كتاب : فضل قيام الليل والتهجد
المؤلف : أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيُّ البغدادي
بسم الله الرحمن الرحيمكتاب «فضل قيام الليل والتهجد»
للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري
المتوفى سنة ستين وثلاثمئة
رحمه الله تعالى
حدثنا أبوداود قال: حدثنا الحافظ أبوعمرو المقري قال: حدثنا أبوالقاسم سلمة بن سعيد بن سلمة الأستجي. وحدثنا أيضاً أبوعمرو قال: حدثنا [.... عبدالله....] حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري رحمه الله تعالى قال: المحمود الله تعالى في كل حال والمصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين وبالله أستعين:
كتاب قيام الليل
اعلموا رحمنا الله وإياكم أنا لله عز وجل أثنى على المتهجدين في الليل فأحسن عليهم الثناء ووعدهم أحسن ما يكون من الوعد الجميل ورغب النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل وحث أمته عليه وهكذا العلماء رغبوا فيه وحثوا على قيامه ونَبُلَ عند جميع المسلمين من كان له حظ في قيام فنحن نبين لإخواننا ما فيه من الفضل العظيم والحظ الجزيل ليكون الراغب في قيام الليل على بصيرة من أمره يتاجر مولاه الكريم بعلم ويحسن الخدمة للمولى رجاء القربة منه فأما ما وصف الله عز وجل به المتقين من أخلاقهم الشريفة في الدنيا التي أعقبتهم عند الله عز وجل شرف المنازل في دار السلام فأثنى عليهم بما تفضل به عليهم ووفقهم له فله الحمد على ذلك قال الله عز وجل: (إن المتقين في جنات وعيون* آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين* كانوا قليلا من الليل ما يهجعون* وبالأسحار هم يستغفرون) فوصفهم جل ذكره بقلة النوم أنهم أكثر ليلهم قياما إلى السحر ثم أخذوا عند السحر في الاستغفار لما سلف منهم مما لا يرضيه وإشفاقا منهم على أعمالهم الصالحة ألا ترضيه أَفَتَرى الكريم لا يجيبهم بل يجيبهم وهو أكرم من ذلك ثم قال جل ذكره فيما وصف به عباده من الأخلاق التي شرفهم بها فقال: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا* وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما* والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) فوصفهم جل ذكره أنهم في مبيتهم في ليلهم ليس هم كغيرهم من سائر الناس وذلك أن أكثر الخلق يتلذذون بالنوم وهؤلاء استأثروا الخدمة لمولاهم الكريم ثم وصفهم جل ذكره في موضع آخر فقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) وقال الله عز وجل: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) قال محمد بن الحسين تدبروا رحمكم الله ما تسمعون من مولاكم الكريم كيف
يخبر
بكثرة سجودهم وطول قيامهم وحسن خدمتهم من عظيم شأن الآخرة وشدة أهوالها
وأن الغالب على قلوبهم شدة الخوف والوجل مع المسارعة فيما يرضيه وكذلك
وصفهم في موضع آخر من كتابه فقال عز وجل: (إن الذين هم من خشية ربهم
مشفقون* والذين هم بآبات ربهم يؤمنون* والذين هم بربهم لا يشركون والذين
يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في
الخيرات وهم لها سابقون) وقال عز وجل: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة
قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) فأخبر عز وجل عن تلاوتهم
للقرآن في الليل تارة قياما وتارة لله سجدا. قال عبد الله بن المبارك فيما
وصف به أهل التهجد في الليل فقال:
قد حملوا الليل أبدانا مذللة……وأنفسنا لا دنيات ولا دون
وراوحوا بين أقدام لهم صبر……وأوجه عفروا منها العرانين
يطون في محكم الفرقان أمنته……وتارة سجدا لله يبكون
تمري قوارع في القرآن أعينهم……مري المرايي أكف المستدرين
وقال ابن المبارك أيضا:
إذا ما الليل أظلم كابدوه……فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا……وأهل الأمن في الدنيا هجوع
(1)
حدثنا بهذا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال سمعت محمد بن علي بن
شقيق قال سمعت أبي يقول قال عبد الله بن المبارك، وذكر هذه الأبيات.
(2)
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي
قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا مبارك بن فضالة عن الحسن في قول
الله عز وجل: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) قال قليل من الليل ما
ينامون: (وبالأسحار هم يستغفرون) قال مدوا الصلاة إلى الأسحار ثم أخذوا في
الأسحار بالاستغفار.
قال محمد بن الحسين وقد روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم في الحث على قيام الليل ورغب فيه أمته وأخبر أنه لا صلاة بعد
صلاة القريضة أفضل من قيام الليل:
(3) حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى
الحلواني قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا أبو عوانة عن
عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحلواني وحدثنا الحماني قال حدثنا
أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة صلاة الليل.
(4)
حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا يحيى بن
معين قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن
أبي إدريس عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام
الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله عز وجل ومكفرة للسيئات
ومبرأة من الإثم ومنهاة عن الإثم.
(5) وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال
حدثنا يزيد بن عبد الله بن رزيق قال حدثنا الوليد بن مسلم قال أخبرنا عبد
الرحمن بن سليمان عن الأعمش عن أبي العلاء العنزي عن سلمان الفارسي عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين
قبلكم وهو قرب من الله عز وجل وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة
للداء عن الجسد.
(6) حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال حدثنا
أيوب بن سليمان الصغدي قال حدثنا ثابت بن موسى قال حدثنا شريك بن عبد الله
عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
(7) وحدثنا أبو
الفضل الشكلي أيضا قال حدثنا علي بن موفق [.. .] ما بال أهل الليل حسان
الوجوه قال لأنهم قربوا من الله عز وجل فكساهم من نوره.
(8) حدثنا
أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال حدثنا عبد العزيز بن عباد أخو حمدون
بن عباد الفرغاني قال محمد بن عبد الحميد قال حدثنا شيخ من البصريين عن
إسماعيل بن مسلم قال قيل للحسن ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها قال
لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره.
(9) أخبرنا أبو بكر جعفر بن
محمد الفريابي قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني قال حدثنا يحيى
بن آدم قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة وأبي الكنود عن عبد
الله بن مسعود قال يضحك الله عز وجل إلى رجلين رجل قام في جوف الليل وأهله
نياما فتطهر ثم قام يصلي فيضحك الله إليه ورجل لقي العدو فانهزم أصحابه
وثبت حتى رزقه الله عز وجل الشهادة.
(10) حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح
بن ذريح العكبري قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا أبو معاوية عن عبد
الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إن في الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها وظهورها من
بطونها قال فقام أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله فقال هي لمن طيب الكلام
وأطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام.
(11) حدثنا
الفريابي قال حدثنا منجاب بن الحارث قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن
أبي عبيدة قال قال عبد الله يعني ابن مسعود إن في التوراة مكتوبا لقد أعطى
الله عز وجل الذين تتجافى جنوبهم ما لم تر عين ولا تسمع أذن ولم يخطر على
قلب بشر ما لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل قال ونحن نقرؤها : (فلا تعلم
نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).
(12) حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف
الشكلي قال حدثنا عمي قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا حسين بن علي
الجعفي قال حدثنا هلال قال حدثني طلحة بن مصرف قال بلغني أن العبد إذا قام
من الليل للتهجد ناداه ملك طوبى لك سلكت منهاج العابدين قبلك قال وإن
ليلته تلك لتوصي به الليلة الأخرى أن أيقظيه في وقته الذي قام فيه قال
ويتناثر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه ويناديه مناد لو يعلم
المناجي من ينادي ما انفتل.
(13) حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن
عبد الجبار الصوفي قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا عبد الله بن وهب عن
عمرو الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه وطال ليله فقامه.
(14)
حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال حدثنا يعقوب الدورقي قال حدثنا عبد الله بن
إدريس قال حدثنا حصين عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال كان إذا جاء الشتاء
قال يا أهل القرآن طال الليل لصلاتكم وقصر النهار لصيامكم فاغتنموا.
(15)
حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال حدثنا إبراهيم بن مُجَشِّر قال حدثنا هشيم
بن بشير قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا الحسن قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلوا من الليل ولو ركعتين، ما من أهل بيت تعرف لهم صلاة بالليل
إلا ناداهم مناد يا أهل القرآن قوموا لصلاتكم. قال هشيم وأخبرنا غير أبي
عامر أن الحسن قال في هذا الحديث فالله أعلم ما ذاك المنادي.
(16)
حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا
إسحاق الأزرق عن عوف الأعرابي عن أبي مخلد عن أبي العالية قال حدثني أبو
مسلم قال قلت لأبي ذر أي صلاة الليل أفضل قال سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال نصف الليل وقليل فاعله.
قال محمد بن الحسين ينبغي لمن
كان له حظ من الليل أن يدوم عليه ويراعيه قل ذلك أو كثر ويتحذر من فتور
النفس فإن النفس ربما فترت واستلذت النوم في وقت القيام فزين لها الشيطان
النوم لينام عن القيام حسدا منه للمؤمن فينبغي لمن أحس بذلك من نفسه أن
يكثر الذكر لله عز وجل عند استيقاظه ونضح الماء عل وجهه فإنه ينطرد عنه ما
أمله الشيطان من الفتور عن القيام والله أعلم.
(17) حدثنا أبو بكر عبد
الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن
المقرئ قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام أحدكم عقد الشيطان على رأسه
ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل أي ارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت
عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انجلت العقد كلها قال فيصبح طيب النفيس
نشيطا وإلا أصبح خبيث النفس كسلانا.
(18) وحدثنا أبو عبد الله محمد بن
مخلد العطار قال حدثنا محمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني قال حدثنا بكر بن
بكار قال حدثنا قرة عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما أحد ينام إلا ضرب على سماخه بجرير معقد فإن استيقظ
وذكر الله حلت عقده فإن استيقظ توضأ حلت عقدة أخرى فإن قام يصلي حلت العقد
كلها فإن هو لم يستيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيئتها وبال
الشيطان في أذنه.
(19) حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال حدثنا يعقوب بن
إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان حدثني القعقاع بن
حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم
الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها من
الماء ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في
وجهه من الماء.
(20) وحدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال حدثنا
العباس بن محمد الدوري قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا شيبان بن
عبد الرحمن عن الأعمش عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد
الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استيقظ من الليل وأيقظ
أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
(21)
وأخبرنا حامد بن شعيب البلخي قال حدثنا أبو عمر المقري قال حدثنا سنيد بن
داود عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أم سليمان بن داود يا بني لا تكثر
النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل يترك الرجل فقيرا يوم القيامة.
(22)
حدثنا أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي قي المسجد الحرام قال حدثنا صامت بن
معاذ قال قرأنا على أبي قرة موسى بن طارق قال ذكر رزعة بن صالح عن زياد بن
سعد عن أبان ابن أبي عياش عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول إن العبد إذا صلى حتى يدركه النعاس وهو ساحد فإن الله عز وجل
يباهي به الملائكة يقول انظروا إلى عبدي نفسه عندي وجسده في طاعتي.
قال
محمد بن الحسين فيما ذكرته واختصرته بلاغ لمن منع نفسه لذة النوم فآثر
القيام وراوح بين الأقدام وتنعم بتلاوة القرآن يرجو بذلك رضى الرحمن عز
وجل فلو شهدته يا أخي في الليل المظلم فقلبه لما يتلو من القرآن متدبر
وبأمثاله معتبر وفيما حكى متفكر وبالوعد والوعيد لنفسه مذكر فالقلب من ذكر
الموت خائف مقلق ولما عمل من الحسنات مشفق فالاستغفار شعاره وهجوم الظلام
سروره وحسن الظن بالله الكريم آماله والله ولي التوفيق.
قال محمد بن
الحسين بلغني عن شيخ من المتعبدين أنه كان له ورد من الليل يقومه ففتر عن
ورده ذات ليلة قال فإذا أنا بجارية قد وقفت على رأسي كأن وجهها قمر وبيدها
رق وفيه مكتوب فقال أيها الشيخ أتقرأ قلت نعم قالت اقرأ ما في هذا فأخذته
فقرأته فإذا فيه:
ألهتك لذة نومة عن خير عيش……مع الخير في غرف الجنان
تعيش مخلدا لا موت فيه……وتنعم في الجنان مع الحسان
تيقظ من منامك إن خيرا……من النوم التهجد بالقرآن
قال فما ذكرتها ساعة إلا ذهب عني النوم.
باب فيمن كان له ورد من الليل يقومه فشغله عنه مرض أو عذر ونام عنه ومن نيته القيام
(23)
حدثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان
الكوفي قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة بن قدامة عن سليمان الأعمش
عن حبيب بن أبي ثابت عن عبدة بن أبي لبابة عن سويد بن غفلة عن أبي الدرداء
يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم
فيصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه
من ربه عز وجل.
(24) حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا
سليمان بن يوسف الحراني قال حدثنا محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني قال
حدثنا أبو جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن
يزيد عن عائشة رحمها الله قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان
له صلاة يصليها من الليل فنام عنها كان ذلك صدقة تصدق الله عز وجل عليه
وكتب له أجر صلاته.
قال محمد بن الحسين هذا والله أعلم على قدر شدة
الأسف على ما فاته من ليلته كيف شغل عنه حتى فاته القيام فقد أخذ نفسه
بالتحرز فيما يستقبل خوفا أن يفوته ورده ثانية.
(25) حدثنا أبو الفضل
العباس بن وسف الشكلي قال حدثنا محمد بن منصور الزاهد قال كان لسعد بن
يزيد ورد من الليل يقومه ففتر عن ورده ذات ليلة فأصبح حزينا وأنشأ يقول:
ألا في سبيل الله عمر رزيته……وطول ليال فات منها نعيمها
أأعبر أيامي فما أستطيعها……وتذهب عيني ليلة لا أقومها
وتنقطع الدنيا ويذهب عيشها……ويغتنم الخيرات منها حكيمها
أعاود جهلا بعد خير وصبوة……تمر بأيامي فتبقى رسومها
(26)
حدثنا أبو الفضل الشكلي أبيضا قال لي محمد بن عبد العزيز السائح قال حدثنا
أبي قال كان فتى من المتعبدين له ورد من الليل يقومه ففتر عن ورده ذلك قال
فبينما أنا ذات ليلة راقد رأيت في منامي كأن فتى وقف علي فقال لي:
تيقظ لساعات من الليل يا فتى……لعلك تحبى في الجنان بحورها
فتنعم في دار يدوم نعيمها……محمد فيها والخليل بدورها
قم فتيقظ ساعة بعد ساعة……عساك تفضي ما بقي من مهورها
(27)
حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال حدثنا عبد الرزاق بن عقيل بن
عيسى الأصبهاني قال حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن سلام قال حدثني يحيى بن
عيسى بن ضرار السعدي عن عبد العزيز بن سلمان العابد وكان يرى الآيات
والأعاجيب قال حدثني مطهر السعدي وكان قد بكى شوقا إلى الله عز وجل ستين
عاما قال رأيت كأني على ضفة نهر يجري بالمسك الأذفر حافتاه لؤلؤ ونبت من
قضبان الذهب فإذا أنا بجوار مزينات يقلن بصوت واحد:
سبحان المسبح بكل مكان سبحانه……وسبحان الموحد بكل مكان سبحانه
سبحان الدائم في كل الأزمان سبحانه
فقلت من أنتن؟ فقلن نحن خلق من خلق الرحمن سبحانه فقلت فما تصنعن ها هنا؟ فقلن:
ذَرَأَنَا إله الناس رب محمد……لقوم على الأطراف بالليل قوم
يناجون رب العالمين إلههم……فتسري هيوم القوم والناس نوم
قلت
بخ بخ فهؤلاء من هؤلاء قد أقر الله الكريم أعينهم بكن قلن أو ما تعرفهم؟
قلت لا والله ما أعرفهم قلن بلى هؤلاء المتهجدون أصحاب السهر بالقرآن.
(28)
حدثنا ابن مخلد قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا أحمد قال حدثنا يونس بن
يحيى المدني عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه أن تميما الداري نام
ليلة لم يقم يتهجد فيها فقام لم ينم فيها ولم يغمض للذي صنع.
(29)
وحدثنا ابن مخلد قال حدثنا أبو جعفر محمد بن حسان بن فيروز الأزرق قال
حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال كنا نغازي
مع عطاء الخراساني فكان يحيى الليل صلاة فإذا مر من الليل ثلثه أو أكثر
نادانا ونحن في فساطيطنا يا عبد الرحمن بن يزيد ويا يزيد بن يزيد ويا هشام
بن الغاز قوموا فتوضؤوا وصلوا فقيام هذا الليل وصيام هذا النهار أيسر من
مقطعات الحديد وشراب الصديد الوحاء الوحاء النجاء النجاء ثم يقبل على
صلاته.
(30) حدثنا أبو الفضل الشكلي قال سمعت علي بن موفق يقول قال
داود بن رشيد كان فتى من المتعبدين له ورد من الليل فأجنب ذات ليلة فقام
واغتسل والماء بارد فاشتد عليه فبكى فنودي أنمناهم فأقمناك وتتباكى علينا
أو كما قال أبو الفضل.
باب ما يستحب أن يفعله القائم المتهجد
قال
محمد بن الحسين أحب لمن أراد القيام من النوم للتهجد أن يتسوك وأن يتطهر
وإن أمكنه أن يتطيب فليفعل ويذكر الله عز وجل ويمجده ويحمده بما كان النبي
صلى الله عليه وسلم يذكره ويفعله عند القيام من منامه ويحفظه فإنه باب
شريف حسن لمن وفقه الله عز وجل يسير على من يسره الله له.
(31) حدثنا
أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا عبد الجبار بن العلاء وأبو عبيد
الله المخزومي وإبراهيم بن سعيد الجوهري والحسن بن الصباح وغيرهم واللفظ
لعبد الجبار قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عاصم الأحول عن طاوس عن
ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد
قال اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيم
السماوات والأرض ومن بينهن ولك الحمد أنت الحق ولقاؤك حق ومحمد حق اللهم
بك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي
ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر ولا إله
غيرك.
قال محمد بن الحسين ينبغي لمن كان له حظ من قيام الليل أن
يحفظ هذا وإنما أحثه على حفظه ليستعمله وكذا ينبغي لكل مسلم أن يحفظه ممن
لا حظ له في قيام الليل فيدعو به رجاء أن يوفقه مولاه الكريم لقيام الليل
إن شاء الله تعالى.
(32) حدثنا الفريابي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
قال حدثنا هشيم بن بشير قال حدثنا حصين عن أبي وائل عن حذيفة قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد يشوص فاه بالسواك.
(33) وحدثنا
الفريابي قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا
سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور وحصين عن أبي وائل عن حذيفة أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتهجد يشوص فاه بالسواك.
(34)
حدثنا الفبريابي قال حدثنا حبيب بن سعيد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن
الحسن بن عبد الله النخعي عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي أن
عليا رضي الله عنه كان يحث عليه ويأمر به يعني السواك وقال إن الرجل إذا
قام يصلي دنا المَلَكُ منه فيستمع القرآن فما يزال يدنو حتى يضع فاه على
فيه فما يلفظ من آية إلا دخلت جوفه.
(35) وحدثنا الفريابي قال حدثنا
عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي
عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال إذا قام أحدكم من
الليل فليتسوك فإنه إذا قرأ القرآن دنا المَلَكُ منه ثم لم يزل يدنو حتى
يضع فاه على فيه.
(36) حدثنا الفريابي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال
حدثنا الليث بن سعيد عن عقيل بن خالد عن الزهري قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا تسوك أحدكم ثم قام يقرأ طاف به الملك يستمع القرآن حتى
يجعل فاه على فيه فلا يخرج آية من فيه إلا في في الملك وإذا قام ولم يتسوك
طاف به ملك ولم يجعل فاه على فيه.
(37) حدثنا أبو عبد الله ابن مخلد
العطار قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا جعفر بن عون قال حدثنا
أبو عيسى عن عون بن عبد الله قال كان عبد الله بن مسعود إذا قام إلى
الصلاة تعجبه الريح الطيبة والثوب النظيف.
(38) حدثنا ابن مخلد العطار
قال حدثنا العباس الدوري حدثنا عثمان بن عمر عن يونس بن يزيد قال حدثني
مولى لابن محيريز أن ابن محيريز كان إذا قام إلى الصلاة دعا بغالية وضمخ
بها ما يردع (.. .) صلاة بين المغرب والعشاء. قال محمد بن الحسين وأحب أن
يديم الرجل على الصلاة فيما بين المغرب والعشاء فإنه يقال إنها [.. .. .]
الله عز وجل في القرآن وقد قيل في قوله عز وجل: (تتجافى جنوبهم عن
المضاجع) قيل الصلاة بين المغرب والعشاء الآخرة (.. .. .) فمن أحيى ما
بينها فحظه الوافر أطيب إن شاء الله ومن صلى ست ركعات فحسن جميل ومن صلى
أربع ركعات ففيها بال ثم أحب لمن صلى على هذا النعت أن يتفكر فيما اكتسبه
في يومه الذي مضى عنه فإن كان فرط فيما لا ينبغي أن يفرط أن يستغفر الله
عز وجل ويتوب إليه منه ويعتقد أن لا يعود إلى ما يكره مولاه الكريم هذا
واجب عليه وينظر فيما اكتسبه من كل خير عمله فيلزم نفسه الشكر لله عز وجل
ويتوب إليه منه ويعتقد على ما وفقه لذلك الخير ويسأله الزيادة منه
والمعونة على شكره فإنه قريب مجيب لمن دعاه وأقبل عليه ومتعطف على من أدبر
عنه.
(39) حدثنا ابن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال حدثنا
عبد الله بن المبارك قال حدثنا سفيان الثوري عن عامر عن عبد الرحمن بن
الأسود عن أبيه قال ما أتيت عبد الله بن مسعود في تلك الساعة إلا وجدته
يصلي فقلت له في ذلك فقال نعم ساعة القبلة يعني ما بين المغرب والعشاء.
(40)
وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال حدثنا ابن
المبارك قال أخبرنا عمارة بن زاذان عن ثابت البناني قال كان أنس بن مالك
يصلي ما بين المغرب والعشاء ويقول هذه ساعة ناشئة الليل.
(41) وحدثنا
أبو محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال حدثنا ابن
المبارك قال أخبرنا موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن ابن عمر قال من أحيى
أربع ركعات بعد المغرب كان كالمعقب غزوة بعد غزوة.
(42) وحدثنا أبو
محمد أيضا قال حدثنا الحسين بن الحسن قال حدثنا بن المبارك قال أخبرنا
موسى بن عبيدة عن عبد الله بن عبيدة عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال
صلاة الأوابين الخلوة التي بين المغرب والعشاء حتى يثوب الناس إلى الصلاة.
(43)
وحدثنا أبو محمد بن صاعد أيضا قال حدثنا الحسين بن الحسن قال حدثنا ابن
المبارك قال حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال حدثنا زهرة بن معبد عن أبي عبد
الرحمن الحبلي قال إذا صليت المغرب فقم فصل صلاة رجل لا يري أن يصلي تلك
الليلة فإن رزقت من الليل قياما كان خيرا رزقته وإن لم ترزق قيام كنت قد
قمت أول الليل.
(44) حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال حدثنا
أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا يزيد بن أبي حكيم العدني قال سألت سفيان
الثوري عن قول الله عز وجل: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون
آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) فحدثني عن منصور قال بلغني أنهم كانوا
يصلون ما بين المغرب والعشاء.
(45) حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد
قال حدثنا أبو زكريا بن بارحة قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال
حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك في قول الله عز وجل: (تتجافى جنوبهم
عن المضاجع) قال بين المغرب والعشاء.
(46) وحدثنا أبو عبد الله ابن
مخلد قال حدثنا أبو يعلى زكريا بن يحيى بن خلاد قال حدثنا محمد بن عون بن
عمارة العبدي قال حدثنا مخلد أبو الهيثم الدهان عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صلاة أحب إلى الله
عز وجل من صلاة المغرب ختم بها نهاره واستفتح بها الليل لم يحطها عن مسافر
ولا عن مقيم فمن صلاها ثم صلى بعدها ركعتين من غير أن يكلم أحدا كتبتا له
أو رفعتا له في عليين فإن صلى بعدها أربع ركعات من غير أن يكلم جليسا بنى
الله عز وجل له قصرين مكللين بالدر والياقوت بينهما من الخيام ما لا يعلم
علمها إلا الله عز وجل فإن صلاهما ست ركعات من غير أن يكلم جليسا غفرت له
ذنوبه أربعين عاما.
(47) وحدثنا ابن مخلد قال حدثنا حفص بن عمرو
الربالي قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن
أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من صلى ست ركعات بعد المغرب لا يتكلم بينهن بسوء عدلن له
كفارة اثنتي عشرة سنة.
قال محمد بن الحسين:
(48) وقد روي عن سفيان
الثوري أنه قال من صلى بعد المغرب ركعتين يقرأ في كل عشرين مرة قل هو الله
أحد بني له قصر في الجنة فإذا أصبح قالت الملائكة انطلقوا بنا ننظر إلى
قصر فلان.
تم الجزء والحمد لله تعالى في سابع عشر من ذي الحجة متم ستة
عشر وثمانمئة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله
أجمعين.