كتاب : المفضليات
المؤلف : المفضل الضبي

قال
تأبط شرا
ً
يا عِيدُ مالَكَ من شَوْقٍ وإِيراقِ ... ومَرَّ طَيْفٍ علَى الأَهوالِ طَرَّاقِ
يَسْرِي علَى الأَيْنِ والحيَّاتِ مُحْتَفِياً ... نفسي فِداؤُكَ مِن سارٍ علَى ساقِ
إنى إِذا خُلَّةُ ضَنَّتْ بِنَائِلِها ... وأَمْسكَتْ بضعيفِ الوصلِ أَحذَاقِ
نَجوْتُ منها نَجائي مِن بَجِيلةَ إِذْ ... أَلْقَيْتُ ليلةَ خَبْتِ الرَّهِط أَرواقى
ليلةَ صاحُوا وأَغْرَوْا بِي سِرَاعَهُمُ ... بِالعَيْكَتَيْنِ لَدَى مَعْدَى ابنِ بَرَّاقِ
كأَنَّما حَثْحَثُوا حُصًّا قَوضادِمُهُ ... أَو أُمَّ خِشْفٍ بِذى شَثٍّ وطُبَّاقِ
لا شيءَ أَسْرَعُ مِنَّي ليس إذا عُذَرٍ ... وذا جَناحٍ ِبجنْبِ الرَّيْدِ خَفَّاقِ
حتى نَجَوتُ ولمَّا ينْزِعُوا سَلَبي ... بِوَالِهِ مِن قَبِيض الشَّدِّ غّيْدَاقِ
ولا أَقولُ إِذا ما خُلَّةٌ صَرَمَتْ ... يا وَيحَ نفسيَ مِن شوقٍ وإِشْفاقِ
لكنَّما عَوَلِي إِنْ كنْتُ ذا عَوَلٍ ... علَى بَصيرٍ بِكَسبِ الحمدِ سَبَّاقِ
سَبَّاقِ غاياتِ مَجدٍ في عَشِيرَته ... مُرَجِّعِ الصَّوتِ هَدَّا بينَ أَرْفَاقِ
عارِى الظَّنَابِيبِ، مُمْتدٍّ نَوَاشِرُهُ ... مِدْلاجِ أَدْهَمَ وَاهِي الماءِ غَسَّاقِ
حَمَّالِ أَلويةٍ، شَهَّاِد أَندِيةٍ ... قَوَّالِ مُحْكَمَةٍ، جَوَّابِ آفاقِ
فَذَاكَ هَمِّي وغَزْوى أَسْتَغِيثُ به ... إذا استَغَثْتَ بِضَافِي الرَّأْسِ نَغَّاقِ
كالحِقْفِ حَدَّأَهُ النَّامُونَ قلتُ له: ... ذُو ثَلَّتَيْنِ وذُو بَهْمٍ وأَرباقِ
وقُلَّةٍ كَسِنَانِ الرُّمْحِ بارزَةٍ ... ضَحْيَانَةٍ في شُهورِ الصَّيفِ مِحرَاقِ
بادَرتُ قُنَّتَها صَحبي وما كَسِلُوا ... حتَّى نَميْتُ إِليها بَعدَ إِشْراقِ
لا شيءَ في رَيْدِها إِلاَّ نَعَامَتُهَا ... منهَا هَزيمٌ ومنها قائمٌ باقِ
بِشَرْثَةٍ خَلَقٍ يُوقَى البَنَانُ بها ... شددتُ فيها سَرِيحاً بعدَ إِطْرَاقِ
بَلْ من لِعَذَّالةٍ خَذَّالةٍ أَشِبٍ ... حَرَّقَ باللَّوم جِلدي أَيَّ تَحْرَاقِ
يقولُ أَهلكْتَ مالاً لَّو قَنِعْتَ به ... مِن ثَوبِ صِدْقٍ ومن بَزٍّ وأَعلاقِ
عاذِلَتي إِنَّ بعضَ اللَّومِ مَعْنَفَةٌ ... وهَلْ متاعٌ وإِنْ أَبقيْتُهُ باقِ
إِني زَعِيمٌ لئن لم تتركُوا عَذَلي ... أَنْ يَسْئَلَ الحيُّ عنِّي أَهلَ آفاقِ
أَن يَسْئَلَ القومُ عني أَهلَ مَعْرِفَةٍ ... فلا يُخبِّرُهُمْ عن ثابتٍ لاَقِ
سَدِّدْ خِلاَلَكَ من مالٍ تُجَمِّعُهُ ... حتَّى تُلاَقِي الذي كلُّ امرىءٍ لاقِ
لَتَقْرَعَنَّ عليَّ السِّنَّ من نَدَمٍ ... إِذا تذكرتَ يوماً بعضَ أَخلاقي
قال
الكلحبة العرني
فإِنْ تَنْجُ مِنْها يا حَزِيمَ بنَ طَارِقٍ ... فقد تَرَكَتْ ما خَلْفَ ظَهْرِكَ بَلْقَعَا
ونادَى مُنادِي الحيِّ أَنْ قد أُتِيتُم ... وقد شَرِبَتْ ماءَ الَمَزادَةِ أَجمعا
وقلتُ لكأْسٍ:أَلجِمِيها فإِنما ... نَزَلْنَا الكَثِيبَ مِن زَرُودَ لِنَفْزَعَا
كأَنَّ بِلِيتَيْهَا وبَلْدَةِ نَحْرِها ... من النَّبْلِ كُرَّاثَ الصَّرِيم المُنَزَّعَا
فأَدْرَكَ إِبقاءَ العَرادةِ ظَلْعُهَا ... وقد جَعَلَتْني مِن حَزِيمةَ إِصبَعَا
أَمرتُكُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... ولا أَمرَ للمَعْصِيِّ إِلاَّ مُضَيَّعَا
إِذا المرءُ لم يَغْشَ الكريهةَ أَوْشَكَتْ ... حِبالُ الهُوَيْنَا بالفتى أَن تَقَطَّعَا
وقال الكلحبة

تُسائِلنِي بَنُو جُشَمَ بنِ بَكْرٍ ... أَغرَّاءُ العَرَادَةُ أَم بَهِيمُ
هيَ الفرسُ التي كَرَّت عليهم ... عَليها الشيخُ كالأَسدِ الكلِيمُ
إذَا تَمْضِيهِمُ عادَتْ عليهم ... وقَّيَّدَهَا الرِّماحُ فمَا تَرِيمُ
تَعادَى من قَوائِمها ثلاثٌ ... بتحجيلٍ، وقائمةٌ بَهِيمُ
كُمَيْتٌ غَيرُ مُحْلِفَةِ ولكِنْ ... كلَوْنِ الصِّرف عُلَّ بهِ الأَدِيمُ

قال
الجميح
أَمْسَتْ أُمامةُ صَمْتاً ما تُكلِّمنا ... مجنونةً أَم أَحَسَّتْ أَهلَ خَرُّوبِ
مَرَّتْ براكبِ مَلْهُوزٍ فَقال لها: ... ضُرِّي الجُميْحَ ومَسَّيهِ بتعذيبِ
ولو أَصابتْ لقالتْ، وهي صادقةٌ ... إِنَّ الرِّياضةَ لا تُنْصِبْك لِلشِّيبِ
يأَبَى الذَّكاءُ ويأَبَى أَنَّ شَيخَكُمُ ... لَن يعطِيَ الآنَ عن ضربٍ وتأْديبِ
أَمَّا إِذا حَرَدَتْ حَرْدِي فَمُجْرَيَةٌ ... جرْدَاءُ تَمْنَعُ غِيلاً غيرَ مَقْرُوبِ
وإِنَّ يكُنْ حادثٌ يُخْشَى فذُو عِلَقٍ ... تَظلُّ تَزْبُرُهُ مِن خَشْيَةِ الذِّيبِ
فإِن يَكُنْ أَهلُها حَلُّوا على قِضَّةٍ ... فإِنَّ أَهلِي الأُولَى حَلُّوا بمَلْحُوبِ
لمَّا رأَتْ إِبلي قَلَّتْ حَلُوبَتُها ... وكلُّ عامٍ عليها عامُ تجنيبِ
أَبقَى الحوادثُ منها وهْي تَتْبعها ... والحقُّ صِرْمَةَ راعٍ غيرِ مغلوبِ
كأَنَّ راعِيَنَا يَحْدُو بها حُمُراً ... بَيْنَ الأبارِقِ مِن مَّكْرَانَ فاللُّوبِ
فإِنْ تَقَرِّي بِنَا عَيْناً وتَخْتَفِضِي ... فِينَا وتَنتظري كَرِّي وتَغْرِيبِي
فَاقْنَيْ لعلَّكِ أَنْ تَحْظَيْ وَتحْتَلِبِيفي سَحْبَلٍ مِن مُّسُوكِ الضَّأْنِ مُنْجوبِ
قال
سلمة بن الخرشب الأنماري
إذا ما غَدَوْتُم عامِدِينَ لأَرضِنا ... بَنِي عَامرٍ فاستظهِرُوا بالمَرائِرِ
فإِنَّ بَنِي ذُبْيَانَ حيثُ عَهِدْتُمُ ... بِجِزْعِ البَتِيلِ بينَ بادٍ وحاضرِ
يَسُدُّونَ أَبوابَ القِبابِ بِضُمَّرٍ ... إِلى عُنَنٍ مُسْتَوْثِقاتِ الأَواصِرِ
وأَمْسَوْا حِلاَلاً ما يُفَرَّقُ بينَهم ... علي كلِّ ماءٍ بينَ فَيْدَ وسَاجِرِ
وأَصْعَدَتِ الحُطَّابُ حتَّى تَقارَبُوا ... على خُشُبِ الطَّرْفَاءِ فوقَ العَوَاقِرِ
نَجوتَ بنَصْلِ السيفِ لا غِمْدَ فَوقَه ... وسَرْجٍ على ظَهْرِ الرِّحالةِ قاتِرِ
فأَثْنِ عليها بالذى هيَ أَهلُهُ ... ولاَ تكْفُرَنْها، لا فَلاَحَ لِكافِرِ
فلو أَنها تَجْرِي على الأَرضِ أُدْرِكَتْ ... ولكنَّها تَهْفُو بِتمْثَالِ طائِرِ
خُدَارِيَّةٍ فَتْخَاءَ أَلْثَقَ رِيشَها ... سحابةُ يومٍ ذي أَهاضِيبَ مَاطِرِ
فِدىً لأَبِي أَسماءَ كلُّ مُقَصِّرٍ ... مِنَ القوم مِن ساعٍ بِوتْرٍ ووَاتِرِ
بَذَلْتَ المَخَاضَ الْبُزْلَ ثُمَّ عِشَارَهَا ... ولم تَنْهَ منها عن صَفُوفٍ مُظائِرِ
مقرن أفراس له برواحل ... فغاولنهم مستقبلات الهواجر
فأَدْرَكَهم شَرْقَ المَرَوْرَاةِ مَقْصَراً ... بقيَّةُ نسلٍ من بنَاتِ القُرَاقِرِ
فلم تَنْجُ إِلاَّ كل خَوْصاءَ تَدَّعِي بِذِى شُرُفاتٍ كالفَنِيقِ المُخاطِرِ
وإِنكَ يا عَامِ ابنَ فارِس قُرْزُلٍ ... مُعِيدٌ عَلَى قِيلِ الْخَنا والهَواجِرِ
هَرَقْنَ بِسَاحُوقٍ جِفاناً كثيرةً ... وأَدَّيْنَ أُخرَى مِن حقِينِ وحازِرِ
قال سلمة بن الخرشب الأنماري أيضا
ً
تأَوَّبهُ خَيالٌ مِن سُلَيْمَى ... كما يَعتادُ ذَا الدَّيْنِ الغرِيمُ
فإِنْ تُقْبِلْ بما عَلِمَتْ فإِنِّي ... بحَمدِ اللهِ وَصَّالٌ صَرُومُ

ومُخْتاٍض تَبِيضُ الرُّبْدُ فيهِ ... تُحومِيَ نَبْتُهُ فهْوَ العَمِيمُ
غَدَوْتُ بهِ تَدافِعُني سَبُوحٌ ... فَراشُ نُسُورِها عَجَمٌ جَرِيمُ
مِنَ المُتَلَفِّتاِت بِجَانِبَيْها ... إِذا ما بَلَّ مَحْزِمَها الحَمِيمُ
إِذا كان الحِزامُ لِقُصْرَيَيْها ... أَماماً حيثُ يَمْتَسِكُ البَرِيمُ
يُدَافِعُ حَدَّ طُبيَيْهَا وحِيناً ... يُعادِلُهُ الجِرَاءُ فَيَسْتَقِيمُ
كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفَةٍ ولكنْ ... كَلَونِ الصِّرْفِ عُلَّ به الأَديمُ
تَعادَى مِن قَوائِمِها ثَلاَثٌ ... بتحجيلٍ وقائمةٌ بَهيمُ
كأَنَّ مَسِيحتَىْ وَرِقٍ عليها ... نَمَتْ قُرْطَيْهِما أُذُنٌ خَذِيمُ
تُعَوَّذُ بالرُّقَى مِن غيرِ خَبْلٍ ... وتُعْقَدُ في قلائدها التَّمِيمُ
وتُمْكِنُنا إِذا نحنُ اقْتَنَصْنا ... مِنَ الشَّحَّاج أَسْعَلَه الجَمِيمُ
هَوِيَّ عُقابِ عَرْدَةَ أَشْأَزَتها ... بِذِى الضَّمْرَانِ عِكْرِشَةٌ دَرُومُ

قال
الجميح
واسمه منقذ
سائِلْ مَعَدًّا: مَنِ الفوارسُ لا ... أَوْفَوْا بِجِيرانهمْ ولا غَنِمُوا
يَعْدُو بهمْ قُرْزُلٌ ويَستمعُ ال ... نَّاسُ إِليهمْ وتَخْفُقُ اللِّمَمُ
رَكْضاً وقدْ غادَرُوا ربيعةَ في ال ... أَثْآرِ لمَّا تَقَارَبَ النَّسَمُ
في كَفِّهِ لَدْنةٌ مُثقَّفَةٌ ... فيها سِنانٌ مُحَرَّبٌ لَحِمُ
لو خافكم خالدُ بنُ نَضْلَةَ نَ ... جَّتْهُ سَبُوحٌ عِنانُها خَذِمُ
جَرْدَاءُ كالصَّعْدَةِ المُقامَةِ لا ... قُرٌّ زَوَى مَتْنَها ولا حَرِمُ
والحارثُ المُسْمِعُ الدُّعاءَ وفي ... أَصحابهِ مَلْجَأٌ ومُعْتَصَمٌ
يَعْدُو به قارِحٌ أَجَشُّ يَسُو ... دُ الخيلَ، نَهْدٌ مُشَاشُهُ، زَهِمُ
مُدَّرِعاً رَيْطَةً مُضَاعَفَةً ... كالنَّهي وَفَّى سَرَارَهُ الرِّهَمُ
فِدىً لسَلْمَى ثَوْبايَ إِذْ دَنِسَ ال ... قَومُ وإِذْ يَدْسُمُون ما دَسَمُوا
أَنتم بنُوا المرأَةِ التي زَعَمَ ال ... نَّاسُ عليها في الغَيِّ ما زَعَمُوا
يَمْرُجُ جارُ آسْتِها إِذا وَلَدَتْ ... يَهْدِرُ من كلِّ جانِبٍ خُصُمُ
وأُمُّها خَيْرَةُ النساءِ عَلَي ... ما خانَ مِنها الدِّحَاقُ والأَتَمُ
تَشْمِذُ بالدِّرْعِ والخِمارِ فلا ... تَخْرُجُ من جَوْفِ بَطْنِها الرَّحِمُ
قال
الحادرة
بَكَرَتْ سُمَيَّةُ بُكْرَةً فَتَمَتَّعِ ... وغَدَتْ غُدُوَّ مُفَارِقٍ لم يَرْبَعِ َ
وتَزَوَّدَتْ عَيْني غَدَاةَ لَقِيتُها ... بِلِوَى البُنَيْنَةِ نَظْرةً لم تُقْلِعِ
وتصدَّفَتْ حتَّى اسْتَبَتْكَ بواضِحٍ ... صَلْتٍ كمُنْتَصِبِ الغَزَالِ الأَتْلَعِ
وبِمُقَلتَيْ حَوْرَاءَ تَحْسِبُ طَرْفَها ... وَسْنَانَ، حُرَّةِ مُسْتَهَلِّ الأَدْمُعُ
وإِذا تُنَازِعُكَ الحدِيثَ رأَيتَها ... حسناً تَبَسُّمُها، لذيذَ المَكْرَعِ
بِغَرِيضِ ساريةٍ أَدَرَّتْهُ الصَّبا ... مِن ماءٍ أسْجَرَ طَيِّبِ المُسْتَنْقَعِ
ظَلَمَ البِطاحَ لهُ انهلالُ حَرِيصةٍ ... فَصَفا النِّطافُ لهُ بُعَيْدَ المُقْلَعِ
لَعِبَ السُّيُولُ به فأَصبَحَ ماؤُهُ ... غَلَلاً تَقَطَّعَ في أصولِ الخِرْوَعِ
أَسُمَّيَ وَيْحَكَ هل سمعتِ بِغَدْرَةٍ ... رُفع اللِّوَاءُ لنَا بِها في مَجمعِ
إِنَّا نَعِفُّ فلا نُرِيبُ حَلِيفَنَا ... ونكُفُّ شُحَّ نُفوسِنا في المَطْمَعِ

ونَقِي بِآَمِنِ مَالِنَا أَحسابَنا ... ونُجِرُّ في الهَيْجا الرماحَ ونَدَّعِي
ونَخُوضُ غَمْرَةَ كلِّ يومِ كَرِيهةٍ ... تُرْدِى النُّفوسَ وغُنْمُها لِلأَشْجَعِ
ونُقيمُ في دارِ الحِفاظِ بُيُوتَنا ... زَمناً، ويَظْعَنُ غَيْرُنا لِلأَمْرَعِ
ومَحَلِّ مَجْدٍ لا يُسَرِّحُ أَهلُهُ ... يومَ الإِقامةِ والحُلولِ لِمَرْتَعِ
بِسَبيلِ ثَغْرٍ لا يُسَرِّحُ أَهلُهُ ... سَقِمٍ يُشارُ لِقاؤُهُ بِالإِصْبَعِ
فسمي ما يدريك أن رب فتية ... باكرت لذتهم بأدكن مترع
مُحْمَرَّة عَقِبَ الصَّبُوحِ عُيونُهمْ ... بِمَرىً هناك من الحياةِ ومَسْمَعِ
مُتَبَطِّحِينَ علَى الكَنيفِ كأَنَّهم ... يَبْكُونَ حولَ جِنَازَةٍ لم تُرْفَعِ
بَكَرُوا عليَّ بِسُحْرَةٍ فَصَبحْتُهمْ ... مِن عاتقٍ كَدَمِ الغزالِ مُشَعْشَعِ
ومُعَرَّضٍ تَغْلِي المَرَاجِلُ تحتَه ... عَجَّلْتُ طَبْخَته لرَهْطٍ جُوَّعِ
ولَدَيَّ أَشْعَثُ باسطٌ لِيَمِيِنِهِ ... قَسَماً لقدْ أَنضجتَ لم يَتَوَرَّعِ
ومُسَهَّدِينَ مِن الكَلاَلِ بَعَثْتُهُمْ ... بعدَ الكَلاَلِ إِلى سَوَاهِمَ ظُلَّعِ
أَوْدَى السِّفارُ بِرِمِّها فتَخالُها ... هِيماً مُقَطَّعَةً حِبالُ الأَذرُعِ
تَخِدُ الفَيافِيَ بالرِّحالِ وكلُّها ... يَعْدُو بِمُنْخَرِقِ القَميصِ سَمَيْدَعِ
ومَطِيَّةٍ حَمَّلْتُ رَحْلَ مطيَّةٍ ... حَرَجٍ تُنَمُّ مِن العِثارِ بدَعْدَعِ
وتَقِي إِذا مَسَّتْ مَناسِمُها الحَصَى ... وَجَعاً وإِنْ تُزْجَرْ به تَتَرَفَّعِ
ومُناخِ غَير تَئِيَّةٍ عَرَّسْتَهُ ... قَمَنٍ منَ الحَدْثَانِ نابِي المَضْجَعِ
عَرَّسْتُهُ وَوِسادُ رأسي ساعدٌ ... خاظِي البَضيعِ عُروقُه لم تَدْسَعِ
فَرَفَعْتُ عنه وهْو أَحمرُ فاترٌ ... قد بانَ مِنَّي غيرَ أَنْ لم يُقْطَعِ
فَتَرى بحيثُ تَوَكَّأَتْ ثَفِناتُها ... أَثَراً كمُفْتَحَصِ القَطا لِلْمَهْجَعِ
ومتاع ذعلبة تخب براكب ... ماض بشيعته وغير مشيع

قال
متمم بن نويرة
صَرَمَتْ زُنَيْبَةُ حَبْلَ مَن لا يَقْطَعُ ... حَبْلَ الخَليلِ ولَلأَمانَةَ تَفْجَعُ
ولقدْ حَرَصْتُ علي قليلِ مَتاعِها ... يومَ الرَّحيلِ فدَمعُها المُسْتَنْفَعُ
جُذِّى حِبالَكِ يا زُنَيْبَ فإِنني ... قد أَستبِدُّ بوصلِ مَن هو أَقطعُ
ولقدْ قطعتُ الوصلَ يومَ خِلاَجِهِ ... وأَخو الصَّريمةِ في الأُمورِ المُزْمِعُ
بمُجِدَّةٍ عنْسٍ كأَنَّ سَرَاتَها ... فَدَنٌ تُطيفُ به النَّبيطُ مُرَفَّعُ
قاظَتْ أُثَالَ إِلى المَلاَ وتَرَبَّعَتْ ... بالحَزْنِ عازِبةً تُسَنُّ وتُودَعُ
حتى إِذا لَقِحَتْ وعُولِىَ فَوْقَها ... قَرِدٌ يُهِمُّ بهِ الغُرَابَ المَوقِعُ
قرَّبتُها للرَّحلِ لمَّا اعتادَنِي ... سَفَرٌ أَهُمُّ بهِ وأَمْرٌ مُجْمَعُ
فكأَنَّها بعدَ الكَلالةِ والسُّرَى ... عِلْجٌ تُغَالِيهِ قَذُورٌ مُلْمِعُ
يَحتازُها عن حَجْشِها وتَكفُّهُ ... عن نَفْسِها، إِنَّ اليتمَ مُدَفَّعُ
ويَظَلُّ مُرْتَبِئاً عليها جاذِلاً ... في رأس مَرْقَبةٍ ولأَْياً يَرْتَعُ
حتَّى يُهَيٍّجَها عَشِيَّةَ خِمْسِها ... لِلْوَرْدِ جَأْبٌ خَلْفَها مُتَتَرِّعُ
يَعْدُو تُبادِرُهُ المَخَارِمَ سَمْحَجٌ ... كالدَّلْوِ خانَ رِشاؤُها المُتَقَطَّعُ
حتَّى إِذَا ورَدَا عُيوناً فَوقَها ... غَابٌ طِوَالٌ نابِتٌ ومُصَرَّعُ

لا قَى على جَنْبِ الشَّريعَةِ لاَطِئاً ... صَفْوَانَ في نامُوسِهِ يَتَطَّلَعُ
فَرَمى فأَخطأَها وصادف سهمُه ... حَجَراً ففُلِّلَ، والنَّضِيُّ مُجَزَّعُ
أَهْوَى ليَحْمِيَ فَرْجَها إِذْ أَدبرتْ ... زَجِلاً كما يَحمي النَّجِيدُ المُشْرِعُ
فَتَصُكُّ صَكًّا بِالسَّنابِكِ نَحْرَهُ ... وبِجَنْدَلٍ صُمٍّ ولاَ تَتَوَرَّعُ
لا شيءَ يَأْتُو أَتْوَهُ لمَّا عَلاَ ... فَوْقَ القَطَاةِ ورأَسُهُ مُسْتَتْلِعُ
وَلقد غَدوتُ على القَنِيصِ وصاحبِي ... نَهْدٌ مَرَاكِلُهُ مِسَحٌّ جُرْشُعُ
ضافِى السَّبِيبِ كأَنَّ غُصْنَ أَباءَةٍ ... رَيَّانَ يَنْفُضُها إِذا ما يَقْدَعُ
تَئِقٌ إِذا أَرْسَلْتُهُ مُتَقَاذِفٌ ... طَمَّاحُ أَشْرَافٍ إِذا ما يُنْزَعُ
وكأَنه فَوْتَ الجَوالِبِ جَانِئاً ... رِئْمِ، تَضَايَفَهُ كِلاَبٌ، أَخَضَعُ
داويتُهُ كلِّ الدَّوَاءِ وزدْتُه ... بَذْلاً كما يُعطِي الحبيبُ الْمُوسِعُ
فَلَهُ ضَرِيبُ الشَّوْلِ إِلاَّ سُؤْرَهُ ... والْجُلُّ فهْو مُرَبَّبٌ لا يُخْلَعُ
فإذا نُرَاهِنُ كانَ أَوَّلَ سابِقٍِ ... يَختالُ فارسُهُ إِذَا ما يُدْفَعُ
بلْ رُبَّ يومٍ قدْ حَبَسْنَا سَبْقهُ ... نُعْطِي ونُعْمِرُ فى الصَّدِيق ونَنَفْعُ
ولقد سَبقتُ العاذِلاتِ بشَرْبَةٍ ... رَيَّا، وراوُوقى عظيمٌ مُتْرَعُ
جَفْنٌ من الغِرْبِيب خالِصُ لَوْنِهِ ... كَدِمِ الذَّبيحِ إِذا يُشَنُّ مُشَعْشَعُ
أَلْهُو بها يوماً وأُلْهِي فِتْيةً ... عن بَثِّهم إِذْ أُلْبِسُوا وتَقَنَّعُوا
يَا لَهْفَ مِن عَرْفَاءَ ذاتِ فَلِيلَةٍ ... جاءَتْ إِليَّ على ثَلاثٍ تَخْمَعُ
ظَلَّتْ تُرَاصِدُنِى وتَنظرُ حَولَها ... ويُرِيبُها رَمَقٌ وأَنِّي مُطْمِعُ
وتَظَلُّ تَنْشِطُنِي وتُلْحِمُ أَجْرِياً ... وَسْطَ العَرِينِ وليس حَيٌّ يَدفعُ
لو كانَ سَيْفِي باليمينِ ضَربتُها ... عنِّي ولم أُوكَلْ وجَنْبِي الأَضْيَعُ
ولقد ضَربتُ به فَتُسْقِطُ ضَرْبتِي ... أَيْدِي الْكُماةِ كأَنَّهنَّ الخِرْوَعُ
ذاكِ الضَّياعُ، فإِنْ حَزَزتُ بمُدْيَة ... كَفِّي فقُولِي: مُحْسِنٌ ما يَصْنَعُ
ولقد غُبِطْتُ بما أُلاقِى حِقْبَةً ... ولقد يَمُرُّ عليَّ يوْمٌ أَشْنَعُ
أَفَبَعْدَ مَنْ وَلَدَتْ نُسَيْبَةُ أَشْتَكِي ... زَوَّ المَنِيَّةِ أَو أُرَى أَتَوَجَّعُ
ولقد علمتُ، ولا محالة، أَنني ... لِلحادِثاتِ، فهلْ تَرَيْنِي أَجْزَعُ
أَفْنَيْنَ عاداً ثُمَّ آلَ مُحَرِّقٍ ... فَتَرَكْنَهُمْ بَلداً وما قد جَمَّعُوا
ولَهُنَّ كانَ الحارثانِ كلاهُما ... ولهنَّ كانَ أَخُو المَصَانِع تُبَّعُ
فَعدَدْتُ آبابِي إِلى عِرْقِ الثَّرَى ... فدَعَوْتُهُمْ فعلمتُ أَنْ لم يَسْمَعُوا
ذَهبُوا فلم أُدرِكهمُ ودَعَتْهُمُ ... غُولٌ أَتَوْها والطَّرِيقُ المَهْيَعُ
لابُدَّ مِن تَلَفٍ مُصيبٍ فانتظِرْ ... أَبِأَرْضِ قومِكَ أَم بأُخرَى تُصْرَعُ
ولَيأْتينَّ عليكَ يومٌ مَرَّةً ... يُبكي عليك مُقَنَّعاً لا تَسْمَعُ

قال
بشامة بن عمرو
هَجَرَتْ أُمامةَ هَجْراً طَوِيلاَ ... وحَمَّلَك النَّأْيُ عِبْئاً ثَقيلاً
وحُمِّلْتَ منها عَلى نَأْيِها ... خَيالاً يُوَافِي ونَيْلاً قليلاً
ونَظْرَةَ ذِي شَجَنٍ وامِقٍ ... إِذَا ما الرَّكائِبُ جاوَزْنَ مِيلاً
أَتتنا تُسائِلُ ما بَثَّنا ... فقلنا لها: قد عَزَمْنا الرَّحِيلاَ

وقلتُ لها: كُنْتِ، قد تَعلمي ... نَ، منذُ ثَوَى الرَّكْبُ، عَنَّا غَفُولاَ
فبادَرَتَاها بمُسْتَعْجِلٍ ... من الدَّمعِ يَنْضَحُ خَدًّا أَسِيلا
وما كان أَكثَرُ ما نَوَّلَتْ ... من القَوْلِ إِلاَّ صِفَاحاً وقيلا
وعِذْرَتُها أَنَّ كلَّ امرِىءٍ ... مُعِدٌّ لهُ كلَّ يومٍ شُكُولاً
كأَنَّ النَّوَى لم تَكُنْ أَصْقَبَتْ ... ولم تَأْتِ قَوْمَ أَدِيمٍ حُلولاَ
فقَرَّبْتُ للرَّحْل عَيْرَانَةً ... عُذّافِرَةً عَنْتَرِيساً ذَمُولاَ
مُدَاخَلََ الْخَلْقِ مَضبُورَةً ... إِذَا أَخَذَ الحاقِفاتُ المقِيلاَ
لَها قَرِدٌ تامِكٌ نَيُّهُ ... تَزِلُّ الوَلِيَّةُ عنهُ زَلِيلا
تَطَرَّدُ أَطْرَافَ عامٍ خَصيبٍ ... ولم يُشْلِ عَبْدٌ إِليها فَصِيلا
تَوَقَّرُ شازِرَةٍ طَرْفهَا ... إِذا ما ثَنَيْتَ إِليها الجَدِيلا
بعَيْنٍ كعَينِ مُفيضِ القِدَاحِ ... إِذا ما أَرَاغَ يُرِيدُ الحَويلا
وحَادِرَةٍ كَنَفَيْها المَسي ... حُ تَنْضِحُ أَوْبَرَ شَثًّا غَلِيلاَ
وصَدْرٌ لها مَهْيَعٌ كالخَلِيفِ ... تَخالُ بأَنَّ عليه شَليلاَ
فمرَّتْ على كشبٍ غُدْوَةً ... وحاذَتْ بجَنْبِ أَرِيكٍ أَصِيلاَ
تَوطَّأُ أَغْلَظَ حِزَّانِهِ ... كوَطءِ القَوِيِّ العَزِيزِ الذَّلِيلاَ
إِذا أَقبلَتْ قلتَ مَذْعُورَةٌ ... من الرُّمْدِ تَلْحَقُ هَيْقاً ذَمُولا
وإِنْ أَدبرتْ قلتَ مَشْحُونةٌ ... أَطاعَ لَها الرِّيحُ قِلْعاً جَفُولاَ
وإِنْ أَعرضْت رَاءَ فيها البصي ... رُ ما لاَ يُكَلِّفهُ أَنْ يَفِيلاَ
يَداً سُرُحاً مَائِراً ضَبْعُها ... تَسُومُ وتَقْدُمُ رِجْلاً زَجُولاَ
وعُوجاً تَنَاطَحْنَ تحتَ المَطا ... وتَهْدِي بِهنَّ مُشاشاً كُهُولاَ
تَعُزُّ المَطِيِّ جِمَاعَ الطريقِ ... إِذا أَدْلَجَ القومُ ليلاً طويلاَ
كَأنَّ يدَيْها إِذَا أَرْقَلَتْ ... وقد جُرْنَ ثُمَّ اهتَديْنَ السَّبيلاَ
يَدَا عائِم خَرَّ في غَمْرَةٍ ... قَدَ أَدرَكهُ الموتُ إِلاَّ قليلاَ
وخُبِّرْتُ قَومِي ولم أَلْقَهُمْ ... أَجَدُّوا علي ذي شُوَيْسٍ حُلُولاَ
فإِمَّا هلكْتُ ولم آتِهِمْ ... فأَبْلِغْ أَماثِلَ سَهْمٍ رَسولاَ
بِأَنْ قَوْمُكُمْ خُيِّرُوا خَصلَتي ... نِ كلْتاهما جَعلُوها عُدُولاَ
خِزْىُ الحياةِ وحَرْبُ الصَّدِيقِ ... وكلٌّ أَرَاهُ طَعَاماً وَبِيلاَ
فإِن لم يكنْ غَيرُ إِحداهما ... فَسِيرُوا إِلى الموتِ سَيْراً جميلاَ
ولا تَقعدُوا وبِكُمْ مُنَّةٌ ... كَفَى بالحوادثِ للمرءِ غُولاَ
وحُشُّوا الحُروبَ إذَا أُوقِدَتْ ... رِماحاً طِوَالاً وخيلاً فُحولاَ
ومِن نَسْجِ داؤُودَ مَوْضُونَةً ... ترَى لِلْقَواضِبِ فيها صَلِيلاَ
فإِنكُمُ وعَطَاءَ الرِّهانِ ... إِذا جَرَّتْ الحربُ جُلاًّ جَليلاَ
كثَوْب ابْنِ بَيْضٍ وَقَاهُمْ بهِ ... فَسَدَّ على السالكينَ السَّبيلاَ

قال
المسيب بن علس
أَرَحَلْتَ مِن سَلْمَى بغيرِ مَتَاعِ ... قبلَ العُطَاسِ ورُعتْهَا بوَدَاعِ
مِن غيرِ مَقْلِيَّةٍ وإِنَّ حِبِالَها ... ليست بأَرْمامٍ ولا أَقْطَاعِ
إِذْ تَسْتَبِيكَ بأَصْلَتِيٍّ نَاعِمٍ ... قامتْ لِتَفْتِنَهُ بغيرِ قِنَاعِ

ومَهاً يَرِفُّ كأَنه إِذْ ذُقْتَهُ ... عانِيَّةٌ شُجَّتْ بماءِ يَرَاعِ
أَو صَوْبُ غادِيَةٍ أَدَرَّتْهُ الصَّبَا ... بِبَزِيلِ أَزْهَرَ مُدْمَجٍ بِسَيَاعِ
فرأَيتُ أَنَّ الحُكْمَ مُجْتَنِبُ الصِّبَا ... وصَحَوْتُ بعدَ تَشَوُّقٍ ورُوَاعِ
فَتَسَلَّ حاجَتَها إِذا هيَ أَعرضتْ ... بِخَميصَةٍ سُرُح اليدَيْنِ وَسَاعِ
صَكَّاءَ ذِعْلَبَةٍ إِذا استدْبَرْتَها ... حَرَجٍ، إِذا استقبلتَها هِلْوَاعِ
وكأَنَّ قَنْطَرَةً بموضِعِ كُورِها ... مَلساءَ بينَ غَوامِضِ الأَنْساعِ
وإٍِذا تَعَاورتِ الحَصَى أَخفافُها ... دَوَّى نَوادِيهِ بظَهْرِ القَاعِ
وكأَنَّ غَارِبهَا رَبَاوَةُ مَخْرِمٍ ... وتَمُدُّ ثِنْيَ جَدِيلِها بِشِرَاعِ
وإِذا أَطَفْتَ بها أَطفتَ بكَلْكلٍٍ ... نَبِضِ الفَرائِص مُجْفَرِ الأَضلاعِ
مَرِحَتْ يدَاها لِلنَّجاءِ كأَنَّما ... تَكْرُو بكَفَّيْ لاعبٍ في صَاعِ
فِعْلَ السَّرِيعةِ بادرتْ جُدَّادَها ... قبلَ المَساءِ تَهُمُّ بالإِسراعِ
فَلأَُهْدِيَنَّ معَ الرِّياحِ قصيدةً ... مِنِّي مُغَلْغَلَةً إِلى القَعْقَاعِ
تَرِدُ المياهَ فما تَزالُ غَريبةً ... في القوم بينَ تَمثُّلٍ وسَماعِ
وإِذا الملوكُ تدافعتْ أَركانُها ... أَفْضَلْتَ فوقَ أَكُفِّهِمْ بِذراع
وإِذا تَهِيجُ الرِّيحُ مِن صُرَّادِها ... ثَلْجاً يُنِيخُ النِّيبَ بالجَعْجَاعِ
أَحْلَلْتَ بَيْتَكَ بالجَميعِ، وبعضُهم ... مُتفرِّقٌ لِيَحُلَّ بالأَوزاعِ
ولأَنْتَ أَجْوَدُ من خَليجٍ مُفْعَمٍ ... مُتَرَاكِم الآذِىِّ ذي دُفَّاعِ
وكأَنَّ بُلْقَ الخَيْلِ في حافاتهِ ... يَرْمِي بهنَّ دَوَالِيَ الزُّرَّاعِ
ولأَنتَ أَشجَعُ فِي الأَعادِي كلِّها من مُخْدِرٍ لَيثٍ مُعِيدِ وِقاعِ
يأْتِي عَلى القومِ الكَثيرِ سِلاحُهُم ... فيَبيتُ منهُ القومُ في وَعْوَاعِ
أَنتَ الوَفِيُّ فما تُذَمُّ، وبعضُهم ... تُودِي بذِمَّتِهِ عُقابُ مَلاَعِ
وإِذا رَماهُ الكاشِحُونَ رماهُمُ ... بمَعَابِلٍ مَذْرُبَةٍ وقطَاعِ
ولذَاكُمُ زَعَمَتْ تَمِيمٌ أَنَّهُ ... أَهلُ السَّماحةِ والنَّدَى والبَاعِ

قال
الحصين بن الحمام المري
جَزَى اللهُ أَفْنَاءَ العَشيرَةِ كُلِّها ... بِدَارَةِ مَوْضوعٍ عُقُوقاً ومَأْثَمَا
بَني عَمِّنَا الأَذْنَيْنَ منهم ورَهْطَنَا ... فَزَارةَ إِذْ رامتْ بِنَا الحربُ مُعْظَمَا
مَوَالِي مَوَالِينا الوِلادةُ منهمُ ... ومَوْلَى اليمينِ حابِساً مُتَقَسَّمَا
ولمَّا رَأَيتُ الوُدَّ ليسَ بنافِعي ... وأَنْ كان يوماً ذَا كَواكِبَ مُظْلِمَا
صَبَرْنا وكان الصَّبْرُ فينا سَجِيَّةً ... بأَسيافِنا يَقْطَعْنَ كَفاًّ ومِعْصَمَا
يُفَلِّقْنَ هَاماً مِن رِجالٍ أَعِزَّةٍ ... علينا وهم كانُوا أَعَقَّ وأَظْلَمَا
وجوهُ عَدُوٍّ والصُّدُورُ حَدِيثةٌ ... بِوُدٍّ، فأَوْدَى كلُّ وُدٍّ فأَنْعَمَا
فليتَ أَبا شِبْلٍ رَأَى كَرَّ خَيْلِنَا ... وخيلهِمُ بَيْنَ السِّتَارِ فأَظْلَمَا
نُطارِدُهم نَسْتَنْقِذُ الجُرْدَ كالقَنَا ... ويَسْتَنْقِذُون السَّمْهَرِىَّ المُقَوَّمَا
عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّماحُ مكانَها ... ولا النَّبْلُ إِلاَّ المَشْرَفيَّ المُصَمِّمَا
لَدُنْ غَدْوَةً حتى أَتَى الليلُ، ما تَرَى ... مِن الخيلِ إِلاَّ خارِجِيًّاً مُسَوِّمَا
وأَجْرَدَ كالسِّرْحانِ يَضرِبُهُ النَّدَى ... ومحبوكةً كالسِّيدِ شَقَّاءَ صِلْدِمَا

يَطأْنَ مِن القَتْلَى ومِن قِصَدِ القَنَا ... خَبَاراً فما يَجْرِينَ إِلاَّ تَجَشَّمَا
عليهنَّ فِتْيانٌ كسَاهُمْ مُحَرِّقٌ ... وكان إِذا يَكْسُو أَجادَ وأَكْرَمَا
صَفَائِحَ بُصْرَى أَخْلَصَتْهَا قُيونُها ... ومُطَّرِداً مِن نَسْجِ داوودَ مُبْهَمَا
يَهُزُّونَ سُمْراً مِن رماحِ رُدَيْنَةٍ ... إِذا حُرِّكَتْ بَضَّتْ عَوَامِلُها دَمَا
أَثَعْلَبَ لو كنتمْ مَوَالِيَ مِثْلِها ... إِذاً لَمَنَعْنَا حَوْضَكمْ أَنْ يُهَدَّمَا
ولولا رجالٌ مِن رِزَامِ بنِ مَازِنٍ ... وآلِ سُبَيْعٍ أَو أَسْوءَكَ عَلْقَمَا
لأَقْسَمْتُ لا تَنْفَكُّ مِنِّي مُحَارِبٌ ... على آلةٍ حَدْباءَ حتى تَنَدَّمَا
وحتى يَرَوْا قوماً تضِبُّ لِثَاتُهُمْ ... يَهُزُّونَ أَرماحاً وجيشاً عَرَمْرَمَا
ولا غَرْوَ إِلاَّ الخُضْرُ خُضْرُ مُحَارب ... يُمَشُّونَ حَوْلِي حَاسِراً ومُلأَّ مَا
وجاءَتْ جِحَاشٌ قَضَّها بقَضِيضِها ... وجَمْعُ عُوَالٍ ما أَدَقَّ وأَلأَمَا
وهارِبةُ البَقْعَاءُ أَصبحَ جَمْعُها ... أَمامَ جُموعِ النَّاسِ جَمْعاً مُقَدَّمَا
بِمُعْتَرَكٍ ضَنْكٍ به قِصَدُ القَنَا ... صَبَرنْا لهُ قد بَلَّ أَفراسَنا دَمَا
وقلتُ لهم: يا آلَ ذُبْيانَ ما لكُمْ ... تَفَاقدْتُمُ، لا تُقْدِمونَ مُقَدَّمَا
أَمَا تَعلمونَ اليومَ حِلْفَ عُرَيْنَةٍ ... وحِلفاً بصحراءِ الشَّطُونِ ومُقْسَمَا
وأَ!بْلِغْ أُنَيْساً سَيدَ الحَيِّ أَنَّهُ ... يَسُوس أُموراً غيرُها كان أَحزمَا
فإِنك لو فارقْتَنَا قبلَ هذهِ ... إِذاً لَبَعَثْنَا فوقَ قَبْرِكَ مَأْتَما
وأَبلغْ تَلِيداً إِن عَرَضْتَ ابنَ مالِكٍوهلْ يَنْفَعَنَّ العِلمُ إِلاَّ المُعَلَّمَا
فإِنْ كنتَ عن أَخلاقِ قومِكَ راغباً ... فَعُذْبِضُبَيْعٍ أَو بعَوْفِ بن أَصْرَمَا
أَقِيمِي إِليكِ عَبْدَ عَمْروٍ وشَايِعِي ... علي كلِّ ماءٍ وسط ذُبْيَانَ خُيِّمَا
وعُوذِي بأَفناءِ العَشيرةِ إِنما ... يَعُوذُ الذَّليلُ بالعَزِيزِ لِيُعْصَمَا
جَزَى الله عنَّا عبدَ عَمروٍ مَلامةً ... وعُدْوَانَ سَهْمٍ ما أَدَقَّ وَألأَمَا
وحَيِّ مَنَاف قد رَأَيْنَا مكانَهم ... وقُرَّانَ إِذْ أَجْرَى إِلينا وأَلْجمَا
وآلَ لَقِيطٍ إِنني لن أَسُوءَهُمْ ... إِذاً لَكَسَوْتُ العَمَّ بُرْداً مُسَهَّمَا
وقالوا: تَبَيَّنْ هل تَرَى بينَ ضَارجٍ ... ونَهْي أَكُفٍّ صارِخاً غيرَ أَعْجَمَا
فأَلحقْنَ أَقواماً لِئَاماً بأَصْلهِمْ ... وشَيَّدْنَ أَحساباً وفاجأَن مَغْنَمَا
وأَنْجَيْنَ مَن أَبْقَيْنَ مِنَّا بخُطَّةٍ ... من العُذْرِ لم يَدْنَسْ وإِن كان مُؤْلَمَا
أََبَى لاِبْنِ سَلْمَى أَنهُ غيرُ خالِدٍ ... مُلاَقِي المَنايَا أَيَّ صَرْفٍ تَيَمَّمَا
فلستُ بمُبْتاعِ الحياةِ بِسُبَّةٍ ... ولا مُبْتَغٍ من رَهْبَةِ الموتِ سُلَّمَا
ولكنْ خُذُوني أَيَّ يومٍ قَدَرْتُمْ ... عليَّ فَحُزُّوا الرأسَ أَنْ أَتَكلَّمَا
بِآيَةِ أَنِّي قد فَجَعْتُ بفارسٍ ... إِذا عَرَّدَ الأَقوامُ أَقْدَمَ مُعْلِمَا

قال
رجل من عبد القيس
حليف لبني شيبان
لمَّا أَنْ رَأَيتُ بَنِي حُيَيٍّ ... عَرفْتُ شَنَاءَتِي فيهم ووِتْرِي
رَمَيْتُهُمُ بِوَجْرَةَ إِذْ توَاصَوْا ... لِيَرْمُوا نَحْرَهَا كَثَباً ونَحْرِي
إِذا نفَذَتْهُمُ كَرَّتْ عليهمْ ... كأَنَّ فَلُوَّها فيهم وبِكْرِي

بذاتِ الرِّمْثِ إِذْ خَفَضُوا العَوَالِي ... كأَنَّ ظُباتِها لَهَبَانُ جَمْرِ
فلَم أَنْكُلْ ولم أَجْبُنْ ولكنْ ... يَمَمْتُ بها أَبا صَخْرِ بنَ عَمْروِ
شَكَكْتُ مَجَامِعَ الأَوصالِ منهُ ... بنَافِذَةٍ على دَهَشٍ وذُعْرِ
تَركتُ الرُّمحَ يبْرُقُ في صَلاَهُ ... كأَنَّ سِنانَهُ خُرْطُومُ نَسْرِ
فإِن يَبْرَأ فلم أَنْفِثْ عليه ... وإِنْ يَهْلِكْ فذلكَ كان قَدْرِي

قال
المرار بن منقذ
وكائِنْ مِن فَتَى سَوْءٍ تَرَيْهِ ... يُعَلِّكُ هَجْمَةً حُمْراً وجُونَا
يَضَنًّ بِحَقِّها ويُذَمُّ فيها ... ويَتْرُكُها لِقَومٍ آخَرينَا
فإِنَّكِ إِن تَريْ إِبِلاً سِوَانَا ... ونُصْبِحُ لا تَرَيْنَ لنَاَ لَبُونَا
فإِنَّ لَنا حَظَائِرَ ناعِماتٍ ... عطاءَ اللهِ ربِّ العالَمِينَا
طَلَبْنَ البَحْرَ بالأَذنابِ حتَّى ... شَرِبْن جِمامَهُ حتَّى رَوِينَا
تُطاوِلُ مَخْرِمَىْ صُدُدَيْ أُشَيٍّ ... بَوَائِكَ ما يُبالِينَ السنينَا
كأَنَّ فُرُوعَها فِي كل رِيحٍ ... جَوَارٍ بالذَّوائِبِ يَنْتَصِينَا
بَناتُ الدَّهْرش لا يَحْلِفْنَ مَحْلاً ... إِذَا لم تَبْقَ سَائمةٌ بَقِينَا
إِذا كانَ السِّنُونَ مُجَلِّحاتٍ ... خَرَجْنَ وما عَجِفْنَ مِن السِّنِينَا
يَسِيرُ الضَّيْفُ ثمَّ يَحُلُّ فيها ... مَحَلاًّ مُكْرَماً حتَّى يَبِينَا
فتِلْكَ لنا غِنىً والأَجْرُ باقٍ ... فَغُضِّي بعضَ لَوْمِكِ يا ظَعِينَا
بنَاتُ بَناتِها وبناتُ أُخرَى ... صَوادٍ ما صَدِينَ وقد رَوِينَا
قال
حاتم السجستاني
غَدَتْ أَمُّ الخُنَابِسِ أَيَّ عَصْرِ ... تُعاتبنَا فقلتُ لها ذَرِينَا
رَأَتْ لي صِرْمَةً لا شَرْخَ فيها ... أُقاسِمُها المَسائِلَ والدُّيُونَا
تَخَرَّمَها العطاءُ فكلَّ يومٍ ... يُجاذِبُ راكِبٌ منها قَرينَا
وكائِنْ قد رَأَيْنَا مِن بخَيل ... يُعَلِّكُ هَجْمَةً سُوداً وجُونَا
قال
مزرد بن ضرار الذبياني
أَلاَ يا لقَوْمِ والسَّفَاهةُ كَاسْمِها ... أَعائِدَتي مِن حُبِّ سَلْمَى عَوائِدي
سُوَيْقَةُ بَلْبَالٍ إِلى فَلَجاتِها ... فَذِي الرِّمْثِ أَبكَتْنِي لِسَلْمَى مَعاهِدِى
وقامتْ إلى جَنْبِ الحِجَابِ وما بِها ... مِن الوَجْدِ، لولا أَعْيُنُ النَّاسِ، عامِدِي
مَعاهِدُ تَرْعَى بَيْنَها كلُّ رَعْلَةٍ ... غَرَابِيبُ كالهنْدِ الحَوَافي الحَوَافِدِ
تُرَاعِي بِذِي الغُلاَّنِ صَعْلاً كأَنه ... بِذِي الطَّلْحِ جَانِي عُلَّفٍ غيرُ عاضِدِ
وقالت أَلاَ تَثْوِي فَتَقْضِي لُبَانَةً ... أَبا حَسَنِ فِينا وتَأْتِي مَوَاعِدِي
أَتانِي وأَهْلِي في جُهَيْنَةَ دَارُهمْ ... بِنِصْعٍ فَرَضْوَي مِنْ وراءِ المَرَابِدِ
تَأَوُّهُ شَيخٍ قاعِدٍ وعَجُوزِهِ ... حَرِيبَيْنِ بالصَّلْعَاءِ ذَاتِ الأَسَاوِدِ
وعالاَ وعامَا حِينَ باعا بِأَعْنُزٍ ... وكَلْبَيْنِ لَعْبَانِيَّةً كالجلاَمِد
هِجَاناً وحُمْراً مُعْطِرَاتٍ كأَنَّهَا ... حَصَى مَغْرَةٍ أَلوَانُها كالمَجَاسِدِ
تُدَقِّقُ أَوْراكٌ لَهُنَّ عِرَضْنَةٌ ... على ماءِ يَمْوُدٍ عَصا كلِّ ذَائِدِ
أَزُرْعَ بنَ ثَوْب إِنَّ جاراتِ بَيْتِكم ... هُزِلْنَ وأَلْهَاكَ ارْتِغاءُ الرَّغائِدِ
وأَصْبَحَ جاراتُ ابْنِ ثَوْبٍ بَوَاشِماً ... من الشَّرِّ يَشْوِيهِنَّ شَيَّ القَدَائِدِ

تركتُ ابنَ ثَوْبٍ وهْولا سِتْرَ دُونَهُ ... ولوْ شِئْتُ غَنَّتْنِي بثَوْبٍ وَلاَئِدِي
صَقَعْتُ ابنَ ثَوْبٍ صَقْعَةً لا حِجَى لها ... يُوَلْوِلُ منها كلُّ آسٍ وعائِدِ
فَرُدُّوا لِقاحَ الثَّعْلَبِيِّ، أَداؤُها ... أَعَفُّ وأَتْقَى مِنْ أَذَى غَيْرِ واحِدِ
فإِنْ لَمْ تَرُدُّوهَا فإِنَّ سَماعَهَا ... لكم أَبداً مِنْ باقِياتِ القَلاَئِدِ
وما خالدٌ مِنَّا، وإِنْ حَلَّ فيكُمُ ... أَبانَيْنِ، بالنَّائي ولا المُتَباعِدِ
تَسَفّهْتَهُ عنْ مالِهِ إِذْ رَأَيْتَهُ ... غُلاماً كَغُصْنِ الْبانةِ المُتَغَايِدِ
تَحِنُّ لِقَاحُ الثَّعْلَبِيِّ صَبَابَةً ... لأَِوْطانِها مِنْ غَيْقَةٍ فالفَدَافِدِ
وعَاعَى ابنُ ثَوْبٍ في الرِّعاءِ بِصُبَّةٍ ... حِيالٍ وأُخْرَى لم تَرَ الفَحْلَ وَالِدِ
فنِعْمَتْ لِقَاحُ المَحْلِ يَهْدِي زَفِيرُهاسُرَى الضَّيْفِ أَوْ نِعمتْ مَطايَا المُجاهِدِ
أُولئكَ أَو تِلكَ، المُنَاصِي رباعُها ... مع الرُّبْدِ أَوْلاَدُ الهِجانِ الأَوَابِدِ
فيا آلَ ثَوْبٍ إِنَّما ذَوْدُ خالِدٍ ... كَنارِ اللَّظَى، لا خَيْرَ في ذَوْدِ خالِدِ
بهِنَّ دُرُوءُ مِنْ نُحَازٍ وغُدَّةٍ ... لها ذَرِباتٌ كالثُّدِيِّ النَّوَاهِدِ
جَرِبنَ فما يُهنَأْنَ إِلاَّ بِغَلْقَةٍ ... عَطِينٍ وأَبْوَالِ النِّساءِ القَوَاعِدِ
فلم أرَ رُزْءًا مثلَهُ إِذْ أَتاكُمُ ... ولا مثلَ ما يُهدَى هديَّةَ شاكِدِ
فَيا لَهَفي أَن لاَ تكُونَ تَعلَّقَتْ ... بِأَسْبابِ حبلٍ لاِبنِ دَارَةَ ماجِدِ
فَيرْجِعَها قومٌ كأَنَّ أَباهُمُ ... بِبِيشَةَ ضِرْغامٌ طُوَالُ السَّواعدِ
ولو جارُها اللَّجْلاَجُ أَوْ لوْ أَجارَهَا ... بنو باعثٍ لم تَنْزُ في حَبْل صائِدِ
ولو كُنَّ جارَاتٍ لآلِ مُسافِع ... لأُدِّينَ هَوْناً مُعْنِقاتِ المَوارِدِ
ولو في بني الثَّرْمَاءِ حَلَّتْ تحَدَّبُوا ... عليها بأَرماحٍ طِوَالِ الْحَدَائِدِ
مصاليتُ كالأَسياف ثُمَّ مَصِيرُهم ... إلى خَفِرَاتٍ كالقَنَا المُترَائِدِ
ولكنَّها في مَرْقَبٍ مُتَنَاذَرٍ ... كأَنَّ بها منه خُرُوطَ الجَدَاجِدِ
فَقلْتُ، ولم أَمْلِكْ: رِزَامَ بنَ مازِنٍ ... إِلى إِبَةٍ فيها حَياءُ الْخَرَائِدِ
فبِأسْتِ آمْرِئٍ كانَتْ أَمانِيُّ نَفْسِه ... هجاني ولَمْ يَجْمَعْ أَدَاةَ الْمُناجِدِ
وَشالت زِمِجَّى خَيْفَقٍ مَشَجَتْ به ... خِذاقاً وقد دَلَّهْنَهُ بالنَّوَاهِدِ
فأَيِّهْ بِكنْدِيرٍ حِمارِ ابنِ وَاقِعٍ ... رَآكَ بِإِيرٍ فاشْتَأَى مِن عُتائِدِ
أَطاعَ لهُ لَسُّ الغَمِيرِ بِتَلْعةٍ ... حماراً يُرَاعِي أُمَّهُ غيرَ سَافِدِ
ولكِنَّهُ مِنْ أُمِّكم وأَبيكُم ... كَجَارِ زُمَيْتٍ أَو كعائذ زائِدِ
فقالوا له: اقعُدْ راشداً، قال: إِنْ تَكُنْ ... لِقاحِيَ لم تَرْجعْ فَلَسْتُ براشِدِ
أَتَذهبُ من آل الوَحِيدِ ولم تَطُفْ بكل مكانٍ أَرْبَعٌ كالخَرَائِدِ
وعَهدي بكم تَسْتَنْقِعُونَ مَشَافِراً ... من المَحْضِ بالأَضياف فَوْقَ المناضِدِ

قال المرار بن منقذ أيضا
ً
عَجَبٌ خَوْلَةُ إِذْ تُنْكِرُنى ... أَم رأَتْ خولُة شيخاً قد كَبرْ

وكَساهُ الدَّهرُ سِبًّا ناصِعاً ... وتَحَنَّى الظَّهرُ منهُ فأُطِرْ
إِنْ تَرَيْ شَيباً فإِنِّي ماجِدٌ ... ذو بَلاَءٍ حَسَنٍ غَيْرُ غُمُرْ
ما أَنا اليومَ على شيءٍ مَضَي ... يَا بْنَةَ القوم تَولَّى بِحِسَرْ
قد لَبِسْتُ الدَّهْرَ مِن أَفْنَانِهِ ... كلَّ فَنٍّ حَسَنٍ منْهُ حَبِرْ
وتَعَلَّلْتُ وبَالِي ناعِمٌ ... بِغَزَالٍ أَحْوَرِ العَيْنَينِ غِرّْ
وتَبَطَّنْتُ مَجُوداً عازِباً ... واكِفَ الكَوْكَبِ ذَا نَوْرٍ ثَمِرْ
بِبَعِيدٍ قَدْرُهُ ذِي عُذَرٍ ... صَلَتَانٍ من بَنَاتِ المُنْكَدِرْ
سائلٍ شِمْرَاخُهُ ذي جُبَبٍ ... سَلِطِ السُّنْبُكِ في رُسْغٍ عَجِرْ
قارِحٍ قد فُرَّ عَنْهُ جانِبٌ ... ورَبَاعٍ جَانِبٌ لم يَتَّغِرْ
فَهْوَ وَرْدُ اللَّوْنِ في ازْبئْرَارِهِ ... وكُمَيْتُ اللَّوْنِ ما لم يَزْبَئِرّْ
نَبْعَثُ الحُطَّابَ أَن يُغْدَى به ... نَبْتَغِي صَيْدَ نَعامٍ أَوْ حُمُرْ
شُنْدُفٌ أَشْدَفُ ما وَرَّعْتَهُ ... فإِذا طُؤْطِئَ طَيَّارٌ طِمِرّْ
يَصْرَعُ العَيْرَيْنِ في نَقْعها ... أَحْوَذِيٌّ حينَ يَهْوِي مُسْتَمِرّْ
ثُمَّ إِنْ يُنْزَعْ إِلى أَقصاهُما ... يَخْبطِ الأَرضَ اخْتِباطَ المُحْتَفِرْ
أَلِزٌ إِذْ خَرَجَتْ سَلَّتُهُ ... وَهِلاً نَمْسَحُهُ ما يَسْتَقِرّْ
قد بَلَوْناهُ عَلَى عِلاَّتِهِ ... وعلى التَّيْسِيرِ منهُ والضُّمُرْ
فإِذا هِجْناهُ يوماً بادِناً ... فَحِضَارٌ كالضِّرَام المُسْتَعِرْ
وإِذا نحْنُ حَمَصْنَا بُدْنَهُ ... وعَصَرْناهُ فَعَقْبٌ وحُضْرُ
يُؤْلِفُ الشَّدَّ عَلى الشَّدِّ كما ... حَفَشَ الوَابِلَ غَيْثٌ مُسْبكرّْ
صِفَةُ الثَّعْلبِ أَدْنَى جَرْيِهِ ... وإِذا يُرْكَضُ يَعْفُورٌ أَشِرْ
ونَشَاصِيُّ إِذا تُفْزِعُهُ ... لم يَكَدْ يُلْجَمُ إِلا ما قُسِرْ
وكأَنَّا كلَّما نَغْدُو به ... نَبْتَغِي الصَّيْدَ بِبَازٍ مُنْكَدِرْ
أَو بِمِرِّيخٍ عَلَى شِرْيانَةٍ ... حَشَّهْ الرَّامِي بِظُهْرَانٍ حُشُرْ
ذُو مِرَاحٍ فإِذا وَقَّرْتهُ ... فَذَلُولٌ حَسَنُ الْخُلْقِ يَسَرْ
بَينَ أَفْرَاسٍ تَناجَلْنَ بهِ ... أَعْوَجِيَّاتٍ مَحاضِيرَ ضُبُرْ
ولقد تَمْرَحُ بِي عِيديَّةٌ ... رَسْلَةُ السَّوْم سَبَنْتَاةٌ جُسُرْ
راضهَا الرَّائِضُ ثمَّ اسْتُعْفِيَتْ ... لِقِرَى الهَمِّ إِذا ما يَحْتَضِرْ
بازِلٌ أَوْ أَخْلَفَتْ بَاِزلَهَا ... عاقِرٌ لم يُحْتَلَبْ منها فُطُرْ
تَتَّقِي الأَرضَ وصَوَّانَ الْحَصَي بِوَقَاحٍ مُجْمَرٍ غيرِ مَعِرْ
مِثْلَ عَدَّاءٍ بِرَوْضَات القَطَا ... قَلَصَتْ عنه ثِمَادٌ وغُدُرْ
فَحْلِ قُبٍّ ضُمَّرٍ أَقْرَابُها ... يَنْهَسُ الأَكْفَالَ منها ويَزُرّْ
خَبطَ الأَرْوَاثَ حتَّى هَاجَهُ ... مِن يَدِ الجَوْزَاءِ يومٌ مُصْمَقِرّْ
لَهَبَانٌ وَقدَتْ حِزَّانُهُ ... يَرْمَضُ الجُندَبُ منه فَيَصِرّْ
ظَلَّ فِي أَعْلَى يَفَاعٍ جَاذِلاً ... يَقْسِمُ الأَمْرَ كَقَسْمِ المؤْتَمِرْ
أَلِسُمْنَانٍ فَيَسْقِيها بهِ ... أَمْ ِلِقُلْبٍ مِنْ لُغَاطٍ يَسْتَمِرّْ
وهْوَ يَفْلِي شُعُثاً أَعْرَافُهَا ... شُخُصَ الأَبْصارِ لِلوَحْشِ نُظُرْ
ودَخلْت البابَ لا أُعْطِي الرُّشَى ... فَحَبَانِى مَلِكٌ غيرُ زَمِرْ

كم تَرَى مِن شَانِئٍ يَحْسُدُنِى ... قد وَرَاهُ الغَيْظُ فِي صَدْرٍ وَغِرْ
وحَشَوْتُ الغَيْظَ فِي أَضْلاعِهِ ... فَهْوَ يَمْشِي حَظَلاَناً كالنَّقِرْ
لَمْ يَضِرْنِي ولقدْ بَلَّعْتُهُ ... قِطَعَ الغَيْظِ بِصَابٍ وصَبِرْ
فَهْوَ لا يَبْرَأُ ما في نفسِهِ ... مِثْلَ ما لا يَبْرَأ العِرْقُ النَّعرْ
وعَظِيمِ المُلْكِ قد أَوْعَدَنِى ... وأَتَتْنِي دُونَهُ منهُ النُّذُرْ
حَنِق قد وَقَدَتْ عَيْنَاهُ لِي ... مثلَ ما وَقَّدَ عَيْنَيْهِ النَّمِرْ
ويَرَى دُوني، فلا يَسْطِيعُنِي، ... خَرْطَ شَوْكٍ من قَتَادٍ مُسْمَهِرّْ
أَنَا مِنْ خِنْدِفَ في صُيَّابِهَا حيثُ طابَ القِبْصُ منه وكَثُرْ
ولِيَ النَّبْعَةُ مِنْ سُلاَّفِها ... ولِيَ الهامَةُ منها والكُبُرْ
ولِيَ الزَّنْدُ الذي يُورَى بهِ ... إِنْ كَبَا زَنْدُ لَئِيمٍ أَوْ قَصُرْ
وأَنا المذكُورُ مِن فِتْيَانِها ... بِفَعَالِ الخَيْرِ إِنْ فِعْلٌ ذُكِرْ
أَعْرِفُ الحَقَّ فَلا أُنْكِرُهُ ... وكِلاَبِي أُنُسٌ غَيْرُ عُقُرْ
لا تَرى كَلْبِيَ إِلاَّ آنِساً ... إِنْ أَتَى خابِطُ لَيْلٍ لَمْ يَهِرّْ
كَثُرَ النَّاسُ فما يُنْكِرُهُمْ مِنْ أَسِيفٍ يَبْتَغِي الخَيْرَ وحُرّْ
هل عَرَفْتَ الدارَ أَمْ أَنْكَرْتَهَا بَيْنَ تِبْرَاكٍ فَشَسَّيْ عَبَقُرّْ
جَرَّرَ السَّيْلُ بها عُثْنُونَهُ ... وتَعَفَّتْها مَدَالِيجُ بُكُرْ
يَتَقَارَضْنَ بها حَتَّى اسْتَوَتْ ... أَشْهُرَ الصَّيْفِ بِسَافٍ مُنْفَجِرْ
وتَرَى مِنها رُسُوماً قد عَفَتْ ... مِثْلَ خَطِّ الَّلامِ في وَحْي الزُّبُرْ
قد نَرَى البِيضَ بها مِثْلَ الدُّمَى ... لَمْ يَخُنْهُنَّ زَمَانٌ مُقْشَعِرّْ
يَتَلَهَّيْنَ بِنَوْمَاتِ الضُّحَى ... راجِحَاتِ الحِلْمِ والأُنْسِ خُفُرْ
قُطُفَ المَشْيِ قَرِيبَاتِ الخُطَى ... بُدَّناً مِثلَ الغَمَام المُزْمَخِرّْ
يَتَزَاوَرْنَ كَتَقْطاءِ القَطَا ... وطَعِمْنَ العَيْشَ حُلْواً غيرَ مُرَّ
لَمْ يُطَاوِعْنَ بِصُرْمٍ عاذِلاً ... كادَ مِن شِدَّةِ لَوْم يَنْتَحِرْ
وهَوَى القَلْبِ الذِي أَعْجَبَهُ ... صورَةٌ أَحْسَنُ مَنْ لاَثَ الخُمُرْ
راقَهُ منها بياضٌ ناصِعٌ ... يُؤْنِقُ العَيْنَ وضافٍ مُسْبَكرّْ
تَهْلِكُ المِدْرَاةُ في أَفْنَانِهِ ... فإِذَا ما أَرْسَلَتْهُ يَنْعَفِرْ
جَعْدَةٌ فَرْعاءُ في جُمْجُمَة ... ضَخْمةٍ تَفْرُقُ عنها كالضُّفُرْ
شادِخٌ غُرَّتُهَا مِن نِسْوَةٍ ... كُنَّ يَفْضُلْنَ نِسَاءَ النَّاسِ غُرّْ
وَلهَا عَيْنَا خَذُولٍ مُخْرِفٍ ... تَعْلَقُ الضَّالَ وأَفْنَانَ السَّمُرْ
وإِذا تَضْحَكُ أَبْدَى ضِحْكُها ... أُقْحُواناً قَيَّدَتْهُ ذَا أُشُرْ
لو تَطَعَّمْتَ بِهِ شَبَّهَتْهُ عَسَلاً شِيبَ بهِ ثَلْجٌ خَصِرْ
صَلْتَهُ الخَدِّ طَويلٌ جِيدُها ... ناهِدُ الثَّدْىِ ولَمَّا يَنْكَسِرْ
مِثْلُ أَنْفِ الرِّئْمِ يُنْبِي دِرْعَها ... في لَبَانٍ بَادِنٍ غَيْرِ قَفِرْ
فَهْيَ هَيْفَاءُ هَضِيمٌ كَشْحُهَا ... فَخْمَةٌ حَيْثُ يُشَدُّ المُؤْتَزَرْ
يَبْهَظُ المِفْضَلَ مِن أَرْدَافِهَا ... ضَفِرٌ أُرْدِفَ أَنْقَاءَ ضَفِرْ
وإِذا تَمْشِي إِلَى جارَاتِها ... لَمْ تَكَدْ تَبْلُغُ حتَّى تَنْبَهِرْ
دَفَعَتْ رَبْلَتُهَا رَبْلَتَهَا ... وتَهَادَتْ مِثْلَ مَيْل المُنْقَعِرْ

وهْيَ بدَّاءُ إِذا ما أَقْبَلَتْ ... ضَخْمَةُ الجِسْمِ رَدَاحٌ هَيْدَكُرْ
يُضْرَبُ السَّبْعُونَ في خَلْخالِهَا ... فإِذا ما أَكْرَهَتْهُ يَنْكَسِرْ
نَاعَمَتْهَا أُمُّ صِدْقٍ بَرَّةٌ ... وأَبٌ بَرٌّ بِها غَيْرُ حَكِرْ
فَهْيَ خَذْوَاءَ بعَيْشٍ ناعِمٍ ... بَرَدَ العَيْشُ عليها وقُصِرْ
لا تَمَسُّ الأَرضَ إِلاَّ دُونَها ... عن بَلاَطِ الأَرضِ ثوْبٌ مُنْعَفِرْ
تَطَأُ الخَزَّ وَلا تُكْرِمُهُ ... وتُطيلُ الذَّيْلَ منهُ وتَجُرّْ
وتَرَى الرَّيْطَ مَوَادِيعَ لها ... شُعُراً تَلْبَسُها بَعْدَ شُعُرْ
ثمَّ تَنْهَدُّ على أَنْمَاطِها ... مثلَ ما مالَ كثِيبٌ مُنْقَعِرْ
عَبَقُ العَنْبَرِ والمِسْكِ بها ... فَهْيَ صَفْرَاءُ كَعُرْجُون العُمُرْ
إِنَّما النَّوُمْ عِشَاءً طَفَلاً ... سِنَةٌ تأْخُذُها مِثْلَ السُّكُرْ
والضُّحَى تَغْلِبُها وَقْدَتُها ... خَرََ الجُؤْذَرُ في اليَوم الخَدِرْ
وهْيَ لو يُعْصَرُ من أَرْدَانِها ... عَبَقُ المِسْك لَكَادَتْ تَنْعَصِرْ
أَمْلَحُ الخَلْقِ، إِذا جَرَّدْتَها ... غَيْرَ سِمْطينِ عليها وسُؤُرْ
لَحَسِبْتَ الشَّمْسَ في جِلْبَابِها ... قد تَبَدَّتْ مِن غَمَامٍ مُنْسَفِرْ
صُورَةُ الشَّمسِ على صُورتها ... كُلَّما تَغْرُبُ شَمْسٌ أَو تَذُرّْ
تَرْكَتْني لستُ بالحَيِّ ولا ... مَيِّتٍ لاقَى وَفَاةً فَقُبِرْ
يَسْئَلُ النَّاسُ أَحُمَّى دَاؤُهُ ... أَمْ بِهِ كانَ سُلالٌ مُسْتَسِرّْ
وهْيَ دَائِي،وشِفائَي عندَها ... مَنَعْتُهُ فهْوَ مَلْوِيٌّ عَسِرْ
وهْيَ لو يَقْتُلُهَا بِي إِخْوَتي ... أَدرَكَ الطَّالبُ منهُمْ وظَفِرْ
ما أَنا الدَّهْرَ بناسٍ ذِكْرَها ... ما غَدَتْ وَرْقاءُ تَدْعُو سَاقَ حُرّْ

قال
المزرد
أخو الشماخ
صَحَا القلبُ عن سَلْمَى ومَلَّ العَواذِلُ ... وما كادَ لأَْياً حُبُّ سَلْمَى يُزَايِلُ
فُؤَاديَ حتَّى طارَ غَيُّ شَبِيبَتِي ... وحتَّى عَلاَ وَخْطٌ من الشَّيبِ شامِلُ
يُقَنِّئُهُ ماءُ اليُرَنَّاءِ، تحتَهُ ... شَكِيرٌ كأَطْرَافِ الثَّغَامَةِ ناصِلُ
فلا مَرْحباً بالشَّيب مِن وَفْدِ زَائرٍ ... متَى يَأْتِ لا تُحْجَبْ عليه المَدَاخِلُ
وسَقْياً لِرَيْعَانِ الشَّبابِ فإِنهُ ... أَخُو ثِقَةٍ في الدَّهْرِ إِذْ أَنا جاهِلُ
وأَلْهُو بسَلْمَى، وهْيَ لَذٌّ حَديثُها ... لِطالِبَها، مسؤُولُ خَيْرٍ فبَاذِلُ
وبَيضاءَ فيها لِلْمُخالِمِ صَبْوَةٌ ... ولَهْوٌ لمَنْ يَرْنُو إِلى اللَّهْوِ شاغِلُ
لَيَالِيَ إِذْ تُصْبِي الحليمَ بِدَلِّهَا ومَشْيٍ ... خَزِيلِ الرَّجْعِ فيهِ تَفَاتُلُ
وعَيْنَيْ مَهَاةٍ في صُوَارٍ مَرَادُها ... رِياضٌ سَرَتْ فيها الغُيُوثُ الهَوَاطِلُ
وأَسْحَمَ رَيَّانِ القُرُونِ كأَنَّهُ ... أَسَاوِدُ رَمَّانَ السِّبَاطُ الأَطَاوِلُ
وتَخْطُو على بَرْدِيَّتَيْنِ غَذَاهُمَا ... نَمِيرُ المِياهِ والعُيونُ الغَلاَغِلُ
فَمَنْ يَكُ مِعْزَالَ اليَدَيْنِ، مكانُهُ ... إِذا كَشَرَتْ عن نابِها الحَربُ خَامِلُ
فقد عَلِمَتْ فِتْيانُ ذُبْيَانَ أَنَّنِي ... أَنا الفارسُ الحامِي الذِّمارَ المُقاتِلُ
وأَنِّي أَرُدُّ الكَبْشَ والكَبْشُ جامِحٌ ... وأَرْجعُ رُمحِي وهْوَ رَيَّانُ ناهِلُ

وعندي إِذا الْحَرْبُ العَوَانُ تَلقَّحَتْ ... وأَبْدَتْ هَوَادِيها الخطُوبُ الزَّلاَزلُ
طُوَالُ القَرَاقدْ كادَ يَذهَبُ كَاهِلاً ... جَوَادُ المَدَى والعَقْبِ والخَلْقُ كامِلُ
أَجَشُّ صَرِيحيٌّ كأَنَّ صَهيلَهُ ... مَزَامِيرُ شَرْب جاوَبَتْها جَلاَجلُ
متى يُرَ مَرْكُوباً يُقَلْ بازُ قانِصٍ ... وفي مَشْيِهِ عندَ القِيَادِ تَسَاتُلُ
تقولُ إِذا أَبْصرتَهُ وهْوَ صائمٌ ... خِبَاءٌ على نَشْزٍ أَوِ السِّيدُ ماثِلُ
خَرُوجُ أَضَامِيمٍ وأَحْصَنُ مَعْقِلٍ ... إِذا لم تكنْ إِلاَّ الْجِيادَ مَعَاقِلُ
مُبرِّزُ غاياتٍ وإِنْ يَتْلُ عانَةٍ ... يَذَرْها كَذَوْدٍ عاثَ فِيها مُخَايِلُ
يُرَى طامِحَ العَيْنَيْنِ يَرْنُو كأَنَّهُ ... مُؤَانِسُ ذُعْرٍ فهْوَ بِالأُذْنِ خاتِلُ
إِذَا الخَيلُ مِن غِبِّ الوَجِيفِ رأَيتَها ... وأَعيُنُها مثلَ القِلاَتِ حَوَاجِلُ
وقَلْقَلْتُهُ حتَّى كأَنَّ ضُلوعَهُ ... سَفِيفُ حَصِيرِ فَرَّجَتْهُ الرَّوامِلُ
يَرَى الشَّدَّ والتقريبَ نَذْراً إِذا عَدَا ... وقد لَحِقَتْ بالصُّلْبِ منه الشَّواكِلُ
لهُ طُحَرٌ عُوجٌ كأَنَّ مَضِيغَهَا ... قِدَاحٌ بَرَاها صانِعُ الكَفّ نابِلُ
وصُمُّ الحَوَامِي ما يُبالِي إِذا جَرَى ... أَوَعْثُ نَقاً عَنَّتْ لهُ أَم جَنَادِلُ
وسَلْهَبَةٌ جَرْداءُ باقٍ مَرِيسُهَا ... مُوَثَّقَةٌ مِثْلُ الهِرَاوَةِ حَائِلُ
كُمَيْتٌ عَبَنَّاةُ السَّرَاةِ نَمَي بهَا ... إِلى نَسبِ الخيلِ الصَّرِيحُ وجَافِلُ
مِنَ المُسْبَطِرّاتِ الجِيادِ طِمِرَّةٌ ... لَجُوجٌ، هَوَاها السَّبْسَبُ المُتَمَاحِلُ
صَفُوحٌ بِخَدَّيْها وقد طال جَرْيُها ... كما قلَّبَ الكَفَّ الأَلَدُّ المُجَادِلُ
يُفَرِّطُها عن كَبَّةِ الخيلِ مَصْدَقٌ ... كريمٌ وشَدٌّ ليس فيه تَخَاذُلُ
وإِنْ رُدَّ مِنْ فَضْلِ العِنَان تَوَرَّدَتْ ... هَوِيَّ قَطَاةٍ أَتْبَعَتْها الأَجادِلُ
مُقَرَّبةٌ لم تُقْتَعَدْ غَيْرَ غارَةٍ ... ولم تَمْتَرِ الأَطْبَاءَ منها السَّلائِلُ
إِذَا ضَمُرَتْ كانَتْ جِدَايَةَ حُلَّبٍ ... أُمِرَّتْ أَعالِيها وشُدَّ الأَسافِلُ
وقد أَصْبَحَتْ عندِي تِلاداً عَقِيلَةٍ ... ومن كلِّ مالٍ مُتْلَدَاتٌ عَقَائِلُ
وأَحْبِسُها ما دامَ للزَّيتِ عاصِرٌ ... وما طافَ فَوقَ الأَرضِ حافٍ وناعلُ
ومَسْفُوحَةٌ فَضْفَاضَةٌ تُبَّعيَّةٌ ... وَآهَا القَتِيرُ تَجْتَوِيها المَعَابِلُ
دِلاَصٌ كظَهْرِ النُّونِ لا يَستطيعُها ... سِنَانٌ ولا تلكَ الحِظَاءُ الدَّوَاخِلُ
مُوَشَّحَةٌ بَيضاءُ دَانٍ حَبِيكُها ... لهَا حَلَقٌ بَعْدَ الأَنامل فاضِلُ
مُشَهَّرَ ٌتُحْنَى الأَصابِعُ نحوَها ... إِذا جُمِعَتْ يومَ الحِفَاظِ القَبائِلُ
وتَسْبِغَةٌ في تَرْكَةٍ حِمْيرِيَّةٍ ... دُلاَمِصَةٍ تَرْفَضُّ عنها الجَنَادِلُ
كأَنَّ شُعَاعَ الشَّمسِ في حَجَرَاتِها ... مَصَابيحُ رُهْبانٍ زَهَتْها القَنادِلُ
وجَوْبٌ كالشَّمسِ في طَخْيَةِ الدُّجَى ... وأَبْيضُ ماضٍ في الضَّرِيبَةِ قاصِلُ
سُلاَفُ حَدِيدٍ ما يَزَالُ حُسامُهُ ... ذَلِيقاً وقَدَّتْهُ القُرونُ الأَوائلُ
وأَمْلَسُ هِنْدِىٌّ متَى يَعْلُ حَدَّهُ ... ذُرَى البَيْضِ لا تَسْلَمْ عليه الكَوَاهِلُ

إِذا ما عَدَا العادِى بهِ نَحْوَ قِرْنِهِ ... وقد سامَهُ قَوْلاً: فَدَتْكَ المَنَاصِلُ
أَلَسْتَ نِقيًّاً ما تَلِيقُ بكَ الذُّرَى ... ولا أَنْتَ إِنْ طالتْ بكَ الكَفُّ نَاكِلُ
حُسامٌ خَفِيَ الجرس عند استلاله ... صفيحته مما تنقى الصياقل
ومُطَّرِدٌ لَدْنُ الكُعُوبِ كأَنما ... تَغشَّاهُ مُنْبَاعٌ مِن الزَّيتِ سائِلُ
أَصَمُّ إِذا ما هُزَّ مَارَتْ سَرَاتُهُ ... كما مَارَ ثُعْبَانُ الرِّمالِ المَوَائِلُ
لهُ فارِطٌ ماضِي الغِرَارِ كأَنَّهُ ... هِلاَلٌ بَدَا في ظُلْمةِ اللَّيلِ ناحِلُ
فَدَعْ ذَا ولكنْ ما تَرَى رَأَىَ عُصْبَةٍ ... أَتَتْنِيَ منهم مُنْدِياتٌ عضَائِلُ
يَهُزُّونَ عِرْضي بالمَغِيب ودُونَهُ ... لِقَرْمِهِمُ مَنْدُوحَةٌ ومَآكِلُ
عَلَى حِينَ أَنْ جُرِّبَتْ واشْتَدَّ جانبي ... وأُنْبِحَ مِنِّي رَهْبَةً منْ أُناضِلُ
وجاوَزْتُ رأَسَ الأَربعينَ فأَصبحتْ ... قَناتِيَ لا يُلَفَى لها الدَّهرَ عادِلُ
فقد عَلموا في سَالِفِ الدَّهْرِ أَنَّني ... مِعَنٌّ إِذا جَدَّ الجِرَاءُ ونابلُ
زَعِيمٌ لمن قاذَفْتُهُ بِأَوَابدٍ ... يُغَنِّي بها السَّاري وتُحْدَى الرَّوَاحِلُ
مُذَكَّرَةٍ تُلْقَى كثيراً رُوَاتُها ... ضَوَاحٍ، لها في كلِّ أَرضٍ أَزَامِلُ
تُكَرُّ فَلا تزدَادُ إِلاَّ اسْتِنَارةً ... إِذَا رَازَتِ الشِّعْرَ الشِّفاهُ العَوَامِلُ
فَمَنْ أَرْمِه منها بِبَيْتٍ يَلُحْ بهِ ... كَشامَةِ وَجْهٍ، ليِس لِلشَّامِ غاسِلُ
كذَاكَ جَزائي في الهَدِيّ وإِنْ أَقُلْ ... فَلاَ البَحْرُ مَنْزُوحٌ ولا الصَّوْتُ صاحِلُ
فَعَِّ قَرِيضَ الشِّعْر إِنْ كُنْتِ مُغْزِراً ... فإِنَّ غزِيرَ الشِّعْرِ ما شاءَ قائِلُ
لنَعْتِ صُبَاحِيٍّ طويلِ شَقاؤُهُ ... لهُ رَقَمِيَّاتٌ وصَفْرَاءُ ذَابِلُ
بقِينَ لهُ ممَّا يُبَِّي، وأَكْلَبٌ ... تَقَلْقَلُ في أَعْنَاقِهِنَّ السَّلاسِلُ
سُحَامٌ ومِقَلاَءُ القَنِيصِ وسَلْهَبٌ ... وجَدْلاءُ والسِّرْحانُ والمُتَناوِلُ
بناتُ سَلُوِقِيَّيْنِ كانَا حَياتَهُ ... فَماتَا فأَوْدَى شَخْصُهُ فَهْوَ خامِلُ
وأَيْقَنَ إِذْ مَاتَا بِجُوع وخَيْبَةٍ ... وقال لهُ الشَّيطانُ إِنَّكَ عائِلُ
فَطَوَّفَ في أَصحابِه يَسْتَثيبُهُمْ ... فآبَ وقد أَكْدَتْ عليهِ المَسائِلُ
إلى صِبْيَةٍ مثلِ المغَاليِ وخِرْمِلٍ ... رَوَادٍ، ومن شَرِّ النِّسَاءِ الخَرَامِلُ
فقالَ لها: هلْ مِن طَعامٍ فإِنَّني ... أَذُمُّ إِليكِ النَّاسَ، أُمُّكِ هابِلُ
فقالتْ: نَعَمْ، هذا الطَّوِيُّ وماؤُهُ ... ومُحْتَرِقٌ مِن حائلِ الجِلْدِ قاحِلُ
فلما تَنَاهَتْ نفسُهُ من طعامِهِ ... وأَمْسَى طَليحاً ما يُعانِيهِ باطِلُ
تَغَشَّى، يُريدُ النَّوْمِ، فَضْلَ رِدَائهِفأَعْيَا علي العَينِ الرُّقَادَ البَلاَبِلُ

قال
عبد الله بن سلمة الغامدي
أَلاَ صَرَمَتْ حَبَائِلَنَا جَنُوبُ ... فَفَرَّعْنَا ومالَ بها قَضيبُ
ولم أَرَ مِثْلَ بِنْتِ أَبى وَفاءٍ ... غدَاةَ بِرَاقِ ثَجْرَ وَ لا أَحُوبُ
ولم أَرَ مِثْلَها بِأُنَيْفِ فَرْعٍ ... عَليَّ إِذاً مُذَرَّعَةٌ خَضِيبُ
ولم أَرَ مِثْلَها بِوِحَافِ لُبْنٍ ... يَشُبُّ قَسَامَها كَرَمٌ وطِيبٌ
عَلَى ما أَنَّها هَزِئَتْ وقالتْ: ... هَنُونَ، أَجُنَّ؟ مَنْشَأُ ذَا قَرِيبُ

فإِنْ أَكْبَرْ فإِنِّي في لِدَاتِي ... وعَصْرُ جَنُوبَ مُقْتَبَلٌ قَشِيبُ
وإِنْ أَكْبَرْ فَلاَ بِأَطِيرِ إِصْرٍ ... يُفارِقُ عاتِقِي ذَكَرٌ خَشِيبُ
وسَامِي النَّاظِرَيْن غَذيِّ كُثْرٍ ... ونابِتِ ثَرْوَةٍ كَثُرُوا فَهيبُوا
نَقَمْتُ الوِتْرَ منهُ فلمْ أُعَتِّمْ ... إِذا مُسِحتْ بِمَغْيَظَةٍ جُنُوبُ
لَوْلا ما أُجَرِّعُهُ عِيَاناً ... لَلاَحَ بوجهِهِ مِنِّي نُدُوبُ
فإِنْ تَشِبِ القُرُونُ فذاكَ عَصْرٌ ... وعاقِبَةُ الأَصَاغِرِ أَنْ يَشِيبُوا
كأَنَّ بَنَاتِ مَخْرٍ رَائِحَاتٍ ... جَنُوبُ وغُصْنُها الغَضُّ الرَّطِيبُ
وناجِيَةٍ بَعَثْتُ على سَبيل ... كأَنَّ بَيَاضَ مَنْجَرِهِ سُبُوبُ
إِذا وَنَتِ المَطِيُّ ذَكَتْ وَخُودٌ ... موَاشِكةٌ، علَى البَلْوَى، نَعُوبُ
وأَجْرَدَ كالهِرَاوَةِ صَاعِديٍّ ... يَزِينُ فَقَارَهُ مَتْنٌ لَحِيبُ
دَرَأْتُ على أَوَابدَ ناجِيَاتٍ ... يَحُفُّ رِياضَها قَضَفٌ ولُوبُ
فغَادَرْتُ القَناةَ كأَنَّ فيها ... عَبِيراً بَلَّهُ منها الكُعُوبُ
وذِي رَحِمٍ حَبَوْتُ وذِي دَلاَلٍ ... مِنَ الأَصحابِ إِذْ خَدَعَ الصُّحُوبُ
أَلاَ لَمْ يَرْتُ في الَّلزْباتِ ذَرْعِي ... سُوَافُ المالِ والعَامُ الجَدِيبُ

قال
عبد الله بن سلمة الغامدي أيضا
ً
لِمَنْ الدِّيارُ بِتَوْلَعٍ فَيَبُوسِ ... فبَيَاضُ رَيْطَةَ غَيْرَ ذَاتِ أَنِيسِ
أَمْسَتْ بِمُسْتَنِّ الرِّياحِ مُفِيلَةً ... كالوَشْمِ رُجِّعَ في اليَدِ المَنْكُوسِ
وكأَنَّما جَرُّ الرَّوَامِسِ ذَيْلَهَا ... في صَحْنِها المعْفُوُّ ذَيْلُ عَرُوسِ
فَتَعَدَّ عَنها إِذ نَأَتْ بِشِمِلَّةٍ ... حَرْفٍ كَعُود القَوْسِ غَيْرِ ضَرُوسِ
ولقدْ غَدَوْتُ علَى القَنِيصِ بِشَيْظمٍ ... كالجِذْعِ وَسْطَ الجَنَّةِ المَغْرُوسِ
مُتَقَارِبِ الثَّفِنَاتِ ضَيْقٍ زَوْرُهُ ... رَحبِ اللَّبَانِ شَدِيدِ طَيِّ ضَرِيسِ
تُعْلَى عليه مَسائِحٌ مِن فِضَّةٍ ... وثَرَى حَبَابِ الماءِ غَيْرُ يَبِيسِ
فَترَاهُ كالمَشْعُوفِ أَعْلَى مَرْقَبٍ ... كصفائحٍ مِن حُبْلَةٍ وسُلُوسِ
في مُرْبَلاتٍ رَوَّحَتْ صَفَرِيَّةٍ ... بِنَواضِحٍ يَفْطُرْنَ غَيْرَ وَرِيسِ
فنَزَعْتُهُ وكأَنَّ فَجَّ لَبَانِهِ ... وسَوَاءَ جبْهتِهِ مَدَاكُ عَرُوَسِ
ولقد أُصاحِبُ صاحِباً ذَا مَأْقةٍ ... بِصِحَابِ مُطَّلِعِ الأَذَى نِقْرِيس
ولقد أُزَاحِمُ ذَا الشَّذَاةِ بِمِزْحَمٍ ... صَعْبِ البُدَاهةِ ذي شذاً وشَرِيسِ
ولقد أَلِينُ لِكُلِّ باغي نِعْمَةٍ ... ولقد أُجازي أَهلَ كلِّ حَوِيسِ
ولقد أُداوِي داءَ كلِّ مُعبَّدٍ ... بِعَنيَّةٍ غَلَبَتْ على النِّطِّيسِ
قال
الشنفري الأزدي
أَلاَ أُمُّ عَمْروٍ أَجْمَعَتْ فاسْتقَلَّتِ ... وما وَدَّعَتْ جِيرانَها إِذْ تَوَلَّتِ
وقد سَبَقَتْنَا أُمُّ عَمْروٍ بأَمرِها ... وكانت بأَعْناقِ المَطِيِّ أَظَلَّتِ
بِعَيْنَيَّ ما أَمْستْ فبَاتتْ فأَصبحت ... فقَضَّتْ أُمُوراً فاستقَلَّتْ فَوَلَّتِ
فَوَاكَبِدَا على أُميْمَةَ بَعْدَ ما ... طَمِعْتُ، فهَبْها نِعْمةَ العَيْشِ زَلَّتِ
فيَا جارَتِي وأَنتِ غيرُ مُلِيمَة ... إِذَا ذُكِرَتُ، ولاَ بِذَاتِ تَقَلَّتِ
لقد أَعْجَبَتْنِي لا سَقُوطاً قِناعُها ... إِذا ما مَشَتْ، ولا بِذَات تَلَفُّتِ

تَبِيتُ بُعيدَ النَّوْمِ تُهْدِي غَبُوقَها ... لِجارَتِها إِذَا الهَدِيّةُ قَلَّتِ
تَحُلُّ بِمِنْجَاةٍ مِن اللَّوْمِ بَيْتَها ... إِذا ما بُيُوتٌ بالمَذَمَّةِ حُلَّتِ
كأَنَّ لهَا في الأَرضِ نِسْياً تَقُصُّهُ ... على أَمِّها، وإِنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ
أُميْمةُ لا يُخْزِي نَثَاهَا حَلِيلَها ... إِذا ذُكِرَ النِّسْوَانُ عَفَّتْ وجَلَّتِ
إِذا هُوَ أَمْسَى آبَ قُرَّةَ عَيْنِهِ ... مآبَ السَّعيدِ لم يَسَلْ أَيْنَ ظَلَّتِ
فَدَقَّتْ وجَلَّتْ واسْبَكَرَّتْ وأُكْمِلَتْ ... فَلْوْجُنَّ إِنسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ
فَبِتْنا كأَنَّ البَيْتَ حُجِّرَ فَوْقَنَا ... برَيْحانِةٌ رِيحَتْ عِشاءً وطُلَّتِ
بِريْحانَةٍ مِن بَطْنِ حَلْيَةَ نَوَّرَتْ ... لهَا أَرَجٌ، ما حَوْلهَا غيرُ مُسْنِتِ
وبَاضِعَةٍ حُمْرِ القِسِيِّ بَعَثْتُها ... ومَنْ يَغْزُ يَغْنَمْ مَرَّةً ويُشَمَّتِ
خَرجْنا مِن الوَادِي الَّذِي بيْنَ مِشْعَلٍوبَيْنَ الجَبَا هَيْهاتَ أَنشَأْتُ سُرْبَتِي
أُمَشِّي على الأَرضِ التي لن تَضُرَّنِي ... لأَِنْكِيَ قوماً أَو أَصادِفَ حُمَّتِي
أُمَشِّي على أَيْنِ الغَزَاةِ وبُعْدها ... يُقَرِّبُنِي مِنها رَوَاحِي وغُدْوَتي
وأُمُّ عِيَالٍ قد شَهِدتُ تَقُوتُهُمْ ... إِذا أَطَعَمْتُهْمْ أَوتَحَتْ وأَقَلَّتِ
تَخافُ علينا العَيْلَ إِنْ هي أَكثرتْ ... ونحْنُ جِيَاعٌ، أَيَّ آلٍ تَأَلَّتِ
وما إِنَّ بها ضِنٌّ بما في وِعَائِها ... ولكنَّها مِن خِيفِةِ الجُوعِ أَبْقَتِ
مُصَعْلِكَةٍ لا يَقْصُرُ السِّتْرِ دُونَها ... ولاَ تُرْتَجَى للبَيْتِ إِن لم تُبَيِّتِ
لها وفْضةٌ فيها ثلاثونَ سَيْحَفاً ... إِذا آنَسَتْ أُولَى العَدِيّ أقْشَعَرَّتِ
وتأْتِي العَدِيَّ بارِزاً نِصْفُ سَاقِها ... تَجُولُ كَعَيْرِ العَانَةِ المُتَلَفِّتِ
إِذَا فَزِعُوا طارتْ بأَبيضَ صارِمٍ ... ورامَتْ بِما فِي جَفْرِها ثُمَّ سَلَّتِ
حُسامٍ كلَوْنِ المِلْح صافٍ حَديدُهُ ... جُزَارٍ كأَقطاعِ الغَدِيرِ المُنَعَّتِ
تَرَاها كأَذْنابِ الحَسِيلِ صَوَادِراً ... وقد نَهِلَتْ مِنَ الدِّمَاءِ وعَلَّتِ
قَتَلْنَا قَتِيلاً مُهْدِياً بِمُلَبِّدٍ ... جِمَارَ مِنىً وَسْطَ الحَجِيجِ المُصَوِّتِ
جَزَيْنا سَلاَمَانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَها ... بما قَدَّمتْ أَيديهِمُ وأَزلَّتِ
وهُنِّيءَ بِي قومٌ وما إِنْ هَنأْتُهُمْ ... وأَصبحتُ في قومٍ وليْسوا بمُنْيَتي
شَفَيْنَا بِعَبْدِ اللهِ بَعْضَ غَلِيلِنَاوعَوْفٍ لَدَى المَعْدَى أَوَانَ اسْتَهَلَّتِ
إِذا ما أَتَتْنِي مِيتَتي لم أُبالِهَا ... ولم تُذْرِ خَالاتِي الدُّمُوعَ وعمَّتِي
ولو لم أَرْمِ في أَهْلِ َبْيِتِيَ قاعداً ... إِذَنْ جاءَنِي بينَ العمودَيْنِ حُمَّتِي
أَلاَ لا تَعُدْنِي إِنْ تَشَكَّيتُ، خُلَّتِيشَفَانِي بِأَعْلَى ذِى البُرَيْقَيْنِ غَدْوَتِي
وإِنِّي لَحُلْوٌ إِنْ أُرِيدَتْ حَلاَوَتِي ... ومُرُّ إِذا نَفْسُ العَزُوفِ اسْتَمرَّتِ
أَبِيٌّ لِمَا آبى سَرِيعٌ مَباءَتِي ... إِلى كلِّ نَفْسِ تَنْتَحِي في مَسَرَّتِي

قال
المخبل السعدي
ذَكَرالرَّبابَ وذِكْرُها سُقْمُ ... فَصَبَا، ولَيْسَ ِلمَنْ صَبا حِلْمُ
وإِذا أَلَمَّ خَيالُها طُرِفَتْ ... عَيني، فماءُ شُؤُونِها سَجْمُ
كاللُّؤلُؤِ المسْجُورِ أُغْفِلَ في ... سِلْكِ النِّظَام فَخانهُ النَّظْمُ
وأَرَى لها دَاراً بأَغْدِرَةِال ... سِّيدَانِ لم يَدْرُسْ لها رَسْمُ

إِلاَّ رَماداً هامِداً دَفَعتْ ... عنهُ الرِّياحَ خَوَالِدٌ سُحْمُ
وَبقِيَّةَ النُّؤْيِ الذي رُفِعَتْ ... أَعْضَادُهُ فَثَوى لهُ جِذْمُ
فكأَنَّ ما أَبقَى البَوارِحُ وال ... أَمطارُ من عَرَصاتِها الوَشْمُ
تَقْرُو بِها البقَرُ المَسَارِبَ واخْ ... تَلَطَتْ بها الآرَامُ والأُدْمُ
وكأَنَّ أَطْلاَءَ الجَآذِرِ وال ... غِزْلاَنِ حَوْلَ رُسُومها البَهْمُ
ولقد تَحُلُّ بها الرَّبابُ لها ... سَلَفٌ يَفُلُّ عَدُوَّها فَخْمُ
بَرْدِيَّةٌ سَبَقَ النَّعِيمُ بها ... أَقْرَانَهَا وغَلاَ بِها عَظْمُ
وتُرِيكَ وَجْهاً كالصَّحيفَةِ لاَ ... ظَمْآنُ مُخْتلَجٌ ولا جَهْمُ
كَعَقِيلَةِ الدُّرِّ اسْتَضَاءَ بِها ... مِحْرَابَ عَرْشِ عَزِيزِها العُجْمُ
أَغْلَى بها ثَمناً، وجاءَ بِها ... شَخْتُ العِظَامِ كأَنَّهُ سَهْمُ
بِلَبَانِهِ زَيْتٌ، وأَخْرَجَها ... مِن ذِي غَوَارِبَ وَسْطَهُ اللُّخْمُ
أَوْ بَيْضَةِ الدِّعْصِ التي وُضِعَتْ ... في الأَرضِ، ليس لِمَسِّها حَجْمُ
سَبَقَتْ قَرَائِنَهَا وأَدْفَأَهَا ... قَرِدُ الجَناح كأَنَّهُ هِدْمُ
ويَضُمُّها دُونَ الجَناحِ بِدَفِّهِ ... وتَحُفُّهُنَّ قَوَادِمٌ قُتْمُ
لم تَعْتذِرْ منها مَدَافِعُ ذِي ... ضالٍ وَلاَ عُقَبٌ ولا الزُّخْمُ
وتُضِلُّ مِدْرَاها المَوَاشِطُ في ... جَعْدٍ أَغَمَّ كأَنَّهُ كَرْمُ
هَلاَّ تُسَلِّي حاجَةً عَلِقَتْ ... عَلَقَ القَرِينَةِ حَبْلُها جِذْمُ
ومُعَبَّدٍ قَلِقِ المَجَازِ كَبا ... رِيِّ الصَّنَاعِ إِكامُهُ دُرْمُ
لِلقارِبَاتِ مِنَ القَطَا نُقَرٌ ... في حافَتَيْهِ كأَنَّها الرَّقْمُ
عارَضْتُهُ مَلَثَ الظَّلاَمِ بِمذْ ... عَانِ العَشِيِّ كأَنَّها قَرْمُ
تَذَرُ الْحَصَى فِلَقاً إِذا عَصَفَتْ ... وجَرَى بِحَدِّ سَرابِها الأُكْمُ
قَلِقَتْ إِذَا انْحدَرَ الطَّرِيقُ لها ... قَلَقَ المَحَالَةِ ضَمَّها الدَّعْمُ
لَحِقَتْ لَهَا عَجْزٌ مُؤَيَّدَةٌ ... عَقْدَ الفَقَارِ وكاهِلٌ ضَخْمُ
وقَوائمٌ عُوجٌ كأَغْمِدَةِ ال ... بُنْيانِ عُولِيَ فَوْقَها اللَّحْمُ
وإِذا رَفَعْتَ السَّوْطَ أَفْزَعَها ... تحتَ الضُّلوعِ مُرَوَّعٌ شَهْمُ
وتسُدُّ حاذَيْها بِذِى خُصَلٍ ... عُقِمَتْ فَنَاعَمَ نَبْتَهُ العُقْمُ
ولهَا مَنَاسِمُ كالمَواقِعِ لا ... مُعْرٌ أَشاعِرُها ولا دُرْمُ
وتَقِيلُ في ظِلِّ الخِبَاءِ كما ... يغْشَى كِنَاسَ الضَّالَةِ الرِّئْمُ
كتَرِيكَةِ السَّيْلِ التي تُرِكَتْ ... بِشَفَا المَسِيلِ ودُونَها الرَّضْمُ
بَلَّيْتُها حتَّى أُؤَدِّيَهَا ... رِمَّ العِظَام ويَذْهَبَ اللَّحْمٌ
وتقولُ عاذِلَتِي وليسَ لها بغَدٍ ولاما بَعْدَهُ عِلْمُ
إِنَّ الثَّرِاءَ هُوَ الخُلُودُ وإِ ... نَّ المَرْءُ يُكْرَبُ يَوْمهُ العُدْمُ
إِنِّي وجَدِّكِ ما تُخَلِّدُني ... مائةٌ يَطِيرُ عِفَاؤُها، أُدْمُ
ولَئِنْ بَنَيْتِ لِيَ المُشَقَّرَ في ... هَضْبٍ تُقصِّرُ دُونَهُ العُصْمُ
لَتُنَقِّبَنْ عَنِّي المنِيَّةُ إِ ... نَّ الله ليسَ كَحُكْمِهِ حُكْمُ
إِنَّي وَجَدْتُ الأَمْرَ أَرْشَدُهُ ... تَقْوَى الالهِ وشَرُّهُ الإِثْمُ

قال
سلامة بن جندل السعدي

أَوْدَى الشَّبابُ حَمِيداً ذُو التَّعاجِيبِ ... أَوْدَى وذلكَ شَأْوٌ غَيْرُ مَطْلُوبِ
وَلَّى حَثِيثاً وهذا الشَّيْبُ يَطْلبُهُ ... لو كان يُدْرِكُهُ رَكْضُ اليَعَاقِيبِ
أَوْدَى الشَّبابُ الَّذِي مَجْدٌ عَوَاقِبُهُ ... فيهِ نَلَذُّ، ولا لَذَّاتِ لِلشِّيبِ
وللشبابِ إِذا دامَت بَشَاشَتُهُ ... وُدُّ القلوبِ مِن البِيضِ الرَّعابيبِ
إِنَّا إِذا غَرَبَتْ شمسٌ أَو ارتفعتْ ... وفي مَبارِكِها بُزْلُ المَصَاعِيبِ
قد يَسْعَدُ الجارُ والضَّيفُ الغريبُ بِنا ... والسائلونَ، ونُغْلِي مَيْسِرَ النِّيب
وعندَنا قَيْنَةٌ بيضاءُ ناعِمَةٌ ... مِثْلُ المَهاةِ مِن الحُورِ الخَرَاعِيبِ
تُجْرِي السِّوَاكِ على غُرٍّ مُفَلَّجَةٍ ... لم يَغْرُها دَنَسٌ تحتَ الجَلاَبيبِ
دَعْ ذا وقُلْ لِبَني سعدٍ لِفَضْلِهِم ... مَدْحاً يَسِيرُ به غادِي الأَرَاكِيبِ
يَومَانِ يومُ مَقَامَاتٍ وأَنْدِيَةٍ ... ويومُ سَيْرٍ إِلى الأَعداءِ تَأْوِيبِ
وكَرُّنا خَيْلَنَا أَدْرَاجَها رُجُعاً ... كُسَّ السَّنابِكِ مِن بَدْءٍ وتَعْقِيبِ
والعادِياتِ أَسِابِيُّ الدِّماءِ بها ... كأَنَّ أَعْناقَها أَنْءصابُ تَرْجِيبِ
مِن كُلِّ حَتٍّ إِذَا ما ابْتَلَّ مُلْبَدُهُصَافِي الأَدِيمِ أَسِيل الخَدِّ يَعْبُوبِ
يَهْوِي إِذَا الخيلُ جازَتْهُ وثارَ لهَا ... هَوِيَّ سَجْلٍ من العَلياءِ مَصْبُوبِ
لَيْسَ بِأَسْفَى ولا أَقْنَى ولا سَغِلٍ ... يُعْطَى دَوَاءَ قَفيِّ السَّكْنِ مَربُوبِ
في كلِّ قائِمَةٍ منهُ إِذا انْدَفَعَتْ ... منهُ أَسَاوٍ كَفَرْغِ الدَّلْوِ أُثْعُوبِ
كأَنَّهُ يَرْفَئِيٌّ نَامَ؟ عن غَنَم ... مُسْتَنْفِرٌ في سَوَادٍ اللَّيْل مَذْؤوُبُ
يَرْقَى الدَّسِيعُ إِلى هادٍ لهُ بَتِعٍ ... في جُؤْجُؤٍ كَمَدَاكِ الطِّيبِ مَخْضُوبِ
تظاهَرَ النَّيُّ فيهِ فَهْوَ مُحْتَفِلٌُ ... يُعْطِي أَسَاهِيَّ مِن جَرْيٍ وتَقْرِيبِ
يُحاضِرُ الجُونَ مُخْضَرَّاً جَحافِلُها ... ويسْبِقُ الأَلْف عَفْواً غَيْرِ مَضْرُوبِ
كم مِن فقيرٍ بإِذنِ اللهِ قد جَبَرَتْ ... وذى غِنىً بَوَّأَتْه دارَ مَحْرُوبِ
مِمَّا تُقَدَّمُ في الهَيْجا إِذَا كُرِهَتْ ... عندَ الطِّعانِ وتُنْجِي كلَّ مَكرُوبِ
هَمَّتْ مَعَدٌّ بِنَا هَمًّا فَنَهْنَهَهَا ... عنَّا طِعانٌ غيرُ تذْبِيبِ
بالمَشْرِفِّى ومَصْقُولٍ أَسِنَّتُها ... صُمِّ العَوامِلِ صَدْقَاتِ الأَنابِيبِ
يَجْلُو أَسِنَّتَها فِتْيِانُ عادِيَةٍ ... لا مُقْرِفِينَ ولا سُودٍ جَعَابِيبِ
سَوَّى الثِّقَافُ قَنَاها فَهْيَ مُحْكَمَةٌ ... قليلةُ الزَّيْعِ من سَنٍّ وترْكيبِ
زُرقاً أَسِنَّتُها حُمْراً مُثَقَّفَةً ... أَطْرَافُهُنَّ مقِيلٌ لِليَعَاسِيبِ
كأَنَّها بأَكُفِّ القومِ إِذْ لَحِقُوا ... مَوَاتِحُ البِئْرِ أَو أَشْطَانُ مَطْلُوبِ
كِلاَ الفَرِيقَينِ أَعلاهم وَأَسفَلُهُمْ ... يَشْقَى بأَرْماحِنا غيرَ التَّكاذِيبِ
إِنِّي وجدتُ بَنِي سعْدٍ يُفَضِّلُهُمْ ... كلُّ شِهَابٍ علَى الأَعْدَاءِ مَشْبُوبِ
إِلى تَمِيمٍ حُماةِ العِزِّ نِسبَتُهُمْ ... وكلُّ ذِي حَسَبِ في النَّاسِ مَنْسُوبِ
قوَمٌ، إِذا صَرَّحَتْ كَحْل، بُيوتُهُمُ ... عِزُّ الذَّلِيل ومَأْوَى كلِّ قُرْضُوبِ
يُنْجِيهِمُ مِن دَوَاهِي الشَّرِّ إِنْ أَزَمَتْ ... صَبْرٌ عليها وقِبْصٌ غيرُ مَحْسُوبِ

كُنَّا نَحُلُّ إِذَا هَبَّتْ شآمِيَةً ... بكلِّ وادٍ حَطِيبِ الجَوْفِ مَجْدُوبِ
شِيبِ المَبَارِكِ مَدْروسٌ مَدَافِعُهُ ... هَابِي المرَاغِ قليلِ الوَدْقِ مَوْظُوبِ
كُنَّا إِذَا ما أَتانا صارخٌ فَزِعٌ ... كان الصُّراخُ لهُ قَرْعُ الظَّنابِيبِ
وشَدَّ كُورٍ علَى وَجْنَاءَ ناجِيَةٍ ... وشَدَّ سَرْجٍ على جَرْدَاءَ سُرْحُوبِ
يُقالُ مَحْبِسُها أَدْنَى لِمَرْتَعَهِا ... وإِنْ تَعادَى بِبُكْءٍ كلُّ مَحْلُوبِ
حتَّى تُركنا وما تُثْنَى ظَعائِنُنَا ... يَأْخُذْنَ بينَ سوادِ الخَطِّ فاللُّوبِ

قال
عمرو بن أهتم
بن سمى السعدي المنقري
أَلاَ طَرَقَتْ أَسْماءُ وَهْيَ طَرُوقُ ... وبانَتْ على أَنَّ الخَيالَ يَشُوقُ
بِحاجَةِ مَحْزُونٍ كأَنَّ فؤادَهُ ... جَناحٌ وَهَى عَظْماهُ فَهْوَ خَفُوقُ
وهانَ على أَسماءَ أَنْ شَطَّتِ النَّوَى ... يَحِنُّ اليها وَالِهٌ ويَتُوقُ
ذَرينِي فإِنَّ البُخْلَ يَا أُمَّ هَيثْمٍ ... لِصَالِحِ أَخلاقِ الرِّجالِ سَرُوقُ
ذَرينِي وحُطِّي في هَوَاى فإِنَّنِي ... علي الحَسَبِ الزَّاكِي الرَّفِيعِ شَفِيقُ
وإِنِّي كريمٌ ذُو عِيالٍ تهِمُّنِي ... نَوَائِبُ يَغْشَى رُزْؤُها وحُقُوقُ
ومُسْتنْبِحٍ بعدَ الهُدُوءِ دَعْوَتُهُ ... وقد حانَ من نَجْم الشِّتاءِ خُفُوقُ
يُعالِجُ عِرْنيناً منَ اللَّيلِ بارداً ... تَلُفُّ رِياحٌ ثَوْبَهُ وبُرُوقُ
تَأَلَّقُ في عَيْنٍ منَ المُزْنِ وادِقٍ ... لهُ هَيْدَبٌ دَانِي السَّحَابِ دَفُوقُ
أَضَفْتُ فلم أُفْحِشْ عليهِ ولم أَقُلْ ... لأَِحْرِمَهُ: إِنَّ المكانَ مَضِيقُ
فَقلْتُ لهُ: أَهلاً وسهلاً ومَرحباً ... فهذا صَبُوحٌ راهِنٌ وصَدِيقُ
وقُمتُ إِلى البَرْكِ الهَواجِدِ فاتَّقَتْ ... مَقاحِيدُ كُومٌ كالمَجَادِلِ رُوقُ
بأَدْماءَ مِرْباعِ النِّتاجِ كأَنَّها ... إِذَا عَرَضَتْ دُونَ العِشارِ فَنِيقِ
بِضَرْبةِ ساقٍ أَو بِنَجْلاَءَ ثَرَّةٍ ... لهَا مِن أَمامِ المَنْكَبَيْنِ فَتِيقُ
وقامَ إِليها الجَازِرَانِ فأَوْفَدَا ... يُطِيرَانِ عَنها الجِلْدَ وَهْيَ تَفْوقُ
فَجُرَّ إِلينا ضَرْعُها وسَنَامُها ... وأَزْهَرُ يَحْبُو لِلقيامِ عَتِيقُ
بَقِيرٌ جَلاَ بالسَّيفِ عنهُ غِشَاءَهُ ... أَخٌ بإِخاءِ الصَّالِحِينَ رَفيقُ
فَباتَ لَنَا منها وللِضَّيْفِ مَوْهِنا ... شِوَاءٌ سَمِينٌ زَاهِقٌ وغَبوقُ
وبَاتَ لهُ دُونَ الصَّبَا وهْيَ قَرَّةٌ ... لِحَافٌ ومَصْقُولُ الكِسَاءِ رَقِيقُ
وكلُّ كَرِيم يَتَّقِي الذَّمَّ بالقِرَى ... ولِلخَيْرِ بينَ الصّالحينَ طَريقُ
لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا ... ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ
نَمَتْنِي عُرُوقٌ من زُرَارَةَ لِلْعُلَى ... ومنْ فَدَكِيٍّ والأَشَدِّ عُرُوقُ
مكارِمُ يَجْعَلْنَ الفَتَى في أَرومَةٍ ... يَفَاعٍ، وبعضُ الوالِدِينَ دَقِيقُ
قال
ثعلبة بن صعير بن خزاعي المازني
هل عندَ عَمْرَةَ مِن بَتَاتِ مُسَافِرِ ... ذِي حاجَةٍ مُتَرَوِّحٍ أَو باكِرِ
سَئِمَ الإِقامَةَ مِن بعدَ طُولِ ثَوَائِهِ ... وقَضَى لُبَانَتَهُ فليسَ بِنَاظِرِ
لِعِدَاتِ ذِي إِرَبٍ ولا لِمَواعِدٍ ... خُلُفٍ ولو حَلَفَتْ بأَسْحَمَ مائِرِ
وَعَدَتْكَ ثُمَّت أَخْلَفَتْ مَوْعُودَها ... ولعلَّ ما مَنَعَتْكَ ليسَ بضائِرِ

وأَرَى الغَوانِيَ لا يَدُومَ وِصالها ... أَبَداً على عُسْرٍ ولا لِمُيَاسِرِ
وإِذا خَلِيلُكَ لم يَدُمْ لكَ وَصْلُهُ ... فاقْطَعْ لُبانَتهُ بِحَرْفٍ ضامِرِ
وَجْنَاءَ مُجْفَرَةِ الضُّلوعِ رَجِيلَةٍ ... وَلَقَى الهَوَاجِرِ ذاتِ خَلْقٍ حادِرِ
تُضْحِي إِذا دَقَّ المَطِيُّ كأَنَّها ... فَدَنُ ابْنِ حَيَّةَ شادَهُ بِالآجُرِ
وكأنَّ عَيْبَتَها وفَضْلَ فِتَانِها ... فَنَنَانِ مِن كَنَفَيْ ظَلِيمِ نافِرِ
يَبْرِي لِرَائِحَةٍ يُسَاقِطُ رِيشَهَا ... مَرُّ النَّجَاءِ سِقَاطَ لِيفِ الآبِرِ
فَتَذَكَّرِتْ ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَمَا ... أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمينَها في كافِرِ
طَرِفَتْ مَرَاوِدُها وغَرَّدَ سَقْبُها ... بِالآْءِ والحَدَجِ الرِّوَاءِ الحادِرِ
فَتَرَوَّحَا أُصُلاً بِشدٍّ مُهْذِبٍ ... ثَرٍّ كَشُؤْبُوبِ العَشِيِّ الماطِرِ
فَبَنَتْ عليه معَ الظَّلاَمِ خِبَاءَها ... كالأَحْمَسِيَّةٍ في النَّصِيفِ الحَاسِرِ
أَسُميَّ ما يُدْرِيكِ أَنْ رُبَ فِتْيَةٍ ... بيض الوُجُوه ذَوي نَدىً ومآثِرِ
حَسَنِي الفُكاهَةِ لا تَذَمُّ لِحَامُهُمْ ... سَبِطِي الأَكُفِّ وفي الحُرُوب مَسَاعِرِ
باكَرْتُهُمْ بِسِبَاءِ جَوْنٍ ذَارِعٍ ... قَبْلَ الصَّباحِ وقَبْلَ لَغْوِ الطَّائِرِ
فَقَصَرْتُ يوْمَهُمُ بِرَنَّةِ شَارِفٍ ... وسَمَاعِ مُدْجِنَةٍ وجَدْوَى جازِرِ
حتى تَوَلَّى يومُهُمْ وتَرَوَّحُوا ... لا يَنْثَنُونَ إلى مَقَالِ الزَّاجِرِ
ومُغيرَةٍ سَوْمَ الجرَادِ وَزَعْتُهَا ... قبلَ الصَّباحِ بِشَيِّئَانٍ ضَامِرِ
تَئِقٍ كجُلْمُودٍ القِذَافِ ونَثْرَةٍ ... ثَقْفٍ وعَرَّاصِ المَهَزَّةِ عاتِرِ
ولَرُبَّ واضِحَةِ الجَبِينِ غَريرَةٍ ... مِثْلِ المَهَاةِ تَرُوقُ عينَ النَّاظِرِ
قد بِتُّ أُلْعِبُهَا وأَقْصُرُ هَمَّهَا ... حتَّى بَدَا وَضَحُ الصَّبَاحِ الجاشِرِ
وَلَرُبَّ خَصْمٍ جاهِدِينَ ذَوِي شَذاً ... تَقْذِي صُدُورُهُمُ بِهِتْرٍ هاتِرِ
لُدٍّ ظَأَرْتُهُمُ على ما سَاءَهُمْ ... وخَسَأْتُ باطِلَهُمْ بِحَقٍّ ظاهِرِ
بمقالةٍ مِنْ حازِم ذِي مِرَّةٍ ... يَدَأُ العَدُوَّ زَئِيرُهُ للزَّائرِ

قال
الحارث بن حلزة اليشكري
لِمَنِ الدِّيارُ عَفَوْنَ بالحَبْسِ ... آياتُها كَمَهَارقِ الفُرْسِ
لا شَيءَ فيها غيرُ أَصْوِرَةٍ سُفْعِ الخُدودِ يَلُحْنَ كالشَّمْسِ
أَو غيرُ آثار الجِيادِ بأَعْ ... رَاضِ الجِمَادِ وآيةِ الدَّعْسِ
فَحَبَسْتَ فيها الرَّكْبَ أَحْدِسُ في ... كلِّ الأُمورِ وكنتُ ذا حَدْسِ
حتَّى إِذا الْتَفَعَ الظِّبَاءُ بأَطْ ... رَافِ الظِّلالِ وقِلْنَ في الكُنْسِ
ويَئِسْتُ ممَّا قد شُغِفْتُ بهِ ... منها، ولا يُسْلِيكَ كالْيأْسِ
أَنْمِي إِلى حَرْفٍ مُذَكَّرَةٍ ... تَهِصُ الْحَصَى بِمَوَاقِعٍ خُنْسِ
خَذِمٍ نَقَائِلُهَا يَطِرْنَ كأَقْ ... طاعِ الفِرَاءِ بِصَحْصَحٍ شَأْسِ
أَفَلا تُعَدِّيها إِلى مَلِكٍ ... شَهْمِ المَقَادةِ ماجِدِ النَّفْسِ
وإِلى ابنِ مارِيَةَ الجَوَادِ وهَلْ ... شَرْوَى أَبِي حَسَّانَ في الإِنْسِ
يَحْبُوكَ بالزَّعْفِ الفَيُوضِ على ... هِمْيَانِها، والدُّهْمِ كالغَرْسِ
وبالسَّبِيكِ الصُّفْر يُضْعِفُهَا ... وبالبَغَايَا البِيضِ واللُّعْسِ
لا يَرْتَجِي للمالِ يُهْلِكهُ ... سَعْدُ النُّجُومِ إِليه كالنَّحْسِ

فلهُ هُنالكَ لا عليهِ إِذَا ... دَنِعَتْ أُنُوفُ القومِ للتَّعْسِ

وقال
عبدة بن الطبيب
هَلْ حَبْلُ خَوْلَةَ بَعْدَ الهَجْرِ موصولُ ... أَم أَنتَ عنها بعيدُ الدَّارِ مشغولُ
حلَّتْ خُوَيْلةُ في دَارٍ مُجَاوِرَةً ... أَهلَ المَدَائِنِ فيها الدِّيكُ والفِيلُ
يُقَارِعُونُ رُؤُوسَ العُجْمِ ضَاحِيَةً ... منهم فَوَارِسُ لا عُزْلٌ ولا مِيلُ
فَخَامَر القلبَ مِن تَرْجيعِ ذِكْرَتِها ... رَسٌّ لطيفٌ وَرَهْنٌ منكَ مَكْبُولُ
رَسٌّ كَرَسِّ أَخِي الْحُمَّى إِذا غَبَرَتْ ... يوماً تَأَوَّبَهُ منها عَقَابِيلُ
ولِلأَحِبَّةِ أَيَّامٌ تَذَكَّرُها ... ولِلنَّوَى قبلَ يومِ البَيْنِ تأْوِيلُ
إِنَّ الَّتِي ضَرَبتْ بَيْتاً مُهاجِرَةً ... بكُوفةِ الجُنْدِ غَالَتْ وُدَّها غُولُ
فَعَدِّ عنها ولا تَشْغَلْكَ عن عَمَلٍ ... إِنَّ الصَّبابَةَ بَعْدَ الشَّيْبِ تَضْلِيلُ
بِجَسْرةٍ كَعَلاَةِ القَيْنِ دَوْسَرَةٍ ... فيها عَلَى الأَيْنِ إِرقالٌ وتَبْغِيلُ
عَنْسٍ تُشِيرُ بِقِنْوَانٍ إِذا زُجِرَتْ ... مِن خَصْبَةٍ بَقيَتْ فيها شَمالِيلُ
قَرْوَاءَ مَقْذُوفَةٍ بالنَّحْضِ يَشْعَفُها ... فَرْطُ المِرَاحِ إِذا كَلَّ المَرَاسِيلُ
وما يَزَالُ لها شَأْوٌ يُوَقِّرُهُ ... مُحَرَّفٌ من سُيُورِ الغَرْفِ مَجْدُولُ
إِذا تَجاهَدَ سَيْرُ القومِ في شَرَكٍ ... كأَنَّهُ شَطَبٌ بالسَّرْوِ مَرْمُولُ
نَهْجٍ ترَى حَوْلَهُ بَيْضَ القَطَا قُبَصاً ... كأَنَّه بِالأَفاحِيصِ الحَوَاجِيلُ
حَوَاجِلٌ مُلِئَتْ زَيْتاً مُجَرَّدةٌ ... لَيْسَتْ عليهنَّ مِن خُوصٍ سَواجِيلُ
وقَلَّ ما في أَسَاقِي القومِ فانْجَرَدُو ... وفي الأَدَاوَى بَقيَّاتٌ صَلاَصِيلُ
وَالعِيسُ تُدْلَكُ دَلْكا عن ذَخائِرِها ... يُنْحَزْنَ مِن بَيْنِ مَحْجونٍ ومَرْكُولِ
ومُزْجَياتٍ بأَكْوَارٍ مُحَمَّلَةٍ ... شَوَارُهُنَّ خِلاَلَ القوم محمولُ
تَهْدِي الرِّكابَ سَلُوفٌ غَيْرُ غافِلة ... إِذا تَوَقَّدَتِ الْحِزَّانُ والمِيلُ
رَعْشاءُ تَنْهَضُ بالذِّفْرَى مُوَاكِبَةٌ ... في مِرْفَقَيْها عن الدَّفَّيْنِ تَفْتيلُ
عَيْهَمةٌ يَنْتَحِي في الأَرضِ مَنْسِمُها ... كَما انْتَحى في أَدِيمِ الصِّرْفِ إِزْمِيلُ
تَخْدِي بهِ قُدُماً طَوْراً وتَرْجِعُهُ ... فَحَدُّهُ مِن وِلاَفِ القَبْضِ مَفْلُولُ
تَرَى الْحَصَى مُشْفَتِرًّا عن مَنَاسِمِهَا ... كما تُجلْجِلُ بالوَغْلِ الغَرابِيلُ
كأَنَّها يومَ وِرْدِ القوم خامِسَةً ... مُسافِرٌ أَشْعَبُ الرَّوْقَيْنِ مَكْحُولُ
مُجْتابُ نِصْعٍ جَدِيدٍ فَوْقَ نُقْبَتِهِ ... وللْقَوَائِمِ مِن خَالٍ سَرَوِايلُ
مُسَفَّعُ الوَجْهِ في أَرْساغِهِ خَدَمٌ ... وفوقَ ذاكَ إِلى الكَعبَيْنِ تَحْجيلُ
بَاكَرَهُ قانِصٌ يَسْعَى بأَكْلُبِهِ ... كأَنَّهُ مِن صِلاَء الشَّمْسِ مَمْلُولُ
يَأْوِي إِلى سَلْفَعٍ شَعْثَاءَ عارِيَةٍ ... في حِجْرِها تَوْلَبٌ كالقِرْدِ مَهْزُولُ
يُشْلِي ضَوَارِيَ أَشْباهاً مُجَوَّعَةً ... فليس منها إِذا أُمْكِنَّ تَهْلِيلُ
يَتْبَعْنَ أَشْعَثَ كَالسِّرْحانِ مُنْصَلِتاً ... لهُ عليهنَّ قِيدَ الرُّمْحِ تَمْهِيلُ
فَضَمَّهُنَّ قليلاً ثمَّ هاجَ بها ... سُفْعٌ بآذَانِها شَيْنٌ وَتَنْكِيلُ
فاسْتَثْبَتَ الرَّوْعُ في إِنْسِانِ صادِقةٍ ... لم تَجْرِ من رَمدٍ فيها المَلاَمِيلُ

فانْصَاعَ وانْصَعْنَ يَهْفُو كُلُّها سَدِكٌ ... كأَنَّهنَّ من الضُّمْرِ المَزَاجِيلُ
فاهْتَزَّ يَنْفُضُ مَدْرِيَّيْنِ قد عَتُقَا ... مُخَاوِضٌ غَمَرَاتِ الموتِ مَخْذُولُ
شَرْوَى شَبِيهَيْنِ مَكْرُوباً كُعُوبُهُما ... في الجَنْبَتَيْنِ وفي الأَطْرافِ تأْسِيلُ
كِلاَهما يَبْتَغِي نَهْكَ القِتَال بهِ ... إِنَّ السِّلاَحَ غَدَاةَ الرَّوْعِ مَحْمولُ
يُخَالِسُ الطَّعْنَ إِيشاغاً على دَهَشٍ ... بِسَلْهَبٍ سِنْخُهُ في الشَّأْنِ مَمْطُولُ
حتَّى إِذا مَضَّ طَعْناً في جَواشِنِها ... ورَوْقُهُ من دَمِ الأَجْوَافِ مَعْلُولُ
وَلَّى وَصُرِّعْنَ في حَيْثُ اَلْتَبَسْنَ به ... مُضَرَّجاتٌ بأَجْرَاحٍ ومَقْتُولُ
كأَنَّه بعْدَ ما جَدَّ النَّجَاء بهِ ... سَيْفٌ جَلاَ مَتْنَهُ الأَصْنَاعُ مَسْلُولُ
مُستَقْبِلَ الرِّيحِ يَهْفُو وَهْوَ مُبْتَرِكٌ ... لسانُهُ عن شِمالِ الشِّدْقِ مَعْدُولُ
يَخْفِي التُّرَابَ بأَظْلافٍ ثمانيةٍ ... في أَرْبَعٍ مَسُّهُنَّ الأَرْضَ تَحليلُ
مُرَدَّفاتٍ عَلَى أَطْرَافِها زمَعٌ ... كأَنَّها بالعُجَاياتِ الثَّآلِيلُ
لهُ جنَابانِ مِن نَقْعٍ يُثَوِّرُهُ ... فَفَرْجُهُ مِن حَصَى المَعْزَاءِ مَكْلُولُ
ومَنْهلٍ آجِنٍ في جَمِّهِ بَعَرٌ ... مِمَّا تَسُوقُ إِليه الرِّيحُ مَجْلُولُ
كأَنَّهُ في دِلاَء القوم إِذْ نَهَزُوا ... حَمٌّ على وَدَكٍ في القِدْرِ مَجْمُولُ
أَوْرَدْتُهُ القومَ قد رانَ النُّعاسُ بهمْ ... فقُلْتُ إِذْ نَهِلُوا مِن جَمِّهِ: قِيلُوا
حَدَّ الظَّهِيرةِ حتَّى تَرْحَلُوا أُصُلاً ... إِنَّ السِّقَاء لهُ رَمٌّ وتَبْلِيلِ
لمَّا وَرَدْنا رَفَعْنا ظِلَّ أَرْدِيَةٍ ... وفارَ باللَّحْمِ للقومِ المَراجِيلُ
وَرْداً وأَشْقَرَ لم يُنْهِئْهُ طابِخُهُ ... ما غَيَّرَ الغَلْيُ مِنْهُ فَهْوُ مأْكُولُ
ثُمَّتَ قُمْنا إِلى جُرْدٍ مُسَوَّمةٍ ... أَعْرَافُهُنَّ لأَِيْدِينا منَاديلُ
ثمَّ ارْتَحَلْنا على عِيسٍ مُخَدَّمةٍ ... يُزْجِي رَوَاكِعَها مَرْنٌ وَتَنْعِيلُ
يَدْلَحْنَ بالماءِ في وُفْرٍ مخَرَّبةٍ ... منها حَقَائبُ رُكْبانٍ ومَعْدَولُ
نَرْجُو فَوَاضِلَ رَبٍّ سَيْبُهُ حَسَنٌ ... وكلُّ خَيْرٍ لديهِ فهْوَ مقْبُولُ
رَبٌّ حَبَانا بِأَمْوالٍ مُخَوَّلَةٍ ... وكلُّ شَيءٍ حَبَاهُ اللهُ تَخويلُ
والمرءُ ساعٍ لأَمرٍ ليس يُدْرِكهُ ... والعَيْشُ شُحٌّ وإِشْفَاقٌ وتأْمِيلُ
وعازِبٍ جَادَهُ الوَسْمِيُّ في صَفَرٍ ... تَسْرِي الذِّهابُ عليهِ فهْوَ مَوْبُولُ
ولم تَسَمَّعْ بهِ صَوْتاً فَيُفْزِعَها ... أَوَابدُ الرُّبْدِ والْعِينُ المَطَافِيلُ
كأَنَّ أَطْفالَ خِيطَانِ النَّعامِ بِهِ ... بَهْمٌ مُخَالِطُهُ الْحَفَّانُ والْحُولُ
أَفْزَعْتُ منهُ وُحُوشاً وَهْيَ ساكِنَةٌ ... كأَنَّها نَعَمٌ في الصُّبْحِ مَشْلُولُ
بِسَاهِمِ الوَجْهِ كالسِّرْحانِ مُنْصَلِتٍ ... طِرْفٍ تَكاملَ فيهِ الحُسْنُ والطُّولُ
خَاظِي الطَّرِيقةِ عُرْيانٍ قَوَائِمُهُ ... قد شَفَّهُ مِن رُكُوبِ البَرْدِ تَذْبِيلُ
كأَنَّ قُرْحَتَهُ إِذْ قامَ مُعْتَدِلاً ... شَيْبٌ يُلَوِّحُ بالحِنَّاءِ مَغسُولُ
إِذَا أُبِسَّ بهِ في الأَلْف بَزَّرَهُ ... عُوجٌ مُرَكَّبةٌ فيها بَرَاطِيلُ
يَغْلُو بِهِنَّ ويَثْنِي وهْوَ مُقْتَدِرٌ ... في كَفْتِهنَّ إِذَا اسْتَرْغَبْنَ تَعجِيلُ

وَقد غَدَوْتُ وَقَرْنُ الشَّمْسِ مُنْفَتِقٌ ... ودُونَهُ مِن سَوَادِ اللَّيلِ تَجلِيلُ
إِذْ أَشْرَفَ الدِّيكُ يَدْعُو بعضَ أُسْرتِهِ ... لَدَى الصَّبَاحِ وهم قَوْمٌ مَعَازِيلُ
إِلَى التِّجَارِ فأَعدَانِي بِلَذَّتِهِ ... رِخْوُ الإِزَارِ كَصَدْرِ السَّيْفِ مَشْمُولُ
خِرْقٌ يَجِدُّ إِذَا ما الأَمْرُ جَدَّ بِهِ ... مُخَالِطُ اللَّهْوِ واللَّذَاتِ ضِلِّيلُ
حتَّى أتَّكأْنَا على فُرْشٍ يُزَيِّنُها ... مِن جَيِّدِ الرَّقْم أَزْوَاجٌ تَهَاوِيلُ
فيها الدَّجَاجُ وفيه الأُسْدُ مُخْدِرَةً ... مِنْ كلِّ شَيءٍ يُرَى فيها تَمَاثِيلُ
في كَعْبَةٍ شَادَها بَانٍ وزَيَّنَها ... فيها ذُبَالٌ يُضيءُ اللَّيلَ مَفْتُولُ
لَنَا أَصِيصٌ كجِذْمِ الحَوْضِ هَدَّمَهُوَطْءُ العِرَاكِ، لَدَيْهِ الزِّقُّ مَغْلُولُ
والكُوبُ أَزْهَرُ مَعْصُوبٌ بِقُلَّتِهِ ... فَوْقَ السَّيَاعِ مِنَ الرَّيْحَانِ إِكليلُ
مُبَرَّدٌ بِمِزَاجِ الماءِ بينهما ... حُبٌّ كَجَوْزٍ حِمَارِ الوحْشِ مَبْزُولُ
والكُوبُ مَلآْنُ طافٍ فَوْقَهُ زَبَدٌ ... وطَابَقُ الكَبْشِ في السَّفُّودِ مَخْلُولُ
يَسْعَى بِهِ مِنْصَفٌ عَجْلاَنُ مُنْتطِقٌ ... فَوْقَ الخُوانِ وفي الصَّاعِ التَّوابِيلُ
ثمّ اصْطَحَبْتُ كُمَيْتاً قَرْفَفاً أُنُفاً ... مِن طيّب الرَّاحِ، واللَّذَّاتُ تَعْلِيلُ
صِرْفاً مِزَاجاً، وأَحْياناً يُعَلِّلُنَا ... شِعْرٌ كَمُذْهَبَةِ السَّمَّانِ مَحْمُولُ
تُذْرِي حَوَاشِيَهُ جَيْدَاءُ آنِسَهُ ... في صَونها لِسَماعِ الشَّرْبِ تَرْتِيلُ
تَغْدُو علَينا تُلَهِّينَا ونُصْفِدُها ... تُلْقَى البُرُودُ عليها والسَّرَابِيلُ

قال عبدة أيضا
ً
أَبَنِيَّ إِنِّي قد كَبِرْتُ ورَابَنِي ... بَصَرِي، وفِيَّ لِمُصْلِحٍ مُسْتَمْتَعُ
فَلَئِنْ هَلَكْتُ لقَدْ بَنَيْتُ مَسَاعِياً ... تَبْقَى لكمْ منها مَآثِرُ أَرْبَعُ
ذِكْرٌ إِذا ذُكِرَ الكِرَامُ يَزِينُكمْ ... ووِرَاثَةُ الحَسَبِ المُقَدَّمِ تَنْفَعُ
ومَقَامُ أَيامٍ لَهُنَّ فَضِيلةٌ ... عندَ الحِفِيظَةِ والمَجامِعُ تَجْمَعُ
ولُهيٍ مِن الكَسْبِ الَّذِي يُغْنِيكُمُ ... يوماً إِذا احْتصَرَ النُّفُوسَ المَطْمَعُ
ونَصِيحَةٌ في الصَّدْرِ صَادِرَةٌ لكم ... ما دُمْتُ أُبْصِرُ في الرِّجالِ وأَسْمَعُ
أُوصِيكُمُ بِتُقَي الإِلهِ فَإِنَّهُ ... يُعْطِي الرَّغائِبِ مَنْ يَشَاءُ ويَمْنَعُ
وبِبِرِّ وَالِدِكُمْ وطاعةِ أَمرِهِ ... إِنَّ الأَبَرَّ مِن البَنِينِ الأَطْوَعُ
إِنَّ الكَبِيرَ إِذا عَصَاهُ أَهْلُهُ ... ضَاقَتْ يَدَاهُ بأَمرِهِ ما يَصْنَعُ
وَدَعُوا الضَّغينَةَ لا تَكُنْ مِن شأْنِكمْ ... إِنَّ الضَّغائنَ لِلْقَرَابَةَ تُوضَعُ
وَاعْصُوا الَّذِي يُزْجِي النَّمَائِمَ بيْنَكممُتَنَصِّحاً، ذَاكَ السِّمامُ المُنْقَعُ
يُزْجِي عَقَارِبَهُ لِيَبْعَثَ بَيْنَكم ... حَرْباً كما بَعَثَ العُرُوقَ الأَخْدَعُ
حَرَّانَ لا يَشْفِي غَلِيلَ فُؤَادِهِ ... عَسَلٌ بماءٍ في الإِنَاءِ مُشَعْشَعُ
لا تأْمَنُوا قَوْماً يَشِبُّ صَبِيُّهُمْ ... بَيْنَ القَوَابِل بالعَدَاوَةِ يُنْشَعُ
فَضِلَتْ عَدَاوَتُهُمْ عَلَى أَحْلاَمِهِمْ ... وأَبَتْ ضِبَابُ صُدُورِهم لا تُنْزَعُ
قَوْمٌ إِذا دَمَسَ الظَّلاَمُ عليهمُ ... حَدَجُوا قَنَافِذَ بالنَّمِيمَةِ تَمْزَعُ
أَمْثَالُ زَيْدٍ حِينَ أَفْسَدَ رَهْطَهُ ... حتَّى تَشَتَّتَ أَمْرُهم فَتَصَدَّعُوا

إِنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ إِخْوَانَكم ... يَشْفِي غَلِيلِ صُدُورهم أَنْ تُصْرَعُوا
وثَنيَّةٍ مِن أَمْرِ قَوْمٍ عَزَّةٍ ... فَرَجَتْ يَدَايَ فكانَ فيها المَطْلَعُ
ومَقَامِ خَصْمٍ قائِم ظَلِفَاتُهُ ... مَنْ زَلَّ طارَ له ثَنَاءٌ أَشْنَعُ
أَصْدَرْتُهُمْ فيهِ أُقَوِّمُ دَرْأَهُمُ ... عَضَّ الثِّقَافِ وهُمْ ظِماءٌ جُوَّعُ
فَرَجَعْتُهُمْ شَتَّى كأَنَّ عَمِيدَهُمْ ... في المَهْدِ يَمْرُثُ وَدْعَتَيْهِ مُرْضَعُ
ولقد عَلِمْتُ بأَنَّ قَصْرِيَ حُفْرَةٌ ... غَبْرَاءُ يَحْمِلني إِليها شَرْجَعُ
فبَكَى بَنَاتِي شَجْوَهُنَّ وزَوْجَتِي ... والأَقْرَبُونَ إِليَّ، ثُمَّ تَصدَّعُوا
وتُرِكْتُ في غَبْراءَ يُكْرَهُ وِرْدُها ... تَسْفِي عَلَيَّ الرِّيحُ حِينَ أُوَدَّعُ
فإِذا مَضَيْتُ إِلى سَبِيلِي فَابْعَثُوا ... رَجُلاً لهُ قَلْبٌ حَدِيدٌ أَصْمَعُ
إِنَّ الحوادثَ يَخْتَرِمْنَ، وإِنَّما ... عُمْرُ الفَتَى في أَهلِهِ مُسْتَوْدَعُ
يَسْعَى ويَجْمَعُ جاهِداً مُسْتَهْتِراً ... جِدًّا، ولَيْسَ بآكِلٍ ما يَجْمَعُ
حتَّى إِذا وَاقَى الحِمَامُ لِوَقْتِهِ ... ولكُلِّ جَنْب لا مَحَالَةَ مَصْرَعُ
نَبَذُوا إِليهِ بالسَّلاَم فلَمْ يُجِبْ ... أَحَداً وصَمَّ عنِ الدُّعَاءِ والأَسْمَعُ

قال
المثقب العبدي
أَلاَ إِنَّ هِنْداً أَمْسِ رَثَّ جَدِيدُها ... وضَنَّتْ وما كان المَتَاعُ يَوؤُدُها
فَلَوْ أَنَّها مِنْ قَبْلُ دَامَتْ لُبَانَةًعلَي العَهْدِ إِذْ تَصْطَادُنِي وأَصِيدُها
ولكنَّها مِمَّا تُمِيطُ بِوُدِّهِ ... بَشَاشَةُ أَدْنَى خُلَّةٍ يَسْتَفِيدُها
أَجِدَّكِ ما يًدْرِيكِ أَنْ رُبّض بَلْدَةٍإِذَا الشَّمسُ في الأَيَّامِ طالَ رُكُودُها
وصاحَتْ صَوَادِيحُ النَّهارِ وأَعْرَضَتْ ... لَوَامِعُ يُطْوَى رَيْطُها وبُرُودُها
قَطَعْتُ بِفَتْلاَءِ اليَدَيْنِ ذَرِيعَةٍ ... يَغُولُ البِلاَدَ سَوْمُهَا وبَرِيدُها
فَبِتُّ وباتَتْ كالنَّعامَةِ ناقتِي ... وباتَتْ عليها صَفْنَتِي وقُتُودُها
وأَغْضَتْ كما أَغْضَيْتُ عَيْنِي فَعَرَّسَتْ ... عَلَى الثَّفِنَاتِ والجِرَانِ هُجُودُها
علي طُرُقٍ عِنْدَ الأَرَاكةِ رِبَّةٍ ... تُؤَازِي شَرِيمَ البَحْرِ وهْوَ قَعِيدُها
كأَنَّ جنِيباً عِند مَعْقِدِ غَرْزِها ... تُزَاوِلُهُ عن نَفْسِهِ ويُرِيدُها
تَهَالَكُ مِنها في الرَّخاءِ تَهَالُكاً ... تَهَالُكَ إِحْدَى الجُونِ حانَ وُرُودُها
فَنَهْنَهْتُ منها والمَنَاسِمُ تَرْتَمِي ... بمَعْزَاءَ شَتَّى لا يُرَدُّ عَنُودُها
وأَيْقَنْتُ، إِنْ شاءَ الإِلهُ، بأَنَّهُ ... سَيُبْلُغنِي أَجْلاَدُها وقَصِيدُها
فإِنَّ أَبا قابُوسَ عِنْدِي بَلاَؤُها ... جَزَاءً بِنُعْمَى لا يَحِلُّ كُنُودُها
رَأَيْتُ زِنَادَ الصَّالِحينَ نَمَيْنَهُ ... قَدِيماً، كما بذَّ النُّجُومَ سُعُودُها
ولَوْ عَلِمَ اللهُ الجِبَالَ عَصَيْنَهُ ... لَجَاءَ بأَمْرَاسِ الْجِبَالِ يَقُودُها
فإِنْ تَكُ مِنَّا في عُمَانَ قَبِيلَةٌ ... تَوَاصَتْ بإِجْنَابٍ وطالَ عُنُودُها
فقد أَدْرَكَتْها المُدْرِكاتُ فأَصْبَحَتْ ... إِلى خَيْرِ مَنْ تَحْتَ السَّماءِ وُفُودُها
إِلى مَلِكٍ بَذَّ المُلُوكَ فلمْ يَسَعْ ... أَفاعِيلَهُ حَزْمُ المُلُوكِ وجُودُها
وأَيَّ أُنَاسٍ لا أَبَاحَ بِغَارَةٍ ... يُؤَازِي كُبَيْدَاتِ السَّماءِ عَمُودُها
وجَأْوَاءَ فيها كَوْكَبُ المَوْتِ فَخْمَةٍ ... يُقَمَّصُ في الأَرض الفَضَاءِ وَئِيدُها

لَهَا فَرَطٌ يَحْوِي النِّهابَ كأَنَّهُ ... لوَامِعُ عِقْبانٍ مَرُوعٍ طَرِيدُها
وأَمْكَنَ أَطْرَافَ الأَسِنَّةِ والقَنَا ... يَعَاسِيبُ قُودٌ كالشِّنَانِ خُدُودُها
تَنَبَّعُ مِنْ أَعْضَادِها وجُلودِها ... حَمِيماً وآضَتْ كالحَمَالِيجِ سُودُها
وطَارَ قُشَارِيُّ الحَدِيدِ كأَنَّهُ ... نُخالةُ أَقْوَاعٍ يَطِيرُ حَصِيدُها
بِكُلِّ مَقَصِّيٍّ وكُلِّ صَفِيحَةٍ ... تَتَابعُ بَعْدَ الْحَارِشِيِّ خُدُودُها
فأَنْعِمْ أَبَيْت اللَّعْنَ إِنَّكَ أَصْبَحَت ... لدَيْكَ لُكَيْزٌ كَهْلُهَا ووَلِيدُها
وأَطلِقْهُمُ تَمْشِي النِّساءُ خِلالُهمْ ... مُفَكَّكَةً وَسْطَ الرِّحال قُيُودُها

قال
ذو الإصبع العدواني
واسمه حرثان
إِنَّكُمَا صَاحِبيَّ لَنْ تَدَعَا ... لَوْمِي، ومَهمَا أُضِعْ فَلَنْ تَسَعا
إِنَّكُمَا مِن سَفَاهِ رَأْيِكُمَا ... لا تَجْنُبَانِي السَّفَاهَ والقَذَعَا
إِلاَّ بأَنْ تَكْذِبا عليَّ ولَمْ ... أَمْلِكْ بأَنْ تَكْذِبا وأَنْ تَلَعَا
لَنْ تَعْقِلاَ جَفْرَةً عليَّ ولَمْ ... أُوذِ نَدِيماً ولَمْ أَنَلْ طَبَعَا
إِنْ تَزْعُمَا أَنَّنِي كَبِرْتُ فلَمْ ... أُلْفَ بَخِيلاً نِكْساً ولا وَرَعَا
أَجْعَلُ مَالِي دُونَ الدَّنَا غَرَضاً ... وما وَهَى مِلأُْمُورِ فَانْصَدَعَا
إِمَّا تَرَيْ شِكَّتِي رُمَيْحَ أَبي ... سَعْدٍ فَقَدْ أَحْمِلُ السِّلاَحَ مَعَا
السَّيْفَ والرُّمْحَ والكِنَانَةَ وال ... نَّبْلُ جِياداً مَحْشُورَةً صُنُعَا
قَوَّمَ أَفْوَاقَها وتَرَّصَهَا ... أَنْبَلُ عَدْوَانَ كُلِّهَا صَنَعَا
ثمَّ كَسَاهَا أَحَمَّ أَسْوَدَ فَيْ ... نَاناً وكانَ الثَّلاثَ والتَّبَعَا
قال
عبد يغوث بن وقاص الحارثي
أَلاَ لا تَلُومَانِي كَفى اللَّوْمَ ما بِيَا ... وما لَكُما في اللَّوْم خَيْرٌ ولا لِيَا
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ المَلاَمَةَ نَفْعُها ... قليلٌ، وما لَوْمِي أَخِي مِن شِمَالِيَا
فَيَا راكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدامَايَ مِن نَجْرَانَ أَنْ لا تَلاَقِيَا
أَبَا كَرِبٍ والأَْيْهَمَيْنِ كِلَيْهِمَا ... وقَيْساً بِأَعْلَي حَضْرَمَوْتَ اليمَانِيَا
جَزَى اللهُ قَوْمِي بالكُلاَبِ مَلاَمَةً ... صَرِيحَهُمُ والآخَرِينَ المَوَاليَا
ولو شِئْتُ نَجَّتْنِي مِن الْخَيْلِ نَهْدَةٌتَرَى خَلْفَها الحُوَّ الْجِيَادَ تَوَالِيَا
ولكِنَّنِي أَحْمِي ذِمارَ أَبِيكُمُ وكانَ الرِّماحُ يَخْتَطِفْنَ المُحَامِيَا
أَقُولُ وقد شَدُّوا لسانِي بِنِسْعَةٍ: ... أَمَعْشَرَ تَيْمٍ أَطْلِقُوا عن لِسَانِيَا
أَمَعْشَرَ تَيْمٍ قَدْ مَلَكْتُهُمْ فأَسْجِحُوافإِنَّ أَخاكمْ لم يَكُنْ مِن بَوَائِيَا
فإِنْ تَقْتُلُونِي تَقْتُلُوا بِيَ سَيِّداًوإِنْ تُطْلِقُونِي تَحْرُبُونِي بِمَالِيَا
أَحَقًّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْتُ سامِعاًنَشِيدَ الرُّعَاءِ المُعْزِبينَ المَتَاليَا
وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عبْشَمِيَّةٌ ... كأَنْ لَمْ تَرَى قبْلِي أَسِيراً يمَانِيَا
وظَلَّ نِساءُ الحَيِّ حَوْلِيَ رُكَّداً ... يُرَاوِدْنَ مِنِّي ما تُرِيدُ نِسَائِيَا
وقد عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَةُ أَنَّنِي ... أَنَا اللَّيْثُ مَعْدُوًّا عليَّ وعادِيا
وقد كُنْتُ نَحَّارَ الجَزُورِ ومُعْمِلَ الْ ... مَطِيِّ وأَمْضِي حَيْثُ لا حَيَّ مَاضِيَا
وأَنْحَرُ لِلشَّرْبِ الكِرَامِ مَطِيَّتِي ... وأَصْدَعُ بَيْن القَيْنَتَيْنِ رِدَائِيَا

وكنْتُ إِذا ما الْخَيْلُ شَمَّصَهَا القَنَا ... لَبِيقاً بتَصْرِيفِ القَنَاةِ بَنَانِيَا
وعادِيَةٍ سَوْمَ الجَرَادِ وَزَعْتُها ... بِكَفِّي وقد أَنْحَوْا إِليَّ العَوَالِيَا
كأَنِّيَ لم أَرْكَبْ جَوَاداً ولم أَقُلْ ... لِخَيْلِيَ كُرِّي نَفِّسِي عن رِجَالِيَا
ولم أَسْبَاِء الزِّقَّ الرَّوِيَّ ولم أَقُلْلأَِيْسَارِ صِدْقٍ: أَعْظِمُوا ضَوْءَ نَارِيَا

قال
ذو الإصبع العدواني
لِيَ ابْنُ عَمٍّ عَلَى ما كان مِن خُلُقِ ... مُخْتَلِفَانِ فأَقْلِيهِ ويَقْلِينِي
أَزْرَى بِنَا أَنَّنَا شَالَتْ نَعَامَتُنَا ... فَخَالَني دُونَهُ وخِلْتُهُ دُونِي
يا عَمْرُ وإِنْ لا تَدَعْ شَتْمِي ومَنْقِصَتيأَضْرِبْكَ حَيْثُ تَقُولُ الهامَةُ اسْقُونِي
لاَهِ لابنِ عَمِّك لا أَفْضَلْتَ في حسَبٍ ... عَنِّي، ولا أَنْتَ دَيَّاني فَتَخْزُونِي
لولا تقُوتُ عِيَالِي يَومَ مَسْغَبَةٍ ... ولا بِنَفْسِكَ في العَزَّاءَ تَكْفِيني
إِنِّي لَعَمْرُكَ ما بَابِي بِذِي غَلَقٍ ... عَن الصَّدِيقِ ولا خَيْرِي بِمَمْنُونِ
ولا لِسَاني على الأَدْنَى بِمُنْطَلِقٍ ... بالفَاحِشَاتِ وَلا فَتْكِي بِمَأْمُونِ
عَفٌّ يَؤُوسٌ إِذَا ما خِفْتُ مِن بَلَدٍ ... هُوناً فَلَسْتُ بِوَقَّافٍ على الهُونِ
عَنِّي إِليكَ فما أُمِّي بِرَاعِيَةٍ ... تَرْعَى المَخَاضَ، وَما رَأيي بِمَغْبُونِ
كلُّ امْرِىٍء رَاجعٌ يَوْماً لِششيمَتِهِ ... وإِنْ تَخَالَقَ أَخْلاَقاً إِلى حِينِ
إِنِّي أَبِيٌّ أَبِيٌّ ذُو مُحَافَظَةٍ ... وابنُ أَبيٍّ أَبِيٍّ مِنْ أَبِيِّينِ
وأَنْتُمْ مَعْشَرٌ زَيْدٌ عَلَى مائَةٍ ... فأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ كُلاًّ فَكِيدُونِي
فإِنْ عَرَفْتُمْ سَبِيلَ الرُّشْدِ فَانْطَلِقُواوإِنْ جَهِلْتُم سَبِيلَ الرُّشْدِ فَأْتُوني
ماذا عَليَّ وإِنْ كُنُْمْ ذَوِي كَرمٍ ... أَنْ لا أُحِبَّكُمُ إِذْ لم تُحِبُّونِي
لَوْ تَشْرَبُونَ دَمِي لم يَرْوَ شارِبُكُمْ ... ولا دِماؤُكُمُ جَمْعاً تُرَوِّينِي
اَللهُ يَعْلَمُني واللهُ يَعْلَمُكُمْ ... واللهُ يَجْزِيكُمُ عَنِّي ويَجْزِينِي
قد كُنْتُ أُوتيكُمُ نُصْحِي وأَمْنَحُكُمْ ... وُدِّي على مُثْبَتٍ في الصَّدرِ مَكْنُونِ
لا يُخرِجُ الكَرْهُ منِّي غَيْرَ مَأْبِيَةٍ ... ولا أَلِينُ لِمَنْ لا يَبْتَغِي لِيني
قال:
وأنشدني غير أبي عكرمة
يا مَنْ لِقَلْبٍ شَدِيدِ الْهَمِّ مَحْزُونِ ... أَمْسَى تَذَكَّرَ رَيَّا أُمَّ هَارُون
أَمْسَى تَذكَّرَها مِنْ بَعْدِ ما شَحَطَتْ ... والدَّهْرُ ذُو غِلْظَةٍ حِيناً وذُو لِينِ
فإِنْ يَكُنْ حُبُّهَا أَمْسَى لَنَا شَجَناً ... وأَصْبَحَ الْوَأيُ مِنها لا يُؤَاتِيني
فقد غَنِينَا وشَمْلُ الدَّهْرِ يَجْمَعُنَا ... أُطِيعُ رَيَّا وريَّا لا تُعَاصِينِي
تَرْمِي الوُشَاةَ فَلاَ تُخْطِي مَقاتِلَهمْ ... بِصادِقٍ منْ صَفَاءِ الوُدِّ مَكنون
ولِي ابنُ عَمٍّ عَلَى ما كان من خُلُقٍ ... مُخْتَلِفَانِ فَأَقلِيهِ ويَقْلِيني
أَزْرَى بِنَا أَنَّنَا شَالَتْ نَعَامَتُنا ... فَخَالَنِي دُونَهُ بَلْ خِلْتُهُ دُونِي
لاَهِ ابنُ عَمِّك لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ ... عَنِّي، ولا أَنْتَ دَيانِي فَتَخْزُونِي
ولا تقوقت عيالي يوم مسبغة ... ولا بنفسك في العزاء تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني
ولا يرى في غير الصبر منقصة ... وما سواه فإن الله يكفيني

لولا أياصر قربى لست تحفظها ... ورهبة الله فيمن لا يعاديني
إذاً بريتك برياً لا انجبار له ... إني رأيتك لا تنفك تبربني
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني
الله يعلمني والله يعلمكم ... والله يجزيكم عني ويجزيني
ماذا علي وإن كنتم ذوي رحمي ... أن لا أحبكم إذ لم تحبوني
لو تشربون دمي لم يرو شاربكم ... ولا دماؤكم جمعاً ترويني
ولي ابن عم لو أن الناس في كبد ... لظل محتجزاً بالنبل يرميني
يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
درم سلاحي فما أمي براعية ... ترعي المخاض، وما رأيي بمغبون
إني أبي أبي ذو محافظة ... وابن أبي أبي من أبيين
لا يخرج القسر مني غير مأبية ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
عف ندود إذا ما خفت من بلد ... هوناً فلست بوقاف علي الهون
كل أمرىء صائر يوماً لشيمته ... وإن تخلق أخلاقاً إلى حين
إني لعمرك ما بابي بذى غلق ... عن الصديق ولا خيري بممنون
وما لساني علي الأدني بمنطلق ... بالمنكرات، وما فتكي بمأمون
عندي خلائق أقوام ذوي حسب ... وآخرون كثير كلهم دوني
وأنتم معشر زيد على مائة ... فأجمعوا أمركم شتي فكيدوني
فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا ... وإن جهلتم سبيل الرشد فأتوني
يا رب ثوب حواشيه كأوسطه ... لا عيب في الثوب من حسن ومن لين
يوماً شددت على فرغاء فاهقة ... يوماً من الدهر تارات تماريني
قد كنت أعطيكم مالي وأمنحكم ... ودي على مثبت في الصدر مكنون
بل رب حي شديد الشغب ذي لجب ... دعوتهم راهن منهم ومرهون
رددت باطلهم في رأس قائلهم ... حتى يظلوا خصوماً ذا أفانين
يا عمرو لو لنت لي ألفيتني يسراً ... سمحاً كريماً أجازى من يجازيني
والله لو كرهت كفي مصاحبتي ... لقلت إذ كرهت قربي لها: بيني

قال
الحارث بن وعلة الجومي
فدى لكما رجلى أمي وخالتي ... غداة الكلاب إذ تحز الدوابر
نجوت مجاءً لم ير الناس مثله ... كأني عقاب عند تيمن كاسر
خدارية سفعاء لبد ريشها ... من الطل يوم ذو أهاضيب ماطر
كأنا وقد حالت حذنة دوننا ... نعام تلاه فارس متواتر
فمن بك يرجو في تميم هوادة ... فليس لجرم في تميم أواصر
ولما سمعت الخيل تدعو مقاعساً ... تطالعني من ثغرة النحر جائر
فإن أستطيع لا تلتبس بي مقاعس ... ولا يرني مباداهم والمحاضر
ولا تلك لي حدادة مضربة ... إذا ما غدت قوت العيال تبادر
يقول لي النهدي: إنك مرد في ... وكيف رداف الفل، أمك عابر
يذكرني بالرحم بيني وبينه ... وقد كان في نهد وجرم تدابر
ولما رأيت الخيل تترى أثائجاً ... علمت بأن اليوم أحمس فاجر
قال
جبيهاء الأشجعي
أمولى بني تيم ألست مؤدياً ... منيحتنا فيما تؤدى المنائح
فإنك إن أديت غمرة لم تزل ... بعلياء عندي ما بغى الربح رابح
لها شَعَرٌ ضافٍ وجِيدٌ مُقَلِّصٌ ... وجِسْمٌ زُخَارِيٌّ وضِرْسٌ مُجَالِحُ
ولو أُشْلِيَتْ في لَيلةٍ رَجَبِيَّةٍ ... بأَوْرَاقِها هَطْلٌ من الماءِ سافِحُ
لَجاءَتْ أَمامَ الحالِبَيْنِ وضَرْعُها ... أَمامَ صِفَاقَيْها مُبِدٌّ مُكاوِحُ

وويْلُمِّها كانتْ غَبُوقَةَ طارِق ... تَرَامَى به بِيدُ الإِكامِ القَرَاوِحُ
كأَنَّ أَجِيجَ النَّارِ إِرْزَامُ شُخْبِها ... إِذَا امْتَاحَهَا فِي مِحْلبِ الحيِّ مائحُ
ولو أَنها طافَتْ بِظِنْبٍ مُعَجَّمٍ ... نَفَى الرِّقَّ عنهُ جَدْبُهُ فهْوَ كالِحُ
لَجاءَتْ كأَنَّ القَسْوَرَ الْجَوْنَ بَجَّها ... عَسَالِيجُهُ والثَّامِرُ المُتَناوِحُ
تَرَى تَحتَها عُسَّ النُّضَارِ مُنَيِّفاً ... سَمَا فَوْقَهُ من بارِدِ الغُزْرِ طامِحُ
سَدِيساً منَ الشُّعْرِ العِرَابِ كأَنَّها ... مُوَكَّرِةٌ مِن دُهْمِ حَوْرانَ صافِحُ
رَعَتْ عُشُبَ الجَوْلانِ ثُمَّ تَصَيَّفَتْ ... وَضِيعَةَ جَلْسٍ فَهْيَ بَدَّاءُ رَاجِحُ

قال
شبيب بن البرصاء
أَلم تَرَ أَنَّ الحَيَّ فَرَّقَ بينَهُمْ ... نَوىً يومَ صحْرَاءِ الغَمِيمِ لَجُوجُ
نَوىً شَطَنَتْهُمُ عن نَوَانَا وهيَّجَتْ ... لنا طَرَباً، إِنَّ الخُطُوبَ تَهِيجُ
فلمْ تَذْرِفِ العَيْنَانِ حتَّى تَحَمَّلَتْ ... مَعَ الصُّبْحِ أَحْفَاضٌ لهُمْ وحُدُوجُ
وحتَّى رَأَيْتُ الْحَيَّ تَذْرِي عِرَاصَهُمْ ... يَمَانِيَةٌ تَزْهَى الرَّغامَ دَرُوجُ
فأَصْبَحَ مَسْرُورٌ بِبَيْنِكِ مُعْجَبٌ ... وبَاكٍ لهُ عندَ الدِّيارِ نَشِيجُ
فإِنْ تَكُ هِنْدٌ جَنَّةً حِيلَ دُونها ... فقدْ يَعْزِفُ اليَأْسُ الفَتَى فَيَعِيجُ
إِذَا احْتَلَّتِ الرَّنْقَاءَ هِنْدٌ مُقِيَمةً ... وقد حانَ منِّي من دِمَشْقَ بُرُوجُ
وبُدِّلْتُ أَرْضَ الشِّيحِ منها وبُدِّلَتْ ... تِلاَعَ المَطَالِي سَخْبَرٌ ووَشِيجُ
وأَعْرَضَ مِنْ حَوَرَانَ والقِنُّ دُونَها ... تِلاَلٌ وخَلاَّتٌ لَهُنَّ أَجِيجُ
فلا وَصْلَ إِلاَّ أَنْ تُقَرِّبَ بَيْنَنا ... قلاَئِصُ يَجْذِبْنَ المَثَانِيَ عُوجُ
ومُخْلِفَةٌ أَنْيَابَهَا جَدَلِيَّةٌ ... تَشُدُّ حَشاها نِسْعةٌ ونَسِيجُ
لها رَبِذَاتٌ بالنَّجاءِ كأَنَّها ... دعائِمُ أَرْزٍ بينهُنَّ فُرُوجُ
إِذا هَبَطَتْ أَرضاً عَزَازاً تَحَامَلَتْ ... مَنَاسِمُ منها رَاعِفٌ وشَجِيجُ
ومُغْبَرَّةِ الآفاقِ يَجرِي سَرَابُها ... عَلَى أُكْمِهَا قبلَ الضُّحَى فيَمُوجُ
قَطَعْتُ إِذَا الأَرْطَى ارْتَدَى في ظِلالِهِ ... جَوَازئُ يَرْعَيْنَ الفَلاَةَ دُمُوجُ
لَعَمْرُ ابنةِ المُرِّيِّ ما أَنا بالَّذِي ... له أَن تنُوبَ النَّائِبَاتُ ضَجِيجُ
وقد عَلِمَتْ أُمُّ الصَّبِيَّيْنِ أَنَّنِي ... إِلى الضَّيْفِ قَوَّامُ السِّنَاتِ خَرُوجُ
وإِنَّي لأَُغْلِي اللَّحْمَ نِيئاً وإِنَّنِي ... لَمِمَّنْ يُهينُ اللَّحْمَ وهْو نَضِيجُ
إِذَا المُرْضِعُ العَوْجاءُ باللَّيلِ عَزَّهاعَلَى ثَدْيِهَا ذُو وَدْعَتَيْنِ لَهُوجُ
إِذَا ما ابْتَغَى الأَضيافُ مَنْ يبْذُلُ القِرَىقَرَتْ لِيَ مَقْلاَتُ الشِّتاءِ خَدُوجُ
جُمَاليَّةٌ بالسَّيْف مِن عَظْمِ ساقِهَا ... دَمٌ جاسِدٌ لم أَجْلُهُ وسُحُوجُ
كأَنَّ رِحالَ المَيْسِ في كل مَوْقِفٍ ... عليها بأَجْوَازِ الفَلاَةِ سُرُوجُ
وما غاضَ مِن َشيْءٍ فإِنَّ سَمَاحتي ... ووَجْهِي بهِ أُمُّ الصَّبِيّ بَلِيجُ
قال
عوف بن الأحوص
هُدِّمَتِ الحِيَاضُ فلم يُغَادَرْ ... لِحَوْضٍ مِن نَصائِبِهِ إِزَاءُ
لِخَوْلةَ إِذْ هُمُ مَغْنىً، وأَهْلِي ... وأَهلُكِ ساكِنُونَ مَعاً رِئَاءُ
فَلأَْياً ما تَبِينُ رُسُومُ دَارٍ ... وما أَبْقَى مِن الحَطَبِ الصِّلاءُ

وإِنِّي والَّذِي حَجَّتْ قُرَيْ ... مَحَارِمُهُ وما جَمَعَتْ حِرَاءُ
وشَهْرِ بَنِي أُمَيَّةَ والهَدَايَا ... إِذا حُبِسَتْ مُضَرِّجَهَا الدِّمَاءُ
أَذُمُّكِ ما تَرَقْرَقَ ماءُ عَيْنِي ... عَليَّ إِذاً مِن اللهِ العَفَاءُ
أُقِرُّ بِحُكْمِكُمْ ما دُمْتُ حَيًّا ... وأَلْزَمُهُ وإِنْ بُلِغَ الفَنَاءُ
فلا تَتَعَوَّجُوا في الحُكْمِ عَمْداً ... كما يَتَعَوَّجُ العُودُ السَّرَاءُ
ولا آتِي لكم مِن دُونِ حَقٍّ ... فأُبْطِلَهُ كما بَطَلَ الحِجَاءُ
فإِنَّكَ والحُكُومةَ يَا بْنَ كَلْبٍ ... عليَّ وأَنْ تُكَفِّنَنِي سَوَاءُ
خذُوا دَأباً بمَا أَثْأَيْتُ فيكُمْ ... فلَيْسَ لكُمْ عَلَى دَأبٍ عَلاَءُ
وليسَ لِسُوقَةٍ فَضْلٌ علينا ... وفِي أَشْيَاعِكُمْ لكُمُ بَوَاءُ
فَهَلْ لكَ في بَنِي حُجْرٍ بن عَمْرٍو ... فَتَعْلَمَهُ وأَجْلَهُ، وَلاَءُ
أَو العَنْقَاءِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَمْرٍو ... دِماءُ القَوْمِ لِلْكَلْبَى شِفَاءُ
وما إِنْ خِلْتُكُمْ من آلِ نَصْرٍ ... مُلوكاً، والمُلوكُ لهم غَلاَءُ
ولكنْ نِلْتُ مَجْدَ أَبٍ وخالِ ... وكان إِليْهما يَنْمِي العَلاَءُ
أَبُوكَ بُجَيِّدٌ والمَرْءُ كَعْبٌ ... فلَمْ تَظْلِمْ بأَخْذِكَ ما تَشَاءُ
ولكنْ مَعْشَرٌ مِن جِذْم قَيْسٍ ... عُقُولُهُمُ الأَباعِرُ والرِّعاءُ
وقَدْ شَجِيَتْ إِنِ اسْتَمْكَنْتُ منهَا ... كما يَشْجَى بِمِسْعَرِهِ الشِّوَاءُ
قَنَاةُ مُذَرَّبٍ أَكْرَهْتُ فيها ... شُرَاعِيًّا مَقَالِمُهُ ظِماءُ

قال عوف أيضا
ً
ومُسْتَنْبِحٍ يَخْشَى القَوَاءَ ودُونَهُ ... مِنَ اللَّيْلِ بَابَا ظُلْمَةٍ وسُتُورُها
رَفَعْتُ لَهُ نارِي فَلَمَّا اهْتَدَى بِهَا ... زَجَرْتُ كِلاَبِي أَنْ يَهِرَّ عَقُورُها
فَلاَ تَسْئَلِينِي واسْئَلِي عن خَلِيقَتِيإِذَا رَدَّ عَافِى القِدْرِ مَنْ يَسْتَعِيرُها
وكانوا قُعُوداً حَوْلهَا يَرْقُبُونَها ... وكانَتْ فَتَاةُ الحَيِّ مِمَّنْ يُنِيرُها
تَرَيْ أَنَّ قِدْرِي لا تَزَالُ كأَنَّهَالِذِى الفَرْوَةِ المَقْرُورِ أُمٌّ يَزُورُها
مُبَرَّزَةٌ لا يُجْعَلُ السِّتْرُ دُونَهَا ... إِذَا أُخْمِدَ النِّيرَانُ لاَحَ بَشِيرُها
إِذَا الشَّوْلُ رَاحتْ ثمَّ لَمْ تَفْدِ لَحْمَهَابأَلْبَانِهَا ذَاقَ السِّنَانَ عَقِيرُها
وإِنِّي لَتَرَّاكُ الضَّغِينَةِ قَدْ بَدَا ... ثَرَاها مِن المَوْلَى فلا أَسْتَثِيرُها
مَخَافَةَ أَنْ تَجْنِي علَيَّ، وإِنَّمَا ... يَهيجُ كَبِيرَاتِ الأُمورِ صَغيرُها
تَسُوقُ صُرَيْمٌ شَاءَها مِن جُلاَجِلٍ ... إِليَّ وَدُونِي ذَاتُ كَهْفٍ وقُورُها
إِذَا قِيلَتِ العَوْرَاءُ وَلَّيْتُ سَمْعَهَا ... سِوَايَ ولم أَسْئَلْ بهَا: ما دُبِيرُها
فَمَاذَا نَقِمْتُمُ مِن بَنِينَ وَسَادَةٍ ... بَرِيءٍ لكم مِنْ كُلّ غِمْرٍ صُدُورُها
هُمُ رَفَعُوكمْ لِلسَّماءِ فَكِدْتُمُ ... تَنَاولُونَهَا لَوْ أَنَّ حَيًّا يَطُورُها
مُلُوكٌ عَلي أَنَّ التَّحِيَّةَ سُوقَةٌ ... أَلاَيَاهُمُ يُوفَى بِهَا ونُذُورُها
فإِلاَّ يَكُنْ مِنِّي ابْنُ زَحْر ورَهْطُهُ ... فَمِنِّي رِياحٌ عُرْفُهَا ونَكِيرُها
وكَعْبٌ فإِنِّي لاَبْنُهَا وحَليفُهَا ... وناصِرُها حيثُ استَمَرَّ مَريرُها
لَعَمْري لقد أَشْرَفْتُ يومَ عُنَيْزَةٍ ... على رَغْبَةٍ لو شَدَّ نَفْساً ضَمِيرُها
ولكنَّ هُلْكَ الأَمْرِ أَنْ لا تُمرَّهُ ... ولا خَيْرَ في ذِي مِرَّة لا يُغِيرُها
وأنشدنا المفضل لرجل من اليهود:

سَلاَ رَبَّة الْخِدْرِ مَا شَأْنُها ... ومِنْ أَيِّ ما فاتَنَا تَعْجَبُ
فَلَسْنَا بِأَوَّلِ مَنْ فاتَهُ ... على رِفْقِهِ بعضُ ما يَطْلُبُ
فكائِنْ تَضَرَّعَ مِن خاطِبٍ ... تَزَوَّجَ غَيْرَ الَّتِي يَخْطَبُ
وزُوِّجَهَا غَيرُهُ دُونَهُ ... وكَانَتْ لَهُ قَبْلَهُ تُحْجَبُ
وقَدْ يُدْرِكُ المَرْءُ غيرُ الأَرِيبِ ... وقَدْ يُصْرَعُ الحُوَّلُ القُلَّبُ
أَلم تَرَ عُصْمَ رُؤُوسِ الشَّظَا ... إِذَا جاءَ قَانِصُهَا تُجْلَبُ
إِلَيْهِ، ومَا ذَاكَ عن إِرْبَةٍ ... يكونُ بها قانِصٌ يَأرَبُ
ولكِنْ لها آمِرٌ قَادِرٌ ... إِذَا حاوَلَ الأَمْرَ لا يُغْلَبُ

قال
ربيعة بن مقروم
أَمِنْ آلِ هِنْدٍ عَرَفْتَ الرُّسُومَا ... بِجُمْرَانَ قَفْراً أَبَتْ أَنْ تَرِيما
تَخَالُ مَعَارِفَهَا بَعْدَ مَا ... أَتَتْ سَنَتَانِ عليها الوُشُومَا
وَقَفْتُ أُسَائِلُهَا نَاقَتَي ... ومَا أَنَا أَمْ مَّا سُؤَالِي الرُّسُومَا
وذكَّرَني العَهْدَ أَيَّامُهَا ... فَهَاجَ التَّذَكُّرُ قلباً سَقِيماً
فَفَاضَتْ دُمُوعِي فَنَهْنَهْتُها ... عَلَى لِحْيَتِي ورِدَائي سُجُومَا
فَعَدَّيْتُ أَدْمَاءَ عَيْرَانةً ... عُذَافِرَةً لا تَمَلُّ الرَّسِيمَا
كِنَازَ البَضِيعِ جُمَالِيَّةً ... إِذَا مَا بَغَمْنَ تَرَاها كَتُومَا
كأَنِّي أُوَشَّحُ أنْسَاعَهَا ... أَقَبَّ مِنَ الحُقْبِ جَأباً شَتِيمَا
يُحَلِّيءُ مِثْلَ الفَنَا ذُبَّلاً ... ثَلاَثاً عَنِ الوِرْدِ قَد كُنَّ هِيمَا
رَعَاهُنَّ بالقُفِّ حَتَّى ذَوَتْ ... بُقُولُ التَّنَاهِي وهَرَّ السَّمُوما
فَظَلَّتْ صوَادِىَ خُزْر العُيُونِ ... إِلى الشَّمْسِ مِنْ رهْبةٍ أَنْ تَغِيمَا
فلمَّا تبَيَّنَ أَنَّ النَّهارَ ... تَوَلَّى وآنسَ وَحْفاً بَهِيماً
رَمَى اللَّيلَ مُستعَرِضاً جَوْزَهُ ... بِهِنَّ مِزَرًّا مِشَلاًّ عَذُومَا
فَأَوْرَدَها مَعَ ضَوْءِ الصَّباحِ ... شَرَائِعِ تَطْحَرُ عَنْها الجَمِيمَا
طَوَامِيَ خُضْراً كلَوْنِ السَّماءِ ... يَزِينُ الدَّرَارِيُّ فيها النُّجُومَا
وبِالماءِ قَيْسٌ أَنَّ عَامِرِ ... يُؤَمِّلُهَا ساعَةً أَنْ تَصُومَا
وبِالكَفِّ زَورَاءُ حرْمِيَّةٌ ... مِنَ القُضْبِ تُعْقِبُ عَزْفاً نَئِيمَا
وأَعْجَفُ حَشْرٌ ترى بِالرِّصَا ... فِ ممَّا يُخَالِطُ منها عَصِيمَا
فأَخْطأَها فَمَضَتْ كُلُّها ... تَكادُ من الذُّعْرِ تَفْرِي الأَدِيمَا
وإِنْ تَسْئَلِيني فإِنِّي امْرُؤٌ ... أُهِينُ اللئِيمَ وأَحْبُو الكَرِيمَا
وأَبْنِي المَعَالِيَ بِالمَكْرُماتِ ... وأُرْضِي الخَليلَ وأُرْوِي النَّدِيمَا
ويَحْمَدُ بَذْلِي لهُ مُعْتَفٍ ... إِذَا ذَمَّ مَنْ يَعتَفِيهِ اللَّئيمَا
وأَجْزِى القُرُوضَ وَفاءً بها ... بِبُؤسَى بَئِيسَى ونُعْمَى نَعِيما
وقَوْمِي، فإِنْ أَنتَ كذَّبْتَنِي ... بِقَوْلِيَ فاسْئَلْ بِقَوْمي عَلِيمَا
أَلَيْسُوا الَّذِينَ إِذَا أَزْمَةٌ ... أَلَحَّتْ على الناسِ تُنْسِي الحُلُومَا
يُهِينُونَ في الحقِّ أَموالَهُمْ ... إِذَا اللَّزَباتُ الْتحَيْنَ المُسِيمَا
طِوَالُ الرِّماحِ غَداةَ الصَّباحِ ... ذَوُو نَجْدَةٍ يَمْنَعُونَ الْحَرِيمَا

بَنُو الحربِ يوماً إِذَا اسْتَلأَْمُوا ... حَسِبْتَهُمُ في الْحَدِيدِ القُرومَا
فِدىً بِبُزَاخَةَ أَهْلِي لَهُمْ ... إِذَا مَلأُوا بالجُمُوعِ الْحَزِيمَا
وإِذْ لَقِيَتْ عامِرٌ بالنِّسَا ... رِ مِنْهُمُ وطِفْخَةَ يوماً غَشُومَا
بهِ شاطَرُوا الحَيَّ أَموالَهُمْ ... هَوَازِنَ، ذَا وَفْرِهَا والعَديمَا
وساقَتْ لَنَا مَذْحِجٌ بالكُلاَبِ ... مَوالِيهَا كلَّهَا والصَّمِيمَا
فَدَارَتْ رَحانَا بِفُرْسانِهِمْ ... فَعَادُوا، كأَنْ لم يكونُوا، رَمِيمَا
بِطَعْنٍ يَجِيشُ لهُ عانِدٌ ... وضرْبٍ يُفَلِّقُ هاماً جُثُومَاً
وأَضْحَتْ بِتَيْمَنَ أَجْسَادُهُمْ ... يُشَبِّهُهَا مَن رَآها الهَشِيمَا
تَرَكْنَا عُمَارَةَ بَيْنَ الرِّماحِ ... عُمارةَ عَبْسٍ نَزِيفاً كلِيما
ولولاَ فَوارِسُنَا ما دَعَتْ ... بذَات السُّلَيْمِ تَمِيمٌ تَمِيما
وما إِنْ لأُِوئِبَهَا أَنْ أَعُدَّ ... مآثِرَ قَوْمِي ولاَ أَنْ أَلُومَا
ولكنْ أُذَكِّرُ آلاَءَنَا ... حَدِيثاً وما كانَ مِنَّا قَديمَا
ودَارِ هَوَانٍ أَنِفْنَا المُقَامَ ... بها فَحَلْلَنا مَحَلاًّ كَرِيمَا
إِذَا كان بَعْضُهُمُ لِلهَوَانِ ... خَلِيطَ صَفاءٍ وأُمًّا رؤُومَا
وثَغْرٍ مَخُوفٍ أَقَمْنَا بهِ ... يَهَابُ بهِ غيرُنا أَن يُقِيمَا
جَعَلْنَا السُّيُوفَ بهِ والرِّماحَ ... مَعَاقِلَنَا والحدِيدَ النَّظِيمَا
وجُرْداً يُقرَّبْنَ دُونَ العِيَالِ ... خِلاَلَ البُيُوتِ يَلُكْنَ الشَّكيمَا
تُعَوَّدُ في الْحَرْبِ أَنْ لاَ بَرَاحَ ... إِذا كُلِّمَتْ لا تَشَكَّى الكُلومَا

قال ربيعة أيضا
ً
أَلاَ صَرَمَتْ موَدَّتَكَ الرُّوَاعُ ... وجَدَّ البَيْنُ مِنها والوَدَاعُ
وقالتْ: إِنَّهُ شَيْخٌ كَبيرٌ ... فَلَجَّ بها، ولم تَرِعِ، امْتِنَاعُ
فإِمَّا أُمْسِ قد رَاجَعْتُ حِلْمِي ... ولاحَ عليّ مِن شَيْبٍ قِناعُ
فقد أَصِلُ الْخَلِيلَ وإِن نَآنِي ... وغِبُّ عَدَوَاتِي كَلأَُ جُدَاعُ
وأَحْفَظُ بالمَغِيبةِ أَمرَ قَوْمِي ... فلا يُسْدَى لَدَيَّ ولا يُضَاعُ
ويَسْعَدُ بِي الضَّرِيكُ إِذَا اعْتَرانِي ... ويَكْرَهُ جانِبِي البَطَلُ الشُّجاعُ
ويَأْبَى الذَّمَّ لِي أَنِّي كَرِيمٌ ... وأَنَّ مَحَلِّيَ القَبَلُ اليَفَاعُ
وأَنِّي في بَنِي بَكْرِ بْنِ سَعْدٍ ... إِذَا تَمَّتْ زَوَافِرُهُمْ أُطَاعُ
ومَلْمُومٍ جَوَانِبُها رَدَاحٍ ... تُزَجَّى بالرِّماحِ، لها شُعَاعُ
شَهدْتُ طِرَادَها فَصَبرْتُ فيها ... إِذَا ما هَلَّل النِّكْسُ اليَرَاعُ
وخَصْم يَرْكَبُ العَوْصَاءَ طَاطٍ ... عنِ المُثْلَى، غُنامَاهُ القِذَاعُ
طَمُوحِ الرَّأْسِ كُنْتُ لهُ لِجاماً ... يُخَيِّسُهُ، لهُ منهُ صِقَاعُ
إِذَا ما انْآدَ قَوَّمَهُ، فَلانَتْ ... أَخَادِعُهُ، النَّوَاقِرُ والوِقَاعُ
وأَشْعَثَ قد جَفَا عنْهُ المَوالِي ... لَقيٍ كالحِلْسِ ليْسَ بهِ زَمَاعُ
ضَرِيرٍ قد هَنَأْناهُ فأَمْسَى ... عليهِ في مَعيشَتِه اتِّسَاعُ
وماءٍ آجِنِ الجَمَّاتِ قَفْرٍ ... تَعَقَّمُ في جَوَانِبِهِ السِّبَاعُ
وَرَدْتُ وقد تَهَوَّرَتِ الثُّرَيَّا ... وتَحْتَ وَلِيَّتِي وَهْمٌ وَسَاعُ

جُلاَلٌ مَائِرُ الضَّبْعَيْنِ يَخْدِي ... عَلَى يسَرَاتِ مَلزُوزٍ سِرَاعُ
لَهُ بُرَةٌ إِذَا ما لَجَّ عَاجَتْ ... أَخادِعُهُ فَلانَ لها النَّخَاعُ
كأَنَّ الرَّحْلَ منهُ فَوْق جَأْبٍ ... أَطَاعَ لهُ بِمَعْقُلَةَ التلاَعُ
تِلاَعٌ مِنْ رِياضٍ أَتْأَقَتْهَا ... مِنَ الأَشْرَاطِ أَسْمِيَةٌ تِبَاعُ
فَآضَ مُحَمْلَجاً كالكَرِّ لَمَّتْ ... تَفَاوُتَهُ شَآمِيَةٌ صَنَاعُ
يُقَلِّبُ سَمْحَجاً قَوْدَاءَ طَارَتْ ... نَسِيلَتُهَا بِها بِنَقٌ لِمَاعُ
إِذَا ما أَسْهَلاَ قَنَبَتْ عليه ... وفيهِ على تَجاسُرِها أطِّلاَعُ
تَجَانَف عن شَرَائِعِ بَطْنِ قَوٍّ ... وحادَ بِهَا عن السَّبْقِ الكُرَاعُ
وأَقْرَبُ مَوْرِد من حيثُ رَاحَا ... أُثالٌ أَو غُمَازَةُ أَو نُطَاعُ
فأَوْرَدَها ولَوْنُ اللَّيْلِ دَاجٍ ... وما لَغَبَا وفي الفَجْرِ انْصِدَاعُ
فَصَبَّحَ مِنْ بَنِي جِلاَّنَ صِلاًّ ... عَطِيفَتُهُ وأَسْهُمُهُ المَتَاعُ
إِذَا لم يَجْتَزِرْ لِبنِييهِ لَحْماً ... غَرِيضاً مِن هَوَادِي الوَحْشِ جَاعُوا
فأَرْسَلَ مُرْهفَ الغَرَّيْنِ حَشْراً ... فَخَيَّبَهُ مِن الوَتَرِ انْقِطاعُ
فَلَهَّفَ أُمَّهُ وانْصَاع يَهْوِى ... لهُ رَهَجٌ منَ التَّقْرِيبِ شَاعُ

قال
سويد بن أبي كاهل اليشكري
بَسَطَتْ رَابِعَةُ الحَبْلَ لَنا ... فَوَصَلْنَا الحَبلَ منها ما اتَّسَعْ
حُرَّةٌ تَجْلُو شَتِيتاً وَاضِحاً ... كشُعَاعِ الشمسِ في الغَيْم سَطَعْ
صَقلَتْهُ بِقَضِيبٍ ناضِرٍ ... مِنْ أَراكٍ طَيِّبٍ حتى نَصَعْ
أَبْيَضَ اللَّوْنِ لَذِيذاً طَعْمُهُ ... طَيِّبَ الرِّيقِ إِذا الريقُ خَدَعْ
تَمْنَحُ المِرآةَ وَجْهاً وَاضِحاً ... مثلَ قَرْنِ الشمسِ في الصَّحْوِ ارْتَفَعْ
صَافِيَ اللَّوْنِ، وطَرْفاً ساجِياً ... أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ ما فيه قَمَعْ
وقُرُوناً سَابِغاً أَطْرَافُها ... غَلَّلَتْها رِيحُ مِسْكٍ ذِي فَنَعْ
هَيَّجَ الشَّوْقَ خَيَالٌ زَائرٌ ... مِن حَبيبٍ خَفِرٍ فيهِ قَدَعْ
شَاحِطٍ جَازَ إِلى أَرْحُلِنَا ... عُصَبَ الغَابِ طُرُوقاً لم يُرَعْ
آنِس كان إِذَا ما اعْتادَنِي ... حالَ دُونَ النَّوْمِ مِنِّي فامْتَنَعْ
وكذَاكَ الحُبُّ ما أَشْجَعَهُ ... يَرْكَبُ الهَوْلَ وَيَعْصِي مَنْ وَزَعْ
فأَبيتُ الليلَ ما أَرْقُدُهُ ... وبِعَيْنَيَّ إِذَا نَجمٌ طَلَعْ
وإِذَا ما قلتُ لَيْلٌ قد مَضَى ... عَطَفَ الأَوَّلُ مِنهُ فَرَجَعْ
يَسْحبُ الليلُ نُجُوماً ظُلَّعاً ... فَتَوَالِيهَا بَطيئاتُ التَّبَعْ
ويُزَجِّيها عَلَى إِبْطائِها ... مُغْرَبُ اللَّوْنِ إِذَا اللَّوْنُ انْقشَعْ
فَدَعانِي حُبُّ سَلْمَى بَعْدَ ما ... ذَهَبَ الجِدَّةُ مِنِّي والرَّيَعْ
خَبَّلَتْني ثُمَّ لمَّا تُشْفِنِي ... فَفُؤَادِي كلَّ أَوْبٍ ما اجتَمَعْ
ودَعَتْنِي بِرُقاهَا، إِنَّها ... تُنزِلُ الأَعْصَمَ مِن رَأْسِ اليَفَعْ
تُسْمِعُ الحُدَّاثَ قولاً حَسَناً ... لو أَرَادُوا غَيرَهُ لم يُسْتَمَعْ
كَمْ قَطَعْنا دُونَ سَلْمَى مَهْمَهاً ... نازِحَ الغَوْرِ إِذَا الآلُ لَمَعْ

في حَرُور يَنْضَجُ اللَّحْمُ بها ... يأَخُذُ السَّائِرِ فيها كالصَّقَعْ
وتَخَطَّيْتُ إِليها مِن عُدىً ... بِزَماعِ الأَمْرِ والهَمِّ الكَنِعْ
وفَلاَةٍ وَاضِحٍ أَقْرَابُهَا ... بَالِياتٌ مثلُ مُرْفَتِّ القَزَعْ
يَسْبَحُ الآلُ عَلَى أعْلاَمِها ... وعَلَي البِيدِ إِذَا اليومُ مَتَعْ
فَرَكِبْناها عَلَى مَجْهُولِها ... بِصِلاَبِ الأَرْضِ فيهِنَّ شَجَعْ
كالمَغَالِي عارِفاتٍ لِلسُّرَى ... مُسْنَفاتٍ لَمْ تُوَشَّمْ بِالنِّسَغْ
فَتَرَاها عُصُفاً مُنْعَلَةً ... بِنِعَالِ القَيْنِ يَكْفِيها الوَقَعْ
يَدَّرِعْنَ الليلَ يَهْوِينَ بِنَا ... كَهَوِيِّ الكُدْرِ صَبَّحْنَ الشَّرَعْ
فَتَنَاوَلْنَ غِشاشاً مَنْهَلاً ... ثمَّ وَجَّهْنَ لأَِرْضٍ تُنْتَجَعْ
مِنْ بَنِي بَكْرٍ بِها مَمْلَكَةٌ ... مَنْظَرٌ فيهمْ وفيهمْ مُسْتَمَعْ
بُسُطُ الأَيْدِي إِذَا ما سُئِلُوا ... نُفُعُ النَّائِلِ إِنْ شيءٌ نَفَعْ
مِنْ أُناسٍ لَيْسَ مِنْ أَخلاقِهِمْ ... عاجِلُ الفُحْشِ ولا سُوءُ الجَزَعْ
عُرُفٌ لِلْحَقِّ ما نَعْيا بهِ ... عندَ مُرِّ الأَمرِ، ما فِينَا خَرَعْ
وإِذَا هَبَّتْ شَمالاً أَطْعَمُوا ... في قُدُورٍ مُشْبَعَاتٍ لم تُجَعْ
وجِفانٍ كالجَوَابِي مُلِئَتْ ... مِن سَمِيناتِ الذُّرَى فيها تَرَعْ
لا يَخافُ الغَدْرَ مَن جاوَرَهم ... أَبداً منهُمْ ولا يَخْشَى الطَّبَعْ
ومَسَاميحُ بما ضُنَّ بهِ ... حاسِرُو الأَنْفُسِ عن سُوءِ الطَّمَعْ
حَسَنُو الأَوْجُهِ بِيضٌ سادَةٌ ... ومَرَاجِيحُ إِذَا جَدَّ الفَزَعْ
وُزُنُ الأَحلاَمِ إِنْ هم وَازَنُوا ... صادِقُو البأْسِ إِذَا البأْسُ نَصَعْ
ولُيُوثٌُ تُتَّقَى عُرَّتُهَا ... ساكِنُو الرِّيحِ إِذَا طارَ القَزَعْ
فَبهمْ يُنْكَى عَدُوٌّ وبِهِمْ ... يُرْأَبُ الشَّعْبُ إِذَا الشَّعْبُ انْصَدَعْ
عَادةً كانتْ لهم مَعْلُوََمًة ... فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ لَيْسَتْ بالبِدَعْ
وإِذا ما حُمِّلُوا لم يَظْلَعُوا ... وإِذَا حَمَّلْتَ ذَا الشِّفِّ ظَلَعْ
صالِحُو أَكْفائِهِمْ خُلاَّنُهُمْ ... وسَرَاةُ الأَصْلِ، والناسُ شِيَعْ
أَرَّقَ العَيْنَ خَيَالٌ لَمْ يَدِعْ ... من سُلَيْمَى، ففؤادِي مُنْتَزَعْ
حلَّ أَهْلِي حيثُ لا أَطْلُبُها ... جانبَ الحِصْنِ، وحَلَّتْ بالفَرَعْ
لا أُلاَقِيها وقَلْبي عِندها ... غيْرَ إِلمَامٍ إِذَا الطَّرْفُ هَجَعْ
كالتُّوأَمِيَّةِ إِنْ باشَرْتَها ... قَرَّتِ العَيْنُ وطابَ المُضْطَجَعْ
بَكَرَتْ مُزْمِعةً نِيَّتُها ... وحَدَا الْحَادِي بِها ثُمَّ انْدَفَعْ
وكَرِيمٌ عندَها مُكْتبَلٌ ... غَلِقٌ إِثْرَ القَطِين المُتَّبَعْ
فكأَنِّي إِذْ جَرَى الالُ ضُحيٍ ... فَوقَ ذَيَّالٍ بِخَدَّيْهِ سُفَعْ
كُفَّ خَدَّاهُ علي دِيباجَةِ ... وعلَى المَتْنينِ لَوْنٌ قد سَطَعْ
يَبْسُطُ المَشْيَ إِذَا هَيَّجْتَهُ ... مِثلَ ما يَبْسُطُ في الخَطْوِ الذَّرعْ
رَاعَهُ مِن طَِّييءٍ ذُو أَسْهُمٍ ... وضِرَاءٌ كُنَّ يُبْلِينَ الشِّرَعْ
فَرَآهُنَّ ولمَّا يَسْتَبِنْ ... وكِلاَبُ الصَّيْدِ فيهنَّ جَشَعْ

ثُمَّ وَلَّى وجَنَابَانِ لَهُ ... من غُبَارٍ أَكْدَرِيٍّ واتَّدَعْ
فَتَرَاهُنَّ علَى مُهْلَتِهِ ... يخْتَلِينَ الأَرضَ والشَّاةُ يلَعْ
دَانيَاتٍ ما تَلَبَّسْنَ به ... وَاثِقَاتٍ بِدِماءٍ إِنْ رَجَعْ
يُرْهِبُ الشَّدَّ إِذَا أَرْهَقْنَهُ ... وإِذَا برَّزَ مِنهنَّ رَبَعْ
ساكِنُ القَفْرِ أَخُو دَوِّيَّةٍ ... فإِذَا ما آنَسَ الصَّوْتَ امَّصَعْ
كَتَبَ الرَّحمنُ، والحَمْدُ لهُ، ... سَعَةَ الأَخْلاَقِ فِينَا والضَّلَعْ
وإِباءَ لِلدَّنِيَّاتِ إِذَا ... أُعْطِيَ المَكْثُورُ ضَيْماً فكَنَعْ
وبِناءً لِلْمَعالِي، إِنَّما ... يَرْفَعُ اللهُ ومَنْ شاءَ وَضَعْ
نِعَمٌ لِلهِ فِينَا رَبَّهَا ... وصَنِيعُ اللهِ، واللهُ صَنَعْ
كَيْفَ باسْتِقْرِارِ حُرٍّ شاحِطٍ ... بِبِلاَدٍ ليسَ فيها مُتَّسعْ
لا يُرِيدُ الدَّهرَ عنها حِوَلاً ... جُرَعُ المَوْتِ، ولِلْمَوتِ جُرَعْ
رُبَّ مَن أَنْضَجْتُ غَيظاً قَلبَهُ ... قد تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لم يُطَعْ
ويَرَانِي كالشَّجَا في حَلْقِهِ ... عَسِراً مَخْرَجُهُ مَا يُنْتَزَعْ
مُزْبَدٌ يَخْطِرُ ما لم يَرَنِي ... فإِذَا أَسْمَعْتُهُ صَوْتِي انْقَمَعْ
قد كَفانِي اللهُ ما في نفسهِ ... ومتَى ما يَكْفِ شَيْئاً لا يُضَعْ
بئْسَ ما يَجْمَعُ أَنْ يَغْتَابَنِي ... مَطْعَمٌ وَخْمٌ ودَاءٌ يُدَّرَعْ
لم يَضِرْنِي غَيْرَ أَنْ يَحْسُدَنِي ... فهْو يَزْقُو مثلَ ما يَزْقُو الضُّوَعْ
ويُحَيِّينِي إِذَا لاَقَيْتُهُ ... وإِذَا يَخْلُو لهُ لَحْمِي رَتَعْ
مُسْتَسِرُّ الشَّنْءِ لو يَفْقِدُنِي ... لبَدَا منهُ ذُبابٌ فَنَبَعْ
ساءَ ما ظَنُّوا وقد أَبْلَيْتُهُمْ ... عند غايات المَدَى كَيْفَ أَقَعْ
صاحِبُ المِئْرَةِ لا يَسْأَمُها ... يُوقِدُ النَّارِ إِذَا الشَّرُّ سَطَعْ
أَصْقَعُ النَّاسِ بِرَجْمٍ صائِبٍ ... ليسَ بالطَّيْشِ ولا بالمُرْتَجَعْ
فارِغُ السَّوْطِ فما يَجْهَدُنِي ... ثَلِبٌ عَوْدٌ ولاَ شَخْتٌ ضَرَعْ
كيفَ يَرْجُونَ سِقَاطِي بَعْدَ ما ... لاَحَ في الرَّأسِ بَيَاضٌ وصَلَعْ
وَرِثَ البِغْضَةَ عَنْ آبائِهِ ... حافِظُ العقْل لِمَا كان أَسْتَمَعْ
فَسَعَى مَسْعَاتُهُمْ فِي قَوْمِهِ ... ثمَّ لم يَظْفَرْ ولاَ عَجْزاً وَدَعْ
زَرَعَ الدَّاءَ ولم يُدْرِكْ بهِ ... تِرَةً فَاتتْ ولاَ وَهْياً رَقَعْ
مُقْعِياً يَرْدِي صَفَاةً لم تُرَمْ ... في ذُرَى أَعْيَطَ وَعْرِ المُطَّلَعْ
مَعْقِلٌ يَأْمَنُ مَنْ كانَ بهِ ... غَلَبَتْ مَنْ قَبْلَهُ أَن تُقْتَلَعْ
غَلَبَتْ عاداً ومَنْ بَعْدَهُمُ ... فأَبَتْ بَعْدُ فَليْسَتْ تُتَّضَعْ
لا يَرَاها النَّاسُ إِلاَّ فَوْقَهُمْ ... فَهْيَ تأتي كيْفَ شاءَتْ وتَدَعْ
وهوَ يَرْمِيها ولَنْ يَبْلُغَهَا ... رِعَةَ الجاهلِ يَرْضَى ما صَنَعْ
كَمِهَتْ عَيْناهُ حتَّى ابْيَضَّتَا ... فهُوَ يَلْحَي نفسَهُ لمَّا نَزَعْ
إِذْ رَأَى أَنْ لم يَضِرْها جَهْدُهُ ... ورَأَى خَلْقاءَ ما فيها طَمَعْ
تَعْضِبُ القَرْنَ إِذَا نَاطَحهَا ... وإِذَا صابَ بها المِرْدَى انْجَزَعْ

وإِذَا ما رَامَها أَعْيَا بِهِ ... قِلَّةُ العُدَّةٍ قِدْماً والجَدَعْ
وعدوٍّ جاهِدٍ نَاضَلْتُهُ ... في تَرَاخِي الدَّهْر عنكم والجُمَعْ
فَتَسَاقَيْنَا بِمُرٍّ ناقِعٍ ... في مَقامٍ ليس يَثْنِيهِ الوَرَعْ
وارْتَميْنا والأَعادِى شُهَّدٌ ... بِنِبَالٍ ذَاتِ سُمٍّ قد نَقَعْ
بِنِبالٍ كُلُّها مَذْرُوبَةٌ ... لم يُطِقْ صَنْعَتَها إِلاَّ صَنَعْ
خَرَجَتْ عن بِغْضَةٍ بَيِّنَةٍ ... في شَبابِ الدَّهْرِ والدَّهْرُ جَذَعْ
وتَحَارَضْنَا وقالُوا: إِنَّما ... يَنْصُرُ الأَقْوامُ مَنْ كان ضَرَعْ
ثمَّ وَلَّى وهْو لا يَحْمِي اسْتَهُ ... طائِرُ الإِتْرَافِ عنْهُ قد وَقَعُ
ساجِدَ المَنْخِرِ لا يَرْفَعُهُ ... خاشِعَ الطَّرْفِ أَصَمَّ المُسْتَمَعْ
فَرَّ مِنِّي هارباً شَيْطانُهُ ... حيثُ لا يُعْطِي ولا شيئاً مَنَعْ
َفرَّ مِنِّي حِينَ لا يَنْفَعُهُ ... مُوقَرَ الظَّهْرِ ذَلِيلَ المُتَّضَعْ
ورَأَى مِنِّي مَقَاماً صادِقاً ... ثابِتَ المَوْطِنِ كَتَّامَ الوَجَعْ
ولِساناً صَيْرَفِيًّا صارِماً ... كحُسَامِ السَّيْف ما مَسَّ قَطَعْ
وأَتانِي صَاحِبٌ ذُو غَيِّثٍ ... زَفَيَانٌ عِنْدَ إِنْفاذِ القُرَعْ
قالَ: لَبَّيكَ، وما اسْتَصْرخْتُهُ ... حاقِراً لِلنَّاسِ قَوَّالَ القَذَعْ
ذُو عُبَابٍ زَبِدٍ آذِيُّهُ ... خَمِطُ التَّيَّارِ يَرْمي بِالقَلَعْ
زَغْرَبِيٌّ مُسْتَعِزٌّ بَحْرُهُ ... ليس لِلماهِرِ فيهِ مُطَّلَعْ
هَلْ سُوَيْدٌ غيرُ لَيْثٍ خَادِرٍ ... ثَئِدَتْ أَرْضٌ عليهِ فَانْتَجَعْ

قال
الأخنس بن شهاب التغلبي
لأِبْنَة حِطَّانَ بِنْ عَوْفٍ مَنَازِلٌ ... كما رَقَّشَ العُنْوَانَ في الرَّقِّ كاتِبُ
ظَلَلْتُ بها أُعْرَى وأُشْعِرُ سُخْنَةً ... كما اعتادَ محموماً بِخَيْبَرَ صالِبُ
تَظلُّ بها رُبْدُ النَّعَامِ كأَنَّها ... إِماءٌ تُزجَّى بالعَشِيِّ حَوَاطِبُ
خَلِيلاَيَ هَوْجاءُ النَّجَاءِ شِمِلَّةٌ ... وذُو شُطَبٍ لا يَجْتَويهِ المُصَاحِبُ
وقد عِشْتُ دَهْراً والغُوَاةُ صَحَابَتِي ... أُولئكَ خُلْصَانِي الَّذِين أُصاحِبُ
رَفيقاً لِمَنْ أَعْيَا وقُلِّدَ حَبْلُهُ ... وحاذَرَ جَرَّاهُ الصَّدِيقُ الأَقارِبُ
فأَدَّيْتُ عَنِّي ما اسْتَعَرْتُ من الصِّبَي ... ولِلمالِ عندِي اليومَ رَاعٍ وكاسِبُ
لِكلِّ أُناسٍ من مَعَدٍّ عِمارَةٌ ... عَرُوضُ إِليها يَلْجَؤُونَ وجانِبُ
لُكَيْزٌ لها البَحْرَانِ والسِّيفُ كُلُّهُ ... وإِنْ يأتِهَا بأسٌ منَ الهنْدِ كارِبُ
تَطَايَرٌ عن أَعْجازِ حُوشٍ كأَنَّها ... جَهَامٌ أَرَاقَ ماءَهُ فهو آئبُ
وبَكْرٌ لها ظَهْرُ العِرَاقِ وإِنْ تَشَأَ ... يَحُلْ دُونَها منَ اليمامَةِ حاجبُ
وصارتْ تَمِيمٌ بينَ قُفٍّ ورَمْلَة ... لها مِنْ حِبال مُنْتَأًى ومذَاهِبُ
وكَلْبٌ لها خَبْتٌ فَرَمْلَةُ عَالِجٍ ... إِلى الْحَرَّةِ الرَّجْلاَءِ حَيثُ تُحارِبُ
وغَسَّانُ حَيٌّ عِزُّهُمْ في سِوَاهُمُ ... يُجَالِدُ عَنْهمْ مِقْنَبٌ وكتَائِبٌ
وبَهْرَاءُ حَيٌّ قد عَلِمْنا مكانَهمْ ... لهم شَرَكٌ حَوْلَ الرُّصَافَةِ لاَحِبُ
وغارتْ إِيَادٌ في السَّوَادِ ودُونَها ... بَرَازِيقُ عُجْمٌ تَبْتَغِي مَنْ تُضَارِبُ

ولَخْمٌ مُلُوكُ النَّاسِ يُجْبَى إِلَيْهُمُ ... إِذَا قالَ منهم قائِلٌ فَهْوَ واجِبُ
ونحن أُناسٌ لا حِجَازَ بأَرْضِنا ... مع الغَيْثِ ما نُلْقَى ومَنْ هو غالِبُ
تَرَى رَائِدَاتِ الخيلِ حَوْلَ بُيُوتِناكَمِعْزَى الحِجَازِ أَعْجَزَتْها الزَّرَائِبُ
فيُغْبَقْنَ أَحْلاَباً ويُصْبَحْنَ مِثلَها ... فَهُنَّ منَ التَّعْدَاءِ قُبٌّ شَوَازِبُ
فوَارسُها مِنْ تَغْلِبَ ابْنةِ وائلٍ ... حُماةٌ كُمَاةٌ ليسَ فيها أَشَائِبُ
هُمُ يَضربونَ الكَبْشَ يَبْرُقُ بَيْضُهُ ... على وجهِهِ منَ الدِّماءِ سَبَائِبُ
بِجَأْوَاءَ يَنْفِي وِرْدُها سَرَعانَهَا ... كأَنَّ وَضِيحَ البَيْضِ فيها الكَوَاكِبُ
وإِنْ قَصُرَتْ أَسيافُنا كانَ وَصْلُها ... خُطَانَا إِلى القَوْم الَّذِين نُضارِبُ
فلِلَّه قَوْمٌ مِثْلُ قَوْمِيَ سُوقَهً ... إِذَا اجتَمَعتْ عند الملوكِ العَصائِبُ
أَرَى كلَّ قومٍ يَنظرون إِليهِمُ ... وتقْصُرُ عمّا يَفْعَلُونَ الذَّوائبُ
أَرَى كلَّ قومٍ قاربُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ... ونحنُ خَلَعْنا قَيْدَهُ فَهْوَ سَارِبُ

قال
جابر بن حنى التغلبي
أَلاَ يَا لَقَوْمِي لِلْجَدِيدِ المُصَرَّمِولِلحِلْمِ، بعدَ الزَّلَّةِ، المُتَوَهَّمِ
ولِلمَرْءِ يَعْتَادُ الصَّبابةَ بعدَ ما ... أَتَى دُونَها ما فَرْطُ حَوْلٍ مُجَرَّمِ
فَيَا دارَ سلْمَى بالصَّرِيمةِ فالِلّوَى ... إِلى مَدْفَعِ القِيقَاء فالمُتَثَلِّمِ
ظَلِلْتُ على عِرْفانِهَا ضَيْفَ قَفْرَةٍ ... لأَِقْضيَ منها حاجة المُتَلَوِّمِ
أَقامَتْ بها بالصَّيْفِ ثمّ تَذَكَّرَتْ ... مَصائِرها بَيْنَ الجِوَاءِ فَعَيْهَمِ
تُعَوِّجُ رَهْباً في الزِّمامَ وتَنثَنِي ... إِلى مُهْذِباتٍ في وَشِيجٍ مُقَوَّمِ
أَنافَتْ وزَافَتْ في الزِّمامِ كأَنَّها ... إِلى غَرْضِها أَجْلاَدُ هِرٍّ مُؤَوَّمُ
إِذَا زَال رَعْنٌ عن يَدَيْها ونَحْرِها ... بَدَا رَأْسُ رَعْنٍ وارِدٍ مُتَقَدَّمِ
وصَدَّتْ عن الماءِ الرَّوَاءِ، لِجَوْفِها ... دوِيٌّ كَدٌفِّ القَيْنةِ المُتَهزِّمِ
تَصَعَّدُ في بَطْحَاءِ عِرْقٍ كأَنَّما ... تَرَقَّى إِلى أَعْلَى أَرِيكٍ بِسُلَّمِ
لِتَغْلِبَ أَبْكِي إِذْ أَثَارتْ رِماحُها ... غَوائلَ شَرٍّ بينَها مُتثلِّم
وكانوا هُمُ البَانِين قَبلَ اختلافِهمْ ... ومَنْ لاَ يَشِدْ بُنيانَهُ يَتَهَدَّمِ
بِحَيٍّ كَكَوْثَلِّ السَّفينةِ، أَمْرُهُمْ ... إِلى سَلَفٍ عادٍ إِذَا احْتَلّ مُرْزِمِ
إِذَا نَزَلوا الثَّغْرَ المَخُوفَ تَوَاضَعتْ ... مخَاِرمُهُ واحْتَلَّهُ ذُو المُقَدَّمِ
أَنِفْتُ لهم مِن عقْلِ قَيْسٍ ومَرثَدٍ ... إِذَا وَرَدُوا ماءً، ورُمْحِ بنِ هَرْثَمِ
ويَوماً لَدَى الحَشَّارِ مَنْ يَلْوِ حَقَّهُ ... يُبَزْبَزْ ويُنْزَعْ ثَوْبُهُ ويُلَطَّمِ
وفي كلِّ أَسْوَاقِ العِرَاقِ إِتاوَةٌ ... وفي كلِّ ما بَاعَ امْرُؤُ مَكْسُ دِرْهَمَ
وقَيْظُ العراقِ مِنْ أَفَاعٍ وغُدَّةٍ ... ورِعْيٍ إِذَا ما أَكْلَؤُوا مُتَوخَّمِ
أَلاَ تَسْتَحِي مِنَّا مُلوكٌ وتَتَّقِي ... مَحارِمَنَا لا يَبْوُؤُ الدَّمُ بالدَّمِ
نُعاطِي المُلوكَ السِّلْمَ ما قَصدُوا بِنَا ... وليسَ علينا قَتْلُهُمْ بمُحَرَّمِ
وكائِنْ أَزَرْنا الموْتَ مِن ذِي تَحِيَّةٍ ... إِذَا ما ازْدَرَانَا أَو أَسَفَّ لِمأْثَمِ
وقد زَعَمَتْ بَهْرَاءُ أَنَّ رِماحَنَا ... رِماحُ نَصَارى لاتَخُوضُ إِلى الدَّمِ

فيَوْمِ الكُلاَبِ قد أَزالَتْ رِماحُنا ... شُرَحْبِيلَ إِذْ آلى أَلِيَّةَ مُقْسِمِ
لَيَنْتَزِعَنْ أَرْماحَنَا، فأَزَالهُ ... أَبُو حَنَشٍ عن ظَهْرِ شَقَّاءَ صِلْدِمِ
تَناوَلَهُ بالرُّمْحِ ثُمَّ اتَّنَى لهُ ... فَخَرَّ صَرِيعاً لِلْيَدَيْنِ ولِلْفَمِ
وكان مُعادِينَا تَهِرُّ كِلاَبُهُ ... مَخافةَ جَيْشٍ ذِي زُهاءٍ عَرمْرَمِ
وعَمْرَو بنَ هَمَّامٍ صَقَعْنَا جَبِينَهُ ... بِشَنْعاءَ تَشْفِي صَوْرَةَ المُتَظَلِّمِ
يَرَى النَّاسُ مِنَّا جِلدَ أَسْوَدَ سَالِخٍوفَرْوَةَ ضِرْغَامٍ منَ الأُسْدِ ضَيْغَمِ

قال
ربيعة بن مقروم
بانَتْ سعادُ فأَمْسَى القَلبُ مَعْمُودَا ... وأَخْلَفَتْكَ ابنَةُ الحُرِّ المَوَاعِيدَا
كأَنَّها ظَبْيَةٌ بِكْرٌ أَطَاعَ لها ... مِن حَوْمَلٍ تَلَعَاتُ الجَوِّ أَوْ أُودَا
قامَتْ تُرِيكَ غَدَاة البَيْنِ مُنْسَدِلاً ... تَخالُهُ فَوْقَ مَتْنَيْها العَناقِيدَا
وبارِداً طَيِّباً عَذْباً مُقَبَّلُهُ ... مُخيَّفاً نَبْتُهُ بالظِّلمِ مَشْهُودَا
وجَسْرَةٍ حَرَجٍ تَدْمَى مَنَاسِمُها ... أَعْمَلْتُها بِيَ حتَّى تَقْطَعَ البِيدَا
كَلَّفْتُها، فَرَأَتْ حقًّا تَكَلُّفَهُ ... وَدِيقَةٍ كأَجِيجِ النَّارِ صَيْخُودَا
في مَهْمهٍ قُذَفٍ يُخْشَى الهلاَكُ بهِ ... أَصْدَاؤُهُ، ما تَنِي بالليلِ تَغْرِيدَا
لمّا تَشَكَّتْ إِليَّ الأَيْنَ قُلتُ لها ... لا تَسْتَرِيحِينَ ما لم أَلْقَ مَسْعُودَا
ما لم أُلاقِ امْرَأً جَزْلاً مَواهِبُهُ ... سَهْلَ الفِنَاءِ رَحِيبَ الباعِ محمُودَا
وقد سَمِعْتُ بقومٍ يُحْمَدُونَ فلمْ ... أَسمعْ بمثلِكَ لاَ حِلْماً ولا جُودَا
ولا عَفَافاً ولا صَبْراً لِنائِبةٍ ... وما أُنَبِّيءُ عنكَ الباطِلَ السِّيدَا
لا حِلْمُكَ الْحِلْمُ مَوْجُودٌ عليهِ، وَلا ... يُلْفَى عَطَاؤُكَ في الأَقوام مَنْكُودَا
وقد سَبَقْتَ بِغاياتِ الجِيادِ وقد ... أَشْبَهْتَ آباءَكَ الصِّيدَ الصَّنادِيدَا
هذا ثَنَائي بما أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنٍ ... لازِلْتَ عَوْضُ قَرِيرِ العَيْنِ مَحْسُودَا
قال
الأسود بن يعفر النهشلي
نامَ الخَلِيُّ وما أُحِسُّ رُقادِى ... والهَمُّ مُحتَضِرٌ لَدَيَّ وِسَادِي
مِنْ غَيْرِ ما سَقَمٍ ولكنْ شَفَّنِي ... هَمٌّ أَرَاهُ قد أصابَ فُؤَادِي
ومنَ الحَوادِثِ، لا أَبا لكِ، أَنَّني ... ضُرِبَتْ عليَّ الأَرضُ بالأَسْدَادِ
لا أَهْتَدِى فيها لِمَوْضِعِ تَلْعَةٍ ... بينَ العِرَاقِ وبين أَرْضِ مُرَادِ
ولقد علمِتُ سِوَى الذِي نَبَّأْتِني ... أَنَّ السَّبِيلَ سبيلُ ذِي الأَعْوَادِ
إِنَّ المَنِيَّةَ والحُتُوفَ كِلاَهُما ... يُوفِي المخَارِمَ يَرْقُبانِ سوَاَدِي
لن يَرْضَيَا مِنِّي وَفَاءَ رَهِينَةٍ ... مِن دُونِ نَفْسِي، طَارِفي وتلادِي
ماذَا أُؤَمِّلُ بَعْدَ آلٍ مُحرِّقٍ ... تَركُوا منَازِلَهُمْ وبعدَ إِيَادِ
أَهْلِ الخَوَرْنَقِ والسَّدِيرِ وبارِقٍ ... والقَصْرِ ذِي الشُّرَفَاتِ من سِنْدَادِ
أَرضاً تَخَيَّرَها لِدَارِ أَبيهُمِ ... كَعْبُ بنُ مَامَةَ وابنُ أُمِّ دُؤَادِ
جَرَتِ الرِّياحُ على مكانِ دِيارِهِمُ ... فكأَنَّما كانوا عَلَى مِيعَادِ
ولقد غَنُوا فيها بِأَنْعَمِ عِيشَةٍ ... في ظِلِّ مُلْكٍ ثابتِ الأَوتادِ
نزَلُوا بِأَنْقُرَةٍ يَسِيلُ عليهمُ ... ماءُ الفُرَاتِ يَجيءُ مِنْ أَطْوَادِ

أَينَ الذينَ بَنَوْا فطالَ بِنَاؤُهمْ ... وتَمتَّعُوا بالأَهلِ والأَولادِ
فإِذَا النَّعيمُ وكلُّ ما يُلْهَى به ... يوماً يَصيرُ إِلى بِلىً ونَفَادِ
في آلِ غَرْفٍ لو بَغَيْتِ لِيَ الأُسَى ... لَوَجَدْتِ فِيهم إِسْوَةَ العُدَّادِ
ما بَعْدَ زَيْدٍ في فَتَاةٍ فُرِّقُوا ... قتْلاً ونَفْياً بعدَ حُسْنِ تآدِي
فَتَخَيَّرُوا الأَرضَ الفَضَاءَ لِعِزِّهِمْء ... ويَزِيدُ رَافِدُهُمْ على الرُّفَّادِ
إِمَّا تَرَيْنِي قَدْ بَلِيتُ وغَاضَنِي ... ما نِيلَ مِن بَصَرِى ومن أَجْلاَدِي
وعَصَيْتُ أَصحابَ الصَّبابَةِ والصِّبَا ... وأَطَعْتُ عَاذِلَتِي ولاَنَ قِيَادِي
فلقد أَرُوحُ على التِّجارِ مُرَجَّلا ... مَذِلاً بمَالِى لَيِّناً أَجْيَادِي
ولقدْ لَهَوْتُ ولِلشَّبابِ لَذَاذَةٌ ... بِسَلاَفَةٍ مُزِجَتْ بماءِ غَوادِي
مِنْ خَمْرِ ذِي نَطَفٍ أَغَنَّ مُنَطَّقٍ ... وَافَى بها لِدَرَاهِمِ الأَسْجَادِ
يَسْعَى بها ذُو تُومَتَيْنِ مُشَمِّرٌ ... قَنَأَتْ أَنَامِلُهُ منَ الفِرْصَادِ
والبِيضُ تَمْشِي كالبُدُورِ وكالدُّمَى ... ونَوَاعِمٌ يَمْشِينَ بالأَرْفَادِ
والبِيضُ يَرْمِينَ القُلُوبَ كأَنَّها ... أُدْحِيُّ بَيْنِ صَرِيمةٍ وجَمَادِ
يَنْطِقْنَ مَعرُوفاً وهُنَّ نوَاعِمٌ ... بِيضُ الوُجُوهِ رَقيقَةُ الأَكْبادِ
يَنْطِقْنَ مَخْفُوضَ الحَدِيثِ تَهَامُساً ... فَبَلَغْنَ ما حاوَلْنَ غَيْرَ تَنَادِي
ولقدْ غَدَوْتُ لِعَازبٍ مُتَناذَرِ ... أَحْوَى المذَانِبِ مُؤْنِق الرُّوَّادِ
جَادَتْ سَوَارِيَهُ وآزَرَ نَبْتَهُ ... نُفَأٌ من الصَّفْرَاءِ والزُّبَّادِ
بِالْجوِّ فالأَمَرَاتِ حَوْلَ مُغَامِرِ ... فَبِضَارِجٍ فَقَصِيمَةِ الطُّرَّادِ
بِمُشَمِّرٍ عَتِدٍ جَهِيزٍ شَدُّهُ ... قَيْدِ الأَوَابِدِ والرِّهانِ جَوَادِ
يَشْوِي لَنَا الوَحَدَ المُدِلَّ بِحُضْرِهِ ... بِشَريجِ بَيْنَ الشَّدَّ والإِيرَادِ
ولقَدْ تَلَوْتُ الظَّاعِنينَ بِجَسْرَةٍ ... أُجُدٍ مُهَاجِرَةِ السِّقَاب جَمَادِ
عَيْرَانةٍ سَدَّ الرَّبِيعُ خَصاصَهَا ... مَا يَسْتَبِينُ بِهَا مَقِيلُ قُرَادِ
فَإِذَا وذَلِكَ لا مهَاهَ لذِكْرِهِ ... والدَّهرُ يُعْقِبُ صَالِحاً بِفَسَادِ

قال
المرقش الأكبر
يَا صاحِبَّي تَلَوَّمَا لاَ تَعْجَلاَ ... إِنَّ الرَّحِيلَ رَهِينُ أَنْ لاَ تَعْذُلاَ
فَلَعَلَّ بُطْأَكُما يُفَرِّطُ سَيِّئاً ... أَوْ يَسْبِقُ الإِسْرَاعُ سَيْباً مُقْبِلا
يَا رَاكِباً إِمْا عَرَضْتَ فَبَلَّغَنْ ... أَنَسَ بْنَ سَعْدٍ إِنْ لَقِيتَ وحَرْمَلاَ
لِلهِ دَرُّكُمَا ودَرُّ أَبِيكُما ... إِنْ أَفْلَتَ الغُفَلِيُّ حتَّى يُقْتَلاَ
منْ مُبْلِغُ الأَقْوَامِ أَنَّ مُرَقِّشاً ... أَمْسَى على الأَصْحَابِ عِبْئاً مُثْقِلاً
ذَهَبَ السِّبَاعُ بِأَنْفِهِ فَتَرَكْنَهُ ... أَعْثَى عَلَيْهِ بِالجِبالِ وجَيْئَلاَ
وكَأَنَّما تَرِدُ السِّبَاعُ بِشِلْوِه، ... إِذْ غَابَ جَمْعُ بَني ضُبَيْعَةَ، مَنْهلاً
وقد كان مرقش وهو في ذلك الكهف قال:
سَرَى لَيْلاً خَيَالٌ مِنْ سُلَيْمى ... فَأَرَّقَنِي وأَصْحَابي هُجُودُ
فَبِتُّ أُدِيرُ أَمْرِي كلَّ حالٍ ... وأَرْقُبُ أَهْلَهَا وهُمُ بعيدُ
عَلَى أَنْ قَدْ سَمَا طَرْفِي لِنَارٍ ... يُشَبُّ لها بذِي الأَرْطَى وَقُودُ

حَوَالَيْهَا مَهاً جُمُّ التَّرَاقى ... وأَرْآمٌ وغِزْلاَنٌ رُقُودُ
نَوَاعِمُ لا تُعالِجُ بُؤْسَ عَيْشٍ ... أَوَانِسُ لا تُرَاحُ وَلا تَرُودُ
يَرُحْنَ مَعاً بِطَاءَ المَشْيِ بُدًّا ... عليهنَّ المَجَاسِدُ والبُرُودُ
سَكَنَّ ببلْدَهٍ وسَكَنُْ أُخْرَى ... وقُطِّعَتِ المَوَاثِقُ والعُهُودُ
فَما بَالِى أَفِي ويُخَانُ عَهْدِي ... وما بالِي أُصَادُ وَلا أَصِيدُ
ورُبَّ أَسِيلةِ الخَدَّيْنَ بِكْرٍ ... مُنَعَّمَةٍ لها فَرْعٌ وجِيدُ
وذُو أُشُرٍ شَتِيتُ النَّبْتِ عَذْبٌ ... نَقِيُّ اللَّوْنِ بَرَّاقٌ بَرُودُ
لَهوْتُ بها زَماناً مِن شَبابي ... وزَارَتْها النَّجائِبُ والقَصِيدُ
أُناسٌ كلَّما أَخْلَقْتُ وَصْلاً ... عَنَانِي منهُمُ وَصْلٌ جَدِيدُ

وقال مرقش أيضا
ً
أَمِنْ آلِ أَسماءَ الطُّلُولُ الدَّوارِسُ ... يُخَطِّطُ فيها الطَّيْرُ، قَفْرٌ بَسَابِسُ
ذَكَرْتُ بها أَسماءَ لَوْ أَنْ وَلْيَهَا ... قَرِيبٌ ولكنْ حَبَسَتْنِي الحَوابِسُ
ومَنْزِلِ ضَنْكٍ لا أُرِيدُ مَبِيتَهُ ... كأَنِّي بهِ مِن شِدَّةِ الرَّوْعِ آنِسُ
لِتُبْصِرَ عَيْنِي، إِنْ رَأَتْنِي، مَكَانَهَاوفي النَّفْسِ إِنْ خُلَّي الطَّرِيقُ الكَوَادِسُ
وَجِيفٌ وإِبْسَاسٌ ونَقْرٌ وهِزَّةً ... إِلى أَن تَكِلَّ العِيسُ والمْرءُ حَادِسُ
ودَوِّيَّةٍ غَبْرَاءَ قد طَالَ عَهْدُها ... تَهَالَكُ فيها الوِرْدُ والمَرْءُ ناعِسُ
قَطَعْتُ إِلى مَعْرُوفها مُنْكَرَاتِها ... بِعَيْهَامَةٍ تَنْسَلُّ واللَّيْلُ دَامِسُ
ترَكْتُ بها لَيْلاً طَوِيلاً ومَنْزِلاً ... ومُوقَدَ نارٍ لم تَرُمْهُ القَوَابِسُ
وتَسْمعُ تَزْقاءً منَ البُومِ حَولَنَا ... كما ضُربتْ بعدَ الهُدُوءِ النَّوَاقِسُ
فيُصْبِحُ مُلْقَى رَحْلِهَا حيثُ عَرَّستْ ... من الأَرضِ قد دَبَّتْ عليهِ الرَّوامِسُ
وتُصْبِحُ كالدَّوْدَاةِ ناطَ زِمامَهَا ... إِلى شُعَب فيها الجَوَارِي العَوَانِسُ
وقدْرٍ تَرَى شُمْطَ الرِّجالِ عِيَالَهَا ... لها قَيِّمٌ سَهْلُ الخَلِيقَة آنِسُ
ضَحُوكٌ إِذا ما الصَّحْبُ لم يَجْتَوُوا لَهُ ... ولا هو مِضْبَابٌ عَلَى الزادِ عَابِسُ
ولمَّا أَضَأْنا النَّارَ عِنْدَ شِوَائِنَا ... عَرَانا عليها أَطْلَسُ اللَّوْنِ بائِسُ
نَبَذْتُ إِليهِ حُزَّةً من شِوَائِنَا ... حَيَاءً، وَما فُحْشِي عَلَى مَنْ أُجالِسُ
فَآضَ بها جَذْلانَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ ... كما آبَ بالنَّهْبِ الكَمِيُّ المُحَالِسُ
وأَعْرَضَ أَعْلامٌ كأَنَّ رُؤُوسَها ... رُؤُوسُ جِبالٍ في خَلِيجٍ تَغَامَسُ
إِذَا عَلَمٌ خَلَّفْتُهُ يُهْتَدَى بهِ ... بدَا عَلَمٌ في الآلِ أَغْبَرُ طامِسُ
تَعالَلْتُهَا ولَيسَ طِبِّي بدَرِّها ... وكَيْفَ الْتماسُ الدَّرِّ والضَّرْعُ يابسُ
بأَسْمَر عارٍ صَدْرُهُ من جِلاَزهِ ... وسَائِرُهُ مِنَ العِلاَقَةِ نائِسُ
قال مرقش الأكبر أيضا
ً
لِمَنْ الظُّعْنُ بالضُّحَى طَافِيَاتٍ ... شِبْهُهَا الدَّوْمُ أَوْ خَلاَيَا سَفِين
جاعِلاَتٍ بَطْنَ الضِّبَاعِ شِمَالاً ... وبِرَاقَ النِّعَافِ ذَاتَ اليَمِينِ
رَافعاتٍ رَقْماً تُهَالُ لَهُ العَيْ ... نُ على كلِّ بازِلٍ مُسْتَكِينِ
أََوْ عَلاَةٍ قد دُرِّبَتْ دَرَجَ المِشْ ... يَةِ حَرْفٍ مِثْلِ المَهَاةِ ذَقُونِ
عامِدَاتٍ لِخَلِّ سَمْسَمَ ما يَنْ ... ظُرْنَ صَوْتاً لِحَاجةِ المَحْزُونِ

أَبْلِغَا المُنْذِرَ المُنقِّبَ عَنِّي ... غيرَ مُستَعْتِبٍ ولا مُستَعِينِ
لاَتَ هَنَّا ولَيْتَنِي طَرَفَ الزُّ ... جِّ وأَهْلِي بالشَّأْمِ ذَاتِ القرُونِ
بِاْمِرىءٍ ما فَعَلْتَ عَفٍّ يَؤُوسٍ ... صَدَقَتْهُ المُنَى لِعَوْضِ الْحِينِ
غيرَ مُسْتَسْلِمٍ إِذا اعْتَصَرَ العَا ... جِزُ بالسَّكْتِ في ظِلاَلِ الهُونِ
يُعْمِلُ البَازِلَ المُجِدَّةَ بِالرَّحْ ... لِ تَشَكَّى النِّجادَ بَعْدَ الحُزُونِ
بِفَتىً ناحِفٍ وأَمْرٍ أَحَذٍّ ... وحُسَامٍ كالمِلْحِ طَوْعِ اليَمينِ

وقال مرقش الأكبر أيضا
ً
هلْ تعْرِفُ الدَّارَ عَفَا رَسْمُها ... إِلاَّ الأَثافِيَّ ومَبْنَى الْخِيَمْ
أَعْرِفُها دَاراً لأَِسْمَاءَ فال ... دَّمْعُ عَلَى الخَدَّيْنِ سَحٌّ سَجَمْ
أَمْسَتْ خَلاَءً بعدَ سُكَّانِها ... مُقْفِرَةً ما إِنْ بها مِنْ إِرَمْ
إِلاَّ مِنَ العِينِ تَرَعَّى بها ... كالفارسيِّينَ مَشَوْا في الكُمَمْ
بَعْدَ جَمِيعٍ قد أَرَاهُمْ بها ... لهُمْ قِبَابٌ وعليهمْ نَعَمْ
فَهَلْ تُسَلِّي حُبَّها بازِلٌ ... ما إِنْ تُسَلَّى حُبَّها مِنْ أَمَمْ
عَرْفاءُ كالفَحْلِ جُمَالِيَّةٌ ... ذَاتُ هِبَابٍ لاَ تَشكَّى السَّأَمْ
لم تَقْرَإِ القَيْظَ جَنِيناً ولاَ ... أَصُرُّها تَحْمِل بَهْمَ الغَنَمْ
بَلْ عَزَبَتْ في الشَّوْلِ حَتَّى نَوَتْ ... وسُوِّغَتْ ذَا حُبُكٍ كالإِرَمْ
تَعْدُو إِذَا حُرِّكَ مِجْدَافِها ... عَدْوَ رَبَاعٍ مُفْرَدٍ كالزُّلَمْ
كأَنَّهُ نِصْعٌ يَمانٍ وَبِالْ ... أَكْرُعِ تَخْنِيفٌ كَلَوْنِ الحُمَمْ
باتَ بغَيْبٍ مُعْشِبٍ نَبتُهُ ... مُخْتَلِطٍ حُرْبُثُهُ باليَنَمْ
وقال مرقش الأكبر أيضا
ً
أَلاَ بانَ جِيرَانِي ولَسْتُ بِعَائِفِ ... أَدَانٍ بِهِمْ صَرْفُ النَّوَى أَمْ مُخَالِفي
وفي الْحَيِّ أَبْكارٌ سَبَيْنَ فُؤَادَهُ ... عُلالةَ ما زَوَّدْنَ، والْحُبُّ شَاعِفِي
دِقاقُ الْخُصُورِ لم تُعَفَّرْ قُرُونُها ... لِشَجْوٍ ولم يَحْضُرْنَ حُمَّى المَزَالِفِ
نَوَاعِمُ أَبْكارٌ سَرائِرُ بُدَّنٌ ... حِسانُ الوُجُوهِ لَيِّنَاتُ السَّوالِفِ
يُهَدِّلْنَ في الآذَانِ من كُلِّ مُذْهَبٍ ... لهُ رَبَذٌ يَعْيَا بهِ كُلُّ وَاصِفِ
إِذَا ظَعَنَ الْحَيُّ الجميعُ اجْتَنَبْتُهُم ... مكانَ النَّدِيمِ لِلنَّجِيِّ المُسَاعِفِ
فَصُرْنَ شَقِيَّا لاَ يُبالِينَ غَيَّهُ ... يُعَوِّجْنَ مِنْ أَعْناقِها بالمَوَاقِفِ
نَشَرْنَ حَدِيثاً آنِساً فَوَضَعْنَهُ ... خَفِيضاً فَلاَ يَلْغَى بهِ كلُّ طائِفِ
فلما تَبَنَّى الْحَيُّ جِئْنَ إِلَيْهِمُ ... فكانَ النُّزُولُ في حُجُور النَّوَاصِفِ
تَنَزَّلْنَ عن دَوْمٍ تَهِفُّ مُتُونُهُ ... مُزَيَّنَةٍ أَكْنافُها بالزَّخارِفِ
بِوَدِّكِ ما قَوْمِي عَلَى أَنْ هَجَرْتُهُمْإِذَا أَشْجَذَ الأَقْوامَ رِيحُ أُظَائِفِ
وكانَ الرِّفادُ كلَّ قِدْحٍ مُقَرَّمٍ ... وعادَ الجميعُ نُجْعةً لِلزَّعانِفِ
جَدِيرُونَ أَنْ لا يَحْبِسُوا مُجْتَدِيهمُلِلَحْمٍ وأَنْ لاَ يَدْرؤُوا قِدْحَ رَادِفِ
عِظَامُ الجِفَانِ بالعَشيَّاتِ والضُّحَى ... مَشَاييطُ لِلأَبْدَانِ، غَيْرُ التَّوَارِفِ
إِذَا يَسرُوا لم يُورِثِ اليَسْرُ بَيْنَهُمْ ... فَوَاحِشَ يُنْعَى ذِكْرُها بالمَصايِفِ
فهل تُبْلِغَنِّي دارَ قَوْمِيَ جَسْرَةٌ ... خَنُوفٌ عَلَنْدًى جَلْعَدٌ غَيْرُ شارِفِ

سَدِيسٌ علَتْها كَبْرَةٌ أَو بُوَيْزِلٌ ... جُمَالِيَّةٌ في مَشْيِها كالتَّقاذُفِ

وقال مرقش الأكبر أيضا
ً
ما قلتَ هَيَّجَ عيْنَهُ لِبُكائِها ... مَحْسُورَةً باتَتْ علَي إِغْفائِهَا
فكأَنَّ حَبَّةَ فُلْفُلٍ في عينهِ ... ما بَيْنَ مُصْبَحِها إِلى إِمْسائِهَا
سَفَهاً تَذَكُّرُهُ خُوَيلَةَ بَعْدَما ... حالَتْ قُرَى نَجْرَانَ دُونَ لِقائِهَا
واحْتَلَّ أَهْلِي بالكَثِيبِ، وأَهْلُها ... في دَارٍ كَلْبٍ أَرْضِها وسَمَائِهَا
يا خَوْلَ ما يُدْرِيكِ رُبَّتَ حُرَّةٍ ... خَوْدٍ كَرِيمةٍ حَيِّهَا ونسائهَا
قد بِتُّ مالِكَها وشارِبَ رَيَّةٍ ... قبلَ الصَّبَاحِ كَرِيمةٍ بِسِبَائِهَا
ومُغِيرَةٍ نَسْجَ الجَنُوبِ شَهِدْتُها ... تَمْضِي سَوَابِقُهَا عَلَي غُلَوَائِهَا
بمُحالةٍ تَقِصُ الذُّبابَ بِطَرْفِها ... خُلِقَتْ مَعَاقِمُها عَلَي مُطَوائِها
كَسَبِيبَةٍ السِّيَرَاءِ ذَاتِ عُلاَلَةٍ ... تَهْدِي الجِيادَ غَدَاةَ غِبٍّ لِقَائِهَا
هَلاَّ سأَلْتِ بنَا فَوَارِسَ وَائلٍ ... فَلَنَحْنُ أَسْرَعُها إِلى أَعْدَائِهَا
ولنحْنُ أَكْثرُها إِذَا عُدَّ الحَصَي ... ولَنا فَوَاضِلُها ومَجْدُ لِوَائِهَا
وقال مرقش الأكبر أيضا
ً
أَتَتْنِي لِسَانُ َبنِي عامِرٍ ... فَجلَّتْ أَحادِيثُهَا عنْ بَصَرْ
بأَنَّ بَنِي الوَخْمِ سَارُوا مَعاً ... بِجَيْشٍ كَضَوْءِ نُجُومِ السَّحَرْ
بِكُلِّ نَسُولِ السُّرَى نَهْدَةٍ ... وكُلِّ كُمَيْتٍ طُوَالٍ أَغَرّْ
فَما شَعَرَ الحَيُّ حَتَّى رَأَوْا ... بَياضَ القَوَانِسِ فَوقَ الغُرَرْ
فأَقْبَلْنَهُمْ ثمَّ أَدْبَرْنَهُمْ ... فأَصْدَرْنَهُمْ قَبْلَ حِينِ الصَّدَرْ
فَيا رُبَّ شِلْوٍ تَخَطْرَفْنَهُ ... كَرِيمٍ لَدَى مَزْحَفٍ أَو مَكَرّْ
وآخَرَ شَاصٍ تَرى جِلْدَهُ ... كَقِشْرِ القَتَادَةِ غِبَّ المَطَرْ
وكائِنْ بجُمْرَانَ مِنْ مُزْعَف ... ومِنْ رَجُل وَجْهُهُ قد عُفِرْ
وقال مرقش
هل يَرْجِعَنْ لِي لِمَّتي إِنْ خَضَبْتُهَا ... إِلى عَهْدِها قَبلَ المَشِيبِ خِضَابُهَا
رَأَتْ أُقْحُوَانَ الشَّيْبِ فَوْقَ خَطِيطَةٍإِذَا مُطِرَتْ لم يَسْتَكِنَّ صُؤَابُهَا
فإِن يُظْعِنِ الشَّيْبُ الشَّبابَ فَقَدْ تُرَى ... بهِ لِمَّتي لم يُرْمَ عنها غُرَابُهَا
وقال مرقش
هلْ بالدِّيارِ أَنْ تُجِيبَ صَمَمْ ... لو كانَ رَسْمٌ نَاطِقاً كلَّمْ
الدَّارٌ قَفْرٌ والرُّسُومُ كَمَا ... رَقَّشَ في ظَهْرِ الأّدِيمِ قَلَمْ
دِيارُ أَسْمَاءَ التي تَبَلَتْ ... قَلْبِي، فَعَيْنِي ماؤُها يَسْجُمْ
أَضْحَتْ خَلاَءً نَبْتُها ثَئِدٌ ... نوَّرَ فيهَا زَهْوُهُ فَاعْتَمّْ
بَلْ هَلْ شَجتْكَ الظُّعْنُ باكِرَةً ... كأَنَّهنَّ النَّخْلُ مِنْ مَلْهَمْ
النَّشْرُ: مِسْكٌ والوُجُوهُ دَنَا ... نِيرُ وأَطْرَافُ البَنَانِ عَنَمْ
لم يُشْجِ قَلْبِي مِلْحوَادِثِ إِلاَّ ... صَاحِبِي المَتْرُوكُ في تَغْلَمْ
ثَعْلَبُ ضَرّابُ القَوَانِسِ بال ... سَّيْفِ وهَادِي القَوْم إِذْ أَظْلَمْ
فاذْهَبْ فِدىً لَكَ ابْنُ عمِّكَ لاَ ... يَخْلُدُ إِلاَّ شَابَةٌ وأَدَمُ
لو كانَ حيٌّ ناجِياً لَنَجَا ... من يَوْمِهِ المُزَلَّمُ الأَعْصَمْ
في باذِخاتٍ مِنْ عَمَايَةَ أَوْ ... يَرْفَعُهُ دُونَ السَّماءِ خِيَمْ
مِنْ دُونهِ بَيْضُ الأَنُوقِ وقَوْ ... قَهُ طوِيلُ المَنكِبَيْنِ أَشَمْ

يرقاهُ حَيْثُ شاءَ مِنْهُ وإ ... مَّا تُنْسِهِ مَنِيَّةٌ يَهْرِمْ
فَغَالَهُ رَيُْ الحوَادِثِ حَ ... تَّى زَلَّ عن أَرْيادِهِ فَحُطِمْ
ليْسَ عَلَي طولِ الْحَيَاةِ نَدَمْ ... ومِنْ وَرَاءِ المَرْءِ ما يَعْلَمْ
يَهْلِكُ وَالِدٌ ويَخْلُفُ مَوْ ... لُودٌ وكُلُّ ذي أَبٍ يَيْتَمْ
والوَالِداتُ يَسْتَفِدْنَ غِنيٍ ... ثُمَّ عَلَي المِقْدارِ مَنْ يَعْقَمْ
ما ذَنْبُنا في أَنْ غَزَا مَلِكٌ ... من آلِ جَفْنَةَ حازِمٌ مُرْغِمْ
مُقَابَلٌ بَيْن العَوَاتِكِ وال ... غُلَّفِ لا نِكْسٌ وَلا تَوْءَمْ
حارَبَ واسْتَعْوَى قَرَاضِبَةً ... لَيْسَ لَهُمْ مِمَّا يُحازُ نَعَمْ
بِيضٌ مَصَالِيتٌ وُجُوهُهُمُ ... لَيْسَتْ مِيَاهُ بحَارِهِمْ بِعُمُمْ
فانْقَضَّ مثْلَ الصَّقْرِ يَقْدُمُهُ ... جَيْشٌ كَغُلاَّنِ الشُّرَيْفِ لِهَمْ
إِنْ يَغْضَبُوا يَغْضَبْ لِذَاكَ كما ... يَنْسَلُّ مِن خِرْشَائِهِ الأَرْقَمْ
فنحنُ أَخْوَالُكَ عَمْرَكَ والْ ... خَالُ لهُ مَعَاظِمٌ وحُرَمْ
لَسْنا كأَقْوَامٍ مَطاعِمُهُمْ ... كَسْبُ الخَنَا ونَهْكَةُ المُحْرَمْ
إِنْ يُخْصِبُوا يَعْيَوْا بخَصْبهُمْ ... أَو يُجْدِبُوا فهُمْ بهِ أَلأَمْ
عامَ تَرَى الطَّيْرَ دَوَاخِلَ في ... بيُوتِ قومٍ معَهُمْ تَرْنَمّْ
ويَخْرُجُ الدُّخَانُ من خَلَلِ ال ... سِّتْرِ كَلوْنِ الكَوْدَنِ الأَصْحَمْ
حَتَّي إِذَا ما الأَرضُ زَيَّنَها ال ... نَّبْتُ وجُنَّ رَوْضُها وأَكَمّْ
ذَاقُوا ندَامةً فلو أَكَلُوا ال ... خُطْبانَ لم يُوجَدْ لهُ عَلْقَمْ
لكِنَّنَا قومٌ أَهابَ بنَا ... في قَوْمِنَا عَفَافَةٌ وكَرَمْ
أَمْوَالُنا نَقِي النُّفُوسَ بها ... من كُلِّ ما يُدْنَي إِليهِ الذَّمّْ
لاَ يُبْعِدِ اللهُ التلَبُّبَ وال ... غَارَاتِ إِذْ قال الْخَمِيسُ نَعَمْ
والعَدْوَ بَيْنَ المَجْلِسَيْن إِذَا ... ولَّى العَشِيُّ وقَدْ تنادَى العَمّْ
يَأتِي الشَّبابُ الأَقْوَرِينَ ولاَ ... تَغْبِطْ أَخاكَ أَنْ يُقالَ حَكَمْ

وقال
مرقش الأصغر
أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ ماءُ عَيْنَيكَ يَسْفَحُ ... غَدَا من مُقامٍ أَهْلُهُ وتَرَوَّحُوا
تُزَجِّي بها خُنْسُ الظِّبَاءِ سِخَالَها ... جَآذِرُها بالجَوِّ وَرْدٌ وأَصْبَحُ
أَمِنْ بِنْتِ عَجْلاَنَ الخَيالُ المُطَرَّحُ ... أَلَمَّ ورَحْلي سَاقِطٌ مُتَزَحْزَحُ
فلمَّا انْتَبَهْتُ بالخَيالِ ورَاعني ... إِذَا هُوَ رَحْلي والبِلاَدُ تَوَضَّحُ
ولكِنَّهُ زَوْرٌ يُيَقِّظُ نائِماً ... ويُحْدِثُ أَشْجاناً بقَلبكَ تَجْرَحُ
بِكُلِّ مَبِيتٍ يَعْتَرِينا ومَنْزِلٍ ... فلوْ أَنَّها إِذْ تُدْلِجُ اللَّيْلَ تُصْبِحُ
فوَلَّتْ وقد بَثَّتْ تباريحَ ما تَرَى ... ووجْدِي بها إِذْ تَحْدُرُ الدَّمْعَ أَبْرَحُ
وما قَهْوَةٌ صَهبْاءُ كالمِسْكِ رِيحُها ... تُعَلَّي علي النَّاجُودِ طَوْراً وتُقْدَحُ
ثَوَتْ في سِباءِ الدَّنِّ عِشْرِين حِجَّةً ... يُطانُ عليها قَرْمَدٌ وتُرَوَّحُ
سَباها رِجالٌ من يَهُودَ تَباعَدُوا ... لِجِيلاَنَ يُدْنيها من السُّوقِ مُرْبِحُ
بِأَطْيَبَ مِنْ فيها إِذَا جئْتُ طارِقاً ... منَ اللَّيْلِ، بَلْ فُوها أَلَذُّ وأَنْصَحُ
غَدَوْنا بِصَافٍ كالعَسِيبِ مُجَلَّلٍ ... طويناهُ حِيناً فَهَْ شِزْبٌ مُلَوَّحُ

أَسِيلٌ نَبِيلٌ ليسَ فيهِ مَعابَةٌ ... كُمَيْتٌ كَلَوْنِ الصِّرْفِ أَرْجَلُ أَقْرَحُ
علي مِثْلهِ آتِي النَّدِيَّ مُخَايِلاً ... وأَغْمِزُ سِرًّا: أَيُّ أَمْرَيَّ أَرْبَحُ
ويَسْبِقُ مَطْرُوداً ويَلْحَقُ طارِداً ... ويَخْرُجُ من غَمِّ المَضِيقِ ويَجْرَحُ
تَرَاهُ بِشِكَّاتِ المُدَجِّجِ بَعْدَ ما ... تقَطَّعَ أَقْرَانُ المُغِيرَةِ يَجْمَعُ
شَهِدْتُ بهِ في غارَةٍ مُسْبَطرَّةٍ ... يُطاعِنُ أُولاَها فِئامٌ مُصَبَّحُ
كما انْتَفَجَتْ منَ الظِّباءِ جَدَايَةٌ ... أَشَمُّ، إِذا ذَكَّرْتَهُ الشَّدَّ أَفْيَحُ
يَجُمُّ جُمُومَ الحِسْيِ جاشَ مَضِيقُهُ ... وجَرَّدَهُ من تَحتُ غِيْلٌ وأَبْطَحُ

وقال مرقش الأصغر أيضا
ً
أَلاَ يَا أسْلَمِي لاَ صُرْمَ لي اليومَ فاطِمَا ... ولا أَبَداً مادَامَ وَصْلُكِ دَائِمَا
رمَتْكَ ابْنَةُ البَكْرِيِّ عَنْ فَرْعِ ضَالَةٍ ... وهُنَّ بِنا خُوصٌ يُخَلْنَ نَعائِمَا
تَرَاءَتْ لَنا يومَ الرَّحِيل بِوَارِدٍ ... وعَذْبِ الثَّنايا لم يَكُنْ مُتَرَاكِمَا
سَقاهُ حَبِيُّ المُزْنِ في مُتَهلِّلٍ ... منَ الشَّمسِ رَوَّاهُ رَباباً سَوَاجِمَا
أَرَتْكَ بِذَاتِ الضَّالِ منها مَعاصِمَا ... وخَدًّا أَسِيلاً كالوَذِيلَةِ ناعِما
صحَا قَلْبُهُ عنها عَلَى أَنَّ ذِكْرَةً ... إِذَا خَطَرَتْ دارتْ به الأَرضُ قائِمَا
تبَصَّرْ خَلِيلي هل تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ ... خَرَجْنَ سِرَاعاً واقْتَعَدْنَ المَفائِمَا
تَحَمَّلْنَ مِنْ جَوِّ الوَريعَةِ بَعْدَ ماتَعالَى النَّهارُ واجْتَزَعَنْ الصَّرَائِمَا
تَحَلَّيْنَ ياقُوتاً وشَذْراً وصِيغَةً ... وجَزْعاً ظَفارِيًّا ودُرًّا تَوَائِمَا
سَلَكْنَ القُرَى والجِزْعَ تُحْدَى جِمَالُهُمْووَرَّكْنَ قَوًّا واجْتَزَعْنَ المَخَارِمَا
أَلاَ حَبَّذَا وَجْهٌ تُرِينا بَياضَهُ ... ومُنْسَدِلاَتٍ كالمَثانِي فَوَاحِمَا
وإِنِّي لأَسْتَحيِي فُطَيْمةَ جائِعاً ... خَمِيصاً، وأَستحيِي فُطَيْمةَ طاعِمَا
وإِنِّي لأَسْتَحْيِيكِ والخَرُْ بَيْنَنا ... مخافةَ أَنْ تَلْقَيْ أَخاً لِيَ صارِمَا
وإِنِّي وإِنْ كَلَّتْ قَلُوصِي لَرَاجِمٌ ... بها وبَنَفْسِي، يا فُطَيْمَ، المَرَاجِمَا
أَفاطِمَ إِنَّ الحُبَّ يَعْفُو عن الْقِلَىويُجْشِمُ ذا العِرْضِ الكرِيمَ المَجَاشِمَا
أَلاَ يَا آسْلَمي ثمَّ اعْلَمي أَنَّ حاجَتِي ... إِليكِ، فَرُدِّي مِنْ نَوَالِكِ فاطِمَا
أَفاطِمَ لَوْ أَنَّ النِّسَاءَ بِبَلْدَةٍ ... وأَنْتِ بأُخْرَى لاَتَّبَعْتُكِ هائِمَا
متَى ما يَشَأْ ذُو الوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ ... ويَعْبَدْ عليهِ لاَ مَحَالَةَ ظالِمَا
وآلَى جَنابٌ حِلْفةً فأَطعْتَهُ ... فَنفْسكَ وَلِّ اللَّوْمَ إِنْ كُنْتَ لاَئِمَا
كأَنَّ عليه تاجَ آلِ مُحَرِّقٍ ... بِأَنْ ضَر مَوْلاَهُ وأَصْبَحَ سَالِمَا
فمن يَلْقَ خَيْراً يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُومن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لاَئِمَا
أَلَمْ تَرَ أَنَّ المَرْءَ يَجْذِمُ كفَّهُويَجْشَمُ مِنْ لَوْمِ الصَّدِيقِ المَجاشِمَا
أَمِنْ حُلُمٍ أَصْبَحْتَ تَنْكُتُ واجِمَا ... وقَد تَعتَرِي الأَحلامُ مَنْ كان نائِمَا
وقال الأصغر أيضاً:
لاِبْنَةِ عَجْلاَنَ بالجَوِّ رُسُومْ ... لم يَتَعَفَّيْنَ والعَهْدُ قَدِيمْ
لاِبْنَةِ عَجْلاَنَ إِذْ نَحْنُ معاً ... وأَيُّ حالٍ منَ الدَّهْرِ تَدُومْ
أَمِنْ دِيارٍ تَعَفَّى رَسْمُها ... عيْنُكَ مِنْ رَسْمِها بِسَجُومْ

أَضْحَتْ قِفاراً وقدْ كانَ بها ... فِي سَالِفِ الدَّهْر أَرْبابُ الهُجُومْ
بَادُوا وأَصْبَحْتُ مِنْ بَعدِهِمُ ... أَحْسَبُني خالِداً ولا أَرِيمْ
يَا ابْنَةَ عَجْلاَنَ ما أَصْبَرَنِي ... علي خُطُوبٍ كَنَحْتٍ بالقُدُومْ
كأَنَّ فيها عُقَاراً قَرْقَفاً ... نَشَّ مِنَ الدَّنِّ فالكأْسُ رَذُومْ
شَنَّ عليها بماءٍ باردٍ ... شَنٌّ مَنُوطٌ بأَخْرَابِ هَزِيمْ
في كلِّ مُمْسىً لَها مِقْطَرَةٌ ... فيها كِباءٌ مُعَدٌّ، وحَمِيمْ
لاَ تَصْطَلِي النَّارَ باللَّيْلِ ولاَ ... تُوقَظُ لِلزَّادِ، بَلْهاءُ نَؤُومْ
أَرَّقَنِي الليْلَ بَرْقٌ ناصِبٌ ... ولَمْ يُعِنِّي عَلَى ذاكَ حَمِيمْ
مَنْ لِخَيَالٍ تَسَدَّى مَوْهِناً ... أَشْعَرَنِي الهمَّ فَالقَلْبُ سقِيمْ
ولَيْلةٍ بِتُّها مُسْهِرَةٍ ... قد كَرَّرَتْها عَلَى عَيْنِي الهُمُومْ
لم أَغْتَمِضْ طُولَهَا حَتَّى انْقَضَتْ ... أَكلَؤُها بَعْدَ ما نامَ السَّلِيمْ
تَبْكِي على الدَّهْرِ، والدَّهْرُ الَّذِي ... أَبْكَاك، فالدَّمْعُ كالشَّنِّ الهَزيمْ
فَعَمْرَكَ اللهَ هَلْ تَدْرِي إِذَا ... ما لُمْتَ في حُبِّهَا فِيمَ تَلُومْ
تُؤْذِي صَدِيقاً وتُبْدِي ظِنَّةً ... تُحْرِزُ سَهماً وسَهماً ما تَشِيمْ
كم مِنْ أَخِي ثَرْوَةٍ رَأَيْتُهُ ... حَلَّ علَى مالِهِ دَهْرٌ غَشُومْ
ومن عزِيز الحِمَى ذِي مَنْعَةٍ ... أَضْحَى وقد أَثَّرتْ فيهِ الكُلومْ
بَيْنَا أَخُو نِعَْةٍ إِذْ ذَهَبتْ ... وحُوِّلَتْ شِقْوَةٌ إِلى نَعِيمْ
وبَيْنَا ظَاعِنٌ ذُو شُقَّةٍ ... إِذْ حَلَّ رَحْلاً وإِذْ خَفَّ المُقِيمْ
ولِلْفَتَى غَائِلٌ يَغُولُهُ ... يا ابْنَةَ عَجْلاَنَ مِنْ وَقْعِ الحُتُومْ

وقال المرقش:
أَبَأْتُ بِثَعْلَبَةَ بْنِ الخُشَا ... مِ عَمْروَ بْنَ عَوْفٍ فَزَاحَ الوهَلْ
دَماً بِدَمٍ وتُعَفَّى الكُلُومُ ... ولا يَنْفَعُ الأَوَّلِينَ المَهَلْ
وقال
الأصغر أيضاً:
آذَنَتْ جارَتِي بِوَشْكِ رَحِيلِ ... بَاكِراً جاهَرَتْ بخَطْبٍ جَلِيلِ
أَزْمَعَتْ بالفِرَاقِ لَمَّا رَأَتْني ... أُتْلِفُ المالَ لا يَذُمُّ دَخِيلِي
اِرْبعِي، إِنَّمَا يَرِيبُكِ مِنِّي ... إِرْثُ مجْدٍ وَجِدُّ لُبٍّ أَصِيلِ
عجباً ما عَجِبْتُ لِلْعَاقِدِ المَا ... لَ ورَيْبُ الزَّمانِ جَمُّ الخُبُولِ
وَيُضِيعُ الَّذِي يَصِيرُ إِليهِ ... مِنْ شَقَاءٍ أَوْ مُلْكِ خُلْدٍ بجِيلِ
أَجْمِلِ العيْشَ إِنَّ رِزْقَكَ آتٍ ... لا يَرُدُّ التَّرْقِيحُ شَرْوَى فَتِيلِ
وقال
محرز بن المكعبر الضبي
ولم يلحق يوم الكلاب
فِدىً لقوْمِيَ ما جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ ... إِذْ لَفَّتِ الحَرْبُ أَقْوَاماً بأَقَوامِ
إِذْ خُبِّرَتْ مَذْحِجٌ عَنَّا وقَدْ كُذِبَتْأَنْ لَنْ يُوَرِّعَ عنْ أَحْسابِنا حَامِ
دَارَتْ رَحانَا قَلِيلاً ثُمَّ صَبَّحَهُمْ ... ضَرْبٌ يُصيِّحُ مِنْهُ جِلَّةُ الهَامِ
ظَلَّتْ ضِبَاعُ مُجَيْرَاتٍ يَلُذْنَ بِهِمْ ... وأَلْحَموهُنَّ مِنْهُمْ أَيَّ إِلحامِ
سارُوا إِلينَا وهُمْ صِيدٌ رُؤُوسُهُمُ ... فقدْ جعلنَا لهُمْ يوماً كأَيَّامِ
حَتَّى حُذُنَّةُ لَمْ نَتْرُكْ بِها ضَبُعاً ... إِلاَّ لهَا جَزَرٌ من شِلْوِ مِقدَامِ
ظلَّتْ تَدُوسُ بَنِي كَعْبٍ بِكَلْكَلِها ... وهَمَّ يَوْمُ بَنِي نَهْدٍ بإِظْلاَمِ
وقال
ثعلبة بن عمرو
أَأَسْماءُ لم تسْئَلِي عن أَبِي ... كِ والقَوْمُ قَدْ كانَ فِيهمْ خُطُوبْ
إِنَّ عرِيباً وإِنْ سَاءَنِي ... أُحَبُّ حَبِيبٍ وأَدْنَى قَرِيبْ
سَأَجْعَلُ نَفْسِي لَهُ جُنَّةً ... بِشَاكِي السِّلاَحِ نَهِيكٍ أَرِيبْ
وأَهْلَكَ مُهْرَ أَبِيكِ الدَّوَا ... ءُ لَيْسَ لهُ مِنْ طَعَامٍ نَصِيبْ
خَلاَ أَنَّهُمْ كُلَّمَا أَوْرَدُوا ... يُضَيَّحُ قَعْباً علَيْهِ ذَنُوبْ
فَيُصْبِحُ حَاجِلَةٍ عَيْنُهُ ... لِحِنْوِ آسْتِهِ وصَلاَهُ غُيُوبْ
فَأَعْدَدْت عَجْلَى لِحُسْنِ الدِّوَا ... ءِ لَمْ يَتَلَمَّسْ حَشَاهَا طَبِيبْ
أَخِي وأَخُوكَ بِبَطْنِ النُّسَيْ ... رِ لَيْسَ بِهِ مِنْ مَعَدٍّ عَرِيبْ
فَأَقْسَمَ بِاللهِ لاَ يَأْتَلِي ... وأَقْسمْتُ إِنْ نِلْتُهُ لا يَؤُوبْ
فَأَقْبَلَ نَحْوِى علَى قُدْرَةٍ ... فَلَمَّا دَنَا صَدَقَتْهُ الكَذُوبْ
أَحَالَ بِهَا كَفَّهُ مُدْبِراً ... وهَلْ يُنْجِيَنَّكَ شَدٌّ وَعِيبْ
فَتَبَّعْتُهُ طَعْنَةً ثَرَّةً ... يَسِيلُ علَى الوَجْهِ مِنْها صَبِيبْ
فَإِنْ قَتَلَتْهُ فَلَمْ آلُهُ ... وإِنْ يَنْجُ مِنْهَا فَجُرْحٌ رَغِيبْ
وإِن يَلْقَنِي بَعْدَها يَلْقَني ... عليهِ مِنَ الذُّلِّ ثَوٌْ قَشِيبْ
قال
الحارث بن حلزة اليشكري
طَرَقَ الخَيَالُ ولا كَلَيْلَةِ مُدْلِجِ ... سَدِكاً بأَرْحُلِنا ولَمْ يَتَعَرَّجِ
أَنَّى اهْتَدَيْتِ وكُنْتِ غَيْرَ رَجِيلَةٍ ... إِلاَّ مُوَاشِكَةَ النَّجَا بِالهَوْدَجِ
ومُدامَة قَرَّعْتُها بِمُدَامَة ... وظِباءِ مَحْنيَةٍ ذَعَرْتُ بِسَمْحَجِ
فَكأَنَّهُنَّ لآَلِىءٌ وكأَنَّهُ ... صَقْرٌ يَلُوذُ حَمَامُهُ بِالعَوْسَجِ
صَقْرٌ يَصِيدُ بِظُفْرِهِ وجَناحِهِ ... فإِذَا أَصَاب حَمَامةً لَمْ تدْرُجِ
ولَئِنْ سَأَلْتِ إِذَا الكَتِيبَةُ أَجْحَمَتْ ... وتَبَيَّنَتْ رِعَةُ الجَبانِ الأَهْوَج
وحَسِبْتِ وَقْعَ سُيُوفِنا بِرُؤُوسِهِمْوَقْعَ السَّحَابِ عَلَي الطِّرَافِ المُشْرَجِ
وإِذَا اللِّقاحُ تَرَوَّحَتْ بِعشِيَّةٍ ... رَتْكَ النَّعامِ، إِلى كَنِيفِ العرْفَجِ
أَلْفيْتِنا لِلضَّيْفِ خَيْرَ عَمَارَةٍ ... إِنْ لَمْ يَكنْ لَبَنٌ فعَطْفُ المُدْمَجِ
وقال
عميرة بن جعل
كسَا اللهُ حيَّيْ تَغْلِبَ ابْنةِ وَائِلٍ ... مِنَ اللُّؤْمِ أَظْفاراً بَطِيئاً نُصُولُها
فَما بِهِمُ أَنْ لاَ يَكونُوا طَرُوقَةً ... هِجَاناً، ولكِنْ عَفَّرَتْها فُحُولُها
تَرَى الحَاصِنَ الغَرَّاءَ مِنْهُمْ لِشَارفٍ ... أَخِي سَلَّةٍ قَدْ كانَ مِنْهُ سَلِيلُها
قَلِيلاً تَبَغِّيها الفُحُولَةَ غَيْرَهُ ... إِذَا اسْتَسْعَلَتْ جِنَّانُ أَرْضٍ وغُولُها
إِذَا ارْتَحَلُوا مِنْ دَار ضَيْمٍ تَعاذَلُواعليْهِمْ، ورَدُّوا وَفْدَهُمْ يَسْتَقِيلُها
وقال عميرة أيضا
ً
أَلا يَا دِيَارَ الحَيِّ بِالبَرَدانِ ... خَلَتْ حِجَجٌ بَعْدِي لَهُنَّ ثَمانِ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْها غَيْرُ نُؤْيٍ مُهَدَّمٍ ... وغَيْرُ أَوَارٍ كالرَّكِيِّ دِفانِ
وغَيْرُ حَطُوباتِ الوَلاَئِدِ ذَعْذَعَتْ ... بِها الرِّيحُ والأَمْطارُ كلَّ مَكانِ
قِفارٌ مَرَوْراةٌ يَحارُ بِها القَطا ... يَظلُّ بِها السَّبْعانِ يَعْتَرِكانِ
يُثِيرَانِ مِنْ نَسْجِ التُّرَابِ عَليهِما ... قَمِيصَيْنِ أَسْماطاً ويَرْتَدِيانِ

وبالشَّرَفِ الأَعْلَى وُحُوشٌ كأَنَّها ... عَلَي جَانِبِ الأَرْجاءِ عُوذُ هِجانِ
فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي إِياساً وجَنْدَلاً ... أَخَا طارِقٍ، والقَوْلُ ذُو نَفَيانِ
فَلاَ تُوَعِدَانِي بالسِّلاَحِ فَإِنَّما ... جَمَعْتُ سِلاَحي رَهْبَةَ الحَدَثانِ
جَمَعْتُ رُدَيْنيًّا كأَنَّ سِنانَهُ ... سَنَا لَهَبٍ لَمْ يَسْتَعِنْ بِدُخَانِ
لَيالِيَ إِذْ أَنْتُمْ لِرَهْطِيَ أَعْبُدٌ ... بِرَمَّانَ لمَّا أَجْدَبَ الحَرَمَانِ
وإِذْ لَهُمُ ذَوْدٌ عِجافٌ وصِبْيَةٌ ... وإِذْ أَنْتُمُ لَيْسَت لَكُمْ غَنَمانِ
وجَدَّاكُما عَبْدَا عُمَيْرِ بْنِ عامرٍ ... وأُمَّاكُما مِنْ قَيْنَةٍ أَمَتانِ

قال
رجل من تغلب يلقب بأفنون
أَلاَ لَسْتُ في شَيْءٍ فَرُوحاً مُعاوِيَا ... ولاَ المُشْفِقاتُ إِذْ تَبِعْنَ الحَوازِيَا
فَلاَ خَيْرَ فِيما يَكْذِبُ المَرْءُ نَفْسَهُوتِقْوَالِهِ لِلشَّيْءِ: يَا لَيْتَ ذَا لِيَا
فَطَأْ مُعْرِضاً، إِنَّ الحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وإِنَّكَ لا تُبْقِي بِمالِكَ باقِيَا
لَعمْرُكَ ما يَدْرِي امْرُؤُ كيْفَ يَتَّقيإِذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللهُ وَاقِيَا
كَفَى حَزناً أَنْ يَرْحَلَ الحَيُّ غُدْوَةً ... وأُصْبحَ فِي أَعْلَي إِلاَهَةَ ثاوِيَا
وقال أفنون أيضا
ً
أَبْلِغْ حُبَيْباً وخَلِّلْ فِي سَرَاتِهِمُأَنَّ الفُؤَادَ انْطَوَى مِنْهُمْ عَلَي حَزَنِ
قَدُ كُنْتُ أَسْبِقُ مَنْ جَارَوْا عَلَى مَهَلٍمنْ وُلْدِ آدَمَ ما لَمْ يَخْلَعُوا رَسَنِي
فَالُوا عَلَي ولَمْ أَمْلِكْ فَيالَتَهُمْحَتَّى انْتَحَيْتُ عَلَي الأَرْسَاغِ والثُّنَنِ
لَوْ أَنَّنِي كنْتُ مِنْ عادٍ ومِنْ إِرْمٍ ... رُبِّيتُ فِيهِمْ ولُقْمانٍء ومِنْ جَدَن
لَمَا فَدَوْا بِأَخِيهِمْ مِنْ مُهَوِّلَةٍأَخا السَّكونِ ولاَ جَارُوا عَلَى السُّنَنِ
سَأَلْتُ قَوْمِي وَقَدْ سَدَّتْ أَبَاعِرُهُمْما بَيْنَ رُحْبَةَ ذاتِ العِيصِ والعَدَنِ
إِذْ قَرَّبُوا لاِبْنِ سَوَّارٍ أَبَاعِرَهُمْ ... لِلَّهِ دَرُّ عَطاءٍ كانَ ذَا غَبَنِ
أَنَّي جَزَوْا عَامراً سُوأَى بِفِعْلِهِمُأَمْ كيف يَجْزُونَني السُّوأَى مِنَ الحَسَنِ
أَم كَيفَ يَنْفعُ ما تُعْطِي العَلُوقُ بهِ ... رِئْمَانِ أَنْفٍ إِذَا ما ضُنَّ باللَّبَنِ
قال
متمم بن نويرة اليربوعي
لَعَمْرِي وما دَهْرِي بتأْبِينِ هَالِكٍ ... ولا جَزَعٍ مِمَّا أَصَابَ فأَوْجَعَا
لقد كَفَّنَ المِنْهَالُ تَحْتَ رِدَائهِ ... فَتيٍ غيرَ مِبْطَانِ العَشِيَّاتِ، أَرْوَعَا
ولا بَرَماً تُهْدِي النِّسَاءُ لعِرْسهِإِذَا القَشْعُ مِنْ حَسِّ الشِّتَاءِ تَقَعْقَعَا
لَبِيبٌ أَعَانَ اللُّبَّ منهُ سَمَاحَةٌ ... خَصِيبٌ إِذَا ما رَاكِبُ الجَدْبِ أَوْضَعا
تَرَاه كَصدْرِ السَّيْفِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَىإِذَا لم تَجِدْ عِندَ امْرِىِء السَّوْءِ مَطْمَعَا
ويوماً إِذَا ما كَظَّكَ الخَصْمُ إِنْ يَكُنْ ... نَصِيرَكُ منهم لا تَكُنْ أَنتَ أَضْيَعا
وإِنْ تَلْقَهُ في الشَّرْبِ لا تَلق فاحِشاً ... علي الكأْسِ ذَا قاذُورَةٍ مُتزَبِّعَا
وإِنْ ضَرَّسَ الغَزْوُ الرِّجالَ رأَيْتَهُأَخا الْحَرْبِ صَدْقاً في اللِّقاءِ سَمَيْدَعَا
وما كانَ وَقَّافاً إِذَا الخيلُ أَجْحَمَتْ ... ولا طَائِشاً عِنْدَ اللِّقاءَ مُدَفَّعَا
ولا بِكَهَامٍ بَزُّهُ عن عَدُوِّهِ ... إِذَا هُوَ لاقَي حاسراً أَو مُقَنَّعَا
فَعَيْنيَّ هلاَّ تَبْكِيانِ لِمَالِكٍ ... إِذَا أَذْرَتِ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعَا
وللشَّرْبِ فَابْكِي مالِكاً ولِبُهْمَةٍ ... شديدٍ نَوَاحِيهِ علي مَنْ تَشَجَّعا

وضَيْفٍ إِذَا أَرْغَي طُرُوقاً بَعِيرَهُ ... وعَانٍ ثَوَى في القِدِّ حَتَّى تَكَنَّعا
وأَرْمَلَةٍ تَمْشِي بأَشْعَثَ مُحْثَلٍ ... كفَرْخِ الحُبارَى رأسُهُ قد تَضَوَّعَا
إِذَا جَرَّدَ القَوْمُ القِداحَ وأُوقِدَتْ ... لَهُمْ نارُ أَيْسَارٍ كَفَي مَنْ تَضَجَّعا
وإِنْ شَهِدَ الأَيْسَارَ لم يُلْفَ مالكٌعلي الفَرْثِ يَحْمِي اللَّحْمَ أَنْ يَتَمزَّعَا
أَبَي الصَّبْرَ آياتٌ أَرَاها وأَنَّنِي ... أَرَى كُلَّ حَبْلٍ بَعْدَ حَبْلِكَ أَقْطَعَا
وأَنِّي متى ما أَدعُ باسْمِكَ لا تُجِبْ ... وكُنْتَ جدِيراً أَنْ تُجيبَ وَتُسْمِعَا
وعِشْنا بِخَيْرٍ في الحياةِ وقَبْلَنَا ... أَصَابَ المَنَايَا رَهطَ كِسْرَى وتُبَّعَا
فلمَّا تَفَرَّقْنَا كأَنِّي ومَالِكاً ... لِطُولِ اجْتِماعِ لم نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا
وكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فإِنْ تَكُنْ الأَيَّامُ فَرَّقْنَ بَيْنَنَا ... فقد بَانَ مَحْمُوداً أَخي حِينَ وَدَّعَا
أَقُولُ وقد طار السَّنَا في رَبَابِهِ ... وجَوْنٍ يَسُحُّ الماءَ حَتَّى َترَيَّعَا
سَقَي اللهُ أَرضاً حَلَّهَا قَبْرُ مالِكٍ ... ذِهَابَ الغَوَادِي المُدْجِناتِ فَأَمْرَعَا
وآثرَ سُيْلَ الوَادِيَيْنِ بِدِيمَةٍ ... تُرَشِّحُ وَسْمِيًّا منَ النَّبْتِ خِرْوَعا
فَمُجْتَمَعَ الأَسْدَامِ مِنْ حَوْلِ شَارِعٍفَرَوَّى جِبَالَ القَرْيَتَيْنِ فَضَلْفَعَا
فوَ اللهِ ما أُسْقِي البِلاَدَ لِحُبِّهَا ... ولكِنَّنِي أُسْقي الحَبِيبَ المُوَدَّعَا
تَحِيَّتَهُ مِنِّي وإِنْ كانَ نَائِياً ... وأَمْسَي تُرَاباً فَوْقَهُ الأَرْضُ بَلْقَعَا
تَقُولُ ابْنَةُ العَمْرِيِّ مالَك بَعْدَما أَرَاكَ حَدِيثاً نَاعِمَ البَالِ أَفْرَعَا
فَقُلْتُ لَها: طُولُ الأَسَي إِذْ سَأَلْتِنِيولَوْعَةٌ حُزْنٍ تَتْرُكُ الوَجْهَ أَسْفَعَا
وفَقْدُ بَنِي أُمٍّ تَدَاعَوْا فَلَمْ أَكُنْ ... خِلاَفَهُمُ أَنْ أَسْتَكِينَ وأَضْرَعَا
ولكِنَّنِي أَمْضِي عَلَي ذَاكَ مُقْدِماًإِذَا بَعْضُ مَنْ يَلْقَي الحُرُوبَ تَكَعْكَعَا
وغَيَّرَنِي ما غَالَ قَيْساً ومالِكاً ... وعَمْراً وجَزْءاً بالمُشَقَّرِ أَلْمَعَا
وما غَالَ نَدْمانِي يَزِيدَ، ولَيْتَنِي ... تَمَلَّيْتُهُ بالأَهْلِ والمَالِ أَجْمَعَا
وإِنِّي وإِنْ هازَلْتِنِي قَدْ أَصَابَنِيمِنَ البَثِّ ما يُبْكي الحَزينَ المُفَجَّعَا
ولسْتُ إِذا ما الدَّهْرُ أَحْدَثَ نَكْبَةً ... ورُزْءًا بِزَوَّارِ القَرَائبِ أَخْضَعَا
قَعِيدَكِ أَلاَّ تُسْمِعِيني مَلاَمَةً ... ولاَ تَنْكَئِي قَرْح الفُؤَادِ فَيِيجَعَا
فقَصْرَك إِنِّي قد شَهدْتُ فلَمْ أَجِدْ ... بكَفِّيَ عنهمْ لِلْمَنِيَّةِ مَدْفَعَا
فلاَ فَرِحاً إِنْ كنْتُ يوماً بِغِبْطَةٍ ... ولا جَزِعاً مِمَّا أَصابَ فأَوْجَعَا
فلو أَنَّ ما أَلْقي يُصِيبُ مُتالِعاً ... أَوِ الرُّكْنَ من سلْمَى إِذاً لَتَضَعْضَعَا
وما وَجْدُ أَظْآرٍ ثَلاثٍ رَوَائِمٍ ... أَصَبْنَ مجَراًّ مِن حُوَارٍ ومَصْرَعَا
يُذَكِّرْنَ: ذَا البَثِّ الحَزِينَ بِبَثِّهِ ... إِذا حَنَّتِ الأُولَى سَجَعْنَ لها مَعَا
إِذَا شارِفٌ مِنْهُنَّ قامَتْ فرَجَّعَتْحَنِيناً فأَبْكَي شَجْوُها البَرْكَ أَجْمَعَا
بِأَوْجَدَ مِنِّي يومَ قامَ بمَالِكٍ ... مُنادٍ بَصيرٌ بِالفِرَاقِ فأَسْمَعَا
أَلَمْ تَأْتِ أَخبارُ المُحِلِّ سَرَاتَكُمْ ... فَيغْضَبَ منكم كلُّ مَنْ كانَ مُوجَعَا
بِمَشْمَتِهِ إِذْ صادَفَ الحَتْفُ مَالِكاً ... ومَشْهَدِهِ ما قدْ رَأَى ثُمَّ ضَيَّعَا

أَآثَرْتَ هِدْماً بالِياً وسَوِيَّةٌ ... وجِئْتُ بِها تَعْدُو بَرِيداً مُقَزَّعَا
فَلاَ تَفْرَحَنْ يوماً بِنَفْسِكَ إِنَّنِي ... أَرَى الموتَ وَقَّاعاً علي مَنْ تَشَجَّعَا
لَعَلَّكَ يوماً أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ... عليكَ منَ اللاَّئي يَدَعْنَكَ أَجْدَعَا
نَعَيْتَ امْرَأً لو كانَ لَحْمُكَ عندَهُ ... لآَوَاهُ مَجْمُوعاً له أَو مُمَزَّعَا
فلاَ يَهْنِىءِ الوَاشِينَ مَقْتَلُ مالِكٍ ... فقد آبَ شانِيهِ إِياباً فَوَدَّعَا
قال متمم أيضاً:
أَرِقْتُ ونامَ الأَخْلِياءُ وهاجَنِي ... معَ اللَّيلِ هَمٌّ في الفُؤَاد وَجِيعُ
وهَيَّجَ لي حُزْناً تَذَكُّرُ مالِك ... فما نِمْتُ إِلاَّ والفُؤَادُ مَرُوعُ
إِذا عَبْرَةٌ وَرَّعْتُها بَعْدَ عَبْرة ... أَبَتْ واستَهَلَّتْ عَبْرَةٌ ودُمُوعُ
كما فاضَ غَرْبٌ بَيْنَ أَقْرُنِ قامَةٍ ... يُرَوِّي دِباراً ماؤُهُ وزُرُوعُ
جَدِيدُ الكُلَي وَاهِي الأَدِيمِ تُبِينُهُ ... عنِ العِبْرِ زَوْرَاءُ المَقامِ نَزُوعُ
لِذِكْرَى حَبِيبٍ بعد هَدْءٍ ذَكَرْتُهُ ... وقد حانَ مِن تالِي النُّجُومِ طُلُوعُ
إِذَا رَقَأَتْ عَيْنايَ ذَكَّرَنِي بِهِ ... حَمَامٌ تَنَادَى في الغُصُونِ وُقُوعُ
دَعَوْنَ هَدِيلاً فاحْتَزَنْتُ لِمَالِكٍ ... وفي الصَّدرِ من وَجْدٍ عليه صُدُوعُ
كأَنْ لم أُجالِسْهُ، ولم أُمْسِ لَيْلَةً ... أَراهُ، ولم يُصْبِحْ ونَحن جَمِيعُ
فَتيٍ لَمْ يَعِشْ يوماً بِذَمٍّ ولَمْ يَزَلْ ... حَوَالَيْهِ مِمَّنْ يَجْتَدِيهِ رُبُوعُ
لهُ تَبَعٌ قد يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ ... عَلَى مَن يُدَانِي صَيِّفٌ ورَبيعُ
ورَاحَتْ لِقاحُ الحَيِّ جُدْباً تَسُوقُها ... شَآمِيَةٌ تَزْوي الوُجُوهَ سَفُوعُ
وكانَ إِذَا ما الضَّيْفُ حَلَّ بِمالِكٍ ... تَضَمَّنَهُ جارٌ أَشَمُّ مَنِيعُ

قال
الأنباري
لَعَمْرِي لَنِعْمَ المَرْءُ يَطْرُقُ ضَيْفُهُ ... إِذا بانَ منْ لَيْلِ التِّمامِ هَزِيعُ
بَذُولٌ لِمَا في رَحْلهِ غيرُ زُمَّحٍ ... إِذا أَبْرَزَ الحُورَ الرَّوائِعَ جُوعُ
إِذَا الشَّمْسُ أَضْحَتْ في السَّماءِ كأَنَّها ... منَ المَحْلِ حُصٌّ قد عَلاهُ رُدُوعُ
وقالت
امرأة من بني حنيفة
أَلاَ هَلَكَ ابْنُ قُرَّانَ الحَمِيدُ ... أَخُو الجُلَّي أَبو عَمْرٍو يزِيدُ
أَلاَ هَلَكَ امْرُؤٌ هَلَكَتْ رِجالٌ ... فلم تُفْقَدْ، وكان لهُ الفُقُودُ
أَلاَ هَلَكَ امْرُؤُ حباسُ مالٍ ... علي العِلاَّتِ مِتْلافٌ مُفِيدُ
أَلاَ هَلَكَ امْرُؤٌ ظَلَّتْ علَيه ... بِشَطِّ عُنَيْزَةٍ بَقَرٌ هُجُودُ
سَمِعْنَ بِمَوْتِهِ فَظَلِلْنَ نَوْحاً ... قِياماً ما يُحِلُّ لَهُنَّ عُودُ
قال
بشر بن عمرو بن مرثد
قُلْ لاِبْنِ كُلْثُومٍ السَّاعِي بِذِمَّتهِأَبْشِرْ بحَرْبٍ تُغِصُّ الشَّيْخَ بالرِّيقِِ
وصاحِبَيْهِ فلاَ يَنْعَمْ صَباحُهُما ... إِذ فُرَّتِ الحربُ عن أَنيابِها الرُّوقِ
لا يَبْعَثُ العِيرَ إِلاَّ غِبَّ صَادِقَةٍ ... من المَعَالِي، وقومٌ بالمفَارِيقِِ
بلْ هلْ تَرَى ظُعُناً تُحْدَى مُقَفِّيَةً ... لَها تَوَال وحَادٍ غَيْرُ مسبوقِ
يأَخُذْنَ من مُعْظَمٍ فَجًّا بمُسْهِلَةٍ ... لِزهْوِهِ من أَعالِي البُسْرِ زُحْلُوقُ
حارَبْنَ فيها مَعَدًّا واعْتَصَمْنَ بها ... إِذْ أَصْبَحَ الدِّينُ دِيناً غيرَ موْثُوقِ
قال بشر أيضا
ً

أَبْلِغْ لَدَيْكَ أَبَا خُلَيْد وَائلاً ... أَنِّي رَأَيْتُ اليومَ شيئاًمُعْجِبَا
أَنَّ ابنَ جَعْدَةَ بالُبَوْيِن مُعَزِّبٌ ... وبَنُو خَفَاجةَ يَقْتَرُونَ الثَّعلَبَا
فَأَنِفْتُ مِما قد رأَيْتُ وساءَني ... وغَضِبْتُ لَوْ أَنِّي أَرَى لِيَ مَغْضَبَا
ولقدْ أَرَى حَيًّا هُنالِكَ غَيْرَهمْ ... مِمَّنْ يَحُلُّونَ الأَمِيلَ المُعْشِبَا
لاَ أَسْتكَينُ من المخافَةِ فيهمُ ... وإِذا هُمُ شَرِبُوا دُعِيتُ لأَشْرَبَا
وإِذَا هُمُ لَعِبُوا علي أَحْيانهمْ ... لم أَنْصَرِفْ لأَِبِيتَ حتَّى أَلْعَبَا
وتَبِيتُ دَاجِنَةٌ تُجاوِبُ مِثلَها ... خَوْداً مُنَعَّمَةً وتَضرِبُ مُعْتِبَا
في إِخْوَةٍ جَمَعُوا نَدىً وسَماحةً ... هُضْمٍ إِذا أَزْمُ الشِّتاءِ تَزَعَّبَا
وتَرَى جِيادَ ثِيابهِمْ مخْلُولَةً ... والمَشْرفيَّةَ قد كَسَوْها المُذْهبَا
عَمْرُ بنُ مَرْثَدٍ الكَريمُ فَعالُهُ ... وبَنُوهُ، كانَ هُوَ النَّجِيبُ فَأَنْجَبَا
وترَاهُمُ يَغْشَى الرَّفِيضُ جُلُودَهُمْ ... طَنِزِينَ يُسْقَوْنَ الرَّحيقَ الأَصْهبَا
غَلَبَتْ سماحتُهم وكثرةُ مالِهِمْ ... لَزَباتِ دَهْرِ السَّوْءِ حتَّى تَذْهَبَا
وتَرَى الَّذِي يَعْفُوهُمُ لِحِبائِهِمْ ... يُحْبَى ويرجو منهمُ أَن يَرْكَبا
أَدْماءَ مُفْكِهَةً وفَحلاً بَازِلاً ... أَو قارحاً مثلَ الهِرَاوَةِ سَرْحَبَا
أَو قارحاً مثلَ القَناةِ طِمِرَّةٌ ... شَوْهاءَ تَعْتَبِطُ المُدِلَّ الأَحْقَبَا

قال
عبد المسيح بن عسلة
يا كَعْبُ إِنَّكَ لو قَصَرْتَ عَلَي ... حُسْنِ النِّدام وقِلَّةِ الجُرْمِ
وسَماعِ مُدْجِنَةٍ تُعلِّلُنا ... حتَّى نَؤُوبَ تَناوُمَ العُجْمِ
لَصَحَوْتَ والنَّمَرِىُّ يَحْسِبُها ... عَمَّ السِّماكِ وخالَةَ النَّجْمِ
هَلْهِلْ لِكَعْبٍ بعدَ ما وَقَعَتْ ... فَوْقَ الجَبِينِ بِمِعْصَمٍ فَعْمِ
جَسَدٌ بِهِ نَضْحُ الدِّماءِ كما ... قَنَأَتْ أَنامِلُ قاطِفِ الكَرْمِ
والخمرُ لَيْسَتْ مِنْ أَخِيكَ ول ... كنْ قد تَخُونُ بآمِنِ الحِلْمِ
وتُبَيِّنُ الرَّأيَ السَّفِيهِ إِذَا ... جَعَلَتْ رِياحُ شَمُولها تَنْمِي
وأَنا امْرُؤُ من آلِ مُرَّةَ إِنْ ... أَكْلِمْكُمُ لا تُرْقِئُوا كَلْمِي
قال عبد المسيح بن عسلة أيضاً:
وعازِبٍ قد عَلاَ التَّهويلُ جَنْبَتَهُ ... لا تَنْفَعُ النَّعْلُ في رَقْرَاقِه الحافِي
صبَّحْتُهُ صاحِباً كالسِّيد مُعْتدِلاً ... كأَنَّ جُؤْجُؤَهُ مَدَاكُ أَصْدَافِ
باكَرْتُهُ قبلَ أَنْ تَلْغَي عَصافِرُهُ ... مُسْتَخفِياً صاحِبِي وغيرُهُ الخافِي
لا يَنْفَعُ الوحْشَ منهُ أَنْ تَحَذَّرَهُ ... كأَنَّهُ مُعْلَقٌ منها بِخُطَّافِ
إِذَا أُوَاضعُ منهُ مَرَّ مُنْتَحِياً ... مَرَّ الأَتِيِّ عَلَي بَرْدِيِّهِ الطَّافِي
قال
ثعلبة بن عمرو العبدي
لِمَنْ دِمَنٌ كأَنَّهُنَّ صحائِفُ ... قِفارٌ خَلاَ مِنها الكَثِيبُ فَواحِفُ
فَما أَحْدثَتْ فِيها العُهُودُ كأَنَّما ... تَلَعَّبَ بالسَّمَّانِ فِيها الزَّخارِفُ
أَكَبَّ عليها كاتبٌ بدوَاتِهِ ... يُقِيمُ يَدَيْهِ تارَةً ويُخالِفُ
رَجَا صُنْعَه ما كان يَصنعُ ساجِياً ... ويَرْفَعُ عَيْنَيْهِ عن الصُّنعِ طارِفُ
وشَوْهاءَ لم تُوشَمْ يَدَاها ولَم تُذَلْ ... فَقاظَتْ وفيها بالوَلِيدِ تَقاذُفُ

وتُعْطِيكَ قَبْلَ السَّوْطِ ملْءَ عِنانِها ... وإِحْضَارَ ظَبْىٍ أَخْطَأَتْهُ المَجادِفُ
بَلِلتُ بها يَوْمَ الصُّرَاخ، وبَعْضُهُمْ ... يَخُبُّ به في الحَيِّ أَوْرَقُ شَارِفُ
بِبَيْضَاءَ مِثْلِ النَّهْيِ رِيحَ ومَدَُّه ... شابِيبُ غَيْثٍ يَحْفِشُ الأُكْمَ صَائِفُ
ومُطَّرِدٍ يُرْضِيكَ عندَ ذَوَاقِهِ ... ويَمْضِي ولا يَنْآدُ فِيمَا يُصَادِفُ
وصَفرَاءُ من نَبْعٍ سِلاَحٌ أُعِدُّهَا ... وأَبيضُ قَصَّالُ الضَّرِيبةِ جائِفُ
عَتضادُ امْرِىءٍ في الحرب لا وَاهِنِ القُوَى ... ولا هو عمَّا يَقْدِرُ اللهُ صارِفُ
بِهِ أَشْهَدُ الحربَ العَوَانَ إِذا بَدَتْ ... نَوَاجِذُها واحْمَرَّ منها الطَّوائِفُ
قِتالَ امرىءٍ قد أَيْقَنَ الدَّهْرَ أَنه ... مِنَ الموتِ لا يَنْجُو ولا الموتُ جَانِفُ
ولو كُنْتُ في غُمْدَانَ يَحْرُسُ بَابَهُ ... أَرَاجِيلُ أُحْبُوشٍ وأَسْوَدُ آلِفُ
إِذاً لأَتَتْنِي، حَيْثُ كُنْتُ، مَنِيَّتِي ... يَخُبُّ بها هَادٍ لإِثْريَ قَائِفُ
أَمِنْ حَذَرٍ آتِي المَهَالِكَ سَادِراً ... وأَيَّةُ أَرْضٍ ليسَ فِيها مَتَالِفُ

قال
أبو قيس بن الأسلت الأنصاري
قالتْ، ولم تَقْصِدْ لِقِيلِ الخَنَا ... مَهْلاً فقَدْ أَبْلَغْتَ إِسْمَاعِي
أَنْكَرْتِهِ: حِينَ تَوَسَّمْتهِ ... والحَرْبُ غُولٌ ذَاتُ أَوْجاعِ
مَنْ يَذُقِ الحَرْبَ يَجِدْ طَعْمَهَا ... مُرًّا، وتَحْسِبْهُ بِجَعْجَاعِ
قد حَصَّتِ البَيْضَةُ رَأسِي فَمَا ... أَطْعَمُ غُمْضاً غَيْر تَهْجَاعِ
أَسْعَي علي جُلِّ بَنِي مَالِكٍ ... كلُّ امْرِىءٍ في شأْنِهِ ساعِ
أَعْدَدْتُ للأَعْداءِ مَوْضُونَةً ... فَضْفَاضَةً كالنَّهْيِ بالقَاعِ
أَحْفِزُها عَنيِّ بِذِي رَوْنَقٍ ... مُهَنَّدٍ كالمِلْحِ قَطَّاعِ
صَدْقٍ حُسامٍ وَادِقٍ حدُّهُ ... ومُجْنَاءٍ أَسْمَرَ قَرَّاعِ
بِزُّ آمْرِىءٍ مُسْتَبْسِلٍ حاذِرٍ ... لِلدَّهْرِ، جَلْدٍ غَيْرِ مِجْزَاعِ
الحَزْمُ والقُوَّةُ خيرٌ مِنَ ال ... إِدْهَانِ والفَكَّةِ والهَاعِ
لَيْسَ قَطاً مِثْلَ قُطَيٍّ وَلا الْ ... مَرْعيُّ في الأَقْوَام كالرَّاعي
لا نَأَلَمُ القَتْلَ ونَجْزِي بهِ الْ ... أَعْدَاءَ كَيْلَ الصَّاعِ بالصَّاعِ
نَذُودُهُمْ عَنَّا بِمُسْتَنَّةٍ ... ذَاتِ عَرَانِينَ ودُفَّاعِ
كأَنَّهُمْ أُسْدٌ لَدَى أَشْبُلٍ ... يَنْهِتْنَ في غِيلٍ وأَجْزَاعِ
حَتَّي َتجلَّتْ ولَنَا غايةٌ ... مِن بَيْنِ جَمْعٍ غَيْرِ جُمَّاعِ
هَلاَّ سأَلْتِ الخَيْلَ إِذْ قَلَّصَتْ ... ما كانَ إِبْطائي وإِسْرَاعِي
هَلْ أَبْذُلُ المالَ علي حُبِّهِ ... فِيهِمْ، وآتِي دَعْوَةَ الدَّاعِي
وأَضْرِبُ القَوْنَسَ يومَ الوَغي ... بالسَّيْفِ لم يَقْصُرْ بهِ بَاعِي
وأَقْطَعُ الخَرْقَ يُخَافُ الرَّدَى ... فِيِهِ، علي أَدْماءَ هِلْوَاعِ
ذَاتِ أَسَاهِيجَ جُمَاليَّةٍ ... حُشَّتْ بِحَارِيٍّ وأَقْطَاعِ
تُعْطِي علي الأَيْنِ وتَنْجُو مِنَ ال ... ضَّرْبِ أَمُونٍ غيرِ مِظْلاَعِ
كأَنَّ أَطْرَافَ وَلِيَّاتِهَا ... في شَمْأَلٍ حَصَّاءَ زَعْزَاعِ
أُزَيِّنُ الرَّحْلَ بِمَعْقُومَةٍ ... حارِيَّةٍ أَو ذَاتِ أَقْطَاعِ

أَقْضِي بِها الحاجاتِ، إِنَّ الفَتَي ... رَهْنٌ بِذِي لَوْنَيْنِ خَدَّاعِ

قال
المثقب العبدي
أَفَاطِمَ قَبْلَ بَيْنِكِ مَتِّعِينِي ... ومَنْعُكِ ما سَأَلْتُ كأَنْ تَبينِي
فَلاَ تَعِدِي مَوَاعِدَ كاذِباتٍ ... تَمُرُّ بِها رِياحُ الصَّيْفِ دُونِي
فَإِنِّي لو تُخالِفُنِي شِمالِي ... خِلاَفَكِ ما وَصَلْتُ بِها يَمِينِي
إِذاً لَقَطَعْتُها ولَقُلْتُ بِيني ... كذلِكَ أَجْتَوِى مَنْ يَجْتَوِينِي
لِمَنْ ظُعُنٌ تُطالِعُ مِنْ ضُبَيْبٍ فما خَرَجَتْ من الوادِي لِحِينِ
مرَرْنَ على شَرَافَ فَذَاتِ رَجْلٍ ... ونَكَّبْنَ الذَّرَانِحَ باليَمِينِ
وهُن كَذَاكَ حِينَ قَطَعْنَ فَلْجاً ... كأَنَّ حُمُولَهُن علي سَفِينِ
يُشَبَّهْنَ السَّفِينَ وهُنَّ بُخْتٌ ... عُرَاضَاتُ الأَباهِرِ والشُّؤُونِ
وهُنَّ علي الرَّجائِزِ وَاكِنَاتٌ ... قَوَاتِلُ كلِّ أَشْجَعَ مُسْتَكينِ
كَغِزْلاَنٍ خَذَلْنَ بِذَاتِ ضَالٍ ... تَنُوشُ الدَّانِياتِ من الغُصُون
ظَهَرْنَ بِكِلَّةٍ وسَدَلْنَ أُخْرَى ... وثَقَّبْنَ الوَصَاوِصَ لِلْعُيُونِ
وهُنَّ على الظِّلاَمِ مُطلَّباتٌ طَوِيلاَتِ الذَّوائِبِ والقُرُونِ
أَريْنَ مَحَاسِناً وكَنَنَّ أُخْرَى ... مِنَ الأَجيادِ والبَشَرِ المَصُونِ
ومنْ ذَهَبٍ يَلُوحُ على تَرِيبٍ ... كلَوْنِ العاجِ ليْسَ بِذِي غُضُونِ
إِذَا ما فُتْنَهُ يَوْماً بِرَهْنٍ ... يَعِزُّ عليهَِ لم يَرْجعْ بِحِينِ
بِتَلْهِيةٍ أَرِيشُ بِها سِهامِي ... تَبُذُّ المُرْشِقاتِ منَ القَطِينِ
عَلَوْنَ رُبَاوَةً وهَبَطْن غَيْباً ... فَلَمْ يَرْجِعْنَ قائِلَةً لِحِينِ
فَقُلْتُ لِبَعْضِهِنَّ، وشُدَّ رَحْلِي ... لِهَاجِرةٍ نَصَبْتُ لَهَا جَبينِي
لَعَلَّكِ إِنْ صَرَمْتِ الحَبْلَ مِنِّي ... كَذَاكِ أَكُونُ مُصْحِبَتِي قَرُونِي
فَسَلِّ الهمَّ عَنْكَ بِذَاتِ لَوْثٍ ... عُذَافِرَةٍ كَمِطْرَقَةِ القُيُونِ
بِصادِقَةِ الوَجِيفِ كأَنَّ هِرًّا ... يُبارِيهَا ويأْخُذُ بالوَضِينِ
كَسَاهَا تامِكاً قَرِداً عليها ... سَوَادِيُّ الرَّضِيحِ معَ اللَّجينِ
إِذَا قَلِقَتْ أَشُدُّ لَها سِنَافاً ... أَمَامَ الزَّوْرِ منْ قَلَقِ الوَضِينِ
كأَنَّ مَوَاقِعَ الثَّفِنَاتِ مِنها ... مُعَرَّسُ باكِرَاتِ الوِرْدِ جُونُ
يَجُذُّ تَنَفُّسُ الصُّعَدَاءِ مِنْها ... قُوَى النِّسْعِ المُحَرَّمِ ذِي المُتُونِ
تَصُكُّ الحَاِلبَيْنِ بِمُشْفَتِرُّ ... لَهُ صَوْتٌ أَبَحُّ منَ الرَّنِينِ
كأَنَّ نَفِيَّ ما تَنْفِي يَدَاهَا ... قِذَافُ غَرِيبَةٍ بِيَدَيْ مُعِينِ
تَسُدُّ بِدَائمِ الخَطَرَانِ جَثْلٍ ... خَوَايَةَ فَرْجِ مِقْلاَتٍ دَهِينِ
وتَسْمَعُ للذُّبابِ إِذَا تَغَنَّى ... كَتَغْرِيدِ الحَمَام على الوُكُونِ
فالْقَيْتُ الزِّمامَ لها فنامَتْ ... لِعَادَتِها منَ السَّدَفِ المُبِينِ
كأَنَّ مُناخَها مُلْقَى لِجَامٍ ... عَلَى مَعْزائِها وعَلَى الوَجِينِ
كأَنَّ الكُورَ والأَنْسَاعَ مِنها على قَرْوَاءَ ماهِرَةٍ دهِينِ
يَشُقُّ الماءَ جُؤْجُؤُها ويَعْلُو ... غَوَارِبَ كلِّ ذِي حَدَبٍ بَطِينِ
غَدَتْ قَوْدَاءَ مُنْشَقًّا نَسَاها ... تَجَاسَرُ بالنُّخَاعِ وبِالوَتِينِ
إِذَا ما قُمْتُ أَرْحَلُها بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهةَ الرَّجُلِ الْحزِينِ
تقُولُ إِذَا دَرَأتُ لها وَضِينِي ... أَهذا دِينُهُ أَبَداً ودِينِي

أَكُلَّ الدَّهرِ حَلٌّ وارْتِحالٌ ... أَمَا يُبْقِي عَليَّ وما يَقِينِي
فأَبْقَى باطِلي والجِدُّ مِنْها ... كدُكَّانِ الدَّرَابِنةِ المطِينِ
ثَنَيْتُ زِمامَها ووضَعْتُ رَحْلِي ... ونُمْرُقَةً رَفدْتُ بها يَمينِي
فرُحْتُ بها تُعارِضُ مُسْبَطِرًّا ... على صَحْصَاحِهِ وعلى المُتُونِ
إِلى عَمْرٍو ومِنْ عَمْرو أَتَتْنِي ... أَخي النَّجَدَاتِ والحِلْمِ الرَّصينِ
فإِمَّا أَنْ تَكونَ أَخِي بحَقٍّ ... فأَعْرِفَ مِنْكَ غَثِّي أَوْ سمِينِي
وإِلاَّ فاطَّرِحْنِي واتَّخِذْنِي ... عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وتَتَّقِينِي
وما أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَمْراً ... أُريدُ الخَيْرَ أَيُّهُما يَلِينِي
أَأَلخَيْرُ الَّذِي أَنا أَبْتَغِيهِ ... أَم الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي
قال المثقب أيضاً:
لاَ تَقُوَلنَّ إِذَا ما لم تُرِدْ ... أَن تُتِمَّ الوَعْدَ في شَيءٍ نَعَمْ
حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ مِنْ بَعْدِ لاَ ... وقَبيحٌ قوْلُ لاَ بَعدَ نَعَمْ
إِنَّ لاَ بَعْدَ نَعَمْ فاحِشَةٌ ... فَبِلا فابْدَأ إِذَا خِفْتَ النَّدَمْ
فإِذا قُلْتَ نَعَمْ فاصبرْ لَها ... بِنَجَاحِ القَولِ، إِنَّ الخُلْفَ ذَمّْ
وأعْلمَ أنَّ الذَّمَّ نَقْصٌ للفَتَى ... ومَتَى لاَ يَتَّقِ الذَّمَّ يُذَمّْ
أُكْرِم الجارَ وأَرْعَى حَقَّهُ ... إِنَّ عِرْفانَ الفَتَى الحقَّ كَرَمْ
أَنا بَيْتِي مِن مَعَدٍّ في الذُّرَى ... ولِيَ الهامَةُ والفَرْعُ الأَشَمّْ
لا تَرَانِي رَاتِعاً في مَجْلِسٍ ... في لُحُوم النَّاسِ كالسَّبْعِ الضَّرِمْ
إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَن يَكْشِرُ لِي ... حينَ يَلْقانِي وإِنْ غبْتُ شَتَمْ
وكَلاَمٍ سَيِّيءٍ قَدْ وُقِرَتْ ... أُذُنِي عَنهُ وما بِي مِنْ صَمَمْ
فَتَعَزَّيْتُ خَشاةً أَنْ يَرَى ... جاهِلٌ أَنِّي كما كانَ زَعَمْ
ولبَعْضُ الصَّفْحِ والإِعْرَاضِ عَنْ ... ذِي الخَنَا أَبْقَى وإِنْ كانَ ظَلَمْ
إِنَّمَا جادَ بِشَأْسٍ خالِدٌ ... بَعْدَ ما حاقَتْ به إِحدَى الظُّلَمْ
مِن مَنايا يَتَخَاسَيْنَ بهِ ... يَبْتَدِرْنَ الشَّخْصَ مِنْ لَحْمٍ ودَمْ
مُتْرَعُ الجَفْنَةِ رِبْعِيُّ النَّدَى ... حَسَنٌ مَجْلِسُهُ غيرُ لُطُمْ
يَجْعَلُ الهَنْءِ عطايَا جَمَّةً ... إِنَّ بَعْضَ المالِ في العِرْضِ أَمَمْ
لا يُبالِي طَيِّبَ النَّفْسِ بِهِ ... تَلَفَ المالِ إِذِ العِرْضُ سَلِمْ
أَجْعَلُ المالَ لِعِرْضي جُنَّةً ... إِنَّ خَيْرَ المالِ ما أَدَّى الذِّمَمْ

قال
يزيد بن الخذاق الشنى
أَعْدَدْتُ سَبْحَةَ بَعْدَ ما قَرَحَتْ ... ولبِسْتُ شِكَّةَ حازِمٍ جَلْدِ
لَنْ تَجْمَعُوا وُدِّي ومَعْتَبتِى ... أَوْ يُجْمَع السَّيْفانِ في غِمْدِ
نُعْمانُ إِنَّكَ خائِنٌ خَدِعٌ ... يُخْفِي ضَمِيرُكَ غيرَ ما تُبْدِي
فَإِذَا بَدَا لَكَ نَحْتُ أَثْلَتِنَا ... فَعَلَيكَها إِنْ كُنْتَ ذَا حَرْدٍ
يَأْبى لَنَا أَنَّا ذَووُ أَنَفٍ ... وأُصُولُنا من مَحْتِدِ المَجْدِ
إِنْ تَغْزُ بالخَرْقاءِ أُسْرَتَنَا ... تَلقَ الكتائِبَ دُونَنا تَرْدِي
أَحَسِبْتَنَا لحماً عَلَى وَضَمٍ ... أَمْ خِلْتَنَا في البأَسِ لا نُجْدِي
ومَكَرْتَ مُعْتَلِياً مَخَنَّتَنَا ... والمَكْرُ مِنْكَ عَلاَمَةُ العَمْدِ

وهَزَزْتَ سَيْفَكَ كيْ تُحارِبَنَا ... فانْظُرُ بِسَيْفكَ مَن بِهِ تُرْدِي
وأَرَدتَ خُطَّةَ حازِمٍ بَطَلٍ ... حيْرَانَ أَوبقَهُ الذي يُسْدِي
ولَقَدْ أَضَاءَ لَكَ الطَّرِيقُ وأَنْهجَتْ ... سُبُلُ المَسَالكِ والهُدَى يُعْدِي
وقال يزيد الخذاق أيضاً:
أَلاَ هَلْ أَتاهَا أَنَّ شِكَّةَ حازِمٍ ... لَدَيَّ، وأَني قد صَنَعْتُ الشَّموسا
ودَاوَيْتُها حتَّى شَتَتْ حَبَشِيَّةً ... كأَنَّ عليها سُنْدُساً وسَدُوسَا
قَصَرْنا عليها بالمَقِيظِ لِقَاحَنَا ... رَباعِيَةً وبازِلاً وسَدِيسَا
فآضَتْ كَتَيْسِ الرَّبْلِ تَنْزُو إِذَا نَزَتْ ... علَى رَبِذَاتٍ يَغْتَلِينَ خُنُوسا
نُعِدُّ لِيَوْمِ الرَّوْعِ زَعْفاً مُفَاضَةً ... دِلاَصاً وذَا غَرْبٍ أَحَذَّ ضَرْوسَا
نُجِيدُ عليها البَزَّ في كلِّ مَأْزِقٍ ... إِذَا شَهدَ الجَمْعُ الكَثِيفُ خَمِيسَا
تَحلَّلْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ من قولِ آثِمٍ ... على مالِنَا لَيُقْسَمَنَّ خُمُوسَا
إِذَا مَا قطَعْنا رَمْلَةً وعَدَابَهَا ... فإِنَّ لَنَا أَمْراً أَحَذَّ غَمُوسَا
أَقِيمُوا بَنِي النُّعْمانِ عنَّا صُدُورَكُم ... وإِلاَّ تُقِيمُوا كارِهِينَ الرُّوؤُسَا
أَكُلُّ لَئِيمٍ مِنْكُمُ ومُعَلْهَجٍ ... يَعُدُّ علينا غارَةً فَخُبُوسَا
أَلاَ ابْنَ المُعَلَّى خِلْتَنَا وحسِبْتَنَا ... صَرَارِيَّ نُعْطِي الماكِسِينَ مُكُوسَا
فإِنْ تَبْعَثُوا عيْناً تَمنَّى لِقَاءَنا ... تَجِدْ حَوْلَ أَبْياتِي الجَميعَ جُلُوسَا

قال
الممزق العبدي
هَلْ لِلْفَتَي مِنْ بَنَاتِ الدَّهْرِ من وَاقِأَمْ هَل لهُ من حِمَامِ الموتِ من رَاقِ
قد رَجَّلُونِيَ وَما رُجِّلْتُ من شَعَثٍ ... وأَلْبَسُونِي ثِيَاباً غَيْرَ أَخْلاَقِ
ورَفَعُونِي وقالوا: أَيُّمَا رَجُلٍ ... وأَدْرَجُونِي كأَنِّي طَيُّ مِخْرَاقِ
وأَرْسَلُوا فِتيةً من خَيْرِهمْ حَسَباً ... لِيُسْنِدُوا في ضريحِ التُّرْبِ أَطْبَاقِي
هَوَّنْ عَليكَ وَلا تَوْلَعْ بإِشْفَاقِ ... فإِنَّما مالُنا لِلْوَارِثٍ الباقي
كأَنَّني قد رَمانِي الدَّهْرُ عن عُرُضِ ... بِنَافِذَاتٍ بِلاَ رِيشٍ وأَفْوَاقِ
قال الممزق أيضاً:
صَحَا مِنْ تَصابِيهِ الفُؤَادُ المُشَوَّقُ ... وحانَ من الحَيِّ الجَميعِ تَفَرَّقُ
وأَصْبَحَ لا يَشْفِي لهُ مِنْ فُؤَادِهِ ... قِطَارُ السَّحابِ والرَّحِيقُ المُرَوَّقُ
فَمَنْ مُبْلِغُ النُّعْمانَ أَنَّ ابْنَ أُخْتِهِعَلَى العَيْنِ يَعْتَادُ الصَّفَا ويُمَرِّقُ
وأَنَّ لُكَيْزاً لمَ تَكُنْ رَبَّ عُكَّةٍ ... لَدُنْ صَرَّحَتْ حُجَّاجُهُمْ فَتفَرَّقُوا
قَضَى لِجَميعِ النَّاسِ إِذْ جاءَ أَمْرُهُمْبأَنْ يَجْنُبُوا أَفْرَاسَهُمْ ثُمَّ يَلْحَقُوا
يؤُمُّ بهِنَّ الحَزْمَ خِرْقٌ سَمَيْدعٌ ... أَحَذُّ كصَدْرِ الهُنْدُوَانِيِّ مِخْفَقُ
وقالَ جميعُ النَّاس: أَيْنَ مَصِيرُنا ... فأَضْمَرَ مِنْها خُبْثَ نَفْسٍ مُمَزَّقُ
فلمَّا أَتى مِنْ دُونِها الرِّمْثُ والغَضَا ... ولاَحَتْ لها نارُ الفَرِيقَيْنِ تَبْرُقُ
ووَجَّهَهَا غَرْبيَّةً عَنْ بلاَدِنَا ... ووَدَّ الَّذِينَ جَوْلَنَا لَوْ تُشَرِّقُ
قال
مرة بن همام بن مرة
بن ذهل بن شيبان
يا صَاحِبَيَّ ترَحَّلاَ وَتَقَرَّبَا ... فلقَدْ أَنَى لِمُسَافِرٍ أَنْ يَطْرَبَا
طالَ الثَّوِاءُ فَقرِّبَا لِيَ بَازِلاً ... وَجْنَاءَ تَقْطَعُ بالرُّدَافَى السَّبْسَبَا

أَكلتْ شَعِيرَ السَّيلَحِينَ وعُضَّهُ ... فَتَحَلَّبَتْ لِي بالنَّجاءِ تَحَلُّبَا
وكأَنَّها بِلوَى مُلَيْحَةَ خاضِبٌ ... شَقَّاءُ نِقْنِقَةٌ تُبارِى غَيْهَبا
يا عَوْفُ وَيْحَكَ فِيمَ تأخُذُ صِرْمَتي ... وَلَكُنْتُ أَسْرَحُهَا أَمامَكَ عُزَّبَا
تاللهِ لَوْلاَ أَنْ تَشَاءَى أَهْلُهَا ... ولَشَرُّ ما قال امْرُؤٌ أَنْ يَكْذِبَا
لَعَبَثْتُ فِي عُرْضِ الصُّرَاخِ مُفَاضَةً ... وعَلَوْتُ أَجْرَدَ كالعَسيبِ مُشَذَّبَا
لَتَرَكْتُمُ إِبِلِي رِتاعاً إِنَّنِي ... مِمَّا أَرُدُّ الجَيْشَ عَنْها خُيَّبَا
لِلَّهِ عَوْف لاَبِساً أَثوَابَهُ ... يا لَهْفَ نفْسِي قِرْنَ مَا أَنْ يُغْلَبَا

قال
عبد المسيح بن عسلة العبدي
أَلاَ يا أسْلَمِي على الْحَوَادِثِ فَاطِمَا ... فإِنْ تَسْأَلِينِي تَسْأَلِي بِيَ عالِمَا
غَدَوْنا إِليهمْ والسُّيُوفُ عِصِيُّنَا ... بأَيْمَانِنا نَفْلي بِهِنَّ الجمَاجِمَا
لعَمْري لأَشْبَعْنَا ضِبَاعَ عُنَيْزَةٍ ... إِلى الْحَوْل مِنْها والنُّسُورَ القَشَاعِمَا
تَمَكَّكُ أَطرَافَ العِظَامِ غُدَيَّةً ... ونَجْعلُهُنَّ لِلأُنُوفِ خَواطِمَا
ومُسْتَلَبٍ مِنْ دِرْعِهِ وسِلاحِه ... تَرَكْنَا عليه الذِّئْبَ ينْهَسُ قائِما
فأَمَّا أَخُو قُرْطٍ، ولَسْتُ بِسَاخِرٍ ... فَقُولاَ لهُ: يَا أَسْلَمْ بِمُرَّة سالِمَا
وقال
مقاس العائذي
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي شَيبانَ عنِّي ... فلا يَكُ منْ لِقائِكُمُ الوَداعَا
بِعَيْشٍ صَالحٍ ما دُمْتُ فِيكمُ ... وعَيشُ المرْءِ يَهْبُطُهُ لُمَاعَا
إِذا وَضعَ الهَزاهزُ آلَ قوْمٍ ... فزادَ اللهُ آلَكمُ ارتفَاعَا
فقدْ جاورْتْ أَقْواماً كَثيراً ... فلمْ أَرَ مِثلَكمْ حَزْماً وباعَا
قال مقاس أيضا
ً
أَوْلى فأَوْلى يا أمْرَأَ القَيْسِ بَعْدَما ... خَصَفْنَ بآثارِ المَطِّيِ الحوافِرا
فإِنْ تكُ قدْ نُجِّيتَ من غَمرَاتِها ... فَلا تأَتيَنَّا بَعْدَها الدَّهْرَ سادِرَا
تَذَكَّرَتِ الخَيلُ الشَّعيرَ عشيَّةٌ ... وكنَّا أُناساً يعْلِفونَ الأَيَاصِرَا
فَوَ اللهِ لوْ أَنَّ أمرَأَ القَيْسِ لم يَكُنْبفَلْجٍ عَلَى أَنْ يَسْبِقَ الخَيل قَادِرا
لَقَاظ أَسِيراً أَوْ لَعَالَجَ طَعْنَةً ... تَرَى خَلْفَهُ مِنْها رَشاشاً وقاطِرَا
فِدىً لأُناسٍ ذَكَّرُوهُمْ مَعيشَةً ... تَرَى لِلثَّرِيدِ الوَردِ فيها نوَاخِرَا
فإِنَّ بَنِي عِجْل هُمُ صَبَّحُوكُمُ ... صَبُوحاً، يُنَسِّي ذَا اللَّذَاذَةِ، ساعِرَا
أَجئْتُمْ إِلَيْنا في بَقِيَّةِ مالِنا ... تُزَجُّونَ مِنْ جَهْل إِلينا المَناكِرَا
قال
راشد بن شهاب اليشكري
أَرِقْتُ فَلمْ تَخْدَعْ بِعَيْنَيَّ خَدْعَةٌ ... ووَاللهِ ما دَهْري بِعِشْقٍ ولا سَقَمْ
ولكنَّ أَنْباءً أَتَتْنِي عنِ أمْرِىءٍ ... وما كانَ زادِي بِالخبيثِ كما زَعَمْ
ولكنَّني أُقْصِي ثِيابي منَ الخَنَا ... وبَعضُهُمُ للغَدْرِ في ثَوْبهِ دَسَمْ
فمَهْلاً أَبا الخَنْساءِ لا تَشْتُمَنَّنِي ... فَتَقْرَعَ بعدَ اليوْمِ سِنَّكَ منْ نَدَمْ
ولا تُوعِدَنِّي إِنَّنِي إِن تُلاَقِنِي ... مَعي مَشْرَفِيٌّ في مَضَارِبِهِ قَضَمْ
ومُطَّرِدُ الكَعْبَيْنِ أَسْمَرُ عاتِرٌ ... وذَاتُ قَتِيرٍ في مَواصِلِها دَرَمْ
مُضاعَفةٌ جَدْلاءُ أَو حُطَمِيَّةٌ ... تُغَشِّي بَنانَ المَرْءِ والكَفَّ والقَدَمْ
لِعادِيَّةٍ منَ السَّلاَحِ اسْتَعَرْتُها ... وكان بِكُمْ فقْرٌ إِلى الغَدْرِ أَو عَدمْ

وكنتُ زَماناً جارَ بَيْتٍ وصاحباً ... ولكِنَّ قَيْساً في مَسامِعِهِ صَمَمْ
أَقَيْسَ بنَ مسعودِ بنِ قَيْسِ بن خالِدٍ ... أَمُوفٍ بأَدْراعِ ابنِ طَيْبَةَ أَمْ تُذَمّْ
بِذَمٍّ يُغَشِّي المرءَ خِزْياً ورَهْطَهلَدَى السَّرْحَةِ العَشَّاءِ في ظِلِّهَا الأَدَمْ
بَنيْتُ بثَاجٍ مِجْدَلاً من حجارةٍ ... لأَِجْعلَهُ عِزًّا على رَغْمِ منْ رَغَمْ
أَشَمَّ طُوَالاً يَدْحَضُ الطَّيْرُ دونَهُ ... لهُ جَنْدَلٌ ممَّا أَعَدَّتْ لهُ إِرَمْ
ويَأْوِي إِليهِ المُسْتَجيرُ من الرَّدَى ... ويَأْوي إِليه المُسْتَعِيضُ من العَدَمْ

قال راشد أيضا
ً
مَنْ مُبْلِغٌ فِتْيانَ يَشْكُرَ أَنَّنِي ... أَرى حِقْبةً تُيْدِي أَماكنَ للصَّبْرِ
فأُوصِيكُم بالحيّ شَيْبانَ إِنَّهُمْ ... هُمُ أَهلُ أَبناءِ العَظائمِ والفَخْرِ
عَلَى أَنَّ قَيْساً قال قيْسُ بنُ خالدٍ: ... لَيَشْكُرُ أَحْلَى إِنْ لقِينا منَ التَّمْرِ
رأَيْتُك لمَّا أَنْ عَرفْتَ وُجوهَنا ... صَدَدْت وَطِبْتَ النَّفْسَ يا قَيْسُ عَنْ عَمرِو
رأَيْتَ دِماءً أَسْهَلَتْها رِماحُنا ... شَآبِيبَ مِثْلَ الأُرْجُوانِ عَلَى النَّحْرِ
ونَحنُ حَمَلْناكَ المَصِيفَةَ كلَّها ... على حَرَجٍ تُؤْسَى كُلُومُك في الخِدْرِ
فلاَ تَحْسَبَنَّا كالعُمُورِ وجَمْعَنا ... فنَحْنُ وبيْتِ اللهِ أَدْنَى إِلى عَمْرِو
جَميعاً، ولَسْنا، قد عَلِمْتَ، أُشابَةً ... بَعيدِينَ من نَقْصِ الْخَلاَئِقِ والغَدْرِ
قال
الحرث بن ظالم
قِفَا فاسْمَعا أُخْبِرْكُما إِذْ سأَلْتُما ... مُحارِبُ مَوْلاهُ وثَكْلاَنُ نادِمُ
فأُقْسِمُ لولاَ مَنْ تَعَرَّضَ دونَهُ ... لَخَالَطَهُ صافِي الحديدَةِ صارمُ
حَسِبْتَ أَبا قابُوسَ أَنَّكَ سالمٌ ... ولَمَّا تُصِبْ ذُلاًّ، وأَنْفُك رَاغِمُ
فإِنْ تَكُ أَذْوادٌ أُصِبْنَ وصِبْيَةٌ ... فَهذا ابْنُ سَلْمَى رأسُهُ مُتَفاقِمُ
علَوْتُ بِذِي الحَيَّاتِ مَفْرِقَ رأسِهِ ... وهَل يَركَبُ المكْرُوهَ إِلاَّ الأَكارمُ
فَتكْتُ به كما فَتكْتُ بِخالدٍ ... وكانَ سلاحِي تَجْتَويه الجَماجِمُ
أَخُصْيَيْ حِمَارٍ باتَ يَكْدِمُ نَجْمَةً ... أَتَأكُلُ جِيرَانِي وجارُكَ سالِمُ
بَدَأتُ بِهذِي ثُمَّ أَثْنِي بِهذِهِ ... وثالِثَةٌ تَبْيَضُّ منها المَقَادِمُ
نَأَتْ سَلْمَى وأَمْسَتْ في عَدُوٍّ ... تَحُثُّ إِليْهمُ القُلُصَ الصِّعَابَا
وحَلَّ النَّعْفَ مِن قَنَويْنِ أَهْلي ... وحَلَّت رَوْضَ بِيشَةَ فالرُّبابَا
وقطَّعَ وَصْلَها سيْفِي وأَنِّي ... فَجَعْتُ بِخالدٍ عَمْداً كِلاَبَا
وإِنَّ الأَحْوَصَيْنِ تَوَلَّيَاهَا ... وقد غَضِبَا عليَّ فَما أَصَابَا
عَلَى عَمْدٍ كَسَوْتُهُما قُبُوحاً ... كَما أَكْسُو نِساءَهما السَّلاَبَا
وإِني يومَ غَمْرَةَ غَيْرَ فَخْرٍ ... تَركْتُ النَّهْبَ والأَسْرَى الرِّغَابَا
فَلسْتُ بِشاتِمٍ أَبَداً قُرَيْشاً ... مُصِيباً رَغْمُ ذلكَ مَنْ أَصَابَا
فَما قَوْمِي بثَعْلَبةَ بْنِ سَعْدٍ ... وَلا بِفَزَارَةَ الشُّعْرَى رقابَا
وقَوْمِي، إِنْ سَأَلْتِ، بنُو لُؤَيٍّ ... بمَكَّةَ عَلَّمُوا النَّاسَ الضِّرَابَا
سَفِهْنا باتِّباعِ بني بَغِيضٍ ... وتَرِْ الأَقْرَبِينَ بِنَا انْتِسَابَا
سَفاهَةَ فارِطٍ لَمَّا تَرَوَّى ... هَرَاقَ الماءَ واتَّبَعَ السَّرَابَا

لَعَمْرُكَ إِنَّني لأَُحِبُّ كَعْباً ... وسامَةَ إِخْوَتِي حُبِّي الشَّرابَا
فَما غَطفَانُ لي بِأَبٍ ولكنْ ... لُؤَيٍّ والِدِي قَوْلاً صَوَابَا
فَلمَّا أَنْ رأَيْتُ بني لُؤَيٍّ ... عَرَفْتُ الوُدَّ والنَّسَبَ القُرَابَا
رَفَعْتُ الرُّمْحَ إِذْ قالُوا قُرَيْشٌ ... وشَبَّهْتُ الشَّمَائِلَ والقِبَابَا
صَحِبْتُ شَظِيَّةً منهمْ بِنَجْدٍ ... تَكُونُ لِمَنْ يُحَارِبُهُمْ عَذَابَا
وحَشَّ رَوَاحَةُ القُرَشِيُّ رَحْلِي ... بِنَاقَتِهِ وَلم يَنُْرْ ثَوَابَا
فَيَا للهِ لم أَكْسِبْ أَثَاماً ... ولَمْ أَهْتِكْ لِذِي رَحِمٍ حِجَابَا
أَقامُوا للكَتائِبِ كُلَّ يَوْمٍ ... سُيُوفَ المَشْرَفِيَّةِ والحِرَابَا
فلَوْ أَنِّي أَشاءُ لكُنْتُ منهمْ ... وما سَيَّرْتُ أَتَّبِعُ السَّحَابَا
ولاَ قِظْتُ الشَّرَبَّةَ كُلَّ يومٍ ... أُعَدِّي عن مِياهِهِمُ الذُّبَابَا
مشياهاً مِلْحَةً بِمَبِيتَ سَوْءٍ ... تَبِيتُ سِقَابُهُمْ صَرْدَى سِغَابَا
كأَنَّ التَّاجَ مَعْقُودٌ عليهمْ ... إِذَا وَرَدَتْ لِقاحُهُمْ شِزابَا

قال
الحصين بن الحمام المري
يا أَخويْنا مِنْ أَبينَا وأُمِّنَا ... ذرُوا مَوْلَيَيْنَا مِن قُضاعَةَ يَذْهَبَا
فإِنْ أَنْتُمُ لم تَفْعَلُوا لا أَبا لَكُمْ فلاَ تُعْلِقُونَا ما كَرِهْنَا فَنَغْضَبَا
ونَحْنُ بنُو سَهْمِ بنِ مُرَّةَ لم نَجِدْ ... لنا نَسَباً عَنهمْ وَلاَ مُتَنَسَّبَا
متَى نَنْتَسِبْ تَلْقَوْا أَبانَا أَبَاكُمُ ... ولَنْ تَجِدُونَا لِلْفَوَاحِش أَقْرَبَا
ولمَّا رَأَيتُ الصَّبْرَ لَيْسَ بنَافعِي ... وأَنْ كانَ يَوْماً ذَا كَوَاكِبَ أَشْهَبَا
شدَدْنا عَلَيْهمْ ثَمَّ بالجَوِّ شَدَّةٌ ... فَلاَ لكُمُ أُمَّا دَعَوْنَا وَلا أَبَا
بِكُلِّ رُقَاقِ الشَّفْرَتينِ مُهَنَّدٍ ... وأَسْمَرَ عَرَّاصِ المَهزَّةِ أَرْقَبا
فما فزِعُوا إِذْ خالَط القومُ أَهلَهمْ ... ولكنْ رأَوْا صِرْفاً من الموت أَصْهَبَا
وَلا غرْوَ إِلاَّ حين جاءَتْ مُحارِبٌ ... إِليْنا بأَلْفٍ حَارِدٍ قد تَكَتَّبَا
مَوَالِيَ مَوالِينَا لِيَسْبُوا نِساءَنا ... أَثَعْلبَ قد جِئْتُمْ بنَكْرَاءَ ثَعْلَبَا
وقُلتُ لهُمْ: يا آلَ ذُبْيانَ مالَكُمْ ... تَفاقَدْتُمُ لم تَذْهَبُوا العامَ مَذْهَبَا
تَداعَى إِلى شَرِّ الفَعَال سَرَاتُها ... فأَصْبَحَ موْضُوعٌ بِذَلِكَ مُلْتَبَا
قال
الخصفي من محارب
واسمه عامر المحاربي
منْ مُبْلِغٍ سَعْدَ بنَ نُعْمَانَ مَألُكاً ... وسَعْدَ بنَ ذُبْيانَ الذِي قد تَخَتَّما
فَريقَيْ بَنِيْ ذُبْيانَ إِذْ زَاغَ رَأيُهُمْ ... وإِذْ سُعِطُوا صَاباً عَلَينا وشُبْرُما
جَنَيْتُمْ علينا الحرب ثُمَّ ضَجَعْتُمُإِلى السَّلْمِ لمَّا أَصْبَحَ الأَمْرُ مُبْهَمَا
فمَا إِنْ شَهدْنَا خَمْرَكُمْ إِذْ شرِبْتُمُ ... عَلَى دَهَشٍ، واللهِ، شَرْبةَ أَشْأَمَا
ومَا إِنْ جَعلْنا غايَتَيْكُمْ بِهَضْبَةٍ ... يَظَلُّ بِها الغُفْرُ الرَّجِيلُ مُحَطَّمَا
ومَا إِنْ جَعلْنا بالمَضِيق رِجالَنا ... فقُلْنا لِيَرْم الخَيْلَ مَنْ كانَ أَحْزَمَا
ويومٍ يَوَدُّ المَرْءُ لوماتَ قَبْلَهُ ... رَبَطْنا لَهُ جَأشاً وإِنْ كانَ مُعْظَما
دَعَوْنا بَنِي ذُهْل إِليهِ وقَوْمَنا ... بَنِي عامِر إِذْ لا تَرَى الشَّمْسُ مَنْجَمَا

ويَوْمَ رُجَيْجٍ صَبَّحَتْ جَمْعَ طَيئٍ ... عَنَاجيجُ يَحْمِلْنَ الوَشِيجَ المُقَوَّمَا
نُراوِحُ بالصَّخْرِ الأَصَمِّ رُؤُوسَهُمْ ... إِذَا القَلَعُ الرُّومِيُّ عنها تَثلَّمَا
وإِنَّا لنَثْنِي الخيلَ قُبًّا شَوَازِباًعَلَى الثَّغْرِ نُغْشِيها الكَمِيَّ المُكَلَّمَا
ونَضْرِبُها حتَّى نُحَلِّلَ نَفْرَها ... وتَخْرُجَ ممَّا تَكرَهُ النَّفْسُ مُقْدَما
أَثَعلَبَ لولاَ ما تَدَعَّوْنَ عِنْدَنا ... منَ الحِلْفِ قد سُدَّى بعَقْدٍ وأُلْحِمَا
لقَدْ لَقِيَتْ شَوْلٌ بِجَنْبَيْ بُوانَةٍ ... نَصِيًّا كأَعْرَافِ الكَوَادِنِ أَسْحَما
فأَبْقَتْ لَنَا آباؤُنا من تُرَاثِهمْ ... دَعائِمَ مَجْدٍ كانَ في النَّاس مَعْلَما
ونُرْسِي إِلى جُرْثُومَةٍ أَدْرَكَتْ لَنا ... حدِيثاً وعادِيًّا من المجدِ خِضْرمَا
بنَى منْ بنَى منهمْ بِناءً فَمَكَّنُوا ... مكاناً لنا منهُ رفِيعاً وسُلَّمَا
أُولئِكَ قَوْمِي إِنْ يَلُذْ بِبُيُوتِهِمْ ... أَخُو حدَثٍ يوماً فلنْ يُتَهَضَّما
وكَمْ فِيهِمُ من سيِّدٍ ذي مَهابةٍ ... يُهابُ إِذا ما رائِدُ الحَرْبِ أَضْرَمَا
لنَا العزَّةُ القَعْساءُ نُخْتَطِم العِدَى ... بها ثُمَّ نَسْتَعْصي بها أَن نُخَطَّمَا
هُمُ يَطِدُونَ الأَرضَ لَوْلاَ هُمُ أرْتمتْ ... بمَنْ فَوْقَها مِنْ ذي بيانٍ وأَعْجَمَا
وهُمْ يَدْعَمُونَ القومَ في كلِّ مَوْطِنٍ ... بِكلِّ خَطِيبٍ يَتْرُكُ القومَ كُظَّمَا
يَقُومُ فلاَ يَعْيا الكلاَمَ خَطِيبُنا ... إِذا الكرْبُ أَنْسَى الجِبْسَ أَنْ يَتكلَّمَا
وكنَّا نُجُوماً كُلَّمَا أنْقَضَّ كَوْكَبٌ ... بَدَا زاهِرٌ منهنَّ ليسَ بأَقْتَمَا
بَدَا زَاهِرٌ منهنَّ تأوِي نجُومُهُ ... إِليهِ إِذَا مُسْتأسِدُ الشَّرِّ أَظْلَمَا
أَلا أَيُّهَا المُسْتَخْبِرِى ما سأَلْتَنِي ... بأَيَّامِنا في الحربِ إِلاَّ لِتَعْلَمَا
فما يَستَطِيعُ النَّاسُ عَقْداً نَشُدُّهُ ... ونَنقُضُهُ منهمْ وإِنْ كانَ مُبْرَمَا
يُغَنِّي حُصيْنٌ بالحِجازِ بَناتِهِ ... وأَعْيا عليهِ الفَخْرُ إِلاَّ تَهَكُّمَا
وإِنَّا لَنَشْفِي صَوْرَةَ التَّيْسِ مِثْلَهُ ... ونَضْرِبُهُ حتَّى نَبُلَّ آسْتَهُ دَما

قال
السفاح بن بكير بن معدان اليربوعي
صَلَّى عَلَى يَحْيي وأَشْياعِهِ ... رَبُّ غَفُورٌ وشَفِيعٌ مُطاعْ
أُمُّ عُبَيدِ اللهِ مَلْهُوفَةٌ ... ما نَوْمُها بَعْدَكَ إِلاَّ رُوَاعْ
كما اسْتَحَنَّتْ بَكْرَةٌ وَالِهٌ ... حَنَّتْ حَنِيناً ودَعاهَا النِّزَاعْ
يا فارساً ما أَنْتَ مِنْ فارِسٍ ... مُوَطَّأَ البَيْتِ رَحِيبِ الذِّرَاعْ
قَوَّالَ مَعْروفٍ وفَعَّالَهُ ... عَقَّارَ مَثْنَى أُمَّهَاتِ الرِّباعْ
يجْمَعُ حِلْماً وأَناةً مَعاً ... ثُمَّتَ يَنْبَاعُ انْبِيَاعَ الشُّجاعْ
يَعْدُو فلاَ تُكذَبُ شَدَّاتُهُ ... كما عدَا الذِّئْبُ بِوَادِي السِّبَاعْ
والمَالِىءُ الشِّيزَى لأَِضْيافِهِ ... كأَنَّها أَعْضَادُ حَوْضٍ بقاعْ
لا يَخْرُجُ الأَضْيافُ مِنْ بيتهِ ... إَِلاَّ وهُمْ مِنهُ رَوَاءٌ شِباعْ
وفارِسٍ باغٍ علَى قارِحٍ ... ذِي مَيْعَةٍ، بالرُّمْحِ صُلْبِ الوِقاعْ
نَهْنَهْتَهُ عنْكَ فَلَمْ يَنْهَهُ ... بالسَّيْفِ إِلاَّ جَلَدَاتٌ وِجَاعْ
مَنْ يَكُ لاَ سَاءَ فَقَدْ ساءَنِي ... تَرْكُ أَبَيْنِيكَ إِلى غَيْرِ رَاعْ

قَوْمٌ قَضَى اللهُ لَهُمْ أَنْ دُعُوا ... ورَدُّ أَمْرِ اللهِ لا يُسْتَطَاعْ

قال
أحمد بن عبيد
صَلَّى علي يَحيي وأَشياعِهِ ... رَبٌّ رحيمٌ وشفيعٌ مُطاعْ
لمَّا جَلاَ الخُلاَّنُ عن مُصْعَبٍ ... أَدَّى إِليه القَرْضَ صاعاً بِصَاعْ
يا سَيِّداً ما أَنْتَ مِنْ سَيِّدٍ ... مُوَطَّإِ البَيْتِ رَحِيبِ الذِّاَرعْ
قَوَّالِ معروفٍ وفَعَّالِهِ ... وَهَّابِ مَثْنَي أُمَّهاتِ الرِّباعْ
يَعْدُو بهِ في الحربِ ذُو مَيْعَةٍ ... قُوَيْرحٌ مُجْتَمِعٌ أَوْ رَبَاعْ
دَاوَيْتَهُ النِّفْطَةَ حتَّى شَتَا ... كأَنَّ مَتْنَيْهِ أَدِيمَا صَنَاعْ
مَنْ يَكُ لاَ ساءَ فقد سَاءَنِي ... تَرْكُ أُبَيْنَيْكَ إِلى غيرِ رَاعْ
إِلى أَبِي طَلْحَةَ أَوْ وَاقِدٍ ... وقد عَلِمْنَا أَنَّ ذَاكَ الضَّياعْ
أُمُّ عُبَيدِ اللهِ مَلْهُوفَةٌ ... ما نوْمُهَا بَعْدَكَ إِلاَّ رُوَاعْ
كما اسْتَحَنَّتْ بَكْرَةٌ وَالِهٌ ... حَنَّتْ حَنيناً ودَعاها النِّزَاعْ
تلكَ سَرَايَاهُ وأَمْوَالُهُ ... بَيْنَ مَوارِيثَ بِكَسْرٍ تُبَاعْ
لا يَخْرُجُ الأَضيافُ مِن بيتهِ ... إِلاَّ وهُمْ منهُ رِوَاءٌ شِبَاعْ
قال
ضمرة بن ضمرة النهشلي
ومُشعَلَةٍ كالطَّيْرِ نَهنَهْتُ وِرْدَها ... إِذا ما الجبانُ يَدَّعِي وهْوَ عانِدُ
عليها الكُمَاةُ والحديدُ فمِنهُمُ ... مَصِيدٌ لأَِطْرافِ العَوالِي وصائِدُ
شَماطِيطُ تَهْوِي للسَّوَامِ كأَنها ... إِذا هَبَطَتْ غُوطاً كِلابٌ طَوارِدُ
أُذِيقُ الصَّدِيقَ رَأفَتِي وإِحاطَتي ... وقد يَشتَكِي مِنِّي العُدَاةُ الأَباعِدُ
وذِى تِرَةٍ أَوْجَعْتُهُ وسَبَقْتُهُ ... فقَصَّرَ عَنِّي سعْيُهُ وهْوَ جاهِدُ
يَرَانِي إِذا لاقَيْتُه ذا مَهابةٍ ... ويَقصُرُ عنِّي الطَّرفَ والوَجهُ كامِدُ
وقدْ عَلِمَ الأَقوامُ أَنَّ أُرُومَتِي ... يَفَاعٌ إِذا عُدَّ الرَّوَابي المَوَاجِدُ
وقِرْنٍ تَرَكْتُ الطَّيْرَ تَحْجُلُ حَوْلَهُ ... عليهِ نَجيعٌ من دَمِ الجَوْفِ جاسِدُ
حَشَاهُ السِّنَانُ ثمَّ خَرَّ لأَِنْفِه ... كَما قَطَّرَ الكَعْبَ المؤَرِّبَ نَاهِدُ
وطارِقِ لَيْلٍ كُنْتُ حمَّ مَبِيتِهِ ... إِذا قَلَّ في الحَيِّ الجَميعِ الرَّوَافِدُ
وقُلتُ لهُ: أَهْلاً وَسهْلاً ومرْحَباً ... وأَكْرَمْتُهُ حتى غَدَا وهْوَ حامدُ
وما أَنا بِالسَّاعِي ليُحْرِزَ نفسَهُ ... ولكنَّنِي عن عَوْرَةِ الحَيِّ ذائِدُ
وإِنْ يَكُ مَجْدٌ في تَميمٍ فإِنهُ ... نَمَانِي اليَفَاعُ نَهْشَلٌ وعُطارِدُ
وما جَمَعا من آلِ سَعْدٍ ومالِكٍ ... وبَعضُ زِنادِ القوْمِ غَلْثٌ وكاسِدُ
ومَن يَتَبَلَّغْ بالحَديثِ فإِنهُ ... علي كلِّ قَوْلٍ قِيلَ راعٍ وشَاهدُ
قال
عوف بن عطية
بن الخرع التيمي من تيم الرباب
ولَنِعْمَ فِتْيانُ الصَّباحِ لَقِيتُمُ ... وإِذا النِّساءُ حَواسِرٌ كالعُنْقُرِ
مِنْ بَيْن واضِعةِ الخِمَارِ وأُختِها ... تَسْعَى ومِنْطَقُها مَكانَ المِئْزَرِ
ونَكُرُّ أُولاَهُمْ عَلَى أُخْراهُمُ ... كَرَّ المُحَلإَِّ عن خِلاَطِ المَصْدَرِ
فهُمُ ثلاثَةُ أَفْرِقاءَ: فَسابِحٌ ... في الرُّمْحِ يَعْثُرُ في النِّجِيعِ الأَحْمَرِ
ومُكَبَّلٌ يُفْدَى بِوافِرِ مالِهِ ... إِنْ كانَ صاحبَ هَجْمةٍ أَوْ أَيْصَرِ
أَوْ بَيْنَ مَمْنونٍ عليهِ وقوْمِه ... إِن كانَ شاكرَها وإِنْ لم يَشْكُرِ

وتَحُلُّ أَحْياءٌ وَرَاءَ بُيوتِنا ... حَذَرَ الصَّباحِ ونحْنُ بالمُسْتَمْطَرِ
وقال عوف أيضاً:
لَعمْرُكَ إِنَّنِي لأََخُو حِفَاظٍ ... وفي يَوْم الكَريهَةِ غَيْرُ غُمْرِ
أَجودُ على الأَباعدِ باجْتداءٍ ... ولم أَحْرِمْ ذَوِى قُرْبَى وإِصْرِ
وما بِي، فاعْلَموهُ، مِنْ خُشوعٍ ... إِلى أَحدٍ، وما أُزْهَى بكِبْرِ
أَلم تَرَ، أَنَّنا مِرْدَى حُروبٍ ... نَسِيلُ كأَنَّنا دُفَّاعُ بَحْرِ
ونَلْبَسُ للْعَدُوِّ جُلودَ أُسْدٍ ... إِذا نَلْقاهُمُ وجُلودَ نُمْرِ
ونَرْعَى ما رَعَيْنا بَيْنَ عَبسٍ ... وطَيِّئِها وبَيْنَ الحَيِّ بَكْرِ
وكُلُّهم عَدُوٌّ غَيرُ مُبْقٍ ... حَديثٌ قُرْحُهُ يَسْعَى بِوِتْرِ

قال
بشر بن أبي خازم
عَفَتْ مِنْ سُلَيْمَى رَامَةٌ فَكَثِيبُهَا ... وشَطَّتْ بِهَا عنكَ النَّوَى وشُعُوبُهَا
وغَيَّرها ما غَيَّرَ النَّاسَ قَبْلَها ... فَبانَتْ وحاجاتُ الفُؤَادِ تُصِيبُهَا
ألَمْ يَأْتِها أَنَّ الدُّمُوعَ نَطَافَةٌ ... لِعَيْنٍ يُوَافِي في المَنَام حَبِيبُهَا
تَحَدُّرَ ماءِ الغَرْب عَن جُرَشِيَّةً ... عَلَى جِرْبَةٍ تَعْلُو الدِّبارَ غُرُوبُهَا
بِغَرْبٍ ومَرْبُوعٍ وعَوْدٍ تُقِيمُهُ ... مَحَالةُ خُطَّافٍ تَصِرُّ ثُقُوبُهَا
مُعَالِيَةً لا هَمَّ إِلاَّ مُحَجَّرٌ ... وحَرَّةُ لَيْلَى السَّهلُ منْها ولُوبُهَا
رَأَتنِي كأُفْحُوصِ القَطَاةِ ذُؤَابَتِي ... وما مَسَّها مِن مُنْعِمٍ يَسْتَثِيبُها
أَجَبْنا بَنِي سَعْدِ بْنِ ضَبَّةَ إِذْ دَعوْا ... وللهِ مَوْلَى دَعْوَةٍ لا يُجِيبُها
وكنَّا إِذا قُلْنا: هَوازِنُ أَقْبِلي ... إِلى الرُّشْدِ، لم يَأْتِ السَّدادَ خَطيبُها
عَطَفْنَا لَهُمْ عَطْفَ الضَّرُوسِ مِنَ المَلاَبِشَهْباءَ لا يَمْشي الضَّرَاءَ رَقِيبُها
فلَمَّا رَأَوْنا بالنِّسَارِ كأَنَّنا ... نَشاصُ الثُّرَيَّا هَيَّجَتْها جَنُوبُها
فكانُوا كَذاتِ القِدْرِ لم تَدْرِ إِذْ غَلَتْ ... أَتُنْزِلُها مَذْمومَةً أَمْ تُذِيبُهَا
قَطَعْناهُمُ فبِاليمَامَةِ فِرْقَةٌ ... وأُخْرَى بأَوْطاسٍ تَهِرُّ كَلِيبُهَا
نَقَلْناهُمُ نَقْلَ الكِلابِ جِراءَها ... على كلِّ مَعْلُوبٍ يَثُورُ عُكُوبُها
لَحَوْ ناهُمُ لَحْوَ العِصِيّ فأَصْبَحوا ... على آلَةٍ يَشكُو الهَوانَ حَريبُها
لَدُنْ غُدْوَةً حتي أَتى اللَّيْلُ دونَهُمْ ... وأَدرَكَ جَرْيَ المُبقِيات لُغوبُها
جَعلْنَ قُشَيْراً غايةً يُهْتَدَى بها ... كَما مَدَّ أَشْطَانَ الدِّلاءِ قَلِيبُهَا
إِذا ما لَحِقْنا مِنهُمُ بِكَتيبَةٍ ... تُذُكِّرَ مِنها ذَحْلُها وذُنوبُها
بَنِي عامِرٍ إِنَّا تَركْنا نِساءَكمْ ... مِنَ الشَّلِّ والإِيجافِ تَدْمَى عُجوبُها
عَضَارِيطُنا مُسْتَبْطِنو البِيضِ كالدُّمَى ... مُضَرَّجَةً بالزَّعْفرانِ جُيُوبُهَا
تَبِيتُ النِّساءُ المُرْضِعاتُ برَهْوَةٍ ... تَفَزَّعُ من خَوْفِ الجَنانِ قُلوبُهَا
دَعُوا مَنْبِتَ السَّيفَيْن إِنَّهُما لَنا ... إِذا مُضَرُ الْحَمراءُ شُبَّتْ حُرُوبُها
قال بشر أيضاً:
أَحَقُّ ما رأَيْتُ أَمِ احتِلاَمُ ... أَمِ الأهْوالُ إِذْ صَحْبِي نِيامُ
أَلاَ ظَعَنَتْ لِنِيَّتها إِدامُ ... وكُلُّ وِصالِ غانِيَةٍ رمامُ
جدَدْتُ بِحُبِّها وهَزلْتُ حتَّى ... كَبْرتَ وقيلَ إِنَّك مُسْتَهامُ

وقدْ تَغْنَى بِنا حيناً ونَغْنَى ... بِها، والدَّهْرُ لَيْسَ لهُ دوَامُ
لَيالَي تَسْتَبِيكَ بِذِي غُروبٍ ... كأَنَّ رُضَابَه وَهْناً مُدامُ
وأَبْلَجَ مُشْرِقِ الخَدَّيْنِ فَخْمٍ ... يُسَنُّ عَلَى مَراغِمِهِ القَسَامُ
تَعَرُّضَ جَأْبَهُ المِدْرَى خَذُولٍ ... بِصاحَةَ فِي أَسرَّتِها السَّلامُ
وصاحِبُها غَضِيضُ الطَّرْفِ أَحْوَى ... يَضُوعُ فُؤَادَها مِنْهُ بُغَامُ
وخَرْقٍ تَعْزِفُ الجِنَّانُ فيهِ ... فَيافِيهِ تَحِنُّ بِها السَّهامُ
ذَعَرْتُ ظِباءَها مُتَغوِّرَاتٍ ... إِذا أدَّرَعَتْ لَوامِعَهَا الإِكَامُ
بِذِعْلِبَةٍ بَرَاها النَّصُّ حتَّى ... بَلَغْتُ نُضَارَهَا وفنَىَ السَّنَامُ
كأَخُنَسَ ناشِطٍ بَاتَتْ عليهِ ... بِحَرْبَةَ لَيْلَةٌ فيها جَهَامُ
فَباتَ يقُولُ: أَصْبِحْ لَيْلُ، حتَّى ... تَجَلَّى عن صَرِيمَتِهِ الظَّلاَمُ
فأَصْبَحَ نَاصِلاً منها ضُحَيَّا ... نُصُولَ الدُّرِّ أَسْلَمَهُ النِّظَامُ
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي سَعْدٍ رسُولاً ... ومَوْلاهُمْ فقَدْ حُلِبتْ صُرَامُ
نَسُومُكُمُ الرَّشَاد وَنَحْنُ قَوْمٌ ... لِتَارِكِ وُدِّنَا في الحربِ ذَامُ
فإِذْ صَفِرتْ عِيَابُ الوُدِّ مِنْكُمْ ... ولَمْ يَكُ بَيْنَاَ فيها ذِمَامُ
فإِنَّ الجِزْعَ جِزعَ عُرَيْتِنَاتٍ ... وبُرْقَةَ عَيْهَمٍ منكمْ حَرَامُ
سَنَمْنَعُهَا وإِنْ كانَتْ بِلاَداً ... بِها تَرْبُو الخَوَاصِرُ والسِّنَامُ
بِهَا قَرَّتْ لَبُونُ النَّاسِ عَيْناً ... وحَلَّ بها عَزَالِيَهَا الغَمَامُ
وغَيْثٍ أَحْجَمَ الرُّوَادُ عنهُ ... بِهِ نَفَلٌ وحَوْذَانٌ تُوأَمُ
تَغَالَى نَبْتُهُ واعْتَمَّ حتَّي ... كأَنَّ مَنَابِتَ العَلَجَانِ شَامُ
أَبَحْنَاهُ بِحَيٍّ ذِي حِلاَلٍ ... إِذَا مَا رِيعَ سَرْبُهُمُ أَقامُوا
وما ينْدُوهُمُ النَّادِي ولكِنْ ... بِكُلٍّ مَحَلَّةٍ مِنهُمْ فِئَامُ
وما تَسْعَى رِجالُهُمُ ولكِنْ ... فُضُولُ الخَيْلِ مُلْجَمَةٌ صِيَامُ
فَباَتْ لَيلةً وأَدِيمَ يَوْمٍ ... عَلَي المِمْهَي يُجَزُّ لَهَا الثَّغَامُ
فلَمَّا أَسْهَلَتْ مِن ذِي صُبَاحٍ ... وسَالَ بها المَدَافِعُ والإِكامُ
أَثَرْنَ عَجَاجَةً فَخَرَجْنَ مِنْهَا ... كَما خَرَجَتْ مِنَ الغَرَضِ السِّهَامُ
بِكُلِّ قَرَارَةٍ من حَيْثُ جَالَتْ ... رَكيَّةُ سُنْبُكٍ فيها أنِثِلاَمُ
إِذَا خَرَجَتْ أَوائِلُهُنَّ شَعْثاً ... مَجَلِّحَةً، نَوَاصِيهَا قِيامُ
بِأَحْقِيهَا المُلاَءُ مُحَزَّماتٌ ... كأَنَّ جِذَاعَهَا أُصُلاً جِلاَمُ
يُبَارِينَ الأَسِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ ... كَمَا يَتفارَطُ الثَّمَدَ الحَمَامُ
أَلم ترَ أَنَّ طُولُ الدَّهْرِ يُسْلِي ... ويُنْسِي مِثْلَ مَا نُسِيَتْ جُذَامُ
وكانُوا قَوْمَنَا فَبَغَوْا عَلَيْنا ... فَسُقْناهُمْ إِلى البَلدِ الشَّآمِي
وكُنَّا دُونَهُمْ حِصْناً حَصِيناً ... لَنَا الرَّأَسُ المُقَدَّمُ والسَّنَامُ
وقالُوا: لَنْ تُقِيمُوا إِنْ ظَعَنَّا ... فَكانَ لَنَا وقَدْ ظَعَنُوا مُقَامُ
أَثَافيَ مِنْ خُزَيْمَةَ رَاسِيَاتٍ ... لَنا حِلُّ المَنَاقِبَ والْحَرَامُ
فإِنَّ مَقَامَنَا نَدْعُو عليكمْ ... بِأَبْطَحِ ذِي المَجَازِ لَهُ أَثَامُ

قال بشر

أَلاَ بَانَ الْخَلِيطُ ولم يُزَارُوا ... وقَلْبُكَ في الظَّعائِنِ مُسْتَعَارُ
تَؤُّمُّ بها الحُدَاةُ مِيَاهَ نَخْلٍ ... وفيها عَنْ أَبانَيْنِ أَزْوِرَارُ
أُسائِلُ صاحِبي ولقَدْ أَرَاني ... بَصِيراً بالظَّعائِنِ حيثُ سارُوا
أُحاذِرُ أَنْ تَبِينَ بَنُو عُقَيْلٍ ... بِجارَتِنا فقد حُقَّ الحِذَارُ
فَلأَْياً مّا قَصَرْتُ الطَّرْفَ عنهمْ ... بِقانِيَةٍ وقد تَلَعَ النَّهَارُ
بِلَيْلٍ ما أَتَيْنَ عَلَى أَرُومٍ ... وشابَةَ عن شَمَائِلها تِعَارُ
كأَنَّ ظِبَاءَ أُسْنُمَةٍ عليها ... كَوَانِسَ قالِصاً عنها المَغَارُ
يُفَلِّجْنَ الشِّفاهَ عَنِ أقْحُوَانٍ ... جَلاَهُ غِبَّ سَارِيَةٍ قِطَارُ
وفِي الأَظْعانِ آنِسَةٌ لَعُوبٌ ... تَيَمَّمَ أَهْلُها بَلَداً فسَارُوا
مِنَ اللاَّئِي غُذِينَ بِغَيْرِ بُؤْسٍ ... مَنَازِلُها القَصِيمَةُ فالأُوارُ
غَذَاها قارِصٌ يَجْرِي عليها ... ومَحْضٌ حِينَ تُبْتَعَثُ العِشَارُ
نَبيلَةُ مَوْضِعِ الحِجْلَيْنِ خَوْدٌ ... وفي الكَشْحَيْنِ والبَطْنِ اضْطِمَارُ
ثَقَالٌ كُلَّما رَامَتْ قِيَاماً ... وفيها حِينَ تَنْدَفِعُ انْبِهَارُ
فَبِتُّ مُسَهَّداً أَرِقاً كأَنِّي ... تَمَشَّتْ فِي مَفَاصِلَي العُقَارُ
أُرَاقِبُ في السَّماءِ بنَاتِ نَعْشٍ ... وقد دَارَتْ كما عُطِفَ الصُّوَارُ
وعانَدَتِ الثُّرَيَّا بَعْدَ هَدْءٍ ... مُعانَدَةً لَهَا العَيُّوقُ جَارُ
فَيَا للنَّاسِ لِلرَّجُلِ المُعَنَّى ... بُطولِ الدَّهْرِ إِذْ طَالَ الحِصَارُ
فإِنْ تَكُنِ العُقَيْلِيَّاتُ شَطَّتْ ... بِهِنَّ وبِالرَّهِينَاتِ الدِّيَارُ
فقد كانتْ لَنَا ولَهُنَّ، حتَّى ... زَوَتْنَا الحَرْبُ، أَيامٌ قِصَارُ
لَيَالِيَ لاَ أُطاوِعُ مَنْ نَهَانِي ... ويَضْفُو فَوْقَ كَعْبَيَّ الإِزَارُ
فأَعْصِي عَاذِلِي وأُصِيبُ لَهْواً ... وأُوذِي في الزِّيارَةِ مَنْ يَغَارُ
ولَمَّا أَنْ رأَيْنَا النَّاسَ صَارُوا ... أَعَادِيَ ليسَ بَيْنَهُمُ ائْتِمَارُ
مَضَى سُلاَّفُنا حتَّى نَزَلْنَا ... بِأَرْضٍ قد تَحامَتْهَا نِزَارُ
وشَبَّتْ طَيِّئُ الجَبَلَيْنِ حَرْباً ... تَهِرُّ لِشَجْوِها منها صُحَارُ
يَسُدُّونَ الشِّعَابَ إِذَا رَأَوْنَا ... وليسَ يُعِيذُهُمْ منها انْجحَارُ
وحَلَّ الحَيُّ حَيُّ بَنِي سُبَيْعٍ ... قُرَاضِبَةً ونحنُ لَهُمْ إِطَارُ
وخَذَّلَ قَوْمَهُ عَمْرُو بنُ عَمْرٍو ... كَجَادِعِ أَنْفِهِ وبِهِ انْتِصَارُ
يَسُومُونَ الصِّلاَحَ بِذَاتِ كَهْفٍ ... وما فيها لَهُمْ سَلَعٌ وقارُ
وأَصْعَدَتِ الرِّبابُ فليسَ منها ... بِصَارَاتٍ ولا بِالحُبْسِ نَارُ
فحاطُونَا القَصَا ولقَدْ رَأَوْنَا ... قَرِيباً حَيْثُ يُسْتَمَعُ السِّرَارُ
وأَنْزَلَ خَوْفُنَا سَعْداً بِأَرْضٍ ... هُنَالِكَ إِذْ تُجيرُ ولا تُجَارُ
وأَدْنَى عامرٍ حَيًّا إِلَيْنَا ... عُقَيْلٌ بالمَرَانَةِ والوِبارُ
أَبَى لِبَنِي خُزَيْمَةَ أَنَّ فيهمْ ... قَدِيمُ المَجْدِ والحَسَبُ النُّضَار
هُمُ فَضَلُوا بِخَلاَّتٍ كِرَامٍٍ ... مَعَدًّا حيثُما حَلُّوا وسَارُوا
فمنهنَّ الوفاءُ إِذَا عَقَدْنَا ... وأَيْسَارٌ إِذَا حُبّ القُتَارُ

وبُدِّلَتِ الأَباطِحُ من نُمَيْرٍ ... سَنابِكَ يُستَثارُ بِها الغُبارُ
ولَيْسَ الحيُّ حَيُّ بَني كِلاَبٍ ... بمُنجيهمْ، وإِنْ هَرَبُوا، الفِرَارُ
وقَدْ ضَمَزَتْ بِجِرَّتِها سُلَيْمٌ ... مَخَافَتَنَا كَما ضَمَزَ الحِمَارُ
وأَمَّا أَشْجَعُ الخُنْثَى فوَلَّتْ ... تُيُوساً بالشَّظِيِّ لهمْ يُعَارُ
ولَمْ نَهْلِكْ لِمُرَّةَ إِذْ تَوَلَّوْا ... فَسارُوا سَيْرَ هارِبَةٍ فَغَارُوا
فأَبْلِغْ إِنْ عَرَضْتَ بِنا رَسُولاً ... كِنَانَةَ قَوْمَنَا في حيثُ صَارُوا
كفَيْنَا مَنْ تَغيَّبَ واسْتَبَحْنَا ... سَنَامَ الأَرْض إِذْ قَحِطَ القِطارُ
بِكُلِّ قِيَادِ مُسْنَفَةٍ عَنُودٍ ... أَضَرَّ بها المَسَالِحُ والغِوَارُ
مُهَارِشَةِ العِنانِ كأَنَّ فيها ... جَرَادَةَ هَبْوَةٍ فِيها اصْفِرَارُ
كأَنِّي بَيْنَ خافِيَتَيْ عُقَابٍ ... تُقَلِّبُنِي إِذَا ابْتَلَّ العِذَارُ
نَسُوفٍ لِلْحِزَامِ بِمِرْفَقَيْها ... يَسُدُّ خَوَاءَ طُبْيَيْهَا الغُبارُ
تَرَاها مِنْ يَبِيسِ الماءِ شُهْباً ... مُخَالِطَ دِرَّةٍ منها غِرَارُ
بكُلِّ قَرَارَةٍ مِنْ حيثُ جَالَتْ ... رَكِيَّةُ سُنْبُكٍ فيها انْهِيَارُ
وخِنْذِيذٍ تَرَى الغُرْمُولَ منهُ ... كَطَيِّ الزِّقِّ عَلَّقَهُ التِّجَارُ
كأَنَّ حَفِيفَ مِنْخَرِهِ إِذَا مَا ... كتَمْنَ الرَّبْوَ كِيرٌ مُسْتَعارُ
وجَدْنَا في كِتابِ بَنِي تَمِيمٍ: ... أَحَقُّ الْخَيْلِ بالرّكْضِ المُعارُ
يُضَمَّرُ بالأَصائِلِ فَهْوَ نَهْدٌ ... أَقَبُّ مُقَلِّصٌ فيهِ اقْوِرَارُ
كأَنَّ سَرَاتَهُ، والخَيْلُ شُعْثٌ ... غَدَاةَ وَجِيفِها، مَسَدٌ مُغارُ
يَظَلُّ يُعارِضُ الرُّكبانَ يَهْفُو ... كأَنَّ بَياضَ غُرّتِهِ خِمَارُ
وما يُدْرِيكَ ما فَقْرِى إِليهِ ... إذا ما القومُ وَلَّوْا أَو أَغارُوا
ولا يُنْجِي منَ الغَمَرَاتِ إِلاَّ ... بَرَاكاءُ القِتالِ أَوِ الفِرَارُ
قال بشر أيضاً:
لِمَنِ الدِّيارُ غَشِيَتُها بالأَنْعُمِ ... تَبْدُو مَعارِفُها كلَوْنِ الأَرْقَمِ
لَعِبَتْ بها رِيحُ الصَّبا فَتَنَكرَتْ ... إِلاَّ بَقِيَّةَ نُؤْيِها المُتهَدَّمِ
دَارٌ لِبَيْضاءِ العَوَارضِ طَفْلَةٍ ... مَهْضُومةِ الكَشْحَيْنِ رَيَّا المِعْصَمِ
سَمِعَتْ بِنا قِيلَ الوُشَاةِ فأَصْبَحَتْ ... صَرَمْتَ حِبالَكَ في الخَلِيطِ المُشْئِمِ
فَظَلْتَ من فَرْطِ الصَّبابةِ والهَوَى ... طَرِفاً فُؤَادُكَ مثلَ فِعْل الأَيْهَمِ
لَوْلاَ تُسَلِّي الهَمَّ عنكَ بِجَسْرَةٍ ... عَيْرَانةٍ مثلِ الفَنِيقِ المُكْدَمِ
زَيَّافَةٍ بالرّحْلِ صادِقَةِ السُّرَى ... خَطَّارةٍ تَهِصُ الحَصَى بِمُثَلَّمِ
سائِلْ تَميماً في الحروبِ وعامِراً ... وهَلِ المُجَرَّبُ مثلَ مَنْ لم يَعْلَمِ
غَضِبَتْ تَميماً أَنْ تُقَتَّلَ عامِرٌ ... يَوْمَ النِّسارِ فأُعْقِبُوا بالصَّيْلَمِ
كُنَّا إِذَا نَعَرُوا لِحَرْبٍ نَعْرَةٍ ... نَشْفِي صُدَاعَهُمُ بِرَأسٍ مِصْدَمِ
نَعْلُو القَوانِسَ بالسُّيُوفِ ونَعْتَزِىوالْخَيْلُ مُشْعَلَةُ النُّحُورِ منَ الدَّمِ
يَخْرُجْنَ منْ خَلَلِ الغُبارِ عوَابِساً ... خَبَبَ السباعِ بِكُلِّ أَكْلفَ ضَيْغَمِ
من كلِّ مُسْتَرْخِي النِّجادِ مُنازِلٍ ... يَسْمُو إِلى الأَقْرَانِ غيرِ مُقَلَّمِ

فَفَضَضْنَ جمْعَهُمُ وأَفْلَتَ حاجِبٌ ... تَحْتَ العَجاجَةِ في الغُبارِ الأَقْتَمِ
ورَأَوْا عُقابَهُمُ المُدِلَّةَ أَصْبحَتْ ... نُبِذَتْ بأَفْضَحَ ذِي مَخَالِبَ جَهْضَمِ
أَقْصَدْنَ حُجْراً قبلَ ذلكَ والقَنا ... شَرَعٌ إِليهِ وقد أَكَبَّ عَلَى الفَمِ
يَنوِى مُحَاوَلَةَ القِيام وقد مَضَتْ ... فيهِ مَخارِصُ كلِّ لَدْنٍ لَهْذَمِ
وبَنِي نُمَيرٍ قد لَقِينا منهمُ ... خَيلاً تَضِبُّ لِثَاتُها لِلمَغْنَمِ
فَدَهَمْنَهُمْ دَهْماً بِكلِّ طِمِرَّةٍ ... ومُقَطِّعٍ حَلَقَ الرِّحالَةِ مِرْجَمِ
ولقد خَبَطْنَ بَنِي كِلاَبٍ خَبْطَةً ... أَلْصَقْنَهُمْ بِدَعائِم المُتَخَيَّمِ
وصَقَلْنَ كَعْباً قَبْلَ ذلكَ صَلْقَةً ... بِقَناً تَعاوَرَهُ الأَكُفُّ مُقَوَّمِ
حتَّى سَقَيْناهُمْ بكأْسٍ مُرَّةٍ ... مَكْرُوهَةٍ حَسَوَاتُها كالعَلْقَمِ

قال
سنان بن أبي حارثة المري
قُلْ لِلمُثَلَّمِ وابْنِ هِنْدٍ مالِكِ: ... إِنْ كُنْتَ رَائِمَ عِزِّنا فاسْتَقْدِمِ
تَلْقَ الَّذِى لاَقَى العَدُوُّ وَتَصْطَبِحْ ... كأْساً صُبَابَتُها كَطَعْم العَلْقَمِ
نَحْبُو الكتِيبَةَ حِينَ يَقْتَرِشُ القَنَا ... طَعْناً كإِلْهَابِ الحَرِيقِ المُضْرَمِ
مِنَّا بِشَجْنَةَ والذِّنابِ فَوَارِسٌ ... وعُتَائِدٍ مثلَ السَّوَادِ المُظْلِمِ
وبِضَرْغَدٍ وعَلَى السُّدَيْرَةِ حَاضِرٌ ... وبِذى أَمَرَّ حَرِيمُهُمْ لم يُقْسَمِ
قال سنان أيضاً:
إِنْ أُمْسِ لاَ أَشْتَكي نُصْبِي إِلى أَحَدٍ ... ولَسْتُ مُهتَدِياً إِلا مَعِي هَادِ
فقد صَبَحْتُ سَوَامَ الْحَيِّ مُشْعِلَةً ... رَهْواً تَطَالَعُ من غَوْرٍ وأَنجادِ
وقد يَسَرْتُ إِذَا ما الشَّوْلُ رَوَّحَها ... بَرْدُ العَشِىّ بِشَفَّانٍ وصُرَّادِ
ثُمَّتَ أَطْعَمْتُ زَادِى، غَيْرَ مُدَّخِرٍ، ... أَهْلَ المحَلَّةِ من جَارٍ ومن جادِ
وقد دقَعْتُ، ولم أَجْرُرْ عَلَي أَحَدٍ، ... فَتْقَ العَشِيرةِ والأَكْفاءُ شُهَّادِى
قد يعلم القومُ إِذْ طَالَتْ غَزَاتُهُمْ ... وأَرْمَلُوا الزَّادَ أَنِّي مُنْفِدٌ زَادِى
ولا أَجِيءُ بِسَوْآتٍ أُعَيَّرُها ... حتَّى يَؤُوبَ منَ القَبْرِ ابنُ مَيَّادِ
أَثْنُوا عليَّ فكائِنْ قد فَتَحْتُ لَكمْ ... منْ بابِ مَكْرُمَةِ تُعتَدُّ أَوْ وَادِ
قال
زبان بن يسار بن عمرو المري
أَبَنِي مَنُولَةَ قد أَطَعْتَ سَرَاتَكُمْ ... لو كانَ عن حَرْبِ الصَّدِيقِ سبيلُ
وبنُو أُمَيَّةَ كلُّهمْ أُمَرَاؤُها ... وبنُو رِياحٍ، إِنْ تُدُبِّرَ قِيلُ
سِيرِي إِليكِ فسوف يَمْنَعُ سَرْبَها ... مِنْ آلِ مُرَّةَ بالْحِجازِ حُلُولُ
حَلَقٌ أَحَلُّوها الفَضَاءَ كأَنَّهمْ ... من بَيْن مَنْبِجَ والكثِيبِ قُيُولُ
فإِذَا فَزِعْتُ عَدَتْ بِبَزِّي نَهْدَةٌ ... جرْدَاءُ مُشْرِفةُ القَذَالِ دَؤُولُ
شَوْهاءُ مِرْكَضَةٌ إِذَا طَأْطأْتُها ... مَرَطَى إِذَا ابْتَلَّ الْحِزَامُ نَسُولُ
أَعْدَدْتُها لِبَنِي اللَّقِيطَة فَوْقَها ... رُمْحِي وسَيفٌ صارمٌ وشَلِيلُ
ومُجَرِّبُ النَّجَدَاتِ ليسَ بِناكِلٍ ... عنهُ إِذا لاَقَى القبِيلَ قبِيلُ
قال زبان أيضاً يهجو بني بدر
أَلَمْ يَنْهَ أَوْلاَدَ اللَّقِيطَةِ عِلْمُهُمْبِزَبَّانِ إِذْ يَهْجُونهُ وهْوَ نائِمٌ
يُطِيفُونَ بالأَعْشَى وصُبَّ عَلَيْهِمُ ... لِسَانٌ كَصَدْرِ الهُنْدُوَانىِّ صارِمُ

وإِنَّ قَتِيلاً بالهَبَاءَةِ في أسْتِهِ ... صَحِيفَتُهُ إِنْ عادَ لِلظُّلم ظالِمُ
متى تَقْرَؤُوها تَهْدِكُم مِن ضَلاَلِكُمْ ... وتُعْرَفْ إذا ما فُضَّ عنها الخَوَاتِمُ
لَدَى مَرْبَطِ الأَفْرَاسِ عندَ أَبِيكُمُ ... حَذَاكُمْ بها صُلْبُ العَدَاوَةِ حازِمُ
فإِنْ تَسْأَلُوا عنها فَوَارِسَ دَاحِسِ ... يُنَبِّئْكَ عنها من رَوَاحَةَ عَالمُ
فأَقْسَمَ مُرْتاحاً شَرِيكُ بنُ مالِكٍ ... إِذَا ما الْتَقَيْنا خَصْمَهُ لا يُسالِمُ
وأَقْسَمَ يأْتِى خُطَّةَ الضَّيْم طائعاً ... بَلَى سَوْفَ تأْتِيها وأَنْفَكَ رَاغِمُ

قال
معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب
طَرَقَتْ أُمامَةُ والمَزَارُ بَعيدُ ... وَهْناً وأَصْحابُ الرِّحالِ هُجُودُ
أَنِّى اهْتَدَيْتِ وكنْتِ غَيْرَ رَجِيلَةٍ ... والقومُ منهمْ نُبَّهٌ ورُقُودُ
إِنِّي امْرُؤٌ منْ عُصْبَةٍ مَشْهورةٍ ... حُشُدٍ، لَهُمْ مَجدٌ أَشَمُّ تَلِيدُ
أَلْفَوا أَباهُمْ سَيِّداً وأَعانَهُمْ ... كَرَمٌ وأَعمامٌ لَهُمْ وجُدُودُ
إِذْ كلُّ حَيٍّ نابِتٌ بِأَرُومَةِ ... نَبْتَ العِضَاهِ فَمَاجِدٌ وكَسِيدُ
نُعْطِي العَشِيرَةَ حَقَّها وحَقِيقَها ... فيها، ونَغْفِرُ ذَنْبَها ونَسُودُ
وإِذَا تُحَمِّلُنا العَشِيرَةُ ثِقْلَها ... قُمْنَا بِهِ، وإِذَا تَعُودُ نَعُودُ
وإِذَا نُوَافِقُ جُرْأَةً أَوْ نَجْدَةً ... كنَّا، سُمَيَّ بِها العَدُوَّ نَكِيدُ
بل لاَ نَقُولُ إِذَا تَبَوَّأَ جِيرَةٌ ... إِنَّ المَحَلَّة شِعْبُها مَكْدُودُ
إِذْ بَعْضُهُمْ يَحْمِي مَرَاصِدَ بَيْتِهِ ... عنْ جارِهِ وسَبِيلُنا مَوْرُودُ
قالَتْ سُمَيَّةُ: قد غَوِيتَ، بأَنْ رَأَتْ ... حَقًّا تَناوَبَ مالَنَا ووُفُودُ
غَيٌّ لَعَمْرُكَ لا أَزالُ أَعُودُهُ ... ما دَامَ مالٌ عندَنا مَوْجُودُ
قال معاوية أيضاً:
أَجَدَّ القلبُ منْ سَلْمى اجْتِنابا ... وأَقْصَرَ بَعْدَ ما شَابتْ وشَابَا
وشابَ لِدَاتُهُ وعَدَلْنَ عنهُ ... كما أَنْضَيْتَ مِن لُبْسٍ ثِيابَا
فإِنْ تَكُ نَبْلُها طاشَتْ ونَبْلِي ... فقد نَرْمِي بها حِقَباً صِيَاباً
فَتَصطادُ الرجالَ إِذَا رَمَتْهُمْ ... وأَصْطادُ المُخَبَّأَةَ الكَعابَا
فإِنْ تَكُ لا تَصِيدُ اليومَ شيئاً ... وآبَ قَنِيصُها سَلَماً وخَابَا
فإِنَّ لها منازِلَ خاوياتٍ ... عَلَى نَملَى وَقَفْتُ بها الرِّكابَا
مِنَ الأَجْزاعِ أَسْفَلَ من نُمَيْلٍ ... كما رَجَّعْتَ بالقلَمِ الكِتابَا
كتابَ مُحَبِّرٍ هاجٍ بَصِيرٍ ... يُنَمِّقُهُ وحاذَرَ أَنْ يُعابَا
وَقَفْتُ بِها القَلُوصَ فلم تُجْبِنِي ... ولو أَمْسَى بها حَيٌّ أَجابَا
وناجِيَةٍ بَعَثْتُ عَلَى سَبِيلٍ ... كأَنَّ علَى مَغابِنِها مَلابَا
ذَكَرْتُ بِها الإِيابَ وَمَنْ يُسَافِرْ ... كما سَافَرْتُ يَدِّكِرِ الإِيابَا
رَأَبْتُ الصَّدْعَ من كَعْبٍ فأَوْدَى ... وكانَ الصَّدْعُ لا يَعِدُ ارْتِئابَا
فأَمْسَى كَعْبُهَا كَعْباً وكانتْ ... من الشَّنْآنِ قدْ دُعِيَتْ كِعابَا
حَمَلْتُ حَمالَةَ القُرَشيِّ عنهمْ ... ولا ظُلْماً أَرَدْتُ ولا اخْتِلاَبَا
أُعَوِّدُ مِثلَها الحُكماءَ بَعْدِي ... إِذَا ما الحقُّ في الأَشْياعِ نابَا
سَبَقْتُ بها قَدُامَةَ أَو سُمَيْراً ... ولو دُعِيَا إِلى مِثْلٍ أَجَابَا
وأَكفِيها مَعاشِرَ قد أَرَتْهُمْ ... منَ الجَرْباءِ فَوْقَهُمُ طِبابَا

يَهُرُّ مَعاشِرٌ مِنِّي ومنهمْ ... هَرِيرَ النَّابِ حاذَرَتِ العِصَابَا
سَأَحْمِلُها وتَعْقِلُها غَنيٌّ ... وأُورِثُ مَجْدَها أَبَداً كِلاَبَا
فإِنْ أَحْمَدْ بها نَفْسِي فإِنِّي ... أَتَيْتُ بها غَدَاتَئِذٍ صَوَابَا
وكنْتُ إِذا العَظِيمَةُ أَفْظَعَتْهُمْ ... نَهَضتُ ولا أَدِبُّ لها دِبَابَا
بحَمدِ اللهِ ثُمّ عَطاءِ قَوْمٍ ... يَفُكُّونُ الغَنائِمَ والرِّقابَا
إِذا نَزَلَ السَّحابُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعْيناه وإِنْ كانُوا غِضابَا
بِكلِّ مُقَلِّصٍ عبْلٍ شَوَاهُ ... إِذَا وُضِعَتْ أَعِنَّتُهُنَّ ثابَا
ودَافِعةِ الحِزَامِ بِمِرْفَقَيْها ... كَشَاةِ الرَّبْلِ آنَسَتِ الكِلاَبَا

قال
عامر بن الطفيل
لقد عَلِمَتْ عُلْيَا هَوَازِنَ أَنَّنِي ... أَنا الفارِسُ الحامِي حَقِيقَةَ جَعْفَرِ
وقد عَلِمَ المَزْنُوقُ أَنِّي أَكُرُّهُ ... علَى جَمْعِهِمْ كَرَّ المَنِيحِ المُشَهَّرِ
إِذَا ازْوَرَّ من وَقْعِ الرِّماحِ زَجَرْتُهُوقُلتُ: لَهُ ارْجعْ مُقْبِلاً غيرَ مُدْبِرِ
وأَنْبَأْتُهُ أَنَّ الفِرَارَ خَزَايَةٌ ... علَى المَرْءِ ما لم يُبْلِ جَهْداً ويُعذِرِ
أَلَسْتَ تَرَى أَرماحَهُمْ فِيَّ شُرَّعاً ... وأَنْتَ حِصَانٌ ماجِدُ العِرْقِ فاصْبِرِ
أَرَدْتُ لِكيْ لا يَعْلمَ اللهُ أَنَّنِي ... صَبَرْتُ وأَخْشَى مِثْلَ يومِ المُشَقَّرِ
لَعَمْرِي، وما عَمْرِي عليَّ بِهَيِّنٍ، ... لقَدْ شَانَ حُرَّ الوَجْهِ طعْنَةً مُسْهِرِ
فَبِئْسَ الفَتَى إِن كُنْتُ أَعْوَرَعاقِراً ... جَباناً، فَما عُذْرِي لدى كُلِّ مَحْضَرِ
وقد عَلِمُوا أَنِّي أَكُرُّ عليهمُ ... عَشِيَّةَ فَيْف الرِّيح كَرَّ المُدَوِّرِ
وما رِمْتُ حتي بَلَّ نَحْري وصَدْرَهُ ... نَجيعٌ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُسيَّرِ
أَقُولُ لِنَفْسِ لا يُجادُ بِمِثْلِها ... :أَقِلِّي المِراحَ إِنَّنِي غيرُ مُقْصِرِ
فلو كانَ جَمْعٌ مثلُنا لم نُبالِهِمْ ... ولكِنْ أَتَتْنا أُسْرَةٌ ذاتُ مَفْخَرِ
فَجَاؤُوا بِفُرْسانِ العَرِيضَةِ كُلِّها ... وأَكْلُبَ طُرًّا في لباسِ السَّنَوَّرِ
قال عامر بن الطفيل أيضاً:
ولَتَسْئَلَنْ أَسماءُ، وهْيَ حَفِيَّةٌ، ... نُصَحاءَها: أَطُرِدْتُ أَمْ لم أُطْرَدِ
قالُوا لها: فلقد طَرَدْنا خَيْلَهُ ... قُلْحَ الكِلاَبِ، وكنْتُ غيرَ مَطَرَّدِ
فَلأََنْعينَّكُمُ المَلاَ وعُوَارِضاً ... ولأَُهْبِطَنَّ الخيلَ لاَبَةَ ضَرْغَدِ
بالخيلِ تَعْثُرُ في القَصِيدِ كأَنَّها ... حِدَأٌ تَتاَبَعَ في الطَّرِيقِ الأَقْصَدِ
ولأََثْأَرَنَّ بِمالِكٍ وبِمالِكٍ ... وأَخِي المَرَوْرَاةِ الذِي لم يُسْنَدِ
وقَتِيلَ مُرَّةَ أَثْأَرَنَّ فَإِنَّهُ ... فَرْغٌ، وإِنَّ أَخَاهُمُ لم يُقْصَدِ
يا أَسْمَ أُخْتَ بَنِي فَزَارَةَ إِنَّنِي ... غَازٍ، وإِنَّ المَرْءَ غَيرُ مُخلَّدِ
فِيئِي إِليكَ فلا هَوَادَةَ بَيْنَنا ... بَعْدَ الفَوَارِسِ إِذْ ثَوَوْا بالمَرْصَدِ
إِلاَّ بِكلِّ أَحَمَّ نَهْدٍ سابِحٍ ... وعُلاَلَةٍ من كلِّ أَسْمَرَ مِذْوَدِ
وأَنا أبْنُ حَرْبٍ لاَ أَزَالُ أَشُبُّها ... سَمَراً وأُوقدُها إِذَا لم تُوقَد
فإِذا تَعَذَّرَتِ البلادُ فأَمْحَلَتْ ... فَمَجَازُها تَيْماءُ أَو بالأَثْمُدِ
قال
عوف بن الأحوص
لَمَّا دَنَوْنا لِلْقِيابِ وأَهْلِها ... أُتِيحَ لنا ذِئْبٌ معَ اللَّيلِ فاجِرُ

أُتيحَتْ لنا بَكْرٌ وتحتَ لِوَائِها ... كتَائِبُ يَرْضاها العَزِيزُ المَفَاخِرُ
وَجاءَتْ قُرَيشٌ حافِلِينَ بجَمْعهِمْ ... وكانَ لَهُمْ في أَوَّلِ الدَّهْرِ ناصِرُ
وكانت قُرَيْشٌ لوْ ظَهَرْنَا عليهِمُ ... شفاءً لما في الصَّدْرِ، والبُغْضُ ظَاهِرُ
حَبَتْ دُونَهُمْ بَكْرٌ فلم نَسْتَطِعْهُمُ ... كأَنَّهُمُ بالمَشْرَفِيَّةِ سَامِرُ
وَما بَرِحَتْ بَكْرٌ تثُوبُ وتَدَّعِي ... ويَلْحَقُ منهمْ أَوَّلُونَ وآخِرُ
لَدُنْ غُدْوَةً حتَّى أَتَى اللَّيلُ وانجَلَت ... غَمامةُ يومٍ شَرَّهُ مُتظاهِرُ
وما زالَ ذاكَ الدَّأْبُ حتَّى تَخَاذَلَتْ ... هَوَازِنُ فارْفَضَّتْ سُلَيْمٌ وعَامِرُ
وكانَتْ قريشٌ يَفْلِقُ الصَّخْرَ حَدُّها ... إِذا أَوْهَنَ النَّاسَ الجُدُودُ العَوَاثِرُ

قال
الجميح
يا جارَ نَضْلَةَ قد أَنَى لكَ أَنْ ... تَسْعَى بجارِكَ في بَنِي هِدْم
مُتَنظِّمِينَ جِوَارَ نَضْلَةَ يَا ... شَاهَ الوُجُوهِ لذلكَ النَّظْمِ
وبَنُو رَوَاحَةَ يَنْظُرُونَ إِذَا ... نَظَرَ النَّدِيُّ بِآنُفٍ خُثْمٍ
حاشَى أَبَا ثَوْبَانَ إِنَّ أَبا ... ثَوْبَانَ ليسَ بِبُكْمَةٍ فَدْمِ
عَمْرَو بنَ عبد اللهِ إِنَّ بهِ ... ضَنًّا عنِ المَلْحَاةِ والشَّتْمِ
لاَ تَسْقِنِي إِنْ لم أُزْرِ سَمَراً ... غَطَفَانَ مَوْكِبَ جَحْفَلٍ دُهْمِ
لَجِبٍ إِذَا ابْتدُّوا قَنابِلَهُ ... كَنَشاصِ يوم المِزْرَم السَّجْم
مَجْرٍ يَغَصُّ بهِ الفَضَاءَ، لَهُ ... سَلَفٌ يَمُورُ عَجَاجُهُ، فَخْمِ
يَنعَوْن نَضْلةَ بالرِّماح عَلَي ... جُرْدٍ تَكَدَّسُ مِشْيَةَ العُصْمِ
مِنْ كُلِّ مُشْتَرِفٍ ومُدْمَجَةٍ ... كالكَرِّ مِنْ كُمْتٍ ومن دُهْمِ
حتَّى أُجازيَ بالذي اجْتَرْمَتْ ... عبْسٌ بأَسْوَأ ذلكَ الجُرْمِ
يا نَضْلَ لِلضَّيْفِ الغَريب وللْ ... جَارِ المَضِيمِ وحامِلِ الغُرْمِ
أَوْ مَنْ لأَِشْعثَ بعْلِ أَرملَةٍ ... مثْلِ البَلِيَّةِ سَمْلَةِ الهدْم
قال
حاجب بن حبيب الأسدي
باتَتْ تَلومُ علَى ثادِقٍ ... لِيُشْرَى فقد جَدَّ عِصْيانُهَا
أَلاَ إِنَّ نَجْوَاكِ في ثادِقٍ ... سَواءٌ عليَّ وإِعْلاَنُهَا
وقالتْ: أَغِثْنا بهِ إِنَّنِي ... أَرَى الخيلَ قد ثابَ أَثْمانُهَا
فقلتُ أَلَمْ تَعْلمِي أَنَّهُ ... كَريمُ المَكَبَّة مِبْدَانُهَا
كُمَيْتٌ أُمِرَّ عَلَى زُفْرَةٍ ... طوِيلُ القوائِم عُرْيانُهَا
تَرَاهُ على الخيل ذا جُرْأَة ... إِذا ما تَقَطَّعَ أَقْرَانُهَا
وَهُنَّ يَرِدْنَ وُرُودَ القَطَا ... عُمَانَ وقد سُدَّ مُرَّانُهَا
طَوِيلُ العِنَان قليلُ العِثَا ... ر خَاظِي الطَّرِيقَةِ رَيَّانُهَا
وقلتُ: أَلَم تَعْلَمِي أَنَّهُ ... جَمِيلُ الطُّلاَلَةِ حُسَّانُهَا
يَجُمُّ على السَّاق بعدَ المِتَانِ ... جُمُوماً ويُبْلَغُ إِمْكَانُهَا
قال حاجب أيضاً:
أَعْلَنْتُ في حُبِّ جُمْلٍ أَيَّ إِعْلاَنِ ... وقد بَدَا شَأْنُها مِنْ بَعْدِ كِتْمَانِ
وقد سَعَى بيننا الوَاشُونَ واخْتَلَفُوا ... حتَّى تَجَنَّبْتُها من غيرِ هِجْرَانِ
هَلْ أَبْلُغَنْها بِمثْلِ الفَحْلِ ناجِيَةٍ ... عَنْسٍ عُذَافِرَةٍ بالرَّحْلِ مِذْعَانِ
كأَنَّها وَاضِحُ الأَقْرَابِ حَلأََّةٌ ... عن ماءٍ مَاوَانَ رَامٍ بَعْدَ إِمْكَانِ

فَجَال هَافٍ كَسَفُّودِ الحَديدِ لَهُ ... وَسْطَ الأَماعِزِ، منْ نَقْعٍ، جَنَابَانِ
تَهْوِي َسنابِكُ رِجْلَيْهِ مُحَنَّبَةً ... في مُكْرَهٍ من صَفِيحِ القُفِّ كَذَّان
يَنْتَابُ ماءَ قُطَيَّاتٍ فَأَخْلَفَهُ ... وكانَ مَوْرِدُهُ ماءً بِحَوْرانِ
تَظَلُّ فيه بناتُ الماءِ أَنْجِيَةً ... كأَنَّ أَعْيُنَها أَشباهُ خِيلاَنِ
فلم يَهُلْهُ ولكنْ خاضَ غَمْرَتَهُ ... يَشْفِي الغَلِيلَ بِعَذْبٍ غيرِ مِدَّانِ
وَيْلٌ أمِّ قومٍ رَأَيْنا أَمْسِ سَادَتَهُمْ ... فِي حادِثاتٍ أَلمَّت خَيْرَ جِيرانِ
يَرْعَيْنَ غِبًّا وإِنْ يَقْصُرْنَ ظاهِرَةً ... يَعْطِف كِرَامٌ علَى ما أَحْدَثَ الجانِي
والحارِثانِ إِلى غاياتِهِمْ سَبَقاً ... عَفْواً كما أَحْرَزَ السَّبْقَ الْجَودانِ
والمُعْطِيانِ ابْتِغَاءَ الحمدِ مالَهما ... والحمدُ لا يُشْتَرَى إِلاَّ بأَثْمَان

قال
سبيع بن الخطيم التيمي
بانَتْ صَدُوفُ فقلبُهُ مخطوفُ ... ونأَتْ بجانبِها عليكَ صَدُوفُ
واسْتَوْدَعَتْكَ منَ الزَّمانةِ إِنَّها ... مِمَّا تَزُورُكَ نائِماً وتَطُوفُ
واسْتَبْدَلَتْ غَيْرِي وفارَقَ أَهْلُها ... إِنَّ الغَنِيَّ على الفَقِيرِ عَنِيفُ
إِمَّا تَرَيْ إِبْلِي كأَنَّ صُدُورَها ... قَصَبٌ بأَيْدِي الزَّامِرِينَ مَجُوفُ
فَزَجَرْتُها لَمَّا أَذيتُ بِسَجْرِها ... وقَفَا الحنِينَ تجَرُّرٌ وصَرِيفُ
فَاقْنَيْ حَياءَكِإِنَّ رَبَّكِ هَمُّهُ ... في بَيْنِ حَزْرَةَ والثُّوَيْرِ طَفِيفُ
فاسْتَعْجَمَتْ وتَتابَعتْ عَبَرَاتُها ... إِنَّ الكَريمَ لِما أَلَمَّ عَرُوفُ
واعْتادَها لَمَّا تَضَايَقَ شِرْبُها ... بِلِوَى نَوَادِرَ مَرْبَعٌ ومَصِيفُ
أَمَّا إذا قاظَتْ فإِنَّ مَصِيرَها ... هَضْبُ القَلِيبِ فَعَرْدَةٌ فأَفوفُ
وإِذَا شَتَتْ يوماً فإِنَّ مكانَها ... بَلَدٌ تَحاماهُ الرِّماحُ ورِيفُ
ولقد هَبَطْتُ الغَيْثُ أَصْبحَ عازِباً ... أُنُفاً بهِ عُوذُ النِّعاجِ عُطُوفُ
مُتَهَجِّمَاتٌ بالفَرُوقِ وثَبْرَةٍ ... حِينَ ارْتَبَأَتُ كأَنَّهُنَّ سُيُوفُ
ولقد شَهِدْتُ الخيلَ تَحْمِلُ شِكَّتي ... جَرْاَدءُ مُشْرِفَةُ القَذَالِ سَلُوفُ
تَرْمِي أَمامَ النَّاظِرَيْنِ بِمُقْلَةٍ ... خَوْصاءَ يَرْفَعُها أَشَمُّ مُنِيفُ
ومَجَالِسٍ بِيضُ الوُجُوهِ أَعِزَّةٌ ... حُمْرُ الِلّثاتِ كَلاَمُهُمْ مَعْرُوفُ
أَرْبَابُ نَخْلَةَ والقُرَيْظِ وسَاهِمٍ ... إِنِّي كذلكَ آلِفٌ مأْلوفُ
إِنِّي مُطِيعُكِ ثُمَّ إِنِّي سائلٌ ... قَوْمِى، وكُلُّهُمُ عليَّ حَلِيفُ
مِنْ غَيْرِ ما جُرْمٍ أَكُونُ جَنَيْتُهُ ... فيهمْ، وَلا أَنا إِنْ نُسِبْتُ قَذِيفُ
ومُسيَّبٍ خَصِرٍ ثَوَى بِمِضَلَّةٍ ... وإِذا تُحَرِّكُهُ الرِّياحُ يَزِيفُ
حَلَّتْ بهِ بَعْدَ الهُدُوِّ نِطاقَها ... مِسْعٌ مُسَهَّلَةُ النِّتاجِ زَحُوفُ
تَزَعُ الصَّبَا رَيْعانَهُ ودَنَتْ لهُ ... دُلُحٌ يَنْؤُنْ،َعِظامَهُنَّ ضَعِيفُ
تَنْفِي الحَصَى حَجَراتُهُ وكأَنَّهُ ... بِرِحالِ حِمْيَرَ بالضُّحَى مَحْفُوفُ
قال
ربيعة بن مقروم الضبي
تَذَكَّرْتُ، والذِّكْرى تُهِيجُكَ، زَيْنَبَا ... وأَصْبَحَ باقِي وَصْلِها قد تَقَضَّبَا
وحَلَّ بِفْلَجٍ فالأَباتر أَهْلُنا ... وشَطَّتْ فَحَلَّتْ غَمَرَةً فَمُثَقَّبَا

فإِمَّا تَرَيْنِي قد تَرَكْتُ لجَاجَتي ... وَأَصْبَحْتُ مُبْيَضَّ العِذَارَيْنِ أَشْيَبَا
وَطاوَعْتُ أَمْرَ العاذِلاتِ وَقد أُرَى ... عليهنَّ أَبَّاءَ القَرِينَةِ مِشْغَبَا
فَيارُبَّ خَصْمٍ قد كَفَيْتُ دِفاعَهُ ... وقَوَّمْتُ منهُ دَرْأَهُ فَتَنَكَّبَا
ومَوْلىً علي ضَنْكِ المَقامِ نَصَرْتُهُإِذَا النِّكْسُ أَكْبَى زَنْدَهُ فَتَذَبْذَبَا
وأَضْيافِ لَيلٍ في شَمَالٍ عَرِيَّة ... قَرَيْتُ منَ الكُومِ السَّدِيفَ المُرَعَّبَا
ووَارِدَةٍ كأَنَّها عُصَبُ القَطَا ... تُثيرُ عَجَاباً بالسَّنابِكِ أَصْهَبَا
وزَعْتُ بِمِثْلِ السِّيدِ نَهْدٍ مُقَلَّصٍ ... كَمِيشٍ إِذَا عِطْفَاهُ ماءً تَحَلَّبَا
وأَسْمَرَ خَطِّيٍّ كأَنَّ سِنانَهُ ... شِهابُ غَضاً شَيَّعْتَهُ فَتَلَهَّبَا
وفتْيانِ صِدْقٍ قد صَبَحْتُ سُلاَفَةً ... إِذا الدِّيكُ في جَوْشٍ منَ اللَّيْلِ طَرَّبَا
سُخَامِيَّةً صَهْباءَ صِرْفاً، وتارةً ... تَعَاوَرُ أَيديهمْ شِوَاءً مُضَهَّبَا
ومَشْجُوجَةً بالماءِ يَنْزُو حَبابُها ... إِذا المُسْمِعُ الغِرِّيدُ مِنها تَحَبَّبَا
وسَرْبٍ إِذا غَصَّ الجَبانُ بِرِيقِهِ ... حَمَيْتُ إِذا الدَّاعِي إِلى الرَّوْعِ ثَوَّبَا
ومرْبأَةٍ أَوْفَيْتُ جُنْحَ أَصِيلَةٍ ... عليها كما أَوْفَى القَطَامِيُّ مَرْقَبَا
رَبيئَةَ جَيْشٍ أَو رَبِيئَةَ مِقْنَبٍ ... إِذَا لم يَقُدْ وَغْلٌ منَ القومِ مِقْنَبَا
فلمَّا انْجلَى عَنِّي الظَّلاَمُ دَفَعْتُها ... يُشَبِّهها الرّائِي سَرَاحِينَ لُغَّبَا
إِذا ما عَلَتْ حَزْناً بَرَتْ صَهَواتِهِ ... وإِنْ أَسْهَلَتْ أَذْرَتْ غُباراً مُطَنَّبَا
فَما انْصَرَفَتْ حتى أَفاءَتْ رماحُهُمْ ... لأَِعْدَائِهمْ في الحربِ سَمًّا مُقَشَّبَا
مَغاويرَ لا تَنْمِي طَريدةُ خَيْلِهمْ ... إِذَا أَوْهَل الذُّعْرُ الْجَبانَ المُركَّبَا
ونحن سَقَيْنا مِنْ فَريرٍ وبُحْتُرٍ ... بِكلِّ يَدٍ مِنَّا سِناناً وثَعْلَبَا
ومَعْنٍ ومِن حَيَّيْ جَدِيلَةَ غادَرتْ ... عَمِيرَةَ والصِّلَّخْمَ يَكْبُو مُلَحَّبَا
ويومَ جُرَادَ اسْتَلْحَمَتْ أَسَلاَتُنا ... يَزيدَ ولم يَمْرُرْ لَنا قَرْنُ أَعْضَبَا
وقاظَ ابنُ حِصْنٍ عانِياً في بُيُوتنا ... يُعالِجُ قِدًّا في ذِرَاعَيْهِ مُصْحَبَا
وفارسَ مَرْدُودٍ أَشَاطَتْ رِماحُنا ... وأَجْزَرْنَ مَسْعُوداً ضِبَاعاً وأَذْؤُبَا

قال
عبد الله بن عنمة الضبي
أَشَتَّ بِلَيْلَى هَجْرُها وبِعادُها ... بما قَدْ تُؤَاتِينا ويَنْفَعُ زَادُهَا
سَنَلْهُو بِلَيْلَى والنَّوَى غَيْرُ غَرْبةٍ ... تَضَمَّنَها منْ رَامَتَيْن جِمَادُهَا
ليَالِيَ لَيْلَي إِذْ هِيَ الهَمُّ والهَوَى ... يُرِيدُ الفُؤَادُ هَجرَها فَيُصَادُهَا
فلمّا رأَيتُ الدَّارَ قَفْراً سأَلْتُها ... فَعَيَّ علينا نُؤْيُها ورَمادُهَا
فلم يَبْقَ إِلاَّ دمْنَةٌ ومَنازِلٌ ... كما رُدَّ في خَطِّ الدَّوَاةِ مِدَادُهَا
إِذَا الحارِثُ الْحَرَّابُ عادَى قَبيلةً ... نَكاها ولم تَبْعُدْ عليه بِلاَدُهَا
سَمَوْتَ بِجُرْدٍ في الأَعِنَّةِ كالقَنَا ... وهُنَّ مَطايا ما يَحِلُّ فِصادُهَا
يُعَلِّقُ أَضْغاثَ الْحَشيشِ غُوَاتُها ... ويُسْقَى بِخِمْسٍ بَعْدَ عِشْرٍ مَرَادُهَا
يُطَرِّحْنَ سَخْلَ الخيلِ في كلِّ مَنْزِلٍ ... تَبَيَّنُ منهُ شُقْرُها ووِرادُهَا

لَهُنَّ رَذِيَّاتٌ تَفُوقُ وحاقِنٌ ... منَ الجُهْد والمِعْزَى أَبانَ كُبادُهَا
كَفاكَ الإِلهُ إِذْ عَصاكَ مَعاشِرٌ ... ضِعافٌ قليلٌ لِلعدُوِّ عَتادُهَا
صُدُورُهُمُ شَناءَةٌ فَنفاسَةٌ ... فلاَ حُلَّ مِنْ تلكَ الصُّدُورِ قَتادُهَا
بأَيديهِمُ قَرْحٌ منَ العَكْمِ جالِبٌ ... كما بانَ في أَيْدِي الأُسارَى صِفادُهَا
قدِ اصْفَرَّ من سَفْعِ الدُّخانِ لِحَاهُمُ ... كمالاحَ من هُدْبِ المُلاَءِ جِسادُهَا
لِئامٌ مُبِينٌ لِلْعَشِيرَةِ غِشُّهُمْ ... وقد طالَ من أَكلِ الغِثاثِ افْتِئَادُهَا
فآبَ إِلى عُجْرُوفةٍ باهِلِيَّةٍ ... يُخَلُّ عليها بالعَشِيِّ بِجادُهَا
حُذُنَّةُ لمَّا ثابَتِ الخيلُ تَدَّعِي ... بمُرَّةَ لم تُمْنَعْ وفَرَّ رُقادُها
تَقُولُ لهُ لمَّا رَأَتْ خَمْعَ رِجْلِهِ ... أَهذا رَئيسُ القَوْمِ؟ رَادَ وِسَادُهَا
رَأَتْ رَجُلاً قد لاحَهُ الغَزْوُ مُعَلِماً ... لهُ أُسْرَةٌ في المَجدِ رَاسٍ عِمَادُهَا
فَباتتْ تُعَشِّيهِ الفَصِيدَ وَأَصْبَحَتْ ... يُفَزَّعُ مِنْ هَوْلِ الجَنانِ فُؤَادُهَا
وإِنِّي على ما خَيَّلَتْ لأََظُنُّها ... سَيَأتِي عُبَيْداً بَدْؤُها وعِيَادُهَا
سَيَأَتِي عُبَيْداً رَاكِبٌ فيقُودُهُ ... فَيَهْبِطُ أَرضاً ليس يُرْعَى عَرَادُهَا
فلولا وَجَاهَا والنِّهابُ التي حَوَتْ ... لكانَ على أَبْناءِ سَعْدٍ معَادُهَا
قال عبد الله بن عنمة أيضاً:
ما إِنْ تَرَى السِّيدُ زَيْداً في نُفُوسِهمُ ... كما تَرَاهُ بنُو كُوزٍ ومَرْهُوبُ
إِنْ تَسْأَلوا الحَقَّ نُعْطِ الحَقَّ سائِلَهُوالدِّرْعُ مُحْقَبَةٌ والسَّيفُ مَقْرُوبُ
وإِنْ أَبَيْتُمْ فإِنَّا مَعْشَرٌ أُنُفٌلاَ نَطْعَمُ الذُّلَّ إِنَّ السُّمَّ مشْرُوبُ
فازْجُرْ حِمَارَكَ لا يَرْتَعْ بِرَوْضَتِنا ... إِذاً يُرَدُّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ
وَلا يَكُونَنْ كَمُجْرَى دَاحِسٍ لكُمُ ... في غَطَفَانَ غَدَاةَ الشِّعْبِ عُرْقُوبُ
إِنْ يَدْعُ زَيْدٌ بَني ذُهْل لِمَغْضَبَةٍنَغْضَبْ لِزُرْعَةَ إِنَّ القَبْصَ مَحْسُوبُ

قال
عبد قيس بن خفاف
أَجُبَيْلُ إِنَّ أَباكَ كارِبَ يَوْمُهُ ... فإِذَا دُعِيتَ إِلى العَظَائِم فاعْجَلِ
أُوصِيكَ إِيصَاءَ امْرِىءٍ لكَ ناصِحٍ ... طَبِنٍ بِرَيْبِ الدَّهْرِ غيرِ مُغفَّلِ
اللهَ فاتَّقِهِ وأَوْفِ بِنذْرِهِ ... وإِذَا حَلَفْت مُمارِياً فَتَحَلَّلِ
والضَّيْفَ أَكْرمْهُ فإِنَّ مَبِيتَهُ ... حَقٌّ، ولا تَكُ لُعْنَةً لِلنُّزَّلِ
وأعلمْ بأَنَّ الضيفَ مُخْبِرُ أَهْلِهِ ... بِمَبيتِ لَيلتِهِ وإِنْ لم يُسْأَلِ
ودَعِ القَوَارِصَ للصَّدِيقِ وغيرِهِ ... كَيْ لاَ يَرَوْكَ من اللِّئام العُزَّلِ
وصِلِ المُوَاصِلَ ما صَفَا لكَ وُدُّهُ ... واحْذَرْ حِبالَ الخائِنِ المُتَبَدِّلِ
واتْرُكْ مَحَلَّ السَّوْءِ لا تَحْلُلْ بهِ ... وإذَا نَبَا بِكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلِ
دَارُ الهَوَانِ لِمَنْ رَآها دَارَهُ ... أَفَرَاحِلٌ عنها كَمَنْ لم يَرْحَلِ
وإِذا هممتَ بأَمرِ شَرٍّ فاتَّئِدْ ... وإِذَا هممتَ بأَمْرِ خيرٍ فافْعَلِ
وإِذا أَتَتْكَ من العَدُوِّ قَوارِصٌ ... فاقْرُصْ كذاكَ وَلا تَقُلْ لم أَفْعَلِ
وإِذا افْتَقَرْتَ فلاَ تَكُنْ مُتَخشِّعاً ... تَرْجُو الفَواضِلَ عندَ غيرِ المُفْضِلِ

وإِذا لقِيتَ القومَ فاضرِبْ فيهمُ ... حتَّى يَرَوْكَ طِلاءَ أَجْرَبَ مُهْمَل
واسْتَغْنِ ما أَغْناكَ رَبُّكَ بالغِنَى ... وإِذَا تُصِبْك خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
واسْتَأَنِ حِلْمَكَ في أُموركَ كُلِّها ... وإِذا عَزَمْتَ علي الهَوَى فَتَوكَّلِ
وإِذا تَشَاجَرَ في فُؤَادِكَ مَرَّةً ... أَمْرَانِ فاعْمِدْ لِلأَعَفِّ الأَجْمَلِ
وإِذا لَقيتَ الباهِشِينَ إشلى النَّدَى ... غُبْراً أَكُفُّهُمُ بِقاعٍ مُمْحِلِ
فَأَعِنْهُمُ وأيْسِرْ بِما يَسَرْوا بهِ ... وإِذا هُمُ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فانْزِلِ

قال عبد قيس أيضا
ً
صَحَوْتُ وزَايَلَني باطِلِي ... لَعَمْرُ أَبِيكَ، زِيَالاً طَويلا
وأَصْبَحْتُ لا نَزِقاً باللِّحَاءِ ... ولا لِلُحُوم صَدِيقي أَكُولاَ
ولا سابقِي كاشِحٌ نازِحٌ ... بِذَخْلٍ إِذا ما طَلَبْتُ الذُّحُولاَ
فأَصْبَحْتُ أَعْدَدْتُ لِلنَّائبا ... تِ عِرْضاً بَرِيئاً وعَضْباً صَقيلا
ووَقْعَ لِسانٍ كَحَدِّ السِّنانِ ... ورُمْحاً طَويلَ القَناةِ عَسُولا
وسابِغةً منْ جِيادِ الدُّرُو ... عِ تَسْمَعُ للسَّيفِ فيها صَلِيلاَ
كَمَاءِ الغَدِيرِ زَفَتْهُ الدَّبُورُ ... يَجُرُّ المُدَجَّجُ منها فُضُولاَ
قال
المثقب العبدي
أَصَبْنا مَنْ أَصبْنا ثُم فِئْنا ... على أَهلِ الشُّرَيْفِ إِلى شَمَامِ
وَجَدْنا مَنْ يَقُودُ يَزيدُ منهمْ ... ضِعافَ الأَمرِ غيرَ ذَوِي نِظَامِ
فأَجْرِ يَزْيدُ مَذْمُوماً أَوِ انْزِعْ ... عَلَى عَلْبٍ بأَنْفِكَ كالْخِطَامِ
كأَنَّكَ عَيْرُ سَالِئةٍ ضَرُوطٌ ... كَثِيرُ الجهْلِ شَتَّامُ الكِرَامِ
وإِنَّ الناسّ قد عَلِمُوكَ شيْخاً ... تَهَوَّكُ بالنَّوَاكةِ كلَّ عامِ
وإِنكَ مِن هِجاء بَنِي تَميمٍ ... كَمُزْدَادِ الغَرَامِ إِلى الغَرَامِ
هُمُ مَنُّوا عليكَ فلم تُثِبْهُمْ ... فَتِيلاً غَيرَ شتْمٍ أَو خِصَامِ
وهُمْ تَرَكُوكَ أَسْلَحَ مِنْ حُبارَى ... رَأَتْ صَقْراً وأَشْرَدَ من نَعَامِ
وهُمْ ضَرَبُوكَ ذَاتَ الرَّأسِ حتَّى ... بَدَتْ ُأُّم الدِّماغِ من العِظامِ
إِذَا يَأْسُونَها نَشَزَتْ عليهمْ ... شَرَنْبَثةُ الأَصابع أُمُّ هَامِ
فَمَنَّ عليكَ أَنَّ الجِلْدَ وَارَى ... غَثِيثَتَها وإِحْرَامُ الطَّعامِ
وهُمْ أَدَّوْا إِليكَ بَنِي عِدَاءٍ ... بِأَفْوَقَ ناصِلٍ وبِشَرِّ ذَامِ
وحَيَّيْ جَعْفَرٍ والحَيِّ كَعْبأ ... وحَيِّ بَنِي الوَحِيدِ بَلاَ سَوَامِ
فإِنا لم يَكُنْ ضَبَّاءُ فِينا ... ولاَ ثَقْفٌ ولا ابْنُ أَبي عِصامِ
ولا فَضْحُ الفُضُوحِ ولا شُيَيْمٌ ... ولا سُلْماكُمُ، صَمِّي صَمَامِ
قَتلْتُمْ جارَكُمْ وقَذَفْتُمُوهُ ... بأُمِّكُمُ، فَما ذَنْبُ الغُلاَمِ
أَلاَ مَنْ مُبْلِغُ الجرْمِىِّ عَنِّي ... وخَيْرُ القَوْلِ صادِقَةُ الكِلاَمِ
فَهَلاَّ إِذْ رَأَيْتَ أَبا مُعاذٍ ... وعُلْبَةَ كُنَْ فيها ذَا انتقامِ
أَرَاهُ مَجَامِعَ الوَرِكَيْنِ منها ... مَكانَ السَّرْجِ أُثْبِتَ بالحِزَامِ
قال
علقمة بن عبدة بن النعمان بن قيس
طَحَا بِكَ قَلْبٌ في الحِسَانِ طَرُوبُ ... بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حانَ مَشِيبُ
يُكَلِّفُنِي لَيْلَى وقد شَطَّ وَلْيُها ... وعادَتْ عَوَادٍ بيننا وخُطُوبُ
مُنَعَّمَةٌ ما يُسْتَطَاعُ كِلاَمُها ... عَلَى بَابِها منْ أَنْ تُزَارَ رَقيبُ

إِذَا غابَ عنها البْعلُ لم تُفش سِرَّهُ ... وتُرْضِي إِيَابَ البعلِ حينَ يَؤُوبُ
فَلا تَعْدِلي بَيْني وبَيْنَ مُغَمَّرٍ ... سَقَتْكِ رَوَايَا المُزْنِ حينَ تَصُوبُ
سَقَاكَ يَمَانٍ ذُو حَبيٍّ وعارِضٍ ... تَرُوحُ به جُنْحَ العَشِيِّ جَنُوبُ
وما أَنتَ أَمْ ما ذِكْرُها رَبَعِيَّةٍ ... يُخَطُّ لها منْ ثَرْمَدَاءَ قَلِيبُ
فإِنْ تَسْأَلونِي بِالنِّساءِ فإِنَّني ... بَصِيرٌ بأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
إِذَا شاب رَأْسُ المرءِ أَو قَلَّ مالُهُ ... فليس لهُ من وُدِّهِنَّ نَصِيبُ
يُرِدْنَ ثَرَاءَ المالِ حيثُ عَلِمْنَهُ ... وشَرْخُ الشَّبابِ عِندهُنَّ عَجِيبُ
فَدَعْها وسَلِّ الهمَّ عنكَ بِجَسْرَةٍ ... كَهَمِّكَ، فيها بالرِّدَافِ خَبِيبُ
وعِيسٍ بَرَيْناها كأَنَّ عُيُونَها ... قَوَارِيرُ في أَدْهانِهِنَّ نُضُوبُ
إِلى الحارِثِ الوَهَّابِ أَعْلَمْتُ ناقَتِي ... لِكَلْكلها والقُصْرَيَيْنِ وَجِيبُ
تَتَبَّعُ أَفْياءَ الظِّلالِ عَشيَّةً ... على طُرُقٍ كأَنَّهنَّ سُبُوبُ
وناجِيةٍ أَفْنَى رَكِيبَ ضُلُوعِها ... وحَارِكَها تَهَجُّرٌ فَدُؤُوبُ
فأَوْرَدْتُها ماءً كأَنَّ جِمَامَهُ ... من الأَجْنِ حِنَّاءٌ مَعاً وصَبِيبُ
وتُصْبحُ عن غِبِّ السُّرَى وكأَنَّها ... مُوَلَّعةٌ تَخْشَى القَنِيصَ شَبُوبُ
تَعَفَّقَ بالأَرْطَى لها وأَرادَها ... رِجالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ، وكَلِيبُ
لِتُبْلِغَنِي دارَ امْرِىءٍ كان نائِياً ... فقد قَرَّبَتْنِي مِنْ ندَاكَ قَرُوبُ
إِليكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كان وَجِيفُها ... بِمُشْتَبِهاتٍ هَوْلُهُنَّ مَهِيبُ
هَداني إِليكَ الفَرْقَدَانِ ولا حِبٌ ... لهُ فَوْقَ أَصْوَاءِ المِتَانِ عُلوبُ
بِها جِيَفُ الحَسْرَى، فأَمَّا عِظامُها ... فَبِيضٌ، وأَمَّا جِلْدُها فَصَلِيبُ
تُرادُ علَى دِمْنِ الْحِياضِ فإِنْ تَعَفْ ... فإِنَّ المُنَدَّى رِحْلَةٌ فَرُكُوبُ
فَلاَ تَحْرِمَنِّي نائِلاً عنْ جَنابَةٍ ... فإِنِّي امرؤٌ وَسْطَ القِبابِ غَريبُ
وأَنتَ امرؤٌ أَفْضَتْ إِليكَ أَمانَتِي ... وقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فَضِعْتُ رُبُوبُ
ولَسْتَ لإِنْسِيِّ ولكنْ لِمَلأَْكٍ ... تَنَزَّلَ من جوِّ السَّماءِ يَصُوبُ
فأَدَّتْ بَنُو كَعْبِ بنِ عَوْفٍ رَبِيبَها ... وغُودِرَ في بعضِ الجُنودِ رَبِيبُ
فوَ اللهِ لولا فارِسُ الجَوْنِ مِنهمُ ... لآبُو خَزَايا، والإِيابُ حَبِيبُ
تُقَدِّمُهُ حَتَّى تَغِيبَ حُجُولهُ ... وأَنتَ لِبَيْضِ الدَّاِرعينَ ضَرُوبُ
مُظَاهِرُ سِرْبالَيْ حَدِيدٍ، عليهما ... عَقِيلاَ سُيوفٍ مِخْدَمٌ ورَسُوبُ
فقاتَلْتَهُمْ حتَّى اتَّقَوْكَ بِكَبْشِهِمْ ... وقد حانَ مِنْ شمسِ النهارِ غُرُوبُ
تَجُود بِنفسٍ لا يُجَادُ بمثلها ... فأَنْتَ بها عندَ اللقاءِ خَصِيبُ
تَخَشْخَشُ أَبْدَانُ الحديدِ عليهمُ ... كما خَشْخَشَتْ يُبْسَ الحِصَادِ جَنُوبُ
وقاتَلَ مِن غَسَّانَ أَهْلُ حِفَاظِهَا ... وهِنْبٌ وقَاسٌ جَالَدَت وشَبِيبُ
كأَنَّ رجالَ الأوَسْ تَحْتَ لَبَانِهِ ... وما جَمَعَتْ جَلٌّ مَعاً وعَتِيبُ
رَغَا فَوْقَهُمْ سَقْبُ السَّماءِ، فَدَاحِضٌ ... بِشِكَّتِهِ لم يُسْتَلَبْ وسَلِيبُ
كأَنَّهُمُ صابَتْ عليهمْ سَحابَةٌ ... صَوَاعِقُها لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ

أقسام الكتاب
1 2