كتاب: زغل العلم
المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
بسم الله الرحمن الرحيم[ وبه نستعين
والحمد لله رب العالمين ] (1)
اعلم أن في كل طائفة من علماء هذه الأمة ما يذم ويعاب ، فتجنبه .
علم القراءة والتجويد
فالقراء المجودة : فيهم تنطع (2) وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارىء يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف ، والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى ، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة لله (3) ويخليه قوي النفس مزدريا [ بحفاظ ] (4) كتاب الله تعالى . فينظر اليهم بعين المقت [ وأن ] (5) المسلمين يلحنون ، وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ [ القراءة ] (6) ، فليت شعري أنتــــــــــ
(1) زيادة من "س" وفي المطبوعة ( الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ) .
(2) وفي "م" و "س" ( فيهم تنطع زائد ... ) والذي اثبته من المطبوعة ، وهو المناسب لسياق الكلام .
(3) ليست في "س" والمطبوعة .
(4) وفي "م" ( الحفاظ ) .
(5) وفي "م" ( فإن ) والمثبت من "س" .
(6) من "س" والمطبوعة ، والذي في "م" ( القرآن ) .
ماذا عرفت ؟! وما علمك ، وأما عملك فغيرصالح (7) ، وأما تلاوتك
فثقيلة عرية عن الخشية والحزن والخوف ، فالله يوفقك ، ويبصرك رشدك ،
ويوقظك من رقدة الجهل والرياء .
وضدهم قراء النغم والتمطيط ، وهؤلاء في الجملة من قرأ منهم بقلب وخوف قد
ينتفع به في الجملة ، فقد رأيت من يقرأ صحيحا ويطرب ويبكي .
نعم (8) ورأيت من إذا قرأ قسى القلوب وأبرم النفوس ، وبدل كلام الله تعالى
، وأسوأهم حالا الجنائزية ، والقراء (9) بالروايات ، وبالجمع فأبعد شيء عن
الخشوع ، وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد ، وشعارهم في تكثير
وجوه حمزة (10) ، وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراآت .
اقرأ يا رجل واعفنا من التغليظ والترقيق [ وفرط ] (11)
ــــــــــ
(7) وفي "م" بعد كلمة صالح ( والله ) وليست في "س" والمطبوعة .
(8) لا جود لها في المطبوعة .
(9) وفي المطبوعة ( وأما ) .
(10) حمزة بن حبيب الزيات : شيخ القراء وأحد السبعة الأئمة ، قال المصنف
في ( سير أعلام النبلاء ، 7 : 91) : ( كره طائفة من العلماء قراءة حمزة
لما فيها من السكت ، وفرط المد ، واتباع الرسم والاضجاع ، وأشياء ، ثم
استقر اليوم الاتفاق على قبولها ، وبعض كان حمزة لا يراه ) اهـ ، انظر (
المغني لابن قدامة ، 1 : 492) ، و ( طبقات القراء ، 1 : 93 - 99) ، و (
ميزان الاعتدال ، 1 : 605) للمؤلف .
(11) من "س" والمطبوعة .
الإمالة ، والمدود ووقوف حمزة [ فإ ] لى كم هذا ؟ وآخر منهم إن
حضر في ختمة أو تلا في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت ،
والتهوع بالتسهيل ، وأتى بكل خلاف ونادى على نفسه أنا ( أبو فلان ) (12)
فاعرفوني فإني عارف [ بالسبع ] (13) إيش يُعمل بك ؟ لا صبحك الله بخير إنك
حجر منجنيق ورصاص على الأفئدة .
علم الحديث
والمحدثون : فغالبهم لا يفقهون ولا همة لهم في معرفة الحديث ولا [ في ] (13) التدين به ، بل الصحيح والموضوع عندهم [ بنسبة ] (14) إنما همتهم في السماع على جهلة الشيوخ ، وتكثير العدد من الأجزاء والرواة ، لا يتأدبون بآداب الحديث ، ولا يستفيقون من سكرة السماع ، الآن يسمع [ الجزء ] (51) ونفسه تحدثه : متى يرويه أبعد الخمسين سنة ! ويحك ما أطول أملك وأسوأ عملك ، معذور سفيان الثوري إذ يقول فيما رواه أحمد بن يوسف التغلبي ثنا خالد بن خداش ثنا حماد بن زيد قال قال سفيان الثوري - رحمهــــــــــ
(12) لا وجود لها في "س" والمطبوعة .
(13) ما بين المعكوفتين من "س" والمطبوعة .
(14) في "م" ( شبه ) .
(15) في "م" ( الخبر ) .
الله - : ( لو كان الحديث خيرا لذهب كما ذهب الخير ) (16) .
صدق والله وأي خير في حديث مخلوط صحيحه بواهيه ، وأنت لا تفليه ولا تبحث
عن ناقليه ، ولا تدين الله به .
أما اليوم في زماننا فما يفيد المحدث الطلب والسماع مقصود الحديث من
التدين به ، بل فائدة السماع [ ليروي ] (17) فهذا والله لغير الله ، خطابي
معك يا محدث لا مع من يسمع ولا يعقل ولا يحافظ على الصلوات ، ولا يجتنب
الفواحش ولا قرش الحشائش ولا يحسن أن يصدق فيها ، فيا هذا لا تكن محروما
مثلى فأنا نحس أبغض المناحيس (18) .
وطالب الحديث اليوم ينبغي له أن ينسخ أولا ( الجمع
ــــــــــ
(16) هذا الاسناد حسن ، وقد أخرجه الخطيب في ( شرف أصحاب الحديث ، ص 123 )
مع اختلاف يسير في الألفاظ وإسناده صحيح ، وأحمد بن يوسف هذا : ثقة مامون
، له ترجمة في ( تاريخ بغداد ، 5 : 218 ، 219) ، و ( الأنساب ، 3 : 59) .
(17) وفي "م" ( يروى ) .
(18) ولا شك أن هذا من تواضعه الجم ، واستحقاره لنفسه - رحمه الله تعالى -
.
بين الصحيحين (19) و ( أحكام عبد الحق ) (20) و ( الضياء ) (21)
، ويدمن النظر [ فيهم ] (22) ويكثر (23) من تحصيل تواليف البيهقي فإنها
نافعة ، ولا أقل من مختصر كـ ( الإلمام ) (24) [ ودراسة ] (25) ، فإيش
(26) السماع على جهلة المشيخة الذين ينامون والصبيان يلعبون والشبيبة
يتحدثون
ــــــــــ
(19) ( الجمع بين الصحيحين ) لمحمد بن ابي نصرالحميدي ، وقد ألف جماعة من
العلماء في الجمع بين الصحيحين ، انظر ( الرسالة المستطرفة ، صـ 129 ) ، و
( تاريخ التراث العربي ، 1: 245) لفؤاد سزكين ، ومقدمة الشيخ الفاضل
الدكتور ربيع بن هادي المدخلي ( كتاب المدخل إلى الصحيح ) للحاكم ص 21 .
(20) هو عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الاشبيلي ، كان فقيها حافظا ،
عالما بالحديث وعلله عارفا بالرجال ، موصوفا بالخير والصلاح والزهد والورع
ولزوم السنة ، مشاركا في الأدب وقول الشعر ، صنف في الأحكام نسختين كبرى
وصغرى ، توفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ، وله ترجمة في ( تهذيب الأسماء
واللغات ، 1 : 292) ، و ( تذكرة الحفاظ ، 4 : 1350) ، و ( طبقات الحفاظ ،
صـ 479 ) ، و ( شذرات الذهب ، 4 : 271) .
(21) هو الإمام الحافظ الحجة محدث الشام ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن
عبد الواحد بن أحمد السعدي الحنبلي ، صاحب التصانيف النافعة ، وأشهرها
كتاب ( الأحاديث المختارة ) ، وهو الذي قصده المصنف - رحمه الله - . انظر
ترجمته في ( تذكرة الحفاظ ، 4 : 1405) ، و ( العبر ، 5 : 179) ، و ( الذيل
على طبقات الحنابلة ، 2 : 236) ، و ( الشذرات ، 5 : 224) .
(22) وفي "م" ( فيها ) .
(23) تكررت هذه الكلمة في "م" مرتين .
(24) كتاب ( الإلمام باحاديث الأحكام ) لابن دقيق العيد ، وقد طبع في دار
الفكر بدمشق سنة 1383 هـ - 1963 م ، وهي الطبعة الأولى .
(25) لا وجود لها في "م" .
(26) وفي المطبوعة ( فأي شيء ينفع ) .
ويمزحون ، وكثير منهم ينعسون ، ويكابرون ، والقارىء يصحف ،
وإتقانه (27) في تكثير ( أو كما قال ) ، والرضع يتصاعقون ، بالله خلونا ،
فقد بقينا ضحكة لأولي المعقولات ، يطنزون بنا هؤلاء هم أهل الحديث (28) ،
نعم ماذا يضر ! ولو لم يبق إلا تكرار الصلاة على النبي - صلى الله عليه
وسلم - لكان خيرا من تلك الأقاويل (29) التي تضاد الدين وتطرد الإيمان
واليقين ،
ــــــــــ
(27) ليست في "س" .
(28) قال المصنف - رحمه الله - في معرض كلام له في ( تذكرة الحفاظ ، 2 :
530) : ( فلقد تفانى أصحاب الحديث وتلاشوا ، وتبدل الناس بطلبة يهزأ بهم
أعداء الحديث والسنة ويسخرون منهم ، وصار علماء العصر في الغالب عاكفين
على التقليد في الفروع من غير تحرير لها ، ومكبين على عقليات من حكمة
الأوائل وآراء المتكلمين من غير أن يتعقلوا أكثرها ، فعم البلاء واستحكمت
الأهواء ولاحت مبادىء رفع العلم وقبضه من الناس ، فرحم الله امرءا أقبل
على شأنه وقصر من لسانه وأقبل على تلاوة قرآنه وبكى على زمانه وأدمن النظر
في الصحيحين ، وعبد الله قبل أن يبغته الأجل ، اللهم فوفق وارحم ) . قلت :
لا شك أن كلام المصنف - رحمه الله - لا يعنى به أهل العلم المتخصصين فيه
والممارسين له الذين رحلوا في سبيله ولقوا النصب في تحصيله ، وإجهاد النفس
في ذلك ، وإنما يعنى به الجهلة الذين لا علم لهم به ، وسيذكر المصنف بعض
الحفاظ في زمانه الذين لم يأت بعدهم مثلهم ، وهذا الكلام صدر من المصنف في
حق أبناء زمانه فكيف لو عاش في زماننا ؟!
(29) قال عبد الله بن بكر الطبراني الزاهد - رحمه الله - : ( أبرك العلوم
وافضلها وأكثرها نفعا في الدنيا والدين بعد كتاب الله تعالى أحاديث رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ، لما فيها من كثرة الصلاة عليه ، وإنها
كالرياض والبساتين تجد فيها كل خير وبر ، وفضل وذكر ) أخرجه ابن عساكر كما
في ( تهذيب تاريخه ، 7 : 314) .
وتردي في أسفل السافلين ، لكنك معذور فما شممت للاسلام رائحة ،
ولا رأيت أهل الحديث ، فأوائلهم كان لهم شيخ عالى الاسناد ، بينه وبين
الله واحد ، معصوم عن معصوم ، سيد البشر عن جبريل عن الله - عز وجل -
فطلبه مثل أبي بكر وعمر ، وابن مسعود وأبي هريرة الحافظ وابن عباس ، وسادة
الناس الذين طالت أعمارهم ، وعلا سندهم وانتصبوا للرواية الرفيعة ، [ فحمل
] (30) عنهم مثل مسروق وابن المسيب والحسن البصري والشعبي وعروة وأشباههم
من أصحاب الحديث ، وأرباب الرواية والدراية ، والصدق والعبادة ، والإتقان
والزهادة [ الذين ] (31) من طلبتهم مثل الزهري ، وقتادة ، والأعمش ، وابن
جحادة (32) وأيوب ، وابن عون ، وأولئك السادة الذين أخذ عنهم الأوزاعي
والثوري ومعمر والحمادان (33) وزائدة (34) ومالك والليث وخلق سواهم ، من
أشياخ ابن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي ويحيى بن آدم والشافعي والقعنبي
وعدة من أعلام الحديث الذين خلفهم ، مثل أحمد بن حنبل واسحاق وابن المديني
ــــــــــ
(30) وفي "م" ( تحمل ) .
(31) وفي "م" ( والذين ) .
(32) هو محمد بن جحادة الأودي : وثقه أحمد وأبو حاتم والنسائي وابن حبان
ويعقوب بن سفيان ( تهذيب التهذيب ، 9 : 92) .
(33) أي حماد بن زيد وحماد بن سلمة .
(34) وفي المطبوعة ( وزيادة ) وهو تحريف .
ويحيى بن معين [ وأبي خيثمة ] (35) وابن نمير وأبى كريب وبندار
وما يليهم من مشيخة البخاري ومسلم و [ أبي ] (36) داود والنسائي وأبى زرعة
وأبى حاتم ومحمد بن نصر وصالح جزرة وابن خزيمة ، وخلائق ممن كان في الزمن
الواحد ، منهم ألوف من الحفاظ ونقلة العلم الشريف .
ثم تناقص هذا الشأن في المائة الرابعة بالنسبة إلى المائة الثالثة ، ولم
يزل ينقص إلى اليوم ، فأفضل من في وقتنا اليوم من المحدثين على قلتهم نظير
صغار من كان في ذلك الزمان على كثرتهم .
وكم من رجل مشهور بالفقه والرأي في الزمن القديم أفضل في الحديث من
المتأخرين ، وكم من رجل من متكلمي القدماء أعرف بالأثر من سنية (37)
زماننا ، فما أدركنا من أصحاب الحديث الا طائفة كقاضي ديار مصر وعالمها
تقي الدين ابن دقيق العيد ، والحافظ الحجة شرف الدين الدمياطي ، والحافظ
جمال الدين بن الظاهري ، والشيخ شهاب الدين بن فرح ونحوهم .
وأدركنا من عكر الطلبة شهاب الدين ابن الدقوقي ،
ــــــــــ
(35) وفي "م" ( أبي خيثمة ) وكذا في "س" بدون ( أبي ) وكلاهما خطأ ، وما
اثبته من المطبوعة والمصادر التي ترجمت له .
(36) وفي "م" ( ابن ) والمثبت من "س" والمطبوعة .
(37) وفي المطبوعة ( مشيخة ) .
ونجم الدين ابن الخباز ، والشيخ عبد الحافظ ، ونحمد الله في
الوقت أناس يفهمون هذا الشأن ويعتنون بالأثر كالمزي وابن تيمية والبرزالي
وابن سيد الناس وقطب الدين الحلبي وتقي الدين السبكي والقاضي شمس الدين
الحنبلى وابن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة وصلاح الدين العلائي وفخر
الدين ابن الفخر وأمين الدين ابن الواني وابن إمام الصالح ومحب الدين
المقدسي وسيدي عبد الله بن خليل ، وجماعة سواهم [ فيهم ] (38) العكر
والغثاء ، الله يستر والمرء مع من أحب ، والسعيد من نهض وأهب ، وعلى
الطاعة أكب ، والله الموفق والهادي .
المالكية
الفقهاء المالكية على خير ، واتباع وفضل ، إن سلم قضاتهم ومفتوهم من التسرع في الدماء والتكفير ، فإن الحاكم والمفتي يتعين عليه أن يراقب الله تعالى ، ويتأنى في الحكم بالتقليد ولا سيما في إراقة الدماء ، فالله ما أوجب عليهم تقليد إمامهم ، فلهم أن يأخذوا منه ويتركوا كما قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى - : ( كل يؤخذ من قوله ويترك الا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وسلم - ) (39)ــــــــــ
(38) لا وجود لها في "م" .
(39) ذكره صاحب ( مختصر المؤمل ، 3 : 34 - مجموعة الرسائل المنيرية ) ، والسبكي في ( معنى قول الإمام ، 3 :105 - المجموعة ) منسوبا إلى الإمام مالك .
فيا هذا إذا وقفت بين يدي الله تعالى فسألك لم أبحت دم فلان فما
حجتك ؟ إن قلت قلدت إمامي ، يقول لك فأنا أوجبت عليك تقليد إمامك ؟ ، ثبت
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أول ما يقضى بين الناس في الدماء
) (40) ، وفي الحديث : ( لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يتند بدم
حرام ) (41) ، نعم من رأيته زنديقا عدوا لله فاتق الله وأرق دمه ابتغاء
وجه الله بعد أن تستفتي [ قلبك ] (42) وتستخيرالله فيه .
الحنفية
الفقهاء الحنفية أولو التدقيق والرأي والذكاء ، والخير من مثلهم إن سلموا من التحيل والحيل على الربا ، وإبطال الزكاة ، ونقر الصلاة ، والعمل بالمسائل التي يسمعون النصوص النبوية بخلافها .ــــــــــ
(40) أخرجه البخاري (11 : 395) ، ومسلم (3 : 1304) من حديث ابن مسعود .
(41) أخرجه احمد (2 : 94) ، والبخاري (12 : 187) ، قال ابن العربي - رحمه الله - : ( الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة ، حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره ، والفسحة في الذنب قبول الغفران بالتوبة ، حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول ) وقوله : ( يتند ) معناه الاصابة وهو كناية عن شدة المخالطة ولو قلت ) اهـ من ( فتح الباري ، 12 : 188) .
(42) سقطت هذه الكلمة من "م" .
فيا رجل دع ما يريبك إلى مالا يريبك ، واحتط لدينك ، ولا يكن همك
الحكم بمذهبك ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، فإذا عملت
بمذهبك في المياه والطهارة والوتر والأضحية ، فأنت أنت ، وإن كانت همتك في
طلب الفقه [ الجدال ] (43) والمراء والانتصار لمذهبك على كل حال وتحصيل
المدارس [ والعلو ] (44) فما ذا فقها أخرويا ، [ بل ] (44) ذا فقه الدنيا
، فما ظنك تقول غدا بين يدي الله تعالى : تعلمت العلم لوجهك وعلمته فيك ،
فاحذر أن تغلط وتقولها فيقول لك : ( كذبت ، إنما تعلمت ليقال عالم ، وقد
قيل ، ثم يؤمر بك مسحوبا إلى النار ) ، كما رواه مسلم في الصحيح (45) .
فلا تعتقد أن مذهبك أفضل المذاهب وأحبها إلى الله تعالى ، فإنك لا دليل لك
على ذلك ، ولا لمخالفك أيضا ، بل الائمة - رضي الله عنهم - على خير كثير ،
ولهم في صوابهم أجران على كل مسألة ، وفي خطئهم أجر على كل مسألة (46) .
ــــــــــ
(43) وفي "م" ( والجدال ) .
(44) ليستا في "م" .
(45) (3 : 1513 ، 1514) من حديث أبي هريرة ، وهو حديث طويل ، وأخرجه كذلك
أحمد في ( المسند ، 2 : 321 ، 322) ، و ( النسائي ، 6 : 23 ، 24) .
(46) اقتباس من حديث عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يقول : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم
فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) ، أخرجه ( البخاري ، 13 : 318 - فتح ) ، و (
مسلم ، 3 : 1342) .
[
الشافعية
الفقهاء الشافعية أكيس الناس وأعلم من غيرهم بالدين ، فأس مذهبهم مبني على اتباع الأحاديث المتصلة ، وإمامهم من رؤوس أصحاب الحديث ومناقبه جمة * ، فإن حصلت يا فلان مذهبة لتدين الله به وتدفع عن نفسك الجهل فأنت بخير (47) ، وإن كانت همتك كهمة اخوانكــــــــــ
* ألف جماعة من أهل العلم في مناقب الشافعي كتبا كثيرة ، وهاك ذكر بعضها :
ا- آداب الشافعي ومناقبه : لابن أبي حاتم الرازي .
2- مناقب الشافعي : لأبي بكر البيهقي ، وهو من اوسعها .
3- مناقب الشافعي : للفخر الرازي .
4- مناقب الشافعي : للحافظ ابن كثير الدمشقي ( مخطوط ) منه نسخة في شتريتى - عندي صورة عنها .
5- توالى التأسيس بمعالى ابن ادريس : للحافظ ابن حجر العسقلاني .
وغيرهم من العلماء ، انظر ( طبقات الشافعية للسبكي ، 1 : 343 - 345) ، و ( كشف الظنون ، 2 : 1839) .
(47) قال المصنف - رحمه الله - في ( سير أعلام النبلاء ، 8 : 90) : ( وقال شيخ : إن الامام لمن التزم بتقليده ، كالنبي مع امته ، لا تحل مخالفته ، قلت - أي الذهبى - قوله : ( لا تحل مخالفته ) مجرد دعوى ، واجتهاد بلا معرفة ، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر ، حجته في تلك المسألة أقوى ، لا بل عليه اتباع الدليل فما تبرهن له لا كمن تمذهب لإمام ، فإذا لاح له ما يوافق هواه عمل به من أي مذهب كان ، ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رق دينه ... ) إلى آخر ما قال فإنه نفيس ، وهذا دليل على تجرد هذا الإمام فرحمه الله رحمة واسعة .
من الفقهاء البطالين ، الذين قصدهم المناصب والمدارس والدنيا
والرفاهية والثياب الفاخرة ، فما ذا بركة العلم ، ولا هذه نية خالصة ، بل
ذا بيع للعلم بحسن عبارة وتعجل [ للأجر ] (48) وتحمل للوزر وغفلة عن الله
، فلو كنت ذا صنعة لكنت بخير ، تأكل من كسب يمينك وعرق جبينك ، وتزدري
نفسك ولا تتكبر بالعلم ، أو كنت ذا تجارة لكنت تشبه علماء السلف الذين ما
أبصروا المدارس ولا سمعوا بالجهات ، وهربوا لما للقضاء طلبوا ، وتعبدوا
بعلمهم وبذلوه للناس ، ورضوا بثوب خام وبكسرة ، كما كان من قريب الإمام
أبو إسحاق (49) صاحب ( التنبيه ) ، وكما كان بالأمس الشيخ محيى الدين (50)
صاحب ( المنهاج ) .
وكما ترى اليوم سيدي عبد الله بن خليل ، وعلى كل تقدير احذر المراء في
البحث وإن كنت محقا ، ولا تنازع
ــــــــــ
(48) المثبت من "س" والمطبوعة والذي في "م" ( الأجر ) .
(49) هو الامام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفقيه الشيرازي الشافعي ،
المتوفى سنة 476 ، قال عنه ابن خلكان : ( كان في غاية من الورع والتشدد في
الدين ، ومحاسنه أكثر من أن تحصر ) . له ترجمة فى ( وفيات الأعيان ، 1 :
29) ، و ( تهذيب الأسماء واللغات ، 2 : 172) ، و ( طبقات الشافعية للسبكي
، 3 : 88) ، و ( كشف الظنون ، 1 : 489) وفيه ( أن كتابه هذا ( التنبيه في
فروع الشافعية ) هو أحد الكتب الخمس المشهورة المتداولة بين الشافعية ،
وأكثرها تداولا ) اهـ .
(50) هو الامام النووي ، وشهرته تغني عن ترجمته ، وكتابه هذا هو ( منهاج
الطالبين ) ، انظر ( كشف الظنون ، 2 : 1873) .
في مسالة لا تعتقدها ، واحذر التكبر (51) والعجب بعملك ، فيا
سعادتك إن نجوت منه كفافا لا عليك ولا لك ، فوالله ما رمقت عيني أوسع علما
ولا أقوى ذكاء من رجل يقال له : ابن تيمية ، مع الزهد في المأكل والملبس
والنساء ، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن ، وقد تعبت في وزنه وفتشته
حتى مللت في سنين متطاولة ، فما وجدت قد أخره بين أهل مصر والشام ومقتته
نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا الكبر والعجب ، وفرط الغرام في رياسة
المشيخة والازدراء بالكبار ، فانظر كيف وبال الدعاوي ومحبة الظهور ، نسأل
الله تعالى المسامحة ، فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه
ولا أزهد منه ، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وآثام أصدقائهم ، وما سلطهم
الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه ، وما دفعه الله عنه وعن أتباعه
أكثر ، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون ، فلا تكن فى ريب من ذلك (52) .
ــــــــــ
(51) وفي "س" والمطبوعه ( الكبر ) .
(52) قلت : هذه سنة الله تعالى في خلقه حيث أنه لا يقوم أحد من عباده
الصالحين بالدعوة والجهاد في سبيله إلا أوذي وامتحن ، وكان مصيرة الطرد
والتشريد والعقاب ، كما فعل بشيخ الاسلام - رحمه الله - ، وكلام المصنف -
رحمه الله - في مدح شيخه ابن تيمية والثناء عليه أشهر من أن يذكر وأكثر من
أن يحصر ، فمن ذلك قوله في ( تذكرة الحفاظ ، 4 : 1496) : ( وكان - أي ابن
تيمية - من بحور العلم ، ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد والشجعان
الكبار والكرماء الأجواد ، أثنى عليه الموافق والمخالف ) اهـ ، وللمؤلف
رسالة في =
[
الحنابلة
[ وأما ] (53) الحنابلة فعندهم علوم نافعة ، وفيهم دين في الجملة ، ولهم قلة حظ في الدنيا ، [ والجهال ] * يتكلمون في عقيدتهم ويرمونهم بالتجسيم ** ، وبأنه يلزمهم ، وهم بريئون من ذلك إلا النادر ، والله يغفر لهم .علم النحو
النحويون لا بأس بهم ، وعلمهم حسن محتاج إليه ، لكن النحوي إذا أمعن في العربية ، وعري عن علم الكتابــــــــــ
= سيرته اسمها ( الدرة اليتيمة في سيرة ابن تيمية ) ذكرها صاحب ( هدية العارفين ، 2 : 154) .
(53) من "س" والمطبوعة وسقطت من "م" .
* وفي "م" ( والعلماء ) وفي المطبوعة ( والناس ) والمثبت من "س" .
** وهذه حال النفاة ، والمعطلة ، سموا أهل الاثبات بأسماء بشعة قصدا للتنفير عنهم ، فإنهم يسمونهم مشبهة ، أي يشبهون الله بخلقه ، وسموهم مجسمة ، أي يقولون بأن الله جسم ، تعالى الله عن ذلك ، قال الامام أبو حاتم الرازي : ( علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار ، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة ... ) الى آخر ما ذكر ، راجع ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ، 1 : 179) ، و ( العلو للذهبى ، 139) ، و (شرح قصيدة ابن القيم للشيخ أحمد بن عيسى ، 2 : 81 - 82) فإنه لازما .
والسنة بقي فارغا بطالا لعابا ، ولا يسأله الله ، و [ الحالة ]
(54) هذه عن [ علمه ] (55) في الآخرة ، بل هو كصنعة من الصنائع كالطب
والحساب والهندسة لا يثاب عليها ولا يعاقب إذا لم يتكبر على الناس ولا
يتحامق عليهم واتقى الله تعالى وتواضع وصان نفسه .
علم اللغة
اللغويون قد عدموا في زماننا ، فتجد الفقيه لا يدري لغة الفقه ، والمقرىء لا يدري لغة القرآن ، والمحدث لا يعتني بلغة الحديث ، فهذا تفريط وجهل ، وينبغي الاعتناء بلغة الكتاب والسنة ليفهم الخطاب .علم التفسير
المفسرون : قل من يعتني اليوم بالتفسير ، بل يطالع المدرسون ( تفسير الفخر الرازي ) (56) وفيه إشكالات وتشكيكات لا ينبغي سماعها ، فإنها تحير وتمرض وتردي ولا تشفي غليلا ، نسأل الله العافية ، وأقوال السلف في التفسيرــــــــــ
(54) وفى "م" ( الحال ) ، وما اثبته من "س" والمطبوعة .
(55) وفي "م" ( كلمة ) .
(56) المسمى بـ ( مفاتيح الغيب ) وهو مطبوع متداول .
مليحة ، لكنها ثلاثة أقوال وأربعة أقوال فصاعدا فيضيع الحق بين
ذلك ، فإن الحق لا يكون في جهتين وربما احتمل اللفظ معنيين .
أصول الفقه
الأصوليون : أصول الفقه لا حاجة لك به يا مقلد ، ويا من يزعم أن الاجتهاد قد انقطع ، وما بقي مجتهد ، ولا فائدة في أصول الفقه إلا أن يصير محصله مجتهدا به ، فإذا عرفه ولم يفك تقليد إمامه لم يصنع شيئا ، بل أتعب نفسه وركب على نفسه الحجة في مسائل ، وإن كان يقرأ لتحصيل الوظائف [ و ] (57) ليقال ، فهذا من الوبال ، وهو ضرب من الخبال .علم أصول الدين
أصول الدين : هو اسم عظيم ، وهو منطبق على حفظ الكتاب والسنة ، فهما أصول دين الإسلام ، ليس إلا ، وأما العرف في هذا الاسم فهو مختلف باختلاف النحل .فأصول دين السلف الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته ، وبصفاته وبالقدر ، وبأن القرآن المنزل كلام
ــــــــــ
(57) من "س" والمطبوعة .
الله تعالى غير مخلوق ، والترضي عن كل الصحابة ، إلى غير ذلك من
أصول السنة ، وأصول دين الخلف هو ما صنفوا فيه ، وبنوه على العقل والمنطق .
فما كان السلف [ يحطون على ] (58) سالكه ويبدعونه ، وبينهم اختلاف شديد في
مسائل مزمنة ، تركها من حسن إسلام العبد ، فإنه يورث أمراضا في القلوب ،
ومن لم يصدقني يجرب ، فإن الأصولية بينهم السيف ، يكفر هذا هذا ، ويضلل
هذا هذا ، فالأصولي الواقف مع الظواهر و [ الآثار ] * عند خصومه يجعلونه
مجسما وحشويا ومبتدعا ، والأصولي الذي طرد التأويل عند الآخرين جهميا
ومعتزليا وضالا ، والأصولي الذي أثبت بعض الصفات ونفى بعضها وتأول في
أماكن يقولون : متناقضا ، والسلامة والعافية أولى بك ، فإن برعت في الأصول
وتوابعها من المنطق والحكمة و [ الفلسفة ] (59) ، وآراء الأوائل ومجازات
العقول ، واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف ، ولفقت بين العقل
والنقل ، فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقربها ، وقد
رأيت ما آل أمره إليه من الحط عليه ، والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب
بحق وبباطل ، فقد
ــــــــــ
(58) من "س" والمطبوعة ، ووقع في "م" ( يخطئون ) .
* وفي "م" ( الآيات ) وما بين المعكوفتين من "س" والمطبوعة ، وهو ما نقله
السخاوي في ( الإعلان ، صـ 77) عن المؤلف .
(59) في "م" ( الفلسفية ) .
كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منورا مضيئا ، على محياه سيما
السلف ، ثم صار مظلما مكسوفا ، عليه قتمة عند خلائق من الناس ، ودجالا
أفاكا كافرا عند أعدائه ، ومبتدعا فاضلا محققا بارعا عند طوائف من عقلاء
الفضلاء ، وحامل راية الإسلام وحامي حوزة الدين ومحيى السنة عند عوام
أصحابه ، هو ما أقول لك .
علم المنطق
والمنطق نفعه قليل ، وضرره وبيل ، وما هو من علوم الاسلام * ، والحق منه فكامن في النفوس الزكية بعبارات غريبة ، والباطل فاهرب منه فإنك تنقطع مع خصمك وتعرف أنك المحق ، وتقطع خصمك وتعرف أنك على الخطأ ، فهي عبارات دهاشة ومقدمات دكاكة ، نسأل الله السلامة ، [ و ] (60) إن قرأته للفرجة لا للحجة ، وللدنيا لا للآخرة ، فقد عذبت الحيوان وضيعت الزمان ، والله المستعان ، وأما الثواب فأيِّس منه ولا تأمن [ العقاب ] (61) إلا بمثاب .ــــــــــ
(60) من "س" والمطبوعة وفي "م" ( فإن ) .
(61) وفي "م" ( العذاب ) ، والمثبت من "س" والمطبوعة .
* قال السيوطي في ( القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق ) ضمن ( الحاوي للفتاوي 1/255) : ( فن المنطق فن خبيث مذموم يحرم الاشتغال به ) =
[
علم الحكمة
] (62)والحكمة الفلسفية الالهية ما ينظر فيها من يرجي فلاحه ، ولا يركن إلى اعتقادها من يلوح نجاحه ، فإن هذا العلم في شق وما جاءت به الرسل في شق ، ولكن ضلال من لم يدر ما جاءت به الرسل كما ينبغي بالحكمة شر ممن يدري ، وا غوثاه بالله ، اذا كان [ الذين ] (63) قد انتدبوا للرد على الفلاسفة قد حاروا ولحقتهم كسفة ، فما الظن بالمردود عليهم ؟! وما دواء هذه العلوم وعلمائها والعاملين بها علما وعقدا إلا الحريق والإعدام من الوجود .
ــــــــــ
= وقال أيضا : ( وليس له ثمرة دينية أصلا ، بل ولا دنيوية ، نص على مجموع ما ذكرته أئمة الدين ، وعلماء الشريعة .. ) ثم ذكر العلماء الذين نصوا على تحريمه ، كالشافعي وجمع غفير من اهل العلم ، لا يستطاع إحصاؤهم في هذه العجالة السريعة ، فراجعه فإنه لك مفيد .
هذا ولشيخ الاسلام ابن تيمية كتابان في بيان زيغ أهل المنطق وانحلالهم وهما :
ا- الرد على المنطقيين .
2- نقض المنطق .
وللسيوطي كتاب آخر قيم في هذا الباب وهو ( صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام ) .
(62) انظر تفصيل الكلام عليه ( التعريفات ، صـ 91 ) للجرجاني ، و ( كشف الظنون ، 1 : 276 - 281) ، و ( أبجد العلوم ، 2 : 245 - 257) .
(63) وفي "م" ( الذي ) .
[ إذ ] (64) الدين ما زال كاملا حتى عُرّبت هذه الكتب ، ونظر
فيها المسلمون ، فلو أعدمت لكان فتحا مبينا .
والحكمة الرياضية فيها حق من طبائع هندسية و [ حساب ] (65) ونحو ذلك ،
وفيها أباطيل وتنجيم وما أشبهه ، فباطلها يؤذي المرء في دينه ويضلله ،
وحقها صنعة وإتقان وتحرير مما لا أجر فيه ولا وزر ، والحكمة الطبيعية لا
بأس بها ، لكنها ليست من علوم الدين ، ولا مما يتقرب به الى الله ولا من
زاد المعاد ، بل [ هي ] (66) صنعة بلا ثواب ولا عقاب ، اذا كان صاحبها
سليم الاعتقاد عادلا خيرا كما رأينا جماعة منهم ، وقد يثاب الرجل على
تعليمها [ بالنية ] (66) إن شاء الله تعالى .
الفرائض
] (67)الفرضيون داخلون في الفقهاء ، إذ هو كتاب من كتب الفقه .
ــــــــــ
(64) وفي "م" ( إن ) .
(65) وفي "م" ( حسابيات) .
(66) سقطتا من "م" .
(67) علم يعرف به كيفية قسمة التركة على مستحقيها ، انظر ( التعريفات ، صـ 166) للجرجاني ، و ( كشف الظنون ، 2 : 1244) ، و ( أبجد العلوم ، 2 : 396) لصديق حسن القنوجي .
وهو علم مليح والامعان فيه [ يفوت ] * الوقت ، والتوسط في ذلك
جيد ، فكم من مسألة في الفرائض ما وقعت ولا تقع أبدا .
علم الإنشاء
الانشاء فن ابناء الدنيا ليس من علم الآخرة في شيء ، والكامل فيه محتاج إلى مشاركة قوية في العلوم الإسلامية ، [ و ] (68) يريد عقلا تاما ورزانة وسرعة منهم وقوة تخيل وبصرا باللغة والنحو وخبرة بالمعاني والبيان والسير وأيام الناس وفنون الأدب وحسن كتابة ، ولكن ليكن رأس مال المنشىء تقوى الله ومراقبته ، فربما وضع لفظة تعجبه يهوي بها الى النار وهو لا يدري (69) ، وربما أبدع في سطر ترتب عليه خراب مصر ، وربما أعان على تعلمه على سفك الدماء الحرام .فانظر أين أنت يا بليغ ؟ قد ذم نبيك (70) البلاغة فقال
ــــــــــ
* وفي "م" ( تفوت ) وهذا لا يستقيم به المعنى ، والمثبت من "س" والمطبوعة .
(68) ليست في "م" و "س" ، وأثبتها من المطبوعة ليتم بها سياق الكلام .
(69) أخرج ( البخاري ، 11 : 308) ، و ( مسلم ، 4 : 2290) واللفظ له ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها ، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ) ، ومعنى ( ما يتبين ) أي لا يتدبرها ليعرف قبحها ولا يهتبل بشأنها ، كالكلمة عند وال جائر يرضيه ، وفيها سخط الله تعالى ، وكالتعريض بمسلم يفعل كبيرة ) اهـ . مختصرا من ( شرح الأبي على صحيح مسلم ، 7 : 298) .
(70) وفي المطبوعة ( صلى الله عليه وسلم ) .
: ( إن من البيان لسحرا ) (71) وقال : ( العيّ من الإيمان ) (72)
، فكمل براعة البلاغة بإرضاء ربك الأعلى ، وبنصح رب الأمر ، فهنا كمال
البلاغة إن كنت من المتقين ، وإن تعذر ذلك فدينك ما منه عوض ، فمن اتقى
الله كفاه الناس ، ومن أرضى الناس بسخط الله سلط الله عليه من أرضاه ،
وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين .
علم الشعر
الشعر هو من فنون المنشىء وهو كلام ، فحسنه حسن وهو قليل ، وقبيحه قبيح وهو الأغلب ، وبيت ماله الكذب والإسراف في المدح والهجو والتشبيه والنعوت والحماسة ، وأملحه أكذبه ، فإن كان الشاعر بليغا مفوها مقداما على الكذب في لهجته مصرا على الاكتساب بالشعرــــــــــ
(71) أخرجه ( مالك ، 2 : 986) ، و ( أحمد ، 2 : 16 ، 59 ، 62) ، و ( البخاري ، 9 : 201 ، 10 : 237) ، و ( أبو داود ، 5007) ، و ( الترمذي ، 2028) ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
(72) أخرجه ( ابن ابي شيبة ، في كتاب الإيمان ، 188) ، و ( أحمد ، 5 : 269) ، و ( الترمذي ، 2027) وحسنه ، و ( ابن أبي الدنيا ، في كتاب الصمت ، ق 11/2 ب ) ، و ( الحاكم ، في المستدرك ، 1 : 52) ، و ( الخرائطي ، في مكارم الاخلاق ، صـ 49) ، و ( البغوي ، في شرح السنة ، 12 : 366) ، من حديث أبي أمامة ، وإسناده صحيح ، وحسنه الحافظ العراقي كما في ( فيض القدير ، 3 : 428) ، ( والعي ) : سكون اللسان تحرزا عن الوقوع في البهتان اهـ من ( الفيض ) .
رقيق الدين ، فقد قرأ مقت الشعراء في سورة الشعراء (73) .
ويندرعلى الشعراء المجودين من يتصون من الهجو ، وربما أدى الأمر بالشاعر
إلى التجاوز إلى الكفر ، نسأل الله العفو ، والشاعر المحسن كحسان ،
والمقتصد كابن المبارك ، والظالم كالمتنبي ، والسفيه الفاجر كابن الحجاج
(74) ، والكافر كذوي الإتحاد ، فاختر لنفسك أي واد تسلك .
علم الحسا ب
] (75)الحساب وشرع الديوان هذا من علوم القبط والفرس ، ليس من علوم الإسلام ، وهو صنعة ومعيشة ينال [ بها ] * الرجل السعادة والدنيا ، وكلما كان أمهر كان أسرق ، ومن اتقى الله فيها وكتب لقضاة العدل وباشر الأيتام والصدقات ومال الأوقاف والمدارس ولزم الأمانة واتقى
ــــــــــ
(73) قال الله تعالى : [ والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون ] ( الشعراء : 224 - 226) .
(74) هو الحسين بن أحمد بن الحجاج المتوفى سنة 391 ، قال عنه ابن خلكان : ( الشاعر المشهور ذو المجون والخلاعة والسخف في شعره ) اهـ ، وقال ابن كثير : ( الشاعر الماجن المقذع في نظمه ، يستنكف اللسان عن التلفظ بها ، والاذنان عن الاستماع لها ) ، له ترجمة في ( تاريخ بغداد ، 8 : 14) ، و ( وفيات الأعيان ، 2 : 168) ، و ( البداية والنهاية ، 11 : 329) .
(75) راجع لمزيد من التفصيل والكلام على هذا العلم ( كشف الظنون ، 1 : 662 - 665) ، و ( أبجد العلوم ، 2 : 238 - 244) .
* وفي "م" ( فيها ) .
[ فيه ] (76) فهذا محمود [ و ] (76) مأجور بنيته ، فقد رأينا
جماعة يسيرة على نحو ذلك ، نعم ، ورأينا ذئابا [ عليهم ] (77) الثياب ،
وفاسق الكتبة [ إليه المنتهى ] (78) في السرق وعاقبة أمرهم وبيلة من الضرب
والمصادرة والفقر .
علم الشروط
] (79)الشروط علم حسن شرعى ، من [ برع ] (80) فيه ولزم العدالة والورع عاش حميدا (81) ومات [ فقيدا ] ، ومن عاش فيه بالحيل والمكر والدهاء فلا بد له من خزي في الدنيا ومقت في الأخرى وإن تسود هذا ، [ قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ] ( النساء : 77 ) .
علم الوعظ
الوعظ فن بذاته يحتاج إلى مشاركة جيدة في العلم ،ــــــــــ
(76) لا وجود لهما في "م" .
(77) في "م" ( عليها ) .
(78) وفي "م" ( إليها النهاية ) .
(79) علم يبحث عن كيفية ثبت الأحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلات ، راجع ( كشف الظنون ، 2 : 1045 - 1047) ، و ( أبجد العلوم ، 2 : 339 - 340) .
(80) وفي "م" ( شرع ) .
(81) وفي "م" ( سعيدا ) .
ويستدعي معرفة حسنة بالتفسير وإكثارا من حكايات الفقراء والزهاد .
وعدته التقوى والزهادة ، فإذا رأيت الواعظ راغبا [ في الدنيا ] (82) قليل
الدين ، فاعلم أن وعظه لا يتجاوز الأسماع ، وكم من واعظ مفوه قد أبكى وأثر
في الحاضرين تلك الساعة ، ثم قاموا كما قعدوا ، ومتى كان الواعظ مثل
الحسين والشيخ عبد القادر الجيلاني - رحمهما الله تعالى - انتفع به الناس .
***
ــــــــــ
(82) من المطبوعة ، وقد أثبتها ليتم بها المعنى ، والله أعلم .
.
ــــــــــ
(83) له ترجمة في ( البدر الطالع ، 1 : 284) و ( الأعلام للزركلي ، 3 :
192) .
(84) بعده بقدر ثلاث كلمات لم أستطع قراءته ، وفي آخر نسخة الجامعة
الاسلامية : ( تم كتاب ( زغل ) بحمد الله وحسن توفيقه ، للحافظ العلامة
أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي ، تول الله
مكافأته ، آمين ) .