتج إلى شهادة من يشهد لها.
حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عثمان بن عبد الرحمن قال عرضت عاتكة بنت عبد الملك بن الحارث المخزومية أم أدريس وسليمان وعيسى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام لأبي جعفر المنصور وقد وافى حاجاً فصاحت يا أمير المؤمنين أحمل عني كلك أو أعني على حمله لك معي بنو عبد الله بن الحسن صبية صغار لا مال لهم وأنا امرأة لست بذات مال فأناشدك الله أن نفارق احتمال ما يلزمك احتماله منهم عوناً لهم إلى أطراحهم فاني خائفة عليهم إن فعلت أن يضيعوا فقال يا ربيع من هذه فنسبها له فقال هكذا ينبغي أن تكون نساؤهم وأمر برد ضياع أبيهم وأمر لها بألف دينار.

ومن أخبار ذوات الرأي والظرف منهن
أخبار ذوات الرأي والظرف
ما حدثنيه الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عباس السعدي قال كان كثير بن عبد الرحمن يلقى من يحج من قريش في كل سنة بهدية فغفل سنة عنهم حتى أصبح ثم ركب من منزله بكلبه جملاً ثقالاً واستقبل الشمس في يوم صائف فلم يأت قديداً حتى احترق وضجر وجاء وقد راح الناس فقال فتى من قريش وتخلفت ومعي راحلة لي لا برد ثم الحق ثقلي فجاء كثير فجلس إلى جنبي ولم يسلم فجاءت امرأة جميلة وسيمة فاستندت إلى خيمة من خيام قديد ثم قالت أنت كثير بن أبي جمعة قال نعم قالت أنت الذي يقول:

وكنت إذا صاحبت أجللن مجلسي ... واعرض عني هيبة لا تجمها
قال نعم قالت أفعلى هذا الوجه هيبة ان كنت كاذباً فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين قال لها من أنت وحد عليها وهي ساكنة فقال لو أعلم من أنت لقطعتك وقطعت قومك هجاء وسأل عنها المواليات بقديد فلم يخبرنه من هي فلما سكن قالت أنت الذي يقول:
متى تنشروا عني العمامة تبصروا ... جميل المحيا أغفلته الدواهن
أأنت جميل المحيا إن كنت كاذباً فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فضجر وحد وسكتت عنه حتى سكن ثم قالت أنت الذي يقول:
يروق العيون الناظرات كأنه ... هرقلي وزن أحمر التبر وازن
أهذا الوجه يروق العيون ان كنت كاذباً فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فازداد ضجراً وحد وقال قد أعلم من أنت ولأقطعنك وقومك هجاء وقام فالتفت فإذا هي قد ذهبت فقلت لمولاة من مواليات أهل قديد لك الله على أن أخبرتني من هي أن أطوي لك ثوبي هذين إذا قضيت احرامي واَتيك بهما فادفعمها إليك قالت والله لو أعطيتني وزنهما ذهباً ما أخبرتك من هي هذا كثير وهو مولاي وقد أبيت أن أخبره من هي قال القرشي فرحت وبي أشد مما بكثير.
المدائني قال تزوج الوليد بن عبد الملك في خلافته تسع سنين ثلاثاً وستين امرأة يطلق ويتزوج حتى تزوج عاتكة بنت عبد الله بن مطيع فلما دخل بها وأراد أن يقوم أخذت بثوبه فقال لها ما تريدين قالت انا اشترطنا على الحمالين الرجعة فما رأيك قال تقيمين وأمسكها أربعة أشهر ثم طلقها.
وقال المدائني عن ابن جعدية كان في قريش رجل في خلقه سوء وفي يده سماح وكان ذا مال فكان لا يكاد يتزوج امرأة إلا فارقها لسوء خلقه وقلة احتمالها فخطب امرأة من قريش جليلة القدر وبلغها عنه سوء خلقه فلما انقطع ما بينهما من المهر قال لها يا هذه ان فيّ سوء خلق يعود إلى احتمال وتكرم فان كان بك عليّ صبر وإلا فلست أغرك مني فقالت له إن أسوأ خلقا منك لمن يحوجك إلى سوء الخلق وتزوجته فما جرى بينهما كلمة حتى فرق بينهما الموت.
وقال الهيثم بن عدي عن ابن عياش عن عبد الملك بن عمير أن عثمان بن عفان لما تزوج نائلة بنت الفرافصة حملت اليه من الشام فلما دخلت عليه قال لها لا تكرهين ما رأيت من شيبي فقالت اني من نسوة أحب أزواجهن إليهن الكهل السيد قال اني قد جاوزت التكهيل فأنا شيخ قالت أبليت عمرك في الاسلام ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه واَله في خير ما أفنيت فيه الأعمار قال أتقومين إليّ أم أقوم إليك قالت ما قطعت إليك عرض السماوة أكثر من عرض البيت بل أقوم إليك قال إخلعي درعك قالت أنت وذاك قال ولم قتل عثمان كثر خطابها من قريش وكانت حسنة الثغر وكان فيمن خطبها معاوية بن ابي سفيان وهو خليفة فدقت ثناياها وقالت أذات ثغر تراني بعد أبي عمرو رحمه الله فأيست من نفسها الخطاب.
وقال المدائني عن مجالد عن الشعبي قال نشزت سكينة بنت الحسين عليه السلام على عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حزام فدخلت أمه رملة بنت الزبير على عبد الملك فأخبرته بنشوز سكينة على ابنها وقالت يا أمير المؤمنين لولا أن نبتز أمورنا لم تكن لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا قال يا رملة إنها سكينة قالت وإن كانت سكينة فو الله لقد ولدنا خيرهم ونكحنا خيرهم قال يا رملة غرني منك عروة قالت ما غرك ولكنه نصحك انك قتلت أخي مصعباً فلم يأمني عليك قال وقيل لرملة بنت الزبير أو لزينب بنت الزبير ما بالك أهزل ما تكونين إذ قدم عليك زوجك قالت إن الحرة لا تضاجع زوجها بملء بطنها وقال خطب سعيد بن العاص عائشة بنت عثمان بن عفان فقالت لا أتزوج به والله أبداً فقيل لها ولم ذاك قالت لأنه أحمق له برذونان أشهبان فهو يتحمل مؤونة اثنين واللون واحد وقال الزبير ذكر رجل من قريش سوء خلق امرأته بين يدي جارية له كان يتحظاها فقالت له انما حظوظ الاماء لسوء خلائق النساء الحرائر.

ابن الكلبي الكاتب عن سهل بن هارون بن رهبوبي قال عزى المأمون أم الفضل بن سهل حين قتل وقال لها لا تجزعي عليه ففي خلف لك منه ولن تفقدي معي إلا وجهه قالت يا أمير المؤمنين كيف لا أجزع على ابن أكسبني ابناً مثلك وقال اشترى أمير المؤمنين كتاب جارية المارقي بخمسة اَلاف دينار فلما دخلت عليه قال لها غني يا جارية فغنت وهي قائمة فقال لها لم غنيت قائمة وما منعك من الجلوس قالت يا سيدي أمرتني أن أغني ولم تأمرني أن أجلس فغنيت بأمرك وكرهت سوء الأدب في الجلوس بغير أذنك فاستحسن فعلها وأمر لها بمال وأحظاها.
حدثنا عمر بن شبة قال أخبرني عبد الله بن عبد الرحيم قال لما طلق عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس زينب بنت محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام أمر ابنته حمادة أن تركب معها من منزله حيث انتقلت إلى منزل نزلته فمرت بها بين قصر عيس بن موسى وقصر موسى بن عيسى بن موسى فقالت زينب لمن هذان القصران فأخبرتها حمادة فقالت زينب إني لأجد رائحة الدم أو رائحة دم أبي من هذين القصرين فقالت لها حمادة قد أخذت دية أبيك مرات فكفي عن هذا الكلام قال فكانت الخلفاء تصل حمادة على كلامها لزينب.
وحدثني أبو زيد عمر بن شبة قال قال عبد الرحيم حدثني هاشم بن محمد الهلالي قال اختلف الحجاج وهند بنت أسماء بن خارجة الفزاري في بنات قين فبعث إلى مالك بن أسماء فأخرجه من الحبس وسأله عن الحديث فحدثه ثم أقبل على هند فقال لها قومي إلى أخيك فقالت لا أقوم اليه وأنت ساخط عليه فأقبل الحجاج على مالك فقال انك والله ما علمت للخائن لأمانته اللئيم حسبه الزاني فرجه فقالت هند ان أذن لي الأمير تكلمي فقال تكلمت فقالت أما قول الأمير الزاني فرجه فوالله لهو أحقر عند الله وأصغر في عين الأمير من أن يجب لله عليه حد فلا تقيمه أما قول اللئيم حسبه فوالله لو علم الأمير مكان رجل أشرف منه لصاهر اليه وأما قول الخائن أمانته فوالله لقد ولاه الأمير فوفر فأخذه بما أخذه به فباع ما وراء ظهره ولو ملك الدنيا بأسرها لأفتدى بها من مثل هذا الكلام وفي حديث غير عمر بن شعبة وما أقول هذا دفعاً عنه ولا رد القول الأمير فيه ولكن لما يجب له من موضع الحجة فأعجب ذلك الحجاج من قولها قال فنهض الحجاج وقال لهند شأنك بأخيك قال ثم دخل عليه وبين يديه هذا على لفظ عمر بن شبة قال مالك وكانت بين يديه عهود فيها عهدي على أصبهان فقال خذ هذا العهد وامض إلى عملك ونهضت قال وهي ولايته التي عزله عنها وبلغ به فيها ما بلغ.
حدثني محمد بن سعد السامي وأبو السكين زكريا بن يحيى بن عمر بن حصن بن حزين بن أوس بن حارثة بن لام قال محمد بن سعد بن النوشنجاني قال حدثنا عبد الله بن صالح العجلي وقال أبو السكين وزاد في الحديث ونقص ومعناهما واحد قالا جعل قوم جعلا لبشر بن أبي حازم الأسدي " وكان عبداً " على أن يهجو أوس بن حارثة بن لام ففعل بشر فأرسل أوس فاشتراه فدفعه إلى رسوله فقال الرسول غننا فكان قد تغنى الناس بما يصنع بك أوس يتهدده بذلك قال فزجر الطير بشر فرأى ما يحب فأنشأ يقول:
أما ترى الطير إلى جنب النعم ... والعير في عانة في وادي السلم
سلامة ونعمة من النعم
فقال الرسول:
إنك يا بشر لذو وهم وهمّ ... في زجرك الطير إلى جنب النعم
ابشر بوقع مثل شؤبوب الرهم ... وقطع كفيك وثنى بالقدم
وباللسان بعده وبالاشم ... إن ابن سعدي ذو عذاب و نقم
قال فلما أتى به قال هجوتني ظالماً لي أنت بين قطع لسانك وحبسك في سرب حتى تموت أو قطع يديك ورجليك وتخلية سبيلك قال ثم دخل على أمه جعدى وقد سمعت كلامه فقالت له يا بني مات أبوك فرجوتك لقومك عامة فأصبحت أرجوك لنفسك خاصة وزعمت انك قاطع رجلاً هجاك فمن يمحو ما قاله غيره قال فما أصنع به قالت تكسوه حلتك وتحمله على راحلتك وتأمر له بمئة ناقة قال ففعل ما أمرته به فقالت له أنه الآن يمدحك فيذهب مدحك بهجائه وتحمد مغبة رأيي قال فمدحه بشر فأكثر وكان مما مدحه به قوله حيث يقول:
إلى أوس بن حارثة بن لام ... ليقضي حاجتي ولقد قضاها
فما وطئ الحصى مثل ابن سعدى ... ولا لبس النعال ولا احتذاها

قال إسحاق بن ابراهيم الموصلي حدثني رستم العبدي قال خرجت من مكة زائراً لقبرالنبي صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله فاني لبسوق الجحفة إذا جويرية تسوق بعيراً وتترنم بصوت شبج حلو بهذا الشعر:
فيا أيها البيت الذي حيل دونه ... بنا أنت من بيت وأهلك من أهل
بنا أنت من بيت دخولك لذة ... وظلك لو يسطاع بالبارد السهل
ثلاثة أبيات فبيت أحبه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي
فقلت لمن هذا الشعر يا جويرية قالت أما ترى تلك الكوة التي عليها الحمراء قلت أراها قالت من هناك نجم الشعر فقالت أفحي قائلة قالت هيهات لو أن لميت أن يرجع لطول غيبته كان ذلك فأعجبني فصاحة لسانها ورقة ألفاظها فقلت لك أبوان فقالت فقدت أكبرهما وأكثرهما وأجلهما ولي أم قلت فأين أمك قالت منك بمرأى ومسمع قال وإذا امرأة تبيع الخرز على ظهر الربق بالجحفة ثم قالت يا أم شأنك فاستمعي من عمي ما يلقي إليك فقالت حياك الله هيه هل من جائية بخير قلت هذه بنيتك قالت كذا كان أبوها يقول افتر وجنيها قالت لعلة ما رغبت فيها فما هي فوالله ما لها جمال ولا لها مال قلت لحلاوة لسانها وحسن عقلها قالت أينا أملك هي أم أنا قلت هي قالت فاياها فخاطب قلت تستحي أن تجيب في مثل هذا قالت ماهذا عندنا أنا أخبر بها فقلت يا جارية أما تسمعين ما تقول امك قالت اسمع قلت ما عندك قالت بحسبك ان قلت تستحي في مثل هذا فإذا كنت استحي من شيء فلم أفعله أتريد أن تكون الأعلى وأنا بساطك لا والله لا يشد على رجل حواءه وأنا أجد مذقة من لبن ابداً ولا يعد أبداً إن كان له بعد وقال الزبير عن عبد الله بن محمد المدني قال ما رؤيت ابنة عبد الله بن جعفر الطيار ضاحكة منذ تزوجها الحجاج فقيل لها لو تسليت فإنه أمر قد وقع قالت كيف وبم فوالله لقد ألبست قومي عاراً لا يغسل درنه بغسل قال ولم مات عبد الله بن جعفر لم تبك عليه فقيل لها إلا تبكين على أبيك قالت والله إن الحزن ليبعثني وأن الغيظ ليصمتني وقال إسحاق الموصلي قيل لحبي المدنية ما الجرح الذي لا يندمل قالت حاجة الكريم إلى اللئيم ثم لا يجدي عليه قيل لها فما الشرف قالت اعتقاد المنن في أعناق الرجال يبقى للأعقاب وقال حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني عن أبي جعدبة قال كانت لأمية بن عبد الله خالد بن أسيد مولاة جملية ظريفة يقال لها سكة فمرت بثمامة العوفي فقال تالله ما رأيت كاليوم قط لقد أقر الله عيني من كنت ضجيعه وأحسن إلى من كنت قرينه قال وبعث ابن أخيه في أثرها يخطبها إلى نفسه فقالت من أرسلك قال عمي قالت ومن عمك ويحك فمثلي لا يخطب في الطريق ولا يخدع في الرسل قال رجل من العرب يقال له ثمامة قالت ما حرفته قال ارجع إليه فاسأله قالت شأنك فما أعيا لسانك فرجع اليه ابن أخيه فاعلمه ما قالت فقال شعراً وبعث به اليها:
وسائلة ما حرفتي قلت حرفتي ... مقارعة الأبطال في كل مأزق
وضربي طلى الأبطال بالسيف معلماً ... إذا زحف الصفان تحت الخوافق
اذا القوم نادوني نزال رأيتني ... أمام رعيل الخيل أحمي حقائقي
أصبر نفسي حين لا حر صابر ... على ألم البيض الرقاق البوارق

قال فلما قرأت الشعر قالت للرسول قل له فديتك أنت أسد فاطلب لنفسك لبؤة فاني ظبية احتاج إلى غزال حدثني حماد بن اسحاق عن أبيه قال قال الفضل بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب لرقية بنت معتب بن عتبة بن أبي لهب التمسي لي امرأة إن قامت اضعفت وإن مشت رفرفت تروع من بعيد و تفتن من قريب تسر من عاشرت و تكرم من جاورت وتبذ من فاخرت ودوداً ولوداً قعوداً لا تعرف إلا أهلها ولا تهوى إلا بعلها قالت يابن عم اخطب هذه إلى ربك في الجنة بالعمل الصالح فاما الدنيا فما أحسبك تجدها فيها ولو كانت لسبقت إليها وقال المدائني أخذ زياد بن أبيه امرأة من الخوارج فقال أما والله لأحصدنكم حصداً ولأفنينكم عدا قالت كلا إن القتل ليزرعنا قال فلما هم بقتلها تسترت بثوبها قال اتسترين وقد هتك الله سترك وأهلك قومك قالت أي والله أتستر ولكن الله أبدى عورة أمك على لسانك إذا أقررت بأن أبا سفيان زنى بها قال فأمر بقتلها فقتلت قال الأصمعي حدثني رجل من أهل البادية قال رأيت امرأة من قومي في وهدة من الأرض قد ضربت عليها خباء من شعر وبين يدي الخباء بسيتين لها صغير فيه زرع لها إذ غيمت السماء فأرعدت وأبرقت ثم جاء برد فأحرق الزرع ثم سكنت بعد قليل فأخرجت رأسها من الخباء فنظرت إلى الزرع قد احترق فقالت ورفعت رأسها إلى السماء أصنع ما شئت فإني رزقي عليك قال أبو عدنان أنشدت عجوز من أعراب بني كلاب يقال لها أم معروف بيتاً أنشدنيه إسماعيل بن الحكم عن أخيه عوانة بن الحكم أن عبد الملك بن مروان مر بقبر عليه عوسجة قد نبتت منه فقال ما هذا فقيل قبر معاوية بن أبي سفيان فقال متمثلاً:
هل الدهر والأيام إلا كما أرى ... رزية مال أو فراق حبيب
وان أمرأ قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير لبيب
فلا تيأسن الدهر من ود كاشح ... ولا تأمنن الدهر صرم حبيب
قال فعارضتني فأنشدتني
إذا جاء ما لا بد منه فمرحباً ... به غير أثم أو فراق حبيب
فقلت لها من يقول هذا قالت وما يدريني ما يجيء به الشعراء إلا أنها رواية أرويها إذا سمعتها قلت فأنا أخبرك من قال ما أنشدتك قالت أنت أروى مني وأكرم وأشد تتبعاً للأخبار والأشعار ولولا ذاك لم تكن معلم هذه الأناشيد ولا هذه الاماثيل والأعاليب فأي شيء يكلفك هذا وليس فيه إلا العناء فقط ولا يعنيك الله ولا يتعبك قلت أنا متهوم بما ترين فقالت لو كنت تصلي الفتر وتصوم العشر كان أقرب لذات الله عز وجل فاجعل مكان هذه الروايات الصلوات الطيبات الزاكيات الطاهرات وقرآناً وذكراً لربك ومسألة له خيراً من الدنيا مراراً فانها متاع تعلة ودار غرور قال أبو عدنان فسألتها عن الفتر فقالت أن يصلي الانسان العتمة ويتفتر ساعة ثم يقوم فيصلي.
حدثنا محمد بن حبب قال طلب قوم ابن هرمة الشاعر في منزله فلم يجدوه فقالوا لبنيته أقرينا واذبحي لنا فإنا ضيوف قالت ما ذاك عندنا لكم ولا تمكينا فيكم قالوا فأين قول أبيك لا أمتع العوذ بالفصال ولا أبتاع إلا قريبة الأجل قالت فذاك الذي أفنى ماله ومنعكم القرى قال فتعجبوا لقولها وحدثوا أباها حين لقوه فأعجبه جوابها فوهب لها بستاناً له.
المدائني قال قالت خالدة بنت هاشم بن عبد مناف لأخ لها وقد سمعته تجهم صديقاً له أي أخي تطلع من الكلام إلا ما قد روأت فيه قبل ذلك ومزجته بالحلم وداويته بالرفق فان ذلك أشبه بك فسمعها أبوها هاشم فقام إليها فاعتنقها وقبلها وقال واهاً لك يا قبة الديباج فكانت تلقب بذلك.
حدثني محمد بن سعد عن السجستاني عن العتبي قال جاءت رملة بنت معاوية وكانت عند عمرو بن عثمان بن عفان إلى أبيها فقال يابنية مالك أطلقك زوجك قالت الكلب أضن بشحمته من ذاك قال فما جاء بك قالت افتخر علي بكثرة قومه وعد بني في قومه فوددت والله أنهما في البر الأخضر فقال لها معاوية يا بنيه آل أبي سفيان أشجى بالرجال من أن تكوني كنت رجلاً.

وذكر عن أبي الخطاب الأزدي أنه لما قتل مروان بن محمد هجم عامر بن اسماعيل على الكنيسة التي فيها بنات مروان ونساءه وقد أغلقن الابواب دونهن فصحن وولولن فأخذ الخصي الموكل بهن فسأل عن أمره فقال أمرني مراون أن أضرب رقاب بناته وجواريه إذا قتل فجيء بإبنتي مروان إلى عامر فسلمت عليه الكبرى منهن بالخلافة فقال لست بالخليفة ولكن خاله وعامله فأمر عامر برأس مروان فوضع في حجر ابنته فقال أتعرفينه قالت نعم هذا رأس أبي عبد الملك فقال لها عا مر معذرة إلى الله وإلى المسلمين انما فعلت هذا بك قصاصاً كما فعلتم برأس زيد بن علي عليه السلام اذ وضع في حجر والدته وكانت أمه ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية فهذا ما فعلتم والبادي أظلم ثم وجه بهما وبجواري مروان إلى صالح بن علي فلما دخلن عليه تكلمت بنت مروان الكبرى فسلمت عليه بالخلافة فقال لست بالخليفة ولكني عمه فقالت يا عم أمير المؤمنين حفظ الله لك من أمرك ما تحب أن يحفظه وأسعدك في الأمور كلها بخواص كرامته وعمك بالعافية المجللة في الدنيا و الآخرة نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمك فليسعنا عدلك قال إذا لا يستبقى منكم أهل البيت أحداً رجلاً ولا امرأة الم يقتل أبوك بالأمس ابن أخي الإمام في محبس حران ألم يقتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي وصلبه وأمر بقتل امرأته فقتلها يوسف بن عمرو صبراً ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد بخراسان وأحرق خشبته وجثته فما الذي استبقيتم منا أهل البيت فقالت قد ظفرتم فليسعنا عفوكم قال أما هذا فنعم قد عفونا عنكم وأن أحببتما زوجت أحداكما من الفضل بن صالح والأخرى من عبد الله بن صالح وأن أحببتما ان ألحقكما بحيث شئتما من الأرض فعلت فقالت أصلح الله الأمير وأي أوان غرس هذا بل تلحقنا بحران فقال القاسم بن وليد النخعي كاتب عامر أنا توليت المجيء بهما إلى صالح وكنت قائماً أسمع كلامهم إذ ارتج العسكر فإذا جارية من جواري مروان قد بلغها وهي في رواق أبي عون إن بنات مروان قد أدخلن على صالح بن علي فهتفت يا ناعي مروان قد خسف القمر يا ناعي مروان قد كسفت شمس النهار فصحن جواري مروان بين حجر صالح وأروقه القواد فأمر باطلاقهن.
أخبرني أبو دعامة علي بن يزيد قال دخل أبو يوسف على الرشيد وبين يديه جوهر لا يدري أهو أحسن أم وعاؤه فقال يا أمير المؤمنين ما صلح هذا مع كماله إلا أن تخص به أم جعفر مع كمالها قال ويلك يا يعقوب هذا جوهر الخلافة ولا يصلح أن يؤثر به غيرها قال وبلغ ذلك ام جعفر فما شعر أبو يوسف ونحن عنده اذ جاء خادم أم جعفر فقال السيدة تقرأ عليك السلام وتقول أحسن الله جزاءك عن ودنا وميلك الينا وقد كافأناك بالعاجل فادخل خدماً يحملون التخوت والبدور والعطر في الصواني والجوهر في الأواني فوضعت بين يديه فقال أطال الله بقاءهما ولا أعدمنا فضلهما ثم قال إن السيدة أعزها الله لا تبعث إلى مثلنا بهدية تبعصنا برد الأنية ولسنا نشك أنها تكافئ رسلها عنا فانصرفوا عنه فلما صاروا إلى أم جعفر أخبروها بما قال قالت صدق أبو يوسف وسوعته الأنية كلها قال أبو دعامة وأقبل على جلسائه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله قال من أهديت إليه هدية فجلساؤه وشركاؤه فيها والهدايا يومئذ مأكول ومشروب لقحط الناس فأما إذا صارت إلى ما ترون فهي للعقد وذخر للولد إرفع ياغلام قال فما رؤي أكلم ولا أعلم ولا الأم منه.

أقسام الكتاب
1 2