كتاب:الخراج وصناعة الكتابة
المؤلف :قدامة بن جعفري


حتى يبلغ عشرين دينارا أو مائتي درهم فإذا بلغ ذلك ففيه الزكاة وفي تسمية علي رضوان الله عليه المعدن ركاز إذا انضاف إلى نص الخبر عن النبي وهو أن في الركاز الخمس أوكد دليل على أن الحجة مع أهل العراق وهو المعمول عليه في هذا الوقت المأخوذ به فيما يؤخذ من المعادن التي في النواحي لان العمال يجمعون منها في حسباناتهم المرتفعة إلى الدواوين الخمس وكذلك يجب في المال المدفون العادي وقد جاءت السفن بذلك في أموال وجدت فاخذ منها الخمس الباب الثاني عشر فيما يخرج من البحر
واختلفت الفقهاء في ذلك فقال أكثرهم انه لا شيء في العنبر واللؤلؤ وبعضهم يرى أن فيها الخمس سنة من بعض الأئمة ووجه من وجوه النظر وهو شبيهم ذلك بالمعادن التي توجد في البر الباب الثالث عشر فيما يؤخذ من أموال تجار المسلمين وأهل الذمة والحرب التي يمرون بها على العاشر
السنة في زكاة العين والورق أن المسلمين مؤتمنون على ما يلزمهم منها فمن أداها أخذت منه من ولم يؤدها فهو حق تركه والله من ورائه فأما غير ذلك من الزكوات مثل صدقات المواشي والنخل والحرث فإن من منعها أكره على أدائها وجوهد على ذلك حتى يؤديه وقد جاءت أحاديث بكراهة اخذ العشر وذم العاشر وصاحب المكس وهو صاحب العشر أيضا وذلك هو كراهية لما كانت الملوك من العرب والعجم من الجاهلية يأخذونه من عشور أموال التجار إذا مروا بها عليهم لا لما يأخذه الأئمة من زكاة اموال المسلمين وما يجب على غيرهم والدليل على أن أخذ العشر قد كان قديما قبل الإسلام ما كتب به النبي لمن أسلم من أهل الأمصار مثل ثقيف وأهل البحرين ودومة الجندل وغيرهم انهم لا يحشرون ولا يعشرون فان ذلك لو لم يكن سنة جاهلية يعرفونها لم يكونوا يتخوفون من المسلمين مثلها حتى يكون في أماناتهم إبطالها أو حذفها وقد ابطل الله ذلك بالإسلام وسنة الزكاة وهي أنه لا يؤخذ من العين شيء حتى يبلغ عشرين دينار ولا من الورق حتى يبلغ مائتي درهم فإذا بلغا هذين المقدارين ففيها
ربع العشر فأما المسلمين فان الذمى يؤخذ منه نصف العشر ورقا قال بعضهم أن الوجه في ذلك أن عثمان بن حنيف لما صار إلى العراق وضع على ما مسحة من الأرض ما وضع جعل في أموال أهل الذمة الذين يختلفون بها من كل عشرين درهما درهما سوى الجزية وقال آخرون أن الوجه في ذلك تضعيف الصدقة كما فعل ببني تغلب ولئلا يشبه ما يؤخذ منهم بالزكاة المطهرة للمسلمين المأخوذة من أموالهم فأما أهل الحرب فأنه يؤخذ من تجاراتهم العشر إذا ادخلوا بلد الإسلام على حسب ما يفعلون بمن يدخل إليهم من تجار المسلمين فانهم يأخذون من أموالهم وامتعتهم إذا ادخلوها بلدهم العشر فإذا مر الذمي بالمال على العاشر فلا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ ما معه مائتي درهم وكان سفيان يقول مائة درهم فان قال علي دين أو ليس هو لي وحلف على قوله فانه يصدق ولا يؤخذ منه وانما يؤخذ من الصامت والمتاع والرقيق وما اشبه ذلك من الأموال التي تبقى في أيدي الناس فأما إذا مروا بالفاكه واشباهها مما لا تبقي فانه لا يؤخذ منهم فيها شيء ولا يؤخذ من المال الواحد اكثر من مرة واحدة في السنة وأن مر به مرارا وأما مالك واصحابه فانهم يرون أن يأخذ العاشر من الذمي إذا مر عليه بالمال للتجارة نصف العشر من قليل ما معه وكثيره وان يؤخذ من الفاكة وكل ما جرى مجرها وان ادعى دينا لم يقبل قوله وأنه ان أمر بالمتاع مرات في السنة اخذ في كل مرة منه فأما
الحربي فانه كل ما خرج بمال لو مرات في السنة اخذ منه عشرة ومالك يجريه مجري الذمي في ترك تصديق قوله فيما يدعيه وأهل العراق يقولون يقبل قوله في جوار إذا قال انهن أمهات أولادي فقط وأختلف الناس في تحليف العاشر للمسلم والذمي والحربي فكان سقيان لا يرى تحليف المسلمين وحدهم ويقبل أقوالهم لأنهم مؤتمنون على زكوات أموالهم وبعض أهل العراق يجعل أهل الذمة بمنزلة المسلمين في هذا الموضوع ومالك بن أنس صدق المسلم ولا يصدق الذمي في قول ولا يمين الباب الرابع عشر في اللقطة والضالة وما يجري مجراها
قد جاءت في ذلك سنن وأحكام وهو أنه وجد مثلا كنز من كنوز المسلمين في حربه أو صحراء أو طريق أو ما جرى مجرى هذه المواضع أن يعرف منه فان جاء له رب دفه إليه وإلا جعل في بيت المال واستنفع به في مصالح المسلمين ويكون الضمان لذلك واجبا فمتى جاء بعد السنة له صاحب دفع إليه العوض منه وكذلك ما يؤخذ من أيدي اللصوص وقطاع الطرق سبيله سبيل اللقطة وكذلك الآبق إذا لم يوجد صاحبه فانه يباع ويجري هذا المجرى الباب الخامس عشر في مواريث من لا وارث له ويسمى في أعمال الكتاب الحشري
قد جاءت في ذلك أثار منها أن رجلا من خزاعة توفي فأتى النبي بميراثه فقال اطلبوا له وارثا أو ذا قرابة وطلبوا فلم يجدوا فقال رسول الله ارفعوه إلى اكبر خزاعة ففي هذا دليل على أن المتوفي إذا كان من العرب ولم يوجد له وارث يعرف دفع ميراثه إلى أكبر قبيلته فان لم يكن المتوفي من العرب أو كان منهم ممن لا تعرف قبيلته ففي ذلك أثر عليه يعمل الفقهاء وهو أن مولى لرسول الله وقع من نخلة فمات فقال انظروا هل له وارث فقالوا لا فقال اعطوه بعض القرابة فقالوا أن ذلك إنما هو قرابة النبي وانه أراد أن يجعله فيهم صلة منه لهم واستدلوا بذلك على أن للإمام أن يفعل بميراث من لا وارث له ما شاء وبهذا يؤخذ اليوم الباب السادس عشر في الشرب
قضى النبي في وادي مهر في أن يحبس الماء في الأرض إلى الكعبين فإذا بلغهما أرسل إلى الأرض السفلى لا يمنع الأعلى الأسفل وقضى عليه السلام في مشارب النخل بان يحبس الماء حتى يبلغ الشراكين بحبسه الأعلى على الاسفل ثم يرسل إليه وقالت فقهاء الحجاز مالك وابن أبي ذويب وابن أبي سبرة انه يحبس في النخل بعد أن يملي الشرب حتى يفيض فيشرب أصحاب النخل الأقرب فالأقرب وقال بعضهم في الزرع يحبس حتى يبلغ الشراكين وقالوا انه لا يحبس بعد بلوغ الكعبين في النخل إذا كان من اسفل يحتاجون إليه فان لم يحتاجوا إليه فلا بأس وقالوا أن أهل الأسافل امراء على أهل الأعالي في الشرب وقال أبو حنيفة وابو يوسف ومحمد بن الحسن إذا كان نهر بين قوم لهم عليه ارضون فان الشرب بينهم على قدر أرضيهم لكل إنسان منهم حصته فان كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر لم يكن له ذلك إلا أن يتراضى القوم به وقالوا جميعا أن الناس شركاء في الأنهار العظام كدجلة والفرات وما أشبهها ومن حفر نهرا ينزع من أحدهما في ارضه فذاك جائز له فان احتفر ساقية في أرض رجل ليسوق الماء إلى أرضه فشاء الرجل أن يمنعه ذلك حتى يرضيه فعل وسئل أبو يوسف عن نهر مرو وهو عظيم مثل الصراة إذا دخل مرو كان ماؤه قسمة بين أهلها بالحصص والتقسيط
فأحيا رجل أرضا كانت مواتا ولم يكن لها من ذلك النهر شرب واحتفر لأرضه موضعا من فوق مرو في موضع لا يملكه أحد وساق الماء فيه إلى أرضه هل له ذلك أم لا فقال أن كان النهر الذي أحدثه يضر أهل مرو في نهرهم فليس له ذلك ويمنعه السلطان منه وان كان لا يضر بهم فلا بأس وليس لهم أن يمنعوه وكذلك كل من عمل كعمله أن كان عمله غير مضر وهو قول سفيان وقال أبو يوسف في نهر خاص لقوم ولكل واحد منهم قسط سمي بحسب ما يحتاج إليه انه ليس أحد منهم أن يحدث زيادة في شربه إلا برضاءهم وليس لأحد منهم أن يحدث عليه رحى ولا جسرا ولا قنطرة وان كان جميع ذلك غير مضر بهم إلا برضاءهم ورواه أبو حنيفة وهو قول مالك والثوري وزفر وقال مالك في قوم لهم نهر يشربون منه فينقطع أن عليهم أن يكروه بالحصص على الشرب والأرضين وهو قول ابن أبي ذؤيب ويعقوب وزفر ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة والثوري يكرونه جميعا من أعلاه فان أكروا من النهر بمقدار ارض الاعلى من جميع الأرض التي على النهر رفعوا عنه الكري وكان ما يبقى على الباقين على هذا الحساب ففسر ذلك الواقدي كان أرض الأعلى عشرة اجربة وارض الثاني عشرون جريبا وارض الرابع أربعون جريبا وكان النهر مائتا ذراع فالذي يجب أن يكرى الاعلى عشرين ذراعا لأنها عشر المائتين كما أن العشرة الاجربة عشر جميع جربانهم المائة
فيتحاصون في ذلك على انهم شركاء فيجب على الاعلى من كل درهم ينفقونه عشرة وعلى صاحب العشرين الجريب عشرة وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة اعشاره وعلى صاحب الأربعين أربعة أعشاره فإذا فرغوا من العشرين والأربعين فيتحاصوا على قياس هذا وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وزفر في الانهار العظام أن كريها وعمل ساقها وسد بثوق أن أنفجرت فيها على الإمام من مال المسلمين وكان في كتاب عبيد الله معاوية بن عبد الله الذي كان كتبه إلى المهدي واقتصصنا بعض ما وجب اقتصاصه منه في المقاسمة والطسوق في موضعه أن كرى الأعمدة وعمل القناطر والشاذوانات واستخراج الأنهار والنفقة على البريدات والجسور والسنايات التي على الأنهار العظام واجب إخراج ذلك أجمع من بيت المال قال وانما وجبت هذه النفقة منه لان الحافة لا مالك لها فالنفقة واجبة على من يعود الضرر عليه وما يعود من الضرر بشيء من ذلك فإنما هو عائد على بيت المال فالنفقة عليه واجبة منه وقال الواقدي قال مالك ابن أبي ذويب إذا اشترى رجل مسيل ماء بغير ارض أن ذلك جائز وكرهه الثوري وأبو حنيفة ويعقوب وقال الواقدي سألت الثوري عن نهر لرجل يشق أرض آخر فأدعى رب الأرض مسناة النهر قال هي من أرضي وقال رب النهر هي لي وليس يعلم لمن هي فقال هي لرب الأرض وليس له أن يهدمها لان للنهر بها منفعة وهي قول أبي حنيفة وقال مالك وابن أبي ذويب هي لصاحب النهر ثم رجع الثوري فقال كقول مالك وكان أبو يوسف يجعلها لصاحب النهر وهو قول محمد بن الحسن الباب السابع عشر في الحريم
الفقهاء يرون حريم البئر البدئ خمس وعشرون ذراعا وحريم البئر العادية خمسون ذراعا وحريم بئر الزرع على ما قاله سعيد بن المسيب ثلثمائة ذراع وحريم العين خمسمائة ذراع وكان مالك بن انس لا يرى للحريم حدا محدودا ويقول أن رجلا لو احتفر في داره بئرا ثم احتفر جار له بئرا في داره بعد الأول فغار ماء الأولى إلى الثانية أمر صاحب الثانية بإزالتها عن الموضع التي هي به وسفيان يقول يحدث الرجل في حده ما شاء وان اضر ذلك بجاره لانه لا حريم للآبار في الامصار وانما ذلك في البوادي والمفاوز وقال أبو حنيفة لا حريم في الامصار وبين المنازل للآبار ولكن يحفر الرجل بئره بحيث لا يضر بجاره وان كان بين البئرين حائط فأضرت الثانية بالحائط فان مالك وابن أبي ذؤيب وابن أبي سبرة قالوا يزال البئر المضرة وقال الثوري يحفر في داره ما شاء وقال أبو يوسف وبشر يمنع من الإضرار
بجاره وقال الواقدي حدثني ابن أبي سبرة عن ثور الديلي قال سمعت عكرمة يقول حريم ما بين العينين مائتا ذراع قال ثور رأيت رجلا من المهندسين فسألته فقال رب ارض لا يكون هذا فيها إنما يكون ذلك في جلد الأرض وحزونتها فأما الأرض الرخوة فان خمسمائة ذراع فيها يكاد أن يكون مقدارا حسنا وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه في الأموال لم يأت في حريم النهر شيء وحكي عن بشر انه قال قال أبو حنيفة لا حريم للنهر وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وبشر حريم النهر ما يحتاج إليه لملقى طينه وغير ذلك مما لا بد منه الباب الثامن عشر في إخراج مال الصدقة ولمن يحل وعلى من يحرم
قال الله تبارك وتعالى ( ^ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) وقال رسول الله المسألة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل بحمالة بين قوم فيسأل حتى يؤديها ثم يمسك ورجل اصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك ورجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أن قد اصابته فاقة وان قد حلت له المسألة فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك وما سوى ذلك من المسائل سحت
وقال
من سأل من غير فقر فإنما يأكل الجمر وقال الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى فأما الفصل بين الغني والفقير فقد جاءت الروايات فيه بأحوال مختلفة ففي بعضها السداد والقوام من العيش وفي البعض انه الغذاء والعشاء وفي البعض انه مالك خمسين درهما أو بحسابها من الذهب وفي البعض أوقية من ورق والأوقية المأخوذ بها والتي تعمل الفقهاء عليها أربعون درهما وقد ذهب إلى كل ذلك قوم وقال بعضهم في العوام من العيش انه عقدة القيم الرجل وعياله سنتهم فإذا ملك هذه العقدة فهناك تحرم عليه الصدقة وكان سفيان يأخذ في الغنى انه مالك خمسين درهما وارى أن مالك بن
أنس يقول بالأوقية وقالوا أن ذلك يكفه إذا كانت فضلا عن مسكنه الذي يأويه ويأوي عياله ولباسهم الذي غناء بهم عنه ومملوك أن دعتهم الحاجة إليه وقد روي عن الحسن انه سئل عن الرجل تكون له الدار والخادم هل ذلك مانع له من الصدقة فقال يأخذها إن احتاج ولا حرج عليه وروي عن عمر بن عبد العزيز انه كتب في الغارمين أن يقضي عنهم فكتب إليه أنا نجد الرجل له المسكن والخادم والفرس والأثاث فكتب عمر أن المسلم لا بد له من مسكن يسكنه وخادم يكفيه مهنته وفرس يجاهد عليه عدوه ومن أن يكون له الأثاث في بيته وأمر بأن يقضي عمن هذه سبيله وقد يكون أيضا من الناس المحدود والمحروم من الرزق وهو المحارف فإذا كان الإنسان كذلك مع اجتهاده في السعي لعياله فان له حقا في أموال المسلمين لقول الله تبارك وتعالى ( ^ وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام أن ابن عباس كان يفسر هذه الآية بان المحروم هو المحارف وقال بعض أهل العراق أن الصدقة تحل لمن يملك اقل من مائتي درهم ولو بدرهم واحد واحتج بحديث رسول الله حين قال أن الصدقة
تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم وان الفقير هو الذي لا تجب عليه الصدقة ومن كان ملكه اقل من مائتي درهم بدرهم واحد لم تجب الصدقة عليه وقال أبو عبيد القاسم بن سلام أمر عمر بن عبد العزيز الفقهاء أن يكتبوا له السنة في الثمانية الأسهم التي ذكرها الله عز وجل في كتابة فكتب أن سهم الفقراء نصفه لمن غزا منهم في سبيل الله أول غزوة حين يفرض له من الامداد وأول عطاء يأخذونه ثم تقطع عنهم بعد ذلك الصدقة ويكون سهمهم من الفيء والنصف الثاني للفقراء الذين لا يغزون مثل الزمنى والمكث الذي يأخذون العطاء وسهم المساكين فالنصف منه لكل مسكين به عاهة لا يستطيع معها حيلة ولا تقلبا في الأرض والنصف الثاني للمساكين الذين يستطعمون ويسألون ومن في السجون من أهل الإسلام ممن ليس له أحد وسهم العاملين عليها فلمن سعى على الصدقات بأمانة وعفاف يعطي على قدر ولائه وما يجمعه من مال الصدقة ولعماله على قدر ولايتهم وجمعهم ولعل ذلك يبلغ قريبا من ربع هذا السهم ويرد الذي يبقي بعد الذي يعطى عماله على من يغزو من الإمداد والمشترطة وسهم المؤلفة قلوبهم لمن يفترض له من إمداد الناس أول عطاء يعطونه ومن يغزوا مشترطا ممن لا عطاء له وهم فقراء ومن يحضر المساجد من المساكين الذين لا عطاء لهم ولا سهم ولا يسألون الناس وسهم الرقاب نصفان لكل مكاتب يدعي الإسلام وهم على أصناف شتى فلفقهائهم في الإسلام فضيلة ولمن سواهم منهم منزلة أخرى على قدر ما أدى كل واحد منهم من الكتابة وما بقى عليه والنصف الباقي تشتري به رقاب ممن قد صلى وصام وقدم في الإسلام من ذكر وأنثى ثم يعتقون وسهم الغارمين على ثلاثة أقسام منهم صنف لمن يصاب في سبيل الله في ماله وظهره ورقيقه وعليه دين ولا يجد ما يقضيه منه ولا ما يستنفق إلا بدين والصنفان الآخران لمن يمكث ولا يغزوا وهو غارم قد أصابه فقر وعليه دين لم يكن منه شيء في معصية الله لا يتهم في دينه أو قال ذنبه وسهم في سبيل الله فمنه لمن فرض له ربع هذا السهم ومنه للمشترط الفقير ربع هذا السهم ومنه لمن تصيبه الجائحه في ثغره ولمن هو غاز في سبيل الله وسهم ابن السبيل يقسم ذلك لكل طريق على قدر من يسلكه ويمر به من الناس لكل رجل من ابن السبيل ليس له مأوى ولا أهل يأوى اليهم ويطعم حتى يجد منزلا أو يقضي حاجته ويجعل في منازل معلومة على أيدي أمناء لا يمر بهم ابن سبيل به حاجة إلا آووه وأطعموه وعلفوا دابته حتى ينفذ ما بأيديهم الباب التاسع عشر في فتوح النواحي والأمصار
أول الفتوح وأجلها المدينة التي إليها كان مهاجر رسول الله عليه السلام وقالت عائشة قال رسول الله ما يفتح من مصر أو مدينة عنوة فان المدينة فتحت بالقرآن وقال أن لكل نبي حرما وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ما بين حرميها لا يحتل خلاها ولا يعضد شجرها ولا يحمل فيها السلاح لقتال فمن أحدث حدثا أو اوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرف ولا عدل
وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله حرم من الشجر ما بين أحد إلى عير وأذن لصاحب الناضج في العصى وما تصلح به محاربه وعربه ودعا عليه السلام للمدينة واهلها وسماها طيبة

أموال بني النضير من اليهود
كان هؤلاء اليهود غدروا برسول الله وقد أتاهم في بعض حاجاته وهموا أن يلقوا عليه رحى فانصرف عنهم وبعث إليهم يأمرهم بالجلاء عن المدينة فأقاموا وآذنوا بحرب فزحف عليه السلام إليهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة ثم صالحوه على أن يخرجوا من بلده ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة وهي الدروع والاله وسائر السلاح فكانت أموالهم خالصة له وذلك في سنة أربع من الهجرة
أموال بني قريظة
كانت بين رسول الله وبينهم موادعة عقدها حيي بن أخطب على ألا يظاهروا عليه أحدا وجعلوا الله على ذكر ذلك كفيلا فنكثوا وأعانوا عليه الأحزاب في غزوة الخندق فلما فرغ من أمر الأحزاب قصدهم فحصرهم خمس عشرة ليلة ثم إنهم نزلوا على حكمه فحكم فيهم سعد بن معاذ الاوسي فحكم بقتل من جرت عليه المواسي وبسبي النساء والذرية وان يقسم مالهم بين المسلمين فأجازوا رسول الله وقال لقد حكمت بحكم الله من سبعة أرفقه ثم عرضوا على رسول الله فمن كان منهم محتلما أو قد انبت على السهام قتل ومن كان دون استبقى وقسم ارضهم بين المسلمين
خيبر
قالوا غزاها رسول الله سنة سبع للهجرة فطاوله أهلها وماكثوه وقاتلوه فحصرهم قريبا من شهر ثم انهم صالحوه على حقن دمائهم وترك ذراريهم وعلى أن يجلوا ويخلوا بينه وبين الأرض والصفراء والبيضاء والحلقة وسائر البزة إلا ما على أجسادهم وألا يكتموه شيئا فخمس رسول الله الغنيمة من الأرض وغير ذلك وقسم الباقي بين المسلمين وكانت من أرض خيبر الكتيبة بحق الخمس والشق والنطاة وسلالم والوطيحة للمسلمين ولم يكن للمسلمين فراغ للقيام على الأرضين فدعا رسول الله من نزل على الجلاء من أهل خيبر إلى القيام بها على أن يكفوا العمل فيها ولهم النصف وللمسلمين النصف من الزرع والنخل وكان عبد الله بن رواحة يصير إليهم في كل سنة فيخرص عليهم ثم يخيرهم بين أن يخرص ويختاروا أو يخرصوا ويختار فقالوا بهذا قامت السموات والأرض فلما كانت خلافة عمر اجلاهم ودفع الأرض إلى من كان له سهم من المسلمين
أمر فدك
بعث رسول الله بعد منصرفه من خيبر إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام فصالحوه عليه السلام على نصف الأرض بتربتها فقبل ذلك منهم فكان النصف من فدك خالصا له لانه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكان يصرف ما يأتيه منها في أبناء السبيل ولم يزل أهلها بها حتى اجلى عمر اليهود فوجه إليهم من قوم نصف التربة بقيمة عدل فدفعها إلى اليهود وأجلاهم إلى الشام
وكان لما قبض رسول الله قالت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر أن رسول الله جعل لي فدكا فاعطني إياها وشهد لها علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أم أيمن مولاة النبي فقال قد علمت يا بنت رسول الله انه لا تجوز إلا شهادة رجل وامرأتين فانصرفت
ولما ولي عمر بن عبد العزيز خطب الناس وقص قصة فدك وخلوصها كان لرسول الله عليه السلام فدك وأنه كان ينفق منها ويضع فضلها في
أبناء السبيل وذكر أن فاطمة عليها السلام سألته أن يهبها لها فأبى وانه لما قبض عليه السلام فعل أبو بكر وعمر فعله ثم لما ولى معاوية اقطعها مروان بن الحكم وان مروان وهبها لعبد العزيز ولعبد الملك ابنيه ثم إنها صارت له وللوليد وسليمان وانه لما ولي الوليد سأله فوهبها له وسأل سليمان حصته فوهبها له أيضا فاستجمعها وقال انه ما كان له مال احب إليه منها وقال اشهدوا انني قد رددتها إلى ما كانت عليه
ولما كانت سنة عشرين ومائتين أمر المأمون بدفعها إلى ولد فاطمة رضي الله عنها كانت سنة عشرين ومائتين أمر المأمون بدفعها إلى ولد فاطمة رضي الله عنها وكتب إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة بأنه قد كان رسول الله اعطى ابنته فاطمة فدك وتصدق بها عليها وان ذلك كان امراً ظاهراً معروفاً عنه آله ولم تزل تدعى منه ما هو أولى من صدق عليه وأنه قد رأى ردها إلى ورثتها وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين ابن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ليقوما بها لأهلها ولما استخلف المتوكل ردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون
أمر وادي القرى
قالوا أتى رسول الله منصرفة من خيبر إلى وادي القرى فدعا أهلها وهم يهود إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا ففتحها عنوة وغنمه الله تبارك وتعالى أموال أهلها وأصاب المسلمون بها أثاثاً ومتاعاً فخمس رسول الله ذلك وترك الأرض والنخل في أيدي من كان بها وعاملهم على نحو مما عامل عليه أهل خيبر فلما كانت أيام عمر بن الخطاب وأجلى اليهود قيل أنه أجلاهم فيمن أجلى وقيل أنه لم يجلهم لأن وادي القرى خارج عن الحجاز وكان قتال النبي عليه السلام أهل وادي القرى في جمادي الآخرة سنة سبع
أمر تيماء
لما بلغ تيماء ما وطئ به رسول الله أهل وادي القرى صالحوه على الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضوهم في أيديهم ولما أجلى عمر اليهود قيل أنه أجلاهم مع أهل فدك وخيبر
مكة
قالوا لما هادن رسول الله قريشاً عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضاً وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش دخل كانت كنانة فيمن دخل في عهد قريش وخزاعة في عهد النبي عليه السلام ثم أن رجلاً من خزاعة سمع رجلاً من كنانة ينشد هجاء في رسول الله فوثب عليه فشجه فهاج ذلك بينهم الشر وأعانت قريش بني كنانة وخرج معهم رجال فبيتوا خزاعة وهم غازون فكان ذلك مما نقضوا به العهد وقدم على رسول الله عمرو بن سالم بن حصيرة الخزاعي فقال
( لاهم أني ناشد محمداً ** حلف أبيه وأبينا الأتلدا )
( فانصر هداك الله نصراً أبداً ** وأدع عباد الله يأتوا مدداً )
وانما قال الأتلدا لأنه كان بين عبد المطلب وخزاعة حلف قديم فلما أحست قريش وبان فعلها قالوا لأبي سفيان بن حرب انطلق فاجد الحلف واصلح بين الناس فقدم المدينة فلقي أبا بكر فقال له يا أبا بكر
أجد الحلف وأصلح بين الناس فقال أبو بكر قطع الله ما كان منه متصلاً وأبلى ما كان منه جديداً فقال أبو سفيان ما رأيت شاهد عشيرة شراً منك فأنطلق إلى فاطمة فقالت له ألق علياً فلقيه فذكر له مثل ما ذكر لأبي بكر فقال له أنت سيد قريش فأجد الحلف وأصلح بين الناس فضرب أبو سفيان يمينه على شماله وقال قد جددت الحلف وأصلحت بين الناس ثم انطلق حتى أتى مكة وقد كان النبي قال أن أبا سفيان قد أقبل وسيرجع راضياً بغير قضاء حاجة فلما رجع إلى أهل مكة أخبرهم الخبر فقالوا تالله ما رأينا أحمق منك ما جئتنا بحرب فنحذر ولا بسلام فنأمن وجاءت خزاعة تشكوا ما أصابهم فقال رسول الله إني قد أمرت بإحدى القريتين مكة والطائف وخرج في أصحابه فقال اللهم اضرب على آذانهم فلا يسمعوا حتى نبغتهم بغتة وأغذ السير حتى نزل مر الظهران وقد كانت قريش قالت لأبي سفيان ارجع فلما بلغ مر الظهران رأى النيران والأخبية قال ما شأن الناس كأنهم أهل عرفة وغشيته خيول رسول الله فأخذوه
أسيراً فأتى به النبي وجاء عمر فأراد قتله فمنعه العباس وأسلم فدخل على رسول الله فلما كان عند صلاة الصبح تحشحش الناس وضوءاً للصلاة فقال أبو سفيان للعباس بن عبد المطلب ما شأنهم أيريدون قتلي قال لا ولكنهم قاموا للصلاة فلما دخلوا في صلاتهم رآهم إذا ركع رسول الله ركعوا وإذا سجد سجدوا فقال تالله ما رأيت كاليوم طواعية قوم جاءوا من ها هنا ومن ها هنا ولا فارس الكرام ولا الروم ذوات القرون فقال العباس يا رسول الله ابعثني إلى أهل مكة أرغبهم في الإسلام فبعه ثم بعث في أثره فقال ردوا علي عمي لا يقتله المشركون فأبى أن يرجع حتى أتى مكة فقال أي قوم أسلموا تسلموا أتيتم اتيتم واستبطنتم بأشهب بازل هذا خالد بأسفل مكة وهذا الزبير بأعلاها وهذا رسول الله في المهاجرين والأنصار وخزاعة فقال قريش وما خزاعة المجدعة الانوف وجمعت قريش أوباشها وأتباعها وقالوا نقدم هؤلاء فإن أصابوا ظفراً كنا معهم وأن أصيبوا أعطينا للذي نسأل فقال رسول الله للأنصار وقد كان جمعهم وقال لأبي هريرة لما بعثه لجمعهم لا يأتيني إلا أنصاري فكانوا مطيفين به من سائر الناس أترون اوباش قريش قالوا نعم فقال بإحدى
يديه على الأخرى يشير أن اقتلوهم ثم قال وافوني بالصفا فانطلقوا فما يشاء أحد أن يقتل أحد إلا قتله فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت خضراء قريش فلا قريش بعد اليوم فقال رسول الله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن وضع السلاح فهو آمن فقال بعض الأنصار أدركت الرجل رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته وجاء رسول الله الوحي وكان إذا جاءه لم يخف علينا فقال يا معشر الأنصار قلتم كذا قالوا قد كان ذلك يا رسول الله قال كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله واليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فجعلوا يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلناه إلا للضن برسول الله وأقبل الناس إلى دار أبي سفيان وأغلقوا أبوابهم ووضعوا أسلحتهم وأقبل رسول الله عليه السلام إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت وأتى على صنم كان إلى جنب الكعبة وفي يده قوس فأخذ بسيتها وجعل يطعن في عيني الصنم ويقول جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا
ولما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلاه حتى نظر إلى البيت ثم رفع يديه يحمد الله ويدعوه وقد جاء في بعض الروايات أن رسول الله قال يوم فتح مكة لا يتبعن مدبر ولا يجهزن على جريح ولا يقتلن أسير وكانت غزوة الفتح في شهر رمضان سنة ثمان وأقام رسول الله بمكة إلى الفطر ثم توجه لغزوة حنين وولي مكة عتاب بن اسيد بن أبي العيص ابن أمية وأمر رسول الله عليه السلام بهدم الاصنام ومحو الصور التي كانت في الكعبة وقال اقتلوا ابن خطل ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة فقتله أبو برزه الاسلمي وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله فقتلت إحداهما ويقال في الأخرى إنها بقيت حتى كسرت لها في أيام عثمان ضلع فماتت وفي حديث آخر أن قينة هلال بن عبد الله وهو ابن خطل الادرمي جاءت إلى النبي متنكرة فأسلمت وبايعت وهو لا يعرفها فلم يعرض لها فأسلم عبد الله بن الزبعري السهمي قبل أن يقدر عليه وكان النبي قد أباح في يوم الفتح دمه وخطب رسول الله يوم فتح
مكة فقال الحمد لله الذي صدق وعده ونصره جنده وهزم الأحزاب وحده إلا أن كل مأثرة كانت في الجاهلية وكل دم وكل دعوى موضوعة تحت قدمي إلا سدانة البيت وسقاية الحاج وقال رسول الله في خطبته إلا أن مكة حرام ما بين اخشبيها ولم يحل لأحد قلبي ولا يحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار لا يختلي خلاها ولا يعضد عضاها ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا أن يعرف أو يعرف فقال العباس إلا الاذخر فإنه للقيون وطهور البيوت فقال النبي إلا إلاذخر
وفي حديث آخر أن النبي قال مكة حرام لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها وفي حديث آخر مرفوع إلى عائشة إنها قالت قلت لرسول الله ابن لك بناء يظلك من الشمس بمكة فقال لا إنما هي مناخ من سبق
وقال بعض المفسرين في قوله سواء العاكف فيه والباد البادي من يخرج من الحاج والمعتمر هم سواء في المنازل ينزلون حيث شاءوا غير انه لا يخرج أحد من بيته وقد جاءت عن كثير من الأئمة أحاديث في تسوية الثبور بين أهل مكة وغيرهم ممن يحج وكراهية ايجاد الأبواب على دورها حتى ينزل البادي حيث شاء ورخص أكثر فقهاء الحجاز وغيرهم في ذلك وفيما أبنته الناس بمكة أن يتناول منه مثل البقل وسائر الزروع ورخص في الرعي أن يرعى إذا لم يحتش منه ورخص عطاء في القضيب للسواك وما جرى مجراه
أمر الطائف
قالوا لما هزمت هوازن يوم حنين أتى فلهم أوطاس فبعث إليهم رسول الله أبا عامر ألاشعري فقتل فقام بأمر الناس أبو موسى عبد الله بن قيس ألاشعري وأقبل المسلمون إلى أوطاس فلما رأى ذلك مالك ابن عوف البصري أحد بني دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وكان رئيس هوازن يومئذ هرب إلى الطائف فوجد أهلها مستعدين للحصار فأقام بها وسار رسول الله بالمسلمين حتى نزل على الطائف فرمتهم ثقيف وحاصرهم رسول الله خمس عشرة ليلة ونزل إليه
رقيق أهل الطائف منهم أبو بكرة بن مسروح مول رسول الله واسمه نفيع ومنهم الازرق الذي نسبت إليه الازارقة من الخوارج إليه وكان عبداً رومياً حداداً وهو أبو نافع الأزرق فعتق من نزل بنزولهم ثم أن رسول الله انصرف إلى الجعرانة ليقسم سبي أهل حنين وغنائمهم فخافت ثقيف أن يعود إليهم فبعثوا إليه وفدهم فصالحوا على أن يسلموا ويقروا على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم فاشترط رسول الله عليهم إلا يحشروا ولا يعشروا ولا يعبر طائفهم ولا يؤمر عليهم إلا رجل منهم واشترط عليهم أن لا يكون مالهم من رباء أدى إليهم رؤوس أموالهم دونه وكانوا أصحاب رباء وكانت الطائف تسمى وج فلما حصنت وبنى سورها سميت الطائف
أمر تبالة وجرش
قالوا أسلم أهل تبالة وجرش من غير قتال فأقرهم رسول الله على ما أسلموا عليه وجعل على كل حالم ممن بهما من أهل الكتاب ديناراً واشترط عليهم ضيافة المسلمين وولى أبا سفيان بن حرب جرش
تبوك وأيلة واذرح ومقنا والجرباء
قالوا لما توجه رسول الله إلى تبوك من ارض الشام لغزو من انتهى إليه انهم قد جمعوا له من الروم وعاملة ولخم وجذام وغيرهم وذلك في سنة تسع من الهجرة لم يلق كيداً وأقام بتبوك أياماً فصالحه أهلها على الجزية وأتاه وهو بها صاحب أيلة فصالحه على أن جعل له من كل حالم بأرضه في السنة ديناراً فبلغ ذلك ثلثمائة دينار واشترط عليهم قرى من يمر بهم من المسلمين وكتب لهم كتاباً أن يحفظوا ويمنعوا فكان عمر بن عبد العزيز لا يزداد من أهل آيلة على ثلثمائة دينار شيئاً وصالح رسول الله أهل اذرح على مائة دينار في كل رجب وصالح أهل الجرباء على الجزية وكتب لهم كتاباً وصالح أهل مقنا على ربع عروكهم وهي خشب يصطاد عليه وربع كراعهم وحلقتهم قال الواقدي ربع عروكهم وربع ثمارهم وأهل مقنا من اليهود
دومة الجندل
بعث رسول الله خالد بن الوليد المخزومي سنة تسع من الهجرة إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي ثم السكوني بدومة الجندل فأخذه أسيراً وقتل أخاه وقدم باكيدر على رسول الله
فكتب له ولأهل دومة كتاباً بالصلح نسخته هذا كتاب من محمد رسول الله لاكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الانداد والاصنام ولأهل دومة أن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي واغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم ولا تعد فأردتكم ولا يحظر عليكم النبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها عليكم بذلك عهد الله والميثاق ولكم به الصدق والوفاء شهد الله ومن حضر من المسلمين تفسير ذلك الضاحي البارز والضحل الماء القليل والبور الأرض التي لا تحرث والمعامي البلاد المجهولة والاغفال التي لا آثار بها والحلقة والدروع والحافر الخيل والبراذين البغال والحمير والحصن حصنهم والضامنة النخل الذي معهم في الحصن والمعين الظاهر من الماء الدائم مثل ماء العيون ونحوها وقوله لا يعدل سارحتكم أي لا تصدق ماشيتكم إلا في مراعيها ومواضعها لا نحشرها
وقوله لا تعد فاردتكم يقول لا تضم الفاردة إلى غيرها لتجتمع فتجب عليها الصدقة ثم أن اكيدر وبعد قبض النبي نقض العهد ومنع الصدقة وخرج من دومة الجندل فلحق بالحيرة وابتنى بها بناء سماه دومة وأسلم حريث بن عبد الملك أخوه على ما في يده فسلم ذلك له وزوج يزيد بن معاوية لعبدالله ابنته وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو بعين التمر يأمره أن يسير إلى أكيدر فسار إليه فقتله وفتح دومة
صلح نجران
قالوا أتى رسول الله السيد والعاقب وافداً أهل نجران فسألاه الصلح فصالحهما عن أهل نجران على ألفي حلة ألف منها في صفر وألف منها في رجب ثم كل حلة أوقية والأوقية وزن أربعين درهماً فإن أدوا حلة بما فوق الأوقية حسب لهم فضلها وإن أدوا بما دون الأوقية أخذ منهم النقصان على أن يقبل منهم ما أعطوه من سلاح أو خيل أو ركاب أو عرض من العروض بقيمته قصاصاً من الحلل وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله شهراً فما دونه ولا يحبسون فوق الشهر وعلى أن عليهم عارية ثلاثين درعاً وثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً أن كان باليمن كيد وان ما هلك من تلك العارية فالرسل ضامنون له حتى يؤدوه وجعل لهم ذمة الله وعهده إلا يفتنوا عن دينهم ومراتبهم ولا يحشروا ولا يعشروا واشترط إلا يأكلوا الربا
ولا يتعاملوا به فما زال أمرهم جاريا على هذا في خلافة أبي بكر فلما استخلف عمر قيل إنهم أصابوا الربا وكثروا فخافهم على الإسلام فأجلاهم وكتب لهم بأن من وقعوا بأرضه من أهل العراق والشام فليوسع لهم من خريب الأرض وقال قوم من خريب الأرض ما اعتملوا من شيء فهو لهم فكان ارضهم باليمن فتفرقوا فنزل بعضهم النجرانية بناحية الكوفة ودخل يهود نجران مع النصارى في الصلح إذ كان اليهود كالاتباع لهم فلما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو عامله على الكوفة أما بعد فإن العاقب والاسقف وسراة أهل نجران أتوني بكتاب رسول الله وأروني شرطاً من عمر وقد سألت عنه إبن حنيف فأنبأني أنه كان بحث عن أمرهم فوجده ضاراً للدهاقين لروعهم عن أرضهم وإني قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه الله وعقبى لهم من أرضهم وإني أوصيك بهم فإنهم قوم لهم ذمة فكان صاحب النجرانية بالكوفة يبعث رسله إلى جميع من بالشام والنواحي من أهل نجران يجبونهم ما يقسمه عليهم لإقامة الحلل فلما كانت أيام معاوية أو يزيد شكواً إليه
تفرقهم وموت من مات واسلام من أسلم منهم وأحضروه كتاب عثمان بما حطه عنهم وقالوا قد أزددنا ضعفاً فوضع عنهم مائتي حلة أخرى تتمه اربعمائة حلة فلما ولى الحجاج بن يوسف العراق وخرج عليه ابن الاشعث اتهم الدهاقين بموالاته فردهم إلى ألف وثمانمائة حلة ثم لما ولى الأمر عمر بن عبد العزيز شكوا إليه فناءهم والحاح الاعراب عليهم وظلم الحجاج إياهم فأمر بأحصائهم فوجدوا على العشر من عدتهم الأولى فقال أرى هذا الصلح إنما هو عن جزية رؤوسهم وليس هو بصلح عن ارضهم وجزية الميت والمسلم ساقطة فألزمهم مائتي حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم
فلما ولي يوسف بن عمر الثقفي العراق في أيام الوليد بن يزيد ردهم إلى أمرهم الأول عصبية للحجاج فلما استخلف أبو العباس عمدوا إلى طريقه فألقوا فيه الرياحين ونثروا عليه فأعجبه ذلك من فعلهم ثم انهم رفعوا إليه أمرهم وأعلموه قلتهم وما كان من أمر عمر بن عبد العزيز ويوسف بن عمر ومتوا إليه بخوؤلته في بني الحارث بن كعب وتكلم فيهم عبد الله بن الربيع الحارثي وصدقهم الحجاج بن أرطاة فردهم إلى مائتي حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم ثم لما حج الرشيد وشخص إلى الكوفة رفعوا إليه وشكوا أعنات العمال اياهم فكتب لهم بالمائتي حلة كتاباً وأمر أن يعفوا من معاملة العمال وأن يكون مؤداهم في بيت المال بالحضرة
اليمن
قالوا لما بلغ أهل اليمن ظهور رسول الله وعلو حقه أتته وفودهم فكتب لهم كتاباً بإقرارهم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأرضيهم وركازهم فأسلموا ووجه إليهم رسله وعماله لتعريفهم شرائع الإسلام وسنته وقبض صدقاتهم وجزية رؤوس من اقام على النصرانية واليهودية والمجوسية منهم وكان ممن وجه من العمال المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي فولاه صنعاء فقبض عليه السلام وهو عليها وقال قوم إنما ولي المهاجر صنعاء أبو بكر وولى خالد بن سعيد مخاليف اعلى اليمن
وقال هشام بن الكلبي والهيثم بن عدي ولي رسول الله المهاجر كندة والصدف فلما قبض رسول الله كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد البياضي بولاية كندة والصدف إلى ما كان بتولاه من حضرموت وولي المهاجر صنعاء ثم كتب إليه بانجاد زياد بن لبيد ولم يعزله عن صنعاء وأجمعوا جميعاً على أن رسول الله ولي زياد بن لبيد حضرموت وولى رسول الله أبا موسى ألاشعري زبيد ورمع وعدن والساحل وولي معاذ بن جبل الجند وصير إليه القضاء وقبض جميع الصدقات باليمن وولي نجران عمرو بن حزم الأنصاري ويقال انه ولي أبا سفيان نجران بعد عمرو ابن حزم عُمان
لما كانت سنة ثمان من الهجرة بعث رسول الله أبا زيد الأنصاري واسمه فيما ذكر الكلبي قيس بن يزيد ابن حزام وقال غيره غير ذلك وهو أحد من كان يجمع القرآن على عهد رسول الله إلى
عمان
وكان الأغلبيين عليها الازد وكان بها من غيرهم بشر كثير في البوادي وبعث عمرو بن العاص السهمي إلى عبيد وجيفر ابني الجلندي بكتاب منه يدعوهما إلى الإسلام وقال أن اجاب القوم إلى شهادة الحق وأطاعوا الله ورسوله فعمرو الأمير وأبو زيد على الصلاة وأخذ شرائع الإسلام على الناس فلما قدم أبو زيد وعمرو عمان وجدا عبيداً وجيفرا بصحار على ساحل البحر فأوصلا كتاب النبي أليهما فأسلما ودعوا العرب هناك إلى الإسلام فأجابوا إليه ورغبوا فيه فلم يزل عمرو وأبو زيد بعمان إلى أن قبض رسول الله ويقال أن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك ثم ارتدت الأزد عند وفاة النبي عليه السلام وعليها لقيط بن مالك ذو التاج وانحازت إلى دبا فوجه أبو بكر إليهم حذيفة بن
محصن البارقي من الازد وعكرمة بن أبي جهل بن هشام المخزومي فواقعا لقيطاً ومن معه فقتلاه وسبيا من أهل دبا سبيا بعثا به إلى أبي بكر
ثم إن الازد رجعت إلى الإسلام وارتدت طوائف من أهل عمان ولحقوا بالشجر فسار الهيم عكرمة فظفر بهم وأصاب منهم مغنماً وقتل منهم بشراً وجمع منهم قوماً من مهرة بن حيدان جمعاً فأتاهم عكرمة فلم يقاتلوه وأدوا الصدقة وولى أبو بكر حذيفة بن محصن عمان فمات أبو بكر وهو وال عليها ثم صرف ووجه إلى اليمن ولم تزل عمان مستقيمة الأمر يؤدي أهلها صدقات أموالهم ويؤخذ ممن بها من الذمة جزية رؤوسهم إلى أن كانت خلافة الرشيد فولاها عيسى بن جعفر بن سلمان بن علي بن العباس فخرج إليها بأهل البصرة فجعلوا يفجرون بالنساء ويسلبونهن ويظهرون المعازف في طريقهم فبلغ ذلك أهل عمان وجلهم شراة فحاربوه ومنعوه من دخولها ثم قدروا عليه فقتلوه وصلبوه وامتنعوا على السلطان فلم يعطوه طاعة وولوا أمرهم رجلاً منهم وذكر المدائني أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامله بقسمة ما يؤخذ من عشور التمر والحب بعمان في فقراء أهلها ومن سقط إليها من أهل البادية ومن اضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبل
أمر البحرين
كان في أرض البحرين خلق كثير من عبد القيس وافناء بكر بن وائل وتميم مقيمين في باديتها وكان على العرب بها على عهد رسول الله المنذر بن ساوى أحد بني عبد الله بن دارم ابن مالك بن حنظلة فوجه النبي عليه السلام في سنة ثمان من الهجرة العلاء بن عبد الله بن عمار الحضرمي حليف بني عبد شمس إلى البحرين ليدعو أهلها إلى الإسلام أو الجزية وكتب معه إلى المنذر بن ساوى والى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إلى ذلك فأسلما وأسلم معهما جميع العرب وغيرهم ولم يسلم في ذلك الوقت صالح عن أرضه وكتب العلاء بينه وبينهم كتاباً بأن عليهم أن يكفونا العمل ويقاسمونا على النصف من الحب والتمر وان على كل حالم منهم ديناراً
وروي عن العلاء انه قال بعثني رسول الله إلى البحرين أو قال إلى هجر فكتب آتي الحائط بين الاخوة قد اسلم بعضهم فأخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراج وروي أن العلاء بعث إلى رسول الله مالا مبلغه ثمانون ألفاً وقيل أن ما أتاه اكثر منه قبله ولا بعده وكان قد أرتد بعد وفاة النبي من ولد قيس بن ثعلبة مع الحطم وهو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد أحد بني قيس بن ثعلبة وانما سمي الحطم لقوله قد لفها الليل بسواق
حطم وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة وأمروا عليهم ابنا للنعمان ابن المنذر يقال له منذر وأقام ابن الجارود وهو بشر بن عمرو العبيدي ومن بايعه من قومه على الإسلام وبلغ العلاء بن الحضرمي الخبر فسار بالمسلمين حتى نزل جواثا وهو حصن البحرين فدلفت إليه ربيعة فخرج إليها بمن معه من العرب والعجم فقاتلها قتالاً شديداً وقتل الحطم وفض ذلك الجمع فلحق المنذر بن النعمان ومن نجا معه من فل ربيعة بالخط فأتاها العلاء ففتحها وقتل المنذر ومن كان معه ويقال بل نجا فدخل المشقر وأرسل الماء حوله فلم يوصل اليه حتى صالح على أن يخلي المدينة فخلاها ولحق بمسيلمة فقتل معه وتحصن المعكبر الفارسي صاحب كسرى الذي كان وجهه لقتل تميم حين
عرضوا لعيره واسمه دافيروز بن جشيش بالزارة وانظم إليه مجوس كانوا تجمعوا بالقطيف وامتنعو من أداء الجزية فأقام العلاء على الزارة فلم يفتحها في خلافة أبي بكر وفتحها في خلافة عمر وذلك أن رجلاً خرج منها مستأمناً فدل على شرب القوم وهو من العين الخارجة من الزارة فسدها العلاء فلما رأوا ذلك صالحوه على أن له ثلث المدينة وثلث ما فيها من ذهب وفضة وعلى أن يأخذ النصف مما كان لهم خارجها وأتى الاخينس العامري العلاء فقال له انهم لم يصالحوك عن ذراريهم وهم بدارين ودله كراز النكري على المخاضة إليهم فلم يشعر أهل دارين إلا بالتكبير فخرجوا فقاتلوهم من ثلاثة أوجه فقتلوا مقاتلتهم وحووا الذراري والسبي فلما رأى المكعبر ذلك اسلم وبارز البراء ابن مالك مرزبان الزارة فطعنه فوق صلبه وصرعه ثم نزل إليه فقطع يديه وأخذ سواريه ويلقما كان عليه ومنطقة فخمسه عمر لكثرته وكان أول سلب خمس في الإسلام ولم يزل العلاء على البحرين حتى توفي سنة عشرين فولى عمر بن الخطاب مكانه أبا هريرة الدوسي ويروى أن عمر ولي أبا هريرة قبل موت العلاء فأتى العلاء توج من أرض فارس عازماً على المقام بها ثم رجع إلى البحرين فمات فناك ويروى عن أبي هريرة انه قال استعملني عمر على البحرين فاجتعمت لي اثنا عشر الفاً فلما قدمت عليه قال لي يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله فقلت لست بعدو الله ولا لكتابة ولكني عدو من عاداهما ولكن خيلاً تناتجت وسهاماً اجتمعت قال فأخذ مني اثني عشر ألفاً
اليمامة
قالوا كانت اليمامة تدعى جو فصلبت امرأة في الجاهلية يقال لها اليمامة بنت مر بن جديس على بابها فسميت اليمامة والله أعلم وقالوا لما كتب رسول الله إلى ملوك الأفاق في سنة ست من الهجرة كتب إلى هوذة بن علي الحنفي وأهل اليمامة يدعوهم إلى الإسلام وانفذ كتابه بذلك مع سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري ثم الخزرجي فبعثوا إلى رسول الله وفدهم وفي الوفد مجاعة بن مرارة فأقطعه رسول الله أرضاً مواتاً سأله إياها وكان فيهم أيضا مسيلمة الكذاب ثمامة بن كبير بن حبيب فقال مسيلمة لرسول الله أن شئت خلينا لك الأمر وبايعناك على انه لنا بعدك فقال رسول الله لا ولا نعمة عين ولكن الله قاتلك وكان هوذة بن علي الحنفي قد كتب إلى النبي يسأله أن يجعل الأمر له بعده
على أن يسلم ويصير إليه فينصره فقال رسول الله لا ولا كرامة اللهم اكفنيه فمات بعد قليل فلما انصرف وفد بني حنيفة إلى اليمامة ادعى مسيلمة الكذاب النبوة وشهد له الرجال بن عنفوة أحد الوفد بأن رسول الله اشركه في أمره فأتبعته بنو حنيفة وغيرهم ممن باليمامة وكتب إلى رسول الله مع عبادة بن الحارث أحد بني عامر بن حنيفة وهو ابن النواحة الذي قتله عبد الله بن مسعود بالكوفة لما بلغه انه وجماعة يؤمنون بكذب مسيلمة كتاباً نسخته من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فأن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشاً قوم لا ينصفون والسلام عليك وكتب عمرو بن الجارود الحنفي فكتب إليه رسول الله بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والسلام على من اتبع الهدى وكتب أبي بن كعب
فلما تولى رسول الله واستخلف أبو بكر فأوقع بأهل الردة من أهل نجد وما والاها في أشهر يسيرة بعث خالد بن الوليد المخزوني إلى اليمامة وأمر بمحاربة الكذاب مسيلمة فما شارفها ظفر بقوم من بني حنيفة فيهم مجاعة بن مرارة بن سلمى فقتلهم واستبقى مجاعة وحمله معه موثقاً وعسكر خالد
على ميل من اليمامة فخرج إليه بنو حنيفة وفيهم الرجال ومحكم بن الطفيل بن سبيع الذي يقال له محكم اليمامة فرأى خالد البارقة فيهم فقال يا معشر المسلمين قد كفاكم الله مؤونة القوم و قد شهر بعضهم السيوف على بعض واحسبهم قد اختلفوا ووقع بأسهم بينهم فقال مجاعة وهو في وثاقه كلا ولكنها الهنداوية وخشوا تحطمها فأبرزها للشمس لتلين متونها ثم التقى الناس فكان أول من لقيهم الرجال بن عنفوة فقتله الله واستشهد وجوه الناس وقراء القرآن ثم أن المسلمين فاءوا وأثابوا وأنزل الله عليهم نصره فهزم أهل اليمامة واتبعهم المسلمون يقتلونهم قتلاً ذريعاً وقتل محكم وألجأوا الكفرة إلى الحديقة فسميت يومئذ حديقة الموت وقتل الله مسيلمة في الحديقة وكان فيمن استشهد في الحديقة أبو دجانة سماك بن خرشة وكانت الحرب قد نهكت المسلمين فقال مجاعة لخالد أن اكثر أهل اليمامة لم يخرجوا لقتالكم وانما قتلتم منهم القليل وقد بلغوا منكم ما أرى وأنا مصالحك عنهم فصالحه على نصف السبي ونصف الصفراء
والبيضاء والحلقة والكراع ثم أن خالد توثق منه وبعثه إليهم فلما دخل اليمامة أمر الصبيان والنساء ومن باليمامة من المشايخ أن يلبسوا السلاح ويقوموا على الحصون ففعلوا ذلك فلم يشك خالد والمسلمون معه حين نظروا إليهم انهم مقاتلة فقالوا صدقنا مجاعة ثم أن مجاعة خرج حتى أتى عسكر المسلمين فقال أن القوم لم يقبلوا ما صالحتك عليه عنهم واستعدوا لحربك فهذه حصون العرض مملوءة رجالاً ولم ازل بهم حتى رضوا بأن يصالحوا على ربع السبي ونصف الصفراء والبيضاء والكراع فاستقر الصلح على ذلك ورضي به خالد وأمضاه وأدخل مجاعة خالداً اليمامة فلما رأى من بها قال خدعتنا يا مجاع وأسلم أهل اليمامة فأخذت منهم الصدقات
أمر الشام
لما فرغ أبو بكر من أمر أهل الردة رأى توجيه الجيوش إلى الشام فكتب إلى أهل مكة والطائف واليمن وجميع العرب بنجد يستنفرهم للجهاد ويرغبهم في غنائم الروم فسارع الناس إليه من بين محتسب وطامع وأتوا المدينة من كل أوب فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال لخالد بن سعيد بن العاص بن أمية ولشرحبيل بن حسنة وهي أمه وأبوه عبد الله بن المطاع الكندي وكانت حسنة مولاة معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ولعمرو بن العاص بن وائل السهمي وكان عقده هذه الألوية يوم الخميس غرة صفر سنة ثلاث عشرة وذلك بعد مقام الجيش معسكرين بالجرف المحرم كله وأبو عبيدة يصلي بهم
وكان أبو بكر أراد أبا عبيدة أن يعقد له فاستعفاه من ذلك قالوا ولما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد كره ذلك عمر وقال انه رجل فخور سيجعل الأمر على المغالبة والتعصب فبعث أبو بكر أبا أروى الدوسي فأخذ اللواء منه ودفعه إلى يزيد بذي الروة فسار به اخوه معاوية يحمله بين يديه وصار جيش خالد مع يزيد وسار خالد محتسباً في جيش شرحبيل وتقدم أبو بكر إلى عمرو بن العاص أن يسلك طريق آيلة عامداً لفلسطين وأمر يزيد أن يأخذ طريق تبوك وكتب إلى شرحبيل في أن يأخذ طريق تبوك أيضا وكان العقد لكل أمير على ثلاثة آلاف رجل فلم يزل أبو بكر يتبعهم الامداد حتى صار مع كل أمير منهم سبعة آلاف وخمسمائة رجل ثم تتام جمعهم بعد ذلك أربعة وعشرون الفاً وروي الواقدي أن أبا بكر ولي عمراً فلسطين وشرحبيل الأردن ويزيد دمشق وقال إذا كان بكم قتال فأميركم من تكونون في عمله
وروي أن أمر عمراً مشافهة أن يصلي بالناس إذا اجتمعوا وإذا تفرقوا صلى كل أمير بأصحابه وأمر الأمراء أن يعقدوا لكل قبيلة لواء يكون فيهم وقالوا فلما صار عمرو بن العاص إلى أول عمل فلسطين كتب إلى أبي بكر يعلمه كثرة عدد العدو وعدتهم وسعة أرضهم ونجدة مقاتلتهم فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهو بالعراق يأمره بالمسير إلى الشام فقال قوم انه جعله اميراً على الأمراء في الحرب وقال آخرون بل كان أميراً على أصحابه الذين شخصوا من العراق معه وكان المسلمون إذا اجتمعوا
لحرب أمره الأمراء فيها لبأسه وقوة مكيدته فأول وقعة كانت بين المسلمين وعدوهم بقرية من قرى غزة يقال لها داثن كانت بينهم وبين بطريق غزة فأقتتلوا فيها قتالاً شديداً ثم أن الله أظهر أولياءه وهزم أعداءه وفض جمعهم وذلك قبل قدوم خالد بن الوليد عليهم ثم بلغهم أن ستة قواد من الروم نزلوا العربة فسار إليهم أبو أمامة الصدي بن عجلان الباهلي في كثف المسلمين فهزمهم وقتل أحد القواد ثم صاروا إلى الدابية فاتبعهم فهزمهم وغنم المسلمون غنماً حسناً ولم يمر المسلمون منذ فصلوا من الحجاز بشيء من الأرض إلى موضع الوقعة إلا غلبوا عليه بغير حرب وصار في أيديهم
ورد كتاب أبي بكر على خالد بن الوليد وهو بالحيرة فخلف المثنى ابن حارثة الشيباني على ناحية الكوفة وسار في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمانمائة ويقال في ستمائة ويقال في خمسمائة وأتى عين التمر ففتحها عنوة وأتى صندوداء وبها قوم من كندة وأياد والعجم فقاتلوه فظفر بهم وخلف بها سعد بن عمرو بن حزام الأنصاري فولده اليوم بها وبلغه أن جمعاً لبني تغلب بالمضيح والحصيد مرتدين وعليهم ربيعة بن بجير فأتاهم فقاتلهم فهزمهم وسبى وغنم وبعث بالسبي إلى أبي بكر فكانت منهم أم حبيب الصهباء بنت حبيب بن بجير وهي أم عمر بن علي بن أبي طالب ثم أغار على مياه مر بها في طريقه منها
قرار وهو ماء لكلب ومنها إلى سوى وهو ماء لهم أيضا ومر بناحية قرقيسيا فخرج إليه صاحبها في خلق فتركه وانحاز إلى البر ومضى لوجهه فأتى أركة وهي أرك وأغار على أهلها وحاصرهم ففتحها صلحاً على شيء أخذ منه وأتى دومة الجندل ففتحها ثم أتى قصم فصالحه بنو مشجعة بن التيم بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكتب لهم أماناً ثم أتى تدمر من عمل حمص فأمتنع أهلها وتحصنوا ثم طلبوا الامان فآمنهم على أن يكونوا ذمة وعلى أن يقروا المسلمين ورضخوا لهم ثم أتى القريتين فقاتله أهلها فظفر وغنم ثم أتى حوارين من سنير فأغار على مواشي أهلها فقاتلوه وقد جاءهم مدد أهل بعلبك وأهل بصرى وهي مدينة حوران فظفر بهم فسبي وقتل ثم أتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم وكانوا نصارى فسبى وقتل ووجه بسر بن أبي ارطاة العامري من قريش وحبيب بن مسلمة الفهري إلى غوطة دمشق فأغار على قرى من قراها وصار خالد إلى الثنية التي تعرف بثنية العقاب من دمشق فوقف عليها ساعة ناشراً رأيته وهي راية كانت لرسول الله عليه السلام سوداء فسميت ثنية العقاب يومئذ والعرب تسمى الراية عقاباً ونزل خالد الباب الشرقي ويقال احفظ لي هذا العهد فوعده ذلك ثم سار حتى انتهى إلى المسلمين وهم بقناة بصرى ويقال انه أتى الجابية وبها أبو عبيدة في جماعة من المسلمين فألتقيا ثم مضيا إلى بصرى
فتح بصرى قصبة حوران
قالوا لما قدم خالد بن الوليد على المسلمين ببصرى اجتمعوا عليها والصقوا بها وحاربوا بطريقها حتى الجأوه وكماة اصحابه إليها ثم أن أهلها صالحوه على أن يؤمنوا على دمائهم وأموالهم ويؤدوا الجزية وزعم بعض الرواة أن أهل بصرى صالحوا على أن يؤدوا عن كل حالم ديناراً وجريب حنطة وافتتح المسلمون جميع أرض كورة حوران وغلبوا عليها وأتاهم صاحب اذرعات فطلب الصلح على مثل ما صولح عليه أهل بصرى وعلى أن جميع أرض الثنية ارض خراج وسار يزيد بن أبي سفيان إلى عمان ففتحها فتحاً يسيراً على مثل صلح بصرى وغلب على أرض البلقاء وتوجه أبو عبيدة بن الجراح في جماعة كثيفة من المسلمين من أصحاب الأمراء ضموا إليه فأتى مآب من أرض البلقاء وبها جمع العدو فافتتحها صلحاً على مثل صلح بصرى وكان أبو عبيدة أمير الناس حتى فتحت مدينة دمشق إلا أن الصلح كان لخالد بن الوليد واجاز أبو عبيدة صلحه
يوم أجنادين
ثم كانت واقعة أجنادين فشهدها من الروم زهاء مائة ألف سرب هرقل أكثرهم وتجمع باقوهم من النواحي وهرقل يومئذ مقيم بحمص فقاتلوا المسلمين قتالاً شديداً ثم أن الله هزمهم ومزقهم كل ممزق وقتل المسلمون منهم خلقاً واستشهد يومئذ من المسلمين جماعة وأبلى خالد بن الوليد بلاء حسناً
ولما انتهى خبر الوقعة إلى هرقل نخب قلبه وسقط في يده وملئ رعباً فهرب من حمص إلى انطاكية وقد ذكر قوم أن هربه من حمص إلى انطاكية كان عند قدوم المسلمين الشام كانت واقعة اجنادين يوم الاثنين لاثنتي عشرة بقيت من جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة ويقال لليلتين خلتا منه قالوا ثم جمعت الروم جمعاً بالياقوصة وهو واد فمه الفوارة فلقيهم المسلمون هناك فهزموهم وقتلوا كثيراً منهم ولحق فلهم بمدن الشام وتوفي أبو بكر في جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة فأتى المسلمين نعيه وهم بالياقوصة
يوم فحل من الأردن
كانت وقعة فحل من الأردن لليلتين بقيتا من ذي العقدة بعد خلافة عمر بن الخطاب بخمسة اشهر وأمير الناس أبو عبيدة بن الجراح لأن عمر قد كان كتب إليه بولاية الشام وأمرة الأمراء مع عامر بن أبي وقاص أخي سعد بن أبي وقاص وقوم يقولون ولاية أبي عبيدة الشام أتته والناس محاصرون دمشق فكتمها خالداً أياماً لأن خالداً كان أمير الناس في الحرب فقال له خالد ما دعاك إلى ما فعلت فقال كرهت أن أكسرك وأوهن أمرك وأنت بازاء عدوك وكان سبب هذه الوقعة أن هرقل لما صار إلى انطاكية استنفر الروم وأهل الجزيرة وبعث عليهم رجلاً من خاصته وثقاته فلقوا المسلمين بفحل من الأردن فقاتلوهم قتالاً شديداً حتى اظهرهم الله عليهم وقتل بطريقهم وزهاء عشرة آلاف منهم وتفرق الباقون في مدائن الشام حتى سألوا الامان على أداء الجزية
عن رؤوسهم والخراج عن أرضهم فأمنوا على أنفسهم وأموالهم وإلا تهدم حيطانهم وتولى عقد ذلك لهم أبو عبيدة بن الجراح ويقال بل تولاه شرحبيل بن حسنة
الأردن
قالوا فتح شرحبيل بن حسنة الأردن عنوة ما خلا طبرية فأن أهلها صالحوه على أنصاف منازلهم وكنائسهم وفتح شرحبيل طبرية صلحاً بعد حصار أيام على أن آمن أهلها على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم ومنازلهم إلا ما جلوا عنه وخلوه واستثنى لمسجد للمسلمين موضعاً ثم انهم في خلافة عمر أيضاً نقضوا واجتمع إليهم من سواد الروم وغيرهم فأمر أبو عبيدة عمرو بن العاص بغزوهم فسار إليهم في أربعة آلاف ففتحها على مثل صلح شرحبيل ثانية وفتح شرحبيل جميع مدن الأردن وحصونها على هذا الصلح فتحاً يسيراً بغير قتال وفتح بيسان وافيق وجرش وبيت رأس وقدس والجولان وعكا وصور وصفورية وغلب على سواد الأردن وجميع ارضها وكان أبو عبيدة وجه عمرو بن العاص إلى سواحل الأردن فكثر به الروم فكتب إلى أبي عبيدة يستمده فوجه أبو عبيدة إليه يزيد بن أبي سفيان فسار يزيد وعلى مقدمته معاوية أخوه ففتح يزيد وعمرو سواحل الأردن فكتب أبو عبيدة بفتحها لهما وكان لمعاوية في ذلك بلاء حسناً وأثر جميل ورم معاوية عكا عند ركوبه منها إلى قبرص ورم صور ثم أن عبد الملك جددهما بعد وقد كانتا خربتا وكانت الصناعة من الأردن بعكا فنقلها هشام بن عبد الملك إلى صور فهي بها إلى اليوم
فتح مدينة دمشق
لما فرغ المسلمون من قتال من اجتمع لهم بمرج الصفر وكان اجتمع لهم من الروم جمع عظيم ولقوهم بهذا المرج أول يوم من المحرم سنة أربع عشرة اقاموا بعد ذلك خمس عشرة ليلة ثم رجعوا إلى مدينة دمشق لأربع عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة أربع عشرة فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة وتحصن أهل المدينة وأغلقوا أبوابها فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي في زهاء خمسة آلاف ضمهم إليه أبو عبيدة بن الجراح وسمي الدير الذي نزل خالد عنده دير خالد ونزل عمرو بن العاص على باب توما ونزل شرحبيل على باب الفراديس ونزل أبو عبيدة على باب الجابية ونزل يزيد بن أبي سفيان على الباب الصغير إلى الباب الذي يعرف بكيسان وجعل أبو الدرداء عويمر بن عامر الخزرجي على مسلحة ببرزة وكان الاسقف الذي اقام لخالد النزل في بدأته ربما وقف على السور يدعوا به خالد فإذا أتى سلم على خالد وحادثة فقال له الاسقف ذات يوم يا أبا سليمان أن امركم مقبل ولي
عليك عدة فصالحني عن هذه المدينة فدعى خالد بداوة وقرطاس فكتب فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها أعطاهم أماناً عن أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شيء من بيوتهم ودورهم لهم بذلك عهد الله وذمة رسوله والخلفاء والمؤمنين لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية ثم أن بعض أصحاب الاسقف أتى خالداً في ليلة من الليالي فأعلمه إنها ليلة عيد لأهل المدينة وأنهم في شغل وان الباب الشرقي قد ردم بالحجارة وترك وأشار عليه بأن يلتمس سلماً يصعد عليه فأتاه قوم من أهل الدير بسلمين فرقى جماعة من المسلمين عليهما إلى أعلى السور ونزلوا إلى الباب وليس عليه أحد إلا رجل أو رجلان فتعاونوا عليه ففتحوه وذلك عند طلوع الشمس
وقد كان أبو عبيدة عاني فتح باب الجابية وأصعد جماعة من المسلمين على حائطه فأنصب مقاتلة الروم إلى ناحيته وقاتلوا المسلمين قتالاً شديداُ ثم أنهم ولوا مدبرين وفتح أبو عبيدة والمسلمون معه باب الجابية عنوة ودخلوا منه فألتقى أبو عبيدة وخالد بالمقسلاط وهو
موضع النحاسين بدمشق الذي يسمى البريص وذكره حسان بن ثابت في شعره فقال
( يسقون من ورد البريص عليهم ** كأساً يصفق بالرحيق السلسل )
وقد روى أن الروم اخرجوا ميتاً لهم من باب الجابية ليلا وقد احاط بجنازته خلق من شجعانهم وكماتهم وانصب سائرهم إلى الباب فوقفوا عليه ليمنعوا المسلمين من فتحه ودخوله إلى رجوع أصحابهم من دفن الميت وطمعوا في غفلة المسلمين عنهم وان المسلمين بدروا بهم فقاتلوهم على الباب اشد قتال وأبرحه حتى فتحوه في وقت طلوع الشمس فلما رأى الاسقف أن أبا عبيدة قد قارب دخول المدينة بدر إلى خالد فصالحه وفتح له الباب الشرقي فدخل والأسقف معه ناشراً كتابه الذي كتبه له فقال بعض المسلمين والله ما خالد بأمير فكيف يجوز صلحه فقال أبو عبيدة انه يجيز على المسلمين ادناهم واجاز صلح خالد وامضاه ولم يلتفت إلى ما فتح عنوة فصارت دمشق كلها صلحاً وكتب بذلك إلى عمر فأنفذه وفتحت ابواب المدينة فالتقى القوم جميعاً
وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام أن حسان بن مالك خاصم عجم أهل دمشق في كنيسة اقطعه كل واحد من الأمراء إياها فقال عمر أن كانت من الخمس العشرة الكنيسة التي في عهدهم فلا سبيل لغيرهم عليها وقالوا انه لما ولى معاوية بن أبي سفيان أراد أن يزيد كنيسة يوحنا في المسجد الجامع بدمشق فأبى النصارى ذلك فأمسك ثم طلبها عبد الملك بن مروان في أيامه لمثل ما كان طلبها معاوية وبذل لهم مالاً فأبوا أن يسلموها إليه ثم أن الوليد بن عبد الملك جمعهم في أيامه وبذل لهم مالاً عظيماً على أن يعطوه إياها فأبوا فقال لئن لم تفعلوا لاهدمنها فقال بعضهم يا أمير المؤمنين أن من هدم كنيسة جن فأحفظه ذلك حتى دعا بمعول فجعل يهدم بعض حيطانها بيده وكان عليه قباء خز أصفر ثم جمع المفعلة والناقضين فهدمها وأدخلها في المسجد
فلما استخلف عمر بن عبد العزيز شكى إليه النصارى ما فعله الوليد فكتب إلى عامله يأمره برد ما زيد في المسجد منها عليهم فكتب إليه أن أهل دمشق قد كرهوا ذلك وقالوا يهدم مسجدنا بعد أن اذنا فيه وصلينا ويرد بيعة وفيهم يومئذ سليمان بن حبيب المحاربي وغيره
من الفقهاء واقبلوا على النصارى فسألوهم أن يعرضوا منها رد جميع كنائسهم بالغوطة التي أخذت منهم عنوة وصارت في أيدي المسلمين على أن يصفحوا عن كنيسة يوحنا ويمسكوا عن المطالبة بها فرضوا بذلك وأعجبهم فكتب به إلى عمر فسره وامضى الأمر فيه وفي المسجد الجامع في الرواق القبلي مما يلي المئذنة كتاب في رخامة بقرب السقف مما أمر ببنائه أمير المؤمنين الوليد سنة ست وثمانين
وكانت الجزية بالشام في بدئ الأمر على كل جمجمة جريباً وديناراً حتى وضعها عمر بن الخطاب على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهماً ثم جعلهم طبقات على قدر غنى الغني واقلال المقل وتوسط المتوسط وكانت اليهود بالشام كالذمة للنصارى يؤدون إليهم الخراج فدخلوا في الصلح معهم ثم أتى يزيد بن أبي سفيان بعد فتح مدينة دمشق وصيدا وعرقة وجبيل وبيروت وهي سواحل دمشق وعلى مقدمته اخوه معاوية ففتحها فتحاً يسيراً وجلا كثيراً من أهلها وتولى فتح عرقة معاوية نفسه ثم أن الروم غلبوا على بعض هذه السواحل في آخر خلافة عمر وأول خلافة عثمان فقصد لهم معاوية حتى فتحها ثم رمها وشحنها بالمقاتلة وأقطعهم القطائع
وقالوا لما استخلف عثمان وولى معاوية الشام وجه معاوية سفيان بن مجيب الازدي إلى طرابلس وكانت ثلاثة مدن مجتمعة فبنى في مرج على أميال منها حصناً سمى حصن سفيان وقطع المادة عن أهلها من البحر وغير البحر وحاصرهم فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد
الحصون الثلاثة وكتبوا إلى ملك الروم يسألونه أن يمدهم أو يبعث إليهم بمواكب ليهربوا فيها إلى ما قبله فوجه إليهم بمراكب كثيرة ركبوا فيها ليلا وهربوا فلما أصبح سفيان وكان يبيت كل ليلة في حصنه ويحصن المسلمين معه ثم يغدو من الحصن وجد الحصن الذي كانوا فيه خالياً فدخله وكتب بالفتح إلى معاوية فاسكنه معاوية جماعة من اليهود وهو الحصن الذي فيه الميناء اليوم وكان عبد الملك بعد ذلك بناه وحصنه
فتح بعلبك
قالوا لما فرغ أبو عبيدة من أمر مدينة دمشق سار إلى حمص فمر ببعلبك فطلب أهلها الامان والصلح فصالحهم على أن امنهم على أنفسهم واموالهم وكنائسهم وكتب لهم بذلك كتاباً
فتح حمص
روى الكلبي أن أبا عبيدة لما فرغ من أمر دمشق قدم أمامه خالد بن الوليد وملحان بن زياد الطائي فلما توافوا بحمص قاتلهم أهلها ثم لجأوا إلى المدينة وطلبوا الامان والصلح فصالحوه على مائة ألف وسبعين ألف دينار
وقال الواقدي وغيره بينما المسلمون على ابواب دمشق إذ اقبلت خيل للعدو فخرجت إليهم جماعة من المسلمين فلقوهم بين بيت لهيا والثنية فولوا منهزمين نحو حمص على طريق قارا واتبعوهم حتى وافوا حمص ورآهم الحمصيون وكانوا
منخوبين لهرب هرقل عنهم وما كان يبلغهم من قوة كيد المسلمين وبأسهم وظفرهم وكفوا أيديهم عنهم فأخرج الحمصيون إليهم النزل واقام المسلمون على الاربط وهو النهر الذي يمر بإنطاكية ويصب في البحر وما كان على المسلمين السمط بن الاسود الكندي ثم لما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق واستخلف عليها يزيد بن أبي سفيان قدم حمص على طريق بعلبك فنزل باب الرستن فصالحه أهل حمص على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد واشترط الخراج على من أقام منهم ثم استخلف بحمص عبادة بن الصامت الأنصاري ومضى نحو حماة فتلقاه أهلها مذعنين فصالحهم على الجزية في رؤوسهم والخراج في أرضهم ومضى نحو شيزر فخرجوا يكفرون ورضوا بمثل ما رضي به أهل حماة وبلغت خيله الزراعة والقسطل ثم مر أبو عبيدة بمعرة حمص وهي التي تنسب اليوم إلى النعمان بن بشير الأنصاري فخرجوا يقلسون بين يديه ثم أتى أفامية ففعل أهلها مثل ذلك
وأذعنوا بالخراج والجزية واستتم أمر حمص وأتى عبادة بن الصامت الأنصاري اللاذقية فقاتله أهلها فكادهم عبادة حتى دخل باب المدينة وفتحها عنوة وكبر على الحصن وبنى عبادة باللاذقية مسجداً جامعاً ووسع بعد ذلك وفتح المسلمون مدينة تعرف ببلدة على فرسخين من جبلة عنوة ثم إنها خربت وجلا أهلها فأنشأ معاوية جبلة وكانت حصناً للروم جلوا عنها عند فتح المسلمين حمص وفتح المسلمون مع عبادة أيضا انطرطرس وكان حصناً ثم جلا أهله عنه فبنى معاوية مدينة أنطرطرس ومصرها وأقطع المقاتلة بها القطائع وكذلك فعل بمرقية وبلنياس وبيت سلمية ثم أن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس اتخذها وبنى وولده فيها ومصروها ونزلها من نزل من ولده فهي لهم وارضوها
ثم جمع هرقل جموعاً عظيمة من الروم وأهل الشام والجزيرة وأرمينية تكون زهاء مائتي ألف وولى أمرهم رجلاً من خاصته وبعث على مقدمته جبلة بن الايهم الغساني في مستعربة الشام من لخم وجذام وغيرهم وعزم على محاربة المسلمين والعمل على أنه أن ظفر وألا دخل قسطنطينية واجتمع المسلمون فرجعوا إليه فاقتتلوا على اليرموك وهو نهر اشد قتال وأبرحه وكان اجتمع من المسلمين لهم يومئذ نحو أربعة وعشرين الفاً وتسلسلت الروم وأتباعها لئلا يهربوا فقتل منهم زهاء تسعين ألفاً وهرب فللهم فلحقوا بانطاكية وحلب والجزيرة
وأرمينية وفلسطين وبلغ هرقل خبرهم فهرب من انطاكية إلى قسطنطينية فلما جاوز الدرب قال عليك يا سورية السلام وكانت وقعة اليرموك في رجب سنة خمس عشرة
ثم سار أبو عبيدة إلى قنسرين وانطاكية ففتحها ولم تزل قنسرين وكورها مضمومة إلى حمص حتى جعل يزيد بن معاوية قنسرين وانطاكية ومنبج ودوانها جنداً
فلما استخلف الرشيد افرد قنسرين بكورها فصير ذلك جنداً وأفرد منبج ودلوك ورعبان وقورس وانطاكية وتيزين وسماها العواصم لأن المسلمين يعتصمون بها في ثغورهم فتعصهم
فتح فلسطين
قالوا كانت أول وقعة واقعها المسلمون الروم في خلافة أبي بكر بأرض فلسطين وعلى الناس عمرو بن العاص ثم أن عمراً فتح غزة في خلافة أبي بكر ثم فتح بعد ذلك سبسطية ونابلس على أن اعطاهم الامان على أنفسهم واموالهم ومنازلهم على أن الجزية في رقابهم والخراج في ارضهم ثم فتح مدينة لد وارضها ثم فتح يبني وعمواس وبيت جبرين وفتح يافا وقيل بل فتحها معاوية وفتح رفح مثل ذلك ثم قدم أبو عبيدة عليه بعد فتح قنسرين ونواحيها وذلك في سنة ست عشرة وهو محاصر ايلياء وهي مدينة بيت المقدس وطلب أهل ايلياء من أبي عبيدة الامان والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء
الجزية والخراج والدخول فيما دخل فيه نظراؤهم على أن يكون المتولى للعقد لهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق ثم صار إلى ايلياء فأنفذ صلحهم وكتب به لهم وكان فتح ايلياء في سنة سبع عشرة
ثم كان طاعون عمواس سنة ثماني عشرة فتوفي فيه خلق من المسلمين وكان ممن توفي فيه أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وشرحبيل بن حسنة فلما اتت عمر بن الخطاب وفاة أبي عبيدة كتب إلى يزيد بن أبي سفيان بولاية الشام مكانه وامره أن يغزو قيسارية وقد قال قوم أن عمر إنما ولى يزيد الأردن وفلسطين وانه ولي أبا الدرداء دمشق وولي عبادة بن الصامت حمص
وقال الواقدي اختلف علينا في أمر قيسارية فقال قائلون فتحها معاوية وقال اخرون بل فتحها عياض بن غنم بعد وفاة أبي عبيدة وهو خليفته وقال قائلون فتحها عمرو بن العاص وقال قائلون خرج عمرو إلى مصر وخلف ابنه عبد الله بن عمرو فكان الثبت من ذلك والذي أجمع عليه من يوثق بقوله إن أول الناس حاصرها عمرو بن العاص نزل عليها في جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة فكان يقيم عليها ما اقام فإذا كان للمسلمين اجتماع في أمر عدوهم سار إليهم فشهد اجنادين وفحل والمرج ودمشق واليرموك ثم رجع إلى قيسارية فحاصرها وخرج إلى مصر من قيسارية ثم لما ولى يزيد بن
أبي سفيان وكان أخاه معاوية محاصرا قيسارية وتوجه إلى مصر مطعونا فمات بها
وقال غير الواقدي ولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان فلسطين مع ما ولاه من اجناد الشام فكتب إليه أن يغزوا قيسارية وقد كانت حوصرت قبل ذلك فنهض إليها في سبعة عشر آلفا فقاتله أهلها ثم حصرهم ومرض في آخر سنة ثمان عشر فمضى إلى دمشق واستخلف عليها معاوية ففتحها وكتب إليه بفتحها فكتب به يزيد إلى عمر ويقال أن معاوية فتحها بعد موت يزيد وكان عمر ولى معاوية الشام بعد موت اخيه يزيد فشكر له أبو سفيان ذلك وقال يا أمير المؤمنين وصلتك رحم وكانت مدة حصار قيسارية سبع سنين وفتحها في شوال سنة تسع عشرة ففتحها معاوية قسرا بعد أن كان يئس من فتحها ولما فتحت وجد فيها من المرتزقة سبعمائة ألف ومن السامرة ثلاثين آلفا ومن اليهود مائتي ألف ووجد بها ثلثمائة سوق قائمة وكان يحرسها على سورها كل ليلة مائة ألف وكان سبب فتحها يهودي دل المسلمين على طريق في سرب فيه الماء إلى حقوى الرجل فدخلها المسلمون من ذلك الموضع وكبروا فيها فأراد الروم أن يهربوا من السرب فوجدوا المسلمين عليه وكان بها خلف من العرب ومنهم شقراء التي يقول فيها حسان بن ثابت الأنصاري
تقول شقراء لو صحوت عن الخمر لأصبحت مثري العدد
وقدم سبي قيسارية على عمر وكانوا أربعة آلاف راس فانزلوا الجرف ثم قسمهم عمر على يتامى الأنصار وجعل بعضهم في الكتاب والأعمال للمسلمين وكان من قتل بقيسارية من مقاتلة المشركين ثمانين آلفا وكتب عمر إلى معاوية يأمره بتتبع ما بقى من فلسطين ففتح عسقلان صلحا بغير كيد وأخربت الروم عسقلان في أيام ابن الزبير فلما ولي عبد الملك بن مروان بناها وحصنها ورم قيسارية وبنى بها بناء كثيرا وبنى مسجدها وبنى أيضا صور وعكا الخارجة وكانت هذه سبيلها ولم تكن مدينة الرملة قديمة وانما كان موضعها رملة لوى الوليد بن عبد الملك سليمان بن عبد الملك جند فلسطين فنزل لد ثم احدث مدينة الرملة ومصرها وكان أول ما بنى منها قصره والدار التي تعرف بدار الصباغين وجعل في الدار صهريجا ثم اختط المسجد الجامع وبناه وولى الخلافة قبل استتمامه فبنى فيه بعد خلافته واتمه عمر بن عبد العزيز ونقص من خطة سليمان وقال أهل الرملة يكتفون بهذا وبنى الناس في الرملة بعد بنائه إياها المنازل بأذنه واحتفر أهل الرملة قناتهم التي تدعى بردة واحتفر بها آبارا والنفقة عليها من مال السلطان محتسب بها في جماعات العمال إلى هذا الوقت لان المعتصم بالله كان يحل بها
فتح قنسرين والعواصم
قالوا سار أبو عبيدة بعد فراغه من أمر اليرموك إلى حمص فاستقراها ثم أتى قنسرين وعلى مقدمته خالد ين الوليد فقاتله أهل مدينة قنسرين ثم لجأوا إلى حصنهم وطلبوا الصلح فصالحهم أبو عبيدة على مثل صلح أهل حمص وغلب المسلمون على ارضها وقرارها وكان حاضر قنسرين لتنوخ منذ أول ما تنخوا بالشام نزلوه وهم في بيوت الشعر ثم ابتنوا المنازل فدعاهم أبو عبيدة إلى الإسلام فاسلم بعضهم واقام البعض على النصرانية فصالحهم على الجزية وكان اكثر من اقام على نصرانيته بنو سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ويقال أن جماعة من أهل ذلك الحاضر اسلموا في خلافة المهدي فكتب على أيديهم بالخضرة قنسرين
ثم سار أبو عبيدة يريد حلب فبلغه أن أهل قنسرين نقضوا فرد إليهم السمط بن الاسود الكندي فحصرهم ثم فتحها ووجد بها بقرا وغنما فقسم بعضها فيمن حضر وجعل الباقي في المغنم وكان حاضر طيئ قديما نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزل الجبلين من نزل منهم فلما ورد أبو عبيدة عليهم اسلم بعضهم وصالح كثير منهم على الجزية ثم اسلموا بعد ذلك بيسير إلا من شذ منهم وكان بقرب حلب حاضر حلب يجمع أصنافا من العرب من تنوخ وغيرهم فصالحهم أبو عبيدة على الجزية ثم أنهم أسلموا بعد ذلك وجرت بينهم وبين أهل حلب حرب اجلاهم فيها أهل حلب فانتقلوا إلى قنسرين ثم أرادوا التغلب عليها فأجلاهم أهلها فتفرقوا في البلاد وكان حيار بني القعقاع بلدا معروفا قبل الإسلام وبه كان مقيل المنذر بن ماء السماء فنزله بنو القعقاع بن
خليد بن جزء بن الحارث العبسي واوطنوه لان عبد الملك بن مروان اقطع القعقاع فيه قطيعة واقطع عمه العباس بن جزء بن الحارث بن زهير بن جذيمة قطيعة اوغرت له إلى اليمن وكانت بنته ولادة عند عبد الملك فولدت له الوليد وسليمان ودخل أبو عبيدة حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم فوجد أهلها قد تحضوا فنزل على حصنهم فلم يبثوا أن طلبوا الصلح والامان على أنفسهم وأولادهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها فأعطوا ذلك واستثنى عليهم موضع المسجد وكان الذي صالحهم عياض فانفذ أبو عبيدة صلحه ثم سار أبو عبيدة من حلب إلى انطاكية وقد تحصن بها خلق من قنسرين فلما صار بقرية مهروبة وهي من انطاكية على فرسخين لقيه جمع العدو ففضهم وألجأهم إلى المدينة وحاصر أهلها من جميع ابوابها وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعي باب البحر ثم انهم صالحوه على الجزية أو الجلاء فجلا بعضهم واقام البعض فأمنهم ووضع على كل حالم دينارا وجريبا ثم نقضوا فوجه إليهم عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة الفهري ففتحاها على الصلح الأول وصار أبو عبيدة إلى معرة مصرين ففتحها على مثل صلح حلب وجالت خليه فبلغت بوقا وفتحت قرى الجومة وسرمين ومرتحوان وتيزين وصالحوا أهل دير طايا ودير
الفسيلة على أن يضيفوا من حربهم من المسلمين وغلبوا على جميع ارض قنسرين وانطاكية والتاث أهل حلب فعاد أبو عبيدة إليهم فلم يزل بهم حتى اذعنوا وفتحت أبواب مدينتهم ثم سار يريد قورس وقدم أمامه عياض بن غنم فتلقاه راهب من رهبان هذه الناحية يسأل الصلح عن أهلها فبعث به إلى أبي عبيدة وهو بين جبرين وتل عزاز فصالحه عن قورس ثم وردها فعقد لاهلها عهدا وأعطاهم مثل الذي أعطى أهل إنطاكية وغلب على جميع ارض قورس إلى آخر حد نقابلس وبعث عياضا إلى منبج ثم لحقه وقد صالح أهلها على مثل صلح إنطاكية فانفذ ذلك وبعثه إلى ناحية دلوك ورعبان فصالحه أهلها على مثل صلح منبج واشترط عليهم أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين وصار إلى بالس فرتب بها جماعة من المقاتلة واسكنها قوما من عرب الشام الذين اسلموا بعد قدوم المسلمين وكانت بالس والقرى المنسوبة إليها عشرية فمر بهم مسلمة عبد الملك غازيا من ناحية الثغور الجزرية فاجتمع إليه جماعة من أهلها فسألوه أن يحتفر لهم نهرا يسقى ارضهم من الفرات على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد العشر الواجب بحق بيت المال فحفر النهر المعروف بمسلمة ووفوا له بالشرط ورم سور المدينة واحكمه ثم صارت بالس وقراها لورثته فلم تزل في أيديهم إلى أن زالت دولة بني أمية فأقطعها أبو العباس سليمان بن علي بن عبدالله بن العباس فصارت لابنه محمد بن سليمان فأقر بها للرشيد ونزل عنها له لسعاية أخيه جعفر إليه به فأقطعها الرشيد المأمون فصارت لولده من بعده ثم خرجت عن أيديهم فيما بعد
أمر جزيرة قبرص
قال الواقدي وغيره غزا معاوية في البحر غزوة قبرص الأولى ولم يركب المسلمون بحر الروم قبلها وقد كان معاوية استأذن عمر في غزو البحر فلم يأذن له فلما ولي عثمان كتب إليه يستأذنه في غزو قبرص ويعلمه قربها وسهولة الأمر فيها فكتب إليه قد شهدت ما رد عليك عمر حين استأذنته في غزو البحر فلما دخلت سنة سبع عشرة كتب إليه يهون عليه ركوب البحر إلى قبرص فكتب إليه عثمان فأن اردت أن أذن لك فليكن معك امرأتك وألا فلا فركب البحر من عكا ومعه مراكب كثيرة وحمل امرأته فأخته بنت قرظة وحمل عبادة بن الصامت الأنصاري معه أيضا امرأته أم حرام بنت ملحان الانصارية وذلك في سنة ثمان وعشرين فلما صار المسلمون إلى قبرص فأرقوا إلى ساحلها بعث إليهم صاحبها يطلب الصلح واذعن أهلها فصالحهم معاوية على سبعة آلاف ومائتي دينارا يؤدونها في كل سنة وفارقهم الروم على مثل ذلك واشترط المسلمون عليهم مع أداء الإتاوة النصيحة وانذار المسلمين بسير الروم إليهم وقد كانوا نقضوا الشرائط المشترطة عليهم حتى حوربوا مرات اولهن في سنة ثلاث وثلاثون وبعض الرواة يقول في سنة خمس وثلاثين ثم احدثوا في ولاية عبد الملك بن صالح على الثغور الشامية حوادث أراد بها نقض صلحهم فاستفتى جماعة من الفقهاء فأفتى أكثرهم بالإبقاء عليهم ثم آخر ما ظهروا من مخالفة ما شورطوا عليه في سنة احدى وثلثمائة فغزاهم المسلمون المتولي كان للبحر بالثغور الشامية وثغور ميانة وسبوا حتى عادوا إلى النجوع بأمرهم الأول فكف عنهم وجرى أمرهم بعد ذلك إلى هذا الوقت على صلحهم القديم
أمر الثغور الشامية
قالوا كانت ثغور المسلمين المعروفة بالشامية أيام عمر وعثمان وما بعد ذلك إنطاكية وغيرها من المدن المدعوة بالعواصم وكان المسلمون يغزون ما وراءها كغزوهم اليوم ما وراء طرسوس وكان فيما بين الإسكندرونة وطرسوس حصون ومسالح للروم كالحصون والمسالح التي يمر بها المسلمون اليوم فيما وراء طرسوس فربما اخلاها أهلها وهربوا إلى بلاد الروم خوفا على نفوسهم وربما نقل إليها الروم من المقاتلة من يشحنونها بهم إلى أن طال الخوف عليهم ودام استيحاشهم فانتقلوا إلى بلد الروم فلما غزا معاوية غزوة عمورية في سنة خمس وعشرين وجد الحصون فيما بين إنطاكية وطرسوس خالية فحبس بها جماعة من أهل الشام والجزيرة وامرهم بالوقوف عندها حتى انصرف من غزاته فلما انصرف وجد من كان خلفه قد بنوا مسجدا جامعا من ناحية كفربيا التي عند المصيصة فاتخذ هناك صهريجا وكان اسمه عليه مكتوبا ثم جدد المسجد في خلافة المعتصم بالله وهو يدعى الآن مسجد الحصن ثم غزا معاوية سنة إحدى وثلاثين من ناحية المصيصية حتى بلغ درولية فلما خرج جعل لا يمر بحصن فيما بينه وبين إنطاكية إلا هدمة
ولما كانت سنة أربع وثمانين غزا على الصائفة عبدالله بن عبد الملك بن مروان فدخل من درب إنطاكية وأتى المصيصية فبنى حصنها على اساسه القديم ووضع بها سكانا من الجند فيهم ثلاثمائة رجل انتخبهم من ذوي البأس والنجدة ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك وبنى فيها مسجدا فوق تل الحصن ثم سار في جيشه حتى غزا حصن سنان ففتحه ووجد يزيد بن حنين الطائي الانطاكي فأغار ثم انصرف إليه فتم بناء المصيصية وشحنها سنة خمس وثمانين وكانت في
الحصن كنيسة جعلت هريا وكانت الطوالع من إنطاكية تطلع عليها في كل عام فتشتوا بها ثم تنصرف وعدة من كان يطلع إليها ألف وخمسمائة رجل إلى ألفين قالوا وشخص عمر بن العزيز حتى نزل هرى المصيصية وأراد هدمها لانه خاف أن يحاصرها الروم ومن بها فاعلمه الناس إنها إنما عمرت لتدفع عن إنطاكية فانه أن اخربها لم يكن للعدو ناهية دون إنطاكية ثم بنى هشام بن عبد الملك ربض المصيصية وبنى مروان بن محمد الحصون في شرقي جيحان وبنى عليها حائطا واسكنها قوما من الفرس والصقالبة والانماط والنصارى وجعل حواليها خندقا وعليها بابا من خشب
ثم لما استخلف أبو العباس فرض بالمصيصية لأربعمائة رجل زيادة في شحنتها واقطعهم فلما استخلف المنصور فرض لاربع مائة رجل آخرين ثم لما دخلت سنة تسع وثلاثون ومائة أمر بعمران مدينة المصيصية وكان حائطها متشعثا من الزلازل واهلها قليلون في داخل المدينة فبنى سورها وأسكنها أهلها سنة أربعين ومائة وسماها المعمورة وبنى فيها مسجد جامعا في موضع هيكل كان فيها ونقل أهل الحصون إلى المدينة وأعطاهم خططا بها ومنازل عوضا من منازلهم
ولما استخلف المهدي فرض بالمصيصة لالفي رجل ولم يقطعهم لأنها قد كانت شحنت بالجند والمطوعة ولم تزل الطوالع تأتيها من إنطاكية في كل عام حتى كثر من بها وقووا في خلافة المهدي وبنى الرشيد كفربيا وحصنها بخندق ثم رفع إلى المأمون في غلة كانت على منازلها فأبطلها وكانت منازلها كالخانات وأمر بأن يبني عليها سور فما استتم حتى توفي فقام المعتصم بالله بتمامه وتشريفه وكان الذي بنى حصن
المثقب هشام ابن عبد الملك على يد حسان بن ماهويه الانطاكي وبنى هشام أيضا حصن قطرغاس على يد عبد العزيز بن حسان الانطاكي وبنى أيضا حصن مورة وكان سبب بنائه إياه أن الروم عرضوا لرسوله في درب اللكام عند العقبة البيضاء ورتب فيه أربعين رجلا وجماعة من الجراجمة واقام ببغراس مسلحة في خمسين رجلا وابتنى لهم حصنا وبنى هشام أيضا حصن بوقا من عمل إنطاكية ثم جدد واصلح بعد ذلك وكان الطريق فيما بين إنطاكية والمصيصية مسبعة يعترض الناس فيها الأسد فلما كانت أيام الوليد بن عبد الملك شكى إليه ذلك فوجه أربعة آلاف جاموس وجاموسة مما كان الحجاج بعث به من الجواميس مع الزط الذين كان محمد بن القاسم الثقفي بعث بهم من السند بعث الفي جاموس جعلت في أجام كسكر فانتفع الناس في الطريق بين إنطاكية والمصيصية بها
وقال جماعة من أهل إنطاكية أن أذنة بنيت سنة إحدى وأربعين ومائة واثنتين وأربعين ومائة والجنود من أهل خراسان معسكرون عليها مع مسلمة بن يحيى البجلي ومن أهل الشام مع مالك بن أدهم الباهلي وجهها صالح بن علي ولما كانت سنة خمس وستين ومائة اغزى المهدي ابنه هارون الرشيد بلاد الروم فنزل على الخليج ثم خرج فبنى جسر اذنة على سيحان وقد كان المنصور أغزى صالح بلاد الروم فوجه هلال بن ضيغم في جماعة من أهل دمشق والاردن وغيرهم فبنى هلال القصر ولم يكن بناؤه محكما فهدمها الرشيد وبناه ثم لما كانت سنة أربع وتسعين ومائة
بنى أبو سليم فرج الخادم أذنة فأحكم بناءها وحصنها وندب إليها رجالا من أهل خراسان وغيرهم على زيادة في العطاء وذلك بأمر محمد بن الرشيد ورم قصر سيحان وكان الرشيد توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة وعامله وعلى أعشار الثغور أبو سليم فاقره محمد وأبو سليم هذا هو صاحب الدار بإنطاكية
وكان الحسن بن قحطبة الطائي لما غزا بلاد الروم في سنة اثنتين وستين ومائة في أهل خراسان وأهل الموصل والشام وأمداد اليمن ومتطوعة العراق والحجاز خرج راجعا من بلد الروم مما يلي طرسوس وكان معه في غزاته تلك مندل العنزي المحدث الكوفي ومعتمر ابن سليمان البصري فنزل في مرجها وركب إلى مدينتها وهي خراب فنظر إليها وأطاف بها من جميع جهاتها وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مائة ألف فلما قدم على المهدي وصف له أمرها وذكر ما في بنائها وشحنتها من غيظ العدو وكتبه وعز الإسلام واهله واخبره في الحدث من الثغور الجزرية أيضا بخبر رغبة في بناء مدينتها فأمر بناء طرسوس وان يبدأ بمدينة الحدث فبنيت واوصى المهدي ببناء طرسوس
فلما كانت سنة إحدى وسبعين ومائة بلغ الرشيد أن الروم قد ائتمروا بالخروج إلى طرسوس لتحصينها وترتيب المقاتلة فيها فاغزى الصائفة في تلك السنة هرثمة بن اعين وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها ففعل واجرى
أمرها على يد فرج أبي سليم الخادم فوكل أبو سليم ببنائها وتوجه إلى مدينة السلام فأنهض الندبة الأولى من أهل خراسان وهم ثلاثة آلاف رجل فوردوا طرسوس ثم اشخص الندبة الثانية وهم آلفا رجل منهم من أهل المصيصية ألف رجل ومن أهل إنطاكية ألف رجل على زيادة لكل رجل في اصل عطائه عشرة دنانير فعسكروا مع الندبة الأولى بالميدان على الباب المعروف بالجهاد في أول يوم من المحرم سنة اثنتين وسبعين ومائة إلى أن استتم بناء طرسوس وتحصينها وبناء مسجدها ومسح فرج ما بين النهر إلى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة كل خطة عشرون ذراعا في مثلها واقطع أهل طرسوس الخطط وسكنتها الندبتان في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومائة
ولما كانت سنة ثمانين ومائة أمر الرشيد بابتناء مدينة عين زربة وتحصينها وندب إليها ندبة من أهل خراسان وغيرهم واقطعهم بها المنازل ثم لما كانت سنة ثلاث وثمانين ومائة أمر ببناء الهارونية فبنيت وشحنت أيضا بالمقاتلة ومن نزح من المطوعة ونسبت إليه قالوا وكانت الكنيسة السوداء من حجارة سود بناها الروم على وجه الدهر ولها حصن قديم اخرب فيما اخرب فأمر الرشيد بناء الكنيسة السوداء وتحصينها وندب إليها المقاتلة على زيادة في العطاء
قالوا وكانت بالثغور ايغارات قد أبطلت وتحيفت اكثر ما يرتفع من أعشارها وأمر المتوكل على الله في سنة ثلاث وأربعين ومائتين بإبطال تلك الايغارات فأبطلت
فتوح الجزيرة
كل الجزيرة من فتوح عياض بن غنم بعد وفاة أبي عبيدة لما توفي بطاعون عمواس الذي كان في سنة ثماني عشرة وكان قبل موته استخلف عياضا فكتب إليه عمر بتولية الجزيرة فسار إليها فأول ما بدا بالرها فصالحه أهلها على أن لهم هيكلهم وما حوله وعلى أن لا يحدثوا كنيسة وعلى معاونة المسلمين وارشادهم واصلاح الجسور فأن تركوا شيئا مما شورطوا عليه فلا ذمة لهم ثم انتهت طليعة عياض إلى الرقة فأغاروا على حاضر كان حولها من العرب وعلى قوم من الفلاحين فأصابوا وهرب من نجا من أولئك فدخلوا مدينة الرقة واقبل عياض في عسكره حتى نزل من الرقة على الباب المسمى بالرها في تعبئته فرمى المسلمون ساعة حتى جرج بعضهم فتأخر عياض عنهم لئلا تبلغه حجارتهم وسهامهم وركب فطاف حول المدينة ورتب على ابوابها روابط ثم رجع إلى عسكره وبث السرايا فكانوا يأتون بالأسرى من القرى وبالاطعمة فلما مضت خمسة أيام أو ستة أرسل بطريق المدينة إلى عياض يطلب الامان فصالحهم عياض على أن آمن جميع أهل الرقة على أموالهم ومدينتهم وقال عياض الأرض لنا وقد وطئناها واحرزناها واقرها في أيديهم على الخراج ودفع منها ما رفض إلى المسلمين ووضع الجزية على رقابهم والزم كل رجل منهم سوى الصبيان والنساء دينارا وقد قيل
أن عمر الزم كل امرئ منهم أربعة دنانير ثم سار عياض إلى حران فطلب الحرانية الصلح ثم اتبعهم النصارى وكتب لهم كتابا فصالحهم على الجزية عن كل رجل دينار ومدي قمح وان عليهم ارشاد الضال واصلاح الجسور ونصيحة المسلمين
ثم قدم صفوان بن المعطل وحبيب بن مسلمة الفهري إلى سميساط وسار في اثارهما فوجدهما قد غلبا على قرى وحصون منها فصالحه أهلها على مثل صلح الرها ثم أتى سروج وراس كيفا والأرض البيضاء فغلب على أرضها وصالح أهل حصونها على مثل صلح الرها ثم أتى قرايات الفرات ففتحها على مثل ذلك واتى عين الوردة وهي ورأس العين فامتنعت عليه فتركها واتى تل موزن وموزن امرأة قديمة نسب التل إليها ففتحها على فتح ما تقدم وذلك في سنة تسع عشر ووجه عياض إلى قرقيسيا حبيب بن مسلمة الفهري ففتحها صلحا على مثل صلح الرقة وفتح عياض آمد بغير قتال على مثل صلح الرها وفتح ميافارقين على مثل ذلك وفتح حصن كفر توثا ونصيبين وطور عبدين وحصن ماردين ودارا على مثل صلح ما تقدم وفتح باقردى وبازبدي على مثل ذلك وأتاه بطريق الزوزان فصالحه
عن أرضه على اتاوة ثم سار إلى ارزن ففتحها صلحا على مثل ما تقدم ودخل الدرب فبلغ بدليس وجازها إلى خلاط وصالح بطريقها ثم انتهى إلى العين الحامضة من ارمينية فلم يتجاوزها ثم عاد فضمن صاحب بدليس خراج خلاط وجماجمها وما على بطريقها ثم انصرف فبعث إلى سيحان ففتحها على مثل الصلح فيما تقدم وبعت إلى بلد ففتحها واسكنها قوما من العرب ثم سار إلى الرفة ثم إلى حمص وقد كان عمر ولاه إياها فمات بها سنة عشرين
ثم ولي عمر بعده سعيد بن عامر فلم يلبث إلا بعد قتال شديد ثم دخلت عنوة وصولحوا بعد ذلك على أن دفعت الأرض إليهم ووضعت الجزية على كل رجل منهم أربعة دنانير ولم تسب نساؤهم ولا أولادهم وجلا خلق منها فاعتمل المسلمون أراضيهم وازدرعوها باقطاع ثم سلك الخابور حتى فتح حصون الفرات حصنا حصنا عانات وتلبس والناووسة وآلوسة وهيت
وقال الحجاج بم منيع بحكمة عن أبيه عن جده عن ميمون بن مهران اخذ الزيت والخل والطعام لمرفق المسلمين بالجزيرة مدة ثم خفف عنهم واقتصر بهم على ثمانية واربعين واربعة وعشرين واثنى عشر درهما وكان على كل إنسان مع جزيته مدان من قمح وقسطان من زيت وقسطان من خل فأما قسمة الجزيرة على ما هي عليه الآن من ديار ربيعة وديار مضر
فأنه لما ولى عمر بن الخطاب معاوية الشام و الجزيرة آمره عمر أن ينزل العرب مواضع نائية عن المدن والقرى ويأذن لهم في اعتمال الأرضين التي لاحق فيها الأحد فأنزل بني تميم الرابية المعروفة بهم من ديار مضر وأنزل المازحين والمديبر اخلاطاً من قيس وأسد وغيرهم وفعل ذلك في جميع نواحي ديار مضر ورتب ربيعة في الديار المنسوبة إليها وأما نهر سعيد فكان موضعه غيضة ذات سباع فأقطعها سعيد بن عبد الملك بن مروان وهو الذي كان يقال له سعيد الخير لانه كان يظهر تنسكاً فحفر النهر وعمر ما هناك وقال بعضهم الذي اقطعها الوليد بن عبد الملك وقال آخرون الذي اقطعه ذلك عمر بن عبد العزيز قالوا ولم يكن للرافقة أثر قديم وانما بناها المنصور سنة خمس وخمسين ومائة على بناء بغداد ورتب فيها جنداً من أهل خراسان وجرت على يد المهدي وهو ولي عهد ثم أن الرشيد بنى قصره بها
واما رصافة هشام فأن هشام بن عبد الملك احدثها وكان ينزل قبلها الزيتونة وحفر الهني والمري واستخرج الضياع المنسوبة أليهما وأحدث بها واسط الرقة ثم صارت اقطاعاً لام جعفر زبيدة بنت جعفر المنصور فأبتنت فيها القطيعة التي تنسب إليها وزادت في عمارتها ولم تكن الرحبة المنسوبة إلى مالك بن طوق مما له اثر قديم وانما بناها طوق بن مالك بن عتاب التغلبي في خلافة المأمون وكانت كفر توثا حصناً قديماً فاتخذها ولد أبي رمثة التغلبي منزلاً ومصروها وحصنوها
والاعشار بديار ربيعة وكور البرية فهي أعشار ما أسلمت عليه العرب أو عمرته من الموات الذي لم يكن في يد أحد أو رفضه النصارى فمات وغلب عليه الدغل فأقطعه قوم واستحيا بعضه آخرون فحصل أمر الجزيرة على أن مدائنها كلها صلحاً وارضوها عنوة إلا الخلاف في رأس العين بالثغور الجزرية
لما استخلف عثمان بن عفان جمع لمعاوية إلى الشام الجزيرة وولاية ثغورهما وأمره أن يغزو شمشاط وهي أرمينية الرابعة أو يغزيها فوجه معاوية إليها حبيب بن مسلمة الفهري وصفوان بن المعطل السلمي ففتحها بعد أيام من نزولهما عليه على مثل صلح الرها وأقام صفوان بها وتوفي فيها في آخر خلافة معاوية ولم تزل شمشاط خراجية على مثل ما علهي بلد الجزيرة إلى أن صيرها المتوكل على الله عشرية اسوة غيرها من سائر الثغور وغزال صفوان حصن كمخ بعد في سنة تسع وخمسين وهي السنة التي مات فيها ومعه عمير بن الحباب السلمي فعلاً عمير سور كمخ ولم يزل يجالد عليه حتى كشف الروم وصعد المسلمون ففتحه لعمير بن الحباب وبذلك كان يفخر ويفخر له ثم غلبت الروم على هذا الحصن بعد ذلك ولم يزل يفتحه وتغلب الروم عليه إلى أن كانت سنة تسع واربعين ومائة فإن المنصور شخص عن بغداد حتى نزل حديثة الموصل ثم أغزى منها الحسن بن قحطبة وبعده محمد بن الاشعث وجعل عليهما العباس بن محمد وأمره أن يغزوا كمخ فمات محمد بن الاشعث بآمد وسار العباس والحسن حتى صار إلى ملطية فحملا منها الميرة
ثم أناخا على كمخ ونصب عليه المجانيق إلى أن فتح ثم أن الروم بعد ذلك استولوا عليه واغلقوا بابه فلما كانت سنة سبع وسبعين ومائة غزا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عميرة الأنصاري وهو عامل عبد الملك بن صالح على شمشاط ففتحه ودخله لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من تلك السنة فلم يزل في أيدي المسلمين حتى كان الهيج في أيام محمد بن الرشيد فهرب أهله عنه وغلبت الروم عليه ويقال أن عبيد الله بن الاقطع سلمه إلى الروم وتخلص ابنه منهم ثم أن عبد الله ابن طاهر فتحه في خلافة المأمون فكان في أيدي المسلمين حتى احتال قوم من نصارى شميشاط وقليقلاً وبقراط بن اشوط بطريق خلاط في دفعه إلى الروم والتقرب اليهم بذلك بسبب ضياعهم التي كانت في أعمالهم وهو على حاله في أيديهم إلى هذا الوقت
وكان أول أمر ملطية أن عياض ابن غنم وجه حبيب بن مسلمة الفهري من شميشاط إليها ففتحها ثم اغلقت فلما ولى معاوية الشام والجزيرة وجه حبيب بن مسلمة الفهري من شميشاط اليها ففتحها عنوة ورتب فيها رابطة من المسلمين مع عاملها وقدمها معاوية وهو داخل إلى بلد الروم فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزيرة وغيرهما فكانت طريق الصوائف ثم أن أهلها انتقلوا عنها في أيام عبد الله بن الزبير وخرجت الروم فشعثتها ثم تركها فنزلها قوم من الارمن والنبط والنصارى
فلما غزا عبد الله بن عبد الملك في سنة ثلاث وثمانين بني المسلمون بطرندة وهي من ملطية على ثلاث مراحل واغلة في
بلاد الروم مساكن ونزلوها وملطية حينئذ خراب ليس فيها إلا الارمن والنبط والنصارى الذين قدمنا خبرهم وكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف فيقيمون بها إلى أن تسقط الثلوج فإذا كان ذلك قفلوا فلما ولى عمر بن عبد العزيز رحل أهل طرندة اشفاقاً عليهم من العدو فاحتملوا وهم كارهون ثم خرجت الروم عند تولي هشام ابن عبد الملك إلى ملطية فغزا هشام سنة ثلاث وعشرين ومائة وعسكر على ملطية حتى بنيت ولما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائة اقبل قسطنطين طاغية الروم عامداً ملطية حتى حصر من فيها فوجهوا رسولاً يستعرضون عامل الجزيرة وهو موسى بن كعب وكان بحران فلم يمكنه اصراخهم لشغل بني أمية كان بأمر المشورة فلما وقف طاغية الروم على ذلك وضع عليها المجانيق حتى إذا جهدهم البلاء نزلوا على الجلاء وحملوا معهم ما خف عليهم حمله وألقوا كثيراً مما ثقل عليهم في الابار والمخابيء وخرجوا وقد قام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع أخرهم مخترطي سيوفهم وطرف سيف كل واحد منهم مع طرف سيف الذي يقابله حتى كأن سيوفهم عقد قنطرة ثم شيعوهم حتى بلغوا مآمنهم فتوجه المسلمون نحو الجزيرة وتفرقوا فيها وهدم الروم ملطية فلم يبقوا منها إلا هريهاً فأنهم شعثوا منه شيئاُيسيراً وهدموا حصن قلوذية فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة وجه المنصور عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام والياً
على الجزيرة وثغورها فنفذ في سنة أربعين ومائة ومعه الحسن بن قحطبة في جنوده أهل خراسان وضرب البعوث على أهل الجزيرة والشام فتوافى معه سبعون الفاً فعسكر على ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ في بنائها وكان الحسن بن قحطبة ربما حمل الحجر حتى يناوله البناء وجعل يقول من سبق إلى شرفة فله كذا حتى فرغ من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر وبنى لها مسلحة على النهر المعروف بقباقب وهذا النهر يدفع في الفرات فأسكن المنصور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة لأنها من ثغورهم على زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل منهم ومعونة مائة دينار وبنى حصن قلوذية واقبل قسطنطين طاغية الروم في أكثر من مائة ألف رجل فنزل جيحان فلما بلغه كثرة المسلمين احجم عن ملطية ثم تعرضت الروم لها في أيام الرشيد فلم يقدروا عليها
أما مرعش فأن أبا عبيدة كان وجه وهو بمنبج خالد بن الوليد إليها ففتح حصنها على أن جلا أهلها عنه ثم أخربه وبنى مدينة مرعش واسكنها جنداً فلما كان موت يزيد بن معاوية كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا ثم أن العباس بن الوليد بن عبد الملك صار إلى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها وبنى لهم مسجداً جامعاً وكان يقطع في كل عام أهل قنسرين بعثاً إليها فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم فحصرت أهل مرعش حتى صالحهم أهلها على الجلاء فجلوا إلى الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم واخربها الروم فلما فرغ مروان من أهل حمص بعث جيشاً لبناء مرعش فبنيت ومدنت فخرجت الروم في فتنته فأخربتها فبناها صالح بن علي في خلافة المنصور وحصنها وندب الناس إليها على زيادة في العطاء واستخلف المهدي فزاد في شحنتها وتقوية أهلها
واما الحدث فيقال أن حصنها مما كان فتح أيام عمر فتحه حبيب ابن مسلمة من قبل عياض بن غنم وكان معاوية يتعهده بعد ذلك وكان بنو أمية يسمون درب الحدث درب السلامة تطيراً منه لان المسلمين كانا اصيبوا به وقال آخرون إنما سمي الحدث لأن المسلمين لقوا بدرب الحدث غلاماً حدثاً فقاتلهم في اصحابه فقيل درب الحدث ولما كانت سنة اثنتين وستين ومائة وجه المهدي الحسن بن قحطبة غازياً خرج من درب الحدث فساح في بلد الروم وثقلت وطأته عليهم حتى صوروه في كنائسهم فيقال انه نظر إلى موضع مدينتها وأخبر أن ملك الروم كان قد خرج من ذلك الدرب فلما انصرف كلم المهدي في بنائها وبناء طرسوس فأمر بتقديم بناء الحدث فأنشأها علي بن سليمان بن علي وهو على الجزيرة وقنسرين وتوفي المهدي سنة تسع وستين ومائة مع فراغهم من بنائها وسمت المهدية والمحمدية وكان أول بنائها باللبن وفرض محمد فيها لاربعة آلاف واسكنهم إياها من أهل خراسان والشام والجزيرة وهجم الشتاء بعد وفاة المهدي وتقلد موسى وكثرت الامطار والثلوج فشعثتها وثلمت سورها ونزلت الروم بها فتفرق عنها من كان فيها من جندها وغيرهم وبلغ الخبر موسى فقطع بعثاً مع المسيب بن زهير وبعثاً مع روح بن حاتم وبعثاً مع حمزة بن مالك فمات موسى قبل أن ينفذوا ثم ولى الرشيد فأمر ببنائها وتحصينها وشحنها واقطاع مقاتليها المساكن والقطائع
وأما زبطرة فكانت على ما حكوا حصناً قديماً رومياً ففتح مع حصن الحدث القديم فتحه حبيب بن مسلمة الفهري وكان قائماً إلى أن أخربته الروم في أيام الوليد بن يزيد فبنى بناء غير محكم ثم أناخت الروم عليه في أيام فتنة مروان بن محمد فهدمته فبناه المنصور ثم خرجوا إليه فشعثوه فبناه الرشيد على يد محمد بن إبراهيم وشحنه فلما كانت خلافة المأمون طرقه الروم فشعثوه واغاروا على سرح أهله فاستاقوه فأمره المأمون بمرمته وتحصينه ثم خرجت الروم إلى زبطرة في خلافة المعتصم بالله فقتلوا الرجال وسبوا النساء واخربوها فاحفظه ذلك فغزاهم حتى بلغ من بلادهم عمورية ففتحها وقتل وسبى وأمر ببناء زبطرة فلم تعد وبنيت في مواضع منها حصون ينسب إليها وأما حصن منصور فإن الذي تولى بناءه منصور بن جعونة بن الحارث العامري من قيس فنسب إليه وكان منصور هذا مقيماً بتلك الناحية أيام مروان ابن محمد في خيل كثيفة من أهل الشام والجزيرة ثم اتهم بغش الإسلام فلما قدم المنصور الرقة من بيت المقدس سنة إحدى واربعين ومائة وجه إليه من اتاه به فضربت عنقه بالرقة ثم انصرف إلى الهاشمية بالكوفة وكان الرشيد بني حصن منصور وشحنه في خلافة المهدي
وأما المرج المعروف بعبد الواحد على باب حصن منصور فكان حمى للمسلمين قبل أن يبني الحدث وزبطرة فلما بنيتا استغنى بهما فعمر وضمه الحسين الخادم إلى الاحواز في خلافة الرشيد ثم توثب الناس عليه فغلبوا على مزارعه حتى قدم عبد الله بن طاهر الشام فرده إلى الضياع
ويقال أن عبد الواحد الذي نسب هذا المرج إليه هو عبد الواحد بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص ابن عمر ابن عبد الملك وكان المرج له فجعله حمى للمسلمين
فتوح أرمينية
كانت شمشاط وقليقلا وخلاط وارجيش وباجنيس تدعى ارمينية الرابعة وكانت كورة البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغروند تدعى ارمينية الثالثة وكانت جرزان تدعى ارمينية الثانية وكانت السيسجان واران تدعى ارمينية الأولى ويقال أن شمشاط وحدها كانت تدعى ارمينية الرابعة وكانت قليقلا وخلاط وارجيش وباجنيس وسراج طير وبغروند ودبيل والبسفرجان تدعى أرمينية الثالثة والسيسجان واران تدعى ارمينية الثانية وتفليس وهي جرزان تدعى ارمينية العليا وكانت جرزان واران في أيدي الخزر وسائر ارمينية في أيدي الروم يتولاها صاحب أرميناقس وهو الذي تسميه العرب في هذا الوقت الارميناق وكانت الخزر تخرج فتغير فربما بلغت الدينور فوجه قباذ بن فيروز الملك قائداً من عظماء قواده في اثني عشر الفاً فوطئ بلاد أران وفتح ما بين النهر الذي يعرف بالرس إلى شروان ثم أن قباذاً لحق به فبنى بأران مدينة البيلقان ومدينة برذعة وهي مدينة الثغر كله ومدينة قبلة وهي الخزر ثم بنى سد اللبن فيما بين أرض شروان وباب اللان وبنى على سد اللبن ثلثمائة وستين مدينة خربت بعد
بناء الباب والأبواب ثم ملك بعد قباذ ابنه انو شروان فبنى مدينة الشابران ومدينة مسقط ثم بنى مدينة الباب والابواب وسميت الابواب لأنها بنيت على طرق في الجبل واسكن ما بنى من هذه المواضع قوماً سماهم السياسيجين وبنى بأرض أران أبواب شكن والقمبيبزان وبنى الدرذوقية وهي اثنا عشر باباً كل باب منها قصر من حجارة وبنى بأرض جرزان مدينة يقال لها سغدبيل وانزلها قوماً من السغد وعليها مسلحة وبنى مما يلي الروم قصراً يقال له باب فيروز قباذ وقصراً يقال له باب لاذقة وقصراً آخر يقال له باب بارقة وهو على بحر طرابزندة وبنى باب اللان وباب سمسخي وبنى قلعة الجردمان وقلعة شمشلدي وفتح انو شروان جميع ما كان في أيدي الروم من أرمينية وعمر مدينة دبيل وحصنها وبنى النشوى وهي قصبة كورة البسفرجان وبنى حصن ويص وقلاعاً بأرض السيسجان منها قلعة الكلاب وساهيونس واسكن هذه الحصون والقلاع ذوي البأس والنجدة من سياسيجية ثم
كتب أنوشروان إلى ملك الخزر بعترة ويحتال عليه لبناء الحائط وقد اقتصصنا ذلك في المنزلة التي قبل هذه وذكره في هذا الموضع اعادة وملك انوشروان ملوكاً رتبهم وجعل لكل منهم شاهية ناحية فمنهم خاقان الجبال وهو صاحب السرير ويدعى وهرازرا نشاه وملك اللكز ويدعى جرشانشاه وملك ليران ويدعى ليرانشاه وملك شروان ويدعى شروانشاه وملك صاحب بخ علي بخ وصاحب زريكران عليها وأقر ملوك جبل القبق على ممالكهم وصالحهم على الإتاوة ولم تزل أرمينية في أيدي الفرس حتى ظهر الإسلام فرفض من السياسيجين حصونهم ومدائنهم حتى خربت وغلب الخزر والروم على ما كان في أيديهم بدياً
قالوا وقد كانت أمور الروم تشتت في بعض الازمنة وصاروا كملوك الطوائف من الفرس فملك ارمنياقس وهو بلد الارميناق رجل منهم ثم مات فملكته بعده امرأته تسمى قالي فبنت مدينة قاليقلا وسمتها قاليقالا وتفسيره احسان قالي فأعربت ذلك العرب وقالوا قاليقلا
فأما على يد من جرى فتح أرمينية في الإسلام فإنه لما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى حبيب بن مسلمة الفهري وكان ذا أثر جميل في فتوح الشام وغزو الروم وقد علم ذلك منه عمر ثم عثمان فيأمره بغزو ارمينية فنهض إليها في ستة آلاف ويقال في ثمانية آلاف من أهل الشام والجزيرة فأتى قاليقلا فأناخ عليها وخرج إليه أهلها فقاتلهم حتى
الجأهم إلى المدينة فطلبوا الامان على الجلاء والجزية فجلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم واقام حبيب فيمن معه بها أشهرا ثم بلغه أن بطريق ارمنياقس قد جمع للمسلمين جمعاً عظيماً وانضمت إليه امداد أهل اللان وافخار وسمندر من الخزر فكتب إلى عثمان يسأله المدد وكتب إلى معاوية يسأله أن ينفذ إليه من أهل الشام والجزيرة من يرغب في الجهاد أو الغنيمة فبعث إليه معاوية ألفي رجل أسكنهم قاليقلا واقطعهم بها القطائع وجعلهم مرابطة بها ولما ورد على عثمان كتاب حبيب كتب إلى سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص وهو عامله على الكوفة يأمره بامداده بجيش عليهم سلمان بن ربيعة الباهلي وهو سلمان الخيل وكان خيراً غزاء فسار إليه سلمان في ستة آلاف رجل من أهل الكوفة وأقبلت الروم ومن معها فنزلوا على عبر الفرات وقد أبطأ على حبيب المدد فبيتهم بمن معه من المسلمين فاجتاحوهم وقتلوا عظيمهم وورد سلمان وقد فرغ المسلمون من عدوهم فطلب أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم في الغنيمة فلم يفعلوا حتى تغالظ حبيب وسلمان في القول وتوعد بعض الشاميين سلمان بالقتل فقال الشاعر
( وان تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم ** وان ترحلوا نحو ابن عفان نرحل )
وكتب إلى عثمان فكتب أن الغنيمة باردة لأهل الشام وكتب إلى سلمان يأمره بغزو أران قالوا ولم تزل مدينة قاليقلا مذ فتحت ممتنعة بمن فيها من أهلها حتى خرج الطاغية في سنة ثلاث وثلاثين ومائة فحصر أهل ملطية وهدم حائطها وأجلى بها من المسلمين إلى الجزيرة ثم نزل مرج الحصى ووجه كوشان الارمني حتى أناخ على قاليقلا فحصرها وأهلها يومئذ قليل فنقب اخوان من الارمن من أهل قاليقلا ردماً كان في سورها وخرجا إلى كوسان فأدخلاه المدينة فغلب عليها وقتل وسبى وهدمها وساق ما حواه إلى الطاغية ففرق السبي على أصحابه
فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة فادى المنصور بمن كان حياً من أسارى قاليقلا وعمرها ورد من فادى به إليها وندب إليها جنداً من أهل الجزيرة وغيرهم وقد كان طاغية الروم خرج إلى قاليقلا في خلافة المعتصم بالله فهدم سورها فانفق المعتصم عليها حتى حصنها ثم سار حبيب بعد فتحه قاليقلا إلى خلاط فأتاه بطريقها بكتاب عياض بن غنم الذي صالحه فيه على ماله وبلاده وقاطعه على ما يؤديه من الإتاوة فانفذ حبيب ذلك له وقاطع صاحب مكس وهي من نواحي البسفرجان عن بلادة وكتب له كتاب صلح وأمان ووجه إلى قرى أرجيش وباجنيس بمن غلب عليها وجبى جزية رؤوس أهلها ولم
يعرض لبحيرة الطريخ ولم تزل هذه البحيرة مباحة حتى ولي محمد بن مروان بن الحكم الجزيرة وارمينية فحوى صيدها وكان يستغلها ثم صارت لمروان بن محمد فقبضت عنه
قالوا ثم سار حبيب حتى نزل مرج دبيل فسرب الخيول إليها ثم زحف حتى نزل على بابها فتحصن أهلها ورموه فوضع عليها المنجنيق إلى أن طلبوا الامان والصلح فأعطاهم إياه وسارت خيله حتى غلب على جميع قرى دبيل ووجه إلى سراج طير وبغروند فأتاه بطريقهما فصالحه على أتاوة يؤديها وعلى مناصحة المسلمين وقراهم ومعاونتهم على أعدائهم
ثم أتى حبيب النشوى ففتحها على مثل صلح دبيل وقدم عليه بطريق البسفرجان فصالحه على جميع بلاده على خراج يؤديه في كل سنة ثم أتى السيسجان فحاربه أهلها فهزهم وغلب على ويص وصالح أهل القلاع بالسيسجان على خراج يؤدونه ثم سار إلى جرزان فلقيه رسول بطريقها وأهلها فادى إليه عنهم رسالة يطلبون فيها الامان والصلح فكتب لأهل تفليس أمانا وشرط عليهم انه على أهل كل بيت منهم دينار وعلى ألا يجمعوا بين أهل البيوتان تخفيفاً للجزية وليس عليهم أن يفرق بينهم تكثيراً لها وعلى أن يؤدوا الإتاوة عن أرضهم
وفتح حبيب خوارح وكسفربيس وكسال وخنان وسمسغي والجردمان وكستسجي وشوشت وبازليت صلحا على حقن دماء أهلها واقرار مصلياتها وحيطانهم وعلى أن يؤدوا اتاوة عن اراضيهم ورؤوسهم وصالح أهل قلرجيت وأهل ثرياليت وخاخيط وخوخط وارطهال وباب اللان وصالح الصنارية والدودانية على اتاوة
وسار سلمان بن ربيعة الباهلي حين أمره عثمان بالمسير إلى أران ففتح مدينة البيلقان صلحاً على أن آمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم واشترط عليهم أداء الخراج والجزية ثم أتى سلمان برذعة فعسكر على نهر يقال له الثرثور مسافة ما بينه وبينها أقل من فرسخ وأغلق أهلها أبوابها فعاناها أياماً وشن الغارات في قراها وكانت زروعها مستحصدة فصالحوه على مثل صلح البيلقان وفتحوا أبوابها فدخلها وأقام بها وسرت خيله ففتحت شفشين والمسقوان وأوذ والمصريات والهرحليات وتبار وهي رساتيق وفتح غيرها من أران ودعا أكراد البلاسجان إلى الإسلام فقاتلوه فظفر بهم وأقر بعضهم بالجزية وأدى بعض الصدقة وهم قليل
ووجه إلى شمكور وهي مدينة قديمة من فتحها ولم تزل مسكونة إلى أن أخربها السياوردية الذين كانوا تجمعوا عند انصراف يزيد بن أسيد السلمي عن أرمينية فغلظ أمرهم وكثرت بوايقهم ثم عمرها بغامولي المعتصم في سنة أربعين ومائتين وهو آنذاك والي ارمينية واذربيجان واسكنها قوماً من الخزر خرجوا راغبين في الإسلام ونقل إليها التجار من برذعة وسماها المتوكلية نسبة إلى المتوكل ثم سار سلمان إلى مجمع البرس والكرخلف برزنج وعبرا الكر ففتح قبله وصالح صاحب شكن والقمبيران على أتاوة وصالحه أهل خيزان وملك شروان وسائر ملوك الجبل وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب ثم أغلقت بعده ولقيه
خاقان في جيشه خلف نهر البلنجر فقتل في أربعة آلاف من المسلمين رحمهم الله وفيه وفي قتيبة بن مسلم يقول ابن جمانة الشاعر الباهلي
( وان لنا قبرين قبراً بلنجر ** وقبراً بصين استان يالك من قبر )
ولما ورد على عثمان نعي سلمان كتب إلى حبيب بأن يكون مقيماً بالثغور الشامية والجزرية للغزو بها وولى ارمينية حذيفة بن اليمان العبسي فشخص إلى برذعة ووجه عماله على ما بينهما وبين قاليقلا ثم آمره عثمان بتخليف صلة بن زفر العبسي على عمله والانصراف إليه وولي عثمان المغيرة بن شعبة ارمينية واذربيجان ثم عزله وولي القاسم ابن ربيعة بن أمية بن أبي الصلت الثقفي ثم ولى الاشعث بن قيس لامير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أرمينية وأذربيجان ثم وليها عبد الله بن حاتم بن النعمان بن عمرو الباهلي لمعاوية فمات بها فولاها
معاوية أخاه عبد العزيز فبنى مدينة دبيل وحصنها وكبر مسجدها وبنى مدينة النشوى ورم مدينة برذعة ويقال أنه جدد بناءها وأحكم حصن الفارقين حولها وجدد بناء مدينة البيلقان وكانت هذه المدن متشعثة مستهدمة ويقال أن الذي جدد بناء برذعة محمد بن مروان في أيام عبد الملك ابن مروان
ولما كانت فتنة ابن الزبير انقضت ارمينية وخالف احرارها واتباعهم فلما ولي محمد بن مروان لأخيه عبد الملك ظفر بهم فقتل وسبى وغلب على البلاد ثم وعد من بقى منهم أن يفرض لهم الشرف وجمعهم لذلك في كنائس من عمل خلاط فاغلقها عليهم ووكل بأبوابها ثم حرقهم فيها وولى سليمان بن عبد الملك أرمينية عدي بن عدي ابن عميرة الكندي وكان عدي بن عميرة ممن نزل الرقة مفارقاً لعلي ابن أبي طالب رحمه الله ثم أقره عليها عمر بن عبد العزيز وهو صاحب نهر عدى بالبيلقات ثم يزيد بن عبد الملك معلق بن صفار البهراني ثم عزله وولي الحارث بن عمرو الطائي وولى الجراح بن عبد الله الحكمي فنزل برذعة فرفع إليه اختلاف المكاييل بها وموازينها فأقامها على العدل والوفاء واتخذ مكيالاً يدعى الجراحي فأهلها إلى اليوم يتعاملون به ثم عبر الكر وسار حتى قطع النهر المعروف بالسمور وغزا بلاد الخزر فقتل منهم مقتلة عظيمة وقاتل أهل بلاد حمزين ثم صالحهم على أن ينقلهم إلى رستاق خيزان وجعل لهم منه قريتين وأوقع بأهل غوميك وسبى منهم ثم قفل فنزل شكى وشتى جنده ببردغة والبيلقان وجاشت الجزر
وعبرت الرس فحاربهم في صحراء ورثان ثم انحازوا إلى ناحية اردبيل فواقعهم على أربعة فراسخ منها مما يلي ارمينية فأقتتلوا ثلاثة أيام فأصيب ومن كان معه فسمى ذلك النهر نهر الجراح ونسب جسر كان عليه إلى الجراح أيضا ثم أن هشام بن عبد الملك ولى مسلمة اخاه ارمينية وانفذ على مقدمته سعيد بن عمرو بن اسود الجرشي ومعه إسحق بن مسلم العقيلي وأخوته و جعونه بن الحارث العامري وذفافة وخالد ابنا عمير بن الحباب السلمي والفرات بن سلمان الباهلي والوليد بن القعقاع العبسي فواقع الخزر وقد حاصروا ورثان فكشفهم عنها فأتوا ميمذ من عمل أذربيجان فما تهيأ لقتالهم اتاه كتاب مسلمة يلومه على قتال الخزر قبل قدومه ويعلمه انه قد ولى أمر عسكره عبد الملك بن مسلم العقيلي فلما سلم العسكر اخذه رسول مسلمة فقيده وحمله إلى برذعة وانصرف الخزر فاتبعهم مسلمة وكتب بذلك إلى هشام فكتب إليه
( اتتركهم بميمذ قد تراهم ** وتطلبهم بمنقطع التراب )
وأمره بإخراج الجرشي من السجن وصالح مسلمة أهل خيزان وأمره بحصنها فهدم واتخذ بها ضياعاً تدعى في هذا الوقت حوز خيزان وسالمه ملوك الجبل وصار إليه شروانشاه وليرانشاه وطبرانشاه وفيلانشاه وجرشانشاه وصار إليه صاحب مسقط وصمد لمدينة الباب ففتحها وكان في قلعتها ألف أهل بيت من الخزر فحاصرهم ورماهم بالحجارة ثم بحديد اتخذه على هيئة الحجارة فلم ينتفع بذلك فعمد إلى العين التي كان انوشروان اجرى منها الماء إلى صهريجهم فذبح الغنم والبقر وألقى
الفروث والحلتيت فيها فلم يلبث ماؤهم إلا ليلة حتى دود وأنتن وفسد فلما جن عليهم الليل هربوا وأخلوا القلعة وأسكن مسلمة مدينة الباب والابواب أربعة وعشرين الفاً من أهل الشام على العطاء فأهل الباب إلى اليوم لا يدعون عاملاً يدخل إلا ومعه مال يفرقه فيهم
ثم ولى هشام بعد مسلمة سعيداً الجرشي فأقام بالثغر سنتين ثم ولاه مروان بن محمد فنزل كسال وهو بنى مدينتها من برذعة على أربعين فرسخاً ومن تفليس على عشرين فرسخاً ثم دخل أرض الخزر مما يلي باب اللان وأدخلها اسيد بن زافر السلمي أبا يزيد معه ملوك الجبال من ناحية الباب والابواب فأغار مروان على صقابلة كانوا بأرض الخزر فسبى منهم عشرين ألف أهل بيت فأسكنهم خاخيط ثم انهم قتلوا اميرهم وهربوا فلحقهم وقتلهم
ولما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطيء به مروان بلاده من الرجال وما هم عليه من النجدة والبأس نخب ذلك قلبه وملاءه رعباً فلما دنا منه مروان ارسل إليه رسولاً يدعوه إلى الإسلام أو الحرب فقبل الإسلام وسأل أن يوجه إليه بمن يأخذه عليه فلما فعل مروان ما سأله من ذلك ليظهر الإسلام وأودع مروان على أن أقره على مملكته وسار مروان نحوه بخلق كثير من الخزر فأنزلهم ما بين السمور والشابران في سهل ارض اللكز ثم أن مروان دخل ارض ملك السرير فأوقع بأهلها وفتح قلاعاً فيها ودان له ملك السرير واطاعه وصالحه على ألف رأس وخمسمائة جارية سود الشعور والحواجب واشفار العيون في كل سنة وعلى مائة ألف مدى تصب في اهراء الباب والابواب واخذ منه بذلك الرهن وصالح مروان توامان على مائة رأس وخمسين غلاماً وخمسين
جارية خماسيين سود الشعور والحواجب واهداب الاشفار وعشرين ألف مدى للاهراء في كل سنة ثم دخل ارض زريكران فصالحه ملكها على خمسين رأساً وعشرة آلاف مدي للاهراء في كل سنة ثم أتى أرض حمزين فأبى حمزين أن يصالحه وافتتح حصنهم بعد أن حاصرهم فيه شهراً واحرق وأخرب ثم نجع بالصلح فكان صلحه على خمسمائة رأس يؤديها دفعة واحدة ثم لا يكون عليه سبيل وعلى أن يحمل ثلاثين ألف مدى إلى اهراء الباب في كل سنة ثم اتى سندان فأفتتحها صلحاً على مائة رأس يعطيه إياها صاحبها دفعة ثم لا يكون عليه سبيل فيما يستقبل وعلى أن يحمل في كل سنة إلى أهراء الباب خمسة آلاف مدى ووظف على طبر سرانشاه عشرة آلاف مدى في كل سنة تحمل إلى اهراء الباب ولم يوظف على فيلانشاه شيئاً وذلك لحسن غنائه وجميل بلائه واحماده آمره ثم نزل مروان على قلعة اللكلز وقد امتنع صاحبها من أداء شيء من الوظيفة وخرج يريد صاحب الخزر فقتله راع بسهم رماه وهو لا يعرفه فصالحه أهل اللكلز على عشرين ألف مدى تحمل إلى الاهراء وولى عليهم خشرماً السلمي وسار مروان إلى قلعة صاحب شروان وهي تدعى خرش وهي على البحر فاذعن بالطاعة والانحدار إلى السهل والزمهم عشرة آلاف مدي في كل سنة وجعل على صاحب شروان أن يكون في المقدمة إذا بدأ المسلمون لحرب الخزر ثم في الساقة إذا رجعوا وعلى فيلانشاه أن يغزوا معهم فقط وعلى طبر سرانشاه أن يكون في الساقة وفي المقدمة إذا انصرفوا ثم سار مروان إلى الدوادنية فأوقع بهم ثم جاءه
قتل الوليد بن يزيد وخالف عليه ثابت بن نعيم الجذامي وتقلد مسافر القصاب من أهل الباب من قبل الضحاك الخارجي ارمينية واذربيجان والتاثت الأمور إلى أيام أبي العباس فلما كانت تلك الأيام تولى أبو جعفر الجزيرة وارمينية انقذ قائداً من أهل خراسان فقتل مسافراً وظفر بمن معه من الخوارج
ثم لما استخلف المنصور ولى يزيد بن اسيد السلمي ارمينية ففتح باب اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان ودوخ الصنارية حتى ادوا الخراج وكتب إليه المنصور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل وولدت له ابنته ابناً فمات وماتت في نفاسها وبعث إلى يزيد نفاطة ارض شروان وملاحتها فجباهما ووكل بهما وبنى يزيد مدينتي ارجيل الكبرى والصغرى وانزلهما أهل فلسطين وكانت ارمينية انتفضت في ولاية الحسن بن قحطبة الطائي بعد عزل يزيد بن اسيد وبكار بن مسلم العقيلي وقاتلته الارمن ورئيسهم موشائيل الارمني فأمده المنصور بجيوش عليها عامر بن اسماعيل الحارثي فواقع الحسن موشائيل فقتل وفضت الجموع واستقامت له الأمور وهو الذي نسب إليه نهر الحسن بالبيلقان والباغ الذي يعرف بباغ الحسن وببرذعة والضياع المعروفة بالحسينية وولي بعد الحسن بن قحطبة عثمان بن عمارة بن خريم ثم روح بن حاتم المهلبي ثم خزيمة بن خازم ثم يزيد بن مزيد الشيباني ثم عبيد الله بن المهدي ثم الفضل بن يحيى ثم سعيد بن سالم ثم محمد بن يزيد بن مزيد وكان خزيمة أشدهم ولاية وهو الذي سن المساحة بدبيل والنشوى ولم يكن قبل ذلك
ولم يزل بطارقة ارمينية مقيمين في بلادهم يحمي كل واحد منهم ناحيته ووليهم خالد بن يزيد بن مزيد في خلافة المأمون فقبل هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك وجرأهم على من بعده من عمال المأمون
ثم ولى المعتصم بالله الحسن بن علي الباذغيسي المعروف بالمأموني الثغر فأهمل بطارقته واحراره ولأن لهم حتى ازدادوا فساداً على السلطان وكلا على من يليهم من الرعية وغلب اسحق بن اسماعيل بن شعيب مولى بني أمية على جرزان ووثب سهل بن سنباط البطريق على عامل حيدر ابن كاوس الافشين على ارمينية فقتل كاتبه وافلت بحشاشة نفسه ثم ولى ارمينية عمال كانوا يقبلون من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور
ثم ولى المتوكل على الله يوسف بن محمد بن يوسف المروزي ارمينية لسنتين من خلافته فلما صار بخلاط اخذ بطريقها بقراط بن اشوط فحمله إلى سر من رأى فأوحش البطارقة والاحرار والمتغلبة ذلك منه ثم انه عمد عامل له يقال له العلاء بن احمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الاقداح لم تزل نصارى ارمينية تعظمه وتهدي إليه فأخذ منه جميع ما كان فيه وعسف أهله فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمته وتكاتبت فيه وحض بعضهما على بعض على الخلاف والنقض ودسوا إلى الخويثية وهم علوج يعرفون بالارطان في الوثوب بيوسف وحرضوهم عليه لما كان من حملة بقراط بطريقهم ووجه كل أمرئ منهم ومن المتغلبة خيلاً ورجالاً ليؤيدوهم على ذلك فوثبوا به بطرون وقد فرق اصحابه في القرى فقتلوه واحتووا على ما كان في عسكره فولى أمير المؤمنين المتوكل على الله بغا الكبير ارمينية فلما صار إلى بدليس أخذ موسى بن زرارة وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عليه غضباً لبقراط وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة
وسبى سبياً كثيراً ثم حاصر اشوط بن حمزة بن جاجق بطريق البسفرجال وهو بالبلق فاستنزله من قلعته وحمله إلى سر من رأى وسار إلى جرزان فظفر باسحاق بن اسماعيل فقتله صبراً وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر ارمينية ممن بالسيسجان من أهل الخلاف والمعصية من النصارى وغيرهم حتى صلح ذلك الثغر صلاحاً لم يكن على مثله ثم قدم سر من رأى في سنة احدى وأربعين ومائتين
فتوح مصر والمغرب
كان عمر بن العاص حاضر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك ثم استخلف عليها ابنه حين ولي يزيد بن أبي سفيان ومضى إلى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمسمائة فغضب عمر لذلك وكتب إليه يوبخه ويعنفه على افتياته عليه برأيه وأمره بالرجوع إلى موضعه أن وافاه كتابه دون مصر فورد عليه الكتاب وهو بالعريش وقيل أيضا أن عمر كتب إلى عمرو بن العاص يأمره بالشخوص إلى مصر فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية وكان الذي أتاه شريك بن عبدة فأعطاه ألف دينار فأبى شريط قبولها فسأله أن يستر ذلك ولا يخبر به عمر
قالوا وكان مسير عمرو إلى مصر في سنة تسع عشرة فنزل العريش ثم أتى الفرماء وبها قوم مستعدون للقتال فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم ومضى قدماً إلى الفسطاط فنزل جنان الريحان وقد خندق أهل الفسطاط عليهم وكان اسم مدينة الفسطاط اليونة فسماها المسلمون الفسطاط لانهم قالوا هذا فسطاط القوم ومجمعهم وقيل أن عمرو بن العاص ضرب بها فسطاطاً فسميت بذلك وكان عمرو بن العاص قد دخل
إلى مصر في ثلاثة آلاف وخسمائة فلم يلبث أن ورد عليه الزبير بن العوام في عشرة آلاف ويقال اثنتي عشر ألفاً متطوعاً محتسباً قالوا فكان عمرو يقاتل من وجه والزبير في آخر ثم أن الزبير أتى بسلم فصعد عليه حتى صار في أعلى الحصن وهو مجرد سيفه فكبر وكبر المسلمون معه وأتبعوه ففتح الحصن عنوة واستباح المسلمون ما فيه وأقر عمرو أهله على انهم ذمة ووضع عليهم الجزية في رقابهم والخراج في ارضهم وكتب بذلك إلى عمر فأجازه واختط الزبير بمصر وابتني داراً معروفة به والناس يختلفون في مصر إنها صلح أو عنوة وانما السبب في اختلافهم أن الزبير لما علا الحصن واتبعه المسلمون فدخلوا قال صاحب اليونة وهي الفسطاط انه قد بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية على النصارى واليهود واقراركم الأرض في أيدي أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها وان فعلتم بنا ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا واجلائنا فاستشار الناس فأشاروا عليه بأن يفعل إلا نفراً منهم رأوا أن يقسم الأرض بينهم فوضع على كل حالم دينارين إلا أن يكون فقيراً وألزم كل ذي ارض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطي زيت وقسطي عسل وقسطي خل رزقاً للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم واحصى المسلمين فألزم أهل مصر لكل واحد منهم جبة صوف وبرنسا وعمامة وسراويل وخفين في كل عام أو مكان الجبة الصوف ثوباً قبطياً وكتب عليهم بذلك كتاباً وشرط لهم إذا وفوا به إلا تباع نساؤهم وابناؤهم ولا يسبوا وان تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم وكتب به إلى عمر فأجازه وصارت الأرض ارض خراج إلا انه لما وقع هذا الشرط والكتاب قال بعض الناس إنها فتحت صلحاً ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه
في مدينته صالح عن جميع أهل مصر على مثل صلح اليونة فرضوا به ووضع عمرو بن العاص على ارض مصر الخراج فجعل على كل جريب ديناراً وثلاثة ارادب طعام وعلى رأس كل حالم دينارين وكتب به إلى عمر فأنفذه وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص في سنة احدى وعشرين يعلمه ما أهل المدينة فيه من الجهد ويأمره أن يحمل ما يقبض من الطعام في الخراج إلى المدينة في البحر فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت فإذا ورد الجار حمل منها إلى المدينة فجعل في دار بها وقسم بين الناس بمكيال فانقطع ذلك في الفتنة الأولى ثم حمل في أيام معاوية ويزيد ثم انقطع في زمن عبد الملك بن مروان ولم يزل بعد ذلك يحمل إلى خلافة أبي جعفر أو قبيلها
وفي رواية أخرى أن أهل مصر صولحوا في خلافة عمر بعد الصلح الأول مكان الحنطة والزيت والخل والعسل على دينارين زيادة في الجزية فألزم كل رجل منهم أربعة دنانير فرضوا به وآثروه ولما فتح عمرو بن العاص الفسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمي إلى عين شمس فغلب على ارضيها وصالح أهل قراها على مثل حكم الفسطاط ووجه خارجة بن حذافة العدوي إلى الفيوم والاشمونين وأخميم والبشرودات وقرى الصعيد ففعل مثل ذلك ووجه عمير بن وهب الجمحي إلى تنيس ودمياط وتونة ودميرة وشطا
ودقهلة وبنا وبوصير ففعل ذلك ووجه عقبة بن عامر الجهني ويقال وردان مولاه صاحب السوق بمصر إلى سائر قرى اسفل الأرض ففعل مثل ذلك واستجمع عمرو بن العاص ففتح مصر فصارت كلها خراجية وجبى عمرو خراج مصر وجزيتها الفي ألف دينار وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة آلاف ألف دينار فقال عثمان لعمرو أن اللقاح بمصر بعدك قد درت البانها فقال عمرو إنما ذلك لانكم اعجفتم اولاها وذكر المدائني أن عمر بن الخطاب كان يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما يزيد على ذلك إذا رجعوا وربما اخذ جميعه منهم فكتب إلى عمرو بن العاص انه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم تكن حين وليت مصر فأجابه عمرو بن العاص بأن ارضه ارض متجر ومزدرع وانه اصاب فضلاً عما يحتاج إليه لنفقته فكتب إليه أني قد خبرت من عمال السوء ما كفي وكتابك كتاب من قد اقلقه لأخذ بالحق وقد سؤت بك ظناً وقد وجهت اليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك فاطلعه طلعة واخرج إليه مما يطالبك به واعفه من الغلظة عليك فإنه برح الخفاء قال المدائني فلما قاسم محمد بن مسلمة عمرو بن العاص قال أن زماناً عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء فقال محمد لولا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه الفيت معتقلاً عنزاً بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكاؤها قال انشدك الله أن لا تخبر عمر بذلك فإن المجالس بالامانة فقال لا أذكر شيئاً مما جرى وعمر حي فتح الاسكندرية
قالوا لما فتح عمرو بن العاص مصر اقام بها وكتب إلى عمر يستأمره في الزحف إلى الاسكندرية فكتب إليه عمر يأمره بذلك فسار إليها في سنة احدى وعشرين واستخلف على مصر خارجة بن حذافة وكان من دون الاسكندرية من الروم والقبط قد تجمعوا له ليصيروا إليه فلقيهم بالكريون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وكان فيهم من أهل سخا وبلهيت والخيس وسلطيس وغيرهم قوم رفدوهم وعاونوهم ثم سار عمرو إلى الاسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله إلا أن القبط منهم يحبون الموادعة فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إلى مدة فأبى عمرو ذلك
فأراد المقوقس اجابه عمرو إلى ما سأله اياه من الصلح فأبى عليه اصحابه واغلظوا له في القول وابو إلا المحاربة فقاتلهم المسلمون قتالاً شديداً وحصروهم ثلاثة اشهر ثم أن عمرو فتحها بالسيف وغنم ما فيها واستبقى أهلها وجعلهم ذمة كأهل اليونة وكتب إلى عمر بالفتح وبعث إليه بالخمس
وقد روى بعضهم أن المقوقس صالح عمروا على ثلاثة عشر ألف دينار على أن يخرج من الاسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من احب المقام وعلى أن يفرض على كل حالم من القبط دينارين وكتب لهم بذلك كتاباً وكتب عمر أن الله قد
فتح الاسكندرية
____________________


علينا بلا عهد وجعل بها رابطة واستخلف عليها وانصرف إلى الفسطاط فبعث طاغية الروم ثلثمائة مركب مشحونة بالمقاتلة وعليهم رجل من اصحابه يقال له منوئيل فدخل الاسكندرية وقتل من بها من المسلمين إلا من لطف للهرب وذلك في سنة خمس وعشرين وبلغ ذلك عمرواً فسار إليهم في خمسة عشر الفاً فتحصن من بها من الروم فنصب عمرو عليها المجانيق والح بالحرب حتى اخرب جدارها ودخلها بالسيف عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية وقتل منوئيل وهدم المسلمون ما بقي من جدار الاسكندرية لأن عمراً كان قد نذر انه أن فتحها فعل ذلك وسبى أهل القرى الذين نقضوا أو اعانوا في الحرب وهي بلهيت والخيس وسلطس فودع سبيها إلى المدينة فردهم عمرو وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة فالاسكندرية في القول الأكثر إنها عنوة وفي قول يزيد بن أبي حبيب إنها صلح
وروى عن الواقدي يرفعه إلى عمر بن عبد العزيز انه قال لم نفتح قرية من المغرب على صلح إلا ثلاثاً الاسكندرية وكفرطيس وسلطيس وانه كان يقول من اسلم من أهل هذه المواضع خلي سبيله وسبيل ماله قالوا قامت الحبش من البيما بعد فتح مصر يقاتلون سبع سنين ما يقدرون عليهم لما يفجرونه من المياه في الغياض

فتح برقة وزويلة
وسار عمرو بن العاص بعد فتحه الاسكندرية في جنده يريد المغرب حتى قدم برقة وهي مدينة اطرابلس فصالح أهلها على الجزية وهي ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من اختاروا بيعه وكتب لهم بذلك كتاباً وكتب إلى عمر بن الخطاب يعلمه أن من بين برقة وزويلة سلم كلهم حسنة طاعتهم فأدى مسلمهم الصدقة وأقر معاهدهم بالجزية وأنه قد وضع على أهل زويلة ومن بينه وبينها ما رأى انهم يطيقونه وأمر عماله جميعاً أن يأخذوا الصدقة من الاغنياء فيردوها في الفقراء ويأخذوا الجزية من الذمة فتحمل إليه إلى مصر وان يؤخذ من أرض المسلمين العشر ونصف العشر ومن أهل الصلح صلحهم
وقال يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص كتب في شرطه على أهل لواتة من البربر من أهل برقة أن عليكم أن تبيعوا ابناءكم ونساءكم فيما عليكم من الجزية قال الليث بن سعد فلو كانوا عبيداً ما جاز ذلك منهم
وروي أن عمر بن عبد العزيز كتب في اللواتيات أن من كان عنده لواتية فليخطبها إلى أبيها أو فليرددها إلى أهلها ولواتة قرية من البربر كان لهم عهد
فتح طرابلس
وسار عمر بن العاص حتى نزل طرابلس في سنة اثنتين وعشرين فقوتل ثم افتتحها عنوة واصاب بها أحمال بزيون مع تجارها فباعه وقسم ثمنه في المسلمين وكتب إلى عمر يعرفه بلوغهم إلى طرابلس وان بينهم
وبين إفريقية تسعة أيام ويستأذنه في غزوها وكان قد بلغ عمر بن الخطاب أن أهلها كانوا يؤدون إلى ملك الروم شيئاً فكانوا يغدرون به كثيراً وكان ملك الأندلس صالحهم ثم غدر بهم فكتب إليه عمر في الجواب ينهاه عنها ويذكر له ما تناهى إليه من حال أهلها وقال بعض الرواة أن طرابلس فتحت بعهد من عمرو بن العاص
فتح أفريقية
قالوا ولما ولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر والمغرب وكان عثمان بن عفان متوقفاً عن غزوها ثم انه عزم على ذلك بعد أن استشار فيه فكتب إلى عبد الله بن سعد في سنة سبع وعشرين ويقال في سنة ثمان وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين يأمره بغزوها وأمده بجيش كثيف فيهم معبد بن العباس بن عبد المطلب ومروان بن الحكم والحارث اخوه وعبد الله بن الزبير والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعاصم بن عمر وعبيد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص وبسر بن أبي أرطاة وأبو ذؤيب الهذلي الشاعر وبأفريقية مات
فسار عبد الله بن سعد بن أبي سرح حتى حل بعقوبة وكان بها بطريق سلطانه من طرابلس إلى طنجة فقاتله اياماً ثم أن الله قتله وهرب جيشه فتمزقوا وكان المتولي لقتله عبد الله بن الزبير وبث ابن أبي سرح السرايا ففرقها في البلاد فأصابوا غنائم كثيرة فلما رأى ذلك عظماء أفريقية طلبوا إلى عبد الله ابن سعد أن يأخذ منهم ثلثمائة قنطار من ذهب على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم فقبل ذلك وقال الواقدي أن هذا الصلح بلغ ألفي ألف وخمسمائة ألف وعشرين ألفاً فدل على أن القنطار ثمانية آلاف وأربعمائة دينار
فلما صالح عبد الله بن سعد أهل أفريقية رجع إلى مصر ولم ينزل على إفريقية احداً ولم يكن لها حينئذ قيروان ولا مصر جامع فلما قتل عثمان وقد كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة ابن ربيعة تغلب على مصر وانغلها على عثمان وكان الوالي على مصر من قبل معاوية عمرو بن العاص ثم عزله معاوية وولي معاوية بن حديج السكوني فبعث في سنة خمسين إلى إفريقية عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط الفهري فبناها واختط قيروانها وكان موضوعها غيضة ذات شجر وطرفاء فيها السباع والحيات التي لا ترام وبنى بها المسجد الجامع ووجه ابن نافع
بسر بن أبي أرطاة إلى قلعة على أيام من القيروان عنده معدن الفضة وبالقرب من مدينة تدعي مجانة فافتتحها وقتل وسبى فسميت تلك القلعة قلعة بسر وهي تعرف بذلك إلى اليوم وقد كان علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ولي قيس بن سعد بن عبادة الانصاري مصر ثم عزله واستعمل محمد بن أبي بكر الصديق ثم عزله وولي مالك الاشتر فأغتيل بالقلزم فأعاد إليها محمد بن أبي بكر فقتله معاوية بن حديج وأحرقه في جوف حمار ثم عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج وولى مصر والمغرب مسلمة بن مخلد الانصاري فولى المغرب أبا المهاجر مولاه فلما ولي الأمر يزيد بن معاوية رد عقبة بن نافع إلى عمله من المغرب فغزا السوس الادنى وهو خلف طنجة وجول فيما هناك لا يعرض له أحد بقتال فانصرف ومات يزيد بن معاوية وبويع لابنه معاوية بن يزيد وهو أبو ليلى فنادى الصلاة جامعة ثم تبرأ من الخلافة وجلس في بيته ومات بعد شهرين
فولى عبد الله بن الزبير مصر ابن جحدم وهو عبد الرحمن ابن عقبة الفهري فأخرج عن مصر ويقال قتل بها فولى مروان عقبة بن نافع ولما استقام الأمر لعبد الملك بن مروان بعد فتنة ابن الزبير استعمل اخاه عبد العزيز بن مروان على مصر فولى إفريقية زهير بن قيس البلوي ففتح تونس ثم انصرف إلى برقة وبلغه أن جماعة من الروم خرجوا من مراكب كانوا فيها فعاثوا فتوجه إليهم في جريدة خيل فاستشهد ومن كان معه فولى
عبد العزيز بن مروان حسان بن النعمان الغساني مكانه فغزا ملكة البربر الكاهنة فهزمته فأتى قصوراً في حيز برقة فنزلها فسميت قصول حسان إلى اليوم ثم أن حسان غزاها ثانية فقتلها وسبى سبياً من البربر وبعث بهم إلى عبد العزيز وهم السبي الذين ذكر نصيب الشاعر أنه رآهم عند عبد العزيز بن مروان فلم ير وجوهاً أحسن من وجوههم
ثم وجه عبد العزيز بن مروان موسى بن نصير مولى بني أمية وأصله من عين التمر ويقال بل هو من بلى من أراشة ويقال هو من لخم والياً على إفريقية ففتح طنجة وبلغت خيله السوس الادنى وبينه وبني السوس الاقصى مسيرة نيف وعشرين يوماً ثم لما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز ولى المغرب اسماعيل بن عبيد الله بن المهاجر مولى بني مخزوم فسار أحسن سيرة ودعا البربر إلى الإسلام و كتب عمر بن عبد العزيز إليهم في ذلك كتباً فأسلم منهم خلق وغلب الإسلام على نواحي المغرب مذ ذاك
وولي يزيد بن عبد الملك فولى يزيد بن مسلم مولى الحجاج إفريقية والمغرب فقدم إفريقية في سنة اثنتين ومائة وكان حرسه من البربر فوسم على يد كل منهم حرسي فأنكروا ذلك وكرهوا سيرته فقتلوه فولى يزيد بن عبد الملك مكانه بشر بن صفوان الكلبي فضرب عنق عبد الله بن موسى بن نصير صبراً لأنه اتهمه بتأليب الناس على يزيد بن مسلم ثم ولى هشام بن عبد الملك فأقر بشر بن صفوان أيضا فتوفي بالقيروان سنة تسع
ومائة فولى هشام مكانه عبد الله بن عبد الرحمن القيسي ثم استعمل بعده عبد الله بن الحبحاب مولى بني سلول فأغزى عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري السوس وأرض السودان فظفر ظفراً لم يظفر مثله أحد ثم ولى بعد ابن الحبحاب كلثوم بن عياض القشيري فقدم إفريقية في سنة ثلاث وعشرين فقتل فولي بعده حنظلة ابن صفوان الكلبي أخا بشر بن صفوان فقاتل الخوارج وتوفي هناك وهو وال وقام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فخالف عليه عبد الرحمن بن حبيب الفهري وكان محببا في ذلك الثغر لما كان من آثار جده عقبة بن نافع فيه فمكث متغلبا عليه وقام يزيد بن الوليد فلم يبعث إلى المغرب عاملاً وقام مروان فكاتبه عبد الرحمن بن حبيب وأظهر له الطاعة وبعث إليه هدايا فأقره مروان على الثغر ومات فولى بعده اليأس بن حبيب ثم حبيب بن عبد الرحمن ثم غلب البربر والاباضية من الخوارج ودخل محمد بن الاشعث الخزاعي أفريقية والياً عليها في آخر خلافة أبي العباس في خلق بعض الناس يقول في سبعين الفاً وبعضهم يقول في أربعين ألفاً فوليها أربع سنين ورم مدينة القيروان ثم عزله المنصور وولي عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة العتكي وهو الذي يسمى هزار مرد وكان المنصور به معجباً فدخل إفريقية وغزا منها حتى بلغ بلد البربر وابتنى هناك مدينة سماها العباسية ثم ان أبا حازم السدراتي الاباضي من أهل سدراته وهو مولى لكندة قاتله فاستشهد
وجماعة من أهل بيته وانتقض الثغر وهدت تلك المدينة إلى اساسها وولي بعد هزار مرد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب فخرج في خمسين الفاً وشيعه المنصور إلى بيت المقدس وانفق عليه مالاً عظيماً فسار يزيد حتى لقي السدراتي بطرابلس فقتله ودخل إفريقية فاستقامت ثم ولى بعد يزيد بن حاتم روح بن حاتم ثم الفضل بن روح فوثب الجند عليه فذبحوه وكان الاغلب بن سالم التميمي من أهل مرو الروذ فيمن قدم من المسودة من خراسان فولاه موسى الهادي المغرب فجمع له حريش وهو رجل كان من جند الثغر من أهل تونس جمعاً وسار إليه وهو بقيروان إفريقية فحصره ثم أن الاغلب خرج إليه فقاتله فاصابه في المعركة سهم فسقط ميتاً وأصحابه لا يعلمون ولم يعلم أصحاب حريش أيضا بذلك ثم أن حريشاً انهزم وجيشه فأتبعهم أصحاب الاغلب ثلاثة أيام فقتلوا عامتهم وقتلوا حريشاً بموضع يعرف بسوق الاحد وكان إبراهيم بن الاغلب من وجوه جند مصر فوثب اثنا عشر رجلاً معه فأخذوا من بيت المال مقدار ارزاقهم لم يزدادوا على ذلك شيئاً وهربوا فلحقوا بموضع يقال له الزاب وهو من القيروان على مسيرة اكثر من عشرة أيام وعامل القيروان يومئذ من قبل الرشيد هرون بن هرثمة بن اعين وراسل إبراهيم من كان بتلك الناحية من الجند وغيرهم وأقبل يهدي إلى هرثمة ويلاطفه ويكتب إليه بأن الذي دعاه إلى ما فعله الخلة والضرورة فولاه هرثمة ناحيته واستكفاه أمرها فلما صرف هرثمة وولي بعده ابن العكي ساء أثره في الثغر حتى انتقض عليه فاستشار الرشيد هرثمة في رجل يوليه فأشار باستصلاح إبراهيم وتوليته فكتب إليه الرشيد بأنه قد صفح عن جرمه وقلده الثغر
اصطناعاً له فأبتنى إبراهيم القصر الأبيض الذي في قبلة القيروان على ميلين منها وخط الناس حوله فبنوا ومصر ما هناك وبنى فيه مسجداً جامعاً بالجص والأجر وجعل له عمد الرخام وسمي تلك المدينة العباسية فهي اليوم آهلة عامرة وكان من أمر ابن الأغلب ما كان
فتح طنجة
قد تقدم أخبارنا بأن عبد العزيز بن مروان لما وجه موسى بن نصير والياً على إفريقية في سنة تسع وثمانين في ولاية الوليد بن عبد الملك كان من أمره فيها ما تقدم إلا انه لما فتح طنجة نزلها وهو أول من نزلها واختط بها المسلمون وانتهت خيله إلى السوس الادنى فوطئهم وسبى منهم وأدوا إليه الطاعة وقبض عامله منهم الصدقة ثم انه استخلف عليها طارق بن زياد مولاه وانصرف إلى قيروان إفريقية
فتح الأندلس
وغزا طارق بن زياد الأندلس وهو أول من غزاها وذلك في سنة اثنين وتسعين فلقيه اليان وكان والياً على مجاز الأندلس فأمنه طارق على أن حمله واصحابه إلى الأندلس في السفن فلما صاروا إليها حاربه أهلها وكان ملكها فيما يزعمون من الاسبان واصلهم من اصبهان ففتحها طارق فكتب موسى إلى طارق كتابا غليظاً يلومه فيه وافتتانه بالرأي عليه وتغريره بالمسلمين وأمره إلا يجاوز قرطبة وسار موسى إليها فتلقاه طارق واعتذر إليه فصفح عنه وافتتح طارق مدينة طليطلة وهي مدينة مملكة الأندلس وهي مما يلي فرنجة
ثم لما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز ولي المغرب اسماعيل بن عبد الله ابن المهاجر مولى بني مخزوم فسار أحسن سيرة ودعا البربر إلى الأسلام فأسلم جلهم ولما ولي يزيد بن عبد الملك ولي يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج بن يوسف إفريقية والمغرب فكان من أمره وأمر من ولي بعده ما قد اقتصصناه إلى أن بلغنا إلى إبراهيم بن الاغلب في أيام الرشيد كان محمد ابن الاغلب بن إبراهيم بن الأغلب احدث في سنة تسع وثلاثين ومائة مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية أيضا فأخربها أفلح بن عبد الوهاب الاباضي وكتب إلى الأموي صاحب الأندلس يعلمه ذلك تقرباً إليه فبعث إليه الاموي بمائة ألف درهم
وبالمغرب ارض تعرف بالأرض الكبيرة بينها وبني برقة مسيرة خمسة عشر يوماً أو أقل قليلاً وبها مدينة على شاطئ البحر تدعى بارة وكان أهلها نصارى وليسوا بروم غزاها جبلة مولى الاغلب فلم يقدر عليها ثم غزاها خلفون البربري ويقال انه مولى ربيعة ففتحها في أول خلافة المتوكل وقام بعده المفرج بن سلام ففتح أربعة وعشرين حصناً من حصونها فأستولى عليها وكتب إلى صاحب البربر بمصر يعلمه خبره وانه لا يرى لنفسه ولمن معه من المسلمين صلاة إلا بأن يعقد له الإمام على ناحيته أو يبني مسجداً جامعاُ ثم أن أصحابه شغبوا عليه فقتلوه وقام بعده سوران فوجه رسوله إلى المتوكل يسأله عقداً وكتاب ولاية فتوفي قبل أن ينصرف إليه رسوله وقام المنتصر وتوفي وقام احمد بن محمد بن المعتصم بالله وهو المستعين بالله فأمر عامله على المغرب وهو اوتامش أن يعقد له على ناحيته
فلم يشخص رسوله عن سر من رأى حتى قتل اوتامش وولى الناحية وصيف مولى أمير المؤمنين
فتح جزيرة صقلية
قد تقدم وصفنا لموقع هذه الجزيرة في المنزلة التي قبل هذه فأما غزوها في الإسلام فأن أول من غزاها معاوية بن حديج الكندي أيام معاوية ابن أبي سفيان ولم تزل بعد ذلك تغزى وقد فتح الاغلب بن سالم منها نيفاً وعشرين مدينة وهي في أيدي المسلمين وفتح احمد بن محمد بن الاغلب منها في خلافة المتوكل على الله قصر يانة وحصن غليانة
فتح رودس وارواد
قالوا بعث معاوية بن أبي سفيان إلى هذه الجزيرة جنادة بن أبي أمية الازدي ونزلها قوم من المسلمين معه في سنة اثنين وخمسين وكانوا في حصن اتخذ لهم وكانت هذه الجزيرة كالغيطة فأقام المسلمون بها سبع سنين فلما كانت أيام يزيد بن معاوية كتب إلى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل عنها وفتح جنادة بن أبي أمية في سنة أربع وخمسين جزيرة ارواد وهي بالقرب من القسطنطينية ودخلها بمن معه من المسلمين وتركوها من غير أن ثبتوا فيها
فتح اقريطش
قالوا غزا جنادة اقريطش في زمن معاوية فلما كان زمن الوليد فتح بعضها ثم اغلقت وغزاها حميد بن معيوف الهمداني في خلافة الرشيد ففتح بعضها ثم غزاها في خلافة المأمون أبو حفص عمر بن عيسى الأندلسي المعروف بالاقريطشي فافتتح بها حصناً واحداً ونزله ولم يزل يوالي منه الغارات ويفتتح الشيء بعد الشيء حتى اجلي جميع الروم عنها واخرب حصونها وسكنها المسلمون بعدهم
أمر النوبة والبجة
فلما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى النواحي التي حولها الخيل ليطاءهم فكان ممن بعث لذلك عقبة بن نافع الفهري وكان نافع اخا العاص لامه في جماعة من المسلمين فدخلت خيولهم أرض النوبة كما تدخل الصوائف بلد الروم فلقى المسلمون بالنوبة قتالاً شديداً ورماة النبل لا يكادون أن يحيطوا فلم يزل المسلمون يغزوهم ويكالبونهم ويأبون صلحهم مدة ولاية عمرو بن العاص فلما تولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح اجابهم إلى الهدنة على ثلثمائة رأس كل سنة وعلى أن يهدي إليهم طعاماً بقدر ذلك
قال الواقدي وبالنوبة ذهبت عين معاوية بن حديج الكندي وقال أبو عبيد القاسم بن سلام من اشياخه يرفعه إلى يزيد بن حبيب ليس بيننا وبين الاساود عهد ولا ميثاق إنما هي هدنة على أن يعطوا شيئاً من قمح ويعطونا رقيقاً فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم وحكى أبو عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد انه قال إنما الصلح بيننا وبين النوبة على إلا نقاتلهم ولا يقاتلونا وان يعطونا رقيقاً ونعطيهم بقدر ذلك طعاماً فإن باعوا نساءهم وابناءهم لم أر بذلك بأساً أن يشتري وكان المهدي أمر بالزام النوبة في كل سنة ثلثمائة رأساً وستين وزرافة على أن يعطوا قمحاً وخلا وثياباً وفرشاً أو قيمة ذلك فقد ادعوا أن البقط لا يجب عليهم إلا في كل ثلاث سنين مرة واحدة وليس لذلك ثبت إلا انهم لم يؤدوه منذ سنين كثيرة
فأما البجة فإن المتوكل على الله كان أمر بتوجيه رجل يقال له محمد بن عبد الله القمي والياً على المعدن بمصر وولى أيضا القلزم وطريق الحجاز وبذرقة حاج مصر فلما وافى المعدن حمل الميرة في المراكب إلى بلاد البجة ووافى ساحلاً يعرف بعيذاب فوافته المراكب هناك فاستعان بتلك الميرة حتى وصل إلى قلعة ملك البجة وناهضه في عدة يسيرة وخرج إليه البجوي في الدهم على ابل محزمة فعمد القمي إلى الاجراس فقلدها الخيل فلما سمعت الإبل اصواتها تقطعت بالبجويين في الاودية والجبال وقتل صاحب البجة فقام بعده ابن اخيه وطلب الهدنة فأبى المتوكل ذلك إلا أن يطأ بساطه فقدم سر من رأى وصولح في سنة احدى وأربعين ومائتين على أداء الإتاوة والبقط ورد مع القمي فأهل البجة على العهد يؤدون ما فورقوا عليه ولا يمنعون المسلمين العمل في معدن الذهب وكان ذلك في الشرط عليهم
فتوح السواد
كان المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم الشيباني يغير على أكناف السواد في رجال من قومه أيام الفرس فأتى أبا بكر الصديق فقال يا خليفة رسول الله استعملن على من اسلم من قومي اقاتل هذه الاعاجم من فارس فكتب أبو بكر بذلك عهداً وسار حتى نزل خفان ودعا قومه إلى الإسلام فأسلموا ثم أن أبا بكر وجه خالد بن الوليد إلى العراق وكتب إلى المثنى بن حارثة بالسمع والطاعة له ثم كتب عمر بن الخطاب بعد ذلك إليه مثل ما كان أبو بكر كتب به وقد كان مذعورًبن عدي العجلي كتب إلى أبي بكر في قومه بمثل ما كان المثنى كتب به في قومه فكتب
إليه عمر بأن ينضم إلى خالد فيصير معه مقيماً إذا قام وشاخصاً إذا شخص فلما نزل خالد النباج تلقاه المثنى بن حارثة بها وقدم خالد البصرة وبها سويد ابن قطبة الذهلي ومعه جماعة من قومه وهو يريد أن يفعل بالبصرة كفعل المثنى بالحيرة لان الكوفة لم تكن مصرت في ذلك الوقت وكان أهل الابلة قد جمعوا لسويد عن أن يلقوه فذكر ذلك خالد فأوقع خالد بهم فيمن اجتمع معه فهزموهم وقتلوا منهم بشراً وغرق طائفة في دجلة البصرة ثم مر خالد بالخريبة ففتحها وسبى من كان بها وكانت مسلحة للعجم ويقال انه أتى نهر المرأة فصالح أهله وانه أيضا قاتل جمعاً بالمذار ثم سار يريد الحيرة وخلف سويد بن قطبة على ناحيته وقال له قد عركنا بناحيتك عركة اذلتهم لك ومر خالد بزند ورد من كسكر فافتتحها وافتتح درني وذواتها بأمان بعد أن كانت من أهل زند ورد فراماة للمسلمين ساعة وأتى هرمز جرد فأمن أهلها أيضا وفتحها وأتى خف آليس فخرج إليه جابان عظيم العجم فقدم إليه المثنى بن حارثة الشيباني فلقيه بنهر الدم وصالح خالد أهل آليس على أن يكونوا عيوناً للمسلمين على الفرس وادلاء واعواناً وأقبل خالد إلى مجتمع الأنهار فلقيه ازاذبه صاحب مسالح كسرى فيما بينه وبين العرب فقاتله المسلمون فهزموه ونزل خالد خفان ويقال بل سار قاصداً إلى الحيرة فلقيه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بقيلة واسم بقيلة الحارث وكان كبير السن فقال له خالد من اين اقصي اثرك يا شيخ فقال ظهر أبي فقال فمن أين خرجت قال من بطن امي قال ويحك في أي شي أنت قال في
ثيابي وقال ويحك على أي شيء أنت قال على الأرض قال اتعقل قال نعم وأفيد قال ويحك إنما اكلمك بكلام الناس قال وانما إنما اجيبك جواب الناس قال اسلم أنت أم حرب قال بل سلم قال فما هذه الحصون قال بنيناها للسفيه حتى يحضر الحليم ثم تذاكرا الصلح فاصطلحا على مائة ألف درهم يؤديها في كل سنة فكان ما أخذ منهم أول مال حمل إلى المدينة من العراق واشترط عليهم أن لا يبغوا المسلمين غائلة وان يكونوا عيوناً على أهل فارس وذلك في سنة اثنتي عشرة وقال يحيى بن آدم كان أهل الحيرة ستة آلاف رجل فالزم كل رجل أربعة عشر درهماً وزن خمسة فبلغ ذلك أربعة وثمانين الفاً يكون ذلك وزن ستين ألفاً وكتب لهم خالد بذلك كتاباً قد قرائة وكان خزيم بن اوس بن حارثة بن لام الطائي قال للنبي أن فتح الله عليك الحيرة فاعطني ابنة بقيلة فلما أراد خالد صلح بن بقيلة ذكر له خريم ما كان سأله النبي وسأله إلا يدخل ابنة بقيلة في صلحة وشهد له بشير بن سعد ومحمد بن مسلمة الانصاريان فاستثناها في الصلح ودفعها إلى خريم فاشتريت منه وقد صارت عجوزاً
حينئذ بألف درهم فقيل له ويحك ارخصتها فقال ما كنت اظن أن عدداً يكون اكثر من عشر مائة قالوا وبعث خالد بن الوليد بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير الانصاري إلى بانقيا فلقيته خيل الاعاجم عليها فرخبنداذ فرشقوا من معه بالسهام وحمل عليهم فهزمهم وقتل فرخبنداذ ثم انصرف بشير وبه جراحه انتفضت وهو بعين التمر فمات منها ثم أتى بصبهري بن صلوباً صاحب بانقيا خالد بن الوليد فاعتذر من القتال وعرض الصلح فصالحه على ألف درهم وطيلسان وكتب له كتاباً ووجه إلى أبي بكر بالطيلسان والالف الدرهم مع مال الحيرة
وسار خالد إلى الانبار فتحصن أهلها ثم اتاه من دله على سوق بغداد وهي سوق كانت تعرف بالعتيقة تقام عند قرن الصراة فبعث خالد المثنى بن حارثة فأغار عليها فملأ المسلمون ايديهم من الصفراء والبيضاء وما خف محمله من المتاع ثم باتوا بالسليحين واتوا الانبار وخالد بها فحصروا أهلها وحرقوا في نواحيها وانما سميت الانبار لأن اهراء العجم كانت بها وكان أصحاب النعمان ابن المنذر يعطون ارزاقهم منها فلما رأى أهل الانبار ما نزل بهم صالحوا خالداً على شيء رضى به وقال يحيى بن آدم أن الشعبي كان يقول لأهل الانبار عهد وعقد وقال غيره ليس لشيء من السواد عهد إلا الحيرة واليس وبانقيا وروى يحيى بن آدم انه لا يصلح بيع ارض دون الجبل إلا ارض بني صلوبا وارض الحيرة ثم أتى خالد عين التمر فألصق بحصنها وكانت فيه مسلحة للاعاجم فقاتله أهل الحصن وحصرهم خالد والمسلمون حتى فتحه عنوة وقتل وسبى ووجد في كنيسة هناك جماعة سباهم فكان من ذلك السبي حمران بن ابان بن خالد التمري مولى عثمان بن عفان وسيرين أبو محمد واخوته يحيى وانس ومعبد موالي انس بن مالك الانصاري وأبو عمرة جد عبد الله بن عبد
الاعلى الشاعر ونفيس بن محمد بن زيد بن عبيد صاحب القصر عند الحرة ونصير أبو موسى بن نصير صاحب المغرب وهو مولى لبني أمية وأبو فروة عبد الرحمن بن الاسود وكان ابنه عبد الله بن أبي فروة من سراة الموالي والربيع حاجب المنصور هو الربيع بن يونس ابن محمد بن أبي فروة ويقال انه لقب أبا فروى فروة كانت عليه حين سبى وبعض الرواة يرون أن خالد بن الوليد صالح أهل عين التمر وكتب لهم كتاباً وهذا كله في خلافة أبي بكر رحمه الله
فلما استخلف عمر بن الخطاب وجه أبا عبيدة الثقفي أبا المختار بن أبي عبيدة في ألف وكتب إلى المثنى بن حارثة يأمره بتلقية والسمع والطاعة له وبعث مع أبي عبيد سليط بن قيس الانصاري فلم يمر أبو عبيد بحي العرب إلا رغبهم في الجهاد والغنمية فصحبه خلق كثير ولقي جموعا للعجم فهزمهم فبعثت الفرس بذي الحاجب واسمه مردانشاه وكان أنوشروان لقبه بهمن تبركا به فلقي المسلمين في الموضع المعروف بقس الناطف وكان يوم اللقاء هو يوم الجسر فأبلى المسلمون بلاء حسناً حتى استشهد أبو عبيدة وسليط
وجماعة من خيار المسلمين رحمهم الله وكان هذا اليوم في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة فمكث عمر بن الخطاب لا يذكر العراق سنة لمصاب أبي عبيد وسليط
ثم انه بعد ذلك ندب الناس لغزو العراق فجعلوا يتحامونه ويتثاقلون عنه إلى أن صار إليه جرير بن عبد الله البجلي ففارقه على أن يعطي وقومه ربع ما غلبوا عليه وسار نحو العراق واجتمع المسلمون بدير هند في سنة أربع عشرة وقد هلك شيرويه وملكت بوران بنت ابرويز إلى أن يبلغ يزدجرد ابن شهريار فبعث الفرس إليهم مهران بن مهربنداذ الهمذاني في اثنى عشر الفاً فالتقوا وعلى المسلمين فيما تقول بجيلة جرير بن عبد الله وفيما تقول ربيعة المثنى بن حارثة وقيل انهم كانوا متساندين على كل قوم رئيسهم بالموضع المعروف بالنخيلة فأصيب من المسلمين نفر منهم مسعود بن حارثة اخو المثنى بن حارثة ثم حملوا على المشركين فقتلوا مهران وتنازع في قتله جرير بن عبد الله والمنذر بن حسان بن ضرار الضبي فأخذ المنذر منطقته واخذ جرير سائر سلبه واتبعوا الفرس يقتلونهم حتى أتوا كوثى ونهر الملك وبادوريا وتفرقوا في أكناف السواد يغيرون وقد نخبت قلوب الاعاجم ووهن سلطانهم وضعف أمرهم ثم كتب المسلمون إلى عمر يعلمونه كثرة من قد تجمع لهم من أهل فارس ويسألونه المدد فأراد أن يغزوا بنفسه وعسكر لذلك ثم استقر الرأي على أن
يندب سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن اهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب لذلك فسار سعد واقام بالثعلبية ثلاثة اشهر حتى تلاحق به الناس ثم قدم العذيب سنة خمس عشرة وكان المثنى مريضاً واشتد وجعه فحمل إلى قومه فمات فيهم وتزوج سعد امرأته ووجهت الفرس رستم وزعموا أنه من أهل الري وقال قوم بل من أهل همذان فنزل برس ثم سار فأقام بن الحيرة والسيلحين أربعة اشهر لا يقدم على المسلمين وقدم رستم ذا الحاجب فكان معسكراً بطيزناباذ والمسلمون معسكرون بين العذيب والقادسية وعدتهم ما بين تسعة آلاف إلى عشرة آلاف والمشركون زهاء مائة ألف وعشرين الفاً ومعهم ثلاثون فيلا ثم أن علافة المسلمين لقيت خيلا للأعاجم فكان ذلك سبب الوقعة اغاثت الاعاجم خيلها ونصر المسلمون علافتهم فالتحمت الحرب بينهم وذلك بعد الظهر فأبلى عمرو بن معدي كرب الزبيدي وكان أبو محجن الثقفي محبوساً في قصر العذيب لأنه شرب الخمر فضربه سعد وحبسه فقال
( كفى حزناً أن تدعس الخيل بالقنا ** واترك مشدوداً علي وثاقياً )
( إذا قمت عناني الحديد وأغلقت ** مصاريع من دوني تصم المناديا )
وسأل زبراء أم ولد سعد أن تطلقه ليقاتل ثم يعود إلى حديده فأحلفته وأطلقته فركب فرس سعد وحمل على الاعاجم فخرق صفهم وحطم الفيل الأبيض بسيفه وسعد يراه فقال أما الفرس ففرسي وأما الحملة فحملة أبي محجن ثم رجع أبو محجن إلى حديده فلما انقضى أمر رستم قال له سعد والله لأضربتك في الخمر أبداً قال وأنا والله لا أشربها أبداً وكان ممن ابلى أيضا في ذلك اليوم طليحة بن خويلد الاسدي وقيس بن المكشوح وسلمان بن ربيعة الباهلي وقرط بن جماح العبدي وضرار بن الازور الاسدي وقتل الله رستم فوجد بدنه مملوءاً من الضرب ولم يعلم على يدي من كان من الناس قتله وانهزم من أفلت من الفرس حتى لحقوا بيزدجرد بالمدائن واتبعهم المسلمون فلقيهم النخيرخان النهاوندي في جمع عظم من أهل المدائن فاقتتلوا وعانق زهير بن سليم الازدي النخيرخان فسقط إلى الأرض واخذ زهير خنجراً كان في وسط النخيرخان فشق به بطنه فقتله وسار سعد والمسلمون فنزلوا ساباط واجتمعوا بمدينة بهرسير فأقاموا حتى أكلوا الرطب مرتين وكان أهل هذه المدينة يقاتلونهم فإذا تحاجزوا دخلوها فلما فتحها المسلمون اجمع يزدجرد بن شهريار على الهرب فدلى من قصره في زبيل فسماه النبط برزبيلا ومضى إلى حلوان ومعه وجوه اساورته وبيت ماله وخف متاعه وخزانته والنساء والذراري وعبر المسلمون دجلة خوضاً إلى الجانب الشرقي فاستولوا على القصر وما فيه بعد الذي حمل منه ومكثوا بالمدائن اياماً ثم بلغهم أن يزدجرد قد جمع لهم جمعاً ووجهه إليهم وان الجمع بجلولاء فسرح سعد ابن أبي وقاص إليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص في اثني عشر الفاً فوجدوا
الاعاجم قد خندقوا على أنفسهم خندقاً تحصنوا به وجعلوا عيالاتهم وثقلهم بخانقين وتعاهدوا إلا يفروا وجعلت الامداد تقدم عليهم من حلوان والجبال فقال المسلمون ينبغي أن نعالجهم قبل أن يكثروا فلقوهم وعلى الاعاجم يومئذ خرزاذ اخو رستم فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يقتتلوا مثله رمياً بالنبل حتى نفذ وطعنا بالرمح حتى تقصفت وتجالدوا بسيوفهم حتى تثنت
ثم أن المسلمين حملوا حملة واحدة قلعوا بها الاعاجم عن موافقهم وهزموهم فولوا هاربين وركبهم المسلمون يقتلونهم قتلاً ذريعاً حتى حال الظلام بينهم ثم انصرفوا إلى معسكرهم وجعل هاشم بن عتبة جرير بن عبد الله بجلولاء في خيل كثيفة ليكون بين المسلمين وعدوهم
وارتحل يزدجرد من حلوان وأقبل المسلمون يغيرون في نواحي السواد حتى غلبوا على جميعه وصار بأسره في أيديهم وانصرف سعد بعد جلولاء إلى المدائن فصير بها جمعاً ثم مضى إلى ناحية الحيرة وكانت وقعة جلولاء في آخر سنة ست عشرة قالوا واسلم جميل بن بصبهري دهقان الفلاليج والنهرين وبسطام بن نرسي دهقلن بابل وخطرنية والرفيل دهقال العال والعال بادوربا والانبار وقطربل ومسكن وفيروز دهقان نهر الملك وكوثى وغير هؤلاء من الدهاقين فلم يعرض لهم عمر بن الخطاب ولم يخرج الأرض من أيديهم وازال الجزية عن رقابهم
وقال يحيى بن آدم كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص حين فتح السواد أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء الله عليهم فإذا اتاك كتابي هذا فانظر ما اجلب عليه أهل العسكر بخيلهم وركابهم من مال أو كراع فأقسمه بينهم بعد الخمس واترك الارضين والانهار لعمالها ليكون ذلك في اعطيات المسلمين فإنك أن قسمتها فيمن حضر لم يكن لمن يبقى بعدهم شيء وكان مجاهد يرى في أرض السواد لا تشتري ولا تباع لأنها فتحت عنوة ولم تقسم وهي فيء لجميع المسلمين وحكي عن سليمان بن يسار أن قال اقر عمر بن الخطاب السواد لمن في اصلاب الرجال وارحام النساء وجعلهم ذمة تؤخذ الجزية منهم والخراج من أرضهم وهم طائفة لا رق عليهم
وقال يحيى بن آدم أن عمر بن الخطاب أراد قسمة السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجد الرجل منهم نصيبه ثلاثة من الفلاحين فشاروا أصحاب النبي عليه السلام في ذلك فقال علي بن أبي طالب رحمة الله عليه دعهم يكونوا مادة للمسلمين فبعث عثمان بن حنيف الانصاري فوضع عليهم ثمانية وأربعين درهماً واربعة وعشرين درهماً واثني عشر درهماً
قال يحيى بن آدم قالوا من أصحاب الاثنى عشر في كل شهر درهماً وأصحاب الأربعة والعشرين درهمين واصحاب الثمانية والأربعين أربعة دراهم
وحكي أن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه قال لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت هذا السواد بينكم وقال يحيى بن آدم بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف فمسح السواد ووضع على رؤوس الرجال الأعالي ثمانية واربعين واربعة وعشرين واثني عشر ثم اتاه عثمان بعد ذلك فقال انهم يطيقون اكثر من هذا فاستخلفه فحلف فزاد عليهم درهمين ثم حطها بعد ذلك
وقال يحيى بن آدم يرفعه إلى الشعبي انه سئل عن أهل السواد الهم عهد قال لم يكن لهم عهد فلما رضي منهم بالخراج صار لهم بذلك عهد قالوا وكانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية وكان عمر جعل لهم ربع السواد فلما وفد عليه جرير قال له لولا أني قاسم مسؤول لكنت على ما جعلته لكم واني أرى الناس قد كثروا فردوا ذلك عليهم ففعل وفعلوا فأجازه بثمانين ديناراً وقالت امرأة من بجيلة يقال لهم أم كرز لعمر أن أبي هلك وسهمه في السواد رأيت رأي لن أسلم فقال لها يا أم كرزان أن قومك
قد أجابوا فقالت ما أنا بمسلمة أو تحملني على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ يدي ذهباً ففعل عمر ذلك
وقال يحيى بن آدم صالح عمر بجيلة من ربع السواد على أن فرض لهم في ألفين ألفين من العطاء
وقالوا انه لما جمعت غنائم جلولاء طلب جرير ومن معه من بجيلة ربعه يحق ما فارقهم عليه عمر فكتب عمر إلى سعد أن شاء جرير أن يكون إنما قاتل وقومه على جعل المؤلفة قلوبهم فأعطهم جعلهم وان كانوا إنما قاتلوا لله واحتسبوا ما عنده فهم من المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم فقال جرير صدق أمير المؤمنين وبر لا حاجة لنا إلى الربع
فتح كور دجلة
قالوا كان سويد بن قطبة الذهلي يغير في ناحية الخريبة من البصرة كما كان المثنى بن حارثة الشيباني يغير من ناحية الحيرة فلما قدم خالد بن الوليد الخريبة مجتازاً يريد الحيرة سنة اثنتي عشرة اعانه على حرب أهل الابلة وفتح الخريبة وقتل وسبى وخلف بها رجلاً من بني سعد ابن بكر بن هوازن يقال له شريح بن عامر ثم سار حتى أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحاً صالحه عليه النوشجان بن جسنمساه والمرأة صاحبة القصر
كامن دار بنت نرسي عم النوشجان بن جسنمساه وانما سميت المرأة لأن أبا موسى ألاشعري كان نزل بها فزودته خبيصاً فجعل يقول اطعمونا من خبيص المرأة ولما بلغ عمر بن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع في نواحي البصرة رأى أن يوليها رجلاً من قبله فولاها عتبة بن غزوان أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة حليف بني نوفل بن عبد مناف وكان من المهاجرين الأولين وقال له أن الحيرة قد فتحت وقتل عظيم من العجم يسمى مهران ووطئت خيل المسلمين ارض بابل فصر إلى ناحية الخريبة واشغل من هناك من أهل الاهواز وفارس وميسان عن امداد اخوانهم على اخوانك فأتاه عتبة وانضم إليه سويد بن قطبة بمن معه من بكر بن وائل وبني تميم وكان بالقرب من موضع البصرة سبع دساكر اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة وثلاثة في موضع دار الازداليوم من البصرة ففرق عتبة من معه في تلك الدساكر ونزل هو بالخريبة وكانت مسلحة للاعاجم فلما فتحها خالد خلت منهم وكتب إلى عمر يعلمه نزوله واصحابه وبحيث نزلوا فكتب عمر إليه يأمره بأن ينزلهم موضعاً قريباً من الماء والمرعى فأقبل إلى موضع البصرة وكانت ذات حصى وحجارة سود فقيل هذه أرض بصرة فضربوا بها الخيام والقباب والفساطيط وأمد عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة البارقي وكان بالبحرين ثم انه بعث به إلى الموصل فغزا عتبة الابلة ففتحها عنوة وفتح الفرات عنوى واتي المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فظفر به وضرب عنقه وغرق عامة من كان معه وسار إلى دستميسان وقد كان جمع أهلها فهزم الجمع وقتل دهقانهم وانصرف إلى ابرقباذ ففتحها الله عليه
ثم استأذن عتبة عمر بن الخطاب في الوفادة عليه والحج فأذن له فاستخلف مجاشع بن مسعود السلمي وكان غائباً عن البصرة فأمر المغيرة
ابن شعبة أن يقوم مقامه إلى قدومه فغزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتال شديد وغلب على ارضها وكتب بالفتح إلى عمر بأسمه واستعفى عتبة من ولاية البصرة فلم يعفه عمر وأشخصه إليها فمات في طريقه فولى عمر البصرة المغيرة بن شعبة وقد كان الناس سألوا عتبة عن البصرة فاخبرهم بخصبها فسار إليها خلق كثير منهم
ثم أن أهل ابرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة فصار الذي فتحه عتبة ابن غزوان الابلة والفرات وابرقباذ ودستميسان وفتح المغيرة ميسان وغدر أهل ابرقباذ ففتحها المغيرة عنوة
وقال المدائني كان الناس يسمون ميسان ودستميسان والفرات وابرقباذ ميسان ثم كان من قصة المغيرة مع المرأة ما كان فقلد عمر أبا موسى ألاشعري مكانه وروي غير واحد من أصحاب الحديث بأسانيد مختلفة انه لما فتح عمر السواد قال له الناس اقسمه بيننا فأنا فتحناه عنوة بسيوفنا فأبى وقال فما لمن يأتي بعدكم من المسلمين وأخشى أن قسمته بينكم أن يتفاسدوا من جهة التجاذب على المياه فأقر أهل السواد في أرضهم وضرب على رؤوسهم الجزية وعلى الأرض الطسق ولم يقسمه
وقال القاسم بن سلام أن عمر بن الخطاب بعث عثمان بن حنيف الانصاري فمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف
جريب فوضع على كل جريب عامر أو غامر يبلغه الماء قفيزاً ودرهماً قال القاسم وبلغني أن ذلك القفيز كان مكوكاً لهم يدعي الشابرقاني وقال يحيى بن آدم وهو المختوم الحجاجي وقال القاسم بعث عمر بن الخطاب عمار بن ياسر على الصلاة بأهل الكوفة وجيوشهم وعبد الله ابن مسعود على قضائهم وبيت مالهم وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض وفرض لهم في كل يوم شاة بينهم فمسح عثمان بن حينف الأرض فجعل على جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب النخل خمسة دراهم وعلى جريب القصب ستة دراهم وعلى جريب البر أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين وكتب بذلك إلى عمر فأجازه
وقد اختلف الرواة في وضع الطسوق فقال قوم حكوا أن على جريب الحنطة درهمين وجريبين وعلى جريب الشعير درهماً وجريباً وقال آخرون على جريب الرطبة عشرة دراهم وعلى جريب القطن خمسة دراهم وفي رواية أخرى على جريب الرطبة خمسة دراهم وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وفي حكاية أخرى أن على الفارسي من النخل على كل نخلة درهماً وعلى دقلتين درهماً وأرى أن سبب الاختلاف إنما هو المواضع فإن منها ما يحتمل الكثير ومنها ما لا يحتمل على حسب قربها من الفرض
والأسواق وبعدها منها وحكي مصعب بن زيد الأنصاري عن أبيه قال بعثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على ما سقى الفرات فذكر رساتيق وقرى منها نهر الملك وكوثى وبهر سبر والرومقان ونهر جوبر ونهر درقيط والبهقباذات وأمرني أن اضع على كل جريب من البر رقيق الزرع ثلثي درهم وعلى الشعير نصف ذلك وأمرني أن اضع على البساتين التي تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة دراهم وعلى كل جريب الكرم إذا أتت عليه ثلاث سنين ودخل في الرابعة واطعم عشرة دراهم وان الغي كل نخل شاذ عن القرى يأكله من مر به إلا اضع على الخضراوات مثل المقاثي والحبوب والسماسم والقطن شيئاً وأمرني أن اضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين ويختمون بالذهب على الرجل ثمانية وأربعين درهما في السنة وعلى أوساطهم من التجار على الرجل أربعة وعشرين درهماً وان اضع على الاكرة وسائر من بقى منهم على الرجل اثني عشر درهماً
وحكى يحيى بن آدم أن السبب في حدوث المقاسمة بالسواد بعد الذي كان الأمر عليه في الطسوق التي قدمنا ذكرها أن الناس سألوها المنصور في آخر خلافته فقبض قبل أن يقاسموا ثم أمر المهدي بها فقوسموا فيما دون عقبة حلوان قال وكان الذي مسح سقى الفرات في أيام عمر عثمان بن حنيف والمتولي لمساحة سقى دجلة حذيفة بن اليمان ومات بالمدائن والقناطر المعروفة بقناطر حذيفة إليه نسبت وقالوا وكانت ذراعه وذراع ابن حنيف واحدة وهي ذراع اليد وقبضة وابهام ممدود
فتح عيون الطف
كانت عيون الطف مثل عين الصيد والقطقطانة والرهيمة وعين جمل وذواتها للموكلين المسالح التي وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وذلك أن سابور اقطعهم ارضيها فاعتملوها من غير أن يلزمهم خراجاً لها فلما كان يوم ذي قار وبه نصر الله العرب بنبيه عليه السلام غلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقى في أيدي الاعاجم بعضها ثم لما قدم المسلمون الحيرة هربت الاعاجم بعد أن طمت عامة ما كان في أيديها من تلك العيون وبقى الذي في أيدي العرب فاسلموا عليه وصار ما عمروه من الأرضين بمائة عشرياً ولما انقضى أمر القادسية والمدائن دفع ما جلا عنه أهله من أرض تلك العيون إلى المسلمين واقطعوه فصار ذلك عشرياً أيضاً وكان مجرى عيون الطف واراضيها مجرى اعراض المدينة وقرى نجد وكانت صدقتها إلى عمال المدينة فلما ولى اسحق بن إبراهيم بن مصعب السواد للمتوكل ضمها إلى ما في يده فتولى عماله عشرها وصيرها سوادية فهي على ذلك إلى اليوم وقد استخرجت بعد ذلك عيون اسلامية فجرى ما عمر بها من الأرضين هذا المجرى أيضاً وكانت عين الرحبة مما طم قديماً فرأها رجل من حجاج أهل كرمان وهي تبض فلما انصرف من حجة أتى عيسى بن موسى منتصحاً ودله عليها فاستقطعها موسى واراضيها واستخرجها له الكرماني واعتمل ما عليها من الأرضين وغرس النخل الذي في طريق العذيب وعلى فرسخ من هيت عيون تدعى العرق تجرى هذا المجرى واعشارها إلى عامل هيت
فتوح الجبل
لما فرغ المسلمون من أمر جلولاء الوقيعة ضم هاشم بن عتبة إلى جرير بن عبد الله البجلي خيلاً كثيفة ورتبه بجلولاء لتكون بين المسلمين وبين عدوهم ثم وجه إليه سعد بن أبي وقاص زهاء ثلاثة آلاف من المسلمين وأمره أن ينهض بهم وبمن معه إلى حلوان فلما صار بالقرب منها هرب يزدجرد إلى ناحية اصبهان ففتح جرير حلوان صلحاً على أن كف عنهم وآمنهم على دمائهم واموالهم وجعل لمن اختار منهم الهرب إلا يعرض له ثم خلف بحلوان جريراً مع عزرة بن قيس بن غزية البجلي ومضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرمايسين على مثل ما فتح عليه حلوان ورجع إلى حلوان فأقام بها والياً عليها إلى أن قدم عمار بن ياسر الكوفة فكتب إليه يعلمه أن عمر بن الخطاب آمره أن يمد به أبا موسى ألاشعري فخلف جرير عزرة بن قيس على حلوان وسار حتى أتى أبو أبا موسى ألاشعري وذلك في سنة تسع عشرة
فتح نهاوند
لما هرب يزدجرد من حلوان سنة تسع عشرة تكاتبت الفرس من أهل الري وقومس واصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إليه وذلك في سنة عشرين فأمر على من اجتمع له منهم مردانشاه ذا الحاجب وكانت عدتهم ستين الفاً ويقال مائة ألف ومضى نحو اصبهان وقد
كان عمار بن ياسر كتب إلى عمر يخبره فهم عمر بغزوهم بنفسه ثم خاف انتشار الأمر فيما يخلفه فكتب إلى أهل الكوفة بأن يسير ثلثاهم إليهم وبعث من أهل البصرة بعثاً معهم وقال لاستعملن رجلاُ يكون لأول ما يلقاه من الاسنة وولي النعمان بن عمرو بن مقرن المزني وقال أن اصيب فالامير حذيفة بن اليمان فأن أصيب فجرير بن عبد الله فأن أصيب فالمغيرة بن شعبة فأن أصيب فالاشعث بن قيس فالتقى المسلمون وعدوهم فكان النعمان أول قتيل وسقط الفارسي عن بغلته فانشق بطنه وقالوا ثم أخذ حذيفة الراية ففتح الله عليهم وسمى المسلمون ذلك الفتح فتح الفتوح وكان فتح نهاوند في سنة تسع عشرة وقال آخرون في سنة عشرين وقال آخرون في سنة احدى وعشرين ولما هزم جيش الاعاجم وظفر المسلمون وحذيفة على الناس اقام محاصراً نهاوند فكان أهلها يخرجون فيقاتلون ثم أن سماك بن عبيد العبسي اتبع رجلاً منهم ذات يوم ومعه ثمانية فوارس فجعل لا يبرز له رجل منهم إلا قتله حتى لم يبق غير الرجل وحده فاستسلم والقى سلاحه فأخذه اسيراً فتكلم بالفارسية فدعى له سماك برجل يفهم كلامه فإذا هو يقول اذهب بي إلى اميركم حتى اصالحه عن هذه الأرض وأؤدي إليه الجزية وأعطيك على اسرك أياي ومنك علي وتركك قتلي ما شئت فقال له وما اسمك فقال دينار فقال انطلق به إلى حذيفة فصالحه على الخراج والجزية وآمن أهل مدينة نهاوند على أموالهم وحيطانهم ومنازلهم فسميت نهاوند في ذلك الوقت ماه دينار ثم سميت في زمن معاوية ماه البصرة لأن عطاء أهل البصرة كان منها وعطاء أهل الكوفة
من ماه الكوفة كان فتح ماه البصرة لأهل الكوفة فتح ماه البصرة ولكنه فرض لأهل البصرة ماه اصبهان فأضيفت إليها ماه البصرة لأنها إليها اقرب من الدينور وقرماس
فتح الدينور وماسبذان ومهرجانقذق
كان أبو موسى ألاشعري قد صار إلى نهاوند فيمن صار إليها من أهل البصرة مدداً للنعمان بن مقرن فلما فرغوا من وقعة نهاوند واقام حذيفة محاصراً لها رجع أبو موسى فمر بالدينور فأقام عليها خمسة أيام قوتل منها يوماً واحداً ثم أن أهلها نجعوا بالجزية والخراج وسألوا الامان على أنفسهم واموالهم واولادهم فأجابهم إلى ذلك وخلف بها عامله في خيل ثم مضى إلى ماسبذان فلم يقاتله أهلها وصالحه أهل السيروان على مثل صلح الدينور وعلى أن يؤدوا الخراج والجزية وبث السرايا فيها فغلب على ارضها
وقوم يقولون أن أبا موسى فتح ماسبذان قبل وقعة نهاوند وبعث أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري السائب بن الاقرع الثقفي وهو صهره على ابنته أم محمد بن السائب إلى الصيمرة مدينة مهرجانقذق ففتحها صلحاً على حقن الدماء وترك السباء والصفح عن الصفراء والبيضاء وعلى أداء الجزية وخراج الأرض وفتح جميع ناحية مهرجانقذق على مثل ذلك وأثبت الأخبار انه وجه السائب من الأهواز ففتحها
فتح همذان
وجه المغيرة بن شعبة وهو عامل عمر بن الخطاب على الكوفة بعد عزل عمار بن ياسر جرير بن عبد الله البجلي إلى همذان فقاتله أهلها ودفع دوها واصيبت عينه بها ثم انه فتح همذان على مثل صلح نهاوند وكان ذلك في آخر سنة ثلاث وعشرين وغلب على ارضيها فأخذها قسراً وقال الواقدي فتح جرير همذان في سنة أربع وعشرين بعد ستة اشهر من وفاة عمر بن الخطاب وقد روي بعضهم أن المغيرة بن شعبة سار إلى همذان وعلى مقدمته جرير بن عبد الله البجلي فافتتحها وزعم الهيثم بن عدي أن الذي فتح همذان قرظة بن كعب الأنصاري وسلمة بن قيس الاشجعي فتحاها عنوة
فتح قم وقاشان وأصبهان
لما انصرف أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري من نهاوند إلى الأهواز فاستقراها ثم أتى قم فأقام عليها اياماً وفتحها ووجه الاحنف واسمه الضحاك بن قيس التميمي إلى قاشان ففتحها عنوة ثم لحق به ووجه عمر بن الخطاب عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى اصبهان سنة ثلاث وعشرين ويقال بل كتب عمر إلى أبي موسى ألاشعري يأمره
بتوجيهه في جيش إلى اصبهان فوجهه ففتحها عبد الله بن بديل جي صلحاً بعد قتال على أن يؤدي أهلها الخراج والجزية وعلى أن يؤمنوا على أنفسهم واموالهم خلا ما في أيديهم من السلاح ووجه عبد الله بن بديل الاحنف ابن قيس وكان في جيشه إلى اليهودية فصالحه أهلها على مثل صلح جي وغلب ابن بديل على ارض اصبهان ورساتيقها وكان العامل عليها إلى أن مضت من خلافة عثمان سنة ثم ولاها عثمان السائب بن الاقرع الثقفي وكان فتح اصبهان وارضها في بعض سنة ثلاث وعشرين وسنة أربع وعشرين
فتح الري وقومس
قالوا كتب عمر بن الخطاب إلى عمار بن ياسر وهو عامله على الكوفة بعد شهرين من وقعة نهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الري ودستبي في ثمانية آلاف ففعل وسار عروة إلى ما هناك فجمعت له الديلم وامدهم أهل الري فقاتلوه فأظهره الله عليهم فاجتاحهم وخلف حنظلة بن زيد أخاه وقدم عمار فسأله أن يوجهه إلى عمر ليبشره بعد أن كان اتاه يخبره عمه ما كان من أمر الجسر فصار إلى عمر فأخبره بالخبر فسماه البشير ولما انصرف عروة بعث حذيفة على جيشه سلمة بن عمرو الضبي ويقال البراء بن عازب وقد كانت وقعة عروة كسرت الديلم وأهل الري فأناخ على الحصن المعروف بالفرخان فصالحه الفرخان بعد قتال على أن يكونوا ذمة يؤدون الجزية والخراج واعطاه أهل الري وقومس خمسمائة ألف على إلا يقتل منهم احداً ولا يسبيه ولا يهدم له بيتاً لنار وان يكونوا اسوة أهل نهاوند في خراجهم
وصالحه أيضا عن أهل دستبي الرازي لان دستبي قسمان قسم رازي وقسم قزويني
ووجه سليمان بن عمرو والبراء بن عازب إلى قومس خيلا فلم يمتنعوا وفتحوا أبواب الدامغان ولما ولي عمر بعد عمار بن ياسر المغيرة بن شعبة الكوفة ولي المغيرة كثير بن شهاب الحارثي الري ودستبي فصار إلى الري فوجد أهلها قد نقضوا فقاتلهم حتى رجعوا إلى الطاعة واذعنوا بالخراج والجزية وغزا الديلم فأوقع بهم وغزا الببر والطيلسان وكان كثير جميلاً حازماً ومقعداً مع ذلك وكان إذا ركب رويت سويقتاه كالمحراثين ولم تزل الري بعد أن فتحت أيام حذيفة تنتفض وتفتح حتى كان آخر من فتحها قرظة بن كعب الأنصاري في ولاية أبي موسى ألاشعري الكوفة لعثمان وولي قرظة الكوفة لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه بعد ومات بها فصلى علي عليه
وبنى المهدي مدينة الري التي هي اليوم مدينتها في خلافة المنصور وجعل حولها خندقاً وبنى فيها مسجداً جامعاً جرى ذلك على يد عمار ابن أبي الخصيب وكتب اسمه على حائطه وارخ بناءها لسنة ثمانية وخمسين ومائة وجعل لها فصيلاً يطيف به فارقين آجر وسماها المحمدية وحصن الفرخان في داخل المحمدية وكان الهادي قد أمر بمرمته ونزله وهو يطل على المسجد الجامع ودار الامارة وجعل بعد ذلك سجناً وفي قلعة الفرخان يقول العطمش الضبي
( على الجوسق الملعون بالري لايني ** على رأسه داعي المنية يلمع )
وكانت وظيفة الري اثني عشر ألف ألف درهم لان المنصور ثقلها عليهم لخروجهم مع سفان الطالب بدم أبي مسلم حتى مر بها المأمون منصرفاً من خراسان فأقتصر بهم على عشرة ألف ألف درهم
فتح قزوين وزنجان وأبهر
لما ولي المغيرة بن شعبة الكوفة ولي جرير بن عبد الله همذان وولى البراء بن عازب قزوين وأمره أن يسير إليها فأن فتحها الله على يده غزا الديلم منها وانما كان مغزاهم قبل ذلك من دستبى فسار البراء ومعه حنظلة بن زيد الخيل الطائي حتى أتى أبهر فأقام على حصنها فقاتلوه ثم طلبوا الامان على مثل ما آمن عليه حذيفة أهل نهاوند وصالحهم على ذلك وغلب على أرض أبهر ثم غزا أهل حصن قزوين فلما بلغهم قصد المسلمين اياهم وجهوا إلى الديالمة يستنصرونهم فوعدوهم أن يفعلوا وحل البراء والمسلمون بعقوتهم فخرجوا لقتالهم والديلميون وقوف على جبل هو الحد بينهم وبين قزوين لا يمدون إلى المسلمين يدا فلما رأى أهل قزوين ذلك طلبوا الصلح فعرض عليهم ما أعطي أهل ابهر فأنفوا من الجزية واظهروا الإسلام فيقال انهم نزلوا على مثل ما نزل عليه اساورة البصرة من الإسلام على أن يكونوا مع من شاءوا فنزلوا الكوفة وحالفوا زهرة بن حويه فسموا حمراء ديلم وقيل
انهم أسلموا وأقاموا بمكانهم وصارت أرضوهم عشرية فرتب البراء بن عازب معهم خمس مائة رجل من المسلمين فيهم طليحة بن خويلد الاسدي واقطعهم من الأرضين ما لاحق فيه لأحد
وغزا البراء الديلم حتى ادوا الإتاوة وغزا جيلان والببر والطيلسان وفتح زنجان عنوة وكان الوليد بن عقبة بن أبي معيط عند تولية الكوفة لعثمان بن عفان غزا الديلم مما يلي قزوين وغزا اذربيجان وغزا جيلان وموقان والببر والطيلسان
وولي سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بعد الوليد فغزا الديلم ومصر قزوين فكانت ثغر أهل الكوفة وبها فرسانهم
ولما شخص الرشيد يريد خراسان مر بهمذان فاعترضه أهل قزوين واخبروه بمكانهم من بلاد العدو وغنائهم في مجاهدته وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القصبة فيصير عليهم في كل سنة عشرة آلاف درهم مقاطعة
وكان القاسم بن الرشيد ولي جرجان وطبرستان وقزوين فألجأ إليه أهل زنجان ضياعهم تعززاً به ودفعاً لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم وكتبوا له عليها الاشربة وصاروا مزارعين فهي إلى اليوم من الضياع بهذا السبب وكان المتولي بفتح زنجان الربيع بن خيثم بعد البراء بن عازب وكان القاقزان عشرياً لأن أهله أسلموا عليه وأحيا المسلمون بعضه فألجأوا إلى القاسم أيضا على أن جعلوا له عشراً ثانياً بعد العشر الواجب بحق بيت المال فصار أيضاً في الضياع ولم تزل
دستبي قسمين بعضها من الري وبعضها من همذان إلى أن سعى رجل من أهل قزوين من بني تميم يقال له حنظلة بن خالد ويكنى أبا مالك في امرها حتى صيرت كلها إلى قزوين
وكان أبو دلف القاسم بن عيسى غزا الديلم في خلافة المأمون وغزاها وهو وال في خلافة المعتصم بالله أيام ولاية الافشين الجبال ففتح حصوناً منها اقليسم صالح أهله على أتاوة ومنها بومج فتحه عنوة ثم صالح أهله على اتاوة ومنها الابلام ومنها الانداق وحصون أخرى واغزى الافشين غير أبي دلف ففتح أيضا من الديلم حصوناً
فتح اذربيجان
لما قدم المغيرة بن شعبة الكوفة والياً عليها من قبل عمر بن الخطاب كان معه كتاب إلى حذيفة بن اليمان بولايته اذربيجان فأنفذه إليه وهو بنهاوند أو بقربها فسار حذيفة حتى أتى اردبيل وهي مدينة اذربيجان وبها مرزبانها واليه جباية خراجها وكان هذا المرزبان قد جمع إليه المقاتلة من أهل باجروان وميمنذ والزير وسراة والشيز والميانج وغيرهم فقاتلوا المسلمون قتالاً شديداً أياماً ثم أن المرزبان صالح حذيفة عن جميع أهل أذربيجان على ثمنمائة ألف درهم وزن ثمانية على أن لا يقتل منهم أحد ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار ولا يعرض لاكراد البلاسجان وسبلان وساترودان ولا يمنع أهل الشيز خاصة من الزفن في اعيادهم واظهار ما كانوا يظهرونه ثم انه غزا موقان وجيلان فأوقع بهم
وصالحهم على أتاوة وقالوا ثم عزل عمر حذيفة عن اذربيجان وولاها عتبة بن فرقد السلمي فأتاها من ناحية شهرزور على السلق الذي يعرف بمعاوية الاودي فلما دخل أردبيل وجد أهلها على العهد وانتفضت عليه نواح فغزاهم فظفر وغنم وكان معه عمرو بن عتبة ابن فرقد الزاهد
وقد روى الواقدي في اسناده أن المغيرة بن شعبة غزا اذربيجان من الكوفة سنة اثنتين وعشرين حتى انتهى إليها ففتحها عنوة ووضع علهيا الخراج وروى ابن الكلبي عن أبي مخنف أن المغيرة غزا اذربيجان سنة عشرين ففتحها ثم انهم كفروا فغزاها الاشعث بن قيس الكندي ففتح حصن باجروان وصالحهم على صلح المغيرة ومضى صلح الاشعث إلى اليوم ولما كان زمن عثمان ولي الوليد بن عقبة الكوفة خرج الوليد فقدم اذربيجان ومعه الاشعث بن قيس ثم انصرف الوليد وخلفه والياً عليها فانتفضت عليه فكتب إلى الوليد يستمده فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة فتتبع الاشعث موضعاً موضعاً وخانا خانا والخان في كلام أهل اذربيجان الخير ففتحها على مثل صلح حذيفة وعتبة بن فرقد واسكنها ناساً من الفرس من أهل العطاء والديوان وامرهم بدعاء الناس إلى الإسلام ثم ولى سعيد بن العاص فغزا اذربيجان واوقع بأهل موقان وجيلان وجمع له خلق من الارمن وأهل أذربيجان فوجه إليهم جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم وأخذ رئيسهم فصلبه على قلعة باجروان
ثم ولى علي بن أبي طالب رحمة الله عليه الاشعث بن قيس اذربيجان فلما قدمها وجد أكثر أهلها قد اسلموا وقرءوا القرآن وانزل أردبيل جماعة من أهل العطاء والديوان من العرب ومصرها وبنى مسجدها ووسع بعد ذلك ولما نزلت العرب اذربيجان نزعت إليها عشائرها من المصرين والشام وغلب كل قوم على ما أمكنهم وابتاع بعضهم من العجم الأرضين وألجأت إليهم القرى للخفارة وصار أهلها مزارعين لهم وكانت ورثان قنطرة كقنطرتي وحش وارشق اللتين اتخذتا في أيام بابك فبناها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وأحيا ارضها وحصنها فصارت ضيعة له ثم قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية فصارت لام جعفر زبيدة فبنى وكلاؤها سورها وكانت برزند قرية فعسكر بها الافشين كيدر بن كاوس عامل المعتصم على أذربيجان وأرمينية والجبل أيام محاربته بابك وحصنها
وقالوا وكانت المراغة تدعى اقراهروذ فعسكر مروان ابن محمد والى ارمينية واذربيجان منصرفه من غزوة وموقان وجيلان بالقرب منها وكان فيها سرقين فكانت دوابه ودواب اصحابه تمرغ بها وألجأها أهلها إلى مروان فابتناها وتالف وكلاؤه الناس إليها فكثروا بها للتعزز وجعلوا يقولون بنوا قرية المراغة
ثم قبضت مع ضياع بني أمية وصارت لبعض بنات الرشيد ثم لما ولى خزيمة بن خازم ارمينية واذربيجان بنى سورها وحصنها ومصرها وأما مرند فكانت قرية صغيرة فحصنها البعيث ثم ابنه محمد بن البعيث وكان خالف في أيام المتوكل فحاربه بغا الصغير وظفر به وحمله إلى سر من رأى وهدم حائط مرند
وأما أرمية فمدينة قديمة يزعم المجوس أن زرادشت صاحبهم كان منها وكان صدقة بن علي بن دينار مولى الازد حارب أهلها حتى دخلها وغلب عليها وبنى وأخوته بنائها وحصنها فنزلها الناس
واما تبريز فنزلها الرواد الازدي ثم الوجناء بن الرواد واخوته وبنوا بها وحصونها فنزلها الناس معهم
وأما سراة فيها من كندة جماعة
فتح الموصل
قالوا ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي الموصل سنة عشرين فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحها أهل الحصن الغربي على الجزية ثم فتح المرج وقراه وارض بهذري وبعذري وحبتون والحنابة والمعلة ودامير وجميع معاقل الاكراد وأتي تل الشهارجة والسلق الذي يعرف ببني الحرين صالح بن عباد الهمذاني صاحب رابطة الموصل ففتح ذلك كله وغلب المسلمون عليه وقال بعض أهل الحيرة بأمر الموصل أن أرمية من فتوح الموصل وعتبة
ابن فرقد فتحها وكان خراجها حيناً إلى الموصل وكذلك الحور وخوي وسلماس وقيل أيضا أن عتبة فتحها حين ولي اذربيجان والله أعلم
وقالوا أن أول من اختط بالموصل واسكنها العرب هرثمة بن عرفجة البارقي وكان بها الحصن وبيع النصارى ومنازل لهم قليلة عند تلك البيع ومحلة اليهود فمصرها هرثمة وأسكنها العرب واختط لهم ثم بنى المسجد الجامع وقال الواقدي ولي عبد الملك بن مروان ابنه سعيد بن عبد الملك صاحب نهر سعيد الموصل وولى محمداً أخاه الجزيرة وأرمينية فبنى سعيد سور الموصل الذي هدمه الرشيد حين مر بها وقد كانوا خالفوا قبل ذلك وفرشها سعيد بالحجارة
قالوا ولما اختط هرثمة بالموصل للعرب واسكنهم إياها أتى الحديثة وكانت قرية قديمة فيها بيعتان وأبيات النصارى فمصرها واسكنها قوماً من العرب فسميت الحديثة لأنها بعد الموصل فبنى نحوه حصناً
وقالوا وفتح عبتة بن فرقد الطيرهان وتكريت وآمن أهل حصن تكريت على أنفسهم واموالهم وخنازيرهم وبيعهم وسار في كورة باجرمق ثم صار إلى شهرزور
وزعم الهيثم بن عدي أن عياض بن غنم لما فتح بلداً أتى الموصل ففتح أحد الحصنين وبعث عتبة بن فرقد إلى الحصن الآخر فصالح أهله وكان الصلح على أن فرض عليهم الجزية في جماجمهم واطعموا ارضهم وفرض على الرجل بقدر أرضه خمسة آلاف واربعة آلاف وأقل وأكثر والله أعلم
فتح شهرزور والصامغان
قالوا حاول عزرة بن قيس فتح هرزور وهو وال على حلوان في خلافة عمر فلم يقدر عليها فغزاها عتبة بن فرقد ففتحها بعد قتال على مثل صلح حلوان وكانت العقارب بها تصيب الرجل فيموت وصالح عتبة أهل الصامغان ودار اباذ على الجزية والخراج وعلى ألا يقتلوا ولا يسبوا ولا يمنعوا طريقاً يسلكونه وكتب عتبة إلى عمر بن الخطاب أني قد بلغت بفتوحي اذربيجان فولاه إياها وولي هرثمة بن عرفجة الموصل
قالوا ولم تزل شهرزور وأعمالها مضمومة إلى الموصل حتى فرقت في أيام الرشيد فولى شهرزور والصامغان ودار اباذ رجل مفرد
فتح كور الاهواز
قالوا غزا المغيرة بن شعبة الاهواز في ولاية البصرة حين شخص عنها عتبة بن غزوان في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة فقاتله
البيرواز دهقان الاهواز ثم صالح على مال ثم انه بعد ذلك نكث فغزاها أبو موسى ألاشعري حين ولى البصرة بعد المغيرة فافتتح سوق الاهواز عنوة وفتح نهر تيري عنوة وولي ذلك بنفسه في سنة سبع عشرة ولم يزل يفتح نهراً نهراً ورستاقا رستاقا والاعاجم تهرب من بين يديه حتى غلب على جميع ارضها إلا السوس وتستر ومناذر ورامهرمز وسار أبو موسى إلى مناذر فحاصر أهلها فأشتد قتالهم فاستخلف الربيع بن زياد الحارثي على فتحها وسار إلى السوس ففتح الربيع مناذر عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية وصارت مناذر الصغرى والكبرى في أيدي المسلمين وحصر أبو موسى السوس حتى نفذ ما عندهم من طعام فضرعوا إلى الامان وسأل مرزبانها أن يؤمن منهم ثمانين على أن يفتح باب المدينة ويسلمها فسمي الثمانين وأخرج نفسه من العدة فلم يعرض للثمانين وضرب عنقه وقتل من سواهم من المقاتلة وأخذ الأموال وسبى الذرية وهادن أبو موسى أهل رامهرمز ثم انقضت هدنتهم فوجه إليهم أبا مريم الحنفي فصالحهم على ثمانمائة ألف درهم ثم أنهم غدروا ففتحت عنوة فتحها أبو موسى في آخر أيامه وكان أبو موسى قد فتح سرق على مثل صلح رامهرمز ثم انهم غدروا فوجه إليها حارثة بن بدر الغداني في جيش كثيف فلم يفتحها فلما قدم عبد الله ابن عامر فتحها عنوة
قالوا وسار أبو موسى إلى تستر وبها شوكة العدو وحدهم فكتب إلى عمر يستمده فكتب عمر إلى عمار بن ياسر يأمره بالمسير إليه في أهل الكوفة وتخليف مسعود فقدم عمار جرير بن عبد الله البجلي وسار عمار بعده حتى أتى تستر فقاتلهم أهل تستر قتالاً شديداً ثم انهم ألجأوا الهرمزان إلى القلعة وفيها حراسة فطلب الامان حينئذ فأبى أبو موسى أن يعطيه ذلك إلا على حكم عمر فنزل على ذلك وقتل من كان في القلعة ممن لا أمان له وحمل الهرمزان إلى عمر فاستحياه وفرض له وكان من أمره ما كان
وسار أبو موسى إلى جنديسابور وأهلها منخوبون وطلبوا الامان فصالحهم على ألا يقتل منهم أحداً ولا يسبيه ولا يعرض من أموالهم سوى السلاح ثم أن طائفة من أهلها تجمعوا بالكلبانية فوجه أبو موسى إليهم الربيع بن زياد فقتلهم وفتح الكلبانية وفتح الربيع الثيبان عنوة ثم نقضوا ففتحها منجوف بن ثور السدوسي وكان مما فتحه عبد الله بن عامر الزط وسنبيل وكان أهلها كفروا واجتمع إليهم طوائف من الاكراد وفتح أيذج بعد قتال شديد واستوفي أبو موسى فتح كور الاحواز السبع عنوة
وروي الواقدي عن الزهري قال افتتح عمر السواد والاهواز عنوة فسئل قسمة ذلك فقال فما لمن جاء بعدنا من المسلمين وأقر أهلها عن منزلة أهل الذمة ولم يكن عسكر مكرم مصراً قديماً وإنما نسبت إلى مكرم بن الفزر أحد بني جعونة بن الحارث بن نمير وكان الحجاج وجهه لمحاربة خرزاد بن باس حين عصى ولحق بايذج فنزل مكرم موضع عسكر مكرم الآن وكان بقرية قديمة فوصل بها البناء ثم لم يزل يزداد فيها حتى كثرت فسمى ذلك اجمع عسكر مكرم
ونهربط كانت فيه مراع للبط فقالت العامة نهربط كما قالوا في دار البطيخ دار بطيخ والمشكوك الاحوازي سمي بهذا الاسم لأن الرشيد كان أقطع عبد الله بن المهدي مزارعه أرض الاحواز فأضيفت إلى ذلك غيره فوقع قوم فيه إلى المأمون فأمر بالنظر في الأمر فما لم تكن فيه شبهة أقر بحاله وما شك فيه جيز فسمي ما وقع الشك في أمره المشكوك وصار ذلك ضيعة سرية أقطعتها أم المتوكل فوقفتها على مواليها
فتح كور فارس وكرمان
كان العلاء بن الحضرمي عامل عمر على البحرين وجه هرثمة بن عرفجة البارقي ففتح جزيرة في بحر العرب ثم كتب عمر إلى العلاء أن يمد عتبة بن فرقد السلمي بهرثمة ففعل ثم لما ولي عمر عثمان بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان فدوخهما واتسقت له طاعة أهلها وجه أخاه الحكم ابن أبي العاص في جيش كثيف من عبد القيس والازد وتميم وبني
ناجية وغيرهم ففتح جزيرة ابركاوان ثم عبر إلى توج وهي من أرض اردشيرخرة ومعنى اردشيرخرة بهاء أردشير ففتحها وأنزلها المسلمين من عبد القيس وغيرهم وذلك في سنة تسع عشرة فعظم على شهرك مرزبان فارس وواليها ما كان من وطئ العرب أرض فارس واشتد عليه وكانت نكايتهم وبأسهم وظهورهم على جميع من لاقوا قد بلغه فجمع لهم جمعاً عظيماً وسار بنفسه حتى أتى ريشهر من أرض سابور وهي بقرب توج فخرج إليه الحكم وعلى مقدمته سوار ابن همام العبدي فاقتتلوا قتالاً شديداً وحمل سوار على شهرك فقتله وحمل سوار على ابن شهرك فقتله وهزم الله المشركين وفتحت ريشهر عنوة وكان يومها في صعوبته كيوم القادسية وكتب إلى عمر بالفتح ثم أن عمر كتب إلى عثمان ابن أبي العاص في اتيان فارس فخلف على عمله أخاه المغيرة ويقال حفص بن أبي العاص وكان جزلاً وقدم توج فنزلها وكان يغزو منها ثم يعود إليها
وكتب عمر إلى أبي موسى ألاشعري وهو بالبصرة يأمره أن يكاتف عثمان بن أبي العاص ويعاونه فكان يغزو أرض فارس من البصرة ثم يعود إليها وبعث عثمان بن أبي العاص هرم بن حيان العبدي ففتح قلعة يقال لها شبير بعد حصار عنوة وقلعة يقال لها الستوج عنوة وأتي عثمان أردشيرخرة من سابور ففتحها وأرضها بعد أن قاتله أهلها صلحاً على أداء الجزية والخراج ونصح المسلمين
وفتح عثمان بن أبي العاص كازرون من سابور والنوبنجان منها أيضا وغلب عليها واجتمع أبو موسى وعثمان بن أبي العاص في آخر خلافة عمر ففتحا أرجان صلحا على الجزية والخراج وفتحا شيراز من أردشيرخرة على أن يكونوا ذمة يؤدون الخراج إلا من أحب منهم الجلاء ولا يقتلوا ولا يستعبدوا وفتحاً سينيز من أرض أردشيرخرة عنوة وترك أهلها عماراً للأرض وفتح عثمان حصن جنابا بأمان وأتي عثمان بن أبي العاص دار أبجرد وكانت قيروان عملهم ودينهم وبها الهربذ فصالحه الهربذ على مال أعطاه أياه وعلى أن أهل دار أبجرد كلهم أسوة بمن فتحت بلاده من فسا فصالحه عظيمها على مثل صلح دار أبجرد
ويقال أن الهربذ صالحه عنها لأنها من أرض دار أبجرد وأتى عثمان بن أبي العاص مدينة سابور في سنة ثلاث وعشرين ويقال في سنة أربع وعشرين قبل أن يأتي أبو موسى ولاية البصرة من قبل عثمان بن عفان فوجد أهلها متهيئين للقتال قتال المسلمين وكان اخو شهرك بها فامتنع قليلاً ثم طلب الأمان والصلح فصالحه عثمان على ألا يقتل احداً ولا يسبيه وعلى أن يكون له ذمة ويعجل مالا ثم أن أهل سابور نقضوا وغدروا ففتحت في سنة ست وعشرين عنوة فتحها أبو موسى وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص
ولما ولي عبد الله بن عامر بن كريز البصرة من قبل عثمان بن عفان بعد أبي موسى ألاشعري سار إلى اصطخر في سنة ثماني وعشرين فصالحه ماهك عن أهلها ثم توجه إلى جور فلما فارقهم نكثوا وقتلوا عامله عليهم ثم كر عليهم بعد فتحه جور ففتحها وكان هرم بن حيان مقيماً على جور وهي مدينة اردشيرخرة وكان المسلمون يعانونها ثم ينصرفون عنها فيعانون لصطخر ويغزون نواحي كانت تنتفض عليهم علماً نزل ابن عامر بها قاتلوه ثم تحصنوا ففتحها بالسيف عنوة في سنة تسع وعشرين ثم كر عبد الله بن عامر بعد فراغه من جور إلى اصطخر ففتحها عنوة بعد قتال شديد ورمي بالمجانيق وقتل بها من الاعاجم أربعين ألفاً وأفنى اكثر أهل البيوتات ووجوه الاساورة وكانوا قد لجأوا إليها وروى الحسن بن عثمان الزيادي أن أهل اصطخر غدروا في ولاية
عبد الله بن عباس العراق لعلي بن أبي طالب عليه السلام ففتحها وفتح ابن عامر السكاريان والفشجان ولم تكونا دخلتا في صلح الهربذ وحاصر المسلمون شهرياج ويقال أن العرب عربت حصن سيراف فسموه بذلك وكانوا ظنوا أنهم سيفتحونها يوم قصدوها فقاتلهم أهلها شهراً طراداً فبينما هم ذات يوم قد قاتلوهم ورجعوا إلى معسكرهم وتخلف عبد مملوك فراطنوه فكتب لهم أماناً ورمى به إليهم في مشقص فقال المسلمون ليس أمانه بشيء فقال القوم لسنا نعرف الحر منكم من العبد فكتب بذلك إلى عمر فقال أن عبداً للمسلمين منهم وذمته ذمتهم
وأما كرمان فإن عثمان بن أبي العاص كان لقي مرزبانها في جزيرة أبركاوان وهو في خف فقتله فوهن أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم فلما صار ابن عامر إلى فارس وجه مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب يزدجرد فهلك جيشه ببيمند ثم توجه ابن عامر إلى خراسان ولي مجاشعاً كرمان ففتح بيمند واستبقى أهلها وأعطاهم أماناً بذلك وبها قصر يعرف بقصر مجاشع وفتح مجاشع برو خروة وأتى السيرجان وهي مدينة كرمان فأقام عليها أياماً يسيرة وأهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيل فقاتلهم ففتحها عنوة وخلف بها رجلاً ثم أن كثيراً من أهلها جلوا عنها
وقد كان أبو موسى ألاشعري وجه الربيع بن زياد الحارثي ففتح ما حول السيرجان وصالح أهل بم والاندغار فكفر أهلها ونكثوا فافتتحها مجاشع بن مسعود وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوخها وأتى القفص وكان قد تجمع له بهرموز خلق ممن جلا من الاعاجم فقاتلهم وظفر بهم وأظهر عليهم وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا في البحر ولحق بعضهم بسجستان فأقطعت العرب منازلهم وأراضيهم فعمروها وأدوا العشر فيها واحتفروا القنى في مواضع منها
وولي الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق الهلالي فارس وكرمان وكان قبيصة بن مخارق من أصحاب النبي وهو الذي كان انتهى إلى نهر فلم يقدر اصحابه على اجازته فقال من أجازه فله ألف درهم فجازوه فوفى لهم فكان ذلك أول ما سميت به الجائزة جائزة
فقال الجحاف بن حكيم السلمي
( فدى للأكرمين بني هلال ** على علاتهم أهلي ومالي )
( هم سنوا الجوائز في معد ** فصارت سنة أخرى الليالي )
( رماحهم تزيد على ثمان ** وعشر حيت تختلف العوالي )
فتح سجستان وكابل
لما توجه عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس يريد خراسان سنة ثلاثين نزل بعسكره شق السيرجان من كرمان ووجه الربيع بن زياد الحارثي إلى سجستان فسار حتى نزل الفهرج ثم قطع المفازة وهي خمسة وسبعون فرسخاً فأتى رستاق زالق وهو حصن فأغار على أهله يوم مهرجان وأخذ دهقانه فافتدى نفسه بأن ركز عنزة ثم غمرها ذهبا وفضة وصالح الدهقان على حقن دمه وعلى أن يكون بلده كبعض ما افتتح من بلاد فارس وكرمان ثم أتى قرية يقال لها كركويه على خمسة أميال من زالق فصالحوه ولم يقاتلوه ونزل رستاقاً يقال له هيسوم فأقام له أهله النزل وصالحوه على غير قتال ثم أخذ الإدلاء من زالق إلى زرنج وسار حتى نزل الهندمند وعبر وادياً ينزع منه يقال له فوق وأتى روشت وهي من زرنج على ثلثي ميل فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالاً شديداً وأصيب رجال من المسلمين ثم كر المسلمون فهزموهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ثم أتى الربيع ناشروز وهي قرية فقاتل أهلها وظفر بهم وبها أصاب عبد الرحمن أبا صالح بن عبد الرحمن الذي كتب للحجاج مكان زاد نفروخ بن نيري وولي خراج العراقين لسليمان بن عبد الملك فاشترته امرأة من بني تميم
وصار الربيع إلى مدينة زرنج فحاصر أهلها بعد أن قاتلوه ثم بعث إليه ابرويز مرزبانها يستأمنه ليصالحه فأمر الربيع بجسد من أجساد القتلى فطرح له فجلس عليه واتكأ على آخر وأجلس أصحابه على أجساد القتلى وكان الربيع آدم أفوه طويلاً فلما رآه المرزبان هاله فصالحه على ألف وصيف مع كل واحد منهم جام من ذهب ودخل الربيع المدينة ثم أتى وادي سناروذ فعبره ثم أتى القريتين وهناك مربط فرس رستم فقاتلوه فظفر بهم ثم عاد إلى زرنج فأقام بها سنتين ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس سجستان وقد نقضوا فحصر مرزبانها في قصره يوم عيد لهم حتى صالحه على ألفي ألف درهم وألفي وصيف وغلب ابن سمرة على ما بين زرنج وكش من ناحية الهند وغلب من ناحية رخج على ما بينه وبين بلاد الداور حصرهم في جبل الزون ثم صالحهم وكانت عدة من معه من المسلمين ثمانية آلاف فأصاب كل واحد منهم من مال الصلح أربعة آلاف ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان فقطع يده وأخذ الياقوتتين ثم قال للمرزبان بأن لم انقض عهد بذلك ودونك ما أخذته من الصنم ولكنني أردت أن أعلمك أنه لا ينفع ولا يضر وفتح بست وزابل بعهد
وكان محمد بن سيرين يكره سبي زابل ويقول أن عثمان ولث لهم ولثاً وهو عقد دون العهد وأتى عبد الرحمن بن سمرة زرنج فأقام بها حتى اضطرب أمر عثمان ثم استخلف أمير بن أحمر اليشكري وانصرف من سجستان ثم أن أهل زرنج اخرجوا أميراً وأغلقوها ولما فرغ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه من أمر الجمل بعث عبد الرحمن بن جزء الطائي إلى سجستان وكانت صعاليك العرب قد تجمعوا مع حسكة بن عتاب الحبطي وعمران بن الفضيل البرجمي وأصابوا من زالق وقد نقض أهلها وأصابوا منها مالاً فقتلوا عبد الرحمن فأوعد علي رحمه الله الحبطان أن يقتل منهم مكانه أربعة آلاف
ولم يزل أمر سجستان على اضطرابه إلى أيام معاوية ابن أبي سفيان فإنه استعمل ابن عامر على البصرة فولى ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة سجستان فأتاها في جماعة من الاشراف والانجاد فكان يغزوا البلد وقد نقض أهله وكفروا فيفتحه عنوة أو يصالحه أهله حتى بلغ كابل فحاصر أهلها شهراً وكان يقاتلهم ويرميهم بالمنجنيق حتى دخلها المسلمون عنوة وأبلى عباد بن حازم والمهلب بن أبي صفرة
وكانا معه بكابل بلاء حسناً وسار عبد الرحمن فقطع وادي نسل وصار إلى بست ففتحها عنوة وسار إلى رزان فهرب أهلها وغلب عليها ثم صار إلى خشك فصالحه أهلها ثم أتى الرخج فظفر بهم وفتحها ثم صار إلى زابلستان فقاتلوه وقد كانوا نكثوا ففتحها وأصاب سبياً وعاد إلى كابل وقد نقض أهلها ففتحها ثم أن معاوية ولى عبد الرحمن سجستان من قبله وبعث إليه بعهده فلم يزل بها حتى قدم زياد البصرة فأقره اشهراً ثم ولى مكانه الربيع بن زياد وانصرف ابن سمرة إلى البصرة فمات بها سنة خمسين وعبد الرحمن هذا هو الذي قال له النبي اللهم لا تطلب الامارة فإنك أن أوتيتها عن غير مسألة اعنت عليها وان أتيتها عن مسألة وكلت إليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فإت الذي هو خير وكفر عن يمينك ثم جمع كابل شاه للمسلمين وأخرج من كان منهم بكابل وجاء رتبيل الملك فغلب على زابلستان والرخج حتى انتهت إلى بست فخرج الربيع بن زياد في الناس فقاتل رتبيل فهزمه حتى أتى الرخج فلحق به الربيع فقاتله بها ومضى ففتح بلاد الداور
ثم عزل زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان فلما كان برزان بعث إليه رتبيل يسأله الصلح عن بلده وبلاد كابل على ألفي ألف دينار ومائتي ألف دينار فأجابه إلى ذلك ثم سأله أن يهب له مائتي ألف دينار ففعل فتم صلحه على ألف ألف ووفد عبيد الله على زياد فأعلمه ذلك فأمضى الصلح ثم رجع إلى سجستان فكان بها إلى أن مات زياد وولي سجستان بعد موت زياد عباد بن زياد من قبل معاوية
ثم لما ولى يزيد بن معاوية ولي سلم ابن زياد سجستان وخراسان فلما كان موت يزيد أو قبله غدر أهل كابل ونكثوا وأسروا أبا عبيدة بن زياد فسار إليهم يزيد بن زياد فقتل ومن كان معه فبعث سلم بن زياد طلحة بن عبيد الله ابن خلف الخزاعي المعروف بطلحة الطلحات ففدى أبا عبيدة بخمسمائة ألف درهم وسار طلحة من كابل إلى سجستان والياً عليها من قبل سلم ابن زياد فمات بسجستان ووقعت العصبية بخراسان ونواحيها وغلب كل قوم على مدينتهم فطمع رتبيل
ثم قدم عبد العزيز بن عبد الله بن عامر والياً على سجستان من قبل القباع وهو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي في أيام ابن الزبير فكانت بينه وبين رتبيل حرب قتل فيها رتبيل واستعمل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص على خراسان وسجستان فوجه ابنه عبد الله بن أمية على سجستان وعقد له عليها وهو بكرمان فغزا رتبيل القائم بعد الأول المقتول وقد كان هاب المسلمين فصالح عبد الله حين
نزل بست على ألف ألف وبعث إليه بهدايا ورقيق فأبى قبول ذلك واشتط فيما التمسه فخلى رتبيل له البلاد حتى إذا اوغل فيها أخذ عليه الشعاب والمضايق فطلب إليهم أن يخلوا عنه ليرجع سالماً ولا يأخذ منهم شيئاً فأبى ذلك وقال بل تأخذ ثلاثمائة ألف درهم صلحاً وتكتب لنا بها كتاباً ولا تغزوا بلادنا ما كنت والياً ففعل وبلغ ذلك عبد الملك فعزله
ثم ولى والحجاج بن يوسف العراق ووجه عبيدالله بن أبي بكرة إلى سجستان فخار ووهن وأتى الرخج وكانت البلاد مجدبة فسار حتى نزل بالقرب من كابل وانتهى إلى شعب فأخذه العدو عليه ولحقهم رتبيل فصالحهم عبيد الله على أن يعطوه خمسمائة ألف درهم ويقال ألف ألف ويرفع عنهم الخراج خمس سنين ويبعث إليهم ثلاثة من ولده رهناء على الوفاء فكتب لهم كتاباً إلا يغزوهم ما كان والياً فقال بعض اصحابه وهو شريح بن هاني الحارثي اتق الله وقاتل هؤلاء القوم فإنك أن أعطيتهم ما سألوا أوهنت الإسلام بهذا الثغر وحمل عليهم وقاتل الناس وهلك أكثرهم جوعاً وعطشاً ومات عبيدالله بن أبي بكرة كمداً واستخلف على الناس ابنه أبا برذغة فاقدمه الحجاج إليه فعذبه وطالبه بالأموال
وولى الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث سجستان فخلع عبد الملك والحجاج وأقبل إلى العراق ثم أنه رجع إلى سجستان خالصاً وهادن رتبيل فأسلمه رتبيل بكتاب الحجاج إليه في ذلك وصالح الحجاج رتبيل على ألا يغزوا بلده سبع سنين ويقال تسع سنين على أن يؤدي بعد مضي هذه السنين في كل سنة عروضاً بتسعمائة ألف درهم فلما انقضت سنو الموادعة ولى الحجاج الاشهب بن بشير الكلبي فعاسر رتبيل في العروض التي أداها إليه فكتب رتبيل إلى الحجاج يشكوه فعزله الحجاج وولى قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان وسجستان في أيام الوليد بن عبد الملك فولى قتيبة سجستان عمرو بن مسلم فطلب الصلح من رتبيل دراهم بأعيانها فذكر أنه لا يمكنه إلا ما كان فارق عليه الحجاج من العروض فسار قتيبة إلى سجستان فلما بلغ رتبيل قدومه أرسل إليه أنا لم نخلع يداً من طاعة وإنما فارقتمونا على عروض فلا تظلمونا فقال قتيبة للجند أقبلوا منه العرض فأنه ثغر مشئوم
ثم انصرف قتيبة من زرنج بعد أن كان زرع بها زرعاً لييأس العدو من انصرافه ثم استخلف قتيبة على سجستان عبد الله بن عبيد الله بن عمير الليثي
ثم ولي سليمان بن عبد الملك فولي يزيد بن المهلب العراق فولي يزيد مدرك بن المهلب أخاه سجستان فلم يعطه رتبيل شيئاً ثم ولي معاوية ابن يزيد فرضخ له
ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ولي عدي بن أرطاة البصرة وثغورها فولى الجراح بن عبد الله الحكمي خراسان وسجستان ثم عزله وولى عبد الرحمن ابن نعيم العامري فلم يحمل رتبيل أليهما شيئاً ولم يعط رتبيل عمال يزيد بن عبد الملك شيئاً أيضا ثم قال رتبيل ما فعل قوم كانوا يأتونا خماصً البطون سود الوجوه من الصلاة نعالهم خوص قالوا انقرضوا فقال أولئك كانوا أوفى منكم عهوداً وأشد بأساً وان كنتم أحسن منهم وجوهاً
ولما استخلف المنصور ولي معن بن زائدة سجستان فقدمها وبعث عماله إلى اعمالها وكتب إلى رتبيل يأمره بحمل الإتاوة التي كان الحجاج صالحه عليها فبعث بأبل وقباب تركية ورقيق وزاد في تقويم ما بعث به من ذلك للواحد ضعفه فغضب معن وقصد الرخج وعلى مقدمته يزيد بن مزيد فوجد رتبيل قد خرج عنها ومضى إلى زابلستان ليصيف بها ففتحها وأصاب سبياً كثيراً كان منهم فرج الرخجي وهو صبي وأبوه زياد وكانت عدة من سباه معن منهم ثلاثين ألف رأس وطلب ماوند خليفة رتبيل الامان على أن يحمله إلى أمير المؤمنين فآمنه وبعث به إلى بغداد مع خمسة آلاف من مقاتلهم فأكرمه المنصور وفرض له وقوده وخاف معن هجوم الشتاء فأنصرف إلى بست فقتله قوم من الخوارج اغتيالاً فقام يزيد بأمر سجستان بعد واشتدت على أهلها من العرب والعجم وطأته فاحتيل حتى أوغر قلب المهدي في خلافة المنصور عليه فعزله ونكبه وصار إلى مدينة السلام فلم يزل بها مجفواً إلى أن تحرك أمره ولم يزل عمال المهدي والرشيد يقبضون الإتاوة من رتبيل بسجستان على حسب قوة
القوي وضعف الضعيف منهم ويولون عمالهم النواحي التي غلب عليها الإسلام ولما كان المأمون بخراسان أديت له الإتاوة مضاعفة وفتح كابل وأظهر ملكها الإسلام والطاعة وأدخلها عامل المأمون واستقامت بعد ذلك حيناً
فتح خراسان
قالوا وجه أبو موسى ألاشعري عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي غازياً فأتى كرمان ومضى حتى بلغ الطبسين وهما حصنان يقال لأحدهما طبس والآخر كربد جرميان فيهما نخل وهما بابا خراسان فأصاب مغنماً وأتى قوم من أهل الطبسين عمر بن الخطاب فصالحوه على خمسة وسبعين ألفاً ويقال ستين ألفاً وكتب لهم كتاباً
ولما استخلف عثمان وولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة في سنة ثماني وعشرين فافتتح من أرض فارس ما أفتتح ثم غزا خراسان في سنة ثلاثين واستخلف على البصرة زياد بن أبي سفيان وبعث على مقدمته الاحنف بن قيس فأقر صلح الطبسين وقدم الاحنف إلى قوهستان وهي أقرب من يتلقاه من نواحي خراسان فلقيته الهياطلة معاونين لأهل قوهستان وهم قوم كان فيروز الملك نفاهم إلى هراة لأنهم كانوا يلوطون فهزمهم وفتح قوهستان عنوة ويقال بل ألجأهم إلى الحصن فلما قدم عليه ابن عامر طلبوا الصلح فصولحوا على ستمائة ألف درهم
وبعث ابن عامر يزيد الجرشي أبا سالم بن يزيد إلى رستاق زم ففتحه وباخرز وهو رستاق من نيسابور أيضاً وفتح جوين وسبى سبياً ووجه ابن عامر الاسود ابن كلثوم العدوي عدي الرباب وكان ناسكاً إلى بيهق وهورستاق من نيسابور فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت فيه ودخلت معه طائفة من المسلمين فأخذ العدو عليهم تلك الثلمة فقاتل الاسود حتى قتل ومن كان معه وقام بأمر الناس بعده أخوه أدهم ابن كلثوم فظفر وفتح بيهق وفتح بست واسبنج ورخ وزاوة وخواب واسفرايين وأرغيان مع نيسابور ثم أتى أبرشهر وهي مدينة نيسابور فحصر أهلها اشهراً ثم فتحها وتحصن مرزبانها في القهندز ومعه جماعة وطلب الامان على أن يصالح على جميع نيسابور بوظيفة يؤديها فصالحه ابن عامر على ألف ألف درهم وولى نيسابور لما فتحها قيس بن الهيثم السلمي ووجه ابن عامر عبد الله بن خازم السلمي إلى حمراندز من نسا ففتحه وأتاه صاحب نسا فصالحه على ثلثمائة ألف درهم ويقال على احتمال الأرض من الخراج وألا يقتل أحداً ولا يسبيه وقدم بهمنة عظيم ابيورد على ابن عامر فصالحه على أربعمائة ألف درهم ووجه ابن عامر عبد الله بن خازم إلى سرخس فقاتلهم ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على أيمان مائة رجل وان يدفع إليه النساء فصارت ابنته في سهم ابن خازم فاتخذها وسماها ميثاء
ويقال انه صالحه على أن يؤمن مائة نفس فسماهم وأغفل نفسه فقتله ودخل سرخس عنوة ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الاعور إلى كيف وبينة ففتحها وأتى كنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه عن طوس على ستمائة ألف درهم ووجه بن عامر جيشا إلى هراة عليه أوس بن ثعلبة بن رقى ويقال خليد بن عبد الله الحنفي فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص إلى ابن عامر فصالحه عن هراة وبوشنج وباذغيس سوى طاغون وباغون بأنهما فتحا عنوة وكتب له ابن عامر كتاباً شرط عليه فيه مناصحة المسلمين واصلاح ما في يده من الأرض واداء الجزية وخراج الأرضين ويقال أن ابن عامر نفسه سار في الدهم إلى هراة فقاتل أهلها ثم صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وباذغيس على ألف ألف درهم وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح فوجه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي فصالحه عنها على ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وان عليهم قسمة المال وليس على المسلمين إلا قبض ذلك فكانت مرو صلحاً إلا قرية منها يقال لها السنج فأنها أخذت عنوة
وقال أبو عبيدة صالحه على وصائف ووصفاء ودواب ومتاع ولم يكن عند القوم يومئذ عين وان الخراج كله كان على ذلك حتى ولى يزيد بن معاوية فصيره مالا ووجه عبد الله ابن عامر الاحنف بن قيس نحو طخارستان فأتى الموضع الذي يقال له قصر الاحنف وهو حصن مرو الروذ وله رستاق عظيم يعرف برستاق الاحنف ويدعى
سنوأنجر فحصر أهله فصالحوه على ثلثمائة ألف ومضى الاحنف إلى مرو الروذ فحصر أهلها واجتمع لها أهل الجوزجان والطالقان والفارياب ومن حولهم فبلغوا ثلاثين ألفاً وجاءهم أهل الصغانيان وهم من الجانب الشرقي من النهر ونزل الاحنف بين المرغاب والجبل فقاتلوه قتالاً شديداً ومن كان يجمع معهم من الترك فصالحهم مرزبانها وهو من ولد باذام صاحب اليمن أو ذو قرابة له فكتب إلى الاحنف أن الذي دعاني إلى الصلح أسلام باذام فصالحه على ستمائة ألف وكانت للأحنف خيل قد سارت إلى رستاق يقال له بغ فأخذته واستاقت مواشي منه وكان الصلح بعد ذلك
ووجه الاحنف من مرو الروذ الاقرع بن حابس التميمي في خيل إلى الجوزجان فلقى العدو بها وقد كان صاروا إليها فكانت المسلمين حوله ثم انهم كروا فهزموهم وفتحوا الجوزجان عنوة وفتح الاحنف الطالقان صلحاً وفتح الفارياب أيضاً على مثل ذلك ويقال بل فتحها أمير بن أحمر اليشكري وسار الاحنف إلى بلخ وهي مدينة طخاري فصالحه أهلها على سبعمائة ألف وأستعمل عليها أسيد بن المتشمس وسار إلى خوارزم وهي من سقى النهر ومدينتها شرقية فلم يقدر عليها فأنصرف إلى بلخ وقد جبى أسيد صلحاً فاستوعب ابن عامر فتح ما دون النهر على ما تقدم من شرح ذلك
وقال أبو عبيدة انه لما بلغ ما وراء النهر خبره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل وبعث من قبض ذلك فأتته الدواب والوصفاء والوصائف والحرير والثياب ثم أنه أحرم شكراً لله ولم يذكر غير أبي عبيدة انه صالح أهل ما وراء النهر وقدم على عثمان بعد أن استخلف قيس بن الهيثم فسار قيس بعد شخوصه من ارض طخارستان فلم يأت بلداً منها إلا صالحه أهله وأذعنوا له حتى أتى سمنجان فأمتنعوا عليه فحصرهم حتى فتحها عنوة
ثم لما استخلف علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قدم عليه ماهويه مرزبان مرو وهو بالكوفة فكتب له إلى الدهاقين والاساورة والدهشلارية أن يؤدوا إليه الجزية ثم انتقضت خراسان فلم تزل منتقضة حتى قتل رضوان الله عليه
وولى معاوية بن أبي سفيان قيس بن الهيثم السلمي خراسان فجبى أهل الصلح ولم يعرض لأهل النكث فمكث عليها سنة ثم عزله وضم إلى عبد الله بن عامر مع البصرة خراسان فاستخلف عليها قيس بن الهيثم وكان أهل باذغيس وهراة بوشنج وبلخ على نكثهم فسار إلى بلخ فأخرب النوبهار ثم سألوا الصلح ومراجعة الطاعة فصالحهم قيس ثم عزله ابن عامر واستعمل عبد الله بن خازم السلمي فأرسل إليه أهل هراة وبوشنج وباذغيس يطلبون الأمان والصلح فصالحهم وحمل إلى ابن عامر مالاً وولي زياد بن أبي سفيان البصرة في سنة خمس وأربعين فولى أمير بن أحمر مرو وخليد بن عبد الله الحنفي أبر شهر وقيس بن الهيثم مرو الروذ والطالقان والفارياب ونافع بن خالد الطاحي من الازد هراة وباذغيس وبوشنج وقادس من انواران فكان أمير أول من أسكن العرب مرو
ثم ولى زياد الحكم بن عمرو الغفاري وكان عفيفاً صالحاً وله صحبة خراسان فمات بها سنة خمسين ويقال أن الحكم أول من صلى من وراء النهر فولى زياد الربيع بن زياد الحارثي خراسان سنة احدى وخمسين وحول معه من أهل المصرين زهاء خمسين ألفاً بعيالاتهم فأسكنهم ما دون النهر ومات الربيع سنة ثلاث وخمسين وقام بأمر خراسان بعده عبد الله ابنه فقاتل أهل آمل وزم ثم صالحهم ورجع إلى مرو فمكث بها شهرين ثم مات ومات أيضا زياد ابن أبي سفيان فاستعمل معاوية عبيدالله بن زياد على خراسان وله خمس وعشرون سنة فقطع النهر في أربع وعشرين ألفاً فأتى بيكند وكانت خاتون بمدينة بخارى فأرسلت إلى الترك تستمدهم فجاءها منهم الدهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون فبعثت إليهم خاتون تطلب الصلح والامان فصالحها عبيد الله بن زياد على ألف ألف ودخل المدينة وفتح بيكند ورامدين وهي من بيكند فرسخان ويقال انه فتح الصغانيان وقدم معه البصرة بخلق من أهل بخارى فرض لهم ثم ولي معاوية سعيد ابن عثمان ابن عفان فقطع النهر فلما بلغ خاتون خبره حملت إليه الصلح وأقبل أهل السغد والترك وأهل كش ونخشب إلى سعيد في مائة ألف وعشرين ألفاً فألتقوا ببخارى وندمت خاتون على أدائها الإتاوة ونقضت العهد ثم استبانت ممن حضر معيناً لها الرهن فأعادت الصلح وأعطت الرهن ودخل سعيد مدينة بخارى ثم غزا سمرقند وأعانته خاتون بأهل بخارى
فنزل على باب سمرقند فقاتل أهلها أشد قتال ثلاثة أيام وفقئت عينه وعين المهلب ثم طلب أهل سمقرند الصلح فصالحهم على سبعمائة ألف درهم وعلى أن يعطوه رهوناً من أبناء عظمائهم فأعطوه الرهون وانصرف فلما كان بالترمذ حملت إليه خاتون الصلح وأقام على الترمذ حتى فتحها صلحاً وكان قثم بن العباس في الجيش مع سعيد فمات بسمرقند وورد سعيد بالرهون التي أخذهم من السغد المدينة فألبسهم جباب الصوف وألزمهم السواني والسقي والعمل فدخلوا عليه مجلسه ففتكوا به فقتلوه وقتلوا أنفسهم
وولي معاوية عبد الرحمن بن زياد خراسان فمات معاوية وهو عليها وكان عبد الرحمن شرها فصرفه يزيد بن معاوية وولي سلم بن زياد فصالحه أهل خوارزم على أربعمائة ألف وحملوها إليه وأتى سمرقند فأعطاه أهلها الفدية ووجه سليمان وهو بالصغد جيشاً إلى خجندة فهزموا ثم التاف عليه الناس عند موت يزيد بن معاوية فشخص عن خراسان واستخلف عبد الله بن خازم السلمي فوقع الاختلاف والتجاذب بين الناس بخراسان ولم تزل العصبية والحروب بينهم إلى أن كتبوا إلى عبد الملك بن مروان في ذلك
وسألوه أن يوجه رجلاً من قريش فولى أمية بن عبد الله بن خالد بن أبي العيص خراسان فغزا الختل وقد نقضوا بعد أن كان سعيد بن عثمان صالحهم فافتتحها
ثم أن الحجاج بن يوسف ولى خراسان مع العراقين فولى المهلب بن ظالم وظالم هو أبو صفرة سنة تسع وتسعين خراسان فغزا مغازي كثيرة وفتح ختل وقد انتقضت وفتح خجندة وأدت إليه الصغد الأتاوة وغزا كش ونسف ورجع فمات بزاغول من مرو الروذ واستخلف ابنه يزيد فغزا مغازي كثيرة وفتح البتم على يد مخلد بن يزيد بن المهلب
ثم ولى الحجاج المفضل بن المهلب ففتح باذغيس وقد انتقضت وفتح شومان وآخرون وأصاب غنائم قسمها بين الناس وكان موسى بن عبد الله بن خازم قد تغلب على الترمذ فبعث إليه فحورب حتى قتل وولى الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان فخرج يريد آخرون وشومان من طخارستان فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ فعبروا معه النهر وأتاه بعد عبوره ملك الصغاينات وأتاه ملك كفيان بنحو مما أتاه به ملك الصغانيان وسلما إليه بلديهما وانصرف قتيبة إلى مرو وخلف أخاه صالحاً على ما وراء النهر ففتح صالح كاشان وأورشت وهي من فرغانة وفي جيشه نصر بن سيار وفتح بيعنخر وفتح خشيكت من فرغانة وهي مدينتها القديمة
وغزا قتيبة بيكند سنة سبع وثمانين ومعه نيزك فقطع النهر من زم إلى بيكند وهي أدني مدائن بخارى إلى النهر فغدروا واستنصر الصغد فقاتلهم وأغار عليهم وحاصرهم فطلبوا الصلح ففتحها عنوة وغزا قتيبة تومشكت وكرمينية سنة ثمان وثمانين واستخلف على مرو بشار بن مسلم أخاه فصالحهم وافتتح حصوناً صغاراً وغزا قتيبة بخارى ففتحها على صلح وأوقع بالصغد وقتل نيزك بطخارستان وصلبه وأفتتح كش ونسف وقد كانوا نقضوا وتعرف نسف بنخشب صلحاً
وفتح قتيبة بن مسلم خوارزم صلحاً واستخلف عليه أخاه عبيد الله ابن مسلم وغزا سمرقند وكانت ملوك الصغد تنزلها قديماً ثم نزلت اشتبخن فكتب ملك الصغد إلى ملك الشاش وهو مقيم بالطاربند فأتاه في خلق من مقاتلتهم فلقيهم المسلمون فأقتتلوا أشد قتال ثم أن قتيبة اوقع بهم وكسرهم فصالحه غوزك على ألفي ألف ومائتي ألف درهماً في كل عام وعلى أن يدخل المدينة فدخلها وطعم فيها وبنى مسجداً بها وخلف بها جماعة من المسلمين فيهم الضحاك بن مزاحم صاحب التفسير وقد كان سعيد بن عثمان فتح سمرقند صلحاً فلم ينقضوا ولكن قتيبة استقل صلحهم
وقال أبو عبيدة وغيره وقدم على عمر بن عبد العزيز لما استخلف وفد من أهل سمرقند فأخبروه أن قتيبة أسكن مدينتهم المسلمين على غدر منه بهم فكتب عمر إلى عامله بأن ينصب لهم
قاضياً ينظر فيما ذكروه فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا فنصب لهم جميع بن حاضر الباجي فحكم بإخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سواء فكره أهل سمرقند الحرب وأقروا المسلمين فأقاموا بين أظهرهم
وفتح قتيبة عامة الشاش وبلغ أسبياب قالوا وكان حصن أسبيشاب مما فتح قديماً ثم غلبت الترك وقوم من أهل الشاش عليه ففتحه نوح بن أسيد في خلافة المعتصم بالله وبنى حوله سوراً يحيط بكروم أهله ومزارعهم ثم كان من أمر قتيبة بن مسلم مع سليمان بن عبد الملك ما كان إلى أن قتل وقام بأمر خراسان وكيع بن أبي الاسود التميمي وهو الغداي من غدانة ابن يربوع وذلك في سنة ست وتسعين فعزله سليمان وكتب إلى يزيد بن المهلب وكان بالعراق في أن يأتي خراسان فقدم ابنه مخلداً فغزا البتم ففتحها ثم نقضوا فأراهم انصرافاً عنهم ثم كر عليهم فعاود فتحها وأصاب بها مالاً وأصناماً وأهل البتم ينسبون إلى ولائه
ولما استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إلى ملوك ما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم وكان عامل عمر على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي من قبل عدي بن أرطاة ورفع عمر عمن
أسلم بخراسان الخراج وفرض لهم ثم أن عمر عزل الجراح بن عبد الله عن خراسان واستعمل عليها عبد الله بن نعيم القشيري
ثم لما ولي يزيد بن عبد الملك مسلمة بن عبد الملك العراقين وخراسان فولى مسلمة سعيد بن عبد العزيز ابن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية خراسان وكان سعيد يلقب خذينة سماه بذلك بعض دهاقين ما وراء النهر لأنه رآه وعليه معصفرة وقد رجل شعره وكان سعيد صهر مسلمة على ابنته ثم أن مسلمة عزل سعيداً لشكية من أهل خراسان له فولي سعيد بن عمرو الجرشي فوجه إلى الصغد يدعوهم إلى الفيئة والمراجعة فأتته رسله بمقامهم على الخلاف والمعصية فزحف إليهم فنال منهم نيلاً شافياً وفتح عامة حصون الصغد
فلما قام هشام ولى عمر بن هبيرة الفزاري العراق فعزل الجرشي واستعمل على خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي فغزا أفشين فصالحه على ستة آلاف رأس ودفع إليه قلعته ثم انصرف إلى مرو ثم استعمل هشام خالد بن عبد الله على العراق فولى أخاه خراسان
فقدم أسد سمرقند وغزا جبال نمرود فصالحه وأسلم ثم استعمل هشام ابن عبد الملك اشرس بن عبد الله السلمي على خراسان فكان معه كاتب نبطي يسمى عميرة ويكنى أبا أمية فزين له أفعال الشر فزاد أشرس في وظائف خراسان واستخف بالدهاقين وأمر بطرح الجزية عمن أسلم من أهل ما وراء النهر فسارعوا إلى الإسلام وانكسر عليه الخراج فلما رأى أشرس ذلك آخذ المسألة فأنكروه وألاحوا منه فصرفه هشام في سنة اثنتي عشرة ومائة وولي الجنيد بن عبد الرحمن المري فنكي في الترك وأتاه بعض أصحابه بابن خاقان وكان خرج يتصيد سكران وأخذ فبعث به إلى هشام ولم يزل يقاتل الترك حتى دفعهم وكتب إلى هشام يستمده فأمده بجيش من أهل البصرة وأهل الكوفة وأطلق يده في الفريضة ففرض بخلق وكانت للجند مغاز وانتشرت دعاة بني هاشم في ولايته وقوي أمرهم وكانت وفاته بمرو فولى هشام بعده عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي
وكان نصر بن سيار غزا أشروسنة أيام مروان بن محمد فلم يقدر على شيء منها فلما جاءت الدولة المباركة واستخلف أبو العباس ومن بعده من الخلفاء كانوا يولون عمالهم فينقصون حدود أرض العدو وأطرافها ويحاربون من نقض العهد ونكث البيعة من أهل القبالة ويعيدون مصالحة من امتنع من الوفاء بصلحه بنصب الحرب له
ولما استخلف المأمون رحمه الله أغزى الصغد وأشروسنة ومن انتقض عليه من أهل فرغانة الجند وألح عليهم بالحروب ودعاهم إلى الإسلام وكان كاوس ملك أشروسنة كتب إلى الفضل بن سهل وزير المأمون وهو بخراسان يسأله الصلح على مال يؤديه على أن لا يغزي بلده فأجابه المأملون إلى ذلك فلما قدم مدينة السلام امتنع كاوس من الوفاء بالصلح وكان لابنه كيدر بن كاوس قصد استوحش معها من ابنه فصار إلى مدينة السلام ووصف للمأمون سهولة الأمر في اشروسنة وهون عليه ما يهوله الناس من حالها ووصف له طريقاً مختصراً إليها فوجه المأمون احمد بن خالد الاحول الكاتب في جيش عظيم لغزوها فلما بلغ كاوس اقباله بعث إلى الترك يستنجدهم فأنجدوه بالدهم منهم وأخذ أحمد بن خالد على الطريق الذي بعثه كيدر حتى قدم اشروسنة وأناخ على مدينتها قبل قدوم بمن امده ملك الترك بهم فلما رأى كاوس ذلك اسقط في يده وخرج مستسلماً باضعاً بالطاعة وورد مدينة السلام فملكه المأمون على بلاده ثم ملك الافشين ابنه حيدر بعده وكان المأمون يكتب إلى عماله عن خراسان أن يغزوا من لم يكن على الإسلام من أهل ما وراء النهر ويفرض لمن أراد الفرض من أهل تلك النواحي وأبناء ملوكهم ويستميلهم بالترغيب فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى ارزاقهم وصلاتهم
ثم استخلف المعتصم بالله فكان على مثل ذلك حتى صار جل من في عسكره من الجند من أهل ما وراء النهر من الصغد والفراغنة والاشروسنية وأهل الشاش وحضر ملوكهم بابه وغلب الإسلام على ما هناك وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الاتراك وأغزى عبد الله بن طاهر طاهراً ابنه بلاد الغورية ففتح مواضع لم يصل إليها أحد قبله
فتوح السند
كان عمر بن الخطاب ولى عثمان بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان في سنة خمس عشرة فاستخلف أخاه الحكم على البحرين ومضى إلى عمان فأقطع جيشاً إلى تانة في البحر فلما رجع الجيش كتب إلى عمر يعلمه ذلك فكتب إليه عمر يا أخا ثقيف حملت دوداً على عود وإني أحلف بالله لو أصيبوا لأخذت من قومكم مثلهم ووجه الحكم ايضاً إلى بروص ووجه أخاه المغيرة بن أبي العاص إلى خور الديبل فلقى العدو فظفر
فلما ولي عثمان بن عفان وولي عبد الله بن عامر بن كريز كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره فوجه حكيم بن جبلة العبدي فلما رجع أوفده إلى عثمان فسأله عن حال البلاد فقال يا أمير المؤمنين ماؤها وشل وتمرها دقل ولصها بطل أن قل الجيش بها ضاعوا وان كثروا جاعوا فقال عثمان أخابر
أنت أم تسجع قال بل خابر فلم يغزها احداً لما كان أخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع وثلاثين في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه توجه إلى ذلك الثغر الحارث بن مرة العبدي متطوعاً بأذن أمير المؤمنين فظفر وأصاب مغنماً وسبياً وقسم في يوم واحد ألف رأس ثم انه قتل بأرض القيقان وجميع من معه إلا قليلاً منهم وكان مقتله سنة اثنتين واربعين والقيقان من بلاد السند مما يلي خراسان ثم غزا ذلك الثغر المهلب بن أبي صفرة أيام معاوية بن أبي سفيان سنة أربع وأربعين فأتى بنة والاهواز وهما بين المولتان وكابل فلقيه العدو فقاتله بمن معه فدفعهم عنه
ثم ولى عبد الله بن عامر في زمن معاوية عبد الله بن سوار العبدي ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند فغزا القيقان فأصاب مغنماً ثم وفد على معاوية وأهدى له خيلاً قيقانية ثم انه عاد فغزا القيقان ثانية فاستجاش الترك عليه فقتلوه
وولى يزيد بن أبي سفيان في أيامه معاوية بن سنان بن سلمة ابن المحبق الهذلي ويقال انه أول من أحلف الجند بالطلاق ففتح مكران عنوة ومصرها وأقام بها ثم استعمل زيادة على الثغر راشد بن عمرو
الجديدي فأتى مكران ثم غزا القيقان فظفر ثم غزا الميد فقتل وقام بأمر الناس سنان بن سلمة فولاه زياد الثغر فأقام به سنين وفي مكران يقول أعشى همدان الأبيات إلى أولها
( وأنت تسير إلى مكران ** فقد شحط الورد والمصدر )
وغزا عباد بن زياد ثغر الهند من سجستان فأتى سناروذ ثم أخذ على حوى كهز إلى الروذبار من أرض سجستان إلى الهند منذ فنزل كش وقطع المفازة حتى أتى القندهار فقاتل أهلها وهزمهم وفتحها بعد أن اصيب من المسلمين رجال وفي ذلك يقول يزيد بن مفرغ الحميري
( كم بالدروب وأرض الهند من قدم ** ومن جماجم صرعى ما بها قبروا )
( بقندهار ومن تكتب منيته ** بقندهار يرجم دونه الخبر )
ثم ولى زياد المنذر بن الجارود العبدي ثغر الهند فغزا البوقان والقيقان فظفر المسلمون وغنموا وبث السرايا في بلادهم وفتح
قصدار ثم ولى عبيدالله بن زياد جريء بن جريء الباهلي ففتح الله تلك البلاد على يديه وقاتل بها قتالاً شديداً فظفر وغنم وأهل البوقان اليوم مسلمون وقد بنى عمران بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي بها مدينة سماها البيضاء وذلك في خلافة المعتصم بالله
لما ولى الحجاج بن يوسف العراق ولى سعيد بن اسلم بن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر فخرج عليه معاوية ومحمد ابنا الحارث العلافيان فقتل وغلبا العلافيان على الثغر واسم علاف هو ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهو أبو جرم بن ربان فولى الحجاج مجاعة بن سعر التميمي ذلك الثغر فغزا مجاعة وغنم وفتح طوائف من قندابيل ثم فتحها محمد بن القاسم واستعمل الحجاج بعد مجاعة محمد بن هارون بن ذراع النمري ثم ولي الحجاج أيام الوليد بن عبد الملك ثغر السند محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم الثقفي وكان محمد بفارس فضم إليه ستة آلاف من جند الشام وخلقا من غيرهم وجهزه بكل ما احتاج إليه وأمره أن يقيم بشيراز حتى سار إليه اصحابه فسار محمد إلى مكران فأقام بها ثم أتى قنزبور ففتحها ثم أتى ارمائيل ففتحها وكان محمد بن هارون قد لقيه وانظم إليه وسار معه
فمات بالقرب من ذلك الموضع ثم سار محمد بن القاسم من ارمائيل ومدوا معه سفناً كان حمل فيها الرجال والسلاح والاداة حتى نزل الديبل وخندق بها وركز الرماح على الخندق وأنزل الناس على راياتهم ونصب على المدينة منجنيقاً تعرف بالعروس يمد فيها خمسمائة رجل فكسر صنماً منصوباً على منارة وكانت الديبل فيها بدهم وناهضتهم الناس ففتحت المدينة عنوة ومكث محمد يقتل من فيها ثلاثة أيام وهرب عامل داهر ملك السند وقتل سدنة بيت الهتهم واختط محمد للمسلمين بها وبنى مسجدها وانزلها أربعة آلاف قالوا وأتى محمد بن القاسم البيرون وكان أهلها بعثوا سمنين إلى الحجاج فصالحوه وقدموا لمحمد العلوفة وأدخلوه مدينتهم ووفوا بالصلح وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبر أنهاراً دون مهران فأتاه سمنية سريبدس فصالحوه عمن خلفهم ووظف عليهم الخراج وسار إلى سهبان ففتحها ثم سار حتى نزل على مهران وبلغ داهر خبره فاستعد لحربه وبعث محمد بن القاسم محمد بن مصعب بن عبد الرحمن الثقفي إلى
سدوسان في خيل وجمازات فطلب أهلها الامان والصلح وسفرت بينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خراجاً وأخذ منهم رهناً وانصرف إلى محمد ومعه من الزط أربعة آلاف فصاروا معه وولى سدوسان رجالاً ثم أن محمداً احتال لعبور مهران على جسر عقده عليه وداهر مستخف به ولاه عنه فلقيه محمد بالمسلمين وهو على فيل وحوله الفيلة ومعه التكاكرة فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع بمثله وترجل داهر وقاتل فقتل عند المساء وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاؤا وفتح محمد راور عنوة واتى برهمنا باذ العتيقة وهي على فرسخين من المنصورة ولم تكن المنصورة يومئذ إنما كان موضعها غيضة
وكان فل داهر ببرهمنا باذ هذه فقاتلوه ففتحها عنوة وقتل بها ستة وعشرين ألفاً وخلف بها عامله وهي اليوم خراب
وسار محمد يريد الرور وبغرور فتلقاه أهل ساوندري فسألوه الامان فأعطاهم إياه وانتهى إلى الرور وهي من مدائن السند على جبل فحصرهم أشهراً ثم فتحها صلحاً على ألا يقتلهم ولا يعرض لبدهم وقال ما البد إلا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس ووضع عليهم الخراج وبنى مسجداً بالرور
وسار محمد إلى السكة وهي مدينة دون بياس ففتحها والسكة اليوم خراب ثم قطع نهر بياس إلى المولتان فقاتله أهلها ودخلوا المدينة منهزمين وحصرهم محمد وقد نفذت أزواد المسلمين حتى أكلوا الحمير ثم أتاهم مستأمن فدلهم على ماء منه شربهم وهو من نهر بسمد يصير في مجتمع مثل البركة ويسمونه البلاح فغوره فلما عطشوا نزلوا على الحكم فقتل محمد المقاتلة وسبى الذرية وسدنة البد وكانوا ستة آلاف وأصابوا ذهباً كثيراً فجمعت تلك الأموال في بيت يكون عشرة أذرع في ثمان فسميت المولتان فرج الذهب والفرج الثغر وكان بد المولتان تهدي إليه الأموال من كل بلد من بلدان السند وتنذر له النذور ويحج إليه أهل السند فيطوفون به ويحلقون رؤوسهم ولحاهم عنده قالوا ونظر الحجاج فإذا هو قد أنفق على محمد بن القاسم ستين ألف ألف ووجد الذي حمله محمد إليه مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف فقال شفينا غيظاً وأدركنا ثأرنا وأزددنا ستين ألف ألف وراس داهر ومات الحجاج فأتت محمداً
وفاته فرجع من المولتان إلى الرور وبغرور وكان قد فتحها ووجه إلى البيلمان جيشاً فلم يقاتلوه وأعطوا الطاعة وسالمه أهل سرشت وهي مغزى لأهل البصرة اليوم وأهلها الميد الذين يقطعون في البحر ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر ملكها فقاتله فأنهزم دوهر ويقال أنه قتل وقال الشاعر
( نحن قتلنا داهراً ودوهراً ** والخيل تردى منسراً فمنسر )
ونزل أهل المدينة على حكم محمد وقتل وسبى ومات الوليد ابن عبد الملك وولى سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح بن عبد الرحمن على العراق وولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي السند فلما أتاها حمل محمد إلى صالح مقيداً فعذبه صالح ويقال انه قتل في
رجال من آل عقيل قتلهم معه ومات يزيد بن أبي كبشة بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يوماً فاستعمل سليمان بن عبد الملك على حرب السند حبيب بن المهلب فقدمها وقد عاد ملوك السند إلى ممالكهم ورجع جيشبة بن داهر إلى برهمنا باذ ونزل حبيب على شاطئ مهران فأعطاه أهل الرور الطاعة
ثم استخلف عمر بن عبد العزيز وكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وقد كانت سيرته بلغتهم فأسلم جيشبة والملوك وسموا بأسماء العرب وكان عامل عمر بن عبد العزيز على ذلك الثغر عمرو بن مسلم الباهلي فغزا بعض الهند ثم تولى الجنيد بن عبد الرحمن المري مرة غطفان من قبل عمر ابن هبيرة الفزاري في أيام يزيد بن عبد الملك ثغر السند ثم ولاه أياه هشام بن عبد الملك فلما قدم خالد بن عبد الله القسري العراق كتب هشام إلى الجنيد يأمره بمكاتبة خالد فأتى جنيد الديبل ثم نزل شط مهران فمنعه جيشبة العبور وأرسل إليه أني قد أسلمت وولاني الرجل الصالح بلادي ولست آمنكً فأعطاه رهناً وأخذ منه رهناً بما على بلاده من الخراج ثم تراداً الرهن وكفر جيشبة وحارب فقتل وهرب صصة بن داهر ليمضي إلى العراق فيشكو غدر الجنيد فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده في يده فقتله وغزا الكيرج وكانوا قد نقضوا ففتحها عنوة وقتل وسبى وغنم ووجه العمال إلى مرمد والمندل ودهنج وبروص
ووجه جيشاً إلى أزين ووجه حبيب بن مرة في جيش إلى أرض المالية فأغاروا على أزين وغزوا بهريمند فحرقوا ربضها وفتح الجنيد البيلمان والجزر وحصل في منزله سوى ما أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها
ثم ولى بعد الجنيد تميم بن زيد العتبي فضعف ووهن ومات قريباً من الديبل وكان تميم سخياً وجد في بيت المال بالسند ثمانية عشرة ألف ألف درهم طاهرية فأسرع فيها
ثم ولى السند الحكم بن عوانة الكلبي فوجد أهل السند قد كفروا إلا أهل قصبة فبنى من وراء البحيرة مما يلي بلد الهند لما لم يجد للمسلمين ملجأ يلجأون إليه مدينة سماها المحفوظة ومصرها وكان عمرو بن محمد القاسم مع الحكم فكان يفوض إليه مهماته واغزاه من المحفوظة بلد الهند فظفر وغنم فلما قدم عليه أمره فبنى دون البحيرة مدينة سماها المنصورة فهي التي ينزلها العمال اليوم وتخلص الحكم ما كان في أيدي العدو مما غلبوا عليه ورضى الناس بولايته وكان خالد بن عبد الله القسري يعجب من رفض الناس تميماً ورضاهم بالحكم على بخل كان فيه ثم كان العمال بعد يقاتلون العدو فيأخذون بما استطف لهم ويفتتحون الناحية وقد نقض أهلها
فلما كان أول الدولة المباركة ولى مسلم عبد الرحمن بن مسلم مغلساً العبدي ثغر السند فأخذ على طخارستان حتى صار إلى المنصور بن جمهور الكلبي وهو بالسند من قبل بني أمية فلقيه المنصور فقتله وهزم جنده فلما بلغ ذلك أبا مسلم عقد لموسى بن كعب التميمي ووجهه إلى السند فلما قدمها كان بينه وبين منصور بن جمهور مهران ثم التقيا فهزم منصوراً وجيشه وقتل أخاه منظور وخرج منصور مفلولاً حتى ورد الرمل فمات عطشاً وولى موسى بن كعب السند فرم المنصورة وزاد في مسجدها وغزا وافتتح وولي الخليفة المنصور هشام ابن عمر التغلبي السند ففتح ما كان استغلق ووجه عمرو بن جمل في بوارج إلى نارند ووجه إلى ناحية الهند فافتتح قشميراً وأصاب سبياً ورقيقاً كثيراً وأعاد فتح المولتان وكان بقندابيل متغلبة من العرب فأجلاهم عنها وأتى القندهار في السفن ففتحها وهدم البد وبنى موضعه مسجداً وأخصبت البلاد في أيامه فتبركوا به ودوخ الثغر وأحكم أموره
ثم ولى ثغر السند عمر بن حفص بن عثمان هزار مرد ثم داود بن يزيد بن حاتم المهلبي ولم يزل أمر ذلك الثغر مستقيماً حتى وليه بشر ابن داود في خلافة المأمون فعصى وخالف فوجه إليه غسان بن عباد وهو رجل من أهل السواد بالكوفة فخرج إليه بشر في الامان فأخذه وورد به مدينة السلام وخلف غسان على الثغر موسى بن يحيى بن خالد بن برمك فقتل باله ملك الشرقي وكان باله هذا التوى على غسان وكتب إليه في حضور عسكره فيمن حضره من الملوك فأبى وأثر موسى
أثراً حسناً ومات سنة احدى وعشرين ومائتين واستخلف ابنه عمران بن موسى فكتب إليه المعتصم بالله بولاية الثغر
ثم وقعت العصبية بين النزارية واليمانية فمال عمران إلى اليمانية فقتل غيلة
وكان الفضل بن ماهان مولى بني سامة فتح سندان وغلب عليها وبعث منها إلى المأمون بفيل فلما مات قام محمد بن الفضل بن ماهان مقامه وسار إلى سندان وقد غلب عليها أخ له يقال له ماهان فمال الهند عليه فقتلوه وصلبوه ثم أن الهند تغلبوا على سندان وتركوا مسجدها للمسلمين يجتمعون فيه ويدعون للخليفة وكان ببلد يدعى العسيفان بين قشمير والمولتان وكابل ملك له عقل وكان أهل البلد يعبدون صنماً قد بنى عليه بيت ولبد فمرض ابن الملك فدعا سدنة البيت فقال لهم ادعوا الصنم أن يبريء ابني فغابوا عنه ساعة ثم أتوه فقالوا قد دعوناه فأجاب إلى ما سألناه فلم يلبث الغلام أن مات فوثب الملك على البيت فهدمه وعلى الصنم فكسره وعلى السدنة فقتلهم ثم دعا قوماً من تجار المسلمين فعرضوا عليه التوحيد فوحد وأسلم وكان ذلك في خلافة المعتصم بالله
تمت المنزلة السابعة من كتاب الخراج وصنعة الكتابة والحمد لله رب العالمين ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل الباب الأول في صدر هذه المنزلة بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول في صدر هذه المنزلة
الباب الثاني في السبب الذي احتاج له الناس إلى التغذي
الباب الثالث في السبب الذي احتاج له الناس إلى اللباس والكسوة
الباب الرابع في السبب الذي احتاج له الناس إلى التناسل من أجله
الباب الخامس في السبب الذي احتاج له الناس إلى المدن والاجتماع فيها
الباب السادس في حاجة الناس إلى الذهب والفضة والتعامل بهما وما يجري مجراهما
الباب السابع في السبب الداعي إلى اقامة ملك وامام للناس يجمعهم
الباب الثامن في أن النظر في علم السياسة واجب على الملوك والائمة
الباب التاسع في اخلاق الملك وما يجب أن يكون عليه منها في ذات نفسه
الباب العاشر في الخلال التي ينبغي أن تكون مع خدام الملك والقرباء منهم
الباب الحادي عشر في أسباب بين الملك والناس إذا تحفظ منها زادت محاسنة وانصرفت المعايب عنه وتمكنت له سياسته
الباب الثاني عشر في استيزار الوزراء وما يحتاج إليه الملوك منهم وما يلزم الملوك لهم الباب الأول في صدر هذه المنزلة
قال أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب أن الله تقدس وعلا لما خلق الاشياء بقدرته وفطرها بحكمته أثبت كل مخلوق في حقه ورتب كل مصنوع على كنهه وجعل لكل من جميع ذلك ما يحتاج إليه ويكتفي به فخلق الملائكة المقربين أحياء مميزين مستغنين عن التغذي والتناسل وما يتبعهما مما الحيوان محتاج إليه غير مستغنن عنه وخلق البهائم وما يجري مجراها من الحيوان غير المميز محتاجاً إلى التغذي والتناسل وما يتبعهما مما لا يستغني الحيوان عن مثله وجعل الإنسان قصداً لاستكمال القدرة واستيعاب الحكمة ممتزجاً من صيغة الملائكة بالتميز ومن صيغة الحيوان غير المميز بالتغذي والتناسل وما يتبعهما مما لا يجوز مفارقتهما له فلما حل في الإنسان من بين سائر الحيوان قوة التمييز الغالبة في علا شأنه وقهر الحيوان كله وصار جميعه مذللاً ومتصرفاً على مشيئة واختياره ولما شارك سائر الحيوان بما شاركه فيه حصلت فيه أموال مختلفة واسباب متنازعة إذ كان مركباً من قوة الاهمية ومادة أرضية وصار لا في منزلة الملائكة المقربين عالياً ولا في محلة سائر الحيوان البهيمي مبطوحاً وجعله الله لاختلاط أحواله مكلفاً مأموراً منهياً واحتاج بما فيه من قوة التمييز أن يسوس ما قد خلط فيه من البهيمة ولكثرة تصاريف ما في قوة التمييز من الأفعال
وزيادتها على ما يفي به الواحد من الناس احتيج إلى الاجتماع والتمدن ليكون في المدينة ناس كثير يتصرفون في هذه الأفعال الكثيرة المختلفة ومع اختلاف الصيغ الكثيرة واجتماعهم في المدينة يتصل بذلك الأفعال المختلفة التي يلزم قودها إلى حسن السيرة وسداد الطريقة فعند ذلك ومن أجله وقع الاضطرار إلى السياسة التي إنما هي قود الملوك والائمة رعاياهم الذين يناقدون لهم ويدخلون تحت طاعتهم إلى الأفعال الحميدة المرضية والطرائق السديدة القوية ونحن نبين وجوه ذلك واحواله ونقدم ذكر الاسباب التي من أجلها احتيج إلى السياسة على شرح أن شاء الله الباب الثاني في السبب الذي احتاج له الناس إلى التغذي
لما فطر الله جل اسمه جسم الإنسان من عناصر يلحقها التحلل والسيلان والانقسام وهي النار والهواء والماء والأرض وجعل العمدة في بقاء روحه وتسهيل تصاريف أفعاله الحارة والرطوبة فإن بهما كان نشوءه ونموه وعليها مدار حركته وجمهور أمره ومن شأن الحرارة تحليل الرطوبة وافناؤها وفتها وابطالها لم يكن بدله إذ كان مركباً مما يفني بعضه بعضاً ونقصه دائماً متصلاً من اخلاف مكان ما يبطل منه مثله واعادة ما يضمحل من جملته إلى حالة ولم يوجد في ذلك اقرب إلى ممايلة الإنسان في الصيغة ومشابهته في البنية من الحيوان والنبات لانهما مخلوقات من مثل العناصر التي خلق منها الإنسان فجعل الله سبحانه هذين الجنسين غذاءاً له لئلا يبطل جسمه الذي هو كالوعاء لنفسه فهذا كان سبب الحاجة إلى التغذي والأمر الموجب له الباب الثالث في السبب الذي احتاج له الناس إلى اللباس والكسوة
لما خلق الله جل وعز الإنسان مقصوداً به تلقاً غرض يحس به نحوه ومرهوناً بخلقه نحو أمر من الأمور قصد به قصده ركبه في جسد يلين بذلك المقصد وجعل له من الآلات ما يشاكل الغرض المعتمد كما انه لما خلق الأسد ذا شجاعة وجرأة جعله في ذي أيد وشدة وجعل له من الآلات ما يوافق البطش والنجدة من الانياب والمخاليب الجارية مجرى ما يتخذه الناس من الاسلحة وكما انه عز وجل لما خلق الفرس للاحضار والسرعة جعل جسمه مناسباً للحال التي خلقه لها في الشكل والهيئة وكذلك لما خلق الإنسان للتمييز والمقايسة جعله في جسد متأت للحال التي أرادها سبحانه وجعل آلات جسده مشاكله لما ينحى به نحو هذه الغاية من اليد التي تليق بالصناعات المختلفة والرجل التي على مثل هذه الحال زيادة حتى أنه لوعد ما بهيئة الإنسان من يده وأكثر اعضائه في تصاريف الأحوال التي يحتاج إليها لكانت كثيرة معجبة إلى أن جعله تعالى لما أراد به من أن يكون زائداً على أحوال سائر الحيوان في حسن اللمس الذي به يقع صحة الاعتبار في الاشياء المباشرة ومعري الجسد من الشعر الكثيف الذي لما خلا غيره من الحيوان أن يكون
مخلوقاً لمثل هذه الحال لم يعدمه أياه إذ كان في كونه عليه وقاية له فبعض من ريش لما يصلح الريش فيه وبعض من شعر لما يحتمل أن يكون الشعر كثيراً في جسده وبعض من وبر لما كان الوبر لائقاً به وبعض صوف لما يصلح الصوف لمثله وبعض قشور لما تصلح لمثله بعض صدف لما كانت حاله تحتمله ولما خلا الإنسان من الشعر والوبر والريش والصوف والقشور وقد عوض قوة التمييز صنع لنفسه ما يقي جلده ويكنه من أصناف الكسي والملابس بحسب ما استنبط بالقوة المميزة إمكان عمله من الحيوان والنبات مثل الصوف والشعر والقز والقطن والكتان وغير ذلك مما تهيأ له استعماله من الكسي والملابس الباب الرابع في السبب الذي احتيج إلى التناسل من أجله
لما كان الله عز وجل بتصاريف حكمته المعجبة خلق الاشياء فمنها ما أبقاه وأمهله إلى يوم الحشر ومنها ما جعله يموت ويبطل وما كان جعله يموت وينقرض لولا التناسل الذي قدره بلطفه أنواع الحيوان كله وزال ما قضى بقاءه منه إلى وقت إفناء جمعيه فجعل تبارك وتعالى التناسل سبياً لاخلاق وكان المنقوص منه ومعيداً بدل الفاني ما يكون خلفاً منه ثم لما كان الإنسان المميز فضلاً عن سائر الحيوان الذي لا تميز له لو ترك واختياره لجار فيه بل كان في الأكثر من فعله أن يختار ما يبعده عن الصواب ويهمل ما في فعله الحزم والانتفاع وعلم الله عز وجل ذلك في سائر علمه ولم يجعل التدبير إلى الإنسان لا في وقت تغذية واستدعائه له الذي به قوام شخصه ولا في تناسله الذي به بقاء نوعه بل جعل له في استعمال ذلك مقتضياً عنيفاً أن ذهب إلى التقصير فيه قاده إليه وبعثه كل البعث عليه وهو الجوع والعطش والشوق إلى النكاح حتى أن كثيراً من الناس المميزين يقتنون من النساء من لا يسأل له جمعهم أو اولوا حصافة الرأي منهم أن ألم التصير عنهن أيسر من تكليف القيام بمصلحتهن فلمشيئة الله وارادته وتقصيه وما فيه عمارة العالم ومصلحته صار العامل في هذا الباب ممنوعاً من رأيه مقوداً نحو ما قضاه الله عليه واختاره له إذ كان تعالى لا تغالب قدرته ولا تدافع اقضيته سبحانه وتعالى جده وتقدس فقد دللنا على السبب الذي من أجله احتاج الحيوان إلى التناسل بكلام وجيز فيه كفاية لمن كان ذا فهم الباب الخامس في السبب الذي احتاج له الناس إلى المدن والاجتماع فيها
لما كانت ما قلنا افعال النفس المميزة وتصاريفها كثيرة مختلفة وحاجات الإنسان بسببها وبسبب والجسم الذي لم يكن النفس في هذا العالم بد منه واسعة منتشرة وتبعت هذه الأحوال الصناعات والمهن فصارت على حسبها في الكثرة ولم يكن في وسع إنسان واحد استيعاب جميع الصناعات الكثيرة المتفرقة وكان لا بد للناس من جميعها ضرورة قادتهم الحاجة إلى الترافد واستعانة بعضهم ببعض ليكمل باجتماع جميعهم ما لم يكن بد ضرورة منه لان هذا يبذر لهذا قمحاً يتقوته وهذا يعمل لهذا ثوباً يلبسه وهذا يصنع لهذا بيتاً يكنه ونشره وهذا ينجز لهذا بابا يغلقه على بيته وهذا يخرز لهذا خفاً يمنع به الافات عن رجله وغير ذلك مما لا يكاد العدد يدركه من فنون الصناعات وضروب الحاجات لانه لم يكن في استطاعة إنسان واحد أن يكون فلاحاً نساجاً بناءاً نجاراً اسكافاً ولو انه كان محسناً لهذه الصناعات كلها لم يف وحده بما يحسنه منها ثم يجوز بعد هذا كله أن تأتي صناعات لا يتأتى للواحد من الناس النفاذ في جميعها كالطب والفلاحة مثلاً فأنه لم يكن يتأتى لانسان واحد أن يأخذ السبيل فيقلب الأرض قلباً دائماً وهذه الحال محتاجة إلى الغلظة والجسارة فإن الفلاح أن لم يكن غليظاً
بطل أمره أول ذلك لأن جسمه أن كان لطيفاً ضعف عند احتمال مثل مهنته وثانياً لحاجته إلى مباشرة الشمس في الصيف دائماً ثم البرد والماء في الشتاء وقتاً طويلاً فكانت هذه الأحوال لو لم يكن جاسياً متيناً يحتمل مثلها جسمه بطل وهلك فهذه حال الاكار وهو الفلاح لا يحتمل أن يكون على غيرها فلو أنه حتى يجمع إلى ذلك مثلاً نظراً في الطب أو ما جانسه من الصناعات الغامضة لكان ذلك غير متأت له أما لأن احدى الصناعتين يشغله الأخذ فيها عن التشاغل بغيرها أو لأن معنى كل واحدة لا يتأتى من مراد له أن يكون جامعاً للأمر الآخر معه فإن الذي يغلظ حتى يقوى مثلاً على قلب الأرض يوماً إلى الليل وأكثر منه وتباشره الشمس في الصيف مع قلبه الأرض ويخوض في الشتاء المياه الباردة للسقي وما جرى مجراه لا يكاد يفهم من لطائف صناعة الطب مثلاً أو غيرها من الصناعات اللطيفة ما يفهمه أما المدمن للنظر فيها أو اللطيف القادر بلطفه على مثلها فلما كان الأمر على هذا في الكثرة والاجتماع في المدينة وكان علم ذلك ما بقى عند الله سبحانه فطر الإنسان محباً للموانسة موثراً للاجتماع مع ذوي جنسه فاتخذ الناس المدائن والأمصار واجتمعوا فيها للتعاضد والتوازن للذين ذكرناهما الباب السادس في حاجة الناس إلى الذهب والفضة والتعامل بهما وما يجري مجراهما
لما كان كل واحد من الناس محتاجاً في تدبير معاشه ومصلحة أمره إلى غيره ممن قدمنا ذكر حاجته إليه من سائر الناس لمعاونته وموأزرته لم يكن متسهلاً أن ينفق أوقات حاجات الجميع ومتيسراً أن يوافي أدواتهم حتى إذا كان أحد منهم مثلاً نجاراً أتفق له أن يجد إذا احتاج إلى خف اسكافا يحتاج إلى باب وألا إذا كان عنده مثلاً قمح وقد احتاج إلى زيت يجد زياتاً يحتاج إلى قمح وكذلك كل من عنده صنف من أصناف التجارات أو معه ضرب في أضراب الصناعات أن ينفق له إذا أراد شيئاً أن يجد من يريد ما عنده ممن قبلة أرادته وكان مع ذلك لو أن ما بينا عسره وقلة وجوده موجود متسهل من أن يجد كل من يحتاج إلى نوع من أنواع المطلوبات من عنده ذلك المطلوب مريداً ما عنده المحتاج لكان ذلك على بعده ومحتاجاً إلى أن يعرف مقدار كل صنف من غيره وقدر كل عمل مما سواه حتى يعلم مثلاً قدر الحياكة من النجارة ومن غيرها من كل صناعة وكذلك قدر النجارة من
أقسام الكتاب
1 2 3