كتاب : المحب والمحبوب و المشموم و المشروب
المؤلف : السري الرفاء

كتاب المحبوب
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي الحمد لله على أفضاله، والصلاة على النبي محمد وآله.
الألفاظ للمعاني بمنزلة المعارض للجواري، فأجمعها لأقسام الجودة، وأنظمها لأحكام الإصابة، وأمشاها في طريق البلاغة والبراعة، وآخذها بحسن السياق ولطف الافتنان في الخطابة، ما شفع إلى المخرج السهل محاسن اللفظ الجزل، وقرن بدقة المعنى واقتضاب البديع، غموض المسلك ولطافة المدخل، وكان متناسباً في الرقة والسهولة، متشابهاً في حلاوة النسج والعذوبة، بكسوة رشيقة، ودماثة تامة وخلابة تسحر القلب، ورشاقة تملك الأذن، متصل المبادئ بالخواتم لدن المعاطف، فصل من قائله برونق القريحة، ووشي الغريزة، وديباج الطبيعة، يترقرق على أعطافه ماء السلاسة، وتشرق بأطرافه بهجة الطلاوة، فهتك حجاب السمع؛ وسكن سواد القلب غير مستعان عليه بالفكرة، ولا مستخرج الرؤية، ولا مستنبط باعتساف الخاطر ومجاهدة الطبع، وغوص الهواجس، وغور الأفكار، واقتسار أبيه الممتنع، واقتياد عويصه المتوعر، بعيداً من صنعة التكلف، نزيهاً عن سماجة الاستكراه، سليماً من وحشة التعقيد. أوله دال على آخره، ومختتمه معرب عن مفتتحه، وأوسطه كطرفه؛ لا اللفظ زائد على معناه فيعد فضولاً وهذراً، ولا المراد قاصر عنه فيحسب انغلاقاً وحصراً. بل هما توأمان في وضوح الدلالة، وصواب الإشارة. وردا مورداً واحداً، وخرجا، في حسن النحت وسلامة السبك وكثرة الماء، مخرجاً فذاً كأنهما الشمس والظل في التقارب، والماء والهواء في التناسب، فعمرا الصدر الخراب بالفائدة؛ وألقحا الطبع العقيم بنتاج الأدب وشحذا الأفكار الكليلة؛ وشفيا الأذهان العليلة؛ وعودا اللسان اعتياد البديهة واللسن! وقدحا في القلب بزناد الفطانة واللقن. وتهجا له التأني لوجوه المنطق. وسهلا له جوانب الكلام والتأنق في اختراع لطيفه وابتداع دقيقه، والتقلب في أفانينه، واستمالة القلوب الشاردة، واستصراف الآذان العازبة بموقعه، واستنجاح المطلب البعيد، واستسهال المغزى الشريد بمسموعه.
وبعد، فأعلق الحديث بالألباب والقرائح، وأليقه بالفطن والطبائع، حتى تفتح الأذن لسماعه باباً، ويرفع القلب لدخوله حجاباً، ما كان عبارة عن العشق والنسيب، وترجمة عن الهوى والتشبيب، لميل النفوس بأعناقها إليه، وإلقاء القلوب في أزمتها عليه، على تباين النعم والبلدان، وتفاوت الأمزجة والإنسان؛ من ذي جد متورع، وذي خلاعة متبطل، وعامي متبذل، وخاصي متصون، وثكلان بلده كمود الغم، وغضبان أحرقه لهيب الغيط، وأسوان دلهه فوت المطلوب، وبعد المحبوب.

كما افتتحنا به الكتاب، وصدرنا بذكر مقطعات الغزل وأبيات الشعر الشوارد التي تكون في المحافل أجول، وعلى المسامع أدخل، في أوصاف المناظر الحسنة، والوجوه النيرة، والمحاسن الرائعة المعجبة، والصور المليحة الأنيقة، وحسن الخلق، ووسامة التصوير، وصباحة سنة الغرة، واعتدال التركيب، واستقامة التدوير، وسبوطة الشعر، وجثالة الفروع، وجعودة الغدائر واسترسالها على المتون كالأشطان، ووحوفتها وانفتالها في الأصداغ كالصولجان، ونجل العيون، وحور الأحداق وبرج المقل، وكثافة نسج الأهداب، وخلوصها من المره وانغماسها في الكحل، وأسالة الخدود، وبهجة الصفحات كأن الماء يقطر منها، وامتزاج أحمرها بأبيضها، وتورد الوجنات بصبغة الخجل، وتصوب مائها بصفرة الوجل، وتقويس الحواجب، وحلوكة نبات الشعر، وسبوغها إلى مؤخرة الآماق، ودقة تخطيطها كأنها قوادم الخطاف، وانعطاف طرفي القسي الموترة والحنايا المأطورة؛ وتردد الأجفان بين الدلال والتفتير، والغنج والتكسير، كأنها حور الظباء بابليات النظر، أو ربائب الوحش من سرب البقر، وسواد نقط الخيلان على وضح بشرة الوجه، كأنها النكتة السوداء في صفحة البدر، أو بدد تفاريق الغسق على بلج الفجر، أو نقطة الزاج في صفيحة العاج؛ وحمرة العوارض ملونة بخضرة التعذير، كأنها طرار البنفسج على ورقات الورد الجني، أو يورد زهر الربيع الباكر على الغصن الروي، أو آثار المسك على خد الكاعب الرود، أو برد الدجى لاح في الخطوط السود؛ ولعس الشفاه، وصغر تقطيع الأفواه، وأشر الثنايا، وشنب اللثات، وبرد الريق، وعذوبة المذاق، وسلامة النكهة من الخلوف، ورخامة الصوت، ودلال الحديث، وإشراف الأرانب، وقنا القصبات، ولين الأعطاف، وتمايل القدود والقامات، كأنما مالت بها سورة الشراب، وسقاها ربعي الشباب، أو انخنثت من السكر، أو عبثت بها نشوة الخمر؛ واندماج الخصور، ورقة الأوساط، حتى تكاد تنقد هيفاً، وتنبت قضفاً، وعبالة الأكفال، وامتلاء المآزر، وخدالة السوق، وشطانة الأبدان، وري العظام، واكتناز القصب، ودماثة الأكعب، وغموض المرافق وغوص حجمها في ري المعاصم، والمأكمة الرابية، والعجيزة الوثيرة، وثقل تكيفها كالكثيب الرجراج، أو كمتلطم الأمواج، مختومة هذه النعوت بالمختار من فوارد الشعر ومنتخبه الذي يعب فيه الذهن ويلتهمه السمع وتعتزيه النفس في أسباب الهوى، وأحوال الحب، ودواعي العشق، وتباريح الوجد، ولاعج الشجو، والوداد الدائم والمحافظة اللازمة، وعلائق الخلة ونوازع المقة التي تلتحم بها الأحشاء، وتلتبس الأعضاء، وتجري مجرى الدم، وتسري مسرى السم، لا تحول مدى الأيام، ولا تزول طوال الليالي، مخبرة عن صحة العهد، ودوام الوفاء، وصدق المودة، وشدة المحبة، وعزوب الصبر، وتمادي الوله، ولجاج القلب، ومطال الشوق، واستسلام الجوانح لسلطانه، وانقياد الشديد الشكيمة، الأباء للهضيمة، ومبتدأ القلق الذي أوله نظرة، وأوسطه خطرة، وآخره فكرة، وتنوع جنس الحب: من لجاج مكب، وعرض متفق، كما تجلب الشيء البعيد جوالبه، ومستفاد بالنشد والإلف، وكيف يجنيه الطرف، ويتشبث به القلب، ويمتزج بعلائقه الكبد؛ إلى ما يتفرع عليه من وصل وصدود، وإقبال وإدبار، وفرقة وألفة، وقلق وسكون، وتواصل الأحباء، ومراصدة الرقباء، متفننة في جميع جهاتها، ومتفرقة في كل طرقاتها، مستصلحة للحفظ والمذاكرة؛ مرتضاة للملاقاة والمحاضرة، ملتقطة من لفظ الأفواه. فالناس يكتبون أحسن ما يسمعون، ويحفظون أحسن ما يكتبون، وينشدون أحسن ما يحفظون. فهي عريقة في الاختيار مرات، عائدة من جهات بإيناس المستوحش، وعمارة المجلس، وتلهية القلب، ونفي الوحدة، وتعلة النفس، وتسلية العزب الوحيد، والمستهام العميد.

وعقيبها الفصل الثالث في أوصاف الربيع، وإيماض برقه، ونشر سحائبه، وجلجلة رعده، وسقوط قطره، وفترة نسيمه، وسجسج هوائه، وانعطاف قوسه وسط الغمام أخضر بجنب أحمر إلى أصفر، كما تظاهرت العروس بين جلابيبها وبعض الذيل أصر من بعض، أو كما عقدت الكاعب الرود أسورتها على معصمها من مصوغ ذهب إلى منظوم زبرجد بينهما معقود ياقوت؛ وهبوب الرياح على وجوه الغدران ومسحها أقذاءها كأنها ماوية مصقولة، أو مرآة مجلوة، وعصفة الشمال بالسواقي ممتدة على استواء كأنها حية تسعى أو صفيحة الحسام المسلول؛ وتدريجها متونها حزوزاً كمتون المبارد، أو حلقاً كمراقد الأساود؛ وأنواع الأزاهير وصنوف الرياحين، وكيف يتضمخ الجو من عرفها، وتتضوع المسارب بأرجها؛ وانفتاق الأنوار من أكمامها، وخروجها من أغطيتها إلى مسرى هيجها على ظواهر الأرض، وأوان جفوفها بضواحي الجلد، وحين يبسها بأشراف الجبال ومتون الأقبال؛ وذبول نضارتها، وتصوح بهجتها، وعودها هشيماً تذروه الرياح، وتنسفه الأرجل مختوماً بمشموم الطيب من المسوك والعنابر والكوافير والأعواد والغوالي، وذكر حقائق اشتقاقها وشواهدها من العربية، وحصر أسمائها وإيراد ما صرفته الشعراء من معانيها.
وبعده الفصل الرابع في نعت الخمور وعد أساميها وتحقيق اشتقاقها وموضوعاتها وأبنيتها ولغاتها، والأمثال المضروبة بها، وصفات أحوالها من مبتكر الأمثال، وتوريق كرومها وتعريشها على الدعائم وشدها بالقوائم، ثم اخضرار أوراقها، وتهدل أفنانها، وتفنن شعبها، وانعقاد حباتها، وإيناع ثمراتها، وتدلي أعنابها، وتساقط قضبانها، موقرة دوالح بأحمالها مكتنزة عناقيدها، هوادل بأثقالها كما احتبى الزنج في الأزر الخضر، أو تعرض الثريا في أزرق الفجر؛ إلى أن تنبذ في الخوابي، وتسلم إلى الظروف، وتودع الأوعية، نصب عين الشمس، فيطبخها حمي الهواجر، ويصفيها لفح السمائم بالظهائر، فتستوعب قوتها، وتستوفي حولها وشدتها، حتى يجتليها السقاة في معارض الأقداح، وتحثها ركباً على مطايا الراح، قهوة حمراء في زجاجة بيضاء عذراء من حلب الأعناب بمزاج حلب السحاب، فينتظم بها شمل السرور ويتجنب حماها طوارق المحذور.

الباب الأول
أوصاف الشعر
قال بكر بن النطاح:
بيضاء تسحب من قيامٍ فَرعَها ... وتضِلُّ فيه وهو وحفٌ أسحمُ
فكأنَّها فيه نهارٌ ساطعٌ ... وكأنه ليلٌ عليها مظلمُ
المعوج الشامي:
وفي أرجورانيِّ الغلالة شادنٌ ... لباسُ الدجى من عُذْره وغدائرهْ
له لحظاتٌ فاتراتٌ يكُرُّها ... بفترة أحوى فاتن الطرفِ فاترهْ
فلا غمد إلاّ من سوادِ جوانحي ... ولا سيف إلاّ من بياض محاجرِهْ
دعبل بن عليِّ الخزاعيِّ:
أما في صروف الدهر أن ترجع النوى ... بهم ويُدالَ القرب يوماً من البعدِ
بلى في صروف الدهر كلُّ الذي أرى ... ولكنَّما أغْفَلْنَ حظّي على عمدِ
فواللهِ ما أدري بأيِّ سهامها ... رَمتْني، وكلٌ عندنا ليس بالمُكْدي
أبا لْجيدِ أمْ مجرى الوشاح؟ وإنني ... لأِتْهم عينيها مع الفاحمِ الجعدِ
عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
سَبَتْهُ بوَحفٍ في العِقاصِ كأنَّه ... عناقيدُ دلاَّها من الكَرْمِ قاطِفُ
أسيلاتُ أبدانٍ دقاقٌ خُصورها ... وَثيراتُ ما الْتفَّتْ عليه الملاحِفُ
ابن الرومي، وأحسن في بسطه ووصفه:
وفاحمٍ واردٍ يقبِّلُ مَمْ ... شاهُ إذا اخْتالَ مُرسلاً غُدُرَهْ
أقبل كالليل من مَفارِقِهِ ... مُنحدراً لا يذُمُّ مُنحدرهْ
حتى تناهى إلى مواطِئِهِ ... يَلثِمُ من كلِّ موْطئٍ عَفَرَهْ
كأنَّه عاشقٌ دَنا كَلَفاً ... حتى قضى من حبيبه وَطَرهْ
وعبد الله بن المعتز وارده في هذا المعنى حيث قال:
فلّما أنْ قضتْ وَطراً وهمَّتْ ... على عَجَلٍ لأخذٍ للرِّداءِ
رَأتْ شخص الرقيب على تدانٍ ... فأسبَلتِ الظَّلامَ على الضياءِ
فغاب الصبحُ منها تحت ليلٍ ... وظلَّ الماءُ يَقطُرُ فوقَ ماءِ
والمتنبي منه أخذ قوله:
دعتْ خلاخيلُها ذَوائبَها ... فجِئنَ من قَرْنِها إلى القدمِ
وقوله:
وَمَن كلَّما جَرَّدْتُها من ثيابها ... كساها ثياباً غَيْرَها الشَّعَرُ الوَحْفُ

وابن الرومي وابن المعتز أخذاه من قول أبي نواس:
بانوا وفيهمْ شُموسُ دَجْنٍ ... تَنْعَلُ أقدامها القرونُ
تعومُ أعجازُهُنَّ عوْماً ... وتَنثني فوقها المتونُ
وأبو نواس أخذه من ذي الرمة حيث قال:
إذا انْجرَدَتْ إلاَّ من الدِّرع فارْتدتْ ... غدائرَ مَيَّال القُرونِ سُخامِ
وأخذه ذو الرمة من الأعشى حيث قال:
إذا جُرِّدَتْ يوماً حَسِبْتَ خَميصَةً ... عليها وجِرْيالَ النضيِر الدُلامِصا
حمزة البكري:
قامَتْ تُريكَ ابنةُ البكريِّ ذا غُدُر ... يُستمطرُ البانُ منها واليَلَنْجوجُ
وَحْفٌ مَنابِتُه رَسْلٌ مَساقِطُه ... مُحلَوْلَكُ اللونِ غِربيبٌ ودَيْجُوجُ
اليعقوبي:
جُعودةُ شعرِها تَحكي غديراً ... تُصَفِّقُهُ الجنوبُ على الشمالِ
ابن لنكك:
هَلْ طالبٌ ثأرَ من قد أهدرَتْ دمَهُ ... بيضٌ عليهِنَّ نَذْرٌ قَتْلُ من عشِقا
من العقائلِ ما يَخْطِرنَ عن عُرُضٍ ... إلاَّ أرَيْنَكَ في قدٍّ قَناً ونَقا
رَواعفٌ بخدودٍ زانَها سَبَجٌ ... قد زَرْفَنَ الحُسنُ في أصداغِها حَلَقا
نواشرٌ في الضُحى من فَرِْعها غَسقاً ... وفي ظلامِ الدُجى من وجهها فَلَقا
أَعَرْنَ غيدَ ظِباءٍ رُوِّعِتْ غَيَداً ... والورْدَ تَوْريدَ لونٍ، والَمها حَدَقا
المتنبي:
كَشفتْ ثلاثَ ذوائبٍ من شعرِها ... في ليلةٍ فأَرَتْ لياليَ أرْبَعا
واستقْبلتْ قمرَ السماءِ بوجهِها ... فأَرَتْنِيَ القَمَريْنِ في وقتٍ معا
ابن دريد:
غَرَّاءُ لوَجَلتِ الخدودُ شُعاعها ... للشمس عند طُلوعها لم تُشْرِقِ
غُصنٌ على دِعْصٍ تبدَّى فوقَه ... قمرٌ تألَّق تحت ليلٍ مُطْبِقِ
لو قيل للحُسْن: احْتكم لم يَعْدها ... أو قيل: خاطِبْ غيرها لم يَنْطِقِ
فكأنَّنا من فَرْعِها في مَغرِب ... وكأننا من وجهها في مَشْرِقِ
تبدو فيهتفُ بالعيون ضياؤُها ... الويلُ حلَّ بمقلةٍ لم تُطبقِ
الخليع:
وَمُبْتَسِمٍ إليَّ من الأقاحي ... وقد لبسَ الدُجى فوقَ الصباحِ
ثَنى زُنَّارَهُ في دِعْصِ رملٍ ... على خُوطٍ من الرَيْحان ضاحِ
له وجهٌ يَتِيهُ به وعيٌن ... يُمَرِّضُها فيَسْكِرُ كلَّ صاح
المتنبي:
كلُّ خُمصانةٍ أرَقَّ من الَخْم ... ر بقلبٍ أقسى من الَجْلُمودِ
ذاتُ فَرْعٍ كأنما ضُرِبَ العَنْ ... برُ فيهِ بماءِ وَرْدٍ وعودِ
حالِكٍ كالغُدافِ جَثْلٍ دَجو ... جِيٍ أثِيثٍ جَعْدٍ لا تجْعيدِ
تحمِلُ المِسكَ عن غَدائِرها الري ... حُ وتفْتَرُّ عن شَتيتٍ بَروُدِ
أبو دلف:
حَسُنَتْ واللهِ في عيْ ... ني وفي كلِّ العيونِ
قَيْنَةٌ بيضاءُ كالفَّض ... ةِ سوداءُ القُرونِ
أقْبَلَتْ مُختالة بي ... نَ مَهاً حُورٍ وعينِ
لم يُصبْها مرضٌ يَنْ ... هَكُ إلاَّ في الُجفونِ
المتنبي:
لَبسنَ الوَشيَ لا مُتَجَمَّلاتٍ ... ولكنْ كي يَصُنَّ به الجَمالا
وضَفَّرنْ َالغدائِرَ لا لِحُسْنٍ ... ولكنْ خفْنَ في الشَّعْرِ الضَلالا
ذو الرمة:
هِجانٍ تَفُتُّ المسكَ في مُتَناغمٍ ... سُخامِ القرونِ غيرِ صُهْبٍ ولا زُعْرِ
وتُشعرُهُ أعطافَها وتَشُمُّه ... وتمسحُ منه بالتَرائب والنحْرِ
لها سُنَّةٌ كالشمسِ في يومِ طَلْقَةٍ ... بَدت من سحابٍ وهي جانِحةُ العَصْرِ
وقال الشماخ، وأنشدوه في أبيات المعاني:
دارُ الفتاةِ التي كُنَّا نقولُ لها ... يا ظبيةً عُطُلاً حُسَّانةَ الجيدِ
تُدْني الحمامةُ منها وهي لاهيةٌ ... من يانِعِ الكَرْم قِنْوانَ العَناقيدِ

الباب الثاني
الأصداغ
قال ابن المعتز:
ريمٌ يتيهُ بِحُسنِ صُورتهِ ... عَبَثَ الفُتورُ بِلحظِ مُقلتهِ
وكأنَّ عَقْربَ صُدغه وقفتْ ... لمّا دَنَتْ من نارِ وجْنَتهِ
ولقد أحسن فيه. إلا أنه ألم بقول العرب، أنشده ابن السكيت:
وكأني شَبْوةٌ عندَ الصُدودِ
أي كأني، في صدودي عن النار، العقرب، لأنها لا تقربها.
وكذلك قوله في صفة الهلال:

ولاحَ ضوءُ هلالٍ كادَ يَفْضَحُهُ ... مِثلَ القُلامةِ قد قُصَّتْ من الظُفُرِ
أخذه من قول جميل، أنشده الأصمعي:
كأنَّ ابْنَ مُزْنَتِها جانِحاً ... فَسيطٌ لدى الأُفقِ من خِنْصِرِ
أبو مسلم الرستمي:
وبنَفْسي من إذا جَمَّشتُهُ ... نَثَرَ الوردُ عليه وَرَقهْ
وإذا مسَّت يدي طُرَّتهُ ... أُفْلتَتْ منها فعادتْ حَلَقَهْ
لم أزَلْ أحرِسُ قلبي جاهداً ... من لُصوصِ الحُبِّ حتى سَرَقهْ
المعوج الشامي:
صَوالِجُهُ سودٌ مُعطَّفةُ العُرى ... تَمايلُ في مَيدان خَدٍّ مُضَرَّجِ
ترى خدَّه المصقولَ والصُّدُغُ فوقَه ... كَوردٍ عليه طاقةٌ من بَنَفْسَجِ
الرقي:
أبداً نحنُ في خلافٍ فَمنِّي ... فرطُ حُبٍ، ومنكَ لي فرطُ بُغضِ
فَتْلُ صُدغيْكَ فوقَ خطِّ عِذارٍ ... ظُلماتٌ، وبعضُها فوقَ بعضِ
آخر:
ومُستبيحٍ لقتلي ... ما إنْ يُمرُّ ويُحْلي
سِنوهُ خمسٌ وعشرٌ ... كالبدرِ عندَ التَجَليِّ
مُصَحِّحِي حينَ يدنو ... وفي التنائي مُعلىِّ
ما شَوَّشَ الصُدغَ إلاَّ ... لِكيْ يُشوِّشَ عقليِ
السروري:
وَذي دلالٍ كأنَّ طُرَّتَهُ ... بُستانُ حُسنٍ بالزهرِ مَنْقوشُ
ورَوْضةُ الياسميِن عارِضُهُ ... وهو بلحْظِ المحبِّ مخدوشُ
والدُرُّ في ثغرهِ منابِتُهُ ... والمسكُ في عارضيْهِ مَفروشُ
وقد زَها في قضيبِ قامَتِهِ ... عُنقودُ صُدغٍ عليهِ مَعروشُ
آخر:
لامسَّ جِسمكَ، بل وُقِّيتَ بي أبداً ... ما مسَّ جسميَ من تفتير عيْنيْكا
قلبي وصُدغُكَ لم يحرقْهُما لَهبٌ ... كِلاهما احْتَرقا من نارِ خدَّيْكا
العلوي:
وعهدي بالعَقاربِ حيَن تَشْتُو ... تُخَفِّفُ لَدْغَها وتَقلُّ ضُرّا
فما بالُ الشتاءِ أتى وهذي ... عقاربُ صُدغهِ تزدادُ شرّا
ابن المعذل:
ومُتَّخذٍ على خَدَّي ... هِ من أصداغهِ حَلَقا
يكادُ يذوبُ حين نُدي ... رُ في وجَنَاتهِ الحَدَقا
إذا جَمَّشْتَه باللَّحْ ... ظِ بُلَّ جبينهُ عَرَقا
كشمسِ الأفقِ آخذَةٌ ... على أبْصارنا الطُرُقا
آخر:
غِشاءُ خَدَّيهِ جُلَّنارُ ... وَوجههُ الشمسُ والنّهارُ
أطوفُ حيرانَ في هواهُ ... يُديرُني لَحْظُهُ المُدارُ
كشاجم:
حُورٌ شَغَلنَ قلوبَنا بفراغِ ... ورسائلٌ قصَرتْ عن الإبْلاغِ
ومَنعْنَ وردَ خُدودهِنّ فلم نُطِقْ ... قَطْفاً لها لعقاربِ الأصداغِ
أبو فراس:
ومُرْتَدٍ بِطُرَّةٍ ... مُرسَلَةِ الرَفارِفِ
مُسَبلةٍ كأنَّها ... من زَرَدٍ مضاعفِ
خالد، ووجدتها في ديوان ابن المعتز:
دَعْني فما طاعَةُ العُزّالِ من ديني ... ما سالمُ القلب في الدُنيا كَمَفْتونِ
أيْقنتُ أنِّيَ مجنونٌ بِحُبِّكُمُ ... وليس لي عندكم عُذرُ المجانينِ
ذو طُرَّةٍ نَظمتْ في عاج جَبهته ... من شَعْرِهِ حَلَقاً سودَ الزَرافيِن
كأنَّ خطَّ عذارٍ فوقَ عارِضهِ ... ميدانُ آسٍ على وردٍ ونِسرينِ
ابن المعتز:
بَخيلٌ قد شَقيتُ بهِ ... يُكدُّ الوعدَ بالحُججِ
على بُستان خدَّيْهِ ... زَرافينٌ من السَّبَجِ
آخر:
أمِنْ سَبَجٍ في عارضيْه صَوالجٌ ... مُعَطَّفةٌ تُفاحَ خدَّيهِ تَضربُ
وما ضرَّهُ نارٌ بخدَّيهِ أُلْهبتْ ... ولكنْ بها قلبُ المحبِّ يُعذَّبُ
عناقيدُ صُدغيْهِ بخدِّيهِ تَلتوي ... وأمواجُ رِدْفيهِ بخصريْهِ تلعبُ
شَربتُ الهوى صِرفاً زُلالاً وإنما ... لواحِظُه تَسْقي وقلبِيَ يشربُ
ابن المعتز:
حُشِيَت عَقاربُ صُدغهِ ... بالمسكِ في خدَّيه حَشْوا
أبو تمام:
لمَّا اسْتَتَمَّ ليالي البدرِ من حِججٍ ... فوَّقَ السَّهمَ من عينيهِ في المُهجِ
وهزَّ أعلاهُ من حِقْويهِ أسفلُهُ ... واخضَرَّ شاربُهُ واجتحَّ بالحُججِ
بَدا يُعرضُ بالتجميشِ فامتزجتْ ... منه الملاحَةُ بالتكريرِ والغنجِ

كأنّ طُرَّتَهُ في عاجِ جبهتهِ، ... إذا تأمَّلْتَهُ، عِقْدٌ من السَبَجِ
ابن المعتز:
في خدِّه عقاربٌ ... مَحشُوَّةٌ بالغالِيهْ
شائِلةٌ أذنابها ... حُماتُهُنَّ قاضيَهْ
تَلسَعُني إذا بَدا ... وجسمُه في عافيهْ
الخباز البلدي:
ذو ظُرَّةِ كمثل ما ركُبِّ َفي ... صفيحةِ الفضَّة شبّاكُ سَبَجْ
وعارضٍ كالماء في رقَّتهِ ... تُزهر فيه وجنةٌ ذاتُ بهجْ
كأنما نسَّاج ديباجتهِ ... من وَرق النِسرينِ والوردِ نسجْ
ابن المعتز:
عيَّروا عارضه بال ... مسكِ في خدٍّ أسيلِ
تحتَ صُدغين يُشيرا ... نِ إلى وجهٍ جميلِ
الصنوبري:
للدَلَّ فيهِ عجائبُهْ ... للشَّكلِ فيهِ غرائبُهْ
للحُسنِ فيهِ شمسهُ ... وهلالهُ وكواكبُهْ
ولصُدغهِ في خدَّهِ ... حَرْفٌ تَنَوَّقَ كاتبُهْ
ظبيٌ يصيحُ عِذارُه ... يا غافليَن وشاربُهْ
وله أيضاً:
مُتَبسِّمٌ كافورُ عارضِهِ ... عن صُدغِ مسكٍ إنْ دنا نَفَحا
مُنْضَمُّ وردِ الخدِّ أوْلَ ما ... يَبدو، فإنْ جَمَّشْتَهُ انْفَتَحا

الباب الثالث
مدح العذار وذمه
التمار الواسطي:
أَرضى صبابَتَه ولَّما تُرضِهِ ... فَقَضى بها ومُرادَهُ لم يَقْضِهِ
أَهدى إليهِ الُحبُّ فترةَ جَفْنِهِ ... عَمداً، كما استهداه صِحَّةَ غُمْضِهِ
غُصنٌ تَفَتَّحَ نَوْرُهُ في فرعِهِ ... أَوفى بمُسْوَدٍّ على مُبْيَضِّهِ
فكأنَّ نَبْتَ عِذارِهِ في خدِّهِ ... وردٌ تعلَّقَ بعضُهُ في بعضِهِ
مثل البيت قول البرقعي:
ولاحَظَني بأجفانٍ مِراضٍ ... وإِيماضٍ يُخالَسُ باغْتِماض
ومِنْ فَتْلِ العبيرِ بعارضيه ... سوادٌ قد تَزَرْفَنَ في بَياض
أناف عليَّ مُكْتَحِلاً غماضاً ... قأرَّقَ ناظِريَّ عن اغْتِماض
أتعجبُ من فرائسِ أُسْدِ غابٍ ... ونحن فَرائِسُ المُقَلِ المِراض
ابن كيغلغ:
وكاسبِ آثامٍ يُجيلُ بَنانَه ... على زَعفَراناتٍ يُلَقَّبْنَ بالشَّعرِ
فما دُرَّةُ الغواصِ في نَحرِ كاعِبٍ ... ولا الغُصُنُ الميَّالُ في الورقِ الخضرِ
بِأحسنَ منه إذا بدا مُتَلَثِّماً ... بِفضلِ عِذارٍ خُطَّ في صَفْحَتَيْ بَدرِ
ماني الموسوس:
وما غاضَتْ محَاسِنُهُ ولكنْ ... بماءِ الحُسْنِ أورَقَ عارِضاهُ
سَمِعْتَ بهِ فَهِمْتَ إليهِ شوقاً ... فكيفَ لكَ التَصبُّرُ لو تراهُ
أبو فراس:
يا مَن يلومُ على هواهُ سَفاهةً ... انظُرْ إلى تِلكَ السوالِفِ تَعْذُرِ
حَسُنَتْ وطابَ نسيمُها فكأنّها ... مِسكٌ تساقَطَ فوقَ وردٍ أحمرِ
آخر:
يقولونَ قد أَخفى محَاسنَه الشَّعرٌ ... وهيهاتَ أنِ يَخْفى مع الظُلْمةِ البَدرُ
وأَحسَنُ ما يَبْدو لكَ الغُصنُ ناضِراً ... إذا لاحَ في أَطرافِهِ الوَرَقُ الخُضْرُ
ابن المعذل:
سالَتْ مَسايلُ عارضَيْ ... هِ بَنَفْسجاً في وَرْدِهِ
فكأنَّه مِن حُسنِهِ ... عَبَثَ الرَبيعُ بخدِّهِ
ابن المعتز:
لا تَحْسُنُ الأرضُ إلاَّ عند زَهْرَتِها ... ولا السَماواتُ إلا بالمَصابِيحِ
كذاكَ خَدُّكَ، لمّا اخضَرَّ عارِضُهُ، ... تَصَرَّحَ الحسنُ فيه أَيَّ تَصْريحِ
الصنوبري:
صاحَ عِذاراهُ بي وشارِبُهُ ... قُمْ فَتَأمَّلْ فأَنتَ صاحِبُهُ
إنْ كان بَدرُ الدُجى يُشاكِلُهُ ... فما لِبَدْرِ الدُجى مناقِبُهُ
لا وَجنتاهُ لهُ، ولا فَمُهُ، ... ولا له عيْنُهُ وحاجِبُهُ
ذاكَ الذي طالَبَتْ محَاسِنُهُ ... بِوصْلِهِ من غَدا يطالِبُهُ
ابن لنكك:
قالوا الْتحى فَمحا مَحا ... سِنَ وَجههِ لِبْسُ الشَعَرْ
ألآنَ طابَ وإِنّما ... ذاكَ البهارُ على الشَجَرْ
لَولا سوادٌ في القَمرْ ... واللهِ ما حَسُنَ القَمرْ
الخليع وأحسن فيه:
اخضرَّ عارِضُه ولاحَ عِذارُهُ ... والبدرُ ليسَ يَشينُه آثارُهُ
لولا اخْضِرارُ الروضِ لم يكُ نُزهةً ... لمَّا تَضاحَكَ وَردُه وبَهارُهُ

والسيفُ لولا خُضرةٌ في مَتْنه ... ما كانَ يُعْرَفُ عِتقُهُ ونِجارُهُ
وَيزينُ تُفَّاحَ الخُدودِ عِذارُه ... والثوبُ يَعرِفُ أَرْشَهُ سِمسارُهُ
البسامي:
مالَهُم أَنْكروا سَواداً بخدَّيْ ... هِ ولا يُنكرونَ ورْدَ الغُصونِ
إن يَكُنْ عَيبُ وجهِهِ بَدَدَ الشَّع ... رِ فعيبُ العيونِ سودُ الجُفونِ
الخبزرزي:
وحُسنٍ يُنَمْنِمُ ذاكَ العِذارَ ... كآثارِ مِسكٍ عليهِ غَزَلْ
كتابٌ من الحُسنِ توقِيعُهُ ... من اللهِ في خَدِّهِ قد نَزَلْ
ابن المعتز:
وَتكادُ الشمسُ تُشبِهُهُ ... ويكادُ البدرُ يَحْكِيهِ
كيفَ لا يَخْضَرُّ عارِضُهُ ... ومِياهُ الحُسنِ تَسْقِيهِ
محمد بن وهيب:
صُدودُكَ والهوى هَتكا سِتاري ... وساعَدها البُكاءُ على اشْتِهاري
وكم أَبْصَرتُ من حسنٍ ولكنْ ... عليكَ، لِشِقْوتي، وَقَعَ اخْتياري
ولم أَخْلَعْ عِذاري فيكَ إلاَّ ... لِما عايَنْتُ من خَلْعِ العِذارِ
الخبزرزي:
انظرْ إلى الغُنْجِ يَجري في لَواحِظِهِ ... وانظُرْ إلى دَعَجٍ في طَرْفِه الساجي
وانظُرْ إلى شَعَراتٍ فوقَ عارِضِهِ ... كَأَنَّهُنَّ نِمالٌ دَبَّ في عاجِ
الوأواء:
ولمّا حَوى نِصفَ الدُجى نِصفُ خدِّهِ ... تَحَّيرَ فيهِ ما دَرى أينَ يذهبُ
ابن المعتز:
له مُقلةٌ تَسبي العُقولَ ووجنةٌ ... تَفَتَّحَ فيها الوردُ من كلِّ جانِبِ
وسالَ على خدَّيْه خَطُّ عِذارِهِ ... كما أَثَّرَ التَسطيرُ في رَقِّ كاتِبِ
الخبزرزي:
وَجهٌ تكامَلِ حُسنُهُ ... لماَّ تَطَرَّفَهُ عِذارُهْ
والسيفُ أحسنُ ما يُرى ... ما كانَ مُخْضَرّاً غِرارُهْ
غُصْنٌ شَقِيتُ بِزَرْعِهِ ... فالآنَ حين بَدَتْ ثِمارُهْ
عَطَفَ الوُشَاةُ فروعهُ ... عنّي وفي قَلبي قَرارُهْ
ابن كيغلغ:
مُهَفْهَفٌ كالقَضيب قامَتُهَ ... أقامَ سوقَ القُدودِ إِذْ قاما
يُفْطِرُ طَرْفي إِذا رَأَيْتُ لهُ ... شَخصاً، فإِنْ غابَ شَخْصُهُ صاما
قد قَبَّلَ الوردُ فوقَ عارِضهِ ... فَخطَّ فيهِ سَوادُهُ لاما
الصنوبري:
كم تَحرَّى قَتْلي ولمْ يَتَحرَّجْ ... مَنْ ضَمِيري بِنارِ حُبِّيهِ مُنْضَجْ
رَشَأٌ يَقْتَضي الغرامَ فؤاداً ... مُلْجِماً للغرامِ والشوقُ مُسْرَجْ
رَوضٌ حسَنٍ تَنَزَّهُ العينُ فيهِ ... في مُوشىَّ مُستَحْسَنٍ ومُدَبَّجْ
يا مُذِيبِي بِخالِهِ اللاَّزوَرْ ... دِيِّ على خَدِّهِ الصَقِيل المُضَرَّجْ
هذه زهرةُ البَنَفْسج في خدِّ ... كَ أَمْ زهرةٌ تَفوقُ البَنَفسجْ
كانَ نُعمانُ من نَعِيمِيَ لو لمْ ... يَكُ رأَسِي بِتاجِ شَيْبِي مُتَوَّج
كشاجم:
مُهَفْهفُ الأَعطافِ مُرْتَجُّ الكَفَلْ ... مُكَحَّلُ الأَجفانِ من كُحْلِ الكَحَلْ
طُوِّقَ في الخدِّ كتَطويقِ الحَجَلْ ... بعارضٍ مُنقَطِعٍ لم يَتَّصِلْ
يُنْبِتُهُ الحُسنُ وتَرعاهُ المُقَلْ
وفي هذا المعنى قول ديك الجن حسن:
يَلوحُ في خدِّه وردٌ على زَهَرٍ ... يعودُ من وَقتِهِ غَضّاً إذا قُطِفا
الصنوبري:
إِنَّ الذي اسْتَحْسَنْتُ فيه خَلاعتي ... وخَلَعْتُ فيه تَنَسُّكِي وتَحرُّجي
زَيْنُ الشُنوف وَزِينَةُ ال ... خَلخالِ إنْ حلَّيتَه والدُمْلُجِ
شَبَّهتُ حُمرةَ خدِّهِ وعِذارَهُ ... بِنِقابِ وَردٍ مُعْلَمٍ بِبَنَفْسَجِ
الواثق بالله؛ الصحيح أنها لأبي تمام:
لما اسْتَقَلَّ بأَردافٍ تُجاذِبُهُ ... واخْضَّر فوقَ جُمان الدُرِّ شارِبُهُ
وتَمَّ في الحُسن فالْتامَتْ مَحاسِنُهُ ... واهتزَّ أَعلاهُ وارتجَّتْ حقائبُهُ
كلَّمتُه بُجفونٍ غيرِ ناطِقةٍ ... فكان مِن رَدِّه ما قالَ حاجِبُهُ
والمحدثون قد أكثروا في هذا الفن. وإنما نقصد المختار في الكتاب كله - ولكل شيء صناعة؛ وصناعة العقل حسن الاختيار. والناس متفاوتو الأغراض فيه - ولكل غرض مذهب أبو حنيفة الغساني مؤدب أبي نواس أنشده ابن المنجم في البارع:

بأَبي وَجْهُكَ من مُحْتَلَقٍ ... حارَ ماءُ الحُسْنِ فيه فَوَقَفْ
إِنْ يَكُنْ أثَّرَ في عارِضِهِ ... بَدَدُ الشَّعرِ فَفي البدْرِ كَلَفْ

في ذم العذار
سعيد بن وهب، أنشده أبو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان:
هلاّ وأنتَ بماء وجهكَ تَشتهي ... رؤدَ الشباب قليلَ شعرِ العارضِ
فالآنَ، حين بدتْ بخدِّكَ لِحيةٌ ... ذهبتُ بِمِلْحِكَ ملءَ كفِّ القابضِ
مثلَ السُلافةِ عاد خمرُ عصيرِها ... بعدَ الَّلذاذةِ خلَّ خَمْرٍ حامِضِ
آخر:
غابوا وآبوا وفي وُجُوهِهِمُ ... كما يكونُ الكسوفُ في القمرِ
مَاتوا فلم يُقْبَروا فَيُحْتَسَبُوا ... فَفِيهمُ عِبرَةٌ لمُعْتَبِر
كأنَّهمْ بَعدَ بَهْجَةٍ دَرَسَتْ ... رَكْبٌ عليهمْ عمائِمُ السَفَرِ
أبو هفان:
غَيَّرَهُ الكونُ والفسادُ ... ولاحَ في وجْهِهِ السَوادُ
كأنْه دِمْنَةٌ امَّحَتْ ... فكُلُّ آثارِها رَمادُ
ابن المعتز:
أَلْبسكَ الشَّعُر على رَغمي ... غلالةً تُغسلُ بالخَطْمي
قد كنتُ أدعوكَ: بيا سيِّدي ... فصِرتُ أدعوكَ: بيا عَمِّيَ
وله أيضاً:
يا ربِّ إِن لمْ يكنْ في وَصلِه طمعٌ ... ولم يكنْ فرجٌ من طولِ هِجرتهِ
فاشْفِ السَّقامَ في لحظِ مُقلَتِهِ ... واسْتُرْ مَلاحةَ خدَّيْه بلحيتهِ
ابن المعذل:
سَقياً لدهر مضى ما كان أَطيَبَهُ ... إِذ أنتَ مُتَّبعٌ والشرطُ دينارُ
أيّامَ وجهُكَ مُبيَضٌّ عوارِضُهُ ... وللربيعِ على خَدْيْكَ أَنوارُ
حانَتْ مَنيَّتُهُ واسْوَدَّ عارِضُهُ ... كما تُسَوَّدُ بعدَ الميِّتِ الدارُ
الصنوبري:
أُخمِدَ الحُسنُ فيكَ بعد اتِّقادِ ... واكْتسى عارِضاكَ ثَوبَيْ حِدادِ
ما بَدتْ شَعْرةٌ بِخدِّكَ إِلاَّ ... قُلتُ في ناظرِي بَدتْ أو فُؤادي
أَنتَ بدرٌ جَنى الكُسوفُ عليهِ ... ظُلمةً ما أَرى لها مِن نَفَادِ
واسْوِدادُ العِذارِ بعد ابْيِضاضٍ ... كابْيِضاضِ العِذار بعد اسْوِدادِ
ديك الجن:
لو نَبتَ الشَّعْرُ في وِصالٍ ... لَعادَ ذاكَ الوِصالُ صدَّا
الخبزرزي:
بَدا الشعرُ في وجْههِ فاْنتَقَمْ ... لِعُشاقِهِ مِنهُ لمّا ظَلَمْ
وما سلَّطَ اللهُ نَبْتَ اللِّحى ... على المُرْد أَلا زوالَ النّعمْ
تَوحَّشَتِ العينُ في وجههِ ... وحَقَّ لها وحَشةٌ في الظُلَمْ
ولم يَعلُ في وجههِ كالدُّخا ... نِ إِلاَّ وأسفَلُه كالحَمَمْ
إذا اسودَّ فاضِلُ قِرطاسهِ ... فما ظَنُّهُ بمجاري القَلَمْ
الباب الرابع
نعت الخيلان
محمد بن عبد الرحمن الكوفي:
خالٌ كنُقطةِ زاجِ ... على صَفِيحة عاجِ
العباس بن الأحنف وقد قرأتها في ديوان ديك الجن. والعباس أولى بها:
ومَحجوبةٍ في الخِدرِ عن كُل ناظرٍ ... ولو بَرَزَتْ ما ضلَّ بالليل مَن يَسري
يُقَطِّعُ قلبي حُسنُ خالٍ بخدِّها ... إِذا سَفَرَتْ عنهُ تَنَغَّمَ بالسِحْر
لخالٌ بذاتِ الخال أَحسنُ مَنظراً ... من النُقْطةِ السوداءِ في وَضَحِ البدْرِ
وقال عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي:
كأن نقطةٌ بِمِسكٍ ... لائحةٌ في بياضِ عاجِ
مسلم بن الوليد:
خَرَجْنَ خروجَ الأنجُم الزُهرِ فالتقى ... عليهنَّ منهنَّ الملاحةُ والشَكْلُ
وخالٌ كخالِ البدرِ في وجه مِثلهِ ... لَقيتُ المُنى فيه فحاجزَنا البَذلُ
ديك الجن:
في خَدِّه خالٌ كأنَّ ... أنامِلاً صَبَغتهُ عَمْدا
خَنِثٌ كأَنَّ الله أَلْ ... بسَهُ قُشورَ الدُرِّ جِلْدا
وتَرى على وَجَناتِهِ ... في أيِّ حينٍ جِئتَ وَرْدا
أبو هفان:
مَلِيحُ الدَلِّ والحَدَقَهْ ... بَديعٌ والَّذي خَلَقَهْ
له صُدغانِ من سَبَجٍ ... على خَدَّيْهِ كالحَلَقَهْ
وخالٌ فوقَ وجنتِهِ ... يُقَطِّعُ قلبَ من عَشِقَهْ
أُلاحِظُهُ فأُدْمِيهِ ... فأَتركُ لَحظَهُ شَفَقَهْ
وقال الصنوبري:
بالحَلَقِ المُستديرِ من سَبَج ... على الجَبينِ المَصُوغِ مِن دُرِّ

وحاجبٍ خَطَّ سطرَه قلمُ ال ... حُسن بِحبْرِ الإِلهِ لا الحِبرِ
والخالِ في الخدِّ إِذ أُشَبِّهُهُ ... زَهرةَ مِسكٍ على ثَرى تِبْرِ
وأُقحوانٍ بِفيكِ مُنتظمٍ ... على شَبيهِ الغَديرِ من خَمْرِ
آخر:
في الساعِدِ الأَيمن خالٌ لهُ ... مِثلُ السُويْداءِ على القَلبِ
كأنهُ من سَبَج فاحِمٍ ... مُرَكَّبٍ في لُؤْلُؤٍ رَطْبِ
كشاحم:
فَديْتُ زائرةً في العيد واصِلةً ... لِمُسْتهامٍ بها لِلوصْلِ مُنْتَظِرِ
فلم يزلْ خَدُّها رُكناً أَطوفُ بِهِ ... والخالُ، في صَحْنِهِ، يُغْني عن الحَجَرِ
أحمد بن أبي طاهر:
أَغَنُّ رَبيبُ الرَبْربِ الغِيدِ والمَها ... بِمُقْلةِ وَحشيِّ المحاجرِ أَدْعَجِ
له وَجَناتٌ نُكتَةُ الخالِ وسْطَها ... كنُقطةِ زاجٍ في صَفيحةِ زِبْرِجِ
ابن أبي فنن، في الخال الأبيض:
يا حُسنَ خالٍ بِخدّ قد كَلِفْتُ بهِ ... كأنهُ كَوْكبٌ قد لُزَّ بالقمرِ

الباب الخامس
الخدود
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
قد صَنَّفَ الحُسنُ في خدَّيكِ جوهَرَهُ ... وفيهما أودعَ التفاحُ أَحمرَهُ
فكلُّ سِحْرٍ فمِن عَيْنَيكِ أَوَّلُهُ ... مُذ خَطَّ هاروتُ في عَيْنيْكِ عَسكَرَهُ
قد كانَ لي بَدنٌ ما مَسَّهُ سَقَمٌ ... فَمُذْ أُتيحَ له الهِجرانُ غيَّرَهُ
قلبي رَهينٌ بكفَّيْ شادِنٍ خَنِثٍ ... يُمِيُتُه فإِذا ما شاءَ أَنْشَرَهُ
الوجيهي:
لا والذي جَعلَ الموا ... لِيَ في الهوى خَوَلَ العَبيدِ
وأَصارَ في أَسْرِ الظِّبا ... ءِ قِيادَ أَعناقِ الأُسودِ
وأَقامَ أَلْوِيَةَ المَنيَّةِ بين أَفْنِيَةِ الصُدودِ
ما الوردُ أحسنُ مَنْظَراً ... في الروضِ من وردِ الخُدودِ
ابن الرومي:
تَورُّدُ خدَّيْه يُذكِّرُني الوَرْدا ... ولمْ أَرَ أَحلى منه شَكْلاً ولا قَدّا
كأنّ الثُريَا عُلِّقَتْ في جَبينِه ... وبَدر الدُجى في النَحْرِ صِيغَ له عِقْدا
وأَهدتْ له شمسُ النهارِ ضِياءَها ... فمرَّ بثوب الحُسْنِ مُرتدياً فَردا
فلم أرَ مثلي في شقائي بمثلهِ ... رَضِيتُ به مَولىً ولم يرضَ بي عَبْدا
ابن المعتز:
يا مَن يجودُ بموْعِدٍ من لَحْظهِ ... ويصُدُّ حين أقولُ أينَ الموعِدُ
وَيَظلُّ صَبّاغُ الحَياء بِخَدِّه ... تَعِباً يُعصْفِرُ تارةً ويُسوِّدُ
الراضي:
يَصْفَرُّ وَجْهي إذا تَأمَّلني ... خَوفاً، ويَحْمَرُّ وَجهُهُ خَجَلاً
حتى كأنَّ الذي بِوَجْنَتهِ ... مِن ماءِ وجهي إِليهِ قد نُقِلا
الواثق بالله:
أَيُّها الخادِمُ من مَوْ ... لاكَ؟ مولاكَ وَصِيفُ
أَنا مَمْلوكٌ لِمَمْلو ... كٍ ولِلدَّهرِ صُرُوفُ
يا غَزالاً لَحْظُ عَيْنيْهِ سِهامٌ وَحُتوفُ
ما الذي ورَّدَ خدَّيْكَ؟ ربيعٌ أَمْ خَريفُ
آخر:
بَيضاءُ رُؤْدُ الشباب قد غُمِستْ ... في خَجلٍ دائمٍ يُعصِفرُها
مَجدولةٌ هزَّها الصَّبا فَشَجا ... قلبَك مسموعُها ومَنظَرُها
الناشيء:
قَبَّلتُه خُلسةً من عين راقبهِ ... ومَسَّ ما مَسَّ من ثَغري مُشَنَّفُهُ
فاحْمرَّ من خَجلٍ واصفرَّ من وَجَلٍ ... وحَيْرةُ الحُسن بين الحُسن أَطْرَفُه
العلوي:
أَبْرزَهُ الحمَّامُ كالفِضَّةَ ... أَبانَ عنه عُكَناً بَضَّهْ
كأنَّما الماءُ على خَدِّهِ ... طَلٌّ على سُوسَنَةٍ غَضَّهْ
فَليْتَ لي من فَمِه قُبلةً ... وليتَ لي من خدِّهِ عَضَّهْ
النوفلي:
بِأبي من نَباتُ خد ... ديْهِ وردٌ ونَرجِسُ
وعلى مِثلِه تَذو ... بُ قلوبٌ وأنفُسُ
آخر:
مُوَرَّدُ ما بيَن العِذارِ إلى الخدِّ ... بوردٍ بَديعٍ ليس من جَوْهرِ الورْدِ
أبو نواس:
وذاتِ خدٍّ مُورَّدْ ... قُوهِيةِ المُتَجَرَّدْ
تأمَّلُ العينُ منها ... مَحاسِناً ليس تَنْفَدْ
والحُسنُ في كلِّ جِزْءٍ ... مِنها مُعادٌ مُردَّدْ
فَبَعْضُه يَتَناهى ... وَبعضُهُ يَتَوَلَّدْ

وكلَّما عُدْتُ فيهِ ... يكونُ في العوْدِ أَحْمَدْ
أخذه من قول محمد بن بشير، وهذا محدث. وأما محمد بن بشير فهو من شعراء العرب:
أَأَطلُبُ الحُسنَ في أُخرى وأَترُكُها ... بلْ ذاكَ حينَ تركْتُ الحُسنَ والحَسَبَا
ما إِنْ تَأمَّلْتُها يوماً فَتُعْجِبُني ... إِلاَّ غدا أَكثر اليوميْنِ لي عَجَبَا
ابن المعتز:
تُفَاحتا خدَّيْكَ قد عُضَّتا ... بأَعيُن العالَمِ فاحمَرَّتا
غَطِّهِما لا تُؤْكَلا عَنْوَةً ... أَو تَفْنَيا شَمَّاً فقد رَقَّتا
الحسين بن الضحاك، وقد أحسن:
صِلْ بخدِّي خدَّيْكَ تَلْقَ عجيباً ... من مَعَانٍ يَحارُ فيها الضميرُ
فبخدَّيْكَ لِلربيعِ رياضٌ ... وبخدَّيَّ للدُموعِ غَدِيرُ
وله:
أَظهرَ الكبرياءَ من فَرطِ زهوٍ ... فتلقَّيْتُهُ بِذُلِّ الخُضوعِ
وَحَباني رَبيعُ خدَّيْهِ بالورْ ... دِ فأَمْطَرْتُهُ سَحابَ الدُموعِ
أبو هفان:
خَدّي لِدمعٍ فيهِ مُرْفَضِّ ... وخدُّه للشَمِّ والعَضِّ
بَعضي على بعضِيَ يَبكي دَماً ... وبَعضهُ يُزهى على بعضِ
ما كَمَلَتْ حتى بَدا حُسْنُهُ ... ولا اسْتَتمتْ زينةُ الأرضِ
قد كِدْتُ أَن أَقضِيَ من هَجرِهِ ... وحُقَّ لِلْمَهْجورِ أَن يَقضي
ابن المعتز:
ورْدُ الخدودِ وَنْرجِسُ اللحَّظاتِ ... وتصافُحُ الشَفَتْينِ في الخَلَواتِ
شيءٌ أُسَرُّ بهِ وأعلمُ أَنهُ ... وَحَياةِ من أَهوى من اللذَّاتِ
ابن الرومي:
وشُفوفِ البدن النا ... عمِ في الثوب الرقيقِ
ورحيقٍ كحريقٍ ... في أَباريقِ عَقيقِ
إِنَّ مَن ورَّدَ خدَّيْكِ لَصَبّاغٌ رقيقُ
وقال الصنوبري:
بَدرٌ بَدا بالضِياءِ مُعْتَجرا ... غُصْنٌ أتى بالبَهاءِ مُتَّشِحا
رَقَّ فلو كلَّفَتْهُ أعْيُنُنا ... أَن يَرشَحَ الخمرَ خَدُّهَ رَشحا
آخر:
مُتَرَقرِقُ الخدَّيْنِ مِن ... ماءِ الصِّبا والطيبِ يَنْدى
وتَرى على وَجَناتِهِ ... في غيرِ حينِ الوَرْدِ وَرْدا
وقال المهلبي:
نفسي فداءُ مُدلَّلٍ ... رَبَع الربيعُ بعارضَيْهِ
أَسكرتُه من خمرةٍ ... وسكرتُ من نظري إِليهِ
المفجع:
ظَبيٌ إِذا عَقْرب أَصداغَه ... رأيتَ ما لا تُحْسِنُ العقربُ
تُفاحُ خدَّيْه له نَضْرَةٌ ... كأنه من دَمْعَتي يَشرَبُ
ابن ميادة وأحسن وأبدع في معناه:
جزى اللهُ يومَ البَيْن خَيراً فإنهُ ... أَرانا، على عِلاَّتِه، أُمَّ ثابِتِ
أَرانا رَقيقاتِ الخُدودِ ولم نكُنْ ... نراهُنَّ إِلاَّ بانْتِعاتِ النَواعِتِ
وهذا من بدائعه. وعليه عول الشعراء في العشق بالصفة دون الرؤية، كبشار حيث قال:
يا قومُ أُذني لبعضِ الحيِّ عاشِقَةٌ ... والأُذْنُ تعشَقُ قبلَ العينِ أَحيانا
وكابن قنبر مهاجي مسلم بن الوليد:
ولستَ بواصفٍ أبداً خَليلاً ... أُعَرِّضُهُ لأهْواءِ الرِجالِ
وما بالي أَشوِّقُ عَيْنَ غيري ... إِليهِ ودونه سَترُ الِحجالِ
وكماني الموسوس:
سمِعْتَ به فَهِمْتَ إليه شوْقاً ... فكيف لكَ التَصَبُّرُ لوتراهُ

الباب السادس
نعت الوجنات
الحسن بن وهب:
لا النومُ أَدْري به ولا الأَرَقُ ... يَدْري بِهذيْنِ من بهِ رَمَقُ
أَرَدْتُ تَقبيلَ نارِ وَجْنتِهِ ... خَشِيتُهُ، إِن دنوْتُ أَحترِقُ
ابن المعتز:
وَجْنتاهُ أَرقُّ من قَطْرِ ماءٍ ... ودُموعي يَجرِينَ جرْياً عليهِ
وَتَرى قلبَه الحَديدَ ولكِنْ ... لي فُؤادٌ أرقُّ مِن وَجْنَتَيْهِ
ابن الرومي:
وغزالٍ تَرى على وَجْنَتَيْهِ ... قَطْرَ سَهمَيْهِ من دِماءٍ القُلوب
لَهفَ نفسي لِتِلْكَ من وَجناتٍ ... وَردُها وَردُ شارِقٍ مَهْضوبِ
أبو نواس:
لِلْحُسْنِ في وَجَناتِهِ بِدَعٌ ... ما إِنْ يَمَلُّ الدرسَ قارِيها
لو تَستَطيعُ الأرضُ لانْقَبَضَتْ ... حتى يكونَ جميعُهُ فيها
ابن المعذل:
قلتُ لهُ إِذ مرَّ بي فَرْدا ... مولايَ هل تَقْبَلُني عَبْدا

فأَطبَقَ الورْدَ على نَرْجِسٍ ... فامْتلأَتْ وجنتُهُ وَرْدا
آخر:
فاحْمَرَّ حتى كِدتُ أَن لا أَرى ... وَجْنَتَهُ من كَثْرةِ الوَرْدِ
ابن الرومي:
يا طُرَّتَيْهِ الَّلتينِ مِن سَبَجٍ ... في وَجْنتيهِ اللتينِ من وَهَجِ
ما حُمْرَةٌ فيهما؟ أَمِنْ خَجَلٍ ... أم فِطْرَةُ اللهِ؟ أَمْ دَمُ المُهَجِ
خالد الكاتب:
عَليلُ اللَّحْظِ والطَّرْفِ ... مَليحُ الشَّكْلِ والظَّرفِ
لقد جاوَزَ في البَهْجَةِ والحُسْنِ مَدى الوَصْفِ
له وَرْدٌ على الوجْنَةِ مَمْنوعٌ مِن القَطْفِ
يَبُثُّ السُقْمَ من عَينيْهِ لكِنْ لحظُهُ يَشْفي
الصنوبري:
وَجنَتُكَ النارُ ثغرُكُ البَرَدُ ... يا مَنْ هو الظَبْيُ بل هو الأَسَدُ
هذا طِرارٌ عليكَ أَم سَبَجٌ ... ذانِكَ صُدغانِ أَم هُما زَرَدُ
مالي بِخَدَّيْكَ يا غُلامُ يدٌ ... ولا لخدَّيْكَ بالعيونٍ يدُ
فكيفَ أَبكي بأَدمُعي جَسَدي ... لم يَبْقَ لي أَدمُعٌ ولا جسدُ
أبو نواس:
وَابِأَبي وجهُكَ المُفَدَّى ... والوَجَناتُ المُورَّداتُ
والعارِضانِ اللَّذانِ طابا ... حينَ بدا فيهما النَباتُ
في فَمِكَ العَنبرُ الفُتَاتُ ... في رِيقِكَ البارِدُ الفُراتُ
وأَينَما كُنتَ من بِلادٍ ... فلي إِلى وجْهِكَ التِفاتُ
آخر:
ومُبيحِ أَسرارِ القلو ... بِ بوجْنَتيْهِ وحاجِبَيْهِ
جَمَعَ الإلهُ لهُ المحَا ... سِنَ ثم أَفْرغَها عليهِ
وكأَنَّ مِرْآتَيْنِ عُلِّ ... قَتا بِصَفْحَةِ عارِضِيْهِ
وكأَنَّ وَردَ الجُلَّنا ... رِ مُضَعَّفٌ في وَجنتيْهِ
وقال ديك الجن:
بأبي الثلاثُ الآنسا ... تُ الرائقاتُ الفاتِناتُ
أَقبلْنَ والأَصداغُ من ... وَجناتِهِنَّ مُعَقْرباتُ
ألفاظهُنَّ مؤنَّثا ... تٌ والجفونُ مُذكْراتُ
حتى إذا عايَنْتُهُنَّ وللأمور مُسبِّباتُ
جَمَّشْتُهُنَّ وقلتُ طيبُ عناقكُنَّ هو الحياةُ
فَخَجلنَ حتى خِلْتُ أنَّ خدودهنَّ مُعَصْفَراتُ
ابن الرومي:
تَشرَعُ الألحاظُ في وَجْنَتِها ... فَتُلاقي الرِيَّ من مَشْرَبها
فهي حَسْبَ العينِ من نُزْهَتِها ... وهي حَسْبُ الأُذْن من مَطْرِبها
آخر:
إني هَويتُ من السَّعادةِ مَسْعداً ... لِبَني الهوى فغدا مَشُوقاً شائِقا
فإذا دنا جعلَ الزيارةَ شأنهُ ... وإذا نَأى بَعَثَ الخيالَ الطارِقا
عاتَبْتُهُ يوماً وفي وجناتهِ ... وردٌ، فصارَ من الحياءِ شقائِقا
ابن المعتز:
قَد صادَ قلبي قَمَرُ ... يَسَحُر منه النظرُ
وقد فُتِنْتُ بعدكُمْ ... وضاعَ ذاكَ الحذرُ
بِوجْنةٍ كأنَّما ... يقدَحُ منها الشَرَرُ
وشاربٍ قد هَمَّ أوْ ... نَمَّ عليه الشَعَرُ
ضَعيفةٌ أجفانهُ ... والقلب منه حجر
كأنّما أجْفانُه ... من فِعْلِها تَعتذِرُ
لم أرَ وَجْهاً غيرَ ذا ... يَحيى عليهِ بَشَرُ
ابن المعذل:
بمَجاري فلكِ الحُسنِ الذي في وَجَناتِكْ
وبِنُونَيْنِ على خَد ... ديْكَ من غَيْرِ دَوَاتِكْ
وبما يصنعُ في النَّا ... سِ تَشاجِي حَرَكاتِكْ
وبما أغَفْلَهُ الوا ... صفُ من حُسنِ صفاتِكْ
لا تَدعنِي والهوى ... يَجْرحُ قلبي بِحياتِكْ
آخر:
غَدَا وغَدا تَورُّدُ وجْنَتَيهِ ... بِعَينِ مُحبِّهِ يَصِفُ الرِياضا
على خدَّيه ماءٌ عَسْجَدِيٌّ ... إذا نظرَ الرقيبُ إليهِ غاضا
يُؤمِّلٌ جنة الفِردَوْسِ قومٌ ... وآمُلُ منهُ شَمًّا أو عَضاضا
غزالٌ كلَّما ازْدَدْتُ اقتراباً ... إليهِ زادَ بُعداً وانْقباضا
كَتَمْتُ هواهُ حتى فاضَ دَمعِي ... فَصَيَّرَهُ حَديثاً مُسْتَفاضا

الباب السابع
نعت الحواجب
الزاهي:
وأغْيَدَ مَجدولِ القوامِ جَبينُهُ ... سَنا القمرِ البَدرِيَّ في الغُصُنِ الرطْبِ
تَنَكَّبَ قوسَ الحاجِبينِ فَسْهمُهُ ... لواحِظُهُ المَرْضى وقِرْطاسُه قلبيِ

عبد الله بن أبي الشيص:
حذِرْتُ الهوى حتى رُميتُ مَن الهوى ... بأصْرَدِ سهمٍ في قِسيِّ الحواجبِ
رَمَينَ فأصْمَيْنَ القَلوبَ مكانَها ... وتُخطي يَدُ الرامي له في المغايِبِ
محمد بن عبد الرحمن الكوفي:
وَمُستلِبٍ عينَ الغزالِ وقد تُرى ... بِجبهتِهِ عينُ الغزالةِ ماثِلا
تَنادَلَ قوسَ الحاجِبينِ مُفَوَّقاً ... بأسْهُمِ ألحاظٍ تَشُكُّ المَقَاتِلا
خالد الكاتب:
له مِن مهاةِ الرملِ عيْنٌ مَريضةٌ ... ومِن ناضِرِ الريْحانِ خُضْرَةُ شارِبِ
ومن يانعِ التُفَّاحِ خدٌّ مورَّدٌ ... ومن خَطِّ حُلوِ الخطِ تقويسُ حاجبِ
ومن ناعِمِ الأغصانِ قَدُّ وقامةٌ ... ومن حالِكِ الحِبْر اسودادُ الذَوائبِ
ومن كُلِّ ما تهوى النفوسُ وتَشْتَهي ... نَصيبٌ، وما فيهِ نَصيبٌ لِعائِبِ
آخر:
غَزاني الهوى في جَيشِهِ وجُنودِه ... وعبَّا عليَّ الخيلَ من كُلِّ جانِبِ
بِمَيْسَرةٍ أعلامُها أعينُ المها ... ومَيْمَنَةٍ تَقضي بِزُجِّ الحواجبِ
وأثْبَتَ شخصَ البدرِ في حَوْمَةِ الوغى ... بِرايتِهِ الكُبرى لِفَلَّ الكتائِبِ
الموصلي:
فوقَ العيونِ حواجبٌ زُجُّ ... تحتَ الحواجبِ أعيُنٌ دُعْجُ
ينظرنَ من خَلَلِ النقابِ وإنَّما ... تحتَ النِقابِ ضواحكٌ فُلْجُ
وإذا نظرنَ رَمَقْنَ عن مُقلٍ ... تَسبي العقولَ وحَشوُها غُنْجُ
وإذا ضَحِكنَ ضَحِكْنَ عن بَرَدٍ ... عَذْبٍ الرُضاب كأنّه ثَلْجُ
وإذا نَزعن ثيابَهُنَّ تَرَسَّلَتْ ... فوق المتون ذوائِبٌ سُبجُ
وافيْنَ مكَّةَ للحَجيجِ فلمْ ... يَسلمْ بهنَّ لُمحرِمٍ حَجُّ

الباب الثامن
العيون والزرقة والشهلة والحول والرمد
قال الأصمعي: ما وصف أحد العيون بمثل ما وصف به عدي بن الرقاع:
وكأنها بين النِساءِ أعارها ... عَينيهِ أحورُ من جآذرِ جاسِمِ
وسْنانُ أقصَدَُ النُعاسُ فرنَّقَتْ ... في عينِهِ سنةٌ وليس بِنائمِ
الناجم:
كادَ الغزالُ يكونُها ... لكنَّما هُو دونُها
والنرجسُ الغضُّ الجنيُّ أغضُّ منهُ جُفونُها
مَنْ كانَ يعرفُ فَضلَها ... فعنِ القياسِ يصونُها
جرير:
لولا مُراقبةُ العيونِ أرْيننا ... حدقَ المها وسوالِفَ الآرامِ
ونظرنَ، حين سمِعْنَ جَرْسَ تحيَّتي ... نظرَ الجيادِ سمِعْن صوتَ لجامِ
ابن المعتز، والناس يستبدعونه:
عَليمٌ بما تحتَ الصدورِ من الهوى ... سريعٌ بكرِّ اللحظِ والقلبُ جازعُ
ويجرحُ أحشائي بعينٍ مريضةٍ ... كما لانَ مَسُّ السيفِ والسيفُ قاطِعُ
البحتري:
ويحسُنُ دلُّها والموتُ فيهِ ... وقد يُستحسَنُ السيفُ الصقيلُ
وقد قال سلم الخاسر في الرشيد:
طلعَ الخليفةُ مطلعَ الشمسِ ... فَعَلا رقابَ الجِنِّ والإنسِ
وعليهِ مصقولٌ عوارضُهُ ... خَشِنُ الكريهةِ ليِّنُ المسِّ
وتقول العرب: الحية لين لمسها، قاتل نهشها.
وقول ابن المعتز في معناه حسن:
إن زَنَتْ عينُهُ بغيركَ فاضرِبْها بطول السُهادِ والدمعِ حَدّا
وقد كرر فقال:
أتَتْني تؤنِّبُني في البُكاء ... فأهلاً بها وبتَأنيبِها
تقولُ، وفي قولِها حشمةٌ ... أتَبْكي بعينٍ تَراني بها
فقلتُ: إذا استحسَنَتْ غيركُمْ ... أمرتُ الُدموعَ بتأديبِها
وهذا من مختار شعر ابن المعتز. إلا أنه عكس قول الأخطل:
فلا تلمُمْ بدارِ بني كُليبٍ ... ولا تقرَبْ لهمُ أبداً رِحالا
فإنَّ لهم نساءً مُبرقاتٍ ... يكدْنَ ينِكْنَ بالحدَقِ الرِجالا
قال أبو المثنى: أنشدني خالد لنفسه بديهة:
عَينهُ سفَّاكةُ المهجِ ... مِن دَمي في أعظمِ الحَرَجِ
أسْهرتْني وهي لاهيةٌ ... باحْوِرارِ العيْنِ والدَعَجِ
قُلْ لظبيٍ كلُّهُ حَسنٌ ... عَجَبي من فِعلكَ السَمِجِ
لا أتاحَ اللهُ لي فَرَجاً ... يومَ أدْعو منكَ بالفرجِ
قال: فأنشدتها وهباً الهمداني فأنشدني لنفسه بديهة:
تعملُ الأجفانُ بالدَّعجِ ... عملَ الصَّهباء بالمُهَجِ

قُلْ لظبيٍ تُسترقُّ لهُ ... مُهجُ الأحرار بالدَّعجِ
أنتَ والأجفانُ مالحظَتَ ... من فُتورِ العيْن في حرجِ
كيفَ أدعو اللهَ أسألُهُ ... فَرجاً ممَّن به فَرجي
وهذا أول من قاله أبو نواس:
لا فرَّجَ اللهُ عني إنْ مددتُ يدي ... إليه أسألُه من حبِّه الفَرجا
أبو دلف:
نَقْتَنِصُ الآسادَ من غِيلها ... وأعيُنُ العينِ لنا صائدهْ
يَنْبو الحُسامُ العَضبُ عنّا وقد ... تكَلُمُ فينا النظرةُ القاصِدَهْ
تَهابُنا الأسْدُ ونخشى المَها ... آبِدةٌ ما مثلُها آبدهْ
ابن المعتز:
وبيضٍ بألحاظِ العيونِ كأنَّما ... هَزَزْنَ سُيوفاً واستَلَلْنَ خَناجِرا
تَصدَّيْن لي يوماً بِمنعرَجِ اللِوى ... فغادرْنَ قلبي بالتصبُّر غادِرا
سفَرْن بُدوراً، وانْتقبْنَ أهلَّةً ... ومِسْنَ غُصوناً والتفتْنَ جآذِرا
وأطلعْنَ في الأجيادِ للوردِ أنجْماً ... جُعِلْن لحبَّاتِ القلوبِ ضَرائرا
البرقعي:
إني أخافُ مِن العُيو ... نِ النُجْلِ والحَدقِ المِراضِ
وأزورُ ليثَ الغابِ بالهندِيِّ في وسطِ الغياضِ
وإذا رأيتُ مُوَرَّدَ الوَجَناتِ جُمِّشَ بالعَضاضِ
أيقنتُ أنَّ مَنِيَّتي ... بينَ التورُّدِ والبَياضِ
خالد:
ومريضِ طَرْفٍ ليس يصرفُ طرفَهُ ... نحو امرِئٍ إلاَّ رماهُ بحَتْفِهِ
قد قلتُ إذْ أبْصرتُهُ مُتمايِلاً ... والرِدفُ يجذِبُ خصرَهُ من خَلْفِهِ
يا مَن يُسلِّمُ خصرهُ من رِدفِهِ ... سلِّمْ فؤادَ مُحبِّهِ مِن طرفِهِ
الجنزرزي:
لمّا نظرتَ إليَّ من حَدَقِ المَها ... وضَحكتَ عن مُتَفَتَّحِ الأنْوارِ
وعقدتَ بينَ قضيبِ بانٍ ناعِمٍ ... وكَثيبِ رملٍ عُقدةَ الزُنْارِ
عفَّرتُ خدَّي في الثَرى لكَ خاضِعاً ... وعَزمتُ منكَ على دخولِ النارِ
جحظة:
صادَتْ جميعَ الناسِ أجفانُكْ ... وعزَّ في العالمِ سُلطانُكْ
مَن مُنصفي منكَ وكُلُّ الوَرى ... مِن خوفِ سلطانِكَ أعوانُكْ
أبو هفان:
أخو دَنَفٍ رمتْهُ فأقْصدتْهُ ... سهامٌ من جُفونكِ لا تطيشُ
قواتلُ، لا نِصالَ سوى احْوِرارٍ ... بِهنَّ، ولا سِوى الأهدابِ ريشُ
أصبْنَ سوادَ مُهجتهِ فأضْحى ... سقيماً لا يموتُ ولا يعيشُ
كثيباً إنْ ترحَّلَ عنهُ جيشٌ ... من البَلوى أناخَ به جُيوشَ
آخر:
بحُرمةِ ما في العَينِ من نَرجِسٍ غَضِّ ... ووردٍ جنيٍ لاحَ في موضِعِ العَضِّ
أَبِنْ ليَ هلْ هَجْري عليكَ فريضةٌ ... فأنتَ، بحمد الله، تأخذُ بالفرضِ
بَراكَ إلهُ الخلقِ من لُؤلُؤ رطبِ ... فبعضُكَ من حُسنٍ يَغارُ على بعضِ

ما قيل في الزرقة والشهلة
شاعر:
قالوا بهِ زُرقةٌ فقلتُ لهُمْ ... بذاكَ تمَّتْ خِصالُهُ البَهِجَهْ
ما عابَهُ ما تروْنَ من زَرَقٍ ... كم بينَ فَيْروزَجٍ إِلى سَبَجَهْ
آخر:
زُرقةٌ في شُهُولةٍ فهو سيفٌ ... في دَمٍ غيرً أَنهُ ليس يَصدا
كلما عاوَدَتْهُ باللحظ عَيْني ... عادَ للحِينِ حُسْنُه مُستَجِدَّا
الخليع:
ومُكتَحِلٍ في العينِ من فوقِ شُهلةٍ ... يَدِبُّ على أرجاء مُقلتهِ السحرُ
له وجنةٌ ما تحمِلُ العينَ رِقةً ... جوانِبُها بيضٌ وأوساطُها حُمْرُ
وفي الحول
أبو الأسود الدؤلي:
يَعِيبونَها عِندي ولا عَيبَ عِندَها ... سِوى أَنَّ في العَيْنينِ بعضَ التأخُّرِ
وإِنْ يَكُ في العَيْنينِ سُوءٌ فإِنها ... مُهَفْهَفةُ الأَعلى رَداحُ المُؤزَّرِ
أبو حفص الشطرنجي:
حَمِدْتُ إلهي إذ بُليتُ بحُبها ... على حَوَلٍ يُغني عن النَظرِ الشَزْرِ
نَظرتُ إليها والرَقيبُ يَخالُني ... نَظرتُ إليه فاستَرَحْتُ من العُذْرِ
سعيد بن حميد في وصف الحول نفسه وأجاد:
وَنَجْمينِ في بُرجيْن هادٍ وحائِرٌ ... إذا طَلعا حَلَّ الكُسوفُ بواحدِ
إذا غُيِّبَ الهادي وَواراهُ بُرُجُهُ ... تَراءى لهُ المَقْصودُ في زِيِّ قاصدِ

لهذا، على التشبيهِ، قوةُ زُهرةٍ ... وفي ذا، على التمثيلِ، طَرفُ عُطاردِ
مِنَ الأَنجُمِ اللاَّئي جَرَتْ في بُروجِها ... ولم تَدْرِ ما معنى بُروجِ الفرَاقِدِ
العلوي البصري:
ونَظرةِ عَيْنٍ تعلَّلْتُها ... خِلاساً كما نَظرَ الأَحوَلُ
تَقسَّمتُها بين وجهِ الحبيبِ وطرفِ الرقيبِ متى يغفلُ
آخر:
سَأجْتنِبُ الدارَ الني أَنتمُ بها ... ولكنَّ طَرفي نحوَها سوفَ يعملُ
أرى مُستقيمَ الطرفِ ما الطرفُ أَمَّكُمْ ... فإِن زالَ طرفي عنكُمُ فهو أَحْوَلُ
آخر:
ومُنقَلِبٍ طَرفُهُ فاترٌ ... يُقلِّبُ باللحظ مِنّا القلوبا
فعينٌ تُوهِّمُني مَوْعِداً ... وعينٌ تُشاغِلُ عني الرَقيبا
يُصانِعُ خَصْمينِ في لحظِهِ ... فَلَنْ أَستريبَ ولن يَستَريبا
وابن الرومي قد أبدع في نظر الحبيب، وتأثيره في القلوب ما لم يذكره أحد.
وكرره في مواضع من شعره فقال:
نظرتْ فأَقصدَتِ الفؤادَ بطرفِها ... ثم انْثَنَتْ عَني فكِدْتُ أَهيمُ
وَيْلايَ إِنْ نظرتْ وإن هيَ أَعرضتْ ... وقْعُ السِهام ونزْعُهنَّ أَليمُ
قال وزاد فيه معنى آخر:
لَطَرفُها، وهو مَصْروفٌ، كموقِعِه ... في القلبِ حينَ يَروعُ القلبَ موقِعُهُ
تَصُدُّ بالطرفِ، لا كالسَّهم تَصرِفُه ... عني، ولكنّه كالسَّهمِ تَنْزِعُه
وقال أيضاً:
تَشَكَّى إذا ما أَقْصَدَتْكَ سِهامُها ... وتَشْجى إذا نكَّبْنَ عنكَ وتكمَدُ
إذا نَكَبَتْ عنّا وجدْنا عُدولَها ... كموقِعها في القلب، بل ذاكَ أَجهَدُ
كذلكَ تلكَ النَبْلُ من وقعتْ به ... ومن صُرِفَت عنه من القومُ مقْصَدُ
وقد التزم ابن الرومي في هذه القصيدة فتحة ما قبل حرف الروي تبرعاً، إلا في بيت واحد وهو:
ومَرجوعُ وهّاج المَصابيحِ رِمْدَدُ
وأخبرني أبو عبيد الله المرزباني أن أبا عثمان الناجم أخبره أن ابن الرومي دفع إليه هذه القصيدة وقال: اذهب بها إلى ثعلبكم وأنشده إياها، فما رد من لغتها فلا تلتفت إليه، وما رد من إعرابها فعلم عليه لأرجع فيه. وأنشده رمدد بفتح الدال التي ردفت حرف الروي؛ فلم يرده عليه.
وعند علماء اللغة هو رمدد بكسر الدال الأولى. ولم يأت في العربية ما تكرر فيه حرفان على فعلل إلا رمدد ودردح للناقة المسنة، وقرقس للبعوض. وقال البن السكيت: لم يرد في اللغة فعلل بكسر الفاء وفتح اللام إلا حرفان: درهم وهجرع للطويل. وقد جاء ثالث وهو هبلع للأكول.
قال الشاعر:
فَشَحا جحافِله جِرافٌ هِبْلَعُ
وأبو الحسن الأخفش يقول فيه شيئاً ليس هذا موضعه، وفي هركولة.
وابن الرومي لاقتداره وغزارته يلتزم في القوافي مالا يلزمه. وهو بالفكر والروية سهل. والصعب ما تعمله العرب بديهة وارتجالاً؛ كما أنشده سيبويه.
لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ ... سُمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ
النازِلينَ بكلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطيبينَ مَعاقِدَ الأُزْرِ
وهذا المعنى في النظر قد غلب عليه ابن الرومي، كما غلب الطرماح على قوله:
والشمسُ مُعرِضَةٌ تمورُ كأنّها ... تُرسٌ يُقَلِّبُه كَمِيٌّ رامِحُ
وألم به أبو النجم:
فهي على الأُفْق كَعينِ الأَحوَلِ ... صَغْواءَ قد كادتْ ولمَّا تَفعَلِ
وكما غلب بشار على قوله:
وقالوا: قدْ بكيتَ فقلتُ كلاّ ... وهل يَبكي من الطَّرب الجَليدُ
ولكِنْ قد أصابَ سوادَ عيْني ... عُوَيْدُ قَذىً له طَرَفٌ حَديدُ
فقالوا: ما لِدْمعِهما سَواءٌ ... أَكلتا مُقلتيْكَ أصابَ عودُ
وألم به أبو العتاهية فقال:
كمْ مِن صَديقٍ لي أُسا ... رِقُهُ البُكاءَ من الحَياءِ
فإذا تأمَّلَ لامَني ... فأقولُ: ما بي مِن بُكاءِ
لكنْ ذهبتُ لأَرتَدي ... فطَرَفتُ عيني بالرِداءِ
وكما غلب العتبي على قوله:
رأَيْنَ الغواني الشيبَ لاحَ بعارِضي ... فأَعْرضْنَ عني بالخُدودِ النَواضِرِ
وكُنَّ إذا أَبْصَرْنَني أو سَمِعْنَ بي ... سَعَيْنَ فَرقَّعْنَ الكُوى بالمحاجِرِ
وكما غلب أبو نواس على قوله:

فَلِلْخمر ما زُرَّتْ عليهِ جُيوبُها ... وللماءِ ما دارتْ عليه القَلانِسُ
ومنه أخذ ابن المعتز قوله:
وبيضاءُ الخِمار إذا اجْتَلتْها ... عيونُ الشَّرْب صفراءُ الإِزارِ
وكما غلب أبو العتاهية على قوله في البنفسج:
كأنها فوقَ طاقاتٍ ضَعُفْنَ بِها ... أَوائلُ النارِ في أَطرافِ كِبْريتِ
وكما غلب أبو حية النميري على قوله في حيرة الدمع في العين:
نَظرتُ كأنّي من وراء زُجاجةٍ ... إلى الدارِ من فَرْطِ الكآبةِ أَنظُرُ
وقد عارضه فيه خلق كثير من الشعراء، فلم يصنعوا شيئاً. منهم أبو الشيص، قال:
حَجبتْ عينيَ الدموعُ فإِنسا ... ني غريقٌ يَبدو مِراراً ويَخْفى
فكأني نَظرْتُ مِن خَلفِ سِتْرٍ ... هزَّتِ الريحُ متْنَهُ فتَكفّا
وفي هذا التشبيه نظر.
ومنهم قيس حيث قال:
وممَّا شَجاني أَنها يومَ أَعرضتْ ... تولَّتْ وماءُ العين في الجَفْنِ حائِرُ
وقال ذو الرمة:
وإنسانُ عيني يَحسُرُ الماءَ تارةً ... فيبدو، وأَحياناً يَجُمُّ فَيَغْرَقُ
وقال البحتري:
وَقَفْنا والعيونُ مُشعَّلاتٌ ... يغالِبُ دمعَها نظرٌ كليلُ
نَهَتْه رِقْبةُ الواشينَ حتى ... تعلَّقَ لا يَغِيضُ ولا يَسِيلُ
وقال أبو السمط مروان:
أُلِمُّ بالبابِ كي أَشكو فيمنعُني ... فَيْضُ الدموعِ على خدِّي، من النظرِ
أقبلتُ أَطلبُها، والقلبُ مَنْزِلُها، ... أَعْجِبْ بمُقتَرِبٍ مني على سَفَرِ
وقال المتنبي:
عَشيَّةَ يَعْدونا عنِ النَّظرِ البُكا ... وعن لَذَّةِ التوديعِ خوفُ التَفرُّقِ
نودِّعُهم والبَيْنُ فينا كأنَّهُ ... قَنا ابنِ أَبي الهَيْجاءِ في قلبِ فَيْلقِ
وقال أبو نواس:
بِنفسِيَ من رَدَّ التحيةَ ضاحكاً ... فجدَّد بعد اليأس في الوصلِ مَطْمعي
إذا ما بدا أَبدى الغرامُ سرائري ... كأنَّ دموعَ العين تعشَقُه معي
باح الكاتب:
يا غزالاً سَوادُ أَفْئدةِ الأُسْدِ يَعْتلِف
إِنَّ مُذْ خَمْسةٍ لَنا ... رُسُلَ الوعْد تخْتلِفْ
لم تَزُرْني ولم تَسَلْ ... بي على الغَيْبِ يا صَلِفْ
أنا أَفْديكَ كيفَ كُنتَ ألف لام فا أَلفْ
الحسين بن الضحاك:
يا مُعيرَ المُقلةِ الجوْ ... ذُرَ والجيدِ الغَزالا
أَترى بالله ما تَصْنَعُ عيناكَ حَلالا
من جُفون تنفُثُ السحرَ يميناً وشمالا
كنتَ مِن شتّى فأُلِّفْتَ وجُمِّعتَ مثالا
من قَضيبٍ كَتَمنِّي النفسِ لينا واعْتِدالا
وكثيبٍ يُودِعُ المئزَرَ أَردافاً ثِقالا
وهِلالٍ لاحَ في الأُفْق هِلالاً فتلالا
بأبي أنتَ قضيباً وكَثيباً وهِلالا
حارَ ماءُ الحسن في رقَّةِ خدَّيْكَ فجالا
حَبَّذا حُبُّكَ رُشْدا ... كانَ أو كانَ ضَلالا
قوله: حارماء الحسن..أخذه من قول عمر بن أبي ربيعة:
وهي مَكنونةٌ تحيَّرَ منها ... في أَديمِ الخَدَّيْنِ ماءُ الشبابِ
آخر:
خُطَّتْ على الحُسن فهي تَمْلِكُهُ ... فصارَ ما حَولَهُ لهُ خَدَما
لو أَنَّها قابَلتْ بِمُقْلتِها ... بَكرَ بنَ عبدِ العزيزِ لانْهزما
جرير:
ولقد رَمَيْنَك يومَ رُحْنَ بأعْيُنٍ ... ينظُرْنَ من خَلَلِ الخُدورِ سَواجِ
وبمنطقٍ شَعَفَ الفؤادَ كأنّهُ ... عسلٌ يَجُدْن به بغيرِ مِزاجِ
إِنَّ الغُرابَ بما كَرِهْت لَمولعٌ ... بِنوى الأحِبَّةِ دائمُ التَشْحاجِ
ليتَ الغرابَ غداةَ ينعبُ بالنوى ... كانَ الغُرابُ مُقَطَّعَ الأوْداجِ
ولقد عَلمِتِ بانّ سِرَّكِ مُنْسَأ ... بينَ الضلوعِ موثَّقُ الأشْراجِ
هذا هوىً شَغَفَ الفؤادَ مُبَرِّحٌ ... ونوىً تقاذَفُ غيرُ ذات خِلاجِ
وفي حدة النظر قال بعض العرب:
يتقارضونَ إذا الْتقوْا في مَنزلٍ ... نَظراً يُزيلُ مواقعَ الأقدامِ
يريد: تلاحظ الأعداء وهو من قول الله عز وجل: " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر " .
وأما قول أبي تمام:
ومحدودِ الصَنيعةِ ساءَه ما ... تُرَشِّحُ لي منَ السَبَبِ الحَظِيِّ

يَدِبُّ إليَّ من شخصٍ ضئيلٍ ... ويَنظُرُ من شفا طَرَفٍ خَفِيِّ
فإنه يريد: نظراً بذل. وهو قول الله عز وجل: " ينظرون من طرف خفي " .
أنشد:
غَضِيضُ الطَرفِ ساكِنُهُ ... مَنيَّةُ من يُعاينُهُ
كساهُ إلُههُ نُوراً ... تُضيءُ بهِ أماكنُهُ
نقيُّ الجيْبِ من عَيْبٍ ... فما في الناسِ شائِنُهُ
تغيبُ محاسِنُ الدُنيا ... إذا طَلعتْ محاسِنُهُ
العلوي:
يا من تَشاغلَ بالسُرو ... رِ عن الفُؤادِ المُبْتَلى
نَظَري إليكَ إذا رأيتكَ مُدْبراً أو مُقبِلا
نَظرَ ابنِ فاطمةِ الرِضى ... ماءَ الفُراتِ بِكَرْبلا
الخبزرزي:
قد قُلتُ لما أنْ نَظر ... تُ إلى الحبيبِ مع العُداةِ
وبَقيتُ أنظرُ شاخصاً ... نظرَ المُنازعِ للمَمَاتِ
نَظري إليكَ بِغُصَّةٍ ... نَظَرَ الحُسينِ إلى الفُراتِ
وعلى ذكر العيون وأحوالها، ففي الرمد قول ابن المعتز نادر:
قالوا اشتكتْ عينُه فقلتُ لهم ... مِن كَثرةِ القتل نالها الوَصَبُ
حُمرَتُها من دماءِ من قَتَلتْ ... والدَمُ في النَصْلِ شاهدٌ عَجَبُ
وقد ألم به بعض الشعراء الشاميين فقال في ناصر الدولة يصف رمداً أصابه ولطف به:
قُضُبُ الهِند والقَنا أخدانُكْ ... والمقاديرُ في الوَرى أعوانُكْ
أيُّهذا الأميرُ ما رَمِدتْ عينُكَ، حاشا لها ولا أجفانُكْ
بل حَكَتْ فِعلَكَ الكريمَ ليُضحي ... شأنُها في العُلى سواءً وشانُكْ
فهي تحمرُّ مثلَ سيفكَ في الروْ ... عِ، وتصفو كما صَفا إحسانُكْ

الباب التاسع
الأنوف
عبد الله بن رواحة:
سَبَتْكَ بِعَيْنيْ جَؤْذَرٍ بخميلةٍ ... وجيدٍ كجيدِ الرِّئمِ زيَّنَهُ النَظمُ
فأنف كحدِّ السيفِ يَشربُ قبلَها ... وأشنبَ رفَّافِ الثنايا بهِ ظَلْمُ
أبو النجم:
للشُّمِّ عندي بَهجةٌ وحلاوةٌ ... وأحبُ بعضَ محاسِنِ الذِّلْفاءِ
وأرى البَياضَ على النِساءِ جَهارةً ... والعِتْقُ أعرِفُه على الأدْماءِ
ذو الرمة:
تَثْني الخمارَ على عِرنين أرنَبةٍ شَمّاءَ مارِنُها بالمسكِ مرْثومُ
تِلك التي تيَّمت قلبي فصارَ لها ... من حُبها ظاهرٌ بادٍ ومكتومُ
الأقرع بن معاذ:
يقولُ ليَ المُفتي وهُنَّ عَشيَّةً ... بمكَّةَ يَرْمَحْنَ المُهدَّبةَ السُحْلا
تَقِ اللهَ لا تنظرْ إليهنَّ يا فتى ... وما خِلتُني في الحجِّ مُلتمِساً وَصْلا
قِطافُ الخُطا مُلْتَفَّةٌ رَبَلاتُها ... وما اللُّفُّ أفخاذاً بتارِكةٍ عَقلا
فواللهِ ما أنسى، وإن شطَّتِ النوى ... عَرانينَهنَّ الشُمَّ والحَدَقَ النُجْلا
ولا المِسكَ من أردانهنَّ ولا البُرى ... جواعِلَ في ماذِيِّها قَصباً خَدْلا
ذو الرمة:
إذا أخو لَذَّةِ الدنيا تَبَطَّنَها ... والبيتُ فوقَهما بالليل مُحْتَجِبُ
سافَتْ بِطَيِّبَةِ العِرْنينِ مارنُها ... بالمسكِ والعنبرِ الهِنديِّ مُختَضَبُ
زَيْنُ الشبابِ وإنْ أثْوابُها استُلبَتْ ... على الحشيَّةِ يوماً زانها السَّلَبُ
آخر:
وعَنْدَميَّيْن مُحمرَّيْن قد نصَعا ... في عارِضَيْ جُلَّنارٍ منه وَرْدِيِّ
تَخالُ بينهما أقنى به شَممٌَ ... كحدِّ مُنْصقِلِ الحدَّيْن هِنْدِيِّ
ألحاظُهُ فِتنٌ ألفاظهُ مِحنٌ ... كأنه قمرٌ في جِرْمِ إنسِيِّ
كأن طُرَّتَه في عاجِ جَبْهَتِه ... سوادُ زِنْجِيَّةٍ في لونِ رُومِيِّ
الباب العاشر
الأسنان
ابن الرومي:
ألا رُبما سُؤتُ الغيورَ وساءني ... وباتَ كلانا مِن أخيه على وَغْرِ
وَقبَّلتُ أفواهاً عِذاباً كأنّها ... يَنابيعُ خَمرٍ حُصِّبَتْ لؤلؤَ البَحْرِ
ابن كيغلغ:
لَسُكرُ الهوى أرْوى لِعَظمي ومفصَلى ... إذا سَكرَ النُدمانُ من دائر الخَمرِ
وأحسنُ من رَجْع المَثاني وقَرعِها ... مَراجيعُ صوتِ الثغرِ يُقرعُ بالثغرِ
كشاجم، وأحسن في نعت الأسنان والشفاه:
عَرَضنَ فَعَرَّضْن القلوبَ من الجوى ... لأسرعَ في كيِّ القلوبِ من الجمرِ

كأنَّ الشِفاهَ اللُّعْسَ فيها خواتِمٌ ... من المسكِ مختومٌ بهنَّ على دُرِّ
ابن الرومي:
تَعُلُّكُ ريقاً يَطرُدُ النومَ بَردُهُ ... ويَشفي القلوبَ الحائماتِ الصواديا
وهل ثَغَبٌ حَصْباؤُه مثل دُرِّهِ ... يُصادفُ إلاِّ طيِّبَ الطعْم صافِيا
كشاجم:
كالغُصنِ في رَوضةٍ تَميسُ ... تصبو إلى حُسنها النُفوسُ
ما شَهِدتْ والنساءَ عرساً ... فَشُكَّ في أنها عَروسُ
تَبْسِمُ عن باردٍ بَرُودٍ ... تَعْبَقُ من طِيبه الكُؤوسُ
يُجمعُ فيه لِمُجتَنيهِ ... مِسكٌ ووردٌ وخنْدَرِيسُ
أخذ قوله: ما شهدت والنساء. من قول أبي نواس:
شَهدتْ جَلوةَ العروس جنانٌ ... فاسْتمالتْ بُحسنِها النَظَّارَهْ
حَسِبوها العروسَ حينَ رأوْها ... فإليها، دونَ العروسِ، الإشارهْ
أعرابي:
بِأشنبَ صافٍ تعرفُ النفسُ أنهُ ... وإنْ لم تَذُقْ، حُوُّ اللِثاتِ عِذابُ
وكف كقنوانِ النَّقا لا يضُرُّها ... إذا برزَتْ أن لا يكونَ خِضابُ
ومْتنانِ يَزدادانِ ليناً ورِقَّةً ... كما اهتزَّ من ماء السُيولِ حَبابُ
أبو دلف:
أحبَبْتُها حُبَّ الحَرا ... م ولم أنلْ منها حَراما
فإذا خَلوْتَ بها فَجا ... ريةٌ وتحسبَهُا غُلاما
وإذا لثَمْتَ على الكرَى ... فالأقحوانةَ والمُداما
تِلك التي خلَبتْ فؤا ... دَ المُستهامِ المُستَهاما
ابن الطثرية:
ومَجدولةٍ جَدلَ العِنان كأنّما ... سَنا البرقِ في داجي الظلامِ ابتسامُها
إذا سُمتُها التقبيلَ صدَّتْ وأعرضتْ ... صُدودَ شَموسِ الخيلِ صَلَّ لِجامُها
فما برحتْ حتى كشفتُ لثامَها ... وقبَّلْتُها ألفاً فَزالَ احتشامُها
آخر:
تَبَسَّمُ عن عَذبٍ كأن بروده ... أقاحٍ تَردّاها من الرملِ أجْرَعُ
جرى الأسحِلُ الأحوى بطَفْل مُطرَّف ... على الزُهرِ من أنيابِها فهي رُصَّعُ
كأن السُلافَ المحْضَ منهن طَعمُه ... إذا جَعَلتْ أيدي الكواكبِ تَضْجَعُ
على خَصِراتِ المُسْتقى بعد هَجعةٍ ... بأمثالِها تَرْوى الصَوادي فتنقَعُ
جميل بن معمر:
وَشَّف عنها خِمارُ القَزِّ عن بَرَد ... كالبرقِ لا كَسَسٌ فيها ولا ثَعَلُ
كأنه أقحوانٌ باتَ يَضربُه ... من آخر الليلِ منْقاضُ الندى هَطِلُ
كأنّ صِرْفاً كُمَيتَ اللونِ صافيةً ... صَهباءَ عانِيَّةً في طَعمِها عسلُ
فوها، إذا ما قَضَتْ من هَجعةٍ وَطراً ... أو اعْتراها سُباتُ النومِ والكسلُ
ذو الرمة:
أناةٌ كأنّ المسكَ أو نَوْرَ حَنوةٍ ... بِمَيْثاءَ مرجوعٌ عليها التِثامُها
كأنّ على فيها تَلألُؤَ مُزنةٍ ... وميضاً إذا زانَ الحديثَ ابتسامُها
مضرس بن ربعي:
تَعاورنَ مِسكاً بالأكُفِّ يدُفْنَهُ ... وأخضرَ من نَعْمانَ حُوّاً مكاسِرُهْ
يَمِحْنَ به عَذْبَ الرُضابَ كأنّهُ ... جَنى النحلِ لَّما أنْ تَحَلَّبَ قاطِرُهْ
ابن الرومي:
كأنَّيَ لم أبِتْ أُسقى رُضاباً ... يموتُ به ويَحيا المُستهامُ
تُعَلِّلُنيهِ واضحةُ الثَنايا ... كأنَّ لِقاءَها حَوْلاً لِمامُ
تَنَفَّسُ كالشَّمولِ ضُحىً شَمالٌ ... إذا ما فُضَّ عن فيها الخِتامُ
والبة بن الحباب:
ومُصطبِحٍ بِتَقْبيلِ الحبيبِ ... خَلا من كلِّ واشٍ أو رقيبِ
وأكرعَ فاهُ في بَرَدٍ وخمرٍ ... فقُلْ ما شئِتَ في شُربٍ وطيبِ
عمر بن أبي ربيعة:
يَمُجُّ زكيَّ المسكِ منها مُفلَّجٌ ... نقيُّ الثَنايا ذو غُروب مُؤشَّرُ
يَرِفُّ إذا تَفْتَرُّ عنه كأنهُ ... حَصى بَردٍ أو أقحوانٌ مُنَوَّرُ
أبو تمام:
وثَنايا كأنها إغريضُ ... ولآل تُومٌ وبرقٌ وَميضُ
وأقاحٍ مُنَوَّرٌ في بِطاحٍ ... هزَّهُ في الصباحِ رَوضٌ أريضُ
وأخبرني أبو سعيد السيرافي عن ابن ابي الأزهر عن ابن لرة عن ابن السكيت. أن أبا عمرو الشيباني فسر قول تأبط شراً:
وَشِعْبٍ كَشَكِّ الثوبِ شَكْسٍ طريقُهُ ... مَجامِعُ ضَوْجَيْهِ نِطافٌ مخاصِرُ

تَعَسَّفْتُهُ بالقومِ، لم يهدِني لهُ ... دليلٌ، ولم يُثْبتْ ليَ النعْتَ خابِرُ
أنه يعني به فم المرأة وريقها واسنانها.
أبو تمام أيضاً يقول:
ونظامُ ثَغرٍ ما تَهلَّلَ وَشيُهُ ... إلاّ بكى خَجَلاً نظامُ الجوهرِ
يُهدي إليه نسيمَه فكأنّهُ ... شِيَبتْ جوانبُهُ بِمسكٍ أذْفَرِ
ذو الرمة:
أرَيْنَ الذي اسْتَوْدَعْنَ سَوداءَ قلبهِ ... هوىً مثلَ شكٍّ بالرماحِ النَّواجمِ
عيونَ المها والمسكَ يَندى عَصيمُهُ ... على كلِّ خدٍ مُشرقٍ غيرِ واجمِ
ودرّاً تُجَلِّي عن عِذابٍ كأنها ... إذا نَغمةٌ جاوَبْنَها بالجماجِمِ
ذُرى أقحوانِ الرملِ هزَّتْ فروعَه ... صباً طَلَّةٌ بين الحُقوفِ اليَتائمِ
طرفة:
وتَبسِمُ عن ألمى كأن مُنَوِّراً ... تخلَّلَ حُرَّ الرملِ دِعصٌ له نَدي
سَقتهُ إياةُ الشمسِ إلالِثاتِهِ ... أُسِفَّ ولم تَكْدُمْ عليه بإِثمِدِ
وكانت العرب إذا سقطت لأحدهم سن أخذها ورمى بها في عين الشمس وقال: أبدليني خيراً منها؛ وقد بين ذلك قوله:
بَدَّلتْه الشمسُ من مَنبِتِهِ ... برَداً أبيضَ مَصقولَ الأُشُرْ
وهذا من أوابدهم، كالطارف والمطروف، وقلي السنام والكبد، وتصفيق اليدين وقلب الثياب، واتخاذ الزورين في الحرب، ورقية الفروك بأفول القمر، ورمي الحصاة وقذف النواة، وتسمية أم الفصيل، وهؤلاء من رموز العرب كأوهام الهند.

الباب الحادي عشر
طيب الريق والنكهة
ابن ميادة:
كأنّ على أنيابها المسكَ شابَهُ ... بُعْيدَ الكَرَى مِن آخر الليلِ غابقُ
وما ذُقتُه إلاَ بعيْني تفرُّساً ... كما شِيم في أعلى السحابةِ بارِقُ
يضمُّ إليَّ الليلُ أذيالَ حُبِّها ... كما ضَمَّ أردانَ القميصِ البنائقُ
ذو الرمة:
كأنّما خالطتْ فاها إذا وَسِنَتْ ... بعد الرُقاد بما ضمَّ الخياشيمُ
مخزونةٌ من خُزامى الحُزْن هِيَّجَها ... من لَفِّ ساريةٍ لوثاءَ تَهمِيمُ
أو نفحةٌ من أعالي حَنْوةٍ مَعجَتْ ... فيها الصَّبا مَوْهِناً والروضُ مَرهومُ
ابن الرومي:
أهْيفُ الغُصنِ أهْيلُ الدِعصِ لمَّا ... يَقتسِمْ قَدَّهُ وِشاحٌ ومِرْطُ
طَيِّبٌ طعمُهُ إذا ذُقتَ فاهَ ... والثُريّا في جانِبِ الغَربِ قُرطُ
الهذلي:
وما صهباءُ صافيةٌ شَمولُ ... كعينِ الديكِ مُنْجابٌ قَذَاها
تُشَجُّ بماء ساريةٍ غَريضٍ ... على صَمّانَةٍ رَصفٍ صَفاها
بأطيبَ نَكهَةً من طعمِ فيها ... إذا ما طارَ عن سِنَةٍ كَراها
وضاح اليمن في صفة الريق نفسه:
يا روضَةَ الوَضَّاحِ قَد ... عنَّيْتِ وضَّاح اليمنْ
اسْقي خليلَكِ من شَرا ... بٍ لونُه لونُ اللَّبنْ
الطعمُ طعمُ سَفَرْجَلٍ ... والريحُ ريحُ سُلافِ دَنْ
ابن هرمة:
خوْدٌ تُعاطيكَ بعد رَقْدَتها ... إذا يُلاقي العُيونَ مَهْدَؤُها
كأساً بِفيها صَهْبا مُعتَّقَةً ... يَغلو بأيدي التِّجارِ مَسْبَؤُها
جرير:
خَليليَّ: هلْ في نظرةٍ إن نظرتُها ... أُداوي بها قلباً عَليَّ فُجورُ
إلى رُجُحِ الأكفالِ غيدٍ من الصِّبا ... عِذابِ الثَّنايا رِيقُهُنَّ طَهورُ
ذو الرمة:
أسيلةُ مَجْرى الدَمْعِ هَيفاءُ طَفْلَةٌ ... عَروُبٌ كإيماضِ الغَمامِ ابْتِسامُها
كأنَّ على فِيها، وما ذُقتُ طعمَهُ، ... مُجاجةَ خمرٍ طابَ فيها مُدامُها
عمر بن أبي ربيعة:
كأن المدامَ وصَوْبَ الغمامِ ... وريحَ الخُزامى وذَوْبَ العَسلْ
يُعلُّ به بَرْدُ أنيابِها ... إذا ما صَغا الكوكبُ المُعْتَدِلْ
هذا وفاق بينه وبين امرئ القيس:
كأنّ المدامَ وصوبَ الغمام ... وريحَ الخُزامى ونَشْرَ القُطُرْ
يُعَلَّ به بردُ أنيابها ... إذا طَرَّبَ الطائرُ المُسْتَحِرْ
النابغة الذبياني:
كأنّ مُشَعْشعاً من خمر بُصرى ... نَمتْه البُخْتُ مشدودَ الخِتامِ
إذا فُضَّتْ خواتِمُها عَلاها ... يبيسُ القُمَّحَانِ من المُدام
على أنيابها بِغريضِ مُزنٍ ... تَقَبَّله الجُناةُ من الغَمامِ

زهير بن ابي سلمى:
كأن ريقَتَها بعد الكرَى اغْتُبِقَتْ ... مِن طيَّب الراحِ لمَّا يَعْدُ أنْ عَتَقا
شَجَّ السُقاةُ على ناجودِها شَبِماً ... مِن ماءِ لِينَةَ لا طَرْقاً ولا رَنِقا
الأعشى:
تُعاطي الضَجيعَ إذا أقْبلتْ ... بُعَيْدَ الرُقادِ وبعد الوَسَنْ
صَرِيفيَّةً طيِّباً طَعمُها ... لها زَبَدٌ بين كُوبٍ ودَنْ
يَصُبُّ لها الساقيان المِزا ... جَ مُنْتَصَفَ الليلِ من ماءِ شَنْ

الباب الثاني عشر
حسن الحديث والنغمة
أنشد:
يا أطيبَ الناسِ إنْ مازَحْتَها عِللاَ ... وأحسنَ الناسِ إن جادَلْتَها جَدَلا
كأنَّما عَسَلٌ رُجعانُ مَنطِقِها ... إنْ كان رَجْعُ كلامٍ يُشْبِهُ العَسلا
ذو الرمة:
وإنّا لنُجْري بَيْننا حينَ نَلْتقي ... حديثاً له وَشْيٌ كوشْيِ المَطَارفِ
حَديثاً كوَقعِ القَطْرِ في المَحْلِ يُشْتَفى ... بهِ من جوىً في داخِلِ القلبِ لاَطِفِ
وله:
ولمَّا تلاقَيْنا جَرَتْ من عيُونِنا ... دُموعٌ كَفَفْنا غَرْبَها بالأصابعِ
ونِلنا سُقاطاً من حديثٍ كأنهُ ... جَنى النحلِ مَمزوجاً بماءِ الوَقائعِ
بشار بن برد:
وكأنَّ رَجْعَ حَديِثِها ... قِطَعُ الرياضِ كُسِينَ زَهْرا
وكأنَّ تحتَ لِسانِها ... هاروتَ يَنْفُثَ فيهِ سِحْرا
وتَخالُ ما اشْتَملتْ عليهِ ثِيابُها ذَهَباً وعِطْرا
الأحوص:
وأعْجَلنا وَشْكُ الحديثِ وبيننا ... حديثٌ كَتَنْشِيجِ المريضَيْنِ مُزْعِجُ
حديثٌ لو أنَّ اللحمَ يَصْلى بِبَعْضهِ ... غَريضاً أتى أصحابَهُ وهو مُنْضَجُ
ابن ميادة:
شُمُسٌ لدى خَطَلِ الحديث أوانِسٌ ... يَرْقُبْنَ كلَّ مُلَعَّنٍ تِنْبَالِ
أُنُفٌ كأن حديثَهُنَّ تَنادُمٌ ... بالكأسِ كل عقيلةٍ مِكْسالِ
أبو ذؤيب:
وإن حديثاً منكِ لو تَبْذُلينَهُ ... جَنى النحلِ في ألبانِ عُوذٍ مَطافِلِ
مَطافيلَ أبكارٍ حديثٍ نِتاجُها ... يُشابُ بماءٍ مِثْلِ ماءِ المفاصِلِ
ابن الرومي:
شادنٌ من نَشرهِ المسكُ ومن فيهِ المدامُ
فاتِنُ الطُرَّةِ والغُرَّةِ ما فيهِ مَلامُ
وله نَثرٌ من الدُرِّ مليحٌ ونِظامُ
فالنِظامُ المَضْحكُ الوا ... ضِحُ والنَثْرُ الكلامُ
وهذا قد سبقه إليه البحتري بأحسن تفصيل وأعذب كسوة فقال:
فلمَّا الْتقْينا والنَّقى مَوعدٌ لنا ... تعجَّبَ رائي الدُرِّ حُسناً ولاقِطُهْ
فمِن لُؤلُؤٍ تجلوهُ عند ابتسامِها ... ومِن لُؤلُؤٍ عند الحديثِ تُساقِطُهْ
آخر:
ظَلِلْنا نَشاوى عند أمِّ محمدٍ ... بِيومٍ ولم نَشربْ شَراباً ولا خَمرا
إذا صَمتتْ عنّا ضَجِرنا بصَمتِها ... وإنْ نطقتَ هاجَتْ لألبابنا سُكرا
سلم الخاسر:
يُمسي ويُصبحُ مُعْرِضاً فكأنهُ ... مَلِكٌ عزيزٌ قاهرٌ سُلطانُهُ
ليست إساءَتُهُ بِناقصةٍ لهُ ... عِندي، وليس يَزيدُه إحسانُهُ
رَخْصُ البَنَانِ كأن رَجْعَ كلامِهِ ... دُرٌّ يُساقطُه إليَّ لسانُهُ
ومن البيت الثاني أخذ المتنبي قوله في عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
لو كَفَرَ العالَمونَ نعمته ... لما عَدَتْ نَفْسُهُ سَجاياها
كالشمسِ لا تَبتغي بما صَنعتْ ... مَنفعةً عندهمْ ولا جاها
وأكثر من نرى يقدر أن المتنبي أبدع في قوله:
وقد صُغْتَ الأسِنَّةَ من هُمومٍ ... فما يخطُرْنَ إلاَّ في فُؤادِ
وربما ينظر إلى قول أبي تمام حيث يقول:
مِن كلِّ أزرقَ نَظَّارٍ بلا نظرٍ ... إلى المَقَاتِلِ ما في مِتْنِه أوَدُ
كأنهُ كانَ تِرْبَ الحُبِّ من زَمنٍ ... فليس يُعْجِزُهُ قلبٌ ولا كَبدُ
وكذلك قوله في سيف الدولة:
فأنتَ حُسامُ المُلكِ واللهُ ضاربٌ ... وأنتَ لواءُ الدينِ واللهُ عاقِدُ
وكرر كثيراً إعجاباً به فقال:
على عاتِقِ الملكِ الأغرِّ نِجادُهُ ... وفي يَدِ جبَّارِ السماواتِ قائِمُهُ
وقال:
وَلِمْ لا يَقِي الرَحمنُ حَدَّيْكَ ما وَقى ... وتَفليقُهُ هامَ العِدا بِكَ دائِمُ

وعول في جميعه على أبي تمام حيث يقول في الخليفة:
لقد حانَ من يُهدي سُوَيْداء قلبِهِ ... لحَدٍّ سِنانٍ في يَدِ اللهِ عامِلُهُ
وقال أبو تمام أيضاً في المعتصم.
رَمى بك اللهُ بُرجَيْها فهدَّمَها ... ولو رَمى بكَ غيرُ اللهِ لم يُصِبِ
قال الله عز وجل: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " مثل هذه السرقات الخافية العين والأثر لا يقف عليها، ولا يفطن لها إلا الرواية النحرير الذي دوخ ساحة الشعر بحفظه، وصارت الدواوين مجاجة ذهنه.
أعرابي:
ونازَعَنا وحياً خَفيّاً كأنهُ ... على المُجْتَني، الريحانُ أمرعَ خاضِلُه
حديثٌ لو أنَّ العُصْم تسمعُ رَجْعَه ... تَضَعْضَعَ من أعلى أبانٍ عواقِلُهْ
ابن الرومي:
وحَديثُها السحرُ الحلالُ لو أنّهُ ... لم يَجْنِ قتلَ العاشقِ المُتَحرِّزِ
إن طالَ لم يُمْلَلْ، وإنْ هي أوْجزتْ ... ودَّ المحدَّثُ أنها لم تُوجِزِ
شَرَكُ العقولِ ونزهةٌ ما مثلُها ... للمُطْمئِنِّ وعُقْلَةُ المُستَوْفِزِ
والمحدث لا بد له من كسور وزوايا تعتريه في شعره. فالطبع المبسوط، والكلام المسبوك للعرب.
ذو الرمة:
أولئكَ آجالُ الفتى إن أرَدْنَهُ ... بقتلٍ وأسبابِ السَقامِ المُلازِمِ
يُقارِبْنَ حتى يطمعَ التابعُ الهوى ... وتَهتَزُّ أحناءُ القلوبِ الحوائِمِ
حديثٌ كَطعْمِ الشَّهدِ حُلوٌ صدورُهُ ... وأعجازُهُ الخُطْبانُ دونَ المحارمِ
والبيت الثاني أخذ منه الحسين بن مطير الأسدي قوله:
يُمَنِّيَننا حتى تَرِفَّ قلوبُنا ... رَفيفَ الخُزامى باتَ طلِّ يَجودها
أعرابي:
وحَديثُها كالقَطْرِ يسمَعُهُ ... راعي سِنينَ تتابَعَتْ جَدْبَا
فأصاخَ يرجو أنْ يكونَ حياً ... ويقولُ مِنْ فرحٍ أيا رَبّا
أبو العميثل:
لقيتُ ابنةَ السَّهْميِّ زينبَ عن عَفْرِ ... ونحن حَرامٌ مُسْيَ عاشرةِ العَشْرِ
فَكَّلمْتُها ثِنْتَيْنِ كالثّلجِ مِنهما ... وأخرى على قلبي أحرُّ من الجَمرِ
وإني وإيّاها لَحتْمٌ مَبيتُنا ... جميعاً وَسْيرانا مُغِدٌّ وذو فَتْرِ
آخر:
لَها مُزاحٌ ولها كلامُ ... كجوهرٍ ألَّفهُ نظامُ
يُسكرُنا كأنّه مُدامُ ... له بقلَبِ المُصطَلي ضِرامُ
فهو حلالٌ غِبُّه حرامُ ... يَشفي سَقاماً وهُوَ السَّقامُ
وهذه الأبيات من صادق العشق، وفاخر الشعر، وحر الكلام، وبارع الوصف.
قال هدبة العذري:
وكلُّ حديثِ الناسِ، إلاَّ حَديثَها ... رَجيعٌ، وفيما حدَّثَتْكَ الطرائِفُ
خَرَجْنَ بأعناقِ الظِباءِ وأعيُنِ ال ... جآذِرِ؛ وارتجَّتْ بهنَّ الروادِفُ
رَجحنَ بأردافٍ ثِقال وأسْوُقٍ ... خِدالٍ، وأعضادٍ عليها المطارِفُ
كَشفْنَ شُفوفاً عن شُنُوفٍ وأعرضتْ ... خدودٌ، ومالتْ بالفُروع السوالِفُ
عليهِنَّ من صَوْغِ المدينةِ حِلْيَةٌ ... جُمَانٌ كأجوازِ الدَّبى ورَفارفُ
آخر:
منَ الخَفِراتِ البيضِ وَدَّ جَليسُها ... إذا ما قضَتْ أُحدوثةً لو تُعيدُها
بشار:
وَلِلفْظِها دَلٌّ إذا نَطقتْ ... تركتْ بناتِ فُؤادِهِ صُعْراَ
كَتَساقُطِ الرَّطْب الجَنِيِّ من الأم فْنانِ لا نثْراً ولا نَزْراَ
أبو حية النميري، وهو من مختار المقطعات ومتخير الألفاظ وقديمه:
وقد زعمَ الواشونَ أنْ لا أُحِبُكُمْ ... بلى وسُتورِ اللهِ ذاتِ المحارِمِ
أصُدُّ وما الصَدُّ الذي تَعْلَمينَهُ ... عَزاءً بنا إلا اجْتِراعُ العَلاقِمِ
حَياءً وتُقْيا أنْ تَشيعَ نَميمةٌ ... بنا وبكم. أُفاً لأهل النْمائِمِ
وإنَّ دَماً، لو تَعلَمينَ، جَنتْيهِ ... على الحيِّ،جاني مِثْلِه غيرُ سالِمِ
أَما إنَّه لو كانَ غَيركِ أرْقَلتْ ... صُدورُ القَنا بالراعِفاتِ اللَّهازِمَ
ولكنَّهُ، واللهِ، ما طَلَّ مُسلماً ... كَبيضِ الثَّنايا واضِحاتِ المباسمِ
إذا هُنَّ ساقَطْنَ الأحاديثَ للفتى ... سُقوطَ حصى المرجانِ من سِلْكِ ناظِمِ
رَمَيْنَ فأقْصدْنَ القلوبَ، ولا تَرى ... دَماً مائِراً إلا دَماً في الحَيازِمِ

القطامي:
وفي الخُدورِ غَماماتٌ بَرَقْنَ لنا ... حتى تَصَيَّدْنَنا من كلِّ مُصْطادِ
يَقْتُلْنَنا بِحديثٍ ليس يَعْرِفُه ... من يَتَّهِمْنَ ولا مَكْتومُهُ بادِ
فَهُنْ يَنْبِذْنَ من قولٍ يُصِبْنَ به ... مَواقعَ الماءِ من ذي الغُلَّةِ الصَادي

الباب الثالث عشر
رقة البشرة
ابن أبي البغل:
أقْبلَ يَعدو داميَ الخَدِّ ... مُنْعَفِراً يَعْثُرُ في الشَدِّ
يقولُ أدْمانيَ هذا الفَتى ... بِطاقةٍ من وَرقِ الوَرْدِ
وإنَّ من تَجْرَحُهُ وردةٌ ... لغايةٌ في رِقَّةِ الجِلْدِ
النظام:
فيكَ لي فِتْنتانِ لفظٌ ولحظٌ ... وعظاتٌ لو كان يَنفعُ وعْظُ
لكَ جسمٌ أرقُّ من قَطرةِ الماءِ ... وقلبٌ كأنهُ الصَخرُ فَظُّ
أنتَ حظي فما يَضُرُّكَ لو كا ... نَ لِمنْ أنتَ حظُّه منكَ حظُّ
الحسين بن الضحاك:
بديعُ الحُسنِ ليس له كِفاءُ ... عليلُ اللحظِ لم يُرْملْهُ داءُ
جَنتْ عينايَ من خدَّيْه ورداً ... أنيقَ الصَبْغِ أنبتَهُ الحَياءُ
يُورِّدُ خَدَّهُ إضمارُ وَهْمٍ ... فَإنْ لاحَظْتَهُ جَرَتِ الدماءُ
عبد الرحمن بن حسان:
لو يَدبُّ الحوليُّ من وَلَد الذَ ... رِّ عليها لأنْدَبَتْها الكُلومُ
لم تَفُقْها شمسُ النهارِ بشيءٍ ... غيرَ أنَّ الشبابَ ليس يدومُ
النظام:
عجباً أًعْوَزَكَ الما ... ءُ واطرافُكَ ماءُ
كيفَ لا يَخْطَفُكَ الظِلُّ ويحويكَ الهواءُ
وخَفِيُّ اللَّحْظِ يُدميك وإنْ شطَّ اللقاءُ
يا بديعاً كُلُّهُ غَنْجٌ وشكلٌ وبَهاءُ
آخر:
تَغَيَّرَ عن مَوَدتهِ وحالا ... وكانَ مُواصلاً فَطوى الوِصالا
وعَلَّمَهُ التَدلُّلُ كيفَ هَجرْي ... فليتَ الوصلَ كان له دَلالا
تَرى من فوقِ حِقْوَيْهِ قضيباً ... إذا ما حَرَّكَتْهُ خُطاهُ مالا
فإنْ كلَّمتَه أثَّرتَ فيهِ ... وإنْ حَرَّكَتْهُ كالخمرِ سالا
وسمع أبو الهذيل قول النظام:
رَقَّ فلو بُزَّتَ سَرابيلهُ ... عُلِّقهُ الجوُّ من اللُّطفِ
يَجرحُه اللحظُ بَتكرارِهِ ... ويَشتكي الإيماءَ بالكَفِّ
فقال: هذا يناك بأير من خاطر. وهذا خارج من عرف الشعراء وإلف المعاني - وخير المعاني ما وجد كائنا وقوعه ومعهودا حدوثه. ألا ترى كيف يفضل قول ابن ابي عيينة على قول كل المحدثين في الذم:
هل أنتَ إلاّ كلجمِ مَيْتِ ... دعا إلى أكلهِ اضْطِرارُ
ابن المعتز:
نَضَتْ عنها القميصَ لصبِّ ماءٍ ... فورَّدَ خدَّها فَرطُ الحياءِ
وقابَلتِ الهواءَ وقد تعرَّتْ ... بِمعْتدلِ أرقَّ من الهواءِ
ومدَّتْ راحةً كالماءِ منها ... إلى ماءٍ عَتيدٍ في إناءِ
فلما أن قَضَتْ وَطراً وهمَّتْ ... على عجلٍ لأخْذٍ للرِّداءِ
رأتْ شخصَ الرقيبِ على تَدانٍ ... فأسْبلتِ الظلامَ على الضياءِ
فغابَ الصُبحُ منها تحت ليلٍ ... وظَلَّ الماءُ يَقطُرُ فوق ماءِ
النمري:
قُلْ للمليحةِ مَوضعِ العِقْدِ ... ولَطيفةِ الأحشاءِ والقدِّ
هلاَّ وقفتِ على مَدامعِهِ ... فنظرتِ ما يَصْنَعْنَ بالخدِّ
لولا التَّنَطُّقُ والسِوارُ معاً ... والحِجْلُ والدُمْلُوجُ في العَضْدِ
لتزايَلَتْ في كلِّ ناحِيةٍ ... لكنْ جُعِلْنَ لها على عَمْدِ
إبراهيم بن العباس:
دُرَّةٌ كيفما أُديرتْ أضاءتْ ... ومَشَمٌّ من حَيثما شُمَّ فاحا
ومزاجٌ قال الإلهُ لها كو ... ني فكانتْ رُوحاً ورَوْحاً وراحا
ابن الرومي:
بيضُ الوجوهِ عقائِلٌ ... لم يُصْبِهِنَّ سِوايَ زيرُ
أبشارُهُنَّ وما ادَّرَعْ ... نَ من الحريرِ معاً حريرُ
الخيزرزي:
دُرِّيَّةُ اللونِ فيه مُشربةٌ ... حُمْرَةَ خمرٍ تُمازِجُ اللَّبَنا
كاللُؤلؤِ الرْطبِ لونُ ظاهِرِه ... وفيه ماءُ العَقيقِ قد بَطَنا
بشار:
وما ظَفِرتْ عَيْني غَداةَ لقيتُها ... بِشيءٍ سِوى أطرافِها والمَحَاجِرِ

بحْوراءَ من حُورِ الجِنانِ غريرةٍ ... يرى وَجْهَهُ في وَجهها كلُّ ناظِرِ
ومنه أخذ أبو نواس قوله:
نَظَرُت إلى وَجههِ نَظرةً ... فأبْصرتُ وجهيَ في وجههِ
آخر:
بَهجةٌ فوقَ نِعمةٍ فهو بالنُو ... رِ مُحلًّى وبالنعيم مُرَدَّى
لو تَبَدَّى في ظُلمةٍ لاستَنارَتْ ... أو تمشَّى على الصَّفا لتَنَدَّى
النوفلي:
خَرَجْنَ إلينا على رِقْبَةٍ ... خُروجَ النصارى لإفْطارها
ثِقالَ الرَوادفِ قُبَّ البُطو ... نِ خُطاها على قَدْرِ أفْتارِها
يكادُ إذا دامَ لحظُ البَصيرِ يَكلمُ رِقَّةَ أَبشارِها
أبو دهبل الجمحي:
وَلِتِلْكَ اغتربْتُ بالشامِ حتى ... ظَنَّ أهلي مُرَجَّماتِ الظُنونِ
هي زَهراءُ مثلُ لؤلؤةِ الغوَّ ... اصِ ميزتْ من جَوْهَرٍ مًكنونِ
وإذا ما نَسبْتَها لم تجِدْها ... في سَناءٍ من المَكارِمِ دونِ
تجعلُ المسكَ واليلنجوجَ والندَّ ... صِلاءً لها على الكانونِ
ثم خاصَرْتُها إلى القُبَّةِ الخَض ... راءِ تمشي في مَرْمَرٍ مَسونِ
ذو الرمة:
لها بَشَرٌ مثلُ الحريرِ ومنطقٌ ... رَخيمُ الحَواشي لا هُرَاءٌ ولا نَزْرُ
تَبَسَّمُ لَمْحَ البَرقِ عن مُتَوَضِّحِ ... كلونِ الأقاحي شافَ ألوانَها القَطْرُ
أعرابي:
لها قِسمةٌ من خُوطِ بانٍ ومن نَقاً ... ومن رَشَأ الأقوازِ جيدٌ ومَذْرِفُ
يكادُ كليلُ اللحظِ يكْلُمُ خدَّها ... إذا ما بدتْ من خِدْرِها حين تطرفِ

الباب الرابع عشر
الوجه والسواد والصفرة
الوجيهي:
مُستَقْبَلٌ بالذي يَهوى وإن كثُرتْ ... منه الإساءَةُ مَعذورٌ بما صَنَعا
في وجهِه شافِعٌ يَمحو إساءَتَه ... من القلوبِ وجِيهٌ حيثما شَفَعا
آخر:
أُقسمٌ بالله وآياتِه ... ما نَظرتْ عيني إلى مِثْلِهِ
ولا بَدا لي وجهُهُ طالِعاً ... إلاّ سَألتُ اللهَ مِن فَضْلِهِ
الحماني:
وَهيفاءُ تلحظُ عن شادنٍ ... وتُسفرُ عن قَمرٍ إِضْحِيانْ
وتَبْسِمُ عن نَفَس الياسَمينِ ... وتضحكُ عن زَهَر الأُقحوانْ
ترى الشمسَ والبدرَ مَعناهما ... بها واحداً وهما مَعْنيانْ
إذا أَطْلعتْ وجهَها أَشرقا ... بطَلعتها وهما آفِلانْ
إسحاق بن الصباح:
يا مَن بَدائعُ حسنِ صورتهِ ... تَثْني إليهِ أعِنَّة الحدَقِ
لي مِنكَ ما للناسِ كُلِّهِمُ ... نَظرٌ وتسليمٌ على الطُرُقِ
لكنّهم سَعِدوا بأمْنهِمُ ... وشَقِيت حين أراك بالفرقِ
عبد الله بن أبي الشيص:
تَعْتَلُّ مِن غيرِ عِلَّهْ ... بالحُسْنِ أضحتْ مُدِلَّهْ
كأنها حينَ تَبْدو ... شمسٌ عليها مظلهْ
وإنْ أضاءَتْ بليْلٍ ... تفوقُ نورَ الأهِلَّهْ
الأقرع بن معاذ:
فما الشمسُ وافتْ يومَ دَجنٍ فأشرقَتْ ... ولا البدرُ مَسْعوداً بدا ليلةَ البَدْرِ
بِأحْسنَ منها أو تَزيدُ مَلاحةً ... على ذاكَ، أو رأيُ المُحِبِّ، فلا أدريِ
وحذا حذوه على طريق التورية الحكم فقال:
تَساهَمَ ثوْباها ففي الدِّرع رَأْدَةٌ ... وفي المِرْطِ لَفَّاوانِ رِدْفُهما عَبْلُ
فواللهِ ما أدري أزيدَتْ مَلاحَةً ... وحُسناً على النِسْوانِ أمْ ليسَ لي عَقْلُ
وقال المسيب بن علس:
تامَتْ فؤادَك إذ عرَضْتَ لها ... حَسَنٌ بِرَأيِ الحُبِّ ما تَمِقُ
آخر:
فواللهِ ما أدرِي أزيدَتْ مَلاحةً ... أمِ الحبُّ أعمى مِثلَما قِيل في الحُبِّ
ابن كيغلغ:
أنِيري مكانَ البدرِ إن أفِلَ البدرُ ... وقُومي مقامَ الشمسِ مااستأْخَرَ الفجرُ
ففيكِ من الشمسِ المُنيرةِ لونُها ... وليسَ لها مِنكِ التَبَسُّمُ والثغرُ
ابن الرومي:
مَرادُ عَيْنيْكِ منهُ بين شَمسِ ضُحىً ... وناعمِ من غصونِ البانِ رَيَّانِ
خَفَّتْ أعاليهِ وارتَجَّتْ أسافِلُهُ ... كأنما صاغَ نِصْفَيهِ لنا بَانِ
عمر بن أبي ربيعة:
وَفتاةٍ إنْ تَغِبْ شمسُ الضُحى ... فَلنا من وَجْهِها عنها خَلَفْ

أجمعَ الناسُ على تفضِيلها ... وهواهُمْ في سِواها مُخْتَلفْ
وأخذ أبو تمام هذا المعنى وطرده إلى المدح فقال:
لو أنَّ إجماعَنا في فَضلِ سُؤْدُدِهِ ... في الدِّينِ لم يَخْتِلفْ في الأُمَّة اثنانِ
آخر:
يا مُفرداً بالحُسن والشَكلِ ... مَن دَلَّ عينَيْكَ على قتلي
البَدرُ من شمسِ الضُحى نُورُهُ ... والشمسُ من نورك تَسْتَمْليِ
يوسف الجوهري:
وإذا الغزالةُ في السماءِ تَعَرَّضَتْ ... وبَدا النهارُ لِوقْتِه يَتَرَجَّلُ
أبدتْ لِعين الشمسِ عيناً مِثلها ... تَلْقى السماءَ بمثل ما تَسْتَقْبِلُ
ليس يُبالي مَن أنت حاضِرُهُ ... ما غابَ من شَمْسهِ ومن قَمَرهْ
أنت عليهِ، وإن عَنُفْتَ بهِ، ... أعَزُّ من سَمْعِهِ ومن بصرِهْ
بشار وأحسن في تشبيهه:
قامتْ تبَدَّى إذ رأتْني وَحدي ... كالشمس بين الزِّبرِج المُنْقدِّ
ضَنَّت بِخدٍّ وَجلتْ عن خدِّ ... ثم انْثنتْ كالنَفَسِ المرتَدِّ
أخذه من قول بن الخطيم:
تَبَدَّتْ لنا كالشمس تحتَ غَمامةٍ ... بدا حاجِبٌ منها وضَنَّتْ بِحاجبِ
الصولي، وليس في شعره سوى هذه القطعة وأخرى دالية:
يا شَيبةَ البدرِ لولا ... كلَفُ البدْرِ ونَقصُهْ
وقريباً حاضرَ الذكرِ ولو غُيِّبَ شخصُهْ
بَدَنٌ يُعقدُ ليناً ... ناعِمُ المَلْمِس رَخْصُهْ
خَصَّني بالهجْر مِنهُ ... إذ رَأى وَصْفي يخُصُّهْ
كم أسمّي غيرَه في الشِعر والوصفُ يُخصُّهْ
وقال ديك الجن:
وإنَّ الذي أزْرى بشمسِ سَمائِهِ ... فأبداهُ نُوراً والخلائقُ طينُ
تأنَّقَ فيه كيفَ شاءَ وإنما ... مقالتُهُ للشيءِ كُنْ فيكُونُ
آخر:
وفي أرْبَعٍ مني حَلَتْ منكِ أربعٌ ... فما أنا أدْري أيّها هاجَ لي كَرْبِي
أوَجْهُك في عَيْنيِ، أمِ الريقُ في فَمي، ... أمِ النُطقُ في سمعي، أمِ الحُبُّ في قلبي
وسمعه يعقوب بن إسحاق الكندي فقال: هذا تقسيم فلسفي؛ وجعله العلوي خمسة فقال:
وفي خمسةٍ مني حَلَتْ منكِ خمسةٌ ... فريقُكِ منها في فمي طَيِّبُ الرشْفِ
ووجْهُكِ في عَينِي ولَمْسُك في يَدي ... ونُطْقُكِ في سمعي وعَرْفُكِ في أذني
وأما قول أبي تمام:
يَقولُ فيُسْمِعُ ويَمشي فيُسْرِعُ ... ويَضربُ في ذاتِ الإلهِ فيوجِعُ
فقد صرع في غير موضعه، ونظم اللفظ من قول من قال: كان عمر، رضي الله عنه، إذا قال أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع.
وأكثر ما جاء من شعر العرب، في التقسيم ثلاثة. كقول طرفة:
فلولا ثلاثٌ هُنَّ من لَذَّة الفتى ... وَجَدِّكَ لم أحفِلْ متى قامَ عُوَّدي
وسمعه عمر رضي الله عنه فقال: لكني، والله، لولا الضرب بالسيف في سبيل الله، والتهجد بالليل لوجه الله، ومجالسة أقوام أنتقي حديثهم كما تنتقى أطايب التمر، ما باليت أي وقت حانت منيتي.
وقال ابن الطثرية:
فلولا ثلاثٌ هنَّ من لَذَّةِ الفتى ... وَجَدِّكَ لم أحْفَلْ متَى قامَ رامِسي
وقال الأسدي:
ثلاثَةُ أحبابٍ: فحبٌّ عَلاقَةٌ ... وحُبٌّ تِمِلاَّقٌ وحُبٌّ هو القَتْلُ
وقال جرير:
صارت حَنِيفةُ أَثلاثاً: فَثُلْثُهُمُ ... من العبيدِ، وثُلْثٌ من مواليها
ومما يجري مجرى الملح ما أنشده الخليل في كتاب العين:
إنَّ في دارِنا ثَلاثَ حُبالى ... قد وَدِدْنا أنْ لو وَضَعْنَ جَميعا
جارَتي، ثم هِرَّتي، ثم شاتي ... فإذا ما وَلَدْنَ كُنَّ رَبيعا
جارَتي للرَضاعِ، والهرُّ للفأرِ، وشاتي ... إذا اشْتهيتُ مَجِيعا
وكذلك المرصع الوارد عنهم، كقول امرئ القيس، وهو أبدعه:
فالعينُ قادحةٌ واليدُّ سابحَةٌ ... والرجلُ ضارِحةٌ والمتنُ مَلْحوبُ
والماءُ مُنحَدرٌ والشَّدُّ مُنْهَمِرٌ ... والقصبُ مُضْطَمِرٌ واللونُ غِرْبيبُ
أنشد منهمر.
وتبعته الخنساء فقالت ترثي صخراً.
حامي الحقيقةِ مِعتاقُ الوَسيقةِ نَسّالُ الوَديقَةِ جَلْدٌ غيرُ ثِنْيانِ
آبي الهضيمةِ وهّابُ الكريمةِ حمّالُ العَظيمةِ سَرحانٌ لِفتيانِ
قال الشيخ: البيتان لأبي المثلم الهذلي.

ثم توزعه الشعراء إلى أن قال البحتري:
وفي الأكِلَّةِ من تحت الأجلَّةِ أمثالُ الأهِلَّةِ بين السِّجْفِ والكِلَلِ
بِيضٌ أوانِسُ كالأُدْمِ الكوانِسِ أو ... دُمى الكَنائسِ غيدٌ لسنَ بالعُطُلِ
وقال ابن الرومي:
في خِصْبِ أوْديةٍ أو رحبِ أنديةٍ ... أوْ طِيبِ أرْديةٍ أولينِ أكنافِ
المخزومي:
رَأيتكِ في الشمس المنيرةِ غُدوَةً ... فكنتِ على عيْنَيَّ أبهى مِن الشمسِ
لأنَّكِ تزدادِينَ بالليل بَهْجَةً ... وشمسُ الضُحى ليستْ تُضيءُ إذا تُمسي
سلم الخاسر:
ولقد رأيتُ الشمسَ طالعةً ... تَختالُ بين كواعبٍ خَمسِ
أقبلْنَ في رأدِ الضُحاءِ بها ... فَسترْنَ عينَ الشمسِ بالشمسِ
معقل بن عيسى:
أبرَزوها مثلَ المهاةِ تهادى ... بين عَشرٍ كواعبٍ أترابِ
ثم قالوا: تُحبُّها قلتُ: بهراً ... عَددَ الرملِ والحصى والتُرابِ
ابن حبيبات:
لقد فتنتْ سُعدى وَسَلاّمةُ القَسّا ... فلم تَتْركا للقَسِّ عقلاً ولا نَفْسا
فتاتانِ: أمّا منهما فَشَبيهةٌ ... هلالاً، وأمَّا أُختُها تُشبِه الشمسا
فتاتان بالسَّعدِ السُعود وُلدْتِما ... فلم تَريا يوماً هواناً ولا نحسا
تُكِنّان أبشاراً رِقاقاً وأوجهاً ... حِساناً وأطرافاً مُخضَّبةً مُلْسا
آخر:
نُزهةٌ للعينِ مَنظرُهُ ... وسُرورُ القَلبِ مَخْبَرُهُ
هو يُحْيني ويَقْتُلُنيِ ... فكَما أرجوهُ أحذرُهُ
فسلوهُ عند غَيْبَتِهِ ... في فؤادي من يُصَوِّرُهُ
ابن حازم:
بَانَ عن الأشكالِ في حُسنِهِ ... فلَمْ تقعْ عينٌ على شِبْهِهِ
يُغْنيكَ عن بَدرِ الدُّجى نورُهُ ... والبدرُ لايُغنيكَ عن وجههِ
كَمْ قد تَلَّهى بهوى غَيرهِ ... قلبي، فأغراه فلم يُلْهِهِ
آخر:
رَأيتُ الهلالَ على وجههِ ... فلم أدْرِ أيُّهما أنْوَرُ
سِوى أنَّ ذاكَ قريبُ المزارِ ... وهذا بعيدٌ لِمَنْ يَنظُرُ
وذاكَ يغيبُ وذا حاضِرٌ ... فما مَنْ يغيبُ كمن يَحضُرُ
ونفعُ الهلالِ كثيرٌ لنا ... ونفعُ الحبيبِ لنا أكثَرُ
ابن لنكك:
البدْرُ والشمسُ المُني ... رةُ والدُّمى والكَوْكبُ
أَضحتْ ضَرائِرَ وَجههِ ... مِنْ حيثُ يَطلعُ تَغْرُبُ
وكأنَّ جَمرَ جوانِحي ... في خَدِّه يَتلهَّبُ
وكأَنَّ غُصنَ قَوامِهِ ... من ماءِ دَمعِي يَشرَبُ
وصَوالجٌ مِن شَعرِهِ ... بِسوادِ قَلبي تَلْعَبُ
خالد:
يا بَديعاً لا تَحتويهِ النعوتُ ... لكَ وجهٌ تُحيي بهِ وتُميتُ
لو رآكَ القَضيبُ تخطُرُ يوماً ... ظَلَّ من حُسنِ ما يرى مَبْهوت
أو سَكْنَت الجِنانَ ترتَعُ فيها ... لأَضامِن جمالِك الملكوتُ
أَنتَ قُوتي فَما يَضُرُّكَ لو كا ... نَ لِمَن أَنت قوتُهُ منكَ قُوتُ
أحمد بن أبي فنن:
ومَجدولةٍ جَدْلَ العِنان كأَنها ... إِذا أَقبلتْ بدرٌ يَميسُ على الأَرضِ
كَليلةُ أَرجاءِ العيونِ ولحظُها ... يقومُ بإِبرامِ المنيَّةِ والنَقْضِ
تُرى فَتُرى منها مَحاسِنُ كُلُّها ... سَواءٌ، فلا بعضٌ يزيدُ على بعضِ
وَتْسَتوقِفُ الركبَ العِجالَ إِذا بدتْ ... فلا أحدٌ يمضي من القوم أَوْ تَمضي
أخذ البيت الثالث من ابن هرمة:
أَإِني غَرِضْتُ إلى تناصُفِ وجهِها ... غَرَضْ َالمُحِبِّ إلى الحبيبِ الغائبِ
ابن المعذل:
نظرتُ إلى من زَيَّنَ اللهُ وجهَهُ ... فيا نظرةً كادت على عاشق تَقْضي
فَكَبَّرتُ عَشْراً ثم قلتُ لصاحبي ... متى نَزَلَ البدرُ المنيرُ إلى الأَرضِ
تُبَيِّنُ عينِي أَنّ قلبي يُحبُّه ... وفي العينِ تِبْيانٌ من الحٌبِ والبُغْضِ
وما هو إلا خَلقُ رَبّي مُصورٌ ... ولكنَّ بَعْضَ الناسِ أَملحُ من بعضِ
ديك الجن:
يا مَن حَلا ثم طابَ رِيحاً ... ففيهِ شُهدٌ وفيهِ وَردُ
لو لم تكنْ للسماءِ شمسٌ ... لَكُنْتَ تَبْدو من حيثُ تَبْدو
ما إِنْ أَظنُّ الهِلالَ إِلاَّ ... من نورِ خدَّيكَ يَستَمِدُّ

ناجيتُ فيكَ الصفاتِ حتى ... ناجيْتَني ما لذاكَ نِدُّ
المفجع:
وَيلي على رَشَأٍ كالبدرِ قَتَّلَني ... بحاجِبَيْهِ وأَضناني بِمُقلتِهِ
إذا نظرتُ إِليهِ ذابَ من خجل ... وكادَ يجري دماً من فَرطِ رِقَّتِهِ
كأنما الصبحُ من لألاء غُرَّتِهِ ... وصِبغةُ الليلِ من حُلْكوُكِ طُرَّتِهِ
كأنما الفضَّةُ البيضاءُ قد نُصِبتْ ... ورُكِّبَتْ فوقَ لِيَتْيهِ ولَبَّتِهِ
كأنما حُسنُ أَهلِ الأرضِ قاطبةً ... إِليهِ قد سلَّمَ الباري بِقُدرتهِ
العلوي الحماني:
واهاً لأيَّامي وأَيامِ النَقِيَّاتِ السوالفْ
اللاَّبِساتِ البدرَ ما ... بينَ الحواجبِ والمَرَاشِفْ
والغارِساتِ البانَ قُضباناً على كُثُبِ الروادِفْ
وقفَ النعيمُ على الصَّبا ... وزَلَلْتُ عن تلكَ المواقِفْ
آخر:
ليسَ فيها ما يُقالُ لها ... كَمَلَتْ لو أَنَّ ذا كَمَلا
كلُّ جزءٍ من مَحاسِنِها ... صائِرٌ من حُسنها مَثَلا
آخر:
كلُّ جُزءٍ من مَحاسِنهِ ... فيهِ أَجزاءٌ من الفِتَنِ
وقال ذو الرمة:
مِن البيض مِبْهاجٌ عليها مَلاحةٌ ... نُضارٌ، ورَوْعاتُ الحسانِ الروائِعِ
هي الشمسُ إشراقاً إِذا ما تَزَيَّنَتْ ... وشِبهُ المَها مُغتّرةً في المَوادعِ
أحمد بن هشام:
أَلا مُعدٍ على سَكَنِ ... أَحلَّ الروحَ في بَدني
أَما ودَلالِكَ الحَسَنِ ... وطَرفِكَ جالِبِ الفتَنِ
لقد أَسْكنْتَ في قَلبي ... هوىً يَبْقى على الزمَنِ
بِنَفسي أنتَ مِن قمرٍ ... ومِن دِعصٍ ومِن غُصُنِ
دُنُوُّكَ مُنتهى فَرحي ... وبُعدُكَ مُنتهى شَجَني
وأنتَ مَلَكْتَني وهوا ... كَ أبكاني وأَضحكَني
العلوي البصري:
يا صَنَما أُفْرِغَ من فِضَّهْ ... وخَدُّه تُفاحةٌ غَضَّهْ
يَهتزُّ أَعلاه إِذا ما مَشى ... وكُلُّه مِن لينِه قَبْضَهْ
ارْحَمْ فتى لمّا تَملَّكْتَهُ ... آمَنَ بالذُلِّ ولم تَرْضَهْ
قال الأصمعي: ما قيل في نعت أحسن من قول المخبل:
وتُريكَ وجهاً كالوَذِيلةِ لا ... ظَمْآنُ مُخْتَلِجٌ ولا جَهْمُ
وتُضِلُّ مِدارها المواشِطُ في ... جَعْدٍ أَغَمَّ كأنهُ كَرْمُ
وقال أبو هفان:
فَدَيْتُكَ من مُقبِلٍ مُعرِضٍ ... بِليلٍ بَهيمٍ وصَبحٍ مُضِي
بوجهٍ لهُ الحسنُ مُستحسِنٌ ... يُرِيكَ المُورَّدَ في الأبيضِ
ولي فيكَ يا سيَّدي حَسرةٌ ... سَتفْنى الحياةُ ولا تَنْقضي
سُروري رِضاكَ فجُدْ لي بهِ ... ولا تُرضِ بالهجر من قد رَضي
طفيل الغنوي:
عَروُبٌ كأن الشمسَ تحت نِقابِها ... إِذا ابتسمتْ أَو سافراً لم تَبَسَّمِ
وهذا أخذه من قول طرفة:
وَوَجهٍ كأنّ الشمسَ حَلَّتْ رِداءَها ... عليهِ نَقيِّ اللّونِ لم يَتَخَدَّدِ
وقال الأعشى:
فتىً لو يُناغي الشمسَ أَلقتْ قِناعَها ... أَوِ القمرَ السارِي لأَلْقى المَقالِدا
وأما أبو بكر بن النطاح:
بيضاءُ آنسةُ الحديثِ كأَنّها ... قمرٌ توسَّطَ جُنْحَ ليلٍ مُبردِ
فأخذه من قول أبي زبيد الطائي:
مُستَنيرٌ تَسمو العيونُ إليهِ ... أَصْلَتِيٌّ كالبدرِ عامَ العُهودِ
خالد:
يا مُشرِفاً ملأَ العيو ... نَ فلحظُها ما يَسْتَقِلُّ
أَوْفى على شمس الضُحى ... حتى كأنَّ الشَمْسَ ظِلُّ
آخر:
لَمْ يُسْلِني النيَّرانِ الشمسُ والقمرُ ... مُذ فاتَني المُسْلِيانِ الأُنسُ والنَظرُ
والقلبُ مُسْتَوقَدٌ أضلاعُه حَطبٌ ... أَشواقُه لَهبٌ أنفاسُه شَررُ
آخر:
لَعمرُكِ ما عيشةٌ غَضّةٌ ... لَديَّ إذا غِبتِ بالراضِيَهْ
وإِني إلى وجهكِ المُسْتنير في ظُلمةِ الليلةِ الداجِيَهْ
لأَشْوَقُ من مُدنَفٍ خائفٍ ... لِقاءَ الحِمام إلى العافِيَهْ
وقد أحسن أبو تمام ما شاء في قوله:
هي الشمسُ يُغنيها تودُّدُ وجهِها ... إلى كلِّ من لاقتْ وإن لم تَوَدَّدِ
وكذلك قوله:
بَيَّنَ البينُ فَقدَها قَلَّما تَعرِفُ فَقداً للشمسِ حتى تَغيبا

وأما صفة الوجه بالطلاقة والبهجة للسؤال، فالمتقدمون ما تركوا فيه لقائل مقالاً، ولا لخاطر مجالاً. وأحسنه قول أبي الطمحان:
أضاءَت لهم أَحسابُهم ووجوهُهُم ... دُجى الليلِ حتى نَظَّمَ الجَزْعَ ثاقِبُهْ
وقد فَصَّل هذا المعنى تفصيلاً حسناً وبسطه وضاح اليمن فقال:
وقائلةٍ والليلُ قد صَبَغَ الرُبا ... بصبغ يُغشّي كلَّ حَزْنٍ وفَدْفَدِ
أَرى بارقاً يبدو من الجَوْسَقِ الذي ... به حلَّ مِيراثُ النبيِّ محمدِ
أضاءَتْ له الآفاقُ حتى كأنما ... رأينا بِنِصْفِ الليلِ نورَ ضُحى الغَدِ
وظلَّ عَذارى الحيِّ يَنْظمْنَ حولَه ... ظَفارِيَّةَ الجَزْعِ الذي لم يُسَرَّدِ
فقلتُ هو البدرُ الذي تعرفِينَه ... وإِلاَّ يكنْ فالنورُ من وجه أحمدِ
وقال بشر:
يكادُ الغمامُ الغُرُّ يَرْعدُ أَن رَأَى ... وُجوهَ بني لأْمٍ وَينْهَلُّ بارِقُهْ
الأسدي:
وُجوهٌ لو أنَّ المُعْتَشِين اعتَشَوْا بها ... صَدَعْن الدُجى حتى يُرى الليلُ ينجلي
آخر:
كأنَّ تَلأْلُؤَ المَعْروفِ فيهِ ... شُعاعُ الشمسِ في السيفِ الصَقِيلِ
آخر:
عصْيتُ به أَمري فكنتُ كَمُعْتشٍ ... أَرادَ دَليلَ النورِ والبدرُ زاهرُ
النظام:
أَنتَ والبدرُ شَقيقا ... نِ ولكنَّكَ أَعظمْ
وعنِ الشمسِ تَجالَلْت بفضلِ اللَّحْم والدمْ
وإذا قُدِّرْتَ في النعْتِ لكيما تُتَفهمْ
قِيلَ نورٌ يَتَلالا ... فيهِ روحٌ يَتكلمْ
آخر:
رأيتُ الهِلالَ ووجهَ الحبيبِ ... فكانا هِلالَيْنِ عندَ النظرْ
فلم أَدْرِ من حَيْرتي فيهما ... هِلالَ الدُجى من هِلالِ البشرْ
فلولا التورُّدُ في الوجْنتينِ ... وما راعَني من سَوادِ الشَعَرْ
لكنتُ أظنُّ الهِلالَ الحبيبَ ... وكنتُ أَظنُّ الحبيبَ القَمرْ
أبو الشيص:
تَخشَعُ شمسُ النهارِ طالعةً ... حينَ تراهُ ويَخْشعُ القمرُ
تَعْرِفُهُ أَنهُ يفوقُهُما ... بالحُسْنِ في عينِ من لهُ بَصرُ
آخر:
جاءَ بوجهٍ كالبدرِ يَحْمِلُه ... قضيبُ بانٍ مَنَعَّمٌ خَضِدُ
رَقَّ فماءُ النَعيمِ مُطرَّدٌ ... فيهِ ونارُ الجَمالِ تَتَّقِدُ
ابن المعتز:
يا هِلالاً يَدورُ في فلك النَّا ... وَرْدِ، رِفقاً بأعيُن النَظَّارَهْ
قِفْ لنا في الطَريقِ إِن لم تزُرْنا ... وقفةٌ في الطريقِ نِصْفُ الزِيارَهْ
الأشجع:
نَفَر الشبابُ بِربَّةِ البُرْدِ ... ومَضتْ مُخالِفةً عن القصدِ
سلَّمْتُ فالتفتَ الصُدودُ بها ... ما كانَ يَنْقُصُها مِن الرَدِّ
فإذا وَصَلْتُ لها مُواصَلتي ... فَزِعَتْ حداثَتُها إلى الصَدِّ
وَلئِنْ مَحاسِنُ وجهِها نَطَقَتْ ... أَثْنى لها خدٌ على خدِّ
محمد بن وهيب:
نَمْ فقد وَكَّلْتَ بي الأَرقا، ... لاهياً، بُعْداً لمن عَشِقا
إِنما أَبقيتَ من جَسدي ... شَبَحاً غيرَ الذي خُلِقا
ما لِمَنْ تمَّتْ مَحاسِنُهُ ... أَنْ يُعادي طَرْفَ من رَمَقا
لكَ أَن تُبْدي لنا حَسَناً ... ولنا أَنْ نُعْمِلَ الحَدَقا
سمع الفضل بن يحيى هذا البيت فقال: هذا أعدل بيت قيل في معناه وألم به ابن المعذل فقال:
لِعُتْبَةَ صَفحتا قَمرٍ ... يفوقُ سناهُما القَمرا
يَزِيدُكَ وَجهُها حُسناً ... إذا ما زِدْتَهُ نَظرا
علي بن الجهم:
يا بَدْرُ كيفَ صَنَعْتَ بالبَدْرِ ... وفَضَحْتَهُ من حَيثُ لا يَدْري
الدهرَ أَنتَ بأَسْرِهِ قمرٌ ... ولِذاكَ ليلَتُهُ من الشَهِر
الخليع:
وصفَ البدرُ حُسنَ وجهِكَ حتى ... خِلْتُ أَني، وما أراكَ، أَراكا
وإِذا ما تَنَفَّسَ النَرجِسُ الغَضُّ توهَّمتُه نَسيمَ نَشاكا
خُدعٌ لِلمنى تُعلِّلُني فيكَ بإِشراقِ ذا وبَهجةِ ذاكا
لأُقِيمَنَّ، ما حَييتُ، على الشُكرِ لهذا وذاكَ إِذْ حَكَياكا
العطوي:
ياقمراً وافَقَ التَماما ... اقْرأْ على شِبهِكَ السَلاما
نأيتَ عني وبانَ مني ... كِلاكُما عزَّ أن يُراما
أعرابي:

وإِذا الدرُّ زانَ حُسنَ وجوهٍ ... كان للدُرِّ حُسنُ وجهِكِ زَيْنا
وتَزِيدينَ أَطيبَ الطيبِ طيباً ... إِن تَمَسّيهِ، أَينَ مِثلُكِ أَينا
الباهلي:
إِنْسِيّةٌ في مِثال الجِنِّ تحسَبُها ... شمساً بدتْ بين تَشْرِيقٍ وتَغْييِمِ
شقَّتْ لها الشمسُ ثوباً من مَحاسنها ... فالوجهُ للشمسِ والعينانِ للريمِ
آخر:
يا شمسُ يا بدرُ يا نهارُ ... يا وردُ يا آسُ يا بَهارُ
تَجَنُّبُ الإِثمِ فيكِ إِثمٌ ... وخَشْيةُ العارِ فيكَ عارُ
ابن الرومي:
هَلِ المَلالَةُ إلاّ مُنْقَضى وَطَرٍ ... من لَذَّةٍ يُطبّى من غيرِها وَطَرُ
لا شيءَ إلا وفيها منهُ أحسَنُهُ ... فأينَ يُصرفُ عنها السمْعُ والبَصَرُ
يا مَنْ له صَفَواتُ الحُسْنِ أجْمعُها ... ومَن تَصاغَرُ عنهُ الشمسُ والقمرُ
أَحُسْنُ وجهِكَ ينمي لا انتهاءَ له ... أم قد تَعاقَبُهُ في ساعةٍ صُوَرُ
أعرابي:
تَعَلَّقتْهُا بِكراً وعُلِّقْتُ حُبَّها ... فقلبيَ عن كلِّ الهوى فارغٌ بِكرُ
إذا احتجَبتْ لم يَكْفِكَ البدرُ وجهَها ... وتَكفِيكَ فقدَ البدرِ إنْ فُقِدَ البدرُ
وحسْبُكَ من خمرٍ مُدامةُ ريقِها ... وواللهِ ما مِن ريقِها حَسْبُكَ الخمرُ
وعُذركَ أن تَضْنى بها إن رأيتَها ... ومالكَ إِنْ لم تَضْنَ من حُبِها عُذرُ

ما قيل في السواد
أبو حفص الشطرنجي مولى المهدي، وهو أول من أبدعه:
أَشْبَهكِ المِسكُ وأَشبَهْتِهِ ... قائمةً في لونِها قاعِدهْ
لا شكَّ إِذ لونُكُما واحدٌ ... أنكما من طينَةٍ واحدهْ
ابن الرومي، والبيت الأول من بديعه:
أَكسبَها الحُبَّ أَنها صُبِغَتْ ... صِبْغَةَ حَبِّ القُلوبِ والحَدَقِ
فأقبلتْ نحوَها الضَمائِرُ والأَ ... بصار يَعْنَقْنَ أيَّما عَنَقِ
لها هَنٌ تستعيرُ وَقْدَتَه ... من قلبِ صَبٍّ وصدرِ ذي حَنَقِ
يزدادُ ضيقاً على المِراسِ كما ... تزدادُ ضيقاً انشوطَةُ الوَهَقِ
كأنما حَرُّه لخابِرِهِ ... ما التَهَبَتْ في حَشاهُ من حُرَقِ
الصنوبري:
حُبّيكِ من قلبي مكانَ الذي ... أَشْبَهتِهِ من حبَّةِ القلبِ
يا غُصُناً مِن سَبَجٍ رَطبِ ... أَصبحَ منكِ الدُرُّ في كَرْبِ
آخر:
سَوادُ المَوْكِبِ السُلطا ... نُ والعِزّةُ والمُلْكُ
ولولا الحَجرُ الأَسودُ ما تمَّ لنا نُسْكُ
ومَنْ يَعرِضُ لِلكافو ... رِ إِن أَمْكنَهُ المِسْكُ
آخر:
فَجِئْني بمثلِ المِسْكِ أَطيبَ نَكْهَةً ... وجِئْني بِمثلِ اللَّيْلِ أَطيبَ مَرْقَدا
آخر:
أَهوى الشّبابَ لأَنّ رأسي أَشيَبٌ ... يُدْني الفَنا وأُحِبُّ لونَ شَبابي
لولا سَوادُ البدرِ لم يَكُ مُحْسِناً ... ودَعوا لِمن يُطريهِ بالكَذّابِ
وبهِ تُكَحَّلُ عينُ كلِّ خَريدةٍ ... وبهِ تَتِمُّ فَضيلةُ الكُتَّابِ
وكذلكَ الكافورُ بردٌ طيّبٌ ... والمِسكُ أَزكى طَيِّبِ الأَطيابِ
وما قيل في الصفرة
النابغة الذبياني:
صَفراءُ كالسِّيَراءِ أُكْمِلَ خَلْقُها ... كالغُصنِ من قِنْوانِهِ المُتَأَوِّدِ
قامت تَراءَى بينَ سِجْفيْ قُبّةٍ ... كالشمسِ يومَ طُلوعِها بالأَسْعدِ
ذو الرمة:
لَمياءُ في شَفتيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ ... وفي اللِّثاتِ وفي أَنيابِها شَنَبُ
كحْلاءُ في بَرَجٍ صَفراءُ في دَعَجٍ ... كأنها فِضةٌ قدْ مَسَّها ذَهبُ
بشار:
أَصفراءُ لا أَنسى هواكِ ولا وُدِّي ... ولا ما مَضى بيني وبينَكِ من عهدِ
لقد كان ما بيْني، زماناً، وبينها ... كما كان بين المِسْكِ والعَنْبَرِ الوَرْدِ
الأعشى:
ومهاً تَرفُّ غُرُوبُها ... يَشفي المَتَيَّمَ ذا الحرارهْ
بيضاءُ ضَحْوَتَها وصفراءُ العشيَّةَ كالعَرارَهْ
وقال بشار بن برد:
أصفراءُ رِقيِّ على عاشِقٍ ... به لَمَمٌ منكِ أَوْ كاللَّمَمْ
صَبَبْتِ هواكِ على قلبِهِ ... فضاقَ وأَعلَنَ ما قد كَتَمْ

أصفراءُ ليس الفتى صخرةً ... ولكنّهُ نُصْبُ حُزْنٍ وهَمْ
أنشد الجاحظ لسلم الخاسر:
تبدَّتْ فقلتُ: الشمسُ عند طلوعِها ... بوجهٍ غَنيِّ اللّونِ عن أَثَر الوَرْسِ
فقلتُ لأَصحابي، وبي مثلُ ما بهم: ... على مِرْيةٍ، ما هاهنا مطلعُ الشمسِ
آخر:
أصفْراءُ كانَ الهَجرُ منكِ مُزاحا ... ليالِيَ كانَ الوُدُّ منكِ مُباحا
وكُنَّ نِساء الحيِّ ما دُمْتِ فيهِمُ ... قِباحاً، فلما غِبْتِ صِرْنَ مِلاحا
وليس يريدون صفرة العلة. وقد بين ذلك أبو تمام:
صفراءُ صُفرةَ صِحَّة قد رَكَّبَت ... جُثمانَها في ثوبِ سُقْمٍ أصفرِ
وقال، وهو من أبيات معانيه:
أَبْقَتْ بني الأَصفرِ المِمْراضِ كأسِهم ... صُفْرَ الوجُوهِ وجَلَّتْ أَوجُهُ العربِ
ولأصحاب المعاني كلام في المقدم ذكره من ذكر الصفرة.
قال أبو عمرو الشيباني في قول الأعشى:
تلكَ خَيْلي منهُ وتِلكَ رِكابي ... هُنَّ صُفْرٌ أَوْلادُها كالزَبيبِ
إن الصفر جمع أصفر وهو الأسود. وأما صفرة العلة فالشعر المتضمنها يدل عليها كقول أبي عبادة:
بَدتْ صُفرةٌ في وجهِهِ إِنَّ حَمدَهم ... مِن الدُرِّ ما اصفرَّتْ نواحيهِ في العِقْدِ
وكقول ابن المعذل:
عِلَّةٌ زَعفرتْ مُعَصْفَرَ خدٍّ ... كانَ من رَيِّهِ يكادُ يَفيضُ
وكقول الآخر:
لم تَشِنْ وجهَهُ المليحَ ولكنْ ... جَعلتْ وَردَ وجنَتَيْه بَهارا

الباب الخامس عشر
التجدير
محمد بن عبد الرحمن الكوفي:
ومجْدُورٍ سأُسرِفُ في ... هَواهُ أَيَّما سَرَفِ
حَكى الجُدَرِيُّ في خَدَّيْهِ نَقْطَ الحِبْرِ في الصُحُفِ
كأنَّ تَعطُّفَ الزُنّا ... رِ من لينٍ ومن ترَفِ
على حِقْوَيْه فوقَ الخَصرِ مَعقودٌ على أَلِفِ
ابن المعتز:
ما عابَهُ تَجْديرُهُ ... ولا سَلَتْهُ سالِيَهْ
بَلْ نَقَّطَ الحُسنُ سطو ... رَ وجههِ بالغالِيَهْ
الناجم:
يا قمراً جُدِّرَ لمّا اسْتوى ... واكتسبَ المِلحَ بتلكَ الكُلومْ
أظُنُه غنَّى لشمسِ الضُحى ... فنقَّطَتْهُ طَرَباً بالنُجومْ
وهذا المعنى ذكره ابن الرومي في صفة قينة فأبدع فيه:
بِدْعَةُ عِندي كاسْمِها بِدْعهْ ... لا شكَّ في ذاكَ ولا خُدعهْ
كأنّما غَنَّتْ لشمسِ الضُحى ... فأَلْبَسَتْها حُسنَها خِلْعَهْ
آخر:
أَيُّها العائِبونَ وَجْهاً مليحاً ... نثرَ الحُسنُ فيهِ نَبْذَ خُموشِ
أَيُّ أُفْقٍ بَها بِغيرِ نُجومٍ ... أَيُّ ثَوبٍ زَها بغيرِ نُقُوشِ
آخر:
أُعيذُكَ من مُقاساةِ الهُمومِ ... ومن شَكْوايَ في الليلِ البَهيمِ
بِنفسي لحظُ عينكَ حينَ تَرْنو ... بسُقْمٍ فيهِ إِبْرِاءُ السقيمِ
وقالوا: شانَهُ الجُدَريُّ فانظرْ ... إلى وجهٍ بهِ أَثرُ الكُلومِ
فقلتُ: مَلاحَةٌ نُثَرِتَ ْعليه ... وما حُسنُ السماءِ بِلا نُجومِ
الخبزرزي:
جُدَرِيٌّ أَضَرَّ بالوجناتِ ... زادَ حُسَ الوجوهِ حُسنَ الصِفاتِ
نَمْنَمَ الوَشْيُ فوقَ يباجِ وجهٍ ... بِنُقوشٍ في شَكْلهِ شَكِلاتِ
آخر:
وَوَجهٍ فيهِ للجُدَرِيِّ نَثْرٌ ... كما نُثِرَ الحريرُ بِزَعْفرانِ
أُنَزِّهُ مُقلتي في عارِضْيهِ ... فأغْنى بالجِنانِ عن الجَنانِ
التنوخي:
عَبَثَتْ بهِ الحُمىَّ فورَّدَ جسمَهُ ... وَعَكُ الحِمى وتَلَهُّبُ المَحرورِ
وبَدا بِهِ الجُدَرِيُّ فهو كَلُؤلؤٍ ... فوقَ العَقيقِ مُنَضَّدٍ مَسطورِ
وأتاهُ يَنْثُرُهُ فَحاكى عُصْفُراً ... قدْ رُشَّ رَشاً في بياضِ حريرِ
ألآن حاكى البدرَ إذ حاكى لنا ... نَمَشَ البُدورِ مَواقِعُ التجديرِ
فكأنَّهُ ورقُ المَصاحِفِ زانَهُ ... نَقْطٌ وشَكْلٌ في خِلالِ عُشُورِ
الباب السادس عشر
البنان المخضب
ابن الرومي:
وَقفتْ وَفْقَةً ببابِ الطَّاقِ ... ظَبيةٌ من مُخدَّرات العِراقِ
بِنْتُ عَشْرٍ وأربعٍ وثَلاثٍ ... هيَ حتفُ المُتَيَّمِ المُشتاقِ

قلتُ: من أنتِ يا خَلُوبُ؟ فقالتْ: ... أنا من لُطْفِ صَنْعةِ الخلاَّقِ
لا تُرِدْ وصُلَنا فهذا بَنانٌ ... قد خَضَبْناهُ مِن دَمِ العُشَّاقِ
علي بن جبلة:
رَفَعَتْ لِلْوَداعِ كَفاً خَضِيباً ... فَتَلقَّيْتُها بقلبٍ خَضِيب
ثم أَوْمَتْ تَبَسُّماً بجفونٍ ... نَعْتُها مثلُ فِعْلِها في القلوبِ
آخر:
أفدي البَنانَ وحُسنَ الخَطِّ من قُثَم ... إذا تَطَرَّفْنَ بالحِنَّاءِ والكَتَمِ
كأَنّما قابلَ القِرطاسَ إذ كَتَبَتْ ... منها ثلاثَةُ أقلامٍ على قلمِ
أبو نواس:
يا قمراً أَبْرَزَهُ مأتَمٌ ... يَندُبُ شَجواً بينَ أترابِ
يَبكي فيُذْري الدُرَّ من نَرْجِسٍ ... ويَلْطِمُ الوَردَ بِعُنَّابِ
الراضي بالله، وكان سفيان بن عيينة يستحسنه جداً:
قالوا الرحيلَ وأَنْشَبَتْ أظفارَها ... في خَدِّها، وقد اعْتَلَقْنَ خِضابا
فظَنَنْتُ أَنّ بَنانَها من فِضَّةٍ ... قَطفَتْ بأَرضِ بَنَفْسَجٍ عُنَّابا
ابن كيغلغ:
لمَّا اعتَنَقْنا للودَاعِ وأعربَتْ ... عَبَراتُنا عنَّا بدَمع ناطِقِ
فَرَّقْنَ بينَ مَحاجِرٍ ومَعاجرٍ ... وجمعْنَ بين بَنفْسَجِ وشَقائِقِ
عكاشة:
مِن كفِّ جاريةٍ كأنّ بَنانَها ... من فِضَّةٍ قد قُمِّعَتْ عُنَّابا
وكأنَّ يُمناها، وقد ضرَبَتْ بها، ... أَلْقَتْ على يَدِها الشَمالِ حِسابا
النابغة:
سقَطَ النَصيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَهُ ... فتَناوَلَتْهُ واتَّقَتْنا باليَدِ
بِمُخَضَّبٍ رَخْصٍ كأن بَنانَهُ ... عَنَمٌ على أغصانهِ لم يُعْقَدِ
الراعي:
ومُرْسِلٍ ورَسولٍ غير مُتَّهَمٍ ... وحاجةٍ غيرِ مُزْجاةٍ من الحاجِ
طاوَعْتُهُ بعدَما طالَ النَجيُّ بنا ... فظَنَّ أني عليهِ غيرُ مُنْعاجِ
ما زالَ يفتحُ أبواباً ويُغْلِقُها ... دوني وأفتحُ باباً بعد إرتاجِ
حتى أضاءَ سِراجٌ دونَهُ بَقَدٌ ... حُمْرُ الأنامِلِ عِينٌ طرفُها ساجِ
يا نُعْمَها ليلةً حتى تَخَوَّنَها ... داعٍ دعا في فُروعِ الصُبحِ شَحَّاجِ
لما دعا الدعوةَ الأُولى فأسْمَعني ... أَخذْتُ بُرْدَيَّ واستمررتُ أدراجي

الباب السابع عشر
نعت الجيد
ذو الرمة:
من الوَاضِحاتِ الجِيدِ تَجري عُقُودُها ... على ظَبيةٍ بالرملِ فَارِدَةٍ بِكرِ
تَبَسَّمُ إِيماضَ الغَمامَةِ جَنَّها ... رِواقٌ من الظَلماءِ في مَنطِقٍ نَزْرِ
يُقَطِّعُ موضوعَ الحديثِ ابتِسامُها ... تَقَطُّعَ ماءِ المُزْنِ من نُزَفِ الخَمْرِ
وابن الرومي قد جمع في هذين البيتين جميع محاسن الظبي التي تستعار للإنسان فقال:
ظَبيٌ وما الظبيُ بالشبيه لهُ ... في الحُسنِ إلاَّ اسْتراقَهُ حَوَرَهْ
وحسنَ أَجيادِهِ وغَنَّتَهُ ... ورُقْيةً فيهِ من رُقى السَحَرهْ
ذو الرمة:
بَعيداتُ مَهوى كُلِّ قُرطٍ عَقَدْنَهُ ... لِطافُ حُضورٍ مُشرفاتُ الروادِفِ
وما الشمسُ يومَ الغيْمِ والسعدُ جارُها ... بَدَتْ بين أَعناقِ الغَمامِ الصوائِفِ
ولا مُخْرِفٌ فَرْدٌ بأعلى صَريمةٍ ... تَصَدَّى لأِحوى مَدْمَعِ العينِ عاطِفِ
بِأَبْهَجَ من خَرْقاءَ لمّا تعرَّضتْ ... لنا يومَ عيدٍ للخرائِدِ شائِفِ
أبو عبادة:
وفي الأَكلَّةِ من تحت الأَجِلَّةِ أمثالُ الأَهِلَّة بين السجْفِ والكِللِ
بيضٌ أوانسُ كالأُدْمِ الأوانِسِ أو ... دُمى الكَنائسِ غيدٌ لَسْنَ بالعُطُلِ
أَشْبَهنَ مِنهنَّ أَعطافاً وأَجْيِدةً ... والربربَ العينَ في الأَحداقِ والكَحَلِ
ذو الرمة:
ألمْ تعلمي يا ميُّ أنّا،، وبَيْنَنا ... فيافٍ لطرفِ العين فيهنَّ مَطْرَحُ
ذكرتُكِ أَنْ مَّرتْ بنا أمُّ شادنٍ ... أمامَ المطايا تشرَئِبُّ وتَسنَحُ
من المُؤْلِفاتِ الرملَ أَدماءُ حُرَّةٌ ... شُعاع الضُحى في لونها يَتوضَّحُ
هي الشِّبْهُ أَعطافاً وجيداً ومُقلةً ... وَمَيَّةُ منها بعدُ أَبهى وأمْلَحُ

كأنَّ البُرى والعاجَ عِيجت مُتُونُهُ ... على عُشر ثَرَّى به السيلَ أَبْطَحُ
أبو تمام، وهذا من بديعه:
كالخُوطِ في القدِّ، والغزالةِ في البَهْجَةِ، وابنِ الغزالِ في غَيَدِهْ
وما حكاهُ، ولا نَعِيمَ لهُ ... في جِيدهِ، بل حكاهُ في جَيَدِهْ
وهو مما اختاره أبو عثمان في كتاب البيان.
النابغة الذبياني:
عَلِقْتَ بِذِكرِ المالِكيَّةِ بعدَما ... عَلاكَ مَشيبٌ في قَذالٍ ومَفْرِقِ
إذا ارتَعَثَتْ خافَ الجَنانُ ارتعاثَها ... ومن يَتعلقْ حيثُ عُلِّقَ يَغْرَقِ
وإنْ ضحِكتْ للعُصْم ظلَّتْ روانياً ... إِليها، وإن تَبْسِمْ إلى المُزْنِ تَبْرُقِ
على أنَّ حِجْلَيْها، وإِنْ قُلتُ أَوْسعا ... صَموُتانِ من مِلءٍ وقلَّةِ منطِقِ
ذو الرمة:
لها جيدُ أُمِّ الخِشْفِ ريعتْ فأَقبلتْ ... ووجهٌ كقَرنِ الشمسِ رَيَّانُ مُشْرِقُ
وعينٌ كعينِ الظبيِ فيها مَلاحةٌ ... هِيَ السِحرُ أَو أَدْهى التِباساً وأَعْلَقُ
أبو نواس:
كأنّ مَعاقِدَ الأَوْضاحِ منها ... بِجيدِ أَغنَّ نُوِّمَ في الكِناسِ
وَتبْسِمُ عن أَغرَّ كأنَّ فيهِ ... مُجاجَ سُلافَةٍ من بيتِ راسِ
ذو الرمة:
أَوانِسُ وُضَّحُ الأَجيادِ عِينٌ ... تَرى منهنَّ في المُقَلِ احْوِرارا
تَبَسَّمُ عن ثَنايا واضِحاتٍ ... وَمِيضَ البرْقِ أنْجَدَ فاستَنارا
ومعهد كلِّ آنسةٍ أَناةٍ ... يَزِينُ بياضُ مَحْجَرِها الخِمارا
زهير:
قامتْ تَبَدَّى بذي ضَالٍ لِتُحزِنَني ... ولا محالةَ أَنْ يشتاقَ من عَشِقا
بِجِيدِ مُغْزِلةٍ أَدماءَ خاذِلةٍ ... من الظِباءِ تُراعي شادِناً خَرِقا
أبو تمام:
ومِن جِيدِ غَيْداءِ التَثَنِّي كأنّما ... أتَتْكَ بِلِيتَيْها من الرَشأِ الفَرْدِ
كأنَّ عليها كُلَّ عِقْدِ مَلاحةٍ ... وحسنٍ وإِنْ أَضحتْ وأَمستْ بلا عِقْدِ
النابغة الذبياني:
كأنَّ الشَذْرَ والياقوتَ مِنها ... على جَيْداءَ فاتِرَةَ البُغَامِ
خَلَتْ بِغَزالها وَدَنا عليها ... أَراكُ الجِزْعِ أَسفَلَ من بَشامِ

الباب الثامن عشر
النحور والحلي
دعبل:
أتاحَ لكَ الهوى بيضٌ حِسانٌ ... سَلَبْنَكَ بالعيونِ وبالنُحورِ
نَظَرتَ إلى النُحورِ فكِدْتَ تَقضي ... فأَوْلى لو نظرتَ إلى الخُصورِ
ذو الرمة:
تُريكَ بَياضَ لَبَّتِها ووجْهاً ... كَقَرْنِ الشمسِ أَفْتَقَ ثمَّ زالا
النابغة:
فَبدتْ ترائِبُ شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ ... أحوى أحمِّ المُقلتينِ مُقَلَّدِ
أخذَ العَذارَى عِقْدَهُ فَنَظَمْنَهُ ... من لؤلؤٍ مُتتابِعٍ مُتَسَرِّدِ
أبو عبادة:
فكمْ ليلةٍ قد بِتُّها ثَمَّ ناعِماً ... بِعيْنيْ عَليلِ الطرْفِ بيضٍ تَرائبُهْ
ولمْ أَنْسَهُ إذ قامَ ثانِيَ جيدِهِ ... إِليَّ، وإذْ مالت عليَّ ذوائبُهْ
عمر بن ابي ربيعة:
سَدَدنَ خَصاصَ البيتِ حين دَخَلْنَهُ ... بِكلِّ لَبانٍ واضحٍ وجَبينِ
ذو الرمة:
بَرَّاقَةُ الجيدِ والْلبّاتُ واضحةٌ ... كأنها ظبيةٌ أَفضى بها لَبَبُ
عجزاءُ ممكورةٌ خُمْصانةٌ قَلقٌ ... عنها الوِشاحُ وتَمَّ الجسمُ والقَصَبُ
النابغة:
صَفَحْتُ بنظرةٍ فرأيتُ منها ... تُحَيْتَ الخِدْرَ واضعةَ القِرامِ
تَرائبُ تستضيئُ الحَلْيُ فيها ... كجمرِ النارِ بُذّرَ في الظَلامِ
الباب التاسع عشر
الثدي
ذو الرمة:
كأنَّ الفِرنْدَ الخُسْروانيَّ لُثْنَهُ ... بأَعطاف أَنقاءِ الكثيبِ العَوانِكِ
بعيداتُ مَهوى كلِّ قُرط عَقدْنَهُ ... لِطافُ الحشا تَحت الثُدِيِّ الفَوالكِ
إذا غابَ عنهنَّ الغيورُ تهلَّلتْ ... لنا الأرضُ باليوم القصير المُباركِ
علي بن الجهم:
كنتُ أشتاقُ فما يحجزُني ... عنكِ إلاّ حاجزٌ يُعجبني
ناهدٌ في الصدر غضبانٌ على ... قَبَبِ البطن وطيِّ العُكَنِ
شاخصاً ينظرُ إعجاباً إلى ... غَبَبِ الجِيد وحُسنِ الذقَنِ

يملأُ الكفَّ ولا يفضلُها ... فإذا ثنَّيْتَهُ لا يَنثني
بكر بن النطاح:
صادَتْكَ من بقرِ القُصور ... بيضٌ نواعِمُ في الحريرِ
حورٌ تَحورُ إلى رِضا ... كَ بأعْيُنٍ منهنَّ حُورِ
وكأنما بِرُضابِهن ... ن جَنى الخمورِ على الثُغورِ
يَصبغنَ تُفّاحَ الخدو ... دِ بماءِ رُمَّانِ الصُدورِ
العباس بن الأحنف:
واللهِ لو أَنَّ القلوبَ كَقَلْبِها ... ما رَقَّ للوَلدِ الضَعيفِ الوالدُ
جالَ الوِشاحُ على قضيبٍ زانَهُ ... رُمَّانُ صدرٍ ليس يُقْطَفُ ناهِدُ
ابن المعتز:
يا غُصُناً إِن هزَّه مشيُهُ ... خَشيتُ أن يسقُطَ رُمَّانُه
ارْحمْ مَلِيكاً صارَ مُسْتَعْبَداً ... قد ذَلَّ في حُبِّكَ سُلطانُه
علي بن الصباح:
ومَحجوبةٍ عند الوَداعِ رأيتُها ... تُنَشِّفُ دمعاً بالرِداء المُمَسَّكِ
وتبكي حِذارَ البيْنِ منها بعبرةٍ ... تسيلُ على الخدَّيْنِ في حُسن مَسلَكِ
فتحسَبُ مَجرى الدمعِ في وَجَناتها ... بَقيَّةَ طَلٍّ فوقَ وردٍ مُمَعَّكِ
وقد سَفَرتْ عن غُرّة بابِليَّةٍ ... وصدرٍ به نَهدٌ كحُقٍ مُفَلَّكِ
ديك الجن:
ذاتُ سَراويلَ تحتَ أَقمِصَةٍ ... من فِضَّةٍ حُفَّتا بفَصَّيْنِ
شاطِرةٌ كالغُلام فاتِكَةٌ ... تَصلُحُ من طَبِّها لأَمريْنِ
قدُّ غُلامٍ وخَلْقُ جاريةٍ ... قامتْ من الطّيبِ بينَ خَلْطيْنِ
عمرو بن كلثوم:
تُريكَ إذا دخلتَ على خَلاءٍ ... وقد أَمِنَتْ عيونَ الكاشِحينا
ذِراعيْ عَيْطَل أَدماءَ بِكْرٍ ... هِجانِ اللون لم تَقرأْ جَنينا
وثَدياً مثلَ حُقِّ العاجِ رَخْصاً ... حَصاناً من أكُفِّ اللاّمِسينا
ومنه أخذ أبو نواس قوله:
وَلو شِئْتُ قد رَادَتْ يدِي تحتَ قَرْقَلٍ ... من المَسِّ، إِلا مِن يَدَيَّ، حَصانِ
السروي:
وحَقِّ الخُدورِ وحَقِّ الكِلَلْ ... وعذبِ مواقِعِ رشْفِ القُبَلْ
ونرجِستيْنِ لَدى ورْدَتَيْنِ ... ورُمَّانتيْنِ على غُصنِ دَلْ
أُعاتِبُهنَّ فيُظْهِرْنَ لي ... حَبَابَ الدُموعِ وجمْرَ الخَجَلْ
مسلم بن الوليد:
فأَقسمتُ أَنسى الداعياتِ إلى الصِّبا ... وقد فاجَأَتْها العينُ والسِّترُ واقعُ
فَغَطَّتْ بأَيديها ثِمارَ نُحورها ... كأَيدي الأَسارى أَثْقَلَتْها الجَوامِعُ
ابن الرومي:
صُدورٌ زانَهنَّ حِقاقُ عاجٍ ... وحَلْيٌ زانَهُ حُسنُ اتِّساقِ
يقولُ الناظِرونَ، إِذا رأَوْهُ، ... أَهذا الحَلْيُ مِن هذي الحِقاقِ
وما تلكَ الحِقاقُ سوى ثُدِيٍّ ... قُدِرْنَ من الحِقاقِ على وِفاقِ
نواهِدُ لا يُعَدُّ لَهنَّ عَيْبٌ ... سوى منعِ المُحِبِّ من العِناقِ
وهذا من نادر معاني ابن الرومي. إلا أنه ألم بقول الأعرابي؛ ولعمري إنه أبدع واستوفى المعنى:
أَبَتِ الروادِفُ والثُدِيُّ لِقُمْصِها ... مَسَّ البطونِ، وأَن تَمَسَّ ظُهورا
وإِذا الرِياحُ مع العَشِيِّ تناوَحتْ ... نَبَّهْنَ حاسِدةً وهِجْنَ غَيورا
غُصنٌ من الأبنوس رُكِّبَ في ... مُؤْتَزِرٍ مُعجِبٍ ومُنتطقِ
يَهتزُّ من ناهِدَيْهِ في ثَمَرٍ ... ومن دواجي ذُراه في وَرَقِ
هيفاءُ زِينَتْ بحُسن مُحتَضَنٍ ... أَوْفى عليه نُهودُ مُعْتَنَقِ
محمد بن مناذر:
ولها ثَدْيانِ ما عَدَوا ... من حِقاقِ العاجِ أن كَعَبا
قُسِمتْ نِصفيْن: دِعْصَ نَقاً ... وقَضيباً لانَ فاضْطرَبا
وله:
والبطنُ ذو عُكْنةٍ لطيفُ ... صفْرٌ وشاحاهُ جائلانِ
أَشرفَ من فوقِه عليه ... ثدْيانِ مِثْلانِ ناهِدانِ
وابن مناذر هذا هو الذي قال له أبو العتاهية: كم تقول في اليوم من الشعر؟ فقال ابن مناذر: الخمسة والثلاثة. فقال أبو العتاهية: لكني أقول المئة والمئتين. فقال ابن مناذر: أجل، لأنك تقول:
يا عُتْبَ مالي ولَكِ ... يا لَيْتَني لم أرَكِ
وأنا أقول:
سَتُظْلمُ بغدادٌ ويَجلو لنا الدُجى ... بمكَّةَ، ما عِشنا، ثلاثةُ أَقْمُرِ

إذا نَزَلوا بَطحاءَ مكّةَ أشرقتْ ... بِيَحيى وبالفَضل بن يَحيى وجعفرِ
وَما خُلِقَتْ إلا لِجودٍ أكفُّهم ... وأقدامُهم إلاّ لأَعوادِ مِنْبَرِ
ولو أردت مثله لطال عليك الدهر.

الباب العشرون
نعت الأرداف
عبد الله بن الصمة:
لها فَخِذٌ بُخْتِيَّةٌ بَخْتريِّةٌ ... وساقٌ إذا قامت عليها اتْمَهَّلت
وخصرانِ دَقَّا في اعْتدالٍ ومَتنةٌ ... كمتنةِ مَصقولٍ من الهِندِ سُلَّمتِ
وعينا أحَمِّ المُقلتينِ ومَضحكٌ ... إذا ما جرتْ فيه المساويكُ زَلَّتِ
ذو الرمة:
كأنَّ أَعجازها والرِيطُ يعصِبُها ... بين البُرين وأَعناقِ العَواهيجِ
أَنقاءُ ساريةٍ حلَّت عَزالِيَها ... من آخر الليلِ ريحٌ غَيرُ حُرجوجِ
ابن حازم:
يَروعُكَ حُسنُ منظَرِهِ ... وتَخْشَعُ مِن تَجِبُّرِهِ
وما كِسرى بِأَتْيَهَ مِنْهُ يومَ غدا لِمَفْخَرِهِ
هَضيمُ الكَشح يُزهاهُ ... قضيبٌ تحت مِئْزَرِهِ
ومطويٌّ على عُكَنٍ ... تَظاهَرُ عند مَحْسَرِهِ
ولحظٌ يبعثُ الحركا ... ت منك على تَذكُّرِهِ
فما أَدْري بأوَّلِهِ ... سَباني أم بِأخِرِهِ
خالد:
ومريضِ طرفٍ ليس يَصْرِفُ طرفَه ... نحو امرئٍ إلا رَماه بحَتْفِهِ
قد قُلتُ إِذ أبصرْته مُتمايلاً ... والرِدْفُ يَجذِبُ خصرَهُ من خَلفِهِ
يا مَن يُسَلِّمُ خصرَه من رِدفِه ... سَلِّمْ فؤادَ مُحبِّهِ من طَرْفِهِ
وقال ذو الرمة:
ضَناكٌ بَخَنْداةٌ كأنّ حِقابَها ... إذا انْجردَتْ مِن كلِّ دِرعٍ ومِفْضَلِ
على عانِكٍ من رملِ بيَرين بَلَّهُ ... أَهاضيبُ تلبيدٍ فلم يَتَهيَّلِ
وقال الزاهي:
أَردافُ عِينٍ وأوساطُ الزنابيرِ ... فوق المعاقِدِ تُطوى كالطَّواميرِ
أنقاءُ أكثبةٍ من فوقِها قَصَبٌ ... ذُبلُ الخصورِ بِشدّاتِ الزَنانيرِ
يومَ السَعانينِ لاحَتْ في مَطارِفِها ... تِلكَ الوجوهُ كأَمثالِ الدَنانيرِ
سودُ العَمائمِ صُفرٌ قد جَلَوْنَ لنا ... ألوانَ من عَلَّلوهُ بالمعاذيرِ
سبحانَ خالِقِها ماذا أَرادَ بها ... تلكَ المحاسن في تلكَ التصاويرِ
ذو الرمة:
أَلا لا أُبالي الموتَ إن كانَ قَبْلَه ... لِقاءٌ لِمىٍّ وارتجاعٌ من الوَصلِ
أَناةٌ كأنّ المِرْطَ حين تَلوثُه ... على دِعْصَة حمراءَ من عُجَمِ الرملِ
أَسيلةُ مُسْتَنِّ الوِشاحيْنِ قانِيء ... بأطرافها الحِنَّاءُ في سَبِطٍ طَفْلِ
مِنَ الواضِحاتِ البيضِ في غَيْرِ مُرهَةٍ ... ذواتِ الشفاه اللُعْس والحَدَقِ النُجْلِ
وهذا استثناء في صفة النساء بخلوص البياض وإيفاء الوصف حقه بتقييده في عجز البيت باللعس والكحل ما أطلقه في صدره من الوضح والبياض.
أبو عبادة:
إذا نَضَوْنَ شُفوفَ الرَّيْط آوِنَةً ... قَشَرْنَ عن لُؤلُؤِ البحريْن أَصدافا
نواصِعٌ كسيوف الهِندِ مُشعَلةٌ ... ضوْءاً ومُرهَفةٌ في الجدْلِ إِرهافا
كأنَّهنَّ وقد قابَلنْ في طَرفي ... ضِدَّيْن في الحسنِ تَبْتيلاً وإِخطافا
رَدَدْنَ ما خفَّفت عنه الخصورُ إلى ... ما في المآزِرِ فاستَثْقَلْنَ أَردافا
وفي ذكر السيوف تشبيه أبي تمام أعجب حيث يقول:
فما صُقِلَ السيفُ اليَماني لمَشهدٍ ... كما صُقلتْ بالأمسِ تلكَ العوارضُ
الباب الحادي والعشرون
السوق وامتلائها والقصب وخدالتها
وهذا مسلم للمتقدمين وهم يضعون فيه الهناء مواضع النقب، ويطبقون المفصل.
قال كثير عزة:
أولات سَوالِفٍ غُرٍّ وقُبٍّ ... مُخَصَّرةٍ وأَعجازٍ ثِقالِ
ويَجْعلنَ الخَلاخِلَ حين تلوى ... بِأَسوُقِهنَّ في قَصَبٍ خِدالِ
عروة:
فقُمنَ بَطيئاً مَشيُهُنَّ تَأوُّداً ... على قَصَبٍ قد ضاق عنه خَلاخِلُهْ
كما هزَّتِ المرَّانَ ريحٌ فحرَّكتْ ... أَعالِيَ منهُ وارْجَحنَّتْ أَسافِلُهْ
ذو الرمة:
رَخِيماتُ الكلامِ مُبطَّناتٌ ... جَواعِلُ في البُرى قَصَباً خِدالا
كأَنَّ جلودَهُنَّ مُمَوَّهاتٌ ... على أَبشارِها ذَهَباً زُلالا

جَمعْن فَخامةً وخُلوصَ عِتْقٍ ... وحُسناً بعدَ ذلكَ واعتِدالا
وليس لأحد من الشعراء العرب، في نعت محاسن النساء، ما لذي الرمة من الأوصاف البارعة، بجودة سبك، وكثرة ماء، ورقة لفظ، حتى كأنه حضري من نازلة المدر لا سكان الوبر، وهو بجفوة البدو وعنجهية الصراحة فهو أعرابي مهاجر، ووحشي حاضر.
وقال الأشجع:
نَفْسي الفداءُ لِشادنٍ ... يَهْوَى ويمنَعُهُ نِفارُهْ
ظبيٌ يجولُ وِشاحُهُ ... ويَغُصُّ في يَدِهِ سِوارُهْ
ابن الطثرية:
هَضيماتُ ما بين التَرائِبِ والكُلَى ... لِطافُ الخُصورِ صامِتاتُ الخلاخِلِ
عفيفاتُ أَسرارٍ، بَعيداتُ رِيَبةٍ ... كثيراتُ إِخلافٍ، قليلاتُ نائلِ
مِراضُ الجُفونِ في احْوِرارِ مَحاجِرٍ ... طِوالُ المُتونِ راجِحِاتُ الأَسافِلِ
القطامي:
خَوْدُ مُنَعَّمَةٌ نَضخ العَبير بها ... إِذا تَميلُ على خَلخالِها انْفَصما
ليستْ ترى عَجَباً إِلاّ بدا بَردٌ ... غُرُّ المَضاحِك ذو نَوْرٍ إذا ابْتَسما
ذو الرمة:
ضَرجْنَ البُرودَ عن ترائب حُرَّة ... وعن أَعيُن قتَّلْننا كلَّ مَقتَلِ
إِذا ما اْلتَقَيْنَ من ثلاثٍ وأربعٍ ... تَبَسَّمْنَ إيماضَ الغَمام المُكَلَّلِ
يُهادينَ جَمَّاءَ المرافِق وَعْثَةً ... لطيفةَ حَجْم الكعب رَيّا المُخَلْخَلِ
الأشجع:
جارِيةٌ تهتزُّ أَطرافُها ... مُشبعةُ الخَلخالِ والقُلْب
أَشكو الذي لاقيْتُ من حُبِّها ... وبُغضِ مَولاها إِلى رَبّي
مِن بُغض مولاها ومِن حُبِّها ... نَزَلْتُ بين البُغض والحبِ
فاعْتَلجا في الصَّدر حتى اعْتلى ... أَمرُهما فاقْتَسما قَلبي
ابن هرمة:
بِنفْسِيَ صَبْحاءُ سَيفانَةٌ ... تَكْظُّ البُرى وتُجيعُ الوِشاحا
كأنَّ قلائِدَها عُلِّقَتْ ... على ظَبيةٍ تَتقرّى البِطاحا
حراديةٌ أَبصرتْ رامياً ... يُقَلِّبُ في راحَتيْه قِداحا
فأوْفَتْ على شَرَفٍ تَستَخيرُ طَلاً تتنسَّمُ منه رِياحا
ذو الرمة:
وَبيضاً تهادى بالعَشيِّ كأنّها ... غَمامُ الثُريّا الرائحُ المُتَهلِّلُ
خِدالاً قَذفْن السورَ منهنَّ والبُرى ... على ناعمِ البَرْدِيِّ بل هنّ أَخدَلُ
نَواعمُ رَخْصاتٌ كأنّ حديثَها ... جَنى الشَّهدِ في ماءِ الصَّفا مُتَشَمَّلُ
رقاقُ الحواشي مُنْفِذاتٌ صدورَها ... وأَعجازُها عمَّا بها اللهوُ خُذَّلُ
أولئكَ لا يوفين شيئاً وَعدْنَه ... وعنهنَّ لا يصحو الغَويُّ المُضلَّلُ
عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص:
هيفاءُ فيها إذا اسْتقبَلْتَها عَجَفٌ ... عَجزاءُ غامضةُ الكعبيْنِ مِعطارُ
من الأوانسِ مِثلُ الشمسِ لم يَرَها ... بساحةِ الدارِ لا بعلٌ ولا جارُ
ذو الرمة:
لها قَصَبٌ فَعْمٌ خِدالٌ كأنهُ ... مُسَوِّقُ بَرْدِيٍّ على حائرٍ غَمْرِ
سَقِيَّةُأعدادٍ يبيت ضجيعُها ... ويُصبحُ مَحبوراً وخيراً من الحَبْرِ
تُعاطيه برَّاقَ الثَنايا كأنهُ ... أَقاحِيُّ وَسْمِيٍّ بِسائِفَةٍ قَفْرِ
كأن النَدى الشَتويَّ يَرْفَضُّ ماؤهُ ... على أَشنَبِ الأَنيابِ مُتَّسِقِ الثَغرِ
وقال:
وفي المِرط مِن ميٍّ تَوالي صَريمةٍ ... وفي الطَوْق ظبيٌ واضحُ الجيدِ أَحورُ
وبين مَلاثِ المِرْط والطوِق نَفْنَفٌ ... هضيمُ الحشا رَأْدُ الوِشاحينِ أَصفَرُ
تَنوءُ بأُخراها فَلأياً قِيامُها ... وتَمشي الهُوَيْنى من قريبٍ فَتُبْهَرُ
وفي العاج منها والدَماليجِ والبُرى ... قناً مالِيء للعينِ ريَّانُ عَبْهَرُ
خَراعِيبُ أُمْلودٌ كأن بَنانَها ... بَناتُ النَقا تَخْفى مِراراً وتَظهرُ
ترى خَلْفَها نِصفٌ قناةٌ قويمةٌ ... ونِصفٌ نَقاً يَرتَجُّ أو يَتَمَرْمَرُ
عمر بن أبي ربيعة:
سَتروا الوجوهَ بأذرُعٍ ومَعاصِمِ ... ورَنَوْا بِنُجْل للقلوبِ كَوالمِ
حَسروا الأَكِمَّةَ عن سواعدِ فضّةٍ ... فكأنما ابيضت مُتونُ صوارمِ
ذو الرمة:

مِنْ كُلِّ عَجزاءَ في أَحشائها هَضَمٌ ... كأن حَلْيَ شَواها أُلْبسَ العُشَرا
لَمياءُ في شَفتيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ ... كالشمسِ لما بَدَتْ أو تُشبهُ القمرا
الشماخ:
هَضيمُ الحشا لا يَملأُ الكفَّ خَصرُها ... ويُملأُ منها كلُ حِجل ودُمْلُجِ
تَميحُ بمسواكِ الأَراكِ بَنانُها ... رُضابَ الندى عن أَقحوانٍ مُفَلَّجِ
ذو الرمة:
وعَيْناءَ مِبْهاجٍ كأنَّ ثِيابَها ... على واضحِ الأَقرابِ من رمل عاجِفِ
تَبَسَّمُ عن أَحوى اللِّثاتِ كأنهُ ... ذُرا أُقحوانٍ من أَقاحي السَّوائِفِ
ابن الطثرية:
من كلِّ بيضاءَ مِخماصٍ لها بَشَرٌ ... كأنه بِذَكيِّ المِسك مَعْلوُلُ
تخطو على قَصَبٍ خَدْلٍ تُقلُّ بهِ ... روادفاً كالنَّقا فيهن تَبْتيلُ
والجيدُ أَتلعُ والأُطرافُ ناعمةٌ ... والكَشْحُ مُنهَضِمٌ والمَتْنُ مَخْذُولُ
ذو الرمة:
أَناةٌ تلوثُ المِرْطَ عنها بدِعْصَةٍ ... رُكامٍ وتَجْتابُ الوِشاحَ فَيَقْلَقُ
وتَبْسِم عن نَوْرِ الأَقاحيِّ أقْفَرَتْ ... بِوعْساءِ معروفٍ تُغامُ وتُطْلَقُ
المفجع:
أَيخفى حُبُّ علوةَ كيف يَخْفى ... ونيرانُ الصَبابَةِ ليس تُطْفا
ومن مزجت له كأسُ التصابي ... فإني قد شَرِبْتُ الحُبَّ صِرْفا
تَراها كالقضيبِ اللَّدْنِ ليناً ... تَمِيسُ وكالنقا تَرْتَجُّ رِدْفا
ولولا أَنها بَشَرٌ لقُلْنا ... براها اللهُ مِن ذَهبٍ مُصَفَّى
فأَكْمل خَلْقَها وأَتَمَّ مِنها ... مَعانِي حُسْنِها حرفاً فَحَرْفا
لَئِنْ راقَتْكَ مِلْءَ العينِ حُسناً ... لقد ساءَتْك مِلْءَ النفسِ حَتْفاه
سعد الجعدي:
أَيا ظبيةَ الوَعْساءِ أنتِ شَبيهةٌ ... بذَلْفاءَ إِلاَّ أَنها لا تُعَطَّلُ
مُنعمةٌ خَودٌ يجولُ وِشاحُها ... عليها ويَأْبى أن يجولَ المُخَلْخَلُ
الراجز:
غَرْثى الوِشاح كَزَّةُ الدَمالجِ
مَلاثُ مِرْطيْها كرملٍ عالجِ

الباب الثاني والعشرون
نعت القدود
ابن مقبل:
يَهْزُزْنَ للمَشْيِ أَعطافاً مُنَعَّمَةً ... هَزَّ الشَمالِ ضُحىً عيدان يَبْرينا
أو كاهتزاز رُدَيْنِيٍّ تَرادفهُ ... أَيدي التِّجار فزادتْ متنَه لينا
بِيضٌ يُجرِّدْنَ من أَلْحاظِهنَّ لنا ... بيضاً ويَردينَ ما جرَّدْنَه فينا
ذو الرمة:
بَيضاءُ يجري وِشاحاها إِذا انصرفتْ ... منها على أَهْضَمِ الكَشْحين مُنْخَضِدِ
يَجلو تَبسُّمُها عن واضحٍ خَصرٍ ... تَلأْلُؤَ البرقِ عن ذي لَّجةٍ بَرِدِ
ابن أبي البغل:
كأَنّه في اعتِدالِهِ غُصُنٌ ... وفي السراويلِ منه أَمواجُ
إذا مشى كالقضِيب جاذَبَهُ ... رِدْفٌ له كالكَثيب رَجْراجُ
ويعلمُ اللهُ أَنني رجلٌ ... إِليهِ مُذْ قد كَبِرتُ مُحتاجُ
آخر:
أَهْيَفُ القَدِّ بَديعٌ في الصورْ ... رِدفُه دِعصٌ، وأعلاهُ قَمَرْ
ما رَآهُ الطرفُ إِلاّ قال لي ... احبِسِ اللَّحظَ عليه وانْتَظِرْ
فَبقلبي أَثرٌ من لَحظِهِ ... وبخَدَّيْهِ من اللحظِ أَثَرْ
كُلما زِدْتُ إِليهِ نظراً ... زادَ حُسناً عند تَكْرارِ النظَرْ
كشاجم:
بُلِيتُ بأَحسنِ الثَقليْن إقبالاً ومُنْصَرَفا
كحدِّ السيف أَلْحاظاً ... وغُصنِ البانِ مُنْعَطَفا
يُسَوِّفُني بِنائِله ... وقد أَهدى ليَ الأَسَفا
فآخُذُ وصلَه عِدةً ... ويأخُذُ مُهجتي سَلَفا
العلوي البصري:
كغُصنِ البانِ يَجذِبُه كثيبٌ ... فَيَطْلُعُ مثلَما طَلَع الرَهِيصُ
وأَتعَبَ رِدفُه حِقويْه حتى ... شكا من ثِقْلهِ الكَشحُ الخَميصُ
أَغار من القميصِ إِذا عَلاهُ ... مَخافةَ أَنْ يُلامسَه القميصُ
ومالِفَتى رماه بِسَهْم حَتفٍ ... عن الأسقامِ والبَلْوى مَحيصُ
آخر:
مُعتدِلٌ في كلِّ أَعطافهِ ... مُستَحْسَنُ القامةِ والمُلْتَفَتْ
لو قِيست الدنيا ولذّاتُها ... بِساعةٍ مِن وَصْلهِ ما وَفَتْ

سُلِّطَتِ الأَلحاظُ منه على ... قلبي، فلو أَوْدتْ به ما اشْتَفَتْ
واسْتعذَبَتْ روحي هواه فما ... تَصحو، ولا تسلو ولو أُتْلِفَتْ
آخر:
وَيلي على قمرٍ أَوفى على غُصُنٍ ... يَهتزُّ في أَهْيَفٍ قد رانهُ الترفُ
يكادُ من قَضَفٍ ليناً ومن ترفٍ ... لولا أُعَوِّذُه بالله يَنْقَصِفُ
أبو فراس:
غلامٌ فوقَ ما أَصِفُ ... كأنَّ قوامَه أَلِفُ
إِذا ما مالَ يَرْعِبُني ... أَخافُ عليه يَنْقَصِفُ
وأُشفِقُ من تَأَوُّدِهِ ... أَخافُ يُذِيبه التَرَفُ
سُروري عندهُ لُمَعٌ ... ودَهري كُلُّه أَسفُ
وأَمْري كلُّهُ أَمَمٌ ... وحُبي وحدَه سَرَفُ
الحسين بن الضحاك:
مُحبُّكَ يبكي لطول السَّقَم ... تَداوَلُه فيكَ أَيدي الأَلمْ
تَجَنَّبْتَهُ فهو بادي الشحو ... بِ وأَدمعُهُ للضَنى تَنْسجِمْ
أيا عصْنَ بانٍ غداةَ النعيم ويا قمراً لاحَ جُنْحَ الظُلَمْ
خَفِ اللهَ في عاشِقٍ مُدْنَفٍ ... بِحُبكَ مما بهِ يَعْتَصِمْ
الواسطي:
أَبلى فُؤادي بِطول تَعذيبهْ ... وقَدِّهِ واعْتِدالِ تَركِيبهْ
ولاحَ من جَيْبِهِ الهِلالُ لنا ... والغُصُنُ النَّضْرُ من جَلابِيبِهْ
كَلْفَ لي كاذِباً لِيقَتُلَني ... وَيْلايَ مِنهِ ومِن أَكاذيبِهْ
لو أَبصَرَ القَسُّ حُسنَ صورَتِه ... صَوَّرهُ القَسُّ في مَحاربيِهْ
الخبزرزي:
أَهيفُ يَحكي بقدِّه الأَلِفا ... يَخسَرُ من لم يكُنْ بهِ كَلِفا
أحسنُ مِنَ بهجةِ الخِلافة والأمْنِ لِمنْ قد يُحاذِرُ التَلَفا
لو أَبصرَ الوجهَ منه مُنَهزِمٌ ... يَطلبُه ألفُ فارِسٍ وَقفا
وقد خطأ أبو القاسم الآمدي، في كتاب الموازنة بين الطائيين، أبا تمام في قوله:
مِن الهِيفِ لو أَنَّ الخلاخيلَ صُيِّرتْ ... لها وُشُحاً جالتْ عليها الخَلاخِلُ
وكذلك رد عليه قوله:
دعا قلْبُهُ: يا ناصِرَ الشوقِ دعوةَ ... فلبَّاهُ طَلُّ الدمعِ يَجري ووابِلُه
والصواب في البيتين في يد أبي تمام. وأبو تمام قلما يؤتى من المعاني، وإنما يتعمق فيحيل. والقلب إذا أكره عمي. والخاطر إذا اعتسف تبلد. وأحسن الكلام ما أخذ عفوه، وقبل ميسوره. واللفظ صورة والمعنى روح لها، وبها يكتحل البصر أولاً، فإذا راقت وحسنت اغتفر ما دونها من خلل.
وقد أخذ على أبي تمام أبو الضياء مؤلف سرقات الآخر من الأول قوله في الحسن بن وهب:
نَبَتُّ على مواهِبَ منكَ بيضٍ ... كما نَبتَ الحَلِيُّ على الوَلِيِّ
وفسر أبو القاسم الآمدي قول ذي الرمة وغلط فيه:
وليلٍ كَجِلبابِ العروس ادَّرَعْتُهُ ... بأَربعةٍ، والشخصُ في العَيْنِ واحدُ
وله في تفسير شعر الطائي، في كتاب الموازنة، هفوات كثيرة.

الباب الثالث والعشرون
وصف مشي النساء
قال الأعشى، وهو من نادر تشبيهات العرب:
غَرَّاءُ فَرْعاءُ مَصْقولٌ عوارِضُها ... تَمشي الهُوَيْنا كما يمشي الوَجي الوَحِلُ
كأنَّ مِشْيَتها من بيتِ جارَتِها ... مَرُّ السحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
وقد شبهوا مرور السحاب بمشي النساء أيضاً؛ ويكون هذا من قبيل التشبيهات التي تجيء طرداً وعكساً.
قال الشاعر في الليل:
كأنَّ قرونَ الخُرَّدِ العينِ أُسْبِلَتْ ... على وَجْههِ أَوْ ظُلمةَ الهَجْرِ والصَدِّ
وعكسه مسلم بن الوليد فقال:
أَجِدَّكِ ما يُدْرِيكِ أنْ رُبَّ لَيْلةٍ ... كأنَّ دُجاها من قُرونِكِ تُنشَرُ
وقال ابن الرومي:
أَرقُ من الماءِ الذي في حُسامهِ ... وأَنفذُ من حدَّيْهِ حين يُجرَّدُ
وقال المتنبي:
كَفِرَنْدي فِرَنْدُ سَيْفي الجُرَازِ ... لذَّةُ العينِ عُدَّةٌ للبِرازِ
امرؤ القيس:
وإذْ هي تمشي كمشْيِ النَّزِيفِ يصرَعُهُ بالكَثِيبِ البُهُرْ
فَتُورُ القِيامِ قَطيعُ الكَلا ... مِ تفْتَرُّ عن ذي غُرُوبٍ خَصِرْ
قيس:
مريضاتُ أَوْبات التهادي كأَنما ... تخافُ على أَحشائها أن تَقَطَّعا
تَسِيبُ انْسيابَ الأَيْمِ أَخصَرَهُ النَّدى ... فَرَفَّعَ من أَعطافِه ما تَرَفَّعا

المؤمل:
شَوْقاً إلى قُطُفِ الخُطا ... حورِ العيونِ كَواعبِ
تَيَّمْننَي بأَنامِلٍ ... ومضاحكٍ وحواجبِ
ربيعة الرقي:
مَشيْنَ تأوداً خلفي رُوْيداً ... كَمِثْل هَجائنٍ أَقْبَلْنَ حُلاّ
وجَرَّدْن البُرودَ مُرفَّلاتٍ ... على إِثْر الفتى حتى اضْمَحلاّ
ذو الرمة:
إِذا مَشَيْنَ مِشْيةٌ تأَوُّدا
هزَّ القنا لانَ وما تَأوَّدا
يَركُضْن رَيْطَ اليمنِ الْمُعَضَّدا
آخر:
يَمشينَ مشيَ قطا البِطاحِ تَأَوُّداً ... قُبَّ البُطونِ رواجِحَ الأَكفالِ
فَكأَنَّهنَّ إِذا أردْنَ زِيارَتي ... يَقْلَعنَ أرجلَهُنَّ من أَوْحالِ
آخر:
قِصارُ الخُطا يمشينَ هوْناً كأَنَّما ... دَبيبُ القَطا بل هنَّ منهن أَوْجَلُ
إِذا نَهضت أَعجازُها خَرجت بها ... بِمُنْبَهِراتٍ غيرَ أَنْ لا تَخَزَّلُ
فلا عيبَ فيها غَيرَ أَنَّ سريعَها ... قَطوفٌ، وأَلا شيءَ منهنَّ أَكسلُ
وأما قول كثير:
عَنَيْبُ قصيراتِ الحِجالِ ولم أَرِدْ ... قِصارَ الخُطا شَرُّ النِساء البَحاتِرُ
فليس من هذا القبيل.
وبعد فلا شيء إلا وله مدح وذم. ألا ترى أن الأعشى يقول:
وإِذا تَجيءُ كتيبةٌ مَلْمومةٌ ... شَهْباءُ يَخْشى الذائدون نِهالَها
كُنْتَ المُقَدَّمَ غيرَ لابِسِ جُنَّةٍ ... بالسيفِ تَضْرِبُ مُعْلِماً أَبطالَها
ثم قال الغساني:
يَغْشى السيوفَ بوجهه وبنحره ... ويُقيم هامَته مُقامَ المِغْفَرِ
ما إِن يُريدُ اذا الرماحُ شَجَرْنَهَ ... دِرعاً سوى سِربالِ طيبِ العُنْصُرِ
فتمدح بخوض الحرب متجرداً من الجبن بسالة.
وأخبرني أبو الفرج الأصفهاني، وكان عنده رواية ديوان كثير، أن كثيراً أنشد عبد الملك بن مروان:
عَلى ابنِ أَبي العاص دِلاصٌ حَصينَةٌ ... أَجادَ المُسدّي سَرْدَها وأَذَالَها
يَؤُودُ ضعيفَ القوم حملُ قَتِيرِها ... ويَسْتَضِلْعُ القرمُ الأَشمُّ احتمالَها
فقال عبد الملك: هلا قلت كما قال الأعشى!؟ فقال كثير: وصفتك بالحزم، ووصف صاحبه بالخرق.
وقرأت في الشذور من أخبار أبي تمام، أنه أنشد عبد الله بن طاهر قوله:
وقَلْقَلَ نأْيٌ من خُراسان جَأْشَها ... فقلتُ: اطمئني. أَنضَرُ الروْضِ عازِبُهْ
فقال عبد الله بن طاهر: جعلتني مجهولاً غير معلم. ولم يبلغني ما قال أبو تمام في الجواب.
ابن عائشة:
هيفُ الخُصور قواصِدُ النَبْلِ ... قَتَّلْننا بِلواحِظٍ نُجْلِ
فَكأَنَّهُنَّ إِذا أَردْنَ خُطاً ... يَقلعْن أَرْجُلَهنَّ من وَحْلِ
ذو الرمة:
إِذا الخَزُّ تحت الحَضْرَميَّاتِ لُثْنَهُ ... بِمُرتَجَّة الأَردافِ مِثلِ القَصائمِ
لحفن الحَصى أنيارَه ثم خُضْنَهُ ... نُهوضَ الهِجانِ الموُعِثاتِ الجَواشِمِ
رُويداً كما اهتزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعالِيَها مَرُّ الرِياح النَّواسِمِ
ابن ميادة:
مُنَعَّمةُ الأَطراف هِيفٌ خُصورُها ... كواعبُ تمشي مِشْيةَ الخيلِ في الوَحْلِ
وأَعناقُها أَعْناقُ غِزلانِ عالِجٍ ... وأَعيُنُها من أَعين البَقَرِ النُجْلِ
وأَثلاثُها السُفلى بُرادِيُّ ساحلٍ ... وأَثلاثُها الوُسطى نقاً من نقا الرملِ
وأَثلاثُها العُليا غُصونٌ فُروعُها ... عَناقِيدُ تُغْذى بالدِّهانِ وبالغِسْلِ
الأشجع:
وجاريةٍ لم تسرِقِ الشمسُ نظرةً ... إِليها ولم يَعْبَثْ بأَيامها الدهرُ
وماجَتْ كموْج الماء بينِ ثِيابِها ... يَجُورُ بها شَطرٌ ويعدِلُها شطرُ

الباب الرابع والعشرون
الملابس وألوانها
أحمد بن أبي فنن:
رَأيتُكِ في السوادِ فقلتُ: بدرٌ ... بَدا في ظُلمةِ الليلِ البهيمِ
وأَلقْيتِ السوادَ فقلتُ: شمسٌ ... مَحتْ بشُعاعها ضوءَ النجومِ
كشاجم في الأزرق:
أقبلتْ في غِلالةٍ زرقاءِ ... زُرقةً لُقِّبتْ بجريِ الماءِ
فَتوهَّمتُ في الغِلالةِ منها ... جسدَ النور في أديمِ الهواءِ
تلك بدرٌ، وإنَّ أحسنَ لونٍ ... طَلَع البدرُ فيه، لونُ السماءِ
المهلبي:

تَبدَّى في قميصِ اللاَّذِ يمشي ... عدوٌ لي يُلقَّبُ بالحبيبِ
فقلت له: بمَ استَحسنتَ هذا؛ ... لقد أقبَلْتَ في زِيٍّ عجيبِ
فقال: الشمسُ أهدتْ لي قميصاً ... بديعَ اللونِ من شَفَقِ الغروبِ
فثوبي والمُدامُ ولونُ خَدِّي ... قريبٌ من قريبٍ من قريبِ
وديك الجن هو الذي أبدع هذا الفن ونهجه للشعراء فقال:
أيا قمراً تَبَّسمَ عن أقاحِ ... ويا غُصناً يميسُ مع الرِياحِ
جَبِينُكَ والمقلَّدُ والثَّنايا ... صباحٌ في صباحٍ في صباحِ
وقال أيضاً:
ومُزْرٍ بالقضيبِ اذا تَثَنَّى ... ومَزْهاةٍ على القمرِ التمامِ
سقاني ثم قبَّلني وأوْما ... بطرفٍ سُقمُه يَشفي سَقَامي
فَبِتُّ لهُ، خلا الندمانِ، أُسقى ... مُداماً في مُدامٍ في مُدامِ
وقال الصنوبري في الأخضر وأحسن فيه:
وشاطرةٍ أدَّبتْها الشطارهْ ... حِلى الروضِ من حُسنها مُستعارَهْ
أميرةُ حُسنٍ إذا ما بَدتْ ... أقَرَّ الأميرُ لها بالأمارَهْ
بَدتْ في لِباسٍ لها أخضرٍ ... كما تَلْبَسُ الورقَ الجُلَّنارَهْ
فقلنا لها: مااسمُ هذا اللِّباسِ ... فردَّتْ جواباً ظريفَ العبارَهْ
شَقَقْنا مرائِرَ قومٍ به ... فنحنُ نُسمِّيه شقَّ المرارَهْ
وقال بشار في الأحمر:
وخُذي ملابسَ زينةٍ ... ومُعصفَراتٍ هُنَّ أَنْورْ
وإذا دخلْنا فادْخُلي ... في الحُسنِ إن الحسنَ أحمرْ
قال بعض الحكماء: الحسن أحمر، أي من أراد صبر على مضرته وشدائده.
من قولهم: موت أحمر، أي يراق فيه الدم.
قال أبو زبيد:
إذا عَلِقَتْ قِرناً خطاطيفُ كفِّهِ ... رأى الموتَ بالعينين أسَود أحمرا
آخر:
طَلَعتْ في مُصَّبغٍ جُلَّناري ... طَلعةَ البدرِ في انْقضاءِ النَهارِ
طافَ من حولها الجواري فقلْنا ال ... بدرُ حُفَّت بهِ النجومُ الدَراري
خَيزرانِيَّةُ المَعاطفِ قصري ... ية قصر الطِّرازِ والأكوارِ
كتبَ الحُسنُ فوق عارِضها قا ... فاً من الليلِ في أديمِ النهارِ
علي بن الجهم:
طلَعتْ وهي في ثيابِ حِدادِ ... طَلْعَةَ البدرِ من خِلالِ السحابِ
بِتُّ في اللهوِ واللَّذاذةِ لَيْلي ... أرشِف الخمرَ من ثَنايا عِذابِ
نَتَجنَّى وساعةً نتَراضى ... عَبَثاً، والقلوبُ غيرُ غِضابِ
وشرِبنا من العِتابِ كُؤوساً ... وجَعلنا التقبيلَ نَقْلَ الشرابِ
وقال الحسين بن الضحاك، وقد أقبل شفيع الخادم بشراب أحمر وعليه قباء أحمر:
وكالوردةِ الحمراءِ جاء بِحُمْرةٍ ... من الوردِ يسعى في القراطق كالوردِ
له عَبَثاتٌ عندَ كلِّ تحيةٍ ... بِكَفَّيْهِ تَستدعي الخليَّ إلى الوَجْدَ
تمنَّيتُ أَن أُسقى بكفَّيه شَرْبةً ... تُذكرني ما قد نَسيِتُ من العَهْدِ
سقى اللهُ عصراً لم أَبِتْ فيه ليلةً ... من الدهرِ إلاَّ مِن حبيبٍ على وعدِ
وله فيه:
وأبيضَ في حُمرِ الثيابِ كأَنهُ ... إذا ما بدا نِسرينُهُ في شقائِقِ
سقاني بكفَّيْهِ رَحيقاً وسامَني ... فُسوقاً بِعَيْنيْهِ ولستُ بِفاسِقِ
ولو كنتُ شَكْلاً للهوى لاتبعْتُهُ ... ولكنَّ شَيْبي بالصِّبا غيرُ لائقِ
وقال العلوي في الغلالة البالية، ولم يسبق إلى معناه:
يا قمراً ثوبُه ورامِقُهُ ... منه حِذارَ البِلى على خَطَرِ
يا مَن حكى الماءُ فرطَ رقَّتِه ... وقلبُهُ في قَساوَةِ الحَجَرِ
ياليتَ حظي كحظِّ ثوبكَ مِن ... جِسمكَ ياواحِدي مِن البَشَرِ
لا تعجَبا من بِلى غِلالَتِهِ ... إذ زُرَّ كِتّانُهُ على القَمَرِ
وقال ابن المعتز في اللباس الخلق، وأحسن فيه:
ما بين بابِ الوزيرِ والمسجدِ الجامِعِ ظبيٌ كالظَّبي في غَيَدهْ
أثوابُه رثَّةٌ فقد ضاعَ، لا ... ضاعَ، وضاعَ التَمييزُ في بَلدِهْ
ليس له ناقدٌ فيعرِفُه ... وآفةُ التَّبرِ ضَعْفُ مُنْتَقِدِهْ
وقال المهلبي في الأحمر:
وَيْحَ نفْسي من لوَعةِ الإشْتياقِ ... ورَسيسِ الهوى وَوَشْكِ الفِراقِ

جَلَّ مابي حتى لَقد عَلِمَ النا ... سُ بأني أطقْتُ غيرَ المُطاقِ
مَنْ عَذيري مِمَّنْ به ظَلَّ عِشْقي ... مَثَلاً بين سائرِ العُشَّاقِ
حاز رِقِّي بِوردِ خدَّيْهِ لمَّا ... أنْ بدا في مُوَرَّداتٍ رِقاقِ

الباب الخامس والعشرون
العناق وطيبه
قال الحسين بن الضحاك:
ومُوشَّحٍ نازعتُ فَضلَ وِشاحِهِ ... وكَسوتُه من ساعِدَيَّ وِشاحا
باتَ الغيورُ يشُقُّ جِلدةَ خدّهِ ... وأمال أعطافاً عليَّ مِلاحا
ابن المعتز:
ما أقصرَ الليلَ على الراقِدِ ... وأهونَ السُقْمَ على العائدِ
يَفْديكَ ما أبقيتَ مِن مُهجتي ... لستُ لِما أوليتَ بالجاحِدِ
كأنَّني عانقتُ رَيْحانةً ... تنفَّست في ليلِها الباردِ
فلو تَرانا في قميص الدُّجى ... حَسِبْتَنا من جسدٍ واحدِ
ذو الرمة:
هَضيمُ الحشا يَثْني الذِّراعَ ضَجِيعُها ... على جيدِ أدماء المُقَلَّدِ مُغْزِلِ
تُعاطيه تاراتٍ إذا جِيد جَوْدَةً ... رُضاباً كطعمِ الزَّنجبيلِ المُعَسَّلِ
رَشيفَ الهِجانيْن الصَّفا رَقْرقَتْ بهِ ... على ظَهْر صَمْدٍ بَغْشةٌ لم تَزَيَّلِ
الصمد: المكان الصلب. والبغش: المطر الضعيف.
عَقِيلةُ أترابٍ كأنَّ بعينِها ... إذا استيْقَظَت كُحْلاً، وإن لَمْ تَكَحَّلِ
الصولي:
طالَ عُمْرُ الليلِ عندي ... إذ تَوَلَّعْتَ بِصدِّي
يا ظَلوُماً نقضَ العهدَ ولم يُوفِ بِوعْدِ
أنَسِيتَ الوصلَ إذ بِتنا على مَرْقَدِ وَردِ
واعتَنَقْنا كوِشاحٍ ... وانتَظَمْنا نَظْمَ عِقْدِ
وتعطفنا كغُصْنيْنِ فقدّانا كَقَدِّ
جادَ خدَّاكَ بوردٍ ... لِيَ والنشْر بِنَدِّ
وَثَناياكَ بِرَاحٍ ... وبمسكٍ وبِشَهْدِ
وَجناحُ اللَّيْلِ وَحْفٌ ... مِثلَ شَعْرٍ منكَ جَعْدِ
ونُجومُ الليلِ تَحْكي ... ذَهَباً في لازَوَرْدِ
ابن المعتز:
فَقُلْ في مكرعٍ عَذْبٍ ... وقد وَافاه عَطْشانُ
وَضَمٍ لم يكن يحسنهُ للريح أغصانُ
كما ضَمَّ غريقٌ سا ... بحاً والماءُ طُوفانُ
ابن المعذل:
أقولُ وجنُحُ الدُجى مُلْبِدٌ ... ولليلِ في كُلِّ فَجٍّ يَدُ
ونحنُ ضَجيعانِ في مِجْسَدٍ ... فَلِلَّهِ ما ضَمِنَ المِجْسَدُ
أيا غَدُ إنْ كنتَ لي مُحْسِناً ... فلا تَدْنُ من ليلتي يا غدُ
وياليلةَ الوصلِ لا تَنْفَدِي ... كما ليلةُ الهجرِ لا تَنْفَدُ
المعوج:
ثلاثةٌ منَعتْها من زيارَتِنا، ... وَقد طوى الليلُ جَفْنَ الكاشِح الحَنِقِ
ضَوْءُ الجبينِ، وَوَسْواسُ الحُلِيِّ وما ... يفوحُ من عرقٍ كالعَنْبرِ لععبق
هَبِ الجبينَ بفَضْلِ الكُمِّ تستُرُهُ ... والحَلْيَ تَنزِعُه ماحِيلةُ العَرقِ
أبو عبادة:
وزارتْ على عجلٍ فاكْتسى ... لِزَوْرتِها أبْرَقُ الحَزْنِ طِيبا
فكانَ العبيرُ بها واشياً ... وجَرْسُ الحُلِيِّ عليها رَقيبا
ولم أنسَ لُقْيتَنا للعِنا ... قِ ولفَّ الصَّبا بقضيبٍ قَضِيبا
ابن المعتز:
وَكَمْ عِناقٍ لنا وكم قُبَلٍ ... مُخْتَلَساتٍ حِذارَ مُرْتقِبِ
نَقْرَ العصافيرِ، وهي خائفةٌ ... مِن النواطيرِ، يانِعَ الرُطَبِ
ديك الجن:
ومجدولةٍ أمَّا مَلاثُ إِزارها ... فَدِعصٌ، وأمَّا قَدُّها فَقَضِيبُ
لها القَمرُ الساري شَقِيقُ، وإنَها ... لَتَطلُعُ، أحياناً، له فَيَغِيبُ
أقولُ لها، والليلُ مُلْقٍ سُدُولَه ... وغُصنُ الهوى غَضُّ الشبابِ رَطِيبُ
ونحن، معاً فردانِ في ثِنْيِ مِئْزرٍ: ... بِكِ العيشُ، يازينَ النساءِ، يطيبُ
لأنْتِ المُنى يازْينَ من وَطِئَ الحصا ... وأنتِ الهوى أُدعى له فأُجيبُ
وأنشد:
لَمْ أُلْفِها بيدِي إذ بِتُّ أَلثُمها ... إلاَّ تطاوَلَ غُصنُ الجِيد للجيدِ
كما تَطَاعَمَ في خَضْراءَ ناعمةٍ ... مُطَوَّقانِ أصاخا بعدَ تغريدِ
ومنه أخذ أبو تمام قوله:
وإذا خلا بِعتابِ صاحِبَةٍ ... عجْماءَ في الساحات والرَّحَبِ

رَقَّتْ له فسقَتْهُ بردَ ندىً ... مِن رِيقةٍ مَعْسولةِ الحَلَبِ
ذو الرمة:
تَراءى لنا من بين سِجْفَيْن لَمْحةً ... غزالٌ أَحمُّ العيْن بيضٌ تَرائبُهْ
إذا نازَعَتْكَ القولَ مَيَّةُ أو بَدا ... لكَ الوجهُ منها أو نَضا الدِرعَ سالِبُهْ
فيالَكَ من خدٍّ أسيلٍ ومَنطِقٍ ... رَخيمٍ، ومن خَلْقٍ تعلَّل جادِبُهُ
الحسن بن وهب:
وليلٍ رقيقِ الطُرَّتيْن تظلَّمت ... كواكِبُه مِن بدْرِهِ المتألِّقِ
لَهْونا كغِزلان الصَّريمةِ تحتَه ... نُميتُ الهوى ما بيْن ثغْرٍ وَمفْرِقِ
كشاجم:
وَزائِرٍ والعيونُ هاجِعَةٌ ... وقلبُه مِن رَقيبِهِ وَجِلُ
مُنغَّصٌ وَصْلُهُ بِحِشْمَتِهِ ... يميلُ من لينه ويعتَدلُ
كانَ شِفائِي من رِيقِهِ جُرَعٌ ... تُرْوِي، ومِن وردِ خدِّه قُبَلُ
أبو الشيص:
زارَتْك في غَلَسِ الظلامِ ... حَوْراءُ في قدِّ الغُلامِ
خَوْدٌ كأنَّ جبينَها ... بدْرٌ تجلَّى من غَمامِ
رَيْحانُنا وردُ الخدودِ ... ونقلنا قُبَلُ اللِّثامِ
القطامي:
تضع المجاسِدَ عن صفائح فضةٍ ... بيضٍ ترى صَفَحاتِهنَّ حِسانا
وترى لها بَشَراً يعودُ خَلوقُهُ ... بعدَ الحَميمِ خَدَلَّجاً رَيَّانا
قال الشيخ: بعد الحميم الحميم: العرق والماء الحار.
وترى النعيمَ على مفارقِ فاحمٍ ... رَجْلٍ تَعُلُّ أصولَه الأدْهانا
وكأنما اشتملَ الضجيعُ بِرَيْطَةٍ ... لا بلْ تزيدُ وَثارةً ولَيانا
علي بن الجهم:
سقى اللهُ ليلاً ضمَّنا بعد فُرْقَةٍ ... وأدْنى فُؤاداً من فُؤادٍ مُعَذَّبِ
فبِتْنا جميعاً لو تُراقُ زُجاجةٌ ... من الخمرِ فيما بيننا لم تَسَرَّبِ
عبد الله بن طاهر:
البرقُ في مُبْتَسَمِهْ ... والخمرُ في مُلْتَثَمِهْ
ووجهُهُ في شَعْرِهِ ... كقَمَرٍ في ظُلَمِهْ
نامَ رَقيبي سَكراً ... يَحرُسني في حُلُمِهْ
وباتَ من أهوى معي ... يَزُقُّني رِيقَ فَمِهْ
وقال الحسين بن الضحاك:
ولَيلةٍ بِتُّها مُحسَّدَةً ... مَحْفوفَةً بالظُنون والتُّهَمِ
وبتُّ عن موعدٍ سُبِقْتُ بهِ ... ألْثَمُ دُرّاً مُفَلَّجاً بفمِ
يابأبي مَن بِلا يُرَوِّعُني ... وعادَ مِن بعدِها إلى نَعَمِ
أبَاحَ لي صَوْنَهُ ووسَّدَني ... إحدى يَدَيْهِ وباتَ مُلْتَزِمي
سعيد بن حميد:
ياليلةً جَرَتِ النُحوسُ بعيدةً ... مِنها، على رَغْمِ الرَقيبِ الراصِدِ
تَدَعُ العواذِلَ لايَقُمْنَ بِحُجَّةٍ ... وتَقومُ بَهجتُها بِعُذرِ الحاسِدِ
وقد أحسن في قوله في غير هذا المعنى:
سَخَّى بِنَفْسي عن الدنيا وزينَتِها ... أني أراها بكم ضَنَّتْ فلم تَجُدِ
ضَنَّتْ عليَّ بمن أهوى فجُدْتُ لها ... بِمَنْ سواهُ، فلم أجزعْ على أحدِ
الخبزرزي:
ياليلُ دُمْ لي لا أريدُ صَباحا ... حَسْبي بوجهِ مُعانِقي مِصْباحا
حسبي به بَدْراً، وحسبي رِيُقُه ... خَمراً، وحسبي خَدُّه تُفَّاحا
حسبي بِمَضْحَكِهِ إذا استضحكْتُهُ ... مُستَغْنِياً عن كل نَجْمٍ لاحا
طَوَّقتُهُ طَوْقَ العِناقِ بِساعِدِي ... وَجَعلتُ كفِّي للِّثامِ وِشاحا
هذا هو الفوزُ العظيمُ فَخَلِّنا ... متعانِقَيْنِ فما نُريدُ بَراحا
ديك الجن:
قالت: حَراماً تَبْتَغي وَصلَنا ... قلت: فما بِالوصلِ مِن باسِ
قالتْ: فمن حَلَّلَ هذا لكمْ؟ ... قلتُ: أراهُ رأيَ قَيَّاسِ
نحن جميعاً من بني آدَمٍ ... من حرَّمَ الناسَ على الناسِ
فأقبلتْ تمشي ولو أنها ... تَقدِرُ جاءَتْني على الرَّاسِ
هذا آخر صفات محاسن الخلق المنسوب فصله من الكتاب إلى المحبوب ويتلوه مقطعات الشعر المنسوب فصله من الكتاب إلى المحب. وبالله التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتاب المحبوب
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وهو ثقتي

و بعد، فهذا الفصل ما شرطنا في صدر الكتاب من مقطّعات الشّعر المنتخبة في أحوال المحبين، و ما يتشعب منها من جميع الفنون، متداخلاً بعضها في بعض. ولم نبوّبها لأن المقصد في مضمون الكتاب إلى المختار؛ و عقد الأبواب في فنّ فنّ يضطرُّ صاحبه إلى إيراد الجيد و الرَّديء ) والغث والسَّمين (، محبةً لتكثير حجمه. و المبتدئ الأمر ساكن النفس معتدل الأخلاط. فإذا توسَّط هاجت طبيعته، فتجاوز الحقوق إلى الفضول، و القصد إلى السَّرف والعدل إلى الشّطط. فسرنا في إجمالنا هذه المسيرة وهي قضية عادلةٌ، وطريقةٌ واسطةٌ ومقالةٌ رضيّةٌ.
وبعدُ، فالطالب لنعت حال من أحوال الهوى، إذا احتاج إلى عدّ صفحاته، وحصر أوراقه و تأمُّل سطوره، وتكرير النظر والفكر في منظومه، ثم هجم على بغيته و ظفر بمطلوبة، تضاعفت الحاجة في صدره، وتزايد موقعها في قلبه ككاسب المال ووارثه. وعذرنا فيما وقع في أوَّل الكتاب إلى آخره، إن كان وقع، من مقطوعة خارجة عن شرط الاختيار، قول الشاعر:
وحُسنُ دَراريِّ الكواكبِ أن تُرى ... طوالعَ في داجٍ من الليلِ غيهبِ
والصوابُ في التأليفِ أنَّ الهوى أوَّلٌ وهو أعمُّ لوقوعِه على كلِّ ما يهواهُ الإنسان. و ثانيه الحبُّ، وهو أخصُّ. و أقصاه العشق. و لهذا ما قال أبو عبادة :
فاليومَ جازبيَ الهوى مقدارهُ ... في أهلِه وعلمتُ أني عاشقُ
والاشتقاق يؤيِّد ما قلناه، لأنَّ الهوى من زوال الشئ عن موضعه. و الحب ملازمه المكان ثم الانبعاث، كما قيل:
محبٌّ كإحبابِ البعيرِ وإنَّما ... به أسفٌ أنْ لا يرى من يصاولُهْ
والعشق إنما هو من العشقة و هي اللَّبلابة؛ كأنَّ العاشق سمي بذلك لذبوله .
وقالوا في قول رؤبة:
ولم يُضِعْها بينَ فرْكٍ وعشقْ
وفي محفوظ ما اشتملت عليه الأوراق كفاية وبلاغٌ في إيراد الشاهد، وعمارة المجلس، وإيناس الهائم الوحيد، وتسلية العاشق الفريد، ومن أيَّد بصفاء قريحة ٍ وطينةٍ قابلةٍ ورقة حدٍ، استغنى به في قيل الشِّعر، إن سمت همته إليه، أو حامت نهمته عليه، ولم يفتقر إلى أحدٍ واستزادة مددٍ بعون الله ومنِّه. وقد قدمنا أمامها القول في الفرق بين الحب والهوى والعشق. والشعراء مختلفون في هذا الترتيب. فمنهم من جعل الهوى أشدَّ. أما سمعت كثيراً يقول:
هوىً لا تطيقُ الراسياتُ احتمالهُ ... فسلْ عن ضعيفِ القلب كيف احتمالهُ
ومنهم من يجعل الحب أشد كقول الآخر :
تأثل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يَسيرُ
تغلغل حيث لم يبلغ شرابٌ ... ولا حزنٌ ولم يبلغ سرورُ
إنه لم يضعها بين اطراحٍ وملازمةٍ . ويقال : عشق بالشئِ إذا لزمه. ولكل جيلٍ من الناسِ قولٌ في الحبِّ حسبَ اعتقاده. فالمنجِّمون ردّوهُ إلى تأثيرِ الكواكبِ. والأطبّاء ومن جرى مجراهم ردّوه إلى الطَّبع وأصحُّه بحكم العيانِ وقضيةِ المشاهدةِ ما قالت ابنةُ الخسِّ: قربُ الوسادِ وطولُ السِّواد. وهو دوامُ النظرِ الفكرْ. وما أحسنَ ما قالته الأعراب أحسنَ ما قالته الأعرابيَّة في صفةِ الحبِّ: خفيَ عن أنْ يرى و جلَّ عن أنْ يخفي. فهو كامنً ككمونِ النار في الحجر إن قدحته أورى، وإن تركته توارى، وإن لم يكن شعبةً من الجنون فهو عصارةٌ من السحر.
العتّابي:
امطِليني وسَوَّفي ... وعديِني ولا تَفي
اتْرُكِيني مُعلَّقاً ... إنَ تَجودي وتُسعِفي
فَعسى يَعثرُ الزما ... نُ بِجَدِّي فأَشتَفي
أَنا راضٍ بما صنعتِ ... وإنْ كان مُتلفي
بشّار:
تَشتهي قُربكَ الربابُ وتَخشى ... قولَ واشٍ وتتَّقِي إسماعَهْ
لكَ مِن قلبِها محلُّ شَرابٍ ... تَشْتَهي وِردهُ وتَخشى صُداعهْ
وأخذ هذا المعنى، على طريق التورية، بعضُهم وطرَّده إلى العتاب فقال:
يحبُّ المَديح أبو صالحٍ ... ويهربُ من صِلَةِ المادحِ
كَبِكْرٍ تُحبُّ لذيذَ النِكاحِ ... وتهربُ من صَوْلةِ الناكحِ
عليُّ بنُ الجهْمِ:
ولما بَدتْ بينَ الوُشاةِ كأنها ... عِناقُ الوَداع يُشتَهى وهو يَقتُلُ
يَئسْتُ من الدُنيا وقلتُ لِصاحبي ... لَئِنْ عَجِلتْ للمَوتُ أوْحى وأعجَلُ
إبراهيم بن العبَّاس:

وإذا عَصاني الدَّمع ُ في ... إحدى مُلماتِ الخُطوبِ
أَجريتُهُ بِتذكُّري ... ما كانَ من هجرِ الحبيبِ
أعرابي:
يَقرُّ بِعينْي أنْ أرى مَنْ بِلادُها ... ذُرا هضباتٍِ الأجرعِ المتقاوِدِ
وأَنْ أَردَ الماءَ وردَتْ به ... سُلَيْمى وقد مَلَّ السُرى كلُ واجِدِ
وأُلصِقَ أَحشائي بِبرْد تُرابها ... وإن كانَ مَخلوطاً بِسُم الأساوِدِ
الحسنُ بنُ وهبٍ:
وَذي نَفَسٍ صاعدِ ... يَئِنُّ بلا عائِدِ
تَبَرَّأَ عُوادُهُ ... من السَّقَمِ الزائدِ
فيَامنْ لِذي شِقوَةٍ ... بذي سَاْوةٍ راقِدِ
يَكَرُّ على عَسكَرٍ ... ويعجِزُ عن واحدِ
وقال دعبلْ:
إني أُحبُّكِ حُباً لو تَضَمَّنَهُ ... سَلْمى سَميُّكِ دُكَّ الشاهقُ الراسي
حُباً تلبَّسَ بالأحشاءِ فامتزجَتْ ... تلبُّسَ الماء بالصَّهباء في الكاسِ
وقال مسلم بن الوليد الأنصاري:
ويُخطئُ عُذري وجهَ ذنبيَ عندَها ... فأجني إليها الذنبَ من حيثُ لا أدري
إذا أَذنبتُ أَعددْتُ عذراً لذنْبها ... وإنْ سخطَتْ كان اعْتِذاري من العُذرِ
الرَّقاشي:
ومراقبَيْن يكاتمانِ هواهما ... جعلا الصُّدورَ لما تكُنُّ قُبورا
مُتلاحظينِ تلاحُظاً فكأَنَّما ... يتناسخانِ من الفُؤادِ سُطورا
ابن أبي أُميَّةَ:
مامون يملُّ الحبيبُ طولَ التجنيَّ ... لِشقائِي به ولا الصدَّ عنّي
ربّما جئتُهُ فأسلفتُهُ العُذ ... رَ لبعضِ الذنوبِ خوفَ التجنيّ
الفرزدقُ:
أَلمْ ترَ أَني يومَ جوِّ سُويقةٍ ... بكيتُ فنادتْني هُنيدةُ ماليا
فقلتُ لها: إنَّ البكاءَ لراحةً ... به يشتَفي من ظَنَّ أَلاَّ تلاقيا
ذو الرمَّة:
لعلَّ انحدارَ الدمعِ يُعقبُ راحةُ ... من الوَجد أو يَشفي نَجيَّ البَلابلِ
وفي قول البحتري نظرُ، وهو بالضد من الأوَّل:
نصرت ُ لها الشوقَ اللجوجَ بأدمعٍ ... تلاحقْنَ في أعقابِ وصلٍ تصرَّما
أعرابي:
وما فارقتُ سُعدى عن قِلاها ... ولكنْ شقوةٌ بلَغَتْ مَداها
بكيتُ نعم بكيتُ وكلّ ُ إلفٍ ... إذا بانتْ قرينتُهُ بَكاها
لَبِستُ جَديدها وتركتُ فيها ... رداءً صالحاً لمن ارتداها
ذو الرمَّة:
كأنَّ سناناً فارسياً أصابني ... على كَبِدي أو لوعةُ الحبِّ أَوجعُ
عشيّةَ مالي حيلةٌ غيرَ أنني ... بِلَقط الحَصى والخطِّ في الدار مُولعُ
أَخطُّ وأمحو الخطَّ ثم أعيدُه ... بكفيَّ والغِربانُ في الدارِ وُقعُ
أخذ البيت الثاني من امرئ القيس:
أظَلُّ ردائي فوق رأسي قاعداً ... أعُدُّ الحَصى ما تنقَضي عَبَراتي
ابنُ أبي عيينة:
لعمركَ إني يومَ أدخلُ بيتَها ... بعلَّةِ بعضِ الوارِدين لوارِدُ
وقامَتْ إلى سِتْر من الباب خلفهُ ... مُجافٍ وقد قامتْ عليها الولائدُ
لتسمعَ شِعري وهو يقرَعُ قلبَها ... بوحيٍ تُؤدِّيهِ إليها القصائدُ
إذا سمِعَتْ مني بديعاً تنفَّستْ ... له نفَساً تنقدُّ منه القَلائِدُ
أحمد بن أبي فنن:
صبٌّ بحُبِّ مُتيَّمٍ صَبِّ ... حُبِّيهِ فوقَ نِهايةِ الحُبِّ
أشكو إِليه صُنْعَ جَفوتِه ... فيقولُ: مُتْ. ذا أيسرُ الخطْبِ
وإذا نظرتُ إلى محاسِنِه ... أَخرجتُهُ عُطلاً من الذَنبِ
أَدميتُ باللحظاتِ وجنتهُ ... فاقتصَّ ناظرُه من القلبِ
الضَحَّاكُ العُقيلي:
وإني لممنوعُ البُكا كُلما أرى ... خليلاً كسا الأجمال رَقماً وهودَجا
وقلتُ لعينيَّ اللَّجوجينِ أَقْصِرا ... من الشوقِ إلا تُقصر الطرفِ تُحرجا
النُميريّ:
أَهاجتكَ الظعائنُ يومَ وَلَّوْا ... بذي الزيِّ الجميلِ من الأثاثِ
كأنَّ على القلائصِ يومَ بانوا ... نعاجاً ترْتعي بَقْل َ البراثِ
يُهيِّجُني الحمامُ إذا تغنّى ... كما سَجَعَ النوائحُ بالمراثيِ
أحمد بن أبي فننٍ:
فَلِمَ لا تُسبَلُ العبراتُ مني ... ولستُ على اليقينِ من التلاقي
فلا وأبِيكَ ما أبصرْتُ شيئاً ... أَضرَّ على النُفوسِ من الفراقِ

محمدُ بن أبي أُميَّة:
أًتظعنُ والذي تَهوى مقيمٌ ... لعمرُكَ إنَّ ذا خطرٌ عظيمُ
إذا ما كنت للحَدثانِ عوناً ... عليكَ وللفراقِ فمن تلومُ
أَنشدَ البحتريُّ قال: أَنشدني إبراهيمُ بنُ المهديّ لنفسه:
أَضنُّ على لَيْلى وليلى سَخيَّةٌ ... وتبخَلُ عني بالهوى وأجودُ
وأَنهى فلا أَلوى على لومِ لائمٍ ... وأعلمُ أَني مُخطئٍ فأعودُ
وقال أبو حفصٍّ الشَّطرنجي مولى المهدي:
مَنْ يكُنْ يكرهُ الفِراقَ فإني ... أَشتهيهِ لعلَّةِ التسليمِ
إنَّ فيه اعْتناقةً لِوداعٍ ... وانتظارَ اعتَناقةٍ لقُدومِ
الفتحُ بن خاقان:
إذا أمرتْني العاذلاتُ بهَجرِها ... هَفَتْ كبِدٌ مما يقلْنَ صَديعُ
وكيفَ أُطيعُ العاذلاتِ، وحبُّها ... يُؤرِّقُني، و العاذلاتُ هجوعُ
الأشجع:
وكُلُّ مُحبٍّ إلى إلْفهِ ... يَحِنُّ، وتُسعِدُه أَربَعُ
بُكاءُ الغَمام ونَوْحُ الحمامِ ... ورعدٌ وبرقٌ إذا يلمعُ
ابن المعتز:
لمَّا رأيتُ الدمعَ يفضَحُني ... وقَضَتْ عليَّ شَواهدُ الصَبِّ
أَلقيْتُ غيرَك في ظُنونهِمُ ... وسترتُ وجه الحُبِّ بالحُبِّ
آخر:
رِعايةُ الحُب تَبقى بعد صُحبتهِ ... كالنار يَبقى عليها خالِصُ الذهبِ
أبو نواس:
ما هوىً إلاَّ له سببُ ... يَبْتَدي منه ويَنْشَعِبُ
صار جِداًّ ما مزحتُ به ... رُبَّ جدٍّ جرَّه لَعبُ
فَتَنتْ قلبي مُحجَّبةٌ ... وجهُها بالحُسنِ مُنْتقِبُ
خُلِّيَتْ والحُسنَ تأخذُهّ ... تَنتَقِي منه وتَنتخِبُ
فاكْتَستْ منه طَرائِفَهُ ... واستزادَتْ فَضلَ ما تَهَبُ
إبراهيمُ بن العبّاس:
رَدَّ قوْلي وصدَّقَ الأقوالا ... وأَطاعَ الوُشاةَ والعُذَّالا
أَتراهُ يكونُ شَهرَ صُدودٍ ... وعلى وَجهِه رأيتُ الهِلالا
محمدُ بنُ أبي أميَّة:
لي حبيبٌ لي إليهِ ... شافِعٌ من مُقلتيْهِ
والذي أَجلَلْتُ خَدَّيْ ... ه فقبَّلْتُ يديْهِ
بأَبي وجهُكَ ما أك ... ثرَ حُسّادي عليهِ
أنا ضَيْفٌ وَجزاءُ الضي ... فِ إحسانٌ إليهِ
العباسُ بنُ الأحنف:
اقبَلوا وُدِّي فقد أهديتُهً ... ثُمّ كافوني بِودٍّ مثلِ ودْ
هذه نَفسي لكُمْ مَوهوبَةٌ ... خيرُ ما يوهَبُ مالا يُسترَدْ
وله:
نُهدي إليك نفوسَنا وقُلوبَنا ... فعزيزةٌ تُهدي لخير عزيزِ
أبو نُوَاس:
ولم يُبقِ الهوى إلاَّ ... أَقلِّى وهو مُحتَسبُ
سِوى أني إلى الحَيَوا ... نِ بالحَرَكاتِ أنتسِبُ
ابن هرمة:
فأصبحتَ منها على نأْيها ... وعِرفانِ نَفسِكَ أَلاَّ سَماحا
كَذِي الكَلمِ لَمَّا عَفا كَلْمُه ... بَغى تحتَه كَلْمُه فاسْتَقاحا
آخر:
بِنفسِيَ مَن أجودُ له بِنفسي ... ويبخَلُ بالتحيَّةِ والسلامِ
ويَلقاني بِعزَّةِ مُستطيلٍ ... وأَلقاه بذِلَّةِ مُستَهامِ
وحْتفي كامِنٌ في مُقلَتيْهِ ... كمُنَ الموتِ في حَدِّ الحُسامِ
ابن أبي عيينة:
ضيَّعْتِ عهدَ فتىً لعهدِكِ حافظٌ ... في حفظِه عجبٌ وفي تَضييعِكِ
وَذهبتِ عنه فما لهُ من حيلةٍ ... إلا الوقوف إلى أَوانِ رُجوعِكِ
مُتخشِّعاً يُذري عليكِ دُموعَهُ ... جَزَعاً، ويَعجبُ من جفوفِ دموعِكِ
إن تَفتنيهِ وتذهبي بفُؤادِهِ ... فَبِحُسْنِ وَجهكِ لا بحُسْنِ صَنيعِكِ
قال أبو حفص الشَّطرنجي:
وما مرَّ يومٌ أَرتَجي فيه راحةً ... فأخْبُرَهُ إلاَ بكيتُ على أمْسِ
إِذا سَرَّها أمرٌ وفيه مَساءَتي ... نَظرتُ لها فيما تحبُّ إلى نفسي
إبراهيم بن العبّاس:
حَلالٌ لِلَيْلي أن تَروُعَ فؤادَهُ ... بِبَيْنٍ ومغفورٌ لليلي ذُنوبُها
وزالت زوالَ الشمسِ عن مستَقِّرها ... فَمَن مُخبري في أيِّ أرضٍ غُروبُها
تَطَلَّعُ من نفسي إليكِ نوازعٌ ... عوارفُ أَنَّ اليأسَ منكِ نصيبُها
عُمرُ بن أبي ربيعة:
حَيِّ طيفاً من الأحِبَّةِ زارا ... بَعدَما صَرَّعَ الكَرى السُمَّار

طارِقاً في الظَلام تحتَ دُجى الليلِ ... ضنِيناً بأنْ يزورَ نَهارا
قُلتُ: ما باُلنا جُفِينا وكُنَّا ... قبلَ ذاكَ الأسماعَ والأبصارا
قالَ: إِنْا كما عَهِدتَ ولكنْ ... شَغَلَ الحَلْيُ أهلهُ أَن يُعارا
أبو زرعة الدمشقي:
وجاءُوا إليهِ بالتَعاويذِ والرُقى ... وصبّوا عليه الماءَ مِن أَلَم النُكسِ
وقالوا: به من أعيُن الجِنِّ نظرةٌ ... ولو عَلِموا قالوا: بِهِ أعينُ الإنسِ
ابن الدمينة:
يقولون قصر في هواها فقد وعت ... ضغائن شبان عليك وشِيبُ
وما إن نبالي سخط من لا نحبه ... إذا نصحت ممن نحب جيُوبُ
ديك الجن :
لا وحبيك مامللت سقاماً ... لك فيه من مقلتيْكِ نصيبُ
كلُّ شيءٍ وإن أضرَّ بِجِسْمي ... لكِ فيه الرِضى إليَّ حبيبُ
وعلى حَذْوِهِ قال الشامي :
ودَّعتُهم من حيثُ لم يَعْلوا ... ورُحتُ والقلبُ بِهمْ مُغرَمُ
واسْتَحْسنوا ظلمي فمِنْ أجْلِهم ... أَحَبَّ قلبي كلَّ من يَظْلمُ
إبراهيمُ بن العبَّاس:
تَمرُّ الصَّبا صَفحاَ بِساكِنِ ذي الغَضا ... ويصدَعُ قلبي أن يَهُبَّ هُبوبُها
قَريبةُ عَهدٍ بالحبيبِ وإنَّما ... هوى كُلِّ نَفْسٍ حيثُ حلَّ حَبيبُها
بشّار:
أقولُ وقد غصَّت عيونٌ بِمائها ... علينا، ومن دَمعي كَمينٌ ومُرْسَلُ
وَجدتُ دموعَ العينِ تَجري غُروبُها ... أَخفَّ على المَحْزونِ، والصَّبرُ أَجملُ
الأشجعُ:
ومُغتَربٍ يَنْقضى ليلُه ... شُجوناً ومُقلتُه تَدمعُ
يُؤرِّقُهُ نأَيُهُ في البلادِ ... فما يستَقِرُّ بهِ مَضجَعُ
إذا الليلُ أَلْبَسَني ثوبَه ... تقلَّبَ فيه فتىً مُوجَعُ
أعرابي:
فما بُحتُ يوماً بالذي كان بَيننا ... كما يُستباحُ الهِذْريانُ المُبيَّحُ
سوى أنني قد قُلتُ والعيسُ تَرْتَمي ... بنا عَرَصاتٍ والأزِمَّةُ تَمْرحُ
هنيئاً لِقُضبانٍ بذي الضِّرْوِ أَنها ... بِبرْد ثَنايا أُمِّ عمروٍ تُصَبَّحُ
والطوقِ مجراه وللقُرطِ أَنَّهُ ... على قائمٍ مِن جِيدِها يَتوضَّخُ
النوفلي:
إذا اختلجَتْ عَيْني رأَتْ من تُحبُّه ... فدامَ لِعيْني ما حَيِيتُ اخْتلاجُها
وما ذُقتُ كأساً مُذ تعلَّقَني الهوى ... فأشرَبَها إِلاَّ ودِمْعي مِزاجُها
ديكُ الجِنِّ:
دَعُوا مُقلتي تبكي لِفَقدِ حبيبها ... لِيُطفئَ بردُ الدمعِ حرَّ لَهيبِها
بِمَن لو رَأَتْهُ القاطِعاتُ أَكفَّها ... لَماَ رَضِيتْ إِلاَّ بِقَطعِ قُلوبِها
الأحوص:
من الخَفراتِ البيضِ خُلْصٌ لو أنها ... تُلاحي عَدواً لم يَجدُ ما يَعيبُها
فما مُزنةٌ بين السِماكيْن أومضتْ ... منَ البرْقِ حتى استَعْرَضتْها جَنوبُها
بِأحسنَ منها يومَ قالتْ، وعِندنا ... مِن الناسِ أوشابٌ كثيرٌ شِغوبُها
وَدِدْتُ، وما تُغْنى الوَدادةُ، أَنها ... نَصِيبي من الدُنيا وأَني نَصيبُها
الحارثي:
ما قُلتِ إِلاَّ الحقَّ أَعرِفُهُ ... أَجدُ الدليلَ عَليهِ في قَلبي
إِنَّا لنا قلبانِ مذ خُلِقا ... يَتجاوَدانِ بِصادِقِ الحُبِّ
يَتهادَيان هوىً سَيجْعلُنا ... أُحدوثَةً في الشرقِ والغَرْبِ
ابنُ الدمينة:
بَنَفْسي وأهلي مَن إذا عَرَّضوا لهُ ... بِبعْضِ الأَذى لم يَدْرِ كيفَ يُجيبُ
ولم يعتذِرْ عُذُرَ البَرئِ ولم يَزلْ ... به سَكْتَةٌ حتى يُقالَ: مُريبُ
لَقدْ ظَلموا ذاتَ الوِشاحِ ولم يَكُنْ ... لنا مِن هوى ذاتِ الوِشاحِ نَصيبُ
آخر:
سُقيتُ دَمَ الحيَّاتِ إِن لُمتُ بعدها ... مُحبّاً ولا عَنَّفْتهُ بِحبيبِ
آخر:
ياذا الذي زارَ وَما زارا ... كأَنَّه مُقتبِسٌ نارا
قامَ بِبابِ الدارِ من تِيهِهِ ... ما ضَرَّهُ لو دخلَ الدَارا
آخرُ:
ولقد جَعلتُكَ في الفُؤاد مُحدَّثي ... وأَبَحتُ مِني ظاهِري لِجليسي
فالجِسمُ مني لِلْجَليس مُؤانسٌ ... وحَبيبُ قَلبي في الفُؤادِ أَنيسي
ذو الرمَّة:

مَتى تَظْعني ياميُّ عن دارِ جيرتي ... أَمُتْ والهوى بَرْحٌ على من يُطالبُهْ
أَكُنْ مثلَ ذي الألاَّفِ شُدَّ وَظيفه ... إلى يَدهِ الأُخرى وَوَلَّتْ صواحِبُهْ
تَهادَيْنَ أَطلاقاً وقاربَ خَطْوَهُ ... على الذَّوْد تقييدٌ وهُنَّ حَبائبُهْ
إذا حَنَّ لم يسمعْنَ رَجْعَ حَنينِهِ ... فلا الحبْلُ مُنحَلٌّ ولا هو قاضِبُهْ
آخر:
أَتَتْني تُؤَنِّبُني بالبكاءِ ... فَأَهلاً بها وَبتأْنيبِها
تقولُ وفي قَوْلِها حِشْمهِ ... أَتبكي بِعيْنٍ تَرانَي بها
فقلتُ: إذا استحسَنَتْ غَيْرَكم ... أَمرْتُ الدموعَ بِتأديبها
ديكُ الجنِّ:
لَهُنَّ الوَجى لِمْ كُنَّ عوناً على السُرى ... ولا زالَ مَنْها ظالِعٌ وحَسيرُ
ديكُ الجنِّ:
ولي كَبِدٌ حَرَّى ونفسٌ كأَنّها ... بكفَّيْ عدوِّ ما يريدُ سَراحَها
كأَنَّ على قلبي قَطاةٌ تذكَّرَتْ ... على ظَمَأٍ وِرداً فهزَّت جَناحَها
وقال إسماعيل القَراطيسي:
أَلا رُبَّ طالِبَةٍ وَصلَنا ... أَبيْنا عليْها الذي تَطلُبُ
أَردْنا رِضاكِ بإسخاطِها ... ومَنْعُكِ من بَذْلِها أَطيبُ
ابنُ حازِم:
وَجدْتُ مِن الهوى ناراً تَلَظَّى ... على كَبِدي وتلتَهِبُ التهابا
وداءُ الحُبِّ أَهونُه شَديدٌ ... وسَهْمُ الحُبِّ يَقتُلُ من أَصابا
والبةُ بنُ الحُبابِ:
وَلَها ولا ذَنْبَ لها ... وُدٌّ كأطْرافِ الرِماحِ
تَلْقى الفُؤادَ بِحَدِّهِ ... فالْقَلبُ مجروحُ النَواحي
قيل لأبي نواس : مالذي رغبك في خدمة والبة بن الحباب ؟ فقال : قوله في صفة السيف:
سل الخليفة صارماً ... هو للفساد وللصَّلاحِ
يلقى بجانب خصره ... أمضى من القدر المُتاحِ
وكأنما ذر الهبا ... ءُ عليهِ أَنفاسَ الرِياحِ
وأَلَمَّ به ابنُ المعتزِ فقالَ وأَحسنَ
تَرى أَثْرَهُ في صَفْحتيْهِ كأنّما ... تَنَفسَ فيه القَيْنُ وهو صَقيلُ
والأصل في هذا قولُ ذي الرَمَّة
وزُرقٍ كَستْهُنَّ الأسِنَّةُ هَبْوةً ... أرقَ من الماءِ الزُلالِ كَليلُها
العَتّابي :
ما غَناءُ الحِذارِ والإشْفاقِ ... وشآبِيب دَمعِكِ المُهَراقِ
غدَراتُ الفِراقِ مُنتزِعاتٌٌ ... عُنُقَيْنا من أُنسِ هذا العِناقِ
قُلتُ لِلفرقَدَيْنِ والليلُ مُلْقٍ ... سِتْرَ إظلامه على الآفاقِ
ابقِيا ما بَقتُما سوفَ يُرمى ... بينَ شخصيْكُما بسَهْم الفِراقِ
عمارة :
ألا أَيُّها الغادي تَحَمَّل رسالةً ... إليها فبلِّغْها سَلامي مع الرَكْبِ
فكْم في حِمى القَلبِ الذي نَزَلتْ ... به لها مِن مَرادٍ لا وَخِيمٍ و لا جَدْبِ
قَيْس :
وما أُمُّ خِشْفٍ هالِكٍ بتَنُوفَه ... إذا ذكرتْهُ آخِرَ الليل حَنَّتِ
بأكثَرَ مني لَوْعةً غيرَ أنَّني ... أُطامنُ أَحشائي على ما أَجَنَّتِ
وقال أبو حفص الشطرنجيُّ، ولم يسبق إلى معناهُ في ظرفهِ
عَرِّضَنْ للذي تُحبُّ بحُبٍ ... ثمَّ دَعْهُ يروضُه إبليسُ
وسمع سفيان بن عيينة قول أبي نواس:
عَجِبْتُ من إبليسَ في تيهِهِ ... وفَرْطِ ما أَظهرَ من نَخْوَتِهِ
تاهَ على آدمَ في سجدةٍ ... فصارَ قَوَّاداً لذُرِّيَتِهِ
فقال: فأَبيكَ لقد ذهبَ مَذْهباً قيس:
أَصابَ ذُبابُ السيفِ أنيابيَ العُلى ... وأنيابُ ليلى واضحاتٌ مَلائحُ
فإنْ يَكُ ثَغري صَكَّهُ الحربُ صَكةً ... لقد بَقيتْ مني نواحٍ صَحائحٌ
أبو دهبل:
أَلا ياحَمى وادي المياهِ قَتَلْتَني ... أَتاحكَ لي قبلَ المَماتِ مُتيحُ
رأيتُكَ وسْمِيَّ الثَّرى ظاهِرَ الرُبا ... يَحوطُكَ شَحّاح عليكَ شَحيحُ
بعضُ الجواري:
ما سَلِمَ الظبِيُ على حُسنهِ ... كلا ولا البدرُ الذي يوصَفُ
الظبيُ فيه خَنَسٌ بَيِّنٌ ... والبدرُ فيه نُكتَةٌ تُعرَفُ
ابنُ أَبي عيينة:
ويومَ الجِنازةِ إِذا أرسلَتْ ... على رقْبَةٍ أَنْ جُزِ الخنْدقا
فَجِئنا كغُصْنيْنِ مِن بانةٍ ... قَرِينَينِ حِدْثانَ ما أورقا

فقالتْ لاُختٍ لها: اسْتَنْشدي ... ه مِن شِعْرِهِ المُحْكَمِ المُنْتَقى
فقلتُ: أُمِرْتُ بكتِمانِهِ ... وخِفْتُ إذا ذاع أن يُسْرَقا
فقالتْ: بِعيْشِكِ قولي لَهُ ... تَمَنَّعْ: لعَلكَ أن تنفقا
أبو على البصير:
ما بالُ قلبِكَ لا يقرُ خُفوقا ... وأَراكَ تَرعى النَجْمَ و العَيُّوقا
وجفونُ عَيْنِك قد نَثْرنَ مَن البُكا ... فوقَ المدامعِ لُؤلُؤاً وعقيقا
لوْ لم يكُنْ إنسانُ عينكَ سابحاً ... في بحرِ مُقلَتِه لماتَ غَريقا
أَعرابيٌّ وقع بالريّ:
أيالَيْلتي بالريِّ هلْ لكِ من يومِ ... وإنْ لم يكُن يومٌ فهل لَكِ من نومِ
ويا غيمٌ أقشعْ عن فؤادِ مُتيَّمٍ ... فإني رَأيتُ الغَيمَ نوعاً من الغَمِّ
ابن أبي عيينة:
ما لِقلبي أَرقَّ مِن كُلّ قَلبٍ ... ولِحُبيِّ أَشدَّ من كلَّ حُبِ
وَلِدُنيا، على جُنوني بِدُنيا، ... أَشْتهي قُرْبَها وتكرهُ قُربي
قُلْ لِدُنيا: أَلمْ تَجِئكِ مِراراً ... رَطْبَةً مِن دُموعِ عينيَ كُتْبِي
أَبو الشِّيص:
أَقولُ، والعينُ لها حُرقةٌ ... مِن دَمعةٍ هاجَتْ ولم تَسْكبِ
إنْ تَذهَبِ الدَّارُ بِسُكَّانِها ... فإنَّ ما في النَّفْسِ لم يَذْهَبِ
إنْ كانَ ذَنبي طولَ حُبي لكمْ ... فاعفُ فإنّي لستُ بالمُذْنِبِ
أعرابيّ:
وَأُوصيكُما يا صاحبَيَّ هُديتُما ... بِشَنْباءَ والذَّلْفاءِ أن تُكْرِماهُما
وأَنْ تَحَظا غَيْبي إذا غِبْتُ عَنهما ... فإنِّيَ راضٍ عنكُما بِرضاهُما
فلو كانتا بُرْديْنِ لم أكسُ عارِياً ... ولم يُلْقَ من طولِ البِلى خَلقاهُما
ابن أبي عيينة:
أَبكي إليكِ إذا الحمامةُ طَرَّبَتْ ... يا حُسنَ ذَاكَ إليَّ مِن تَطْرِيبِ
وأَنا الغريبُ فلا ألامُ على البُكا ... إنَّ البُكا حَسَنٌ بكلِّ غَريبِ
وقال معقل بن عيسى في مخارق:
لَعمْري لَئِنْ قَرَّتْ بقُربكَ أعينٌ ... لقد سَخِنَتْ بالبينِ مِنكَ عُيونُ
فَسِرْ وأقِمْ، وقفٌ عليكَ مودَّتي ... مكانُكَ في قلبي عليكَ مَصونُ
عبد الله بن الطاهر:
أَقامَ بِبلدةٍ ورَحلْتُ عنها ... كلانا بَعدَ صاحِبهِ غريبُ
أقَلُّ الناس في الدنيا سُروراً ... مُحِبٌ قد نِأى عنه الحبيبُ
العباسُ بنُ الأحنف:
صَرَمْتِ حِبالكِ من واصلٍ ... وأظهرتِ زُهدَكِ في راغبِ
وإني لأَرضى بدون الرِّضى ... وأَقنَعُ بالموعِدِ الكاذِبِ
إلى كم أروح على حَسرةٍ ... وأَغدو على سَقمٍ واصِبِ
وأرجو غداً فإذا جاءَني ... بَكَيْتُ على أَمْسِي الذاهبِ
أبو الشِّيص :
قَضيْتُ على نفسي مَخافةَ سُخْطِها ... ولي حُجَجٌ في الحُبِّ أَضوا من الشَمس
ماني المُوَسْوِسُ
الله يعلُم أنَّني كَمِدُ ... لا أستطيع أَبثُّ ما أََجدُ
نَفسانِ لي : نَفْسٌ تضَّمنَها ... بلدٌ وأخرى حازَها بَلَدُ
وأرى المقيمةَ ليس ينفَعُها ... صَبْرٌ وليسَ يُقيمُها جَلَدُ
وأَظَنُّ غائِبَتي كشاهِدتي ... بمكانها تَجِدُ الذي أَجِدُ
أَبو دُلَف :
أَرى عَهدَكُم كالوَرْدِ ليس بدائمٍ ... ولاخيرَ في مَنْ لا يَدومُ له عَهدُ
وعَهدي لكُمْ كالآسِ حُسناً وبهجةً ... له رَوْعَةٌ تبقى إذا فَنِيَ الوَردُ
الأَشْجعُ :
يا مَنزلاً ضَنَّ با لسلامِ ... سُقّيتَ صَوْباً مِنَ الغَمامِ
لم يَترُكِ الدهرُ مِنْكَ إلاَّ ... ما تركَ الشّوْقُ مِن عِظامي
ابن الدُّمينة:
نَهاري نَهار النّاسِ حتى إذا بَدا ... لِيَ اللّيلُ هزَّتني إِليكِ المَضاجِعُ
أُقضيّ نهاري بالحديثِ وبالمُنى ... ويَجمعُني والليلَ بالهمِّ جامِعُ
أبي اللهُ أَن يَلقى الرَشادَ مُتَيَّمٌ ... كَذا كلُّ شئٍ حُمَّ لابُدَّ واقِعُ
ديك الجنّ:
حَبيبي مُقيمٌ على نائهِ ... وقلبي مُقيمٌ على رائِهِ
حَنانَيْكِ با أَمَلي دَعوةً ... لِمَنْ صارَ رَحمة أَعدائهِ
سأَصْبِرُ عنكِ وأُعصى الهَوى ... إِذا صَبَرَ الْحُوتُ عَن مائهِ

الحسنُ بن وهب:
ما أوْلَعَ الأَيّامَ بالأَعْحَبِ ... والحادثِ الأَغرَبِ فالأغْرَبِ
وأَشجعَ الحبَ على قلبِ مَن ... يَملأُ قَابَ الأسدِ الأَغلَبِ
الأَحوصُ:
وما أَنسَ مِ الأَشياءٍ لا أَنسَ قولَها ... تقدَّمْ فشيَّعْني إلى ضَحوةِ الغَدِ
فأَصبحتُ مِمّا كانَ بَيْني و بَيْنَها ... سوى ذكرِها كالقابضِ الماءِ باليدِ
الحكم:
لَعَمْرُكَ ما خُوصُ العُيونِ شَوارفٌ ... روائِمُ أَظْارٍ عَطَفْنَ على سَقْبِ
بأَوجَدَ مِنّي يومَ وَلَّت حُمولُهم ... وقد طَلَعتْ أُولى الرِّكابِ من النَّقْبِ
قيس بن الخطيم وأحسن في نعت الخيال، والبحتري عيال عليه:
أَنّىّ اهْتَديْتِ وكنتِ غيرَ سَروبِ ... وتُقَرِّبُ الأحلامُ غيرَ قَريبِ
ما تَمنعي يَقْظى فقد تُعطِينَهُ ... في النَّومِ غيرَ مُصرَّدٍ مَحسوبِ
كانَ المُنى بِلِقائها فلَقِيتُها ... ولهوْتُ من لهوٍ امرئ مَكْذوبِ
قيس:
إذا قَرُبَتْ ليلى لَجَجْتَ بهجرِها ... وإنَ بَعُدتْ يوماَ يَرُعْكَ اغترابُها
فَفي أَيِّ هذا راحةٌ لكَ عندها ... سَواءٌ لَعَمْري، هَجرُها واقْتِرابُها
الأشجع:
ما اخْترتُ تركَ وَداعكم يومَ النوى ... واللهِ لا مَللاً ولا لِتَجنُّبِ
لكنْ خَشيتُ بأن أموتَ صَبابةً ... فيقالُ أنتَ قتلتَه فتقاد بي
ركَّاض الزبيري:
نُرامي فَنَرْمي نحن منهنَّ في الشَّوى ... ويَرْمينَ لا يَعدلْنَ عن كَبِدٍ سَهْما
إذا ما لَبِسْنَ الحَلْيَ والوْشيَ أشرقتْ ... وجوهٌ ولَبَّاتٌ يُسلِّبنَنا الحِلْما
ولُثْنَ السُّبوبَ خمرةٍ قُرشيَّةً ... زُبيريَّة يعلمْن في لَوْثِها عَلْما
ذو الُّرمة:
خَليليَّ عُدَّا حاجَتي مِن هواكُما ... ومَن ذا يُواسي النفسَ إِلاّ خليلُها
إلى دارِميٍّ قبلَ أن تَطْرَحَ النَّوى ... بِنا مَطْرحاً، أو قبلَ بَينٍ يُزيلُها
وإنْ لم يكنْ إلاَّ تعلُّلُ ساعةٍ ... قليلاً،فإني نافِعٌ لي قليلُها
الخليع:
وما لأَني أَنساكِ أكثرُ ذِكرا ... كِ، ولكنْ بذاكِ يجري لِساني
أَنتِ في القلبِ والجوانحِ والنَّف ... سِ، وأنتِ الهوىَ، وأنتِ الأَماني
كُلُّ جُزءٍ مني يَراكِ من الوجدِ ... بِعيْنٍ غَنيَّةٍ عن عِيانٍ
وإذا غبتِ عن عيانيَ أَبصرْ ... تًكِ مِني بعين كُلِّ مكانِ
ابن ميادة الكرجي:
وما أَنسَ مِ اْلأَشياءِ لا أَنسَ قولَها ... وأَدمُعُها يَحدُرنَ حَشوَ المكاحِلِ
تَمتَّعْ بِذا اليومِ القصيرِ فإنّه ... رَهينٌ بأيامِ الشُهورِ الأَطاوِلِ
آخر:
ورأيتُه في الطِّرسِ يكتبُ مرةً ... غلطاً يُواصلُ مَحوَهُ بِرُضابهِ
فَودِدْتُ أني في يَدَيْهِ صَحيفةٌ ... وَوَدِدْتُه لا يَهتدي لِصوابِهِ
أبو دهبل:
ولي كَبِدٌ مقروحةٌ من يبيعُني ... بها كَبِداً ليست بذات قُروحِ
أَباها عليَّ الناسُ لا يشترونَها ... ومن يشتري ذا عِرَّهٍ بصحيحِ
أَئِنُّ من الشوقِ الذي في جوانحي ... أَنِينَ غصيصٍ بالسلاح جريحِ
قيس بن مسعود:
وقد قُلتُ لما أَعْرضَ السجنُ دونَنا ... وأرضٌ عليها غَبرةٌ وقَتَامُ
على البَدويَّات المِلاحِ وإن نأَتْ ... بِهنَّ النَّوى أَو لم يَزُرْنَ سَلامُ
تعرَّضَتِ الأَشغالُ حتى كأنَّما ... وُقوفُ المطايا عِندهُنَّ حَرامُ
آخر:
ذكرتُكِ ذِكرى تلحقُ النفس دونَها ... عقيلٌ وأعناقُ المَطِيِّ سَوامِ
سقى اللهُ مَبدىً ياعقيل بدوته ... بوادي سليم و ببرق سَنامِ
فإن تقبلي منا المعاذير نعتذر ... وإن تظلمينا فهو دهر ظلامِ
الأحوص:
ألا تسألن الله أن يسقي الحمى ... بلى فسقى الله الحمى والمطاليا
وإني لأستسقي لِبَيْتيْن في الحمى ... ولو يَملكانِ البحرَ ما سقياليا
أُسائلُ من لاقيتُ هل سُقِيَ الحمى ... فهل يَسأَلنْ أَهلُ الحمى كيفَ حالِيا
آخر:
شاقَني الأَهلُ لم تَشُقْني الديارُ ... والهوى صارَ بي إلى حيثُ صاروا

فأُناسٌ رَعَوْا لنا، ثُمّ غَابوا ... وأُناسٌ جَفَوْا، وهمْ حُضَّارُ
عَرَضُوا ثم أَعْرَضوا واستمالوا ... ثُمَّ مالوا، وجاوَرُوا، ثم جارُوا
لا تَلُمْهُمْ على التَجنِّي، فلو لمْ ... يَتَجنوا، لم يَحْسُنِ الإعتِذارُ
ابن المعتزِّ:
وَمَنْ مِن الحُبّ منقذٌ رجُلاً ... باعَ لذيذَ الرُقاد بالسُّهُدِ
ذاكَ بعيدُ الخلاصِ قد نَشِبَتْ ... في الرُوحِ مِنهُ مَخالِبُ الأَسدِ
ابن ميَّادة:
يِراها قَريباً من يراها ونَيْلُها ... مَكان الثُّريَّا مِنكَ أَو هو أَبعدُ
كَفِعْلِ شَمُوسِ الخَيلِ ، لا هِيَ تَرْعَوي ... لِزَجْرٍ، ولا تَدْنو لِمَن يَتَوَدَّدُ
ابن هرمة:
عَهدتُ بها هِنداً، وهندٌ غريرةٌ ... عن الفُحْش بَلْهاءُ العِشاء نَؤُومُ
رَدَاحُ الضحى مَيَّالةٌ بَخْتَرِيَّةٌ ... لها مَنْطِقٌ يَسبي الحَليمَ رَخيمُ
ولقد رَعيتُ رياضَهُنَّ يُوْيفعاً ... وعصر ............... يحومُ
فعلى الصِّبا أَيّامَ أَجنى نَوْرَهُ ... وأَسوفُ في أَوْراقه وأَسيمُ
كَبِدي مِنَ الزَفَراتِ صَدَّعَها الأَسى ... وحَشايَ مِنْ أَلَمِ الفِراقِ سَقيمُ
عبدُ الأعلى:
عَصاكَ الصِّبا لمّا أَطلعتَ النَّواهيا ... وماتَ الصِّبا لمّا سَئِمْتَ التَصابِيا
وَناجاكَ إِعْجامٌ من الدَّمْعِ مُعربٌ ... فَصِيحٌ بِبَيْنِ الحيَّ أَلاَّ تَلاقِيا
ابن المعتز:
كَمْ ليلةٍ فيك لا صَباحَ لَها ... أَفنيْتُها قابضاً على كبِدي
وأَنتَ خِلْوٌ تنامُ في دَعَةٍ ... شَتَّانَ بين الرُّقادِ والسُهُدِ
قد فاضِتِ العَينُ بالدمُوعِ وقد ... وَضعْتُ خدِّي على بَنانِ يَدي
كأَنَّ قَلبْي إذا ذَكرْتُكُمُ ... فَريسةٌ بَيْنَ ساعِدَيْ أَسَدِ
أبو دهبل ووجدتها في ديوان عمرو بن أبي ربيعة:
يَلومونَني في غيرِ ذَنبٍ جَنَيْتُهُ ... وغَيْريَ في الذَّنبِ الذي كانَ أَلْوَمُ
أَمِنَّا أُناساً كنتِ قِدماً أَمنتُهم ... فَزادوا علينا في الحديثِ وأَوهَموا
وَقالوا لَنا مالمْ نَقُلْ ثم أَكثروا ... عَلينا، وباحُوا بالذي كنتُ أَكْتُمُ
وقد مُنِحَتْ عَيني القَذى لِفراقِكُمْ ... وعادَ لها تَهْتانُها فهي تَسجُمُ
وأَنكرتُ طيبَ النفس منها وكدَّرت ... عليَّ حَياتي والهوى مُتَقَسَّمُ
وصافيتُ نِسواناً فلم أرَ فيهمُ ... هَوايَ، ولا الوُدَّ الذي أَنا أَعلمُ
فلا تَصْرِميني أَن تَرْيني أُحِبُكمْ ... أَبوءُ بِذَنْبي ظالِمي وهو أَظلَمُ
أَليس كثيراً أَن نَكونَ بِبلْدةٍ ... كِلانا بها باكٍ ولا نَتكلَّمُ
مُنَعَّمةٌ لو دَبَّ ذَرٌّ بِجِلدها ... لَكانَ دبيبُ الذَرِّ في الجِلد يَكْلُم
أعرابي:
يُكذِّبُ أَقوالَ الوُشاةُ صُدودُها ... ويَزدادُ شَكّاً في هوانا قَعيدُها
أنازِعُ من لاأَستَلِذُّ حَديثَه ... ويجتازُها طَرْفي كأَنْ لاأُريدُها
وتحت مَجاري الطَرْفِ منا مَوَدَّةٌ ... ولحظاتٌ سِرٍّ لا يُنَادى وليدُها
رَفعتُ عن الدُنيا المُنى غيرَ وُدِّها ... فلا أسألُ الدُنيا ولا أَسْتزيدُها
آخر:
ما لَذَّةٌ أَكْمَلُ في طيبها ... مِن قُبلةٍ في إثرِها عَضَّهْ
كأنَّما تَأثيرُها لُمْعَةٌ ... من ذَهبٍ أُجرِيَ في فِضَّهْ
آخر:
أُعيذُكِ من مَبيتٍ باتَ فيهِ ... مُحِبُّكِ خالياً حتى الصباحِ
كأَنَّ بِقلْبهِ خفقانَ طيرٍ ... علَقنَ به العَلائِقَ في الجَناحِ
آخر:
وإِنَّ الذي يَنْهاكُمْ عن طِلابها ... يُناغي نساءَ الحيِّ في طُرَّةِ البُرْدِ
يُعَلَّلُ والأَيامُ تَنْقُصُ عُمْرَهُ ... كما تَنْقُصُ النيرانُ من طَرَفِ الزَنْدِ
آخر:
هَجرتُكِ لاقلىً مني ولكنْ ... رأَيت بقاءَ وُدِّكِ في صُدودي
كَهَجْرِ الحائِماتِ الوِرْدَ لمَّا ... رأَتْ أَنَّ المنيَّةَ في الورودِ
تفيضُ نُفوسُها أَسَفاً وتَخشى ... حِماماً فهي تَنظُرُ من بَعيد
كما نَظرُ الأّسيرُ إلى طليقٍ ... يُلمُّ بِلاده لشُهوده عيد

عبدُ اللهِ بنُ طاهرِ :
نُزولُ الهوى سقمٌ على المْرءِ فادِحُ ... وفي بَدني للحُبِّ داعٍ وصائحٌ
يَرى أَن لي ذنباً إذا قُلت مُنْبِئاً ... لِمُنْ عادَني في الحُب : إِني صالحِ
إِذا المْرءُ لم تَقرحْ بطون جفونِه ... فما قَرحَتْ في الجِسْمِ مِنهُ الجَوانِحُ
وما الشاحجاتُ البارِحاتُ نوائحٌ ... ولكنَّ أَعضاءَ المُحبِّ نوائِح
المجنون :
أمُخْتَرِمي ريْبُ المَنونِ فذاهبٌ ... بنَفسِي وأشجانُ الفؤاد كما هِيا
بِلى في صروفِ الدهرِ أَن تُسعِفَ المُنى ... وتُعطي المُحبِّينَ الرِضى والأمانِيا
نُصَيْب :
أَلا فَرعى الله الرَواحلَ إنِّما ... مَطايا قلوبِ العاشِقينَ الرواحلُ
أَلا إنّهنَّ الواصِلاتُ عُرى النَوى ... إِذا ما نَأى بألآلِفِين التواصُلُ
ابنُ المُعتز :
وأَبقيتَ مِنيّ فَتىً مُدنَفاً ... لِدَمعِتهِ أبداً سافِحُ
نَعانِي الطبيبُ إِلى نَفسِه ... وقالَ لِمَن عادَني : صالِحُ
أَعرابي :
يافرْحتا إذ صَرفْنا أَوجُه الإبلِ ... نحو الأحبَّةِ بالإزعاجِ والعجَلِ
نَحثُّهنَّ وما يُونِينَ من دَأًَب ... لكنَّ للشَوْقِ حثاً ليس للإبلِ
أعرابيَّ :
أَلمِ تعلمَا أَنَّ المُصلّى مكانُه ... وأن العقيقَ ذا الظِلال وذا البَرْدِ
وأَن به لو تعلمانِ أَصائلاً ... وليلاً رقيقاً مثل حاشِيةِ البُردِ
أعرابي:
متى تَدْنُ ليلى من بِلادِك لا تَنَلْ ... نَوالاً، وإن تبعدْ بك الدارُ تكمدِ
كثيِّر عزَّة:
لَعمرُكَ إِنَّ الجزعَ أَمسى تُرابُه ... من الطيبِ كافوراً وعيدانُه رَنْدا
وما ذاكَ إلاَّ أن مَشتْ في عِراصه ... عُزَيْزةُ في سِربٍ وجرَّت به بُردا
محمد بن وهب:
بَنانُ يد يشيرُ إلى بَنانٍ ... تَجاوَبَتا وما تتَكلَّمانِ
جرى الإيماءُ بينهما رسولاً ... فأعربَ وحيَه المُتناجِيانِ
فلو أَبصرْتَنا أبصرتَ طَرفاً ... على مُتكلَّميْن بِلا لسانِِ
ابن المعتز:
هَبْ لِعيْني رُقادَها ... وَانْفِ عتها سُهادَها
وارْحمِ المُقلةَ التي ... كُنتِ فيها سَوادَها
كُنْ صَلاحاً لها كما ... كُنتَ دهراً فسادَها
وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
أَلا إنَّما التوديعُ ضَربٌ من الرّدى ... إذا ما تَدانى الشملُ صار تَنائِيا
فلو أَنَّ ما في الأَرضِ دمعٌ أصبُّهُ ... بحقِّ النّوى ما كانَ بالحقِّ كافيا
أبو الشيِّص:
كأنَّ بلادَ اللهِ حَلقةُ خاتَمٍ ... عليَّ، فما تزدادُ طولاً ولا عَرْضاً
كأنَّ فؤادي في مَخالِيبِ طائرٍ ... إذا ذكرتْكِ النفسُ شدَّت به قَبضا
كثيِّر:
وإني وتَهيامي بِعَزَّةَ بعدما ... تَسلَّيْتُ مِن وَجْدٍ بها وتَسلَّتِ
لَكالْمُرْتجي ظِلَّ الغَمامةِ كلَّما ... تَبَوَّأَ منها للمَقِيل اضْمَحَلَّتِ
ابن الزيَّات:
سَماعاً يا عِبادَ اللهِ مِني ... وَكُفّوا عن مُلاحَظةِ المِلاحِ
فإنَّ الحُبَّ آخِرُه المنايا ... وأَوَّلُه يُهيَّجُ بالمزاحِ
وقالوا: دَعْ مُراَقبةَ الثُريّا ... وَنمْ فالليلُ مُسوَدُّ الجَناحِ
فقلتُ: وهل أَفاقَ القلبُ حتى ... أُفَرِّقُ بينَ لَيْلي و الصباحِ
الحارثي:
تَعَطَّلْنَ إِلاَّ مِن مَحاسنِ أَوْجُهٍ ... فَهُنَّ حَوالٍ في الصِّفاتِ عَواطِلُ
كَواسٍ عَوارٍ صامِتاتٌ نَواطِقٌ ... بِعَفٍّ الحديثِ باخِلاتٌ بَواذِلُ
بَرَزْنَ عَفافاً، واحتَجَبْنَ تَستُّراً ... وشِيبَ بقول الحقِّ مِنهنَّ باطِلُ
فذو الحِلْم مُرتابٌ، وذو الجَهلِ طامِعٌ ... وَهنَّ عنِ الفَحْشاءِ حِيدٌ نَواكِلُ
أعرابي:
أُديمُ الطَرْفَ ما غَفَلَتْ إِليها ... وإِنْ نَظرَتْ نَظرتُ إلى سِواها
أَغارُ من النساء يَرَيْن منها ... محاسنَ لا يُرَيْنَ ولا أَراها
وإن غَضِبتْ عليَّ غَضِبتُ معها ... على نَفسي، ويُرضيني رَضاها
وما غَضَبِي على نَفسي بِجُرْمٍ ... ولكِني أَمِيلُ إِلى هَواها
ابن المعتز:

وآثارُ وَصْلٍ في هَواكِ حَفِظْتُها ... تحياتٌ رَيْحانٍ، وعضَّاتُ تُفَّاحِ
وكُتْبٌ لِطافٌ حَشْوُها المسكُ أُدْرِجَتْ ... على رَصْفِ أَحزانٍ وتعذيبِ أَرواحِ
يُخَلْنَ تَعاويذاً بِجَنْبِي كأَنما ... أُمسُّ بَخَبْلٍ في مَسائي وإصباحي
دريد:
أَتجزَعُ إِن شطَّتْ، وتَبخَلُ إِن دَنَتْ ... فكلٌّ لنا مِنها عذابٌ مُوكَّلُ
فإنْ حَضرَتْ لم تنتفعُ بِحضُورِها ... وتشتاقُ إن غابَتْ إِليها وتَذْهَلُ
آخر:
وَلي فُؤادٌ إذا طالَ العذابُ بهِ ... طارَ اشتياقاً إلى لُقيا مُعذِّبِهِ
يَفديكَ بالنفسِ صَبٌّ لو يكونُ له ... أَعزَّ من نَفسِهِ شئٌ فداكَ بهِ
البعيث، وهو من نادر وصف الليل بالطُّول:
لقد تَركَتْني أُمُّ عمروٍ ومُقلتَي ... هَمُولٌ، وقَلبي لا تُفِيقُ بلابِلُهْ
تَطاولَ هذا الليل حتى كأنَّما ... إذا ما مَضى تُثنى عليه أَوائِلُهْ
عمر بن أبي ربيعة:
نَظرتُ إليْها بالمُحصَّبِ من مِنى ... وَلي نظرٌ لوْلا التحرُّجُ عارِمُ
وقلتُ أشمسٌ أم مصابيحُ بِيعةٍ ... بَدتْ لك تحت السِجْفِ، أم أنتَ حالِمُ
بعيدةُ مَهْوى القُرطِ إِما لنوفلٍ ... أبوها ، وإما عبد شمسٍ وهاشِمُ
فلم أستطعها غير أن قد بدت لنا ... عشية راحت، وجهها والمعاصمُ
معاصمُ لم تضرب على البهم بالضحى ... عصاها ، ووجه لم تلحه السمائمُ
أنشد ثعلب :
ولما تَبيَّنْتُ المنازلَ من منى ... ولم تُقضَ لي تَسليمَةُ المُتَزَوِّدِ
زَفرتُ إِليها زفرةً لو حَشوْتُها ... سَرابيلَ أَبدانِ الحديدِ المُسرَّدِ
لَفُضَّتْ حَواشِيها، وظلَّتْ بِحرِّها ... تَلينُ كما لانتْ لِداودَ في اليدِ
جميلٌ:
وَيقُلْنَ إِنكَ قد رضيتَ بباطلٍ ... منها، فهل لكَ في اعتزالِ الباطلِ
ولَباطِلٌ ممن أَلَذُّ حديثَه ... أَشهى إِليَّ من البَغيضِ الباذِلِ
وَلَرُبَّ عارضةٍ علينا وَصلَها ... بالجِدِّ تخلطُه بقولِ الهازِلِ
فأَجبتُها في القولِ بعد تَسَتُّرٍ ... حُبي بثينةَ عن وِصالِك شاغِلي
لو كان في قلبي كَقدر قُلامةٍ ... فضلٌ لزرتكِ أو أَتتكِ رسائلي
يَمشيِنَ حولَ عَقيلةٍ منسوبةٍ ... كالبدرِ بينَ دمالِجٍ وخَلاخِلِ
نضحُ الحميم يجولُ في أقرابها ... حولَ الحباب إلى الحباب الجائل
يَعضَضْنَ من غيظٍ عليَّ أناملاً ... وَوَدِدْتُ لو يَعْضَضْنَ صُمَّ جَناِلِ
يزعُمنِ أَنكِ بابثينَ بخيلةٌ ... نَفْسي فَداؤُكِ من ضنينٍ باخِلِ
وَلَئنْ أَلِفْتُكِ أو وَصلتُ حبالَكُمْ ... لَعلى المودَّةِ مِن ضَميرِ الواصِلِ
فَصِلي بِحبْلِكِ يابُثينَ حَبائلي ... وعِدي مَواعدَ مُنجِزٍ أو ماطِلِ
ابن محلم:
أَلا يا حَمامَ الأَيكِ إلفُكَ حاضِرٌ ... وغُصنُكَ ميَّادٌ فَفيمَ تَنوحُ
أَفي كلِّ عامٍ غُربةٌ ونُزوحُ ... أمَا لِلنَّوى مِن وَنيةٍ فتُريحُ
لَقد طَلَّحَ البينُ المُشِتُّ رَكائبي ... فهلْ أَرَيَنَّ البَيْنَ وهو طَليحُ
وهيَّجني بالرَيِّ نَوحُ حمامةٍ ... فنُحتُ، وذو الشَجْوِ الحزينُ ينوحُ
على أنها ناحتْ ولم تُذْرِ عَبرةً ... ونُحتُ وأَسرابُ الدمُوعِ سفوحُ
وناحتْ، وفَرخاها بِحيثُ تراهُما ... ومِنْ دونِ أَفراخي مَهامِهُ فِيحُ
عروة:
حَلَفْتُ لَها بالمشْعَرَيْنِ وَزَمْزَمٍ ... وذو العَرشِ فوقَ المُقسِمين رقيبُ
لَئِن كانَ بردُ الماءِ حرَّانَ صادياً ... إليَّ حبيباً، إنها لَحبيبُ
ذو الرمَّة:
إذا خَطَرتْ من ذِكِر مَيَّةَ خطرة ... على القلبِ كادتْ في فؤادِكَ تَجرَحُ
وإنْ غيََّرَ النأيُ المُحبينَ لم أجِدْ ... رَسيسَ الهوى مِن حُبِّ ميةَ يبرَحُ
أرى الحُبَّ بالهِجرانِ يُمحى فَيَمْتَحي ... وحُبُّكِ مِنَّا يَسْتَجِدُّ ويصرَحُ
فلا القربُ يُدني مِنْ هواها مَلالَةً ... ولا حُبُّها إِنْ تَنزحِ الدار يَنَزحُ
لَئِنْ دامَتِ الدُنيا عليَّ كما أَرى ... تباريحَ من ذكراكِ فالموت أروَحُ

ابن الدُميْنةَ :
ولا أَنسَ مِ الأشياء لا أنسَ قولَها ... أَتَتْرُكُني في الدارِ وَحدي وتذهبُ
فقلتُ لُها : واللهِ لو كانَ مُمْكِنا ... مقامي لَكانَ المَكْثُ عنديَ يُعجبُ
فردَّتْ على فِيها اللِثامَ وأَدْبرتْ ... وراجَعَني مِنها بَنانٌ مُخَضَّبُ
وأَنشدَ :
سَلْني عَن الحُبِّ يا مَن ليس يعرفُه ... ما أطيبَ الحُبَّ لولا أَنه نَكَدُ
طَعْمانِ :حُلوٌ ومُرٌ ليسَ يَعدِلُهُ ... في حَلْقِ ذائقهِ سُمٌّ ولا شَهدُ
المَوصليّ :
لَما رَأَيْناهُمْ يَزُمُّونا ... قُلنا لهم : أَينَ تُريدونا
قالوا : فما كَثْرَةُ تَسآلِكُمْ ... قُلنا لهم : نحن المُحِبّونا
فأَبْرَزَتْ من هَوْدَجٍ جِيدَها ... بيضاءَ تُذري الدمعَ مَكْنونا
قالت :تركتَ الوصلَ في حينه ... وجِئتَ عند البَيْن تُؤْذِينا
أحمد بن أبي فَنَن :
ألا رُبَّ يُمنَعُ النومُ دونَه ... أقامَ كَقَبْضِ الراحَتيْن على الجَمْرِ
بَسطْتُ له وجهي لأكْبِتَ حاسِدا ... وأبديتُ عن نابٍ ضَحوكٍ وعن ثَغرِ
وشوقٍ كأطراف الأسِنَّةِ في الحشا ... مَلكتُ عليه طاعةَ الدَّمعِ أن يَجري
وقال محمد بن صالح الطوسي :
رَقيقةُ مجرى الدمعِ أَمَّا شبابُها ... فَغَضٌّ وأمّا الرأيُ مِنها فَكامِلُ
رُدَيْنيَّةُ الأعْلى هِجانٌ عَقيلةٌ ... بِأَعْطافِها الجاديُّ والمِسكُ شامِلُ
أُبو نُواس
تَركتني الوُشاةُ نصبَ المُشِيري ... ن وأُحدوثةً بكلِّ مكانِ
ما أرى خالِيَيْنِ في السرِّ إلاَّ ... قلتُ ما يَخْلُوانِ إلاَّ لِشاني
أخذه من قول بشّار :
يُرَوِّعُه السِرارُ بكل فَجٍّ ... مَخافةَ أَنْ يكونَ به السِرارُ
ذو الرُمَّة :
فما ظَبيةٌ تَرعى مَساقِطَ رَملةٍ ... سقى الواكفُ الغادي لها وَرَقاً نَضْرا
رأتْ أَنَساً بَعدَ الخَلاء فأقبلتْ ... ولم تبدِ إلاَّ في تَصرُّفها ذُعْرا
بِأحسنَ من ميٍّ عَشيّةَ طالعتْ ... لِتَجْعَلَ صَدْعاً في فؤادِكَ أو وَقرا
بِوجهٍ كَقَرْن الشمسِ حُرٍّ كأنما ... تَهيضُ بهذا القلب لَمْحتُهُ كَسْرا
وعينٍ كأنَّ البابِليَّيْنِ لَبَّسا ... بِقلْبِكَ مِنها يومَ مَعْقُلةٍ سِحرا
الأقرع بن معاذ:
وما أَنس مِ الأَشياءِ لا أنسَ قولَها ... بِنفسيَ بيِّنْ لي مَتى أنتَ راجِعُ
فقلتُ لها: واللهِ ما من مُسافِرٍ ... يُحيطُ له عِلمٌ بِما اللهُ صانِعُ
فقالتْ: ودمعُ العينِ يحدرُ كُحلَها ... تركتَ فؤادي وهو بالبيْنِ رائِعُ
وأَلقتْ على فيها اللِثامَ وأَدْبَرَتْ ... وأَقبلَ بالكُحل السحيقِ المَدامِعُ
أبو نواس:
ومُظهِرَةٍ لِخَلْقِ اللهِ بُغضاً ... وتُلقى بالتَحيةِ و السَّلامِ
أتيتُ فؤادَها أَشكو إِليهِ ... فلم أَخْلصْ إِليهِ من الزِحامِ
فيا مَنْ ليس يَكفيهِ خليلٌ ... ولا أَلْفا خليلٍ كلَّ عامِ
أراكِ بقيةً من قومٍ مُوسى ... فهم لا يَصبرون على طَعامِ
أعرابي:
شَكوتُ فقالتْ: كُلُّ هذا تَبرُّماً ... بِحُبي، أَراحَ اللهُ قلبَكَ مِن حُبّي
فلمّا كَتمتُ الحًبَّ قالت: لَشَد َّما ... صَبرْتَ، وما هذا بِفعلِ شَجِي القلبِ
وأَدنو فَتُقْضيني، فأَبعُدٌ طالِباً ... رِضاها، فَتَعْتَدُّ التَباعُدَ مِن ذَنْبي
فَشكْوايَ تُؤذيها، وصَبْري يَسوؤها ... وتَجزعُ مِن بُعدي، وتَنْفِرُ مِن قُربي
فيا قومُ هلْ مِن حِيلةٍ تَعْرِفونها ... أَعينوا بِها، واسْتوْجِبوا الشُكرَ مِن رَبيّ
وقال الأحوص: ووجدتها في ديوان نصيب:
وما هَجَرَتْكِ النفسُ يا مَيَّ أنّها ... قَلَتْكِ، ولا أَنْ قَلَّ منكِ نَصيبُها
ولكنَّهم، يا أَمْلحَ الناسِ، أولِعوا ... بِقوْلٍ، إذ ما جِئْتُ، هذا حبيبها
أعرابي:
لعمرُ أَبي المُحصينَ أيَّامَ نَلْتقي ... لِما لا نُلاقيها مِنَ الدَّهرِ أَكثرُ
يَعُدُّون يوماً واحداً إن أَتيتُها ... ويَنسوْنَ ما كانتْ من الدهرِ تَهجُرُ
ابن الدمينة:

بِنفسيَ من لا بُدَّ أَنيَ هاجِرُه ... وأَني على المَعسورِ واليُسر ذاكِرُهُ
ومَن قدْ رَماهُ الناسُ حتى اتقاهُمُ ... بِبُغْضيَ إِلاَّ ما تُجنُّ ضمائرُهُ
جميلُ:
أَتهجُرُ هذا الربعَ أم أَنت زائِرُهُ ... وكيف يُزارُ الربعُ قد بان عامِرُهْ
رأَيتُك تأتي البيتَ تُبغِضُ أهلَه ... وقلبُكَ في البيتِ الذي أنتَ هاجِرُهْ
مضرِّس بن ربعي:
ألا قُلْ لِدارٍ بين أكثِبَةِ الحِمى ... وذاتِ الغضا جادت عليكِ الهواضبُ
أجِدَّكِ لا أغشاكِ إلاّ تقلَّبتْ ... مِن العين أو كادتْ دموعٌ سواكبُ
ذو الرُّمة:
إذا اسْتوْدعتْه صفصفاً أو صريمةً ... تنحَّتْ ونصَّتْ جيدَها بالمَناظِرِ
حذاراً على وسنانَ يصرَعُه الكَرى ... بكُلِّ مَقيلٍ عن ضِعافٍ فواتِر
وَتَهجُرهُ إِلاَّ اختلاساً بطرفها ... وكم من مُحِبٍّ خِيفَةَ العين هاجِرِ
الحارِثيّ:
إذا أنتَ لم تُؤمنْ بما تصنعُ النوى ... بأَهل الهوى فافْقِدْ حبيباً وجَرِّبِ
تَجدْ حُرُقاتٍ يلذعُ القلبَ حرُّها ... بأَنضجَ من كَيِّ الغضا المتلَهِّبِ
قيس:
تصَبُّ إلى سُعدى على نَأيِ دارها ... ولم يَكُ يُجدي، والمزارُ قَريبُ
ولاحظَّ من سُعدى لنا غيرَ أننّا ... تَقطَّعُ أنفاسٌ لنا وقُلوبُ
وقال ابن المعتز:
أيا مَنْ فؤادي بِه مُدنَفُ ... حُجِبْتَ فلي دَمعةٌ تَذْرِفُ
إذا حَجَبوا مُقْلتي أَنْ تَرا ... كَ فقَلبي يَراكَ ولا يَطرِفُ
العطويّ:
فما ازْدحمتْ عيرٌ على وردِ منهَلٍ ... دَنا وردُها تَرعى النَجيلَ من الحَمْضِ
تزاحُمَ دمْعي في الجُفونِ وقد غَدَتْ ... حُداتُهم بين القَرينينِ فالعِرْضِ
وَقد تَركوني في الديارِ كأنَّني ... سَليمٌ حَوَتْه الأُفعوانةُ بالعَضِّ
ولا أُمُّ أملاطٍ أَقامتْ فِراخَها ... على فنَنٍ في الضَّالِ ذي المُنحنى الغضِّ
رأي سَوذَنِيقُ الجوِّ منهنَّ غُرَّةً ... فَكَفْكفَ يبغيهنَّ كالنجْمِ في القضِّ
ولا أُمُّ خِشْفٍ أقبلت بعدِ فيقةٍ ... لِتمنَحَه من ضِرْعِها صَفْوةَ المَحْضِ
فأبصرتِ المَعْبوطَ رَدْعَ إهابهِ ... وقد خَبَّ آلُ الصَحصَحانِ على الأرضِ
بِأوجدَ مني يومَ قالتْ حُداتُهم ... أمُستَوْطِنٌ بعدَ الظَعائنِ أَمْ تَمضي
وقال أبو زرعة الدِّمشقي:
فراقُكِ في غدٍ وغدٌ قريبٌ ... فَوا أَسفا على البين القريبِ
فيا صدرَ النهارِ إِليكِ عني ... ويا شمسَ الأَصائِل لا تَغيبي
القُطامي:
وأرَّقني أن لا يزالَ يروعني ... غزالُ أُناسٌ قاصرُ الطرف فاتِرُهْ
له مستظلٌّ باردٌ في مخدَّرٍ ... كنينٍ إِذا شعبانُ حمَّتْ هواحِرُهْ
بعينيكَ تنظارٌ إِلى كل هودجٍ ... وكلِّ بشيرِ الوجهِ حرٍّ مسافِرُهْ
تراهُ وما تسطيعهُ غيرَ أنهُ ... يكونُ على ذي الحلم داءً يُخامِرهْ
إذا تاقَ قلبي أو تطرَّبه الهوى ... فليستْ له بقيا ولا الحلمُ زاجِرُهْ
عصى كلَّ ناهٍ واستبدَّ بأمره ... فما هو إلاَّ كالعشير تُؤامِرهْ
ذو الرُمَّة :
فوالله ما أدري أجولان عبرة ... تجود بها العينان أجدى أم الصبرُ
وفي هملان العين من غصة الهوى ... رواحٌ وفي الصبر الجلادة والأجْرُ
علي بن الجهم :
أما ينفك من لومٍ دراك ... محبٌّ لا يحن إلى سواكِ
لئن ألهيتهِ عن كلِّ شيءٍ ... لما ألهاهُ شيءٌ عن هواكِ
آخر :
ولقد مررتُ على العقيق وأهلُهُ ... يشكونَ من مَطرٍ الربيعِ نُزورا
ما ضرَّكُمْ إذ كان أحمد جاركم ... ألا يكون ربيعكم ممطورا
تبكي عليَّ فدمعُها ... على حالِهِ في جفنهِا مُتََحَيِّرُ
الأشجع:
ومحرونةٍ عند الفراق رأيتُها ... وفي القلبِ منها جمرةٌ تتسعَّرُ
تطيَّرُ أن تبكي عليَّ فدمعها ... على حالهِ في جفنها متحيِّرُ
فقلتُ : قضاءُ الله فرَّق بيننا ... فقالت : قضاءُ الله ما كنتُ أحذرُ
فقلتُ : وأيامٌ أغيبُ يَسيرةٌ ... فقالتْ : لِيَ الأيامُ بَعدَكَ أشهُرَ

فقلتُ :اصْبِري مافي بكائكِ راحةٌ ... ولا كلٌّ محزونٍ له الصبرُ يقدَرُ
فقالتْ : أتوصيني بما لست فاعلاً ... ألا في سبيلِ الحبِّ ضاعَ التصبُّرُ
ابن المعتز :
بقلبي لِنار الهوى جَمْرَهْ ... وللشَّوق في كبدي عَبْرَهْ
وأسخنَ عيني حبيبٌ نَأى ... وكانتْ لعيني به قُرَّهْ
يقولون لي خيرةٌ قي الفِرا ... ق فقلتُ لهم خيرةٌ مرَّهْ
الحارثي :
أقولُ وقد صاحَ ابنُ دَأيةَ غدوةً ... ببينٍ ألا لا أخطأتكَ الشوابكُ
أفي كلِّ يومٍ رائِعي أنتَ روعةً ... ببينونةِ الأَحبابِ عِرسُكَ فارِكُ
فلا بِضتَ في خضراءَ ما عشتَ بيضةً ... وضاقتْ برحْباها عليكَ المسالِكُ
الأحوصُ :
ألا لا تلمه اليومَ أن يتبلَّدا ... فقد غُلِبَ المحزونُ أن يتجلَّدا
بكيتُ الصبا جهدي فمن شاءَ لامني ... ومن شاءَ آسى في البكاءِ وأسعدا
وما العيش إلا ما تلذُّ وتشتهي ... وإِن لامَ فيه ذو الشَّنانِ وفنَّدا
إذا أنتَ لم تعشَقْ ولم تدرِ ما الهوى ... فكُن حجراً من يابِس الصخر جلمَدا
المعلوط:
فما وجدُ مِلواحٍ من الهيم حُلِّئتْ ... عن الماءِ حتى جوفُها يَتصَلْصَلُ
تحومُ وتَغشاها العِصيُّ وحولها ... أَقاطيعُ أَنعامٍ تُعلُّ وتُنهلُ
بِأعظمَ مني غُلَّةً وتعطُّفاً ... إلى الوِرْد إلاّ أَنني أَتجمَّلُ
آخر:
فيا حبَّذا نجدٌ وطيبُ ترابِه ... إذا هضبته بالعشيِّ هواضِبُهُ
وريحُ صَبا نجدٍ إذا ما تنسَّمتْ ... ضُحىً وسرَتْ غِبَّ الظَلامِ جَنائِبُهُ
بأجرعَ ممراعِ كأَنَّ رِياحَه ... سَحابٌ من الكافورِ والمِسْكُ شائِبُهْ
ابن أبي عيينة:
مَرَّتِ اليومَ سافِرهْ ... لصَّةُ العينِ ساحِرهْ
إنَّ دُنيا هيَ التي ... تَسحرُ القلبَ ناظرَهْ
سَرقوا نصفَ إسمِها ... وهْي دُنيا وآخِرَهْ
ابن المعتز:
ينسي التجلُّدَ قلبي حين أذكُرهُ ... وتهجُرُ النومَ عَيْني حين أهجُرُهُ
وإنْ كتمتُ الهوى أَبدى الهوى نَظري ... والقلبُ يَطوي الهوى والعينُ تنشُرُهُ
وما تذكَّرتُه إِلاّ وجدتُ له ... في داخل القلبِ صَوَّاراً يُصوّرُهُ
وما قَصرْتُ على تَذكار رُؤيته ... إلاّ استطابَ على قلبي تذكُّرهُ
ولا غضِبتُ عليهِ ثمّ أَلحظُهُ ... إلاّ رَضيتُ وقامَ الحبُّ يَعذرُهُ
وقال أبو زرعة الدمشقي:
خبَّروني أَنْ قد غَضِبْتِ لأَنْ قبَّ ... لْتُ عينَ الرَسولِ لمَّا أَتاكِ
ثُم أودعتِ وجْهَهُ ريقَكِ العذ ... بَ، ووجْهي أَحقُّ منه بِذاكِ
أكرِميني بما أهَنتِ بهِ الخا ... دمَ لمّا غضبتِ نَفسي فِداكِ
قيسٌ:
فيا لَهفَ نفسي كلَّما التحتُ لوحةً ... إلى شرْبةٍ من ماءِ أحواض ناصِبِ
بَقايا نِطافِ المصدرينَ عشيَّةً ... بمحدورةِ الأَرجاءِ حصرِ النَصائبِ
ترقرقَ ماءَ المُزنِ فيهنَّ والتقتْ ... عليهنَّ أنفاسُ الرياحُ الغَرائبِ
كثيّر:
فقلتُ لها عُزيزَ مطلتِ دَيْني ... وشرُّ الغانياتِ ذَوو المِطالِ
فقالت: وَيحَ غيرِكَ كيف أَقضي ... غريماً ما ذهبتُ له بمالِ
الواسطي:
يامن يُسائلُ أينَ حلَّ حبيبُهُ ... جهلاً، ويترُكُهُ لبعدِ مزارِهِ
لو كان قلبُك صادقاً في حبِّهِ ... رَحَلتْ بكَ الأشواقُ في آثارهِ
إن سارَ سِرتَ وإن يُقمْ لم تتخذْ ... وطناً سوى وطنِ الحبيبِ ودارِهِ
لا كنتُ حين أقولُ أينَ قرارهُ ... أينَ الخليطُ جَهالةً بِقرارهِ
وقال الأقرع بن معاذ:
أقولُ لِمفتٍ ذاتَ يومٍ لقيتُهُ ... بمكَّةَ والأنضاءُ مُلقىً رِحالُها
فَديتُكَ خبِّرني عن الظبيةِ التي ... أَضرَّ بجسمي مُنذُ حينٍ خيالُها
فقال: بلى واللهِ أن سيصيبُها ... مِن اللهِ بَلوى في الحياةِ تَنالُها
فقلتُ ولم أملكْ سوابِقَ عَبرةٍ ... سَريعٍ على جيْبِ القميصِ انهمالُها
عفا اللهُ عَنها كلَّ ذنبٍ ولُقِّيتْ ... مُناها، وإن كانت قليلاً نوالها
آخر:

ودَّعينَي لسفرهْ ... بِلحظةٍ مِن نظرِهْ
لم يستطعْ لي غيرَ ذا ... لِخَوفِهِ وحذَرِهْ
يا ربِّ ما أقبَحَني ... مُسائلاً عن خبرِهْ
ابن وهيب:
للقلبُ يَحسُدُ عيني لذَّةَ النظرِ ... والعينُ تحسُدُ قلبي لذَّةَ الفِكَرِ
تَشاغلا فأضرَّاني وما نفَعا ... وعَلَّقا بِلِساني عُقلَةَ الحَصرِ
كثيِّر:
أقيمي فإنّ العمرَ يا عزَّ بعدكم ... إليَّ إذا ما بِنتِ غيرُ جميلِ
أُريدُ لأَنسى ذكرَها فكأنَّما ... تَمثَّلُ لي ليلى بكلِّ سَبيلِ
مسلم بن الوليد:
سقى اللهُ أياماً لنا لسْنَ رُجَّعا ... وسَقياً لِعصرِ العامِريَّةِ من عصرِ
ليالي أَجرَرتُ البَطالةَ مِقودي ... تمُرُّ الليالي والشُهورُ ولا أدري
جميل:
أَلا ليتَ قلبي عن بُثينةَ يذهلُ ... ويبدو لهُ الهجرانُ أوْ يتبدَّلُ
فتؤذِنَنا بالصّرمِ أو ينثني الهوى ... على دَنِفٍ قد كادَ بالصّرمِ يَخزلُ
بعثتُ إليها صاحبِِي برسالةٍ ... وذو الحاجِ مبعوثٌ إليه ومُرسلُ
فقالتْ بأخفى ما يكونُ: أَلا ترى ... مُكوكبَهم حوْلي أشاوسُ جُهَّلُ
فقلتُ: أَرى قوماً تَغشاهُمُ الكَرَى ... فهمْ منهُ صَرعى لا يهُبُّونَ كسَّلُ
فإن أرَ مِنهمْ كالهُبوبِ أفُتهُمُ ... وأسبقْهُمُ إنْ كانَ لي مُتمَهَّلُ
فإن يأخُذوني عندَ بيتِك يَعلَموا ... بأنِّي مَشبوحُ الذِراعيْن جُلْجُلُ
ابن ميادة:
مَوانعُ لا يعطينَ حَبَّةَ خَردلٍ ... وهُنَّ دوانٍ في الحديثِ أوانسُ
ويكرهنَ أنْ يَسمعنَ في الحبِّ ريبةً ... كما كَرهتْ صوتَ اللِّجامِ الشَّوامسُ
العلويّ:
بِأبي الذي أنا في لَذاذةِ حُبِّهِ ... مُستقصرٌ أعمارَ سَبعةِ أنْسُرِ
مَدَّ الهوى بيْني وبينكِ غايةً ... أَقصى مَداها خَلفَ يومِ المَحشَرِ
فروة ابن حميضة:
آهٍ من البارقِ الذي لمَعَا ... ماذا بِقلبي ومُقلَتي صَنَعا
أَهيمُ في الطُرقِ شِبهَ والهةٍ ... لعلَّ عيني عَليكِ أَنْ تَقَعا
الموصليُّ:
راحوا ورحنا على آثارهم أُصُلاً ... مُحمَّلينَ مِن الأحزانِ أوقارا
كأنَّ أنفُسَنا لم ترتحِلْ أَبداً ... أو سِرْنَ في أوَّلِ الحيِّ الذي سارا
ابن طاهر:
قد تحذَّرتُ والحذَرْ ... ليسَ يُنْجي مِنَ القَدَرْ
ليسَ من يكتُمُ الهوى ... مِثْلَ من باحَ واشْتَهرْ
إنَّما يَعرِفُ الهوى ... منْ على مُرِّهِ صَبَرْ
نَفسُ يا نفسُ فاصبْري ... إنَّهُ من صَبَرْ ظَفرْ
وقال:
قامتْ تُودِّعُنا والعينُ ساكِبَةٌ ... كأنّ إِنسانَها في لُجَّةٍ غَرقُ
ثم استدارَ على أرجاء مُقلتِها ... مُبادِراً سَلساً كالدُرِّ يَستَبِقُ
كأَنه حين فار المأْقِيانِ به ... دُرٌّ تَحدَّرَ من أسلاكِهِ نَسَقُ
الحسن بن وهب:
لا وحُبّيك لا أُصا ... فِحُ بالدَّمعِ مَدمَعا
من بكى شَجوَهُ تَعزّى ... وإنْ كان مُوجَعا
ابنُ الروميّ:
ولمَّا أَزمَعوا بيناً وشدّوا ... هَوادِجَهم بأثناءِ النُسوعِ
تلاقَيْنا لقاءً لافْتِراقٍ ... كِلانَا منه ذو قلبٍ مَروعِ
فما افْترَّتْ شَفاهٌ عن ثغور ... بل افْترَّتْ جفونٌ عن دموعِ
عبد الله بن أبي الشّيص:
جَعلتْ تُواصِلُ بالدُموعِ دُموعا ... جَزَعاً ولم تَكُ قبلَ ذاكَ جَزوعا
وجرى لها دمعٌ يُعصْفُرهُ دمٌ ... في صَحن وجنتِها فعاد نجيعا
فكأنَّه خَرزُ العَقيقِ مُفَصَّلاً ... بالدُّر يُحسَبُ سِلكُهُ مقطَوعا
ابن مناذر :
كانوا بعيداً فكنتُ آملُهم ... حتى إذا ما تقاربوا هجروا
فالبعدُ مِنهمْ على جفائِهمُ ... أَنفعُ من هَجرِهم إذا حَضروا
إبراهيمُ بنُ العبّاس:
ألا لا يضرُّ النفسَ هجرانُ ذي الهوى ... إذا غالَهُ صرفُ النّوى ومقادرُهْ
ولكنَّ مثلَ الموتِ هجرانُ ذي الهوى ... حِذارَ الأَعادي والحبيبُ مُجاورُهْ
الأحوص:
يا بيتَ عاتكةَ الذي أتغزَّلُ ... حَذرَ العِدى وبهِ الفؤادُ موكَّلُ

هل عيشُنا بكَ في زمانِكَ راجعٌ ... فلقد تفاحشَ بعدَكَ المتَعلِّلُ
أصبحتُ أمنحُكَ الصدودَ وإنني ... قَسماً إليكِ مع الصدودِ لأميلُ
ولقد نزلتِ من الفؤادِ بمنزلٍ ... ما كانَ غيرُكِ من حبيبٍ يَنزلُ
ولقد شكوتُ إليكِ بعضَ صَبابتي ... وَلمَا كَننتُ من الصَبابةِ أفضلُ
إنَّ الشبابُ وعيشَنَا اللذَّ الذي ... كُنّا به زمناً نُسَرُّ ونَجْذلُ
ذهبتْ بشاشتُه وأصبح ذِكرُه ... شَجَناً يُعلُّ بِهِ الفُؤادُ ويُنْهَلُ
أَودى الشبابُ وأخلقتْ لذَّاتُه ... وأَنا الحزينُ على الشَبابِ المُعولُ
أبكي لِما قَلب الزمانُ جديدَهُ ... خَلقاً وليس على الزَمانِ مُعوَّلُ
إبراهيم بن العبَّاس:
دَنتْ بأُناسٍ عن تَناءٍ زيارةٌ ... وشَطَّ بِلَيْلى عن دُنوٍّ مَزارُها
وإنَّ مُقيماتٍ بمنقطع اللِّوى ... لأَقرَبُ من ليْلى وهاتِيكَ دارُها
كثيِّرٌ:
وإني لأَرْضى منكِ ياعَزَّ بالذي ... لو أيقَنهُ الواشي لقرَّت بَلا بِلُهْ
بِلا، وبأنْ لا أستطيعُ وبالمُنى ... وبالوعدِ حتى يسأمَ الوعدَ آملُهْ
وبالنَظرةِ العَجْلى وبالحَوْلِ تَنْقضي ... أَواخِرُهُ لا نلتَقي وأَوائلُهْ
أَنشد:
ذكرُ الحَبيبِ بِخاطِري ... هو مُؤنسي ومُسامِري
غَرَسَ الهوى شجرَ المُنى ... فحماهُ سِرُّ ضَمائِري
وشَمَمْتُ رَيْحانَ الرِضى ... مِن عالمٍ بِسرائري
يا مَن شَكرتُ صَنيعَهُ ... زِدْني مَزَيَدَ الشاكِرِ
عبد الله بن أبي الشيِّص:
ومُعرِضةٍ تظنُ الهجرَ فَرضا ... تَخالُ لِحاظَها للضَّعْفِ مَرضى
كأني قد قتلتُ لها قتيلاً ... فما مِني بغيرِ الهَجرِ تَرضى
الأشجع:
إذا الليلُ أَلْبَسني ثَوبَهُ ... تَقَّلبَ فيهِ فتىً مُوجَعُ
وها أنتَ تَبكي وهمْ جِيرةٌ ... فكيفَ تكونُ إذا وَدَّعوا
أَتطمعُ في القُرب بعدَ البِعا ... دِ، فَبِئْسَ لَعمرُكَ ما تصنعُ
بشَّار:
يُعيِّرني في حُبِّ عَبدةَ نِسوةٌ ... قلوبُهم فيها مُخالِفَةٌ قلبي
فقلتُ: دَعوا قلبي وما اختارَ وارتضى ... فَبالقلب لا بالعَينِ يُبصرُ ذو اللُبِّ
وما تبصرُ العينانِ في موضِعِ الهوى ... ولا تسمعُ الأُذْنان إلاَّ مِن القلبِ
وما الحُسنُ إلاَّ ما دَعاكَ إلى الصِّبا ... وألَّفَ بينَ الوُدُّ والعاشِق الصَبِّ
ذو الرمَّة:
فياميُّ هلْ تجزينَ ودّي بمثلِهِ ... مِراراً وأَنفاسي إليكِ الزوافِرُ
وإذْ لا يَنالُ الرَكبُ تَهويمَ ساعةٍ ... مِن الليلِ إِلاّ اعْتادَني مِنكِ زائرُ
وأني متى أُشرفْ إلى الجانبِ الذي ... بهِ أَنتِ من بَينِ الخواطرِناظِرُ
العبَّاس:
تَعبٌ يدومُ لذي الرَّجاءِ مع الهوى ... خيرٌ له مِنْ راحةٍ في اليأسِ
لولا محبَّتُكم لمَا عاتَبتُكُمْ ... ولَكُنتُمُ عِندي كِبِعضِ الناسِ
وضدُّه ما أنشده الأصمعيُّ:
ومَوْلىً كأَنَّ الشمسَ بَيني وبَينَهُ ... إذا ما التقَينا لَستُ ممَّنْ أُعاتبُهْ
ولفظه أحسن من لفظ غيره:
إذا أبصَرْتَني أَعرَضتَ عنّي ... كأنَّ الشمسَ مِن قبلي تَدورُ
وفي بيت المتنبي سوء عبارةٍ:
كأنَّ شُعاعَ عينِ الشمسِ فيهِ ... فَفي أَبصارِنا عنه انكِسارُ
النَّمري:
مَنعوا زيارتَه فمُثِّلَ شخصُهُ ... لِلقلبِ، فهو مُحجَّبُ لا يُحْجَبُ
لو كان يقدرُ أن يَبثَّكَ ما بهِ ... لَرأيْتَ أَملحَ عاتِبٍ يتَعتَّبُ
الحمّاني:
تعزَّ بصبرٍ لا وَجدِّكَ لا تَرى ... عِراصَ الحِمى أُخرى الليالي الغوابِرِ
كأنَّ فؤادي مِن تَذكُّرِه الحِمى ... وأَهلِ الحِمى يَهفو به ريشُ طائرِ
العباسُ بنُ الأحنف:
ظلَّتِ الأحزانُ تكحلُني ... مَضَضاً طارتْ له سِنَتي
مِن هَوى ظبيٍ كأنَّ له ... أَرباً بالصَدِّ في ترَتي
قد حَمى طَرْفي مَحاسنَه ... وحَمى تَقْبيله شفَتي
شَرِكَتْ عَيناهُ ظالِمَةً ... في دَمي يا عِظْمَ ما جنَتِ
أعرابي:
أقولُ والدَّهْماءُ تَمشي والفصلْ

قَطعَّتِ الأَحداجُ أَعناقَ الإِبلْ
آخر:
إنَّ لها لَسائقاً خَدَلَّجا
غَضيضَ طَرْفِ المُقْلتينِ أَدعَجا
لم يدَّلِجْ في الليلِ في من أَدْلجا
وقال ابن المُعذَّل:
أنّ السرورَ تَصرَّمتْ أيامُهُ ... مِنّي وفارقَني الحبيبُ المُؤْنِسُ
حالانِ لا أنفَكُّ من إحداهما ... مُستَعبراً أَو باكياً أَتنفَّسُ
ولَمثلهِ بكتِ العيونِ صَبابةً ... ولَمثلهِ حِزِنتْ عليه الأنْفُسُ
نصيب:
بزينبَ ألمْمْ قبلَ أنْ يَظعنَ الرَكْبُ ... وقُلْ إن تملِّينا فما مَلَّكِ القلبُ
وقُلْ إن تُنلْ بالحبِّ منكِ مودةٌ ... فلا مثلَ ما لاقيتُ في حبكْم حُبُ
فمَنْ شاءَ رامَ الصُرْمَ أو قال ظالِماً ... لذي وُدِّه ذنبٌ وليسَ لهُ ذنبُ
خليليَّ مِن كَعبٍ أَلِمّا هُديتُما ... بزينبَ لا تفقِدْ كُما أبداً كعبُ
مِنَ اليومِ زوارها فإنَ ركابَها ... غَداةَ غدٍٍ عنها وعن أهلها نُكْبُ
وَقُولا لَها يا أُمُّ عُثمانَ خُلَّتي ... أَسِلْمٌ لنا في حُبِّنا أنتِ أمْ حربُ
أبو زرعة الدمشقي:
إنَّ حظّي مِمَّن أُحبُّ كَفافُ ... لا صُدودٌ مُقصٍ ولا إسعافُ
كلَّما قلتُ قد أَنابتْ إلى الوَصلِ ... ثَناها عمّا أُريدُ العَفافُ
فَكأنّي بينَ الوصالِ وبين الهَجرِ ... مِمّن مُقامُهُ الأَعرافُ
في محلٍّ بين الجِنانِ وبين النّا ... رِ طوراً أَرجوا وطوراً أَخافُ
العلويُّ البصريُّ:
أَيا طائِرِ الصَمّانِ مالَكَ مُفرَداً ... تأسَّيتَ بي أم عاقَ إلفَكَ عائقُ
أراكَ تَقاضاني لَدى كُلِّ ليلةٍ ... إذا طَفَّلَ الإمساءُ أوَذرَّ شارقُ
أحاوَلْتَ إتياني هَوىً قد ضَمِنتُهُ ... لِفقدانِ إلفٍ ذكرُهُ لكَ شائقُ
فَبي مثلُ ما تشكو فَدُمْ نَصْطَحبْ معاً ... فإنَّك ذَو عِشقٍ وإنيَ عاشقُ
وغنِّ لنا بيتاً من الصوتِ إننّي ... لكَ اليومَ يا بِدْعاً من الطيْرِ وامِقُ
ابن دريد:
أقولُ لورقاويْنِ في فَرْعِ أَيْكَةٍ ... وقد طَفَّلَ الإمْساءُ أو جَنَح العَصرُ
وقد بَسَطَتْ هاتِي لتلكَ جَناحَها ... ومالَ على هاتيكَ من هذه النَحرُ
لِيهْنِكُما أنْ لم تُراعا بِفُرقةٍ ... ولم يَسْعَ في تَشْتيتِ شَملِكُما الدهرُ
فلمْ أَرَ مِثلي قَطَّعَ الشوقُ قلبَهُ ... على أنَّه يَحْكي قَساوتَه الصخْرُ
أبو السَّمْط مَروان:
وَلو لمْ يَهجْني الظاعِنونَ لَهاجَني ... حَمائِمُ وُرْقٌ في الدِيارِ وُقُوعُ
تَباكَيْنَ فاسْتبكينَ مَن كانَ ذا هوىٍ ... نَوائحُ لم تَقطُرْ لَهُنَّ دُموعُ
وإنّي لأُخْفي حُبَّ سَمْراءَ جاهداً ... ويَعلَمُ قَلبي أَنَّهُ سَيشِيعُ
أظلُّ كأنّي واحِدٌ بمُصيبَةٍ ... ألَمَّتْ وأهلي سالِمونَ جميعُ
سعيدُ بن حميد:
فما كانَ حُبّيها لأَوَّلِ نَظرةٍ ... ولا غَمْرةٍ من بَعْدِها فتجلَّتِ
وما كنتُ بالباكي على إثرِ مَن مضى ... وإنْ لم تكُنْ من قُربِهِ النفسُ ملَّتِ
ولكنّها الدُنيا تولَّتْ فما الذي ... يُسَلّي عنِ الدُنيا إذا ما تَوَلَّتِ
وقال ثعلبة بن أوس الكلابي:
وما ذو شُقَّةٍ نقضٌ يمانٍ ... بِنجدٍ ظِلَّ مُغتَرِباً نزِيعا
يُمارِسُ راعياً لا لينَ فيهِ ... وقيداً قد أضرَّ بهِ وَجيعا
إذا ما البرقُ لاحَ له سَناهُ ... حِجازياً سَمِعتَ له سَجِيعاً
بِأكثرَ لوعةً مني ووجْداً ... لو أنّ الشملَ كانَ بِنا جَميعا
عبد الملك بن حبيب:
ألا ليتَ شِعري هلْ أبيتنَّ ليلةً ... بِسلْعٍ، ولم تُغلقْ علي دُروبُ
وإني لأَرعىَ النَّجمَ حتى كأنّني ... على كُلِّ نَجمٍ في السَماءِ رَقيبُ
وأشتاقُ للبرق اليَماني إذا بَدا ... وَيزدادُ شوقي أن تهبَّ جَنوبُ
فما صَدَعٌ أَحمى الرُماةُ مَثابَهُ ... مِنَ الماءِ حتى فرَّ وهو شَذِيبُ
يرى الموتَ دونَ الماءِ لا يَستطيعُهُ ... يحومُ على أرجائهِ ويَلوبُ
بأوجدَ بالماء الزُلالَ تَلُفُّهُ ... إضاءُ فلاةٍ بينهنَّ لُهوبُ

مِن الهائمِ المُشتاقِ قد شَفَّ جِسمَهُ ... دواعي الهَوى تَغدو لهُ وتَؤؤبُ
وقال أبو الشِّيص:
وصِرْتُ مُطَّرَحاً في شرِّ مَنزِلةٍ ... بينَ الظُنونِ وبين الشكِّ والياس
ابن الدمينة:
أحبُّ بِلادِ اللهِ ما بينَ مَنْعجٍ ... وحرَّةِ سَلمى أنْ يَصوبَ سَحابُها
بلادٌ بها حلَّتْ عليَّ تَمائمي ... وأوَّلُ أرضٍ مَسَّ جِلدي تُرابُها
ابن الرومي:
وَلي وطنٌ آليتُ أَلاَّ أَبيعَهُ ... بشئٍ ولا أَلقى لهُ الدهرَ مالِكا
عَهِدتُ به شرخَ الشبابِ ونِعمةً ... كَنعمةِ قوْمٍ أصبحوا في ظِلالِكا
وقَد ألِفتْهُ النفسُ حتى كأنهُ ... لها جسدٌ إن غابَ غودِرْتُ هالكا
وحبَّبَ أوطانَ الرِجالِ إليهمُ ... مَآربُ قضَّاها الشبابُ هنالِكا
إذا ذَكروا أَوطانَهم ذكَّرَتْهُمُ ... عُهودَ الصِبا فيها فحنّوا لِذَلِكَا
الأخطل:
ولو أبْصرتني دَعدُ في وَسْطِ زَورقٍ ... وقد هاجَتِ الأرواحُ من كلّ جانِبِ
ونفسي على مِثل السِنانِ مُقيمةٌ ... لِما أحدَثَتْ في الماءِ أيدي الجَنائبِ
إذاً لَرَأَتْ مني كئيباً مُتَيَّماً ... يَحنُّ إليها عندَ تلكَ النَوائبِ
ويذكُرُ منها وَصلَها وحديثَها ... على حالةٍ تُنسي وِصالَ الحَبائبِ
العبّاس:
الله يعلمُ ما تركي زيارَتَكُمْ ... إِلاَّ مَخافَةَ أَعْدائي وحُرّاسي
وَلو قَدرْتُ على الإتْيانِ زُرْتُكُمُ ... سَحْباً على الوَجهِ أو مشياً على الراسِ
أبو العتاهية:
قولا لِعُتْبَةَ يا ابْنَةَ الشَّمسِ ... عَذَّبتني بالمَطْلِ والحَبْسِ
إِني لَفي كِتمانِ حُبَّكُمُ ... كَمُطَيِّنٍ يا عُتْبَ للشَّمْسِ
العبّاس:
أُحرَمُ منكُمْ بما أقولُ وقدْ ... نالَ بِهِ العاشِقونَ من عَشِقوا
صِرْتُ كأَني ذُبالَةٌ نُصِبَتْ ... تُضئُ للنّاسِ وَهْي تَحْتَرِقُ
أنشد ثعلب، ويروي لمحارم:
طَرَقَتْكَ زينبُ والرِكابُ مُناخةٌ ... بِجَنوبِ يَثْرِبَ والنّدى يتصبَّبُ
بثنيَّةِ العلَمين وَهناً بَعدما ... خَفَقَ السِماكُ وعارضتْهُ العَقْرَبُ
أَنَّى اهْتديتِ ومن هداكِ وَدوننا ... حَملٌ فَقُلَّةُ عالجٍ فالمَرْقَبُ
فتحيةٌ وكرامةٌ لِخيالِها ... ومَعَ التحيةِ و الكرامةِ مَرْحبُ
وزعمتِ أهلَكِ يمنعونكِ رَغبةً ... عنَّي فأهلي بي أضنُّ وأرغبُ
أوَ ليس لي قُرْبى إذا أقصيتني ... حَدَبوا عليَّ وعِندي المُتعَتَّبُ
فَلَئنْ دنوتِ لأدْنُونَّ بعِفَّةٍ ... ولَئِنْ نأيْتِ لَمَا وَرائي أرْحَبُ
يَأبى وجدِّكِ أن أكونَ مقصِّراً ... عقلٌ أعيشُ به وقلبٌ قُلَّبُ
آخر:
إنَّ التي هامَ بها النفسُ ... عاوَدها من سُقمها النُكْسُ
كانتْ إذا ما جاءَها المُبْتَلى ... أبْرأهُ من كفِّها اللَّمسُ
وابأبي الوجهَ المليحَ الذي ... قد حَسَدتْه الجِنُّ والإنْسُ
إن تكُنِ الحُمّى أضرَّتْ بهِ ... فرُبَّما تنكَسِفُ الشَمسُ
المصعبي:
بموضِع أظعانِ اللِّوى ومحلِّهم ... وآثارِ آياتِ الطُلول الدَوارسِ
وبالعهدِ إلاَّ للمحبَّةِ والهوى ... تَنفَّسْتُ وجداً إثرَ تلكَ المَجالِسِ
بشار:
حَوراءُ ألبسَها النعيمُ ثيابَهُ ... كَمُلتْ فكانتْ فوقَ وصفِ المُفرِطِ
ولقد لهوْتُ بها فلم أُظهرْ لها ... سُوءاً ولم أهبِطُ جميعَ المَهبطِ
ديك الجنَّ:
أما والذي أصفاكِ مني مَوَدَّةً ... وحُباً لكُمْ في حبَّةِ القلبِ يُغرَسُ
لَئنْ ظلَّ لي من فقدِ وجهكِ مُوحِشٌ ... لقد ظلَّ لي من طولِ ذِكْرِكِ مُؤنسُ
أُناجيكِ بالأوهامِ حتى كأنَّما ... أراكِ بَعْينيْ فِكْرتي حينَ أَجْلِسُ
ابن الدمينة:
وفي الدمنةِ البيضاءِ إنُ رُمتَ أهلَها ... مَهاً مُهملاتٌ ما عليهنَّ سائسُ
خَرجن لحبِ اللهِ في غيرِ ريبةٍ ... عَفائِفَ باغي اللهو منهُنَّ بائِسُ
يَردْن إذا ما الشمس لم يُخشَ حرُّها ... خِلالَ بساتينِ خَلاهنَّ يابِسُ

إذا الحرُّ آذاهُنَّ لُذْنَ بِغينَةٍ ... كَما لاذَ بالظِلِّ الظباءُ الكوانِسُ
ابنُ مُناذِر:
يَقولونَ لا تَنظُرْ، فتلكَ بَليَّةٌ ... ألا كُلُّ ذي عَيْنينِ لا بُدَّ ناظرُ
وَهل في اكتِحالِ العينِ بالعينِ ريبةٌ ... إذا عفَّ فيما بينهُنَّ السرائرُ
أبو الشيّص:
أما يُحْسِنُ من يُحْسِنُ ... أنْ يغْضَبَ أنْ يرضى
أما يَرضى بِأنْ صِرْتُ ... على الأرضِ لهُ أَرضا
حميد بن ثور:
لم أَلْقَ عمرةَ بعدَ إذ هيَ ناشئٌ ... خَرَجَتْ مُعطَّفةٌ عليها مِئْزرُ
برزَتْ عقيلةَ أَربعٍ هاديْنَها ... بيضِ الوُجوهِ كأنَّهُنَّ العبقَرُ
ذهبتْ بعقلِكَ رَيطَةً مَطويَّةً ... وهيَ التي تُهْدى بها لو تنشرُ
فَهمَمْتُ أنْ أغشى إليْها محجراً ... ولمثلُها يُغشى إليها المَحْجِرُ
آخر:
أرْعشُ إنْ أبصرْتُهُ مُقبِلاً ... كأنَّما تَرجُفُ بي الأرضُ
عَلامةُ العاشِقِ في وَجهِهِ ... رَعْدتُهُ والنظرُ الخَفْضُ
آخر:
أَلا يا عِبادَ اللهِ هذا أخوكُمُ ... قتيلاً فهلْ مِنكُمْ له اليومَ ثائرُ
خُذوا بِدَمي إن مِتُّ كُلُّ خريدةٍ ... مريضةِ جَفْنِ العينِ والطَّرْفُ ساحرُ
آخر:
وَلوْلا الدمعُ حينَ يهيجُ شَوقٌ ... لأَوْدى العاشِقونَ من الزَفيرِ
ولكنْ في الدموعِ لهم شِفاءٌ ... إذا ما الحُبُّ ألهبَ في الصدورِ
ابن المعذَّل:
مثلُكِ في الأرضِ وَبي غفْلًةٌ ... حتى كأني لستُ في الأرضِ
حُبُّكِ فَرضٌ وأرى قُوَّتي ... تعجِزُ عنْ تَأدِيَةِ الفرضِ
الصنوبريُّ:
كَمْ تَفي ثم تُعرِضُ ... وتداوي وتُمرِضُ
ناهياً عن هواكَ مِنْ ... حيثُ تَنْهى تُحَرِّضُ
أترى كلَّ من يَحبُّ ... من الخَلْق يُبْغَضُ
لِيَ دَمعانِ :مُذْهَبٌ ... ذا وَهذا مُفَضَّضُ
إبراهيمُ بنُ العبّاس وأحْسنَ ما شاءَ :
كَمْ قد تجرَّعْتُ من غّمٍ ومن حَزَنٍ ... إذا تجدَّدَ غمٌّ هوَّنَ الماضي
وكمْ غَضِبْتُ فما بالَيْتُمُ غَضبي ... حتى انصَرَفْتُ بقلبٍ ساخطٍ راضِ
آخَرُ :
لو لي لسانٌ عليكَ منبسِطُ ... كنتُ أُجازيكَ حينَ تَختلطُ
لكن لساني إذا استعنتُ بهِ ... يعتادهُ من مهابةٍ غلطُ
تيهٌ وصدٌ وسطوةٌ وقلىً ... أكلُ هذا عليَّ مشترطُ
ما أنصفَ الدهرُ في تصرُّفهِ ... هذا كئيبٌ وذاك مغتبطُ
إسحاق الموصلي:
كأنَّي لم أرحْ للهو يوماً ... ولم أسبِّ المخبَّأةَ الكعابا
كما نسمتْ يمانيةٌ جنوبٌ ... فهاجَ نسيمها إبلاً طرابا
عمر بن أبي ربيعة:
أبرزوها مثلَ المهاةِ تهادى ... بين عشرٍ كواعبٍ أترابِ
ثم قالوا: تحبُّها؟ قلتُ: بهراً ... عدد الرَّملِ و الحصى و الترابِ
الأحوص:
إذا رمتْ عنها سلوةً قال شافعٌ ... من الحبِّ ميعادُ السلوِّ المقابرُ
ستبقى لها في حبَّةِ القلبِ و الحشا ... سريرة حبٍّ يومَ تبلى السرائرُ
النوفلي:
ما كنتُ أيَّام كنتِ راضيةً ... عنَّي بذاكَ الرضى بمغتبطِ
علماً بأنَّ الرضى سيتبعهُ ... منكِ صدودٌ لكثرةِ السخطِ
فكلُّ ما ساءني فعنْ عمدٍ ... وكلُّ ما سرَّني فعنْ غلطِ
عروة:
أمنصدعٌ قلبي من البينِ كلَّما ... ترنَّمَ هدَّالُ الحمامِ الهواتفِ
سجعنَ بلحنِ يصدعُ القلبَ شجوهُ ... على غيرِ علمٍ بافتراقِ الألايفِ
ولو نلتُ منها ما يوازنُ بالقذى ... شفى كلَّ داءٍ في فؤادي حالفِ
ابن المعذل:
ما إنْ ذكرتكَ في قومٍ أجالسهمْ ... إلاَّ تجدَّد من ذكراكَ بلوائي
ولا هممتُ بشربِ الماءِ من عطشٍ ... إلاَّ وجدتُ خيالاً منكَ في الماءِ
ولا حضرتُ مكاناً لستَ شاهدهُ ... إلاَّ وجدتُ فتوراً بينَ أعضائي
حسبي ودادكَ من خفضي ومن دَعتي ... ومِن سروري ومن ديني ودنيائي
عمر بن أبي ربيعة:
قلتُ وجدي بها كوجدي بالما ... ءِ إذا ما منعتُ بردَ الشرابِ
وهي مكنونةٌ تحيَّرَ منها ... في أديمِ الخدَّينِ ماءُ الشبابِ
ابن المعذل:

عذركَ لي عندي مبسوطُ ... والعتبُ عن مثلكِ محطوطُ
ليس بمسخوطٍ فعالُ امرئٍ ... كلُّ الذي يفعلُ مسخوطُ
الحسين بن الضحاك:
بعضي بنارِ الوجدِ ماتَ حريقا ... والبعضُ منيَّ بالدموعِ غَريقا
لم يشكُ عشقاً عاشقٌ فسمعتهُ ... إلاَّ ظننتكَ ذلكَ المَعْشوقا
الخزيمي:
يا ويحَ من منعَ الحذارُ قراره ... فغدا وراحَ بروعةِ الإشفاقِ
نفسي الفداءُ لخائفٍ مترقِّبٍ ... جعلَ الوداع إشارةً لعناقِ
إذ لا جوابَ لمفحمٍ متحيِّرٍ ... إلاَّ الدموعُ تصانُ بالإطراقِ
العرجي:
باتا بأنعمِ ليلةٍ حتى إذا ... صبحٌ تلوَّحَ كالأغرِّ الأشقرِ
فتلازما ثوبيهُما عندَ النوى ... أخذَ الغريمُ ببعضِ ثوبِ المعسرِ
المجنون:
يا سرحةَ الدوِّ أينَ الدوُّ واكبِدا ... نفسي تذوبُ، وبيتِ الله، من حسرِ
لا زال ظلُّكِ معموراً تفئ بهِ ... تحت الهواجرِ غيدٌ، ناعم الخصرِ
فينانَ ينشرُ في خيطانهِ قضباً ... سكرى تفيّأ بالنوَّارِ و الزهرِ
ها أنتِ عجماءُ عن نطقٍ لسائلكمْ ... ما للمنازلِ لم تنطقْ ولم تحرِ
يا قاتلُ اللهُ غزلاناً قرعنَ لنا ... حبَّ القلوبِ بما استودعنَ من حورِ
عنَّت لنا وعيونٌ في براقعها ... مكسوةٌ مقل الغزلانِ و البقرِ
إذا رنت ظبيةٌ منها تخيَّلها ... ليلى إذا ما رنتْ و الوجهُ كالقمرِ
باللهِ يا ظبياتِ القاعِ قلنَ لنا ... ليلاي منكنَّ أم ليلى من البشرِ
يا ما أميلحَ غزالاناً شدنَّ لنا ... من هؤليَّاء بين الضالِ و السمرِ
الموصلي:
إقرأ السلامَ على الذُّلفاءِ إذ شحطتْ ... وقل لها: وقد أذقت القلبَ ما خافا
فما وجدتُ على إلفٍ فجعتُ بهِ ... وجدي عليكِ وقد فارقتُ ألاَّفا
أبو حية النميري:
إذا أخذت بعد امتتاع من الكرى ... أنابيب َمن عودِ الأراكِ المخلَّقِ
سقت شعثَ المسواكِ ماءُ غمامةٍ ... فضيضاً بخرطومِ الرحيقِ المعتَّقِ
وإن ذقتَ فاها بعدما يسقطُ النّدى ... بعطفيْ بخنداةٍ رداح المنطَّقِ
شممتَ عرارَ الطلِّ بعد هيميمةٍ ... وريحَ الخزامي في الندى المتفرِّقِ
شرقتَ بريّا عارضيها كأنّما ... شرقتَ بجاديِّ الشرابِ المروَّقِ
وقال عبد الله بن طاهر:
خليليَّ للبغضاءِ حالٌ مبينةٌ ... وللحبِّ آياتٌُ ترى ومعارفُ
فما تنكرُ العينانِ فالقلبُ منكرٌ ... وما تعرفُ العينانِ فالقلبُ عارفُ
سلم الخاسر:
إني لأستحيي من الله أنْ أرى ... رديفاً لوصلٍ أو عليَّ رديفُ
وإني للماءِ المُخالطهِ القذى ... إذا كثرتْ ورَّادهُ لعيوفُ
أبو الشيّص:
ولي مقلةٌ إنسانها يلبسُ الدجى ... وآخرُ في بحرِ الدموعِ غريقُ
على أنها تأوي طروقاً مع الكرى ... خيالاً له بينَ الجفونِ طريقُ
ابن الرُّومي:
وأجيلُ فكري في هوا ... كِ بلا لسانِ ناطقِ
أدعوا عليكِ بحسرةٍ ... من غيرِ قلبٍ صادقِ
أبو قيس بن الأسلت:
ويكرمنها جاراتها فيزرنها ... وتعتلُّ عن إتيانهنَّ فتعذرُ
وليسَ بها أن تستهينَ بجارةٍ ... ولكنَّها من ذاك تعيا وتحصرُ
الأشجع:
من يكُ يهواكَ على شبهةٍ ... فإنَّني في ذاكَ مستبصرُ
الأشجع:
سأمنعُ عيني أن تلذَّ بنظرةٍ ... وأشغلها بالدَّمعِ عن كلِّ منظرِ
معن بن زائدة:
يحنُّ إلى الألاّفِ قلبي وإنَّهُ ... إذا شاءَ عن ألاَّفِه لصبورُ
أبيتُ أناجي الهمَّ حتى كأنَّني ... بأيدي عداةٍ ثائرين أسيرُ
وأرعى نجومَ الليلِ حتى كأنَّما ... يشيرُ إليها بالبنانِ مشيرُ
لعلَّ الذي لا يجمعُ الشملَ غيرهُ ... يديرُ رحى شعبِ الهوى فتدورُ
فتسكن أشجانٌ ويلقى أحبَّةٌ ... ويورقَ غصنٌ للسرورِ نضيرُ
الشَّلغماني:
يا نصيرَ الهوى أعرني دموعاً ... إنَّ دمعي أفناه يوم الفراقِ
تركتني النوى أذلَّ من الأر ... ض، وأبلى من يابس الأوراقِ
أشربُ الكأسَ وهي تشربُ روحي ... بمزاجٍ من دمعي المهراقِ

ما أشدَّ الفراقَ يومَ الفراقِ ... عند ليِّ الأعناقِ بالأعناقِ
مصعب بن عبد الله الزبيري:
ألا أيّها القلبُ الذي كلَّ ليلةٍ ... به من هوى ما لا ينالُ غليلُ
هل أنتَ مفيقٌ؟ إنَّ في اليأسِ راحةً ... وإنَّ غناءَ الوجدِ عنكَ قليلُ
اللاَّحقي:
لم أنسَ يومَ الرحيلِ موقفها ... وطرفُها في دموعها غرقُ
وقولها والركابُ سائرةٌ ... تتركنا هكذا وتنطلقُ
البسّامي:
يا مانعَ العين طيبَ رقدتها ... ومانحَ النفسِ كثرةَ العللِ
علّمني حبك الوقوف على الضَّيم ... وقطعَ الأيامِ بالأملِ
ابن عرفة:
ربَّ ليلٍ سهرتُ في ظلمائهْ ... كاد يقضي عليَّ قبلَ انقضائهْ
يا عنيفاً بعبدهِ لو تراهُ ... واضعاً كفَّهُ على أحشائهْ
وهو يدعوك مبدئاً ومعيداً ... هب لقلبي الشِّفاءَ من بلوائهْ
لتيَّقنتَ أنه بك صبٌ ... وكشفتَ البلاءَ عن حوبائهْ
ابن كيغلغ:
قلبي إليكِ مشوقُ ... من حبِّه ما يفيقُ
أَلقيتِ فيه حريقاً ... فليس يُطفا الحريقُ
وكنت أصبرُ حتى ... حملتُ مالا أُطيقُ
والصَّبر عونٌ ولكنْ ... مالي إليه طريقُ
وقال العلويُّ الكوفيُّ:
إنّي سألتكِ باختلا ... سِ الطَّرفِ من خلل السجوفِ
وبما جنتْ تلكَ العيو ... نُ على القلوب من الحتوفِ
وبماءِ لؤلؤةٍ جرى ... في ماءِ ياقوتٍ مدوفِ
وبحيرةِ الأجفانِ عن ... دَ تضايقِ الدَّمعِ الذروفِ
أن تبعدي ضنَّ البخي ... لِ وغلظةَ المولى العسوفِ
وقال آخر:
فتمنَّيتُ أنْ أرا ... كَ فلّما رأيتُكا
غلبتْ دهشةُ السرو ... ر فلم أملكِ البُكا
وقال عمارة:
ولمّا بدتْ عيرهمْ للنّوى ... وظلَّتْ بأحداجهمْ ترتكُ
ضحكتُ من البينِ مستعبراً ... وشرُّ الشدائدِ ما يضحِكُ
ابن المعذَّل:
أبدى له إلفهُ تذلُّلَه ... وشفَّهُ شوقهُ فأنَّ لهُ
وانقادَ للسُّقم بعد صِحَّتهِ ... حتى برى جسمهُ فأنحلهُ
وخطَّ إذا غابَ عنهُ مؤنسهُ ... في كفِّه شبههُ فمثَّلهُ
فكلَّما غالهُ تشوُّقه ُ ... مال إلى كفِّهِ فقبَّلهُ
سلمٌ الخاسر:
مالي على الخطراتِ لا أنساها ... وأرى محاسنها ولستُ أراها
ويظلُّ يلحاني العذولُ سفاهةً ... وكأنّما يعني العذولُ سواها
البسَّامي:
أبي الدمعُ أن يرقا وجسمي أنْ يبقى ... فما ضرَّ من ملَّكتهُ الرقَّ لو رقّا
جعلتكَ لي مولىً أقرُّ بملكه ... فجدْ لي بإنصافٍ إذا لم ترَ العتقا
أعيذكَ أن تلقى من الحبِّ ما ألقى ... وإن حلتَ عن وصلي وأشتمتَّ بي الخلقا
أفي العدلِ إن ملّكتَ حسناً وبهجةً ... وأنتَ به تحظى وقلبي به يشقى
الأقرع بن معاذ:
أحببتها فوقَ ما ظنَّ الرجال ُ بنا ... حبَّ العلاقةِ لا حبّاً عن الخبرِ
حتى إذا قلتُ: هذا الموتُ أدركني ... ثبت الجنانِ ربيطَ الجأشِ للقدرِ
يهتزُّ في مرطها متنٌ إذا طَّردتْ ... حكى تأوَّد غصنِ البانةِ النضرِ
ياحبَّذا المستقى من فيكِ يبعثهُ ... ماءُ الأراكِ حلا عن باردٍ خصرِ
وقال هدبة بن الخشرم:
ولما دخلتُ السجنَ يا أمَّ مالكٍ ... ذكرتُكِ والأطرافُ في حلقٍ سمرِ
وعند سعيدٍ غيرَ أني أبحْ ... بذكراك إنَّ الأمرَ يذكرُ بالأمرِ
آخر:
أشرفتْ فوقَ قصرها ثم قالتْ ... جعل اللهُ والديَّ فداكا
كلُّ أنثى غيري عليكَ حرامٌ ... وعليَّ من الرجال كذاكا
حرُّ وجهي من الثرى لك نعلٌ ... قدَّ للنعلِ من فؤادي شراكا
جرير:
أتعرفُ رسمَ الدار غيَّره البلى ... ومرُّ رياحٍ قد تهبُّ أعاصرهْ
بها قد أرى سلمى، وسلمى بخيلةٌ ... تراعي مهاً عيناً حساناً محاجرُهْ
أوانسُ لا يصطدنَ إلاّ خلابةً ... وللوحشُ مصطادٌ تصادُ غرائرهْ
قيس بن ذريح:
فإنْ تكنِ الدنيا بلبنى تقلَّبت ... فللدهر و الدنيا بطونٌ وأظهرُ
لقد كان فيها للأمانةِ موضعٌ ... وللكفِّ مرتادٌ وللعين منظرُ

وللحائم العطشانِ ريٌّ بكفِّها ... وللمرح الذيَّال خمرٌ ومسكرُ
كأنَّي في أرجوحةٍ فوق أجبلٍ ... إذا ذكرةٌ منها على القلبِ تخطرُ
ابن الزيّات:
نفسٌ تدمى مسالكهُ ... وأنينٌ لستُ أملكهُ
لهوىً لي بتُّ أكتمهُ ... وعواصي الدمعِ تهتكهُ
ابن المعتز:
ألا فاسألوا مقلتي مالها ... فقد غيَّرتْ عبرتي حالها
تلامُ على أن بكتْ شجوها ... وهل يصلحُ الدمعُ إلاّ لها
المخزومي:
أيُّ محبٍ فيك لم أحكهِ ... وأيُّ ليلٍ فيك لم أبكهِ
إن كان لا يرضيك إلاّ دمي ... فقد أذنّا لكَ في سفكهِ
ما شئتَ فاصنعْ غيرَ سترِ الهوى ... بالله، لا تحرصْ على هتكهِ
وقال محمد بن عبد الرحمن الكوفي:
أمزمعةٌ للبينِ ليلى ولم تمتْ ... كأنَّك عمّا قد أظلَّكَ غافلُ
ستعلمُ إن شطَّت بهمْ غربةُ النوى ... وساروا بليلى أنَّ صبركَ زائلُ
أعرابي:
أفي كلِّ يومٍ أنت من لاعج الهوى ... إلى الشمِّ من أعلامِ ميلاءَ ناظرُ
بعمشاءَ من طولِ البكاءِ كأنّما ... بها رمدٌ أو طرفها متحازرُ
تمنّى المنى حتى إذا ملَّت المنى ... جرى واكفٌ من دمعها متبادرُ
كما أرفضَّ سمطٌ بعد ضمٍ يضمُّهُ ... بخيطِ الفتيل اللؤلؤُ المتناثرُ
جرير:
أمّا الحبيب فلا أملُّ حديثه ... وحديثُ من أبغضته مملولُ
ويرى المحبُّ على الحبيبِ ملاحةً ... والطرفُ من دون البغيضِ كليلُ
أبو العميثل:
ألا هل إلى نصَّ النواعج بالضحى ... وشمَّ الخزامى بالعشىِّ سبيلُ
بلادٌ بها أمسى الهوى غير أنَّني ... أميلُ مع المقدارِ حيثُ يميلُ
الأشجعي:
فلّما أن دنا منّا ارتحالٌ ... وقرِّبَ ناجياتُ السيرِ كومُ
تحاسر واضحاتٌ اللونِ غرٌ ... على ديباجِ أوحهها النعيمُ
فجئن مودِّعاتٍ و المطايا ... لَدى أكوارها خوصٌ هجومُ
فقائلةٌ ومثنيةٌ علينا ... تروعُ ومالها فينا حميمُ
مشيعة الفؤاد ترى هواها ... وقرَّة عينها فيمن يقيمُ
تعدُّ لنا الشهور وتحتصيها ... متى هو حائنٌ منا قدومُ
وأخرى لبُّها معنا ولكن ... تجلَّدُ وهي واجمةٌ كظومُ
متى تر غفلة الواشين عنها ... تجد بدموعها العين السَّجومُ
فكم في تلعةٍ بين المصلّى ... إلى أحدٍ إلى ما حاز ريمُ
إلى الجمَّاء من وجهٍ أسيلٍ ... تقيِّ اللونِ ليس به كلومُ
الحسينُ بن الضحَّاك:
يا صاحبيَّ دعا الملامةَ إنَّما ... شرُّ الملامة أن يلامَ الموجعُ
أ ألامُ في طلبِ الأحبةِ بعدما ... حنَّتْ من الطربِ الحمامُ النزَّعُ
ابن داود:
يا ويحَ من ختل الأحبَّةُ قلبهُ ... حتى إذا ظفروا به قتلوهُ
عزّوا ومالَ به الهوى فأذلَّهُ ... إنَّ العزيزَ على الذليلِ يتيهُ
أنظرُ إلى جسدٍ أضرَّ به الهوى ... لَولا تقلُّبُ طرفهِ دَفنوهُ
من كان خلواً من تباريح الهوى ... فأنا الهوى وحليفهُ وأخوهُ
أعرابي:
وواضحة المقلَّد أمُّ طفلٍ ... تذكِّرني سليمى مقلتاها
إذا نظرتْ عرفتُ النحرَ منها ... وعينيها ولم نعرفْ سواها
صدرتُ بصحبتي أن يذعروها ... بمحنيةٍ ترودُ إلى طلاها
كرهنا أن نفزِّعها فقلنا ... أشلَّ الله كفَّي من رمادها
خالد:
جسمي معي غير أنَّ الروحَ عندكمُ ... فالجسمُ في غربةٍ والروح في وطنِ
فليعجبِ الناسُ مني أنَّ لي بدناً ... لا روحَ فيه، ولي روحٌ بلا بدنِ
ذو الرمَّة:
خليليَّ لمّا خفتُ أن تستفزَّني ... أحاديثُ نفسي بالهوى واهتمامها
تداويتُ من ميٍّ بتكليمةٍ لها ... فما زادَ إلاّ ضعف دائي كلامها
مسلم:
يا نظرةً نلتها على حذرٍ ... أوَّلها كانَ آخرَ النظرِ
إن يحجبوها عن العيونِ فقد ... حجبتُ عيني لها عن البشرِ
آخر:
إذا طلعتْ شمسُ النهارِ فسلِّمي ... فآيةُ تسليمي عليكِ طلوعها
بعشر تحيّاتٍ إذا هي أشرقتْ ... وعشرٍ إذا اصفرَّتْ وحانَ وقوعها
كشاجم:

نفوسُ الخلقِ أسرى في يديهِ ... وثوبُ الحسنِ مخلوعٌ عليهِ
سررتُ بأنْ ذبلتُ وذبتُ شوقاً ... لعلَّ الريحَ تسفي بي إليهِ
الصنوبري:
شكوتُ إليك من قلبٍ قريحِ ... بدمعٍ في شكايتهِ فصيحِ
عذرتُكَ لو حملتُ هواكَ مني ... على كبدٍ وجثمانٍ صحيحِ
ألستَ ترى الهوى لم يبق مني ... سوى شبحٍ مطيعٍ كلَّ ريحِ
أخذه من قول المجنون:
ألا إنّما غادرت يا أمَّ مالكٍ ... صدىً أينما تذهبْ به الريحُ يذهبِ
المتنبي:
روحٌ تردَّدُ في مثلِ الخيال إذا ... أطارتِ الريحُ عنه الثوبَ لم يبنِ
كفى بجسمي نحولاً أنَّني رجلٌ ... لولا مخاطبتي إياكَ لم ترني
آخر:
إن بحتُ باسمك لم آمن عليك وإن ... كتمتُ حبُّك لم آمن على بدني
فقد وقفتُ على حالين من عطبٍ ... فانظُر لعبدكَ يا ذا المنظرِ الحسنِ
وقال أحمد بن أبي طاهر:
يقول العاذلاتُ تسلَّ عنها ... وَداو غليلَ قلبك بالسلوِّ
فكيف ونظرةٌ منها اختلاساً ... ألذُّ من الشماتة بالعدوِّ
ابن المعذَّل:
القلبُ بعدك لم يسكن إلى سكنِ ... والعينُ بعدكِ لم تنظرْ إلى حسنِ
كأنَّما الروحُ لما غبتمُ بعدتْ ... حتى إذا عدتمُ عادتْ إلى بدني
ذو الرمَّة:
فلا برء من ميّ وقد حيل دونها ... فما أنت فيما بين هاتين صانعُ
أمستوجبٌ أجر الصّبور فكاظمٌ ... على الوجدِ أم مبدي الضمير فجازعُ
خالد:
لم ينسنيك سرورٌ لا و لا حزنٌ ... وكيف ذا كيف ينسى وجهكِ الحسنُ
ولا خلا منكِ قلبي لا ولا بدني ... كلَّي بكلِّكِ مشغولٌ ومرتهنُ
أبو العتاهية:
وما طلعتْ إلا رميتُ بزفرةٍ ... على الأرضِ مني ساعةً ثم أسبتُ
وإلاّ استقلَّتني على الأرض رعدةٌ ... يكادُ فؤادي عندها يتفتَّتُ
وما رحمتني يوم ولَّت وأسرعتْ ... وقد تركتني قائماً أتلَّفتُ
وقال إسماعيل القرطيسي:
قالتْ جننتَ على رأسي فقلتُ لها ... الحُبُّ أعظمُ ممَّا بالمجانينِ
الحبُّ ليس يفيقُ الدهر صاحبهُ ... وإنّما يصرعُ المجنونُ في الحينِ
أعرابي:
ألا طرقت ليلى الرفاقَ بسحرةٍ ... ومن دونِ ليلى يذبلٌ فالقعاقعُ
على حين ضمَّ اليلُ من كلِّ جانبٍ ... جناحيه، وانصبَّ النجومُ الضواجعُ
طمعتُ بليلى أن تريع وإنَّما ... تقطِّعُ أعناقَ الرجالِ المطامعُ
وبايعتُ ليلى في الخلاءِ ولم يكنْ ... شهودي على ليلى عدولٌ مقانعُ
وما كلُّ ما منَّتكَ نفسكَ خالياً ... تُلاقي، ولا كلُّ الهوى أنتَ تابعُ
ابن الدمينة:
أفي كلِّ يومٍ أنت رامٍ بلادها ... بعينين إنسانا هما غرقانِ
ألا فاحمِلاني باركَ اللهُ فيكما ... إلى حاضرِ الروحاءِ ثم دَعاني
أعرابي :
باتتْ تشوقُني بِرَجْعِ حنينهِا ... وأزيدها شوقاً برجعِ حنيني
نِضْوينِ مغتربينِ بينَ مهامهٍ ... طَوَيَا الضُلوع على جوىً مكنونِ
ابن المعذَّل:
ويلي على أغيد ممكور ... وساحرٍ ليس بمسحورِ
يؤثرهُ الحور علينا كما ... نؤثره نحن على الحورِ
الخثعمي:
يوم الفراقِ لقد تركتَ حرارةً ... تبقى على الأيّامِ والأزمانِ
لمّا رأيتُ جمالهم مزمومةً ... ودَّعتهمْ فأجابَت العَينانِ
فتبَادَرتْ في الوجنتينِ دُموعها ... كالرِّشح فوقَ شقائقِ النُعمانِ
أبو سعيد المخزومي:
هوىً لا يستريحُ ولا يُريحُ ... وقلبٌ من تذكُّره جريحُ
فإنْ يكُ سرُّ قلبكِ أعجميّاً ... فإنَّ الدمعَ نمَّامٌ فصيحُ
آخر:
نمَّ دَمعي فليسَ يكتمُ شيئاً ... ووجدتُ الضميرَ ذا كتمانِ
كضمير الكتابِ أخفاه طيٌّ ... فاستدلّوا عليه بالعيونِ
أعرابي:
فما الشَّهدُ و المسكُ الفتيقُ على الظَّما ... بأطيبِ من ماء الحسا والوقائعِ
أتتك بِريّاهُ الصَّبا و بحنوةٍ ... من الليل أنفاسُ الرياحِ الزعازعِ
الرَّقاشي:
وقد شاقني نوحُ قمريَّةٍ ... هتوفِ العِشاءِ طَروبِ الضُحى
من الورقِ نوَّاحةٍ باكرًتْ ... عسيبَ أشاءً بذاتِ الغضا

لأبي صفوان الأسدس:
يميلُ عليها بلحنٍ لها ... يذكِّرُ للصبِّ ما قد مَضى
مُطوَّقةٍ كسيَتْ زينةً ... بدعوةِ نوحٍ لها إذْ دعا
فَلم أرَ باكيةً قبلَها ... تبكيِّ ودمعتُها لا ترى
ربيعة الرَّقِّيّ:
لقد تركتْ فؤادكَ مُستجنّا ... مُطوَّقةٌ على فننٍ تغني
تميلُ بِه وتركبُهُ بلحنٍ ... إذا ما عنَّ للمُشتاقِ أنّا
فلا يَحزُنكَ أيامٌ تولىّ ... تذكُّرُها ولا طيرٌ أرنّا
أبو محمد المخزومي:
صادتكَ بالحسْنِ وبالإحسانِ ... إنسانَةٌ ساحرةٌ الإنسانِ
إنَّ عناناً مَلكتْ عناني ... واستمْطرَتْ عيني من الهجرانِ
والحبُّ أعمى مالَهُ عينانِ
وقال أعرابي:
فو اللهِ ما أدري أزيدتْ ملاحةً ... أمِ الحبُّ مثلما قيل في الحبِّ
أعرابي:
وقد أرسلَتْ في السرِّ أنْ قد فضحتَني ... وأعربْتَ عَني في النَسيبِ ولم تُكنِ
وأشمتَّ بي أهلي وجلَّ عشيرتي ... فإنْ كانَ يهينكَ ذا فهو الذي يهنيِ
جعيفران:
أبدَتْ على البينِ أطرافاً مُخضَّبةً ... لما تولَّتَ وخافَتْ حُرقةَ البيْنِ
وَوَدَّعَتْني وما هَمَّتْ وما نَطَقَتْ ... وإنَّما نطقتْ وَحْياً بِعَينَينِ
بلى فلو أوْمَأَتْ نحوي بإصبعِها ... إِيماءةً ختلتْ عنها الرقيبينِ
بشَّار :
إني لمنتظِرٌ أقصى الزمانِ بها ... إنْ كانَ أدناهُ لا يصفو لجيرانِ
لَعَلَّ يوماً إلى يومٍ يقلِّبُها ... والدهرُ يلبسُ ألْواناً بألوانِ
هلْ تعلمِينَ وراءَ الحبِّ منزِلَةً ... تُدني إليكِ فإنَّ الحبَّ أقصاني
أعرابي :
أقول لعيسٍ قد برى السَّيرُ نيَّها ... فلم يبقَ منها غيرُ عظمٍ مجَلَّدِ
خُذي بي ابتلاكِ اللهُ بالشّوقِ والهوى ... وهاجَكِ أصواتُ الحمامِ المغرِّدِ
فطارتْ مِراحاً خوفَ دعوةِ عاشقٍ ... تجوبُ بي الظلماء في كل فَدْفَدِ
فلمّا ونتْ في السَّيرِ ثنَّيتُ دعوتي ... فكانتْ لها سَوطاً إلى ضحوةِ الغدِ
وقال أبو العتاهية :
أصبحتُ بالبصرةِ ذا غُربَهْ ... أُدفعُ من هَمّ إلى كُربهْ
أطلبُ عُتبى من حبيبٍ نَأى ... وليس لي عتبي ولا عتبهْ
محمد بن ثابت :
لا تَعجلوا لملامتي ... فامتْ عليَّ قِيامَتي
وهويت أحسنَ من مشى ... فلقد عدمتُ سلامَتي
عُلِّقْتُها فابتعتُ طو ... لَ تَذَ لُّلي بِكَرامتي
مَنْ كانَ يُعرَفُ بالعلا ... مةِ فالهمومُ عَلامَتي
وقال ذو الرُمَّة :
وودَّعن مشتاقاً أصبنَ فؤادهُ ... هواهنَّ إن لم يصرِهِ اللهُ قاتِلُهْ
أطاعَ الهوى لما رمَته بحبلهِ ... على ظهرِه بعد العتاب عواذلُهْ
إذا القلبُ لامُستحدثٌ غير وَصِلها ... ولا شُغُلٌ عن ذكرِميَّةَ شاغِلُهْ
وقال أبو العتاهيةِ :
وأنتِ لو أحسنتِ أحيَيتِني ... يا عتبَ يا ضُرّي ويا نَفعي
بقبلةٍ موقعها في الحشا ... كموقعِ الماءِ من الزرعِ
الصنوبريّ :
أيها الساخطُ المقيمُ على الهجْ ... ر أعِذْ منه عائذاً برِضاكا
كيفَ أهوى خلقاً سواكَ وماتُبْ ... صِرُ عيني في الخلقِ خلقاً سِواكا
لي أذنٌ صمّاءُ حتى أناجِي ... كَ وعينٌ عَمياءُ حتى أراكا
المبرِّدُ قال : أنشدني أحمدُ بنَ عبدِ الله بي طاهر :
يا جبلَ السمَّاق سقياً لَكا ... ما فعلَ الظبي الذي حلّكا
فارقتُ أطلالكَ لا أنَّهُ ... قلاكَ قلبي لا ولا ملَّكا
فأيّ لذَّاتِك أبكي دَماً ... ماءكَ أم طينكَ أم ظلَّكا
أم نفحاتٍ منكَ تأتي إذا ... دَمعُ النَّدى تحتَ الدُجى بَلَّكا
أعرابيّ :
مَضى الظاعنونَ فلمْ يَربَعوا ... وَكانوا على رقبةٍ أجمعُوا
ألا كاتبوكَ ألا راسَلو ... كَ ألا آذنوكَ ألا ودَّعُوا
فإن كنتُ تجزعُ من بينهِم ... فمثلكَ من بينهمْ يجزعُ
همُ صنعوا بك مالا يحِ ... لُّ ولو راقبوا اللهَ لم يَصنَعُوا
ابن الحداديَّة :
فمالكَ منْ حادٍ حَبَوتَ مقيَّداً ... وأخنى على عِرنين أنفك َ جادِعُ

فإن تلقينْ أسماءَ قبلي فَحَيِّها ... وسلْ كيفَ تُرعى في المغيبِ الودائِعُ
وَظنِّي بها حِفظٌ لغَيبي ورعيةٌ ... لما استودعتْ والظنُّ بالغيبِ واسِعُ
بَكتْ من حديثٍ بثَّهُ وأشاعَهُ ... ولفَّقَهُ واشٍ من القومِ واضِعُ
بَكتْ عينُ من أبكاكِ لا يشجُكِ البُكا ... ولا تتخالَجكِ الأمورُ النوازِعُ
ولا يسمعنْ سِرِّي وسِرِّك ثالِثٌ ... ألا كُلُّ سِرٍ جاوزَ اثنينِ شائِعُ
فكيفَ يشيعُ السِرُّ مني ودونَهُ ... حجابٌ ومنْ دونِ الحجابِ الأضالِعُ
ابن الرومي :
مابالُها قد حُسِّنتْ ورَقيبُها ... أبداً قبيحٌ قُبِّحَ الرقباءُ
ما ذاكَ إلاَّ أنَّها شمس الضُحى ... أبداً يكونُ رقيبها الحرباءُ
وعلى ذِكرِ الرقيبِ قول ديك الجنِّ طريفٌ :
عينَ الرقيبِ غرقتِ في بحرِ العمى ... لا أنت لا بلْ عينُ كلِّ رقيبِ
من عاشَ في الدنيا بغير حبيبِ ... فحياتُهُ فيها حياةُ غريبِ
أعرابي :
لِسهمِ الحبِّ كَلْمٌ في فؤادي ... ولا كالكلمِ منْ عينِ الرقيبِ
تمكَّنَ ناظراهُ به فأضحى ... مكانَ الكاتبين منَ الذُنوبِ
ولو سقطَ الرقيبُ من الثُريَّا ... لَصُبَّ على مُحِبٍّ أو حبيبِ
آخر
والناسُ يشكونُ الرقيبَ وإنَّما ... شكوايَ للمرقوبِ طولَ زَماني
ابن أبي فنن :
ومنْ حذرِ الرقيبِ إذا التقينا ... نُسَلِّمُ كالغريبِ على الغريبِ
ولولاهُ تشاكَينا جميعاً ... كما يشكو المُحِبُّ إلى الحبيبِ
ابن المعتز :
موقفٌ للرقيبِ لا أنساهُ ... لستُ أختارُهُ ولا آباهُ
مرحباً بالرقيبِ منْ غيرِ وعدٍ ... باتَ يجلو عليَّ من أهواهُ
لا أحبُّ الرقيبَ إلاَّ لأنّي ... لا أرى من أحبُّ حتى أراهُ
إسحاقُ بن المهلّبي :
هبيني يا معذِّبتي أسأتُ ... وبالهجرانِ قبلكمُ بدأتُ
فأينَ الفضلُ منكِ فدتكِ نَفْسي ... عليَّ إذا أسأتِ كما أسأتُ
عبيدُ اللهِ بن عبد اللهِ بن طاهر :
أتهجرونَ لكي نُغرى بكُم تيها ... لَحَقُّ دعوةِ صبٍّ أن تجيبوها
أهدى إليكمْ على نأيٍ تحيَّتَهُ ... حيُّوا بأحسنَ منها أو فَرُدُّوها
زَمُّوا المطايا غداةَ البينِ واحتَملُوا ... وخلَّفوني على الأطلالِ أبكيها
شيَّعتُهم فاسترابوني فقلتُ لهمْ ... إني بعِثتُ مع الأجمالِ أحدوها
قالوا : فما نَفَسٌ يعلوا كَذا صعدا ... وما لعينكَ لا تَرقا مَآقيها
قلت : التنفُّسُ من إدمانِ سيركمُ ... ودمعُ عينيَ جارٍ من قَذىً فيها
حتى إذا أنجدوا والليلُ مُعتكرٌ ... خفَّضتُ في جُنحهِ صوتي أناديِها
يا منْ بهِ أنا هيمانٌ ومختبَلٌ ... هل لي إلى الوصلِ من عقبى أرجِّيها
جرير :
أما تتَّقينَ اللهَ إذ رُعت ِ محرماً ... سرى ثم ألقى رحله وهو هاجِعُ
أ خالدُ ما من حاجةٍ تنبري لنا ... بذكراكَ إلا ارفضَّ منها المدامعُ
سَلِمتَ وجادتكَ الغيوثُ الروائعُ ... فإنكَ وادٍ للأحبَّةِ جامعُ
الحارث بن كلدة :
وما عسلٌ بباردِ ماءِ مُزنٍ ... على ظمأ لشاربه يشابُ
بأشهى من لقائهم إلينا ... وكيفَ لنا بهم ومتى الإيابُ
يحنُّ إليهمُ قلبي فأمسى ... كأني من تذكرهمْ مصابُ
وأزجرُ للتخوُّفِ كلَّ طيرٍ ... وبعضُ الطير أحياناً صوابُ
فيعجبني السوانحُ سالماتٍ ... ويحزنني إذا نعبَ الغرابُ
ذو الرمة :
دعاني وما داعي الهوى من بلادِها ... إذا ما نأتْ خرقاءُ عني بغافلِ
لها الشَّوقُ بعد الشَّحطِ حتى كأنّما ... علاني بحمَّى من ذواتِ الأفاكلِ
وما يومُ خرقاءَ الذي نلتقي به ... بنحسٍ على عيني ولا متطاولِ
إذا قلتُ قطَّعْ وصلَ خرقاءَ واجتنبْ ... زيارتها تخلقْ حبالَ الوسائلِ
أبتْ ذكرٌ عوَّدنَ أحشاءَ قلبهِ ... خفوقاً ورقصاتُ الهوى في المفاصلِ
أما الدَّهرُ من خرقاءَ إلا كما أرى ... أنينٌ وتذرافُ الدموعِ الهَواملِ
ابن أبي عيينة :
سَألتكِ بالمودَّةِ والجوارِ ... دُعاءَ مصرِّحٍ بادي السِّرارِ

وإني عنكِ مُسشتغلٌ بِنفْسي ... ومحترقٌ عليكِ بغيرِ نارِ
وأنتِ توقَّرينَ وليس عندي ... على نارِ الصَّبابةِ منْ وقارِ
ومُرسلةٍ غداةَ وصلتُ دُنيا ... تعيِّرني وليسَ عليَّ عاري
تقولُ: تركتني واخترتَ دُنيا ... نَعمْ فجمدتُ عاقبةَ اخْتياري
الحمَّاني:
مُؤرَّقٌ من سهدِهْ ... مُعذَّبٌ مِنْ كمدِهْ
خَلا بهِ السُّقمُ فما ... أسرعهُ في جسدهْ
يرحَمُهُ ممَّا بهِ ... مِن ضُرِّهِ ذو حسدِهْ
كأنَّ أطرافَ المُدى ... تجرحُ أعلى كَبِدِهْ
ابن بشير:
أفؤادٌ مُستهامُ ... وجفونٌ لا تَنامُ
ودُموعٌ أبدَ الده ... رِ على خَدّي سِجامُ
وحبيبٌ كلّما خا ... طبتُهُ قال: سلامُ
فإذا ما قلتُ زُرني ... قالَ لي ذاكَ حرامُ
وقال عبد الله بن طاهر:
صبٌّ كئيبٌ يشتكيكَ الهوى ... كَما اشتَكى خصرُكَ منْ ردفِكا
لِسانُه عنْ وصفِ أسقامِهِ ... أكلُّ منهُ عن مدى وصفِكا
أخر:
لمْ يبقَ إلاَّ نفسٌ خافِتُ ... ومقلةٌ إنسانها باهتُ
ومُغرمٌ توقدُ أحشاؤهُ ... بالنّارِ إلاَّ أنَّهُ ساكتُ
لم يبقَ من أعضائهِ مفصلٌ ... إلاَّ وفيهِ سقمٌ ثابتُ
وقال نعيم بن عتاب الوالبي:
يا عينُ لا تستعجلي بمائكِ
واطْوي الحَشا طيًّا على حيائكِ
واعتصمي بالشَّيبِ من بكائكِ
فإنَّ في الحيِّ شِفاءَ دائِكِ
جنِّيةٌ منْ مالكِ بن مالكِ
عزَّتْ على الحيِّ فلم تُشارِكِ
كأنّها بين سُجوفِ الحائكِ
على الحَشايا وعلى الأرائِكِ
في الخزِّ والمعلمةِ الدَرانِكِ
بين حجالِ السُندسِ الحوالكِ
دعصانِ من عُجمةِ رَملِ عاتِكِ
في الشَّرقِ بينَ الديمِ الرَكائكِ
ويحكِ يا جنيَّ هل بَدا لكِ
أنْ ترجعي عقلي قبل ذلِكِ
والله ما مدْحيكِ من نوالِكِ
و لا عطاءٍ من جَزيلِ مالِكِ
مِنْ يَدكِ اليُمنى ولا شمالِكِ
إلاَّ امتلاءُ العينِ من جمَالِكِ
وحسبٌ تمَّ إلى كمالِكِ
ويْلي عليكِ وعلى أمثالِكِ
أبو العتاهية:
يقولُ أناسٌ لو نعتَّ لنا الهوى ... و والله ما أدري لَهمْ كيفَ أنعِتُ
سقامٌ على جِسمي كثيرٌ موسَّعٌ ... ونومٌ على عيني قليلٌ مُفوَّتُ
إذا اشتدَّ ما بي كان أفضلُ حيلتي ... له وضعَ كفّي فوقَ خدّي وأسكتُ
ذو الرمة:
وقد زوَّدتْ ميٌ على النأي قلبهُ ... علاقاتِ حاجاتٍ طويلٍ سقامها
فأصبحتُ كالهيْماء لا الماءُ مبرئٌ ... صَداها ولا يقضي عليها هيامها
كأنّي غداةَ البينِ يا ميُّ مدنفٌ ... أُعالجُ نفساً قد أتاها حمامُها
حذارَ احتِذامِ البينِ أقرانَ طيَّةٍ ... مُصيبٍ لوَقرانِ الفُؤادِ انجذامُها
جريرٌ:
أنمضي بالرسومِ ولا تُحيّا ... كلامكمُ عليَّ إذنْ حرامُ
أقيموا إنَّما يومٌ كيومٍ ... ولكنَّ الصديقَ له زمامُ
بنفسي من تحيَّته عزيزٌ ... عليَّ ومن زيارتُه لمامُ
ومن أمسي وأصبحُ لا أراهُ ... ويطرقني إذا هجعَ النيامُ
أليسَ لما طلبتُ فدتكِ نفسي ... قضاءٌ أو لحاجتيَ انصرامُ
فدىً نفسي لنفسكِ من ضجيعٍ ... إذا ما التجَّ بالسِّنةِ المنامُ
أتنسى إذ تودِّعنا سليمى ... بفرع بشامةٍ سقيَ البشامُ
تركتِ محلَّئينِ رأوا شفاء ... فحاموا ثم لم يردوا وحاموا
فلو وجدَ الحمامُ كما وجدنا ... بسلمانينَ لا كتأبَ الحمامُ
فما وجدتْ كوجدكَ يومَ قُلنا ... على ربعٍ بناظرةَ السَّلامُ
الحسن بن داود الجعفري :
حرامٌ علي عينٍ أصابتْ مقاتلي ... بأسهمها من مهجتي ما استحلَّتِ
دعتْ قلبيَ المنقادَ للحبِّ فانثنى ... إليها فلّما أن أجابَ تولَّتِ
العرجي :
قالتْ كلابةُ منْ هذا ؟ فقلتُ لها : ... هذا الذي أنتِ من أعدائهِ زعموا
أنا الذي لجَّ بي حبُّ فأحرضني ... حتى ضنيتُ وأبلى جسمي السقمُ
المؤمّل :
حلمتُ بكم في نومتي فغضبتمُ ... ولا ذنب لي إن كنتُ في النوم أحلمُ

سأطردُ عني النومَ إن جاء خالياً ... على حين حانَ النومُ والناسُ نوَّمُ
وقد خبَّروني أنَّها نذرتْ دمي ... ومالي بحمدِ الله لحمٌ ولا دمُ
ذو الرمة :
إذا قلتُ : أسلو عنكِ يا ميُّ لم يزلْ ... محلٌ لدائي من دياركِ ناكسُ
نظرتُ بجرعاءِ السبيَّةِ نظرةً ... ضحىً وسوادُ العينِ في الماءِ قالسُ
إلى ظعنٍ يقرضنَ أجوازَ مشرفٍ ... شمالاً وعن أيمانهنَّ الفوارسُ
تبسَّمن عن درٍ كأنَّ رضابها ... ندى الرملِ مجَّته العهادُ القوالسُ
على أقحوانٍ في حناديجِ حرَّةٍ ... يناصي حشاها عانكٌ متكادسُ
وألمحنَ لمحاً عن خدودٍ أسيلةٍ ... رواءٍ خلا ما أنْ تشفَّ المعاطسُ
كما أتلعت من تحت أرطى صريمةٍ ... إلى نبأةِ الصوتِ الظباءُ الكوانسُ
سلم الخاسر
تمنَّيتها حتى إذا ما رأيتها ... رأيت ُ المنايا شرَّعاً قد أظلَّتِ
وصدَّتْ بوجهٍ يبهرُ الشمسَ حسنهُ ... إذا ما رأته أعينُ الناس كلَّتِ
فللعينٍ تهمالٌ إذا ما رأيتها ... وللقلبِ وسواسٌ إذا العينُ ملَّتِ
جرير :
فليتَ الظاعنينَ همُ أقاموا ... و فارقَ بعضُ ذا الأنسِ المقيمِ
فما العهدُ الذي عهدتْ إلينا ... بمنسيِّ البلاءِ ولا ذميمِ
أعاذلَ طالَ ليلكِ لم تنامي ... ونامَ العاذلاتُ ولم تنيمي
إذا مالمتني وعذرتُ نفسي ... فلومي ما بدالكِ أنْ تلومي
الأقرع بن معاذ :
وما حائماتٌ حمنَ يوماً وليلةً ... على الماء يغشينَ العصيَّ حوانِ
يرينَ حبابَ الماء والموتُ دونهُ ... وهنَّ بأبصارٍ إليهِ روانِ
لوائبُ لا يصدرونَ عنه لوجهةٍ ... ولا هنَّ من بردِ الحياضِ دوانِ
بأكثرَ مني فرطَ شوقٍ وغلَّةٍ ... إليكم ولكنَّ العدوَّ عداني
الضحاك العقيلي :
كفى حزناً أني تطاللتُ كي أرى ... ذرى علمي دمخٍ قما تريانِ
كأنَّهما والآلُ يجري عليهما ... من البعدِ عينا برقعٍ خلقانِ
ألا حبَّذا واللهِ لو تعلمانهِ ... ظلالكما يا أيَّها الطللانِ
وماؤكما العذبُ الذي لو شربتهُ ... وبي صالبُ الحمّى إذاً لشفاني
ذو الرمة :
ألا لا أرى مثلَ الهوى داء مسلمٍ ... كريمٍ ولا مثلَ الهوى ليمَ صاحبهْ
فإنْ يعصهِ تبرحْ معاناتهُ بهِ ... وإن يتَّبعْ أسبابه فهو عائبهْ
نظرتُ إلى أظعانِ ميٍّ كأنّها ... موليةً ميسٌ تميلُ ذوائبهْ
فأبديتُ من عينيَّ والصدرُ كاتمٌ ... بمغرورقٍ نمَّتْ عليَّ سواكبهْ
هوى آلفٍ جاءَ الفراقَ ولم تجلْ ... جوائلها أسرارهُ ومعاتبهْ
ربيعة بن الأشهب :
كأنَّ بجيدها والنَّحرِ منها ... إذا ما أمكنتْ للناظرينا
مخطاً كان من قلمٍ دقيقٍ ... فخطَّ بجيدها والنحر نونا
مرداس بن مسعود :
إذا اكتحلتْ عيني بهندٍ كحلتها ... من المسكِ والكافورِ يختلطانِ
وإن تختلج واللهِ عيني بغيرها ... وذي العرشِ أكحلها من القطران
قيس بن ذريح :
أيا حزنا وعاودني رداعي ... وكان فراقُ لبنى كالخداعِ
تكنَّفني الوشاةُ فأزعجوني ... فياللهِ للواشي المطاعِ
فأصبحتُ الغداةَ ألومُ نفسي ... على شيءٍ وليس بمستطاعِ
كمغبونٍ يعضُّ على يديه ... تبيَّنَ غبنهُ بعدَ ابتياعِ
دريد :
لولا العزيمةُ أنها من شيمتي ... للحقتُ يومَ وداعك الأظعانا
فلقد طبعت على هواكِ بخاتمٍ ... وجعلتُ ذكري للهوى عنوانا
ذو الرمة :
فلما عرفتُ الدارَ غشَّيتُ عمَّتي ... شآبيبَ دمعٍ لبسةَ المتلثِّمِ
مخافةَ عيني أن تنمَّ دموعها ... عليَّ بأسرارِ الحديثِ المكتَّمِ
أحبُّ المكانَ القفرَ من أجل أنني ... به أتغنىَّ بآسمها غير معجمِ
فلم يبق إلا أن مرجوعَ ذكرها ... نهوضٌ بأحشاءِ الفؤادِ المتيِّمِ
إذا ما رآها عينه هيضَ قلبهُ ... بها كآنهياضِ المتعب المتهشمِ
ومن يكُ ذا وصلٍ فيسمعْ بوصله ... أحاديثَ سواقِ الأحاديثِ يصرمِ
تغيَّرتِ بعدي أو وشى الناسُ بيننا ... بما لم أقلهُ من مسدًّى وملحمِ

أقسام الكتاب
1 2 3