كتاب : الأمثال
المؤلف : أبو عبيد ابن سلام

إني وجدت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا
وإذا تذوكرت المكارم مرةً ... في مجل أنتم به فتقنعوا

باب موت البخيل وماله وافر لم يعط منه شيئا
ً
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا : مات فلان ببطنته لم يتغضغض منها شيء.
والتغضغض: النقصان، وهذا المثل لعمرو بن العاص، قاله في بعضهم. ويقال في مثله: مات فلان وهو عريض البطان.
يقول: إنَّ ماله جم لم يذهب منه شيء وقد يضرب هذا المثل في أمر الدين، يقول: انك خرجت من الدنيا سليماً لم تثلم دينك، ولم يكلمه. ولعل عمرو بن العاص أراد هذا المعنى حين قال هذه المقولة لعبد الرحمن بن عوف: هنيئاً لك أبن عوف خرجت من الدنيا ببطنتك.
باب إعطاء البخيل مرةً في الدهر الطويل وزهد الناس في البخيل
قال أبو زَيد: من أمثالهم في هذا : إنّما هو كبارح الأروى.
يضرب للرجل الذي لا يكاد يرى، أو لا يكون منه الشيء إلاّ في الزمان مرةً. وأصل هذا أنَّ الأروى مسكنها من الجبال قنانها، فلا يكاد الناس يرونها سانحة ولا بارحة إلاّ في الدهر مرة. ومن أمثالهم في البخيل يتحاماه الناس: من شر ما طرحك أهلك يقول: لو كان عندك خير ما زهد الناس فيك. ومن أمثالهم في البخيل يعطي مرة ثم لا يعود قولهم: كانت بيضة الديك.
فإن كان يعطي شيئاً ثم قطعه قيل للمرة الآخرة: كانت بيضة العقر.
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الأمثال في صنوف الجبن وأنواعه
باب ذكر المثل في الجبان وما يذم من أخلاقه
قال هشام بن الكلبي: من أمثالهم في الجبن: إنَّ الجبان حتفه من فوقه.
قال أبن الكلبي: وأوّل من قاله عمرو بن أمامة في شعر له، وكانت مراد قتلته فقال هذا الشعر عند ذلك ويحكى عن المفضل أنه كان يخبر بحديثه أيضاً وزاد فيه قال: وكان الذي ولي قتله أبن الجعيد، فغزاهم عمرو بن هند طالباً بثأر أخيه فظفر بهم، وأتي بابن الجعيد، فلما رآه قال: بسلاح ما يقتلن القتيل.
فأرسلها مثلاً. قال أبو عبيد: وأما قول عمرو بن أمامة " إنَّ الجبان حتفه من فوقه " فإنَّ أوّله:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إنَّ الجبان حتفه من فوقه
احسبه أراد أنَّ حذره وجبنه ليس بدافع عنه المنية إذا نزل به قدر الله. قال أبو عبيد: وهذا شبيه المعنى بالذي يحدث به عن خالد بن الوليد، فانه قال عند موته: " لقد لقيت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي موضع شبر إلاّ وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم هاأنذا أموت حتف أنفي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء " قال أبو عبيد: يقول: فما لهم يجبنون عن القتال ولم أمت أنا به، إنّما أموت بأجلي. ومنه الشعر الذي تمثل به سعد بن معاذ يوم الخندق:
لبث قليلاً يلحق الهيجا حمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل
و كذلك قول الأعشى:
أ بالموت خشتني عباد وإنّما ... رأيت منايا الناس يسعى دليلها
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في عيب الجبان قولهم: كل أزب نفور.
أخبرني بعضهم أنَّ المثل لزهير بن جذيمة العبسي، وذلك أنَّ خالد بن جعفر بن كلاب كان يطلبه بذحلٍ، فكان زهير يوماً في إبل له يهنوها ومعه أخوه أسيد بن جذيمة فرأى اسيد خالد بن جعفر قد أقبل ومعه أصحابه، فأخبر زهيراً بمكانهم، فقال له زهير: " كأنَّ أزب نفور " وإنّما قال له هذا لأنَّ أسيداً كان أشعر، فقال: إنّما يكون نفار الأزب من الإبل لكثرة شعره، يكون ذلك على عينيه، فكلما رآه ظن أنه شخص يطلبه فينفر من أجله. ومن أمثالهم في الجبن قولهم: عصا الجبان أطول.
قال أبو عبيد: واحسبه إنّما يفعل هذا لأنّه من فشله يرى أنَّ طولها أشد ترهيباً لعدوه من قصرها. وقد عاب خالد بن الوليد من الإفراط في الاحتراس نحو هذا وذلك يوم اليمامة، لمّا دنا منها خرج إليه أهلها من بني حنيفة، فرآهم خالد قد جردوا السيوف قبل الدنو، فقال لأصحابه: " ابشروا فإنَّ هذا فشل منهم " فسمعها مجاعة بن مرة الحنفي، وكان موثقاً في حبسه فقال: كلا أيها الأمير، ولكنها الهندوانية، وهذه غداة باردة، فخشوا تحمها، فأخرجوها للشمس لتلين متونها، فلما تدنى القوم قالوا له: إنا نعتذر إليك يا خالد من تجريد سيوفنا، ثم ذكروا مثل كلام مجاعة.
باب فرار الجبان وخضوعه واستكانته

قال أبو زَيد: من أمثالهم في هذا قولهم: روغي جعار وانظري أين المفر.
قال: وجعار هي الضبع.
قال الأصمعي: ومنه قولهم: بصبص إذ حدين بالأذناب.
قال: وكذلك قولهم: دردب لمّا عضه الثقاف.
وكذلك قولهم: و دق العير إلى الماء.
كل هذه الثلاثة عن الأصمعي. وقال أبو عبيد في مثل هذا : كرهت الخنازير الحميم الموغر.
قال: واصله أنَّ النصراني يغلي الماء للخنازير فيلقيها فيه لتنضج، فذلك هو الإغار. قال أبو عبيد: ومنه قال الشاعر:
ولق رأيت فوارساً من قومنا ... غنظوك غنظ جرادة العيارِ
ولق رأيت مكانهم فكرهتهم ... ككراهة الخنزير للإغارِ
قال: والغنظ أن يبلغ الركب منه مبلغا يشرف منه على الموت.
قال أبو عبيد: ومثله: حال الجريض دون القريض.
ز هذا المثل لعبيد بن الأبرص، قاله للمنذر حين أراد قتله، فقال له: أنشدني قولك: " أقفر من أهله ملحوب " فقال غبيد عند ذلك : " حال الجريض دون القريض " والجريض هو الغصص قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الجبان يشتد فزعه: قد اقشعرت منه تاذوائب.
وبعضهم يقول: " الدوائر " ويقال: قد قف منه شعره.
إذا قام من الفزع. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا : قد كاد يشرق بالريق إذا لم يقدر على الكلام من الرعب والهيبة.

باب إفلات الجبان وغيره من الكرب بعد الإشفاء عليه
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: أفلت وانحص الذنب.
ويروى هذا المثل عن معاوية أنّه أرسل رجلاً من غسان الذي ملك الروم، وجعل له ثلاث ديات على أن ينادى بالأذان إذا دخل عليه، ففعل ذلك الغساني وعند ملك الروم بطاريقته، فوثبوا إليه ليقتلوه، فنهاهم ملكهم وقال: كنت أظن لكم عقولا، إنما أراد معاوية أن اقتل هذا غدراً وهو رسول، فيفعل مثل ذلك بكل مستأمن منا، ويهدم كل كنيسة عنده، فجهزوه وأكرموه وردوه، فلما رآه معاوية قال له: " أفلت وانحص الذنب " فقال: كلا، أنّه لبهلبه، ثم حدثه بالحديث فقال معاوية: لقد أصاب، ما أردت إلاّ الذي قال. ومن أمثالهم في هذا : أفلت وله حصاص.
وهو الذي يروى في الحديث " أنَّ الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله حصاص " وقد فسرناه في غريب الحديث. وقال أبو زَيد: ومن هذا قولهم: أفلتني جريعة الذقن.
إذا كان منه قريباً كقرب الجرعة من الذقن، ثم أفته قال الأصمعي: وإذا أرادوا أنه نفر فلم يعد قالوا: ضرب في جهازه.
قال: واصله في البعير يسقط عن ظهره القتت بأداته فيقع بين قوائمه فينفر منه حتى يذهب في الأرض
باب الجبان يتوعد صاحبه بالإقدام عليه ثم لا يفعل
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: الصدق ينبي عنك لا الوعيد.
يقول: إنَّ صدقك في الأمور واللقاء هو الذي يدفع عنك عدوك، لا المقال من غير فعل. قال: وقوله: " ينبي " ليس بمهموز، لأنّه من: نبا الشيء ينبو، وقد أنبيته عني، دفهته. قال الأصمعي: ومثله قولهم: أسمع جعجعة ولا أرى طحناً.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم المشهورة قولهم: أوسعتهم سباً وأودوا بالإبل.
أي ليس على عدوك منك ضرر أكثر من الوعيد بلا حقيقة. وهذا المثل فيما يقال لكعب بن زهير ، قاله لأبيه، وكانت بنو أسد أغارت على إبله، فهجاهم وتوعدهم. ومن هذا قولهم: محا السيف ما قال أبن دارة أجمعا.
قال أبو عبيد: وهو سالم بن دارة من بني عبد الله أبن غطفان، وكان هجا بعض بني فزارة ففتك به بعضهم، فضربه بسيفه فقتله، فقيل فيه هذا المثل يقول: إنَّ الحقيقة إنّما هي بالفعل لا بالقول. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: حلبت حلبتها ثم أقلعت.
يضرب للرجل يجلب ويصخب ساعة ثم يسكت من غير أن يكون منه في ذلك أكثر من القول. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في توعد الرجل صاحبه وهو عيف أن يقال له: لا تبق إلاّ على نفسك.
يقول: اجهد جهدك. قال أبو عبيد: والعامة تقول في مثل هذا : لا أبقى الله عليك إن أبقيت.
باب تخويف الجبان وإجابته عند أعاده
قال الأصمعي: من أمثالهم في تخويف الرجل صاحبه وتوعده وهو يعرفه بغير ذلك قولهم: برقي لمن لا يعرفك. وقال أبو زَيد مثله إلاّ أنه قاله بالتذكير " برق لمن لا يعرفك " وقال أبو عبيد: وإذا أرادوا أن يأمروا بالتبريق قيل: خش ذؤالة بالحبالة.

قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: جاءنا ينفض مرويه.
أي يتوعد ويتهدد. قال أبو عبيد: وهذا المثل يروى عن الحسن البصري، قال في بعض أولئك الذين كانوا يطلبون الملك والمذروان: فرغا الأليتين، ولا يكاد يقال هذا إلاّ لمن يتههد من غير حقيقة. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم: اقصد بذرعك.
ومنها قولهم: ارق على ظلعك.

باب كشف الكرب عند المخاوف عن الجبان
قال أبو عبيد: من أمثالهم المنتشرة في الناس قولهم: أفرخ روعك.
يقول: ليذهب روعك وفزعك، فإنَّ الأمر ليس على ما تحاذر. وهذا المثل لمعاوية، كتب به إلى زياد وذلك أنه كان على البصرة، وكان المغيرة بن شعبة على الكوفة فتوفي بها، فخاف زياد أن يولي معاوية مكانه عبد الله بن عامر، وكان زياد لذلك كارهاً فكتب إلى معاوية يخبره بوفاة المغيرة، ويشير عليه بولاية الضحاك بن قيس مكانه، ففطن له معاوية، وعلم ما أراد فكتب إليه: " قد فهمت كتابك فأفرخ روعك أبا المغيرة، لسنا نستعمل أبن عامر على الكوفة، وقد ضممناها إليك مع البصرة " فلما ورد على زياد كتابه قال: النبع يقرع بعضه بعضاً.
فذهبت كلماتهما مثلين وكان زياد يكنى أبا المغيرة.
باب الرضا بالحاضر ونسيان الغائب
قال أبو عبيد: من أمثالهم السائرة في هذا قولهم: إن ذهب عير فعير في الرباط.
وهذا مثل لأهل الشام ليس يكاد يتكلم به غيرهم. ومثله قولهم: عير بعير وزيادة عشرة.
وكان اصل هذا أنَّ خلفاءهم كلما مات منهم واحد وقام آخر زادهم عشرة في أعطياتهم، فكانوا يقولون هذا عند ذلك ويقال في نحو منه: رأس برأس وزيادة خمسمائة.
وأوّل من تكلم به فيما يقال الفرزدق وذلك في بعض الحروب وكان صاحب الجيش قد قال: من جاء برأس فله خمسمائة درهم، فبرز رجل فقتل رجلاً من العدو، فأعطي خمسمائة درهم، ثم برز الثاني فقتل، فبكى أهله عليه، فقال الفرزدق: أما ترضون أن يكون رأس برأس وزيادة خمسمائة درهم، يقول: قد ذهب رأس هذا برأس المقتول وازداد ورثته خمسمائة درهم.و من أمثالهم في الغائب قولهم: من غاب غاب، حظه.
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الأمثال في مرازي الدهر وحدثانه
باب المثل في الأقدار والنوازل التي لا يمتنع منها
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: إذا الحين غطى العين.
قال أبو عبيد: وقد يروى نحو هذا اللفظ عن أبن عباس، وذلك أنَّ نجدة الحروري أو نافع بن الزرق قال له: إنك يقول: إنَّ الهدهد إذا نقر الأرض عرف مسافة ما بينه وبين الماء، وهو لا يبصر شعيرة الفخ حتى يصاد بها. وكان أبن عباس ذكر هذا في حديث سليمان بن داود عليه السلام فقال له أبن عباس: إذا جاء القدر عشي البصر.
ومنه حديث آخر
لا ينفع حذر من قدر.
وكذلك المثل الذي لأكثم بن صيفي
من مأمنه يوتى الحذر.
يقول: إنَّ الحذر لا يدفع عنك ما لا بد منه وإن جهدت. وقوله: قد يوتى على يدي الحريص.
ومنه قولهم: استمسك فإنك معدو بك.
أي إنَّ المقادير تسوقك إليه. ومنه قول الحسن: " من كان الليل والنهار مطيته فانه يسار به وإن كان مقيماً " وقال شريح في الذين فروا من الطاعون: " إنا وإياهم من طالبٍ لقريبٌ " قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا : كيف توقى ظهر ما أنت راكبه! أي كيف تنجو مما أنت داخل فيه. وقال أوس بن حارثة لابنه مالك: إنّما تعز من ترى ويعزك من لا ترى.
باب الحين بجتليه القدر على الإنسان بسعيه فيه
قال أبو عبيد: من أمثالهم المشهورة في هذا قولهم: أتتك بحائنٍ رجلاه.
وكان المفضل يخبر عن قائل هذا المثل أنه الحارث بن جبلة الغساني، قاله للحارث بن العيف العبدي، وكان أبن العيف قد هجاه فلما غزا المنذر بن ماء السماء الحارث بن جبلة، ة يقال: هو الحارث، فعندها قال: " أتتك بحائنٍ رحلاه " يعني مسيره مع المنذر إليه ثم أمر الحارث سيافه الدلامص فضربه ضربة دقت منكبه، ثم برأ منها وبه خبل. قال أبن الكلبي: ومن أمثالهم في مثله: إنَّ الشقي راكب البراجم.

قال أبن الكلبي وهذا المثل لعمرو بن هند الملك، وكان سببه أنَّ سويد بن ربيعة التميمي قتل أخاً له، ثم هرب، فقتل أبن هندٍ تسعةً من ولده، وأقسم ليقتلن مائة من بني تميم، فبلغ ثمانية وتسعين أحرقهم بالنار، ثم أقبل رجل من البراجم حين رأى الخان ساطعاً، وهو يحسبه لطعام يعمل، فلما دنا قال له أبن هند: ممن أنت؟ قال: من البراجم، فقال: " إنَّ الشقي راكب البراجم " فذهبت مثلاً، وألقاه في النار. قال: ثم تحلل أبن هند من يمينه بالحمراء بنت ضمرة تمام المائة. ومن هذا قولهم: كالنازي بين القرينين.
واصله في الإبل، وذلك أن يترك البكر مخلى سبيله، فيأخذ في النزوان والأذى للناس حتى يوثق في القران، ومنه قول أبن مقبل:
فلا تكونن كالنازي ببطنته ... بين القرينين حتى ظل مقرونا
قال أبو عبيد: ومثل العامة في هذا قولهم: نزت به البطنة قال الأصمعي: ومنه قولهم: لا تكن كالباحث عن المدية ومثله قولهم: " حتفها تحمل ضأن بأظلافها " وهذا المثل لحريث بن حسان الشيباني، تمثل به بين يدي النبي ) لقيلة التميمية، وكان حريث حملها إلى النبي ) فسأله إقطاع الدهناء، ففعل ذلك رسول الله ) فتكلمت فيه قيلة، فعندها قال حريث تلك المقالة، فذهبت مثلاً. ومن أمثالهم في هذا قولهم: لا تكن كالعنز تبحث عن المدية.
ولا أدري ممن سمعته.

باب الشماتة بالجاني على نفسه الحين
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: احسن فذق.
يقول: قد كنت تنهي عن هذا فأنت جنيته على نفسك، فأحسنه وذقه. قال: ومنه قولهم: أشئت عقيل إلى عقلك.
أي لمّا ألجئت إلى رأيك جلب عليك ما تكره. وأنشد الزبير:
وإني قد يشاء إليَّ يوماً ... فلا أنسى البلاء ولا أضيعُ
يشاء: يضطر ويلجأ إلى، قال أبو عبيد: ويقال في مثله: يداك أوكتا وفوك نفخ.
وكان المفضل يخبر عن أصل هذا أنَّ رجلاً كان في بعض جزائر البحر، فأراد أن يعبر على زق وقد نفخ فيه فلم يحسن إحكامه، حتى إذا توسط البحر خرجت منه الريح فغرق، فلما غشيه الموت استغاث رجلاً فقال له الرجل " يداك أوكتا وفوك نفخ " يقول: أنت فعلت هذا بنفسك. ومنه قولهم: لا يحزنك دمٌ أراقه أهله.
وكان المفضل أيضاً يخبر بقصة هذا المثل قال: هو لجذيمة الأبرش حين تزوج الزباء وصار إليها، فقطعت رواشيه، فعندها قال: " لا يحزنك دم أراقه أهله " أي أنا جنيت هذا على نفسي. ومنه قولهم في: يسار الكواعب وكان من حديثه أنّه كان عبداً لبعض العرب، ولمولاه بنات، فيجعل يتعرض لهن ويريدهن عن أنفسهن، فقلن له: يا يسار، اشرب من ألبان هذه اللقاح، ونم في ظلال هذه الخيام، ولا تتعرض لبنات الأجواد، فأبى فلما أكثر عليهن واعدنه ليلاً، فأتاهن وقد أعددن له موسى، فلما خلا بهن قبضن عليه فجببن مذاكيره، فصار مثلاً لكل من جنى على نفسه، وتعدى طوره، وفيه يقول الفرزدق لجرير:
فهل أنت أن ماتت أتانك راكب ... إلى آل بسطام بن قيس بخاطبِ
وإني لأخشى إن خطبت إليهم ... عليك الذي لاقى يسار الكواعبِ
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الشماتة بمن لا يقبل النصيحة قول دريد بن الصمة:
أمرتهم أمري بمنقطع اللوى ... وهل يستبان الرشد إلاّ ضحى الغدِ
باب الحين والشؤم يجتلبه الإنسان أو غيره على من سواه
قال الأصمعي: من أمثالهم في الشؤم والحين قولهم: كانت عليهم كراغية البكر.
يعني بكر ثمود حين رماه صاحبهم، فرغا عند الرمية، فأنزل الله بهم سخطه عند قتل الناقة وبكرها، قال النابغة الجعدي لرجل من الأشعرين:
رأيت البكر بكر بني ثمود ... وأنت أراك بكر الأشعرينا
وكذلك عاقر الناقة نفسه صار مثلاً في الشؤم عند العرب، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عادٍ ثم ترضع فتفطمِ
أراد " أحمر ثمود " فلم يمكنه الشعر، فقال: " عاد " قال: وقد قال بعض النساب: إنَّ ثموداً من عاد. وقال أبو عبيد: ومن أمثالهم في جلب الشؤم والحين قولهم: على أهلها دلت براقش قال: وبراقش: اسم كلبة نبحت على جيش مروا ولم يشعروا بالحي الذي فيهم الكلبة، فلما سمعوا نباحها علموا أنَّ أهلها هناك، فعطفوا عليهم واسنباحوهم، فذهبت مثلاً. وقال مورج: ومن هذا قولهم: عير عاره وتده.

قوله: " عاره " أهلكه، كما يقال: لا أدري أي الجراد عاره.
أي ذهب به، وأتلفه. ويقال في مثله: كلب عاره ظفره.

باب دول الدهر الجالبة للمحبوب والمكروه
قال أبو زَيد: من هذا قولهم: مرة عيش ومرة جيش.
يقول: أحياناً شدة وأحياناً رخاء. واصله أن يكون الرجل مرة في عيش رخي، ومرة في جيش غزاة. وقال الأصمعي في مثله: اليوم خمر وغداً أمر.
وكان المفضل يعرف هذا المثل ويذكر أنّه لامرئ القيس أبن حجر الكندي، قال: وذلك أنه بلغه مقتل أبيه وهو يشرب، فعندها قال: " اليوم خمر وغداً أمر " فذهبت مثلاً. ويقال في نحو منه: يا حبذا التراث لولا الذلة.
قال ذلك الأصمعي. قال أبو عبيد: وكان المفضل يسمي قائله، قال: وهو لبيهس المعروف بنعامة حين قتل أخوته فورثهم، ففرح بالميراث وساءه قتلهم، لمّا في القلة من الذل والمهانة ، فاجتمع فيه أمران من المسرة والمساءة. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في دول الدهر قولهم: من يُرِ يوماً ير به.
وبعضهم يقول: " من يَرَ يوماً ير به " ومن دول الدهر قول الأعشى:
شباب وشيب وافتقار وثروة ... فلله هذا الدهر كيف ترددا
ومن أمثالهم في دول الدهر قولهم: إن تعش يوماً تر ما لم تره.
باب حؤول الدهر وتنقله بأهله
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: كل امرئ سيعود مريئاً.
يعني تصيبه قوارع الدهر فتضعضعه، أو يموت فهو أكبر وأشد. ومن أمثالهم في هذا قولهم: كل ضب عنده مرداته .
والمرداة: الحجر الذي يرمى به، يقال: رديت الرجل، أرديته، ومعناه أن يقال: لا تأمن الحدثان والغير فإنَّ الآفات معدة مع كل أحد. ويقال:إنَّ الضب قليل الهداية، فلا يتخذ حجره إلاّ عند حجر يكون علامة له إذا خرج من حجره، فقال: " كل ضب عنده مرداته " . قال أبو عبيد: وهذا سوى التفسير الأول. قال الأصمعي: ومن أمثالهم قولهم: جاءت جنادعه.
أي حوادث الدهر وأوائل شره. قال أبو عبيد: ومنه في أمثال أكثم بن صيفي قوله: كل ذات بعل ستئيم.
ومنه ول الأول:
أفاطم إني هالك فتبيني ... ولا تجزعي كل النساء يئيمُ
قال أبو عبيد: ومثال هذا قولهم: أتى أبد على لبد.
يعني نسر لقمان السابع، وفيه يقول النابغة الذبياني:
أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبدِ
و قد ذكره لبيد في شعره أيضاً. وقال الأصمعي: ومن هذا قولهم: من يجتمع يتقعقع عمده.
أي إنَّ قصاراهم التفرق يعني تقعقع أخبيتهم للتفرق والرحلة قال أبو عبيد: ومن هذا بيتهم السائر:
وكل أخٍ مفارقه ... لعمر أبيك إلاّ الفرقدانِ
قال الأصمعي: من أمثالهم في نحوه: انقطع السلى في البطن.
أي فات الأمر وانقضى. وكذلك: انقطع قوي من قاويةٍ.
قال أبو عبيد: ومن أمثال أكثم بن صيفي: لم يفت من لم يمت.
يقول: من مات فهو الفئت. قال الأصمعي: ومن أمثالهم: لو كان ذا حيلة تحول.
يعني: عن الأمر الذي هو فيه. والعامة تقول في مثل هذا: أين يضع المخنوق يده.
قال: ومن أمثالهم في الذي ينزل به الأمر الشديد الذي يحتاج إلى أن ينصف فيه ويتعنى: إحدى لياليك فهيسي هيسي.
قال: ومن أمثالهم في حؤول الدهر قولهم: يريك يوم برأيه.
قال: يراد به أنَّ كل يوم يظهر لك ما ينبغي أن ترى فيه. ومنه قولهم: عش رجباً ترى عجباً.
ومن الشدائد قولهم: رأى فلان الكواكب مظهراً.
أي أظلم عليه يومه حتى أبصر الكواكب عند الظهر.
- باب اصطلام الدهر الناس بالجوائح للأموال قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: تركته على مثل مقلع الصمغة قال: ومعناه أنّه لم يبق له شيء لأنَّ الصمغ إذا قلع من شجرة لم يبق له علقة ولا أثر. قال: ومثله قولهم: تركته على مثل ليلة الصدر.
قال: يعني صدر الناس من حجهم. قال: وكذلك قولهم: تركته على أنقى من الراحة.
كل هذا عن الاصمعي، على أنَّ المثل الأخير مبتذل في الناس. وقال أبو عبيد: فإذا كثر عليه ذلك وطال حتى يمرن عليه ويبسأ به قيل: أساف حتى ما يشتكي السوف والسوف: ذهاب المال واجتياحه، يقول: قد اعتاده حتى ليس يجزع منه.
باب هلاك القوم بالحوادث في الأبدان
قال الأصمعي: من أمثالهم في الهلاك قولهم:

وقع القوم في وادي جذباتٍ قال: وقد يقال ذلك فيهم إذا جاروا عن القصد. قال الكسائي: ويقال: وقع القوم في وادي تضلل وفي وادي تهلك، وفي وادي تخيب.
كله مثل المعنى الأول. قال الأصمعي: ومنه قولهم: أخذوا طريق العيصين.
وقال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الهلاك قولهم: طارت بهم العنقاء. وأودت بهم عقاب ملاع.
يقال ذلك في الواحد وفي الجميع. قال: ومن أمثالهم في الهلاك والخوف الشديد قولهم: المنايا على الحوايا.
وقال أبو عبيد: يقال: إنَّ " الحوايا " في هذا الموضع مراكب، واحدتها حوية، وأحسب أنَّ اصلها كان أنَّ قوماً قتلوا فحملوا على الحوايا، فصارت مثلاً. ويقال: إنَّ هذا المثل لعبيد بن الأبرص قاله للمنذر أو النعمان بن المنذر حين قتله، وعندها قال حين استنشده: " حال الجريض دون القريض " قال: وهذا مثل قولهم في الدهيم، فجعلتها العرب مثلاً في البلايا العظام. وقد روي هذا المثل عن حذيفة حين ذكر الفتن فقال: " أتتكم الديم ترمي بالنشب، والتي بعدها ترمى بالرضف " وفي حديث آخر عن حذيفة " الدهيماء " وفي بعضه " الرقطاء " و " المظلمة " قال أبو عبيد: وهذه كلها أمثال وتشبيه.

باب بلوغ الشدة ومنتهى غايتها في الجهد
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: عدا القارص فحزر.
أي تفاقم الأمر واشتد. قال: واصله في اللبن يقرص ثم يحزر. قال: ومثله قولهم: هذا أجل من الحرش.
قال: واصله احتراش الضباب. وقال: وأظن أبا عبيدة قد قاله لي أيضاً. ومن أمثالهم في الشدة: القوم في أمر لا ينادى وليده.
أي بلغ من الجهد أن يذهل المرأة عن صبيها أن تدعوه. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: وقع القوم في سلى جمل.
يقول: في شيء لا مثل له، لأنَّ السلى إنما يكون للناقة ولا يكون للجمل. وقال أبو عمرو الشيباني: من أمثالهم في منتهى الشدة قولهم: قد بلغ السيل الزبى قال: واصله الزبية التي تجعل للصائد، ولا تحفر إلاّ في نجوة لئلا ينالها السيل فإذا بلغ السيل دخولها فهو مجحف. وقال الأصمعي في مثله أيضاً: قد جاوز الحزام الطين وكذلك التقى البطان والحقب، وكذلك التقت حلقتا البطان.
قال: واصل ذلك أن الفارس النجاة من طلب يتبعه. فيبلغ من مخافته أن يضطرب حزام دابته حتى يبلغ طبييها، ولا يمكنه أن ينزل فيشده. وقد روينا هذين المثلين عن عثمان بن عفان أنّه كتب بهما إلى علي بن أبي طالب، وكان غائبا وعثمان محصوراً " أما بعد فقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطبيين " في كلام قد ذكرناه في غريب الحديث. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الأمر الذي قد انتهى فساده قولهم: كدابغةٍ وقد حلم الأديم.
وذلك أنَّ الجلد إذا صار إلى الحلم فليس بعده صلاح. وهذا المثل يروى عن الوليد بن عقبة أنّه قاله لمعاوية:
فإنكو الكتاب إلى علي ... كدابغة وقد حلم الأديم
و كان المفضل، فيما بلغنا عنه، يخبر أنَّ المثل لخالد بن معاوية أحد بني عبد شمس بن سعد قال:
قد علمت أحسابنا تميم ... في الحرب حين حلم الأديم
و من أمثالهم في بلوغ الجهد قولهم: قد أخذ منه بالمخنق.
و " قد بلغ منه المخنق " قال: ومن أمثال العامة في هذا قولهم: قد بلغ السكين العظم.
باب الغيبة التي لا يرجى لها إياب
قال أبن الكلبي: من أمثالهم في هذا قولهم: إذا ما القارط العنزي آبا.
قال أبن الكلبي: هما قارظان، وكلاهما من عنزة، فالأكبر منهما يذكر بن عنزة لصلبه، والأصغر هو رهم بن عامر، من عنزة، فكان من حديث الأول أنَّ حزيمة بن نهد كان عشق ابنته فاطمة بنت يذكر، وهو قائل فيها:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
قال: ثم إنَّ يذكر وحزيمة خرجا يطلبان القرط، فمرا بهوةٍ في الأرض فيها نحل فنزل يذكر ليشتار عسلاً، ودلاه حزيمة بحبل، فلما فرغ قال يذكر لحزيمة: أمددني حتى أصعد، فقال حزيمة: لا والله حتى تزوجني ابنتك فاطمة، فقال: أعلى هذه الحال؟ لا يكون ذاك أبداً، فتركه حزيمة فيها حتى مات. قال: ولا يدرى ما كان من خبره فصار مثلاً في انقطاع الغيبة، وإياهما أراد أبو ذؤيب بقوله:
وح يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في القتلى كليب لوائلِ
و قال بشر بن أبي حازم عند موته:

فرجي الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزي آبا
قال الأحمر: ويقال: المسلى لا عهدة.
أي انقضى الشأن فلا عليك ولا لك. ومن أمثالهم في اليأس من الشيء قولهم: حتى يؤوب المنخل.
وكانت قصته نحواً من قصة العنزي في الغيبة، غير أنّه لم يكن في سبب القرظ

باب الإسراف في القتل وفي كثرة الدماء
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: صمت حصاة بدم قال: وأصله أن يكثر القتل وسفك الدماء، حتى إذا وقعت حصاة من يد راميها لم يسمع لها صوت، لأنها لا تقع إلاّ في دم، فهي صماء، وليست تقع على الأرض فتصوت. وفي بعض الملاحم.
تبلغ الدماء الثنن
يعني الخيل، وهي الشعرات التي فوق الحافر من خلفه.
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الأمثال في الجنايات
باب الدواهي العظام يجنيها الرجل
قال الأصمعي: من أمثالهم في الداهية يقال أتي بها جانبها قولهم: - جاء فلان بالداهية الدهناء وجاء بالرقم الرقماء. وكذلك الداهية الشعراء والداهية الزباء. وقال غير الأصمعي: ومن أسماء الداهية قولهم: - جاء فلان بالسلتم وجاء بالقنطر. وجاء بالعنقفير. وجاء بالدردبيس.
وقال الأصمعي: ويقال: جاء بأم الربيق على أريق. وجاء بإحدى بنات طبقٍ.
قال: واصلها من الحيات. وقال أبو عبيد: ومنها قولهم: جاء فلان بمطفئة الرضف.
قال: واصلها أنها داهية أنست التي قبلها، وأطفأت حرها. قال أبو زَيد: ومن أسمائها أم جندب، قال: ويقال: وقع القوم في أم جندب.
أي داهية وظلم يجني عليهم. قال أبو عبد الله الزبير: قال الشاعر:
سيصلى بها القوم الذين اصطفوا بها ... وإلاّ فمعكود لنا أم جندبِ
يعني أنا نغشم. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: صمى صمام. ويقال: صمى ابنة الجبل وقال الكميت:
إذا ألقى السفير بها ونادى ... لها صمى ابنة الجبل السفير
قال: وصمام هي الداهية، وقوله: " صمي أي اخرسي يا داهية " . قال الكسائي: يقال: ، - لقيت من فلان الأمرين ولقيت منه الفتكرين. ولقيت منه الأقورين. ولقيت منه الأقوريات.
كل هذا من الدواهي والأمور العظام. قال: وتقول العرب
قد بلغت منا المبلغين
كل هذا من الدواهي. وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في الدواهي قولهم: جاء فلان بالطلاطلة وبأم حبكوري. وبالضئيل. وبالأزب. وبالفلق. وبالفليقة. وبالخنفقيق. وبالهاريس. وبالنئطل. وبالنادى.
باب جناية الجاني التي لا دواء لها ولا حيلة
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: غادر وهيةً لا ترقع.
أي فتق فتقاً لا يقدر على رتقه. وقال أبو عبيد: ويقال: هذا أمر لا تبرك عليه الإبل.
يضرب للأمر العظيم الذي لا يصبر عليه، وذلك أنَّ الإبل إذا أنكرت الشيء نفرت منه فذهبت في الأرض على وجهها. وقال أبو عبيد: ومثله قولهم: جرحه حيث لا يضع الراقي أنفه.
أي لا دواء له. قال الأصمعي: يقال إذا لقي الشدة بكاملها: لقيها بأصبارها
باب العداوة بين القوم وصفات العداء
قال الأصمعي: من أمثالهم في نعت العدو قولهم: - هو أزرق العين وكذلك قولهم: هو أسود البد. وهم سود الأكباد. وهم صهب السبال.
وقال الشاعر:
وما حاولت من أضغان قومٍ ... هم الأعداء فالأكباد سودُ
وقال أبن قيس الرقيات:
ونزالي في القوم صهب السبالِ
قال الأصمعي: وليس من هذا شيء يراد به نعوت الرجال، إنّما معناه العداوة، وقال: ولا أدري لعل اصلها من النعت
باب إظهار العداوة وكشفها
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: لبست له جلد النمر وكذلك قولهم: قشرت له العصا.
أي أبدت له ما في نفسي. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في شدة العداوة والغيظ قولهم: هو يعض عليه الأرم.
على مثال " فُعَّل " قال: يعني إصبعه. قال مؤرج: " هو يحرق عليه الأرم " قال: وفي تفسيره ثلاثة أقوال، يقال: الحصى، ويقال: الأضراس، ويقال: الأسنان، وهي أبعدها، ولو كانت الأسنان لكانت بالزاي " الأزم " وإنّما هي بالراء. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الشدة قولهم: لقيت من فلان عرق القربة.
قال: ومعناها الشدة، ولا أدري ما اصلها. قال أبو عبيد: وقد فسرنا هذا في غريب الحديث. ومن الشدة قولهم:

قد سيل به وهو لا يدري

باب فساد ذات البين وتأريث الشر في القوم
قال أبو زَيد: يقال للقوم إذا أوفوا على الشر والفساد: قد ثار حابلهم على نابلهم.
قال الأصمعي: وإذا نشب الشر بينهم وشملهم قيل: شرق ما بينهم بشر.
قال: فإن كان شراً دائما لا يكاد ينقطع قيل: بينهم داء الضرائر.
فإن كانت بينهم معاملة من أخذٍ وإعطاء ولا غنى بهم عنه، ولا تزل المشارة تكون بينهم فيها قيل: إنَّ الحماة أولعت بالكنه وأولعت كنتها بالظنه فإن كان ذلك الفعل منهم عاما، ولم يكن لبعضهم فيه على بعض فضل في الصبر والاحتمال قيل: صغراها مراها.
أي أصغرهم وأحقرهم أكثرهم شراً. فإن كان لبعضهم فيه أدنى فضيلة إلاّ أنها خسيسة قيل: قبح الله معزى خيرها خطة.
قال: وخطة: اسم عنز كانت عنز سوء، كل هذا عن الأصمعي إلاّ المثل الأول الذي عن أبي زيد وقال الأصمعي: من أمثالهم في الشر قولهم: بينهم عطر منشم.
قال: يراد به الشر العظيم
باب مقلية القوم بعضهم بعضاً والاستشهاد عليه بالنظر
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: شاهد البغض اللحظ.
قال: ومثله قولهم في الحب: جلى محب نظره.
قال أبو عبيد: ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
فأن تك في صديقٍ أو عدو ... تخبرك العيون عن القلوب
وقال أبو زَيد: وإذا أثقل الرجل على صاحبه حتى لا يقدر أن ينظر إليه قيل: إنّما هو على حندر عينه قال الأصمعي: وكذلك قولهم: رمي منه في الرأس. إذا ساء رأيه فيه حتى لا ينظر إليه. قال أبو عبيد: ومنه حديث عمر بن الخطاب حين سلم عليه زياد بن حدير فلم يرد عليه، فقال زياد: " لقد رميت من أمير المؤمنين في الرأس " وكان ذلك لهيئة رآها عليه فكرهها.
باب توعد الرجل عدوه الكاشح له.
قال أبو زيد: من أمثالهم في الوعيد قولهم: لأمدن غضنك أي لأطيلن عناءكز قال أبو زيد: ومنه قولهم: لأحقن حواقنك بذواقنك.
قال: الحواقن: ما يحقن الطعام في بطنه، والذواقن: اسفل بطنه. قال أبو عبيدة وأبو عمرو في الذواقن والحوافن غير هذا. وقد فسرناه في غريب الحديث. قال أبو زيد: ومن الوعيد قولهم: لأطعنن في حوصهم.
والحوص: الخياطة بغير رقعة، ومعناه إني أفسد ما أصلحوا. قال: ومن الوعيد قولهم: لأشأنن شأنهم.
ومنه قولهم: لألجئنك إلى قر قرارك.
أي لأضطرنك إليه. ويقول أيضاً.
لأرينك لمحا باصراً.
أي صادقا، عن أبي زيد. وقال الأحمر: ومن الوعيد قولهم: لئن التقى روعي وروعك لتندمن.
وقال الأموي: ومن أمثالهم في هذا: أما والله لتجنبها مصراً.
يقول: لا تقدر على أنَّ تنال مني شيئاً. قال: وأصله قلة اللبن، يقال: مصرت الشاة أمصرها مصراً.
باب معاشرة أهل اللوم وما ينبغي إنَّ يعاملوا به.
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: أجع كلبك يتبعك.
قال أبو عبيد: والعامة تقول: ليس للئيم مثل الهوان.
أي انك إنَّ دفعته عنك بالحلم والاحتمال اجترأ عليك وإنَّ أهنته خافك وفأمسك عنك. وقال بعض الماضين: ادفع الشر بمثله إذا أعياك غيره.
و مثله: الحديد بالحديد يفلح.
ومنه قول الفند الزماني، واسمه شهل بن شيبان:
وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان
وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الأمثال في منتهى التشبيه وغايته
قال أبو عبيد: من أمثالهم في أقاصي التشبيه قولهم: أنّه لأحذر من غراب.
قال الفراء: ويقال: إنه لأزهى من غراب.
وقال أبو زيد: ويقال: إنه لأبصر من غراب.
وقال الفراء: يقال: اسمع من قرادٍ. واسمع من فرسٍ.
قال أبو زيد: يقال: أنوم من فهدٍ.
قال: وإذا أرادوا خفة النوم قالوا: أخف رأسا من الذئب.
ومثله " أخف رأساً من الطائر " أبو زيد: يقال: أظلم من الحية.
قال الأصمعي: يقال: امسخ من لحم الحوار.
أي ليس له طعم. الفراء.
إنه لأعز من الأبلق العقوق.

في الشيء الذي لا يوجد، لأن العقوق إنّما هو في الإناث دون الذكور. وكان المفضل يخبر أنَّ المثل لخالد بن مالك النشهلي، قاله للنعمان بن المنذر، وكان أسر ناسا من بني مازن بن تميم فقال: من يكفل هؤلاء؟ فقال خالد: أنا، فقال النعمان: وبما أحدثوا؟ فقال خالد: نعم وإنَّ كان الأبلق العقوق، فذهبت مثلاً. قال الأصمعي: فإن أرادوا العز والمنعة قالوا: إنه لأمنع من أم قرفة.
وهي امرأة مالك بن حذيفة بن بدر، وكان يعلق في بيتها خمسون سيفا كلها محرم لها. وقال غير الأصمعي: هي بنت ربيعة بن بدر الفزارية. وقال هشام بن الكلبي في مثله: أعز من كليب وائل.
وهو كليب بن ربيعة التغلبي، وكان أعز العرب في دهره، فقتله جساس بن مرة الشيباني، ففيه كانت حرب بكر وتغلب أبني وائل. قال: يقال: أنّه لأنفذ من خازقٍ.
وهو السنان النافذ.
أنّه لأمضى من النصل.
قال الفراء: إنه لأصدق من قطاة.
قال: وذلك أنها تقول: قطا قطا، قال النابغة الذبياني:
تدعوا القطا وبه تدعى إذا نسبت ... يا صدقها حين تدعوها فتنسب
و قال أبو زيد: ومن أمثالهم في هذا: إنه لأصنع من تنوطٍ.
قال الأصمعي في التنوط مثله، قال: وهو طائر يبلغ من صنعته ورفقه أنّه يجعل عشه مدلى من الشجر. قال أبو زيد: يقال: إنه لأصنع من سرفةٍ.
قال: وهي دودة تكون في الحمض، فيبلغ من صنعتها أنها تعمل بيتاً مربعاً من قطع العيدان. وقال الأموي في السرفة مثله. وقال الأصمعي: يقال: إنه لأجود من لافظةٍ.
وقال أبو زيد: أسمح من لافظةٍ. فيقال: إنها الرحى، سميت بذلك لأنها تلفظ ما تطحنه، ويقال: أنها العنز، وجدها أنها تدعى للحلب وهي تعتلف، فتلقى ما فيها، وتقبل للحلب، وهذا التفسير ليس عن الأصمعي ولا عن أبي زيد، ولكن غيرهما: وقال أبو زيد: ويقال: إنه لأخدع من ضب حرشته.
وذلك أنّه ربما أروح الإنسان فخدع في حجره مسرعا، أي يذهب فيه. الفراء: يقال: إنه لأكذب من الشيخ الغريب وإنه لأكذب من أخيذ الجيش.
قال: وهو الذي يأخذه أعداؤه فيستدلونه على قومه فيكذبهم بجهده. قال أبو زيد: يقال: إنه لكذب من الأخيذ الصبحان.
قال: وهو الفصيل الذي قد اتحم من اللبن، يقال منه، قد أخذ أخذاً، قال أبو عبيد: والأول أصح معنى. وقال أبو زيد: من أمثالهم في هذا: إنه لأحمق من ترب العقد.
يعني عقد الرمل، قال: وحمقه أنّه لا يثبت فيه التراب، إنّما هو ينهال. وقال الفراء: إنه لأحمق من راعي ضأنٍ ثمانين.
قال: وذلك أنَّ إعرابيا يشر كسرى ببشرى سر بها فقال: سلني ما شئت، فقال: أسألك ضأناً ثمانين. قال: ومثله: أحمق من العقعق.
قال: وحمقه أنَّ ولده أبداً ضائع. قال: وكذلك.

أحمق من الممهورة إحدى خمدتيها.
قال: وذلك أنَّ زوجها قضى حاجته منها ثم فقالت: أعطني مهري، فأخذ أحد خلخاليها من رجلها فأعطاها إياه فرضيت وسكتت.
وقال أبن الكلبي: ومثله: أنّه لأحمق من دغة.
قال: وهي امرأة عمرو بن جندب بن العنبر. قال أبو عبيد: وذكر أبن الكلبي من حمقهما شيئاً يسمج ذكره. قال أبو عبيد: ومثل العامة في هذا: أحمق من رجلةٍ.
وقال بعضهم: يعني بالرجلة البقلة الحمقاء. قال أبو زيد: ومن أمثالهم: إنه لأخرق من حمامةٍ.
وذلك أنها تبيض على الأعواد فربما وقع بيضها فتكسر. قال أبو زيد: إنه لألص من شظاظٍ.
قال: وهو رجل من بني ضبة، كان لصا مغيراً، فصار مثلاً. الفراء: إنه لأسرق من الزبابة.
وهي الفأرة البرية. الأصمعي: إنه لأذل من فقع القرقر وأنّه لأذل من وتد.
وذلك لأنه يدق قال الفراء: إنه لأجبن من المنزوف ضرطاً الأصمعي:إنه لأصرد من عنزٍ جرباء.
يصرب للذي يشتد عليه البرد. الأصمعي: إنه لأجوع من كلبة حوملٍ.
قال: وهي كلبة كانت في الأمم. الأموي: ومن أمثالهم في هذا: إنه لأعيا من باقلٍ.
قال: وهو رجل من ربيعة، وكان غبياً فدماً، وإياه عنى الأريقط في وصف رجل أكثر من الطعام حتى منه ذلك من الكلام فقال:
اتانا وما داناه سبحان وائل ... بياناً وعلما بالذي هو قائل
فلما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لمّا أنَّ تكلم بأقل

قال: وسبحان هو من ربيعة أيضاً من بني بكر، وكان لسناً بليغاً. أبو زيد: قال: يقال: إنه لأفحش من فاسيةٍ.
يعني الخنفساء، وذلك أنها تحركت نتنت. قال أبو عمرو: ويقال: إنه لأخيل من مذالةٍ يضرب للمتكبر في نفسه، وهو عند الناس مهين، قال: والمذلة هي الأمة والمهانة، وهي في ذلك تتبختر. الأصمعي: يقال: هو أحلم من فرخ الطائر الفراء: هو أرمى من أبن تقن.
وكان أبن تقن رجلاً رامياً، وأنشدنا: رمى بها أرمى من أبن تقن قال أبو عبيد: ويحكى عن المفضل أنّه قال: عمرو بن تقن، وكان في زمان لقمان بن عاد وكان يناوئ لقمان حتى هم بقتله. وهذا الذي يقال فيه: لا فتى إلاّ عمرو. وقال الفراء: يقال: إنه لأبر من العملس.
وكان رجلاً براً بأمه، حتى كان يحملها على عاتقه.
قال: ويقال: إنه لأعق من ضب.
وذلك لطول عمره. الفراء: إنه لأصبر ذي الضاغط.
وهو البعير الذي قد حز مرفقه جنبه. قال: ويقال أيضاً.
أصبر من عودٍ بدفيه الحلب قد أثر البطان فيه والحقب
والدفان: الجنبان، والحلب: آثار الدبر، العدو والعود: المسن من الإبل. الفراء: إنه لأدم من بعرةٍ.
يعني دمامة خلقة. قال: ويقال: إنه لأعرى من المغزل قال ويقال: أنّه لأكسى من البصل.
وذلك أنَّ قشوره بعضها فوق بعض. الفراء: ويقال: إنه لأكيس من قشةٍ.
وهي القردة. يضرب هذا للصغار خاصة. الأصمعي: أنه لأجبن من صافر.
وهو ما صفر من الطير، ولا يكون صفير في سباع الطير، إنّما يكون في خشاشها، وما يصطاد منها. الفراء: أنه لأنم من صبحٍ.
إذا كان لا يكتم شيئاً. ويقال: أنه لأبعد من بيض الأنوق ويقال: إنَّه لأسأل من فلحس.
وهو الذي يتحين طعام الناس، يقال: أتانا فلان يتفحلس، وهو الذي تسميه العامة الطفيلي. وقال الأصمعي: يقال: إنَّه لأذل من يدٍ في رحم.
ومعناه أنَّ صاحبها يتوقى أنَّ يصيب بيده شيئاً. وقال الأصمعي: وأبو عمرو. يقال: إنَّه لأشجع من ليث عفرين.
هكذا قالا في حكاية المثل، واختلفا في التفسير، فقال أبو عمرو: هو الأسد، وقال الأصمعي: هو دابة مثل الحرباء، تتعرض للمراكب، قال: وهو منسوب إلى " عفرين " اسم بلد. قال الأصمعي: إنَّه لأشهر من فارس الأبلق.
قال أبو عبيد: وهذا مثل مبتذل في العامة والعامة تقول " من فرسٍ أبلق " . قال الأصمعي: إنَّه لأروى من النقاقة.
وهي الضفدع، وذلك أنَّ مسكنها الماء. قال أبن الكلبي: يقال: أسرع من نكاح أم خارجة.
قال: وهي بنت سعد بن قداد من بجيلة، تزوجها عدة من العرب قد سماهم لي أبن الكلبي. ويقال: إنَّ الخاطب كان يأتيها فيقول: خطب فتقول نكح، فذهبت مثلاً. قال أبو عبيد: وهذا مثل قد ابتذلته العوام. وقال أبن الكلبي: ومن أمثالهم: أشأم من خوتعة.
قال: وهو الرجل من بني غفيلة أبن قاسط أخي النمر بن قاسط، كان مشئوماً. الأصمعي قال: هو أصح من عير أبي سيارة.
قال: وهو أبو سيارة العدواني، قال الأصمعي: دفع بالناس من جمع أربعين سنة على حماره. قال أبو عبيدة: من أمثالهم: إنَّه لأخيب صفقة من شيخ مهوٍ.
قال أبو عبيد: وهم حي من عبد القيس، كانت لهم في هذا المثل قصة يسمج ذكرها. وقال أبو عبيدة أيضاً: إنَّه لأحن من شارفٍ.
وهي الناقة المسنة، تكون أشد حنينا على ولدها من غيرها. ويقال: إنَّه لأطيش من فراشة وإنَّه لألج من خنفساء. وإنَّه لأسرع من عدوى الثوباء.
وذلك أنَّ الإنسان إذا تثاءب أعدى غيره. وقال الهيثم بن عدي: يقال: إنَّه لأزنى من قرد.
وهو رجل من هذيل، يقال له قرد بن معاوية. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: إنَّه لأشغل من ذات النحيين.
ولها حديث يسمج ذكره. الأصمعي: يقال: هو ألزم لك من شعرات قصك.
وذلك أنها كلما حلقت نبتت، فهي لا تفارقه. ويقال.

أشأم من البسوس
وأجرأ من خاصي الأسد.
وله حديث طويل.
و أنّه لأشأم من زرقاء.
يعني الناقة، وهي مشئومة، ربما نفرت فذهبت في الأرض.
باب الأمثال في اللقاء وأوقاته وأزمته.
قال الكسائي: من أمثالهم في اللقاء قولهم: لقيت فلانا أوّل عين.
يعني أوّل شيء. وقال أبو زيد في مثل ذلك: " لقيته أوّل عائنةٍ " قال الأصمعي: وكذلك أيضاً: لقيته أوّل وهلةٍ.

قال أبو زيد: ومثله: لقيته أوّل ذات يدين.
الأصمعي وأبو زيد جميعاً.
لقيته أوّل صوكٍ وبوكٍ.
وهو نحو ذلك المعنى. والأموي وأبو زيد: لقيته أدنى ظلم.
ومعناه القرب. أبو زيد قال: فإنَّ لقيته فجأةً من غير إنَّ تريده قيل: لقيته نقاباً.
فإنَّ هجمت عليه هجوما قيل: لقيته التقاطاً.
قال: ومنه قولهم في الماء: ومنهل وردته التقاطا.
أي من غير طلب. فإنَّ لقيته مواجهة قلت: لقيته صراحاً.
الكسائي قال: ويقال: لقيته كفاحاً. وصقباً.
مثل الصراح. قال الأحمر. ومثله قولهم: أشب لي إشباباً وقال غيره في ذلك: " رفع لي رفعاً " قال أبو زيد: فإنَّ لقيته وليس بينك وبينه أحد قيل: لقيته صحرة بحرة.
وهي غير مجراة. فإنَّ لقيته بمكان قفر لا أنيس به قلت: لقيته بوحش إصمت.
غير مجرى أيضاً وبقيته صراحا ما دونه وجاح والوجاح: الستر قال أبو زيد: فإنَّ لقيته قبل طلوع الفجر قيل: لقيته قبل كل صيحٍ ونفرٍ.
قال: والصيح: والنفر: التفرق. قال: فإنَّ لقيته بالهجرة قلت: لقيته صكة عمى.
قال أبو عبيد: ويقال: لقيته بين سمع الأرض وبصرها.
وذلك إذا لم يكن معه أحد، فكأنه ليس يسمعه ولا يبصره إلاّ الأرض القفر، ولا سمع ولا بصر لها، ولكنه مثل.
قال الأصمعي: فإنَّ لقيته بين الأعوام قلت: لقيته ذات العويم.
وإنَّ بقيته في الزمان قلت: لقيته ذات الزمين.
أو في الزمان.
وقال الأحمر: فإنَّ كنت تلقاه في اليومين والثلاثة فصاعداً قلت: لقيته في الفرط.
وقال: ولا يكون الفرط في أكثر من خمس عشرة ليلة. قال أبو زيد: فإنَّ لقيته بعد شهر أو نحوه قلت: لقيته عن عفرٍ.
قال: فإنَّ لقيته بعد الحول أو نحوه قلت: لقيته عن هجرٍ.
قال: وإذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزمان، ثم يأتيه ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضاً، ثم يأتيه، ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضاً، ثم يأتيه قال: لقيته بعيدات بينٍ.
قال أبو عبيد: فأما الغب في الزيارة فمعناه الإبطاء والتقليل على غير وقت معلوم، وأحسب الأصل فيها كان من غب الورد، وهو أنَّ ترد الإبل الماء يوماً وتدع يوماً. ومثله غب الحمى، ثم انتقل المعنى من هذا في الزيارة خاصة إلى ما فوق وقت الورد ووقت الحمى. ومن هذا المعنى قوله في الحديث: زرغبا تزدد حباً.
فقد علم في هذا أنّه إنما أراد الإبطاء في الزيارة، ولم يرد يوماً ويوماً لا، وكذلك الإلمام هو نحو الغب، وإنّما معناه الأحيان على غير مواظبة ولا وقت محدود. وأما الأعمار فهو اسم الزيارة متى كانت، قال ذلك الأصمعي، ومنه قول أعشى باهلة: وراكب جاء من تثليث معتمراً إنّما هو الزائر. وقال أبو عبيدة في هذا البيت: هو المعتم بالعمامة، وقال: الاسم منه العمارة، وقال: وكل شيء جعلته على رأسك من عمامة أو قلنسوة أو تاج أو إكليل أو غير ذلك فهو عمار، ومنه قول الأعشى:
فلما أتانا بعيد الكرى ... سجدا له ورفعنا عماراً
قال أبو عبيد: أما هذا البيت فانه عندي كما قال أبو عبيدة، وأما بيت الباهلي فقول الأصمعي فيه أحب إلي، أنَّ يكون المعتمر هو الزائر لمكان العمرة التي يعتمرها الناس إلى بيت الحرام هي الزيارة.

باب الأمثال في ترك اللقاء ودهوره وأزمنته.
قال الأصمعي: يقال في الاعتزام على ترك اللقاء: لا آتيك ما حنت النيب قال: ومثله " لا آتيك ما أطلت الإبل قال أبو زيد والأصمعي: لا آتيك ما اختلفت الجرة والدرة.
قال: واختلافهما إنَّ الدرة تسفل إلى الضرع، والجرة تعلو إلى الرأس. قال أبو زيد: ويقال: لا أفعل ذلك ما أختلف الملوان.
وهما الليل والنهار، والواحد منهما ملاً مقصور. قال: ومثله: ما اختلف الأجدان.
قال أبو عبيد: وكذلك: ما أتلف الفتيان.
ومنه قول الشاعر:
ما لبث الفتيان أنَّ عصفا بهم ... ولكل قفل يسرا مفتاحا
و كذلك قولهم: لا أفعله ما سمر ابنا سميرٍ الأموي: ومن هذا قولهم: لا آتيك السمر والقمر.
يريد: ما كان السمر. وما طلع القمر. قال الكسائي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: لا آتيك سن الحسل.
قال: والحسل هو ولد الضب. يقول: حتى تسقط أسنانه، ويقال: إنها لا تسقط أبداً حتى يموت. قال: ومن هذا قولهم:

لا أفعله ما أبس عبد بناقةٍ.
وكذلك.

لا أفعله ما غرد راكب.
وقال أبو زيد: ومن هذا قولهم: لا آتيك ما غبا غبيس. قال الشاعر:
وفي بني أم زبير كيس ... على المتاع ما غبا غبيس
قال الأموي: ومعناه الدهر. وقال الأحمر في مثل هذا: لا آتيك سجيس والأوجس.
قال: وكذلك سجيس عجيسٍ.
قال: ومعناهما الدهر أيضاً، ومنه قول الشاعر:
فأقسمت لا آتي أبن ضمرة طائعا ... سجيس ما أبان لساني
و من أمثالهم في هذا قولهم: لا آتيك الأزلم الجذع.
وهو الدهر. قال أبو عبيد: قال أبن الكلبي: ومن هذا قولهم: لا أفعل ذلك ما حي حي، وما مات ميت.
ويروى عن المفضل أنّه قال: هذا المثل للقمان بن عاد. قال الأصمعي: ومثله قولهم: لا أفعله دهر الداهرين وعوض العائضين. قال الأصمعي: ومن هذا قولهم: حتى يرجع السهم على فوقه.
ومعناه أنّه لا يرجع على فوقه أبداً، إنما مضاؤه قدماً أبداً. قال أبو عبيد: وهذا المثل قد سمعناه في حديث.
وقال أبن الكلبي ومن هذا قولهم: لا أفعل ذلك معزى الفزر.
قال: والفزر هو سعد بن زيد مناة بن تميم، قال: وكان وافى الموسم بمعزى، فأنهبها هناك فتفرقت في البلاد، فمعناهم في معزى الفزر أن يقولوا: حتى تجمع تلك، وهي لا تجتمع الدهر كله. قال أبن الكعبي: وإنّما سمى الفزر لأنّه قال: من أخذ منها واحدة فهي له، ولا يؤخذ منها فزر، قال: وهو الاثنان. قال أبو عبيدة نحو هذا الحديث إلاّ أنّه قال: الفزر هو الجدي نفسه. ويقال: لا آتيك هبيرة بن سعد.
وله حديث. قال الأصمعي: ويقال: لا أفعل ذلك أبد الأبيد.
قال أبو عبيد: لا آتيك ما حملت عيني الماء.
باب الأمثال فيما يتكلم فيه بالنفي من الناس خاصة
قال الكسائي: يقال: ما بالدار شفرٌ.
يقول: ليس بها أحد قال: وكذلك يقال: ما بها دعو و " ما بها دبى " قال: ومعناه ما بها من يدعو ولا من يدب. قال الأصمعي: ويقال: ما بها عريب و " ما بها دبيج " و " ما بها دوري وطوري " و " ما بها وابر " و " ما بها ديار " و " ما بها نافخ ضرمة " و " ما بها أرم " قال أبو زَيد: في " أرم " مثله.الفراء: ما بها عائن و " ما بها عين " قال أبو زَيد: ما بها تامور.
قال أبو عبيد: كل هذا معناه ما بها أحد. ويقال أيضاً: ما الركية تامور.
يقول: ليس بها من الماء شيء. وكل هذا لا يتكلم به على إثبات الشيء وأيجابه. لا يقولون: بها شفر، وبها دعوى، وكذلك هذه الحروف كلها إنّما هي في الجحد والنفي خاصة.
باب الأمثال في النفي لمعرفة الرجل
قال أبو زَيد: من أمثالهم في نفي معرفة الإنسان قولهم: ما أدري أي الطمش هو وكذلك قولهم: ما أرى أي الدهدى هو و " أي ترخم هو " .
وترخم غير مجرى. قال: وكذلك قولهم: أي البرنساء هو.
وقال الكسائي مثل ذلك كله. وزاد فيه الكسائي: أي الطبن هو و " أي الأورم هو " . وقال الفراء: ما أدري أي النحط هو وقال غير هؤلاء: ما ادري أي الورى هو.
ومعنى هذا قولهم: كله: ما ادري أي الناس هو، وليس يتكلم بهذا أيضاً في الوجوب، إنّما هو في النفي، مثل الباب الذي قبله إلاّ " الورى " خاصة، فإني أحسب يتكلم به في الإثبات، ومنه قول ذي الرمة:
وكأن ذعرنا من مهاةٍ ورامح ... بلاد الورى ليست له ببلادِ
باب الأمثال في نفي المال عن الرجل
قال أبو زَيد: من أمثالهم في نفي المال قولهم: ما له هلع ولا هلعة.
قال: ومعناه: ماله شيء. قال: وكذلك قولهم: ما له قذعملة ولا قرطعبة.
قال الأصمعي: وكذلك قولهم: ما له سعنة ولا معنة.
وكذلك قولهم: ما له هارب ولا قارب.
وكذلك قولهم: " ما له عافطة ولا نافطة " قال الفراء: وكذلك قولهم: ما له سُم ولا حُم و " ما له سَم ولا حَم " بالضم والفتح.
قال الأصمعي: وكذلك قولهم: ما له حبض ولا نبض.
وقال أبو زَيد: ومنه قولهم: ما له أقذ ولا مريش و " ما أصبت من فلان أقذ ولا مريشاً " .
ومثل العامة المشهور في هذا قولهم: ما له سبد ولا لبد.

ومعنى هذه كلها أنه لا شيء له، وبعضها يعرف أصله، فمما يعرف اصله الهلع والهلعة، قال أبو زَيد: هما الجدي والعناق، ومنه الهارب والقارب، قال الأصمعي: معناه: ليس أحد يهرب منه، ولا أحد يقرب اليه، أي فليس هو بشيء ومنه قولهم: العافطة والنافطة، فهما الضائنة والماعزة، ومنه النبض، فص هو التحرك، ولا أعرف الحبص، ومنه الحم والسم، قال الفراء: هما الرجاء، يقول: ليس أحد يرجوه. قال أبو عبيد: وقد سمعت من يفسر السبد واللبد قال: هما الشعر والصوف، ولا أدري ممن سمعته. وأحسب أصل هذه الأشياء كانت على ما ذكرناه أنّه لأشياء بأعيانها ثم صارت مثلاً لكل من لا شيء له، فاما القذعملة والقرطعبة والسعنة والمعنة فما وجدنا أحداً يدري ما أصولها، غير أنَّ الأصمعي قال: معناه أنّه لا شيء له. قال: ويرون المعن الشيء الهين، وأنشدنا للنمر أبن تولب:
فإنَّ هلاك مالك غير معنٍ "
أي ليس بهينٍ، ولم يعرف السعنة وأنشد الزبير في اللبد:
ألم تر أنَّ الكبش يعظم قرنه ... ويسمن تحت المعبر المتلبد
يريد الصوف، واللبد: الشعر - باب الأمثال في نفي الطعام قال الأصمعي: باب في النفي لذوق الطعام: ما ذقت عضاضاً ولا علوساً.
وقال الأحمر: ما ذقت علوساً ولا عذوفاً.
قال الفراء: يقال: ما ذقت عذوفاً ولا عذافاً.
كلتاهما بالدال والذال. قال الأصمعي: يقال: ما ذقت أكلا ولا لهاجاً ولا شماجاً ولا ذواقاً.
وقال أبو زَيد: ما ذقت عضاضاً ولا مضاغاً ولا قضاماً ولا لماظاً.
قال: يعني ما يغض أو يمضغ أو يقضم أو يتلمظ به. قال أبو عبيد: وكذلك تلك الحروف الأول كلها مشتقة من الأفعال، وهي ما يذاق أو يؤكل أو يلمج، ومعناها يرجع إلى ما ينال من المطعم.
وقال الأصمعي: فإن أرادوا نفي الشراب قالوا: ما ذقت لماقاً.
وأنشدني لنهشل بن حرى:
كبرقٍ بات يعجب من رآه ... ولا يشفي الحوائم من لماقِ
قال: والحوائم: العطش.

باب الأمثال في نفي اللباس
قال الكسائي: يقال في نفي اللباس: ما علية طحربة. بضم الطاء والراء.
وقال الأصمعي: " طرحبة " بكسرهما، وقال أبو الجراح العقلي: " ما عليه طرحبة " بفتح الطاء وكسر الراء، قال أبو عبيد: وسمعناه في الحديث " أنَّ الناس يحشرون يوم القيامة وليس على أحد منهم طحربة " على ما حكاه الكسائي. وهاتان الأخريان صحيحتان أيضاً. وقال الأموي: يقال: ما عليه فراض.
في نحو هذا. وقال أبو زَيد والأصمعي جميعاً في نفي الحلى.
ما عليه هلبسيسة
و " ما عليها خربصيصة " بالخاء: وقال محمد اليزيدي: هي بالحاء والخاء قال أبو عبيد: والذي سمعناه في الحديث " خربصيصة " بالخاء، على حكاية أبي زيد والأصمعي، وهي عندنا المحفوظ وقال الفراء: يقال: ما عليها خضاض. بمعنى الأول أيضاً وأنشدنا القناني:
ولو أشرفت من كفة الستر عاطلاً ... لقلت غزال ما عليه خضاضُ
باب الأمثال في نفي النوم والأوجاع
قال أبو زَيد: من أمثالهم في نفي النوم: ما أكتحلت غماضاً ولا حثاثا.
وقال الأصمعي: " حثاثاً " بالكسر. قال أبو عبيد: والقول ما قال أبو زيد: وقال الأصمعي: في نفي الوجع والعلة: ما به وذية قال: وكان أصلها " حزة " . وقال أبو زيد: وأبو عمرو الشيباني: " ما به وذية " كذلك أيضاً. وزاد فيه: و ما له ظبظاب.
أي ليس به وجع ولا شيء منه. وقال روبة بن العجاج: كأنَّ بي سلا وما بي ظبظاب
باب الأمثال في الاستجهال ونفي العلم.
قال الأصمعي: من أمثالهم في الإستجهال: ما يعرف فلان الحلو من اللو.
ويقال: " ما يعرف الحي من اللي " قال: وكذلك قولهم: ما يدري هراً من برًّ.
قال الأصمعي: ومثله
ما يدري ما أي من أي.
أي لا يعرف هذا من هذا. قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: لا يدري أي طرفيه أطول.
ومعناه في الناس، وقد سمعت غير هذا ولا أعلم فيه أحسن من مذهب الأصمعي. قال: ومن أمثالهم: لا يدري اسعد الله أكثر أم جذام.

قال أبو عبيد: وهذا المثل مبتذل أيضاً في العامة على غير هذا اللفظ، وهو عندي كقول الأصمعي، وقال: سعد الله وجذام حيان بينهما فضل بين لا يخفى على الجاهل الذي لا يعرف شيئاً. ويروى عن حارثة بن عبد العزى العامري، وكان من علماء العرب، أنَّ هذا المثل قائله حمزة بن الضليل البلوى لزنباع بن روح الجذامي:
لقد أفحمت حتى لست تدري ... أسعد الله أكثر أم جذامُ
قال أبو عبيد: هذه الأبواب السبعة التي فيها النفي ليس يتكلم بشيء منها على وجوب أشياء وكينونتها، لا يقال: في الدر عريب، وكذلك جميع الباب الذي فيه، ومثله ما ذكرنا في اللباس والطعام والنوم والحلى، وكل ما اقتصصنا لا يقال منه شيء في الإثبات، إنما هو في النفي والجحد خاصة.

باب الأمثال في الطعام
قال الأصمعي: من أمثالهم.
تَطَعَّم تَطعَم.
أي ذق الطعام فانه يدعوك إلى الشهية. وقال: منها أيضاً قولهم: اعلل تحظب.
أي كل مرة بعد مرة تسمن، يقال منه: حظب حظوباً. إذا امتلأ.
قال الأحمر: يقال: - العاشية تهيج الآلية.
يقول: إنَّ الإبل التي تتعشى إذا رأتها التي لا تشتهي العشاء اشتهت فأكلت معها. وكان المفضل يقول: هذا المثل ليزيد بن رويم الشيباني.
وقال الأموي: ومن أمثالهم قولهم: الماء ملك أمر.
أي إنَّ الماء ملاك الأشياء. يضرب للشيء الذي به يكون ملاك الأمر.
أقسام الكتاب
1 2