كتاب : التشبيهات
المؤلف : ابن أبي عون

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله أجمعين زادك الله في الأدب رغبةً وللعوم محبة ووفقك للحجة ودلك على المحجة وأعانك على طلبك بالرشد وأظفرك بالغرض عند الفحص سألتني أعزك الله أن أثبت لك أبياتاً من تشبيهات الشعراء الواقعة وبدائعهم فيها الظريفة وقد تقدم الناس أعزك الله في اختيار الشعر وتمييزه غير أنهم لم يصنفوه أبواباً وذلك أن الشعر مقسوم على ثلاثة أنحاء منه المثل السائر كقول الأخطل
فأقسم المجدُ حقاً لا يحالفهم ... حتى يحالفَ بطنَ الراحةِ العشرُ
وكقول الفرزدق
أما العدوُّ فإنا لا نلينُ له ... حتى يلينَ لضرسِ الماضغِ الحجرُ
ومنه الاستعارة الغريبة كقول الطرماح
فقلتُ لها يا أمَّ بيضاء إنه ... هريق شبابي واستشنَّ أديمى
وكقول الحطيئة
قد ناضلوك فأبدوا من كنائنهم ... مجداً تليداً ونبلاً غيرَ أنكاسِ
ومنه التشبيه الواقع النادر كقول امرئ القيس في العقاب
كأنَّ قلوبَ الطيرِ رطباً ويابساً ... لدى وكرها العنابُ والحشفُ البالِ
وكقول عديّ بن الرقاع في وصف الثور البري
تزجى أغنَّ كأنَّ إبرةَ روقهِ ... قلم أصابَ من الدواةِ مدادَها
وما خرج من هذه الأقسام الثلاثة فكلام وسط أو دون لا طائل فيه ولا فائدة معه ورأيت أجلَّ هذه الأنحاء وأصعبها على صانعها التشبيه وذلك أنه لا يقع إلا لمن طال تأمله ولف حسه وميزَ بين الأشياء بلطيف فكره وأنا أثبت لك في هذا الكتاب أبياتاً من التشبيه مختارة وأتخلل المعاني المختلفة والتشبيهات المتداولة إلى الأبيات الطريفة النادرة وأقتصر على جملة يكون لك فيها حظ ومتعة وتأدب ورياضة وأتجنب الإطالة التي يتلقاها الملالةُ وأتبع ذلك بكتاب في الأمثال وكتاب في الاستعارة وبالله الحول والقوة.
ونبتدئ على اسم الله بتشبيهات خالق الأشياء جل وعز في كتابه إنه كان أكمل شاهدٍ وأوضح حجة فمما شبه به الأشخاص المماثلة قوله عز وجل " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم " وقوله عز وجل " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " وقوله " كأنهن الياقوت والمرجان " " وكأنهن بيض مكنون " وقوله في تشبيه الأفعال " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا " وقوله " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف " ومثل هذا كثير في القرآن وبالله نستعين على كل مطلوب والعرب أيدك الله تشبه بكأنَّ كقول امرئ القيس
كأنَّ عيونَ الوحش حولَ خبائنا ... وأرحلنا الجزعُ الذي لم يثقبِ
وبكمنْ كقول أوس بن حجر
فإنكما يا ابنَيْ جنابٍ وجدتما ... كنْ دبَّ يستخفي وفي الحلقِ جلجل
وبالكافِ كقوله
ونارٍ كسحرِ العودِ يرفعُ ضوءها ... مع الليلِ هباتُ الرياحِ الصواردِ
وبمثلٍ كقولِ السلامي
مثل التي يحسبها أهلها ... عذراء بكراً وهي في التاسعِ
وبكما كقولِ كعبِ بن زهير
ولا تمسكُ بالعهدِ الذي عهدت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيلُ
وبكمثلِ وكأمثال وتخال وتظن وتكاد وما أشبهها وبإضمار أحد هذه الحروف إذا لم يتسع للشاعر إقامة الوزن بإظهاره كقوله
سموتُ إليها بعدَ ما نامَ أهلُها ... سموَّ حبابِ الماءِ حالاً على حالِ
أراد مثلَ سموِ حبابِ الماء
باب )2( في
الثريا
فمن التشبيهات الحسان قول امرئ القيس في الثريا
إذا ما الثريا في السماء تعرضتْ ... تعرضَ أثناءِ الوشاحِ المفصلِ
وقد شبهها جماعةٌ من الشعراءِ فأصابوا وقاربوا فمن ذلك قول ابن الطثرية
إذا ما الثريا في السماء كأنها ... جمانٌ هوى منْ سلكهِ فتبددا
وقال آخر في هذا المعنى
إذا ما بلغتُ والثريَّا كأنها ... قلادةُ درٍ سلَّ عنها نظامها
وقال آخر
ولاحتْ لسارِيها الثريا كأنها ... لدى الجانبِ الغربي قرطٌ مسلسلُ
وقال علي بن العباس الرومي نحوه
قد ترشفتُ ريقهُ بعدَ وهنٍ ... والثريَّا بالجانبِ الغربِ قرطُ
وقال ذو الرمة يصفُ أرضاً قطعها
وردتُ اعتسافاً والثريا كأنها ... على قمةِ الراسِ ابنُ ماءٍ محلقُ
يدبُّ على آثارها دبرانُها ... فلا هو مسبوقٌ ولا هو يلحقُ

وقال أبو قيس بن الأسلت
وقدْ لاحَ في الصبحِ الثريَّا لمن يرَى ... كعنقودِ ملاحيةٍ حين نورا
وتبعه إبراهيم بن المهدي ووصف أرضاً قطعها فقال
خطرفتُها وثريَّا النجمِ خاضعةٌ ... كأنها في أديم الليلِ عنقودُ
وأنشد المبرد
إذا ما الثريا في السماء تعرضتْ ... يراها الحديدُ العينِ سبعةَ أنجمِ
على كبدِ الجرباء وهيَ كأنَّها ... جبيرةُ درٍّ ركبتْ فوقَ معصمِ
شبهها بالدستينجِ العريض وقال ابن المعتز
كأنَّ الثريا في أواخرِ ليلها ... تفتحُ نورٍ أو لجامٌ مفضضُ
وقال أيضاً
فناولنيها والثريَّا كأنها ... جنَى نرجسٍ حبا الندامَى بهِ الساقِي
وشبهها ابنُ الرومي بقدمٍ بيضاء فقال وذكر شعر امرأة المنسرح
تغشى غواشِيْ قرونها قدماً ... بيضاءَ للناظرينَ مقتدرهْ
مثلَ الثريَّا إذا بدتْ سحراً ... بعدَ غمامٍ وحاسرٍ حسرهْ
وأخذَه ابنُ المعتز وزادَ فقالَ
وأرى الثريَّا في السماءِ كأنَّها ... قدمٌ تبدتْ منْ ثيابِ حدادِ
والعربُ تسمي الثريَّا النجمَ وينشدونَ في طلوعها في الشتاء
طابَ شربُ الراحِ لما ... طلع النجمُ عشاءا
وابتغى الراعي لمشتا ... هُ من القرِّ كساءا
وقال آخرُ في طلوعها في الصيف
طلعَ النمُ غديهْ ... فابتغى الراعِي شكيهْ
وقال كعب الغنوي في الجوزاء
وقد مالت الجوزاءُ حتى كأنها ... فساطيطُ ركبٍ في الفلاةِ نزولِ
وقال ابنُ المعتز
كأنما الجوزاءُ في أعلى الأفقْ ... أغصانُ نورٍ أو وشاحٌ منْ ورق
وقال الدلفي في جملةِ الكواكبِ
إذا السماءُ روضةٌ ... نجومها كالزهرِ
والجوُّ صافٍ لمْ يكدرهُ انتشارُ النشرِ
وقال ابنُ المعتز
كأنَّ سماءنا لما تجلتْ ... خلالَ نجومها عندَ الصباحِ
رياضُ بنفسجٍ خضلٍ نداهُ ... تفتحُ بينهُ نورُ الأقاحِ
وقال امرؤ القيس
نظرتُ إليها والنجومُ كأنها ... مصابيحُ رهبانٍ تشبُّ لقفالِ
وقال ابنُ المعتز
كأنَّ نجومَ الليلِ في فحمةِ الدجى ... رؤوسُ مدارٍ ركبتْ في معاجرِ
وقال عبدُ العزيز بنُ عبد اللهِ بن طاهر
واعترضتْ وسطَ السماءِ الشعرَى ... كأنها ياقوتةٌ في مدرَى
وشبه أبو نواسٍ الدرهم بها فقال
أنعتُ صقراً يغلبُ الصقورا ... مظفراً أبيضَ مستديرا
تخلهُ في قدهِ العبورا
وقال آخر
يقرُّ بعيني أنْ أرى بمكانهِ ... سهيلاً كطرفِ الأخزرِ المتشاوسِ
وقال جران العودِ
أراقبُ لمحاً من سهيلٍ كأنهُ ... إذا ما بدا من آخرِ الليلِ يطرفُ
وقال البحتري
كأنَّ سهيلاً شخصُ ظمآنَ جانحٌ ... من الليلِ في نهيٍ من الأرضِ يكرعُ
وقال آخر
إذا كانت الشعرَى العبورُ كأنها ... معلقُ قنديلٍ عليهِ الكنائسُ
ولاحَ سهيلٌ منْ بعيدٍ كأنهُ ... شهابٌ ينحيه عن الريحِ قابسُ
وقال عبد الله بن المعتز
وقد لاح للسارِي سهيلٌ كأنهُ ... على كلِ نجمٍ في السماءِ رقيبُ
وقال العلوي الأصبهاني
كأنَّ سهيلاً والنجومُ أمامهُ ... يغارضُها راعٍ وراءَ قطيعِ
إذا قامَ من مرباتِهِ قلتَ راهبْ ... أطالَ انتصاباً بعدَ طولِ ركوعِ
وقال العلوي في النسرِ أي النسرِ الواقع
وركبٍ ثلاثٍ كالأثافي تعاوروا ... دجى الليلِ حتى أومضتْ سنةُ الفجرِ
إذا اجتمعوا سميتهم باسمِ واحدٍ ... وإن فرقوا لمْ يعرفوا آخرَ الدهرِ
وأنشدَ الطائي
وتبدتْ بناتُ نعشٍ فلاحتْ ... مثلَ نعشٍ عليهِ ثوبٌ جديدُ
وكانَّ الجوزاء لما استقلتْ ... وتدلتْ سرادقٌ ممدودُ
وقال العلويُّ الإصبهانيُّ
وكواكب الجوزاء تبسطُ باعها ... لتعانق الظلماء وهي تودعُ
وكأنها في الجو نعش أخي بلى ... يبكي ويوقفُ تارةُ ويشيع
وقال ابنُ المعتز في إصغاء الثريا
وقد أصغتْ إلى الغربِ الثريَّا ... كما أصغى إلى الحسِ الفروقُ
كأنَّ نجومها والفجرُ بادٍ ... لأعيننا سقيماتٌ تفيقُ
وقال ابنُ الزبيرِ الأسديُّ في ذلك

وقدْ خرمَ الغربَ الثريا كأنها ... بهِ رايةٌ بيضاءُ تخفضُ للطعنِ
وقال ابنُ المعتز نحوه
وقدْ هوى النمُ والجوزاءُ تتبعهُ ... كذاتِ قرطٍ أدارتهُ وقد سقطا
وله أيضاً العميق
وترومُ الثريَّا ... في الغروبِ مراما
كانكبابِ الطمرِّ ... كادَ يلقِي لجاما
وله
وقدْ سقانِي المدامَ والليلُ بالصبحِ مؤتزرْ
والثُّريَّا كنورِ غصنٍ على الغربِ منتثرْ
وقال أبو النجمِ في إصغاء الشمس للغروب
حتى إذا المسُ اجتلاها المجتلي ... بين حفافيْ شفقٍ مهولِ
فهيَ على الأفقِ كعينِ الأحولِ ... صغواءُ قدْ كادتْ ولمّا تفعلِ
وقال أيضاً
صبَّ عليهِ قانصٌ لما غفلْ ... والشمسُ كالمرآةِ في كفِّ الأشلْ
وقال العلوي الأصبهاني
ومجلسِ شربٍ جئتهُ متطرباً ... عشاءُ وعينُ الشمسِ في الأفقِ تنعسُ
وقال ابنُ الرومي في هذا المعنى
كأنَّ جنوحَ الشمسِ ثمَّ غروبها ... وقدْ جعلتْ في مجنحِ الليلِ تمرضُ
تخاوصُ عينٍ من أجفانَها الكرى ... يرنقُ فيها النومُ وهيَ تغمضُ
وقال ابنُ المعتز
تظلُّ الشمسُ ترمقنا بلحظٍ ... مريضٍ مدنفٍ من خلفِ سترِ
تحاولُ فتقَ غيمٍ وهو يأبَى ... كعنينٍ يريدُ نكاحَ بكرِ
وفي طلوع الشمس من خلال السحاب يقول ابن الرومي
واليومُ مدجونٌ فحرتُهُ ... فيه بمطلعٍ ومحتجبِ
ظلتْ تساترُنا وقدْ بعثتْ ... ضوءَ يلاحظنا بلا لهبِ
وقال ذو الرمة يصف امرأة
تريك بياضَ لمتها وجههاً ... كقرنِ الشمسِ أفتقَ ثم زالا
أصابَ خصاصةً فبدا كليلاً ... كلا وانغلَّ سائرهُ انغلالا
وقال ابن الرومي في غروب الشمس
إذا رتقتْ شمسُ الأصيل ونفضتْ ... على الأفقِ الغربيِّ ورساً مزعزعا
وودعتِ الدنيا لتقضِي نحبها ... وشولَ باقِي عمرها وتشعشعا
ولاحظت النوارَ وهي مريضةٌ ... وقدْ وضعتْ خداً على الأرضِ أضرعا
كما لاحظتْ عوادهُ عينُ مدنفٍ ... توجعَ من أوصابهِ ما توجعا
وظلتْ عيونُ النورِ تخضلُ بالندَى ... كما أغرورقتْ عينُ الشجيِّ لتدمعا
وبينَ إغماءُ الفراقِ عليهما ... كأنهما خلاّ صفاءٍ تودعا
وقال آخر في دارةِ الشمس
والشمسُ معرضةٌ تمورُ كأنّها ... ترسٌ يقبلهُ كميٌّ رامحُ
وقال ابن المعتز في الهلال
ما ذقتُ طعم النوم لوْ تدرِي ... كأنَّ أحشائي على جمرِ
من قمرٍ مستبرقٍ نصفهُ ... كأنهُ محرقةُ العطرِ
وقال أيضاً
أهلاً بفطرٍ قدْ أنارَ هلالهُ ... فالآنَ فاغدُ على المدامِ وبكرِ
وانْظرْ إليهِ كزورقٍ من فضةٍ ... قدْ أثقلتهُ حمولةٌ منْ عنبرِ
وقال آخرُ
وقدْ لاحَ ضوءُ البدرِ آخرَ ليلةٍ ... على قمةٍ كأنهُ نصفُ دملجِ
وقال ابن المعتز
في ليلةٍ أكل المحاقُ هلالها ... حتى تبدَّى مثلَ وقفِ العاجِ
وأنشدنا ثعلب المتقارب
كأنَّ ابنَ مزنتها جاناً ... فسيطٌ لدى الأفقِ من خنصرِ
وقال ابن المعتز
وجاءني في قميصِ الليلِ مستتراً ... يستعجلُ الخطوَ منْ خوفٍ ومنْ حذرِ
ولاحَ ضوءُ هلالٍ كادَ يفضحهُ ... مثل القلامةِ قد قدتْ من الظفرِ
وقال أيضاً
إذا الهلالُ فارقتهُ ليلتهْ ... صارَ لمنْ يبصرُ وينعتهْ
كأنهُ أسمرُ شابتْ لحيتهْ
وقال العلوي الأصبهاني
ما للهلالِ ناحلاً في المغربِ ... كالنونِ قد خطتْ بماءٍ مذهبِ
وقال الناجم
وعاذلٍ وسخَ إسمي وقدْ ... لامَ سحيراً أيَّ توسيخِ
قلتُ لهُ للراحِ أنبهتنِي ... فهاتها وأغرَ بتوبيخِ
والبدرُ قدْ قابلنِي طالعاً ... كأنَّها حزةُ بطيخِ
وضمخَ الحائطَ جاديهُ ... لما تعالى أيَّ تضميخِ
وأنشدني أبو العسكرِ
وقومٍ همُ كانوا ملوكاً هديتهمْ ... ببيداءَ لا يبدو بها ضوءُ كوكبِ
ولا قمرٌ إلا صغيراً كأنهُ ... قلامةُ أظفورِ الفتاةِ المخضبِ
باب )3( في

وضوح الصبح
ومن حسن التشبيه في وضوح الصبح قول ذي الرمة

وقدْ لاحَ للسارِي الذي كملَ السرَى ... على أخرياتِ الليلِ فتقٌ مشهرُ
كمثلِ الحصانِ الأنبطِ البطنِ قائماً ... تمايل عنهُ الجلُّ واللونُ أشقرُ
وشبه اختلاط الضوء بالظلمةِ بالفرسِ الأنبط وهو الأبيض البطن وقال ابن المعتز
وساقٍ يجعلُ المنديلَ منهُ ... مكانَ حمائلِ السيفِ الطوالِ
غدا والصبحُ تحتَ الليلِ بادٍ ... كطرفٍ أشقرٍ ملقي الجلالِ
وأنشد أبو الفرح
باتا بأنعمِ ليلةٍ حتى بدا ... صبحٌ تبينَ كالأغرِّ الأشقرِ
فتلازما عندَ الفراقِ صبابةً ... أخذ الغريمِ بفضلِ ثوبِ المغفرِ
ومن التشبيهات الأندلسية قول أبي يوسف الرمادي
وليلة أنسٍ قد أنرنا ظلامَها ... بأنجمِ راحٍ تستنيرُ فترشفُ
إلى أنْ بدا ضوءُ الصباحِ كأنما ... تحملَ لقمانُ وأقبلَ يوسفُ
وقال حميدُ بن ثور
وترى الصباحَ كأنَّ فيه مصلتاً ... للسيفِ يحملهُ حصانٌ أشقرُ
وقال ابن المعتز
وما راعنا إلا الصباحُ كأنهُ ... جلالُ قباطيٍّ على سابحٍ وردِ
وقال ذو الرمة
كأنَّ عمودَ الصبحِ جيدٌ ولبةٌ ... وراء الدجى منْ حرةِ اللونِ حاسرِ
وقال ابنُ المعتز
والصبحُ يتلو المشترِي فكأنهُ ... عريانُ يمشي في الدجى بسراجِ
وقال العلوي الأصبهاني
والفجر في صفو الهواء موردٌ ... مثل المدامةِ في الزجاجِ تشعشعُ
وله أيضاً
كأنَّ انجلاءَ الليلِ عنْ وجهِ صبحهِ ... نصولُ خضابٍ كانَ سترَ نصوعِ
وقال ذو الرمة في حسن الاستعارة
أقامتْ بهِ حتى ذوَى العودُ في الثرَى ... وجرَّ الثريا في ملاءتهِ الفجرُ
وقال أبو نواس
فقمت والليلُ يجلوهُ الصباحُ كما ... جلا التبسمُ عنْ غرِّ الثنياتِ
وقال ابن المعتز
لاما تعرى أفقُ الضياءِ ... مثلَ ابتسامِ الشفةِ اللمياء
وقال ابنُ الرومي في سوداء المنسرح
كأنها والمزاحُ يضحكها ... ليلٌ تعرى دجاهُ عنْ فلقِ
وقال الطائي
أمسى ابتسامك والألوانُ كاسفةٌ ... تبسمَ الصبحِ في داجٍ من الظلمِ
وقال ابن المعتز
قد أغتدي على الجياد الضمرِ ... والصبحُ قدْ أسفرَ أو لم يسفرِ
حتى بدا في ثوبهِ المعصفرِ ... ونجمهُ مثل السراجِ الأزهرِ
كأنهُ غرةُ مهرٍ أشقرِ
وقال أبو نواس
قدْ أغتدِي والصبحُ في دجاهُ ... كطرةِ البردِ على مثناهُ
وقال ابن المعتز
حتى بدا ضوءُ صباحٍ فالقِ ... مثل تبدِي الشيب في المفارقِ
وقال الشمرذل بن شريك
ولاحَ ضوءُ الصبحِ فاستبينا ... كما رأيتَ المفرقَ الدهينا
وقال آخر
إذا ما الليلُ كان الصبحُ فيه ... أشقَّ كمفرقِ الرأسِ الدهين
وقال ابن المعتز
حتى بدا الإصباحُ منْ نقابِ ... كما بدا المنصلُ من قرابِ
وقال أيضاً
وقد رفع الفجرُ الظلمَ كأنهُ ... ظليمٌ على بيضٍ تكشفَ جانبهُ
وقال أبو نواس
لما تبدى الصبحُ من حجابهِ ... كطلعةِ الأشمطِ منْ جلبابهِ
وقال ابن المعتز
حتى بدا الصبحُ من الحجابِ ... كشيبةٍ حلتْ على شبابِ
وقال أيضاً
لما انجلَى ضوءُ الصباح وفتقْ ... تجليَ الصفوةِ من تحتِ الرنقْ
وقال أبو نواس
قد اغتدي والليلُ في حريمهِ ... معسكراً في الزهرِ من نجومهِ
والصبحُ قد نشمَ في أديمهِ ... يدعهُ بكنفيْ حيزومهِ
دع الوصيِّ في قفا يتيمهِ
وقال ابن المعتز
قد أغتدي والليلُ في إهابهِ ... كالحبشيِّ فرَّ منْ أصحابهِ
والصبحُ قدْ كشفَ عنْ أنيابهِ ... كأنهُ يضحكُ من ذهابهِ
وله أيضاً
أما الظلامُ فحين رقَّ قميصهُ ... وارَى بياضَ الصبحِ كالسيفِ الصدِي
وقال أيضاً
ولقدْ قفوتُ الغيثَ ينطفُ دجنهُ ... والصبحُ ملتبسٌ كعينِ الأشهلِ
وقال أيضاً المنسرح
أما ترى الفجر تحت ليلتهِ ... كموقدٍ باتَ ينفخُ الفحما
ووصف خيلاً فقال
فوردتْ قبلَ الصباحِ المغتدِي ... والأفق الغربيُّ ذو التوردِ
كأنهُ أجفانُ عينِ الأرمدِ
وله أيضاً
حتى رأيتُ الليل في الآفاقِ مسودَّ الذوائبْ

وكأنهُ لما تبدَّى في المشارقِ خطُّ شارِبْ
وقال الطائي في سواد الليل
إليك هتكنا جنحَ ليلٍ كأنهُ ... قد اكتحلتْ منهُ البلادُ بإثمدِ
وقال أبو نواس
أبنْ لي كيفَ صرتَ إلى حريمي ... وجفنُ الليلِ مكتحلٌ بقارِ
وقال آخر
وألقَى الليلُ كلكلهُ عليهِ ... كأنَّ سوادهُ لونُ المدادِ
وقال عبدُ الصمدِ بنُ المعذلِ وهو من حسن الاستعارة المتقارب
أقولُ وجنحُ الدجى ملبَدٌ ... ولليلِ في كلِّ فجٍ يدُ
وقال ذو الرمة
ودويةٍ مثل السماء اعتسفتها ... وقدْ صبغَ الليلُ الحصى بسوادِ
وقال أيضاً
ألمتْ بنا والليلُ داجٍ كأنهُ ... جناحا غرابٍ عنهُ قد نفضا القطرا
وقال ابنُ المعتز
يا ربَّ ليلٍ كجناحِ الناعقِ ... قد خضتهُ قبلَ طلوعِ الشارقِ
وقال أيضاً
يا ربَّ ليلٍ اسودِ الجلبابِ ... ملتحفٍ بخافقي غرابِ
وقال ذو الرمة
وليلٍ كجلبابِ العروسِ ادَّرعتهُ ... بأربعةٍ والشخصُ في العينِ واحدُ
احمُّ علافيٌّ وأبيضُ صارمٌ ... وعيسُ مهريٌّ وأروعُ ماجدُ
وقال البحتري نحوه
يا خليليَّ بالهواجرِ منْ معنِ ... بنِ عوفٍ وبحترِ بن عتودِ
اطلبا ثالثاً سوايَ فإني ... رابعُ العيسِ والدجى والبيدِ
باب )4( في

الحرباء
ومن حسن التشبيه بالحرباء قول ذي الرمة يصف أرضاً
ودويةٍ جرداء جداءَ جثمتْ ... بها هبواتُ الصيفِ منْ كلِ جانبِ
كأنَّ يديْ حربائها متشمساً ... يدا مذنبٍ يستغفرُ الله تائبِ
الحرباء دويبة شبيهة بالعظاءة تأتي شجرة تعرف بالتنضبة وما أشبهها من ذوات الأغصان فتمسك بيديها غصنين من الشجرة وتقابل بوجهها عين الشمس وكلما زالت عين الشمس عن ساق خلت الحرباء يدها عنه وأمسكت بساق آخر حتى تغيب الشمس ثم تستخفي وعلى ذلك قول أبي دؤادٍ الإيادي
أنَّى ايتحَ لها حرباءُ تنضبةٍ ... لا يرسلُ الساقَ إلا ممسكاً ساقا
وقال ابن الرومي في قينةٍ
ما بالها قدْ حسنتْ ورقيبُها ... أبداً قبيحٌ قبحَ الرقباءُ
ما ذاك إلا أنها شمسُ الضحى ... أبداً يكونُ رقيبها الحرباءُ
وقال ذو الرمةِ
وقد جعل الحرباءُ يصفرُّ لونهُ ... وتخضرُّ من حرِ الهجيرِ غباغبهْ
ويشبحُ بالكفينِ حتى كأنهُ ... أخو فجرةٍ عالَى بهِ الجذعَ صالبُهْ
وقال عبد الله بن المعتز
ومهمهٍ فيه بيضاتُ القطا كسراً ... كأنها في الأفاحيصِ القواريرُ
كانَّ حرباءهُ والشمسُ تصهرُهُ ... صالٍ دنا من لهيبِ النارِ مقرورُ
ومن حسن الاستعارة فيه قول ذي الرمة
يصلي بها الحرباءُ للشمسِ ماثلاُ ... على الجذعِ إلا أنهُ لا يكبرُ
إذا حولَ الظلَّ العشيُّ رأيتهُ ... حنيفاً وفي قرنِ الضحى ينتصرُ
خبرَ أنه يدور بإزاء الشمس حيث دارت وقال البحتري في بابك وقد صلب
مستشرفاً للشمسِ منتصباً لها ... في أخريات الجذعِ كالحرباء
باب )5( في
المصلوب
وقد شبهت الشعراء المصلوب فأكثروا فمن أحسن ما قيل في ذلك ما أنشدناه من قول أبي كبر محمد بن عبد الله الأخيطل الواسطي المعروف ببرقوقاء في وصفه يوم الفراق
كأنه عاشقٌ قد مد بسطته ... يوم الوداعِ إلى توديعِ مرتحلِ
أو قائمٌ من نعاسٍ فيه لوثتهُ ... مداومٌ لتمطيه من الكسل
وقال الطائي في بابك
أهدى لمتنِ الجذعِ متنيهِ كذا ... منْ عافَ متنَ الأسمرِ العسالِ
سامٍ كأنَّ الجذعَ يجذبُ ضبعهُ ... وسموهُ من ذلةٍ وسفالِ
لا كعبَ أسفلُ موضعاً منْ كعبهِ ... مع أنهُ عن كلِ كعبٍ عالِ
وقال ابنُ الرومي
كنَّ لهُ في الوِ حبلاً يبوعهُ ... إذا ما انقضى حبلٌ أتيحَ له حبلُ
يعانقُ أنفاسَ الرياحِ بسحرةٍ ... وداعَ رحيلٍ ما يخطُّ لهُ رحلُ
وقال الطائي
ولقدْ شفَى الأحشاءَ من برحائِها ... أنْ صارَ بابكُ جارَ مازيارِ
وفي المفتاحِ بعد قوله: ولقد شفى:
ثانيهِ في كبدِ السماءِ ولمْ يكنْ ... كاثنينِ ثانٍ إذْ هما في الغارِ
سودُ اللباسِ كأنما نسجتْ لهمْ ... أيدِي السمومِ مدارعاً من قارِ

بكروا وأسروا في متونِ صوافنٍ ... قيدتْ لهم من مربطِ النجارِ
لا يبرحونَ ومنْ رآهمْ خالهمْ ... أبداً على سفرٍ من الأسفارِ
ومما يتبعُ هذا في الاستعارة قول مسلم
ورأس مهرانَ قد ركبتَ قلتهُ ... لدناً كفاهُ مكانَ الليتِ والجيدِ
ما زالَ يعنفُ بالنعمى ويغمطُها ... حتى استقلَّ بهِ عودٌ على عودِ
وضعتهُ حيثُ ترتابُ الريحُ به ... وتحسدُ الطيرَ فيه أضبعُ البيدِ
تغدو السباعُ فترميهِ بأعينها ... تستنشقُ الجو أنفاساً بتصعيدِ
وقال الخزيمي
وعصبةٍ أصبحوا ركباً على خشبٍ ... منصوبة قد رسا في الأرضِ راسيها
مجردينَ سوى ما كانَ منْ أزرٍ ... ما يرتجى خلفٌ يوماً لمبليها
وقال الآخرُ في
قائمٌ قاعدٌ بفيهِ شريطْ ... كالحُ الوجهِ ظاهرُ الأضراسِ
باسطٌ باعهُ بغيرِ عناقٍ ... مائلٌ رأسهُ بغيرِ نعاسِ
وقال ابن الرومي
كمْ بأرضِ الشآمِ غادرتَ منهمْ ... غابراً موفياً على أرضِ نجدِ
يلعبُ الدستبندَ فرداً وإنْ كا ... نَ بهِ شاغلٌ عنِ الدستبندِ
وأنشد المبردُ له
قام ولما يستعنْ بساقهِ ... آلفَ مثواهُ على فراقهِ
كأنهُ في الشبحِ منْ وثاقهِ ... رأى حبيباً همَّ باعتناقهِ
كأنه يضحكُ من أشداقهِ
وقال ابنُ المعتز
أرانيكَ الإلهُ قرينَ جذعٍ ... يضمكَ غيرَ ضمِ الالتزامِ
كلوطيٍّ لهُ أيرٌ طويلٌ ... يفخذُ للمؤاجرِ من قيامِ
وقال إبراهيمُ بن المهدي
كأنهُ شلوُ كبشٍ والهواءُ لهُ ... تنورُ شاويةٍ والجذعُ سفودُ
وقال دعبلٌ
لمْ ترعيني مثلَ صفِّ الزطِّ ... خمسينَ منهمْ صلبوا في خطِ
كأنما غمستهمْ في نفطِ
وأفرد واحداً فقال:
... ... كأنهُ في جذعهِ المشتطِّ
أخو نعاسٍ جدَّ في التمطي ... قدْ خامرَ النومَ ولمْ يغطِّ
وأحسن ما قيل في ذلك قول بعض الأعراب
وكأنهُ رأسٌ برأسِ تنوفةٍ ... ناطتْ عصاهُ يداهُ بالأكتافِ
باب )6( في

الفرس
ومن التشبيهات الجياد في صفة الفرس قول امرئ القيس
وقد أعتدي والطيرُ في وكناتها ... بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلِ
مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً ... كجلمودِ صخرٍ حطهُ السيلُ من علِ
فوصفهُ بالسرعةِ في العدوِ والظفرِ عند الطلب وقال عبد الله بن المعتز في سرعة الفرس
أسرعُ من ماءٍ إلى تصويبِ ... ومنْ رجوعِ لحظةِ المريبِ
وقال آخرُ وهو عليُّ بن الجهم
فوقَ طرفٍ كالطرفِ في سرعةِ الطرْ ... فِ وكالقلبِ قلبهُ في الذكاءِ
لا تراهُ العيونُ إلا خيالاً ... وهو مثلُ الخيالِ في الانطواء
ووصف ابن القريةِ فرساً أهداهُ الحجاجُ إلى عبدِ الملك فقال قد وجهت بفرس حسن القد أسيل الخد يسبق الطرف ويستغرق الوصف وقيل لأعرابي كيف عدو فرسكَ قال يعدو ما وجد أرضاً وللشعراء في وصف الفرس أشعار كثيرة منهم أبو دؤاد الإيادي والنابغة والجعدي والأسعر الجعفي ومزرد وسلامة بن جندل وطفيل الغنوي وغيرهم من القدماء والمحدثين ولمن بينهم، ولكن الشرط في ما بينته في هذا الكتاب اختيار نوادر التشبيهات دون الأوصاف والاستعارات وما جاء في ذكر هذا الباب كثير ولو قصدنا تبويب الأبواب لبطل الشرط في التشبيه وزال حسن الاختيار واختلط الغث بالسمين والبارد بالحار وبالله نثق ونستعين قوله: قيد الأوابدِ هيكل: فالأوابد كل ما تأبد أي توحش من بقر الوحش والظباء وغيرهما واحدتها آبدة ومنه قولهم: لقد جئت بآبدة من الكلام أي بوحشيته، فأخبر أنه أدركها فصار كالقيد لها وفي الظفر بالصيد يقول في قصيدة أخرى
إذا ما ركبنا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطبِ
وقال عمارة بن عقيل يذكر فرساً
وأرى الوحش في يمنيي إذا ما ... كانَ يوماً عنانهُ في شمالي
وقال أبو نواس في مثل هذا من الثقة
قدْ أغتدِي والطيرُ في مثواتها ... بأكلبٍ تمرحُ في قداتِها
تعدُّ عينَ الوحشِ منْ أقواتِها
وقال الشماخُ
قليلُ التلادِ غيرَ قوسٍ وأسهمٍ ... كأنَّ الذي يرمَى من الوحش تارزُ

أي جامدٌ باردٌ والهيكل البيت ويشبه الفرس به إذا كان ضخماً وعلى ذلك قول البحتري
كالهيكل المبنيِّ إلا أنهُ ... في الحسنِ جاء كصورةٍ في هيكلِ
وقال امرؤ القيس المتقارب
وأركبُ في الروعِ خيفانةً ... كسا وجهها سعفٌ منتشر
الخيفانة الجرادة ويقال للطويلة القوائم ة اللحم من إناث الخيل خيفانة وذلك يحمد فيها.
لها حافرٌ مثل قعبِ الوليدِ ركبَ فيه وظيفٌ عجرْ
أراد أن حافرها مقعب وهو أثبتُ لها وعلى ذلك بيتُ ابن الخرع:
لها حافرٌ مثل قعبِ الوليدِ يتخذُ الفأرُ فيه مغارا
والوظيف ما بين الرسغ إلى الركبة:
لها عجزٌ كصفاةِ المسيلِ أبرزَ عنها جحافٌ مضرْ
يقال سيلٌ حجافٌ وجرافٌ إذ اجتحف كل شيء وبذلك سميت الجحفة لأن سيلاً في الجاهلية اجتحفها:
لها ذنبٌ مثلُ ذيلِ العروسِ ... تسدُّ بهِ فرجها من دبرْ
ذيل العروسِ مجرور لأنها أخفر ما تكون تلك الليلة:
لها جبهةٌ كسراةِ المجنِّ حذفهُ الصانعُ المقتدرْ
المدنُّ الترس أرادَ أن جبهتها عريضة:
إذا أقبلتْ قلتَ دباءةٌ ... من الخضرِ مغموسةٌ في الغدر
أراد أنها ملساء مثل الدباء وهي القرعة ودقةُ المقدم محمودة في إناث الخيل ولذلك شبهوها بالسلاءة لدقة مقدمها:
وإن أعرضتْ قلتَ سرعوفةٌ ... لها ذنبٌ خلفها مسبطر
السرعوفة الجرادة شبهها لخفتها:
وإنْ أدبرتْ قلتَ أثفيةٌ ... ململمةٌ ليسَ فيها أثرْ
وتعدو كعدوِ نجاء الظبا ... ءِ أخطأها الحاذقُ المقتدرْ
ومما يجمع حسن التشبيه وحسن الاستعارة وبراعة المعنى أبيات الطائي يصف فيها فرساً حمله عليه الحسن بن وهب تحسن باتصال نظمها ووصفها ولو فككنا أبيات التشبيه من الأبياتِ التي تدل عليها أو تشير إليها منها ومن غيرها مما نسق نظمهُ لجاء البيت مبتوراً منقطعاً ولقلت الفائدة فيه وضاقت المتعة منه وغرضنا في ما نثبته نوادر التشبيه فإذا اتصل بيت التشبيه بما يليه ذكرناه إذا كان يدل عليه وإذا كان قائماً بنفسه ولم يخلط به سواه وكذلك إن جاء الشيءُ لا تشبيه فيه متشاكلاً بمعنى ما فيه حرف التشبيه ذكرناه معه وأضفناه إليه: قال الطائي المنسرح
نعم متاعُ الدنيا حباكَ به ... أروعُ لا حيدٌ ولا جبسُ
أصفرُ منها كأنهُ محةُ ال ... بيضةِ صافٍ كأنهُ عجسُ
هاديه جذعٌ منَ الأراكِ وما ... خلفَ الصلا منهُ صخرةٌ جلسُ
يكادُ يجري الجاديُّ من ماءِ عط ... فيهِ ويجنى من متنهِ الورسُ
هذبَ في جنسهِ وحازَ المَدَى ... بنفسهِ فهوَ وحدهُ جنسُ
ضمخَ منْ لونهِ فجاءَ كأنْ ... قدْ كسفتْ في أديمهِ الشمسُ
قوله: فهو وحده جنس: أراد أن نسله ينسب إليه دون غيره لنجابته كما يقال هذا الفرس من نسل ذي العقال وأشقر مروان وما أشبهها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " إتبعوني تكونوا أبياتاً أو بيوتاً " : قال وآل أبي بكر يقال لهم البكريون ولا يقال لهم التيميون وآل عمر يقال لهم العمريون دون العدويين وقوله: صافٍ كأنهُ عجسُ: والعجس مقبض القوس وإنما صفا وحسن لكثرة وقوعِ اليد عليه وقال البحتري في فرس أشقر
شيةٌ تخدع العيونَ ترى أ ... نَّ عليهِ منها سحالةَ تبرِ
صبغةُ الأفقِ بين آخرِ ليلٍ ... منقضٍ شأنهُ وأولِ فجرِ
وقال ابن المعتز في فرس كميت
وقارحٍ أربعةٌ أضواؤهُ ... كأنما من جلدهِ عشاؤهُ
وقال البحتري
أراجعتي يداكَ بأعوجيٍّ ... كقدحِ النبعِ في الريشِ اللؤامِ
بأدهمَ كالظلامِ أغرَّ يجلو ... بغرتهِ دياجيرَ الظلامِ
ترى أحجالهُ يصعدنَ فيهِ ... صعودَ البرقِ في الغيمِ الجهامِ
قوله: كقدحِ النبعِ: أراد سهماً وشبههُ به لملاسته وضموره كما قال جرير
وطوى الطراد مع القياد متونها ... طيَّ التجارِ بحضرموتَ برودا
وقال الأسعر يصف خيلاً مجتمعةً
يخرجنَ من خللِ الغبارِ عوابساً ... كأصابعِ المقرورِ أقعى فاصطلى
المقرورُ إذا اصطلى جمع أصابعه ولم يفرقها وقال ابن المعز
وخيلٍ طواها القود حتى كأنها ... أنابيبُ سمرٌ منْ قنا الخطِّ ذبلُ
صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيدٍ سراعٌ وأرجلُ

ومثله قوله في فرس
أضيعُ شيءٍ سوطهُ إذْ يركبهْ
وتشبيهه إياها بالأنابيب تشبيه قديم متعاورٌ ونحوهُ قول أبي دؤادٍ المتقارب
وقدْ أغتدي في بياضِ الصباحِ ... وأعجازِ ليلٍ مولي الذنبْ
بطرفٍ ينازعني مرسناً ... سلوفِ المقادةِ محضِ النسبْ
إذا قيدَ قحمَ منْ قادَهُ ... وولتْ علابيهُ واجلعبْ
كهزِّ الرديني بينَ الأكفِ ... جرى في الأنابيبِ ثمَّ اضطربْ
وقال الطائي يذكر فرساً
إنْ زارَ ميداناً سبى أهلهُ ... أو نادياً قام إليهِ الجلوس
ترى رزانَ القومِ قدْ اسمجتْ ... عيونهم من حسنهِ وهي شوسْ
كأنما لاحَ لهمْ بارقٌ ... في المحلِ أو زفتْ إليهمْ عروسْ
سامٍ إذا استعرضتهُ زانهُ ... أعلى رطيبٌ وقرارٌ يبيسْ
كأنما خامرهُ أولقٌ ... أو غازلتْ هامتهُ الخندريسْ
عوذهُ الحاسدُ ضناً بهِ ... ورفرفتْ خوفاً عليهِ النفوسْ
وقال البحتري وكان وصافاً للخيل
أما الجوادُ فقدْ بلونا يومهُ ... وكفى بيومٍ مخبراً عن عامهِ
جارَى الجيادَ فطارَ عنْ أوهامها ... سبقاً وكادَ يطيرُ عنْ أوهامهِ
جذلانُ تلطمهُ جوانبُ غرةٍ ... جاءتْ مجيء البدرِ عندَ تمامهِ
واسودَّ ثمَّ صفت لعينيْ ناظرٍ ... جنباتهُ فأضاء في إظلامهِ
مالت نواحي عرفهِ فكأنها ... عذباتُ أثلٍ مالَ تحتَ حمامهِ
ومقدمُ الأذنين تحسبُ أنهُ ... بهما يرى الشخصَ الذي لأمامهِ
وكأنَّ فارسهُ وراءَ قذالهِ ... ردفْ فلستَ تراهُ منْ قدامهِ
لانتْ معاطفهُ فخيلَ أنهُ ... للخيزرانِ مناسبٌ لعظامهِ
في شعلةٍ كالشيبِ مر بمفرقيْ ... غزلٍ لها عنْ شيبهِ بغرامهِ
وكأنَّ صلتهُ إذا استعلَى بها ... رعدٌ يقعقعُ في ازدحامِ غمامهِ
مثلَ الغرابِ مشى يبارِي صحبهُ ... بسوادِ صبغتهِ وحسنِ قوامهِ
والطرفُ أجلبُ زائرٍ لمؤونةٍ ... ما لمْ تزرهُ بسرجهِ ولجامهِ
وقال ابن المعتز
قدْ أغتدي والصبحُ كالمشيبِ ... بقارحٍ مسومٍ يعبوبِ
ذي أذنٍ كخوصةِ العسيبِ ... أو آسةٍ أوفتْ على قضيبِ
وأنشد العماني الراجز الرشيد في صفةِ الفرس
كأنَّ أذنيه إذا تشوفا ... قادمةً أو قلما محرفَا
فعلم من حضر أنه قد لحنَ ولم يهتدوا لإصلاحه فقال الرشيد قلْ:
تخالُ أذنيهِ إذا تشوفا
وقال عديُّ بنُ زيد في فرس المتقارب
له عنقٌ مثلُ جذعِ السحو ... قِ والأذنُ مصغيةٌ كالقلمْ
وذكر المبرد أن جريراً قال دخلت على الوليد بن عبد الملك ببن مروان وابن الرقاع ينشده داليته فلما بلغ إلى قوله
تزجِي أغنَّ كأنَّ إبرةَ روقهِ
قلتُ في نفسي وقع والله الشيخ من أين له كأن فلما قال
قلمٌ أصابَ من الدواةِ مدادها
حسدتهُ فخرجت ولم أنشد شيئاً وقال البحتري
وأغرَّ في الزمنِ البهيمِ محجلٍ ... قدْ رحتُ منهُ على أغرَّ محجلِ
كالهيكلِ المبنيّ إلا أنهُ ... في الحسنِ جاء كصورةٍ في هيكلِ
ذنبٌ كما سحبَ الرداءُ يذبُّ عنْ ... عرفٍ وعرفٌ كالقناعِ المسبلِ
جذلانَ ينفضُ عذرةً في غرةٍ ... يققٍ تسيلُ حجولها في جندلِ
كالرائحِ النشوانِ أكثرُ مشيهِ ... عرضاً على النسقِ البعيدِ الأطولِ
تتوهمُ الجوزاءَ في أرساغهِ ... والبدرُّ غرةُ وجههِ المتهللِ
صافِي الأديمِ كأنما عنيتْ بهِ ... لصفاءِ نقبتهِ مداوسُ صيقلِ
وكأنما نفضتْ عليهِ صبغتها ... صهباءُ للبردانِ أو قطربلِ
وتخالهُ كسيَ الخدودَ نواعماً ... مهما تواصلها بالحظٍ تخجلِ
وتراهُ يسطعُ في الغبارِ لهيبهُ ... لوناً وشداً كالحريقِ المشعلِ
هزجُ الصهيلِ كأنَّ في نغماتهِ ... نبراتُ معبدِّ في الأولِ
ملكَ العيونَ فإنْ بدا أعطينهُ ... نظرَ المحبِّ إلى الحبيبِ المقبلِ
وقال ابن الزيات في البرذون الذي أخذه من الواثق
وكأنَّ سرجك إذْ علاك غمامةٌ ... وكأنما تحتَ الغمامةِ كوكبُ
وغدوتَ طنانَ اللجامِ كأنما ... في كلِّ عضوٍ منكَ صنجٌ يضربُ
وقال ابن المعتز

وبلدةٍ ليستْ بذاتِ نيقِ ... قصرتها بقارحٍ صدوقِ
نعم رفيقُ السفرِ منْ رفيقِي ... يقذفُ بالرجلِ حصى الطريقِ
كأنهُ رامٍ بلا تحقيقِ
وله أيضاً
قدْ أغتدِي بقارِحٍ ... مسومٍ يعبوبِ
ينفي الحصى بحافرٍ ... كالقدحِ المكبوبِ
وضحتْ غرتهُ ... في موضعِ التقطيبِ
وقال البحتري يستهدي ابن حميد فرساً
فأعنْ على غزوِ العدوِّ بمنطوٍ ... أحشاؤهُ طيَّ الكتابِ المدرجِ
إمَّا بأشقرَ ساطعٍ أغشَى الوغا ... منهُ بمثلِ الكوكبِ المتأججِ
متسربلٍ شيةً طلتْ أعطافهُ ... بدمٍ فما يلقاكَ غيرَ مضرجِ
أوْ أدهمٍ صافِي الأديمِ كأنهُ ... تحتَ الكميِّ مظهرٌ بيرندجِ
ضرمٍ يهيجُ السوطُ منْ شؤبوبهِ ... هيجَ الجنائبِ من حريقِ العرفجِ
خفتْ مواقعُ وطئهِ فلو أنهُ ... يجري برملةِ عالجٍ لمْ يرهجِ
أو أشهبٍ يققٍ يضيءُ وراءهُ ... متنٌ كمتنِ اللجةِ المترجرجِ
تخفَى الحجولُ ولوْ بلغنَ لبانهُ ... في أبيضٍ متألقٍ كالدملجِ
أوفى بعرفٍ أسودٍ متفردٍ ... فيما يليه وحافرٌ فيروزجي
أو أبلقٍ يأتي العيونَ إذا بدا ... من كلِّ لونٍ معجبٍ بنموذجِ
أرمي بهِ شوكَ القنا وأردهُ ... كالسمعِ أثر فيهِ شوك العوسجِ
وأهدى العباس بن جرير إلى المتوكل برذوناً فقي يوم سعانين وكتب إليه بقصيدة فيها الهزج
وعندي لكَ برذونٌ ... كضوء النجمِ في النورِ
له سالفتا ظبيٍ ... من القناصِ مذعور
إذا ضاحبهُ أوفى ... بمتنٍ منهُ مضبورِ
وجاشتْ نفسهُ خلتَ ... بهِ لسعةَ زنبورِ
عليهِ نقطٌ سودٌ ... كمسكٍ فوقَ كافورِ
وقال ابن المعتز يصف حماراً وأتناً الهزج
رعى شهرينِ بالديرينِ قباً كالطواميرِ
يقلبنَ إلى الذعرِ ... عيوناً كالقواريرِ
وآذاناً سميعاتٍ ... كأنصافِ الكوافيرِ
كأنَّ الأرضَ تلقاها ... باذنابِ الزنابيرِ
وقال آخر في فرسٍ
جاء كلمعِ البرقِ جاشَ ماطره ... تسبحُ أولاهُ ويطغو آخره
فما يمسُّ الأرضَ منهُ حافره
وقال خلف الأحمر في ثور
وكأنما جهدتْ أليتهُ ... ألا تمسَّ الأرضَ أربعهُ
وقال آخر في الكلاب
كأنما يرفعنَ ما لا يوضعُ
وقال ابنُ المعتز
ولقد أغتدي على طرفِ اللي ... لِ بذي ميعةٍ كميتٍ مطارِ
بللَ الركضُ جانبيهِ كما فا ... ضتْ بكفِّ النديمِ كأسُ العقارِ
وقال آخر في فرسٍ عرقٍ
كأنهُ والطرفُ منهُ سامِ ... مشتملٌ جاء من الحمامِ
وأهدى البحتري إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان فرساً وكتب إليه
ماذا ترى في مدمجٍ عبلِ الشوى ... منْ نسلِ أعوجَ كالشهابِ اللائحِ
لا تربهُ الجذعُ الذي يعتاقهُ ... وهنُ الكلالِ وليسَ كلَّ القارحِ
يختالُ في شيةٍ يموجُ ضياءها ... موجَ القتير على الكميِّ الرامحِ
لوْ يكرعُ الظمآنُ فيها لمْ يمل ... طرفاً إلى عذبِ الزلالِ السائحِ
أهديتهُ لتروحَ أبيضَ واضحاً ... منهُ على جذلانَ أبيضَ واضحِ
فتكونُ أولَ سنةٍ مأثورةٍ ... أو يقبلُ الممدوحُ رفدَ المادِحِ
وقال ابن المعتز
ولقدْ وطئتُ الغيثَ يحملني ... طرفٌ كلونِ الصبحِ حينَ وفدْ
يمشي ويعرضُ في العنانِ كما ... صدَفَ المعشقُ ذو الدلالِ وصدْ
جماعُ أطرافِ الصوارِ فما ال ... إجرا عليهِ إذا جرى بأشدْ
بلَّ المها بدمائهنَّ ولمْ ... يبتلَّ منهُ بالحميمِ جسدْ
وكأنهُ موجٌ يذوبُ إذا ... أطلقتهُ وإذا حبستَ جمدْ
وله أيضاً
وقدْ أجارِي عنانَ الصبحِ مبتكراً ... والليلُ مفتضحُ الأكنافِ منصرفُ
والنجمُ تصقلهُ ريحٌ شآميةٌ ... والصبحُ كالعرفِ تحت الليلِِ منكشفُ
بسابحٍ هيكلٍ نهدٍ مراكلهُ ... يبوعُ في الخطوِ بوعاً وهو مشترفُ
تمتْ له غرةٌ كالصبحِ مشرقةٌ ... يكادُ سابلها عنْ وجههِ يكفُ
إذا تقرطَ يوماً بالعذارِ بدا ... كأنهُ غادةٌ في أذنها شنفُ
باب )7( في

الطرد والظفر

ومنَ التشبيهات في الطرد والظفر قول أبي نواس في الكلب
كأنَّ لحييهِ لدى افترارِهِ ... سكُّ مساميرٍ على طوارِهِ
كأنَّ خلفَ ملتقَى أشفارِهِ ... جمرَ غضًى ذرَّ منِ استعارهِ
فانصاعَ كالكوكبِ في انحدارهِ ... لفتَ المشيرِ موهناً بنارهِ
وقال ذو الرمة في سرعة العدوِ
كأنهُ كوكبٌ في إثرِ عفريةٍ ... مسومٌ في سوادِ الليلِ منقضبُ
وأخذ ذلك ابن الرومي فقال في آخر قصيدة له هجا بها رجلاً
خذها تبوعاً لمنْ ولَّى مسومةً ... كأنها كوكبٌ في إثرِ عفريتِ
وقال ابن المعتز في كلبةٍ
وكلبةٍ زهراء كالشهابِ ... تحسبها في سرعةِ انسيابِ
نجماً منيراً لاحَ في انصبابِ ... خفيفةُ الوطئِ على الترابِ
وقال خلف الأحمر في ثور
كالكوكبِ الدري مبتذلاً ... شداً يفوتُ الطرفَ أسرعهُ
وكأنما جهدتْ أليتهُ ... ألا تمسَّ الأرضَ أربعهُ
وقال أبو نواس يصف الكلبَ
أرسلهُ كالسهمِ إذ غالى بهِ ... يسبقُ طرفَ العينِ في إلهابهِ
يكادُ أنْ ينسلَّ منْ إهابهِ ... كلمعانِ البرقِ في سحابهِ
وقال ابن المعتز
وكلبةٍ لم ترَ وقتَ شدِّها ... قطُّ إذا ما أطلقتْ من قدها
خضتُ بها ليلاً يرى كجلدها ... كأنهُ استعارَ لونَ بردِها
فأبصرتْ عشراً أتتْ من بعدها ... وأطلقتْ فانطلقتْ من عقدها
كالسهم لا تحسنُ غيرَ جدها ... أفقدني الرحمن يومَ فقدها
وقال أبو نواس في الكلب
كأنَّ متنيهِ لدى انسلابهِ ... متنا شجاعٍ لج في انسيابهِ
كأنما الأظفورُ في قنابهِ ... موسَى صناعٍ ردَّ في نصابهِ
تراهُ في الحضرِ إذا هاها بهِ ... يكادُ أن يخرجَ من إهابهِ
وقال ابن المعتز
وكلبةٍ تاهتْ على الكلابِ ... بجلدةٍ صفراءَ كالزريابِ
تنسابُ مثلَ الحيةِ المنسابِ
ومعنى قول بي نواس: يكاد أن يخرج من إهابه: لذي الرمة يصف ثورين ندَّا
لا يذخرانِ من الإيغالِ باقيةً ... حتى تكادُ تقرَّى عنهما الأهبُ
وقال كثير في فرس
إذا جرى معتمداً لأمهِ ... يكادُ يفرِي جلدهُ عن لحمهِ
وقال ابن الرقاع في ثورين يعدوان
يتعاورانِ من الغبارِ ملاءةً ... بيضاءَ محكمةً هما نسجاها
تطوَى إذا وردا مكاناً جاسياً ... وإذا السنابكُ أسهلتْ نشراها
وقال الطرماح في ثور
يبدو وتضمرهُ البلاد كأنهُ ... سيفٌ على شرفٍ يسل!ُ ويغمدُ
وقال ابن المعتز في الكلاب
تخالها في حلقِ الأطواقِ ... ضواحكاً من سعةِ الأشداقِ
وقال أبو نواس فيه
ترى إذا عارضتهُ مفرورا ... خناجراً قدْ نبتتْ سطورا
يعطيك أقصى حضرهِ الموفروا ... شداً ترى من همزهِ الأظفورا
منشطاً من أذنهِ سيورا
وقال ابن المعتز
وكلبةٍ غدا بها فتيانُ ... أطلقهمْ من يدهِ الزمانُ
كأنها إذا تمطتْ جانُ ... أو صعدةٌ وخطمها السنانُ
ونجمتْ للحظها غزلانُ ... فلحقتْ ما لحقَ العنانُ
وقال أبو نواس
ترى له شدقين خطا خطا ... وملمظاً سهلاً ولحياً سبطا
ذاك ومتنينِ إذا تمطَّا قلتَ شراكان أجيدا قطا
ترى إذا كان الجراءُ غبطا ... براثنا سحمَ الأثافي ملطا
ينشطُ أذنيهِ بهن نشطا ... تخالُ مأزمينِ منه شرطا
ما إنْ يقعنَ الأرضَ إلا فرطا ... كأنما يعجلنَ شيئاً لُقطا
وقال ابن المعتز في فرس
وأربعٍ كأنها تستلبهْ ... تخالها تعجلُ شيئاً تحسبهْ
وأنشد الجاحظ
يكادُ عندَ ثملِ المراحِ ... يطيرُ في الجوِّ بلا جناحِ
وقال آخر وهو ابن المعتز
تحسبهُ يطيرُ وهو يعدُو
وقال آخر
تفوتُ خطاها الطرفَ سبقاً كأنها ... سهامُ مقالٍ أو رجومُ كواكبِ
كأنَّ بناتِ القفزِ حينَ تفرقَتْ ... غدونَ عليها بالمنايا الشواعبِ
وقال ابن المعتز
فأبصرتْ سرباً من الظباء ... فغادرتهنٌ بلا إعياء
شبهها لحظي على تناءِ ... بمدةٍ من قلمٍ سوداءِ
ترضَى من اللحومِ بالدماءِ
وقال أبو نواس في البازي

كأنّ عينيه إذا ما أنورا ... فصانِ قيضا من عقيقٍ أحمرا
في هامةٍ علياءَ تهدى منسرا ... كعطفةٍ الجيمِ بكفٍّ أعسرا
يقولُ منْ فيها بعقلٍ فكرا ... لو زادها عيناً إلى فاءٍ ورا
واتصلتْ بالجيم كان جعفرا
وقال ابن المعتز
ونذعرُ الصيدَ ببازٍ أقمرِ ... كأنهُ في جوشنٍ مزرر
وجوجؤٍ منمنمٍ محبرِ ... كأنَّه رقٌّ خفيُّ الأسطرِ
وقال أيضاً
غدوتُ في ثوبٍ من الليلِ خلقْ ... بطارِحِ النظرةِ في كلِّ أفقْ
ومقلةٍ تصدقهُ إذا رمقْ ... كأنها نرجسةٌ بلا ورقْ
مباركٍ إذا رأى فقد رزقْ
وقال أبو نواس
ألبسهُ التكريرُ من حوكهِ ... وشياً على الجؤجؤِ موضونا
له حرابٌ فوقَ قفازهِ ... يجمعنَ تنييفاً وتسنينا
كلُّ سنانٍ عجَّ منْ متنهِ ... تخالُ محنَى عطفهِ نونا
ومنسرٌ أكلفُ فيه شغاً ... كأنه عقدُ ثمانينا
ومقلةٌ أشربَ آماقها ... تبراً يروقُ الصيرفيينا
الموضون المصفوف بعضه إلى بعض: ووضنت الخوص صففتهُ: وتنييفاً تعليةً ونيفَ على المائة زاد عليها: والشغا إشراف المنقار الأعلى على الأسفل ومنه قيل للعقاب شغواءُ: وقال أيضاً
يصقلُ حملاقاً شديدَ الطحرِ ... كأنه مكتحلٌ بتبرِ
في هامةٍ لمتْ كلمِّ الفهرِ ... وجؤجؤْ كالحجرِ القهقرِ
يقال عين طحراء إذا أخرجت القذى والملموم المستوى التدوير والقهقرُّ الصلب من الحجارة وقال آخر في صفة عقعقٍ المتقارب
إذا باركَ اللهُ في طائرٍ ... فلا باركَ اللهُ في العقعقِ
يقلبُ عينينِ في وجههِ ... كأنهما قطرتا زئبقِ
طويلُ الذنابَى قصيرُ الجناحِ ... متى ما يجدْ غفلةً يسرقِ
وقال آخر في صفة ناقة
كأنما عينُها من طولِ ما جشمتْ ... حرَّ الهواجر زيتٌ في قواريرِ
وقال الشمردل اليربوعي في صقرٍ
كأنَّ عينيهِ إذا جلاهما ... ياقوتتانِ رابحٌ شراهما
وقال ابن المعز في صفة بازٍ
قدْ أغتدي في نفسِ الصباحِ ... بقرمٍ للصيدِ ذي ارتياحِ
معلقِ الألحاظِ بالأشباحِ ... يركضُ في الهواءِ بالجناحِ
قمشَ ريشاً حسنَ الأوضاحِ ... عليهِ منه كحبابِ الراحِ
ذو جلجلٍ كالصرصرِ الصياحِ
وله أيضاً
وفيتانٍ غدوا والليلُ داجٍ ... وضوءِ الصبحِ متهمُ الطلوعِ
كأنَّ بزاتهمْ أمراءُ جيشٍ ... على أكتافهم صدأُ الدروعِ
وقال في الزرق
وزرقٍ ريانَ من شبابهِ ... كأنَّ سلخَ الأيمِ من أثوابهِ
قال الشمردل في الصقر
قد أغتدي والليلُ في جلبابهِ ... بتوجي صادَ في شبابهِ
فانقضَّ كالجلمودِ إذْ علا بهِ ... كأنما بالحقِ من خضابهِ
عصفرةُ الصباغِ أو قصابهِ ... أو عترة المسكِ الذي يطلى بهِ
وقال ابن المعتز
وأجدلٍ يفهمُ نطقَ الناطقِ ... ململمِ الهامةِ فخمِ العاتقِ
أقنى المخاليبِ طلوبٍ مارقِ ... كأنَّها نوناتُ كفِّ الماشِقِ
ذي جؤجؤٍ لابسِ وشيٍ رائقِ ... كمبتدا اللاماتِ في المهارقِ
أو كامتدادِ الكحلِ في الحمالقِ ... ونجمتْ للحظِ عينِ الرامقِ
عشرٌ من الإوزِ في غلافقِ ... فمرَّ كالريح بعزمٍ صادقِ
حتى دنا منه دنوَّ السارقِ ... ثم علاها بجناحٍ خافقِ
فطفقتْ من هالكٍ أو زاهقِ
وله أيضاً
وأجدلٍ لم يخلُ من تأديبِ ... يرى بعيدَ الشيءِ كالقريبِ
يهوِي هويَّ الدلوِ في القليبِ ... بناظرٍ مستعجمٍ مقلوبِ
كناظرِ الأقبلِ ذي التقطيبِ ... رأَى إوزاً في ثرًى رطيبِ
فكان كالمستوهلِ المرعوبِ ... ينفذُ في الشمالِ والجنوبِ
وقال عبد الصمد بن المعذل في الفهد
كأنها والخزرُ في أحداقِها ... والخططُ السودُ على أشداقِها
تركٌ جرى الإثمدُ من آماقِها
وقال آخر فيه
وليس للطرادِ إلا فهدُ ... كأنَّما ألقتْ عليه الكردُ
من خلقها أو ولدتْها الأسدُ
وقال ابن المعتز في الفهد المتقارب
ولا صيدَ إلا بوثابةٍ ... تسيرُ على أربعٍ كالعذبْ
تضمُّ الطريدَ إلى نحرها ... كضمِّ المحبةِ منْ لا تحبْ

إذا ما رأى عدوَها خلفهُ ... تناجتْ ضمائرُهُ بالعطبْ
لها مجلسٌ في مكانِ الرديفِ ... كتركيةٍ قد سبتْها العربْ
ومقلتُها سائلٌ كحلُها ... وقد حليتْ سبجاً من ذهبْ
باب )8( في

الحية
ومن الشبيهات في الحية قول الأحمر
وحنشٍ كأنه رشاءُ ... أسودُ ما لمسهِ دواءُ
فمسهُ سيانِ والقضاءُ
وقال آخر
منْ كلِّ نضناضٍ جرازِ اللحيينْ ... حتى إذا تابعَ بينَ سلخينْ
وعادَ كالميسمِ أحماهُ القينْ
وقال خلف
وكأنما لبستْ بأعلى لونها ... برداً من الأثوابِ أنهجهُ البلَى
في عينها قبلٌ وفي خيشومِها ... فطسٌ وفي أنيابِها مثلُ المدَى
وله أيضاً
لهُ عنقٌ مخضرةٌ مدَّ ظهرهِ ... وشومٌ كتحبيرِ اليماني المرقمِ
إلى هامةٍ مثلِ الرحى مستديرةٍ ... بها نقطٌ سودٌ وعينانِ كالدمِ
وقال ابن المعتز
أنعتُ رقطاء لا تحيا لديغتها ... لوْ قدَّها السيفُ لم يعلقْ به بللُ
تلقي إذا انسلختْ في الأرضِ جلدتَها ... كأنها كمُّ درعٍ قدهُ بطلُ
وقال آخر
لو شرحتْ بالمدى ما مسَّها بللٌ ... ولوْ تكنفها الراقونَ ما قدروا
وقال خلفٌ
وحيةٍ مسكنهُ الرمالُ ... كأنه إذا انثنى خلخالُ
وقال أشجعُ السلمي في رجل ضراط ذكروه عند مالك بن طوق البسي
إن امرءاً يبتغي صيدى بحارضةٍ ... فحجاء مبلولةٍ حصرُ السراويلِ
لكالمدلّى يداً عسماء في حجرٍ ... إلى شبيهٍ بشرطِ البردِ مسدولِ
وقال علي بن الجهم فيها المجتث
جسمٍ كعودِ أراكِ ... ما يرتضَى لسواكِ
ما فيه نفعٌ لباغٍ ... إلا انتحالَ سواكِ
وقال آخر
فإذا رأيتَ رأيتَ عودَ أراكةٍ ... وإذا قرعتَ قرعتَ قرنيْ فادرِ
خلقتْ حماماً للنفوسِ وآيةً ... للسائلينَ وعبرةً للناظرِ
وقال أبو صفوانَ الأسدي المتقارب
ومنْ حنشٍ لا يجيبُ الرقا ... ةَ أرقشَ ذي جمةٍ كالرشا
أصمَّ صموتٍ طويلِ السبا ... تِ منهرتِ الشدقِ عاري القرا
وقال آخر
أرقشَ بينَ حنشٍ وثعبانْ ... كأنما في شدقهِ سنانانْ
وفي حجاجيْ رأسهِ سراجانْ
وقال خلف
ومنطوٍ على النقا مثل الطبقْ ... كأنه داجٍ من الليل غسقْ
وقال آخر
خلقتْ لهازمهُ عزينَ ورأسهُ ... كالقرصِ فلطحَ من دقيقِ شعيرِ
وكأنَّ شدقيْهِ إذا استعرضتَهُ ... شدقا عجوزٍ مضمضتْ لطهورِ
ويديرُ عيناً للوقاعِ كأنها ... عينا شجاعٍ من وراء قتيرِ
وقال آخر
يا ربِّ إنْ كان أخي زيدٌ أكلْ ... لحميَ ظلماً عللاً بعدَ نهلْ
فابعثْ له أصلةً من الأصلْ ... كبساءَ كالقرصةِ أو خفِّ الجملْ
وقال آخر
وأفعوانٍ مسهُ كالمبردِ ... في قدرِ شبرينِ كساقِ المقعدِ
كأنَّ عينيْهِ سراجا موقدِ ... تخالُ رزَّ نفخهِ المرَدَّدِ
صريفَ نابَيْ جملٍ في قرْدَدِ ... أو غليانَ مرجلٍ لم يبردِ
وقال رجل من بني شيبان
وحنشٍ كحلقةِ السوارِ ... غايتهُ شبرٌ من الأشبارِ
كأنه قضيبُ ماءٍ جاري ... يفترُّ عن مثلِ تلظّى النارِ
وقال آخر
وحيةٍ تصيفُ بالرمالِ ... كأنها قطعةُ حبلٍ بالِ
تخالُ رزَّ نفخها العضالِ ... نشنشةَ اللحمِ على المقالِ
يديرُ حملاقَيْنِ كالذبالِ
وقال خلف
كأنّ صوتَ جلدها إذا استدرْ ... نشيشُ لحمٍ عند طاهٍ مقتدرْ
وقال آخر
أبترَ ما زادَ على الذراع ... يديرُ حملاقينِ كالشجاعِ
وقال خلفٌ
ثم أتى بحيةٍ لا ينجِي ... أبترَ مثل بيذقِ الشطرنجِ
وقال خلفٌ الأحمرُ وهو أحسن ما قيل في ذلك ولو لم يكن فيه تشبيه
صلُّ صفاً لا تنطوي من القصرْ ... طويلةُ الإطرافِ من غيرِ خفرْ
داهيةٌ قد صغرتْ من الكبرْ ... مهروتهُ الشدقينِ حولاءُ النظرْ
تفترُّ عن عوجٍ حدادٍ كالإبرْ
وقال عبد الصمد
كأنَّ ورساً شبهُ بعظلمِ ... على قراهُ نضحا بالعندمِ
أرأسُ أهوى كالجديل المبرمِ ... ذو مذربٍ مثل السنانِ اللهذمِ
يستنبطُ المهجةَ من قبلِ الدمِ

وقال آخر يصف صوت الحلب
كأنّ صوتَ شخبِها المرفضِّ ... كشيشُ افعًى أجمعتْ بعضِ
هيَ تحكُّ بعضها ببعضِ
وقال آخر في ذلك
كأنّ صوتَ شخبها غديهْ ... حفيفُ ريحٍ أو كشيشُ حيهْ
وقال الهذلى في مزاحفِ الحيات على الطريق
كأنّ مزاحفَ الحياتِ فيه ... قبيلَ الصبحِ آثارُ السياطِ
وقال آخر المتقارب
كأنَّ مزاحفها أنسعٌ ... جررنَ فرادَى ومنها تثنَّى
وقال ابن أبي ربيعة
لا يزالُ الخلخالُ فوقَ الحشايا ... مثلَ أثناءِ حيةٍ مقتولِ
وقال آخر
يا ليتَ أفعًى ما لمنْ ... سلكتْ محجتهُ نجاهْ
تنسلُّ كالسيفِ السري ... عِ بهامةٍ مثلِ الصفاهْ
أوليتَ أسودَ سالخاً ... أعيا على كل الرقاهْ
يرقونهُ فكأنما يعنَى برقيتهِ سواهْ
يضحِي ضجيعَ جليسنا ... فأراح منه ومن أذاهْ
وقال خلف
كأنه مدرعٌ حصيرا ... كأنَّ ورساً قد أسفَّ قيرا
سراتهُ مبطنهاً حريرا
وقال آخر
به نقطٌ سودٌ وصفرٌ كأنما ... ينضحُ نضحاً بالكحيلِ وبالورسِ
وقال خلف
كأنما خططته تخطيطا ... ترى بمثنَى جلدهِ خطوطا
وظهرهُ كما رأيتَ الفوطا
وقال آخر
كأنما جلدتهُ كتابُ ... لم تبلهِ السنينُ والأحقابُ
وقال أشجع في حية
وكأنما التدريجُ في بطنانها ... أمواجُ دجلةَ في هبوبِ الشمألِ
وقال خلف في الرتيلاء
ابعثْ له يا ربِّ ذات أرجلِ ... في فمها أحجنُ مثلُ المنجلِ
دهماء مثلَ العنكبوتِ المحولِ ... تأخذهُ من تحتهِ ومن عَلِ
وقال عبد الصمد في العقرب
يا ربَّ ذي إفكٍ كثيرٍ خدعهْ ... يبرزُ كالقرنينِ حينَ تطلعُهْ
في مثلِ صدرِ السبتِ حينَ تقطعهْ ... أسودُ كالسبجةِ فيه مبضعهْ
تشخصهُ طوراً وطوراً ت رجعهْ ... أعطلُ خطارٌ تلوحُ شنعهْ
لا تصنعُ الرقشاءُ ما لا يصنعهْ
باب )9( في

لمع البرق
ومن حسن التشبيه في لمع البرق قول امرئ القيس
أصاحِ ترى برقاً أريكَ وميضهُ ... كلمعِ اليدينِ في حبيٍّ مكللِ
وقال آخر
أرقتُ لبرقٍ آخرَ الليلِ يلمعُ ... سرى دائباً منها يهبُّ ويهجعُ
سرى كاحتساء الطيرِ والليلُ ضاربٌ ... بأرواقهِ والصبحُ قد كاد يسطعُ
وقال آخر المتقارب
أرقتُ لبرقٍ سرى موهناً ... خفيٍّ كغمزكَ بالحاجبِ
كأنَّ تألقهُ في السماء ... يدا كاتبٍ أو يدا حاسبِ
وقال ابن المعتز يصف سحابةً
رأيتُ فيها برقها منذُ بدتْ ... كمثلِ طرفِ العينِ أو قلبٍ يجبْ
ثمَّ حدتْ بها الصبا حتى بدا ... فيها إلى البرقِ كأمثالِ الشهبْ
تحسبهُ فيها إذا ما انصدَعتْ ... أحشاؤها عنه شجاعاً يضطربْ
وتارةً تحسبهُ كأنهُ ... أبلقُ مالَ جلُّهُ حين وثبْ
حتى إذا ما رفَعَ اليومَ الضحى ... حسبتهُ سلاسلاً من الذهبْ
الشجاعُ هاهنا الحية وهو مأخوذ من قول دعبل في قوله
أرقتُ لبرقٍ آخر الليلِ منصبِ ... خفيٍ كبطنِ الحيةِ المتقلبِ
وقال للبيد بن ربيعة
تسمعُ الرعدَ في المخيلة منها ... كهدير القرومِ في الأشوالِ
وترى البرقَ عارضاً مستطيراً ... مرح البلقِ جلنَ في الأجلالِ
وقال آخر
كأنه حين تبدَّى ساطعا ... هنديةٌ تهتزَّ حين تنتضي
والبرقُ في حافتهِ يفعلُ ما ... يفعلهُ وجدُ الحزينِ بالحشا
وقال الطائيّ يصف سحابةً
سيقتْ ببرقٍ ضارمِ الزنادِ ... كأنه ضمائر الأغمادِ
وقال العلوي في سحابةٍ
وكأنَّ لمعَ بروقِها ... في الجوِّ أسيافُ المثاقفْ
وقال دعبل
ما زلتُ أكلأُ برقاً في جوانبهِ ... كطرفةِ العينِ يخبو ثمَّ يختطفُ
برقٌ تجاسرَ من خفانَ لامعهُ ... يقضي اللبانةَ من قلبي وينصرفُ
وقال عنترة في تمكثه وضيائه
ألا يا من لذا البرقِ اليماني ... يلوحُ كأنه مصباحُ باني
شبهه بسراج الباني بأهله لأنه لا يطفأ في تلك الليلة من طول مكثه وقال آخر
وحتى حسبتُ البرقَ نارين شبتا ... ببرقةِ ساقٍ ما بنَى موقداهما
وقال الطائي

يا سهمُ للبرقِ الذي استطارا ... ثابَ على رغمِ الدجى نهارا
آض لنا ماءً وكان نارا ... أرضَى الثرى وأسخطَ الغبارا
وينشد أهل المعاني فيه
نارٌ تجددُ للعيدانِ تضرمها ... والنارُ تلفحُ عيداناً فتحترقُ
وقال البحتري
فسقاهمْ وإنْ أطالتْ نواهُ ... خلفةُ الدهرِ ليلهُ ونهارهُ
كلُّ جودٍ إذا التقَى البرقُ فيه ... أوقدتْ للعيونِ بالماءِ نارهُ
وقال آخر
بدا البرقُ من نحوِ الحجازِ فشاقني ... وكلُّ حجازيٍّ له البرقُ شائقُ
سرى مثلَ نبضِ العرقِ والليلُ دونهُ ... وأعلامُ نجدٍ كلها والأسالقُ
وقال الطائي مثله
إليكَ سرى بالمدحِ قومٌ كأنهم ... على الميسِ حياتُ اللصابِ النضانضُ
تشيم بروقاً من تدارك كأنها ... وقد لاحَ أولاها عروقٌ نوابضُ
اللصاب الطرق في الجبال واحدها لصب والنضانض الحيات الواحد نضناض وهو الذي له حركةٌ لا تستقر، والميس خشب الرحل فخبر أنهم قد أعيوا من السير حتى صاروا في الدقة كالحيات ومثله قوله أيضاً
وركبٍ كأمثالِ الأسنةِ عرسوا ... على مثلها والليلُ تسطو غياهبهْ
لأمرٍ عليهمْ أنْ تتمَّ صدورهْ ... وليسَ عليهمْ أن تتمَّ عواقبه
وله من سفر قد أنضوا ركائبهم
فقد أكلوا منها الغواربَ بالسرى ... وصارتْ لها أشباحهم كالغواربِ
باب )10( في

نحول المسافرين
ومما يتصل بذلك في تحولِ المسافرين وضمور الإبلِ وشدة التعب قول ذي الرمة
وأشعثَ مثل السيفِ قد لاحَ جسمهُ ... وجيفُ المهارَى والهمومُ الأباعدُ
سقاهُ الكرى كأسَ النعاسِ فرأسُهُ ... لدينِ الكرى من أولِ الليلِ ساجدُ
وقال آخر
وفلاةٍ كأنما اشتمل اللي ... لُ على ركبها بأبناء حامِ
خضتُ فيها إلى الخليفة بالشر ... فةِ بحريْ ظهيرةٍ وظلامِ
وقال الطائي يصف مسافرين
سفعَ الدؤبُ وجوههمْ فكأنَّهم ... وأبوهمُ سامٌ أبوهم حامُ
وقال ابن المعتز
ثمَّ استشارهمُ دليلٌ فارطٌ ... يسمو لغايتهِ بعينيْ أجدلِ
لبسَ الشحوبَ مع الظهائرِ وجههُ ... فكأنه ماويةٌ لم تصقلِ
وقال ذو الرمة
ألمتْ بشعثٍ كالسيوفِ وأينقٍ ... حراجيجَ من نسلِ الجديلِ وداعرِ
جذبنَ البرَى حتى شدفنَ وأصعرَتْ ... أنوفَ المهارَى لقوةً في المناخرِ
وفي نعت الناقة يقول أيضاً
رجيعةِ أسفارٍ كأنَّ زمامها ... شجاعٌ على يسرى الذراعينِ مطرقُ
وقال آخر
تنازعُ مثنى حضرمي كأنه ... حبابُ نقًى يتلوهُ مرتحلٌ يرمي
شبهَ زمامها بالحية وقال الفرزدق
إذا ما أنيختْ قابلتْ عن ظهروها ... حراجيج أمثالُ الأهلةِ شسفُ
وقال ثابتُ قطنةَ في ناقة
وكأنَّ مدرجةَ النسوعِ بدفِّها ... طرقٌ تقدُّ سباسباً وإكاما
وقال ابن المعتز في ناقة
ترنو بناظرةٍ كأنّ حجاجها ... قلتْ أنافَ بشاهقٍ لم يحللِ
وكأنَّ آثارَ النسوعِ بدفِّها ... مسرى الأساودِ في هيامٍ أهيلِ
وكأنَّ مسقطها إذا ما عرستْ ... آثارُ مسقطِ ساجدٍ متبتلِ
ويسدُّ حاذيها بحبلٍ كاملٍ ... كعسيبِ نخلٍ خوصهُ لم ينجلِ
وقال أيضاً
كأن المطايا إذْ غدونَ بسحرةٍ ... تركنَ أفاحيص القطا في المباركِ
وقال مالك بن أخي رفيع
كأنَّ عيونهنَّ قلاتُ هضبٍ ... تحدرُ من مدامعهنَّ ماءُ
وقال العتابي
إذا الركائبُ مخسوفٌ نواظرها ... كما تضمنتِ الدهنَ القواريرُ
ونحوهُ قول آخر في ناقة كالةٍ وهو ذو الرمة
كأنما عينُها منها وقد ضمرتْ ... وضمها السيرُ ضماً في الأضاميمُ
الأضا الغدرانُ والميضأة التي يتوضأ فيها للصلاة وقال آخر
ألا حبذا عيشُ الرخاء وضجعهُ ... إلى جنبِ مقلاقِ الوضينِ سعومِ
الوضين للبعير مثل الحزام للدابة والسعوم الواسعة الخطو
ترامتْ بها الأهوالُ حتى كأنما ... تحيف من أقطارها بقدومِ
وقال ابن الخطيم نحو ذلك
وقد ضمرتْ حتى كأنَّ وضينها ... وشاحُ عروسٍ جال منها على خصرِ
وقال ذو الرمة في كلال ناقة

تشكو الخشاش ومجرى النسعتينِ كما ... أنَّ المريضُ إلى عوادِهِ الوصبُ
الخشاش مثل البرةِ ومثله قول المثقب العبدي
إذا ما قمتُ أحلها بليلٍ ... تأوهُ آهةَ الرجلِ الحزينِ
وقال أبو نواس في سرعتها
وتجشمتْ بي هولَ كلِّ تنوفةٍ ... هوجاء فيها جرأةٌ مقدامُ
تذرُ المطيَّ وراءها وكأنَّها ... صفٌّ تقدمهنَّ وهيَ إمامُ
وكلهم يصف ناقة بالضخمِ والعلوِ كقول طرفة
كقنطرةِ الروميِّ أقسمَ ربها ... لتكتنقنْ حتى تشاد بقرمدِ
وكقول عنترة
فوقفتْ فيها ناقتي وكأنها ... فدنٌ لأقضِيَ حاجةَ المتلومِ
وقال ابن المعتز
لنا إبلٌ ملءُ الفضاءِ كأنما ... حملنَ التلاعَ الجونَ قوقَ الحواركِ
وقال ابن أبي حفصة
يتبعنَ جاهلةَ الزمامِ كأنها ... إحدى القناطرِ وهي حرفٌ ضامرُ
وقال الراعي يصف أضلاعها
وكأنما انتطحتْ على أثباجها ... فدرٌ بشابةَ قد كملْنَ وعولا
وقال الفرزدق في سرعتها
تشيح بها أجوازَ كلِّ تنوفةٍ ... كأنَّ المطايا يتقينَ بها جمرا
وقال الفرزدق في ناقة
تنفِي يداها الحصى في كلِّ هاجرةٍ ... نفى الدراهيمِ تنقادُ الصياريفِ
ونحوهُ قول الآخر المتقارب
تطيرُ مناسمهنَّ الحصى ... كما نقدَ الدرهمَ الصيرفُ
وقال رؤبة
كأنّ أيديهنَّ بالقاعِ القرقْ ... أيدي جوارٍ يتعاطينَ الورقْ
وقال مسلم بن الوليد
إلى الإمامِ تهادانا بأرحلنا ... خلقٌ من الريحِ في أشباهِ ظلمانِ
كأنَّ إفلاتها والفجرُ يأخذها ... إفلاتُ صادرةٍ عن قوسِ حسبانِ
والعرب تشبه سرعتها بشرود النعام قالت ليلى الأخيلية
روموها بأثوابٍ خفافٍ فلا ترى ... لها شبهاً إلا النعامَ المنفرا
قال ثعلب الأثواب ههنا الأبدان قال وفي قوله عز وجل " وثيابك فطهر " قال قلبك وقال آخر
إذا بركتْ خرتْ على ثفناتها ... مجافيةُ صلباً كقنطرةِ الجسرِ
كانَّ يديها حين تجري ضفورها ... طريدانِ والرجلانِ طالبتا وترِ
وقال آخر
حمراءُ من نسلِ المهارَى نسلها ... إذا ترامتْ يدها ورجلُها
كأنها غيرَي استفزَّ عقلها ... أتَى التي كانتْ تخافُ بعلها
وقال الغطمش الضبي
كأنّ يديها حينَ جدَّ نجاؤها ... بدا سابحٍ في غمرةٍ يتبوعُ
ومثله قول بشامة بن الغدير المتقارب
كأنَّ يدَيْها إذا أرقلتْ ... وقد حرنَ ثمَّ اهتدينَ السبيلا
يدا سابحٍ غصَ في غمرةٍ ... فأدركهُ الموتُ إلا قليلا
ومما يدخل في هذا الباب وإن لمي يكن فيه تشبيه قول الشاعر
أقولُ لنضوٍ أذهبَ السيرُ نيها ... فلم يبقَ منها غيرُ عظمٍ مجلدِ
خذي بي ابتلاكِ الله بالشوقِ والهوى ... وشاقكِ تغريدُ الحمامِ المغردِ
فسارتْ مراحاً خوفَ دعوةِ عاشقٍ ... تخب بي الظلماءُ في كل فدفدِ
فلما ونتْ في السيرِ ثنيتُ دعوتي ... فكانتْ لها سوطاً إلى ضحوةِ الغد
وقال القضاعيّ
خوصٌ نواجٍ إذا حثَّ الحداةُ بها ... حسبتَ أرجلها قدامَ أيديها
وقال مسلم
إليك أمينَ اللهِ راعتْ بنا القطا ... بناتُ الفلا في كلِ ميثٍ وفدفدِ
أخذنَ السرَى أخذَ العنيفِ وأسرعَتْ ... خطاها بها والنجمُ حيرانُ مهتدِ
لبسنَ الدجَى حتى نضتْ وتصوبتْ ... هوادي نجومِ الليلِ كالدحوِ باليدِ
باب )11( في

السراب
ومما يتصل بهذا الباب في حسن التشبيه في السراب قول مسلم في هذه الكلمة
وقاعةٍ رجلَ السبيلِ مخوفةٍ ... كأنّ على أرجائها حدَّ مبردِ
مؤزرةٍ بالآلِ فيها كأنها ... رجالٌ قعودٌ في ملاءٌ معمدِ
وقال آخر
أخوفُ بالحجاجِ حتى كأنما ... يحركُ عظمٌ في الفؤادِ مهيضُ
ودونَ يدِ الحجاجِ من أن تنالَني ... بساطٌ لأيدِي الناعجاتِ عريضُ
مهامهُ أشباهٌ كانَّ سرابها ... ملاءٌ بأيْدي الغاسلاتِ رحيضُ
وقال ابن المعز
والآلُ قد رقصتْ فيه الإكامُ كما ... لحبتْ حواملُ ولدانٍ بتنقيزِ
كأنه حللٌ بينَ الصوَى نشرتْ ... فهنَّ من بينِ مكسوٍّ ومبروزِ

وقال ابن الرومي يصف أينقاً قطعت به أرضاً
تطوي الفلا وكأنّ الآل أرديةٌ ... دثارةٌ وكأنّ الليلَ سيجانُ
ثم شبهَ الليل والآل بالبحر فقال
كأنها في ضحاضيح الضحى سفنٌ ... وفي الغمارِ من الظلماء حيتانُ
والساج الطيلسان الأسود وقد اختلفَ في تشبيه الليل به فقيل لسواده وقيل شبهَ به لأنه لا أقطارَ له وقال ابن المعز
الآلُ تنزو بالصوى أمواجهُ ... نزوَ القطا الكدريِّ في الأشراكِ
والظلُّ مقرونٌ بكلِّ مطيةٍ ... مشَى المهارَى الدهمِ بينَ رماكِ
ونحوه قول الآخر
وقد أنعلتها الشمسُ ظلاً كأنه ... قلوصُ نعامٍ زفها قد تمورا
وقال مسعود أخو ذي الرمة
ومهمهٍ فيه السرابُ يلمحُ ... دليلهُ بجوةٍ مطوحُ
يدأبُ فيه القومُ حتى يطلحوا ... ثم يظلونَ كأنْ لم يبرحوا
كأنما أمسوا بحيثُ أصبحوا
وقال المأمون المنسرح
تفتحُ بالوعدِ بابَ نائلها ... حتى ترى الوصلَ ثم ينطبقُ
وعدٌ كلمعِ السرابِ تحسبهُ ... منك قريباً ودونه شفقُ
وتبعه آخر فقال
ما احتيالي لحبيبٍ ... وعدهُ لمعُ السرابِ
يعد الوصلَ ولكن ... دونه مسُّ السحابِ
أحمدُ اللهَ على ما ... بي وإنْ كنتُ لما بي
وكتب أبو عثمان الناجم إلى ابن الرومي يلومه على طلبه سمكاً من ابن بشر المرثدي المتقارب
أبا حسنٍ أنتَ منْ لا نزا ... لُ نحمدُ في الفحصِ رجحانهُ
فلم تحسنُ الظنَّ بالمرثديّ ... وقد قللَ الله إحسانهُ
وبحرُ السرابِ يفوتُ الطلوبَ ... فقلْ في طلابكَ حيتانهُ
وقد تكررت في كتابنا تشبيهات للمحدثين مثل أبي نواس وبشار ومسلم والطائي والبحتري وابن الرومي وابن المعتز وأضرابهم لأنا اعتمدنا على إثبات عيون التشبيهات المختارة والمعاني الغريبة البعيدة دون المتداولة المخلقة والمتقدمون وإنْ كانوا افتتحوا القول وفتحوا للمحدثين البابَ ونهجوا لهم الطريق فكان لهم فضل السبق واستئناف المعاني وصعوبة الابتداء، فإن هؤلاء قد أحسنوا التأمل وأصابوا التشبيه وولدوا المعاني وزادوا على ما نقلوا وأغربوا في ما أبدعوا ولو أثبتنا تشبيهاتهم القديمة كتشبيههم الناقة في الضخم بالقصر والقنطرة وفي الصلابة بالعلاة والصخرة وفي السرعة بالجندلة والأثفية وسرعة الفرس بنجاء الظبي وتشبيه الجواد بالبحر والسيد بالقرم وهو فحل الإبل والوجه الحسن بالقمر والشمس وأحداج النساء بالنخل والسفن والنجوم بالمصابيح والنساء ببيض النعام لطالَ بذلك الكتابُ وآل أكثره إلى معنى واحد وكان المحكي منه معروفاً غير مستغرب لزال حسن الاختيار وتنقي الألفاظ واستغراب المعاني وطلابنا الجيد حيث وجد وقصدنا الغض والنادر لمن كان وبالله الحول والقوة.
باب )12( في

طروق الخيل
ومن حسن التشبيه في طروق الخيل قول البحتري
أجدك ما ينفك يسري لزينبا ... خيالٌ إذا آبَ الظلامُ تأوبا
سرى من أعالي الشأمِ يجلبهُ الكرى ... هبوبَ نسيم الروضِ تجلبه الصبا
وقال أيضاً
ألمتْ بنا بعدَ الهدوء فسامحتْ ... بوصلٍ متى تطلبهُ في الجد تمنعِ
وولتْ كأنَّ البينَ يخلجُ شخصها ... أوانَ تولتْ من حشايَ وأضلُعي
وأصل هذا المعنى لقيس بن الخطيم ومنه أخذ البحتري وغيره وهو قوله
أني سريت وكنت غير سروب ... وتقربُ الأحلامُ غير قريب
وما تمنعى يقظى فقد تؤتينهُ ... في النوم غير مصردٍ محسوبِ
وعلى ذلك قول المؤمل
أتاني الكرى ليلاً بشخصٍ أحبهُ ... أضاءتْ له الآفاقُ والليلُ مظلمُ
وكلمني في النوم غير مغاضبٍ ... وعهدي به يقظانَ لا يتكلمُ
وذكر العباس بن الأحنف العلة في طروق الخيال فقال
خيالكِ حينَ أرقدُ نصبَ عيني ... إلى وقتِ انتباهي لا يزولُ
وليس يزورني صلةً ولكن ... حديثُ النفسِ عنكِ به الوصولُ
وتبعه الطائي فقال
زار الخيالُ لها لا بل أزاركهُ ... فكرٌ إذا نامَ فكرُ الخلقِ لم ينمِ
ظبيٌ تقنصتهُ لما نصبتُ له ... في آخر الليلِ أشراكاً من اللحمِ
وله أيضاً
زاركَ الزورُ ليلةَ من رم ... لةَ بين الحمى وبين المطالي

نمْ فما زاركَ الخيالُ ولكن ... ك بالفكرِ زرت طيفَ الخيالِ
وقال عبد الصمد بن المعذل
لم أنلهُ فنلتهُ بالأماني ... في منامي سراً من الهجرانِ
واصل الحلمُ بيننا بعدَ هجرٍ ... والتقينا ونحن مفترقان
وقال البحتري
أراني لا أنفكُّ في كلِ ليلةٍ ... تعاودُ فيها المالكية مضجعي
أسرُّ بقربٍ من ملمٍ مسامرٍ ... وأشجى ببينٍ من حبيبٍ مودعِ
فكائنْ لنا بعد النوى من تفرقٍ ... تزجيه أحلامُ الكرى وتجمعِ
وقال الطائي
استزارتهُ فكرتي في المنامِ ... فأتاها في خفيةٍ واكتتامِ
الليالي أحفَى بقلبي إذا ما ... جرحتهُ النوى من الأيامِ
يا لها ليلةً تزاورتِ الارْ ... واحُ فيها سراً من الأجسامِ
مجلسٌ لم يكن لنا فيه عيبٌ ... غيرَ أنا في دعوةٍ الأحلامِ
ومن حسن التشبيه في هذا المعنى قول البحتري
حبيبٌ أتى في خفيةٍ وعلى ذعرِ ... يجوبُ الدجى حتى التقينا على قدرِ
تشككتُ فيه من سرورٍ وخلتهُ ... خيالاُ أتى في النومِ من طيفهِ يسرِي
وقال أيضاً
خطرتْ في النوم منها خطرةٌ ... خطرةَ البرقِ ابتدَى ثم اضمحلْ
أيُّ زورٍ لك لو قصدا سرى ... وملمٍ بك لو حقاً فعلْ
يتراءى والكرى في مقلتي ... فإذا فارقها النومُ بطلْ
وقال علي بن يحيى نحو ذلك المديد
بأبي واللهِ منْ طرقا ... كابتسامِ البرقِ إذْ خفقا
زارني طيفُ الحبيبِ فما ... زادَ أنْ أغرَى بيَ الأرقا
ومثله قول أحمد بن يوسف
في سبيل الله ودٌّ حسنٌ ... دامَ من قلبي لوجهٍ حسنِ
وهوًى ضيعتهُ في سكنٍ ... ليسَ حظي منه غير الحزنِ
يرقدُ الليل ويستعذبهُ ... فإن استعذبتُ طيبَ الوسنِ
زارني منه خيالٌ ما له ... أربٌ في غير أنْ يوقظني
وقال البحرتي وهو أحد المحسنين في ذكر طروق الخيال
وأرى خيالك لا يزال مع الكرى ... متعرضاً ألقاهُ أو يلقاني
يدني إليَّ من الوصالِ شبيهَ ما ... يبديهِ لي أبداً من الهجرانِ
وله أيضاً
وليلةَ هومنا على العيسِ أرسلتْ ... بطيفِ خيالٍ يشبهُ الحقَّ باطلهْ
فلولا بياضُ الصبحِ طالَ تشبثي ... بعطفيْ غزالٍ بتُّ وهناً أغازلهْ
وقال التمار
لو زارني طيفكَ يا سيدي ... لقلتُ لا واللهِ لا نفترقْ
وقلبَ هذا المعنى فقال
آنسني طيفكَ حتى إذا ... همَّ بأن يمضي تعلقتُ بهِ
وقال البحتري المنسرح
وزائرٍ زار من أعفتهِ ... يخلطُ وزناً بأنسهِ ذعرهُ
كأنه جاء منجزاً عدةً ... وبتُّ في الراقبينَ أنظرهْ
لم أنسهُ موشكاً على عجلٍ ... مدامجاً في الحديثِ يختصرهْ
كأنما الكاشحون قد حضروا ... مكانهُ أو أتاهمُ خبرهْ
باب )13( في

البكاء
ومن جيد التشبيه في البكاء قول الشاعر
نظرتُ كأنّي من وراءِ زجاجةٍ ... إلى الدار من ماء الصبابة أنظرُ
فعينايَ طوراً تغرقانِ من البكا ... فأعشَى وطوراً تحسراِ فأبصرُ
فلا مقلتي من غامرِ الماء تنجلي ... ولا دمعتي من شدةِ الوجد تقطرُ
وليس الذي يجري من العينِ ماءها ... ولكنما نفسي تذوب فتقطرُ
وقال البحتري
وقفنا والعيونُ مثقلاتٌ ... يغالبُ دمعها نظرٌ كليلُ
نهتهُ رقبةُ الواشين حتى ... تعلقَ لا يغيضُ ولا يسيلُ
وقال آخر
غلبتْ عيني الدموعُ فإنسا ... ني غريقٌ يبدو مراراً ويخفَى
فكأني أراكَ من دون سترٍ ... هزتِ الريحُ متنهُ فتكفَّى
وقال آخر
لعلَّ جفوناً فرقَ الدهرُ بينها ... تلاءَمُ أو تحلَى بطعمِ رقادِ
ويحسرُ دمعٌ لا يزالُ كأنه ... على الخدِ منهلاً تدافعُ وادِ
كأنّ السواري والغوادي تكلفتْ ... له بسواري أدمعٍ وغوادي
وقال ابن هرمة
كأنّ عينيَّ إذا ولتْ حمولهمُ ... مني جناحاً حمامٍ صادفا مطراً
أو لؤلؤْ سلسٌ في عقدِ جاريةٍ ... ورهاء نازعها الولدانُ فانتثرا
وقال ذو الرمة
ما بالُ عينكَ منها الماءُ ينسكبُ ... كأنه من كلًى مفريةٍ سربُ
ومثله قوله

وما شنتا خرقاءَ واهيتا الكُلّى ... سقى فيهما ساقٍ ولما تبللا
بأضيعَ من عينيكَ للماءِ كلما ... توسمتَ برقاً أو توهمتَ منزلا
وقال امرؤ القيس
عيناكِ دمعهما سجالُ ... كأنّ شأنيهما أوشالُ
أو جدولْ في ظلالِ نخلٍ ... للماءِ من تحتهِ مجالُ
وقال جران العودِ
أمستْ كأنّ العينَ أفنانُ سدرةٍ ... عليها سقيط من ندى الليلِ ينطفُ
وقال آخر
عشىَّ وداعٍ قبحتْ من عشيةٍ ... ولكنها لا قبحتْ من مودعِ
كأنّ انحدارَ الدمعِ منها تعدهُ ... لنا ذاتُ عدٍ قليلَ عدي وأسرعي
وقال ذو الرمة
قفِ العيسَ في أطلالِ ميةً واسلِ ... رسوماً كأخلاقِ الرداءِ المسلسلِ
أظنُّ الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعاً كتبذير الجمانِ المفصلِ
ومثل هذا التشبيه كثير مخلق والشرط في الاختيار أملك وقال الطائي
نثرتُ فريدَ مدامعٍ لم تنظمِ ... والدمعُ يحملُ بعض ثقلِ المغرمِ
وصلتْ نجياً بالدموعِ فخدها ... في مثلِ حاشيةِ الرداء المعلمِ
ومثله قول الآخر
فواهَ من الأحزانِ إنْ أسفر الضحى ... وفي كبدي من حرهنَّ حريقُ
مزجنا دماً بالدمعِ حتى كأنما ... يذابُ بعيني لؤلؤٌ وعقيقُ
وقال الطائي
سرتْ تستجيرُ الدمعَ خوفَ نوى غدٍ ... وعادَ قتاداً عندها كلُّ مرقدِ
فأذرى لها الإشفاقُ دمعاً مورداً ... من الجفنِ يجري فوق خدٍ موردِ
وأحسن ابن يوسف في قوله
عذبَ الفراقُ لنا قبيلَ وداعنا ... ثم اجترعناهُ كسمٍ ناقعِ
وكأنما أثرُ الدموعِ بخدها ... طلُّ سقيط فوق وردٍ يانعِ
وقال آخر في مثله
كأن سقوطَ الدمعِ في حر وجهها ... سقوطُ الندى أوفى على ورقِ الوردِ
وزاد ابن الرومي في هذا فقال المنسرح
ما يومُ بين الحبيبِ بالبعدِ ... ولا فؤادي عليه بالجلدِ
لو كنتَ يومَ الوداعِ شاهدنا ... وهنَّ يطفئنَ غلةَ الوجدِ
لم ترَ إلا دموعَ باكيةٍ ... تسفح من مقلةٍ على خدِ
كأنّ تلك الدموعَ قطرُ ندًى ... يقطرُ من نرجسٍ على وردِ
وقال الناشي المتقارب
بكتْ للفراقِ وقد راعني ... بكاءُ الحبيب لبعدِ الديارِ
كأنّ الدموعَ على خدها ... بقيةُ طلٍ على جلنارِ
وقال البحتري في مقلوب ذلك
شقائقُ يحملنَ الندى فكأنه ... دموعُ التصابي في خدودِ الخرائدِ
وقال أبو نواس مما يدخل في هذا الباب وإن لم يكن في تشبيه
تقولُ غداةَ البينِ إحدى نسائهم ... ليَ الكبدُ الحرى فسرْ ولكِ الصبرُ
وقد غلبتها عبرةٌ فدموعها ... على خدها حمرٌ وفي نحرها صفر
يقول لون خدها أحمر فتشكلت الدمعة به لما وقعت عليه فصارت حمراء ولون نحرها أصفر عاجي فصار لونُ ما وصل إليه من الدمع أصفر وقيل للعباس بن محمد ما لون الماء؟ قال لون إنائه والعرب تنعت اللون الدري مثل قول ذي الرمة
كحلاء في برجٍ صفراءُ في نعجٍ ... كأنها فضةٌ قد مسها ذهب
البرج سعة العين والنعج شدة البياض وقال المرقش
النشرُ مسك والوجوه دنا ... نيرٌ وأطراف الأكفِ عنمْ
وقيل لأعرابية كيف لون ابنتك فقالت أحسن من النار الموقدة وقال بشار
وتخالُ ما جمعتْ عليه ثيابها ذهباً وتبرا
وقال أبو نواس
ظبيٌ كأن الله أل ... بسهُ قشورَ الدرِ جلد
وترى على وجناتهِ ... في أيِّ حينٍ شئتَ وردا
وهذا كثير جداً، ومن حسن الاستعارة في الدمع قول الطائي
مطرٌ من العبراتِ أرض خدهُ ... حتى الصباح ومقلتاه سماؤه
أحبابه فعلوا بمهحةِ قلبهِ ... ما ليس يفعلهُ به أعداؤه
ونحوه قول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
ولما رأيتُ البينَ قد جد جدهُ ... وقد حانَ من نيلِ الفراقِ ركودُ
قعدنا فأمطرنا دموعاً سماؤها ... جفونُ عيونٍ والبقاعُ خدودُ
والرواةُ تستحسن قول ابن الأحنف المتقارب
بكتْ غيرُ آنسةٍ بالبكاءِ ... ترى الدمعَ في مقلتيها غريبا
وقال بشار ما زال غلام بني حنيفة يعني عباس بن الأحنف يدخل نفسه فينا ونخرجه حتى قال
نزفَ البكاءُ دموعَ عينكَ فاستعرْ ... عيناً لغيركَ دمعها مدرارُ

منْ ذا يعيركَ عينهُ تبكي بها ... أرأيت عيناً للبكاءِ تعارُ
وقال دعبل بن علي
يا ربعُ أينَ توجهتْ سلمى ... أمضتْ فمهجةُ نفسهِ أمضا
لا أبتغي سقيا السحابِ لها ... في مقلتي خلفٌ من السقيا
وقال العباس وشبه أحسن تشبيه ويروى لأبي نواس
لا جزَى اللهُ دمعَ عينيَ خيراً ... وجزى الله كلَّ خيرٍ لساني
نمَّ دمعي فليسَ يكتمُ شيئاً ... ووجدتُ اللسان ذا كتمانِ
كنتُ مثل الكتابِ أخفاهُ طيٌّ ... فاستدلوا عليه بالعنوانِ

باب 14 في
مرض العين وغنجها
ومن حسن التشبيه في مرض العين وغنجها قول أبي نواس
ضعيفةُ كرِّ الطرفِ تحسبُ أنها ... قريبةُ عهدٍ بالإفاقةِ من سقمِ
وقال
يا غزالاً صيرَ الج ... سمَ كعينيهِ سقيما
حلَّ في جسميَ ما كا ... نَ بعينيك مقيما
وقيل أغزل بيت قالته العرب قول جرير
إنّ العيونَ التي في طرفها مرضْ ... قتلننا ثم لم يحيينَ قتلانا
يصرعنَ ذا اللبِ حتى لا حراكَ به ... وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانا
وقال ابن المعتز
ضعيفةٌ أجفانهُ ... والقلبُ منه حجرُ
كأنما ألحاظهُ ... من قلبهِ تعتذرُ
وقال البحتري
وكأنّ في جسمي الذي ... في ناظريك من السقمْ
وقال أيضاً
أجدُ النارَ تستعارُ من النا ... رِ وينشا من سقم عين سقمي
وقال ابن المعتز
وتجرح أحشائي بعينٍ مريضةً ... كما لانَ متنُ السيفِ والحدُّ قاطعُ
وقال الطائي
بيضٌ يدرنَ عيونهنَّ إلى الصبا ... فكأنهنَّ بها يدرن كؤوسا
وقال البحتري
وما أسكرتني الكأس حتى أعانها ... عليَّ بعينيه الغداة مديرها
وقال ماني
وكأنما نهكت قوى أجفانهِ ... بالراحِ أو شيبتْ بإغفاءِ
وقال البحتري الهزج
وفي القهوةِ أشكالْ ... منَ الساقي وألوانُ
حبابٌ مثلُ ما يضح ... كُ عنهُ وهوَ جذلانُ
وسكرٌ مثل ما أسك ... ر جفنٌ منه وسنانُ
وطعمُ الريقِ إذ جادَ ... به والصبُّ هيمانُ
لنا من كفهِ راحٌ ... ومن رياهُ ريحانُ
وقال آخر نحو هذا
هي الخمرُ في حسنٍ وكالخمرِ ريقها ... ورقةُ ذاك اللونِ في رقةِ الخمرِ
فقد جمعتْ فيه خمورٌ ثلاثةٌ ... وفي واحدٍ سكرٌ يزيدُ على السكرِ
وقال البحتري
غداةَ تثنتْ للوداعِ وسلمتْ ... بعينيِ موصولٍ بجفنيهما السحرُ
توهمتها ألوى بأجفانها الكرى ... كرى النومِ أو مالت بأعطافها الخمرُ
وقال ذو الرمة
وعينانِ قال اللهُ كونا فكانتا ... فعولانِ بالألبابِ ما تفعلُ الخمرُ
وقال البحتري
تحسبهُ نشوانَ إما رنا ... للفتر من أجفانهِ وهو صاحْ
وشبهوا العينَ بالنرجس فقال ابن الرومي المتقارب
وأحسنُ ما في الوجوهِ العيونُ ... وأشبهُ شيءٍ بها النرجسُ
وقال أيضاً المنسرح
كأنَّ تلكَ الدموعَ قطرُ ندًى ... يسقطُ من نرجسٍ على وردِ
وقال أحدُ الظرفاء
شادنٌ خدهُ وعي ... ناهُ وردي ونرجسي
إنْ يجدْ لي بخمرِ في ... هِ فقد تمَّ مجلس
وقال ابن المعتز
وسنانُ قد خدع النعاسُ جفونهُ ... فحكى بمقلتهِ ذبولَ النرجسِ
ويشبهون العين في تلونها بعين الغزال وهذا تشبيه قديم كقول ذي الرمة
يذكرني ميَّا من الظبي عينهُ ... مراراً وفاها الأقحوانُ المنورُ
وقال ابن الرقاعِ العاملي
وكأنها وسطَ النساء أعارها ... عينيهِ أحورُ من جاذرِ جاسمِ
وسنانُ أقصدهُ النعاسُ فرنقتْ ... في عينهِ سنةٌ وليسَ بنائمِ
وقال ذو الرمة
إذا أعرضت ب أدماءُ عوهجٌ ... لنا قلتُ هذى عينُ ميٍّ وجيدها
وإنما يشبهون الجيد بجيد الغزال في جيده وحسن نصته كما قال أبو تمام الطائي المنسرح
كالخوطِ في القدِّ والغزالةِ في البهجةِ وابن الغزالِ في غيدهْ
وما حكاهُ ولا نعيمَ لهُ ... في جيدهِ بلْ حكاهُ في جيدهْ
وقال أبو نواس
أعورُ المقلة منْ غيرِ دعجْ ... لوْ عداهُ أعورُ العينِ انسمجْ
تحسبُ النكتةَ في ناظرهِ ... درةً بيضاءَ في فصِ سبجْ

وقال ابن المعذل المديد
أشتهي في المقلة القبلا ... لا كثيراً يشبهُ الحولا
واحمرارَ الخدِ من خجلٍ ... إنني أستحسنُ الخجلا

باب 15 في
الوجه وضيائه
ومن التشبيهات القديمة في الوجه وضيائه قول طرفة
ووجهٌ كأنَّ الشمسَ حلتْ رداءها ... عليه نقيًّ اللونِ لم يتخددِ
حلت بسطتْ وأحلهُ من الحل ضدَّ العقد وقال ابن الرومي
كأنما غنتْ لشمسِ الضحى ... فألبستها حسنها خلعهْ
وقال زهير في هرم
لو كنتَ من شيءٍ سوى بشرٍ ... كنتَ المنورَ ليلةَ البدرِ
وقال قيس بن الخطيم
كان المنى بلقائها فلقيتها ... فلهوتُ من لهوِ امرئٍ مكذوبِ
فرأيتُ مثل الشمسِ عندَ طلوعها ... في الحسنِ أو كدنوها لغروبِ
أي في وقتين يمكن النظر إلى الشمس فيهما وقال النمر بن تولب
فصدت كأنَّ الشمس تحتَ قناعها ... بدا حاجبٌ منها وضنتْ بحاجبِ
أراد أنها أعرضت بوجهها للغضب وقال أبو نواس نحوه
يا قمراً للنصفِ من شهرهِ ... أبدى ضياءً لثمانٍ بقين
وقال بشار في امرأةٍ أعرضتْ
ضنت بخدٍ وجلتْ عن خدِ ... ثمَّ انثنتْ كالنفسِ المرتدِ
ومن أحسن ما قيل في حمد الإعراض قول ابن الرومي
ما ساءني إعراضهُ ... عني ولكنْ سرني
سالفتاهُ عوضٌ ... من كلِّ شيءٍ حسنِ
ما قلتُ إنْ قدْ عقني ... بالصدِّ إلا برني
بدلني من حسنٍ ... حسناً فما ذا ضرني
وقال أبو نواس
تتيهُ الشمسُ والقمرُ المنيرُ ... إذا قلنا كأنهما الأميرُ
فإنْ يك أشبها منه قليلاً ... فقد أخطاهما شبهٌ كثيرُ
لأن الشمسَ تغربُ حين تمسي ... وأنَّ البدرَ ينقصهُ المسيرُ
ونورُ محمدٍ أبداً تمامٌ ... على وضحِ الطريقةِ لا يحورُ
وقال علي بن الجهم
يا بدرُ كيفَ صنعتَ بالبدرِ ... أفضحتهُ من حيث لا يدري
الدهرُ أنتَ بأسرهِ قمرهْ ... ولذاكَ ليلتهُ من الشهرِ
وقال آخر
إذا أعتُبها شبهتها البدرَ طالعاً ... وحسبك من عيبٍ لها شبهُ البدرِ
وقال علي بن الجهم وذكر نساء
وقلنَ لنا نحنُ الأهلةُ إنما ... نضيءُ لمن يسري بليلٍ ولا نقري
لا بذلَ إلا ما تزودَ ناظرٌ ... ولا وصلَ إلا بالخيالِ الذي يسري
وقال أبو عثمان الناجم نحو ذلك
طالبتُ من شردَ نومي وذعرْ ... وكحلَ العينَ بملمولِ السهر
بقبلةٍ تحسنُ في القلب الأثر ... فقال لي مستعجلاً وما انتظرْ
ليس لغيرِ العينِ حظٌّ في القمر
وقال ابن المسيب الكاتب
ومعذراً أبصرتهُ ... يهتزُّ كالغصنِ الرطيبِ
ضاهى بنبتِ الشعرِ ما ... في البدرِ منْ تلكَ الندوبِ
للهِ ما أهدتهُ أع ... ينُ ناظريهِ إلى القلوبِ
منْ ذي دلالٍ ناعمٍ ... ما شئتَ من حسنٍ وطيبِ
نهبتهُ أبصارُ الرجا ... لِ فلم يكنْ نزراً نصيبِ
لكنْ دفعتُ إلى التل ... ذذ حين أسرعَ للمغيبِ
وكأنه بدر الدج ... نةِ حين أصغى للغروبِ
شبهتهُ بالبدرِ في ال ... حالينِ تشبيهَ المصيبِ
أعجبْ بذلك لو أطا ... عَ الغمز باللحظ المريبِ
فظفرت بالقمر الني ... رِ على قضيبٍ في كثيبِ
وعلوتُ منبرةً بره ... زٍ مثل ترجيع الخطيبِ
وأضفتُ ذاك إلى نخيرٍ مثل تشقيقِ الجيوبِ
قد كان ذلك ممكناً ... لكن دفعتُ إلى الكروبِ
ومما يدخل في هذه الجملة من صفات النساء قول امرئ القيس
يضيءُ الفراشَ وجهها لضجيعها ... كمصباحِ زيتٍ في قناديلِ ذبالِ
كأنّ على لباتها جمرَ مصطلٍ ... أصابَ غضى جزلاً وكفَّ بأجذالِ
ضوء الزيت أنورُ من غيره وأقل دخاناً وعلى ذلك قول النابغة الجعدي في امرأة المتقارب
أضاءتْ لنا النارُ وجهاً أغ ... رَّ ملتبساً بالفؤادِ التباسا
تضيءُ كمثلِ سراجِ السلي ... طِ لم يجعلِ الله فيه نحاسا
وقال عبد بني الحسحاس
كأنَّ الثريا علقتْ فوق َ نحرها ... وجمرَ غضًى هبتْ له الريحُ ذاكيا
إذا اندفعتْ في ريطةٍ وخميصةٍ ... ولاثتْ بأعلى الرأس برداً يمانيا

أرتك غداةَ البينِ كفاً ومعصماً ... ووجهاً كدينارِ الأغرةِ صافيا
وقال قيس بن الخطيم
وجيدٍ كجيد الرئمِ صافٍ يزينهُ ... توقدُ ياقوتٍ وفصلُ زبرجد
كأنَّ الثريا فوق ثغرةِ نحرها ... توقدُ في الظلماءِ أيَّ توقدِ
ومثل ذلك كثير في كلامهم ويكفي هذا الأنموذج منه وقال عبد الصمد بن المعذل في النساء
وهتكنَ ثنيَ الليلِ عن ... بيضِ السوالفِ والصفاحِ
فكأنما ضحكتْ سجو ... فُ الليل عن بيضِ الأداحي
وقال امرؤ القيس
إذا ما استحمتْ كان فضلُ حميمها ... على متنتيها كالجمانِ لدى الجاني
وقال آخر نحوه المتقارب
كأنَّ الحميم على متنها ... إذا اغترفتهُ باطاسها
جمانُ يجولُ على فضةٍ ... جلتهُ حدائدُ دواسها
وقال آخر
جردهُ الحمامُ عن فضهْ ... كشفَ منه عكناً بضهْ
كأنما الماءُ على جسمهِ ... نملٌ على سوسنةٍ غضهْ
وقال النابغة
سقط النصيفُ ولم تردْ إسقاطهُ ... فتناولتهُ واتقتنا باليدِ
بمخضبٍ رخصٍ كأنّ بنانهُ ... عنمٌ على أغصانهِ لم يعقدِ
نظرت إليك بحاجةٍ لم تقضها ... نظرَ السقيمِ إلى وجوهِ العودِ
زعمَ الهمامُ بأنّ فاها باردٌ ... عذبٌ إذا قبلتهُ قلتَ ازددِ
وإذا طعنتَ طعنتَ في مستهدفٍ ... رابى المجسةِ بالعبير مقرمدِ
وإذا نزعتَ نزعتَ عن مستحصفٍ ... نزعَ الحزورِ بالرشاءِ المحصدِ
وفي هذا المعنى ما ذكر في القصيدة التي لم ينسج على منوالها المشهورة بأنها يتيمة وقيل هي لزوبعة الملحى التي أولها
هل بالطولِ لسائلٍ ردُّ ... أم هل لها بتكلمٍ عهدُ
إلى أن قال
ولها هنٌ رابٍ مجستهُ ... ضيقٌ مسالكهُ به وقدُ
وإذا طعنتَ طعنتَ في لبدٍ ... وإذا نزعتَ يكادُ ينسدُّ
وأخذ ابن الرومي هذا المعنى فقال حيث وصف جارية الهاشمي بطيب الريق وضيق الفرج المنسرح
وصفتُ فاها الذي هويتُ على ال ... رغمِ ولم يختبرْ ولم يذقِ
إلا بأخبارك التي وقعت ... منك إلينا عن ظبية البرقِ
يفترُّ ذاك السوادُ عن يققٍ ... من ثغرها كاللآلئ القلقِ
كأنها والمزاحُ يضحكها ... ليلٌ تفرى دجاه فلقِ
لها حرٌ تستعيرُ وقدتهُ ... من قلبِ صبٍ وصدرِ ذي حنقِ
كأنما حرهُ لخابره ... ما ألهبتْ في حشاهُ من حرقِ
يزدادُ ضيقاُ على المراسِ كما ... تزدادُ ضيقاً أنشوطةُ الوهقِ
وقال أيضاً
يا شبيهَ البدرِ في الحس ... نِ وفي بعدِ المثالِ
جدْ فقد تنفجرُ الصخ ... رةُ بالماء الزلالِ
وفي هذا المعنى لما فيه للرومي من أولِ قصيدة
صادَ القلوبَ بمقلةٍ وسنا ... وسبى العقول هلعةً وسنا
وأتى بأزرق ثوبهِ متوشحاً ... فكأنه بدرٌ بدا بسما
وقال ابن المعتز في غلام عليه ديباجٌ جرميٌّ
وبنفسجيُّ الثوبِ قت ... لُ محبهِ من دائهِ
الآنَ صرتَ البدْرَ إذْ ... ألبستَ لونَ سمائهِ
وقال أبو عثمان الناجم في هذا المعنى
ما تعدتْ قتولُ إنْ ألفتْ زي ... اً شبيهاً بوجهها ذي البهاء
لبستْ أزرقاً فجاءتْ بوجهٍ ... يشبهُ البدرَ في أديمِ السماء
وقال جرير
ما استوصفتَ الناسُ من شيءٍ يروقهمُ ... إلا رأوا أم نوحٍ فوقَ ما وصفوا
وقال
كأنها مزنةٌ غراءُ لائحةٌ ... أو درةٌ ما يوارِي لونها الصدفُ
وقال ابن الرومي في نساءٍ
تواضعَ البدرُ إذْ ألبسنَ فاخرةً ... فكنَّ دراً وكان الدرُّ أصدافا
وقال البحتري في نساء
إذا نضونَ شفوفَ الريطِ آونةً ... قشرنَ عن لؤلؤِ البحرينِ أصدافا

باب 16 في
مشي النساء
ومن حسن التشبيه في مشي النساء قول القائل
شبهتُ مشيتها بمشية ظافرٍ ... يختالُ بينَ أسنةٍ وسيوفِ
صلفٍ تناهت نفسهُ في نفسهِ ... لما انثنى بسنانهِ المرعوفِ
وقال الأعشى
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مرُّ السحابةِ لا ريثْ ولا عجلُ
غراءُ فراءُ مصقولٌ عوارضُها ... تمشي الهوينَى كما يمشي الوجى الوجلُ
وقال ابن مقبل

يهززنَ للمشيِ أوصالاً منعمةً ... هزَّ الجنوبِ معاً عيدانَ يبرينا
أو كاهتزازِ ردينيٍّ تداولهُ ... أيدي التجارِ فزادوا متنهُ لينا
يمشينَ هيلَ النقَى مالتْ جوانبهُ ... ينهالُ حيناً وينهاهُ الثرى حينا
وقال ابن الرومي
قضيتُ ذلك من قولي إلى قمرٍ ... يلهو بمكتحلٍ طوراً ومختضبِ
جاءتْ تدافعُ في وشيٍ لها حسنٍ ... تدافعَ الماء في وشيٍ من الحببِ
ومثله قول امرئ القيس
سموتُ إليها بعدَ ما نامَ أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حالِ
وقال الطرماح يمدح
سما للعلى من جانبيها كليهما ... سمو حبابِ الماءِ جاشت غواربه
وقال ابن أبي ربيعة
وخفض عني الصوتُ أقبلتُ مشيةَ الحبابِ وركني خيفةَ القومِ أزورُ
وقال آخر
ما لك لا تذكرُ أو تزورُ ... بيضاء بين حاجبيها نورُ
تمشي كما يطردُ الغدير
وقال أشجع
وماجتْ كموجِ الماءِ بينَ ثيابها ... يميلُ به شطرٌ ويعدلهُ شطرُ
إذا وصفتْ ما فوقَ مجرى وشاحها ... غلائلها ردتْ شهادتها الأزرُ
وقال آخر المنسرح
تمشي هوينا إذا مشتْ فضلاً ... مشى النزيف المخمورِ في صعدِ
تظلُّ من زورِ بيتِ جارتها ... واضعةً كفها على الكبدِ
وقال المنخل اليشكري
ولقدْ دخلتُ على الفتا ... ةِ الخدرَ في اليومِ المطيرِ
دافعتها فتدافعتْ ... مشىَ القطاةِ إلى الغديرِ
ولثمتها فتنفستْ ... كتنفسِ الظبيِ الغريرِ
وقال الحارث بن حلزة
خرجتْ تجاسرُ في ثلاثٍ كالدمى ... مشيَ النعاجِ بزاهرٍ حوذانهُ
كالعذْقِ زعزعهُ رياحٌ حرجفٌ ... واهتزَّ بعدَ فروهِ قنوانهُ
وقال عمر بن أبي ربيعة المنسرح
أبصرتها ليلةً ونسوتها ... يمشينَ بينَ المقامِ والحجر
يرفلنَ في الريطِ والبرودِ كما ... يمشي الهوينى جآذرُ البقرِ
وقال ابن الأحنف
شمسٌ مقدرةٌ في خلقِ جاريةٍ ... كأنما كشحها طيُّ الطواميرِ
كأنها حين تمشي في وصائفها ... تخطو على البيضِ أو خضرِ القواريرِ

باب 17 في
الشعر
ومن حسن التشبيه في الشعر قول بكر بن النطاح
بيضاءُ تسحبُ من قيامٍ فرعها ... وتغيبُ فيه وهو جثلٌ أسحمُ
فكأنها فيه نهارٌ ساطعٌ ... وكأنه ليلٌ عليها مظلمُ
وقال المنسرح
وفاحمٍ واردٍ يقبلُ مم ... شاهُ إذا اختالَ مرسلاً غدرهْ
أقبلَ كالليل من مفارقهِ ... منحدراً لا يذمُّ منحدره
حتى تناهى إلى مواطنهِ ... يلثمُ من كلِ موطئٍ عفرهْ
كأنه عاشقٌ دنا شغفاً ... حتى قضى من حبيبهِ وطرهْ
وقال ذو الرمة
وتدني على المتنينِ وحفاً كأنه ... عناقيدُ يهويها شنوءةُ أو قسرُ
وقال الفرزدق
إذا وضعت عنها الجلابيبَ وارتدتْ ... من الفرعِ ميَّ لا يكادُ يصورها
وقال مسلم بن الوليد
أجدكِ ما تدرينَ أن ربَّ ليلةٍ ... كأنّ دجاها من قرونكِ تنشرُ
نصبتُ لها حتى تجلتْ بغرةٍ ... كغرةِ يحيى حين يذكرُ جعفرُ
وقال آخر وهو ابن المعتز المجتث
بدرٌ وليلٌ وغصنٌ ... وجهٌ وشعرٌ وقدُ
خمرٌ ودرٌّ ووردٌ ... ريقٌ وثغرٌ وخدُّ
وقال ابن المعتز
سقتني في ليلٍ شبيهٍ بشعرها ... شبيهةَ خديها بغيرِ رقيبِ
فأمسيتُ في ليلينِ بالشعرِ والدجى ... وشمسين من خمرٍ ووجهِ حبيبِ
باب 18 في
الريق والثغر
ومن حسن التشبيه في الريق والثغر قول امرئ القيس المتقارب
كأنّ المدامَ وصوبَ الغمامِ ... وريحَ الخزامَى ونشرَ القطر
يعلُّ به بردُ أنيابها ... إذا طربَ الطائرُ المستحر
وإنما عنى بذلك وقت السحر لأن الأفواه تتغير في الليل لانضمامها وانطباقها وعلى ذلك قول ابن الرومي
وما تعتريها آفةٌ بشريةٌ ... من النومِ إلا أنها تتخصرُ
كذلك أنفاسُ الرياضِ بسحرةٍ ... تطيبُ وأنفاسُ الأنامِ تغيرُ
ومثل ذلك قول عبيد ويروى لأوس بن حجر
كأنَّ ريقتها بعدَ الكرى اغتبقتْ ... من ماءِ أدكنَ في الحانوتِ نضاحِ

أو من مشعشعةٍ كالمسكِ نشرتُها ... أو من أنابيب رمانٍ وتفاحِ
ومثله قول زهير
كأنّ ريقتها بعدَ الكرى اغتبقتْ ... من طيبِ الراحِ لما يعدُ أن عتقا
ومثل ذلك كثير جداً وقال ابن الرومي
ألا ربما سوتُ الغيور وساءني ... وبات كلانا من أخيهِ على وحرِ
وقبلتُ أفواهاً عذاباً كأنها ... ينابيعُ خمرٍ حصبتْ لؤلؤَ البحرِ
وقال أيضاً
تعلكَ ريقاً يطردُ النومَ بردهُ ... ويشفي القلوبَ الحائماتِ الصواديا
وهل ثغبْ حصباؤهُ مثلُ ثغرها ... يصادفُ إلا طيبَ الطعمِ صافيا
وقال أيضاً
يا ربَّ ريقٍ باتَ بدرُ الدجى ... يمجهُ بين ثناياكا
يروِي ولا ينهاكَ عن شربهِ ... والماءُ يرويكَ وينهاكا
وقال ابن المعتز
بأبي حبيبٌ كنتُ أعهدهُ ... لي واصلاً فازورَّ جانبهُ
عبقُ الكلامِ بمسكةٍ نفحتْ ... من فيهِ ترضي من يعاتبه

تشبيه الثغر
وجمع البحتري كل ما شبهَ به الثغر في بيت فقال
كأنما يضحك عن لؤلؤٍ ... أو فضةٍ أو بردٍ أو أقاح
وقال السمهري في حسن الثغر
وبيضاءَ مكسالٍ لعوبٍ خريدةٍ ... لذيذٌ لدى الليلِ التمامِ شمامها
كأن وميض البرقِ بيني وبينها ... إذا حانَ من بعضِ البيوتِ ابتسامها
وقال النابغة
تجلو بقادمتيْ حمامةِ أيكةٍ ... برداً أسفَّ لثاتهُ بالإثمدِ
كالأقحوانِ غداةَ غبِ سمائهِ ... جفتْ أعاليهِ وأسفلهُ ندِ
ويستحبُّ من لون اللثة أن تضرب إلى السواد وقال جرير
تجري السواكَ على أغر كأنه ... بردٌ تحدرُ من متون غمامِ
وقال جرير
وأشنبَ صافٍ تعلمُ النفسُ أنهُ ... وإنْ لم يذق حمشُ اللثاتِ عذابُ
الشنب رقة الأسنانِ والحمش الضامر وكذا ينعت من اللثة ضمورها وقال آخر مثله
كأنّ على أنيابها الخمر شابهُ ... بماء الندى من آخرِ الليل غابقُ
وما ذقتهُ إلا بعيني تفرساً ... كما شيمَ في أعلى السحابةِ بارقُ
ومثله قول عمارة
كأنَّ على أنيابها مبعث الكرى ... وقيعةَ برديٍّ تهللُ في ثغبِ
تأملُ عينٌ لا تقيلُ إذا رأتْ ... وقلب وما أنباكَ أشعرُ من قلبِ
وقال شقيق بن سليك
وتبسمُ عن ألمَي اللثاتِ مفلجٍ ... خليقِ الثنايا بالعذوبةِ والبردِ
وقال بشار
يا طيبَ الناسِ ريقاً غيرَ مختبرٍ ... إلا شهادةَ أطرافِ المساويكِ
تمامه ما يأتي
قد زرتنا مرةً في الدهرِ واحدةً ... ثنى ولا تجعليها بيضةَ الديكِ
وقال ابن الرومي
وما ذقتهُ إلا بشيمِ ابتسامها ... وكم منظرٍ ينبيك عن طيبِ مخبرِ
وقال الطائي في مثل هذا الظن
تعطيك منطقها فتعلمُ أنه ... بجنَى عذوبتهِ يمر بثغرها
وقال العطوي
ذاتُ خدينِ ناعمين ضنينينِ بما فيهما من التفاحِ
وثنايا وريقةٍ وغديرٍ ... من عقارٍ وروضةٍ من أقاحِ
وقال آخر
وتبسمُ عن سمطي لآلٍ فصولها ... شوائبُ ياقوتٍ يقاربُهُ خمرُ
باب 19 في
حديث النساء
ومن حسن التشبيه في حديث النساء قول ذي الرمة
حديثْ كطعمِ الشهدِ حلوٌ صدورهُ ... وأعجازهُ الخطبانُ دونَ المحارمِ
وقال الأخطلُ
وقد أحادثُ ليلى وهيَ لاهيةٌ ... تساقطَ الحليِ حاجاتي وأسراري
وقال أبو دهبلٍ الجمحي
وترى لها دلاً إذا نطقتْ ... تركتْ بناتِ فؤادِهِ صعرا
كتساقطِ الرطبِ الجني من ال ... أفنانِ لا نثرا ولا نترا
ونحوه قول ابن أحمد
تضع الحديث على مواضعهِ ... وحديثها من بعدُ ذو تزرِ
وقال الشماخ
بيضاءُ لا يجتوي الجيرانُ طلعتها ... ولا يسلُّ بفيها سيفهُ القيلُ
وقال ذو الرمة
ونلنا سقاطاً من حديثٍ كأنه ... جنى النحلِ ممزوجاً بماء الوقائعِ
وأنشدنا ثعلبٌ لأبي العميثل
لقيتُ ابنةَ السهمي زينبَ عن عفرِ ... ونحنُ حرامٌ مسيَ عاشرةِ العشرِ
فكلمتها ثنتينِ كالثلجِ منهما ... وأخرى على لوحٍ أحرُّ من الجمرِ
إحداهما الالتقاء والأخرى الوداع وقال آخر وهو الشماخ
وأعجلنا وشك الفراقِ وبيننا ... حديث كتنفيسِ المريضينِ مزعجُ

حديثٌ لو أن اللحمَ يصلى بحرهِ ... غريضا أتى أصحابهُ وهو منضجُ
ونحوه قول الآخر
تقولُ لي وهي تخفُّ الهودجا ... قولاً جميلاً حسناً سملجا
لو طبخَ اللحم به لأنضجا
وقال ابن أبي ربيعة
وإنا ليجري بيننا حين نلتقي ... حديث له وشيٌ كوشي المطارفِ
حديث كوقعِ القطرِ بالمحل يشتفي ... بهِ من جوًى في داخلِ القلبِ لاطفُ
وأنشدنا المبرد
وحديثها كالقطرِ يسمعه ... راعي سنينَ تتابعتْ جدبا
فأصاخَ يرجو أن يكونَ حياً ... ويقول من فرحٍ أيا ربا
وقال القطامي
فهنّ ينبذنَ من قولٍ يصبنَ به ... مواقعَ الماءِ من ذي الغلة الصادي
وقال بشار
وكأنّ رجعَ حديثا ... قطعُ الرياضِ كسينَ زهرا
وكأنّ تحتَ لسانها ... هاروتَ ينفثُ فيه سحرا
وقال الطائي
كادت لعرفانِ النوى ألفاظها ... من رقةِ الشكوى تكونُ دموعا

باب 20 في
ثقل العجيزة
وقال آخر في ثقل العجيزة
تمشي فتثقلها روادفها ... فكأنها تمشي إلى خلفِ
ومثله قول الآخر
مجدولةُ الأعلى كثيبٌ نصفها ... إذا مشتْ أقعدها ما خلفها
وأفرط المومل في صفة العجز فقال
من رأى مثل حبتي ... تشبهُ البدرَ إذا بدا
تدخلُ اليومَ ثم تدْ ... خلُ أردافُها غدا
ومن حسن التشبيه في ذلك قول أبي نخيلة
كأنّ منها حين تثني المنطقا ... حقفيْ نقاً مالا على حقفيْ نقا
وقال ذو الرمة
ورملٍ كأوراكِ العذارى قطعتهُ ... وقد جللتهُ المظلماتُ الحنادسُ
وهذا من التشبيه المقلوب لأنهم يقولون كأن عجزيها كثيبا رملٍ كما قال بعضهم
وبيضٍ نضيراتِ الوجوهِ كأنما ... تأزرنَ دونَ الأزرِ رملاتِ عالجِ
وقال التمار المنسرح
آخرها متعبٌ لأولها ... فبعضها جائرٌ على بعضِ
أخذا هذا المعنى عبد الوهاب السندوبي فقال
قام فكادتْ لينُ أعطافهِ ... تقصفها الأردافُ من نهضهِ
وكيفَ يرجو الغيرَ إنصافهُ ... وبعضهُ جارَ على بعضهِ
وقال الحارث بن خالد
تنوء تثقلها روادفها ... فعلَ الضعيفِ ينوءُ بالوسقِ
ومن حر الكلام في هذا الباب قول البحتري
رددنَ ما خففتْ منه الخصورُ إلى ... ما في المآزرِ فاستثقلنَ أردافا
وقال آخر
عظمتْ روادفها فآذتْ خصرها ... ووشاحها قلقٌ كقلبِ المغرمِ
وضمور الكشحِ وجولان الوشاح عندهم مستحسن وقال الطائي في ذلك
من الهيفِ لو أنَّ الخلاخلَ صيرتْ ... لها وضحاً جالتْ عليها الخلاخلُ
وقال الناجمُ في مقلوب هذا يهجو قينةً
حجولها الدهرَ في اصطخابِ ... وشحها كظمٌ صموتُ
وقال ابن الرومي وذكر نساء
وإذا لبسنَ خلاخلاً ... كذبنَ أسماء الخلاخلْ
يأبَى تخلخلهنَّ أسوقَ مرجحناتٍ يخادلْ
وقال خالد بن يزيد بن معاوية
تجول خلاخيلُ النساءِ ولا أرى ... لرملةَ خلخالاً يجولُ ولا قلبا
وقال عبيد الله بن عبيد الله
سلمى وما سلمى تفوقُ المنى ... والحسنَ أوصافاً وألوانا
وشاحها يحسدُ خلخالها ... كجائعٍ يحسدُ شبعانا
وقال ابن الرومي
مرادُ عينيك منه بين شمسِ ضحى ... وناعمٍ من غصونِ البانِ ريانِ
خفتْ أعاليهِ والتفتْ أسافلهُ ... كأنما صاغَ نصفيهِ لنا بانِ
وله
وهبتْ له عيني الهجوعا ... فأثابها منه الدموعا
ظبيٌ كأنَّ بخصرهِ ... من ضمرهِ ظمأٌ وجوعا
باب 21 في
الثدي
ومن التشبيه الحسن في الثدي قول عمرو بن كلثوم
وثدياً مثل حقِ العاجِ رخصاً ... حصاناً من أكفِ اللامسينا
وقال الحسن بن التختاخ في ثديين
أو كأنصافِ حقتين من العا ... جِ لقد أشبهتْ حقاً ثديا
وقال بشار
والثديُ تحسبه وسنانُ أو كسلا ... وقد تمايل ميلاً غير منكسرِ
وقال القلاخ
كأنّ لونَ البيضِ في الأدحِيّ ... لونكَ إلا صفرةَ الجادي
قبُّ الكلى معقدُ الثدي
وقال ابن الرومي
صدور فوقهنَّ حقاقُ عاجٍ ... ودرٌ زانهُ حسنُ اتساق
يقولُ القائلون إذا رأوهُ ... أهذا الدر من هذي الحقاقِ

وهذا مأخوذ من قول عبد الله بن أبي السمط بن مروان في كلمة له المتقارب
كأن الثديَّ إذا ما بدتْ ... وزانَ العقودُ بهن النحورا
حقاقٌ من العاجِ مكنونةٌ ... يسعنَ من الدرِ شيئاً كثيرا
وله على لسان رجل يقال له حمدان بن سالم
وثديٍ نواهدٍ ... كزوايا القماطرِ
وقال علي بن الجهم وإنْ لم يكن فيه تشبيه
كنتُ مشتاقاً وما يحجزني ... عنكِ إلا حاجزٌ يمنعني
شاخصٌ في الصدرِ غضبانٌ على ... قببِ البطنِ وطيِّ العكنِ
يملأُ الكفَّ ولا يفصلها ... فإذا ثنيتهُ لا ينثني
وقال ابن الرومي في قيانٍ
ملقماتٌ أطفالهنَّ ثدياً ... ناهداتٍ كأحسنِ الرمانِ
مفعماتٌ كأنها حافلاتٌ ... وهي صفرٌ من درةِ الألبانِ

باب 22 في
القيان
ومن حسن التشبيه في قينةٍ قول بعضهم وهون عكاشة
من كفِّ جاريةٍ كأنَّ بنانها ... من فضةٍ قد طرفتْ عنابا
وكأنّ يمناها إذا نطقتْ بها ... تلقى على يدها الشمالِ حسابا
ومثل البيت الأول لأبي نواس
يا قمراً أبررهُ مأتمٌ ... يندبُ شجواً بين أترابِ
يبكي فيذرِي الدرَ من عينهِ ... ويلطمُ الوردَ بعنابِ
ومما يجمع حسن التشبيه وقرب الاستعارة قول ابن الرومي يصف مغنيات
وقيانٍ كأنها أمهاتٌ ... عاطفاتٌ على بنيها حواني
مطفلاتٌ وما حملنَ جنيناً ... مرضعاتٌ ولسن ذاتَ لبانِ
ملقماتٌ أطفالهنَّ ثدياً ... ناهداتٍ كأحسنِ الرمانِ
مفعماتٌ كأنها حافلاتٌ ... وهيَ صفرٌ من درةِ الألبانِ
كل طفلٍ يدعَى بأسماء شتى ... بينَ عودٍ ومزهرٍ وكرانِ
أمه دهرها تترجمُ عنه ... وهوَ بادي الغنى عن الترجمانِ
أوتِي الحكمَ والبيانَ صبياً ... مثل عيسى بن مريم ذي الجنان
وأنشد الطائي
فكأنه في حجرها ولدٌ لها ... ضمتهُ بين ترائبٍ ولبانِ
طوراً تدغدغُ بطنهُ فإذا هفا ... عركتْ له أذناً من الآذانِ
وقال الناجم في قينةٍ المتقارب
إذا احتضنتْ عودها عاتب ... وناغتهُ أحسنَ أن يعربا
تدغدغُ في مهلٍ بطنهُ ... فيحضرنا ضحكاً معجبا
وتعرك من أذنهِ إن هفا ... وفي الحقِ تأديبُ من أذنبا
وقد أدبَ الناسُ أمثالهُ ... ولكنه رأس من أدبا
وقال الحمدوني في تشبيه العود
وناطقٍ بلسانٍ لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطتْ إلى قدمِ
يبدي ضميرَ سواهُ في الحديثِ كما ... يبدي ضميرَ سواه الخطُّ بالقلبِ
وقال آخر
كأنّ تمثالهُ ساقٌ على قدمٍ ... نيطتْ إلى فخذٍ بانت عن الكفلِ
آذانهُ منه قد جمعنَ أربعةً ... تجيبُ أربعةً في كفِ معتملِ
فذا أغنُّ وهذا فيه زمزمةٌ ... وذاك صافٍ وهذا فيه كالصحلِ
وقال أبو ملك الأعرج في صفة العود
ومعملةٍ نواطق من كرانِ ... بمشقوقٍ من البيضِ الرقاقِ
له عينانِ تحتَ النحرِ منه ... حكتْ إحداهما قمرَ المحاقِ
إذا غنتْ قديماً أو حديثاً ... فما للجيبِ من كفيكَ واقِ
وقال أحمد بن يوسف المتقارب
دَعِ العودَ عنا فما أصلقهْ ... وعدِّ إلى القصفِ والزفزفةْ
بأبلجَ كالبدرِ في خدهِ ... إذا كان في مجلسٍ أرجفهْ
فعارضهُ ابن أبي عون الكاتب فقال المتقارب
ألا قبحَ الدفُّ ما أسخفهْ ... وواهاً على العودِ ما أشرفهْ
مرابضهُ من نحورِ القيانِ ... إلى حدِّ أفخاذها المترفهْ
وتلعبُ في عقد أوتارهِ ... أناملُ مصقولةٌ مرهفهْ
كجسِ النطاسي نبضَ العروقِ ... لعلمِ الصحيحة والمدنفه
تناجيك بالصوتِ أوتارهُ ... فتوفيكَ ألسنها أحرفهْ
ومثل ذلك قول الناجم في قينةٍ المتقارب
لقد جادَ من عاتبٍ ضربها ... وزادَ كما جاء تغريدها
إذا نوتِ الصوتَ قبلَ الغنا ... ءِ أنشدنا شعرها عودها
وقال في زامرة
ما حضرتنا قتولُ غلا ... أذكتْ بتطرابها جوانا
تصدحُ بالصوتِ قيل يأتي ... كأنّ في نايها لسانا
ومن حسن الاستعارة قوله في قينةٍ
تأتي أغاني عاتب ... أبداً بإفراحِ النفوسِ

تشدو فنرقصُ بالرؤو ... سِ لها ونزمر بالكؤوسِ
ومثله قوله المجتث
سلامةُ بن سعيدٍ ... يجيدُ حثَّ الراحِ
إذا تغنى زمرنا ... عليه بالأقداحِ
ومن حسن التشبيه في هذا الباب قول ابن الرومي
بدعةُ عندي كاسمها بدعهْ ... لا شكَّ في ذاك ولا خدعهْ
كأنما رقةُ مسموعها ... رقةُ شكوَى سبقتْ دمعهْ
غنتْ فلم تحتجْ إلى زامرٍ ... هل يحوجُ الصبحُ إلى شمعهْ
وشيعَ الزمرُ أعاجيبها ... كظبيةٍ أوفتْ على تلعهْ
كأنَّ تاجاً زادَ في بهجةٍ ... لا عمةً غطتْ ولا صلعهْ
وقال الناجم في قوله رقةُ شكوى سبقت دمعه
لقد خلقتْ فينا بفتنتها حزوى ... غناءً ملوكياً أرق من الشكوى
وقال الطائي
مدتْ إليك بنانةً أسروعا ... تشكو الفراق ومقلةً ينبوعا
كادت لعرفانِ النوى ألفاظها ... من رقةِ الشكوى تكونُ دموعا
وقال أبو عثمان في قينةٍ المنسرح
ما صدحتْ عاتبٌ ومزهرها ... إلا وثقنا باللهوِ والفرحِ
لها غناءٌ كالبرءِ في جسدٍ ... أضناهُ طولُ السقامِ والترحِ
تعبدهُ الراحُ فهيَ ما صدحتْ ... إبريقنا ساجدٌ على القدحِ
وقال آخر
إذا ما حنَّ مزهرها إليها ... وحنَّ لصوته الشربُ الكرامُ
وأصغوا نحوها الآذانَ حتى ... كأنهمُ وما ناموا نيامُ
وفي حسن الإصغاء إلى الغناء يقول الناجم
نسكتُ إن همتْ بتغريدها ... سكوتنا إنْ نطق الخاطبُ
وقال أعرابي
قد ركدَ الهواءُ حتى ... كأنهُ أذنٌ تسمعْ
وقال ابن المعتز
ونداماىَ في شبابٍ وشيبٍ ... أتلفتْ مالهمْ نفوسٌ كرمُ
بينَ أقداحهمْ حديثٌ قصيرٌ ... هو سحرٌ وما سواهُ كلامُ
وغناءٍ يستعجلُ الراحَ بالرا ... حِ كما ناحَ في الغضونِ الحمامُ
وكأنّ السقاةَ بينَ الندامَى ... ألفاتٌ بينَ السطورِ قيامُ
وتشبيه الغناء بهديل الحمام معنى قديمٌ متداول والشرط إحضار النادر قال الناجم المتقارب
إذا أنتَ ميزتَ أهلَ الغنا ... ميزتَها الأحذَقَ الأطيبا
تهزُّ القريضَ بألحانها ... كما هزتِ الغصنَ ريحُ الصبا
وله أيضاً
ما أشبهتْ نغماتُ حبهْ ... إلا معانقةَ الأحبهْ
أحببْ بحبةَ إنها ... لسرورنا أبداً محبهْ
وقال أيضاً
ما تغنتْ إلا تكشفَ همٌ ... عن فؤادٍ وأقشعتْ أحزانُ
تفضلُ المسمعينَ طيباً وحذقاً ... مثل ما يفضلُ السماعَ العيانُ
وقال أيضاً في قينةٍ
أحيا أبا يحيى الإلهُ فإنه ... بأسماعنا من عاتبٍ يحيينا
طفقت تغنينا فخلنا أنها ... لسرورها بغناءها تغنينا
ومن حسن الاستعارة في هذا المعنى قوله المنسرح
ما نطقتْ عاتبٌ ومزهرها ... إلا ظللنا للراحِ نعملها
تطلبُ أوتارها الهمومَ بأو ... تارٍ فما تستفيقُ تقتلها
وقال ابن الرومي يرثي جاريةَ أم علي بنت الراسبي التي تسمى بستان المنسرح
واهاً لذاك الفناءَ من طبقٍ ... على جميعِ القلوبِ مقتدرِ
أضحتْ من الساكني حفائرهم ... سكنى الغوالي مداهنَ السررِ
يا مشرباً كان لي بلا كدرٍ ... يا سمراً كانَ لي بلا سهرِ
أصبحتِ في التربِ غيرَ راجحةٍ ... بهِ وقد ترجحين بالبدرِ
وقال الناجم يرثي عجائب جاريةَ ابن مروان
أضحى الثرى بجوارها ... عطرَ المسالكِ والمشاربْ
حلتْ حفيرتها حلو ... لَ الملكِ من سررِ المواكبْ
يا درةً كانتْ تضي ... ءُ لناظرٍ من كلِّ جانبْ
ومثل ذلك قول إبراهيم بن العباس
درةٌ حيثُ ما أديرتْ أضاءت ... ومشم من حيثُ ما شم فاحا
وقال الناجم في قينةٍ
شدوٌ ألذُّ من ابتدا ... ءِ العين في إغفائها
أحلى وأشهى من منى ... نفسٍ بصدقٍ رجائها
وقال أيضاً
لها غناءٌ معجبٌ مطربٌ ... يفعلُ ما تفعلهُ الخمرهْ
يشوقُ الأذنَ إلى شدوها ... تشوقَ العين إلى الخضرهْ
كأنما فرحةُ من زارها ... فرحةُ من طارتْ له القمرهْ
لو أنَّ إسحاقَ شدا بعدَها ... لخلتَ من يسمعُ في سخرهْ

مندرةٌ في كل ألحانها ... لا كالتي تندرُ في الندرهْ
وله يهجو قينةً في مقلوب هذا المعنى
عجبتُ منها ويحها كيف لا ... تحظى بالإحسانِ في الندره
وهو مأخوذ من قول ابن مناذر يهجو قاضياً
يا عجباً من خالدٍ كيف ... يخطئ فينا مرةً بالصوابْ
وقال أبو عثمان في قينة المتقارب
لقد برعت عاتبٌ في الغناءِ ... وزادتْ وأربتْ على البارعِ
يسبحُ سامعها إنْ شدتْ ... فأصواتها سبحةُ السامعِ
ومما يدخل في هذا الباب وإن لم يكن فيه تشبيه ما كتب به يحيى بن علي إلى ابن المعتز
سيدي إن عندنا زريابا ... ملأتنا روايةً وصوابا
أخلقتْ سيئها وإحسانها في الس ... معِ يردادُ جدةً وشبابا
وقال ابن الجهم في نباتةَ جارية ابن حماد
أقفر إلا من نباتٍ منزله ... ودرستْ آياتهُ وطللهْ
قد بانَ منها كلُّ شيءٍ تفعلهْ ... إلا الغناءُ نصبهُ ورملهْ
فهيَ كما أرسلَ حقاً مثلهْ ... ما لكِ من شيخكِ إلا عملهْ

باب 23 في
هجاء القيان
ومن حسن التشبيه في هجاء القيان قول ابن عثمان في زامرة
نايُ قتولٍ قاتلٌ ... بالنتنِ منه المرهجِ
يشبهُ عندي بربخاً ... مركباً في مخرجِ
وقال ابن المعتز في زامرةٍ
وذات نايٍ مشرقٍ وجهها ... معشوقةِ الألحاظِ والغنجِ
كأنما تلثمُ طفلاً لها ... زنتْ به من ولد الزنجِ
وقال يهجو زامرة المنسرح
قابلكمْ دهركمْ بزامرةٍ ... تقدحُ في وجهِ كل سراءِ
فز بطرفٍ أشداقها إذْ نفختْ ... ذلك أولَى بها من الناءِ
وقال ابن الرومي يهجو قينةً
خضراءُ كالعقربِ في صفرةٍ ... نمشاءُ كالحيةِ في رقطهْ
في الصوتِ منها أبداً بحةٌ ... توهمني أنَّ بها خبطهْ
قميئةُ الخلقِ ولكنها ... أعتقُ في الدنيا من الحنطهْ
إذا رأتْ فيشلةً ضخمةً ... خرتْ لها قائلةً حطهْ
وقال الناجم يهجو قينةً
وقينةٍ شتمتها قنوتُ ... أحسنُ أصواتها السكوتُ
تخطئُ إنْ أوقعتْ خيوتاً ... فالسفعُ في رأسها خيوتُ
مسلولةُ الكلِ غيرَ بطنٍ ... مثقلٍ فهيَ عنكبوتُ
وتبلغُ الزادَ والفياشي ... فهيَ من المعنيينِ حوتُ
ونحوهُ قول ابن الرومي في قينةٍ
فقدتكِ يا كنيزةُ كلَّ فقدٍ ... وذقتُ الموتَ أولَ من يموتُ
فقد أوتيتِ رحبَ فمٍ وفرجٍ ... كأنكِ من كليْ طرفيكِ حوتُ
وقال البصير المتقارب
غناءك عندي يميتُ الطربْ ... وضربكِ بالعودِ يحيي الكربْ
ولم أرَ قبلكِ من قينةٍ ... تغني فأحسبها تنحبْ
ولولا أن غرضنا نوادر التشبيهات لذكرنا جملةً من الهجاء للمغنيات: ونحن نذكره في الكتاب الآخر: ومن التشبيهات النوادر في أبيات متصلة قول ابن الرومي
ريحها وهيَ حيةٌ ريحُ ميتٍ ... باتَ في القبرِ ثمَّ أبداهُ نبشُ
وتراها تستكتمُ الطيبَ والمرْ ... تكَ أسراَ نتنها وهي تفشُ
وجهها الأعبرُ المجدرُ يحكي ... جص أمسٍ أصابَ أعلاهُ طشُّ
جدريٌّ ما شأنها وهو شينٌ ... كلُّ أثرٍ في ذلك الوجهِ نقشُ
كل شيءٍ محا حلاها فزينٌ ... كلُّ شيءٍ وارى الترابَ ففرشُ
بدلتْ من ضفائرٍ وقرونٍ ... شعرَ أنف فيه لفرخينِ عش
تتناغى وعودها بنهيقٍ ... كنهيقِ الحمارِ ناغاهُ جحشُ
قلتُ مستهزئاً بها إذْ تبدتْ ... أنتِ بلقيسُ لو أعانكِ عرشُ
لا يعدُّ الرشا لها نائكوها ... هي أولى بأنْ تناك وترشُ
وهذا من جيد التشبيه في الجدري وقال آخر وهو البوراني في خلاف ذلك
كأن آثارَ تجديرٍ بوجنتهِ ... عشر مقدرةٌ في صحف وراقِ
وقال أبو بكر بن السراج النحوي في أبي الفتح بن مسروق البلخي وقد جدر
لي قمرٌ جدرَ لما استوى ... فزادهُ حسناً وزادَ همومي
كأنما غنى لشمسِ الضحى ... فنقطتهُ طرباً بالنجومِ
وقال ابن الرومي يهجو أبا سليمان الطنبوري المنسرح
ومسمعٍ لا عدمتُ فرقتهُ ... فإنها نعمةٌ من النعمِ
يطولُ يومي إذا قرنتُ به ... كأنني صائمٌ ولم أصمِ

يفتحُ فاهُ عند الغناءِ كما ... يفتح فاه لأعظمِ اللقمِ
كأنني طولَ ما أشاهدهُ ... أشربُ كأسي ممزوجةً بدمي
يفزعُ الصبيةُ الصغارُ به ... إذا بكى بعضهم ولم ينمِ
وله في قينةٍ وهو أحد المتقدمين في الهجاء
شاهدتُ في بعضِ ما شاهدتُ مسمعةً ... كأنما يومها يومانِ في يومِ
تظلُّ تلقى على من ضم مجلسها ... قولاً ثقيلاً على الأسماعِ كاللومِ
ظللتُ أشربُ بالأرطالِ لا طرباً ... عليه بل طلباً للسكر والنومِ
وقال أبو عثمان يهجو كراعة
قينةٍ لا تصافحُ الش ... ربَ إلا برجلها
ما رأى الناسُ في القيا ... نِ على ضعفِ عقلها
رأسها من خوائهِ ... فارغٌ مثل طبلها
وله أيضاً
لك رأسٌ من الرؤوسِ هواءٌ ... فارغٌ ضعفُ عقلهِ ليس يخفى
فانقريهِ إن أعوزَ الطبلُ يوماً ... فهو عندي أطنُّ منه وأصفى
وقال ابن الرومي في قينة
للكحلِ والغمرةِ في وجهها ... والجلجوناتِ شهاداتُ زور
أعضاءها تدعو إلى نيكها ... كأنها مخلوقةٌ من بظورُ
وله أيضاً
إذا استلقت فألصقُ من فراشٍ ... وإن جبتْ فأثبتُ من سريرِ
كأن قوائمَ العرشِ استحالتْ ... قوائمها بمعتركِ الأيورِ
وله أيضاً
قصرت شنطفٌ وقلتْ وذلتْ ... غيرَ بظرٍ تجرهُ كالطحالِ
قردةٌ فردةٌ حصاةٌ نواةٌ ... بومةٌ ثومةٌ عظامٌ بوالي
ضامرٌ وجهُ طيزها وجهُ ترك ... يٍّ ولكنْ تامور حي الشبالِ
صاحَ بي عمرها وقد غازلتني ... لا تعرج بدارس الأطلالِ
وقال أبو عثمان في قينةٍ
يشاهدُ الناظرُ ما ساءهُ ... من جفنها الأهدلِ ذي الحمرهْ
إذا بدتْ مسبلةً شعرها ... حسبتها ديكاً به نقرهْ
وقال المصيص
رأيتُ نصراً قاعداً يضربُ ... فقمتُ من وحشته أهربُ
لأنه تنبحُ من عودهِ ... عليك من أوتاره أكلبُ
ويحسبُ الندمانُ في حلقهِ ... دجاجةُ يخنقها ثعلبُ
ما عجبي منه ولكنني ... من الذي يعجبهُ أعجبُ
وقال ابن الرومي في قينة
قينةٌ ملعونةٌ من أجلها ... رفض اللهو معاً من رفضهْ
يتجافى عودها في حجرها ... أبداً عن سخلةٍ مرتكضهْ
وإذا غنتْ ترى في حلقها ... كل عرقٍ مثل بيتِ الأرضهْ
وتحيل الظاءَ ضاداً فإذا ... هي قالتْ عظةً قالت عضهْ
وقال ابن المعتز في مقلوب هذا يصف أرضةً سقطتْ في كتاب
تبني أنابيبَ لها فيها سبلْ ... مثلَ العروقِ لا ترى فيها خلل
وقال ابن الرومي في قينة
ألقِ إليها أذناً واستمعْ ... أبردَ ما غنتهُ كراعهْ
دحداحةُ الخلقةِ حدباءها ... قامتها قامةُ فقاعهْ
تظلُّ في السربالِ من قلةٍ ... كصعوةٍ في جوفِ قفاعهْ
لها حرٌ أشمطُ مستكرشٌ ... شابَ وما يترك إرضاعه
منقلبُ الشفرين مستضحك ... ما هو إلا جيبُ دراعهْ
وله نحو ذلك في أخرى
خلتُ سراويلي عليَّ واسعٌ ... ما خلتها إلا سراويلا
وقال دعبل
إنَّ ابنَ زيتٍ له قينةٌ ... أربتْ على الشيطانِ في القبحِ
سوداءُ فوهاءُ لها شعرةٌ ... كأنها نملٌ على مسحِ
فلو بدتْ حاسرةً في الضحى ... لا سودَّ منه فلقُ الصبحِ
وقال ابن المعتز في زامرةٍ
وزنجيةٍ قباضةٍ كلَّ جردانِ ... تدبُّ إلى الجيرانِ في كلِّ أحيانِ
وتبدي النقابَ من محاسنِ وجهها ... كسرٍّ عليها ودعتانِ تبصانِ
وقال ابن المسيب
وقينةٌ أبردُ من ثلجهْ ... تظلُّ منها النفسُ في ضجهْ
كأنها من نتنها ثومةٌ ... لكنها في اللونِ أترجهْ
كأنها والوشمُ في كفها ... زرنيخةٌ خطتْ بلينجه
سوداءُ بابِ الجحرِ شمطاءهُ ... لكلِّ من كشفهُ عجه
كأنما فقحتها فحمةٌ ... فتَّ عليها عابثٌ ثلجهْ
وقال ابن الرومي في دريرةَ جارية المخنث
ويلكِ يا قدَّ البرستوجهْ ... ما أنتِ واللهِ بمغنوجهْ
يا كعبةً للنيك منصوبةً ... لكنها ليستْ بمحجوجهْ
نكنا فنكنا منكِ دراعةً ... منْ قبلها والدبرِ مفروجهْ

فأنتِ إنْ غنيتِ مثلوجهْ ... وإن تحدثتِ فمفلوجهْ
وإنْ تمشيتِ فدحروجهْ ... ون تحجبتِ ففروجهْ
يا جبهةً جلحاءَ مفتوحةً ... وفقحةً وشحاءَ محلوجهْ
إليكِ يا منْ فمها قربةٌ ... وطيزها المنهوكُ فلوجهْ

باب 24 في
هجاء النساء
ومما يتصل بهجاء القيان ما هجى به النساء ومن جيد ذلك قول دعبل المتقارب
رأيتُ غزالاً وقد أطلعتْ ... فأبدتْ لعينيَّ عن منطقهْ
قصيرةُ الخلقِ دحداحةٌ ... تدحرجُ في المشيِ كالبندقهْ
كأنَّ ذراعاً على كفها ... إذا حسرت ذنبُ الملعقهْ
تخططُ حاجبها بالمدادِ ... وتربطُ في عجزها مرفقهْ
وأنفٌ على وجهها ملصقٌ ... قصيرُ المناخرِ كالفستقهْ
وثديانِ ثديٌ كبلوطةٍ ... وآخر كالقربةِ المدهقهْ
وثغرٌ إذا كشرتْ خلتهُ ... تخاتخَ قائمةٍ مغلقهْ
وقال أعرابي في امرأتهِ
ولا تستطيعُ الكحلَ من ضيقِ عينها ... فإنْ عالجتهُ صارَ فوقَ المحاجرِ
وفي حاجبيها جزةٌ لغرارةٍ ... فإنْ حلقا كانا ثلاث غرائرِ
وثديانِ أما واحدٌ فهو موزةٌ ... وآخرُ فيه قربةٌ للمسافرِ
وقال آخر
الاستُ رسحاءُ مشكولٌ مناكبها ... كأنَّ معلفَ شاةٍ في تراقيها
والثديُ منها على الفخذينِ منسدلُ ... كأنه قربةٌ قد سالَ ما فيهاد
وقال دعبل المنسرح
كأنما كفها إذا اختضبتْ ... مخالبُ البازِ ضرجتْ بدمِ
وأنشد أبو النجمِ هشاماً في ابنته
كأنّ ظلامةَ أختَ شيبانْ ... يتيمةٌ ووالداها حيانْ
الرأسُ قملٌ كلهُ وصئبانُ ... وليسَ في الرجلينِ إلا خيطانْ
فهيَ التي يذعرُ منها الشيطان
فوهب له خمسين مائة دينار وقال له اجعل هذا مكان الخيطين وقال دعبل بن علي
أصرميني يا خلقةَ المسمارِ ... وصليني بطولِ بعدِ المزارِ
ذقنٌ ناقصٌ وأنفٌ طويلٌ ... وجبينٌ كساجةِ القسطارِ
وقال آخر في امرأته
أعوذُ باللهِ من زلاءَ فاحشةٍ ... كأنما نيطَ ثوباها على عودِ
لا يمسكُ الحبلَ حقواها إذا انتطقتْ ... وفي الذنابى وفي العرقوبِ تحديدُ
أعوذُ باللهِ من ساقٍ لها خبثٌ ... كأنها من حديدِ القينِ سفودُ
وقال آخر
إذا ضحكتْ جالتْ غضونٌ كأنها ... غباغبُ حرباءُ بحورانَ شامسِ
كأنَّ وريديها رشاءا محالةٍ ... مغارانِ من جلدٍ من القدِ يابسِ
وقال أبو نواس
بظاهرِ وجهها عكنُ ... وثلثا وجهها ذقنُ
وأسنانٌ كريشِ الب ... طِّ بين أصولها عفنُ
وقال دعبل في امرأةٍ
فوهاءُ شوهاءُ يبدي الكبدَ مضحكها ... قنواءُ بالعرضِ والعيناءُ بالطولِ
لها فمٌ ملتقى شدقيهِ ... نقرتها كأن مشفرها قد طر من فيل
وقال الناجم يهجو زوج عجوزٍ المتقارب
ستغبط منها إذا ما أتتك ... بأوبارِ قردٍ وأدبارِ غولِ
وعانقت منها سفا سنبلٍ ... يلاقي الضجيع بمثلِ النصولِ
وقال دعبل
لا باركَ اللهُ في ليلٍ يقربني ... إلا مضاجعةٍ كالدلكِ بالمسدِ
لقد لمستُ معراها فما وقعتْ ... مما لمستُ يدي إلا على وتدِ
في كل عضوٍ لها قرقٌ تصكُّ به ... جنبَ الضجيع فيضحى واهيَ الجسدِ
وقال عرابي لامرأته
سبابةٌ للزوجِ والحماةِ ... كأن ساقيها كراعا شاةِ
في قدمٍ كأنها مسحاةِ
وقال دعبل
صدغاكِ قد شمطا ونحركِ يابسْ ... والصدرُ منكِ كجؤحؤِ الطنبورِ
يا منْ معانقها يبيتُ كأنه ... في محبسٍ قملٍ وفي ساجورِ
قبلتها فوجدتُ لدغةَ ريقها ... فوق اللسانِ كلدغةِ الزنبورِ
وأنشد أبو عبيدة لأعرابي في امرأته المتقارب
بليتُ بزنمردةٍ كالعصا ... ألصَّ وأخبث من كندشِ
لها شعر قردٍ إذا زينتْ ... ووجهٌ كبيضِ القطا الأبرشِ
وساقٌ يخلخلها خاتمٌ ... كساقِ الدجاجةِ أو أحمشِ
لها ركبٌ مثلُ ظلفِ الغزالِ ... أشدُّ اصفراراً من المشمشِ
كأنّ الثآليلَ في وجهها ... إذا أسفرتْ بدرُ الكشمشِ
وقال ابن الرومي المنسرح
رشتْ بخيلانها فجلدتُها ... منقوشةٌ مثلُ جلدةِ النمرِ

وقال آخر
وهوَ مستهترٌ ببرشاءَ نمشا ... ءَ كحبِ الشونيزِ في الشيرازِ
وقال ابن الرومي يهجو خادماً
نمشْ فوق صفرةٍ فتراهُ ... كونيمِ الذبابِ في اللقاح
وقال المعذل بن غيلان
وركبٍ كبيضةِ الأدحِيِّ ... كأنّ نبتَ الشعرِ المطليِّ
عليه شونيزٌ على فرنِيِّ
وقال دعبلٌ
سوداءُ فوهاءُ لها شعرةٌ ... كأنها نملٌ على مسحِ
وقال ابن الرومي
ولها كعثبٌ كظلفِ غزالٍ ... فيه صدعٌ كأنما هو خدشُ

باب 25 في
قوس البندق
ومن حسن التشبيه في قوس البندق قول ابن الرومي
كأنَّ قراها والقرونَ التي بها ... وإنْ لم تجدها العينُ إلا تتبعا
مذرُّ سحيقِ الورسِ فوقَ صلايةٍ ... أدبَّ عليها دارجُ الذرِ أكرعا
لها أولٌ طوعُ اليدينِ وآخرٌ ... إذا سمتهُ الإغراقَ فيه تمنعا
وأخذ هذا المعنى من قول الشامخ في القوس
فذاق فأعطتهُ من اللينِ جانباً ... كفى ولها أن يغرقَ السهمَ حاجز
وقال ابن الرومي أيضاً فيها
متاحٌ لراميها الرمايا كأنها ... دعاها له داعي المنايا فاسمعا
يقلبُ نحوها الطيرِ عيناً بصيرةٍ ... كعينيك بل أذكى ذكاءً وأسرعا
مربعةٌ مقسومةٌ من سباكها ... كتمثالِ بيتِ الوثنِ حسبكَ مربعا
لها عولةٌ أولى بها من تصيبهُ ... وأجدرُ بالأعوالِ من كان موجعا
وهذا يشبه قوله في امرأةٍ
تشكي المحبَّ وتلقَى وهي شاكيةٌ ... كالقوسِ تصمي الرمايا وهيَ مرنانُ
وقال الشماخ يصف قوساً
إذا أنبضَ الرامونَ عنها ترنمتْ ... ترنمَ ثكلى أوجعتها الجنائزُ
وأنشد ثعلبٌ في صفة القوس
وهي إذا أنبضتَ عنها تسجعُ ... ترنمَ الثكلى أبتْ لا تهجعُ
وأنشدنا أيضاً
تسمع بعدَ النزعِ والتوتيرِ ... في سيتيها رنةَ الطنبورِ
وقال ابن المعتز
أتيح له اللهفان يخطم قوسه ... بأصغر حنانِ القرى غيرِ أعزلا
فأودعهُ سهماً كمدرَى مواشطٍ ... بعثنَ به في مفرقٍ فتغلغلا
بطياً إذا أسرعتَ إطلاقَ فوقهِ ... ولكنْ إذا أبطأتَ في النزعِ عجلا
وقال آخر في القوس والسهام
أعددتُ أخرسَ للطعانِ ونثرةً ... زغفاً ومطرداً من الخرصانِ
وكعوبَ شوحطةٍ كأنّ حنينها ... بالكفِّ عولةُ فاقدِ مرنانِ
وسلاجماً زرقاً كأنَّ ظباتها ... مشحوذةٌ بضرائبِ النيرانِ
أفواقها حشوُ الجفير كأنها ... أفواهُ أفرخةٍ من النغرانِ
باب 26 في
السيف
ومن التشبيه الجيد في السيف قول اسحاق بن خلف
ألقى بجانبِ خصرهِ ... أمضى من الأجلِ المتاحِ
وكأنما ذرُّ الهبا ... ءِ عليه أنفاسُ الرياحِ
وقال امرؤ القيس
متوسداً عضباً مضاربهُ ... في متنهِ كمدبةِ النملِ
وقال ابن المعتز
وجردَ من أغمادهِ كل مرهفٍ ... إذا ما انتضتهُ الكفُ كاد يسيلُ
ترى فوقَ متنهِ الفرندَ كأنما ... تنفسَ فيه القينُ وهو صقيلُ
وقال الطائي
وكيفَ ينامُ الليلَ منْ حلُّ همهِ ... حسامٌ كلونِ الملحِ أبيضُ صارمُ
كذبتمْ وبيتِ اللهِ لا تأخذونها ... مراغمةً ما دام للسيف قائمُ
وقال منصور النمري
ذكرٌ برونقهِ الدماءُ كأنما ... يعلو الرجالَ بأرجوانٍ ناقعِ
وترى مضارَ شفرتيهِ كأنها ... ملحْ تناثرَ من وراءِ الدارِعِ
وقال آخر
وصارمٍ يقطعُ أعلالَ القصرْ ... كأنَّ متنيهِ بها ملحٌ يذرْ
وزحفُ ذرٍ دبَّ في آثارِ ذرْ
وقال أبو الهول
حسامٌ غداةَ الروعِ ماضٍ كأنه ... من الله في قبضِ النفوسِ رسول
يعومُ صبيُّ العينِ في رقرقانهِ ... ويسبحُ في أثوابهِ ويجولُ
كأنّ جنودَ الذرِ كسرنَ فوقهُ ... قرونَ جرادٍ بينهنَّ ذحولُ
كأنّ على إفرندهِ موجَ لجةٍ ... تقاصرُ في ضحضاحهِ وتطولُ
إذا ما تمطَّى الموتُ في يقظاته ... فلا بدَّ من نفسٍ هناك تسيلُ
وإن لاحظَ الأبطالَ أو صافحَ الطلَى ... تشحطَ يوماً بينهنَّ قتيلُ
وقال ابن المعتز
وسطَ الخميسِ بكفهِ ذكرٌ ... عضبٌ كأنَّ بمتنهِ نمشا

صافي الحديدِ كأنّ صيقلهُ ... كتبَ الفرندَ عليه أو نقشا
وقال أبو الهولِ
حاز صمصامة الزبيدي من بينِ جميع الأنام موسَى الأمينُ
وكأنّ الفرندَ والرونقَ الجا ... ري على صفحتيه ماءٌ معينُ
يستطيرُ الأبصارَ كالقبسَ المش ... علِ ما تستقرُّ فيه العيونُ
ما يبالي إذا الضريبةُ حانتْ ... أشمالٌ سطتْ به أم يمينُ
نعمَ مخراقُ ذي الحفيظةِ في الهي ... جاء يعصَى بها ونعمَ القرينُ
المخراق المنديل يلعبُ به الصبيانُ وقال قيس بن الخطيم
أجالدهم يومَ الحديقةِ حاسراً ... كأنّ يدي بالسيفِ مخراقُ لاعبِ
ومن أحسن ما قيل في السيف قول البحتري وإن لم يكن فيه تشبيه
يتناولُ الأمل البعيد منالهُ ... عفواً ويفتحُ في القضاء المقفل
ماضٍ وإنْ لم تمضهِ يدُ فارسٍ ... بطلٍ ومصقولٌ وإنْ لم يصقلِ
يغشى الوغى فالترسُ ليسَ بجنةٍ ... من حدهِ والدرعُ ليسَ بمعقلِ
مصغٍ إلى حكمِ الردَى فإذا مضى ... لم يلتفتْ وإذا قضى لم يعدلِ
متوقدٌ يبري بأولِ ضربةٍ ... ما أدركتْ ولو أنها في يذبلِ
وإذا أصابَ فكلُّ شيءٍ مقتلٌ ... وإذا أصيبَ فما له من مقتلِ
وقال ابن المعتز
ولي صارمٌ فيه المنايا كوامنٌ ... فما ينتضى إلا لسفكِ دماء
ترى فوقَ متنيهِ الفرندَ كأنه ... بقيةُ غيمٍ رقَّ دون سماء
وقال ابن الرومي
خيرُ ما استعصمتْ به الكفُّ عضبٌ ... ذكرٌ حدهُ أنيثُ المهزِّ
ما تأملتهُ بعينيكَ إلا ... أرعدتْ صفحتاهُ من غيرِ هزِّ
مثلهُ أفزعَ الشجاعَ إلى الدرْ ... عِ فعلى به على كلِ بزِّ
ما يبالي أصممتْ شفرتاهُ ... في محزٍ أم جازتا عن محزِّ
وقال ابن المعتز
في كفهِ عضبٌ إذا هزهُ ... حسبتهُ من خوفهِ يرتعدْ
وقال ابن الرومي
يقول القائلون إذا رأوهُ ... لأمرٍ ما تغالبتِ الدروعُ
وقال ابن المعتز
ولقد هززتُ مهنداً ... عضبَ المضاربِ مرهفا
وإذا تولجَ هامةَ ال ... جبارِ سارَ فأوجفا
عضبُ المضاربِ كالغدي ... رِ نفى القذى حتى صفا
وقال رجل من طيءٍ
وذي شطبٍ كأنه بطنُ حيةٍ ... إذا عجمتهُ الكفُّ بالعظمِ صمما

باب 27 في
الرماح
ومن حسن التشبيه في الرماح قول عنترة
يدعونَ عنترَ والرماحُ كأنها ... أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهمِ
وقال دريد بن الصمة
فجئتُ إليه والرماحُ تنوشهُ ... كوقعِ الصياصي في النسيجِ الممددِ
وأحسن الطائي في صفتها وإن لم يكن فيه تشبيه وهو قوله
مثقفاتٍ سلبنَ الرومَ زرقتها ... والعربَ أدمتها والعشاقَ القضفا
والعرب تقول كأن الفلان رمحٌ: وجاء أعرابيٌ إلى ناد فتحرك من فيه ليوسع له فقال إنما يكفيني مركزُ رمحٍ: وقال مزرد في الرمحِ
ومطردٌ لدنُ الكعوبِ كأنما ... تغشاهُ منباعٌ من الزيتِ سائلُ
أصمُّ إذا ما هزَّ مارت سراتهُ ... كما مار ثعبانُ الرمالِ الموائلُ
له رائدٌ ماضي الغرارِ كأنه ... هلالٌ بدا في ظلمةِ الليلِ ناحلُ
وقال ابن الرومي
كأنَّ الزجاجَ اللهذمياتِ بالضحى ... فتيلٌ بأطرافِ الرديني مسرجُ
وقالت ليلى الأخيلية
إنَّ الخليعَ ورهطهُ من عامرٍ ... كالقلبِ ألبسَ جؤجؤاً وحزيما
وقومٌ رباطُ الخيلِ وسطَ بيوتهم ... وأسنةٌ زرقٌ يخلنَ نجوما
وقال ابن جعيل التغلبي
هززتُ ردينياً كأن سنانه ... سنى لهبٍ لم يستعر بدخانِ
وقال دعبل
وأسمرٍ في رأسه أرزقٌ ... مثلُ لسانِ الحيةِ الصادي
وقال آخر
لقد طالَ حملي الرمحَ حتى كأنه ... على كتفي غصنٌ من الدوحِ نابتُ
يطولُ لساني في العشيرةِ مصلحاً ... على أنه يومَ الكريهةِ صامتُ
وقال ساعدة بن جؤيةَ
فأعدَّ أزرقَ في القناةِِ كأنهُ ... في طخيةِ الظلماءِ ضوءُ شهابِ
باب 28 في
صفة الدرع
وقال أبو داودٍ في صفة درع المتقارب
وأعددتُ للحربِ فضفاضةً ... تضاءلُ في الطي كالمبردِ
تفيضُ على المرءِ أردانها ... كفيضِ الأتي على الجدجدِ
وأنشد ثعلب

فنهنهتهُ حتى لبست مفاضةً ... دلاصاً كلونِ النهي ريحَ وأمطرا
وقال ابن المعتز
كم بطلٍ بارزتهُ في الوغى ... عليه درعٌ خلتها تطردْ
كأنها ماءٌ عليه جرى ... حتى إذا ما غابَ فيه جمدْ
وله
ودروعٌ كأنها شمطُ الجع ... دِ دهيناً تضلُّ فيه المدارى
وقال آخر
وأرعنَ ملمومِ الكتائبِ خيلهُ ... مضرجةٌ أعرافُها ونحورها
عليها مذالاتُ القيونِ كأنها ... عيونُ الأفاعي سردها وقتيرها
وقال آخر
وزنتْ كتائبها الجبالَ وسربلتْ ... حلقَ الحديدِ فأظهرتهُ عتادها
فتخالُ موجَ البحرِ يصغو بعضهُ ... بعضاً وميضَ قتيرها وسرادها
وقال سالم الخاسرُ
كأنَّ حبابَ الغدرِ سالَ عليهم ... وما هو إلا السابغاتُ الموائرُ
وقال ابن المعتز
بحيثُ لا غوثَ إلا صارمٌ ذكرٌ ... وجنةٌ كحبابِ الماء تغشاني
وأنشدنا ثعلبٌ
ونثرةٍ تهزأ بالنصالِ ... كأنها من خلعِ الهلالِ
وزعم أن الهلال الحيةُ وأخذهُ محمد بن عبد الملك الحلبي فقال
نهنهتُ أولاها بضربٍ صادقٍ ... هبرٍ كما شقَّ الرداء المعلمُ
وعلى سابغةُ الذيولِ كأنها ... سلخٌ كسانيه الشجاعُ الأرقمُ
وقال مزرد بن ضرار
ومسفوحةٌ فضفاضةٌ تبعيةٌ ... وءآها القتيرُ تجتويها المعابل
دلاصٌ كظهر النونِ لا يستطيعها ... سنانٌ ولا تلك الحظاءُ الدواخلُ
وقال معقرٌ البارقي في البيض
كأن نعامَ الدوِّ باضَ عليهمُ ... وأعينهمْ تحت الحديدِ حواجرُ
وقال سلامة بن جندل
كأن النعام باضَ فوق رؤوسهم ... إلى الموتِ برقٌ من تهامةَ لامعُ

باب 29 في
تكافؤ الأقران في الحرب
ومن التشبيهات الحسان في تكافؤ الأقران في الحرب قول مهلهل بن ربيعة
كأنا غدوةً وبني أبينا ... بجنبِ عنيزةٍ رحيا مدير
وقال أيضاً نحو هذا
أنبضوا معجس القسيِّ وأوعدْ ... نا كما توعد الفحولُ الفحولا
وأخذ زهير هذا المعنى فقال
نطعنهمْ ما ارتموا حتى إذا طعنوا ... ضاربَ حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
وقال آخر
دنوتُ له بأبيضَ مشرفيٍّ ... كما يدنو المصافحُ للسلامِ
ومن حسن التشبيه في الإقدام قول أبي العتاهية
كأنك يومَ الطعنِ في الحربِ إنما ... تفرُّ من السلمِ الذي من ورائكا
كانَّ المنايا ليسَ يجرينَ في الوغى ... إذا التقتِ الأبطالُ إلا برائكا
وقال قيس بن الخطيم
إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا ... صدودَ الخدودِ وازورارَ المناكب
صدودَ الخدودِ والقنا متشاجرٌ ... ولا تبرحُ الأقدامُ عندَ التضاربِ
وقال البحتري في أبي سعيد
لقد كان ذاك الجأشُ جأشَ مسالمٍ ... على أن ذاك الزيَّ زيُّ محاربِ
تسرع حتى قال من شهدَ الوغى ... لقاءُ أعادٍ أم لقاءُ حبائب
وقال ابن المعتز
كم غمرةٍ للموتِ يخشى خوضها ... جريتُ فيها جرى سلكٍ في ثقبْ
حتى إذا قيل أتاه أجلٌ ... نجمتُ منها بحسامٍ مختضبْ
وقال أبو نواس
وكنا إذا ما الحائنُ الجدُّ غرهُ ... سنى برقِ غادٍ أو ضجيجَ رعادِ
تردى له الفضلُ بن يحيى بن خالدٍ ... بماضي الظبَى أزهاهُ طولُ نجادِ
أمام خميسٍ أرجوانٍ كأنهُ ... قميصٌ محوك من قنى وجيادِ
وقل البحتري في كثافة الجيش
للهِ دركَ يومَ بابكَ باسلاً ... بطلاً لأبوابِ الحتوف قروعا
لما أتاك يقودُ جيشاً أرعناً ... يمشي إليه كثافةً وجموعا
وزعتهمْ بينَ الأسنةِ والظبَى ... حتى أبدتَ جموعهمْ توزيعا
في معركٍ ضنكٍ تخالُ به القنى ... بينَ الضلوعِ إذا انحنينَ ضلوعا
وقال ابن الرومي يصف كتيبةً
فلوْ حصبتهمْ بالفضاءِ سحابةٌ ... يظلُّ عليهم حصبُها يتدحرجُ
وقال قيس بن الخطيم نحو ذلك وهو أصله
لو أنكَ تلقى حنظلاً فوق بيضنا ... تدحرج عن ذي سامهِ المتقارب
السام ههنا خطوط الذهب الذي في البيض والسام في غير هذا الموضع الموت، وقال مسلم بن الوليد
في عسكرٍ تشرق الأرض الفضاء به ... كالليلِ أنجمه القضبانُ والأسل

ومثله ما أنشده ثعلبْ لبشار في تشبيه شيئين في بيتٍ وزعموا أن بشاراً قال لما سمعت قول امرئ القيس
كأن قلوبَ الطيرِ رطباً ويابساً ... لدى وكرها العنابُ والحشفُ البالي
كددتُ فكرتي حتى قلتُ
كأن مثارَ النقعِ فوقَ رؤوسنا ... وأسيافنا ليلٌ تهادى كواكبهْ
وقال منصورٌ النمري في نحو هذا
ليلٌ من النقعِ لا شمسٌ ولا قمرٌ ... إلا جبينكِ والمذروبةُ الشرعُ
ولبعضهم
وغادرَ رأسهمْ ضرباً دراكاً ... وطعناً غيرَ خوارٍ سؤومِ
كأنّ سنانهُ في منكبيهِ ... شهابٌ خلفَ شيطانٍ رجيمِ
وقال آخر في خيلٍ
نسجتْ حوافرها سماءً فوقها ... جعلت أسنتها نجومَ سمائها
وقال ابن المعتز
وعمَّ السماء النقعُ حتى كأنه ... دخانٌ وأطرافُ الرماحِ شرارُ
وقال مسلم بن الوليد
سلَّ الخليفةَ سيفاً من بني مطرٍ ... يمضي فيخترقُ الأجسادَ والهاما
كالدهرِ لا ينثني عما يهمُّ به ... قد أوسعَ الناسَ إرغاماً وإنعاما
يمضي المنايا كما يمضي أسنتهُ ... كأن في سرجه بدراً وضرغاما
وقال أعرابي
نقاذفُ بالغاراتِ عبساُ وطيئاً ... وقد هربتْ منا تميمٌ ومذحجُ
بغزوٍ كولغِ الذئبِ غادٍ ورائحٍ ... وسيرٍ كصدرِ السيفِ لا يتعوجُ
وقال البحتري في أبي سعيد
طليعتهم إن وجهَ الجيشُ غازياً ... وساقتهمْ إن وجهَ الجيشُ قافلا
ملوكٌ يعدونَ الرماحَ مخاصراً ... إذا زعزعوها والدروعَ غلائلا
وقال ابن المعتز
قومٌ إذا غضبوا على أعدائهمْ ... جروا الحديدَ أزجةً ودروعا
وكأنَّ أيدينا تنفرُ عنهمُ ... طيراً على الأبدانِ كنَّ وقوعا
وقال مسلم بن الوليد
موفٍ على مهجٍ في يومِ ذي رهجٍ ... كأنه أجلٌ يسعى إلى أملِ
ينالُ بالرفقِ ما يعيا الرجالُ بهِ ... كالموتِ مستعجلاً يأتي على مهلِ
وقال ابن الرومي يمدح صاعداً ويذكر أمر العلوي
حصرتَ عميدَ الزنجِ حتى تخاذلتْ ... قواهُ وأودَى زادهُ المتزودُ
وكانت نواحيهِ كثافاً فلم تزلْ ... تحيفها سحتاً كأنك مبردُ
تفرقُ عنهُ بالمكايد جندهُ ... وتزدادهمْ جنداً وجيشكَ محصدُ
ولابسُ سيفِ القرنِ بعدَ استلابهِ ... أضرُّ له من كاسريهِ وأكيدُ
سكنتَ سكوناً كان رهناً بعدوةٍ ... عماسٍ كذاك الليثُ للوثبِ يلبدُ
وهذا المعنى مأخوذ من قول النابغة الذبياني
إني نهيتُ بني ذبيانَ عن أقرٍ ... وعن تربعهم في كل أصفارِ
وقلتُ يا قومِ إن الليثَ منقبض ... على براثنهِ لعدوةِ الضارِ
وقال الطائي في سعيد وأمر مدينة أبك
إلا تكن حصرت فقد أضحى لها ... من خوفِ قارعةِ الحصارِ حصارُ
خشعوا لصولتك التي هي عندهم ... كالموتِ يأتي ليسَ فيه عارُ
ونحو ذلك قول القائل
فإنَّ أميرَ المؤمنين وفعلهُ ... لكالدهرِ لا عارٌ بما فعل الدهرُ
وقال الطائي في فتح الأفشين
لو لم يزاحفهمْ لزاحفهمْ له ... ما في صدورهم من الأوجالِ
فكأنما احتلتْ عليه نفسهُ ... إذا لم تنلهُ حيلةُ المحتالِ
وقال ابن الرومي في صاعد
تراهُ عن الحربِ العوانِ بمعزلٍ ... وآثارهُ فيها وإنْ غابَ شهدُ
كما احتجبَ المقدارُ والحكمُ حكمهُ ... عن الناسِ طراً ليسَ عنه معردُ
وقال أبو الهول في أخذ يزيد بن مزيد الوليد بن طريف
قلْ للقوافلِ والجنودِ وغيرهمْ ... سيروا فقد قتلَ الوليدَ يزيدُ
لاذا يَنِي طلباً ولا ذا يأتلي ... هرباً فذا نصبٌ وذا مجهودُ
كالليلِ يطلبهُ النهارُ بضؤهِ ... فظلامُ ذاك بنورِ ذا مطرودُ
ومثل ذلك قول النابغة للنعمان
فإنك كالليلِ الذي هو مدركي ... وإنْ خلتُ أنَّ المنتأى عنك واسعُ
وقال أحد المدلهين بالاقتدار
عشيةَ كنا بالخيار عليهم ... أننقصُ من أعمارهمْ أم نزيدُها

باب 30 في
وصف الطعنة
ومما يتصل بهذا قول امرئ القيس يصف الطعنة الهزج
وقد أختلسُ الطعن ... ةَ لا يدمى لها نصلي
كجيبِ الدفنسِ الورها ... ءِ ريعتْ وهي تستفلى

وذكر أن أقطع ما يكون السيف إذا سبق الدم كما قال: لا يدمى لها نصلي وقال آخر الهزج
وطعنٍ كفمِ الزقِّ ... وهي والزقُّ ملانُ
وقال آخر
وطعنٍ كفواهِ المزادِ ترى له ... عناجير يمس وردها غير صادر
وقال أبو النجم الزجر
لنصرعنْ ليثاً يرنُّ مأتمه ... بطعنةٍ نجلاءَ فيها ألمه
يجيشُ من بينِ تراقيهِ دمهْ ... كمرجلِ الصباغِ جاش بقمهْ
وقال ابن المعتز في الموفق وقد أصابه سهم
شقَّ الجموعَ بسيفهِ ... وشفى حزازات الإحنْ
دامى الجراحِ كأنه ... وردٌ تفتحُ في فننْ
وقال عنترةُ
وحليلِ غانيةٍ تركتُ مجدلاً ... تمكو فريصتهُ كشدقِ الأعلمِ
سبقتْ يدايَ له بعاجلِ طعنةٍ ... ورشاشِ نافذةٍ كلونِ العندمِ
وقال حسان
ذروا فلجات الشأمِ قال حال دونها ... ضرابٌ كأفواهِ اللقاحِ الأواركِ
وقال ابن الرومي
فاغرٌ في جماجمِ القومِ أفوا ... هُ جمالٍ أواركٍ وعواصي
وقال قيس بن الخطيم
طعنتُ ابن عبدِ القيسِ طعنةَ ثائرٍ ... لها نفذٌ لولا الشعاعُ أضاءَها
ملكتُ بها كفى فأنهرتُ فتقها ... يرى قائمٌ من دونها ما وراءها
الشعاع تفرقُ الدمِ وحمرتهِ وملكتُ العجين أي شددتُ عجنه وقال عثمان رحمه الله املكوا العجين فإنه أحد الريعين وأنهرتُ في أجريتُ يقال هم ينهرون الأنهار وقال آخر
وأفلتنا هجينُ بني سليمٍ ... يفدى المهرُ من حبِّ الإيابِ
فلولا اللهُ والمهرُ المفدى ... لأبتَ وأنتَ غربالُ الإهابِ
وقال آخر
ضربتهُ في الملتقى ضربةً ... فبان عن منكبه الكاهلُ
فصارَ ما بينهما رهوةً ... يمشي بها الرامحُ والنابلُ
وقال آخر
تركتُ ابنَ أوسٍ والسنانُ كأنما ... توخَّى به ما بين عينيهِ واتدُ

باب 31 في
وصف المزن والروض
ومن التشبيهات الجياد قول ابن المعتز
ومزنةٍ جادَ من أجفانها المطرُ ... والروضُ منتظمٌ والقطرُ منتثرُ
ترى مواقعهُ في الأرضِ لائحةً ... مثلَ الدراهمِ تبدو ثمَّ تستترُ
والمعنى فيه لعنترة يصف سحابة
جادتْ عليه كلُّ عينٍ ثرةٍ ... فتركنَ كلَّ قرارةٍ كالدرهمِ
وقال ابن المعتز أيضاً
وأدمعُ الغدرانِ لم تكدرِ ... كأنها دراهمٌ في منشرِ
وقال البحتري يصف سحابةً
ذاتُ ارتجازٍ بحنينِ الرعدِ ... مجرورةُ الذيل صدوقُ الوعدِ
مسفوحةُ الدمعِ بغيرِ وجدِ ... لها نسيمٌ كنسيمِ الوردِ
ورنةٌ مثلُ زئيرِ الأسدِ ... ولمعُ برقٍ كسيوفِ الهندِ
جاءت بها ريح الصبا من نجدِ ... فانتثرت مثل انتثارِ العقدِ
فراحتْ الأرض بعيشٍ رغدِ ... من وشي أنوارِ الربى في بردِ
كأنما غدرانها في الوهدِ ... يلعبن من حبابها بالنردِ
وقال ابن المعتز في شعر له
ما ترى نعمةَ السماءِ على الأر ... ضِ وشكر الرياضِ للأمطارِ
وكأنّ الربيعَ يجلو عروساً ... وكأنا من قطرهِ في نثارِ
وقال الطائي في سحابة سوداء
لمْ أرَ غيرَ حمةِ الدؤوبِ ... تواصلُ التهجيرَ بالتأويبِ
نجائباً ولسنَ من نجيبِ ... كالليلِ أو كاللوبِ أو كالنوبِ
منقادةً لعارضٍ غربيبِ ... كالشيعةِ التفتْ على نقيبِ
آخذةً بطاعةِ الجنوبِ ... ناقضةً لمررِ الخطوبِ
محاءةً للزبةِ اللزوبِ ... محوَ استلامِ الركنِ للذنوبِ
لما بدتْ للأرضِ من قريبِ ... تشوقتْ لوبلها السكوبِ
تشوقَ المريضِ للطبيبِ ... وطربَ المحبِ بالحبيبِ
وفرحةَ الأديبِ بالأديبِ ... وقام فيها الرعدُ كالخطيبِ
وحنت الريحُ حنينَ النيبِ ... فالأرضُ في ردائها القشيبِ
كالكهلِ بعدَ الشيبِ والتحنيبِ ... تبدلَ الشبابَ بالمشيبِ
لذيذةَ الريقِ مع الصبيبِ ... كأنها تهمِي على القلوبِ
وقال ابن المعتز في سحابةٍ
وموقرةٍ بثقلِ الماء جاءتْ ... تهادي فوقَ أعناقِ الرياحِ
فجادتْ ليلها سحاً ووبلاً ... وهطلاً مثلَ أفواهِ الجراحِ
وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر

أما ترى اليومَ قد رقتْ حواشيهِ ... وقد دعاك إلى اللذاتِ داعيهِ
وجادَ بالقطرِ حتى خلتُ أنَّ له ... إلفاً ناهُ فما ينفكُّ يبكيهِ
وقال ابن المعتز
باكيةٌ تضحك عن بروقِ ... سرتْ بجيبٍ في الدجى مشقوقِ
مالت إلى المحلِ اليبيسِ الريقِ ... كميلِ مشتاقٍ إلى معشوقِ
واشتملتْ على الثرى كالزيق ... حتى غدا في منظرٍ أنيقِ
كأنما تحكي بكى المشوقِ
وقال الطائي نحوه
كأنَّ السحابَ الغرَّ غيبنَ تحتها ... حبيباً فما ترقأ لهنَّ مدامعُ
وقال أبو عون الكاتب
الأرضُ قد باكرتْ صبوحاً ... تشربهُ من ندى السماء
غيثاً كدمعِ المشوقِ يهمي ... سحاً على الطلقِ والحماء
عن أسحمٍ ضحكهُ فروقٌ ... كالثغرِ يفترُّ عن لماءِ
وأنشدنا المبرد المتقارب
إذا الله لم يسقِ إلا الكرامَ ... فأسقى ديارَ بني حنبلِ
مثلاً مرباً له هيدبٌ ... صدوقُ الرواعدِ والأزملِ
كأنَّ السحابَ دوينَ السماءِ ... نعامٌ تعلقَ بالأرجلِ
وقال عبيد بن الأبرص
دانٍ مسفٍ فويقَ الأرضِ هيدبهُ ... يكادُ يدفعهُ من قامَ بالراحِ
فمنْ بنجوتهِ كمنْ بعقوتهِ ... والمستكنُّ كمنْ يمشي بقرواحِ
وقال كثيرٌ نحو ذلك
والمستكنُّ ومن يمشي بمروتهِ ... سيانِ فيه ومن بالسهلِ والجبلِ
وفي إطباق الغيم يقول امرؤ القيس
ديمةٌ هطلاءُ فيها وطفٌ ... طبقُ الأرضِ تحرَّى وتدرُّ
وقال ابن أبي عونٍ الكاتب في إطباق الغيم وقربه
في مزنةٍ أطبقتْ فكادتْ ... تصافحُ التربَ بالغمامِ
وقال سعيد بن حميد
وترى السماء إذا أسفَّ ربابها ... وكأنما كسيت جناحَ غرابِ
وقال ابن المعتز
كأنَّ الربابَ الجونَ والفجرُ ساطعٌ ... دخانُ حريقٍ لا يضيءُ له جمرُ
وقال آخر
نسجتهُ الجنوبُ وهيَ صناعٌ ... فترقَّى كأنهُ حبشيُّ
وقرى كلَّ قريةٍ كان يقرو ... ها قرى لا يجفُّ منه القريُّ
القريان مجاري الماء وهي المذانب واحدها مذنبٌ وقال آخر في سحابة
جاءت تهادِي مشرفٌ ذراها ... تجرُّ أولاها على أخراها
مشىَ العروسِ ناقصاً خطاها ... كأنما ينحطُّ من حشاها
قوافزُ الجرادِ أو دباها
وأنشد ثعلب في سحابةٍ
يحسبها الناظر من خلفِ الخبا ... ينثرُ نهاضُ جرادٍ أو دَبا
وادرعَ النورُ قميصاً أوقبا
وقال آخر في صفة السحاب إذا أفرغ ماءه
كأنه لمَّا وهي سقاؤهُ ... وانهلَّ من كلّ غمامٍ ماؤهُ
حمٌّ إذا حمشهُ قلاؤُهُ
وقال ابن المعتز في سحابةٍ
جاءتْ بجفنِ الكحلِ وانصرفتْ ... مرهاءَ من إسبالِ دمعٍ منسكبْ
وقال آخر يصف كثرة السيل
يكبُّ فيه دوحةً للأذقانْ ... سحقك بالموسى جمامَ الرهبانْ
ومثله قول أبي قردودة المتقارب
يطبُّ العضاهَ لأذقانها ... كطبّ العتيق اللقاحَ الدقاقا
وقال ابن مقبل يصف زبد سيل
ترى كلَّ وادٍ حارَ فيه كأنما ... أقام عليه راكبٌ متملحُ

باب 32 في
الأثافي
ومن التشبيهات الجياد في الأثافي قول أبي عون الكاتب
لم يبقَ فيها سوى سودٍ محنكةٍ ... كفحمةِ النار فيها هامدٌ هملُ
وقال أبو نواس يهجو القرشي
رأيتُ قدورَ الناسِ سوداً من الصلَى ... وقدرُ الرقاشيينَ بيضاءُ كالبدرِ
يبينها للمعتفي بفنائهمْ ... ثلاثاً كخطِّ الثاء من نقطِ الحبرِ
وقال عديّ بن زيد الرسل
وثلاثٍ كالحماماتِ بها ... بين مجثاهنَّ توشيمُ الحممْ
شبهها بالحمامة لأنَّ فيها بياضاً وسواداً وكذلك قول جرير
كأنَّ رسومَ الدارِ ريشُ حمامةٍ ... محاها البلى واستعجمتْ أن تكلما
وقال أبو نواس في الأثافي
لمنْ طللٌ عارى المحلِّ دفينُ ... عفا عهدهُ إلا خوالدُ جونُ
كما اقترنتْ عند المبيتِ حمائمٌ ... بعيداتُ ممسًى ما لهنّ وكونُ
وقال المرار الفقعسي
في كلِّ منزلةٍ صفائحُ مسجدٍ ... ومواثلٌ في موقدٍ سحمُ
أثرُ الوقودِ على جوانبها ... بخدودهنَّ كأنهُ لطمُ
وقال الطائي

أثافٍ كالخدودِ لطمنَ حزناً ... ونؤيٌ مثلُ ما انفصمَ السوارُ
وقال ابن المعتز
عفى غيرَ سفعٍ ماثلاتٍ كأنها ... خدودُ عذارى مسهنَّ شحوبُ
وقال الطائي وزعم ابن طاهر أنه أحسن شيءٍ قيل في النؤي
والنؤيُ أهمدَ شطرهُ فكأنه ... تحتَ الحوادثِ حاجبٌ مقرونُ
وقال ابن المعتز نحوه
عفتْ وتخلتْ غيرَ شاماتِ دمنةٍ ... ونويٌ خفيُّ الخطِّ كالحاجبِ الفردِ
وقال جميل بن معمر
وآثارُ ولدانٍ ونؤيٌ كأنه ... شفى من هلالٍ للتقادمِ ماثلُ

باب 33 في
الطلل
ومما يتصل بذلك قول لبيدٍ وهو من أحسن التشبيه
وجلا السيولُ عن الطلولِ كأنها ... زبرٌ تجد متوتها أقلامها
يخبر أن الريح إذا عفت الطلل وسفت عليه وجاء المطر كشف الترابَ عنه فبانت الرسوم كما تبين الخطوط الدارسة في الكتب والزبر الكتب قال المرقش وبها سمى المرقش
الدارُ قفرٌ والرسومُ كما ... رقش في ظهرِ الأديمِ قلمْ
وقال ذو الرمة
أللأربعِ الدهمِ اللواتي كأنها ... بقياتُ وحيٍ في متونِ الصحائفِ
وقال طرفة
لخلوةَ أطلالٌ ببرقةِ ثهمدِ ... تلوحُ كباقي الوشمِ في ظاهرِ اليدِ
وقال زهير
ودارٌ لها بالرقمتينِ كأنها ... مراجيعُ وشمٍ في نواشرِ معصمِ
النواشر عروق باطن الذراعِ والوشم نقشٌ كانوا يستعملونه والوسمُ اسمهُ ولها أسماءٌ والرسمُ أثرُ الشيء وقال آخر
عرفتُ ديارَ الحيِّ خاليةً قفرا ... كأنَّ بها لما توهمتها سطرا
مراجيع وشمٍ بين كفٍ ومعصمٍ ... عفتهُ الليالي غيرَ أن له إثرا
وقال قيس بن الخطيم
أتعرفُ رسماً كالطرادِ المذاهبِ ... لعمرةَ وحشاً غيرَ موقفِ راكب
المذاهب جلود فيها خطوط مذهبة مطردة يتلو بعضها بعضاً واحدها مذهب ووحشاً أي قفرٌ ومنه قيل لصاحب الدواء توحش أي لا يدخلْ جوفك شيء. غير موقف راكب أي إلا أن يمر راكب فيقف والشعر في هذا الباب كثير جداً وكان أبو نواس يخالف مذاهب القدماء ويسلك غير مسلكهم في وصف بلى الرسم والبكاء على الطلل واستسقاء المطر كما قال النمر بن تولب
فواللهِ ما أسقي الديارَ لحبها ... ولكنما أسقيكَ حارِ بنَ تولبِ
وقال البحتري يرثي غلاماً
سقى اللهُ الجزيرة لا لشيءٍ ... سوى أن يرتوي ذاك القليبُ
وقال آخر
سقى جدثاً تضمنَ أمَّ عمرو ... بنخلةَ ما استهلَّ من الغمامِ
وما للأرضِ أستسقِي ولكن ... لأصداءٍ أقمنَ به وهامِ
وقال الطائي نحوه
قرى دارهم مني الدموعُ السوافك ... وإن عاد صبحي بعدهم وهو حالك
سقى ربعهم لا بل سقى منتواهم ... من الدهر أخلاف السحاب الحواشك
وقال أبو نواس في ما ذكرنا المنسرح
سقياً لغيرِ العلياءِ والسندِ ... وغيرِ أطلالِ ميَّ بالجردِ
ويا صبيبَ السحابِ إنْ كنتَ قدْ ... جدتَ اللوى مرةً فلا تعدِ
لا ستقينْ بلدةً إذا عدتِ ال ... بلدانُ كانت زيادةَ الكمدِ
إن أتحرزْ من الغرابِ بها ... يكنْ مفري منه إلى الصردِ
أحسنُ عندي من انكبابكَ بال ... فهرِ ملحاً به على وتدِ
وقوفُ ريحانةٍ على أذنٍ ... وسيرُ كأسٍ إلى فمٍ بيدِ
وقال أيضاً
لمن طللٌ يزدادُ حسنَ رسومِ ... على طولِ ما أقوتْ وطيبَ نسيمٍ
تجافى البلى عنهنَّ حتى كأنما ... لبسنَ من الإقواءِ ثوبَ نعيمِ
وقال البحتري على مذهب القدماء
أرى بينَ ملتفِّ الأراكِ منازلا ... مواثلَ لو كانت مهاها مواثلا
لقينا المغاني باللوى فكأنما ... لقينا الغواني اللابساتِ عواطلا
وقال الطائي
إن شئتَ ألا ترى صبراً لمصطبرِ ... فانظر على أي حالٍ أصبحَ الطللُ
كأنما جادَ مغناهُ فغيرهُ ... دموعنا يوم بانوا وهي تنهمل
وقال ابن الرقي نحوه
ثنى شوقه والمرءُ يصحو ويسكرُ ... رسومٌ كأخلاقِ الصحائفِ دثرُ
حبستُ بها صحبي فظلت عراصهُ ... بدمعي وأنفاسي تراحُ وتطرُ
وقال معلى الطائي
لبسنَ البلى حتى كأنَّ رسومها ... طعمنَ الهوى أو ذقنَ هجرَ الحبائبِ
وقال محمد بن وهيب

لبسا البلى فكأنما وجدا ... بعدَ الأحبةِ مثلَ ما أجدُ
وقال البحتري
أصبا الأصائلِ إنَّ برقةَ ثهمدِ ... تشكو اختلافكِ بالهبوبِ السرمدِ
دمنٌ مواثلُ كالنجومِ فإنْ عفتْ ... فبأيِّ نجمٍ في الصبابةِ نهتدي
وقال الطائي
أأطلالَ ميَّ خبرينا بمنبجٍ ... غناءكِ محظورٌ على الدنفِ الشجي
ومن فعلاتِ الجهلِ توقيفُ ذي حجي ... على عرصاتٍ كالكتابِ المثبجِ
وقال أيضاً
أوما رأيتَ منازلَ ابنةِ مالكٍ ... رسمتْ له كيفَ الزفيرُ رسومها
وكأنما ألقى عصاهُ بها البلى ... من نيةٍ قذفٍ فليسَ يريمها
وقال الكميت
ومشججٍ ترك الولائدُ رأسهُ ... مثلَ السواكِ ورمةً كالمهرقِ
وفيه يقول ابن ناعمةَ المدني
وملقى الهوانِ شجج بالفه ... ر على رأسه دقاقُ الترابِ
وقال المتلمس فيه
ولا يقيمُ على خسفٍ يسامُ به ... إلا الأذلان عيرُ الأهلِ والوتدُ
هذا على الخسف مربوطٌ برمته ... وذا يشجُّ فلا يأوي له أحدُ
وذكره أبو نواس فقال الهزج
ومضروبٌ بلا ذنبٍ ... وما في ضربهِ حوبُ
ولا ضاربهُ معت ... بهُ ما حنتِ النيب
ولا هوْ قائلٌ فيمَ ... ولا لمْ أنا مضروبُ
وبيتٌ ضاقَ عن شسعٍ ... وفيه الخزرُ والنوبُ
يعني بيت الشعر، وقال آخر في محو الديار
بفرعِ اللوى والربعِ قد خفَّ أهلهُ ... وبدلَ أرواحاً جنوباً وشمألا
ضرائرَ أوطنَّ العراصَ كأنما ... أجلنَ على ما غادرَ الحيُّ منخلا
ونحوه قول عروة بن أذينةَ
ونخلنَها نخلَ الطحين مقيمةً ... كلُّ الرياحِ تعيرها غربالها

باب 34 في
الخمر
ومن التشبيهات الحسان في الخمر قول العكوك وهو علي بن جبلة
وصافيةٍ لها في الكاسِ لينٌ ... ولنْ في النفوسِ لها شماسُ
كأنّ يدَ النديمِ تديرُ منها ... شعاعاً لا تحيطُ عليه كاسُ
وقال ابن المعتز
معتقةٌ صاغ المزاجُ لرأسها ... أكاليلَ درٍ ما لمنظومهِ سلكُ
فقدْ خفيتْ حتى كأنَّ ضياءها ... يقينُ ضميرٍ كاد يدخلهُ الشكُّ
وقال أبو عون الكاتب
واسقنيها سقيتها يابنَ عمرو ... من كميت لماعةٍ كالشعاعِ
بنتِ عشرٍ كخاطرِ الوهمِ أو خا ... طفِ برقٍ أو مثلِ حسِّ السماعِ
وقال ابن أبي كريمة
كأنها عرضٌ في كفِ شاربها ... تخالها فارغاً والكأسُ ملأنُ
وقال البحتري
فاشربْ على زهرِ الرياضِ يشوبهُ ... زهرُ الخدودِ وزهرةُ الصهباء
من قهوةٍ تنسى الهمومَ وتبعثُ الش ... وقَ الذي قد ضلَّ في الأحشاءِ
يخفي الزجاجةَ لونها فكأنها ... في الكأسِ قائمةٌ بغير إناءِ
وقال ابن الرومي في هذا المعنى
ويتيمةٍ من كرمها ونديها ... لم تبقِ منها الشمس غيرَ صميمها
لطفتْ فقد كادتْ تكونُ مشاعةً ... في الجوِّ مثلَ شعاعها ونسيمها
وقال ابن المعتز
وكرخيةُ الأنسابِ أو بابليةٌ ... ثوتْ حقباً في ظلمةِ الغارِ لا تسري
أرقتْ صفاءَ الماءِ فوقَ صفائها ... فحلتهما سلاَّ من الشمسِ والبدرِ
وقال آخر
ماءُ الكرومِ وماءُ النيلِ في قدحٍ ... والماء ماآنِ في ما شبهَ الماءُ
كأسٌ صفتْ وصفتْ منها زجاجتها ... كأنها لاشتباهِ اللونِ جوفاءُ
وقال ابن أبي أمية
سقياني بسرَّ منْ را إلى الدي ... رِ فأعلى الوادي إلى أحنائهْ
من شرابٍ كأنهُ ليس في الكأ ... سِ إذا ما صببتهُ من صفائه
وقال آخر في رقتها وصفائها
وكأسٍ سباها التجر من أرضِ بابلٍ ... كرقةِ ماء الشوقِ في الأعينِ النجلِ
إذا شجها الساقي حسبتَ حبابها ... عيونَ الدبَى من تحتِ أجنحةِ النملِ
وقال أبو نواس
وليس لللهوِ إلا كل صافيةٍ ... كأنها دمعةٌ في عينِ مهجورِ
وقال آخر المنسرح
وقهوةٍ كالدموعِ صافيةٍ ... من عينِ صبٍّ أذابهُ الحزنُ
وقال عبد الصمد بن المعذل
ونازعني كأساً كأن رضابها ... دموعي لما صدَّ عن مقلتي غمضِي
وقال ابن الرومي
فاسقنا من شرابك الرائق العذ ... بِ ولا تحمنا سقتك السماءُ

من عيونٍ كأنها دمعةُ المه ... جورِ يبكي وعينهُ مرهاء
وقال الأعشى في صفائها
تريكَ القذى من دونها وهي دونهُ ... إذا ذاقها من ذاقها يتمطقُ
وسئل النظام عن الزجاج فقال لا يخفى القذى ولا يسترُ وجه النديم وعيبه أنه يسرع إليه الكسر ولا يقبل الجبر. ومن حسن ما شبهتْ به قول أبي نواس المنسرح
ثمَّ توجأتُ رأسها بشبا ال ... اشفى فجاءت كأنها لهب
أقولُ لما حكتهما شبهاً ... أيهما للتشابه الذهب
هما سواءٌ والفرقُ بينهما ... أنهما جامدٌ ومنسكبُ
وقال ابن المعتز
يا نديميَّ أسقياني فقد لا ... حَ صباحٌ وأذنَ الناقوسُ
من كميتٍ كأنها أرضُ تبرٍ ... في نواحيه لؤلؤٌ مغروسُ
وقال أبو نواس
عتقتْ في الدنّ حتى ... هيَ في رقةِ ديني
ثم شجتْ فأدارتْ ... حولها مثل العيونِ
حدقاً ترنوا إلينا ... لمْ تحجرْ بجفونِ
ذهباً يثمرُ دراً ... كلَّ إبانٍ وحينِ
وله أيضاً المنسرح
وخندريسٍ باكرتُ حانتها ... فودجوا خصرها بمبزالِ
فسالَ عرقٌ على ترائبها ... كأنَّ مجراهُ فتلُ خلخالِ
وقال ابن المعتز المنسرح
تخرج من دنها وقد حدبتْ ... مثل هلالٍ بدا بتقويسِ
من لامني في المدام فهو كمنْ ... يمشقُ بالماءِ في القراطيسِ
وقال أوس بن حجر
سأرقمُ في الماءِ القراحِ إليكمُ ... على نأيكمْ إنْ كان للماءِ راقمُ
وقال أبو نواس
فإذا ما اجتليتها فهباءٌ ... تمنعُ الكفَّ ما تبيحُ العيونا
ثمَّ شجتْ فاستضحكتْ عن لآلٍ ... لوْ تجمعنَ في يدٍ لاقتنينا
في كؤوسٍ كأنهنَّ نجومٌ ... جارياتٌ بروجها أيدينا
طالعاتٌ مع السقاةِ علينا ... فإذا ما غربنَ يغربنَ فينا
لو ترى الشربَ حولها من بعيدٍ ... قلتَ قوماً من قرةٍ يصطلونا
وقال ابن المعتز
ظبيٌ خليٌّ من الأحزانِ أودعني ... ما يعلمُ اللهُ من حزنٍ ومن قلقِ
كأنه وكأنَّ الكأسَ في يدهِ ... هلالُ أولِ شهرٍ عبَّ في شفقِ
وقال ابن الرومي
ومهفهفٍ تمت محاسنه ... حتى تجاوز منية النفسِ
تصبو الكؤوس إلى مراشفهِ ... وتهشُّ في يدهِ من الحبسِ
وكأنه والكأسُ في يدهِ ... قمرٌ يقبلُ عارضَ الشمسِ
وقال أبو نواس
إذا عبَّ فيها شاربُ القومِ خلتهُ ... يقبلُ في داجٍ من الليلِ كوكبا
وله أيضاً
وكأنّ شاربها لفرطِ شعاعها ... بالليلِ يكرعُ في سنى مقباسِ
وقال ابن المعتز
يا حسنَ أحمدَ غادياً أمسِ ... بمدامةٍ صفراء كالورسِ
وكأنّ كفيهِ تقسمُ في ... أقداحنا قطعاً من الشمسِ
وقال ابن الرومي المنسرح
ونحن نسقَى شرابَ ذي أدبٍ ... ثناءُهُ من فواكهِ الرفقِ
يلقاك في رقةِ الشرابِ وفي ... نشرِ الخزامى وصفرةِ الشفقِ
له صريحٌ كأنه ذهبٌ ... ورغوةٌ كاللآلئ القلقِ
وتشبيه الحباب بأنصاف اللؤلؤ أحسن من تشبيهه بجميعه وقال ابن المعتز
أسقَى مخدرةَ الدنا ... نِ سلافَ خمرٍ قرقفا
راحاً كأنَّ حبابها ... درٌ يجولُ مجوفا
وقال أبو نواس
كأنّ صغرَى وكبرَى من فواقعِها ... حصباءُ درٍّ على أرضٍ من الذهبِ
وله
ثمَّ شجتْ فأدارتْ ... فوقها طوقاً فدارا
كاقترانِ الدرِّ بالدُّ ... رِ صغاراً وكبارا
فإذا ما اعترضتهُ ال ... عينُ منْ حيثُ استدارا
خلتهُ في جنباتِ ال ... كأسِ واواتٍ صغارا
وقال آخر
فجاء بها كالشمسِ يحكي حبابها ... نجومَ الثريا في الزجاجِ لنا حسنا
وقال أبو نواس المنسرح
تلعبُ لعبَ السرابِ في قدحِ ال ... قومِ إذا ما حبابُها اتصلا
وقال ابن المعتز
وكأسٍ تحجبُ الأبصارُ عنها ... فليسَ لناظرٍ فيها طريقُ
كأنّ غمامةً بيضاءَ بيني ... وبينَ الريحِ تخرقُها البروقُ
وقال أبو نواس
صرفٍ إذا استنبطتَ سورتها ... أدتْ إلى معقولكَ الفرحا
وكأنّ فيها من جنادبها ... فرساً إذا سكنتهُ جمحا
وأخذ من قول حسان في كلمته

بزجاجةٍ رقصتْ بما في جوفها ... رقص القلوص براكبٍ مستعجلِ
وقال آخر
نورٍ تحدرَ من فمِ الإبريقِ ... في ريحِ كافورٍ ولونِ خلوقِ
فكأنّها وشرارها متطائرٌ ... والماءُ يطفئُها لهيبُ حريقِ
وقال ابن أبي عون الكاتب
وللشمسِ في ضمنِ الدهورِ وديعةٌ ... تقومُ مقامَ الشمسِ إنْ غابتِ الشمسُ
يحققُها المستودعونَ فانجلتْ ... فلم يبقَ إلا الحسُّ منها أو الدسُ
وليس لها حد تحيطُ بوصفهِ الل ... غاتُ ولا جسم يباشره اللمس
تلاعبها كفُّ المزاجِ محبةً ... لها وليجري ذات بينهما الأنس
فتزبد من تيهٍ عليه كأنها ... عزيزةُ خدرٍ قد تخبطها اللمسُ
وقال أبو نواس
ثمَّ لما مزجوها ... وثبتْ وثبَ الجرادِ
ثمَّ لما شربوها ... أخذتْ أخذَ الرقادِ
ونحوه قوله
ولها دبيبٌ في العظامِ كأنه ... قبضُ النعاسِ وأخذهُ بالمفصلِ
عبقتْ أكفهمُ بها فكأنما ... يتنازعونَ بها سخابَ قرنفلِ
ومثله له
فأرسلتْ من فمِ الإبريقِ صافيةً ... مثلَ اللسانِ جرى واستمسك الجسدُ
وقال الطائي
وكأسٍ كمعسولِ الأماني شربتُها ... ولكنها أجلتْ وقد شربتْ عقلي
إذا عوتبت بالماء كان اعتذارها ... لهيباً كوقعِ النارِ في الحطبِ الجزل
إذا اليدُ نالتها بوترٍ توقرتْ ... على ضغنها ثمَّ استقادتْ من الرجلِ
وقال ديك الجن
وقم أنتَ فاحثنثْ كأسنا غيرَ صاغرٍ ... ولا تسقِ مطبوخاً وأسقِ عقارها
فقامَ تكادُ الكأسُ تخضبُ كفهُ ... وتحسبهُ من وجنتيهِ استعارها
موردةٌ في كفِّ ظبيٍ كأنما ... تناولها من خدهِ فأدارها
فظلنا بأيدينا نتعتعُ روحها ... وتأخذُ من أقدامنا الراحُ ثارها
وأخذ ابن المعتز قوله: كأنما ... تناولها من خده فأدارها وزاد عليه فقال
تدورُ علينا الكأسُ من كفِّ شادنٍ ... له لحظُ عينٍ تشتكي السقم مدنفُ
كأنَّ سلافَ الخمرِ من ماءِ خدهِ ... وعنقودها من شعرهِ الجعدِ يقطفُ
وقال الطائي
وقهوةٍ كوكبُها يزهرُ ... يسطعُ منها المسكُ والعنبرُ
ورديةٍ يحثها شادنٌ ... كأنها من خدهِ تعصرُ
مهفهفٌ لم يبتسم ضاحكاً ... مذ كان إلا كسد الجوهرُ
وقال ابن المعتز
ونارٍ قدحناها سراعاً بسحرةٍ ... متى ما يرقْ ماءٌ عليها توقدِ
يجولُ حبابُ الماءِ في جنباتها ... كما جالَ دمعٌ فوقَ خدٍ موردِ
وقال أبو نواس
فإذا علاها الماء ألبسها ... نمشاً شبيهَ جلاجلِ الحجلِ
حتى إذا سكنتْ جوانحها ... كتبتْ بمثلِ أكارِعِ النمل
وقال ابن المعتز
كأنَّ في كأسِها والماءُ يقرعها ... أكارعَ النملِ أو نقشَ الخواتيمِ
وقال المنسرح
للماء فيها كتابةٌ عجبٌ ... كمثلِ نقشٍ في فصِّ ياقوتِ
وقال مسلم
إذا مسها الساقي أعارتْ بنانه ... جلابيبَ كالجاديّ من لونها صفر
أناخَ عليها أغبرُ اللون أجوفٌ ... فصارتْ له قلباً وصارَ لها صدرا
أبتْ أن ينالَ الدنُّ مسَّ أديمها ... فحاكَ لها الإزبادُ من دونها سترا
وقال البحتري
ألا ربما كأسٍ سقاني سلافها ... رهيفُ التثني واضحُ الثغرِ أشنبُ
إذا أخذت أطرافهُ من فتورها ... رأيتَ اللجينَ بالمدامةِ يذهبُ
كأنَّ بعينيهِ الذي جاء حاملاً ... بكفيهِ من ناجودِها حين يقطبُ
وله
صافحتْ في وداعِنا فأرتنا ... ذهباً من خضابها في لجينِ
وقال أبو الشيص
سقاني بها والليلُ قد شابَ رأسهُ ... غزال بحناءِ الزجاجةِ مختضبْ
وله أيضاً المتقارب
يدور علينا بها شادنٌ ... يداهُ من الكأسِ مخضوبتانِ
وقال أبو نواس
شمولْ إذا شجتْ تقولُ عقيقةٌ ... تنافسَ فيها السومُ بين تجارِ
كأنّ بقايا ما عفى من حبابها ... تفاريق شيبٍ في سوادِ عذارِ
تعاطيكها كفٌ كأنَّ بنانها ... إذا اعترضتها العين صفُّ مدارِ
وقال ابن المعتز المنسرح
فاشربْ عقاراً كأنها قبسٌ ... قد سبكَ الدهرُ تبرها فصفا

يندى لثامُ الإبريقِ من دمها ... كأنه راعفٌ وما رعفا
وقال أبو الشيص
من كلِّ مرتجفِ الذوائبِ أحمرٍ ... كسرى أبوه وأمه بلقيسُ
يسعى بإبريقٍ كأن فدامهُ ... من نورها في عصفرٍ مغموسُ
وقال ابن المعتز
ومعشوقُ الشمائل عسكريٌ ... له قتلٌ وليسَ له سلاحُ
كأنَّ الكأسَ في يدهِ عروسٌ ... لها من لؤلؤٍ رطبٍ وشاحُ
وقال أبو نواس
ترى كأسها عندَ المزاجِ كأنها ... نثرتَ عليها حلي رأسِ عروسِ
فتهتكُ أستارَ الضميرِ عن الحشا ... وتبدي من الأسرارِ كلَّ حبسِ
وقال البحتري
قد سقاني ولم يصردْ أبو الغو ... ثِ على العسكرينِ شربةَ خلسِ
من مدامٍ تخالها وهيَ نجم ... في دجى الليل أو مجاجةُ شمسِ
أفرغتْ في الإناءِ من كلِ قلبٍ ... فهي محبوبةٌ إلى كلِ نفسِ
وقال أبو نواس
نبهْ نديمكَ قد نفسْ ... يسقيكَ كأساً في الغلسْ
صرفاً كأنّ شعاعها ... من كفِّ شارِبها قبسْ
تذرُ الفتى وكأنما ... بلسانهِ منها خرسْ
يدعَى فيرفعُ رأسهُ ... فإذا استقل به نكسْ
ونحوه قول أبي الهندي
سقيتُ أبا المطرحِ إذْ أتاني ... وذو الرعثاتِ منتصبٌ يصيحُ
شراباً يهربُ الذبانُ منه ... ويلثغُ حينَ يشربهُ الفصيحُ
وقال أبو نواس
جاءتك من بيتِ خمارٍ بطينتها ... صفراءُ مثلُ شعاعِ الشمسِ تتقدُ
فابتزها من فمِ الإبريقِ فانبعثتْ ... مثلَ اللسانِ جرى واستمسكَ الجسدُ
وقال الأخطل
نازعتهمْ طيبَ الراحِ الشمولِ وقد ... صاحَ الدجاجُ وحانتْ وقعةُ الساري
لما أتوها بمصباحٍ ومبزلهمْ ... سمتْ إليهم سموَّ الأبجلِ الضاري
ومن حسن الاستعارة قول ابن المعتز المنسرح
قمْ فاسقنيها سلافَ ما يعصرْ ... مجلوةً في غلائلِ الجوهرْ
اسكنتِ الدنَّ في معصفرةٍ ... وأخرجتْ في متبنٍ أصفرْ
وقال الناجم
عصرتْ فألقتْ حلةً سبجيةً ... عنها وجرتْ للعقيقِ ذيولا
وقال ابن الرومي المنسرح
ودرةُ اللونِ في خدود الندا ... مَى وهيَ صفراءُ في خدودِ الكؤوس
ولابن الرومي
هيَ الورسُ في بيضِ الكؤوسِ فإنْ بدتْ ... لعينيكَ في بيضِ الوجوهِ فعندمُ
وقال أبو نواس
تصبحْ بوجهِ الراحِ والطائرِ السعدِ ... كميتاً وبعدَ المزجِ في شبهِ الوردِ
وقال الناجم المتقارب
أدرْ يا سلامةُ كأسَ العقارِ ... وضاهِ بشدوكَ نوحَ القمارِي
وخذها مشعشعةً قهوةً ... تصبُّ على الليلِ ثوبَ النهارِ
يسالبها الخدُّ جريالها ... وتهديهِ للعينِ يوم الخمارِ
وقال ابن المعتز
ومقتولِ سكرٍ عاش لي إنْ دعوتهُ ... إلي مجيباً قد يرى غيهُ رشدا
فقام بكفيهِ بقايا خمارهِ ... وعيناهُ من خديهِ قد جنتا وردا
وقال الأعشى
وكريمةٍ مما يعتق بابلْ ... كدمِ الذبيحِ سلبتها جريالها
الرواة تفسر هذا البيت تقول شربتها حمراء وبلتها بيضاء وسئل أبو نواس عنها فقال المعنى فيه مثل قوله .
كأساً إذا انحدرتْ في حلقِ شاربها ... أرتكَ حمرتها في العينِ والخدِّ

باب 35 في
أواني الخمر
ومن التشبيهات في أواني الخمر قول علقمة بن عبدة
كأنَّ إبريقهمْ ظبْي على شرفٍ ... مفدمٌ بسبا الكتانِ ملثومُ
الفدام واللثام واحد وهو ما شددته على فم الإبريق أو فم الإنسان ومن ذلك قيل رجلٌ فدمٌ كأن على فمه غطاءً وملثوم بلثام وكانت أباريقهم قديماً بأرجلٍ فلذلك شبهوها بالظباء لطول أعناقها وقوائمها وقال آخر
يا ربَّ مجلسِ فتيةٍ نادمتهمْ ... منْ عبدِ شمسٍ في ذرى العلياء
وكأنما إبريقهم من حسنه ... ظبيٌ على شرفٍ أمام ظباءِ
وقال أبو الهندي في الأواني
مفدمةٌ قزاً كأنّ رقابها ... رقابُ بناتِ الماء أفزعها الرعدُ
وقال ابن المعتز
وكأنَّ إبريقَ المدامةِ بينهمْ ... ظبيٌ على شرفٍ أنافَ مدلها
لما استحثتهُ السقاةُ جثى لها ... فبكى على قدحِ النديمِ وقهقها
وقال اسحق الموصلي
كأن أباريقَ المدامةِ بينهْم ... ظباءٌ بأعلى الرقمتين قيامُ

وقد شربوا حتى كأنّ رقابهم ... من اللينِ لم تخلق لهن عظامُ
وقال أبو نواس نحو ذلك
ركبٍ تساقوا على الأكوارِ بينهمُ ... كأسَ الكرى وانتشى المسقيُّ والساقي
كأنَّ أرؤسهمْ ... والنومُ واضعها على المناكبِ لم تعدلْ بأعناقِ
ومما يدخلُ في هذا الباب من حسن التشبيه قول ابن الرومي يصف قدحاً أهداه إلى علي بن يحيى في أبياتٍ بعضها متعلق ببعض
وبديعٍ من البدائعِ يسبي ... كلَّ عقلٍ ويطبي كل طرف
دقَّ في الحسنِ والملاحةِ حتى ... ما يوفيه واصفٌ حقَّ وصفِ
كهواءٍ بلا هباءٍ مشوبٍ ... بضياءُ أرققْ بذاك وأصفِ
وسطُ القدرِ لم يكبرْ لجرعٍ ... متوالٍ ولم يصغرْ لرشفِ
لا عجولٌ على العقولِ جهول ... بل حليمٌ عنهنَّ من غير ضعفِ
ما رأى الناظرونَ قداً وشكلاً ... فارساً مثلهُ على ظهرِ كفِ
فيه لونٌ معقربٌ عطفتهُ ... حكماءُ القيونِ أحسنَ عطفِ
مثلَ عطفِ الأصداغ في وجناتٍ ... من غزالٍ زهى بثغرٍ وطرفِ
وقال في قدح رأى فيه نبيذاً أسود
علني أحمدٌ من الدوشابِ ... شربةٌ نغصتْ سوادَ الشبابِ
لا تراني وفي يدي قدحُ الدو ... شابِ أبصرتَ بازياً وغرابِ
وقال البحتري نحو ذلك المتقارب
فجاء نبيذٌ له حامضٌ ... يشقُّ على الكبدِ المقفره
إذا صبَّ مسودهُ في الإناءِ ... فكأسُ النديمِ به محبره
وقال ابن المعتز
أخي ردِ كأسَ الخمرِ عني فلا خمرا ... تبدلتَ منها أسوداً حالكاً مرا
كأنَّ بأيدي شاربيها إذا انتشوا ... محابرَ وراقينَ قد ملئتْ حبرا
ومن التشبيه الحسن قول البحتري في إناءٍ أرق
قد أتتنا تلك الهدية والصهباءُ من خيرِ ما تبرعتَ تهدى
لبست زرقةَ الزجاجِ فجاءتْ ... ذهباً يستبينُ في اللازوردي
وقال ابن المعتز
غدا بها صفراءَ كرخيةً ... كأنها في كأسها تتقدْ
فتحسبُ الماء زجاجاً جرى ... وتحسبُ الأقداحَ ماءً جمدْ
وقال الطائي
وكأن بهجتها وبهجة كأسها ... نارٌ ونورٌ قيدا بوعاءِ
أو درةٌ بيضاءُ بكرٌ أطبقتْ ... جبلاً على ياقوتةٍ حمراء
وقال ابن المعتز
منْ لي على رغمِ الحسودِ بقهوةٍ ... بكرٍ ربيبةِ خانةٍ عذراء
موجٍ من الذهبِ المذابِ تضمهُ ... كأسٌ كقشرِ الدرةِ البيضاءِ
وهذا قول أبي نواس
فالخمرُ ياقوتةٌ والكأسُ لؤلؤةٌ ... من كفِ جاريةٍ ممشوقةِ القدِ

باب 36 في
النرجس
ومن جيد ما قيل في النرجس ما أنشدناه المبرد
نرجسةٌ لا حظني طرفها ... يشبهُ ديناراً على درهمِ
وقال عبيد الله بن عبد الله فيه المنسرح
ترنو بأبصارها إليك كما ... ترنو إذا خافت اليعافيرُ
مثلَ اليواقيتِ قد نظمنَ على ... زمردٍ فوقهنَّ كافورُ
كأنها والعيونُ ترمقها ... دراهمٌ وسطها دنانيرُ
وقال أبو نواس
لدي نرجسٍ غضِّ القطافِ كأنه ... إذا ما منحناهُ العيونَ عيونُ
مخالفةٌ في شكلهنَّ فصفرةٌ ... مكانَ سوادٍ والبياضُ جفونُ
وقال وذكر العلةَ في أنه كعينٍ لا تطرفُ فصار التشبيه تاماً وهو
كأنما النرجسُ يحكي لنا ... عينَ محبٍّ أبداً تنظرُ
لا تطرفُ الدهرَ لإشفاقها ... تخوفاً من نظرةٍ تقصرُ
وقال آخر
وكأنّ العيونَ في النرجسِ الغضِّ عيونٌ قد وكلتْ بالسهودِ
وقال ابن الرومي يفضل النرجس على الورد
خجلتْ خدودُ الوردِ من تفضيلهِ ... خجلاً توردها عليه شاهدُ
لم يخجل الوردُ الموردُ لونهُ ... إلا وناحلهُ الفضيلةَ عاندُ
للنرجسِ الفضلُ المبينُ وإنْ أبى ... آبٍ وحادَ عن الطريقةِ حائدُ
فصلُ القضيةِ إنَّ هذا قائدٌ ... زهرَ الربيعِ وإنَّ هذا طاردُ
شتانَ بينَ اثنينِ هذا موعدٌ ... بتسلبِ الدنيا وهذا واعدُ
وإذا احتفظتَ به فأمتعُ صاحبٍ ... بحياتهِ لو أن حياً خالدُ
ينهي النديمَ عن القبيحِ بلحظةٍ ... وعلى المدامةِ والسماعِ مساعدُ
أطلبْ بعقلكَ في الملاحِ سميهُ ... يوماً فإنكَ لا محالةَ واجدُ

والوردُ لو فتشتَ فرداً في اسمهِ ... ما في الملاحِ له سميٌّ واحدُ
هذي النجومُ هي التي ربتهما ... بحيا السحابِ كما يربي الوالدُ
فانظرْ إلى الأخوينِ من أدناهما ... شبهاً بوالدهِ فذاك الماجدُ
أين الخدودُ من العيونِ نفاسةً ... ورئاسةً لولا القياسُ الفاسدُ
وقال الناشي المتقارب
أخص الصفات التي ... تناولها من كثبْ
عيونٌ بلا أوجهٍ ... لها حدقٌ من ذهبْ
وقال ابن المعتز
كأنَّ عيونَ النرجسِ الغضِ بيننا ... مداهنُ درٍّ بينهنَّ عقيقُ
إذا بلهنَّ القطرُ خلتَ دموعها ... بكاءَ عيونٍ كحلهنَّ خلوقُ
وقال ابن الرومي يستهدي نبيذاً
أدركْ ثقاتكَ أنهمْ وقعوا ... في نرجسٍ معه ابنةُ العنبِ
فهمُ بحالٍ لو بصرتَ بها ... سبحتَ من عجبٍ ومن طربِ
ريحانهمْ ذهبٌ على دررٍ ... وشرابهمْ دررٌ على ذهبِ
يا نرجسَ الدنيا أقمْ أبداً ... للاقتراحِ ودائرِ النخبِ
هذبَ العيونُ إذا مثلنَ بها ... دررُ الجفونِ زبرجدُ القضبِ
وأنشدنا زبير بن بكار
شموسٌ وأقمارٌ من الزهرِ طلعُ ... لذي اللهوِ في أكنافها متمتعُ
نشاوَى تثنيها الرياحُ فتنثني ... ويلثمُ بعضٌ بعضها ثمَّ يرجعُ
كانَّ عليها من مجاجةِ طلها ... لآلئ إلا أنها هي ألمعُ
ويحدرُها عنها الصبا فكأنها ... دموعٌ مراها البينُ والبين يفجعُ
وقال ابن المعتز في قصيدة له يصف فيها جملة الأنوار
أما ترى البستانَ كيفَ نورا ... ونشرَ المنشورَ برداً أصفرا
وضحكَ الوردُ على الشقائقِ ... واعتنقَ الغصنَ اعتناقَ وامقِ
في روضةٍ كحللِ العروسِ ... وخرمٌ كهامةِ الطاؤوسِ
وياسمين في ذرى الأغصانِ ... منتظمٌ كقطعِ العقيانِ
والسروُ مثلُ قضبِ الزبرجدِ ... قد استمدّ الماء من تربٍ ندِي
على رياضٍ وثرًى ثريِّ ... وجدولٍ كالمبردِ المجلي
وفرخَ الخشخاشُ حيناً وفتقْ ... كأنه مصحفةٌ بيضُ الورقْ
أو مثلُ أقداحِ من البلورِ ... تخالها تجسمتْ من نورِ
تبصرهُ بعدَ انتشارِ الوردِ ... مثلَ الدبابيسِ بأيدي الجندِ
والسوسنُ الآزاذُ منشورُ الحللْ ... كقطنٍ قد مسهُ بعضُ البللْ
وقد بدتْ فيه ثمارُ الكسبرِ ... كأنها جماجمٌ من عنبرِ
وحلقُ البهارِ حولَ الآسِ ... جمجمةٌ كهامةِ الشماسِ
وجلنارٌ كاحمرارِ الوردِ ... أو مثلُ أعرافِ ديوكِ الهندِ
والأقحوانُ كالثنايا الغرِّ ... قد فصلتْ أنوارها بالقطرِ
ومن جيد التشبيه فيها في ذم الشتاء
وقد نسيتُ شررَ الكانونِ ... كأنه نثارُ ياسمينِ
وتركَ البساطُ بعد الخمدِ ... ذا نقطٍ سودٍ كجلدِ الفهدِ
وتشبيه البهار بهامة الشماس مأخوذ من قول ابن الرومي في صفة روضة
وروضةٍ عذراء غيرِ عانسهْ ... جادتْ لها كلُّ سماءٍ راجسهْ
كأنما الألسنُ عنها لاحسهْ ... فيها شموسٌ للبهارِ وارسهْ
كأنها جماجمُ الشمامسهْ ... تروقكَ النورةُ منها الناكسهْ
بعينِ يقظَى وبجيدِ ناعسهْ ... لؤلؤةُ الطلِّ عليها فارسهْ
وقال ابن المعتز
يا ربما نازعتهُ ... روح دنانٍ صافيه
في روضةٍ كأنها ... جلدُ سماءٍ عاريهْ
وقال الأخيطل الواسطي
سقياً لأرضٍ إذا ما نمتُ ينبهني ... بعد الهدوءِ بها قرعُ النواقيسِ
كأنه سوسنها في كل شارفةٍ ... على الميادين أذنابُ الطواويسِ
وقال ابن المعتز
ظللتُ بملهى خيرَ يومٍ وملعبِ ... تدور علينا الكأسُ في فتيةٍ زهرِ
لدي نرجسٍ غضٍ وسرو كأنهُ ... قدودُ جوارٍ ملنَ في أزرٍ خضرِ
وقال سعيد بن حميد يذكر روضةً
حفتْ بسروٍ كالقيانِ تلبسْ ... خضرَ الحريرِ على قوامٍ معتدلْ
فكأنها والريحُ تخطرُ بينها ... تنوي التعانقَ ثم يمنعها الخجلْ
وله
وترى الغصونَ إذا الرياحُ تنفستْ ... ملتفةً كتعانقِ الأحبابِ
وقال ابن الرومي
ورياضٍ تخايلُ الأرضُ فيها ... خيلاء الفتاةِ في الأبرادِ

ذاتِ وشيٍ تكلفتهُ سوراٍ ... لبقاتٌ تحوكهُ وغوادِ
شكرتْ نعمةَ الوليِّ على الوس ... ميِّ ثمَّ العهدَ بعدَ العهدِ
هي تثنِي على السماءِ ثناءً ... طيبَ النشرِ شائعاً في البلادِ
من نسيمٍ كأنَّ مسراهُ في الأر ... واحِ مسرى الأرواحِ في الأجسادِ
منظرٌ معجبٌ تحيةُ إلفٍ ... ريحها ريحُ طيبِ الأولادِ
تتداعى بها حمائمُ مشتى ... كالبواكي وكالقيانِ الشوادِ
وقال آخر
إلى الروضِ الذي قد أضحكتهُ ... شآبيبُ السحائبِ بالبكاءِ
كأنَّ شقائقَ النعمانِ فيه ... ثيابٌ قد روينَ من الدماءِ
وقال الأخيطل
هذي الشقائق قد أبصرتُ حمرتها ... مستشرفاتٌ على عيدانها الذللِ
كأنها دمعةٌ قد مسحتْ كحلاً ... فاضتْ بها غبرةٌ في وجنتي خجلِ
وقال ابن المعتز
فطافَ بها ساقٍ أريبٌ بمبزلٍ ... كخنجرِ عيارٍ صناعتهُ الفتك
وحملَ آذريونةً فوقَ أذنهِ ... ككأسِ عقيقٍ في قرارتها مسكُ
وقال آخر في البنفسج
وكأنّ البنفسجَ الغضَّ يحكي ... أثر اللطمِ في خدودِ الغيدِ
وقال العلوي الكوفي
دمنٌ كأنَّ رياضها ... يكسينَ أعلامَ المطارفْ
وكأنما غدرانها ... فيها عشورٌ في مصاحفْ
وكأنما أنوارها ... تهتزَّ بالريحِ العواصفْ
طررُ الوصائفِ يلتقينَ بها إلى طررِ الوصائفْ
باتتْ سواريها تم ... خضُ في رواعدها القواصفْ
وكأنَّ لمعَ بروقها ... في الجوِ أسيافُ المثاقفْ
ثم انبرتْ سحاً كبا ... كيةٍ بأربعةٍ ذوارفْ
وقال البحتري
أتاكَ الربيعُ الطلقُ يختالُ ضاحكاً ... من الحسنِ حتى كاد أن يتكلما
وقد نبهَ النوروزُ في غلسِ الدجى ... أوائلَ وردٍ كنَّ بالأمسِ نوما
يفتحهُ بردُ الندى فكأنما ... يبثُّ حديثاً كان قبلُ مكتما
ومن شجرٍ ردَّ الربيعُ لباسهُ ... عليه كما نشرتَ وشياً منمنما
أحلَّ فأبدَى للعيونِ بشاشةً ... وكان قذًى للعينِ إذ كان محرما
وقال ابن الرومي
أصبحتِ الدنيا تروقُ من نظرْ ... بمنظرٍ فيه جلاءٌ للبصرْ
واهاً لها مصطنعاً لقد شكرْ ... أثنتْ على اللهِ بالآلاءِ المطرْ
فالأرضُ في روضٍ كأفوافِ الحبرْ ... تبرجتْ بعدَ حياءٍ وخفرْ
تبرجَ الأنثى تصدتْ للذكرْ
وقال ابن المعتز في روضةٍ
جلا لنا وجهُ الثرى عن منظرِ ... كالعصبِ أو كالوشيِ أو كالجوهرِ
من أبيضٍ وأصفرٍ وأحمرِ ... وطارِفٍ أجفانهُ لم تنظرِ
تخالهُ العينُ فماً لم يفغرِ ... وفاتقٍ كادَ ولم ينورِ
كأنه مبتسمٌ لم يكشرِ ... وأدمعُ الغدرانِ لم تكدرِ
كأنها دراهمٌ في منشرِ ... أو كعشورِ المصحفِ المنشرِ
فيه الندى مستوقفاً لم يقطرِ ... كدمعةٍ حائرةٍ في محجرِ
وقال عبد الصمد بن المعذلِ وينسب بعضهم هذه الأبيات إلى خالد الكاتب
رأتْ منه عيني منظرينِ كما رأتْ ... من الشمسِ والبدرِ المنيرِ على الأرضِ
عشيةَ حياني بوردٍ كأنه ... خدودٌ أضيفتْ بعضهنَّ إلى بعضِ
ونازعني كأساً كأنَّ رضابها ... دموعِيَ لما صدَّ عن مقلتِي غمضي
وولَّى وفعلُ السكرِ في حركاتهِ ... من الراحِ فعلُ الريحِ بالغصنِ الغض
وقال علي بن الجهم
ما أخطأ الوردُ منك شيئاً ... طيباً وحسناً ولا ملالا
أقام حتى إذا أنسنا ... بقربهِ أسرعَ انتقالا

باب 37 في
المياه والجداول
ومن حسن التشبيه في المياه والجداول والغدران قول ابن الرومي
ألذ من معتقِ الرساطونْ ... وقهوتي قطربلٍ وكرينْ
جرجرةٌ من ماءِ ليلِ تشرينْ ... كرونقِ السيفِ اليماني المسنونْ
وقال ذو الرمة في نحوه
فما انشقَّ ضوءُ الصبحِ حتى تبينتْ ... جداول أمثالَ السيوفِ القواطعِ
وقال آخر في ماءٍ شديدِ الجري
كأنما يفقدهُ من يشهده ... فهو شفاء الصاد مما يعمده
وقال ابن المعتز
لا مثلُّ منزلةِ الدويرةِ منزلٌ ... يا دارُ جادكِ وابلٌ وسقاكِ

وكأنّ درعاً مفرغاً من فضةٍ ... ماء الغدير جرتْ عليه صباكِ
وقال آخر
ألا ليتَ شعري هل أرى جانب الحمى ... وقد أنبتْ مسلانهُ بقلهُ جعدا
وهل أردنَّ الدهرَ ماء وقيعةٍ ... كأنّ الصبا شدتْ على متنهِ بردا
وقال مسلم صريع الغواني
وماءٍ كعينِ الشمسِ لا يقبلُ القذى ... إذا درجتْ فيه الصبا خلتهُ يعلو
وقال ابن المعتز
وماءٍ كأفقِ الصبحِ صافٍ جمامهُ ... دفعتُ القطا عنه وخففتُ كلكلا
إذا استجهلتهُ الريحُ جالتْ قذاتهُ ... وجردَ من إغمادِهِ فتسلسلا
فلما وردن الماء وانسلَّ صفوهُ ... كما أغمدتْ أيدي الصياقلِ منصلا
وله أيضاً
ظللتُ بها أسقَى سلافةَ قهوةٍ ... بكفِّ غزالٍ ذي جفونٍ صوائدِ
على جدولٍ ريانَ لا يكتمُ القذَى ... كأنّ سواقيهِ متونُ المباردِ
وقال ابن الرومي
على حفافيْ جدولٍ مسجورِ ... أبيضَ مثلِ المهرقِ المنشورِ
أو مثلِ متنِ المنصلِ المشهورِ ... ينسابُ مثلَ الحيةِ المذعورِ
وأنشد الطائي
اقرأ على الوشلِ السلامَ وقل له ... كلُّ المشاربِ مذ هجرت ذميمُ
سقياً لظلكَ بالعشيّ وبالضحى ... ولبردِ مائكَ والمياهُ حميمُ
وقال ابن المعتز يهجو ماءً
وماءٍ دارسِ الآثارِ خالٍ ... كدمغٍ حارَ في جفنٍ كحيل
وقال آخر
ألا هلْ إلى شربٍ بأكنافِ منشدٍ ... سبيلٌ فقد بلاكَ ماءُ اللواحقِ
له جلباتٌ في البطونِ كأنها ... إذا سمعتْ جريُ العتاقِ السوابقِ
كأن سحيقَ المسكِ شيب بطعمهِ ... إذا ذاقهُ يوماً على اللوحِ ذائقِ
وقال ذو الرمة
وماءٍ بعيدِ العهدِ بالناسِ آجنٍ ... كأنَّ الدبَى ماءَ الفضا فيه يبصقُ
وقال ابن المعتز
وماءٍ خلاءٍ قد طرقتُ بسدفةٍ ... عليه القطا كأنَّ آجنهُ الزيتُ
وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب
وأخضرَ كالحناءِ طامٍ جمامهُ ... بعيدٌ به الأصواتُ قطعَ بالمحلِ
وجدتُ عليه الذئبَ يعوي كأنهُ ... خليعٌ خلا من كلِ مالٍ ومن أهلِ
فقلتُ له يا ذئبُ هل لك في فتًى ... يواسيكَ في ظهرِ المطيةِ والرحلِ

باب 38 في
وصف النار
وقال كثير يذكر ناراً
رأيتُ وأصحابي بأيلةَ موهناً ... وقد غابَ نجمُ الفرقدِ المتصوبُ
لعزةَ ناراً ما تبوخُ كأنها ... إذا ما رمقناها من البعدِ كوكبُ
وقال آخر في صفة نار
كأنَّ النار تقطعُ من سناها ... بنائقَ جبةٍ من أرجوانِ
وقال ابن المعتز
وموقداتٍ بتنَ يضرمنَ اللهبْ ... يشبعنهُ من فحمٍ ومن حطبْ
يرفعنَ نيراناً كأشجارِ الذهبْ
وقال آخر
ومستنبحٍ بعدَ الهدوءِ دعوتهُ ... بشقراءَ مثلِ الفجرِ ذاكٍ وقودها
وقال جران العودِ
ونارٍ كسحرِ العودِ يرفعُ ضوءها ... مع الصبحِ هباتُ الرياحِ الزعازعِ
وقال ابن المعتز
فوقَ نارٍ شبعَى من الحطبِ الجز ... لِ إذا ما التظتْ رمتْ بالشرارِ
فهيَ تعلو اليفاعَ كالرايةِ الحم ... راءِ تفري الدجى إلى كلِ سارِ
وقال آخر في فتح هرقلة
كأنّ نيراننا في جنبِ قلعتهم ... مصبغاتٌ على أرسانِ قصارِ
وقال الطائي في إحراق المعتصم للأفشين
ما زالَ سرُّ الكفرِ بينَ ضلوعهِ ... حتى اصطلى سرَّ الزنادِ الواري
ناراً يساورُ جسمهُ من حرها ... لهبٌ كما عصفرتَ شقَّ إزارِ
طارتْ لها شعلٌ يهدمُ لفحها ... أركانهُ هدماً بغيرِ غبارِ
مشبوبةً رفعتْ لأعظمِ مشركٍ ... ما كانَ يرفعُ ضوءها للساري
صلى لها حياً وكان وقودها ... ميتاً ويدخلها مع الفجارِ
باب 39 في
طول الليل
ومن التشبيه الحسن في طول الليل قول امرئ القيس
وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سدولهُ ... عليَّ بأنواعِ الهمومِ ليبتلي
فقلتُ له لما تمطى بصلبهِ ... وأردفَ أعجازاً وناءَ بكلكلِ
ألا أيها الليلُ ألا انجلِ ... بصبحٍ وما الإصباحُ منكَ بأمثلِ
فيا لك من ليلٍ كأنَّ نجومهُ ... بكلِّ مغارِ الفتلِ شدتْ بيذبلِ

كأنَّ الثريا علقتْ في مصامها ... بأمراسِ كتانٍ إلى صمِّ جندلِ
وقال الطرماحُ مثل قوله: وما الإصباح فيك بأمثل. وزاد عليه
ألا أيها الليلُ ألا اصْبِحي ... ببمَّ وما الإصباحُ فيك بأروحِ
على أنَّ للعينينِ في الصبحِ راحةً ... بطرحهما طرفيهما كلَّ مطرحِ
ومثله قول الآخر
يا ليلُ ليتكَ سرمدٌ أبداً ... ما في الصباحِ لعاشقٍ فرجُ
وقال آخر مثل قوله بأمراس كتان
أراقبُ في السماءِ بناتِ نعشٍ ... ولو أسطيعُ كنتُ لهنَّ حادي
كأنّ الليلَ أوثقَ جانباهُ ... وأوسطَهُ بأمراسٍ شدادِ
وقال آخر
ليلٍ تطاولً ما ينفكُّ عن جهةٍ ... كأنه فوقَ وجهِ الأرضِ مشكولُ
لا فارقَ الصبحَ كفي إنْ ظفرتُ به ... وإنْ بدتْ غرةٌ منه وتحجيلُ
وقال بشار
خليليَّ ما بالُ الدجى ليسَ يبرحُ ... وما لعمودِ الصبحِ لا يتوضحُ
أضلَّ النهارُ المستنيرُ طريقهُ ... أم الدهرُ ليلٌ كأنه ليسَ يبرحُ
وطالَ عليَّ الليلُ حتى كأنهُ ... بليلينِ موصولٌ فما يتزحزحُ
وقال آخر
كأنَّ بهيم الليلِ أعمى مقيدٌ ... تحيرَ في تيهٍ من الأرضِ مجهلِ
كأنَّ الظلامَ حينَ أرخى سدولهُ ... يبيتُ على ليلٍ بليلٍ موصلِ
وقال ابن الرقاعِ مثله
وكنَّ ليلي حين تغربُ شمسهُ ... بسوادِ آخر مثلهِ موصولُ
أرعى النجومَ إذا تغيبَ كوكبٌ ... أبصرتُ آخر كالسراجِ يجولُ
وقال أصرمُ بن حميد
وليلٍ طويلِ الجانبينِ قطعتهُ ... على كمٍد والدمعُ تجري سواكبهْ
كواكبهُ حسرى عليه كأنها ... مقيدةٌ دونَ المسير كواكبهْ
وقال آخر
ما لنجومِ الليلِ لا تغربُ ... كأنها من خلفها تجذبُ
رواكداُ ما غار في غربها ... ولا بدا من شرقها كوكبُ
وذكرَ الفرزدقُ العلةَ في طول الليل فقال
يقولونَ طالَ الليلُ والليلُ لم يطلْ ... ولكنَّ من يبكي من الشوقِ يسهرُ
وقال بشار
لم يطلْ ليلي ولكنْ لم أنمْ ... ونفى عني الكرى طيفٌ ألمْ
وقال العجاج
تطاول الليلُ على مَنْ لم ينمْ ... واحتمت العينُ احتمامَ ذي السقم
وقال علي بن محمد بن نصر بن بسام
لا أظلمُ الليلَ ولا أدَّعِي ... أن نجومَ الليلِ ليستْ تغور
ليلي كما شاءتْ فإنْ لم تجدْ ... طالَ وإنْ جادتْ فليلي قصيرْ
وقال بشار
أقولُ وليلتي تزدادُ طولاً ... أما لليلِ بعدهمُ نهارُ
نبتْ عيني عن التغميض حتى ... كأنَّ جفونها عنها قصارُ
ومن حسن الكلام في طول الليل وإنْ لم يكنف يه تشبيه قول النابغة
كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ ... وليلٍ أقاسيه بطيءَ الكواكبِ
تقاعس حتى قلتُ ليسَ بمنقضٍ ... وليسَ الذي يرعى النجومَ بآئبِ
وأحسنَ ابن الأحنف في قوله أيضاً
أيها النائمونَ حولي أعينو ... ني على الليلِ حسبةً وائتجارا
حدثوني عن النهارِ حديثاً ... أو صفوهُ فقد نسيتُ النهارا
وقال سعيد بن حميد الكاتب
يا ليلُ بل يا أبدُ ... أنائمٌ عنك غدُ
يا ليلُ لوْ تلقَى الذي ... ألقى بها أو أجدُ
قصرَ من طولكَ أوْ ... ضعفَ منكَ الجلدُ
أشكو إلى ظالمةٍ ... تشكو الذي لا تجدُ
وقفٌ عليها ناظري ... وقفٌ عليها السهدُ
والباب في هذا أوسع من أن نحصره في هذا الفصل وقال الحارث بن خالد
تعالوا أعينوني على الليلِ إنهُ ... على كلِّ عينٍ لا تنامُ طويلُ
وذكر عمر بن شبة أن بيت الحارث بن خالد أصلٌ من ذكر طول الليل وقال خالد الكاتب المتقارب
رقدتَ فلم ترثِ للساهرِ ... وليلُ المحبِّ بلا آخرِ
ولم تدرِ بعدَ ذهابِ الرقا ... دِ ما فعلَ الدمعُ من ناظري
وقال ابن الرومي
ربَّ ليلٍ كأنهُ الدهرُ طولاً ... قد تناهى فليسَ فيه مزيدُ
ذي نجومٍ كأنهنَّ نجومُ ال ... شيبِ ليستْ تزولُ لكنْ تزيدْ

باب 40 في
خفوق القلب
ومن حسن التشبيه في خفوق القلب وتعلقه قول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت
كأنَّ فؤادي في مخالبِ طائرٍ ... إذا ذكرتكِ النفسُ شدَّ بها قبضا

كأنَّ فجاجَ الأرضِ حلقةُ خاتمٍ ... عليَّ فما تزدادُ طولاً ولا عرضا
ومثل هذا قول الآخر
كأنَّ بلادَ اللهِ وهي عريضةٌ ... على الخائفِ المذعورِ كفةُ حابلِ
الكفة بالكسر من الميزان معروفة ويفتح ومن الصائد حبالته ويضم وقال الشماخ
وبات فؤادي مستخفاً كأنه ... خوافي عقابٍ بالجناحِ خفوقُ
وقال الفرزدق
وخافوكَ حتى القومُ تنزو قلوبهمْ ... كنزوِ القطا ضمتْ عليه الحبائلُ
وقال عروة بن حزامٍ
كأنَّ قطاةً علقتْ بجناحها ... على كبدي من شدةِ الخفقان
أناسيةٌ عفراءُ ذكرى بعدما ... تركتُ لها ذكراً بكلِ مكانِ
وقال ابن ميادة
ألا ما لقلبي لا يزال كأنهُ ... يدا لامعٍ أو طائرٌ يتصرفُ
وقال توبة بن الحمير
كأنَّ القلبَ ليلةَ قيل يغدي ... بليلي العامرية ويراحُ
قطاةٌ عزها شركٌ فباتتْ ... تجاذبهُ وقد علقَ الجناحُ
فلا في الليلِ نالتْ ما تمنت ... ولا في الصبحِ كان لها براحُ
وقال بشار
كأنَّ فؤادهُ كرةٌ تنزَّى ... حذارِ البينَ إنْ نفعَ الحذارُ
نبتْ عيني عن التغميضِ حتى ... كأنَّ جفونها عنها قصارُ
ومثله قول الآخر المتقارب
كأنَّ المحبَّ قصيرُ الجفونِ ... لطولِ السهادِ ولم تقصرِ
وقال ديك الجن
كأنَّ على قلبي قطاةً تذكرتْ ... على ظمإٍ ورداً فهزتْ جناحها
ولي كبدٌ حرَّى ونفسٌ كأنها ... بكفِّ عدوٍ ما يريدُ سراحها
وقال آخر
كأنَّ فؤادي عظمُ ساقٍ مهيضةٍ ... عنيفٌ مداريها بطيءٌ جبورها
إذا حزموها بالجبائرِ أوهنتْ ... ونْ تركوها فهي بادٍ كسورها
وقال المجنون
كأن فؤادي كلما مر راكبٌ ... جناحُ عقابٍ رامَ نهضاً إلى وكرِ
تداويتُ من ليلَى بليلَى من الهوى ... كما يتداوى شاربُ الخمرِ بالخمرِ
وقال أبو صخرٍ الهذلي
وإني لتعروني لذكراكِ روعةٌ ... كما انتفضَ العصفورُ بللهُ القطرُ
وقال المجنون
وداعٍ دعا إذْ نحنُ بالخيفِ من منًى ... فهيجَ أحزانَ الفؤادِ وما يدرِي
دعا باسمِ ليلَى غيرها فكأنما ... أطار بليلَى طائراً كان في صدري

باب 41 في
فناء الناس
ومن حسن التشبيه في فناء الناس قول عدي بن زيد
أينَ كسرى كسرى الملوكِ أبو سا ... سانَ أم أينَ قبلهُ سابورُ
وبنو الأصفرِ الكرامُ ملوكُ ال ... روم لم يبقَ منهم مذكور
وأخو الحضرِ إذْ بناهُ وإذْ دج ... لةُ تجبى إليه والخابورُ
شادهُ مرمراً وجللهُ كل ... ساً فللطيرِ في ذراهُ وكورُ
لم يهبهُ ريبُ المنونِ فبانَ ال ... ملك عنه فبابهُ مهجور
وتبينْ ربَّ الخورنقِ إذْ أش ... رفَ يوماً وللهدى تفكيرُ
سرهُ حالهُ وكثرةُ ما يم ... لك والبحرُ معرضاً والسديرُ
فارعوَى قلبُهُ وقال فما غب ... طةُ حيٍّ إلى المماتِ يصيرُ
ثمَّ أضحوا كأنهم ورقٌ ج ... فَّ فألوتْ به الصبا والدبورُ
ثم بعدَ الفلاحِ والملكِ والإ ... مةِ وارتهمُ هناك القبورُ
وقال نافع بن لقيط الفقعسي
فلئنْ بليتُ لقدْ عمرتُ كأنني ... غصنٌ تثنيهِ الرياحُ رطيبُ
وكذاكَ حقاً من يعمرْ يبلهِ ... كرُّ الزمانِ عليه والتقليبُ
وقال النابغة الجعدي المتقارب
وما البغيُ إلا على أهلهِ ... وما الناسُ إلا كهذي الشجرْ
ترى الغصنَ في عنفوانِ الشبا ... بِ يهتزُّ من بهجاتٍ خضرْ
زماناً من الدهرِ ثمَّ التوى ... فعادَ إلى صفرةٍ فانكسرْ
وقال الآخر
والناسُ يبلونَ كما تبلى الشجرْ
وقال آخر
كنا كغصْنينِ في جرثومةٍ بسقا ... حيناً بأحسنِ ما تنمِي له الشجرُ
حتى إذا قيلَ قد طالتْ فروعهما ... وطابَ قنواهما واستطعم الثمرُ
أحنى على واحدٍ ريبُ الزمانِ وما ... يبقى الزمانُ على شيءٍ ولا يذرُ
كنَّا كأنجمِ ليلٍ وسطها قمرٌ ... يجلو الدجى فهوى من بينها القمرُ
ومثله للطائي
كأنَّ بني نبهانَ يومَ وفاتهِ ... نجوم سماءٍ خرَّ من بينها البدرُ
وقال ابن مناذرٍ

وأرانا كالزرعِ يحصدهُ الده ... رُ فمن بينِ قائمٍ وحصيدِ
والمعنى للطرماح
إنما المرءُ مثل نابتةِ الزر ... عِ متى يأتِ محتصدهْ
وقال آخر
إنَّ الشبابَ إذا ما الشيبُ حلَّ به ... كالغصنِ يصفرُّ فيه ناعمُ الورقِ
شيبٌ تعللهُ كيما تدلسهُ ... كبيعك الثوبَ مطوياً على حرقِ
وقال لبيد
وما المرءُ إلا كالشهابِ وضوءهِ ... يعودُ رماداً بعدَ إذْ هوَ ساطعُ
وسرقه ابن الرومي فقال
معادُ الفتى شيخوخةٌ أو منيةٌ ... ومرجعُ وضاحِ المصابيحِ رمددُ
وقال الجعدي
وأبقى الدهرُ والأيامُ منى ... كما أبقينَ من عضبٍ يمانِ
والسيف إذا قدمَ عهده وصدى صفت حديدته وخلص من صدئه وتمثل معاوية لمصقلة بن هبيرة
أبقى زمانك من خلي ... لك مثل جندلةِ المراجمْ
قد رامني الأعداءُ قب ... لكَ فامتنعتُ عن المظالمْ
وقال النمر بن تولب
كأنَّ محطاً في يديْ حارثيةٍ ... صناعٍ علتْ مني به الجلد من علُ
يودُّ الفتى طول السلامةِ جاهداً ... فكيفَ ترى طولَ السلامةِ يفعلُ
ومثله لحميد بن ثور الهلالي
أرى بصري قد رابني بعدَ صحةٍ ... وحسبك داءَ أن تصحَّ وتسلما
وأنشدنا ثعلب
كانتْ قناتي لا تلينُ لغامزٍ ... فألانها الإصباحُ والإمساءُ
فدعوتُ ربي بالسلامةِ جاهداً ... ليصحنى فإذا السلامة داءُ
وقال ابن مناذر لأبي العيناء وقد أسنَّ كيف أصبحتَ فقال في داءٍ يتمناهُ الناسُ وقال أبو العتاهية
أسرعَ في نقصِ امرئٍ تمامهُ ... يا ذا الذي قد بعدتْ أيامهُ
وله أيضاً
وأسرُّ في الدنيا بكلِ زيادةٍ ... وزيادتي فيها هي النقصُ
وقال عمرو بن قميئة
كأنّي وقد جاوزتُ تسعين حجةً ... خلعتُ بها عني عذار لجامي
وقال آخر
حنتني حانياتُ الدهرِ حتى ... كأني خاتلْ أدنو لصيدِ
قريبُ الخطوِ يحسبُ من رآني ... ولستُ مقيداً أنّي بقيدْ
وقال رجل لشيخ رآه يمشي من قيدك يا شيخ قال الذي يفتلُ قيدك يعني الدهر وقال آخر
أرى مرَّ السنينَ أخذنَ مني ... كما أخذ المحاقُ من الهلالِ
وقال الأخطل
يا قاتل الله وصل الغانيات إذا ... أيقنَّ أنكَ ممنْ قد وهى الكبرُ
أعرضنَ لما حنى قوسي موترها ... وابيضَّ بعد اسودادِ اللمةِ الشعرُ
وقال آخر
شيخٍ تحنَّى وأودَى لحمُ أعظمهِ ... تحنى النبعةِ الصفراءِ في الوترِ
ومما يتصل بهذا الباب قول ابن الرومي
مضى زمنُ اللحظِ الذي كان يستبي ... قلوبَ المهى فاجعلنَ دمعاً مفيضا
كأنَّ شباباً كان لي فسلبنهُ ... كساني منه سالفُ الدهرِ معرضا
وقال ابن مقبل
يا حرُّ أمسى سوادُ الرأسِ خالطهُ ... شيبُ القذالِ اختلاطَ الصفو بالكدرِ
يا حرُّ منْ يعتذرْ من أن يلمَّ به ... ريٌب الزمانِ فإني غيرُ معتذرِ
وأنشدني أبي رحمه الله قال أنشدنا حمودٌ الطيالسي قال أنشدنا أبو البيداء عن شعبة بن الحجاج
يا منْ لشيخٍ قد تخددَ لحمهُ ... أفنى ثلاثَ عمائمٍ ألوانا
سوداءَ حالكةً وسحقَ مفوفٍ ... وأجدَّ لوناً بعدَ ذاكَ هجانا
ثم المماتُ وراء ذلك كلهِ ... وكأنما يعني بذاكَ سوانا
وقال الفرزدق
والشيبُ ينهضُ في الشبابِ كأنه ... ليلٌ يصيحُ بجانبيهِ نهارُ
وقال البحتري في قص الشيب
وأبتْ تركي الغدياتُ والآ ... صالُ حتى خضبتُ بالمقراضِ
شعراتٍ أقصهنَّ ويرجع ... نَ رجوعَ السهامِ في الأغراضِ
وقال ابن المعتز
ألستَ ترى شيباً برأسيَ شاملاً ... ونتْ حيلتي عنه وضاقَ به ذرعي
كأنَّ المقاريضَ التي يعتورنهُ ... مناقيرُ طيرٍ تنتقي سنبلَ الزرعِ
وقال
وما زلتَ ترجو نيلَ سلمى وودَّها ... وتبعدُ حتى ابيضَّ منك المسائحُ
ملا حاجبيكَ الشيبُ حتى كأنه ... ظباءٌ جرى منها سنيحٌ وبارحُ
وقال كثيرٌ
مسائحُ فودَى رأسهِ مشمعلةٌ ... جرى مسكُ دارينَ الأحمُّ خلالها
وقال البحتري
وكنتُ أرجي في الشباب شفاعةً ... وكيفَ لباغي حاجةٍ بشفيعهِ

مشيبٍ كبثِ السرِّعَيَّ بحملهِ ... محدثهُ أو ضاقَ صدرُ مذيعهِ

باب 42 في
مدح الشيب
وقال دعبل في مدح الشيب
أهلاً وسهلاً بالمشيبِ فإنه ... سمةُ العفيفِ وحليةُ المتحرجِ
وكأنَّ شيبي نظمُ درٍ زاهرٍ ... في تاجِ ذي ملكٍ أغرَّ متوجِ
وقال علي بن الجهم
حسرتْ عنيَ القناعَ لومُ ... فتولتْ ودمعها مسجومُ
أنكرتْ ما رأتْ برأسي وقالتْ ... أمشيبٌ أمل لؤلؤٌ منظومُ
قلتُ أولاهما برأسي فأنتْ ... أنةً يستثيرها المهمومُ
وقال مسلمٌ صريع الغواني
الشيبُ كرهٌ وكرهٌ أن تفارقهُ ... أعجبْ بشيءٍ على البغضاءِ مودودِ
يمضي الشبابُ وقد يأتي له خلفٌ ... والشيبُ يذهبُ مفقوداً بمفقودِ
وقال عبد الصمد بن المعذل
لاحَ شيبي فظلتُ أمرخُ فيه ... مرحَ الطرفِ في اللجامِ المحلَّى
وتولَّى الشبابُ فازددتُ غياً ... في ميادينِ باطلي إذْ تولَّى
إنَّ منْ ساءهُ الزمانُ بشيءٍ ... لأحقُّ امريءٍ بأنْ يتسلَّى
أتراني أسوءُ نفسيَ لمّا ... ساءني الدهرُ لا لعمريَ كلا
ومن حسن ما قيل في مدح الشيب قول الشاعر
والشيب إن يحلُلْ فإنَّ وراءهُ ... عمراً يكونُ خلالهُ متنفسُ
لم ينتقصْ مني المشيبُ قلامةً ... ألآنَ جينَ بدا ألبُّ وأكيسُ
والبيت الأول مأخوذ من قول امرئ القيس
ألا إنَّ بعدَ العدمِ للمرءِ قنوةً ... وبعدَ المشيبِ طولَ عمرٍ وملبسا
وقال أبو عون الكاتب
هزئتْ إذْ رأتْ مشيبي وهلْ غي ... رُ المصابيح زينةٌ للسماءِ
وتولتْ فقلتُ قولاً بإفصا ... حٍ لها لا بالرمزِ والإيماءِ
إنما الشيبُ في المفارِقِ كالنو ... رِ بدا والسوادُ كالظلماءِ
أبيضٌ والبياضُ للماءِ والبحرِ جميعاً فخلقهُ من ماءِ
وهو لونُ السماءِ ما لم تعرضْ ... خضرةُ الجوِ دونَ لونِ السماء
وهو لونُ الكأسِ التي وعدَ الأب ... رارُ لا غولها على الندماء
كسبيكِ اللجينِ والدرِّ لاقى ... صدفَ الماء فيه قطرُ العماء
وإذا غلَّ بالخضابِ فكالعق ... يانِ في حلقِ غادةٍ أدماء
لم تعيبي إذْ عبتِ بالشيبِ إلا ... عمةً من عمائمِ الحكماءِ
منحتْ سودداً وحليةَ مجدٍ ... ووقارٍ بادٍ على العظماءِ
لا محيصٌ عن المشيبِ أو المو ... تِ فكنْ للحوباءِ أو للنماءِ
إنَّ عمراً عوضتُ فيه من المو ... تِ بشيبٍ من أعظمِ النعماء
وقال محمود الوراق في ذم الخضاب
يا خاضبَ الشيبِ الذي ... في كل ثالثةٍ يعودُ
إن النصولَ إذا نضا ... فكأنه شيبٌ جديدُ
وقال ابن المعتز يعتذر من ذلك المتقارب
وقالوا النصولُ مشيبٌ جديدُ ... فقلتُ الخضابُ شبابٌ جديدُ
إساءةُ هذا بإحسانِ ذا ... فإنْ عادَ هذا فهذا يعودُ
وقال آخر في الصلع
لعمركَ إنني وأبا ربيعٍ ... على ريب الحوادثِ والمنونِ
كلانا كلُّ شيءٍ من قفاهُ ... إلى الخدينِ من رأسِ الجنينِ
وقال آخر
قالتْ سليمى والكبيرُ يصلعُ ... ما رأسُ ذات إلا جبينٌ أجمعُ
وأنشد ابن الأعرابي
برى رأسه بارٍ بغيرِ حديدةٍ ... فمفرقهُ من بين أذنيهِ أجمعُ
حفافانِ مثل القذتينِ وهامةٌ ... يزلُّ الذبابُ الثقفُ عنها فيصرعُ
وقال آخر:
برى أعظمى مر الزمان الذي مضى ... وبدلت من رأسٍ ثلاثة أرؤسِ
حفافان مثل القذتين وهامةُ ... يزل الذباب الثقف عنها فيفرس
باب 43 في
الشعر
ومن حسن التشبيه في ذكر الشعر قول حبيب بن أوس الطائي
ووالله لا أنفكُّ أهدِي شوارداً ... إليك يحملنَ الثناءَ المنخلا
تخال بها برداً عليك محبراً ... وتحسبها عقداً عليك مفصلا
ألذَّ من السلوى وأطيبَ نفحةً ... من المسكِ مفتوقاً وأيسرَ محملا
أخفَّ على روحٍ وأثقلَ قيمةً ... وأقصرَ في سمعِ الجليسِ وأطولا
ويزهى بها قومٌ ولم يمدحوا بها ... إذا مثلَ الراوي بها أو تمثلا
وقال عديّ بن الرقاع
وقصيدةٍ قد بتُّ أجمعُ بينها ... حتى أقومَ ميلها وسنادها

نظرَ المثقفِ في كعوبِ قناتهِ ... حتى يقيم ثقافهُ منادَها
والشاعر يجوز له أن يقرظ شعره كما يجوز له تسمية أولاد الخلفاء والرؤساء وقال ابن الرومي في قصيدة له في أبي محمد عبيد الله بن سليمان بن وهب
هاكها والهاً إليكَ عروبا ... تتثنَّى رشاقةً ودلالا
لم أقلْ هاكها لشيءٍ سوى العا ... دةِ والشعرُ يركبُ الأهوالا
منطقٌ يطرحُ الكنى ويسمى ... منْ يكنَّ ولا يبالي مبالا
جاهليٌّ كما علمتَ ولكنْ ... لا تراهُ يعاملُ الجهالا
وفي ما ذكرنا مما يجوز لهم قول البحتري
تطوعُ القوافي فيكم فكأنما ... يسيلُ إليكم من عدوٍ قصيدها
فكم ليَ من محبوكةِ الوشي فيكم ... إذا أنشدتْ قامَ امرءٌ يستعيدها
وقال الطائي يمدح دينار بن عبد الله
وقد علمَ القرمُ المساميكَ أنه ... سيغرقُ في البحرِ الذي أنتَ خائضُ
كما علمَ المستشعرونَ بأنهم ... بطاءٌ عن الشعرِ الذي أنا قارضُ
كأني دينارٌ ينادي ألا امرءاً ... يبارزُ إذ ناديتُ من ذا يقارضُ
وقال آخر
وإنّي لمهدٍ من ثنائي قصيدةً ... ترى لابنِ عمِ الصدقِ قيسِ بنِ مالكِ
أهزُّ بها في ندوةِ الحيِّ عطفهُ ... كما هزَّ عطفى بالهجانِ الأوارِكِ
وقال الطائي
إنّ القوافي والمساعيَ لم تزلْ ... مثل النظامِ إذا أصابَ فريدا
هي جوهرٌ نثرٌ فإنْ ألفتهُ ... بالشعرِ كان قلائداً وعقودا
من أجلِ ذلك كانت العربُ الألى ... يدعونَ هذا سودداً محمودا
وتندُّ عندهمُ العلى إلا عُلًى ... جعلتْ لها مررُ القصيدِ قيودا
وقال علي بن الجهم
ولكنَّ إحسانَ الخليفةِ جعفرٍ ... دعاني إلى ما قلتُ فيه من الشعرِ
فسارَ مسيرَ الشمسِ في كلِ بلدةٍ ... وهبَّ هبوبَ الريحِ في البرِّ والبحرِ
وقال أشجع السلمي
ذهبتْ مكارمُ جعفرٍ وفعالهُ ... في الناسِ مثلَ مذاهبِ الشمسِ
وقال البحتري
وقد أتتكَ القوافي غبَّ فائدةٍ ... كما تفتحُ غبَّ الوابلِ الزهرُ
ومنْ يكنْ فاخراً بالشعرِ يمدحُ في ... أضعافهِ فبكَ الأشعارُ تفتخرُ
وقال أيضاً
وكنتُ إذا استبطأتُ ودكَ زرتهُ ... بتفويفِ شعرٍ كالرداءِ المحبرِ
عتابٌ بأطرافِ القوافي كأنهُ ... طعانٌ بأطرافِ القنى المتكسرِ
فأجلو به وجهَ الإخاء وأجتلي ... حياءَ كصبغِ الأرجوان المعصفرِ
وقال ابن الرومي
فدونكها من شاعرٍ لك شاكرٍ ... وإنْ حركَ الخيمُ الكرامَ وحرضا
ما ازدادَ فضلٌ فيك بالمدحِ شهرةً ... ولكنهُ كالمسكِ صادفَ مخوضا
وقال البحتري
ألستَ الموالي فيك نظمَ قصائدٍ ... هي الأنجمُ اقتادتْ مع الليلِ أنجما
ثناءُ كأنَّ الروضَ منه منوراً ... ضحًى وكأنَّ الوشيَ فيه مسهما
وقال ابن الرومي في قصيدة يهجو فيها
خذْها إليكَ مشيحةً سيارةً ... في الناسِ من بادٍ ومن متحضرِ
تغدو عليك بحاصبٍ وبتاربٍ ... وعلى الرواةِ بلؤلؤٍ متخيرِ
وقال الأعشى
فإنْ تتعدني أتعدكَ بمثلها ... وسوفَ أزيدُ الباقياتِ القوارصا
قوافي أمثالاً يوسعنَ جلدهُ ... كما زدتَ في عرضِ القميصِ الدخارصا
وقال البحتري
إليكَ القوافي نازعاتٌ قواصداً ... يسيرُ ضاحي وشيها وينمنمُ
ومشرقةٌ في النظمِ غرٌ يزيدها ... بهاءً وحسناً أنَّها لك تنظمُ
ضوامنُ للحاجاتِ إما شوافعاً ... مشفعةً أو حاكماتٍ تحكمُ
وكائنْ غدتْ لي وهيَ شعرٌ مسيرٌ ... وراحتْ عليَّ وهيَ مالٌ مسومُ
وقال الطائي في آخر قصيدة له
حذيتْ حذاءَ الحضرمية أرهفتْ ... فأجابها التحضيرُ والتلسينُ
إنسيةٌ وحشيةٌ كثرتْ بها ... حركاتُ أهلِ الأرضِ وهي سكونُ
أما المعاني فهي أبكارٌ إذا ... نصتْ ولكنَّ القوافيِ عونُ
أحذاكها صنعُ الضميرِ يمدهُ ... جفرٌ ذا نضبَ الكلامُ معينُ
ويسيءُ بالإحسانِ ظناً لا كمن ... يأتيكَ وهو بشعرهِ مفتونُ
وقال البحتري
وما عدلتْ عنكَ القصائدُ معدلاً ... ولا تركتْ فضلاً لغيركَ يحسبُ

تنظمُ منها لؤلؤاً في سلوكهِ ... ومن عجبٍ تنظيمُ ما لا يثقبُ
وقال الخنساء المتقارب
وقافيةٍ مثلِ حدِّ السنا ... نِ تبقى ويذهبُ من قالها
نطقتَ ابنَ عمروٍ فسهلتها ... ولم ينطقِ الناسُ أمثالها
وقال دعبل في هذا المعنى
سأقضي ببيتٍ يعلمُ الناسُ فضلهُ ... ويكثرُ من أهلِ الروايةِ حاملهْ
يموتُ رديُّ الشعرِ من قبلِ أهلهِ ... وجيدهُ يبقَى وإنْ ماتَ قائلهْ
وقال ابن هرمة
إنّي امرؤٌ لا أصوغُ الحلىَ تعملهُ ... كفايَ لكنْ لساني صانعُ الكلمِ
وقال ابن حازمٍ يصف أبياتاً له
فأبعثهنَّ أربعةً وخمساً ... بألفاظٍ مثقفةٍ عذابِ
فكنَّ إذا وسمتُ بهنَّ قوماً ... كأطواقِ الحمائمِ في الرقابِ
وقال ابن هرمة مثله
إني إذا ما امرءٌ خفتْ نعامتهُ ... في الجهلِ واستحصدتْ منه قوى الوذمِ
عقدتُ في ملتقى أوداجِ لبتهِ ... طوقَ الحمامةِ لا يبلَى على القدمِ
وهجا رجلٌ من بني حرام الفرزدق فجاء به أهله إليه موثقاً فقال الفرزدق
فمنْ يكُ خائفاً لهناتِ شعري ... فقد أمنَ الهجاءَ بنو حرامِ
همُ قادوا سفيههمُ وخافوا ... قصائدَ مثل أطواقِ الحمامِ
وقال ابن الرومي
حباني بما يعيا به كلُّ واهبٍ ... وحبرتُ ما يعيا به كلُّ حائكِ
فأعدمهُ مدحَ الغثاثِ مدائحي ... وأعدمني رفدَ الألدِّ المسالكِ
وما لربيعٍ ممطرٍ من مجاودٍ ... وما لبقيعٍ مزهرٍ من محاوكِ

باب 44 في
وصف الذكر
قال ابن الرومي يصف ذكراً
كأنَّ صوت الأعجزِ المتينِ ... في طيزِ ذاتِ الكفلِ الرزينِ
صوتُ يد العجانِ في العجينِ ... أو رجلِ رهاصٍ مشى في الطينِ
أيرٌ غليظٌ في حرٍ سمين ... من غادةٍ وافرةِ المتينِ
تواضعتْ لا للتقى والدينِ ... تحتَ فتًى من قلبها مكينِ
تواضعَ البطَّةِ للشاهينِ
وقال آخر
وفيشةٍ زينٍ وليستْ فاضحهْ ... نابلةٍ طوراً وطوراً راسخهْ
كأنها صنجةُ ألفٍ راجحهْ
وقال راشد بن إسحاق يرثي ذكره
طالَ ما قمتَ كالمنارةِ تهتزُّ اهتزازاً تسمو إليه العيونُ
ربَّ يومٍ رفعتُ فيه ثيابي ... فكأنّي في مشيتي مختونُ
وقال جحشويه المنسرح
أبصرتُ ظبياً مقارناً جملاً ... يمشي بأيرٍ كأنه سمكهْ
فناكني لا عدمتُ نيكتهُ ... نيكَ الحصانِ العنيفِ للرمكهْ
وقال أبو نعامة المنسرح
كأنه والأكفُّ تلمسهُ ... عنقُ ظليمٍ بغيرِ منقارِ
أنعظَ حتى كأنَّ فقتحتهُ ... مشدودةٌ في زيارِ بيطارِ
وقالت عمرة بنت الحمادية
أنعتُ عيراً هو أيرٌ كلهُ ... حافرهُ ورأسهُ وظلهُ
أنعظَ حتى طارَ عنه جلهُ ... كأنَّ حمَّى خيبرٍ تملهُ
إدخالهُ عامٌ وعامٌ سلهُ
وقال آخر
أنعتُ أيراً من أيورِ الزطِّ ... لم ينثنِ قطُّ ولم ينحطِّ
كأنما قطَّ على مقطِّ ... كأنه صلعةُ شيخٍ قبطي
وقال آخر
وفيشةٍ جاءتْ من الحجازِ ... في رأسها داءٌ من الحزازِ
تبرقُ من نعظٍ كزرقِ البازي
وقال بيدونُ غلام ابن عمار في خلاف ذلك
فهل لك في أيرٍ فجعتُ بنصفهِ ... وبالثلثِ بعد النصفِ منه وبالعشرِ
فلم يبقَ منه غير شيءٍ كأنه ... على مثلِ زرِ البردِ من صفرِ القدرِ
ولراشد الكاتب تشبيهات في ذكرهِ منها
ينام على كفِّ الفتاةِ وتارةً ... له حركاتٌ ما تحسُّ بها الكفُّ
كما يرفعُ الفرخُ ابنُ يومين رأسهُ ... إلى أبويه ثمَّ يدركهُ الضعفُ
تطوقَ فوقَ الخصيتينِ كأنه ... رشاءٌ على رأسِ الركية ملتفُّ
وله
أيرٌ ضعيفُ المتنِ رثُّ القوى ... لو شئتُ أن أعقدهُ لانعقدْ
غنْ يمسِ كالبقلةِ في لينها ... فطالما أصبح مثل الوتد
وله
تعقفَ واستوى الطرفانِ مه ... كمثلِ الدالِ من خطِ الكتابِ
وله المتقارب
وقد كنتَ تملأ كفَّ الفتاةِ ... فأصبحتَ تدخلُ في الخاتمِ
وله
كأنه وهو مقعٍ فوق خصيتهِ ... مسافرٌ تحتهُ خرجانِ من أدمِ
وله

كأنه حين أطويه وأنشرهُ ... سيرٌ يلفُّ على دوامةِ الزيقِ
وإنْ يقمْ قلتَ قثاةٌ معقفةٌ ... أو عروةٌ ركبتْ في رأسِ إبريق

باب 45 مما يتصل بذلك من جهة النساء
ومما يتصل بذلك من التشبيهات في الركب ما أنشدناه أبو العباس المبرد
قلتُ لذاتِ الكعثبِ المصكِ ... ولم أكنْ من أمرها في شكِ
إذْ لبستْ برداً دقيقَ السلكِ ... وعقدَ درٍ ونظامٍ سكِ
غطِّي الذي أفتنَ قلبي منكِ ... قالت ومما ذاك فقلت حركِ
فكشفتْ عن أبيضٍ حبكِّ ... كأنهُ قعبُ نضارٍ مكٍّي
أو جبنةٌ من جبنِ بعلبك ... تسمعُ فيه الدلكَ بعد الدلكِ
مثلَ صريرِ القتبِ المنفكِ ... أو حكِّ صفارٍ شديدِ الحكِ
وقال الناجم في ذكرِ جاريةٍ
إنّ ردفَ الفتاةِ عجنةُ خبا ... زٍ وقدامها من الأدمِ جبنهُ
وقالت عمرة بنت الحمارس
يا منْ يدلُّ عزباً على عزبْ ... على ابنةِ الحمارِسِ الشيخِ الأزبّ
محطوطةِ المتنينِ خثماءِ الركبْ ... كأنَّ لحمَ كينهِ إذا انقلبْ
رمانةٌ فتتْ لمحمومٍ وصبْ
وانشد الجاحظ للفرزدق
فبتنَ بجانبيَّ مصرعاتٍ ... وبتُّ أفضُّ أغلاقَ الختامِ
كأنَّ مفالقَ الرمانِ فيها ... وجمرَ غضًى قعدنَ عليه حامِ
وقال آخر
يا ربَّ خودٍ من بناتِ الكركِ ... تمشي بجهمٍ مثلِ وجهِ التركي
وقال سحيم
أبصرتُها تميلُ كالوسنانِ ... من الظباءِ الخردِ الحسانِ
تمشي بمثلِ القدحِ الجيشاني
وقال العماني
إنِّ لأرجو من عطاء ربي ... ومن ولي العهدِ بعدَ الغبِّ
روميةٌ أولجُ فيها ضبي ... لها حرٌ مستهدفٌ كالقعبِ
متسحصفٌ نعمَ قربُ الزبِّ
وقال آخر
فقربتْ رحباً خبيثَ المفلقِ ... متى ينكهُ نائكٌ يبقبقِ
بقبقةَ الجرِ بكفِ المستقي
وقال الفرزدق في سوداء
يا ربَّ خودٍ من بناتِ الزنجِ ... تمشي بتنورٍ شديد الوهجِ
أخثم مثل القدحِ الخلنجِ
وقال أعشى سليمْ ورأى امرأته تختضب وهي سوداء
تخضبُ كفاً بتكتْ من زندها ... فتخضبُ الحناء من مسودها
كأنها والكحلُ في مرودها ... تكحلُ عينيها ببعضِ جلدها
وقال جرير في أسودَ رأى عليه ثوباً جديداً
كأنه لما بدا للناسِ ... إيرُ حمارٍ لفَّ في قرطاس
باب 46 في
النساء السود
ومما يتصل بذلك قول ابن الرومي في سوداء المنسرح
في لينِ سمورةٍ تخيرها ال ... فراءُ أو لين جيدِ الدلقِ
غصنٌ من الآبنوسِ ألفَ منْ ... مؤتزرٍ معجبٍ ومنتطقِ
أكسبها الحبُّ أنها صبغتْ ... صبغةَ حبِّ القلوبِ والحدقِ
فانصرفتْ نحوها الضمائرُ والْ ... أبصارُ يعنقنَ أيما عنقِ
يفترُّ ذاك السوادُ عن يققٍ ... من ثغرها كاللآلئ العتقِ
كأنها والمزاحُ يضحكها ... ليلٌ تفرَّى دجاهُ عن فلقِ
لها حرٌ تستعيرُ وقدتهُ ... من قلبِ صبٍّ وصدرِ ذي حنقِ
كأنما حرهُ لخابرهِ ... ما ألهبتْ في حشاهُ من حرقِ
يزدادُ ضيقاً على المراسِ كما ... تزدادُ ضيقاً أنشوطةُ الوهقِ
لهُ إذا ما القمدُّ خالطهُ ... أزمٌ كأخذِ الخناقِ بالعنقِ
أخلقْ بها أن تقومَ عن ذكرٍ ... كالسيفِ يفرِي مضاعفَ الحلقِ
إن جفونَ السيوفِ أكثرها ... أسودُ والجفنُ غيرُ مختلقِ
وقال آخر في السودان
مشبهاتِ الشبابِ والمسكِ تفدي ... هنَّ نفسي من الردَى والخطوبِ
كيفَ يهوَى الفتى الأريبُ وصالَ ال ... بيضِ والبيضُ مشبهاتُ المشيبِ
وقال أبو حفص الشطرنجي
أشبهكِ المسك وأشبهتهِ ... قائمةٌ في لونهِ قاعدهْ
لا شكَّ إذْ لونكما واحدٌ ... أنكما من طينةٍ واحدهْ
وقال آخر
أحبُّ النساءَ السودَ من أجلِ تكتمٍ ... ومن أجلها أحببتُ من كان أسودا
فجئنى بمثلِ المسكِ أطيبَ نفحةً ... وجئنى بمثلِ الليلِ أطيبَ مرقد
وقال آخر
وعائبٍ للأدمِ من جهلهِ ... مفضلٍ للبيضِ في محكِ
يا سفلةَ العشاقِ ما تستحي ... أنْ تجعلَ الكافور كالمسكِ
وقال أبو علي البصير

لم تشنها استحالةُ اللونِ عندي ... إنها صبغةٌ كلونِ الشباب
وقال أعرابي المنسرح
من جلدِها خفها وبرقعها ... حوراءُ في غيرِ خلقةِ الحورِ
وقال بشار وإن لم يكن فيه تشبيه في سوداء
يكونُ الخالُ في خدٍ نقيٍّ ... فيكسبهُ الملاحةَ والجمالا
ويونقهُ لأعينِ ناظريهِ ... فكيفَ إذا رأيتَ اللونَ خالا

باب 47 في
العناق
ومن التشبيه في العناق قول البحتري
تلكَ نعمٌ لو أنعمتْ بوصالٍ ... لشكرنا في الوصلِ إنعامَ نعمِ
نسيتْ موقفَ الجمارِ وشخصا ... نا كشخصٍ أرمى الجمارَ وترمى
وقال بكر بن خارجة
رأيتُ شخصكَ في نومي يعانقني ... كما تعانق لأمُ الكاتبِ الألفا
وقال البحتري المتقارب
ولم أنْسَ ليلتنا في العنا ... قِ لفَّ الصبا بقضيبٍ قضيبا
وقال ابن المعتز
كأنني عانقتُ ريحانةُ ... تنفستْ في ليلها الباردِ
فلوْ ترانا في قميصِ الدجى ... حسبتنا في جسدٍ واحدِ
وأحسنَ علي بن الجهم في قوله
سقى اللهُ ليلاً ضما بعد هجعةٍ ... وأدنى فؤاداً من فؤادٍ معذبِ
فبتنا جميعاً لو تراقُ زجاجةٌ ... من الخمرِ فيما بيننا لم تسربِ
وقال بشار ومنه أخذه ابن الجهم
خلوتُ بها لا يخلصُ الماءُ بيننا ... إلى الصبحِ دوني حاجبٌ وستورُ
وقال ابن الرومي
طالَ ما التفتْ إلى الصبحِ لنا ساقٌ بساقِ
في نقابٍ من لثامٍ ... وإزارٍ من عناقِ
باب 48 في
الطيلسان
قال الحمدويُّ المنسرح
يأتيكَ في جبةٍ مخرقةٍ ... أطولُ أعمارِ مثلها يومُ
وطيلسانٍ كالآلِ يلبسهُ ... على قميصٍ كأنهُ غيمُ
وله في طيلسانِ ابن حرب تشبيهات جيادٌ منها
إنَّ ابنَ حربٍ جادَ لي كاسياً ... بطيلسانٍ هرمٍ قشعمِ
انظرْ إلى كثرةِ تمزيقهِ ... كأنما مزقَ في مأتمِ
رمى له وهو رميمٌ كمنْ ... يبني بناءً فوقَ مستهدمِ
يصدعهُ اللحظُ بإيماضهِ ... صدعَ فؤادِ العاشقِ المغرمِ
تذكرني كثرةُ تمزيقهِ ... تفرقَ الناسِ عن الموسمِ
وله أيضاً
وطيلسانٍ إنْ تأملتهُ ... قددتهُ بالطولِ والعرضِ
كأنَّ إشفاقي عليه إذا ... غدوتُ إشفاقي على عرضي
لو أنهُ بعض بني آدمٍ ... كانَ أسيرَ اللهِ في الأرضِ
لبعض الأندلسيين
عبدكَ الوراقُ مذ وا ... ظبَ لا يأخذُ شياً
وعليه طيلسانٌ ... قد طواهُ الدهرُ طيا
كلما رقعَ نجماً ... طلعتْ فيه الثريا
وقال ابن الرومي فيه
يابنَ حربٍ كسوتني طيلساناً ... يزرعُ الرفو فيه وهو سباخُ
تستطيرُ الفزورُ طولاً وعرضاً ... فيه حتى كأنهنَّ رخاخُ
وقال الحمدوي
وطيلسانٍ إن تأملتهُ ... لجَّ من التمزيقِ في محكِ
كأنه من طولِ رفوي بهِ ... يملكني مذ صار في ملكي
وله أيضاً
يابنَ حربٍ أطلتَ فقري برفوي ... طيلساناً قد كنتَ عنه غنيا
فهو في الرفوِ آل فرعونَ في العر ... ضِ على النارِ بكرةً وعشيا
وله أيضاً
وطيلسانٍ هرمٍ يحتمى ... عليه أكلُ الخلِ والبقلِ
كنَّ كعبيَّ إذا انضمتا ... عليه خوفَ الريحِ في غلِّ
وقال ابن الرومي في هذا المعنى
ولي طيلسانٌ ناحلٌ غيرَ أنهُ ... ثبوتٌ لهباتِ الرياحِ الزعازعِ
وما ذاك إلا أنه متهتكٌ ... يخلِّي سبيلَ الريحِ غيرَ منازعِ
أراهُ كضوءِ الشمسِ بالعين رؤيةً ... ويمنعني من لمسهِ بالأصابعِ
شكا ثقلَ اسمِ الطيلسانِ لضعفهِ ... فسميتهُ ساناً فهل ذاك نافعي
وقال الحمدوني
طيلسانٍ ما زال أقدمَ في الده ... رِ من الدهرِ ما لرافيه حيلهْ
وترى ضعفهُ كضعفِ عجوزٍ ... رثةِ الحالِ ذات فقرٍ معيلهْ
غمرتهُ الرقاعُ فهو كمصرٍ ... سكنتهُ نزاعُ كلِّ قبيلهْ
وله المنسرح
قل لابنِ حربٍ مقالةَ العاتبْ ... ولستُ فيما أقولُ بالكاذبْ
أما رأيتَ الرفاءَ يجربني ... برفوهِ طيلسانكَ الذاهبْ
أفناهُ جودَ البلى عليه كما ... أفنَى الهوى قلبَ خالدِ الكاتبْ
باب 49

نظر عبد بنى الحسحاس إلى امرأةٍ تضحك منه وهو يمضى به ليقتل فقال
فإنْ تضحكي مني فيا ربَّ ليلةٍ ... تركتكِ فيها كالقباءِ المفرجِ
وجاءت امرأة إلى المغيرة بن شعبة بزوجها تستمد به عليه وتذكر أنه عنين فقال
الله يعلم يا مغيرةُ أنني ... قد دستها دوس الحصانِ المرسلِ
وأخذتها أخذ المقصبِ شاتهُ ... عجلانَ يذبحها لقومٍ نزلِ
فقال المغيرة إني لأرى ذلك في شمائلك ونحوه قول البحتري المنسرح
لم تخطُ بابَ الدهليزِ خارجةً ... إلا وخلخالها مع الشنفِ
وقال أبو نواس المتقارب
ترفقْ قليلاً قد أوجعتني ... وألحقتَ قرطي بخلخاليه
وقال ابن الرومي في قينةٍ
يا أحمدَ بن سعيد لو بصرت بها ... إذا الأكفُّ لساقيها خلاخيلُ
ولأبي نواس
وشادنٍ لا يسئمون قربهُ ... قد ألصقوا أقراطهُ وعقبهُ

باب 50
قال البحتري في إبراهيم بن المدبر
دنوت تواضعاً وبعدتَ قدراً ... فشأناك انخفاضْ وارتفاعُ
كذاك الشمسُ تبعدُ أن تسامى ... ويدنو الضوء منها والشعاعُ
وقال ابن الرومي
وذخرتهُ للدهرِ أعلمُ أنه ... كالحصنِ فيه لمنْ يؤولُ مآلُ
ورأيتهُ كالشمسِ إنْ هي لم تنلْ ... فضياءها والرفقُ منه ينالُ
وقال سعيد بن حميد
أهابُ وأستحيي وأرقبُ وعدهُ ... فلا هو يبدَا بي ولا أنا أسئلُ
هو الشمسُ مجراها بعيدٌ وضوءها ... قريبٌ وقلبي بالبعيدِ موكلُ
وقال آخر
وإني وإياها وإلمامها بنا ... لكالشمسِ نالتنا ولسنا ننالها
وقال الفرزدق
رأيتكَ مثلَ البرقِ يحسبُ أنهُ ... قريبٌ وأدنى صوبهِ منكَ نازحُ
وقال شبيب بن البرصاء
وكانتْ كبرقٍ شامتِ العينُ ضوءهُ ... ولم تدرِ بعدَ الشيمِ أينَ تصوبُ
باب 51 في
الخوف والدهش
قال الطرماح
لقد زادني حباً لنفسيَ أنني ... بغيضٌ إلى كلِ امرئٍ غيرِ طائلِ
إذا ما رآني قطعَ الطرفَ بينهُ ... وبيني فعلَ العارفِ المتجاهلِ
ملأتُ عليهِ الأرضَ حتى كأنها ... من الضيقِ في عينيهِ كفةُ حابلِ
وقال الآخر
كأنَّ بلادَ اللهِ وهي عريضةٌ ... على الخائفِ المذعورِ كفةُ حابلِ
وقال الآخر
يؤدَّى إليه أن كلَّ ثنيةٍ ... تيممها ترمي إليه بقاتلِ
كأنَّ بلادَ اللهِ وهي عريضةٌ ... على كلِّ من طالبتَ كفةُ حابلِ
وقال البحتري في مأسورٍ
أوفَى عليه فظلَّ من دهشٍ يرى ... في البرِ بحراً والفضاء مضيقا
واجتازَ دجلةَ خائضاً وكأنها ... قعبٌ على باب الكحيل أريقا
لولا اضطرابُ الخوفِ في أحشائهِ ... رسبَ العبابُ به فماتَ غريقا
باب 52
وقال ذو الرمة يهجو رجلاً دعياً
فلوْ كانَ من كلبٍ صميماً هجوتهُ ... ولنني نبئتُ أن ليسَ من كلبِ
ولكنني نبئتُ أنه ملصقٌ ... كما ألصقتْ من غيرهِ ثلمةُ القعبِ
وقال أبو نواس يهجو أشجع
غدا وحديثهُ فيه ... لمنْ يتعجبُ العجبُ
لأسماءٍ يسميه ... نَّ أشجعُ حينَ ينتسبُ
تعلمها وإخوتهُ ... فكلهمُ بها ذبُ
لهم في بيتهمْ نسبٌ ... وفي وسطِ الملا نسبُ
كما لم تخفَ سافرةٌ ... وتخفَى حينَ تنتقبُ
وله
أيها المدعي سليمى سفاهاً ... لستَ منها ولا قلامةَ ظفرِ
إنما أنتَ ملصقٌ مثل واوٍ ... ألصقتْ في الهجاءِ ظلماً بعمرو
وقال حسان
وأنتَ زنيمٌ زيدَ في آلِ هاشمٍ ... كما نيطَ خلفَ الراكبِ القدحُ الفردُ
وقال الطائي
وتنقلٌ من معشرٍ في معشرٍ ... فكأنَّ أمكَ أو أباكَ الزئبقُ
باب 53 في
الجود والسخاوة
أنشدنا أبو تمام الطائي
فكله إلى جنبِ الخوانِ إذا غدتْ ... نكباءُ تقطعُ ثابتَ الأطنابِ
وأبو اليتامى ينبتونَ ببابهِ ... نبتَ الفراخ بكالئٍ معشابِ
ونحوه قول بشار
يسقطُ الطيرُ حيثُ ينتثر الح ... بُّ وتغشى منازلُ الكرماء
وأنشد الجاحظ
يزدحمُ الناسُ على بابهِ ... والمشربُ العذبُ كثيرُ الزحام
وقال الطائي يرثي خالد بن يزيد المتقارب

وإذْ علمُ مجلسهِ موردٌ ... زلالٍ لتلكَ العقولِ الظماءِ
وزوارهُ للعطايا حضورٌ ... كأنَّ حضورهمُ للعطاء
لأبي نواس
ترى الناس أفواجاً إلى بابِ دارهِ ... كأنهمُ رجلا دبًى وجرادِ
وقال دعبلٌ في رجلٍ وليَّ السندَ
وقد كان هذا البحرُ ليس يجوزهُ ... سوى خائفٍ من ذنبهِ أو مخاطرِ
فأضحى لمنْ ينتابُ جودكَ عامراً ... كأنَّ عليه محكماتِ القناطرِ

باب 54 في
الريح
قال بن الرومي يصف ريحاً
وشمألٍ باردةِ النسيمِ ... ألوتْ على المهمومِ بالهمومِ
ونفستهُ نفسَ المهمومِ ... مشاءةً في الليلِ بالنميم
بين نسيمِ الأرضِ والخيشومِ
ومثلهُ قوله في ريحٍ
كأنَّ نسيمها أرجُ الخزامى ... ولاها بعدَ وسميٍّ ولي
هديةُ شمئلٍ هبتْ بليلٍ ... لأفنانِ الغصونِ بها نجِي
إذا أنفاسُها نسمتْ سحيراً ... تنفسَ كالشجيِّ لها الخليُّ
وقال ابن المعتز
يا ربَّ ليلٍ سحرٌ كلهُ ... مفتضحُ البدرِ عليل النسيمْ
تلتقطُ الأنفاسُ بردَ الندى ... فيه فتهديه لحرِّ الهمومْ
لم أعرفِ الإصباحَ من ليلهِ ... فما بدا إلا بوجهِ النديمْ
وقال الطائي
أرسى بناديكَ الندى وتنفستْ ... نفساً بعقوتكَ الرياحُ ضعيفا
وقال ابن الرومي
حيتكَ عنا شمال طافَ طائفها ... بجنةٍ فجرتْ روحاً وريحانا
هبتْ سحيراً فناجى الغصنُ صاحبهُ ... سراً بها وتنادى الطيرُ إعلانا
ورقٌ تغنى على خضرٍ مهدلةٍ ... تسمو بها وتمسُّ الأرضَ أحيانا
تخالُ طائرها نشوانَ من طربٍ ... والغصنَ من هزهِ عطفيهِ نشوانا
وقال البحتري
كأنَّ الريحَ والمطرَ المناجي ... خواطرها عتابٌ واعتذارُ
كأن مدارَ دجلةَ حين جاءتْ ... بأجمعها هلالٌ أو سوارُ
وقال سعيد بن حميد في نحوهِ
حركتهُ الرياحُ فاعتدلَ النب ... تُ ومالتْ طوالهُ بالقصارِ
عائذٌ بعضهُ ببعضٍ كقومٍ ... في عتابٍ مكررٍ واعتذارِ
وقال العلوي الكوفي
وكأنما أنوارها ... تهتزُّ بالريحِ العواصفْ
طررُ الوصائفِ يلتقي ... نَ بها إلى طررِ الوصائفْ
باب 55 في
الصدغ
قال عبد الله بن المعتز المتقارب
وساقٍ مطيعٍ لأحبابهِ ... على الرقباءِ شديدُ الجرهْ
وفي عطفةِ الصدغِ خالٌ له ... كما استلبَ الصولجانُ الكرهْ
وقال أبو نواس
كأنّ مخطَّ الصدغِ في حرِ وجهها ... بقيةُ أنفاسٍ بأصبعِ لائقِ
وقال ابن المعتز
بكفِّ غزالٍ ذي عذارٍ وطرةٍ ... وصدغينِ كالقافين من جانبيْ سطرِ
وقال ماني
ماءُ النعيمِ بخدهِ متعصفرٌ ... والصدغُ منه كعطفةِ الراءِ
وقال ابن المعتز
ظبيٌ يتيهُ بحسنِ صورتهِ ... عبثَ الفتورُ بلحظِ مقلتهِ
فكأنَّ عقربَ صدغهِ وقفتْ ... لما دنتْ من نارِ وجنتهِ
وقال أيضاً
بليتُ بشادنٍ كالبدرِ حسناً ... يعذبني بأنواعِ الدلالِ
غلالةُ خدهِ وردٌ جنيٌّ ... ونونُ الصدغِ معجمةٌ بخالِ
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي الهزج
ظباءٌ كالدنانيرِ ... كنوسٌ في المقاصيرِ
جلاهنَّ السعانينُ ... علينا في الزنابيرِ
وقد عقر بنَ أصداغاً ... كأذنابِ الزرازيرِ
وقال ابن المعتز المنسرح
ما لحبيبي كسلانَ من فكرٍ ... وقد جفا حسنهُ وزينتهُ
والصدغُ قد صدَّ عن محاسنهِ ... كصولجانٍ يردُّ ضربتهُ
باب 56
ومما يتصل بذلك قول ابن المعتز
له مقلةٌ ترمي القلوبَ ووجنةٌ ... تفتحُ فيها النورُ من كل جانب
وعذرَ خداهُ بخطين قوما ... كما أثرَ التسطيرُ في رقِّ كاتب
وفي هذا المعنى وإن لم يكن فيه تشبيه قول ابن الرومي
معذرٌ حولَ مورديهِ ... قد ضربَ الحسنُ على خديهِ
خديهِ ثمَّ الخالُ في خديهِ ... لبيهِ مقروناً إلى سعديهِ
وقال ابن المعتز
وغزالٍ مقرطقِ ... في قباءٍ منطقِ
زينَ اللهُ خدهُ ... بعذارٍ معلقِ
وله
كأنَّ عذاريهِ على قمرٍ على ... قضيبٍ على دعصٍ رطيبِ الثرَى ندِ

تبسمَ إذ مازحتهُ فكأنما ... تكشفَ عن درٍ حجابُ زبرجدِ
ومثلهُ للواثق
لما استقلَّ بأردافٍ تجاذبهُ ... واخضرَّ فوقَ حجابِ الدرِّ شاربهُ
وقال ابن المعتز
كأنّ خطَّ عذارٍ فوقَ عارضهِ ... ميدانُ آسٍ على وردٍ ونسرينِ
وخطَّ فوقَ حجابِ الدرِ شاربهُ ... بنصفِ صادٍ ودالُ الصدغِ كالنونِ
وقال آخر
له من عيونِ الوحشِ عينٌ مريضةٌ ... ومن خضرةِ البستانِ خضرةُ شاربِ
كأنَّ غلاماً حاذقاً خطهُ له ... فجاءَ كنصفِ الصادِ من كفِ كاتبِ

باب 57 في
وصف البرك والأبنية
قال البحتري للمعتز يهنئه ببناء .
لما كملتَ رويةً وعزيمةً ... أعملتَ رأيكَ في ابتناء
ذعرَ الحمامُ وقد ترنمَ فوقهُ ... من منظرٍ خطرِ المزلةِ هائلِ
وكأنَّ حيطانَ الزجاجِ بجوهِ ... لججٌ يمجنَ على جنوبِ سواحلِ
وكأنَّ تفويفَ الرخامِ إذا التقى ... تأليفهُ بالمنظرِ المتقابلِ
حبكُ الغمامِ رصفنَ بينَ منمرٍ ... ومسيرٍ ومقاربٍ ومشاكلِ
مليتهُ وعمرتَ في بحبوحةٍ ... من دارِ ملككَ ألفَ حولٍ كاملِ
ورأيتُ عبدَ اللهِ في السنِ التي ... تعدُ الكبيرَ بدهرها المتطاول
حدثٌ يوقرهُ الحجى فكأنه ... أخذ الوقارَ من المشيبِ الشاملِ
وقال علي بن الجهم المتقارب
وقبةُ ملكٍ كأنَّ النجو ... مَ تصغي إليها بأسرارها
لها شرفاتٌ كأنَّ الربيعَ ... كساها طرائفَ أنوارِها
فهنَّ كمصطبحاتٍ خرجنَ ... لعيدِ النصارى وإفطارها
فمن بينِ عاصبةٍ شعرها ... ومصلحةٍ عقد زنارها
وفوارةٍ ثارها في السماءِ ... فليستْ تقصرُ عن ثارها
وقال البحتري يصف بركةُ
يا من يرى البركةَ الحسناءَ رؤيتها ... والآنساتِ إذا لاحتْ مغانيها
ما بالُ دجلةَ كالغيري تنافسها ... في الحسنِ طوراً وأطواراً تباهيا
كأن جنَّ سليمانَ الذين ولوا ... إبداعها فأدقوا في معانيها
فلو تمر بها بلقيس عن عرضٍ ... قالت هي الصرحُ تمثيلاً وتشبيها
تنصبُّ فيها وفودُ الماء معجلةً ... كالخيلِ خارجةً من حبلِ مجريها
كأنما الفضةُ البيضاءُ سائلةً ... من السبائكِ تجري في سواقيها
إذا علتها الصبا أبدتْ لها حبكاً ... مثل الجواشنِ مصقولاً حواشيها
إذا النجومُ تراءتْ في جوانبها ... ليلاً حسبتَ سماءَ ركبتْ فيها
لا يبلغُ السمكُ المحصورُ غايتها ... لبعدِ ما بينَ قاصيها ودانيها
يعمنَ فيها بأوساطٍ مجنحةٍ ... كالطيرِ تنقضُّ في جوٍ خوافيها
كأنها حين لحبتْ في تدفقها ... كفُّ الخليفةِ لما سالَ واديها
وقال أبو عون الكاتب المنسرح
بركةُ لهوٍ قد شادها ملكْ ... تظلُّ أرجاؤها بهِ تزهرْ
فصفرةُ التبرِ في مجالسها ... إلى وميضِ اللجينِ والمرمرْ
كوجهِ عذراءَ راعها خجلٌ ... فخدُّها في بياضهِ أحمرْ
طمتْ فظلتْ تفترُّ عنْ زبدٍ ... كدرِ عقدٍ من سلكهِ ينثرْ
ثم أفاضتْ على الرياضِ كما ... تفيضُ بالجودِ راحتا جعفرْ
كأنها حين تستقي ثمَّ تس ... قي الروضَ من صوبِ دجلةَ الأغزرْ
شربٌ أضافتهمُ الكرومُ فهمْ ... أبناءُ أعنابها التي تعصرْ
وقال ابن أبي طاهرٍ
فوارةٍ تمجُّ منها ماءاً ... كما أذبتَ الفضة البيضا
أمطرتِ الأرض بها السماءا
باب 58 في
القلة
وقال زهير يصف أرضاً موحشةً
وتنوفةٍ عمياء لا يجتازها ... إلا المشيعُ ذو الفؤادِ الهادي
قفرٍ هجعتُ بها ولست بنائمٍ ... وذراعُ ملقيةِ الجرانِ وسادي
وعرفتُ أنْ ليستْ بدارِ إقامةٍ ... فكصفقةٍ بالكفِّ كانَ رقادي
وقال آخر
ما تطعمُ النومَ عيني من تذكركمْ ... إلا غشاشاً كنومِ الطائرِ الساري
وأنشدنا المبرد
ما أذوقُ النومَ إلا غراراً ... مثلَ حسوِ الطيرِ ماءَ الثمادِ
وقال آخر في مثله
ونومٍ كحسوِ الطيرِ بتنا نذوقهُ ... على شعبِ الأكوارِ فوقَ الأيانقِ
وقال الفرزدق

جلوا عن عيونٍ قد كرينَ كلا ولا ... مع الصبح إذْ نادى أذانُ المثوبِ
وقال جرير
وهاجدِ موماةٍ بعثتُ إلى السرى ... وللنومُ أحلى عندهُ من جنى النحلِ
يكونُ نزولُ الركبِ فيها كلا ولا ... غشاشا فلا يدنينَ رحلاً إلى رحلِ
وقال أبو نواس المضارع
تركتَ مني قليلاً ... من القليلِ أقلاَّ
كالجزءِ يتجزَّى ... أقلَّ في اللفظِ من لا
وقال آخر يرثي ابنه
أضحى لأحمدَ في الثرى بيتٌ ... وخلا له من أهلهِ بيتُ
فكأنَّ مولدهُ وميتتهُ ... صوتٌ دعا فأجابهُ صوتُ
وقال أبو العتاهية
احذرْ من الدنيا مغيبتها ... كم صالحٍ عبثتْ به ففسدْ
ما بينَ فرحتها وترحتها ... إلا كما قامَ امرؤٌ وقعدْ
وقال حسان بن ثابت في موت عبد الله بن رواحة بعد موت جعفر رضي الله عنه بموته المتقارب
وكانَ لباثكَ عن صاحبيكَ ... كملجمِ طرفٍ ولم يسرجِ
وقال العلوي الكوفي المتقارب
فشبهتُ سرعةَ أيامهم ... بسرعةِ قوسٍ يسمى قزح
تلونَ معترضاً في السماء ... فما تمَّ ذلك حتى نزحْ

باب 59
قال أبو عيينة في ابن عمه
لا يعدنَّ في البنينَ يزيدُ ... خالداً إنَّ خالداً ليسَ بابنِ
وإذا مرَّ راكباً حسبَ النا ... سُ على ظهرهِ جوالقِ تبنِ
وله فيه المتقارب
إذا ما تكلمَ في مجلسٍ ... رأيتُ البصاقَ على العنفقهْ
يسيلُ وأسمجْ به راكباً ... كأنَّ على ظهرهِ مرفقهْ
وله فيه
يغدو الجوادُ بخالدٍ ... فكأنهُ يعدو بقربهْ
تيسٍ أنبَّ من التيو ... سِ كأنَّ لحيتهُ مذبَّهْ
باب 60 في
النخل
قال العباس
رفضتُ بالبصرةِ أهلَ الغنى ... إني لأمثالهمُ رافضُ
قد جللوا بالقطفِ أعذاقهمْ ... كأنَّ حمى نخلهم نافضُ
وأنشد الجاحظ في صفة النخل
تخرجُ عندَ الطلعِ والتنغيضِ ... طلعاً كآذانِ الكلابِ البيضِ
وقال عبد الصمد بن المعذل يصف البلح
كأنهُ في ناضرِ الأغصانِ ... زمردٌ لاحَ على تيجانِ
حتى إذا تمَّ له شهرانِ ... وانسدلتْ عثاكلُ القنوانِ
فضلنَ بالياقوتِ والمرجانِ ... رأيتهُ مختلفَ الألوانِ
منْ قانئٍ أحمرَ أرجواني ... وفاقعٍ أصفرَ كالنيرانِ
مثلَ الأكاليلِ على الغواني
وقال ابن المعتز في نخلٍ
تخالُ ما جددنَ من نباتِ ... أجنحةً غيرَ منشراتِ
كأنها أذنابُ ناجياتِ ... ثمَّ تبدلْنَ بأوعياتِ
للعسلِ الماذيِّ ضامناتِ ... كقطعِ الياقوتِ يانعاتِ
بخالصِ التبرِ مقمعاتِ
وقال عمارةُ يصف النخلَ
أقمتُ لها العصرينِ رباً ولم أكنْ ... كمنْ ضنَّ عنْ عمرانها بالدراهمِ
فجاءتْ تغالِي في النباتِ كأنها ... على شطِّ فيضٍ من فيوضِ الأعاجمِ
كأنَّ نقيضَ الليفِ في سعفاتها ... نقيضُ صرير الميسِ فوقَ العياهمِ
وما الأصلُ ما رويتَ مضروبَ عرقهِ ... من الماء عن إصلاحِ فرعٍ بنائمِ
ومثله قول النابغة
من الشارعاتِ الماءَ بالقاعِ تستقي ... بأعجازها قبلَ استقاءِ الحناجرِ
وقال آخر في نخلٍ
ضربنَ العرقَ في ينبوعِ عينٍ ... طلبنَ معينهُ حتى روينا
كأنَّ فروعهنَّ بكلِّ ريحٍ ... عذارى بالذوائبِ ينتصينا
بناتُ الدهرِ لا يخشينَ محلاً ... إذا لم تبقَ سائمةٌ بقينا
ولآخر
يخرجُ من كافورها إذا نزلْ ... كطلعةِ الأشمطِ من بردٍ سملْ
وقال الربيع بن أبي الحقيق اليهودي
ونخيلٍ في تلاعٍ جمةٍ ... تخرجُ الطلعَ كأمثالِ الأكفِّ
باب 61 في
الإعراض
قال الأعشى
يزيدُ يغضُّ الطرفَ عني كأنما ... زوى بين عينيهِ على المحاجمُ
فلا ينبسطْ من بينِ عينيكَ ما انزوى ... ولا تلقني إلا وأنفك راغمُ
وتمثل ابن العباس حين رأى زياداً
إذا أبصرتني أعرضتَ عني ... كأن الشمس من قبلي تدور
وقال ابن الرومي
فتاةٌ بوجهٍ يطرفُ العينَ قبحهُ ... له طلعةٌ كالشمسِ في أعينِ الرمدِ
وقال العلوي الكوفي الهزج
فلما ورد الشيب ... بنوعين من الوردِ

تصديتُ فصدتْ خل ... وةً من ألمِ الصدِّ
كما صدتْ عن الشمسِ ... سراعاً أعينُ الرمدِ
وقال آخر
إذا تخازرتُ وما بي منْ خزرْ ... ثمَّ كسرتُ العينَ منْ غيرِ عورْ
ألفيتني ألوَى بعيدَ المستمرْ ... حمالَ ما حملتُ من خيرٍ وشرّ
كالحيةِ النضناضِ في أصلِ الحجرْ

باب 62 في
الشجاعة ولين الطبع
قال البحتري
ضحوك إلى الأبطالِ وهو قريعهم ... وللسيفِ حدٌّ حين يسطو ورونقُ
حياة وموتٌ واحدٌ منتهاهما ... كذلك غمرُ الماء يروي ويغرقُ
وقال أبو العتاهية
هي دنيا كحيةٍ تنفثُ الس ... مَّ وإنْ كانتِ المجسةُ لانتْ
وقال البحتري لأبي سعيد
بأروعَ من طيٍّ كأنَّ قميصهُ ... يزرُّ على الشيخينِ زيدٍ وحاتمِ
سماحاً وبأساً كالصواعقِ والحيا ... إذا اجتمعا في عارضٍ متراكمِ
وقال ابن الرومي لأبي الحسين المنسرح
لم تخلني قطُّ من صنائعك ال ... غرِّ ولا من حروبكَ الضرسْ
تصرفُ الغيثَ في صواعقهِ ... وتارةً في سجالهِ البجسْ
وقال أبو الشيص
وكالسيفِ إنْ لاينتهُ لانَ متنهُ ... واحدهُ إنْ خاشنتهُ خشنانِ
وقال البحتري
إذا خطرتْ تأرجَ جانباها ... كما خطرتْ على الروضِ القبولُ
ويحسنُ دلها والموتُ فيه ... وقد يستحسنُ السيفُ الصقيلُ
وقال ابن الرومي في قيانٍ
من السمرِ اللدانِ إذا اسبكرتْ ... وصرفُ الموتِ في السمرِ اللدانِ
شبيهاتُ الرماحِ قنا متونٍ ... وكلماً في القلوبِ بلا سنانِ
فهل من ضربةٍ أو من سنانٍ ... كعينٍ أو كثغرٍ أو بنانِ
وقال السريحي نحو ذلك
تلقاك بؤسَي ونعمى من مخايلهِ ... كالنارِ في طبعهِ الإحراقُ والنور
باب 63
قال الحطيئة يهجو أمه
تنحي واجلسي مني بعيداً ... أراحَ الله منك العالمينا
أغربالاً إذا استودعتِ سراً ... وكانوناً على المتحدثينا
وقال كعب بن زهير
ولا تمسك بالعهدِ الذي عهدتْ ... إلا كما تمسكُ الماءَ الغرابيلُ
وقال محمود في غلامه
أشبهُ من يستودعُ السرَّ عبدهُ ... كطارحِ رملٍ بينَ أعوادِ غربالِ
وقال آخر
أعززْ علىَّ بأخلاقٍ وسمتَ بها ... عندَ البريةِ يا فالوذجَ السوقِ
تضيقُ بالسرِّ ذرعاً إنْ خصصتَ به ... حتى يرى ذائعاً كالنفخِ في البوقِ
باب 64 في
حسب اللئيم
وقال محمد بن مناذرٍ
فاعنفْ على حسبِ اللئيمِ فإنما ... حسبُ اللئيمِ إلى الزبيرِ زجاج
وقال حسان بن ثابت
وأمانةُ المريِّ حيثُ لقيتهُ ... مثلُ الزجاجةِ صدعُها لا يجبرُ
وقال الأعشى المتقارب
فبانت وقد تركتْ في الفؤا ... د صدعاً على نأيها فاستطيرا
كصدعِ الزجاجةِ لا تستطي ... عُ كفُّ الصناعِ له أن تحيرا
وقال أبو عثمان الناجم يهجو
لك عرضٌ مثلمٌ من قواريرٍ ووجهٌ ململمٌ من حديدِ
وقال آخر
ولم أرَ مثلَ الصدِّ أحسنَ منظراً ... إذا كانَ ممنْ لا يخافُ على وصلِ
وآلتْ يمنياً كالزجاجِ دقيقةً ... وما حلفتْ لا لتحنثَ من أجلي
وقال آخر
إذا حلفوني بالغموسِ منحتهمْ ... يميناً كأسماءِ الرداءِ الممزقِ
وإن حلفوني بالطلاقِ رددتها ... على خيرِ ما كانتْ كأنْ لم تطلقِ
وإنْ حلفوني بالعتاقِ فقدْ درَى ... لحيمُ غلامي أنهُ غيرُ معتقِ
وفي رقةِ اليمين من حسن التشبيه قول البحتري
سألوني اليمينَ فارتعتُ منهم ... ليقروا بذلك الإرتياعِ
ثم أمررتها كمنحدرِ السي ... لِ تهاوى من المكانِ اليفاعِ
باب 65 في
السقيط واللغام
قال الفرزدق
وأصبح مبيضُّ الصقيعِ كأنهُ ... على سرواتِ النبتِ قطنٌ مندفُ
وقال العرجيِّ
كأنَّ سقيطَ الثلجِ ما حصبتْ به ... على الأرضِ قطنٌ أو دقيقٌ يغربلُ
وقال ابن المعتز يصف أرضاً
أرقتُ بها والركبُ ميلٌ رؤوسهمْ ... يخوضونَ ضحضاحَ الكرى وبهم وقرُ
علاهمْ جليدُ الليلِ حتى كأنهم ... بزاةٌ تتجلَّى من مرابئها القمرُ
وقال أبو نواس يصف لغامَ الجمل المديد

يكتسي عثنونهُ زبدا ... فنصيلاهُ إلى نخرهْ
ثمَّ يعتمُّ الحجاجُ به ... كاعتمامِ الفوفِ في عشرهْ
ثم تذروهُ الرياحُ كما ... طارَ قطنُ الندفِ عن وترهْ
النصيلانِ عرقان يليان أنف البعير، ونخرته طرف أنفه: والحجاج محجر العين، والعشر نبتٌ إذا فتحَ كان فيه كالعروق البيض يسمى الفوف، والفوف البياض الذي يكون في أصول الأظفار، وبردٌ مفوفٌ مخطط.
وقال ابن المعتز في نوقٍ
فاضتْ بإزبادٍ مشافرها ... فكأنها عشرٌ تشققهُ
وقال طرفة في ناقتهِ
ترى بين لحييها إذا ما تزعمتْ ... لغاماً كبيتِ العنكبوتِ الممددِ

باب 66
قال ابن الرومي يهجو المنسرح
خوانُ عيسى من نصفِ ترمسةٍ ... وصحفتاهُ من فلقتيْ عدسهْ
من ذرةٍ ذرةٍ جرادقهُ ... تخفَى على العينِ فهيَ ملتمسهْ
لو نخلتْ بالحريرٍ لانسربتْ ... من خللِ النسجِ غيرَ محتبسهْ
إذا افترستَ الرغيفَ أنَّ له ... كأنّ ليثاً هنالكَ افترسهْ
كأنما كلُّ لقمةٍ أكلتْ ... منزوعةٌ من يديهِ مختلسهْ
وقال أبو نواس المتقارب
أتانا بخبزٍ له حامضٍ ... شبيهِ الدراهمِ في حليتهْ
يضرسُ آكلهُ طعمهُ ... وينشبُ في الحلقِ من خشنتهْ
وقال أبو نواس في ابن أبي سهل بن نيبخت
وما خبزهُ إلا كاوي يرى ابنهُ ... ولم يرَ آوى في الحزونِ ولا السهلِ
وما خبزهُ إلا كعنقاء مغربٍ ... تصورُ في بسطِ الملوكِ وفي المثلِ
وقال بشار
دينارُ آلِ سليمانٍ ودرهمهمْ ... كالبابليينِ حفا بالعفاريتِ
لا يظهرانِ ولا يرجَى لقاؤهما ... كما سمعتَ بهاروتٍ وماروتِ
وقال ابن الرومي
أكلتُ رغيفاً عندَ موسى فملني ... وكان كهمّي من حبيبٍ مغربِ
يريدُ أكيلاً رزءهُ من طعامهِ ... كرزءِ كتابٍ من ترابٍ متربِ
باب 67 في
الفعل المستحيل
قال الفرزدق
فأصبحتَ مما قد فعلتَ كقابضٍ ... على الماءِ لم ترجعْ بشيءٍ أناملهْ
وقال آخر
ومن يأمنِ الدنيا يكنْ مثلَ قابضٍ ... على الماء خانتهُ فروجُ الأصابعِ
وقال مسلمٌ
وإني وإشرافي عليكَ بهمتي ... لكالمبتغي زبداً من الماء بالمخضِ
وقال الناجم
لم تحصلْ بمخضك الماء إلا ... زبداً حين رمتَ بالجهلِ زبدا
وقال أبو العتاهية المنسرح
أصبحتَ لا تعرفُ الجميلَ ولا ... تفرقُ بينَ القبيحِ والحسنِ
إنَّ الذي يرتجي نداكَ كمنْ ... يجلبُ تيساً من شهوةِ اللبنِ
وقال ابن مروان في غلام له ثقيل المنسرح
يبطئ حتى أكادُ أحسبهُ ... صادفَ تيساُ فظلَّ يحلبهُ
وقال آخر
وإني وتطلابي إليكَ بحاجتي ... لكالمستذيب الشحم من ذنبِ الكلبِ
وقال ابن حازمٍ المنسرح
يزدادُ لؤماً على المديحِ كما ... يزدادُ نتنُ الكلابِ بالمطرِ
إنّ الذي يرتجي نداكَ لكال ... غاسلِ من ثوبهِ خراً بخرِ
وقال آخر
فأصبحتُ من ليلَي الغداةَ كناظرٍ ... مع الصبحِ في أعقابِ نجمٍ مغربِ
ألا إنما أبقيتُ يا أمَّ مالكٍ ... صدى أينما تذهبْ به الريحُ يذهب
باب 68 في
الحجام
قال آخر في حجامٍ
بيتٍ بناهُ له أبو ... هُ كأنهُ في السوقِ شامهْ
فيه خيولْ عكفٌ ... ما ينبعثنَ إلى القيامهْ
فيه يفزعُ من تغ ... ضبَ من غلامٍ أو غلامهْ
وقال في المحجمة
وخضراء لا من بناتِ الهدي ... رِ يلقفُ بالسيرِ منقارها
كأنّ مشقَّ عيونِ القطا ... إذا هنَّ هو من آثارها
وقال خلف بن سعيد يهجو حاجب نصرِ بن سيار المتقارب
وكان سلاحك في جونةٍ ... يعلقُ في سيرها ودعهْ
سلاحَ امرئٍ يدعُ الآدميَّ ... كأنَّ وراءَ أذنهِ هيقعهْ
بكلِّ أزومٍ إذا ركبتْ ... كأنكَ ألقمتها سلعهْ
وقال آخر يهجو ابنَ حجامٍ
يابنَ من يكتبُ في الأر ... قابِ من غيرِ دواتِ
لم يكنْ يكتبُ فيها ... غيرَ خطِّ الألفاتِ
وقال آخر في ابن حجام
أبوكَ أبٌ ما زال للناسِ موجعاً ... لأعناقهم نقراً كما ينقرُ الصقرُ

له ربقةٌ فيها ثلاثونَ محلقاً ... مناظرها بيضٌ وأجسامها حمرُ
إذا عوجَ الكتابُ يوماً سطورهمْ ... فليسَ بمعوجٍ له أبداً سطرُ
وقال آخر
وكانَ جدُّ خداشٍ في كتابتهِ ... من أكتبِ الناسِ يا هارونُ للألفِ
ومن حسن ما قيل فيه وإنْ لم يكن فيه تشبيه قول ابن كناسة المنسرح
أبوكَ أدهى النجاد حامله ... كمْ من كميٍّ آدم ومنْ بطلِ
يأخذُ من مالهِ ومن دمهِ ... لم يمسِ من ثائرٍ على وجلِ

باب 69 في
جرح اللسان
قال امرؤ القيس المتقارب
وذلك منْ نبإٍ جاءني ... وخبرتهُ عن أبي الأسودِ
ولوْ عن نثا غيرهِ جاءني ... وجرحُ اللسانِ كجرحِ اليدِ
وقال الأخطل
أفحمتُ عنكمْ بني النجارِ قد علمتْ ... عليَا معدٍّ وكانوا طالما هدروا
حتى استكانوا وهم مني على مضضٍ ... والقولُ ينفذُ ما لا تنفذُ الإبرُ
وله
وتصدُّ عنك مخيلةَ الرجلِ ال ... عريضِ موضحةٌ عن العظمِ
بحسامِ سيفكَ أو لسانكَ وال ... جرحُ الرغيبُ كأوعبِ الكلمِ
وقال جرير
لساني وسيفي صارمانِ كلاهما ... وللسيف أشوى وقعةً من لسانيا
وقال البصير
إني أعيذك أنْ تكونَ دريئةً ... لسهامِ رامٍ إنْ رمى أصمى
وقال آخر
وجرحُ السيفِ تدملهُ فيبري ... وجرحُ الدهرِ ما جرحَ اللسانُ
وقال حسان
لساني وسيفي صارمانِ كلاهما ... ويبلغُ مالا يبلغُ السيفُ مذودي
لعمرُ أبيكَ الخيرِ يا سعدُ ما نبا ... عليَّ لساني في الخطوبِ ولا يدي
ومما يشبهُ هذا وإنْ لم يكن فيه تشبيه قول يزيد بن مفرغٍ
يغسل الماء ما صنعتَ وشعري ... راسخٌ منك في العظامِ البوالي
باب 70
قال نهار بن توسعة
كانتْ خراسانُ أرضاً إذْ يزيد بها ... وكلُّ بابٍ من الخيراتِ مفتوحُ
فاستبدلتْ قتباً من بعدهِ لحزاً ... كأنما وجههُ بالخلِّ منضوحُ
وقال ابن الرومي يهجو الخلال زوج قسطنطين
لو تراهُ ثانياً منْ عطفهِ ... مائلاً في السرجِ من فرطِ الصلفْ
شامخاً بالأنفِ من نخوتهِ ... فهوَ لوْ يسترعفُ الخلَّ رعفْ
وقال المهلبي المتقارب
وإنْ جاءكَ القومُ في حاجةٍ ... تفطرتَ حولينِ في العلةِ
وتلقاهمُ أبداً كالحاً ... كأنْ قد عضضتَ على مصلةِ
وقال أعرابي في بني عمه
فقدتُ مواليَّ الذينَ كأنهم ... دماميلُ في وجهي عليَّ تبجسُ
إذا قلتُ ماتَ الداء بيني وبينهم ... أتى حاطبٌ منهم لآخرَ يقبسُ
وقال الطائي يهجو
وملكٍ في كبرهِ ونبلهِ ... وسوقةٍ في قولهِ وفعلهِ
بذلتُ مدحي فيه باغِي بذلهِ ... فجذ حبلَ أملي من وصلهِ
يعجبُ من تعجبي من بخلهِ ... كأنني أتيتهُ بعزلهِ
باب 71 في
القدور
قال الفرزدق
وقد علمّ الجيرانُ أن قدورنا ... ضوامنُ للأرزاقِ والريحُ زفزفُ
تفرغُ في شيزَي كأنَّ جفانها ... حياضُ الملا منها ملاءٌ ونصفُ
ترى حولهنَّ المعتفينَ كأنهم ... على صنمٍ في الجاهليةِ عكفُ
وقال معن بن أوس في قدرٍ
إذا ما انتحاها الموقدونَ رأيتها ... لوشكِ قراها وهيَ بالجزلِ تشعلُ
سمعتَ لها لغطاً إذا ما تغطمطتْ ... كهدرِ الجمالِ رزماً حينَ تجفلُ
وقال أميةُ بن أبي الصلتِ
وقدورهُ بفنائهِ ... للضيفِ مترعةٌ زواخرْ
وكأنهنَّ بما شجي ... نَ وما حمينَ به ضرائرْ
زبدٌ وقرقرةٌ كقرْ ... قرةِ الفحولِ إذا تخاطرْ
وقال ابن المعتز يفتخر
والسيفُ راعِي إبلي في المحلِ ... يسلمها إلى قدورٍ تغلي
مثلِ الليالي سامحتْ بهطلِ ... ترقلُ فيها بالوقودِ الجزلِ
إرقالها في السير تحت الرحلِ
وقال آخر
كأنّ صوتَ إليها المستعجلِ ... قفزُ الشيوخِ للشيوخ الجهلِ
باب 72 في
الشره
قال ابن الرومي لابن حاجب الشاعر وقد دعاه وغيرهُ واستتر عنهم
لهفا وقد جاءتك جفالةٌ ... كلُّ مغذٌّ ساغبٌ لاغبُ
إلا يلاقوكَ فتلقَى لهم ... أكلَ يتامى ما لهم كاسبُ

منْ كلِّ شحذانِ الحشى لهسمٍ ... يأكلُ ما لا يحسبُ الحاسبُ
فكاهُ كالعصرينِ منْ دهرهِ ... كلاهما في شأنهِ دائبُ
كأنما الفروجُ في كفهِ ... فريسةٌ ضرغامُها داربُ
وقال البحتري في أكولٍ
فكأنَّ الفتى يضمُّ ركاباً ... قد تهورنَ أو يسدُّ بثوقا
معدةٌ أوليةٌ كرحى الب ... زارِ يلقِي حباً وتلقِي دقيقا
وقال آخر
فتضربُ خمسَ كفكَ في ثريدٍ ... بلقمٍ منك منكمشِ الذهابِ
كأنّ دويةً في الحلقِ لما ... تهمهم صوتُ رعدٍ في سحابِ
وأنشد ثعلب
يلقمُ لقماً ويفدي زادهُ ... يرمي بأمثالِ القطا فؤادهُ
وقال ابن المعتز
كأنَّ أكفَّ القومِ في جفناتهِ ... قطا لم تنفرهُ عن الماءِ سارحُ
وأنشد ثعلبٌ في أكولٍ
ترى كلَّ محلولِ الإزارِ كأنما ... يطبقُ سطحاً أو يلقمُ ناضحا
وقال ابن الرومي في ابن المدبرِ
لم أجدْ عذرِيَ للمح ... تالِ فيه المتلطفْ
غيرَ بطنٍ لك سأ ... لٍ إذا أصبحتَ ملحفْ
يا عدوَّ الزادِ يا ثع ... بانَ موسَى المتلقفْ
وقال آخر
لم ترَ عيني آكلاً مثلهُ ... يأكلُ باليسرَى معاً واليمنيْ
تلعبُ في القصعةِ أطرافهُ ... لعبَ أخي الشطرنجِ بالشاهينْ
وقال أعرابي ما رأيتُ جدتي زينبَ تأكل قط إلا خلتها تلقى إلى إنسانٍ وراءها

باب 73 في
ذكر الأحباء
قال أبو العتاهية
أما والذي لو شاء لم يخلقِ النوى ... لئن غبت عن عيني لما غبتَ عن قلبي
يوهمنيك الشوق حتى كأنما ... أناجيك من قربي وإنْ لم تكنْ قربي
وقال ابن المعتز
ما أبالي بظنونٍ ... وعيونٍ أتقيها
لي من ذكركَ مرآ ... ةٌ أرى وجهكَ فيها
وله مثله
يقولون لي والبعدُ بيني وبينهمْ ... نأتْ عنكَ ليلَى وانقضَى سببُ القربِ
فقلتُ لهم والحبُّ يفضحهُ البكى ... لئنْ فارقتْ عيني لقد سكنتْ قلبي
وقال أبو نواس
وما غضبتُ عليه ثمَّ ألحظهُ ... إلا رضيتُ وقامَ الحسنُ يعذرهُ
ولا تذكرتهُ إلا كأنَّ له ... في داخلِ القلبِ صواراً يصورهُ
ومن حسن الكلام وظريفه في هذا المعنى قول الحكم بن قنبرٍ
إن كنتَ لست معي فالذكرُ منكَ معي ... قلبي يراك وإن غيبتَ عن بصري
العينُ تبصرُ من تهوَى وتفقدهُ ... وناظرُ القلبِ لا يخلو من النظرِ
وقال الناجم
لئن راحَ عن عينيَّ أحمدُ غائباً ... لما هوَ عن عينِ الفؤادِ بغائبِ
له صورةٌ في القلبِ لم تقصها النوى ... ولم تتخطفها أكفُّ النوائبِ
عطفتُ على شخصٍ له غيرِ نازحٍ ... منازلهُ بين الحشى والترائبِ
إذا ساء بي منه شحوطُ ديارهِ ... وضاقتْ عليَّ في هواهُ مذاهبي
ومن جيد التشبيه في ذلك ما أنشدناه المبرد
وتديرُ عيناً في صحيفةِ فضةٍ ... تقليبها يرعَى ثمارَ الأنفسِ
إني لأضمرُ ذكرَها فكأنها ... دونَ النديمِ نديمتي في مجلسي
باب 74 في
الحب
قال ابن الرومي
فدعِ المحب من الملامِ فإنهُ ... بئسَ الدواء لموجعٍ مقلاقِ
لا تطفئنَّ جوى بلومٍ إنهُ ... كالريحِ تغري النارَ بالإحراقِ
وقال الطائي
ظعنوا فكانَ بكايَ حولاً كاملاً ... ثم ارعويتُ كذاكَ حكمُ لبيد
أجدرْ بجمرةِ لوعةٍ إطفاؤها ... بالدمعِ أن تزدادَ طولَ وقودِ
وقال أيضاً
أذكتْ عليكَ شهابَ نارٍ في الحشى ... بالعذلِ وهناً اختُ آلِ شهابِ
عذلاً شبيهاً بالجنونِ كأنما ... قرأتْ به الورهاءُ نصفَ كتابِ
وقال الخمار المنسرح
قالوا امتدحتَ الإمامَ قلتُ لهم ... أخافُ ألا أحدهُ بصفهْ
وكيفَ يعطى على المدائحِ منْ ... كانَ أبو السمطِ عندهُ طرفهْ
كأنَّ إنشادنا قصائدهُ ... أنصافُ كتبٍ ليستْ بمؤتلفهْ
وأحسن شيء يذكر في هذا المعنى قول البحتري وإن لمي كن فيه تشبيه
وجدتُ نفسكَ من نفسي بمنزلةٍ ... هي المصافاةُ بين الماءِ والراحِ
أثني عليكَ لأني لم أجدْ أحداً ... يلحَى عليك وما ذا يزعمُ اللاحي
باب 75
قال النمر بن تولب

فإنْ تكُ أثوابي تمزقنَ عن بلى ... فإني كنصلِ السيفِ في خلقِ الغمدِ
وذلك يشبهُ قول ابن هفان
لعمرِي لئنْ يبعثُ في دارِ غربتي ... ثيابيَ أن ضاقتْ عليَّ المآكلُ
فما أنا إلا السيفُ أخلقَ جفنهُ ... له حليةٌ من نفسهِ وهو عاطلُ
وله أيضاً
تعيرني غربي رجالٌ سفاهةً ... فعزيتُ نفسي مصدراً وموردا
بأني كمثلِ السيفِ أحسنُ ما يرى ... وأهيبُ ما يلقَى إذا هو جردا
وقال لبيد
فأصبحتُ مثلَ السيفِ أخلقَ جفنهُ ... تقادمُ عهدِ القينِ والنصلُ قاطعُ
وقال أبو هفان
تعجبتْ درُّ من شيبي فقلتُ لها ... لا تعجبي فطلوعُ البدرِ في السدفِ
وراعها عجباً أنْ رحتُ في سملٍ ... وما درتْ درُّ أن الدرَّ في الصدفِ

باب 76 في
الأعور
ولي يحيى بن أكثم رجلين أعورين قضاء الجانبين الغربي والشرقي فقال دعبل
رأيتُ من الكبائرِ قاضيينِ ... هما أحدوثةٌ في الخافقين
هما اقتسما العمى نصفين قدراً ... كما اقتسما قضاء الجانبين
وتحسبُ منهما من هزَّ رأساً ... لينظرَ في مواريثٍ ودينِ
كأنك قد جعلتَ عليه دناً ... فتحتَ بزالهُ من فردِ عينِ
وقال آخر
وبيننا أبداً أعمى نؤلفه ... قد يخلقُ الله عمياناً من العورِ
وكشف هذا المعنى بعضهم يصف امرأةً عوراء وعاشقها أعورُ
هي عوراءُ باليمينِ وهذا ... أعورٌ بالشمالِ وافق شناً
بينَ شخصيهما ضريرٌ إذا ما ... قعدتْ عن يمينهِ تتغنَّى
وقال آخر
ألم ترني وعمراً حين نعدو ... إلى الحاجاتِ ليس لنا نظيرُ
أسايرهُ على يمني يديهِ ... وفي ما بينا رجلٌ ضريرُ
باب 77 في
وصف سمك ولوزينج وغيرهما
قال ابن الرومي يستهدي سمكاً
وبناتُ دجلةَ في فنائكمُ ... مأسورةٌ في كلِّ معتركِ
تغزى بأمثالِ الدروعِ وأح ... ياناً بمثلِ نوافذِ الشكِ
بيضٌ كأمثالِ السبائكِ بلْ ... مشحونةٌ بالشحمِ كالعككِ
تغني عن الزياتِ قاليها ... وتبخرُ الشاوينَ بالودكِ
حسنتْ مناظرها وساعدها ... طعمٌ كحلِّ معاقدِ التككِ
وله يستهدي لوزينجاً من ابن بشرٍ في قصيدة
لا يخطئني منك لوزينجٌ ... إذا بدا أعجبَ أو عجبا
لم تغلقِ الشهوةُ أبوابها ... إلا أبتْ زلفاتُ أن تحجبا
لو شاءَ أنْ يذهبَ في صخرةٍ ... لسخرَ الطيبُ له مذهبا
يدورُ بالنفخةِ في جامهِ ... دوراً ترى الدهنَ له لولبا
عاونَ فيه منظرٌ مخبراً ... مستحسنٌ ساعدَ مستعذبا
مستكثفُ الحشوِ على أنهُ ... أرقُّ جلداً من نسيمِ الصبا
كالحسنِ المحسنِ في شدوهِ ... تم فأضحى مضرباً مطربا
كأنما قدتْ جلابيبهُ ... من أعينِ القطرِ إذا قببا
يخالُ من رقةِ خرشائهِ ... شاركَ في الأجنحةِ الجندبا
لو أنه صورَ من خبزهِ ... ثغرٌ لكانَ الواضحَ الأشنبا
من كلِّ بيضاءَ يحبُّ الفتى ... أنْ يجعلَ الكفَّ لها مركبا
مدهونةٍ زرقاءَ مدفونةٍ ... شهباءَ تحكي الأزرق الأشهبا
فلا إذا العينُ رأتهُ نبتْ ... ولا إذا الضرسُ علاهُ نبا
ذيقَ له اللوزُ فلا مرةٌ ... مرتْ على الذائقِ إلا أبَى
وانتقدَ السكرَ نقادهُ ... وشاوروا في نقدهِ المذهبا
وقال يصف دجاجة
وسميطةٍ صفراءَ ديناريةٍ ... ثمناً ولوناً زفها لك حزورُ
طفقتْ تجولُ بذربها جوذابةٌ ... فأتى لبابَ اللوزِ فيها السكرُ
نعمَ السماءُ هناكَ ظلَّ صبيبُها ... يهمي ونعمَ الأرضُ ظلتْ تمطرُ
ظلنا نقشرُ جلدها عن لحمها ... فكأن تبراً عن لجينٍ يقشرُ
وأتتْ قطائفُ بعد ذاك لطائفٌ ... ترضى اللهاةُ بها ويرضى الحنجرُ
ضحكَ الوجوهُ من الطبرزدِ فوقها ... دمعُ العيونِ من الدهانِ يعصرُ
وقال علي بن الزيات
ولكن شفني ما قد أراهُ ... لديهِ من الطعامِ على الخوانِ
وباذنجانُ محشيٌّ تراهُ ... يعومُ كعنبرٍ في دهنِ بانِ
وقال ابن الرومي في الزوار
ما إنْ علمنا من طعامٍ حاضرٍ ... نعتدهُ لفجاءةِ الزوارِ

كمهيأينِ من المطاعمِ فيهما ... شبهٌ من الأبرارِ والفجارِ
هامٌ وأرغفةٌ وضاءٌ فخمةٌ ... قد أخرجا من جاحمٍ فوارِ
كوجهِ أهلِ الجنةِ ابتسمتْ لنا ... مقرونةً بوجوهِ أهلِ النارِ
وقال في العنب
ورازقي مخطفِ الخصورِ ... كأنهُ مخازنُ البلورِ
قد ضمنتْ مسكاً إلى النحورِ ... وفي الأعالي ماءَ وردٍ جوري
لم يبقِ منه وهجُ الحرورِ ... إلا ضياءَ في ظروفِ نورِ
له مذاقُ العسلِ المشورِ ... وبردُ مسِ الخصرِ المقرورِ
ونفحةُ المسكِ مع الكافورِ ... ورقةُ الماء على الصدورِ
لو أنه يبقى على الدهورِ ... قرط آذانَ الحسانِ الحورِ
بلا فريدٍ وبلا شذورِ ... باكرتهُ والطيرُ في الوكورِ
وعذرَ الذواتُ في البكورِ ... والطلُّ مثلُ اللؤلؤ المنثورِ
من نافعٍ فيها ومن محذورِ ... في فتيةٍ من ولدِ المنصورِ
أملأ للعينِ من البدورِ ... حتى أتينا خيمةَ الناطورِ
فانقضَّ كالطاوِي من الصقورِ ... قبلَ طلوعِ الشمسِ للذرورِ
بطاعةِ الراغبِ لا المقهورِ ... ثم جلسنا جلسةَ المحبورِ
بينَ سماطَيْ شجرٍ مسطورِ ... على حفافي جدولٍ مسجورِ
أبيضَ مثلِ المهرقِ المنشورِ ... ينسابُ مثلَ الحيةِ المذعورِ
ثم أتانا بضروعٍ خورِ ... مملوءةٍ من عسلٍ محصورِ
ناهيكَ للعنقودِ من ظهورِ
وله فيه
ورازقيٍّ مخطفٍ خصورهُ ... قد أينعتْ مسكاً إلى الأسافلِ
كأنه مخازنٌ مملوءةٌ ... من ماء وردٍ فيه مسكٌ ثافلِ

باب 78 في
الموعظة
قال ابن الرومي
ترحاً لدنيا إنما ... سكانها رفقٌ مخبهْ
كم غرَّ قوماً حلوها ... من مرها إلا الألبهْ
فتهافتوا في شهدها ... فتهالكوا مثلَ الأذبَّهْ
وقال أبو العتاهية المديد
كلُّ شيء فيه موعظةٌ ... عظُ الإنسانَ لو عقلا
إنما الدنيا كمرحلةٍ ... حلها الإنسانُ وارتحلا
وقال البحتري
وكانتْ حياةُ المرءِ سوقاً إلى الردَى ... وأيامهُ دونَ المماتِ مراحلُ
وقال أبو العتاهية
أأخيَّ لا تنسى القبو ... رَ فإنها لك موعدُ
وكأنَّ شيئاً لم تنل ... هُ العينُ ساعةَ يفقدُ
وقال القطامي
وأرى المنيةَ للرجالِ حبائلاً ... شركاً يعادُ به لمنْ لم يعلقِ
وقال طرفة
لعمركَ إنْ الموتَ ما أخطأ الفتى ... لكالطولِ المرخَى وثنياهُ باليدِ
وقال أبو العتاهية
ألا يا موتُ لم أر منكَ بداً ... أتيتَ فما تحيفُ ولا تحابي
كأنكَ قد هجمتَ على مشيبي ... كما هجمَ المشيبُ على شبابي
وله
وكأنَّ منْ وارتهُ حفرتهُ ... لم يبدُ منهُ لناظرٍ شخصُ
ليدِ المنيةِ في تلطفها ... عن ذخرِ كلِّ شفيقةٍ فحصُ
وله
وكأنَّ من دفنتهُ أيدٍ في الثرى ... لم يغنِ حباً حين يرجعُ دافنهْ
جسدٌ سيخربُ حين تخرجُ روحهُ ... كالبيتِ يخربُ حين يخرجُ ساكنهْ
وله
والموتُ لا يخفى على أحدٍ ... ممنْ أرى وكأنه يخفى
ولقد مررتُ على القبورِ فما ... ميزتُ بينَ العبدِ والمولى
باب 79
قال بشار
تشتهي قربك الربابُ وتخشى ... عينَ واشٍ وتتقي إسماعهْ
أنتَ من قلبها محلَّ شرابٍ ... تشتهي شربهُ وتخشى صداعهْ
وقال ابن هرمة المتقارب
يحبُّ المديحَ أبو خالدٍ ... ويفرقُ من صلةِ المادحِ
كعذراءَ تبغي لذيذَ النكاحِ ... وتفرقُ من صولةِ الناكحِ
وله مثلهُ
فأنتَ في المدحِ كالعذراءِ يعجبها ... مسُّ الرجالِ ويثني قلبها الفرقُ
تبدي بذاك سروراً وهيَ مشفقةٌ ... كما يهابُ نشيشَ الحيةِ الفرقُ
وقال كثيرٌ
تنيل نزراً قليلاً وهي مشفقةٌ ... كما يهابُ نشيشَ الحيةِ الفرقُ
باب 80 في
الهجو
قال ابن الرومي في ابن أبي الجهم الكاتب
يابنَ أبي الجهمِ احتقب هذا اللطفْ ... فإنَّ فيه طرفةً من الطرفْ
يا جثةَ التلِّ ويا وجه الهدفْ ... يا روثةَ الفيلِ ويا لحمَ الصدفْ

يا جرةَ البيتِ قضاءً وسلفْ ... يا ليلةَ الخانِ إذا الخانُ وكفْ
يا حربَّ آبٍ عندَ سكانِ الغرفْ ... يا سوء كيلٍ وغلاءٍ وحشفْ
يا طيرةَ الشؤمِ ويا فألَ التلف ... يا ثلج ماءٍ مالحٍ فيه جيفْ
يا خزف التنورِ يا شرَّ الخزف ... يا سدةً في المنخرين من نغفْ
يا توبة الفقرِ ويا سنَّ الخرف ... منْ كان يشكو منْ هوى ومن شغفْ
فإنني منك لبغضاء وشف ... أدناهما منكَ الشقاءُ والدنفْ
بيتك بيتٌ نطفٌ كلَّ النطف ... لا يلتقي فيه العفافُ والشرفْ
بلْ تلتقي فيه بظورٌ وقلفْ ... كم طائرٍ أغفلتهُ حتى جدفْ
أحسنُ ما هرَّ به سوء الصلف ... لا زلتَ من دهركَ في شرِ كنفْ
يوليكَ منه جنفاً بعدَ جنْف ... ما لك في بغضك إن متَّ خلفْ
وقال الناجم
يابنَ أبي الجهمِ استمع على مهل ... ظرائفاً أهديتها على عجل
من نكتِ الشعرِ الرصين المنتخلْ ... يغرقنَ في بحرٍ خضمٍ لا وشلْ
يا شبهَ ماءِ البئرِ برداً وثقلْ ... يا ليلةَ الهجرانِ هجرانَ المللْ
يا بكرةَ العاشقِ جاءتْ بالعذلْ ... يا فرقة الخلانِ يا صدَّ الخلل
يا كربَ الطلقِ ويا ثقلَ الجبل ... يا حيرةَ المملقِ أعيتهُ الحيلْ
يا نكرَ المفيقِ من أدهى العلل ... يا قوةَ اليأسِ ويا ضعفَ الأملْ
يا ريثةَ الرزقِ ويا وشكَ الأجلْ ... يا زحلَ الدهرِ ومريخَ الدول
ويا قذى الأعينِ لا كحلَ المقلْ ... يا ياسمينَ السقمِ لا وردَ الخجل
بل يا سماد الحش حقاً لا مثلْ ... يا كلَّ مذكورٍ كريهٍ وبخلْ
أقسمُ لولا أنَّ بي عنك كسل ... لجدَّ فيك الشعرُ طوراً وهزلْ
ممزقاً عرضكَ تمزيقَ السملْ ... لا زلتَ من دهرك في شرِ محلْ
يليك منه وجلٌ بعد وجلْ ... ما لكَ في بغضكَ إنْ متَّ مثل
إلا بنوك العررُ النوكَى السفلْ
وقال أبو نواس
قد علا الديوانَ كأبهْ ... مذ وليهِ ابنُ شبابهْ
يا غرابَ البينِ في الشؤ ... مِ ومئزابَ الجنابهْ
يا كتاباً بطلاقٍ ... وعزاء بمصابهْ
يا مثالاً من همومٍ ... وتباريحٍ وكأبهْ
يا رغيفاً ردهُ الب ... قالُ يبساً وصلابهْ
كاتبٌ أيضاً فما م ... رَّ على رأسِ الكتابهْ
وقال ابن بسام يهجو أخاه
يا طلوعَ الرقيبِ يا بينَ إلفٍ ... يا غريماً أتى على ميعادِ
يا ركوداً في يومِ غيمٍ وصيفٍ ... يا وجوهَ التجارِ يومَ الكسادِ
وقال العطوي
أتيتكَ مشتاقاً فلم أرَ حاجباً ... ولا جالساً إلا بوجهِ قطوبِ
كأنّي غريمْ مقتضٍ أو كأنني ... طلوعُ رقيبٍ أو نهوضُ حبيبِ

باب 81 في
الالتحاء
قال سعيد بن حميد في غلام التحى
هلا وأنتَ بماءِ وجهك تشتهي ... رؤدَ الشبابِ قليلَ شعرِ العارضِ
فالآنَ حين بدتْ بخدكَ لحيةٌ ... ذهبتْ بحسنك ملءُ كفِ القابض
مثل السلافةِ عادَ خمرُ عصيرها ... بعدَ اللذاذةِ خلَّ خمرٍ حامضِ
وقال ابن بسام في أخيه
يا مَنْ نعتهُ إلى الإخوانِ لحيتهُ ... أدبرتَ والناسُ إقبالٌ وإدبارُ
قد كنتَ ممنْ يهشُّ الناظرونَ له ... تغضُّ دونك أسماعٌ وأبصارُ
للهِ أيُّ فتى حانتْ منيتهُ ... وكلُّ شيءٍ له وقتٌ ومقدارُ
حانتْ منيتهُ فاسودَّ عارضهُ ... كما تسودَ بعدَ الميتِ الدارُ
وقال سعيد بن وهب المنسرح
ما بالكمْ يا ظباءَ وجرةَ أمْ ... ما بالكمْ يا جآذِرَ البقرِ
ماتوا فلم يدفنوا فيحتسبوا ... ففيهمُ عبرةٌ لمعتبرِ
كأنهم بعدَ بهجةٍ درستْ ... ركبٌ عليهم عمائمُ السفرِ
وقال مصعب
قد صافحتْ أقطارَ خدك لحيةٌ ... تركتهُ وهو مسودُ الأقطارِ
فكأنَّ خطَّ الشعرِ في جنباتهِ ... ليلٌ أقامَ على نجومِ نهارِ
باب 82 في
قصر القامة
قال الناجم في العزيز الهزج
ألا يا بيدقَ الشطرن ... جِ في القيمةِ والقامهْ
لقد صغرَ منكَ الك ... لُّ غيرَ الدبرِ والهامهْ
فما تنفكُّ وجعاء ... كَ للوافرِ مستامهْ

وكفُّ الضخمِ في رأس ... كَ كالخالِ أو الشامهْ
لقد ضلَّ امرءٌ عدَّ ... كَ يا طرطورُ علامهْ
وله في
إنَّ ابنَ بسارٍ له قامةٌ ... بطولها منقارُ فروجِ
يقطعهُ زيقٌ ويرضي الذي ... يحيطه منه بطسوجِ
ندَّ إلينا دونَ أصحابهِ ... من ردمِ ياجوجٍ وماجوجِ
وله فيه
تنقصُ الإخوانِ من شأنهِ ... وهو أخو الذلةِ والنقصِ
كأنه البرغوثُ لم يخطهِ ... في صغرِ الجثمانِ والقرصِ
وقال المصيصي في قصير
تقطعُ دواجاً له سابغاً ... وريقةٌ من ورقِ التوثِ
غني أراهُ في حشا أمهِ ... صورَ من نطفةٍ برغوثِ
وقال الناجم في العزيز
وعازبُ الرأي ضعيفٌ مغرورْ ... يخبطُ من عمايةٍ في ديجورْ
مكاثرٌ في العلمِ وهوَ مكثورْ ... حاصلهُ منه هباءٌ منثورْ
في جسمِ عصفورٍ وحلمِ عصفورْ
وقال حسان يهجو بني عبد المدان
دعوا التخاجؤ وامشوا مشيةً سجحاً ... إنَّ الرجالَ ذوو عصبٍ وتذكيرِ
لا بأس بالقومِ من طولٍ ومن قصرٍ ... جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ
ثم مدحهم فقال
وقد كنا نقولُ إذا رأينا ... لذي جسمٍ يعدُّ وذي لسانِ
كأنك أيها المعطَى لساناً ... وجسماً من بني عبدِ المدانِ
وقال أبو نواس في قصيرة المنسرح
بدت لنا في ثياب لعبتها ... تجر أثوابها لقلتها
وقال ابن أبي حفصة المنسرح
كلُّ فتاةٍ قصيرة سمنتْ ... مسودةً لا ألذ نيكاها
وقال ابن الرومي في قصيرة
تضلُّ في السربالِ من قلةٍ ... كصعوةٍ في جوفِ قفاعهْ
قصيرةُ القامةِ دحداحةٌ ... قامتها قامةُ فقاعهْ
وله أيضاً
قميئةُ الخلفة دحداحةٌ ... تطرحها القلة في المنسى
نكهتها تقتل جلاسها ... لقرب محساها من المفسى
وقال الناجم
وقصيرٍ لا تعملُ الش ... مسُ فيئاً لقامتهْ
يعثرُ الناسُ في الطريقِ به من دمامتهْ
وله في ابن عمار
إنَّ ابنَ عمارٍ له قامةٌ ... قريبةُ البعضِ من البعضِ
طامنهُ الفقرُ وإدمانهُ ... فصار منه الطول في العرضِ
لا تبصرُ العينُ إذا ما بدا ... منه سوى الرأسِ على الأرضِ

باب 83 في
الثقلاء
قال ابن الرومي يهجو
يا أبا القاسم الذي لستُ أدري ... أرصاصٌ كيانهُ أم حديدُ
أنتَ عندي كماء بئركَ في الصي ... ف ثقيلٌ يعلوهُ بردٌ شديد
وقال ابن المعتز
يا ربَّ يومٍ ظلتُ أرعى شمسهُ ... وكأنها في الجوِ دمعةُ خائفِ
عاشرتُ فيه معاشراً كانوا قذًى ... للعينِ لا يلقى بجفنٍ طارفِ
كانوا شتاءً فيه إلا أنني ... من شمسهِ آجرُّ يومٍ صائفِ
وقال ابن الرومي في ثقيل
وثقيل كأنهُ ثقلُ دينٍ ... تتقذاهُ طالعاً كلُّ عينِ
حملَ اللهُ أرضهُ ثقليها ... وبراهُ علاوةَ الثقلينِ
وقال أبو نواس المتقارب
ثقيلٍ يطالعنا من أمم ... إذا سرهُ رعفُ أنفى ألم
لطلعته وخزةٌ في الحشا ... كوقعِ المحاجمِ في المحتجمْ
أقولُ له إذ أتى لا أتى ... ولا نقلتهُ إلينا قدمْ
فقدتُ خيالكَ لا منْ عمى ... وصوتَ كلامك لا من صمم
تغطَّ بما شئت عن ناظري ... ولوْ بالرداءِ به تلتثمْ
وقال ابن الرومي
وثقيلٍ جليسهُ في سياقٍ ... ساعةً منه مثلَ يومِ الفراقِ
قد قضى اللهُ موتهُ منذُ حينٍ ... واجتوى الموتُ نفسهُ وهو باقِ
لا أسميه باسمهِ قد كفاني ... أنهُ وحدهُ بغيضُ العراقِ
باب 84 في
الغربان
في الغربان قال بعض الشعراء
أأنْ شاقتَك منزلةٌ بخيبٍ ... ومنزلةٌ بمنجاةِ الكثيبِ
كأنَّ الشاحجاتِ بجانبيها ... شبابٌ جئنَ من حبشٍ ونوبِ
يقعنَ جماعةً ويطرنَ شتى ... إذا ما الشمسُ همتْ بالغروبِ
وقال الطرماح
وجرى بينهمُ غداةَ تحملوا ... من ذي الأبارقِ شاحجٌ يتفيدُ
شنجُ النسا أدفى الجناحِ كأنهُ ... في الدارِ إثرَ الظاعنينَ مقيدُ
وقال عنترةُ
ظعنَ الذين فراقهمْ أتوقعُ ... وجرى ببينهم الغراب الأبقعُ
أقسام الكتاب
1 2