كتاب : البرصان والعرجان
المؤلف : الجاحظ

وقال الله عز ثناؤه: " وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين " ، وقال: " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال " ثم وصف الفريقين. وقال الله تبارك وتعالى: " والسماوات مطويات بيمينه " وقال امرؤ القيس:
وقلت يمين الله أبرح قاعداً ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وقال الشاعر جميل:
حمراء تامكة السنام كأنها ... جمل بهودج أهله مظعون
جادت له عمرو الغداة يمينه ... كلتا يدي عمرو الغداة يمين
ما إن يجود بمثلها في مثله ... إلا كريم الخيم أو مجنون
وقال جبلة بن الأيهم لحسان بن ثابت: أين أنا من النعمان بن المنذر؟ قال حسان: والله لشمالك خير من يمينه، ولقفاك أحسن من وجهه، ولأمك أكرم من أبيه.
وقال عبد الرحمن بن الحكم في مروان بن الحكم:
فذا العرش غير ما بمروان إنني ... أراه بمعروف الخلائق أعسرا
وقال ابن هرمة:
وكنت امرءاً لم أبغ بيعة باطل ... بحق، ولم آخذ بأيمن أعسرا
وقال الأيمن تقول العامة: ما يسوي فلان كعباً أعسر، وإنما بنو فلان كعاب عسر، قال الشاعر:
إن كبر الناس عنا ... وإن يعنوا يكبر
فليس يعدو خلافاً ... إذ قيل خالف تذكر
خلاف كعب ذي دارتي ... ن في الرأس أعسر
قالوا: ورأينا في الملوك الأشراف الحول والزرق والعرج وكذلك العلماء ولم نر عالماً قط ولا ملكاً أعسر، والأعسر إذا اشتمل بثوبه ومشى فكأنه مختل، ويظهر عند ذلك نقصه والتشويه الذي في خلقه، والعسر قبيح بالرجال وهو بالمرأة أقبح، ولم نر أعسر إلا حائكاً أو ساقطاً نذلاً.
ومر الأحنف بعكراش بن ذويب وقد كان شهد الجمل فقطعت يداه جميعاً، فلما مر به الأحنف صاح: يا مخذل، فقال الأحنف: أما إنك لو كنت أطعتني لامتسحت بشمالك وأكلت بيمينك.
ألا ترى أن الشمال إنما هي للاستنجاء والمخاط والأمور المرغوب عنها، وقال الشاعر:
غراب شمال ينفض الريش جاثماً
وقال شتيم بن خويلد:
وقلت لسيدنا يا حكي ... م إنك لم تأس أسواً رفيقا
أعنت عدياً على شأوها ... تعادي فريقاً وتبقي فريقا
أطعت عريب إبط الشمال ... يجز بحد المواسي الحلوقا
وقال الشاعر:
وخصم غضاب ينفضون رءوسهم ... أولى قدم في الشغب صهب سبالها
ضربت لهم إبط الشمال فأصبحت ... يرد عداةً آخرين نكالها
وقال الله جل ذكره: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " فقطعوا اليمين وإن كان إنما يسرق باليسار، وكذلك إن كان أعسر، والجانب الأيسر من الدابة هو الجانب الوحشي، وقولهم أمر عسير من الأعسر من اليد العسراء، وقال الشاعر:
وما تفعل فإنك حذلمي ... يمينك حين تبسطها شمال
وذكرتم الاتكاء على المساد وربوض ذات الأربع على الشق الأيسر، وهذا حجة عليكم، لأن ذلك إنما كان من الناس والبهائم صيانةً للكبد التي بصلاحها تصلح المعد والكروش وأجواف السباع، وهي التي تقسم الأغذية وبصلاحها تصلح الطبيعة.
قالوا: الجندي إذا ذهبت عينه اليمين سقط من الديوان لأنه إذا اتقى بترسه حجبت عينه اليسرى وهو ذاهب اليمين فيصير كالأعمى.
قال الأعسر: أين أنتم عن الحجاج بن صامت قائد الناس يوم الأزارقة، وهاشم المرقال وفلان إنما كانوا عوراناً من جهة العين اليمين.
قال القوم: هؤلاء قادة، وإنما نحن في ذكر الأتباع، وهؤلاء إنما يراد منهم التدبير والتوقف والاسم المهيب الطائر في الآفاق.
وكان كلاس ومقلاس أخوين أحدهما أيمن والآخر أعسر، فكان الأيمن يفخر على الأعسر فأخذوا في سرق فقطعت أيديهما، فكان الأيمن لا يستطيع أن يعتمل بيده، وكان الأعسر يعمل بيده العسراء أعماله كلها على صحته وعادته ففخر الأعسر على الأيمن بذلك، فقال الأيمن: ما علمت للأيسر فضيلة إلا أن يسرق فيؤخذ فتقطع يمينه.
قالوا: وكان عمر بن الخطاب يخرج الضاد من شدقه الأيسر كما يخرجه من شدقه الأيمن، ومن لم يكن أعسر يسر فإنما يخرجه من شدق واحد وهو الأيمن، وهذه فضيلة الأيمن على الأعسر.

قالوا: وإنما صار هذا أعسر وهذا أيمن على قدر قوة الكبد والطحال، فإن كانت جواذب الكبد أكثر وأشد كانت الأعمال لليمنى، وإن كانت جواذب الطحال أكثر وأشد كانت الأعمال لليسرى.
وأما الذين زعموا أن الناس إنما افترقوا بعد اجتماعهم وهم أطفال على العمل بالعسراء على قدر ما يجب على كل إنسان، وعلى قدر ما اتفق فهذا القول باطل، ولم تكن ها هنا علة ولو كانت علة ذلك التكلف لكانت العادة الأولى أخف عليهم، ولم يكونوا ليستكرهوا أنفسهم على شيء لا يرون فيه من الفضل ما يوازن ذلك، ولو كان ذلك من طريق الاتفاق لم يتفق ذلك في جميع الأمم في كل زمان وفي كل بلد إلا في الواحد الشاذ وهو باطل.
قالوا: فقد كان ينبغي لأهل الجنة ألا يكون منهم إلا أعسر يسر، قلنا: هذا ما لا يقف عليه وليس يقع على أهل الجنة اسم أعسر ولا اسم أيمن، وليست هناك معاناة لأن الغايات هناك تامة، والأمور كائنة على غاية الموافقة وعلى تمام النعمة.
قالوا: ولو لم يكره الأيمن لأن يكون أعسر إلا لأن الشيطان أعسر لكان ينبغي له أن يكره ذلك.
يزيد بن هارون، عن هشام بن عبد الله، عن هفان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " لم يقل: فإن الشيطان... بيساره لأنت اليسار كناية عن الشمال وتهوين الأمر.
وهذا أبو داود صاحب الطيالسة، وكان من حفاظ الحديث عند يحيى بن سعيد الأحول القطان، وكان يحيى فوقه في الحديث وفي الحال الحسنة عند أصحاب الحديث. فأكل بشماله، فقال له يحيى: بيدك اليمين على؟ قال: لا. قال: فهي مشغولة؟ قال: لا، قال: فلم لا تأكل بيمينك؟ قال: كان فلان لا يرى بأساً أن يأكل الرجل بيده اليسار، قال: وما حاجتك إلى أن تصنع شيئاً من غير علة فتحتاج فيه إلى أن تصيب من يخرج لك فيه عذراً، ثم جذب يده اليمنى فأدخلها في الصحفة.
قالوا: ومما يؤكد حال الشيطان في ذلك، ما رواه يزيد بن هارون عن الجريري، عن أبي العلاء، عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، فقال رسول الله عليه السلام: " ذلك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسست ذلك فاتفل عن يسارك ثلاثاً وتعوذ بالله من شره " ألا ترى أن الشيطان إنما أتاه من قبل يساره لأنه أعسر، فهو يذهب إلى شكله من الجوارح، وأنشد أبو زيد لبعض الرجاز:
قلت ألم تعجب لضر الضيطر ... الأحوال الأعفك ثم الأعسر
حتى يلوي باللحاء الأقشر ... تلوية الخاتن زب المعذر
قال أبو محمد الفقعسي: ووصف فحل الإبل فقال:
لها لهاة ورجاح فارض ... جذلاء كالوطب لحاه الماخض
وقال أبو القماقم: كان لنا جار تزوج امرأةً عسراء فلما ماتت المرأة جعل يخطب فكان يدل على ما يسأل الناس عن جمالها ومالها وعفافها وحسبها وهو يسأل فيقول: خبروني عنها عسراء هي، وخبروني عن أمها، قالوا: ونحن ما علمنا بذلك ولا سمعنا بأحد يسأل عن هذه المسألة، فكانوا يضحكون منه ويعتذر إليهم بما ابتلى به في جميع ولده.
قالوا: والأعسر الحارض البائر الذي خرجت أخلاقه على قدر قبح شمائله.
قالوا: وناس من أصحاب الأهواء يدفنون الميت من يده اليسرى كيلا يأخذ كتابه بشماله، فقال زرارة بن أعين:
فيومئذ قامت شمال بحقها ... وقام عسيب العين ميعاء يخطب
وقال معدان الأعمى، وهو السري الشميطي:
منهم جاعل العسيب إماماً ... وفريق يرض زيد الشمال
أبو النضر، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة عن أبيه، أن رجلاً أكل عند النبي عليه السلام فأكل بشماله، فقال " كل بيمينك " ، قال: لا أستطيع، قال: " لا استطعت " فما وصلت بعد إلى فيه.
وسفيان، عن الزهري، عن أنس، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأنا ابن عشر سنين ودخل علينا دارنا فحلبنا له من شاة داجن لنا وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه، وكان عمر ناحية، فقال: أعط أبا بكر، فأعطى الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن، قال: فهي السنة.

وسعيد، عن سلمة، عن هشام، عن عبد الملك، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي عليه السلام دخل المسجد ويده اليمنى على أبي بكر ويده اليسرى على عمر، وقال: " هكذا نبعث يوم القيامة " .
والمتطببون يزعمون أن النوم على شق اليمين يوهن الكبد ويثقل الكبد عن هضم ما في المعدة، وقد رأيت من لا أحصي من الرجال أكثر نومهم على الشق الأيمن، وما أحسوا بسوء ذلك قط، وقد يجوز أن يكون تأوي حديث النبي صلى الله عليه وسلم على أن يبدأ على اليمين ثم يتحول إذا شاء.
ذكر ذلك يزيد، عن هشام، عن محمد بن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بإزاره فإنه لا يدري ما خلف عليه بعده، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ويقول: باسمك رب وضعت جنبي، رب رب لدفعه " .
ومن حديث حفصة بنت عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه توسد يده اليمنى، وقال: رب، قني عذابك يوم تبعث عبادك " .
تم كتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان بحمد الله وعونه وتأييده، وصلى الله عليه محمد وآله وسلم.

كتاب الهيثم بن عدي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الهيثم بن عدي:
العميان الأشراف
شعيب النبي، عبد المطلب بن هاشم، العباس بن عبد المطلب، عبد الله بن العباس، أبو سفيان بن حرب، جابر بن عبد الله، عبد الله بن أرقم، الحكم بن أبي العاص، الحارث بن العباس، عتبان بن مالك، عمرو بن أم مكتوم، البراء بن عازب، كعب بن مالك، حسان بن ثابت، عبد الله بن أبي أوفى، قتادة بن النعمان، أبو عبد الرحمن السلمي، أبو أسيد الساعدي، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، مطعم بن عدي، أبو بشر بن مطعم.
العور
أبو سفيان بن حرب، ذهبت عينه يوم الطائف.
الأشعث بن قيس، ذهبت عينه يوم اليرموك.
المغيرة بن شعبة، ذهبت عينه يوم القادسية.
جرير بن عبد الله، ذهبت عينه بهمذان حيث وليها في زمان عثمان بن عفان.
عدي بن حاتم، ذهبت عينه يوم الجمل.
عتبة بن أبي سفيان، ذهبت عينه يوم الجمل.
سعيد بن عثمان، ذهبت عينه بسمرقند مع طلحة الطلحات، ذهبت عينه بسمرقند مع سعيد بن عثمان.
الأحنف بن قيس.
قبيصة بن ذؤيب، ذهبت عينه يوم الجزيرة.
مالك بن مسمع، ذهبت عينه يوم.... بالبصرة.
قطن بن عبد الله بن الحصين، ذهبت عينه بأذربيجان، كان والياً عليها فلقي العدو فذهبت عينه.
قيس بن مكشوح، ذهبت عينه يوم اليرموك.
الأشتر النخعي، ذهبت عينه يوم اليرموك.
المختار بن أبي عبيد، تناوله عبيد الله بن زياد بسوط فذهبت عينه.
عبد الله بن زيد، أبو خالد القسري، ذهبت عينه يوم مرج راهط.
عبد الله بن أبي عقيل.
الحنتف بن السجف التميمي.
علباء بن الهيثم السدوسي.
عمرو بن معدي كرب، ذهبت عينه يوم اليرموك.
الحارث الأعور.
إبراهيم بن يزيد النخعي.
عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي.
عبد الله بن عامر.
الحولان
أبو جهل بن هشام، أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، أبان بن عثمان بن عفان، عروة بن المغيرة بن شعبة، أبو بكر بن أبي موسى الأشعري، هشام بن عبد الملك، عبيد الله بن عبد الله بن سمرة، زياد بن أبيه، عدي بن زيد الساعدي.
الزرق
عبد الرحمن بن عياش العبدي، العباس بن الوليد بن عبد الملك، مروان بن محمد بن مروان.
الفقم
عمرو بن سعيد بن العاص، يزيد بن عبد الملك، عمرو بن الزبير.
أقسام الكتاب
1 2